شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث - الراجحي

عبد العزيز الراجحي

[1]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [1] رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث لشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني عقيدة شاملة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وفق ما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم.

نبذة مختصرة عن رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث

نبذة مختصرة عن رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وعلى أصحابه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا إن شاء الله بحوله وقوته نشرع في شرح هذه الرسالة المسماة: عقيدة السلف وأصحاب الحديث، للإمام المحدث المفسر شيخ الإسلام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، وهو من علماء القرن الرابع والخامس الهجري، فإن ولادته عام ثلاث وسبعين وثلاثمائة، ووفاته عام تسع وأربعمائة، وهذه العقيدة شاملة، بين فيها المؤلف رحمه الله عقيدة السلف وأصحاب الحديث في ألوهية الرب وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأفاض وتوسع في الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع كصفة الكلام، وناقش أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله مخلوق، وإن القرآن مخلوق، وبين أن هذا كفر وضلال. كما تكلم عن صفة النزول وبين أن النصوص فيها متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد، وأنه يجب إثبات النزول لله عز وجل على ما يليق بجلاله وعظمته، وكذلك صفة الاستواء وصفة الرؤية، فهذه الصفات: الكلام والعلو والاستواء والرؤية اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع، ولذلك أفاض فيها المؤلف رحمه الله. وهذه الصفات الثلاث هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، فمن أثبتها فهو من أهل السنة ومن أنكرها فهو من أهل البدع. وكذلك أيضاً بين عقيدة أهل السنة في عذاب القبر ونعيمه، وفي الجنة والنار، وفي الخير والشر، وفي المقتول هل هو مقتول بأجله، وفي القضاء والقدر، وفي الموت. كذلك شرح عقيدة أهل السنة في الإيمان، وأنه قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح، وبين عقيدة أهل السنة والجماعة في أنهم لا يكفرون بالذنب خلافاً للخوارج والمعتزلة. وكذلك أيضاً بين عقيدة أهل السنة في الصحابة وأنهم يترضون عنهم ويتولونهم وينزلونهم منازلهم التي تليق بهم بالعدل والإنصاف على حسب النصوص لا بالهوى والتعصب، خلافاً للرافضة الذين كفروا الصحابة وفسقوهم وطعنوا فيهم، وعبدوا أهل البيت، وخلافاً للنواصب الذين نصبوا العداوة لأهل البيت. وكذلك أيضاً بين عقيدة أهل السنة في وسوسة الشياطين وفي السحر والسحرة، وأن السحر له حقيقة وله خيال، خلافاً لمن قال: ليس منه حقيقة وإنما هو خيال. وبين آداب أصحاب الحديث وبين علامات أهل البدع وعلامات أهل السنة وبين عواقب العباد، ومشيئة الله، وبين الإرادة وأنها تنقسم إلى نوعين، وتكلم عن الخير والشر، وتكلم عن الهداية وأقسامها، وبين أن أفعال العباد مخلوقة لله خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه. وكذلك بين عقيدة أهل السنة في الحوض والكوثر، والشفاعة والبعث بعد الموت، وهو أصل من أصول الإيمان، ومن أنكر البعث فهو كافر بنص القرآن. وذكر عقيدة السلف من الأخبار الواردة في الأسماء والصفات، وأنهم إذا ثبت الخبر والنقل بالعدول الثقات الضابطين واتصل السند فإنه يعمل به ويقبل في العقائد وفي الأعمال وفي كل شيء، فإذا صح سند الحديث وعدلت رواته ولم يكن فيه شذوذ ولا علة فإنه مقبول في العقائد والأعمال والأخلاق وفي كل شيء، فهي عقيدة أهل السنة والجماعة خلافاً لأهل البدع من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: لا نقبل خبر الآحاد في العقائد، وهذا مذهب باطل مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، فهي عقيدة شاملة بين فيها المؤلف رحمه الله عقيدة السلف وأصحاب الحديث وفق ما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه الصحابة.

ترجمة أبي عثمان الصابوني

ترجمة أبي عثمان الصابوني

نسبه

نسبه قال المحقق: [هو أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد الصابوني النيسابوري الحافظ المفسر المحدث الفقيه الواعظ الملقب بشيخ الإسلام. وأما لفظ الصابوني، فقد ذكر السمعاني في كتاب الأنساب: أنه نسبة إلى عمل الصابون، وقال: هو بيت كبير بنيسابور الصابونية لعل بعض أجدادهم عمل الصابون فعرفوا به]. هذه الطبعة دراسة وتحقيق الدكتور ناصر الجديع. قال: [وأما نسبه من جهة أمه فقد ذكر تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، نقلاً عن عبد الغافر الفارسي في كتابه السير في تاريخ نيسابور: أنه النسيب المعمم المخول المدلي من جهة الأمومة إلى الحنفية والفضلية والشيبانية والقرشية والتميمية والمزنية والضبية، من الشعب النازلة إلى الشيخ أبي سعد يحيى بن منصور السلمي الزاهد الأكبر على ما هو مشهور من أنسابهم عند جماعة من العارفين بالأنساب بأنه أبو عثمان إسماعيل بن زين اليت ابنة الشيخ أبي سعد الزاهد ابن أحمد بن مريم بنت أبي سعد الأكبر الزاهد.

مولده ونشأته في طلب العلم

مولده ونشأته في طلب العلم ولد في بوشنج من نواحي هراة في النصف من جماد الآخرة، سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة من الهجرة، قال عبد الغافر الفارسي: كان أبوه عبد الرحمن أبو نصر من كبار الواعظين في نيسابور، ففتك به لأجل التعصب والمذهب وقتل، وإسماعيل بعد حول سبع سنين، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي في تربيته وتهيئة أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، والأستاذ الإمام أبو بكر بن فورك، وسائر الأئمة كانوا يحضرون مجلس تذكيره، ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله وحسن إيراده الكلام عربيه وفارسيه، وحفظه الأحاديث، حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال، ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة، وطول القنوت، واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل.

أقوال أهل العلم في الصابوني

أقوال أهل العلم في الصابوني وصفه عبد الغافر بأنه الإمام شيخ الإسلام الخطيب المفسر المحدث الواعظ، أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع -يعني: بنيسابور- نحواً من عشرين سنة. وقال: كان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعاً وحفظاً ونشراً لمسموعاته وتصنيفاته وجمعاً وتحريضاً على السماع، وإقامة لمجالس الحديث، سمع الحديث بنيسابور وبسرخس وبهراك وبالشام وبالحجاز وبالجبال، وحدث بكثير من البلاد، وأكثر الناس السماع منه. وقد ذكره السيوطي والداودي في كتابيهما طبقات المفسرين، وأوردا أنه أقام شهراً في تفسير آية، وهذا يدل على سعة علمه في تفسير القرآن العظيم، وكان الصابوني رحمه الله يحترم الحديث، ويهتم بالأسانيد، فقد حكى الفقيه أبو سعيد السكري عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين: أن الصابوني قال: ما رويت خبراً ولا أثراً في المجلس إلا وعندي إسناده، وما دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة، وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس إلا على طهارة. وكان رحمه الله ينظم الشعر أحياناً، قال عبد الغافر الفارسي: من فضائله نظم الشعر على ما يليق بالعلماء من غير مبالغة في تعمق يلحقه بالمنهي، وهذا نموذج من شعره، قال رحمه الله: ما لي أرى الدهر لا يشخو بذي كرم ولا يجود بمعوان ومفضال ولا أرى أحداً في الناس مشترياً حسن الثناء بإنعام وإفضال صاروا سواسية في لؤمهم شرعاً كأنما نسجوا فيه بمنوال وقال رحمه الله: إذا لم أصب من مالكم ونوالكم ولم أسل المعروف منكم ولا البَّر وكنتم عبيداً للذي أنا عبده فمن أجل ماذا أتعب البدن الحرَّ

أسرته

أسرته له رحمه الله ولدان هما عبد الله أبو نصر مات في حياة والده في بعض ثغور أذربيجان وهو متوجه إلى الحجاز للحج، والآخر هو عبد الرحمن أبو بكر سمع أباه بنيسابور وسمع الحديث وأسمعه، وعقد مجلس الإملاء وتولى القضاء بأذربيجان، مات بأصبهان في حدود سنة خمسمائة، ومع أن كنية الصابوني أبو عثمان إلا أني لم أجد له ولداً بهذا الاسم في الكتب التي ترجمت له، وله أخ هو إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني أبو يعلى الواعظ، ينوب عنه في الوعظ، سمع الحديث بهراة ونيسابور وبغداد. كان مولده سنة خمس وسبعين وثلاثمائة للهجرة، ووفاته في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وأربعمائة للهجرة. ويتضح مما سبق أن عائلة إسماعيل الصابوني عائلة علم ومعرفة وإرشاد؛ حيث كان أبوه من كبار الواعظين، وكان ابنه عبد الرحمن ممن اشتغل بالحديث وتولى القضاء، وكان أخوه إسحاق ينوب عنه في وعظ الناس، وسمع الحديث بعدة نواحي. أقول: أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني عالم مفسر محدث فقيه، من أهل السنة والجماعة نشأ في بيت علم، وتتلمذ على العلماء، وأخذ عنه العلم عدد من التلاميذ، وهو من أهل السنة والجماعة، ومن العلماء الذين يشار إليهم بالبنان، رحمه الله وتغمده بواسع رحمته.

ذكر سند الرسالة إلى أبي عثمان الصابوني

ذكر سند الرسالة إلى أبي عثمان الصابوني قال المصنف رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن بفضلك ورحمتك. أخبرنا قاضي القضاة بدمشق نظام الدين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الصالحي الحنبلي إجازة مشافهة، قال: أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن المحب المقدسي إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا الشيخان جمال الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر وأبو عبد الله بن محمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسيين قال الأول: أخبرنا إسماعيل بن أحمد بن الحسين بن محمد العراقي سماعاً، قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي وقال الثاني: أخبرنا أحمد بن عبد الدائم وأخبرنا المحدث تاج الدين محمد ابن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن محمد بن بغدش البعلي في كتابه، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن الخباز شفاهاً قال: أخبرنا أحمد بن عبد الدائم إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي قال: أخبرنا الخرقي سماعاً قال: أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني قال: حدثنا والدي شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن فذكره. وأخبرنا قاضي القضاة عز الدين عبد الرحيم بن محمد بن الفرات الحنفي إجازة مشافهة قال: أخبرنا محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنبجي إجازة قال: أخبرنا الجمال عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر بسنده قال]. هذا سند الكتاب إلى المؤلف رحمه الله، فالرسالة ثابتة للمؤلف رحمه الله، والمقصود من ذكر السند أن يتحقق لطالب العلم أن هذه الرسالة للمؤلف وأنها ليست منسوبة إليه، وكثير من أهل البدع يشككون في نسبة كثير من المؤلفات إلى العلماء مع ثبوتها؛ لأنهم يريدون أن يطعنوا في معتقد أهل السنة والجماعة، فتجدهم يشككون في رسالة الإمام أحمد في الرد على الزنادقة، وفي ثبوت الرسالة في الصلاة للإمام أحمد، وهكذا. فهذا السند الآن يبطل دعواهم، ولولا السند -كما قال عبد الله بن المبارك -لقال من شاء ما شاء، ولهذا قال كثير من المحدثين: بيننا وبينكم القوائم، وهي الإسناد، فالإسناد يبطل دعوى كثير من أهل البدع الذين يطعنون في ثبوت الرسائل والعقائد والكتب إلى الأئمة. فهذه الرسالة ثابتة بهذا السند إلى الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وهي من كلامه رحمه الله.

شرح مقدمة رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث

شرح مقدمة رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث قال المصنف رحمه الله: [الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولاً في أصول الدين التي استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين، وعلماء المسلمين، والسلف الصالحين، وهدوا ودعوا الناس إليها في كل حين]. قوله: (وهدوا) يعني: هم هدوا الناس وهدوا. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ونهوا عما يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين، ووالوا في اتباعها، وعادوا فيها، وبدعوا وكفروا من اعتقد غيرها، وأحرزوا لأنفسهم ولمن دعوهم إليها بركتها وخيرها]. قوله: (بركتها) في نسخة بين قوسين زيادة (ويمنها). قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها، وإرشاد العباد إليها، وحملهم إياهم عليها]. في نسخة: (وحملهم وحثهم) زيادة بين قوسين. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فاستخرت الله تعالى، وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار، رجاء أن ينتفع به أولو الألباب والأبصار، والله سبحانه يحقق الظن، ويجزل علينا المن بالتوفيق للصواب، والصدق والهداية، والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله]. في نسخة: (بالتوفيق للصواب، والصدق والهداية).

حمد الله والثناء عليه

حمد الله والثناء عليه افتتح المؤلف رحمه الله هذه الرسالة بالحمد لله اقتداء بالكتاب العزيز؛ فإن الله سبحانه وتعالى افتتح كتابه العظيم بالحمد لله رب العالمين. والحمد هو: الثناء على المحمود بالصفات الاختيارية، أما الثناء عليه فهو بالصفات الجبلية التي جبل الإنسان عليها فإنه يسمى مدحاً، ولا يسمى حمداً، فإن كان الثناء على الصفات الاختيارية التي يفعلها الموصوف باختياره مع حبه وإجلاله سمي حمداً، وإن كان الثناء عليه بالصفات الجبلية التي جبل عليها فإنه يسمى مدحاً، والحمد أكثر من المدح، ولهذا قال: الحمد لله رب العالمين، ولم يقل: أمدح الله رب العالمين، فالحمد معناه: الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله العظيم، فالله تعالى محمود بصفاته لما له من الصفات العظيمة، ولما له من الأسماء الحسنى، ولما له من النعم العظيمة على عباده، فهو الذي خلقهم وأوجدهم من العدم، ورباهم بنعمه، ومنَّ على المؤمنين بالإسلام والإيمان، وهو محمود على صفاته العظيمة، ومحمود على أسمائه، وهو سبحانه وتعالى المالك لجميع أنواع المحامد، وهو مستحق لها سبحانه وتعالى، فله سبحانه وتعالى أنواع المحامد كلها لله ملكاً واستحقاقاً، بخلاف الثناء على المحمود بالصفات التي جبل عليها؛ فالأسد إذا مدحته وقلت: إنه قوي، وإنه مفتول الساعدين هذا يسمى مدحاً ولا يسمى حمداً؛ لأن الأسد جبله الله وخلقه الله على هذا الصفات، كونه قوي يفترس غيره، فهذه القوة التي أعطاه الله إياها، وجبله عليها بخلاف الإنسان إذا مدحته، قلت: فلان كريم، فلان محسن، فلان يحسن إلى الناس، فلان مقدام شجاع، لا يهاب الأعداء، فهذا صفات اختيارية يفعلها باختياره، ويسمى هذا حمداً. (الحمد) أل للاستغراق، أي: أن الله تعالى له جميع أنواع المحامد كلها له سبحانه وتعالى، وهو المالك والمستحق لها. (الله) لفظ الجلالة لا يسمى به غيره سبحانه وتعالى، أعرف المعارف لفظ الله، فالله معناه: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وتعظيماً، وأصل الله الإله، ثم سهلت الهمزة ودمجت اللام في اللام، وتأتي أسماء الله كلها صفات له، كما قال سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر:22 - 24]، فلفظ الجلالة يأتي أولاً ثم تأتي بعدها الأسماء والصفات، فأعرف المعارف لفظ الجلالة سبحانه وتعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه وتعالى. وأسماء الله قسمان: قسم لا يسمى به إلا هو مثل: الله، الرحمن، رب العالمين، خالق الخلق، مالك الملك. وقسم يسمى به غيره ويشترك، مثل: العزيز والرحيم والحي والسميع والبصير والملك، هذه أسماء مشتركة تطلق على الله وتطلق على غيره: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51]، {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف:43]. وأسماء الله مشتقة مشتملة على معان، وكل اسم مشتمل على صفة، فالله مشتمل على الألوهية، الرحمن مشتمل صفة الرحمة، العليم صفة العلم، القدير صفة القدرة وهكذا فأسماء الله مشتملة على المعاني وعلى الصفات، بخلاف الصفة، مثلاً: صفة العلم ما يشتق منها اسم يقال له عالم، وإنما الأسماء مشتملة على الصفات والمعاني، وكل اسم مشتمل على الصفة فهي مشتقة. قوله: (رب العالمين) الرب من أسمائه خاصة، فهو مربيهم بنعمه، هو الذي أوجدهم من العدم، ورباهم بنعمه سبحانه وتعالى، فالله هو الرب وغيره المربوب، وهو الخالق وغيره المخلوق، وهو المالك وغيره المملوك، وهو المدبر وغيره المدَبر، فهو رب العالمين. و (العالمين) كل ما سوى الله يسمى عالم، فالله تعالى رب المخلوقات كلها، وأنت واحد من ذلك العالم، والعوالم في السماوات والأرضين والبحار والجو، هذه المخلوقات كلها عالم، فكل ما سوى الله عالم والله تعالى رب الجميع.

بيان معنى قوله تعالى: (والعاقبة للمتقين)

بيان معنى قوله تعالى: (والعاقبة للمتقين) قوله: (والعاقبة للمتقين) العاقبة يعني: ما يعقب الشيء ويأتي بعده. والمتقين: جمع متقي، وهو الذي اتقى غضب الله وسخطه وناره بالإيمان والتوحيد، فالمتقون هم المؤمنون الموحدون، سموا متقين؛ لأنهم يتقون غضب الله وسخطه بإيمانهم وتوحيدهم، وأدائهم الواجبات، وتركهم المحرمات؛ فاستحقوا هذا الاسم؛ كما قال سبحانه في أول سورة البقرة: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2]، ثم ذكر أوصافهم، فقال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:3 - 5]. فالعاقبة الحميدة للمتقين، من اتقى الله ووحده وأخلص له العبادة، واتقى الشرك والمحرمات، وأدى الواجبات، فالعاقبة الحميدة له، لهم في الدنيا النصر والغلبة والتأييد، وفي الآخرة هم أهل الجنة وأهل الكرامة الذين رضي الله عنهم، وأسكنهم جنته، وأحل عليم رضوانه.

معنى الصلاة على النبي وآله وأصحابه

معنى الصلاة على النبي وآله وأصحابه قوله: (وصلى الله على محمد) صلاة الله على عبده أحسن ما قيل في تفسيرها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية - وهو تابعي جليل- قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، فأنت تدعو الله وتسأله أن يصلي على نبيه، أي: يثني عليه في الملأ الأعلى، تقول: اللهم أثني على عبدك ورسولك محمد في الملأ الأعلى. وهم الملائكة. قوله: (وعلى آله) آله هم أتباعه على دينه، ويدخل في الآل ذريته وقرابته والمؤمنون وأزواجه والصحابة كلهم، وتطلق الآل على الذرية الأقارب، ويشمل الأزواج وأتباعه على دينه إلى يوم القيامة، فكل من تبعه على دينه فهو من آله عليه الصلاة والسلام، والصحابة يدخلون في ذلك دخولاً أولياً. قوله: (وأصحابه الكرام) عطف الأصحاب على الآل من عطف الخاص على العام، فالصحابة صلى عليهم مرتين: مرة بالعموم في قوله: (وعلى آله) والمرة الثانية بالخصوص في قوله: (وأصحابه). قوله: (الكرام) يعني: الذين اتصفوا بصفة الكرم، والصحابة لا شك أنهم أكرم الناس بعد الأنبياء، ومن كرمهم: أنهم سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، وإنفاق أموالهم، وبذلوا علمهم، ونشروا دين الله، وبذلوا أرواحهم رخيصة في الجهاد في سبيل الله، وبذلوا أموالهم في سبيل، هل هناك أعظم من هذا الكرم؟! فالصحابة أكرم الناس بعد الأنبياء، رضي الله عنهم وأرضاهم.

المراد بكلمة (أما بعد)

المراد بكلمة (أما بعد) قوله: (أما بعد) هذه كلمة يؤتى بها للدخول في الموضوع الذي يريد أن يتكلم الإنسان فيه، ويؤتى بها للفصل ما بين السابق واللاحق، كأن المؤلف انتقل من الخطبة إلى الدخول في صلب الموضوع. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه الكثيرة: أما بعد، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول يوم الجمعة: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها). وقد اختلف في أول من قال: أما بعد، فقيل: أول من قالها داود عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنها من فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه الصلاة والسلام، وقيل: أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي، وعلى كل حال، فأما بعد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعملها في خطبه ورسائله، من ذلك: أنه عليه الصلاة والسلام لما كتب لملك الروم قال: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من ابتع الهدى. أما بعد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب! تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً)، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بها في خطبه ورسائله، فينبغي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام، وبعض الخطباء وبعض الكتاب يقول: وبعد، لكن (أما بعد) أحسن.

ذكر سبب تأليف الرسالة

ذكر سبب تأليف الرسالة قال المؤلف رحمه الله مبيناً سبب تأليفه هذه الرسالة: (فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام، سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولاً في أصول الدين). إذاً هذه الرسالة جواب لسؤال موجه من بعض الإخوان في الدين إلى أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، حيث طلبوا منه أن يجمع لهم فصولاً في أصول الدين التي استمسك بها أئمة الدين وعلماء المسلمين، فأجابهم وكتب هذه الرسالة، وبين فيها معتقد أهل السنة والجماعة في ألوهية الله وربوبيته وأسمائه وصفاته، والإيمان، والجنة والنار، والبعث بعد الموت، والصحابة، والخير والشر إلى غير ذلك. أما قول المؤلف رحمه الله: (متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم)، هذا مما يلاحظ على المؤلف رحمه الله؛ فإنه لا يشرع شد الرحل إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشرع السفر لزيارة القبر بهذه النية، وإنما المشروع أن يشد الرحل وأن ينوي السفر لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا وصل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فيه ركعتين زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، هذا هو المشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، والحديث رواه الشيخان وغيرهما، فالسفر إنما ينشأ لزيارة المسجد النبوي، وإن مشى في زيارة المسجد ولزيارة القبر بالنية فلا بأس، أما أن تكون النية لأجل زيارة القبور فقط فهذا ممنوع، وإنما تكون النية لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر المحقق في هذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله فقال: بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الموضوع في مجموع الفتاوى، وفيه قوله: (وما ذكره السائل من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم في الحديث، بل هي موضوعة، لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئاً منها، ولم يحتج أحد من الأئمة بشيء منها، بل مالك إمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة، كره أن يقول الرجل: زرت قبره صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا اللفظ معروفاً عندهم أو مشروعاً أو مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم لما جهله عالم المدينة) انتهى. فإذاً: الأولى أن يقول المؤلف رحمه الله: متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (التي استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين وعلماء المسلمين والسلف الصالحين)، بدأ بالأئمة ثم العلماء ثم السلف، والسلف هم الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهم صدر هذه الأمة. قوله: (وهدوا) يعني: الذين هداهم الله. قوله: (ودعوا الناس إليها في كل حين) يعني: لابد أن يوجد في كل زمان من يقوم بالحق ويظهره ويدعو إليه ويستمسك به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى). قوله: (ونهوا عما يضادها) يعني: أن هؤلاء الأئمة وهؤلاء العلماء وهؤلاء السلف نهوا عما يضاد أصول الدين، وهي البدع. قوله: (وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين) لأنهم هم الذين يقبلون وينتفعون بخلاف غير المؤمنين فلا يقبلون، وإن كانت الدعوة عامة لكل أحد؛ لكن خص المؤلف رحمه الله جملة المؤمنين المصدقين المتقين؛ لأنهم هم الذين يقبلون وينتفعون بالنصائح والمواعظ. قوله: (ووالوا في اتباعها) يعني: والوا المؤمنين في اتباع هذه الأصول؛ من الإيمان بالله والملائكة، والكتب المنزلة، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، والصراط والميزان والحوض والجنة والنار، والإيمان بربوبية الله وألوهيته وأسمائه وصفاته، فهذه الأصول والوا من اتبعها وآمن بها وجعلوه من أحبابهم. قوله: (وعادوا فيها) أي أن من خالف هذه الأصول وتنكر لها عادوه وأبغضوه. قوله: (وبدعوا وكفروا من اعتقد غيرها) أي: بدعوا وكفروا من اعتقد من لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. قوله: (وأحرزوا لأنفسهم ولمن دعوهم إليها بركتها ويمنها وخيرها)، يعني: حصلت لهم البركة والخير والفضل والأجر والثواب بسبب إيمانهم بهذه الأصول، وموالاتهم عليها، ومعاداتهم لمن خالفها. قوله: (وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها وإرشاد العباد إليها، وحملهم إياهم عليها)، لما توفاهم الله وانتهت آجالهم قدموا على ما قدموا من خير عظيم، ووجدوا ثواب اعتقادهم لها واستمساكهم بها، وإرشاد العباد إليها؛ لأنهم حينما دعوا إلى هذا الخير وانتفع الناس بهم صار لهم مثل أجورهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الخير مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، فهؤلاء العلماء والأئمة والسلف الذين دعوا إلى أصول الدين، وإلى الإيمان بما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما يجب اعتقاده؛ حصلت لهم بركة هذه الدعوة وخيرها، وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها. قوله: (فاستخرت الله تعالى، وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار). يقول المؤلف رحمه الله: لما سألني هؤلاء الإخوان أن أكتب لهم أصولاً في الدين التي تمسك بها الأئمة، ودعوا إليها، ونهوا عما يضادها، وأفضوا إلى الثواب والأجر الذي حصل لهم بسبب نشرهم لدين الله، ودعوتهم إلى توحيد الله، استخرت الله، والاستخارة مشروعة في الأمور التي قد يكون فيها إشكال، والنبي صلى الله عليه وسلم شرع الاستخارة وقال: (إذا كان لأحدكم أمر فليصل ركعتين من غير الفريضة ثم ليدع، فيقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم إلخ)، فالاستخارة مشروعة في الأمور التي يكون فيها إشكال، أما الأمور الواضحة فليس فيها استخارة، فلا تستخير هل تصلي الجماعة أو ما تصلي، ما تستخير في صوم رمضان في دفع الزكاة في الحج، قال العلماء: إلا إذا كان الحج عن طريق ليس بآمن، فهو يستخير: هل يحج هذا العام أو لا يحج، لكن الأمور التي فيها إشكال تستخير الله: أتتزوج من آل فلان، أتدخل في هذه التجارة مع فلان. فالمؤلف رحمه الله استخار، لكن كونه يكتب عقيدة أهل السنة والجماعة هل فيها إشكال؟ نعم. قد يقال: إنه يستخير؛ لأن المؤلفات في العقيدة كثيرة، فهو أشكل عليه الأمر هل الكتابة في هذا الأمر لها فائدة أو ليست لها فائدة؟ لأن العلماء كفوا وكتبوا في هذا الموضوع، فأشكل عليه الأمر، فلهذا قال: استخرت الله تعالى، ثم لما استخار ترجح له أن يكتب هذه الرسالة. فالإنسان يستخير في الشيء الذي يشكل عليه ويستشير أيضاً، ويمضي لما يشرح صدره له؛ وإذا لم يتبين له شيء يعيد الاستخارة ويكررها وهكذا. المؤلف رحمه الله كان أشكل عليه أن يكتب هذه الرسالة في العقيدة؛ لأن العلماء قد كفوه وكتبوا مؤلفات، فهل تكون الرسالة لها فائدة أو لا تكون؟ لأن العلماء كفوه وكتبوا رسائل ومؤلفات، ثم بعد الاستخارة ترجح له أن يكتب؛ لأن هذا الرسالة مختصرة لمعتقد أهل الحديث وأهل السنة، فهي تلخيص لما كتبه العلماء، فلهذا ترجح للمؤلف رحمه الله بعد الاستخارة أن يكتب هذه الرسالة؛ لأن الرسائل السابقة قد تكون طويلة، وهذه الرسالة مختصرة يستطيع طالب العلم أن يحفظها ويستوعبها في وقت وجيز، ولهذا ترجح للمؤلف رحمه الله الاستخارة فقال: (فاستخرت الله، تعالى وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار)، فهو اختصر هذه العقيدة ولخصها من كلام أهل العلم. وقوله: (رجاء أن ينتفع بها أولو الألباب والأبصار) الرجاء الانتفاع، وإذا انتفع بها صار له مثل أجره، فلهذا أقدم المؤلف رحمه الله على هذه الكتابة. قوله: (أولوا الألباب والأبصار) يعني: أصحاب العقول؛ كما قال الله تعالى في كتابه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [الزمر:21] فأصحاب العقول السليمة أرشدهم الله إلى توحيده، وإخلاص الدين له، وقبول الحق، وأولو الألباب هم الذين ينتفعون، أما من لم يرد الله هدايته فلا حيلة فيه إن لم يوفق ولم يرزق عقلاً سليماً ولباً من الألباب التي يرشده إلى قبول الحق). قوله: (والله سبحانه وتعالى يحقق الظن، ويجزل علينا المن بالتوفيق للصواب والصدق والهداية والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله) هذا دعاء من المؤلف رحمه الله بأن يحقق الله له ظنه، ويجزل عليه المن، فيمن عليه بالتوفيق للصواب فيما كتبه، وأن يمن عليه بالصدق والهداية والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله، ونرجو أن الله تعالى قد حقق للمؤلف ما أراد إن شاء الله.

[2]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [2] يتميز أهل السنة والجماعة بأنهم يشهدون لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، ويعرفون ربهم بصفاته التي نطق الله بها في الكتاب والسنة، فيثبتون ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله في سنته الصحيحة.

صفات أصحاب الحديث

صفات أصحاب الحديث قال المصنف رحمه الله: [قلت وبالله التوفيق: إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة -حفظ الله تعالى أحياءهم ورحم أمواتهم- يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله]. أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه. قوله: (قلت وبالله التوفيق) التوفيق هو أن يوفق الإنسان للصواب، وأن يجعله الله يقول بالحق ويعمل به.

التمسك بالكتاب والسنة

التمسك بالكتاب والسنة قوله: (إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة) أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبيه الكريم وحيين: الوحي الأول: القرآن، أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه، فهو كلام الله لفظه ومعناه، والوحي الثاني: السنة المطهرة، وهي نوعان: النوع الأول: الحديث القدسي، وهذا من كلام الله لفظاً ومعنى، كما في حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) فهذا حديث قدسي نسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل، فهو من كلام الله لفظاً ومعنى. والنوع الثاني: الحديث غير القدسي، فهذا من كلام الله معنى، ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فهذا الحديث وحي من الله، إلا أن لفظ الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]، فالحديث لفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله، أما الحديث القدسي فلفظه ومعناه من الله، مثل القرآن، إلا أن له أحكاماً تختلف عن القرآن: - فالقرآن يتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته. - القرآن يقرأ في الصلاة، والحديث القدسي لا يقرأ في الصلاة. - القرآن معجز بلفظه ومعناه، والحديث القدسي قد لا يكون له وصف الإعجاز. - القرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والحديث القدسي يمسه غير المتوضئ. أما السنة فلها مع القرآن على أحوال ثلاثة: الحالة الأولى: أنها تبين المجمل، مثل الصلاة: جاء في القرآن: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:43]، جاءت السنة وفصلت الصلاة، وبينت أن الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة، وبينت عدد ركعات الصلاة؛ إذ ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، وصلاة المغرب ثلاثاً فالسنة وضحت وفصلت هذا الإجمال. كذلك الزكاة أوجبها الله في القرآن، وجاءت السنة وفصلت وبينت أن لا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، وأنه لابد من النصاب. كذلك الحج جاء في القرآن، وجاءت السنة وفصلت هذه المناسك. الحالة الثانية: أن تقيد المطلق وتخصص العام. الحالة الثالثة: أن تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن؛ كتحريم كل ذي ناب من السباع، وتحريم كل ذي مخلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والجمع بين المرأة وخالتها، هذه أحكام ليست في القرآن جاءت بها السنة، فالسنة وحي ثان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه). قوله: (حفظ الله أحياءهم، ورحم أمواتهم)، هذا دعاء من المؤلف لأهل الحديث بأن يحفظ الله الأحياء ويرحم الأموات.

الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة

الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة قوله: (يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة). هذا أصل الدين وأساس الملة، أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة. ومعنى شاهدة أن لا إله إلا الله أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وأن الله واحد في ربوبيته، وألوهيته وأسمائه وصفاته، فهو سبحانه وتعالى واجب الوجود بذاته، وهو فوق العرش، وهو الرب وغيره مربوب، وهو الخالق وغيره مخلوق، وهو المالك وغيره مملوك، وهو المدبر وغيره المدبَر، وكذلك تشهد لله تعالى بالوحدانية في أسمائه وصفاته، وأنه ليس له شريك في أسمائه وصفاته، كما قال: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:180]، وليس له شريك في أفعاله أيضاً، وليس له شريك في ألوهيته وعبادته، فهو مستحق العبادة وغيره لا يستحق شيئاً من العبادة، فلا يستحق العبادة أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل. وتشهد لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام بالرسالة والنبوة، ومن لم يشهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة فليس بمؤمن. ومعنى أن تشهد لله تعالى بالوحدانية: أن تنطق بلسانك وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وتعتقد بقلبك وتصدق بأن الله هو الرب وغيره مربوب، وأنه الخالق وغيره مخلوق، وأنه المالك وغيره مملوك، وأنه المدبر وغيره المدَبر، وتشهد بأن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا يشاركه فيها أحد، وتشهد بأن الله هو مستحق العبادة بجميع أنواعها، لا يستحقها غيره لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فالله تعالى هو المعبود بالحق، هو الذي يدعى ولا يدعى غيره، يذبح له وينذر ويتوكل عليه ويرجى ويخاف منه، والعبادة حق الله لا يستحقها النبي صلى الله عليه وسلم ولا جبريل ولا غيره، ومن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغيره فهو مشرك كافر وتنتقض عليه الشهادة، فمن قال: لا إله إلا الله، ثم دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو نذر لغير الله، بطلت شهادته. الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة أصل الدين وأساس الملة، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، تشهد بربوبية الله، وبألوهيته، وبأسمائه وصفاته، فلا تصرف شيئاً منها لغير الله، ولا يقع في عمل الشرك حتى لا تنتقض عليه العبادة، الشهادة لله تعالى بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله بشرط ألا يفعل الإنسان ناقضاً من نواقض الإسلام، فإن فعل ناقضاً من نواقض الإسلام بطلت هذه الشهادة؛ كما يتوضأ الإنسان أحسن الوضوء يتطهر أحسن الطاهرة ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح فقد بطلت الطهارة، فكذلك إذا شهد لله تعالى بالوحدانية، ثم دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو فعل ناقضاً من نواقض الإسلام بأن اعتقد أن الصلاة غير واجبة، أو الحج غير واجب، أو الصوم غير واجب، أو أن الزنا ليس بمحرم، أو أنكر تحريم الربا أو الزنا أو الخمر أو عقوق الوالدين أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة بطلت الشهادة وانتقضت.

الشهادة للنبي بالرسالة

الشهادة للنبي بالرسالة ومعنى الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة: أن تشهد أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العربي المكي ثم المدني هو رسول الله حقاً، وأن رسالته عامة للعرب وللعجم وللجن والإنس، وأنه خاتم النبيين ليس بعده نبي، فمن قال: إن رسالته خاصة بالعرب أو بالإنس أو بعده نبي فهو كافر بإجماع المسلمين ولا تنفعه، وتبطل شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن من شرط الشهادتان: أنه لابد منهما جميعاً، فهما متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فمن شهد: أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمداً رسول لم تقبل منه، ومن شهد: أن محمداً رسول الله، ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه، حتى يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسول الله، فمن قال: إن محمداً عليه الصلاة والسلام ليس بعده نبي، أو ليست رسالته عامة، لا تنفعه شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأنه لم يأت بشرطها، ولذلك لما أنكر اليهود والنصارى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وهم يزعمون أنهم يؤمنون بالله، بين الله أن إيمانهم لا شيء، وأنه لا قيمة له، فقال سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، فنفى عنهم الإيمان وقال: ((لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))، وهم يزعمون أنهم يؤمنون بالله، لكن لما لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم نفى الله عنهم الإيمان. كذلك يشهدون أن محمداً رسول الله، ويصدقونه في أخباره عليه الصلاة والسلام، ويمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه، ويتعبدون لله بما شرعه.

معرفة صفات الله بوحيه وتنزيله

معرفة صفات الله بوحيه وتنزيله قوله: (ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله)، من عقيدة أصحاب: الحديث أنهم يعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، فالله تعالى وصف نفسه بأنه الحي القيوم، وأنه الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، ووصف نفسه بالعلم والسمع والبصر والقدرة قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:22]، يعرفون ربهم بأنه سبحانه وتعالى لا إله إلا هو، لا معبود بحق سواه، وأنه عالم الغيب والشهادة، وأنه الرحمن الرحيم: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر:23]، يعرفونه بأسمائه: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر:23 - 24] يؤمنون بذلك. قوله: (أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به ونقلته العدول الثقات عنه)، فما ورد في السنة من الأسماء والصفات يجب إثباتها لله عز وجل، فإذا ثبت وصح سند الحديث، وعدلت الرواة، ولم يكن شاذاً ولا معللاً فيجب إثبات ما ورد في السنة من أسماء الله وصفاته، ولذلك قيد المؤلف الأخبار -يعني: الأحاديث- بالصحاح، وهي جمع صحيح، يعني: الحديث الصحيح، أما الحديث الضعيف فلا، كما لو كان الحديث في سنده انقطاع أو راو ضعيف في الحفظ أو الديانة فلا يصح الحديث ولا يقبل ما دل عليه، لابد أن يكون الحديث صحيحاً. وشروط الحديث الصحيح عند المحدثين: أن يكون متصل السند، وأن يكون الرواة عدول ثقات ضابطين، وألا يكون الحديث فيه شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ولأصول الشريعة، وألا يخالف الثقة من هو أوثق منه، وألا يكون الحديث فيه علة قادحة ظاهرة أو خفية، فإذا وجدت هذه الشروط فإن الحديث صحيح، ويجب قبوله، والعمل بما دل عليه في العقائد والأخلاق والأعمال وكل شيء، خلافاً لأهل البدع من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: إنما يقبل خبر الآحاد في الأعمال، أما العقائد فلا يقبل فيها أخبار الآحاد، وهذا منهج باطل. ولقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه باباً سماه: باب أخبار الآحاد، وذكر نصوصاً كثيرة في قبول خبر الآحاد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل كتبه إلى الملوك والرؤساء، والذي يرسله واحد، ومع ذلك يقبل خبر الواحد.

إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله

إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله قوله: (ويثبتون له جل جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم)، هكذا أهل السنة يثبتون لله عز وجل ما أثبته لنفسه في كتابه العزيز من الأسماء والصفات، أو ما ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق في الآيات: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:24] {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر:23]، ومثلما ورد أيضاً: (إن الله جميل يحب الجمال) وهكذا (إن الله حيي ستير) فمن أسماء الله الستير وهكذا. فما ثبت في الحديث مثلما ورد في القرآن الكريم إذا كان الحديث صحيحاً.

عدم اعتقاد التشبيه في صفات الله

عدم اعتقاد التشبيه في صفات الله قوله: (ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه) هكذا أهل السنة يثبتون الأسماء والصفات لله ولا يشبهون ولا يمثلون، كما قال سبحانه عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فالصفات والأسماء ثابتة لله على ما يليق بجلالته وعظمته، لا يماثل أحداً من خلقه. أهل السنة لا يكيفون فيقولون: صفة الله كيفيتها كذا، ولا يمثلون فيقولون: مثل صفات المخلوقين، بل يثبتون الأسماء والصفات ويثبتون المعنى، ويفوضون الكيفية إلى الله، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء: (الاستواء معلوم) يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، فالاستواء: هو الاستقرار والصعود والعلو والارتفاع، (والكيف مجهول) كيفية استواء الله على عرشه مجهولة لا نعلمها، (والإيمان به واجب) يجب الإيمان باستوائه، (والسؤال عنه بدعة) وهذا يقال في النزول والاستواء والعلو والسمع والبصر كلها: معلوم معناه في اللغة العربية، نعرف أن العلم ضد الجهل، السمع ضد الصمم، والبصر ضد العمى، والعلو ضد السفول، أما كيفية استواء الرب وكيفية علوه وكيفية سمعه وبصره فلا يعلم به إلا الله، هذا معنى قول الإمام مالك.

الأسئلة

الأسئلة

حالات السنة مع القرآن

حالات السنة مع القرآن Q ذكرتم أحسن الله إليكم أن السنة لها ثلاث حالات مع القرآن، فما هي؟ A الحالة الأولى: أنها تبين المجمل في القرآن العظيم. والحالة الثانية: تخصيص العام وتقييد المطلق. والحالة الثالثة: أنها تأتي بأحكام جديدة. فالسنة أحياناً تفصل وتبين ما أجمل في القرآن، مثل الصلاة أوجبها الله في القرآن وجاءت السنة وفصلت مواقيت الصلاة وعدد الركعات، وكذلك الزكاة جاءت في القرآن الكريم مجملة، وجاء في السنة بيان الشروط، وأنه لابد من الحول، والنصاب، وكذلك الحج جاء مجملاً في القرآن، وجاء التفصيل في السنة أن الحج محدد بخمسة أيام أو ستة هي الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، وكذلك أيضاً فصلت السنة الطواف: طواف الإفاضة، وطواف الوداع، والوقوف بعرفة، والمبيت في منى، ورمي الجمار. وكذلك أيضاً تأتي السنة تقيد المطلق إذا كان مطلقاً، أو كان عاماً ففي السنة ما يخصصه. وكذلك تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن، مثل تحريم كل ذي ناب من السباع وتحريم كل ذي مخلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها في النكاح، هذه أحكام في السنة وليست في القرآن.

معنى: (الخلق عيال الله)

معنى: (الخلق عيال الله) Q ما معنى: الخلق عيال الله، حيث ذكرتم أن الله تعالى هو الذي يربي العالمين بنعمه؟ A بمعنى أنه سبحانه وتعالى يربيهم بنعمه، فهو الذي خلقهم وأوجدهم من العدم ورباهم بنعمه.

قراءة طالب العلم في الملل والنحل

قراءة طالب العلم في الملل والنحل Q هل على طالب العلم القراءة عن الملل والنحل، وما ترتيبه في الطلب؟ A القراءة في الملل والنحل فيها تفصيل، فإذا كان طالب العلم مبتدئاً فلا ينبغي له أن يقرأ في الملل والنحل؛ لأن ملل جمع ملة وهي الدين، والنِحل جمع نِحلة وهي الفرقة، وفرق المبتدعة وشبههم قد يتشكك بسببها ويحصل له بلبلة في فكره؛ فلا ينبغي للمبتدئ أن يقرأ في الملل والنحل، لكن إذا كان الإنسان طالب علم متوسع، فلا بأس أن يقرأ الملل والنحل لتفنيد شبههم والرد عليهم، أما المبتدئ فلا ينصح بقراءته في الملل والنحل، وإنما يقرأ في كتب التوحيد وأهل السنة والجماعة، ولا يقرأ في كتب الملل والنحل لئلا يحصل له التشويش والتشكيك.

المقصود بالآل عند الشيعة

المقصود بالآل عند الشيعة Q من هم الآل عند الشيعة؟ A الشيعة يقصدون الآل ذريته، وقد يقصرونه على علي وفاطمة والحسن والحسين، وبعضهم يقصره على العباس، وبعضهم لا، والآل له معان، قد يطلق على الأزواج والذرية وأتباعه على دينه إلى يوم القيامة، أما تخصيص الشيعة بأنه بـ علي وفاطمة والحسن والحسين فهذا من اصطلاحات الشيعة الرافضة.

حكم الإفتاء بجواز شد الرحال لقبر النبي

حكم الإفتاء بجواز شد الرحال لقبر النبي Q هل الذي يفتي بجواز شد الرحال لقبر النبي صلى الله عليه وسلم مبتدع، أما أن المسألة اجتهادية؟ A هذه المسألة حصل فيها نزاع، وامتحن فيها شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله وأوذي، والصواب مع شيخ الإسلام، بدليل حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فالصواب أنه لا يسافر لمكان يتعبد فيه إلا في هذه المواضع الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، ولهذا لما رحل أبو هريرة إلى جبل الطور أنكر عليه أبو ذر الغفاري وقال: لو علمت ما سافرت إلى جبل الطور.

ضابط اختصاص الله بأسماء معينة

ضابط اختصاص الله بأسماء معينة Q ما الضابط في كون الاسم خاصاً بالله عز وجل أو في كونه مشتركاً؟ A الضابط: إذا كان لا يسمى به الله سبحانه وتعالى ما كان من صفاته، مثل لفظ الجلالة الله، الرحمن، رب العالمين، خالق الخلق، مالك الملك، هذا من أوصافه، وأما المشترك مثلما وردت النصوص في إطلاقه على غير الله، مثل الملك: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف:54]، والله من أسمائه الملك، ومثل العزيز: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51]، ومثل الحي: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الأنعام:95] ومن أسمائه الحي والسميع والبصير، وهذه أيضاً تطلق على المخلوق، قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:2].

الحديث القدسي والقرآن

الحديث القدسي والقرآن Q ذكرتم حفظكم الله أن الحديث القدسي لفظاً ومعنى من الله جل وعلا، فهل نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام كالقرآن أم هو نوع آخر من أنواع الوحي؟ A نعم مثل القرآن، وحي من الله لفظه ومعناه، إلا أن له أحكاماً تختلف، وأما غير الحديث القدسي فلفظه من النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله، ولو قرأتم في كتب أصول التفسير للسيوطي وغيره تجدونه يقول: إن الحديث القدسي معناه من الله فقط، كما يقولون في القرآن؛ لأن الأشاعرة يقولون: إن القرآن ليس كلام الله حق حروفه ومعناه، لكن المعنى يقولون من الله، أو كلام الله اسم للمعنى القائم بنفس الرب، ويقولون: إن الله تعالى اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بالقرآن، فهذا القرآن تكلم به جبريل أو تكلم به محمد، وأما كلام الله فهو معنى قائم بنفسه، ويقولون: إن القرآن الذي نقرؤه ليس كلام الله، وإنما هو عبارة عن كلام الله، وهذا من أبطل الباطل، وبعض الأشاعرة يقول: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، وبعضهم يقول: إن القرآن عبر به محمد، وبعضهم يقول: عبر به جبريل، وهذا كله كلام باطل، والصواب: أن القرآن لفظه ومعناه من الله، الله تعالى تكلم به وسمعه جبرائيل ونزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193 - 195].

حكم دفن الموتى في المساجد قياسا على دفن النبي في المسجد النبوي

حكم دفن الموتى في المساجد قياساً على دفن النبي في المسجد النبوي Q يقول بعض المبتدعة: يجوز إدخال القبر ودفن الميت في المسجد، ويقيسون ذلك على المسجد النبوي؛ فما الرد على مثل هؤلاء؟ A هؤلاء وثنيون يريدون إحياء الوثنية، هذا لا يجوز أبداً، ولا يجوز إبقاء القبر في المسجد، والحكم للأغلب، فإن كان المسجد هو الأول، ثم دفن فيه الميت، فإنه يجب نبش القبر ودفنه في مقابر المسلمين، وإن كان السابق هو القبر وبني عليه المسجد فيجب هدم المسجد ويبنى في مكان آخر، أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يدفن في مسجده، ولم يبن مسجده على قبره، لا هذا ولا هذا، الرسول صلى الله عليه وسلم إنما دفن في بيته، والبيت خارج المسجد، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ما بني على قبره في حياته، ولكن الوليد بن عبد الملك لما أراد أن يوسع المسجد أدخل كل حجرات النبي صلى الله عليه وسلم وهذا خطأ، فكون الوليد أخطأ وأدخل حجرات بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيه لا يجيزه ولا يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في المسجد، ولا أن مسجده بني على قبره. المحظور: أن يدفن الميت في القبر، أو يبنى المسجد على القبر، وكل من الأمرين لم يوجد في قبره النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما دفن في المسجد، وإنما دفن في بيته، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ما بني على قبره، غاية الأمر أن الوليد أدخل البيت كاملاً في المسجد؛ لأنه وسع المسجد وهذا خطأ منه.

حكم تشريك النية بزيارة المسجد النبوي وقبر النبي

حكم تشريك النية بزيارة المسجد النبوي وقبر النبي Q هل يصح تشريك النية في زيارة المسجد النبوي وزيارة القبر معاً؟ A لو شركت لا بأس، لكن المحظور أن تتمحض النية لزيارة القبر، والأولى أن تكون النية لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك تأتي لزيارته.

حكم الإخبار عن الله بالرمي

حكم الإخبار عن الله بالرمي Q هل يقال: إن صفة الرمي من صفات الله؛ لقوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]؟ A هذا من باب الخبر، وباب الخبر أوسع من باب الصفات، أخبر الله عن نفسه أنه رمى، ويُخبَر عن الله بأنه موجود، وبأنه ذات، وبأنه شيء، وبأنه شخص لا شخص مثله، ولا يقال: من أسمائه الذات ولا الموجود ولا الشيء: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام:19]، فباب الخبر أوسع من باب الصفات.

واجب طلبة العلم تجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

واجب طلبة العلم تجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q لوحظ في هذه الأيام كثرة طلاب العلم ولله الحمد والمنة، ولكن يلاحظ مع ذلك قلة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل من تعليق لكم وفقكم الله؟ A يجب على طلبة العلم أن يكونوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، والله تعالى بين أن الخيرية لهذه الأمة إنما حصلت بذلك، فقال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]، فالخيرية إنما صحت بهذه الأمور الثلاثة: الإيمان بالله، وبالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فمن عمل بهذه الصفات وانطبقت عليه حصلت له الخيرية، ومن فاتته هذه الصفات فاتته الخيرية، قال سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] الأمر من الله أن تكون أمة منتصبة بهذا الأمر بالقيام بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال سبحانه في وصف المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] يرحمهم الله بهذه الصفات، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، فينبغي لطلبة العلم أن يكونوا في المقدمة، وأن يمتثلوا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فما قيمة العلم الذي لا يعمل به الإنسان، من العمل بالعلم أن يكون طالب العلم آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، لكن بالحكمة والموعظة الحسنة، باللين والرفق. وإنكار المنكر له ثلاث مراتب: أولاً: الإنكار باليد إذا كان الإنسان يستطيع أن يغير بإن كان له سلطة كالأمير، وإن كان في بيته إذا كان يستطيع غير بيده، وثانياً: إذا عجز باللسان والبيان، وثالثاً: الإنكار بالقلب؛ كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، والإنكار بالقلب لابد فيه من البعد عن المنكر، فإذا كنت لا تستطيع أن تنكر باللسان لا تجلس معهم، بل تقوم وتظهر علامة الإنكار على وجهك، أما إذا كنت تجلس معهم وتدعي أنك تنكر المنكر بقلبك فأنت شريك لهم في الإثم، فإن كانوا يشربون الخمر فحكمك حكم من يشرب الخمر، وإن كانوا يغتابون الناس وأنت ساكت وتستطيع أن تقوم فحكمك حكمهم، وإن كانوا يسبون الإسلام أو يسبون الله، فحكمك حكمهم، قال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:140]، فمن جلس مع قوم يكفرون بالله ولم ينكر عليهم ولم يقم فحكمه حكمهم، ومن جلس مع قوم يشربون الدخان ولم ينكر عليهم فحكمه حكمهم في الإثم، نسأل الله السلامة والعافية، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع العمل الصالح، ونسأله سبحانه وتعالى أن يتوفانا على الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

[3]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [3] يثبت أهل السنة والجماعة جميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة إثباتاً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه من غير تمثيل أو تكييف أو تعطيل أو تحريف.

عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الصفات

عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الصفات قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدم بيديه، كما نص سبحانه عليه في قوله عز من قائل: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]. ولا يحرفون الكلم عن مواضعه؛ بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله. ولا يكيفونهما بكيف أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين، تشبيه المشبهة خذلهم الله. وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف، ومَنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعليل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. وكما ورد القرآن بذكر اليدين في قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]. ووردت الأخبار الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد، كخبر محاجة موسى وآدم، وقوله له: (خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته)، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الفردوس بيده)]. يبين أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني رحمه الله معتقد السلف وأصحاب الحديث فيقول رحمه الله: (إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يشهدون لله تعالى بالوحدانية، ويشهدون لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة). وهذا هو أصل الدين وأساس الملة كما سبق.

إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله

إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله وأيضاً من معتقدهم: أنهم يعرفون الله بصفاته وأسمائه وأفعاله، وهذه الصفات والأسماء والأفعال إنما تؤخذ من الوحيين الكتاب والسنة، وليس للناس أن يخترعوا لله أسماء وصفات من عند أنفسهم، وهذا هو معنى قول أهل العلم: الأسماء والصفات توقيفية، يعني: يوقف فيها عند النصوص، فما ورد إثباته لله من الأسماء والصفات في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نثبته لله، وما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نفيه عن الله ننفيه عن الله، كما نفى عن نفسه السنة والنوم والعجز والظلم: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]، {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباته ولا نفيه نتوقف فيه، لا نثبته ولا ننفيه، مثل الجسم والحيز والعرض والحد والجهة والأعراض والأبعاض، فهذه الأمور التي أثبتها أهل البدع نتوقف فيها لا نثبتها ولا ننفيها؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباتها ولا نفيها، وهي مشتملة على حق وباطل، ونستفصل ممن أطلقها. من قال: إن لله جسماً، أو قال: ليس بجسم. لا نطلق لا نفيه ولا إثباته، فلا نقول: إن لله جسماً، ولا نقول: ليس بجسم، ولا نقول: إنه في حيز ولا غير متحيز؛ لأنه لم يرد في الكتاب والسنة لا إثباته ولا نفيه، ومن أطلقها نفياً أو إثباتاً فإننا نستفصل منه، نقول له: ما مرادك؟ إن قال: أنا مرادي أن الله متصف بالصفات، نقول: هذا المعنى صحيح، لكن هذا اللفظ مشتمل على حق وباطل. إذاً: إذا كان المعنى صحيحاً نقبله، لكن اللفظ نرده ونقول: عبر بالتعبيرات التي جاءت في النصوص؛ لأنها بريئة وسالمة من الخطأ، أما هذا اللفظ الذي جئت به فلا نقبله والمعنى صحيح. فإذا قال: أنا مقصودي أن الله يشبه المخلوقات، نقول: المعنى باطل، واللفظ باطل، ونرد المعنى واللفظ جميعاً. فإذا قال: ماذا أقول؟ نقول: قل ما قال الله وقال رسوله، إن الله هو السميع البصير، هو العليم الحكيم، هذه ألفاظ من النصوص بريئة وسالمة من احتمال الخطأ، أما هذا اللفظ الذي أتيت به لا نقبله والمعنى سليم. إذاً: القاعدة عند أهل السنة والجماعة في إثبات الأسماء والصفات والأفعال: ما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة إثباته لله وجب إثباتها لله، وما ورد في كتابه أو في السنة نفيه عن الله وجب نفيه عن الله، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة نفيه ولا إثباته لا ننفيه ولا نثبته، ومن أطلقه نفياً أو إثباتاً نستفصل منه: فإن أراد حقاً قبلنا المعنى ورددنا اللفظ، وإن أراد باطلاً رددنا اللفظ والمعنى جميعاً.

إثبات الصفات بلا تشبيه أو تمثيل

إثبات الصفات بلا تشبيه أو تمثيل قوله: [ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه]. أهل السنة والجماعة يثبتون الأسماء والصفات، لكن ينفون التمثيل والتشبيه، فيقولون: إن الله تعالى له سمع وبصر وعلم وقدرة لكن لا يماثل أحداً من مخلوقاته. المعنى معلوم، والعلم ضد الجهل، معنى السمع ضد الصمم، معنى البصر ضد العمى، لكن كيفية اتصاف الرب بالسمع والبصر والعلم لا نعلمه، ولا يعلم كيفية الصفات إلا هو. إذاً: معاني الصفات معلومة خلافاً للمفوضة، وهم طائفة يفوضون المعنى، يقولون: لا نعلم معنى السمع، ولا البصر، كأنها كلمات أعجمية، وهذا من أبطل الباطل. وبعضهم ينسب هذا إلى مذهب السلف، والسلف لا يفوضون بل يعرفون المعنى، لكن الذي يفوض هو علم الكيفية، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء قال: (الاستواء معلوم) يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، كما قال السلف: استوى استقر وعلا وصعد وارتفع. لكن كيفية استواء الرب لا نعلمها؛ ولهذا قال الإمام مالك: (والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وهذا يقال في كل الصفات، فمعنى الصفات من السمع والبصر والعلم والقدرة معلومة، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ولا يعتقدون تشبيهاً للصفات بصفات خلقه)، يعني: لا نقول: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين، ولا نكيف ونقول: إن كيفيتها كذا، ولا نحرف ولا نعطل. الناس أقسام: من الناس من أثبت الصفات لكن شبهه بصفات المخلوقين، قال: لله سمع كسمعنا، وبصر كبصرنا، وعلم كعلمنا ويد كأيدينا، وهذا مذهب المشبهة، وهم غلاة الشيعة، ويسمونهم البيانية، وينسبون إلى بيان بن سمعان التميمي، والسالمية الذين ينسبون إلى هشام بن سالم الجواليقي، وكان بعضهم يقول: إن الله على صورة الإنسان، وينزل عشية عرفة على جمل، ويحاضر ويسامر ويصافح، ومنهم من قال: إنه يندم ويحزن ويبكي! قبحهم الله، تعالى الله عما يقولون. فغلاة الشيعة البيانية والهاشمية يقولون: صفات الخالق مثل صفات المخلوق سواء وهؤلاء المشبهة كفرة، فمن شبه الله بخلقه أو شبهه بصفة من صفات خلقه فهو في الحقيقة ما عبد الله، وإنما عبد وثناً، صوره له خياله، ونحته له فكره، فهو من عباد الأوثان لا من عباد الرحمن، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية: لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان والمشبه مشابه للنصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله، وشبهوا عيسى بالله، ولهذا يقول العلامة ابن القيم: من شبه الله العظيم بخلقه فهو النسيب للمشرك النصراني والطائفة الثانية: المعطلة، وهم الذين نفوا الصفات عن الله، وأنكروها، وقالوا: إن الله لا يسمع ولا يبصر، ولم يستو على العرش، ونفوا العلم وسائر الصفات، وهذا مذهب المعتزلة والجهمية، حيث يزعمون أنهم لو أثبتوا الصفات للزم من ذلك التشبيه بصفات المخلوقين، قالوا: لو قلنا: إن لله سمعاً لشبهنا الله بالخالق، ولو قلنا: إن لله له بصراً لشبهنا الخالق بالمخلوق، ولو قلنا: إن له استواء لشبهناه بالمخلوق. فهم على طرفي نقيض، المشبهة أثبتوا وزادوا في الإثبات حتى غلوا وشبهوا صفة الخالق بصفات المخلوقين، والمعطلة مثل الجهمية والمعتزلة -وكذلك الأشاعرة لا يثبتون لله إلا سبع صفات، وبقية الصفات ينفونها- نفوا الصفات وقالوا: إن الله لا يعلم ولا يسمع، وهؤلاء بزعمهم في التنزيه حتى نفوا الصفات، وأولئك المشبهة غلو في الإثبات حتى شبهوا الله بخلقه، وهدى الله أهل السنة والجماعة فتوسطوا، فقالوا: نحن نثبت الصفات لكن لا نغلو في الإثبات حتى نصل إلى التشبيه كما قالت المشبهة، ونزهوا الله عن صفات المخلوقين، قالوا: إن الله لا يشبه خلقه، لكن لم يغلوا في هذا التنزيه حتى يصلوا إلى التعظيم، فصار مذهب أهل السنة والجماعة وسطاً وحقاً بين باطلين، وهدى بين ضلالين؛ فهم أخذوا الحق الذي مع المعطلة، وهو التنزيه، وتركوا الباطل وهو الزيادة في هذا التنزيه حتى نفوا الصفات، والمشبهة معهم حق وهو أصل الإثبات، لكن معهم باطل وهو الزيادة في هذا الإثبات حتى شبهوا الله بالمخلوقين، فأهل السنة والجماعة أخذوا الحق الذي مع المعطلة، وأخذوا الحق الذي مع المشبهة، ونفوا الباطل الذي مع المشبهة، ونفوا الباطل الذي مع المعطلة، فخرج مذهب أهل السنة {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل:66]، من بين ذم التشبيه وفرط التعظيم.

عقيدة أهل السنة في صفة اليد

عقيدة أهل السنة في صفة اليد فيقولون -يعني أهل السنة والجماعة- إنه خلق آدم بيده أو بيديه كما نص سبحانه عليه في قوله عز وجل: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]) هذه الآية فيها إثبات اليدين لله، ونحن نقول: إن لله سبحانه وتعالى يدين لا يشابه فيها أيدي المخلوقين. قوله: (ولا يحرفون الكلم عن مواضعه؛ بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله)، هذا دعاء من المؤلف عليهم بالهلاك. فالمعتزلة والجهمية لما وردت عليهم النصوص التي فيها إثبات الصفات كان موقفهم منها النفي، فلما أوردت عليهم النصوص قيل لهم: ماذا تقولون في قوله تعالى: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] وكذلك الآية الأخرى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] يعني: فيه صفة اليدين لله عز وجل. وكذلك في الأحاديث التي ذكرها المؤلف خبر محاجة آدم موسى قال: (خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته)، وحديث: (خلق الفردوس بيده)، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1]، (والذي نفسي بيده). كل هذه فيها إثبات اليد لله، والمراد بيده الجنس، والمراد يدان لله، فأثبت اليدان لله. أما المعتزلة والجهمية فقالوا: نحن نفسر اليد بالنعمة، أو بالقدرة. ونحن نقول: الأول باطل؛ لأنه تحريف للكلم عن مواضعه ومعارضة للنصوص، وإبطال لها، وهل الله تعالى عاجز عن أن يقول: لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي؟ لو كان مراده سبحانه وتعالى النعمة والقدرة لقال: لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي. الرد الثاني: أن تفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد المعنى؛ لأن الله سبحانه وتعالى أخبر أن له يدان: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، فلو لم يأت إلا ذكر يد واحدة لكان لتأويلهم وجه، يعني: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] يقول اليد معناها: النعمة أو القدرة، لكن لما جاء في النصوص إطلاق اليدين: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] إذا فسرت اليد بالنعمة سيكون المعنى: بنعمتي، وهذا يفيد حصر النعمة بنعمتين؟! والله له نعم كثيرة. وإذا فسرتها بالقوة؛ فإن لله قوتان فقط، فيفسد المعنى. إذاً: تفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد المعنى، أولاً: هو إبطال للنصوص، وتحريف لكلام الله عن مواضعه، وثانياً: لأنه جاء إثبات اليدين لله عز وجل، فليست يد واحدة وإنما هي يدان. قوله: (ولا يكيفونهما بكيف) أي: لا يقولون: إن يد الله كيفيتها كذا، أو تكون على كيفية كذا، وإنما يقولون: الله أعلم كيفية اليد، فله يدان سبحانه وتعالى كريمتان تليقان بجلاله وعظمته لا تماثل أيدي المخلوقين، لا نقول: كيفيتها كذا ولا كذا. قوله: (أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين) كذلك لا يقولون: إن يديه سبحانه تشبه يد المخلوقين، وهذا قول المشبهة الذين يكيفون ويمثلون ويشبهون تشبيه المشبهة خذلهم الله. قوله: (وقد أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف)، فلم يشبهوا أو لم يقولوا: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين، ولم يكيفوها فيقولون: إن الكيفية على كذا وكذا. فأعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه الذي وقع فيه أهل البدع. قوله: (ومن عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه) يعني: عرفهم وفهمهم الحق، فعلموا الحق وسلكوا مسلك الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصحابة والتابعين والأئمة، فوحدوا الله ونزهوه عن مشابهة المخلوقين. قوله: (وتركوا القول بالتعليل والتشبيه) أي ما قالوا: إننا نفي اليد لئلا يلزم منه التشبيه، أو لعلة كذا، أو لأجل كذا. قوله: (واتبعوا قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]) هذه الآية فيها رد على الطائفتين: المشبهة الممثلة والمعطلة، فقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) رد على المشبهة، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} رد على المعطلة، حيث أثبت لنفسه السمع والبصر، والمعطلة ينفون السمع والبصر، وقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) رد على المشبهة الذين يقولون: إن صفات الخالق تماثل صفات المخلوقين. قوله: (وكما ورد القرآن بذكر اليدين في قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]. ووردت الأخبار في الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد) يعني: كما ورد القرآن بذكر اليدين وردت السنة بذكر اليدين، فالمؤلف يقول: إن إثبات اليدين جاء في الكتاب العزيز وفي الأخبار الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد. قوله: (كخبر محاجة آدم وقوله له: (خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته)). في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لما لقي موسى آدم، احتج آدم وموسى، فقال موسى عليه الصلاة والسلام لآدم: (أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجت نفسك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، فيكم وجدت مكتوباً علي قبل أن أخلق: وعصى آدم ربه فغوى فقال بكذا وكذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى)، يعني: غلبه بالحجة، ذلك أن آدم احتج عليه بأن هذه المصيبة -وهي إخراجه من الجنة- مكتوبة عليه؛ فاحتج بالقدر، ولهذا حج آدم موسى، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، لكن الممنوع أن يحتج بالقدر على المعاصي، فهذه طريقة المشركين، أما الاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، إذا أصابتك مصيبة قل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل. فهذا آدم وموسى لما في خبر المحاجة قال موسى لآدم: (خلقك الله بيده)، أثبت اليد لله. قوله: (ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: لا أجعل صالح من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان)). هذا الحديث احتج به العلماء على تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة، وهذا يظهر في النهاية عند دخولهم الجنة حينما يكملهم الله عز وجل ويطهرهم، وهذه المسألة وهي: تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة، أو تفضيل الملائكة على الأنبياء وصالح البشر، مسألة خلافية بين أهل العلم، والصواب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأنبياء وصالح البشر أفضل، ومن الأدلة هذا الحديث، فلما طلبت الملائكة من الله عز وجل أن يجعلهم أفضل من بني آدم قالت: (ربنا جعلت لهم الدنيا يأكلون ويشربون)، والملائكة لا تأكل ولا تشرب، فاجعل لنا الآخرة، فقال الله عز وجل: (لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له: كن فكان). فآدم خلقه الله بيده، والملائكة قال الله لهم: كن فكانوا، فهذا من الأدلة التي احتج بها المحققون من أهل العلم على أن الأنبياء وصالح البشر أفضل من الملائكة في النهاية، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: عندما يكملهم الله عند دخولهم الجنة. قوله: (وقوله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الفردوس بيده) هذا الحديث فيه كلام لأهل العلم في صحته، فقد أعل بالإرسال، وسواء صح الحديث أو لم يصح فاليد ثابتة لله عز وجل في القرآن العزيز وفي السنة المطهرة.

إثبات جميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تحريف

إثبات جميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تحريف قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعزة والعظمة والإرادة والمشيئة والقول والكلام والرضا والسخط والحب والبغض والفرح والضحك وغيرها]. في نسخة: (والحياة واليقظة)، بدون: (والحب والبغض)، وهذه أحسن. أما قوله: [من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه بتأويل منكر مستنكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7]. وآيات الكتاب وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة المنيرة الناطقة بهذه الصفات وغيرها كثيرة يطول الكتاب بإحصائها، وذكر اتفاق أئمة الملة وعلمائها على صحة تلك الأخبار الواردة بها، وأكثرها مخرج بالأسانيد الصحيحة في كتاب الانتصار، وشرطنا في أول هذا الكتاب الاختصار، والاقتصار على أدنى المقدار دون الإكثار برواية الأخبار وذكر أسانيدها الصحيحة عن نقلة الآثار، ومصنفي المسانيد الصحاح الكبار]. يقول المؤلف رحمه الله: وكذلك معتقد أصحاب الحديث: أنهم في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن ووردت فيها الأخبار الصحاح يجرونها مجرىً واحداً، ويثبتون جميع الصفات كما يليق بجلال الله وعظمته، وينفون عنها التمثيل والتكييف، ويثبتون الصفات إثباتاً بلا تمثيل ولا تشبيه، وينفون عن الله مماثلة المخلوقين. وهم يثبتون الصفات، لا يعطلون كما تفعل المعطلة، ولا يمثلونها بصورة المخلوقين كما تفعل المشبهة. قوله: (كذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح) يعني: لا يشترط في ثبوت الصفة أن تأتي في القرآن وفي السنة، بل إذا أتت في القرآن أو في السنة وجب إثباتها. قوله: (من السمع والبصر) قال تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] هذا فيه إثبات صفة السمع والبصر. قوله: (والعين) صفة العين ثابتة في حديث الدجال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن ربكم ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور عينه اليمنى، كأن عينه عنبة طافية)، استدل العلماء بهذا الحديث على إثبات العينين لله، وأن لله تعالى عينين سليمتين بخلاف الدجال؛ فإن له عيناً واحدة، والعين الأخرى طافية كأنها عنبة طافية. قوله: (والوجه) وكذلك إثبات الوجه قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27]، والعلم: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134]. قوله: (والقوة) قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]. قوله: (والقدرة) قال الله تعالى:: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:120]. قوله: (والعزة) قال الله تعالى:: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:10]، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون:8]. قوله: (والعظمة) لحديث: (العظمة إزاري والكبرياء ردائي). قوله: (والإرادة) قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] والإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية قدرية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية ترادف المحبة. قوله: (والمشيئة) قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30]. قوله: (والقول) قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة:110]. قوله: (والكلام): {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]. قوله: (والرضا): {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]. قوله: (والسخط): {سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المائدة:80]. قوله في نسخة أخرى: (والحياة واليقظة)، الحياة نعم ثابتة، قال تعالى: {هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] أما اليقظة فهذا يحتاج إلى دليل. قوله: (والحب) قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]. قوله: (والبغض): (إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، ويحبه جبريل وتحبه الملائكة، ويوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض). وفي الآية الكريمة يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [غافر:10] والمقت أشد البغض. إذاً: الحياة ثابتة، أما اليقظة فيحتاج إلى دليل إثبات أنها من صفات الله، ولا أعلم دليلاً في الكتاب أو السنة فيه إثبات صفة اليقظة لله، إنما الحب والبغض والحياة. قوله: (والفرح) الفرح صفة ثابتة لله: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم يفقد راحلته في فلاة عليها طعامه ومتاعه)، إلى آخر الحديث. قوله: (والضحك): (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة)، قوله: (وغيرها). أي أن أهل السنة والجماعة والسلف وأهل الحديث يثبتون الصفات التي وردت في القرآن العزيز أو في السنة المطهرة، ومثل لهذه الصفات بالسمع والبصر والعينين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعزة والعظمة والإرادة والمشيئة والقول والكلام والرضا والسخط والحياة والحب والبغض والفرح والضحك وغيرها. قوله: (من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين) يعني: لا يقولون: إن سمع الخالق مثل سمع المخلوق، بل الله تعالى له صفات تليق بجلاله وعظمته، لا يماثل أحداً من خلقه. قوله: (بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادةولا إضافة عليه). يعني: يقفون عند النصوص من غير زيادة على قول الله وقول الرسول، ولا يضيفون إليها شيئاً، بل يقولون كما قالوا: أثبت الله لنفسه السمع نثبت السمع، أثبت الله لنفسه البصر نثبت البصر، وهكذا من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه. قوله: (ولا تكييف له)، لا يقولون: إن كيفية سمع الله كذا، إن بصره كيفيته كذا، لا يكيف ولا يشبه بصفات المخلوقين. قوله: (ولا تحريف) لا يحرفون الصفات ويقولون: معنى اليد النعمة أو القدرة، فهذا تحريف وتبديل وتغيير، وهم لا يحرفون الألفاظ ولا المعاني. الجهمية حرفت وقالوا: معنى ((اسْتَوَى)) استولى، ولهذا يقول العلماء: إن الجهمية شابهوا اليهود، فإن اليهود قال الله لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة:58] يعني: حط عنا يا الله ذنوبنا واغفرها لنا، وهم حرفوا وقالوا: حنطة، حرفوا في اللفظ والمعنى، وأمرهم الله أن يدخلوا سجداً فدخلوا يزحفون على أدبارهم. والجهمية غيروا (استوى) وقالوا: استولى، ولهذا يقول العلماء: لام الجهمية مثل نون اليهود، لام الجهمية استولى زادوها في النص، ونون اليهود زادوها في النص. أما أهل السنة والجماعة فلا يحرفون ولا يغيرون ولا يبدلون كما تفعل الجهمية وكما يفعل اليهود؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى وقاله رسوله من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه ولا تكييف له ولا تشبيه ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير). فهم لا يقولون: كيفية الصفة على كذا وكذا، ولا يقولون: تشبه صفة المخلوقين، ولا يحرفون اللفظ، ولا يحرفون المعنى، ولا يبدلون ولا يغيرون. قوله: ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه في تأويل المنكر). فأهل السنة لا يزيلون لفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتؤوله عليه بتأويل منكر، مثل تأويل الجهمية في (استوى) باستولى، هذا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب بتأويل منكر. قوله: ويجرونه على الظاهر ويكلون علمه إلى الله، ويقرون بأنه تأويل لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولون في قوله عز وجل: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7]) فالراسخون في العلم يؤمنون بالنصوص ولا يمثلون ولا يكيفون ولا يشبهون، يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7] آمنا بالمتشابه وبالمحكم، ويعملون بالمحكم، ويؤمنون بالمتشابه، ولا يحرفون. قوله: (وآيات الكتاب وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة المنيرة الناطقة بهذه الصفات وغيرها كثيرة) يعني: الآيات والنصوص التي فيها إثبات الصفات سواء من الكتاب ومن السنة كثيرة، يطول الكتاب بإحصائها، لكن أنا أعطيك قاعدة هي: يجب على كل مسلم أن يثبت النصوص التي وردت في الكتاب وفي السنة إثباتاً بغير تكييف ولا تمثيل، لكن تنزيه الله عن مشابهة المخلوق من غير تعطيل للصفات، ولا تمثلها بصفات المخلوقين كما يفعل المشركون، ولا تعطل بأن تنفي الصفات كما نفتها المعطلة. فكل نص في القرآن العزيز أو في السنة المطهرة جاء بإثبات صفة من صفات الله، أو اسم من أسماء الله، أو فعل من الأفعال أثبته لله، واجتنب أمرين باطلين: الباطل الأول: التمثيل بصفات المخلوقين، والباطل الثاني: تعطيل الصفة. إذاً: من مثل فقد شابه

[4]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [4] يعتقد أهل السنة أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، سمعه جبريل بحرف وصوت، ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم.

عقيدة السلف في القرآن وصفة الكلام لله

عقيدة السلف في القرآن وصفة الكلام لله قال: [ويشهد أصحاب الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله وخطابه ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم، والقرآن -الذي هو كلام الله ووحيه- هو الذي نزل به جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً، كما قال عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:192 - 195]. وهو الذي بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته كما أمر به في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] فكان الذي بلغهم بأمر الله تعالى كلامه عز وجل، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: (أتمنعونني أن أبلغ كلام ربي) وهو الذي تحفظه الصدور، وتتلوه الألسنة، ويكتب في المصاحف، كيفما تصرف بقراءة قارئ ولفظ لافظ وحفظ حافظ، وحيث تلي، وفي أي موضع قرئ أو كتب في مصاحف أهل الإسلام وألواح صبيانهم وغيرها كله كلام الله جل جلاله غير مخلوق؛ فمن زعم أنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم. سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد يقول: سمعت الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق؛ فمن قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم، ولا تقبل شهادته، ولا يعاد إن مرض، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه]. هذا الكلام ذكره المؤلف رحمه الله في إثبات القرآن، وأنه كلام الله عز وجل، وهو من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع. وهناك صفات اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع، من أثبتها فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدعة، وهي ثلاث صفات: الصفة الأولى: صفة الكلام، والصفة الثانية: صفة رؤية الله عز وجل، والصفة الثالثة: صفة العلو. فالكلام لا يثبته الجهمية ولا المعتزلة، والأشاعرة يثبتون الكلام على أنه معنى قائم بالنفس، والرؤية كذلك ينكرها الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وكذلك العلو. وهنا يبين المؤلف رحمه الله عقيدة السلف وأصحاب الحديث: أنهم يعتقدون أن القرآن كلام الله، تكلم به بصوت وحرف، وسمعه منه جبرائيل عليه الصلاة والسلام، ونزل به وحياً على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:194 - 195]. أما الجهمية فقد أنكروا أن يكون الله تكلم، يقولون: هذا ليس كلام الله وإنما هو مخلوق. وكذلك المعتزلة قالوا: ليس لله كلام، وأنكروا اللفظ والمعنى، وقالوا: إن الله خلق الكلام وأضافه إليه، فيقولون: إن الله خلق الكلام في الشجرة، والشجرة هي التي كلمت موسى، وقالت: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص:30] هل الشجرة تقول: (إني أنا الله رب العاملين)؟ يقولون: الكلام نحن نثبت الكلام لكن ما نثبت الكلام على أنه لفظ ولا حرف ولا صوت، الكلام معنى قائم بنفس الرب لا يسمع، كما أن العلم في نفسه فكذلك الكلام قائم في نفسه. أما الأشاعرة فهم أقرب الطوائف إلى أهل السنة ومع ذلك ما أثبتوا الكلام، يقولون: إن القرآن الموجود في المصاحف ليس كلام الله، إنما كلام الله معنى قائم بنفسه، لكن هذا عبارة عن كلام الله عبر به جبريل أو عبر به محمد، وقالوا: إن الله لم يتكلم بحرف ولا صوت، ولم يسمع جبريل من الله حرفاً ولا صوتاً، ولكن يضطر اضطراراً جبريل، ففهم المعنى القائم بنفسه، وجعلوا الله والعياذ بالله كالأخرس لا يتكلم، والكلام معنىً قائم بنفسه ولا يستطيع أن يتكلم به نعوذ بالله!! ليس بحرف ولا صوت ولا يتكلم بقدرته ومشيئته، ومن أين هذا القرآن؟ قالوا: هذا القرآن الله تعالى اضطر جبريل اضطراراً ففهم المعنى القائم بنفسه، ثم ذهب فعبر بهذا القرآن وأوصله إلى محمد، فلفظه من جبريل، فهمه جبريل من الله فعبر عنه. وقالت طائفة من الأشاعرة: الذي عبر به محمد وليس بجبريل، وقالت طائفة أخرى من الأشاعرة: إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ وأنزله على محمد، وكل هذه أقوال باطلة، والذي يعتقده أهل السنة والجماعة وأهل الحديث والسلف: أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، بحرف وصوت، وأن الله تكلم به، فسمعه جبرائيل، ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (ويشهد أصحاب الحديث ويعتقدون: أن القرآن كلام الله وكتابه وخطابه ووحيه وتنزيله غير مخلوق) فالقرآن لفظه ومعناه تكلم الله به، وهو كتاب الله وهو خطابه وهو وحيه وتنزيله، وهو كلام الله اللفظ والمعنى بحرف وصوت. قوله: (ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم) ولهذا قال كثير من السلف: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. وهذا الحكم إنما هو على العموم، أما المعين فلان بن فلان إذا قال: القرآن مخلوق، فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة وتزال الشبهة إذا كانت له شبهة، لكن على العموم يقال: من قال: القرآن مخلوق، أو كلام الله مخلوق فهو كافر، أما الشخص المعين إذا تكلم بهذا فإنه يكفر إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع وزالت الشبهة، فلابد أن يزال اللبس وتزال الشبهة، فإذا أصر قتل لكفره. قوله: (والقرآن الذي هو كلام الله ووحيه هو الذي نزل به جبريل على الرسول عليه الصلاة والسلام) نعم لفظه ومعناه نزل به من عند الله. قوله: (قرآناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً) أي: فيه البشارة والنذارة. قوله: (كما قال عز من قائل: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء:192 - 193] وهو جبريل: {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:194 - 195]. وهو الذي بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته كما أمر به في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67])، هذا القرآن تكلم الله به وبلغه جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم بلغه أمته، فهذا القرآن الذي نتلوه ونسمعه ونقرأه ونحفظه هو كلام الله الذي تكلم به بلفظه ومعناه، وسمعه منه جبرائيل، ونزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم بلغه أمته، فالقرآن منزل من عند الله. قوله: (فكان الذي بلغهم بأمر الله تعالى كلامه عز وجل)، الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتبليغ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] فالرسول بلغ كلام الله بأمر الله. قوله: (وفيه قال صلى الله عليه وسلم: (أتمنعونني أن أبلغ كلام ربي)) هذا الحديث صحيح، لما منعه الكفار من دعوة الناس، قال: (أتمنعونني أن أبلغ كلام ربي)، فالرسول صلى الله عليه وسلم أثبت أنه كلام الله الذي تكلم به. قوله: (وهو الذي تحفظه الصدور، وتتلوه الألسنة، ويكتب في المصاحف، كيفما تُصِرِّف بقراءة قارئ ولفظ لافظ وحفظ حافظ، وحيث تلي، وفي أي موضع قرئ أو كتب في مصاحف أهل الإسلام، وألواح صبيانهم وغيرها كله كلام الله) يعني: كلام الله عز وجل كيفما تصرف فهو كلام الله، إن حفظه الحافظ فكلام الله له محفوظ، وإن تلاه التالي فكلام الله له متلو، وإن كتب فكلام الله مكتوب، كيفما تصرف فهو كلام الله حقيقة وليس مجازاً، كلام الله محفوظ في الصدور، متلو بالألسنة، مكتوب في المصاحف، إذا قرأه قارئ فهو كلام الله، إذا تلاه التالي يقال: تلا التالي كلام الله، إذا حفظه الحافظ يقال: حفظ الحافظ كلام الله، إذا كتبه كاتب يقال: كتب الكاتب كلام الله. وهذا حقيقة ليس مجازاً، ولو كان مجازاً لصح أن يوجه النفي إليه فيقال: ما قرأ القارئ كلام الله، ما تلا التالي كلام الله، ما كتب الكاتب كلام الله، وهذا باطل لا يقال، فإذا قرأ القارئ كلام الله يقال: كلام الله مقروء حقيقة، إذا تلاه يقال: كلام الله متلو، إذا حفظه يقال: كلام الله محفوظ في صدور المؤمنين، أو الذين أوتوا العلم، كما قال الله تعالى في سورة العنكبوت: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ * وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:46 - 49]. إذاً: القرآن محفوظ في الصدور، متلو بالألسن، مكتوب في المصاحف، كيفما تصرف فهو كلام الله، حيث تلي أو لفظ أو حفظ أو قرئ أو كتب في مصاحف أهل الإسلام وفي ألواح الصبيان قبل أن توجد، اللوح قطعة من الخشب يطلى بالطين ثم يكتب عليه حتى يتعلم الصبي، فيقال: كتب في اللوح كلام الله، كتب في المصحف كلام الله، فكلام الله مكتوب في مصاحف الإسلام، وألواح الصبيان، وغيرها كله كلام الله جل جلاله. قوله: (فمن زعم أنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم) يعني: كلام الله في القرآن الذي مكتوب في المصاحف ومتلو بالألسن، وموضوع في الصدور هو القرآن بعينه الذي نقول: إنه غير مخلوق، فمن زعم

أقوال أئمة أهل السنة في القرآن

أقوال أئمة أهل السنة في القرآن ذكر المؤلف رحمه الله سنده عن شيخه الحاكم، والحاكم يروي عن حسان بن محمد، وحسان بن محمد يروي عن الإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح يقول: (القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم، ولا تقبل شهادته، ولا يعاد إن مرض، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين ويستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه). إذاً: الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة كفر من قال: القرآن مخلوق، يقول: كافر لا تقبل شهادته؛ لأنه لا تقبل شهادة الكافر على المسلم، ولا يعاد إن مرض؛ لأنه ليس من المسلمين، ولا يصلى عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وروي عنه أنه قال: من لم يقل بأن الله مستوٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، بائن عن خلقه، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وطرح على مزبلة حتى لا يتأذى به أهل الإسلام ولا أهل الذمة؛ لأن كفره أشد من كفر، نسأل الله السلامة والعافية. والمؤلف رحمه الله قصده من هذا: الرد على من أنكر أن يكون كلام الله في المصاحف، فالأشاعرة يقولون: كلام الله هو القائم بنفسه، أما المصاحف فلا يوجد فيها كلام الله، هذا مع أنهم أقرب الطوائف، حتى إن بعضهم غلا تجده يدوس المصحف بقدميه، فإذا قيل له في ذلك؟ قال: لا يوجد فيه كلام الله، كلام الله معنى قائم بنفسه، والمصحف عبارة عن كلام الله، والعياذ بالله. فالمؤلف رحمه الله يرد على هؤلاء، ويبين بطلان مذهبهم، وأنه كفر وغلو، والقرآن كلام الله مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مكتوب بالألسن. قال المصنف رحمه الله: [فأما اللفظ بالقرآن؛ فإن الشيخ أبا بكر الإسماعيلي الجرجاني ذكر في رسالته التي صنفها لأهل جيلان قال فيها: من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق -يريد به القرآن- فقد قال بخلق القرآن. وذكر ابن مهدي الطبري في كتابه الاعتقاد الذي صنفه لأهل هذه البلاد: أن مذهب أهل السنة والجماعة القول بأن القرآن كلام الله سبحانه ووحيه وتنزيله وأمره ونهيه غير مخلوق، ومن قال: مخلوق فهو كافر بالله العظيم، وأن القرآن في صدورنا محفوظ، وبألسنتنا مقروء، وفي مصاحفنا مكتوب، وهو الكلام الذي تكلم الله عز وجل به، ومن قال: إن القرآن بلفظي مخلوق، أو لفظي به مخلوق، فهو جاهل ضال، كافر بالله العظيم. وإنما ذكرت هذا الفصل بعينه من كتاب ابن مهدي لاستحساني ذلك منه؛ فإنه اتبع السلف من أصحاب الحديث في ما ذكره مع تبحره في علم الكلام، وتصانيفه الكثيرة فيه، وتقدمه وتبرزه عند أهله]. يقول المؤلف رحمه الله: إن مسألة اللفظ في القرآن حدثت ولم تكن معروفة عند السلف، وهو أن بعضهم تكلم، وقال: لفظي بالقرآن مخلوق، فأنكر عليه العلماء وأهل الحديث، وقالوا: إن هذا الكلام ليس معروفاً عند أهل السلف وأصحاب الحديث. ولهذا نقل المؤلف رحمه الله عن الشيخ أبي بكر الإسماعيلي الجرجاني أنه ذكر في المسألة التي صنفها لأهل جيلان قال فيها: من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فقد قال بخلق القرآن، وهذه المسألة حصل فيها فتنة في بين المحدثين، حتى أن البخاري رحمه الله رمي بمسألة اللفظ، وهجره بعض أهل الحديث، وقالوا: إنه يقول بمسألة اللفظ، وهي مسألة محدثة، وهي قول: لفظي بالقرآن مخلوق، يقول: هذا باطل، هذا الكلام ليس معروفاً عند السلف، القرآن كلام الله منزل غير مخلوق؛ لأن هذا خلاف ما كان عليه السلف الصالح، والبخاري رحمه الله ذكر في صحيحه في كتاب التوحيد أن الإنسان مخلوق في أقواله وأفعاله، وأما كلام الله فهو منزل غير مخلوق. فالذي يقول: إن لفظي بالقرآن مخلوق. قال قولاً مبتدعاً لم يقله السلف، ولهذا قال كثير من السلف كما نقل المؤلف رحمه الله عن أبي بكر الإسماعيلي أنه قال: (من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فقد قال بخلق القرآن)، أنكر هذه اللفظة، لا تقل: لفظي بالقرآن مخلوق، قل: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، أما الإنسان فهو مخلوق في أقواله وأفعاله، لكن لا تخصص القرآن. وكذلك ذكر عن ابن مهدي في كتاب الاعتقاد: أن مذهب أهل السنة القول بأن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله وأمره ونهيه غير مخلوق، ومن قال: مخلوق فهو كافر بالله العظيم، وبين كما سبق: أن القرآن في صدورنا محفوظ، وبألسنتنا مقروء، وفي مصاحفنا مكتوب، وهو كلام الله الذي تكلم به عز وجل. قوله: (ومن قال: إن القرآن بلفظي مخلوق أو لفظي به مخلوق؛ فهو جاهل ضال كافر بالله العظيم)؛ لأنه ابتدع قولاً لم يقله السلف، والمؤلف رحمه الله يقول: إنما نقلت هذا الكلام عن ابن مهدي؛ لأن ابن مهدي وافق السلف في هذه المسألة، وإن كان قد تعمق في علم الكلام وتبحر فيه، وله تصانيف في الكلام، إلا أنه لما وافق أهل السنة نقلت كلامه؛ لأبين للناس أن بعض أهل الكلام وافق أهل السنة في هذه المسألة لظهور الحق فيها. قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قرأت بخط أبي عمرو المستملي: سمعت أبا عثمان سعيد بن إشكاب يقول: سألت إسحاق بن إبراهيم بنيسابور عن اللفظ بالقرآن، فقال: لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق. وذكر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في كتابه الاعتقاد الذي صنفه في هذه المسألة، وقال: أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي ولا تابعي إلا عمن في قوله الغناء والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الأول؛ أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله؛ فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: اللفظية جهمية، قال الله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ} [التوبة:6] ممن يسمع؟ قال: ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه رضي الله عنه أنه كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق. فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق. فهو مبتدع. قال محمد بن جرير: ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله؛ إذ لم يكن لنا فيه إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع رحمة الله عليه ورضوانه. هذه ألفاظ محمد بن جرير التي نقلتها نفسها إلى ما هاهنا من كتاب الاعتقاد الذي صنفه]. المؤلف رحمه الله نقل بسنده عن الإمام الحافظ إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الإمام المحدث المشهور قوله في مسألة اللفظ بالقرآن، فقال: (لا ينبغي أن يناظر في هذا)، يعني: لا ينبغي أن يتكلم إنسان باللفظ، ويقول: لفظي بالقرآن مخلوق. ثم نقل عن الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير المعروف في كتاب سماه الاعتقاد صنف في هذه المسألة، فقال الإمام ابن جرير الطبري: (أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن)، هل نقول: ألفاظ العباد بالقرآن مخلوقة أو غير مخلوقة؟ يقول: هذه المسألة ما تكلم فيها أحد، ليس فيها أثر نعلمه عن صحابي ولا تابعي إلا عمن في قوله الغناء والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الأولى، وهو الإمام أحمد رحمه الله. هل يقال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو يقال: غير مخلوق؟ يقول الإمام ابن جرير: ما وجدنا فيها أثراً عن الصحابة، ولا عن التابعين إلا أننا وجدنا من يتبع كلامه، وفي كلامه الغناء والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، وهو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة والجماعة، ثم روى بسنده عن أبي إسماعيل الترمذي أنه قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: اللفظية جهمية، واللفظية هم الذين يقولون: لفظي بالقرآن مخلوق. قال الله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] يقول الإمام أحمد من يسمع؟ الإمام أحمد استدل على أن اللفظية جهمية بالآية: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، قال الإمام أحمد ممن يسمع؟ أليس يسمع كلام الله؟ ثم قال أيضاً: سمعت جماعة من أصحابنا يذكرون عن الإمام أحمد أنه قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق. فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق. فهو مبتدع. هذه العبارة مشهورة عن الإمام أحمد: فمن قال: غير مخلوق مبتدع؛ لأنه خالف ما عليه أهل السنة والجماعة. وقد اختلف العلماء في تفسير هذه الكلمة وذكرها ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة وأطال وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ لأنه قد يطلق اللفظ على الملفوظ، والملفوظ هو كلام الله، فيكون هذا قول الجهمية، وكذلك من قال: غير مخلوق؛ لأنه قد يطلق الملفوظ على اللفظ أيضاً، فيكون هذا مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، فيكون مبتدعاً في هذه المقالة؛ ولأن اللفظ يطلق على الشيء الملفوظ وهو الشيء الساقط. فإذاً: الإمام أحمد سد الباب، ولا يوجد روايات بعده، لا تقل: لفظي بالقرآن مخلوق، ولا تقل: غير مخلوق، من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع. إذاً قل: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، واترك مسألة اللفظ لا نفياً وإثباتاً، لا تقل: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق. يقول محمد بن جرير الطبري رحمه الله: (لا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله)، أي: ليس هناك لنا قول يجوز أن نقوله ونعتمده إلا قول الإمام أحمد، ونحن نقول مثلما يقول الإمام أحمد لا نتكلم في اللفظ لا نفياً ولا إثباتاً،

الأسئلة

الأسئلة

حكم وصف الله باليقظة

حكم وصف الله باليقظة Q ألا يكون قول الله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] دليلاً على صفة اليقظة التي ذكرها المصنف استناداً إلى أن نفي الصفة يثبت كمال ضدها، أو يكون إثبات هذه الصفة مخالفة؟ A لا ما نستنبط الصفات، إما نقول: الله تعالى {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]، وهنا نفى الله عن نفسه السنة والنوم، أما إثبات اليقظة فلابد من دليل ينص عليها؛ لأن الصفات لا تدخل في الاستنباط، الصفات توقيفية، ولابد أن تثبت الصفة في الكتاب أو في السنة.

حكم قول: (يد الله مع الجماعة)

حكم قول: (يد الله مع الجماعة) Q ما حكم قول القائل: يد الله مع الجماعة؟ A لا بأس به: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10] يد الله مع الجماعة، هذا ورد.

كفر من طعن في القرآن بزيادة أو نقصان

كفر من طعن في القرآن بزيادة أو نقصان Q من قال: إن في القرآن زيادة ونقص هل هو كافر أم لا؟ A من قال: إن القرآن فيه نقص، أو فيه شيء من التحريف، كما تقول الرافضة: طار ثلثيه ولم يبق إلا الثلث. هذا كفر وردة، لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فالقرآن ليس فيه زيادة ولا نقصان، ومن قال: إنه يلحقه الزيادة أو النقصان فقد كذب الله في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ومن كذب الله كفر.

عقيدة الأشاعرة في القرآن

عقيدة الأشاعرة في القرآن Q يسأل عن الفرق بين من يقول: القرآن عبارة عن كلام، ومن يقول: إن القرآن كفاية عن الله؟ A متقارب. هذا قول الأشاعرة، والعبارة والكفاية متقاربتان، وكلامهما معنى باطل، والصواب: أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه.

الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله

الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله Q الحديث القدسي هل هو كلام الله لفظاً ومعنى؟ A الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله كالقرآن، إلا أن له أحكاماً تختلف عن القرآن، وأما الحديث غير القدسي فمعناه من الله، ولفظه من الرسول عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].

حكم قول: (اشتريت قرآنا) ونحوه

حكم قول: (اشتريت قرآناً) ونحوه Q ما حكم قول الشخص: (اشتريت قرآناً أو بعت قرآناً) هل هذا يجوز؟ A يعني: اشتريت المصحف، والمصحف فيه كلام الله وفيه خط فلان، وفيه الورق، وفيه المداد، هذا المقصود.

كفر من قال: إن القرآن مخلوق

كفر من قال: إن القرآن مخلوق Q يسأل عمن قال: إن القرآن مخلوق: أنه كافر لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ألا يدل ذلك على تكفيره وكيف يدل على تكفيره مع أن الإمام أحمد لم يكفر المأمون؟ A المراد تكفيره على العموم، أما الشخص المعين فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة، وتوجد الشروط، وتنتفي الموانع؛ لأنه قد يكون عنده شبهة، فإذا كشفت الشبهة وأصر حكم بكفره. فمن قال: القرآن مخلوق، فهو كافر. هذا على العموم. مثلاً: من أنكر رؤية الله في الآخرة فهو كافر، أما الشخص فلان بن فلان لابد أن تقوم عليه الحجة، وتوجد الشروط، وتنتفي الموانع.

حكم إثبات اسم (الحنان) لله تعالى

حكم إثبات اسم (الحنان) لله تعالى Q اسم الحنان هل هو من أسماء الله؟ A أما المنان فهو ثابت، أما الحنان ففيه كلام، وأذكر أن بعض الإخوان أتى فيه بحديث وذكر بعض أسانيده، وهو يحتاج إلى تأمل.

اختلاف أهل السنة مع الأشاعرة في الرؤية

اختلاف أهل السنة مع الأشاعرة في الرؤية Q ما سبب الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة في الصفات الثلاث بالذات: العلو والرؤية والكلام؟ A الرؤية الأشاعرة يثبتونها، لكن لا يثبتون الجهة، يقولون: إن الله يرى لا في جهة، فهم لا يثبتون العلو، وهم وسط بين أهل السنة وبين المعتزلة، فهم مع المعتزلة في نفي الجهة، وهم مع أهل السنة في إثبات الرؤية، ولهذا قال أهل السنة: هم كالخنثى، لا أنثى ولا ذكر، ليسوا مع أهل السنة وليسوا مع المعتزلة. فهم جعلوا يداً مع المعتزلة فأنكروا العلو، وجعلوا يداً مع أهل السنة فأثبتوا الرؤية، فقالوا: إن الله يرى لا في جهة، وهذا غير معقول وغير متصور.

طريق الراسخين في العلم

طريق الراسخين في العلم Q كيف أكون من العلماء الراسخين في علم العقيدة، ودلني على بعض الكتب لذلك؟ A تعلم كما تعلم العلماء، وتدبر كلام الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واجلس مع أهل العلم، وزاحم الطلبة في حلق الدروس العلمية، ولاسيما أهل البصيرة، واقرأ في كتب أهل العلم، واسأل عما أشكل عليك، واجتهد واسأل الله التوفيق، فتكون نسأل الله أن يوفقك ويجعلك من الراسخين في العلم. نسأل الله للجميع الثبات على دينه والإقامة على شرعه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على محمد وآله وسلم.

[5]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [5] يعتقد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى فوق سبع سماواته على عرشه، يثبتون من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به، ويصدقون الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على العرش، ويمرون هذا على ظاهره، ويكلون علم كيفية ذلك إليه تعالى.

اعتقاد استواء الله على عرشه فوق سماواته

اعتقاد استواء الله على عرشه فوق سماواته قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله سبحانه فوق سبع سماواته على عرشه مستوٍ كما نطق به كتابه في قوله عز وجل في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]، وقوله جل وعلا في سورة يونس: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس:3]، وقوله جل وعلا في سورة الرعد: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد:2]، وقوله في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59]، وقوله في سورة السجدة: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة:4]، وقوله في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]].

الأدلة الدالة على إثبات استواء الله على عرشه

الأدلة الدالة على إثبات استواء الله على عرشه استواء الله على العرش من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع، وصفتي الاستواء والعلو من الصفات التي ثبتت بالنصوص وبالعقل وبالفطرة، ومن الصفات اللازمة للرب عز وجل التي لا تنفك عن الباري، فالرب لم يزل عالياً فوق مخلوقاته، وفوق سماواته، وهو فوق العرش، الذي هو سقف المخلوقات، والله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات، والعلو من الصفات التي ثبتت بالنصوص والعقل والفطرة، فالله تعالى فطر الخلق على أن الله في العلو. والأدلة التي فيها إثبات علو الله على خلقه تزيد على ثلاثة آلاف دليل، وهناك أنواع من الأدلة كل نوع تحته أفراد كثيرة. والاستواء على العرش علو خاص، وهو علو على العرش، وهو من الصفات الفعلية، والعلو من الصفات الذاتية، فالفرق بين العلو والاستواء يكون من جهتين: أولاً: أن صفة العلو من الصفات الثابتة بالعقل والشرع والفطرة، أما صفة الاستواء فهي ثابتة بالشرع، فلولا أن الله أخبرنا بأنه استوى على العرش لما علمنا ذلك. ثانياً: أن صفة العلو من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الباري، وصفة الاستواء من الصفات الفعلية، فالله تعالى خلق العرش أولاً، ثم خلق السماوات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض. والنصوص التي فيها بيان استواء الله على العرش في القرآن - نصوص الاستواء - وردت في سبعة مواضع: الموضع الأول: في سورة الأعراف، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الأعراف:54]. الموضع الثاني: في سورة يونس، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس:3]. الموضع الثالث: في سورة الرعد، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد:2]. الموضع الرابع: في سورة طه، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]. الموضع الخامس: في سورة الفرقان، قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59]. الموضع السادس: في سورة السجدة، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة:4]. الموضع السابع: في سورة الحديد، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4]، فهذه سبعة مواضع فيها التصريح بأن الله استوى على العرش بأداة (على) الصريحة والدالة على العلو والارتفاع. وفي السنة توجد نصوص أخرى.

ذكر الأدلة الدالة على علو الله تعلى على خلقه

ذكر الأدلة الدالة على علو الله تعلى على خلقه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـ هامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:36 - 37]، وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:37]، يعني: في قوله: إن في السماء إلهاً. وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، يثبتون له من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به، ويصدقون الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على العرش، ويمرونه على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله جل وعلا ويقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7]، كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك، ورضيه منهم فأثنى عليهم به]. بدأ المؤلف رحمه الله هنا يذكر الأدلة الدالة على علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه، وجاء في النسخة التي معي فيها قبل الآية التي ذكرها ذكر آيات، وهي قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10]، استدل بها على العلو، والصعود إنما يكون من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو، وقوله: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:5]، فالأمر ينزل من السماء التي هي العلو، فدل على أن الله في العلو، وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، والسماء تطلق ويراد بها العلو، والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش. وتطلق السماء على الطباق المبنية، فإذا أريد بالسماء الطباق المبنية فتكون (في) بمعنى: على، أي: أأمنتم من على السماء، وإذا أريد بالسماء العلو تكون (في) للظرفية على بابها، وله تعالى أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:5]، وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]. قوله: [وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـ هامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:36 - 37]، وإنما قال ذلك لأن موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:37]، يعني: في قوله: إن في السماء إلها]. هذه الآية فيها إثبات العلو، ووجه الدلالة أن فرعون وقد ادعى الربوبية قال للناس: أنا ربكم الأعلى، وما علمت لكم من إله غيري، فهو منكر لوجود الله في الظاهر، وإن كان مستيقناً به في الباطن، كما قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14]، ففرعون منكر لوجود الله في الظاهر، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطلع إلى إله موسى؛ لأن موسى أعلمه أن الله في العلو، فطلب فرعون من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطلع وليكذب موسى فيما زعمه أن الله في العلو، ولهذا قال: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:37]، أي: في دعواه أن الله في العلو. فإذاً: فرعون منكر لوجود الله، ولهذا قال: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:37]، ولكن بعض الجهمية الآن في القديم والحديث قلبوا معنى الآية، وقالوا: إن فرعون طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً، ففرعون مجسم لأنه مثبت لوجود الله في العلو، فمن قال: إن الله في العلو، وأثبت أن الله في العلو فمذهبه مذهب فرعون، ومن أنكر العلو فهو على الصواب! فهذا القول يقوله الجهمية المتقدمون والمتأخرون، حتى بعض المتأخرين الآن يقولون: إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون. فالجهمية يقولون: لو قلنا: إن الله فوق السماء لصار جسماً، ولصار محدوداً ومتحيزاً وهذا تنقص لله، حيث جعلوه مختلطاً بالمخلوقات نعوذ بالله! فالجهمية أنكروا أن يكون الله في العلو زعماً منهم أن إثبات العلو فيه تجسيم وتنقص لله، ولهذا قالت الجهمية: إن فرعون مثبت للعلو لأنه مجسم، وقالوا: إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون. وهذا قلب للحقائق، ففرعون منكر لوجود الله، وقال للناس: أنا ربكم الأعلى، وقال: ما علمت لكم من إله غيري، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليكذب موسى في دعواه أن الله في العلو. يقول العلماء: من أثبت العلو فهو على دين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، ومن أنكر العلو فهو على دين فرعون.

أقوال علماء السلف في إثبات استواء الله على عرشه

أقوال علماء السلف في إثبات استواء الله على عرشه قوله: [وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته - العرش: سقف المخلوفات - يثبتون له من ذلك ما أثبته الله تعالى ويؤمنون به، ويصدقون الرب جل جلال في خبره]. أي: فيما أخبر عن نفسه سبحانه وتعالى أنه في العلو {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، هو أعلم بنفسه سبحانه وتعالى. قوله: (ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على عرشه، ويمرونه على ظاهره) يقولون: إن الله في العلو (ويكلون علمه إلى الله) الكيفية لا نعلمها (ويقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7]). هذا وصف الرب سبحانه أنهم يؤمنون بالمحكم والمتشابه، ويعملون بالمحكم.

قول أم سلمة في إثبات استواء الله على عرشه

قول أم سلمة في إثبات استواء الله على عرشه قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المعلى حدثني محمد بن داود بن سليمان الزاهد أخبرني علي بن محمد بن عبيد أبو الحسن الحافظ من أصله العتيق، قال: حدثنا أبو يحيى بن بشر الوراق حدثنا محمد بن الأشرس الوراق أبو كنانة حدثنا أبو المغيرة الحنفي حدثنا قرة بن خالد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، قالت: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر]. هذا الحديث نقله المؤلف رحمه الله بالسند عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت في قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. (الاستواء غير مجهول) أي: معلوم معناه كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، وله أربعة معان في اللغة العربية، وعليها تدور تفاسير السلف للفظ الاستواء، وهي: استقر، وعلا، وصعد، وارتفع. (والكيف غير معقول) وفي العبارة المروية عن مالك: والكيف مجهول. فكيفية استواء الرب على العرش لا نعقلها، ولا نعلمها، فهي مجهولة لدينا. (والإقرار به إيمان) يجب عليك أن تقر بأن الله استوى على العرش؛ لأن الله أخبر عن نفسه. (والجحود به كفر) جحود الآية كفر. هذه المقالة المروية عن أم سلمة، ولكن السند ضعيف إلى أم سلمة، ولكن المعنى صحيح، وهذا ثابت عن الإمام مالك رحمه الله، وثابت أيضاً عن ربيعة شيخ الإمام مالك، وموقوف أيضاً على أم سلمة ولكن المرفوع إليها فيه ضعف. وهذا القول يقال في جميع الصفات، فكل الصفات معانيها معلومة، والكيفية مجهولة، أي: كيفية اتصاف الرب بها مجهول.

قول الإمام مالك في إثبات استواء الله على عرشه

قول الإمام مالك في إثبات استواء الله على عرشه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وحدثنا أبو الحسن بن أبي إسحاق المدني حدثنا أحمد بن الخضر أبو الحسن الشافعي حدثنا شاذان حدثنا ابن مخلد بن يزيد القهستاني حدثنا جعفر بن ميمون قال: سئل مالك بن أنس رحمه الله عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالاً، وأمر به أن يخرج من مجلسه]. هذه المقالة ثابتة عن الإمام مالك رحمه الله نقلها المؤلف رحمه الله بالسند، أن مالكاً رحمه الله جاءه سائل وهو في مجلس التحديث يحدث الناس في المسجد، فقال: يا مالك! (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق مالك كما جاء في رواية أخرى وسكت ملياً، ثم علته الرحضاء (العرق) ثم رفع رأسه، وقال: أين السائل؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء ثم أمر به أن يخرج من مجلسه. المؤلف ذكر القول بهذا اللفظ: كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، ومعناه: أنه معلوم باللغة العربية، وفي اللفظ الآخر أنه قال: الاستواء معلوم، أي: معلوم معناه. (والكيف غير معقول) وفي اللفظ الآخر قال: (والكيف مجهول) وغير معقول يساوي مجهول، وغير مجهول يساوي معلوم، فقوله: (الاستواء غير مجهول) أي: معلوم، والكيف غير معقول، أي: مجهول. (والإيمان به واجب) الإيمان بالاستواء واجب لأنه ثبت في القرآن وفي السنة. (والسؤال عنه بدعة) السؤال عن الكيفية بدعة. ثم قال: (وما أراك إلا ضالاً) وفي اللفظ الآخر: وما أراك إلا رجل سوء، وأمر به أن يخرج من مجلسه. وهذا يقال في جميع الصفات، فلو سأل شخص وقال: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب:40]، كيف هذا العلم؟ يقال له: العلم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]، كيف السمع؟ يقال: السمع معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فهذه المقالة عن الإمام مالك رحمه الله تلقاها أهل العلم بالقبول والتصديق، واحتجوا بها، وصارت قاعدة عند أهل السنة في الصفات، أن كل صفة ثبتت للرب سبحانه وتعالى يقال فيها كما قال الإمام مالك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد المخلدي العدل حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد الإسفراييني حدثنا أبو الحسين علي بن الحسن حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا مهدي بن جعفر بن ميمون الرملي عن جعفر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس رحمه الله يعني يسأله عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، قال: فما رأيته وجد من شيء كوجده من مقالته، وعلاه الرحضاء وأطرق القوم فجعلوا ينظرون الأمر به فيه ثم سرِّي عن مالك رحمه الله فقال: الكيف غير معلوم، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني لأخاف أن تكون ضالاً، ثم أمر به فأخرج]. وهذا صحيح ثابت عن مالك رحمه الله، وهذه رواية أخرى، والمؤلف رواه بعدة روايات، ففي هذه الرواية أن هذا الرجل جاء وسأل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، كيف استوى؟ قال الراوي: (فما رأيته) - يعني: الإمام مالك - (وجد من شيء كوجده من مقالته) يعني: فما رأيته غضب من شيء أشد من غضبه ذلك، (وعلاه الرحضاء) يعني: صار يتصبب عرقاً، من ثقل هذه المقالة وشدتها على الإمام مالك رحمه الله، (وأطرق برأسه أيضاً) أي: سكت ولم يتكلم، (وأطرق القوم فجعلوا ينتظرون الأمر به فيه) أي: ينتظرون ماذا يقول الإمام مالك، وهو قد غضب وجعل يتصبب عرقاً وسكت، والرجل واقف ينتظر. (ثم سرِّي عن مالك) يعني: انكشف وزال ما به، (فقال: الكيف غير معلوم) يعني: كيفية الاستواء غير معلومة، بل هي مجهولة، (والاستواء غير مجهول) بل هو معلوم معناه في اللغة العربية، وهو: الاستقرار والعلو، والصعود والارتفاع، وكيفية اتصاف الرب بالاستواء هذا غير معلوم، (والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) الإيمان بالصفة واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة. ثم قال الإمام مالك: (وإني لأخاف أن تكون ضالاً) يعني: هذا الرجل الذي سأل عن الكيفية، وهذا سؤال باطل، لا ينبغي أن يسأل عن الكيفية، بل يجب عليه أن يؤمن بالاستواء، يقول: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله. فقول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، يجب على الإنسان أن يقول: آمنت بالله ورسوله، الله استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، أما أن يسأل: كيف استوى؟ فهذا بدعة، لا تسأل عن الكيفية، فهي لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله: (وإني أخاف أن تكون ضالاً). (ثم أمر به فأخرج) طُرد من الحلقة ومن المسجد ومن المجلس بسبب بدعته وسؤاله سؤالاً مبتدعاً؛ حتى لا تسري بدعته إلى غيره. فإذا كان الإمام مالك رحمه الله يعاقب الذي يسأل عن الكيفية فيطرد ويخرج من المسجد ويهجر، فكيف وقد صار الكل يتكلم بما يشاء في هذا الزمان، فصار المبتدعة يكتبون والمعتزلة يكتبون والأشاعرة يكتبون والضلال يكتبون، أين هم من الأئمة رحمهم الله؟ الأئمة في زمانهم لا يستطيع أحد أن يتكلم، ولا يستطيع أحد أن يكتب، فمن كتب يؤدب ويهجر ويحذر منه، وبذلك تموت البدع وتحيا السنن، أما في الأزمنة المتأخرة فإن أهل البدع قد أخرجوا رءوسهم، وصاروا يتكلمون ويكتبون وينشرون، ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا به جدي أبو حامد أحمد بن إسماعيل عن جد والدي الشهيد أبو عبد الله محمد بن عدي بن حمدويه الصابوني حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عون النسوي حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا مهدي بن جعفر الرملي حدثنا جعفر بن عبد الله قال: جاء رجل لـ مالك بن أنس رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، كيف استوى؟ قال: فما رأينا مالكاً وجد من شيء كوجده من مقالته، وذكر نحوه]. وهذا طريق ثابت عن الإمام مالك رحمه الله، ذكر المؤلف له عدة طرق، ولكن مدارها كلها على جعفر بن عبد الله، وفي هذا أنه قال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، كيف استوى؟ قال: (فما رأينا مالكاً وجد من شيء كوجده من مقالته). يعني: غضب كغضبه من مقالته، ثم ذكر بنحو ما سبق. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وسئل أبو علي الحسين بن فضل البجلي عن الاستواء وقيل له: كيف استوى على عرشه؟ فقال رحمه الله: إنا لا نعرف من أنباء الغيب إلا مقدار ما كشف لنا، وقد أعلمنا جل ذكره أنه استوى على عرشه، ولم يخبرنا كيف استوى]. في نسخة: أنا لا أعرف، وهذا محتمل، وهذا فيه أن أبا علي الحسين بن فضل البجلي سُئل عن الاستواء كما سئل الإمام مالك، وقيل له: كيف استوى على عرشه؟ فقال: (أنا لا أعرف من أنباء الغيب إلا مقدار ما كشف لنا)، ويحتمل: (إنا لا نعرف)، يعني: إنا معشر العلماء لا نعرف الغيب. والمعنى أن هذا من علم الغيب، ولا نعلم من علم الغيب إلا ما كشف لنا، والله تعالى لم يخبرنا كيف استوى، ولم يكشف لنا كيف استوى، فنقف، فلا نعلم كيفية الاستواء.

قول ابن المبارك في إثبات استواء الله على عرشه

قول ابن المبارك في إثبات استواء الله على عرشه قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن داود الزاهد قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الشامي قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه المروَزي سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك رحمه الله يقول: نعرف ربنا فوق سبع سماوات على العرش استوى، بائناً من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه هاهنا. وأشار إلى الأرض]. وهذا الأثر عن عبد الله بن المبارك، الإمام العالم الزاهد المشهور، نقله المؤلف رحمه الله بسنده عن شيخه الحاكم بسنده إلى عبد الله بن المبارك أنه قال: (نعرف ربنا فوق سبع سماوات على العرش استوى بائناً من خلقه) يعني: نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماوات، وفيه إثبات العلو، وأن الله فوق العلو، وفيه الرد على من أنكر العلو من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة. قوله: (على العرش استوى) هذه الصفة الثانية، وهي صفة الاستواء. قوله: (بائناً من خلقه) أي: منفصلاً ليس مختلطاً بالمخلوقات. قوله: (ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه هاهنا. وأشار إلى الأرض) الجهمية لا يقولون: إن الله في العلو، ولا يقولون: فوق السماوات، وإنما يقولون: الله في الأرض وفي كل مكان، تعالى الله عما يقولون! وهذا كفر وضلال. والجهمية طائفتان: الطائفة الأولى: ينكرون أن الله فوق العرش، وأن الله فوق السماوات، ويقولون: إنه في كل مكان ولم ينزهوا الله، حتى قالوا: إنه في بطون السباع، وفي أجواف الطيور، وفي كل شيء تعالى الله عما يقولون! الطائفة الثانية: المتأخرون، وهؤلاء أنكروا وجود الرب، ونفوا عنه النقيضين، وما قالوا مثلما قالت الأولى إنه في الأرض، وإنما قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا مباين له ولا مختلط. إذاً ماذا يكون؟! يكون عدماً بل أشد من العدم. فهؤلاء الجهمية - الطائفة الثانية - نفوا عن الله النقيضين اللذين لا بد لكل موجود أن يتصف بواحد منهما، وكل من الطائفتين كافرتان، لكن أيهما أشد كفراً؟ الطائفة الثانية نسأل الله السلامة والعافية، لأنهم نفوا النقيضين، وهذا إنكار لوجود الله وقول بالعدم، بخلاف الطائفة الأولى فإنهم تنقصوا الرب وجعلوه مختلطاً بالمخلوقات، نسأل الله العافية!

قول ابن خزيمة في إثبات استواء الله على عرشه

قول ابن خزيمة في إثبات استواء الله على عرشه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وسمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ في كتاب التاريخ الذي جمعه لأهل نيسابور، وفي كتابه معرفة الحديث اللذين جمعهما ولم يسبق إلى مثلهما يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: من لم يقل بأن الله عز وجل على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربه حلال الدم، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذى به المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته، وكان ماله فيئاً لا يرثه أحد من المسلمين، إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) رواه البخاري]. وهذا الأثر نقله الإمام الصابوني رحمه الله عن شيخه الحاكم صاحب المستدرك، في كتابين: كتاب التاريخ، وكتاب معرفة الحديث، يقول: هذا الأثر رواه الحاكم في التاريخ وفي معرفة الحديث عن أبي جعفر محمد بن صالح عن الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، فيكون ابن خزيمة صاحب الصحيح، ليس من شيوخ الحاكم بل من شيوخ شيوخ الحاكم. والمؤلف الصابوني رحمه الله روى عن الحاكم، والحاكم روى عن محمد بن صالح، ومحمد بن صالح روى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام المشهور صاحب الصحيح، حيث يقول: (من لم يقل بأن الله عز وجل على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربه). إذاً: هذا تكفير من هذا الإمام، وأهل السنة كلهم يوافقون الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة أن من لم يؤمن بأن الله استوى على العرش، وأن الله فوق السماوات فهو كافر بربه، وحينئذٍ إذا كان كافراً فهو حلال الدم يقتل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة). قوله: (حلال الدم يستتاب) من قبل ولاة الأمور، (فإن تاب وإلا ضربت عنقه) بالسيف، (وألقي على بعض المزابل) المزابل: جمع مزبلة، وهي مكان القمامة والكناسة فيقتل ويوضع على الكناسة لا يدفن؛ لأنه لا كرامة له، وليس بمؤمن، فلا يدفن ولا يغسل ولا يصلى عليه. قوله: (حتى لا يتأذى المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته) المعاهد: من له عهد من اليهود أو النصارى الذين لهم ذمة أو يدفعون الجزية أو دخلوا بعهد في البلد، فهؤلاء لهم أمان ولهم عهد لا يقتلون، ولا تؤخذ أموالهم، ولهم حرمة، فيكون هذا كفره أشد من كفر اليهود والنصارى، وأعظم، فيقتل ويلقى على مزبلة حتى لا يتأذى برائحة جيفته المسلمون، ولا يتأذى به المعاهدون من اليهود والنصارى أو غيرهم. أما ماله فيؤخذ فيئاً، ويوضع في بيت مال المسلمين، لا يرثه أقاربه المسلمون، إلا إن كان له ابن كافر على دينه فيرث، أما أبناؤه المسلمين وزوجته المسلمة لا يرثونه، يؤخذ ماله ويوضع في بيت مال المسلمين، ولذا قال: (وكان ماله فيئاً لا يرثه أحد من المسلمين؛ إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)) رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما. وهذا حكم من الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة ووافقه على هذا أهل السنة والجماعة بكفر وردة من أنكر علو الله فوق مخلوقاته واستوائه على عرشه، فمن أنكر العلو والاستواء فهو كافر.

قول الإمام الشافعي في إثبات استواء الله على عرشه

قول الإمام الشافعي في إثبات استواء الله على عرشه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه احتج في كتابه المبسوط في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها، بخبر معاوية بن الحكم، وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء لكفارة، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إعتاقه إياها، فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم لها: (من أنا؟ فأشارت إليه وإلى السماء، تعني: أنك رسول الله الذي في السماء، فقال صلى الله عليه وسلم: اعتقها فإنها مؤمنة)، فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية، وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه، وفوق سبع سماواته على عرشه، كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم، إذ كان رحمه الله لا يروي خبراً صحيحاً ثم لا يقول به]. قوله: (وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي) هذا يدل على أن الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني شافعي، فهو من الشافعية في الفروع، وسلفي المعتقد، من أهل السنة والجماعة، لكن في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، قوله: (احتج في كتابه المبسوط) هذا كتاب للإمام الشافعي اسمه: المبسوط، احتج فيه في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها بخبر معاوية بن الحكم، فـ الشافعي رحمه الله اشترط في عتق الرقبة أن تكون مؤمنة؛ لأن الله تعالى ذكر عتق الرقبة في القتل وفي الظهار وفي اليمين، فالله تعالى اشترط الإيمان في كفارة القتل، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] , وقال في كفارة الظهار: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3]، ما ذكر الإيمان. فاختلف العلماء في كفارة الظهار، هل يجوز إعتاق الرقبة غير المؤمنة لأن الله ما نص على الإيمان، أو أنه لا بد من الإيمان؟ فـ الشافعي رحمه الله قال: لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة، واحتج بحديث معاوية بن الحكم السلمي، وهو في صحيح مسلم، وذلك أن معاوية بن الحكم السلمي رضي اللهعنه له جارية سوداء، وكانت ترعى الغنم خلف أحد، فجاء الذئب وأخذ شاة منها، فغضب معاوية وصكها، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه اعتدى عليها لأنها مسكينة ليس لها اختيار في هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم شدد عليه، فقال يا رسول الله: أُعتقها؟ فقال: ائت بها إلي، فسألها فقال: (أين الله؟ فقالت: في السماء)، والجارية أعجمية، قال: (من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعتقها فإنها مؤمنة)، فشهد لها بالإيمان لأنها أثبتت أن الله في السماء في جهة العلو، وأثبتت الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث ثابت في صحيح مسلم، لكن الحديث بهذه الرواية التي جاء بها المؤلف سندها ضعيف؛ لأنه قال: (امتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أنا؟ فأشارت إلى السماء، وما تكلمت) وهي تعني: أنك رسول الله، وهذا ضعيف، والذي في صحيح مسلم أنها تكلمت، حيث قال: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله). والصواب أنها تكلمت كما في صحيح مسلم. فالنبي صلى الله عليه وسلم شهد لها بالإيمان، وهذا فيه الرد على أهل البدع الذين أنكروا أن يكون الله في العلو، وأهل البدع يقولون: ما يسأل عن الله (بأين) وإنما يسأل بها عن المكان، فقيل لهم: إن الرسول سأل (أين) قال أهل البدع: الرسول أخطأ والعياذ بالله، لم أخطأ؟ قالوا: الرسول يخاطب الجارية الأعجمية بقدر عقلها وفهمها، هي لا تفهم، فسألها سؤالاً فاسداً، لأجل عقلها، وأقرها على جواب فاسد، وهكذا وصل الحال بأهل البدع إلى أنهم اتهموا الرسول فقالوا: الرسول سأل سؤالاً فاسداً، أن الله له مكان، وإذا كان له مكان يكون محدوداً ويكون جسماً ويكون متحيزاً، وهذا لا يليق بالله عز وجل. قالوا: وكان مقصد الرسول أن يقول: من الله؟ وهل الرسول عاجز أن يقول: من الله؟ (أين) ثلاثة حروف، و (من) حرفان، أيهما أسهل؟ الرسول أفصح الناس وأبلغهم، أعاجز أن يقول: من الله؟ الإمام الشافعي رحمه الله يقول: حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية. قوله: (وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه وفوق سبع سماواته على عرشه). قال الشافعي: لا يجوز إعتاق الرقبة إلا إذا كانت مؤمنة، وقال بعض العلماء: يجوز إعتاق الرقبة الكافرة، والشافعي قال: أنا عندي دليل وهو حديث الجارية. لأن الرسول سألها: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة). فلم يرخص له الرسول صلى الله عليه وسلم بإعتاقها حتى ثبت له إيمانها. قوله: (كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم) فهذا هو معتقد أهل السنة قديماً وحديثاً سلفاً وخلفاً، يعتقدون أن الله فوق خلقه وفوق سبع سماواته على عرشه. قوله: (إذ كان -أي: الشافعي - رحمه الله لا يروي خبراً صحيحاً ثم لا يقول به)، فعمل بهذا الحديث لما صح الحديث عنده، فقال: لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد أخبرنا الحاكم أبو عبد الله رحمه الله قال: أنبأنا الإمام أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: إذا رأيتموني أقول قولاً وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب. ] هذا ثابت عن الإمام الشافعي، يقول: إذا رأيتموني أقول قولاً والحديث يخالف قولي فاعلموا أن عقلي قد ذهب، وهذا قاله الأئمة كلهم، وروي عنه أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي. وقال بعض العلماء: إذا قلت قولاً يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم فخذوا بقول الرسول، واضربوا بقولي عرض الحائط. ويقول الشافعي: إذا قلت قولاً وصح الحديث بخلافه؛ فاعلموا أن عقلي قد ذهب. كيف يخالف قول الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا يمكن. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الحاكم رحمه الله: سمعت أبا الوليد -غير مرة- يقول: حدثت عن الزعفراني أن الشافعي رحمه الله روى يوماً حديثاً فقال السائل: يا أبا عبد الله! تقول به؟! قال: تراني في بيعة أو كنيسة؟! ترى علي زي الكفار؟! هو ذا تراني في مسجد المسلمين، عليّ زي المسلمين، مستقبلاً قبلتهم، أروي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا أقو ل به؟!]. وهذا أيضاً أثر عن الإمام الشافعي رحمه الله وإن كان فيه ضعف وفي سنده مجهول لكن رواه أبو نعيم في الحلية موصولاً، وذكره السيوطي في مفتاح الجنة محتجاً به، وذلك أن الشافعي رحمه الله روى يوماً حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال سائل: يا أبا عبد الله! هل تقول بهذا الحديث وتعمل به؟ فأنكر عليه الشافعي واشتد: كيف هو حديث ولا أقول به؟ هل تراني في بيعة؟ أي: في معبد النصارى، هل تراني في كنيسة؟ ترى علي زي الكفار؟! كيف يكون حديثاً ولا أقول به؟ أنا في مسجد المسلمين وعلي زي المسلمين أستقبل القبلة، أروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا أقول به؟! فهذا فيه تعظيم الإمام الشافعي رحمه الله للسنة، حيث أنكر على السائل.

الفرق بين أهل السنة وأهل البدع في باب الصفات

الفرق بين أهل السنة وأهل البدع في باب الصفات قال المصنف رحمه الله تعالى: [والفرق بين أهل السنة وبين أهل البدع: أنهم إذا سمعوا خبراً في صفات الرب ردوه أصلاً ولم يقبلوه، أو للظاهر ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفع الخبر من أصله، وإبطال عقولهم وآرائهم فيه، ويعلمون حقاً يقيناً أن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى ما قاله، إذ هو كان أعرف بالرب جل جلاله من غيره، ولم يقل فيه إلا حقاً وصدقاً ووحياً، قال الله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]]. يقول الإمام أبو عثمان رحمه الله: الفرق بين أهل السنة وبين أهل البدعة أن أهل البدعة إذا سمعوا خبراً في صفة الرب ردوا الخبر أو تأولوه بتأويل باطل، أما أهل السنة فإنهم يقبلون الحديث، ويقبلون ما جاء فيه من الأخبار، ويقولون: آمنا بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله. فالعلامة الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، أن أهل السنة يقبلون الأحاديث ويؤمنون بما دلت عليه، وأهل البدع يردون الخبر إما أن يقولوا: هذا خبر آحاد ما نقبله، أو يتأولونه بتأويل باطل، هذا الفرق بينهما. وأهل السنة يقبلون الحديث في العقائد والأعمال والأخلاق وفي كل شيء إذا صح سنده، وعدلت رواته، ولم يكن شاذاً ولا معللاً. أما أهل البدع فهم بين أمرين: إما أن يردوه من الأساس، ويقولون: هذا خبر آحاد لا يحتج به، وإما أن يتأولوه بتأويل فاسد، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفع الخبر من أصله)، وأما أهل السنة والجماعة فهم يعتقدون أن ما قاله الرسول فهو حق؛ لأن الرسول أعرف بالرب جل جلاله من غيره، فقد قال الله تعالى عن نبيه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الزهري رحمه الله إمام الأئمة وغيره من علماء الأمة رضي الله عنهم: على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم. ] هذا القول قاعدة عند أهل السنة يقولون: على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، لا نعترض، فالله تعالى بين لنا وأخبرنا، والرسول صلى الله عليه وسلم بلغنا، ونحن نسلم ونقبل أمر الله وأمر رسوله، وخبر الله وخبر رسوله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروى يونس بن عبد الصمد بن معقل عن أبيه أن الجعد بن درهم قدم على وهب بن منبه يسأله عن صفات الله تعالى فقال: ويلك يا جعد بعض المسألة! إني لأظنك من الهالكين، يا جعد! لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يدان وعيناً ووجهاً لما قلنا بذلك فاتق الله، ثم لم يلبث جعد أن قتل وصلب]. وهذا الأثر عن وهب بن منبه أن الجعد بن درهم - وهو أول من تكلم في نفي الصفات - سأله عن الصفات، فقال له وهب: ويلك يا جعد بعض المسألة! إني لأظنك من الهالكين، يا جعد! لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يداً وعيناً ووجهاً لما قلت بذلك، ما أثبت إلا ما أثبته الله في كتابه ورسوله فاتق الله، ثم لم يلبث الجعد أن قتل وصلب كما سيذكر المؤلف في القصة التي بعدها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وخطب خالد بن عبد الله القسري رحمه الله يوم الأضحى بالبصرة، فقال في آخر خطبته: انصرفوا إلى منازلكم وضحوا، بارك الله لكم في ضحاياكم، فإني مضح اليوم بـ الجعد بن درهم، فإنه يقول: لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، سبحانه وتعالى عما يقول الجعد علواً كبيراً، ونزل عن المنبر فذبحه بيده، وأمر بصلبه]. وهذه القصة فيها قتل الجعد بن درهم وهو أول من ابتدع القول بنفي الصفات وأول من حُفظ عنه في الإسلام مقالة التعطيل، وكان الذي تكلم به في صفتين: أنكر صفة التكليم وصفة الخلة، أنكر أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وأن يكون كلم موسى تكليماً، وهاتان الصفتان ترجع إليهما جميع الصفات. لأن إنكاره للكلام إنكار للشرائع والنبوات والكتب المنزلة، والله تكلم، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب بالكلام، وكذلك أيضاً أنكر الخلة وهي كمال المحبة، وقطع العلاقة بين الله وبين خلقه، يقول: المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين الخالق والمخلوق، ولا مناسبة بين الخالق والمخلوق، وأي مناسبة أعظم من رب وعبد؟! الله تعالى هو الذي ربى خلقه، وأوجدهم من العدم، ورباهم بنعمه، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل الكتب، والعباد يعبدون ربهم ويتألهونه، ويتضرعون إليه، فهذه أعظم صلة. فلما أنكر هذه الصفات أفتى العلماء في زمانه من التابعين بقتله، وكان خالد بن عبد الله القسري أمير العراق فأفتاه العلماء من التابعين بقتله، فأمر به فقيد ووثق بالأغلال، وكان ذلك قبيل عيد الإضحى، وكان خالد بن عبد الله القسري هو الذي يصلي بالناس - على عادة الأمراء - الجمعة والعيد، فصلى بالناس يوم عيد الإضحى، وأتي بـ الجعد بن درهم مقيداً موثقاً، وجعل في أصل المنبر، فصلى خالد القسري بالناس العيد وخطب خطبة العيد، ثم قال في آخر الخطبة: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بـ الجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً. ثم نزل وأخذ السكين وذبحه في المصلى أمام الناس، وشكره العلماء وأثنوا عليه، ومن ذلك ابن القيم رحمه الله في قصيدته الشافية أثنى عليه وقال: ولذا ضحى بـ جعد خالد القسري يوم ذبائح القربان إذ قال ليس إبراهيم خليله كلا ولا موسى الكليم الدان شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان ولا شك أن هذه الضحية أعظم أجراً من الضحايا الأخرى؛ لأن فيها قطع لدابر الفتنة والشر والفساد، وثوابها أعظم من ثواب الأضحية، وإن كانت الأضحية سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قتل هذا الرجل فيه قطع لدابر الفتنة، لكن مع الأسف أن هذا الرجل قبل أن يقتل اتصل به الجهم بن صفوان، وأخذ عنه عقيدته في الصفات ثم نشرها، اتصل بالمشركين والصابئين واليهود ونشر عقيدة نفي الصفات؛ فنسبت إليه العقيدة فقيل: عقيدة الجهمية.

الأسئلة

الأسئلة

بيان حكمة طرد الإمام مالك للرجل الذي سأله عن الاستواء

بيان حكمة طرد الإمام مالك للرجل الذي سأله عن الاستواء Q لماذا هذا التحامل على هذا الشخص الذي سأل الإمام مالك رحمه الله، أليست هذه شبهة عرضت له فيجب بيانها له وتوضيحها دون إخراجه من المسجد؟ A لا، هذا ليس تحاملاً، وإنما هذا نهي للبدع؛ لأن هذا الشخص سأل عن الكيفية التي لا يعلمها إلا الله، لأنه لو فتح الباب لهذا الرجل لكثرت البدع وانتشرت، ولصار أهل البدع لهم جرأة على أهل السنة، وصاروا ينشرون بدعهم، فالإمام مالك رحمه الله أراد أن يبين أنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم ويتفوه بما في نفسه من البدع.

المعتزلة في هذا العصر

المعتزلة في هذا العصر Q هل للمعتزلة وجود الآن وكيف نعرفهم؟ A نعم، المعتزلة موجودون الآن، والأشاعرة موجودون، والجهمية موجودون، بل الاتحادية موجودون، وهم من أكثر خلق الله، الاتحادية: الذين يقولون: إن الوجود واحد، الرب عبد والعبد رب! كتبهم الآن تحقق وتطبع في أوراق صقيلة، وهم موجودون في الشام، وفي مصر، وفي السودان، وفي أفريقيا، وفي ليبيا، وفي كل مكان، وفي زمن النميري حاكم السودان قبل سنين، كان هناك رجل يروج لهذه الفكرة ويقول عن نفسه: إنه الله؛ فقُتل. وإذا خرجت من المملكة وجدت في كل بلد طرقاً صوفية، وكل طريقة لها شيخ يقودهم إلى النار والعياذ بالله! وطرق الصوفية منها ما هي طرق مكفرة، ومنها ما هي طرق مبتدعة.

قول السلف في تكفير الجهمية

قول السلف في تكفير الجهمية Q هل عرف عن السلف خلاف في تكفير الجهمية، وهل جاء عن الإمام ابن تيمية رحمه الله حكاية للخلاف في ذلك؟ A نعم، للعلماء خلاف في هذا، من العلماء من كفر الجهمية بإطلاق، ومنهم من بدعهم، ومنهم من كفر الغلاة، وذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أنه كفر الجهمية خمسمائة عالم، حيث قال: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان خمسون في عشرة بخمسمائة. واللالكائي الإمام قد حكاه عنهم بل قد حكاه قبله الطبراني

براءة الإمام البخاري من القول بخلق القرآن

براءة الإمام البخاري من القول بخلق القرآن Q الذين قالوا: إن اللفظ بالقرآن مخلوق منهم الإمام البخاري كما ذكر ذلك ونقله عنه الذهبي رحمه الله، واستدلوا على ذلك بأن الله خالق كل شيء، وألفاظنا مخلوقة؟ A البخاري لم يقل: اللفظ بالقرآن مخلوق، وإنما فصل بين ما يقوم به العبد وما يقوم به الرب، فقال: إن العباد مخلوقون أقوالهم وأفعالهم وألفاظهم، ولم يقل هذه المقالة: (لفظي بـ) لكن حصلت فتنة في صفوف المحدثين وسببها أمران: الأمر الأول: الشبهة التي حصلت من القول المجمل للإمام أحمد حينما قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع. الأمر الثاني: الشهوة، وهي الحسد الذي حصل لبعض الناس، فاجتمع هذا الأمران؛ فروي للإمام البخاري رحمه الله بأنه يقول في مسألة اللفظ، وهجره من هجره، وإلا فإنه لا منافاة بين قول الإمام البخاري وبين قول الإمام أحمد، فأئمة أهل السنة لا منافاة بين أقوالهم، كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة، قال: إن الإمام أحمد رحمه الله أجمل وسد الباب فقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع، أما الإمام البخاري رحمه الله فقد فصل وبين ما يقوم به الرب وما يقوم به العبد، والإمام أحمد لا يخالف البخاري، والبخاري لا يخالف الإمام أحمد، بل هما متفقان؛ لكن الفتنة التي حصلت سببها أمران: الأمر الأول الشبهة التي نشأت من فهم التفسير المجمل لكلام الإمام أحمد. والأمر الثاني: الشهوة التي سببها الحسد للإمام البخاري رحمه الله؛ لما نشر الله له من الصيت ورفع شأنه حسده بعض الناس وتعلقوا بالقول المجمل، وحصلت لهم شبهة من القول المجمل للإمام أحمد، فحصلت هذه الفتنة، وإلا فإن كلاً من الإمامين البخاري والإمام أحمد متفقان رحمة الله عليهما.

معنى الإرجاء

معنى الإرجاء Q ما معنى الإرجاء؟ A الإرجاء: هو القول بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، والإيمان: هو تصديق بالقلب والأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، والمرجئة طائفتان: الجهمية الذين يقولون: إن الأعمال غير مطلوبة، والثانية: مرجئة الفقهاء الذين يقولون: الأعمال مطلوبة لكن ليست من الإيمان، وكل منهما خطأ، لكن قول الجهمية كفر وضلال، نسأل الله العافية.

الله في كل مكان بعلمه

الله في كل مكان بعلمه Q هل يقال: إن الله جل وعلا موجود في كل مكان بعلمه؟ A يقال: إن الله فوق العرش، وعلمه في كل مكان.

نسبة ابن القيم إلى القول بفناء الجنة والنار

نسبة ابن القيم إلى القول بفناء الجنة والنار Q هل ثبت عن ابن القيم رحمه الله القول بفناء الجنة والنار؟ A ابن القيم رحمه الله ظاهر ما كتبه في هذا أن له قولين، والقول بفناء النار ذكره في شفاء العليل وأطال، ونقل أقوال القائلين بفناء النار، وكذلك ذكره في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، أما نسبته إلى شيخ الإسلام ابن تيمية فلا يصح، فشيخ الإسلام ابن تيمية لا يقول بالفناء، ولكن ابن القيم رحمه الله ظاهر ما كتبه أن له قولين في المسألة، وأنه يميل إلى أحد القولين، وليس صريحاً، وأنه رجع عن أحدهما، ولعل القول الأخير هو القول بأبدية النار أبدية دائمة.

حكم القول بأن الصوت والألحان قول القاري

حكم القول بأن الصوت والألحان قول القاري Q ما رأيكم في قول الناظم: فالصوت والألحان قول القاري لكنما المتلو قول الباري A المقصود: أن أفعال العباد، وأقوالهم وألفاظهم، وأداءهم من أفعالهم، فالعبد مخلوق بأفعاله وأقواله، والمقروء كلام لله، فلا بد أن نفرق بين التلاوة والمتلو، فالتلاوة: فعل العبد، والمتلو: هو كلام الله، لكن لا ينبغي للإنسان أن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، لأن هذه العبارة مجملة، ولكن العبد بأقواله وأفعاله وتصرفاته وأدائه مخلوق، والله تعالى خلق العباد، أما كلام الله فهو منزل غير مخلوق.

معنى الحلولية والاتحادية

معنى الحلولية والاتحادية Q ما معنى: الحلولية، الاتحادية؟ A الحلولية: الذين يقولون: إن الله حال في كل مكان كالجهمية. والاتحادية أشد، يقولون: اتحد الرب بالعبد وصار شيئاً واحداً، كما إذا صببت اللبن في الماء فاتحدا وصارا ذاتاً واحدة والعياذ بالله!

حكم دراسة القوانين الوضعية

حكم دراسة القوانين الوضعية Q ما حكم دراسة القوانين الوضعية؟ A لا ينبغي للإنسان أن يدرس القوانين الوضعية، وإنما يدرس الشريعة، والقوانين لا يجوز للإنسان أن يدرسها؛ لأن دراستها وسيلة إلى إقرارها والعمل بها، والواجب على المسلم أن يدرس أحكام الشريعة ولا يدرس القوانين الوضعية.

الفرق بين الزيادة والنقصان من القرآن وبين اختلاف القراءات

الفرق بين الزيادة والنقصان من القرآن وبين اختلاف القراءات Q كيف نجمع بين أن من أنكر أو زاد حرفاً في كتاب الله فإنه يكفر، وبين بعض القراءات التي يكون فيها زيادة أو تغيير في بعض الكلمات؟ A القراءات ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) فالحروف التي نزل بها جبرائيل سبعة، والقراءات السبع داخلة في حرف واحد، وهو الحرف الذي كان في العرضة الأخيرة أي: عرضة جبريل في السنة الأخيرة، والخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه جمع الناس على حرف واحد، وهو الحرف الذي كان في العرضة الأخيرة، والقراءات السبع كلها داخلة في هذا الحرف، يعني: ما يقال: إنها زيادة، القراءات كلها ثابتة بالوحي، ولكن من زاد حرفاً في كتاب الله ليس من الحروف السبعة التي نزلت بالوحي، وليس من القراءات الثابتة فهذا هو الذي يكفر.

معنى قول: (القرآن قديم)

معنى قول: (القرآن قديم) Q ما المراد بقول: القرآن قديم؟ ومن قال به من الطوائف؟ A القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، وقول: القرآن قديم، فيه إنكار لكلام الله، وهو قول قال به الأشاعرة، يقولون: القرآن قديم، أي: قائم بالنفس، ومعناه: أن الله ما تكلم به، ولكن الله تعالى تكلم بالقرآن، ونزل منجماً حسب الحوادث، خلال ثلاث وعشرين سنة.

[6]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [6] من معتقدات أهل السنة والجماعة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، وقد تواترت الأحاديث الدالة على ذلك، وأنكر أهل البدع صفة النزول وأولوا الأحاديث التي تثبت صفة النزول بتأويلات باطلة، وإنكارهم لصفة النزول ناشئ عن تشبيههم الخالق بالمخلوق، والحق أن صفات الله جميعها لا تشبه صفات المخلوقين، فالله ينزل ويجيء ويأتي كما يليق بكماله.

إثبات صفة النزول والمجيء

إثبات صفة النزول والمجيء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقرأت في رسالة الشيخ أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة:210]، وقال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، ونؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف. فلو شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي يتشابه، إذ كنا قد أمرنا به في قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7]]. هذا الكلام الذي سمعناه فيه بيان اعتقاد أهل السنة وأهل الحديث بنزول الرب سبحانه وتعالى ومجيئه، فأهل السنة وأهل الحديث يؤمنون بنزول الرب، وأنه سبحانه وتعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وقد تواترت أحاديث النزول في الصحاح والسنن والمسانيد، وأن الله سبحانه وتعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر. وسيسوق المؤلف رحمه الله هذا الحديث بأسانيد متعددة. فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى ينزل بلا كيف، نزولاً يليق بجلاله سبحانه وتعالى، ولا نعلم كيف ينزل، ونعلم يقيناً أنه فوق العرش سبحانه وتعالى، بنصوص العلو المحكمة، وهي تزيد على ثلاثة آلاف دليل، كلها تدل على أن الله تعالى فوق المخلوقات، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر. فهذا فعلٌ يفعله كما يليق بجلاله وعظمته لا نكيفه، وإنما نقول: ينزل سبحانه وتعالى نزولاً يليق بجلاله وعظمته. هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة. وهل يخلو العرش منه أو لا يخلو؟ ذكر العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، أن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يخلو منه العرش، والقول الثاني: أنه لا يخلو، والقول الثالث: التوقف، وأصحها القول بأنه لا يخلو منه العرش سبحانه وتعالى، وهذا هو الذي عليه المحققون، أي: أنه سبحانه ينزل وهو فوق العرش نزولاً يليق بجلاله وعظمته؛ لأنه لا يشبه نزول المخلوقين. وكذلك يؤمنون بمجيئه سبحانه وتعالى وإتيانه، كما يليق بجلاله وعظمته، كما قاله سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، وقال سبحانه: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ} [البقرة:210]، فيأتي إتياناً يليق بجلاله وعظمته، ولا نكيف صفاته سبحانه وتعالى؛ لأنها ليست كصفات خلقه، فهو يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، وينزل لا كنزولنا، ويأتي لا كإتياننا، ويجيء لا كمجيئنا، فله صفات تليق بجلاله وعظمته، والمخلوق له صفات تناسبه. هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، والسلف وأهل الحديث، كما بين الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، ولهذا قال رحمه الله: ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل. لا نقول: ينزل كنزول المخلوقين، أو مثل كذا وكذا، أو على كيفية كذا وكذا. بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتهون فيه إليه، ويقفون عند هذا الحد، فلا يكيفون، بل يمرون الخبر الصحيح الوارد على ظاهره من غير تكييف ولا تمثيل، ويكلون علم الكيفية إلى الله تعالى. وكذلك يثبتون ما أثبت الله عز اسمه في كتابه: من المجيء والإتيان المذكوران في قوله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:210]، في هذه الآية إثبات إتيان الله يوم القيامة إتياناً يليق بجلاله وعظمته، وقوله سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، فيه أيضاً إثبات المجيء. وذكر المؤلف رحمه الله أنه قرأ في رسالة الشيخ أبو بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان: أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الآية.

وجوب الإيمان بالنصوص الشرعية ورد المتشابه منها إلى المحكم

وجوب الإيمان بالنصوص الشرعية ورد المتشابه منها إلى المحكم قوله: (ونؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف. فلو شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل) لكنه سبحانه لم يبين لنا كيفية ذلك، فننتهي إلى ما انتهى إليه النص، ونقف عنده ولا نتجاوزه إلى البحث عن الكيفية، ولهذا قال المؤلف: (فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي يتشابه؛ إذ كنا قد أمرنا به في قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7])، فبيّن سبحانه وتعالى أنه أنزل الكتاب وأن منه آيات محكمات أخر متشابهات، والآيات المحكمات هي: الواضحات المعنى، والمحكم هو: الواضح المعنى، والمتشابه هو: الذي فيه إشكال عند بعض الناس، فالمتشابه نسبي يختلف باختلاف أفهام الناس، فالذين في قلوبهم زيغ وانحراف علامتهم: أنهم يتبعون المتشابه ويتركون المحكم. وأما الراسخون في العلم فإنهم يعملون بالمحكم، ويؤمنون بالمتشابه، ويردون المتشابه إلى المحكم، فيفسرون المتشابه بالمحكم، ولهذا جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)، يعني: سماهم في هذه الآية. فعلامة أهل الزيغ أنهم يأخذون بالمتشابه، ويتركون المحكم، فيأتون للنص الذي فيه اشتباه ويلبسون به على الناس، ويتركون النصوص الكثيرة المحكمة. فمثلاً نصوص الفوقية والعلو تزيد أفرادها على ثلاثة آلاف دليل، كقوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:18]، وقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]، وقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]، في سبع آيات من القرآن، وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10]، والصعود من أسفل إلى أعلى، وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء)، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة. فأهل الزيغ يتركون هذه النصوص كلها، ويتعلقون بالمتشابه. يقول الجهمي مثلاً: إن الله في كل مكان، وليس فوق العرش لقول الله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:84]، هذه دليله على أن الله في كل مكان. فنقول له: أنت من أهل الزيغ، تركت ثلاثة آلاف دليل واضحة صريحة وتأتي بنص مشتبه، تعلقت بالمتشابه وتركت المحكم، هذه علامة أهل البدع، أما أهل الحق الراسخون في العلم فيفسرون النص المتشابه بالنصوص المحكمة. ونقول له: إن النصوص التي فيها أن الله فوق العرش وفوق المخلوقات محكمة واضحة لا لبس فيها، وأما هذا النص فإنا نرده إلى النصوص الأخرى، ونفسره بما يتناسب معها، فيكون معنى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:84]، يعني: وهو المعبود في السماء وفي الأرض، وذاته فوق العرش. فهذه طريقة أهل الحق الراسخين في العلم، أي: أنهم يعملون بالمحكم ويردون المتشابه إليه، ويفسرونه به، أما أهل الزيغ فيتركون النصوص المحكمة ويأخذون المتشابهة. فمثلاً: النصوص التي فيها أن المرأة يجب عليها أن تتحجب عن الرجال الأجانب، نصوص محكمة، كثيرة واضحة، منها قول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]، أي: حجاب ساتر للمرأة، فيكون بينك وبينها باب أو جدار أو غطاء على وجهها، فلا بد من الحجاب، ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59]، وفي حديث عائشة: كان الرجال يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. وثبت في صحيح البخاري في قصة الإفك أن عائشة رضي الله عنها -لما ذهب الجيش وتركوها وظنوا أنها في الهودج- جلست في مكانها لعلهم يرجعون إليها، فجاءها صفوان بن معطل، وكان متأخراً خلف القوم، فرآها وعرفها قبل الحجاب، فجعل يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، أهل رسول الله! وكانت قد غلبتها عيناها، قالت: (فاستيقظت باسترجاع صفوان -أي: استيقظَت لما سمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون- فخمّرت وجهي بجلبابي، وكان يعرفني قبل الحجاب) هذا في صحيح البخاري، وهو أصح الكتب بعد كتاب الله. قولها: (فخمّرت وجهي بجلبابي) فيه دليل على وجوب الحجاب، وقولها: (وكان يعرفني قبل الحجاب)، فيه دليل على أن المرأة قبل الحجاب كانت تكشف وجهها. هذه كلها يتركها أهل الزيغ ويقولون: المرأة لا يجب عليها ستر وجهها، ويستدلون بحديث المرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الفضل بن عباس، فكان ينظر إليها، وتنظر إليه فصرف النبي وجه الفضل عنها، وسألت النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: هذا دليل على أنها كاشفة الوجه؛ لأنه ينظر إليها وتنظر إليه. نقول له: أتركت النصوص المحكمة وتتعلق بهذا النص المتشابه؟ أنت من أهل الزيغ؛ لأنك تركت النصوص، كقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]، قول عائشة في الحديث المتقدم: و (خمرت وجهي بجلبابي). هذا الحديث فيه اشتباه فنرده إلى النصوص المحكمة. ونقول: لا يلزم أن تكون هذه المرأة كاشفة وجهها، ويكون معنى: (ينظر إليها وتنظر إليه) أي: ينظر إلى طولها أو قدمها أو ثيابها، فلا يلزم أن تكون كاشفة وجهها، بدليل النصوص الأخرى التي فيها الأمر بوجوب ستر الوجه وتغطيته. هذا مثال لطريقة أهل الزيغ، وطريقة أهل الحق.

النهي عن السؤال عن كيفية النزول

النهي عن السؤال عن كيفية النزول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني قال: سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول سمعت حمدان السلمي وأبا داود الخفاف يقولان: سمعنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب! هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا)، كيف ينزل؟ قال: قلتُ: أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب كيف؟ إنما ينزل بلا كيف]. هذا الأثر ثابت عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وهو المعروف بـ إسحاق بن راهويه، الإمام المحدث المشهور، وهو من قرناء الإمام أحمد رحمه الله، قال له الأمير عبد الله بن طاهر في زمانه: (يا أبا يعقوب هذه كنية إسحاق بن راهويه، هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا)، كيف ينزل؟) فقال له إسحاق بن راهويه: (أعز الله الأمير -قال هذا تأدباً مع الأمير، وفيه استحباب مخاطبة ولاة الأمور بما يليق بهم- لا يقال لأمر الرب كيف! إنما ينزل بلا كيف). هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة. وفي الحديث النهي أن يقال: كيف ينزل؛ إذ لا تكيّف صفات الله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي حدثني أبو بكر بن أحمد بن محبوب حدثنا أحمد بن حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العباسي حدثنا محمد بن سلام سألت عبد الله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبد الله: يا ضعيف في كل ليلة ينزل]. وفي نسخة: [يا ضعيف ليلة النصف، ينزل في كل ليلة]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبد الله: ينزل كيف شاء]. وفي رواية أخرى لهذه الحكاية: أن عبد الله بن المبارك قال للرجل: إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخضع له. وفي رواية أخرى: أن عبد الله بن المبارك قال للرجل: إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصغ له. يعني: فاعمل به ولا تتجاوزه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول: سمعت أحمد بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الله الرباطي يقول: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم، وحضر إسحاق بن إبراهيم -يعني: ابن راهويه - فسئل عن حديث النزول: أصحيح هو؟ قال: نعم. فقال له بعض قواد عبد الله: يا أبا يعقوب! أتزعم أن الله تعالى ينزل كل ليلة؟ قال: نعم. قال: كيف ينزل؟ فقال له إسحاق: أثبته فوق حتى أصف لك النزول، فقال الرجل: أثبَتُّه فوق، فقال إسحاق: قال الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب! هذا يوم القيامة. فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟]. وهذا فيه دليل على أنه يجب على المسلم أن يثبت الصفات لله عز وجل وينفي علم الكيفية، بل نقول: ينزل كما يشاء، ويجيء كما يشاء، ويأتي كما يشاء سبحانه وتعالى، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].

ذكر خبر النزول المتواتر

ذكر خبر النزول المتواتر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وخبر نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا خبر متفق على صحته، مخرج في الصحيحين من طريق مالك بن أنس عن الزهري عن الأغر وأبي سلمة عن أبي هريرة. أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد، قال حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك. وحدثنا أبو بكر بن زكريا حدثنا أبو حاتم مكي بن عبدان -وفي نسخة أخرى: علي بن عبيدان - حدثنا محمد بن يحيى قال: ومما قرأت على ابن نافع وحدثني مطرف عن مالك رحمه الله. وحدثنا أبو بكر بن زكريا أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم باكويه حدثنا يحيى بن محمد حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب الزهري عن أبي عبد الله الأغر وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟)]. هذا الحديث هو من الأحاديث المتواترة في الصحاح والسنن والمسانيد، وفيه إثبات نزول الرب في ثلث الليل الآخر وهو أفضل الأوقات. وجاء في الحديث الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود، وأفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه) وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يفعل مثلما يفعل داود، وأحياناً يقوم ثلث الليل. وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام يصلي). وفي حديث صفة صلاة نبي الله داود المتقدم أنه كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، أي: السدس الرابع والخامس، وينام سدسه، أي: السدس السادس؛ حتى يتقوى بنومه على أعمال النهار. وفي هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) وهو السدس الخامس والسادس. وعلى هذا يكون النصف الأخير من الليل كله فاضل، وهو السدس الرابع والخامس والسادس؛ فالسدس الرابع والخامس فيه قيام داود، والسدس الخامس والسادس ثلث الليل العام. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا وهذا، بل كان عليه الصلاة والسلام إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام للصلاة. وبهذا يتبين أن النصف الأخير من الليل كله فاضل -السدس الرابع والخامس والسادس- فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء أوى إلى فراشه، فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل قام. أما نحن فلا ننام إلا إذا جاء ثلث الليل الأخير، نسهر طوال الليل فإذا جاء الوقت الفاضل وقت النزول الإلهي نمنا، فنشكوا إلى الله سوء حالنا.

ذكر طرق خبر النزول

ذكر طرق خبر النزول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهذا الحديث طرق إلى أبي هريرة: رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رحمه الله، ورواه يزيد بن هارون وغيره من الأئمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة. ومالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة. ومالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. وعبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة. وعبد الأعلى بن أبي المساور وبشير بن سليمان عن أبي حازم عن أبي هريرة. وروي هذا الخبر من غير طريق أبي هريرة، فقد رواه نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت. وعبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله. وعبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب. وشريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود. ومحمد بن كعب عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء. وأبو الزبير عن جابر، وعن طارق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وعن أم المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟) فبذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله، وهذه الطرق كلها مخرجة بأسانيدها في كتابنا الكبير المعروف (بالانتصار)]. والحاصل: أن حديث النزول هذا له طرق متعددة، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء وجابر وابن عباس وعائشة وأم سلمة، وجمع من الصحابة، وهو من الأحاديث المتواترة.

ذكر الزيادات المختلفة في خبر النزول

ذكر الزيادات المختلفة في خبر النزول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [هذا لفظ أبي سلمة والأغر عن أبي هريرة. وفي رواية يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فيعطى؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح)]. هذه الرواية فيها: (إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه). وأكثر الروايات فيها: (ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر). وفي هذه الرواية (إذا مضى نصف الليل)، وفي رواية (إذا مضى ثلثاه). وجاء في رواية: (إذا مضى ثلثه). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي رواية سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة زيادة في آخره وهي: (ثم يبسط يديه فيقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم)]. وهذه الرواية أخرجها مسلم، وقد جاءت من طريقين: الأولى: (ثم يقول: من يقرض غير عديم ولا ظلوم)، وفي الثانية: (ثم يبسط يده -تبارك وتعالى- يقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم). وهذا يدل على أن هذا الوقت فاضل وعظيم، إذ هو وقت تنزل الله في آخر الليل، وأنه يبسط يده ويقول: (من يقرض غير عدوم ولا ظلوم)، ويقول: من يسألني؟ من يستغفرني؟ من يدعوني؟ فينبغي للمسلم أن يكون له في هذا الوقت ولو ركعات معدودة يناجي فيها ربه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فلا يبقى شيء فيه الروح إلا علم به إلا الثقلين الجن والإنس، قال: وذلك حين تصيح الديوك، وتنهق الحمير، وتنبح الكلاب)]. هنا: تصيح الديكة، وهي زيادة، يقول في الحاشية: لم نقف على هذه الزيادة، ويحتاج إلى معرفة ثبوتها (فلا يبقى شيء فيه الروح إلا علم به إلا الثقلان، قال: وذلك حين تصيح الديكة، وتنهق الحمير، وتنبح الكلاب). وأول الحديث إلى قوله: (فأغفر له). أخرجه الإمام أحمد في المسند، والدارمي في السنن، والآجري في الشريعة، وابن أبي عاصم في السنة، كلهم عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه بدون لفظ: (في ثلث الليل الأخير). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي رواية موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت زيادات حسنة وهي التي أخبرنا بها أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز المهلبي أنبأنا عبد الله بن محمد الرازي أنبأنا أبو عثمان محمد بن عثمان بن أبي سويد حدثنا عبد الرحمن -يعني: ابن المبارك - حدثنا فضيل بن سلمان عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له؟ ألا مقتر عليه رزقه فيدعوني فأرزقه؟ ألا مظلوم يذكرني فأنصره؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأفكه؟ فيكون كذلك إلى أن يطلع الصبح ويعلو على كرسيه)]. هذا فيه زيادات، قال عنه المحقق: إسناده ضعيف، يعني بهذه الزيادات، أما نزول الرب سبحانه وتعالى فهذا ثابت في الصحاح والسنن والمسانيد، لكن هذه الزيادات فيها ضعف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي رواية أبي الزبير عن جابر، من طريق مرزوق أبي بكر الذي خرجه محمد بن إسحاق بن خزيمة مختصراً. ومن طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر، الذي خرجه الحسن بن سفيان في مسنده. ومن طريق هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن عشية عرفة ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، ويقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين، جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير يوماً أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة)]. وهذا الحديث فيه نزول الرب سبحانه وتعالى عشية عرفة، وإن كان قد ذكر أن في بعضه ضعف، لكن قد يتقوى بشواهده. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن رفاعة الجهني حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مضى ثلث الليل، أو شطر الليل، أو ثلثه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي غيري، من يستغفرني فأغفر له؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني أعطيه؟ حتى ينفجر الصبح)]. وهذا نزول يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى. وهذا الحديث صحيح ثابت. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد المخلدي أخبرنا أبو العباس السراج قال حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أشهد عليهما أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول هبط إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مذنب؟ هل من مستغفر؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى تطلع الشمس)]. قوله: (حتى تطلع الشمس) هذه اللفظة شاذة لا تصح، والصواب الثابت: حتى يطلع الفجر. والمؤلف رحمه الله روى هذا الحديث وذكر له طرقاً كثيرة؛ ليبين أن الحديث ثابت، وأنه بلغ حد التواتر، وأن النزول صفة من صفات الرب، التي تليق بجلاله وعظمته، وأن أهل السنة والجماعة يثبتون النزول بلا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل خلافاً لأهل البدع، فإنهم يقولون: إن معنى: (ينزل كل ليلة إلى السماء) ينزل أمره، وبعضهم يقول: ينزل ملك، فاستوحشوا من إثبات النزول للرب، وقالوا: لا يمكن أن ينزل الرب بذاته. وسيأتي أنه إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب ينزل من مكانه، فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء. فأهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة استوحشوا من إثبات النزول وأنكروه. ويقال لمن يقولون: إن معنى (ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا)، ينزل أمره: إن أمر الله ينزل في كل وقت، كما قال سبحانه: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} [السجدة:5]، أما نزوله سبحانه في ثلث الليل الآخر، فهو مخصوص بهذا الوقت المعين بخلاف نزول الأمر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد المخلبي حدثنا أبو العباس الثقفي حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة بن سوار عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي مسلم الأغر قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الأول هبط إلى هذه السماء، ثم أمر بأبواب السماء ففتحت، فقال: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من مضطر أكشف عنه ضره؟ هل من مستغيث أغيثه؟ فلا يزال ذلك مكانه حتى يطلع الفجر في كل ليلة من الدنيا)]. وهذا الحديث فيه إثبات النزول للرب في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، في أي مكان من الأرض سواء أكان في الشرق أو الغرب، في أمريكا أو جزيرة العرب في الشام أو مصر أو في أي مكان آخر، فهذا وقت فاضل لا ينبغي للمسلم التفريط فيه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد المخلدي أنبأنا أبو العباس -يعني: الثقفي - حدثنا مجاهد بن موسى والفضل بن سهل قالا: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سهيل عن أبي إسحاق عن الأغر أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كان ثلث الليل نزل تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فقال: ألا هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟ ألا هل من تائب يتاب عليه)]. المؤلف رحمه الله كرر وعدد الطرق والأسانيد ليبين أن هذا الحديث ثابت، وأن له طرقاً متعددة، وأنه بلغ حد التواتر، وأن النزول ثابت للرب سبحانه وتعالى في ثلث الليل الأخير. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الأستاذ أبو منصور بن حمشاد قال حدثنا أبو إسماعيل بن أبي الظمأ ببغداد حدثنا أبو منصور الرمادي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل الله تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: أنا الملك أنا الملك ثلاثاً من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر)]. وهذا الحديث أخرجه

قول الإمام أبي حنيفة في حديث النزول

قول الإمام أبي حنيفة في حديث النزول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [سمعت الأستاذ أبا منصور على إثر هذا الحديث الذي أملاه علينا يقول: سئل أبو حنيفة عنه فقال: ينزل بلا كيف. وقال بعضهم: ينزل نزولاً يليق بالربوبية بلا كيف من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق بالتخلي والتملي -وفي نسخة: بالتجلي والتملي- لأنه جل جلاله منزه أن تكون صفاته مثل صفات الخلق، كما كان منزهاً أن تكون ذاته مثل ذوات المخلوقين، فمجيئه وإتيانه ونزوله على حسب ما يليق بصفاته من غير تشبيه وكيف]. أبو حنيفة رحمه الله هو أحد الأئمة الأربعة، وهو من أئمة أهل السنة والجماعة، سئل عن هذا الحديث، فقال: ينزل بلا كيف، وهذا قول أهل السنة قاطبة لا كنزول المخلوق ولا يكيف على كيفية معينة، بل الله أعلم كيف ينزل، إنما نثبت النزول ولا نعلم الكيفية. يقول الإمام أبو حنيفة: لأنه جل جلاله منزه أن تكون صفاته مثل صفات الخلق، كما أنه منزه أن تكون ذاته مثل ذوات الخلق، فكذلك الصفات. فالله تعالى له ذات لا تشبه ذوات المخلوقين، وكذلك له صفات لا تشبه صفات المخلوقين، ولهذا قال الإمام أبو حنيفة: (فمجيئه وإتيانه ونزوله على حسب ما يليق بصفاته من غير تشبيه ولا كيف) أي: من غير تشبيه بصفات المخلوقين لا نقول كيفية المجيء كذا ولا كيفية النزول كذا، ولا كيفية الإتيان كذا، بل نقول: صفات الله تليق بجلاله ولا نكيف، ولا نمثل.

قول الإمام ابن خزيمة في حديث النزول

قول الإمام ابن خزيمة في حديث النزول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد الذي صنفه، وسمعت من حفيده أبي طاهر رحمه الله: باب ذكر أخبار ثابتة السند رواها علماء الحجاز والعراق في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة، من غير صفة كيفية النزول مع إثبات النزول، فنشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه، مستيقن بما فيها من الأخبار من ذكر النزول من غير أن نصف الكيفية؛ لأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله عز وجل ولّى نبيه صلى الله عليه وسلم بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول غير متكلفين بالنزول بصفة الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النزول]. هذا الكلام قاله الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة -الذي يلقب بإمام الأئمة، وهو من أئمة أهل السنة والجماعة- في كتابه الذي سماه بـ (كتاب التوحيد). وقوله: (وسمعت من حفيده) الحفيد هو: ابن الابن. وقول الإمام ابن خزيمة في كتابه التوحيد: (باب ذكر أخبار ثابتة السند رواها علماء الحجاز والعراق في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة من غير صفة كيفية النزول، مع إثبات النزول). هذا هو قول أهل السنة قاطبة: إثبات النزول من غير إثبات كيفية معلومة لدينا، لهذا قال: (من غير صفة كيفية النزول مع إثبات النزول). ثم قال الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة: (نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه، مستيقن بما فيها من الأخبار من ذكر النزول) يعني: نقر ونوقن ونشهد أن الله تعالى ينزل. وقوله: (من غير أن نصف الكيفية) أي: لا نقول كيفية النزول كذا أو كذا،. وقوله: (لأن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل) أي: لم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الكيفية، فنحن نثبت النزول ولا نتعرض للكيفية. وقوله: (والله عز وجل ولّى نبيه صلى الله عليه وسلم بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم) قال الله تعالى لنبيه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، فالله تعالى ولى نبيه أن يبين ما يحتاجه المسلمون فلو كانت هناك حاجة لبيان كيفية النزول لأعلمنا الله بها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، لكن ليست هناك حاجة لمعرفتها. وقوله رحمه الله: (فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، غير متكلفين بالنزول بصفة الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف كيفية النزول). هذه هي طريقة أهل السنة والجماعة: يثبتون النزول وينفون الكيفية.

ذكر خبر نزول الرب يوم عرفة

ذكر خبر نزول الرب يوم عرفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عثمان: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ رحمه الله حدثنا أبو محمد الصيدلاني قال حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أحمد بن صالح المصري حدثنا ابن وهب أنبأنا مخرمة بن بكير عن أبيه رحمه الله، وأخبرنا الحاكم رحمه الله حدثنا محمد بن يعقوب الأصم -واللفظ له- حدثنا إبراهيم بن حنيفة حدثنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت محمد بن المنكدر يزعم أنه سمع أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: نعم اليوم يوم ينزل الله تعالى فيه إلى السماء الدنيا، قالوا: وأي يوم ذلك؟ قالت: يوم عرفة]. وهذا الحديث حسن، أخرجه الدارقطني في كتابه (أدلة النزول) بهذا اللفظ من طريقين، وفيه إثبات نزول الرب، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا عشية عرفة نزولاً يليق بجلاله وعظمته، كما ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر. وعند نزوله سبحانه وتعالى عشية عرفة يباهي بأهل الموقف أهل السماء، فيقول سبحانه: يا ملائكتي! انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم.

ذكر خبر نزول الرب ليلة النصف من شعبان

ذكر خبر نزول الرب ليلة النصف من شعبان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل الله تعالى في النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ليلاً إلى آخر النهار من الغد، فيعتق من النار بعدد شعر معز بني كلب -وفي اللفظ الآخر: بعدد غنم بني كلب- يكتب الحاج، وينزل أرزاق السنة، ولا يترك أحداً إلا غفر له، إلا مشركاً أو قاطع رحم أو عاقاً أو مشاحناً)]. ذكر الحاكم أن هذا الحديث صحيح، ومعروف عند العلماء أن الأحاديث في نزول الله تعالى في النصف من شعبان أحاديث ضعيفة وهذا الحديث فيه ضعف، لكن أتى به المؤلف رحمه الله؛ ليبين ويؤكد نزول الرب، وهو ثابت في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، وفي عشية عرفة، أما هذا الحديث الذي فيه: (أنه ينزل في ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، ويعتق من النار بعدد شعر معز بني كلب، وفي لفظ: بعدد شعر غنم بني كلب ويكتب الحاج، وينزل أرزاق السنة، ولا يترك أحداً إلا غفر له، إلا مشركاً أو قاطع رحم أو عاقاً أو مشاحناً) فالمعروف عند أهل العلم أن الحديث الذي يخصص ليلة النصف من شعبان حديث ضعيف. وليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي لا تخصص فيها، وكونه جاء في بعض الأحاديث أنها ليلة القدر فتلك أحاديث ضعيفة لا تصح، ومعلوم أن ليلة القدر إنما هي في رمضان وليست في شعبان. وليلة النصف من شعبان ليس لها خصوصية، وكذلك يوم النصف من شعبان، فلا يخصان بصيام أو قيام، بل الإنسان يفعل ما يفعله كل يوم؛ فإن كان يصلي في كل ليلة يصلي في ليلة النصف من شعبان، وإذا كان يصوم الأيام البيض يصومها من شعبان ومن غيره، ولا يخص يوم النصف من شعبان بصيام ولا تخص ليلة النصف من شعبان بقيام، هذا هو الصواب الذي عليه المحققون. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة حدثنا جدي الإمام حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا إسماعيل بن علية عن هشام الدستوائي (ح) قال الإمام وحدثنا الزعفراني حدثنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا هشام الدستوائي (ح) وحدثنا الزعفراني حدثنا يزيد -يعني: ابن هارون - أخبرنا الدستوائي (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون بالإسكندرية حدثنا الوليد عن الأوزاعي جميعهم عن يحيى بن أبي كثير عن عطاء بن يسار حدثني رفاعة بن عرابة الجهني]. وفي الإسناد الذي بعد هذا عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار. فسقط من هذا الإسناد هلال بن أبي ميمونة، وسيذكره المصنف في الإسناد الآتي، وهو مثبت في كتاب التوحيد لـ ابن خزيمة.

ذكر خبر النزول من طريق رفاعة

ذكر خبر النزول من طريق رفاعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ح قال الإمام: وحدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار حدثني رفاعة بن عرابة الجهني قال: صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فجعلوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يأذن لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال شق الشجرة الذي يلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر! فلا ترى من القوم إلا باكياً، قال: يقول أبو بكر الصديق: إن الذي يستأذنك بعدها لسفيه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه)]. قوله: (صدرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: رجعنا، والصدر: هو رجوع المسافر من مقصده، وهو نقيض الورود. قوله: (فجعلوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يأذن لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال شق الشجرة الذي يلي النبي صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر)) هذا فيه إنكار عليهم بالاستئذان، ومعنى: (ما بال شق الشجرة الذي يلي النبي صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر) قال هذا؛ لأنهم يستأذنون من الجهة التي تلي النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فلا يرى من القوم إلا باكياً) أي: أنهم بكوا لأنهم شعروا بموعظة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى: قال: (يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إن الذي يستأذنك بعدها لسفيه) أي: بعد هذه المقالة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وكان إذا حلف قال: والذي نفسي بيده أشهد عند الله ما منكم من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، ولقد وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفاً بغير حساب ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا تدخلوها حتى تتبوءوا ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكنكم في الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا مضى شطر الليل -أو قال: ثلثاه- ينزل الله إلى السماء الدنيا، ثم يقول: لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأجيبه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الصبح) هذا لفظ حديث الوليد]. هذا الحديث ثابت، وفيه إشارة للمؤمن الذي سدد أنه من أهل الجنة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده أشهد عند الله ما منكم من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة) يعني: أن من سلك مسلك السداد، واجتهد في مقاربته، واجتهد في فعل الأوامر وترك النواهي، وقبل هذا آمن بالله واليوم الآخر ومات على الإيمان فهو من أهل الجنة والكرامة إن شاء الله عاجلاً أو آجلاً، وهذا إن مات على توحيد خالص لم يصر فيه على كبيرة فإنه يدخل الجنة فضلاً من الله تعالى وإحساناً، وإن مات على توحيد ملطخ بالمعاصي والكبائر، فهو على خطر، وهو تحت مشيئة الله، قد يعفو عنه قد يعذبه في قبره، وقد تصيبه شدائد في موقف القيامة تكفر عنه، وقد يعذبه في النار وقد لا يعذبه، وإن عذب في النار فإنه لن يخلد فيها؛ لأنه مات على التوحيد، فمآله إلى الجنة. ويخرج من النار بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، ولقد وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفاً بغير حساب ولا عذاب)، هذا ثابت وثبت أيضاً في حديث آخر: أن الله تعالى أعطى نبيه صلى الله عليه وسلم مع كل ألف سبعين ألفاً. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإني لأرجو أن لا تدخلوها حتى تتبوءوا ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكنكم في الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا مضى شطر الليل -أو قال: ثلثاه- ينزل الله إلى السماء الدنيا) وهذا هو الشاهد: أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الآخر فيقول الرب سبحانه: (من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأجيبه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الصبح)، ففيه إثبات أن الله تعالى ينزل نزولاً يليق بجلاله وعظمته، فيثبت المؤمن ذلك ولا يكيف، بل يؤمن بأنه سبحانه وتعالى ينزل كما يشاء نزولاً يليق بجلاله وعظمته.

قول أهل السنة في خبر النزول

قول أهل السنة في خبر النزول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال شيخ الإسلام: قلت: فلما صح خبر النزول عن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيهاً له بنزول خلقه، ولم يبحثوا عن كيفيته؛ إذ لا سبيل إليها بحال، وعلموا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الله سبحانه لا تشبه صفات الخلق؛ كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق، تعالى الله عما يقول المشبهة والمعطلة علواً كبيراً، ولعنهم لعناً كبيراً]. قوله: (قال شيخ الإسلام) أي: المؤلف إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني. قوله: (قلت: فلما صح خبر النزول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيهاً له بنزول خلقه) هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، فلما صح خبر نزول الرب، وهو ثابت بل متواتر أقر به أهل السنة وقبلوا الخبر وأثبتوا أن الله ينزل على ما يليق بجلاله وعظمته، وقوله: (على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيهاً له بنزول خلقه، ولم يبحثوا عن كيفيته) أي: كيفية النزول وقوله: (إذ لا سبيل إليها بحال، وعلموا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الله سبحانه لا تشبه صفات الخلق كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق) هكذا يعتقد أهل السنة والجماعة، أي: يثبتون صفات الله كما يليق بجلاله وعظمته، وينفون عنها مماثلة صفات المخلوقين، كما أنهم يثبتون ذات الله سبحانه وينفون مماثلتها لذوات المخلوقين تعالى الله عما يقول المشبهة والمعطلة علواً كبيراً.

إثبات صفة المجيء

إثبات صفة المجيء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقرأت لـ أبي عبد الله بن أبي حفص البخاري، وكان شيخ بخارى في عصره بلا مدافع، وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، قال أبو عبد الله -أعني ابن أبي حفص: هذا عبد الله بن عثمان، وهو عبدان شيخ مرو- يقول: سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، وقوله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:210]، فهل يجيء ربنا كما قال، وهل يجيء الملك صفاً صفاً، قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك، ولا ندري كيف جيئته. وقلنا لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيتم من أنكر أن الملك لا يجيء صفاً صفاً، ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب، قلنا: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب. قال أبو عبد الله بن أبي حفص البخاري أيضاً في كتابه: ذكر إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه. وفي نسخة: ينزل -لكن لعلها يزول- فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء]. وهذه القصة التي ذكرها المؤلف رحمه الله عن أبي حفص وهو من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة، أنه سمع محمد بن الحسن يقول قال حماد بن أبي حنيفة: (قلنا لهؤلاء -يعني المعطلة الذين ينفون صفات الله- أرأيتم قول الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، يعني هل تؤمنون بهذا، فقالوا: (أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً، وأما الرب فإنا لا ندري ما عنى بذلك) أي: نثبت أن الملائكة يصفون، ويجيئون، ولا نثبت أن الله يجيء، قوله: فقلت: لهم: (إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه) أي: أنتم لستم مكلفين بمعرفة الكيفية وإنما مكلفون بالإيمان بمجيئه بلا تكييف. ثم قال لهم من باب الإلزام: (أرأيتم من أنكر أن الملك لا يجيء صفاً صفاً، ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب، قلنا: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب)؛ لأن الله أثبت في آية واحدة مجيئه ومجيء الملائكة فقال سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، فإذا كان الذي ينكر مجيء الملائكة كافر مكذب، فكذلك الذي ينكر مجيء الله كافر مكذب. ثم ذكر أبو عبد الله بن أبي حفص أيضاً هذه القصة عن الفضيل بن عياض أنه يقول: (إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه فقل له أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء) هذا من باب الإلزام. فالجهمي ينكر نزول الرب سبحانه، فيقول: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه، وأنت رد عليه بقولك: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تأويل الاستواء

حكم تأويل الاستواء Q حكم من يفسر استواء الله على عرشه بالهيمنة، ومَن مِن الفرق تقول بمثل ذلك؟ A هذا تأويل باطل؛ لأنه إنكار للصفة، فالذي يقول: إن الاستواء هو الهيمنة فقد أنكر استواء الله، وسلك طريقة المبتدعة؛ لأنهم ينكرون الاستواء، وبعضهم يقول: معنى الاستواء: الاستيلاء والهيمنة، فأهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة هذا قولهم. والاستواء على العرش هو العلو والارتفاع والصعود، فاستوى بمعنى: صعد وعلا وارتفع واستقر، هذه أربعة معان للاستواء عند أهل السنة، أما كيفية الاستواء فلا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

منهج أهل السنة في التعامل مع المحكم والمتشابه

منهج أهل السنة في التعامل مع المحكم والمتشابه Q ما مذهب أهل السنة والجماعة في المحكم والمتشابه؟ A أهل السنة والجماعة يعملون بالمحكم ويؤمنون بالمتشابه، فيردون النص المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به. وأما أهل الزيغ فإنهم يتعلقون بالمتشابه ويتركون المحكم.

التحذير من القول على الله بلا دليل

التحذير من القول على الله بلا دليل Q هل صحيح أن الله سبحانه وتعالى إذا نزل إلى السماء الدنيا، تنزل السماوات التي فوقها تحته إلى السماء الدنيا؟ A هذا تأويل بلا دليل، بل نقول: ينزل سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، وبكيفية لا نعلمها.

حكم المعاصي التي يرتكبها الإنسان

حكم المعاصي التي يرتكبها الإنسان Q ما صحة من يقول: إن جميع المعاصي التي يرتكبها الإنسان هي داخلة في الشرك الأصغر؛ لأنه قدم هواه على ما نهى الله عنه؟ A بعض العلماء يقول: جميع المعاصي نوع من الهوى، والهوى شرك، لكن الصواب: أن المعاصي منها ما هو شرك ومنها ما ليس بشرك، والشرك الأصغر منها: هو ما ورد في النصوص تسميته شركاً، كالحلف بغير الله، وما لم يسم في النصوص الشرعية شركاً فهو كبيرة من الكبائر.

معنى الأفول

معنى الأفول Q ما معنى الأفول في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:76] وهل في هذه الآية دليل لمن ينكر النزول؟ A ( فَلَمَّا أَفَلَ) يعني: غاب، وهذه مناظرة إبراهيم مع المشركين من عباد الكواكب، يوهمهم أنه لما يعرف ربه، وليس فيها دليل لمنكري النزول، وإنما ناظرهم عليه الصلاة والسلام كما حكى الله عنه بقوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:76] ((فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ)) أي: غابت {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:78 - 79]، هذا من باب المحاجة والمناظرة لهم؛ ليريهم بطلان ما هم عليه من عبادة الكواكب، ليس له علاقة بمسألة النزول.

حكم جلوس الحائض في المسجد

حكم جلوس الحائض في المسجد Q ما حكم جلوس المرأة الحائض في المسجد لطلب العلم؟ علماً أنها جاءت مع محارمها من مكان بعيد، ولا يستطيعون إبقاءها خارج المسجد؟ A لا يجوز للمرأة الحائض الجلوس في المسجد، وكذلك الجنب ليس له المكث فيه، ويجوز له العبور من باب إلى باب؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء:43]، فليس لها أن تجلس في المسجد لكن تجلس في بعض مرافقه، إلا إذا كان هناك مكان خارج المسجد، أي: خارج سور المسجد فلا بأس ببقائها فيه، أو تجلس في السيارة أو أي مكان آخر.

معاني الإتيان في القرآن

معاني الإتيان في القرآن Q كيف نرد على من يقول: كل إتيان في القرآن فهو إتيان لأمر الله؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وقد قال الله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:158]؟ A هذا حجة عليه؛ لأن قول الله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:158]، فيه إخبار أن الملائكة لها إتيان، وأمر الله له إتيان، والله له إتيان، فهذا حجة عليه، فلو كان الإتيان واحداً لما ذكر الله هذه الأنواع الثلاثة من الإتيان. فالقول بأن الإتيان إنما يعني إتيان أمر الله قول باطل، فالله تعالى إذا وصف نفسه بأنه يأتي فهو إتيان له سبحانه وتعالى يليق بجلاله وعظمته.

التحذير من التشبيه

التحذير من التشبيه Q إذا كان الليل في بلد، وفي آخر نهار فكيف يكون النزول؟ A هذا الإشكال ناشئ من كونك شبهت نزول الخالق بنزول المخلوق، لكن ألغ هذا التشبيه ينجلي عنك الإشكال. وللتوضيح نقول: إن الله تعالى ينزل نزولاً يليق بجلاله وعظمته بأي مكان في الدنيا إذا جاء ثلث الليل الآخر؛ لأنه وقت التنزل الإلهي، ولا نكيف النزول، والإشكال الذي في السؤال ناشئ من كون السائل شبه نزول الخالق بنزول المخلوق.

[7]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [7] تواترت النصوص برؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وأنكر ذلك طائفة من أهل البدع، والأدلة من الكتاب والسنة ترد عليهم، ولقد حذر أئمة المسلمين من البدع وبينوا أنها من أعظم الذنوب؛ لأن صاحب البدعة يظن أنه على الصواب ولا يريد التوبة بعكس صاحب المعصية فإنه يعتقد أنه على خطأ ويفكر في التوبة.

إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة

إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [روى يزيد بن هارون في مجلسه حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله في الرؤية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر)، فقال له رجل في مجلسه: يا أبا خالد ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحرد، وقال: ما أشبهك بـ صبيغ وأحوجك إلى مثلما فُعِل به، ويلك! ومن يدري كيف هذا؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث، أو يتكلم فيه بشيءٍ من تلقاء نفسه إلا من سفه نفسه واستخف بدينه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتبعوه ولا تبتدعوا فيه؛ فإنكم إن اتبعتموه ولم تماروا فيه سلمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم]. أراد المؤلف رحمه الله من ذكر هذا الحديث ومن قول أبي خالد يزيد بن هارون: أن يبين موقف السلف من هذه الأخبار الواردة في صفات الله عز وجل، وأن موقفهم القبول والتسليم وعدم الاعتراض، بل يسلمون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله عن يزيد بن هارون أنه روى في مجلسه حديث رؤية الله يوم القيامة، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر) وفي لفظ: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، في حديث جرير بن عبد الله البجلي الذي رواه البخاري في صحيحه: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته)، وفي رواية أبي هريرة: (إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحواً) أي: ليس دونها سحاب، وفي بعضها: أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا؟ قال: (هل ترون القمر ليلة البدر؟ قالوا: نعم، قال: هل تضارون في رؤيته؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضارون في رؤيته)، وفي لفظ (لا تضامون) يعني: لا يصيبكم ضيم ولا ضرر. وهذا الحديث مع الأحاديث التي فيها إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة من الأحاديث المتواترة. والرؤية أيضاً ثابتة في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، ومعنى (ناضرة) في الآية الأولى: من النضرة وهي: البهاء والحسن، وأما (ناظرة) في قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، فهو من النظر بالعين، فلما ذكر الوجه والعين دل على أن المراد الرؤية بالعين التي في الرأس إلى الرب جل جلاله، وقال سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، جاء في تفسير (زيادة): بأنها النظر إلى وجه الله الكريم. وقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، جاء في تفسير المزيد: بأنه النظر إلى وجه الله الكريم. وقال سبحانه عن الكفرة: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله بهذه الآية على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة. قال: لما أن حجب هؤلاء في السخط دل على أن المؤمنين يرونه في الرضا، ولو كان المؤمنون لا يرون ربهم لتساووا هم وأعداؤهم في الحجب عن رؤيته.

تواتر النصوص في الرؤية وتسليم أهل السنة بها

تواتر النصوص في الرؤية وتسليم أهل السنة بها إن رؤية المؤمنين لربهم عز وجل ثابتة في القرآن العزيز وفي السنة المطهرة، والنصوص التي في إثبات الرؤية من السنة متواترة. قال ابن القيم رحمه الله في حادي الأرواح بعد أن ساق هذه الأحاديث: رواها نحو ثلاثين صحابياً في الصحاح والسنن والمسانيد، فرؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ثابتة في القرآن العظيم وبالنصوص المتواترة في السنة المطهرة. وإثبات رؤية المؤمنين لربهم من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين المبتدعة، فأنكرتها الجهمية والمعتزلة، وفسروها بالعلم، والأشاعرة أثبتوا الرؤية لكن في غير جهة، فقالوا: إنه يرى، لكن لا في جهة، فيقال لهم: كيف يرى؟ إن كان المؤمنون لن يروه لا من فوق؟ ولا من تحت؟ ولا من أمام؟ ولا من خلف؟ ولا عن يمين؟ ولا عن شمال؟ فأين يرى؟ قالوا: يُرى لا في جهة، فسخر منهم كثير من العقلاء وقالوا: إن هذا غير متصور، الرؤية لا بد أن تكون بجهة من الرائي، أي: أن المرئي لا بد أن يكون بجهة من الرائي، فلابد أن يكون مبايناً له مواجهاً له، فإثبات الرؤية من دون إثبات جهة غير متصور وغير معقول، وهذا يدل على تذبذب الأشاعرة، أي: كونهم بين أهل السنة وبين المعتزلة، فأرادوا أن يكونوا مع المعتزلة في إنكار الجهة وأن يكونوا مع أهل السنة في الرؤية، فعجزوا عن ذلك فلجأوا إلى حجج سفسطائية، وهي الحجج المموهة، أي: التي ترى كأنها حجة وليست بحجة. ورؤية المؤمنين لربهم عز وجل ثابتة بالنصوص من الكتاب والسنة، وهي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع. ولهذا قال كثير من أهل العلم: من أنكر رؤية الله فهو كافر؛ لأنه أنكر النصوص المتواترة، وهي مروية في الصحاح والسنن والمسانيد.

موقف السلف من المعترضين على النصوص

موقف السلف من المعترضين على النصوص لما ذكر يزيد بن هارون حديث الرؤية: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، (قال له رجل في مجلسه: يا أبا خالد) وهي: كنية يزيد بن هارون (ما معنى هذا الحديث؟) يعني: حديث (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)؟ (فغضب) يزيد بن هارون (وحرد) يعني: استشاط غضباً، لماذا؟ لأن السائل اعترض على الحديث، (وقال: ما أشبهك بـ صبيغ، وأحوجك إلى مثلما فُعِل به) وصبيغ هذا سيذكر المؤلف قصته، وهو رجل كان يأتي بشبه واعتراضات على النصوص، فجلده عمر مائة، ثم جلده مائة حتى سال الدم على وجهه، ونفاه إلى الكوفة، وكتب لعاملها: أن لا يكلمه الناس. فصار الناس لا يكلمونه، وكلما جاء إلى حلقة طُرد حتى تاب، وقال يا أمير المؤمنين: ذهب ما في رأسي. فعند ذلك أباح الناس أن يكلموه. فـ أبو خالد يقول لهذا الرجل الذي اعترض عليه: (ما أشبهك بـ صبيغ، وأحوجك إلى مثلما فعل به) أي: تحتاج إلى أن تضرب حتى يذهب ما في رأسك من الشبه، وتحتاج إلى جلد كجلد عمر رضي الله عنه صبيغاً. ثم قال له: (ويلك! ومن يدري كيف هذا؟) أي: من يدري كيفية الصفة؟ فلا يعلمها أحد إلا الله، فقولك: ما معنى هذا الحديث؟ كأنك تعترض، وتطلب الكيفية، وهذا غلط منك، وتحتاج بسببه إلى تأديب فـ (ما أشبهك بـ صبيغ، وأحوجك إلى مثلما فعل به) ولهذا قال له: (ويلك ومن يدري كيف هذا؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث؟) أي: أَثبت الحديث قل: إن المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة. ثم قال له: (ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث أو يتكلم فيه بشيءٍ من تلقاء نفسه إلا من سفه نفسه واستخف بدينه؟ ثم قال له: إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتبعوه ولا تبتدعوا فيه فإنكم إن اتبعتموه ولم تماروا فيه سلمتم) تماروا يعني: تجادلوا لا يجوز للإنسان أن يجادل، بل يسلم، ولا يقول في صفات الله: كيف؟ ولا في أفعاله: لم؟ فلا توجه كلمة: (كيف) للصفات، ولا (لم) للأفعال؛ لأنه حكيم يفعل ما يشاء، ولهذا لما وجه سؤال هذا الشخص معترض، قال: ما معنى هذا الحديث؟ يعني كأنه يعترض غضب عليه واستشاط غضباً يزيد بن هارون، وقال: ما أشبهك بـ صبيغ، وأحوجك إلى مثل ما فعل به إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوه ولا تبتدعوا فيه؛ فإنكم إن اتبعتموه ولم تماروا -يعني: لم تجادلوا -سلمتم، وإلا تفعلوا هلكتم. قال: [وقصة صبيغ الذي قال يزيد بن هارون للسائل: ما أشبهك بـ صبيغ، وأحوجك إلى مثل ما فعل به: هي ما رواه يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: أن صبيغاًً التميمي أتى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني عن قوله: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات:1]، قال: هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قلته، قال: فأخبرني عن: {فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا} [الذاريات:2] قال: هي السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن: {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} [الذاريات:4] قال: الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن: {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} [الذاريات:3] قال: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: ثم أمر به فضرب مائة سوط، ثم جعله في بيت حتى إذا برئ دعا به ثم ضربه مائة سوط أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن حرم عليه مجالسة الناس، فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى الأشعري رضي الله عنه فحلف بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجده شيئاً، فكتب إلى عمر يخبره، فكتب إليه: ما إخاله إلا قد صدق، خل بينه وبين مجالسة الناس]. عمر رضي الله عنه ضرب صبيغ؛ لأنه فهم من سؤالاته أنه يريد التعنت والعناد والاعتراض، فلهذا ضربه مائة سوط، ثم جعله في بيته، فلما أحس أنه برأ من الضرب ضربه مائة أخرى، ثم سفره من المدينة إلى الكوفة، وكتب إلى أبي موسى الأشعري: أن حرم عليه مجالسة الناس، فلم يزل كذلك كلما جاء بحلقة طردوه، وإذا جاء إلى حلقة أخرى لا يعرفونه كلم أهل الحلقة الأخرى، قالوا: عزمة أمير المؤمنين عليه ألا تكلموه، فلا يكلمونه حتى تاب وجاء إلى أبي موسى وحلف بالأيمان المغلظة أنه ما يجد في نفسه ما كان يجد، ذهبت الشكوك والشبه التي في نفسه. فكتب أبو موسى إلى أمير المؤمنين يستأذنه في أن يتركه ويخلي بينه وبين الناس ثم كتب عمر إليه: ما إخاله إلا قد صدق، خل بينه وبين الناس، فجعل الناس يكلمونه. قال: [وروى حماد بن زيد عن قطن بن كعب: سمعت رجلاً من بني عجل يقال له: فلان - خالد بن زرعة - يحدث عن أبيه قال]. في النسخة الأخرى: خلته ابن زرعة. [خالد بن زرعة يحدث عن أبيه قال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب، يجيء إلى الحلق، فكلما جلس إلى قوم لا يعرفونه ناداهم أهل الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين]. عزمة أمير، يعني: تلزيم أمير المؤمنين، يعني: يلزم عليكم أن لا تكلمونه، فكلما جاء حلقة لا يعرفونه أخبرهم أهل الحلقة الأخرى وقالوا: عزم عليكم ألا تكلمونه حتى يتوب. قال: [وروى حماد بن زيد أيضاً عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار: أن رجلاً من بني تميم يقال له: صبيغ، قدم المدينة فكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر فبعث إليه وقد أعد له عراجين النخل]. العراجين جمع عرجون، وهو عرق النخلة إذا يبس واعوج كما قال: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39]. قال: [فلما دخل عليه جلس، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، قال: وأنا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي]. يعني: يكفي الضرب، فقد ذهب ما في رأسي من الشبه والشكوك. ونحن الآن بحاجة إلى مثل هذا، الآن صبيغ له أمثال كثيرون، في هذا الزمن نحن بحاجة إلى أن نفعل بهم مثلما فعل بـ صبيغ، هؤلاء الذين يشبهون ويلبسون، ويكتبون في الصحف والمجلات، ويكتبون الشبه، ويعترضون على الأحاديث والنصوص وأهل العلم بحاجة إلى أن نفعل بهم مثل ما فعل بـ صبيغ، ولو يفعل بهم ما فعل به لتأدب الناس، ولم يتكلم الرويبضة ولما أفتى. حتى صار أهل الصحف والمجلات يفتون وهم ليسوا من أهل الفتوى يفتي: هذا يجوز وهذا لا يجوز، يجوز للمرأة أن تكشف وجهها، وليس هناك دليل، وصار الكل يفتي الآن، ولو فعل بهم مثل ما فعل بـ صبيغ لتأدبوا ولما اعترضوا بالشبه والاعتراضات على النصوص وعلى أهل العلم؛ ولهذا يزيد بن هارون لما اعترض عليه الرجل، قال: ما أشبهك بـ صبيغ، وأحوجك إلى فعل مثل ما فعل به، يعني: هذا رجل اعترض على حديث الرؤية، قال: أنت بحاجة إلى أن تضرب حتى يزول ما في رأسك من الشبه والاعتراض على النصوص.

تحذير الإمام مالك أصحابه من أهل البدع

تحذير الإمام مالك أصحابه من أهل البدع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى السلمي أخبرنا محمد بن محمود الفقيه المروزي حدثنا محمد بن عمير الرازي حدثنا أبو زكريا يحيى بن أيوب العلاف التجيبي بمصر حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا أشهب بن عبد العزيز قال: سمعت مالك بن أنس يقول: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون. ]. وهذا تحذير من مالك بن أنس رحمه الله، وهو إمام دار الهجرة في زمانه، وأحد الأئمة الأربعة، يقول: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله! وهي كنية الإمام مالك، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، أي: يتكلمون في تأويل الصفات وفي الكيفية؛ لذا حذر منهم الإمام مالك رحمه الله؛ لأنهم لا يسكتون عما سكت عن الصحابة والتابعون. والمعنى: أنه يجب على المسلم أن يسعه ما وسع الصحابة والتابعين، ولا يتكلم في التأويل، بل يثبت الأسماء والصفات لله عز وجل كما يليق بجلالته وعظمته، يثبت المعنى ويسكت عن الكيفية.

تهوين الإمام الشافعي للكبيرة أمام البدع

تهوين الإمام الشافعي للكبيرة أمام البدع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر الزاهد الخفاف أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الفقية حدثنا الربيع بن سليمان سمعت الشافعي رحمه الله يقول: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أن يلقاه بشيء من الأهواء]. يعني: البدع، وهذا أخرجه الدارمي واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وهو مشهور عن الشافعي رحمه الله، وفي لفظ: (لأن ألقاه بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أن ألقاه بشيء من الأهواء). يقول الإمام الشافعي: لأن ألقى الله بكل معصية دون الشرك أسهل علي من أن ألقاه بالبدعة؛ لأن البدع أشد من المعاصي؛ لأن صاحب المعصية الكبيرة مثل الزاني والسارق وشارب الخمر والمرابي عاصٍ، وضعيف الإيمان، لكن يعلم أنه عاص ومعترف بأنها معصية فهو يرجى له أن يتوب، بخلاف صاحب البدعة، فإنه يعتقد أنه على الحق، ولا يعترف لك بأنه على الباطل. فإذا قلت: هذه بدعة، قال: لا، بل أنت المبتدع، فلا يفكر في التوبة، فلهذا كانت البدعة أشد من الكبيرة، وهي أحب إلى الشيطان من المعصية الكبيرة، فالذي يفعل كبيرة ويشهد الزور ويعق والديه، يعلم أنه عاص ويمكن أن يتوب أو حتى يفكر في التوبة، لكن المبتدع لا يعتقد أنه عاص، بل يعتقد أنه على الحق فمن كان يفعل بدعة المولد فإذا نهيته يقول: لا هذه محبة للرسول، أنت تبغض الرسول، أنا على الحق وأنت على الباطل، ولو كنت تحب الرسول لحضرت المولد. كما أن المبتدع لا يعترف بأنه على الباطل، بل يعتقد أنه على الحق، ويتقرب إلى الله بالبدعة، فلا يفكر في أن يتوب منها، أما صاحب الكبيرة فهو يعلم أنه على معصية، ويعتقد أنها معصية، ويفكر في التوبة منها، فلهذا كانت البدعة أشد من المعصية، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: لأن ألقى الله بكل ذنب دون الشرك أسهل علي من أن ألقاه بالبدعة؛ لأن البدعة أشد من المعصية، وصاحب البدعة لا يتوقع أن يتوب في الغالب؛ لأنه يعتقد أنه على الحق. هذا فيه التحذير من البدع، وقد تكون البدعة في أسماء الله، من ذلك: بدعة المعطلة التي تنفي الأسماء والصفات، وبدعة المؤولة، وبدعة الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالمعاصي، وبدعة القدرية الذين يقولون: إن العباد خالقون لأفعالهم، وهكذا بدعة الشيعة الرافضة.

نصيحة عمر بن عبد العزيز بلزوم الدين

نصيحة عمر بن عبد العزيز بلزوم الدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرني أبو طاهر محمد بن الفضل حدثنا أبو عمرو الحيري حدثنا أبو الأزهر حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن جعفر بن برقان قال: سأل رجل عمر بن عبد العزيز عن شيء من الأهواء، فقال: الزم دين الصبي في الكتاب والأعرابي، واله عما سوى ذلك]. وهذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أخرجه الدارمي في سننه، وابن سعد في الطبقات، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وابن الجوزي في سيرة عمر، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله الإمام المشهور الزاهد الورع الذي ضمه بعض العلماء إلى الخلفاء الراشدين الأربعة؛ لعدله وورعه، سأله رجل عن شيء من الأهواء -يعني: من البدع- فقال له: (الزم دين الصبي في الكتاب) كان الناس قبل أن توجد المدارس يدرسون الصبيان في الكتاب، يعني: جماعة في المسجد يأتي لهم مدرس يكتب لهم على اللوح، وهي خشبة يطلونها بالطين ويكتبون فيها، يكتب لهم حتى يتعلموا شيئاً من القراءة، وبعض من الآيات، ثم يقال: قرأ في الكتاتيب. فيقول له: (الزم دين الصبي في الكتاب) كن على دين الصبي أي على الفطرة، واترك هذه الشبه، وكذلك الأعرابي الذي عاش في البادية ما عنده شيء من شبه المعطلة ولا القدرية بل على الفطرة. قال: (واله عما سوى ذلك)؛ لأنهم مفطورون على الفطرة، الصبي في الكتاب والأعرابي مؤمن بالله وبملائكته وكتبه ورسله ومؤمن بالأسماء والصفات وليس عنده شيء من الشبه، مفطور على الحق والتوحيد. قال له: الزم دين الصبي في الكتاب، فإنه على الفطرة، والزم ما عليه الأعراب في البوادي أصحاب الفطرة، ما عندهم شبه ولا شكوك، ولا جاءهم أحد يشبه عليهم، ولا يدخل لهم شبه المعطلة، ولا القدرية ولا الخوارج ولا المعتزلة. ولهذا كثير من أهل الكلام الذين توغلوا في علم الكلام حاروا في آخر حياتهم، وحصلت لهم حيرة واضطراب، وتمنوا أن يكونوا على الفطرة، حتى قال بعضهم: يا ليتني أموت على عقيدة أمي، وقال بعضهم: يا ليتني أموت على عقيدة عجائز نيسابور. ولما سأل بعض أهل البدع من الذين صار عندهم حيرة بعض الناس: هل تنام في السرير؟ قال: نعم، قال: احمد الله، أنا لا أستطيع أن أنام من الشبه والشكوك، إذا نمت أفكر في الشبه والمقدمات والنتائج، وهل الرب مستو على عرشه أو ليس مستو على عرشه، وهل هذا يمكن، وهل هو جسم أو ليس بجسم، يقول: احمد الله أنك تستطيع أن تنام أنا لا أستطيع أن أنام، وأضع الملاءة على وجهي بعد العشاء ويأتي الفجر وأنا على حالي لم أنم، وأظل أفكر في الشبه، وفي مقدمات أهل البدع، بلا راحة ولا طمأنينة. هكذا أهل البدع صار عندهم حيرة واضطراب حتى تمنوا أن يموتوا على عقيدة العجائز، فقال أحدهم: يا ليتني أموت على عقيدة أمي، وقال آخر: يا ليتني أموت على عقيدة عجائز نيسابور، وكان من أهل نيسابور، نسأل الله السلامة والعافية.

أمر ابن عيينة وغيره بالسكوت عن التكييف

أمر ابن عيينة وغيره بالسكوت عن التكييف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول سمعت العباس بن حمزة يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه]. يعني: ما وصف الله به نفسه من العلم والقدرة والرحمة والغضب والسخط والسمع والبصر تفسيره تلاوته، يعني: حينما تقرأه يكون تفسيره واضح المعنى، لا تكيف ولا تمثل، واسكت عن التأويل والكيفية، حينما تقرأ: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134] انسب السمع والبصر لله، ولا تأول ولا يقع في نفسك شيء من الشبه التي يقولها أهل البدع من أنه يلزم إذا أثبت السمع والبصر يلزمه أن يكون مماثلاً لسمع وبصر المخلوقين. قال: [أخبرنا أبو الحسين الخفاف حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث حدثنا الهيثم بن خارجة سمعت الوليد بن مسلم يقول: سألت الأوزاعي وسفيان ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث في الصفات والرؤية فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف]. هذا مقالة للأوزاعي وسفيان ومالك بن أنس لما سئلوا عن الحديث في الصفات، قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف. وهذا الأثر صحيح أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات، والدارقطني، والذهبي في مختصر العلوم وغيرهم. وقوله: أمروها كما جاءت. رد على المعطلة الذين يعطلون ولا يثبتون الصفات. وقوله: بلا كيف. رد على الممثلة الذين يقولون: إن صفات الله مثل صفات المخلوقين. وأمروها كما جاءت، يعني: أثبتوا معاني الصفات، واتركوا الكلام في الكيفية، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134] أثبت السمع والبصر بلا كيف، لا تقل: كيفية السمع كذا، ولا سمع الخالق مثل سمع المخلوق. وهذا فيه إثبات للمعاني، فاستوى على العرش. تمر كما جاءت ويثبت الاستواء لله تعالى. قوله: بلا كيف: معناه لا تسأل عن الكيفية، ولا تقل إن استواء الخالق مثل استواء المخلوق، يعني: أثبتوا المعاني بلا سؤال عن الكيفية، ولا تمثلوها بصفات المخلوقين، وهذا قول السلف قاطبة.

لزوم التسليم لبيان الله وبلاغ رسوله

لزوم التسليم لبيان الله وبلاغ رسوله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال الإمام الزهري -إمام الأئمة في عصره، وعين علماء الأمة في وقته- على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم]. الإمام الزهري رحمه الله إمام معروف، والمؤلف قال عنه إمام الأئمة في عصره، فقيده، وإلا فإن إمام الأئمة إذا أطلق فهو الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو إمام المتقين، وهذا اللقب يطلق أيضاً على محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقال له: إمام الأئمة، فينبغي أن يقيد إمام الأئمة في وقته، وإمام الأئمة على الإطلاق هو رسول الله. يقول الزهري: على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، وهذا كلام عظيم ينبغي لكل مسلم أن يستشعره. على الله البيان: أي: الله تعالى بين لنا في الكتاب العزيز، وعلى لسان نبيه. وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم والقبول ولا نعترض، فنحن عبيد مأمورون، نقول: سمعاً لك يا رب وطاعة. فإذا جاء في النصوص إثبات الصفات نقول: علينا التسليم، فنثبت لله الأسماء والصفات ولا نعترض، ولا نقول: ما كيفية الصفات، ولا نمثلها بل نسلم ونؤمن بها.

الحث على إحياء السنن

الحث على إحياء السنن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة حدثنا جدي الإمام حدثنا أحمد بن نصر]. الجد الإمام هو محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح. قال: [حدثنا أبو يعقوب الحنيني حدثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله)]. الشطر الأول من الحديث: (إن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وأخرجه الترمذي وابن ماجة، وكذلك أيضاً ابن خزيمة والخطيب البغدادي وغيرهم، وهو حديث ثابت. والرسول صلى الله عليه وسلم أول المؤمنين وأول المسلمين، ثم أسلم معه حر وعبد، وهو أبو بكر وبلال، ثم أسلم عدد من الصحابة، وسيعود غريباً في آخر الزمان كما بدأ، فيخرج الناس من الدين كما دخلوا فيه، (فطوبى للغرباء)، طوبى: الجنة، فالجنة للغرباء الذين يتمسكون بالدين. جاء في اللفظ الآخر: (قيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون ما أفسد الناس)، وفي لفظ: (قيل من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس)، يعني: يصلحون بأنفسهم إذا فسد الناس. وفي لفظ: (هم النزاع من القبائل)، يعني: من كل قبيلة واحد أو اثنان والباقي على الباطل. وفي لفظ: (هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير). فجاء في تفسير الغرباء أربع تفسيرات: اللفظ الأول: قيل: من الغرباء؟ فقال: الذين يصلحون إذا فسد الناس. يعني: الناس يفسدون وهم صالحون في أنفسهم مستقيمون. واللفظ الثاني: قال: هم الذين يصلحون ما أفسد الناس. يعني: دعاة إلى الخير يصلحون. واللفظ الثالث: هم النزاع من القبائل. واللفظ الرابع: هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كثي). وهنا قيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ هذا أيضاً لفظ خامس، قال: الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله. وهذا مثل: (يصلحون ما أفسد الناس). وقوله: (الذين يحيون سنتي من بعدي ويعلمونها عباد الله)، هذه الزيادة أخرجها الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث، والشيخ: نصر المقدسي في كتاب الحجة. ساق المؤلف هذا الحديث ليبين أنه ينبغي إحياء السنن، وأن الذين يحيون السنن، ويعلمونها عباد الله هم الغرباء، ومعلوم أنه إذا أحييت السنة ماتت البدعة في مقابلها، وفيه التحذير من البدع، والحث على إحياء السنن. قال: [أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الحسن الكارزي يقول: سمعت علي بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله]. هذه المقالة لـ أبي عبيد القاسم بن سلام الإمام المشهور صاحب كتاب الإيمان يقول: المتبع للسنة كالقابض على الجمر هذا في زمانه، فكيف لو رأى أهل الزمان في القرن الرابع والقرن الخامس؟! فكيف لو رأى القرن الخامس عشر؟!. يقول: المتبع للسنة كالقابض على الجمر؛ وسبب ذلك: قلة أهل السنة وكثرة أهل البدع، فلهذا يجد شدة ومشقة لمخالفة الناس؛ لأنه لا يجد من يوافقه على الحق، فلكثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق صار المتبع للسنة بين أهل البدع كالقابض على الجمر، أهل البدع عن يمينه وشماله، وأمامه وخلفه وهو بينهم متبع للسنة ويتحمل ويجد مشقة كما أن القابض على الجمر يتحمل شدة حرارة الجمر. ثم قال القاسم بن سلام: وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله، يرى أن المتبع للسنة في زمانه أفضل من ضرب السيف في سبيل الله؛ لوجود المجاهدة والشدة والمشقة التي يجدها، كما أن المجاهد في سبيل الله والذي يضرب بالسيف يجاهد الأعداء ويقارع الأعداء، وكذلك هذا الذي يجاهد أهل البدع ويصبر على الحق.

ترك التكلف في إجابة السائل

ترك التكلف في إجابة السائل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروي عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس! من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86]]. الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود أنه خطب الناس وقال: يا أيها الناس! من علم شيئاً فليقل به: ويظهره للناس، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم ولا يتكلم في شيء لا يعلمه. قال: فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم؛ لأن العلم قسمان: قسم تعلمه وتبينه للناس، وقسم لا تعلمه تقول: الله أعلم، ولا يجوز أن يتكلف الإنسان، ولهذا قال عبد الله بن مسعود فإن الله قال لنبيه عز وجل: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] فلا تتكلف، فالشيء الذي تعلمه تقوله، والذي لا تعلمه تقول عنه: لا أعلم، ليس هذا بعيب. الإمام مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة، جاءه رجل من مسافات بعيدة يسأله، فسأله عن أربعين مسألة، فقال في ست وثلاثين لا أدري، وما أجابه إلا عن أربع مسائل. سبحان الله! جاء من مسافات بعيدة يمشي شهوراً إلى الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة الذي تضرب إليه أكباد الإبل ليسأله عن أربعين مسألة، ويقول في ست وثلاثين: لا أدري، فقال: ماذا أقول للناس ما أفتيت إلا في أربع مسائل؟! فقال: قل: يقول مالك: لا أدري، ويعتبر هذا من فضائله. ابن مسعود الصحابي الجليل يقول: لا تتكلف، من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم، إذاً العلم قسمان: قسم تعلمه وتكلم به، وقسم لا تعلمه فقل: الله أعلم، وهذا من العلم. ولهذا قال بعض السلف: لا أدري نصف العلم؛ لأن العلم نوعان: شيء تعلمه وشيء لا تعلمه، النصف الأول تدريه تكلم به، والذي لا تدريه قل: الله أعلم، لا أدري. ولهذا قال بعض السلف: من ترك لا أدري أصيبت مقاتله.

التوقف ووكل الأمر لله حين الاختلاف

التوقف ووكل الأمر لله حين الاختلاف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس المعقلي حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي حدثني أبي حدثني عبد الرحمن الضبي عن القاسم بن عروة عن محمد بن كعب القرظي قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز فجعلت أنظر إليه نظراً شديداً، فقال: إنك لتنظر إلي نظراً ما كنت تنظره إلي وأنا بالمدينة، فقلت: لتعجبي، فقال: ومم تتعجب؟ قال: قلت: لما حال من لونك، ونحل من جسمك، ونفى من شعرك، قال: كيف لو رأيتني بعد ثلاثة في قبري، وقد سالت حدقتاي على وجنتي، وسال منخراي في فمي صديداً، كنت لي أشد نكرة. حدثني حديثاً كنت حدثتنيه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قلت: حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل شيء شرفاً، وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة، لا تصلوا خلف نائم ولا محدث، واقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم، ولا تستروا الجدر بالثياب، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذنه، فإنما ينظر في النار. ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الذي يجلد عبده، ويمنع رفده، وينزل وحده. أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي يبغض الناس ويبغضونه. أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي لا يقيل عثرة، ولا يقبل معذرة، ولا يغفر ذنباً. أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره. من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله. إن عيسى عليه الصلاة والسلام قام في قومه فقال: يا بني إسرائيل! لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم عند ربكم، الأمر ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر بين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلفتم فيه فكلوه لله عز وجل)]. وهذا الأثر الطويل أتى به المؤلف رحمه الله، والشاهد منه قوله: (فكلوه لله عز وجل)، أي: أن الشيء الذي لا يعلم فالإنسان يكله إلى الله عز وجل ولا يتكلم به، وهذا الأثر رواه المؤلف رحمه الله عن محمد بن كعب القرظي قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز الخليفة المشهور الخليفة الراشد، من خلفاء بني أمية رضي الله عنه وأرضاه. يقول: فجعلت أنظر إليه نظراً شديداً ينظر ويتأمل في وجهه وفي يديه فأنكر ذلك عليه عمر، فقال: إنك لتنظر إلي نظراً ما كنت تنظره إلي وأنا بالمدينة؛ لأنه كان أمير المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك، ثم تولى الخلافة. وكان محمد بن كعب القرظي يعرف عمر بن عبد العزيز ويأتيه لما كان أميراً على المدينة، ولما صار هو أمير المؤمنين جاء إليه محمد بن كعب القرظي وجعل ينظر إليه ويتأمله، فأنكر ذلك عليه، قال: إنك لتنظر إلي نظراً ما كنت تنظره إلي وأنا في المدينة لما كنت أميراً والآن تنظر إلي لما صرت خليفة، ما السبب؟ قال: قلت: لتعجبي أنظر إليك، قال: ومم تعجب؟ قال: قلت: ما حال من لونك، ونحل من جسمك، ونفي من شعرك، يعني: تحول حال لونك ونحل جسمك: في الأول كنت أسمن من هذا والآن ضعف حالك، ونفي من شعرك: يعني: شعرك متشعث، بينما وأنت في المدينة كان شعرك متنعماً. وذلك أن الخليفة عمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة صار هو يضرب به المثل في العدل، وصار عنده خوف من الله عز وجل، وخاف من توليه لأمور المسلمين حتى تغير جسمه ونحل، وصار لا يأكل ولا يشرب إلا القليل واهتم بأمر المسلمين حتى تغير جسمه ونحل، ولم يعد يجد الوقت لكي يغسل شعره ويلبس الثياب جميلة. فقال له: كيف لو رأيتني بعد ثلاثة في قبري، أي: لو رأيتني بعد الموت وأنا في قبري بعد ثلاثة أيام تكون أشد! انظر إلى زهده رضي الله عنه. وقد سالت حدقتاي على وجنتي: أي: العينين خرجت وصارت على الخدين، وسال منخراي في فمي صديداً. الخليفة يقول هذا لـ محمد بن كعب القرظي قال: كنت لي أشد نكرة من قبل، يقول: أنت الآن تستنكر أن حال الجسم متغير وشعري متشعث، ولوني متغير، لكن لو رأيتني بعد الموت تكون أشد استنكاراً فستجد عيناي خرجت وصارت على وجهي، وتجد منخراي في فمي صديداً. ثم قال له عمر بن عبد العزيز حدثني حديثاً كنت حدثتنيه عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له محمد بن كعب قلت: حدثني عبد الله بن عباس يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لكل شيء شرف، وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة)، هذه اللفظة أخرجها الطبراني، وقال: بإسناد حسن، وقال: (إن لكل شيء سيداً، وإن سيد المجالس قبالة القبلة) ثم قال: (لا تصلوا خلف نائم ولا محدث)، هذه الجملة غير ثابتة وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة معترضة أمام القبلة، وكون الإنسان يصلي وأمامه نائم أو محدث لا حرج في هذا، ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأمامه عائشة نائمة. وقوله: (واقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم) فيه الأمر بقتل الأسودين، وهو ثابت في حديث النبي، قال: (اقتلوا الأسودين الحية والعقرب ولو في الصلاة)، وهذا لا بأس به، والحركة فيه مغتفرة كونك تقتل وتضرب، إلا إذا استدعى الحال أن تدور وتستدبر القبلة واشتد الأمر فإذا اضطر الإنسان إلى ذلك يقطع الصلاة ثم يستأنف الصلاة من جديد، لكن ما دام مستقبلاً القبلة فله أن يقتل الحية والعقرب ولا يؤثر هذا في الصلاة. قال: (ولا تستروا الجدر بالثياب) هذا فيه النهي عن ستر الجدر، ورد في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة والطين). وذكر النووي في صحيح مسلم قال: يستدل به على أنه يمنع من ستر الحيطان، وتمديد البيوت والثياب وهو منع كراهة تنزيه لا تحريم، وقد زار أبو أيوب ابن عمر رضي الله عنه ورأى في البيت ستراً على الجدار، فأنكر عليه قال: جعلتم بيوتكم كالكعبة تسترونها فقال ابن عمر: غلبننا النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليه، إذا كنت يغلبك النساء فكيف بغيرك، والله لا أطعم لك طعاماً، فرجع أبو أيوب وأنكر على ابن عمر أنه ستر الجدار. والنووي يقول: إن هذا كراهة تنزيه؛ لأن هذا من الإسراف، والجدر لا حاجة إليها، أما الآن فقد تغير الوضع وصار هناك الديكورات وما أشبه ذلك، وهو أشد من الستر، فالله المستعان. قال: (ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذنه، فإنما ينظر في النار)، هذه اللفظة ذكر المفسر أنها ضعيفة. قال: (ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الذي يجلد عبده، ويمنع رفده، وينزل وحده)، رفده يعني: العطاء والصلة، والذي يجلد عبده يعني: العبد المملوك يجلده بغير حق. ويمنع رفده: يعني يمنع عنه الصلة والعطاء، وينزل وحده: وهذا يحتمل أنه إذا نزل منزلاً فإنه لا ينزل معه أحد كبراً وبطراً أو شحاً وبخلاً. قال: (أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي يبغض الناس ويبغضونه، ثم قال: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي لا يقيل عثرة، ولا يقبل معذرة) لا يقيل عثرة يعني: لا يصفح ولا يعفو، ولا يقيل صاحب العثرة إذا اعتذر إليه، ولا يقبل عذره، ولا يغفر ذنبه. ثم قال: (أفلا أنبئكم بشر من ذلكم؟ الذي لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره)، شره إلى الناس صاعد وخيره قليل. (من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله)؛ لأن المتوكل على الله، والمفوض أمره إلى الله بعد فعل الأسباب من أقوى الناس. (ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره) يعني: يثق بالله؛ لأن الله تعالى هو الذي بيده الأمر والنهي وهو الذي بيده الرزق. (ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله)، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. ثم قال: (إن عيسى عليه الصلاة والسلام قام في قوم فقال: يا بني إسرائيل! لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها)؛ لأنكم إذا كلمتم الجهال تأولوها على غير تأويلها: (ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم) يعني: تكلموا بالحكمة عند أهلها، وإذا لم تتكلموا بها عند أهلها ظلمتموهم، وإذا تكلمتم بالحكمة عند الجهال ظلمتم الحكمة. (ولا تظلموا) يعني: لا تظلموا غيركم، ولا تكافئوا ظالماً بظلمه فيبطل فضلكم عند ربكم، فلا تكافئوه بظلمه وذلك بأن تعفوا وتصفحوا. ثم قال: الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر بين غيه فاجتنبه، وأمر اختلفتم فيه فكلوه لله. والمعنى أن الأمور ثلاثة: أمر تبين لك أنه حق، وأنه رشد وصواب فعليك أن تعمل به، وأمر تبين لك أنه غي وضلال فعليك أن تجتنبه، وأمر مشتبه اختلفتم فيه، فتوقفوا فيه وكلوه إلى الله عز وجل، وهذا هو الشاهد: (وأمر اختلفتم فيه فكلوه لله عز وجل). يقول المزي في تحفة الأشراف: هذا حديث مشهور من رواية أبي المقدام هشام بن زياد عن محمد بن كعب رواه الناس عنه مطولاً ومختصراً، وأخرجه أيضاً ابن سعد في الطبقات من ثلاث طرق مختلفة. هذه الجمل بعضها صحيح وبعضها ضعيف، وبعضها له شواهد.

[8]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [8] من معتقدات أهل السنة والجماعة الإيمان بالبعث بعد الموت وما يكون في ذلك اليوم من أهوال. كما يؤمنون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم العظمى لأهل الموقف وشفاعته لأهل الكبائر والمذنبين أن يخرجوا من النار ويدخلوا الجنة، وشفاعته لأهل الجنة في دخول الجنة. وأنكرت طائفة من أهل البدع شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر في خروجهم من النار، والكتاب والسنة وإجماع أهل العلم كافٍ في الرد عليهم.

عقيدة أصحاب الحديث في البعث وأهوال القيامة

عقيدة أصحاب الحديث في البعث وأهوال القيامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويؤمن أهل الدين والسنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة، وبكل ما أخبر الله سبحانه به من أهوال ذلك اليوم الحق، واختلاف أحوال العباد فيه والخلق فيما يرونه ويلقونه هنالك في ذلك اليوم الهائل، من أخذ الكتب بالأيمان والشمائل، والإجابة عن المسائل، إلى سائر الزلازل والبلابل الموعودة في ذلك اليوم العظيم، والمقام الهائل من الصراط والميزان، ونشر الصحف التي فيها مثاقيل الذر من الخير والشر وغيرها]. البعث في اللغة: الإثارة، وشرعاً: بعث الله الأجساد وإعادة الأرواح إليها للحساب والجزاء. قال المؤلف: ويؤمن أهل الدين والسنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة، والإيمان بالبعث أصل من أصول الدين، وأصل من أصول الإيمان، وركن من أركان الإيمان لا يصح الإيمان إلا به، ومن لم يؤمن بالبعث فهو كافر بإجماع المسلمين. وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم أن يقسم على البعث والساعة وقيام الساعة في ثلاثة مواضع من كتابه، الموضع الأول: قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7] أمر نبيه أن يقسم، وأثبت الله في هذه الآية أن من أنكر البعث كفر: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7] فمن أنكر البعث فهو كافر بنص القرآن. والموضع الثاني: قال الله تعالى في سورة يونس: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} [يونس:53] يعني: البعث بعد الموت: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:53] قل: يا محمد: (إي وربي) أمره أن يحلف على البعث. والموضع الثالث في سورة سبأ: قال سبحانه وتعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:3]. فالبعث بعد الموت يعني: الإيمان بأن الله يبعث الأجساد، هذا البدن إذا مات يبلى ويستحيل، ويكون تراباً إلا أجساد الأنبياء؛ لأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وكذلك الشهداء يوجد بعضهم يبقى جسده مدة طويلة، وهل يبقى أو لا يبقى؟ كأنه -والله أعلم- كلما كانت الشهادة أكمل كلما كان بقاء الجسد أطول، لكن الأنبياء هم الذين حرم الله على الأرض أن تأكل أجسادهم وأما بقية الناس فإن الجسد يكون تراباً ولا يبقى منه إلا عظم صغير، وهو عجم الذنب آخر فقرة في العمود الفقري، وهو العصعص لا تأكله الأرض، ولا يبلى، منه خلق ابن آدم ومنه يركب كما في الحديث، فإذا كان في آخر الزمان أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور نفخة بعث الموت، فيموت الناس ثم يبقى الناس أربعون، فينزل الله مطراً أبيض فتنبت منه أجساد الناس، وينشئهم الله خلقاً جديداً، وتعاد الذرات التي في السحاب خلقاً جديداً، فالله عالم بالذرات التي في السحاب: {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79] وكما قال سبحانه: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق:4]. فيعيد الله الذرات التي في السحابة وينشئ الله الناس نشأة جديدة، أي: تنشئة الصفات، وأما الذوات فهي هي الذوات، لكن الصفات تختلف، فإذا تكامل خلقهم ونبتوا أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور نفخة البعث فتطايرت الأرواح إلى أجسادها، ودخلت كل روح في جسدها، فقام الناس من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم، ووقفوا بين يدي الله الجبار. بعث الأجساد هذا هو الذي أنكره الكفرة والفلافسة، قالوا: البعث للروح، وهذا كفر وضلال. من لم يؤمن بأن الله يبعث الجسد فهو كافر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ويؤمن أهل الدين والسنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة، وبكل ما أخبر الله سبحانه ورسوله، يعني: ويؤمنون بكل ما أخبر الله سبحانه ورسوله من أهوال ذلك اليوم الحق، من الأهوال التي تكون فيه ووقوف الناس حفاة عراة غرلاً، حفاة لا نعال لهم، عراة لا ثياب عليهم، غرلاً غير مختونين، وتعود إلى الإنسان القطعة التي قطعت منه وهو صغير من ذكره، فيكون غير مختون، ويقفون هكذا شاخصة أبصارهم إلى السماء، وأول من يكسى في موقف القيامة هو إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وهذه منقبة لإبراهيم الخليل. فيجب على المؤمن أن يؤمن بالوقوف بين يدي الله للحساب والشفاعة والميزان والصراط والحوض والجنة والنار، كل هذا يجب على المسلم أن يؤمن به، ولهذا قال المؤلف: وبكل ما أخبر الله سبحانه ورسوله من أهوال ذلك اليوم الحق، واختلاف أحوال العباد فيه والخلق فيما يرونه ويلقونه هناك في ذلك اليوم الهائل، وهو {يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:9 - 10] من أخذ الكتب بالأيمان، كل واحد يعطى صحيفته إما بيمينه أو بشماله، فالمؤمن يعطى صحيفته بيده اليمنى، فإذا سعى إليها أخذها يستبشر ويقول لكل من لقيه: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الحاقة:19 - 22]. وأما الكافر والعياذ بالله فإنه يعطى كتابه بيده الشمال ملوية وراء ظهره، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:25] {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق:10 - 11]. فلابد من أخذ الكتب بالأيمان والشمائل والإجابة عن المسائل: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ما عمل به). فلابد من الإيمان بما يكون هناك في ذلك اليوم الهائل من أخذ الكتب بالأيمان والشمائل والإجابة عن المسائل. قال: إلى سائر الزلازل والبلابل الموعودة في ذلك اليوم العظيم، والمقام الهائل من الصراط الذي ينصب على متن جهنم، ويمر الناس فيه على قدر أعمالهم، فأول زمرة تمر على الصراط كالبرق، ثم الزمرة الثانية كالريح، ثم كالطير، ثم كأجاود الخيل، ثم الرجل يركض ركضاً، ثم الرجل يمش مشياً، ثم الرجل يزحف زحفاً، وهناك كلاليب على الصراط تخطف من أمرت بخطفه وتلقيه في النار على حسب الأعمال. ولا يتكلم إلا الرسل، ودعاء الرسل في ذلك الموقف: اللهم سلم سلم، وكذلك أيضاً الإيمان بالميزان، وأنه توزن فيه أعمال العباد، وهو ميزان حسي له كفتان ولسان، كفتاه أعظم من أطباق السموات والأرض يوزن فيه الأشخاص والأعمال، وتثقل الموازين وتخف على حسب الأعمال، فالمؤمن يثقل ميزانه والعاصي يخف ميزانه على حسب الأعمال، نسأل الله السلامة والعافية، فمن ثقلت موازينه نجا، ومن خفت موازينه هلك، كما أخبر الله في كتابه العظيم: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:6 - 9]، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:102]، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:9]. وكذلك الإيمان بنشر الصحف التي فيها مثاقيل الذر من الخير والشر، فصحف الأعمال تنشر، ويعطى كل واحد صحيفة عمله. كذلك الإيمان بحوض نبينا صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة، ويصب فيه ميزابان من نهر الكوثر، كل هذا لابد للمسلم أن يؤمن به، كل هذا داخل في الإيمان باليوم الآخر، وهو يشمل الإيمان بالبعث بعد الموت والإيمان ببعث الأجساد، وبالوقوف بين يدي الله، وتطاير الصحف، وبالميزان، وبالصراط، وبالحوض، وبالجنة، وبالنار. وكذلك ما قبل البعث حينما يموت الإنسان، فلابد من الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وفتنة السؤال، وضمة القبر، وكون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، والمؤمن يوسع له في قبره مد البصر، ويفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، والفاجر يفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه. والمؤمن يأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، يؤنسه وهو عمله، والفاجر يأتيه رجل قبيح الوجه، منتن الريح، قبيح الثياب، فلا يزال يوحشه وهو عمله السيئ، نسأل الله السلامة والعافية. كل هذا لابد من الإيمان به، وهو داخل في الإيمان باليوم الآخر. وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع السلامة والعافية، وثبت الله الجميع على الهدى.

شفاعة النبي

شفاعة النبي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويؤمن أهل الدين والسنة بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمذنبي أهل التوحيد، ومرتكبي الكبائر، كما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخبرنا أبو سعيد بن حمدون أنبأنا أبو حامد بن الشرقي حدثنا أحمد بن يوسف السلمي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)]. الشفاعة معناها في اللغة: ضم شيء إلى شيء، به يصير الشيء زوجاً بعد أن كان منفرداً، فالواحد يسمى فرداً، والاثنان شفعاً، وسمي الشفيع شفيعاً؛ لأنه يضم صوته إلى صوت طالب الشفاعة فيكونا اثنين. وفي الاصطلاح عند أهل الشرع هي: مساعدة صاحب الحاجة عند من يطلب الحاجة.

الشفاعة العظمى لأهل الموقف

الشفاعة العظمى لأهل الموقف والشفاعة في يوم القيامة أنواع متعددة: منها الشفاعة العظمى التي تكون في موقف القيامة، ويتأخر عنها أولو العزم من الرسل، وهي خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون، وهي مذكورة في قول الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]، فالمقام المحمود: هي الشفاعة العظمى، وهي عامة للمؤمنين والكفار، لأهل الموقف جميعاً حتى يستريحوا من موقف القيامة، وذلك أن الناس إذا بعثهم الله من قبورهم حفاة عراة غرلاً وقفوا بين يديه للحساب، وتدنو الشمس من الرءوس، ويزاد في حرارتها، ويقف الناس هذا الموقف العظيم {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] ويبلغ الناس من الشدة ما الله به عليم، ويلجمهم العرق على حسب الأعمال، منهم من يبلغه العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغه العرق إلى ركبتيه، وإلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً على حسب الأعمال، فيموج الناس بعضهم من بعض، فيسرع الناس إلى الأنبياء، فيأتون آدم ويطلبون منه الشفاعة فيمتنع، ويقول: لست أهلاً لها، إني أكلت من الشجرة التي نهيت عنها، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح؛ فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون إلى نوح فيسألوه أن يشفع لهم عند الله حتى يحاسبوا ويستريحوا من هذا الموقف، فيعتذر نوح عليه السلام، ويقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة أغرقتهم، اذهبوا إلى غيري، وفي بعض الروايات يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم؛ فإنه خليل الرحمن فيذهبون إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيطلبون منه الشفاعة، فيعتذر ويقول: إني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات، وهو يجادل بها عن دين الله: عندما كسر الأصنام، ووضع الفأس على الصنم، فلما سألوه من فعل ذلك؟ قال: هذا، وكذلك قال عن زوجته: إنها أختي، وتأول أنها أخته في الإسلام لما مر بملك مصر الظالم في ذلك الوقت، ولما نظر في النجوم وقال: إني سقيم يجادل به عن دين الله، ومع ذلك يعتذر فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فإنه كليم الرحمن، فيذهبون إلى موسى، فيقولون: يا موسى أنت كليم الرحمن، اصطفاك الله برسالته وبكلامه، اشفع لنا إلى ربك، فيعتذر موسى ويقول: لست أهلاً لها، إني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها -وكان هذا قبل النبوة حينما قتل القبطي- اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فإنه روح الله وكلمته فيذهبون إلى عيسى، فيعتذر عليه الصلاة والسلام ولا يذكر ذنباً، إلا أنه يقول: اتخذت أنا وأمي إلهين من دون الله، ولكن نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فإنه خاتم النبيين، فيذهبون إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيطلبون منه الشفاعة، فيقول: أنا لها، أنا لها عليه الصلاة والسلام، فيذهب فيسجد تحت العرش فيفتح الله عليه محامد لا يحسنها وهو في دار الدنيا، فيأتيه الإذن من الله عز وجل فيقول الله سبحانه وتعالى: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، هذا الإذن {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]، لا أحد يستطيع أن يشفع عند الله إلا بعد الإذن حتى ولو كان وجيهاً عند الله، فمحمد عليه الصلاة والسلام أعظم الناس وجاهة عند الله ومع ذلك لا يشفع حتى يأتيه الإذن، فإذا جاء الإذن رفع رأسه، وسأل ربه الشفاعة، فيقول الرب عز وجل: أنا آت لأقضي بينكم، فيقضي الله تعالى بين الخلائق، ويفرغ من محاسبتهم جميعاً في وقت واحد، لا شيء يشغله عن شيء. كما أنه يخلقهم في وقت واحد ويرزقهم ويعافيهم كذلك يحاسبهم في وقت واحد، بخلاف المخلوق الضعيف، فلو تكلم معك اثنان أو ثلاثة لما استطعت أن تكلمهم جميعاً في وقت واحد، لكن الرب سبحانه وتعالى يخاطبهم في وقت واحد، والخلائق كلهم يحاسبهم في وقت واحد، ويفرغ من حسابهم في مقدار منتصف النهار، ويقيل أهل الجنة في الجنة، فالقيلولة تدرك المؤمنين في الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24]. هذه هي الشفاعة العظمى التي يغبطه فيها الأولون والآخرون، فهذه ما أنكرها أحد، وهي شفاعة خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم، وهناك شفاعة أخرى خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم وهي الشفاعة لأهل الجنة بإذنه لهم في دخولها، وهناك شفاعة ثالثة خاصة بعمه أبي طالب في تخفيف العذاب عنه. هذه الشفاعات خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم. وكذلك هناك شفاعة رابعة في رفع درجات قوم من أهل الجنة، هذه الشفاعات الأربع ما أنكرها أحد، أقر بها أهل السنة وأهل البدعة، وهناك شفاعة أخرى أنكرها أهل البدع هي الشفاعة لمن استحق النار من العصاة ألا يدخلها، والشفاعة فيمن دخل النار من العصاة أن يخرج منها، والشفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم أن يدخلوا الجنة ولا يدخلوا النار. هذه الشفاعات أنكرها أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والخوارج وغيرهم، فأنكر عليهم أهل السنة وضللوهم وبدعوهم، والنصوص التي فيها الشفاعة بإخراج العصاة الموحدين من النار بلغت حد التواتر؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم يشفع أربع شفاعات في كل مرة يحد الله له حداً ويشفعه الله فيمن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وفي بعضها: (أدنى مثقال ذرة)، وفي بعضها: (أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من حبة من إيمان) وكذلك الأنبياء يشفعون، والملائكة يشفعون، والأفراد يشفعون، والصالحون يشفعون، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته. فهذه الشفاعة في إخراج العصاة من النار، أو من استحق دخول النار ألا يدخلها أنكرها أهل البدع، مع أنها متواترة، والأحاديث التي بلغت حد التواتر قليلة تقارب أربعة عشر حديثاً منها حديث الشفاعة، ومنها حديث الحوض، ومنها حديث: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، ومنها حديث: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة)، ومنها حديث الشفاعة، فأنكرها أهل البدع من الخوارج والمعتزلة، يقولون: العاصي إذا زنا كفر وخلد في النار، إذا سرق يكفر ويخلد في النار، ولا يخرج منها أبد الآباد مثل الكفرة. وهذا من أبطل الباطل، فإن النصوص في إخراج العصاة من الموحدين متواترة، والذي لا يخرج من النار هم الكفرة، أما المؤمن العاصي لو مات على التوحيد لكنه مات على كبائر من غير توبة فقد تواتر في الأخبار بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر، مؤمنون موحدون مصلون، ولا تأكل النار من وجوههم مواضع الصلاة، لكنهم دخلوا بكبائر من غير توبة، هذا مات على الزنا من غير توبة فدخل النار، وهذا مات على شرب الخمر بغير توبة فدخل النار، وهذا مات على التعامل بالربا، وهذا مات على عقوق الوالدين، وهذا مات على الغيبة والنميمة، وهذا مات على أكل حقوق وأموال الناس وهكذا. هؤلاء حكم عليهم أهل البدع بالكفر، بالخلود في النار، مع أن النصوص بلغت حد التواتر في دخولهم الجنة بعد خروجهم من النار. ومن ذلك هذا الحديث الذي ذكره المؤلف: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) وهو حديث صحيح. فأهل الكبائر الموحدون لهم شفاعة ولا يخلدون في النار، وهناك بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته ويقول: (شفعت الملائكة وشفع النبيون ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين فيخرج قوماً من النار لم يعملوا خيراً قط) يعني: زيادة على التوحيد والإيمان، أما من مات على الكفر الأكبر، أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر، فهذا لا شفاعة له، ولا يدفع عنه عذاب الله أحد ولو افتدى بملء الأرض ذهباً لم ينفعه كما قال سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:37]. وقال سبحانه: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167]. وقال سبحانه: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:97]. وقال سبحانه: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:23] والأحقاب هي المدد المتطاولة كلما انتهى حقب يعقبه حقب إلى ما لا نهاية. نسأل الله السلامة العافية. فالمعتزلة والخوارج جعلوا عصاة الموحدين مثل الكفار، يخلدون في النار، وهذا من أبطل الباطل والنصوص الواردة في الكفار حملوها على العصاة كقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48] فإنها في الكفار {يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ} [البقرة:254]. {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18] وهذه في الكفار أيضاً، أما العصاة فلهم شفاعة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن المسيب الأرغياني قال: حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن زياد بن خيثمة عن نعمان بن قراد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى أترونها للمؤمنين المتقين لا، ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين)]. وهذا الحديث فيه إثبات الشفاعة للعصاة الموحدين، وفيه رد على الخوارج والمعتزلة الذين أنكروا الشفاعة للموحدين العصاة، والحديث لا بأس به، وهو حديث صحيح مروي في كتب السنة، فقد رواه الإمام أحمد والطبراني وابن أبي عاصم في السنة دون قوله: (لأنها أعم وأكفى). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد المخلدي قال: أخبرنا أبو العباس السراج قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا

الأسئلة

الأسئلة

موضع قبر حمزة بن عبد المطلب

موضع قبر حمزة بن عبد المطلب Q ذكر أحد الدعاة في أحد الأشرطة قال: عندما غرقت مقابر البقيع بالسيل على المدينة النبوية قبل عشرات السنين وجدوا قبر حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ووجدوا أنه قد بقر بطنه، وذلك حين اجتماع العلماء لإعادة دفن مقابر البقيع، فما صحة ذلك؟ A قبر حمزة بن عبد المطلب ليس بالبقيع، إنما هو في أحد، وهذه مسألة لا يترتب عليها شيء، سواء حصل هذا أو لم يحصل، وهو بقر بطنه في زمانه من قبل هند قبل إسلامها. وهذا ما يضره.

رؤية النبي لربه

رؤية النبي لربه Q كيف الجمع بين أثر ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله جل وعلا: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:13]، وقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:23] قال: رآه بفؤاده. وبين حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية)، وأنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله جل وعلا: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:23]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:13] فقال: (إنما هو جبريل عليه الصلاة والسلام)، فما صحة ذلك؟ A مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في ليلة المعراج فيها خلاف بين أهل العلم على قولين: من العلماء من أثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه، وأنه رآه بعيني رأسه في المعراج، وهذا روي عن ابن خزيمة والنووي والقاضي عياض وجماعة. والقول الثاني الذي عليه جماهير الصحابة والتابعين والأئمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعين رأسه، وإنما رآه بفؤاده، وروي هذا أيضاً عن الإمام أحمد أنه قال: رآه، وروي عن ابن عباس أنه قال: رآه. والقول الثاني هو الصواب الذي تدل عليه النصوص، وأن النبي لم ير ربه بعين رأسه، ولا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا. قال الله تعالى لموسى لما قال: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143]، فلما تجلى الله للجبل تدكدك وخر موسى صعقاً: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143]، أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات، فلا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا، ويدل على هذا قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، فالله تعالى كلم نبينا من وراء حجاب ولم يره النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كلمه بدون واسطة، ويدل هذا على ما في صحيح مسلم الذي عن أبي ذر لما قيل له: هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه) يعني: الحجاب نور يمنعني من رؤيته، وفي حديث أبي موسى: (حجابه النور -وفي لفظ آخر- النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه). فلا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره؛ ولأن الرؤية نعيم خاصة بأهل الجنة وليست لأهل الدنيا، هذا هو الصواب. والجمع بينما وروي عن بعض الصحابة أنه قال: رآه، وبين من قال: ما رآه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره رحمه الله: أن من أثبت الرؤية من الصحابة ومن العلماء فهي محمولة على رؤية الفؤاد، ومن نفى الرؤية فهي محمولة على رؤية العين. فما روي عن الصحابة أو عن التابعين أو عن الأئمة بأن النبي رأى ربه فهو محمول على أنه رآه بفؤاده، وما جاء عن الصحابة وعن التابعين أن النبي لم ير ربه يعني: لم ير ربه بعين رأسه، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تختلف. فالصواب أن النبي لم ير ربه بعين رأسه وإنما رآه بفؤاده، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فلا، وأجمعت الأمة على أن النبي ما رأى ربه في الأرض، وإنما الخلاف في رؤيته ليلة المعراج، أما ما يزعمه بعض الصوفية وبعض الملاحدة من أنهم يرون ربهم في الأرض، أو أنه كلما رأوا خضرة قالوا: هذا الله، هذا كفر وضلال نسأل الله السلامة والعافية.

حكم استعمال وسائل منع الحمل

حكم استعمال وسائل منع الحمل Q ما حكم استعمال حبوب منع الحمل وهل فيها محظور، وكذلك ما يسمى باللولب لمنع الحمل؟ A نحن لا ننصح باستعمال الحبوب؛ لأنه ثبت أن حبوب الحمل ضارة بالصحة، وعلى هذا فلا ينبغي للمرأة أن تستعمل حبوب الحمل لضررها، لكن لو اضطرت إلى استعمالها وصار إما أن تستعملها وإما أن يحصل لها ضرر أكبر فإنه يجوز لها في هذه الحالة بشرط ألا تضر بصحتها ضرراً أكثر من الضرر الذي تريد أن تستعملها لأجله، وبشرط ألا تؤدي إلى قطع النسل، فإذا اضطرت إلى هذا وقرر الطبيب أو الطبيبة أنها ليست ضارة، وأنها لا تؤدي إلى قطع النسل فلا بأس. أما إذا كانت تؤدي إلى قطع النسل أو تضر بصحتها فلا يجوز لها استعمالها. كذلك اللولب لا ينبغي استعماله إلا للضرورة.

حكم استخدام الكريمات المحسنة للبشرة

حكم استخدام الكريمات المحسنة للبشرة Q ما حكم استخدام المرأة للكريمات بغرض إزالة النمش، وكذلك من أجل تبييض البشرة؟ A ينظر في الكريمات التي تستعملها، إن كانت ضارة بصحتها، فلا ينبغي لها أن تستعملها، أما إذا كانت تستعملها وهي ليست مخطوبة تريد أن تدلس، أو إذا كانت مخطوبة وتريد أن تستعمل الكريمات حتى تبيض وجهها فلا يجوز، لكن لو كانت عند زوجها خاصة ولا تضر بصحتها، فلا أعلم في هذا حرجاً.

ضابط البدعة المكفرة وغير المكفرة

ضابط البدعة المكفرة وغير المكفرة Q ما الضابط بين البدعة المكفرة وغير المكفرة مع التمثيل؟ A البدعة المكفرة هي التي تخرج صاحبها عن ملة الإسلام، مثالها: بدعة القدرية الغلاة، ومراتب القدر أربعة: المرتبة الأولى: العلم، إثبات علم الله الشامل، المرتبة الثانية: إثبات الكتابة، وأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، المرتبة الثالثة: الإرادة، وأن الله أراد كل شيء في هذا الوجود، المرتبة الرابعة: الخلق. فالقدرية الأولى أنكروا المرتبتين الأوليين قالوا: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع، ولا كتبها في اللوح المحفوظ، وهذه بدعة مكفرة؛ لأنهم نسبوا الله للجهل، قال العلماء: إنهم خرجوا من الثنتين والسبعين فرقة الذي قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) فهم خرجوا لكفرهم وضلالهم، أما الثنتان وسبعون فرقة فهم مبتدعة، هذه القدرية الأولى. أما القدرية الثانية المتأخرون فقد أثبتوا علم الله، وأثبتوا الكتابة في اللوح المحفوظ، لكن أنكروا عموم الإرادة وعموم الخلق، فقالوا: إن الله ما أراد كل شيء حتى يشمل أفعال العباد، ولا خلق كل شيء، بل هناك شيء ما أراده الله ولا خلقه وهي أفعال العباد؛ لشبهة حصلت لهم، وهؤلاء مبتدعة. إذاً: الطائفة الأولى بدعتهم مكفرة، والطائفة الثانية بدعتهم غير مكفرة. وكذلك من البدع المكفرة: بدعة الجهمية الذين أنكروا أسماء الله وصفاته، فهذه تخرج من الملة، وكذلك بدعة الرافضة الذين يكفرون الصحابة ويعبدون آل البيت، مع أن الله تعالى زكى الصحابة وعدلهم ووعدهم بالجنة وهؤلاء يكفرونهم ويفسقونهم، وهذا تكذيب لله، ومن كذب الله كفر. وكذلك يعبدون آل البيت ويتوسلون بهم، وكذبوا الله في أن القرآن محفوظ، وقالوا: إن القرآن ما بقي منه إلا الثلث، هذا كفر وغلاء، وهذه بدعة مكفرة.

حكم قراءة خطبة الجمعة بالأعجمية

حكم قراءة خطبة الجمعة بالأعجمية Q هل يجوز قراءة خطبة الجمعة بلغة غير العربية في بلاد العجم؟ A إذا لم يكن في المسجد إلا عجم فلا بأس أن تكون الخطبة بلغتهم، والمقصود منها الموعظة، أما إذا كان المسجد فيه عرب وعجم تكون الخطبة باللغة العربية، وتترجم لهم بعد الصلاة.

حكم قراءة الكتب بالترتيل

حكم قراءة الكتب بالترتيل Q ما رأيكم فيمن يقول: إن القراءة بالترتيل لكتب العلم بدعة محدثة في الدين؟ A لا نعلم هذا، لكن يمنع قراءة الكتب مثل قراءة القرآن. فالقرآن له قراءة خاصة به، أما إذا قرأ بالترتيل فلا حرج، لكن لا تكون قراءته مثل قراءة القرآن.

حكم مقولة: (وجه الله عليك)

حكم مقولة: (وجه الله عليك) Q ما حكم عبارة: وجه الله عليك أن تفعل كذا وكذا؟ A لا يجوز. هذا من مناداة الصفة، وجه الله يعني: يا وجه الله، حتى قال شيخ الإسلام: إن مناداة الصفة كفر وضلال مثل: يا قدرة الله أنقذيني. يا رحمة الله ارحميني. يا وجه الله، فمناداة الصفة لا تجوز. لكن أعوذ بعزة الله وقدرته لا بأس بها، وكذلك التوسل إلى الله بالأسماء والصفات، أما أن تنادي الصفة فهذا لا يجوز؛ لأنك بهذا تجعل الصفة منفصلة عن الله.

حكم كشف الوجه للمرأة

حكم كشف الوجه للمرأة Q أشكل علي وصفكم بأن من استدل بحديث ابن عباس على كشف الوجه بأنه من أهل الزيغ، مع أن الأئمة الثلاثة وبعض العلماء المعاصرين يستدلون بهذا الحديث على جواز كشف الوجه؟ A ليس صحيحاً أن الأئمة الثلاثة يستدلون به، والأئمة الثلاثة كلهم يرون ستر الوجه، وهذا قاله بعض المتأخرين من أتباعهم من الفقهاء وليس هو قول الأئمة الثلاثة، والأئمة كلهم والتابعون على ستر الوجه، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن ابن عباس يفسر قوله: (إلا ما ظهر منها) أي: الوجه والكفان. وابن مسعود يفسر ذلك بأنه الملاءة والثياب التي تخرجها الريح أو تضرب بها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجمع بينهما: يقصد ابن عباس روى أول الأمر، وابن مسعود روى آخر الأمر، فـ ابن عباس روى أول الأمرين قبل الحجاب، وابن مسعود روى بعد الحجاب وقال: (إلا ما ظهر منها) يعني: الثياب من الوجه والكفان، فهذه دعوى من السائل أن الأئمة يقولون بكشف الوجه، وهم لا يقولون بهذا، إنما يقول هذا بعض الأتباع المتأخرين، وهو غلط منهم.

القول الصواب في مسألة خلو العرش

القول الصواب في مسألة خلو العرش Q ألا يقال: إن اختلاف العلماء في مسألة خلو العرش عند النزول إلى السماء الدنيا أنه تدخل في الكيفية؟ A الصواب مثلما قال شيخ الإسلام: أن نقول: الله تعالى فوق العرش، وينزل كيف يشاء سبحانه وتعالى.

حكم قتل حيات المنازل

حكم قتل حيات المنازل Q ماذا يفعل الإنسان عندما يرى حية في المنزل وهو يصلي؟ A الحية في المنزل لا تقتل حتى تعوذ كما جاء في الحديث؛ لأنها قد تكون من الجن، فهو يعوذها ثلاثاً فيقول: اخرجي ليس لك أن تبقي، إن بقيتي سوف أقتلك، وهكذا يحرج عليها ثلاثاً، فإذا وجدت بعد ذلك فإنه يقتلها، كما جاء في الحديث في قصة الرجل الأنصاري الذي قتل حية ثم بعد ذلك قتله الجن. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذه البيوت لها جنان) فإذا كان في البيت حية فلابد أن تعوذ وتنذر ثلاث مرات، ثم بعد ذلك إذا رئيت تقتل.

فرقة الإباضية

فرقة الإباضية Q يقول: هل الإباضية كفار؟ A الإباضية من الخوارج، والخوارج فيهم خلاف، جمهور الصحابة على أنهم مبتدعة؛ لأنهم متأولون، ولهذا سئل علي رضي الله عنه: هل هم كفار؟ قال: من الكفر فروا، فالجمهور والصحابة عاملوهم معاملة أهل البدع، وبعض العلماء كفرهم، واستدل بالأحاديث التي فيها: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد). شبههم بعاد وهم قوم كفار، وهي رواية عن الإمام أحمد، لكن الجمهور على أنهم مبتدعة والصحابة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عاملوهم معاملة المبتدعة؛ لأنهم متأولون.

الأثر المترتب على القول بخلق القرآن

الأثر المترتب على القول بخلق القرآن Q ما الذي يترتب على القول بخلق القرآن؟ A القول بخلق القرآن معناه أن القائل جعله صفة من صفات الله المخلوقة، وهذا كفر وضلال، القرآن كلام الله وصفة من صفاته، والله تعالى بذاته وأسمائه وصفاته هو الخالق، وما سواه مخلوق، فمن قال: إن صفة من صفات الله مخلوقة فقد كفر.

تفسير قوله تعالى (إلى ربها ناظرة)

تفسير قوله تعالى (إلى ربها ناظرة) Q ما الرد على من قال: إن معنى قوله جل وعلا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] أي: منتظرة تنتظر الحساب وليست تنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى؟ A هذا تأويل، وهو قول المعتزلة وغيرهم، بعضهم يقول: ناظرة إلى ثواب ربها، قال العلماء: إذا ذكر الوجه وعدي بحرف الجر فهذا صريح في أن المراد النظر بالعين التي في الرأس إلى الرب جل جلاله، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23].

معنى قوله: (وكلتا يديه يمين)

معنى قوله: (وكلتا يديه يمين) Q كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وكلتا يديه يمين)، وقوله: (إن الله يطوي السموات بيمينه والأرض بشماله)؟ A هذه مسألة فيها اختلاف بين أهل العلم، بعض أهل العلم أثبت الشمال؛ لأنه جاء في رواية في صحيح مسلم: (بشماله) وقالوا أيضاً: هو معنى قول الحديث الآخر: (يأخذ بيده اليمنى وبيده الأخرى) ولأن اليمين يقابلها الشمال، وأما قوله: (وكلتا يدين يمين) يعني: يمين في الشرف والفضل والكرم وعدم النقص، بخلاف المخلوق فإن إحدى يديه ضعيفة، وهي اليد الشمال، أما الخالق فلا يلحقه نقص، فكلتا يديه يمين في الشرف والفضل والكرم وعدم النقص وإلا فله يمين وشمال. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس لله شمال، وطعنوا في الرواية وإن كانت في صحيح مسلم قالوا: تفرد بها بعض الرواة، فقالوا: إنها شاذة فطعنوا فيها. والأقرب: ثبوت اليمين والشمال لله عز جل، وهو ما يقتضيه قوله: (يأخذ بيده اليمنى، وبيده الأخرى القبض والخير) وقوله: (وكلتا يديه يمين) يعني: كلتا يديه في الشرف والفضل والكرم وعدم النقص، وإن كان له يمين وشمال.

حكم أبوال مأكولة اللحم

حكم أبوال مأكولة اللحم Q ما حكم بول الأرنب من حيث الطهارة؟ A مأكول اللحم طاهر، وكل مأكول اللحم فبوله وروثه طاهر على الصحيح، كالإبل والبقر والغنم، هذه طاهرة أبوالها وأرواثها ومنيها، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها. فالأرنب يؤكل، وإذا كان يؤكل فبوله طاهر، وكل ما يؤكل لحمه فهو طاهر، بوله وروثه ومنيه، وما لا يؤكل لحمه فهو نجس.

تخلق طلبة العلم بالآداب الإسلامية

تخلق طلبة العلم بالآداب الإسلامية Q ما تعليقكم على ما يحصل بين طلاب العلم من الجفاء وعدم التبسم والتقصير في السلام؟ A لا شك أن طلاب العلم ينبغي أن يتخلقوا بالأخلاق الكريمة، ويتأدبوا بالآداب الإسلامية، ويكونوا أسبق الناس إلى العمل بالسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم). فإفشاء السلام ينبغي أن يكون بين المسلمين ولاسيما طلبة العلم، وطالب العلم ينبغي أن يتخلق بالأخلاق الإسلامية، يسلم على أخيه، ويصافحه، ويبش في وجهه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، وجاء في الأثر (تبسمك في وجه أخيك صدقة). ينبغي لطلبة العلم أن يكونوا أسبق الناس للعمل بالسنن والآداب، ويعملوا بما يكون سبباً في الألفة والمحبة ونشر الوئام بين الإخوان، والزملاء، والإسلام أراد من المسلمين أن يكونوا كلهم إخوة متحابين متآلفين، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، فكيف بطلبة العلم؟ طالب العلم يكون أسبق الناس إلى العمل بالسنن، ويعمل بما علمهم الله. وفق الله الجميع لطاعته ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح.

[9]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [9] أهل السنة والجماعة يؤمنون بالحوض والكوثر، كما يؤمنون بدخول الموحدين الجنة ولو كانوا من أصحاب الكبائر وذلك بعد أن يعذبهم الله أو يعفو عنهم. وأهل الجنة متفاوتون في المنازل. كما أن المؤمنين متفاوتون في الإيمان؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.

الإيمان بالحوض

الإيمان بالحوض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويؤمنون بالحوض، والكوثر، وإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبة فريق منهم حساباً يسيراً، وإدخالهم الجنة بغير سوء يمسهم، وعذاب يلحقهم، وإدخال فريق من مذنبيهم النار، ثم إعتاقهم وإخراجهم منها، وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إلى الجنة ولا يخلدون في النار، فأما الكفار فإنهم يخلدون فيها ولا يخرجون منها أبداً، ولا يترك الله فيها من عصاة أهل الإيمان أحداً]. أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالحوض والكوثر.

تعريف الحوض ووصفه

تعريف الحوض ووصفه والحوض في اللغة معناه: مجمع الماء، والمراد به شرعاً: حوض لنبينا صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة ترد عليه أمته عليه الصلاة والسلام. وهذا الحوض جاءت الأحاديث بوصفه بأنه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأن طوله مسافة شهر، وأن عرضه مسافة شهر، وأوانيه التي يشرب به عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين عليه. ويصب فيه ميزابان من نهر الكوثر من الجنة، والأحاديث في إثبات الحوض بلغت حد التواتر، والأحاديث التي بلغت حد التواتر ليست كثيرة، فأكثر الأحاديث أخبار آحاد لكن خبر الآحاد إذا صح، وكان الرواة عدول ضابطون، ولم يكن خبراً شاذاً ولا معللاً؛ فهو مقبول صحيح يعمل به في العقائد، وفي الأعمال، وفي كل شيء، ولكن أحاديث الحوض بلغت حد التواتر وكذلك وأحاديث المسح على الخفين وأحاديث الشفاعة، وحديث: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة). وحديث: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) فهذه بلغت حد التواتر، وقد وردت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أنه يرد على حوض النبي صلى الله عليه وسلم أمته وأن النبي يتقدمه قال: (أنا فرطكم على الحوض). والفرط: هو السابق الذي يسبق ويتقدم القوم، وأنه يرد على النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض أناس قد غيروا وبدلوا فيطردون ويذادون كما تذاد الإبل العطاش فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي أصحابي) ولهذا جاء في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليردن علي أناس من أمتي أعرفهم ويعرفوني فإذا جاءوا اختلجوا دوني). وفي لفظ: (فيذادون كما تذاد الإبل العطاش فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: أصحابي أصحابي). وفي رواية: (أصيحابي أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فيقول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدي) سحقاً أي: بعداً. قال العلماء: مثل الأعراب الذين لم يتمكن الإيمان في قلوبهم آمنوا وارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم أعمال أمته، ولهذا قال: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) وفيه الرد على من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، أو أن أعمال أمته تعرض عليه فكل هذا ليس بصحيح. فيجب على المؤمن أن يؤمن بالحوض، والحوض على الصحيح قبل الميزان وقبل الصراط، وقوله رحمه الله تعالى: ويؤمنون بالحوض والكوثر، الحوض في موقف القيامة، والكوثر: نهر في الجنة يصب منه ميزابان في الحوض. وقوله: وإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب ولا عذاب)، ووصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم -وفي لفظ- أنت منهم فقام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبقك بها عكاشة). وجاء في الحديث الآخر: أن النبي قال: (أعطاني مع كل ألف سبعين ألفاً بغير حساب). وجاء في حديث آخر: (مع كل واحد سبعون ألفاً) لكنه حديث ضعيف. وقوله: وكذلك فأهل السنة يؤمنون بإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبة فريق منهم حساباً يسيراً، معناه: أن هناك قسم من الأمة يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. وهناك قسم آخر: يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة بغير سوء يمسهم وعذاب يلحقهم، والمراد بالحساب اليسير: هو العرض، وقد استشكلت عائشة رضي الله عنها لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقالت: عائشة قلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:7 - 8]؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك العرض وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب). فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر الحساب في الآية بأنه العرض: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:7 - 8] المراد بالحساب: العرض تعرض عليه أعماله ولا يناقش، أما من نوقش الحساب فإنه يعذب، وأما الذي تعرض عليه الأعمال عرضاً فإنه لا يعذب، فيكون الجمع بين الآية والحديث هو هذا، فالحديث: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك). والآية: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:7 - 8]، المراد بالحساب في الآية: العرض، والمراد بالحساب في الحديث: المناقشة، فمن نوقش الحساب عذب، وأما في الآية فإنه ليس فيه مناقشة وإنما فيه عرض.

تفاوت أهل الجنة في المنازل

تفاوت أهل الجنة في المنازل وقوله: وإدخال فريق من مذنبيهم النار ثم إعتاقهم وإخراجهم منها، وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إليها. معناه: أن أهل الجنة طبقات: الطبقة الأولى: يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ولا عرض نسأل الله الكريم من فضله. الطبقة الثانية: من يحاسب حساباً يسيراً فيدخل الجنة بغير سوء ولا عذاب أيضاً، بمعنى أنها تعرض عليه أعماله. الطبقة الثالثة: من يناقش الحساب ثم يعذب وهم موحدون، ولا بد أن يخرجوا من النار، ولهذا قال المؤلف: وإدخال فريق من مذنبيهم النار، ثم إعتاقهم وإخراجهم منها وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إليها، ويعلمون حقاً يقيناً أن مذنبي الموحدين لا يخلدون في النار ولا يتركون فيها أبداً. يعني: هؤلاء الذين يناقشون ويعذبون في النار لا يخلدون إذا ماتوا على التوحيد، فمن مات على التوحيد فهو من أهل الجنة، لكن من مات على توحيد خالص سالم من الكبائر فإنه يدخل الجنة من أول يوم فضلاً من الله تعالى وومنة منه سبحانه. ومن مات على توحيد ملطخ بالكبائر فهو على خطر فقد يعفو الله عنه بتوحيده وإيمانه وإسلامه فيدخل الجنة من أول وهلة كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] وقد يعذب، ولكن إذا عذب فلن يخلد في النار، وإنما يعذب على قدر جرائمه، ومن كثرت جرائمه واشتد فحشه فإنه يطول مكثه في النار مثل القاتل، فقد أخبر الله أنه يخلد في النار والخلود هو المكث الطويل.

أقسام الخلود في النار

أقسام الخلود في النار الخلود في النار خلودان: خلود مؤمد له أمد ونهاية، وهو خلود العصاة. وخلود مؤبد لا نهاية له، وهو خلود الكفار. نسأل الله السلامة والعافية. ولهذا قال المؤلف: ويعلمون حقاً يقيناً أن مذنبي الموحدين لا يخلدون في النار ولا يتركون فيها أبداً، فأما الكفار فإنهم يخلدون فيها ولا يخرجون منها أبداً، والدليل: قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:37]. وقوله سبحانه: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] هؤلاء هم الكفار نعوذ بالله، {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:23] ثم قال المؤلف: ولا يترك الله فيها من عصاة أهل الإيمان أحداً. فعصاة أهل الإيمان لا بد أن يخرجوا من النار ولو طال مكثهم خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يقولون بخلود العصاة في النار، وهذا من أبطل الباطل وهو من اعتقاد أهل البدع، فهم يقولون: إن العصاة يخلدون في النار مثل الكفرة، وهذا من أبطل الباطل.

رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة

رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، والأخبار الواردة في الرؤية مخرجة في كتاب الانتصار بطرقها]. فمن معتقد أهل السنة والجماعة أنهم يشهدون أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة وينظرون إليه، ورؤية المؤمنين لربهم ثابتة في القرآن العزيز وفي السنة المطهرة، أما في القرآن العزيز فقد قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] وإذا ذكر الوجه مع حرف الجر دل على أن المراد النظر بالعين التي في الرأس إلى الرب جل جلاله، وقال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] فقد استدل الشافعي بهذه الآية على إثبات الرؤية للمؤمنين؛ لأن الله حجب الكفار فلما حجب الكفار عن الرؤية دل على أن المؤمنين يرونه، وإلا لو كان المؤمنون محجوبون لكانوا مثل الكفار، ولتساووهم، فلما حجب الله الكفار عن الرؤية دل على أن المؤمنين يرون ربهم، قال سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] جاء في صحيح مسلم في تفسير الزيادة: بأنه النظر إلى وجه الله الكريم، وكذلك قوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] والزيادة هي النظر إلى وجه الله. وأما السنة فإن الأخبار متواترة رواها من الصحابة نحو ثلاثين صحابياً في الصحاح والسنن والمسانيد، وقد ساقها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وعقب عليها وقال: فكأنك تشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول هذه الأحاديث وأهل السنة لا شيء أقر لأعينهم من ذلك، وشهدت الفرعونية والجهمية والفلاسفة وأفراخ اليونان بكفر من اعتقد ذلك. فالجهمية والمعتزلة كفروا من أثبت رؤية الله وقالوا: من أثبت رؤية الله فهو كافر، لأنه تنقص الله، وقالوا الذي يرى هو الجسم المحسوس، والله ليس بجسم وليس بمحسوس فلا يرى، مع أن الأخبار بلغت حد التواتر. ولهذا قال العلماء والأئمة: من أنكر رؤية الله فهو كافر، فكفر بعض الأئمة من أنكر رؤية الله في الآخرة. وأما أهل البدع من المعتزلة والجهمية والخوارج فإنهم أنكروا الرؤية وكفروا من أثبت الرؤية لأنهم يزعمون أن من أثبت الرؤية فقد تنقص الله وقالوا: الشيء الذي يرى لا بد أن يكون جسم، ومن أثبت الرؤية لله فقد جعل الله جسماً وإذا كان جسماً صار مشابهاً للمخلوقات وكذلك يكون محدوداً، ومتحيزاً. فنقول: إن الله سبحانه وتعالى أثبت رؤية المؤمنين لربهم فكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم أثبت ذلك، وكل موجود يمكن رؤيته، والله تعالى أظهر من كل موجود وأحق بأن يرى، لكن رؤية الله في الدنيا ممتنعة شرعاً فلا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا ولا يستطيع بصره أن ينظر إلى الله في الدنيا لضعفه، لكن في يوم القيامة ينشئ الله الناس تنشئة قوية يستطيعون من خلالها رؤية الله، ولهذا لما سأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه الرؤيا قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] أخبر الله أنه لن يستطيع قال الله: {قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] أي: لن تستطيع {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143] فالجبل الصلب ما استطاع أن يثبت لرؤية الله له بل اندك {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:143]. والرؤية أيضاً نعيم خاص بأهل الجنة، يقول المؤلف رحمه الله: هذا الخبر: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، في لفظ: (لا تضامون في رؤيته)، في لفظ: (لا تضارون في رؤيته)، وفي لفظ: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة أربع عشرة)، وفي لفظ: (إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب)، وفي لفظ: (إنهم قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا؟ قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في رؤية الشمس صحواً ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك). يقول المؤلف رحمه الله: والتشبيه في هذا الخبر وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي. والمعنى: أن رسول الله شبه رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة برؤية الناس للقمر في الدنيا، هل هذا فيه تشبيه لله بالقمر؟ لا، بل التشبيه للرؤية بالرؤية. يعني: كما أننا في الدنيا نرى القمر واضحاً لا لبس فيه، فكذلك نرى الله يوم القيامة رؤية واضحة لا إشكال فيها، وليس المراد تشبيه الله بالقمر تعالى الله، فالله تعالى لا يشابه أحداً من خلقه، وهذا هو معنى قول المؤلف: التشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، فالله تعالى لا يماثل أحداً من خلقه قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] يقول المؤلف: والأخبار الواردة في الرؤية مخرجة في كتاب الانتصار بطرقها، وكتاب الانتصار هو للمؤلف وقد ساق فيه الأدلة والأحاديث التي فيها الرؤية، فإذا أردت أن تتوسع ارجع إلى كتاب المؤلف كتاب الانتصار حتى ترى هذه النصوص.

الإيمان بالجنة والنار وأنهما مخلوقتان

الإيمان بالجنة والنار وأنهما مخلوقتان يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهد أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا تفنيان أبداً، وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبداً، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها، لا يخرجون منها أبداً، ويؤمر بالموت فيذبح على سور بين الجنة والنار، وأن المنادي ينادي يومئذ: (يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت) على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم]. فقوله: ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا تفنيان أبداً معناه: أن عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، دائمتان لا تفنيان، خلافاً للمعتزلة، فالمعتزلة قالوا: الجنة والنار ليستا مخلوقتان الآن، ولن تخلقان إلا يوم القيامة: وهذا باطل فقد قال الله تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وقال عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] وشبهة المعتزلة أننا لو قلنا: إن الجنة والنار مخلوقتان الآن وليس فيهما أحد، لصار هذا عبث، والعبث محال على الله، ففراراً من ذلك قالوا: لم تخلق جنة ولا نار الآن، وإنما تخلقان يوم القيامة وهو قول باطل، والذي عليه أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان الآن. أولاً: هناك نصوص تدل على أن الجنة والنار مخلوقتان: قال تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وقال عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] أعدت شيء مضى. وثانياً: قول المعتزلة وجودهما الآن وليس فيهما أحد عبث والعبث محال عن الله قول باطل أيضاً، فمن قال إنه لا توجد الآن حاجة للجنة والنار؟ ومن قال إن وجودهما عبث؟ فالجنة فيها الحور العين، وفيها أرواح المؤمنين تتنعم فيها، وأرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسبح في الجنة وترد أنهارها، والكافر إذا مات نقلت روحه إلى النار تعذب في النار نعوذ بالله، وجاء في الحديث: (أن المؤمن إذا مات فتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، والكافر يفتح له باب من النار فيأتيه من حرها وسمومها) وهذا دليل على أن النار موجودة الآن، والجنة موجودة الآن، والله تعالى قال في كتابه العظيم عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، والعرض غدواً وعشياً في الدنيا، إذاً النار موجودة الآن وقول المعتزلة من أبطل الباطل، ثم أيضاً ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء قال: (وأدخلت الجنة). وفي حديث الكسوف: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كشف له عن الجنة وتقدم وتقدمت الصفوف قال: حتى كأني رأيت دلي عنقود كأني آخذ منها). (وكشف له عن النار، وتأخر وتأخرت الصفوف حتى خاف عليه الصلاة والسلام)، فقول المعتزلة: إن الجنة والنار غير مخلوقتان الآن من أبطل الباطل، والصواب أنهما موجدتان الآن مخلوقتان دائمتان لا تفنيان أبد الآباد خلافاً للجهمية الذين يقولون: إن الجنة والنار تفنيان، وهذا من أبطل الباطل، ولهذا كفرهم أهل السنة والجماعة. وقول المؤلف رحمه الله: وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبداً. معناه: أن الجنة لا تفنى، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها لا يخرجون منها أبداً، أما العصاة فيخرجون؛ لأن العصاة ليسوا من أهل النار؛ ولأن المعصية شيء عارض، فهم موحدون مؤمنون، والمعصية تحتاج إلى تطهير، مثل الثوب إذا أصابته نجاسة فإنه يغسل بالماء، فالعصاة إن عفا الله عنهم طهروا، وإن لم يعف الله عنهم فلا بد أن يطهروا بالنار حتى تنتهي المعصية، فإذا طهروا من المعاصي أخرجهم الله إلى الجنة فليسوا من أهل النار وإنما أهل النار هم الكفرة الذين يبقون فيها أبد الآباد، نسأل السلامة والعافية: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء:57] كما قال سبحانه. قال المؤلف: ويؤمر بالموت فيذبح على سور بين الجنة والنار، وأن المنادي ينادي يومئذ: ٍ (يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت) كما جاء في الحديث. والحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة بالموت على صورة كبش أملح) وهذا بعد خروج العصاة الموحدين من النار ودخولهم الجنة، (فيجعل بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة، أتعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت، ويقال يا أهل النار، أتعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت فيذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، فيزداد أهل الجنة نعيماً إلى نعيمهم، ويزداد أهل النار حسرة إلى حسرتهم). نسأل الله السلامة العافية.

الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

الإيمان قول وعمل يزيد وينقص قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن مذهب أهل الحديث: أن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان؟ فقال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا أبو جعفر القطني عن أبيه عن جده عن عمير بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص فقيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحناه فتلك زيادته وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا فذلك نقصانه]. فمن مذهب أهل الحديث وأهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء: أن الإيمان قول باللسان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ويذكر الله، ويقرأ القرآن، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله، كل هذا من الإيمان. وتصديق بالقلب أي: فأعمال القلوب داخلة في مسمى الإيمان مثل النية، والإخلاص، والرغبة، والرهبة، والمحبة، والخشية، وأعمال الجوارح: مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج. كل هذه داخلة في مسمى الإيمان، فالإيمان مكون من أربعة أشياء: الأمر الأول: قول اللسان وهو الإقرار والنطق. والثاني: قول القلب وهو التصديق والإقرار. والثالث: عمل القلب وهو النية والإخلاص. والرابع: عمل الجوارح، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة، قول: قول اللسان وقول القلب، عمل القلب وعمل اللسان، والمعرفة هي تصديق القلب. وقوله: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. إذا فعل الإنسان الطاعات زاد الإيمان، وإذا فعل المعاصي نقص، ولهذا قال بعضهم: الإيمان قول وعمل، وبعضهم يقول: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، أي: بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومن العلماء من قال: قول وعمل ونية، فالإيمان قول وعمل، والقول شيئان: قول القلب وقول اللسان، والعمل شيئان: عمل القلب، وعمل الجوارح، وهذا هو قول أهل السنة قاطبة خلافاً للمرجئة، الذين يقولون: الإيمان تصديق القلب فقط، وهم أربع طوائف: الطائفة الأولى: المرجئة الجهمية، وهم المرجئة المحضة ويقولون: الإيمان مجرد معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ومن جهل ربه بقلبه فهو كافر، وهذا قول الجهم بن صفوان، وأفسد ما قيل في تعريف الإيمان هو تعريف الجهم، وعلى قول الجهم يكون إبليس مؤمناً؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، يكون اليهود مؤمنين لأنهم يعرفون ربهم بقلوبهم، ويكون أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي مات على الشرك مؤمناً؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، قال: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً الطائفة الثانية: الكرامية الذين يقولون: الإيمان الإقرار باللسان فقط، فعند الكرامية من نطق بالشهادتين بلسانه فهو مؤمن، وإن كان مكذباً بقلبه يكون مخلداً في النار، فيلزم على قولهم: أن المؤمن كامل الإيمان يخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل. الطائفة الثالثة من المرجئة: الماتريدية والأشاعرة يقولون: الإيمان تصديق القلب فقط، وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة. الطائفة الرابعة: مرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه الذين يقولون: الإيمان شيئان: إقرار اللسان، وتصديق القلب، أما الأعمال فليست داخلة في مسمى الإيمان وإن كانت واجبة لكن ليست من الإيمان، فالصلاة، والصوم والزكاة، والحج، بر وتقوى وهي مطلوبة، والفرق بينهم وبين الجهمية، أن الجهمية يقولون: ليست مطلوبة، وهؤلاء يقولون: مطلوبة، وأما أهل السنة والجماعة وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد وهو الذي عليه الصحابة والتابعون والأئمة: أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ومرجئة الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه يقولون: من ارتكب الكبيرة عليه الوعيد ويقام عليه الحد، ومن فعل الطاعات يمدح وله الثواب لكن لا يسميها إيمان، أما الجهمية الأولى: فيقولون: الأعمال ليست مطلوبة، فلو فعل الإنسان جميع الكبائر والمنكرات لا يكفر إلا إذا جهل ربه بقلبه، وهذا من أبطل الباطل. وعلى هذا فيكون المرجئة أربع طوائف: الجهمية، والكرامية، والماتريدية والأشاعرة، ومرجئة الفقهاء، وجماهير أهل السنة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وقد نقل المؤلف رحمه الله عن الإمام أحمد: أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد إذا فعل الإنسان الطاعات وينقص إذا فعل المعصية، أما المرجئة فيقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهو شيء واحد بالقلب، وإيمان أهل الأرض وإيمان أهل السماء واحد وهو التصديق، فمن صدق بقلبه فهو مؤمن، ولا يزيد إيمانه ولا ينقص، وهذا من أبطل الباطل، بل إن الإيمان يزيد وينقص فإذا فعل الإنسان الطاعات زاد الإيمان، وإذا فعل المعاصي نقص، ولهذا نقل المؤلف رحمه الله عن الإمام أحمد إلى قوله عن عمير بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص، قيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحناه زاد الإيمان فتلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا فذلك نقصانه، ولهذا كان يقول بعض السلف: اجلس بنا نؤمن ساعة يعني: يزيد إيماننا فيجلسون يذكرون الله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الحسن بن أبي إسحاق المزكى قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو عمرو الحيري قال: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ومحمد بن إدريس المكي وأحمد بن شداد الترمذي قالوا: حدثنا الحميدي قال: حدثنا يحيى بن سليم سألت عشرة من الفقهاء عن الإيمان فقالوا: قول وعمل سألت هشام بن حسان؟ فقال: قول وعمل، وسألت ابن جريج فقال: قول وعمل، وسألت سفيان الثوري فقال: قول وعمل، وسألت المثنى بن الصباح فقال: قول وعمل، وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقال: قول وعمل، وسألت محمد بن مسلم الطائفي فقال: قول وعمل، وسألت فضيل بن عياض فقال: قول وعمل، وسألت نافع بن عمر الجمحي فقال: قول وعمل]. وهذا كله يدل على أن الإيمان قول وعمل وهو الذي عليه جماهير أهل السنة والجماعة يقول: خلافاً للمرجئة الذين يقولون: العمل ليس من الإيمان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا أبو الكيري قال: حدثنا محمد ومحمد بن إدريس وسمعت الحميدي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد، تقول ينقص فقال: اسكت يا صبي بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء]. وهذا يؤيد مذهب أهل السنة والجماعة وكنية سفيان هي أبو محمد فالإيمان ينقص ولكنه لا ينتهي على الصحيح إلا إذا وجد الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر، أو الشرك الأكبر، لكن المعاصي تضعفه ولهذا جاء في الحديث (أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان)، ولا ينتهي الإيمان بالمعاصي أبداً ولو كثرت. فإذا جاء الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر انتهى الإيمان، فلا يجتمع كفر وإيمان بل إذا جاء الكفر الأكبر ذهب الإيمان، وإذا جاء الإيمان ذهب الكفر، لكن المعاصي يكون معها إيمان، فإذا كثرت أضعفت الإيمان حتى لا يبقى إلا أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي ومالكاً وسعيد بن عبد العزيز ينكرون على من يقول: إقرار بلا عمل، ويقولون: لا إيمان إلا بعمل]. وقول: أبي محمد أسكت بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء فيه نظر، والصواب أنه لا بد أن يبقى منه شيء، ويكون لا يبقى منه شيء بالنسبة للكافر، لأن الكافر ينتهي الإيمان منه، أما العاصي فلابد أن يبقى من إيمانه شيء وفيه قول: الوليد بن مسلم أنه سمع الأوزاعي ومالكاً وسعيد ينكرون على من يقول: إقرار بلا عمل، أي: أنهم ينكرون على المرجئة، لأنهم يقولون: الإيمان إقرار بلا عمل، وهذا ليس بصحيح، ولهذا قال نقلاً عن هؤلاء الأئمة: لا إيمان إلا بعمل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قلت: فمن كانت طاعاته وحسناته أكثر فإنه أكمل إيماناً ممن كان قليل الطاعة كثير المعصية والغفلة والإضاعة]. قوله: قلت: يعني: الإمام الصابوني فمن كانت طاعاته وحسناته أكثر فإنه أكثر إيماناً، ومن كان قليل الطاعة كثير المعصية والغفلة والإضاعة فإيمانه ناقص هذا صحيح، كلما كثرت الطاعات والحسنات زاد الإيمان، وإذا قلت الطاعات وكثرت المعاصي والغفلة والإعراض نقص الإيمان وهذا قول أهل السنة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن باكريه الجلاد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: يا أحمد إنكم تبغضون هؤلاء القوم جهلاً، وأنا أبغضهم عن معرفة. إن أول أمرهم أنهم لا يرون للسلطان طاعة. والثاني: أنه ليس للإيمان عندهم قدر. والله لا أستجيز أن أقول إيماني كإيمان يحيى بن يحيى ولا كإيمان أحمد ب

[10]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [10] أهل السنة والجماعة لا يكفرون المؤمن بالذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، فإن مات ولم يتب منها وكان موحداً فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر معاصيه ويدخله الجنة برحمته. واختلف أهل العلم في تارك الصلاة عامداً متعمداً مع إقراره بوجوبها فمنهم من كفره وجعل فعله كفراً أكبر مخرجاً من الملة ومنهم من ذهب إلى عدم تكفيره وإنما يقتل حداً، ومنهم من حكم عليه بالحبس والتعزير حتى يتوب.

لا يكفر المؤمن بكل ذنب

لا يكفر المؤمن بكل ذنب قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوباً كثيرة صغائر وكبائر، فإنه لا يكفر بها، وإن خرج عن الدنيا غير تائب منها، ومات على التوحيد والإخلاص فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة يوم القيامة سالماً غانماً غير مبتلى بالنار، ولا معاقب على ما ارتكبه واكتسبه، ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار]. هذا فيه بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب الذنوب وأصحاب الكبائر من المسلمين، فقد بين المؤلف رحمه الله أن عقيدة أهل السنة والجماعة في الموحدين الذين يرتكبون الكبائر ويموتون عليها من غير توبة أنهم تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنهم وغفر لهم بتوحيدهم وإسلامهم وأدخلهم الجنة من أول وهلة، وإن شاء سبحانه وتعالى عذبهم بذنوبهم على قدر جرائمهم ثم يخرجون منها إلى الجنة كما قال الله عز وجل في كتابه المبين: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، وإذا عذب العاصي في النار فإنه لا بد أن يخرج منها، إما بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الراحمين، وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون، موحدون، مصلون، فلا تأكل النار أثر السجود فيعذبهم الله مدة ثم يخرجهم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع أربع شفاعات، وكذلك بقية الأنبياء يشفعون، والملائكة يشفعون، والأفراط يشفعون، والصالحون يشفعون، والشهداء يشفعون، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، فيقول الرب سبحانه وتعالى: (شفعت الملائكة وشفع النبيون، ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين فيخرج قوماً من النار لم يعملوا خيراً قط) أي: زيادة على التوحيد والإيمان، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يقولون: إن صاحب الكبيرة يخلد في النار وهذا مذهب باطل أنكره عليهم أهل السنة وبدعوهم وضللوهم؛ لأن النصوص في إخراج العصاة من النار متواترة، ومع ذلك أنكرها أهل البدع من الخوارج والمعتزلة، فالواجب على المسلم أن يعتني بهذا الأمر، وأن يعتقد ما يعتقده أهل السنة والجماعة، فالخوارج عندهم أن الزاني يكفر ويخلد في النار، ومن شرب الخمر كفر وخلد في النار، وكذلك المعتزلة يخرجونه من الإيمان ولا يدخلونه في الكفر لكن يخلدونه في النار كالخوارج، ومن تعامل بالربا عند الخوارج والمعتزلة كفر وخلد في النار فهو عندهم كالكافر سواء بسواء نعوذ بالله، ومن عق والديه كفر وخلد في النار وهذا مذهب باطل، عند أهل السنة والجماعة، وضعيف الإيمان لا يكفر ولكن يكون ناقص الإيمان ولا يخلد في النار بل هو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، ثم أخرجه، كما قال المؤلف رحمه الله هنا. ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوباً كثيرة صغائر كانت أو كبائر فإنه لا يكفر بها، فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، ومحل النزاع هو إذا خرج من الدنيا غير تائب منها، أما من فعل الكبيرة ثم تاب، تاب الله عليه بالاتفاق، فمن تاب قبل الموت من الشرك والذنوب تاب الله عليه، والله تعالى قد عرض التوبة على المثلثة النصارى الذين يقولون: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة:73 - 74] فالتوبة تجب ما قبلها وليس هناك ذنب لا يغفر أبداً، قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53] يعني: لمن تاب، وقد أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين فمن تاب تاب الله عليه حتى عند الخوارج المعتزلة، لكن محل النزاع: من مات على كبيرة من غير توبة هذا هو محل النزاع، فأهل السنة يقولون: هو ناقص الإيمان، أو ضعيف الإيمان، وتحت المشيئة قد يعفى عنه وقد يعذب، قد يعذب في قبره، وقد تصيبه شدائد وأهوال في موقف القيامة، وقد يعذب في النار. أما الخوارج والمعتزلة فيقولون: هو كافر مخلد في النار نسأل الله السلامة والعافية. ويجب على طالب العلم أن يعتني بهذا الأمر حتى لا يقع في معتقد أهل البدع. وقول المؤلف رحمه الله: وإن خرج من الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد والإخلاص فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة يوم القيامة سالماً غانماً غير مبتلى بالنار ولا معاقب على ما ارتكبه من الذنوب واكتسبه ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار وإن شاء عفا عنه، وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها، بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار والدليل على هذا هو الآية الشريفة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فهذه الآية في غير التائبين؛ لأن الله سبحانه وتعالى خص وعلق، فخص الشرك بأنه لا يغفر، وعلق ما دونه بالمشيئة، فدل على أنها ليست في التائبين، أما آية الزمر وهي قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53] فهي في التائبين فإن الله عمم وأطلق فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53] يعني: لمن تاب، فمن تاب توبة نصوحاً بأن أقلع عن الذنب، وندم عليه، وعزم على ألا يعود إليه، ورد المظلمة إلى أهلها، وكان قبل الموت وقبل طلوع الشمس من مغربها، فإن الله تعالى يغفر ذنبه مهما كان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكان شيخنا سهل بن محمد رحمه الله يقول: المؤمن المذنب وإن عذب بالنار فإنه لا يلقى فيها إلقاء الكفار ولا يبقى فيها بقاء الكفار، ولا يشقى فيها شقاء الكفار، ومعنى ذلك: أن الكافر يسحب على وجهه إلى النار، ويلقى فيها منكوساً في السلاسل والأغلال والأنكال الثقال، والمؤمن المذنب إذا ابتلي بالنار فإنه يدخل النار كما يدخل المجرم في الدنيا السجن على الرجل من غير إلقاء وتنكيس ومعنى قوله: لا يلقى في النار إلقاء الكفار أن الكافر يحرق بدنه كله كلما نضج جلده بدل جلداً غيره ليذوق العذاب كما بينه الله في كتابه في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] وأما المؤمنون فلا تلفح وجوههم النار، ولا تحرق أعضاء السجود منهم إذ حرم الله على النار أعضاء سجوده، ومعنى قوله: لا يبقى في النار بقاء الكفار. أن الكافر يخلد فيها ولا يخرج منها أبداً، ولا يخلد الله من مذنبي المؤمنين في النار أحداً، ومعنى قوله: ولا يشقى في النار شقاء الكفار: أن الكفار ييأسون فيها من رحمة الله ولا يرجون راحة بال]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما المؤمنون فلا ينقطع طمعهم من رحمة الله في كل حال وعاقبة المؤمنين كلهم الجنة؛ لأنهم خلقوا لها وخلقت لهم فضلاً من الله ومنة]. هذا الكلام الذي نقله المؤلف رحمه الله عن شيخه سهل بن محمد رحمه الله يبين فيه الفرق بين المؤمن العاصي الذي يعذب بالنار والكافر، وقال: بينهما فروق ثلاثة: الفرق الأول: أن الكافر يؤتى به ويقذف في النار على أم رأسه ويدخل في سلسلة من النار {ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32]. أما المؤمن فيدخلها على رجليه مثل المجرم الذي يدخل السجن في الدنيا. الفرق الثاني: أن الكافر تغمره النار من جميع الجهات وتحرق بدنه، أما المؤمن فلا تغمره من جميع الجهات، بل تلهبه النار على حسب أعماله، فقد تصل النار إلى ركبتيه، أو إلى كعبيه أو إلى حقويه على حسب المعاصي. الأمر الثالث: أن الكافر ييأس من رحمة الله فليس له طمع بأن يخرج من النار بل هو يائس والعياذ بالله أبد الآباد، وأما المؤمن فإنه لا ييأس بل يرجو رحمة الله ويرجو الخروج من النار؛ لأن دخوله مؤقت؛ لأن المؤمن الموحد الأصل أنه من أهل الجنة فهو خلق للجنة لكن هذه المعاصي خبث لا بد أن يطهر منه، فمنهم من يطهر منها بعفو الله فإذا عفا الله عنها طهر منها، وإذا لم يعفو عنه فلا بد أن يطهر بالنار، مثل النجاسة التي تصيب الثوب والبدن لا بد من غسلها، فنجاسة المعاصي تغسل بالنار إذا لم يعف الله عنها حتى تزول، فإذا طهر صاحبها أخرج منها بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الراحمين. وقول الله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] معنى التبديل: أي التجديد وليس معناه أنه يؤتى بجلود أخرى، وإنما معناه أنه كلما نضجت جدد من جديد حتى يستمر في العذاب نسأل الله السلامة والعافية، والكافر تلفح وجهه النار، أما المؤمن فلا تلفح وجهه النار، والمؤمن المصلي لا تأكل النار مواضع السجود منه، وهي: الجبهة، واليدين، والركبتين، وإنما تأكل بقية جسده، أما الكافر، فتلفحه النار من جميع الجهات نعوذ بالله. ولهذا جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه: (وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود)، وفي اللفظ الآخر: (كل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود). ومعنى قوله: (لا يبقى في النار بقاء الكفار) أن الكافر يخلد فيها، ولا يخرج منها أبداً. (ولا يخلد الله من مذنبي المؤمنين

حكم ترك الصلاة

حكم ترك الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [اختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمداً، فكفره بذلك أحمد بن حنبل رحمه الله وجماعة من علماء السلف، وأخرجوه به من الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح: (بين العبد والشرك ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر). وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر ما دام معتقداً لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام. وتأولوا الخبر السابق أن معناه: من ترك الصلاة جاحداً لها، كما أخبر سبحانه عن يوسف عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف:37] ولم يكن قد تلبس بكفر ففارقه، ولكن تركه جاحداً له]. هذه المسألة مسألة عظيمة، وهي مسألة حكم تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً، وهي مسألة عظيمة وجديرة بالعناية والبحث؛ ولهذا اعتنى بها العلماء. فأما من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها فهذا كافر بإجماع المسلمين حتى ولو صلى، وليس هذا محل النزاع، ولو جحد الزكاة فهو كافر ولو زكى، ولو جحد الصوم وقال: الصوم ليس واجباً، فمن شاء صام ومن شام أفطر، فهذا كافر بإجماع المسلمين، وكذلك لو جحد تحريم الزنا فهو كافر ولو لم يزن، أو جحد تحريم الربا فهو كافر ولو لم يراب، أو جحد شرب الخمر فهو كافر ولو لم يشرب الخمر، وهذا ليس محل النزاع. فمن جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة وجوبه، أو أمراً معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه، فهو كافر بالإجماع، وليس في ذلك خلاف بين المسلمين، فمن جحد وجوب الصلاة، أو الزكاة، أو الصوم، أو الحج أو غير ذلك مما هو من الدين بالضرورة وجوبه فهذا يكفر بالإجماع، وكذلك لو جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه، كأن جحد تحريم الزنا، أو الربا، أو الخمر، أو عقوق الوالدين، وأما لو جحد شيئاً مختلفاً فيه فلا يكفر، كأن يجحد الوضوء من أكل لحوم الإبل فلا يكفر؛ لأن المسألة خلافية، فبعض أهل العلم يرى الوجوب، وبعضهم لا يرى الوجوب، ولو جحد تحريم الدخان فإنه لا يكفر؛ لأن المسألة فيها شبهة، وإن كان الصواب أن الدخان حرام، لكن قد يكون عند بعض الناس شبهة، فقد يجد من يفتيه من غير هذه البلاد بأن الدخان ليس بحرام، فهذا لا يكفر لأجل الشبهة التي عنده، وأما من جحد تحريم الخمر فإنه يكفر؛ لأنه مجمع على تحريمه. إن محل النزاع الذي ذكره المؤلف هو في رجل ترك الصلاة وهو يؤمن بوجوبها وأنها فريضة ولكنه تركها كسلاً وتهاوناً، فما حكمه؟ هل يكفر أو لا يكفر؟ A في هذه المسألة قولان لأهل العلم: القول الأول: أنه يكفر كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وهذا هو الذي أجمع عليه الصحابة، وقد نقل الإجماع على هذا التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي، فقد قال رحمه الله: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة. إذاً فهذا إجماع نقله عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن الصحابة على أن تارك الصلاة كافر، ونقله أيضاً إسحاق بن راهويه الإمام المشهور، وهو قرين الإمام أحمد رحمه الله، ونقل الإجماع أيضاً أبو محمد بن حزم رحمه الله. إذاً فالصحابة مجمعون على أن من ترك الصلاة تكاسلاً وتهاوناً فهو كافر كفراً مخرجاً من الملة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي، ومذهب جماعة كبيرة من السلف كـ إسحاق بن راهويه وعامر الشعبي وأبي عمرو الأوزاعي وجماعة من التابعين والأئمة. وهذا المذهب تدل عليه النصوص. من تلك النصوص الصريحة: ما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة). وجه الدلالة فيه من وجهين: الوجه الأول: أنه أتى بأل في الكفر، وهذه تفيد الاستغراق، ولو كان كفراً أصغر لأتى بالكفر منكراً، مثل حديث: (اثنتان في الناس هما بهما كفر: الطعن في النسب)، فأل إذا دخلت على الكفر دلت على الاستغراق وأن المراد هو الكفر الأكبر. ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة حداً فاصلاً بين الكفر وبين الإيمان، فالبينية تفصل بين الشيء وغيره، أي: بين كذا وبين كذا، وبين الرجل وبين الكفر. ثالثاً: عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه أهل السنن وأحمد بسند جيد، فجعل الصلاة حداً فاصلاً بين المسلم والكافر. رابعاً: في صحيح البخاري عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله)، والذي يحبط عمله هو الكافر، وأما المؤمن فلا يحبط عمله بالمعصية، فلما عبر النبي صلى الله عليه وسلم بحبوط العمل دل على أنه كافر، والدليل على أن الذي يحبط عمله إنما هو الكافر: قول الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217]. خامساً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك صلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله). سادساً: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوماً فقال: من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، وهؤلاء هم رءوس الكفر، فكونه يحشر مع هؤلاء الكفرة دليل على أنه كافر مثلهم. قال بعض العلماء: إنما يحشر مع هؤلاء الأربعة لأنه إن اشتغل عن الصلاة برئاسته وملكه حشر مع فرعون ملك مصر الذي ادعى الربوبية، وإن اشتغل عن الصلاة بوزارته حشر مع هامان وزير فرعون، وإن اشتغل عن الصلاة بأمواله فإنه يحشر مع قارون صاحب الأموال من بني إسرائيل، وإن اشتغل عن الصلاة بتجارته وشهواته ووظائفه حشر مع أبي بن خلف، فهذا يدل على كفر تارك الصلاة. سابعاً: حديث عوف بن مالك الأشجعي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم -المراد بالأئمة هنا: ولاة الأمور- وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قلنا: يا رسول الله! أفلا نبادرهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، يعني: لا تقاتلونهم ما داموا يقيمون الصلاة. وهذه الجملة لها مفهوم ومنطوق، فمنطوقها أنهم إذا أقاموا الصلاة فهم مسلمون لا يقاتلون، ومفهومها: أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار يقاتلون. ثامناً: ويدل على هذا أيضاً الحديث الذي في صحيح مسلم في المنع من الخروج على الأمراء، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الخروج على ولاة الأمور فقال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) وقال في الحديث السابق: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، فإذا جمعت بين حديث: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) وحديث: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) دل على أن ترك الصلاة كفر بواح، فهذه الأدلة واضحة صريحة، وهناك إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك. وأما المتأخرون فقد ذهبوا إلى أن ترك الصلاة كفر أصغر لا يخرج من الملة، وهذا مشهور عن الإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة والشافعي. واستدلوا على ذلك بأنه مؤمن مصدق، وما دام أنه مصدق فلا نجعله كالكافر. واستدلوا أيضاً بنصوص فضل التوحيد، وأن الموحد لا يخلد في النار إذا قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، فقد جاء أن الصحابة قالوا: (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟! قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، وفي لفظ: (مخلصاً)، وفي لفظ: (غير شاك). وجاء في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)، وهناك أحاديث ضعيفة استدلوا بها. والجواب عن هذه الأحاديث: أن هذه الأحاديث التي فيها فضل التوحيد مقيدة بعدم ترك الصلاة؛ لأن أداء الصلاة شرط في صحة التوحيد، فمن ترك الصلاة فهو ليس بموحد. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) لا يمكن أن يوجد إنسان يترك الصلاة وهو يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله. إذاً: فالصلاة شرط في صحة التوحيد والإيمان، وهو ممن لم يصل فليس بموحد ولا مؤمن، وتنتقض عليه كلمة لا إله إلا الله، ولو قال: لا إله إلا الله ولم يصل بطلت صلاته، وذلك مثل أن تقول: لا إله إلا الله ثم يسب الله، أو يسب الدين، أو يسب الإسلام، فإنه ينتقض توحيده، فكذلك من قال: لا إله إلا الله ولم يصل فإن توحيده ينتقض؛ لأنه ترك شرطاً فيها، كالذي يصلي ولم يتوضأ فإن صلاته لا تصح؛ لأن الطهارة شرط في الصلاة، وكذلك الصلاة شرط في صحة التوحيد، فمن قال: لا إله إلا الله ولم يصل لم يصح توحيده ولا إيمانه، وبهذا يتبين لنا أن القول بكفر

حكم تأخير الصلاة عن وقتها عمدا

حكم تأخير الصلاة عن وقتها عمداً قال المؤلف رحمه الله تعالى: حكم تارك الصلاة. وإنما تكلمت -يعني: في هذه المثل- لأن هذه المسألة قد عمت بها البلوى، فهناك كثير من الناس -والعياذ بالله- صاروا لا يبالون بالصلاة، فمنهم من يتركها حتى يخرج وقتها، وحديث بريدة في البخاري يدل على هذا، قال صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) فدل على أنه يكفر، ومن ذلك الشخص الذي لا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس، وقد حدد وقتها بطلوع الشمس، فلو صلى الإنسان قبل دخول الوقت لما صحت صلاته، وإذا صلى بعد خروجها فلا تصح إلا من عذر وهذا لا عذر له، فليس نائماً أو متأولاً أو ناسياً، ولو كان كذلك لكان معذوراً، فمن نام عن صلاة فإنه يصليها إذا ذكرها، لكن إذا كان الإنسان لا يصلي الفجر يومياً متعمداً إلا بعد طلوع الشمس، كأن يرتب الصلاة على العمل، فيستيقظ مرة واحدة لعمله وصلاته وفطوره، فقد أفتى جمع من أهل العلم بأنه يكون مرتداً؛ لأنه لم يؤد الصلاة في وقتها، وممن أفتى بهذا: سماحة شيخنا الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز -رحمة الله عليه وجمعنا وإياه في جنته- فإنه يفتي بأن الشخص الذي لا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس دائماً أنه كافر؛ لأنه لم يؤد الصلاة في وقتها. أما الذي تفوته الصلاة مع الحرص عليها وبدون اختياره فهذا معذور، لكن الذي ينام عنها باستمرار، أو جعل المنبه يوقظه بعد الفجر فقد تعمد التأخير، وهذا أمر جد خطير.

حكم ترك الصلاة تعمدا

حكم ترك الصلاة تعمداً يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [واختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمداً، فكفره بذلك أحمد بن حنبل]. يعني: في أحد الروايتين، وإلا فالمشهور من مذهب الإمام أحمد: أنه كفر أصغر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فكفره بذلك أحمد بن حنبل وجماعة من علماء السلف وأخرجوه به من الإسلام للخبر الصحيح المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين العبد والشرك ترك الصلاة؛ فمن ترك الصلاة فقد كفر). وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر بذلك -يعني: لا يكون كفراً أكبر، لكنه يكفر كفراً أصغر- ما دام معتقداً لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام]. يعني: أن طائفة قالت: يقتل حداً مثلما يقتل الزاني المحصن والقاتل. وتأولوا الخبر في أن المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)، هو قوله: (من ترك الصلاة جاحداً لها). ويقولون: لو أراد الرسول كفره لقال جاحداً، والرسول لم يقل جاحداً، وهذا من التأويل السائغ، وهو تأويل أصحاب القول الأول. وقالت طائفة ثانية: عندنا دليل، وهو أن الله سبحانه أخبر عن يوسف عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف:37] قالوا: إن المراد بقوله: ((تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ)) يعني: تركتها جاحداً لها، ولا يلزم من ذلك أن يكون تلبس بالكفر، فكذلك قوله: من ترك الصلاة يعني: من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها لكن هذا التأويل ليس بظاهر، والصواب القول الأول.

الأسئلة

الأسئلة

الجمع بين حديث: (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء) وحديث محاسبة الله الخلائق في وقت واحد

الجمع بين حديث: (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء) وحديث محاسبة الله الخلائق في وقت واحد Q كيف نجمع بين الحديث الذي فيه: (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة سنة) وبين قوله: فإن الله عز وجل يحاسب الخلائق في وقت واحد؟ A لا يوجد منافاة فهو سبحانه وتعالى يحاسبهم ويفرغ منهم في وقت واحد فيتأخر دخول الأغنياء ويتقدم دخول الفقراء.

حكم من قال: إن المبتدعة يخلدون في النار

حكم من قال: إن المبتدعة يخلدون في النار Q يسأل عن الفرق المبتدعة كالخوارج والمعتزلة ونحوهم هل يخلدون في النار؟ A الخوارج سبق الكلام فيهم، وجمهور العلماء على أنهم مبتدعة، والصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة، كما بين ذلك الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومن العلماء من كفرهم وهو رواية عن الإمام أحمد أخذاً بالنصوص التي فيها: (أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمي)، وفي لفظ: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه)، وفي لفظ: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد) فقد شبههم بعاد وهم قوم كفار، لكن الجمهور على أنهم مبتدعة، والمعتزلة كذلك مبتدعة، فمن العلماء من كفرهم، لكن الجمهور على أنهم مبتدعة؛ لأنهم متأولون.

الخلاف بين أهل السنة ومرجئة الفقهاء

الخلاف بين أهل السنة ومرجئة الفقهاء Q الخلاف بين أهل السنة وبين مرجئة الفقهاء هل هو خلاف لفظي أم حقيقي يترتب عليه أشياء في مسألة الإيمان؟ A ليس لفظياً من جميع الوجوه، وشارح الطحاوية يقول: إنه لفظي، والصواب أنه ليس لفظياً من جميع الوجوه، صحيح أنه لا يترتب عليه فساد في الاعتقاد لكن له آثار تترتب عليه، من آثاره: أن جمهور أهل السنة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى، ومرجئة الفقهاء وافقوا الكتاب والسنة في المعنى وخالفوهما في اللفظ، ولا يجوز للإنسان أن يخالف النصوص لا في اللفظ ولا في المعنى، بل الواجب على المسلم أن يتأدب وأن يوافق النصوص في اللفظ والمعنى. ومن الآثار التي ترتبت على الخلاف: فتح الباب للمرجئة المحضة، فمرجئة الفقهاء في اختلافهم مع جمهور أهل السنة فتحوا الباب للمرجئة المحضة، فلما قال مرجئة الفقهاء: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان فتحوا الباب للمرجئة المحضة وهم الجهمية فقالوا: الأعمال ليست مطلوبة، فالواجبات ليست واجبات والمحرمات ليست محرمات. ومن آثار الخلاف: أنهم فتحوا الباب للفسقة والعصاة، فلما قال مرجئة الفقهاء: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان سيأتي السكير العربيد فيقول: أنا مؤمن كامل الإيمان كإيمان أبي بكر وعمر، فإذا قيل له: أبو بكر وعمر عنده أعمال عظيمة، قال: الأعمال شيء آخر، لكن تصديقي وتصديق أبي بكر واحد، الإيمان هو التصديق، فالذي فتح هذا الباب للفسقة هم مرجئة الفقهاء. ومن ثمرة الخلاف مسألة الاستثناء في الإيمان، وهو أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، فمرجئة الفقهاء يمنعون الاستثناء ويقولون: لا تقل إن شاء الله، ومن قال: إن شاء الله فهو شاك في إيمانه؛ لأن الإيمان تصديق القلب وأنت تعلم أنك مصدق فهل تشك أنك مصدق؟ لا تشك، كما أنك لا تشك بأنك قرأت الفاتحة، أو أنك تحب الرسول وتبغض اليهود فلا تشك في تصديقك. أما جمهور أهل السنة فيقولون: المسألة فيها تفصيل: إن قصد الشك في أصل إيمانه فهذا ممنوع، وأما إن قصد أن الإيمان شعب متعددة وأنها تدخل فيه الأعمال كلها والأقوال، ولا يذكر الإنسان نفسه، ولا يجزم بأنه أدى ما عليه، بل يتهم نفسه ويزري على نفسه فلا بأس، فإنه في هذه الحالة يستثني ويقول: أنا مؤمن إن شاء الله، فيكون الاستثناء راجع إلى الأعمال، وكذلك أيضاً إذا أراد عدم علمه بالعاقبة فله أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وكذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله. فجمهور أهل السنة يجيزون الاستثناء باعتبار ويمنعونه باعتبار، أما مرجئة الفقهاء فيمنعوه، وبهذا يتبين أن الخلاف ليس لفظياً كما يقول شارح الطحاوية، وإنما له آثار تترتب عليه، وإن لم يترتب عليه فساد في العقيدة.

الجمع بين قول الله: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) والقول بأن أهل الجنة لا ينامون

الجمع بين قول الله: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً) والقول بأن أهل الجنة لا ينامون Q أهل الجنة لا ينامون فكيف الجمع بين هذا وبين قول الله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24]؟ A لا يلزم من القيلولة النوم.

حكم القول بأن شفاعة النبي خاصة بأهل الكبائر

حكم القول بأن شفاعة النبي خاصة بأهل الكبائر Q هل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بأهل الكبائر؟ A هذا شرط في قصة الشفاعة، والنبي عليه الصلاة والسلام له عدة شفاعات: الشفاعة العظمى في أهل الموقف حتى يقضى بينهم وهذه خاصة به عليه الصلاة والسلام، وشفاعة لأهل الجنة في الأذن لهم في دخولها وهي خاصة به، وشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب وهي خاصة به، وشفاعة في رفع درجة قوم من أهل الجنة وهذه للصالحين، وهناك شفاعات مشتركة: كالشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها مشتركة له ولغيره عليه الصلاة والسلام، وشفاعة فيما من استحق دخول النار ألا يدخلها، وشفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم وهذه مشتركة.

الفرق بين حساب النقاش وحساب العرض

الفرق بين حساب النقاش وحساب العرض Q ما الفرق بين حساب النقاش وحساب العرض؟ A كما سبق: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:7 - 8] المراد به: العرض، تعرض عليه أعماله ولا يناقش، أما: (من نوقش الحساب عذب) فإنه يناقش ويحاسب ويعذب.

أقوال العلماء في الحوض والكوثر

أقوال العلماء في الحوض والكوثر Q هل الحوض غير الكوثر؟ A من العلماء من قال: إنه هو الكوثر، والصواب أن الحوض في موقف النبي صلى الله عليه وسلم، والكوثر نهر في الجنة يصب منه ميزابان في حوض النبي صلى الله عليه وسلم والحوض في موقف القيامة.

حكم القول بأن الشفاعة لرفع درجات أهل الجنة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم

حكم القول بأن الشفاعة لرفع درجات أهل الجنة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم Q هل القسم الرابع من الشفاعة وهو الشفاعة لرفع درجات أهل الجنة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ A الشفاعات المشتركة هي الشفاعة في خروج العصاة من النار، أما هذه فتحتاج إلى تأمل ومراجعة.

قول أبي حنيفة في الإيمان

قول أبي حنيفة في الإيمان Q ما نسب إلى الإمام أبي حنيفة في قوله: في الإيمان، هل رجع عنه أم لا؟ A لم يرجع عنه فـ أبو حنيفة له روايتان الرواية الأولى: أن الإيمان -وهو الذي عليه جمهور أصحابه- شيئان: قول باللسان وتصديق بالقلب فقط وأما الأعمال فليست من الإيمان. والرواية الثانية: أن الإيمان تصديق بالقلب فقط، وأما الإقرار باللسان فهو ركن زائد مطلوب ولكن ليس من الإيمان، وهذه الرواية الثانية توافق مذهب الأشاعرة والماتريدية. وأول من قال بالإرجاء حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة.

وقت أذكار المساء

وقت أذكار المساء Q أذكار المساء هل تقال بعد العصر أم بعد المغرب؟ A الأفضل بعد العصر، قال سبحانه وتعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130] بعد العصر وبعد الفجر، قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وإذا لم يتيسر للإنسان بعد العصر وقالها بعد المغرب فلا حرج إن شاء الله.

حكم أحاديث المهدي المنتظر

حكم أحاديث المهدي المنتظر Q ما مدى صحة أخبار المهدي المنتظر؟ A الأحاديث التي وردت في المهدي أنواع منها: ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو موضوع، لكن الأحاديث في خروج المهدي ثابتة لا شك فيها، ويوجد أحاديث ضعيفة لا يعتمد عليها، وأحاديث صحيحة وأحاديث حسنة. والمهدي هو أول علامات الساعة الكبرى وهو محمد بن عبد الله المهدي كما جاء في الحديث: (رجل اسمه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته كنيته من ولد فاطمة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويبايع له بين الركن والمقام في وقت ليس للناس فيه إمام) وهو لا يقاتل الناس وإنما يبايع له في وقت ليس للناس فيه إمام كما جاء في الأحاديث.

لكل نبي حوض

لكل نبي حوض Q هل لكل نبي حوض أم هو خاص بنبينا؟ A في بعض الأحاديث: (أنه لكل نبي حوض ولكن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم أعظمها وأكثرها وأحلاها وأكثرها واردة) جعلنا الله وإياكم من الواردين لها.

مكان خروج يأجوج ومأجوج

مكان خروج يأجوج ومأجوج Q من أين يخرج يأجوج ومأجوج؟ A من جهة الشرق يخرج يأجوج ومأجوج والدجال، كلها خارجة من بين الشام والعراق.

التوفيق بين أحاديث الشفاعة لأهل الكبائر والأحاديث المكفرة لتارك بعض الواجبات

التوفيق بين أحاديث الشفاعة لأهل الكبائر والأحاديث المكفرة لتارك بعض الواجبات Q كيف نوفق بين أحاديث الشفاعة لأهل الكبائر والأحاديث المكفرة لتارك بعض الواجبات كالصلاة وغيرها؟ A لا يوجد منافاة فالأحاديث التي فيها تكفير تارك الصلاة معناها: أن ترك الصلاة ليس معصية بل هو كفر، والشفاعة تكون لمن فعل المعاصي دون الكفر، أما من فعل الكفر فليس له شفاعة، من سب الله أو سب الرسول عليه الصلاة والسلام ومات على ذلك، أو استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسله، ليس له شفاعة إذا مات على ذلك، ومن اعتقد شريكاً لله في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات أو اعتقد أنه يستحق أحد العبادة غير الله سبحانه وتعالى هذا لا شفاعة له إذا مات على ذلك، ومن أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، ومن أنكر ملكاً من الملائكة أو نبياً من الأنبياء، أو قال: إن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب، أو قال إن بعده نبي، أو أنكر البعث أو الجنة أو النار هذا لا شفاعة له، أو أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة وجوبه، كأن أنكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة، أو وجوب الحج، أو أنكر أمراً محرماً معلوماً من الدين بالضرورة، كأن أنكر تحريم الزنا، أو تحريم الربا، أو تحريم الخمر، أو تحريم عقوق الوالدين فهذا كافر، وكذلك من ترك الصلاة فقد فعل الكفر فلا شفاعة له، لكن من مات على المعاصي التي دون الكفر فله شفاعة إذا مات على التوحيد والإيمان.

حكم من قال: إن العمل ليس ركنا في الإيمان

حكم من قال: إن العمل ليس ركنا في الإيمان يقول السائل فيه: حفظكم وأثابكم يا شيخ، ما ردكم على من قال: إن العمل ليس ركناً في الإيمان واحتج بحديث: (يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) ولم يذكر العمل؟ A ( يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) إذا مات على التوحيد والإيمان لابد أنه عمل، والصلاة شرط في صحة الإيمان، ومن ترك الصلاة فليس بمؤمن، وعلى هذا من ترك الصلاة وهو قادر فلا يكون مؤمناً لأنه لابد من العمل مع النطق بالشهادتين، ولا بد من عمل القلوب وعمل الجوارح، والأحاديث فيها تقييد: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، وفي بعضها: (مخلصاً)، وفي بعضها: (غير شاك)، وفي بعضها: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله).

حكم إثبات صفة الهبوط لله سبحانه وتعالى

حكم إثبات صفة الهبوط لله سبحانه وتعالى Q هل يثبت لله صفة الهبوط، فقد جاء في الحديث أنه يهبط إلى السماء الدنيا؟ A إن صحت اللفظة أثبتنا وإن لم تصح يثبت النزول فقط.

حكم القول بأن الإيمان في القلب

حكم القول بأن الإيمان في القلب Q بعض الناس إذا أنكرت عليه في معصية من المعاصي يقول: الإيمان بالقلب فكيف نرد عليه، وهل يعتبر قائل هذه العبارة من المرجئة؟ وجزاكم الله خيراً. A هذه كلمة حق أريد بها باطل، فإذا قال: الإيمان في القلب نقول: والكفر في القلب أيضاً، والنفاق في القلب، فإذا وجد الإيمان في القلب انبعثت الجوارح على العمل، والواجب على الإنسان أن لا يقول هذا بل يقول: جزاك الله خيراً، وأنا إن شاء الله سوف أعمل ويقبل الحق ولا يعارض ويقول: الإيمان بالقلب، وفي الحديث: (إن في الجسد مضغة فإذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) فإذا وقر الإيمان في القلب انبعثت الجوارح على العمل، والمعصية دليل على ضعف الإيمان في القلب فإذا ضعف الإيمان في القلب جاءت المعاصي، وإذا قوي الإيمان وقوي الإخلاص وقوي الصدق في القلب أحرق الشبهات والشهوات جميعاً.

بعض الكتب التي يستفاد منها

بعض الكتب التي يستفاد منها Q نرجو منكم حفظكم الله توجيهنا إلى بعض كتب السلف لدراستها والنهل منها؟ A كتب السلف كثيرة والحمد لله، لكن المبتدئ يبتدئ من رسائل الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كرسالة الأصول الثلاثة، ورسالة كشف الشبهات، والقواعد الأربع، ثم كتاب التوحيد، ورسالة العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فهي رسالة عظيمة في باب الأسماء والصفات وكذلك في الصحابة وفي الأعمال، في باب الدين والأسماء، وهي رسالة تكتب بماء الذهب أوصي طالب العلم أن يحفظها أولاً، وكذلك الحموية لـ شيخ الإسلام والتدمرية والطحاوية، وكتب السنة كثيرة، منها كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكتاب الإيمان لـ ابن مندة، وكتاب الإيمان لـ ابن أبي شيبة، وكتاب الإيمان لـ أبي عبيد القاسم بن سلام والرسالة التي معنا للصابوني: عقيدة السلف وأصحاب الحديث، والإيمان لـ ابن بطة، ويترقى طالب العلم شيئاً بعد شيء. وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع، والعمل الصالح.

[11]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [11] إن من معتقدات أهل السنة والجماعة أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى وأن العبد له اختيار ومشيئة إلا أن مشيئته تابعة لمشيئة الله تعالى، كما يعتقد أهل السنة أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويعتقدون كذلك أن الضر والنفع بيده سبحانه، ولله إرادتان: إرادة كونية قدرية وإرادة شرعية.

مسألة خلق أفعال العباد

مسألة خلق أفعال العباد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد: أنها مخلوقة لله تعالى لا ينكرون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه]. أهل السنة يقولون: إن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم، فأفعال العباد مخلوقة لله، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] لكن العبد له اختيار ومشيئة وفعل إلا أن مشيئته تابعة لمشيئة الله، أنت الآن موجود مثلاً، تأتي إلى المسجد، وتستطيع أن تجلس في البيت، فلك اختيار ولا أحد يمنعك، فالإنسان يفعل باختياره وليس مجبوراً، إلا أن مشيئته واختياره تابعة لمشيئة الله، وهو مخلوق لله بذاته وأفعاله كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة. وهناك طائفتان منحرفتان في هذه المسألة: الطائفة الأولى: القدرية الجبرية، قالوا: إن العبد مجبور على أفعاله وليس له اختيار، كالريشة في الهواء، وقالوا: بأن الأفعال أفعال الله، فإذا صليت فهذا فعل الله، والله هو المصلي والصائم، فالأفعال التي تفعلها إنما هي وعاء للأفعال وإلا فالله هو الفعال، فالعباد بمثابة وعاء للأفعال والله تعالى هو الذي يفعل بهم ذلك، وقالوا: مثل الله في ذلك مثل إنسان عنده كوب يصب فيه الماء، فالعباد كأنهم كوب والله كصباب الماء فيه، تعالى الله عما يقولون. والطائفة الثانية: القدرية النفاة، قالوا: إن العباد خالقون لأفعالهم الطاعات والمعاصي، فما خلقها الله ولا أرادها ولا شاءها، والعبد هو الذي يخلق فعل نفسه استقلالاً. فهاتان طائفتان منحرفتان، وتوسط أهل السنة والجماعة فلم يقولوا بقول القدرية النفاة ولا بقول الجبرية، فلم يقولوا: بأن العباد خالقون لأفعالهم، بل قالوا: إن الله خالق العبد وخالق فعله، ولم يقولوا: إن العبد مجبور كما قالت الجبرية، بل قالوا: إن العبد له اختيار ومشيئة فهو يفعل باختياره ومشيئته؛ لأن الله أعطاه القدرة على الفعل لكن الله خلقه وخلق قدرته. والخلاصة: أن المذاهب في أفعال العباد ثلاثة: مذهب القدرية: وهو أن الأفعال خلقها العباد من الطاعات والمعاصي لأنفسهم استقلالاً من دون الله. ومذهب الجبرية: وهو أن العبد مجبور على أفعاله، والأفعال أفعال الله والعبد مجبور كالريشة في الهواء، وكحركة المرتعش والنائم، وكنبض العروق، وكحركة الرياح للأشجار. ومذهب أهل السنة: وهو أن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم، وأعطاهم القدرة على الأفعال، فالأفعال أفعالهم تنسب إليهم، والعبد هو المصلي والصائم والبر والفاجر، فالأفعال أفعال العبد، والله تعالى خلق العبد بذاته وصفاته وأفعاله، كما قال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96].

مسألة المشيئة واختلاف الطوائف فيها

مسألة المشيئة واختلاف الطوائف فيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء لدينه، ويضل من يشاء عنه، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:149]، وقال جل وعلا: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة:13] الآية، وقال جل وعلا: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الأعراف:179] الآية. سبحانه خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فريقين: فريقاً للنعيم فضلاً، وفريقاً للجحيم عدلاً، وجعل منهم غوياً ورشيداً، وشقياً وسعيداً، وقريباً من رحمته وبعيداً، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]]. وهذه مسألة الهداية من الله عز وجل. فأهل السنة والجماعة يشهدون أن الله تعالى هو الهادي وهو المضل، كما قال: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر:8]، فمن هداه الله فبفضله، ومن أضله الله فبعدله سبحانه، كما قال: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر:8]. والهداية ملك لله يعطيها من يشاء، فإذا أعطى العبد الهداية فهذا فضله، وإذا منع العبد من الهداية وأضله فله الحكمة ولا يعتبر هذا ظلماً؛ لأنه ما منعه شيئاً يملكه، فالظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه، والذي حرمه الله على نفسه هو وضع الشيء في غير موضعه، كأن يمنع أحداً من ثواب عمله أو يحمله سيئات غيره، ولهذا تنزه الله عنه وحرمه على نفسه، فالخلاصة أن مذهب أهل السنة والجماعة: أن الهداية من الله، فالله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء. وقالت المعتزلة القدرية: إن الله لا يهدي من يشاء ولا يضل من يشاء، فالعبد هو الذي يهدي نفسه ويضل نفسه - نعوذ بالله - وقالوا: لا فرق بين المؤمن المطيع وبين العاصي، فالمؤمن يختار الهداية بنفسه، والكافر يختار الضلال بنفسه، وما هدى الله هذا ولا أضل هذا، ولا اختار هذا الإيمان بنفسه ثم لم يقدر الله له الهداية، فهو الذي اختار الضلال بنفسه، وقالوا: مثل الله في ذلك -وهم ممثلة يمثلون الله بخلقه- مثل رجل له ابنان أعطاهما سيفين، وأمرهما أن يجاهدا به في سبيل الله، فالأول جاهد به في سبيل الله وامتثل أمر أبيه، والآخر جعل يستعرض رقاب المسلمين ويقطع رقابهم، فهذا اختار الضلال وهذا اختار الهداية، وهذا من أبطل الباطل. والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة: أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، والله تعالى خص العبد المؤمن بنعمة دينية، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:7 - 8]. فلله نعمة دينية على المؤمن خصه بها دون الكافر، وخذل الكافر حكمة منه وعدلاً، وله الحكمة البالغة فلا يسأل عما يفعل، وليس هذا ظلماً وإنما هو عدل منه سبحانه وتعالى، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء إلى دينه، ويضل من يشاء عنه لا حاجة لمن أضله الله عليه ولا عذر له لديه؛ لأن الله تعالى أعطى الإنسان السمع والبصر والفؤاد والعقل، وميزه عن الحيوانات؛ ولهذا فإنه إذا فقد العقل ارتفع عنه التكليف، فالصغير الذي لم يبلغ، والمجنون، والشيخ الكبير الهرم الذي زال عقله لا تكليف عليهم، فإذا فقد العقل زال التكليف.

الهداية والضلال واختلاف الطوائف فيهما

الهداية والضلال واختلاف الطوائف فيهما وقوله: (ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء إلى دينه، ويضل من يشاء عنه، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:149] والشاهد من الآية: ((فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)). إذاً: لو شاء لهدى الناس أجمعين، لكن اقتضت حكمته أن يهدي من يشاء ويضل من يشاء. وقال عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة:13] والشاهد أن الهداية بيد الله. وقال عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] فقد أضلهم الله حكمة منه وعدلاً، فهو سبحانه خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فريقين: فريقاً للنعيم وهم المؤمنون الذين من الله عليهم بالهداية للإسلام، وفريقاً للجحيم وهم الذين أضلهم الله عدلاً منه، وجعل منهم غوياً شقياً وهو الكافر، ورشيداً سعيداً وهو المؤمن، وقريباً من رحمته وبعيداً، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، وهذا لكمال حكمته. فالطوائف هنا في مسألة الهداية ثلاث طوائف: أهل السنة والقدرية والجبرية، فالقدرية قالوا: إن الله لا يهدي من يشاء ولا يضل من يشاء، بل المؤمن يهدي نفسه والكافر يضل نفسه، ويقولون في قوله تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر:8] إن معناها: أنه يسميه هادياً أو يسميه ضالاً. والجبرية قالوا: بأن الله تعالى يتصرف في ملكه بما يشاء، ولا يسمى هذا ظلماً، فلو عذب الأنبياء والأبرار، وحملهم أوزار الكفرة والفسقة ما كان هذا ظلماً؛ لأنه يتصرف في ملكه، والظلم: هو تصرف المالك في غير ملكه، والرب يتصرف في ملكه فلا يكون ظالماً، ويجوز أن يعطيهم شيئاً من التشجيعات والجزاءات، ويجوز على الله أن يحمل الأبرار والأنبياء أوزار الكفار والفجرة، وينعم الكفار والفسقة؛ لأنه يتصرف في ملكه، وهذا من أبطل الباطل. وأهل السنة والجماعة يقولون: بأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، كأن يمنع أحداً من ثواب عمله أو يحمله أوزار غيره، وهذا الظلم الذي تنزه الله عنه وهو قادر عليه، ولهذا قال سبحانه في الحديث القدسي: (إني حرمت الظلم على نفسي). وقال: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17]، وقال: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه:112]. والظلم عند الجبرية لا وجود له، ولا يقدر الله عليه بل الظلم ممتنع؛ لأن الظلم تصرف المالك في غير ملكه والله يتصرف في ملكه، ولا شيء خارج عن ملكه، وهذا من أبطل الباطل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال جل وعلا: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54]، وقال عز وجل: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف:29 - 30]]. والشاهد: أن الله جعلهم فريقين، ففريقاً هداه الله وفريقاً أضله، فالله هو الهادي والمضل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف:30]. وقال جل وعلا: {أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} [الأعراف:37]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو ما سبق لهم من السعادة والشقاوة، وأخبرنا أبو محمد المخلدي أخبرنا أبو العباس السواد حدثنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك بأربع كلمات: رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد، فو الذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يدركه ما سبق له في الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يدركه ما سبق له في الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)]. وهذا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم، ورواه الترمذي والنسائي وأحمد والطيالسي وابن أبي عاصم في السنة، ورواه جمع غيرهم. وهذا الحديث فيه إثبات القدر، وأن كل أمر واقع بقضاء الله وقدره خيرها وشرها. وفيه: دليل على أن كل إنسان صائر لما قدره الله، وأن الإنسان بعد مضي أربعة أشهر يكتب رزقه وأجله وعمله وشقاوته أو سعادته، وهذا لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ بل هو تفصيل منه يوافق ما في اللوح المحفوظ، فكل إنسان بعد أن تمضي عليه أربعون وأربعون وأربعون نطفة وعلقة، فبعد أربعة أشهر يأتيه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتابة رزقه، يقول: يا رب ما الرزق؟ فيكتب، ما الأجل؟ هل يموت صغيراً؟ هل يموت في بطن أمه أو يموت طفلاً؟ أو يموت شاباً أو شيخاً أو كهلاً أو هرماً؟ وما هو الرزق؟ وما العمل؟ فكل هذا يكتب وهو في بطن أمه، وهذا دليل على أن الله قدر كل الأشياء، وفيه رد على القدرية الذين يقولون: إن العبد يهدي نفسه، فالشقاوة والسعادة مكتوبة له وهو في بطن أمه، ولكن الإنسان لا بد أن يصير إلى ما قدره الله، ولهذا سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (هل نحن الآن نعمل في شيء مستأنف أو في شيء فرغ منه؟ قال: في شيء فرغ منه. قالوا: يا رسول الله، ما العمل؟ قال عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10]). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا أبو محمد المخلدي أخبرنا أبو العباس السواد حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي - هو ابن راهويه - أنبأنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، وإنه لمكتوب في الكتاب من أهل النار، فإذا كان قبل موته عمل بعمل أهل النار فمات فدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل الجنة، فإذا كان قبل موته عمل بعمل أهل الجنة فمات فدخل الجنة)]. هذا حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد في المسند وغيره. وهو دليل أيضاً على إثبات القدر، وأن الهداية والإضلال والشقاء والسعادة بيد الله، وأن الإنسان لا بد أن يصير إلى ما كتب له، فالمؤمن لا بد أن يموت على التوحيد ثم يدخل الجنة، والكافر لا بد أن يموت على الكفر فيدخل النار، نسأل الله السلامة والعافية. وفيه الرد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان يهدي ويضل نفسه، ويشقي ويسعد نفسه، وهذا من أبطل الباطل.

مذهب أهل السنة في الخير والشر والنفع والضر

مذهب أهل السنة في الخير والشر والنفع والضر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهد أهل السنة ويعتقدون: أن الخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره لا مرد لها ولا محيص ولا محيد عنها، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله له لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه بما لم يقضه الله لم يقدروا عليه، لما ورد به خبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:107]]. هذا مذهب أهل السنة والجماعة في الخير والشر، فيشهد أهل السنة والجماعة ويعتقدون: أن الخير والشر والنفع والضر والحلو والمر كله بقضاء الله وقدره، فكل شيء مقدر، حتى العجز والكيس، والعجز: هو الشيء الذي تعجز عنه، والكيس هو: النشاط والقوة فكل شيء مكتوب، مثلاً: يريد الإنسان أن يفعل خيراً ثم يقول: لا، أنا كسلان اليوم فهذا مكتوب، فالعجز الكسل مكتوبان، وكل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، وكل شيء قدره الله، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. فالشر والخير والنفع والضر كله بقضاء الله وقدره ولا مرد لهما ولا محيص ولا محيد عنهما، ولا يصيب المرء إلا ما كتب له ربه، كل ما يصيب الإنسان من أوجاع وأمراض، والموت الذي يصيبه، والهم والغم والحزن، وإيذاء الناس له، والنقص الذي يحصل عليه في ماله وبدنه، فكل هذا مكتوب، ولا يصيب المرء إلا ما كتب له ربه. قوله: (ولو جهد الخلق)، يعني: لو اجتهدوا أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله لم يقدروا عليه، ولو عملوا جهدهم في أن يضروه بما لم يقضه الله عليه لم يقدروا. فلو اجتمع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم في أن يوصلوا إليك خيراً ما أراده الله لما استطاعوا، ولو اجتمع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم إنسهم وجنهم على أن يضروك بشيء ما كتبه الله عليك لم يقدروا، قال الله تعالى في كتابه العظيم: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2]. وكما ورد بذلك الخبر عن عبد الله بن عباس: وهو حديث صحيح لا بأس به، وقال الترمذي: حسن صحيح، يقول: (كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). يعني: انتهى الأمر فكل شيء مكتوب. وقال الله عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107]. يعني: إذا مسك ضر فلن يستطيع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم أن يرفعوا هذا الضر عنك إلا إذا أراده الله، وإذا أصابك خير قدره الله لك فلن يستطيع الخلق كلهم أن يمنعوا هذا الخير إلا إذا أراد الله.

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والشر ليس إليك)

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والشر ليس إليك) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم بأن الخير والشر من الله وبقضائه: أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الانفراد، فيقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء الاستفتاح: (تباركت وتعاليت والشر ليس إليك). ومعناه والله أعلم: والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً، حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر! ويا مقدر الشر! وإن كان هو الخالق والمقدر لهما جميعاً، لذلك أضاف الخضر عليه الصلاة والسلام إرادة العجز إلى نفسه، فقال فيما أخبر الله عنه في قوله جل وعلا: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79]، ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف:82]، ولذلك قال مخبراً عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80] فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه]. يقول المؤلف رحمه الله: إن من عقيدة أهل السنة والجماعة مع كونهم مؤمنين بأن الخير والشر والضر والنفع من الله لا يضيفون الشر إلى الله تنزيهاً له، وإنما يضاف الخير إلى الله ولا يضاف الشر إليه، فلا يقال: إن الله تعالى مقدر الشر، لكن الشر يدخل في العموم، ويؤتى بصيغة المبني للمجهول، كقوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:2] فأضاف الشر إلى الخلق ولم يضفه إلى الله تنزيهاً له، وإلا فالله خالق الخير والشر. قال صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، ولم يقل: من الشر الذي خلقه الله، أضاف الشر إلى الخلق، فقال: (من شر ما خلق). ومثله قول الله تعالى حكاية عن مؤمني الجن أنهم قالوا: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10] فانظر إلى مؤمني الجن، فإنهم لم يضيفوا الشر إلى الله، بل قالوا: {أَشَرٌّ أُرِيدَ} [الجن:10] وهذه صيغة المبني للمجهول، ولما جاء الخير أضافوه إليه، فقالوا: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10]، فأضافوا الخير إلى الله وجاء بالشر بصيغة المبني للمجهول. ومثله ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والشر ليس إليك). ومثله قصة الخضر، فـ الخضر أضاف العيب إلى نفسه ولم يضفه إلى الله، فقال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79]، ولما جاء بالخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} [الكهف:82]. يقول المؤلف رحمه الله: ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم -مع قولهم بأن الخير والشر من الله وبقضائه- أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الانفراد، تنزيهاً لله، فلا يضاف إليه الشر، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان، وإن كان الله خالق كل شيء، بل يقال: إن الله خالق كل شيء، كما قال الله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:62] لكن لا تخصص تنزيهاً لله، فالله خالق كل شيء، تقول: الله خالق كل شيء وخلق كل شيء، أما أن تخصص فتضيف خلق الأشياء التي لا تليق إلى الله، فهذا لا يجوز، بل ينزه الله عن ذلك، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والكلاب والخنافس والجعلان، وهذه كلها خلقها الله ولا شك، لكن لا تضفها إلى الله تنزيهاً له بل أضفها مع جهة العموم ولا تخصصها. وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح: (تباركت وتعاليت، والخير في يديك، والشر ليس إليك). يقول المؤلف: ومعناه والله أعلم: والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً، حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر، أو يا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لها جميعاً، هذا القول الأول. والقول الثاني: أن معنى قوله في الحديث: (والشر ليس إليك) الشر المحض الذي لا حكمة في تقديره وإيجاده ولا خير فيه، فالشر المحض: هو الذي لا حكمة في تقديره، والشرور الموجودة في الدنيا شرور بالنسبة للعبد، فالكفر مثلاً شر نسبي بالنسبة للمخلوق، والمعصية شر نسبي، فهي شر بالنسبة إلى العبد الذي فعل الكفر فضره هذا الكفر وساءه، لكن بالنسبة إلى الله فإنه يضاف إليه إضافة خلق، فالله تعالى خلق الكفر لحكمة، فهي بالنسبة إلى الله خير، وبالنسبة إلى العبد شر، فالكفر الذي صدر من العبد بالنسبة إلى الله يضاف إليه إضافة الخلق، فقد خلقه لحكمة عظيمة يترتب عليها انقسام الناس إلى شقي وسعيد، ويترتب عليها قدرة الله على إيجاد المتضادات، ويترتب على الكفر أيضاً التوبة والمعصية، فالتوبة يترتب عليها عبودية الولاء والبراء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحب في الله والبغض في الله، فهذه مصالح عظيمة. والله تعالى خلق الكفر لحكمة؛ فيكون خلق الكفر بالنسبة لله خير؛ لأنه مبني على الحكمة، وبالنسبة إلى العبد شر، فإذاً قوله: والشر ليس إليك، يعني: الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده وتقديره. إذاً: كل الشرور الموجودة الآن في الدنيا نسبية فليس يوجد شر محض أبداً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والشر ليس إليك)، يعني: الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده وتقديره فهذا لا يوجد، وهذا هو الصواب، والمؤلف أتى بمعنى آخر، قال: (الشر ليس إليك)، أي: ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً، لكن يضاف إلى الله مع غيره، أما أن يفرد الشر فهذا ممنوع وهما معنيان. يقول المؤلف رحمه الله: ولذلك أضاف الخضر عليه الصلاة والسلام إرادة العيب إلى نفسه، فقال فيما أخبر الله تعالى عنه في قوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79]، والشاهد أنه أضاف العيب إلى نفسه، فقال: ((أَعِيبَهَا)) ولم يضفه إلى الله. ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف:82]، فالشاهد قوله: ((فَأَرَادَ رَبُّكَ)) فأضاف الرحمة إليه، ولذلك قال مخبراً عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80] فأضاف المرض إلى نفسه، فقال: ((مَرِضْتُ))، وأضاف الشفاء إلى الله بقوله: ((فَهُوَ يَشْفِينِ)) وإن كان الجميع من الله. إذاً: فالشر لا يضاف إلى الله، وإن كان الله خالق الخير والشر، ولكن يدخل في جملة المخلوقات التي قدرها الله.

أنواع الإرادة والفرق التي خالفت فيها

أنواع الإرادة والفرق التي خالفت فيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن مذهب أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، ولم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء أن لا يعصى ما خلق إبليس، فكفر الكافرين وإيمان المؤمنين بقضائه سبحانه وتعالى وقدره وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة ويسخط الكفر والمعصية، قال الله عز وجل: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7]]. هذه مسألة المشيئة والإرادة. وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الإرادة نوعان: إرادة قدرية خلقية كونية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية أمرية ترادف الرضا والمحبة. إذاً: الإرادة عند أهل السنة والجماعة نوعان: النوع الأول: إرادة كونية خلقية قدرية. هذه عامة تشمل جميع الأشياء، وترادف المشيئة في قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1]. والنوع الثاني: إرادة دينية شرعية أمرية ترادف المحبة والرضا، كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، فهذه إرادة دينية شرعية، والفرق بين الإرادتين: أن الإرادة الكونية الخلقية لا يتخلف مقتضاها، وأما الإرادة الدينية الشرعية فقد تحصل وقد لا تحصل، فإذا أراد الله كوناً وقدراً من هذا العبد هذا الفعل فلا بد أن يفعله، وإذا أراد منه أن يموت فلابد أن يموت فلا يتخلف مراده. أما الإرادة الدينية الشرعية فقد تحصل وقد لا تحصل، فالله تعالى أراد من العباد كلهم الإيمان والصلاح، لكن منهم من آمن ومنهم من لم يؤمن، فالدينية الشرعية قد يتخلف مرادها والكونية لا يتخلف مرادها. هذا الفرق الأول. والفرق الثاني بين الإرادتين: أن الإرادة الكونية الخلقية والإرادة الدينية تجتمعان في حق المؤمن، وتنفرد الكونية في حق الكافر، فالله تعالى أراد الإيمان من أبي بكر كوناً وقدراً وديناً وشرعاً فوقع. وأراد الإيمان من أبي لهب ديناً وشرعاً ولكنه لم يرده كوناً وقدراً، فوقعت الإرادة الكونية، فاجتمعت الإرادتان في حق المؤمن المطيع، وانفردت الإرادة الكونية في حق الكافر والعاصي، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة. أما أهل البدع فلهم مذهبان: المذهب الأول: الجبرية من الأشاعرة والجهمية، قالوا: ليس هناك إلا إرادة واحدة، وهي إرادة كونية قدرية، وأنكروا الإرادة الدينية الشرعية، والمعتزلة والقدرية أثبتوا الإرادة الدينية والشرعية، وأنكروا الإرادة الكونية، فكان كل من الجبرية والقدرية يثبتون نوعاً واحداً من الإرادتين، وأهل السنة قسموا الإرادة إلى قسمين على حسب النصوص: إرادة كونية قدرية خلقية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية أمرية ترادف المحبة والرضا. يقول المؤلف رحمه الله: وكذلك من مذهب أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، فلم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولم يكفر أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة لكن له الحكمة البالغة، فقسمهم إلى شقي وسعيد، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس:99]، ولو شاء أن لا يعصى لما خلق إبليس، لكنه خلقه لحكمة يعلمها. فكفر الكافرين، وإيمان المؤمنين، وإلحاد الملحدين، وتوحيد الموحدين، وطاعة المطيعين، ومعصية العاصين؛ كلها بقضائه سبحانه وقدره وإرادته ومشيئته وله الحكمة البالغة، فقد أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة، ويسخط الكفر والمعصية، قال الله: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:7]، وقال الله عز وجل: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7].

الاستثناء في الإيمان والشهادة على المعين بأنه في الجنة أو النار

الاستثناء في الإيمان والشهادة على المعين بأنه في الجنة أو النار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث: أن عواقب العباد مبهمة لا يدري أحد بم يختم له، ولا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل النار؛ لأن ذلك مغيب عنهم لا يعرفون على ما يموت عليه الإنسان، ولذا يقولون: إنا مؤمنون إن شاء الله، أي: من المؤمنين الذين يختم لهم بخير إن شاء الله. ويشهدون لمن مات على الإسلام أن عاقبته الجنة؛ فإن الذين سبق القضاء عليهم من الله أنهم يعذبون بالنار مدة بذنوبهم التي اكتسبوها، ولم يتوبوا منها؛ فإنهم يردون أخيراً إلى الجنة، ولا يبقى أحد في النار من المسلمين فضلاً من الله ومنة، ومن مات والعياذ بالله على الكفر فمرده إلى النار لا ينجو منها، ولا يكون لمقامه فيها منتهى]. مرتبة عواقب العباد مبهمة، فلا أحد يدري ما يختم به له، ولهذا فإن أهل السنة والجماعة لا يشهدون لأحد بعينه أنه من أهل الجنة، أو من أهل النار إلا من شهدت له النصوص كالعشرة المبشرين بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، فهؤلاء العشرة شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فنشهد لهم بالجنة، وكذلك الحسن والحسين وابن عمر كذلك وعبد الله بن سلام وعكاشة بن محصن وغيره، وأهل بيعة الرضوان، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة). فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة نشهد له بالجنة، ومن شهدت له النصوص بالنار نشهد له بالنار كـ أبي لهب وأبي جهل ونشهد لعموم المؤمنين بأنهم في الجنة، ونشهد لعموم الكفار بأنهم في النار، أما الشخص المعين من المسلمين فلا نشهد له بالجنة، لكن نشهد له بالعموم، فالمؤمنون جميعاً في الجنة والكفار جميعاً في النار، أما فلان ابن فلان من أهل القبلة فلا نشهد له بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص، وفلان ابن فلان لا نشهد عليه بالنار إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر، كأن يكون يهودياً أو نصرانياً أو مشركاً يعبد الأصنام والأوثان والحجة قائمة عليه، ومات على ذلك فإنا نشهد له بالكفر وبالنار، أما من لم تقم عليه الحجة، أو لم نعلم حاله فإننا نشهد عليه بالعموم، فنقول: كل كافر أو كل يهودي أو كل نصراني أو كل وثني أو كل منافق في النار، أما فلان ابن فلان فلا نشهد عليه إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر، وقامت عليه الحجة، وكذلك كل مؤمن في الجنة، أما فلان ابن فلان فلا نشهد له بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث أن عواقب العباد مبهمة، يعني: لا يدري أحد ما يختم لهذا، هل يختم له بالخير أو بالشر؟ ولا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، وينبغي أن يقيد كلام المؤلف هنا بقيد: إلا لمن شهدت له النصوص. فنقول: ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل الجنة إلا لمن شهدت له النصوص؛ لأن ذلك مغيب عنهم فلا يعرفون على ما يموت عليه الإنسان، أعلى الإسلام أم على الكفر؟ ولذلك يقول -يعني: المؤمن-: أنا مؤمن إن شاء الله، أي: من المؤمنين الذين يختم لهم بالخير إن شاء الله. وكذلك أيضاً يقول المؤمن: أنا مؤمن إن شاء الله. إذا أراد أنه لا يزكي نفسه، وأنه لا يدري أنه أدى ما عليه؛ لأن شعب الإيمان متعددة، فلا يجزم بأنه أدى الواجبات وترك المحرمات، ولا يزكي نفسه بل يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه لا يدري ما يختم له. ويشهد أهل السنة والجماعة لمن مات على الإسلام أن عاقبته الجنة. يعني: على العموم. فنقول: كل من مات على الإسلام فهو من أهل الجنة، وكل مؤمن فهو من أهل الجنة. أما شخص بعينه فلا يشهد له إلا لمن شهدت له النصوص. قال المؤلف: فإن الذي سبق القضاء عليهم من الله أنهم يعذبون بالنار مدة بذنوبهم التي اكتسبوها ولم يتوبوا منها فإنهم يردون أخيراً إلى الجنة، ولا يبقى أحد في النار من المسلمين فضلاً منه ومنة. يعني: من مات على التوحيد ثم عذب بالنار فإنه يعذب فيها مدة ويخرج منها كما سبق إلى الجنة؛ لأنه مات على التوحيد والإسلام. ثم قال: ومن مات -والعياذ بالله- على الكفر فمرده إلى النار لا ينجو منها، ولا يكون لمقامه فيها منتهى. لا تنفع فيه الشفاعة، ولا يدفع عنه عذاب الله أحد ولو أتى بملئ الأرض ذهباً، ولو اجتمع الخلق كلهم على أن ينقذوه من عذاب الله ما استطاعوا، ومن مات على الكفر فلا حيلة فيه، قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، وقال سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:37]، وقال سبحانه: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167]، وقال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:106 - 107]، وقال سبحانه: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:97]. فمن مات على الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر، أو الشرك الأكبر، أو الظلم الأكبر وهو ظلم الكفر، أو الفسق الكبر وهو فسق الكفر، فلا حيلة فيه، وليس له شفاعة، ولا نصيب له في الرحمة، وهو آيس من رحمة الله، نسأل الله السلامة والعافية، ونسأله سبحانه وتعالى أن يتوفنا على الإسلام وعلى التوحيد والإيمان غير مغيرين ولا مبدلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأسئلة

الأسئلة

سبب العمل للهداية وقد سبقت في علم الله

سبب العمل للهداية وقد سبقت في علم الله Q إذا كان الله جل وعلا قد أراد الهداية وشاءها، فلماذا يعمل العباد بالدعوة إلى الله مع أن الله يعلم أن هذا الإنسان سوف يهديه، وأن هذا سوف يضله؟ A الصحابة استشكلوا هذا، وقالوا: (يا رسول الله! ما يكدح الناس فيه ويعملون؟ هل في شيء مستقبل مستأنف أو في شيء فرغ منه؟ قال: في شي فرغ منه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10]). فهذا مغيب عنك والقدر إلى الله، وهو ليس من شئونك، أنت عبد مأمور، أما القدر فهو إلى الله فلا تنظر إليه، وعليك أن تجتهد في أداء الواجبات وترك المحرمات، وامتثل أوامر الله واجتنب نواهيه، وخل القدر، فالقدر من شئون الله وليس من شئونك.

المراد بإقامة الحجة

المراد بإقامة الحجة Q من المعلوم أن من شروط التكفير إقامة الحجة، فما المراد بها؟ وهل كون الإنسان يفهم القرآن ويقرأه تكون الحجة عليه قائمة؟ A المراد ببلوغ الحجة: أن يعلم أن هذا حجة على هذا الشيء، فإنه تقوم عليه الحجة ولا يشترط فهمها، قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]، فقد بعث الرسول، وقامت الحجة على من بلغته نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، قال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة:115] ولم يقل: حتى يتبين، فإذا بينت له الحجة وظهرت له، وعلم أن هذا حجة على هذا الشيء؛ فقد قامت عليه الحجة ولو لم يفهمها، قال الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة:171]، فالكفار قامت عليهم الحجة، ومع ذلك فقد شبههم الله بالغنم التي ينعق لها الراعي، فلا تسمع إلا نعيقه. فإن علموا الحجة بأن بلغهم القرآن وبلغتهم السنة فقد قامت عليهم الحجة ولا يشترط أن يفهموها.

إنما الأعمال بالخواتيم

إنما الأعمال بالخواتيم Q قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) فمن كان مكتوباً عليه أنه من أهل النار، لكنه يعمل بعمل أهل الجنة ومات على هذا، هل هناك تعارض بينه وبين الحديث؟ A لابد أن يصير الإنسان إلى القدر كما سمعتم الأحاديث، ولابد أن يسبق عليه الكتاب، فإذا كتب الله أنه من أهل الجنة فلابد أن يموت على عمل من عمل أهل الجنة، ويسبق عليه الكتاب، وإذا كان مكتوباً من أهل النار فلابد أن يموت على الكفر والعياذ بالله، وهذا من شئون الله وليس إليك، وما عليك أنت إلا أن تجتهد في أداء ما أوجب الله عليك وترك ما حرم الله عليك.

حكم الزيادة في ركعات الصلاة

حكم الزيادة في ركعات الصلاة Q رجل صلى إماماً في جماعة، وقام إلى خامسة، ونبهه المأمومون ولم يرجع، لكنهم تابعوه إلا رجلاً واحداً جلس حتى سلم الإمام، فما حكم صلاة المأمومين الذين فتحوا على الإمام وتابعوه في الخامسة؟ وكذلك حكم صلاة الرجل الذي جلس ولم يتابع الإمام؟ A إذا قام الإمام إلى خامسة في الرباعية، أو قام إلى رابعة في الثلاثية كالمغرب، أو قام إلى ثالثة في الثنائية كالفجر والجمعة؛ فإن على المأمومين أن ينبهوه ويقولوا: سبحان الله! سبحان الله! فإذا نبهه ثقتان وجب عليه أن يرجع إلى قولهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نبهه ذو اليدين لم يرجع إلى قوله حتى سئل الصحابة، وقال: (حق ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم). فإذا نبهه ثقتان وجب عليه أن يرجع، إلا أن يتيقن صواب نفسه، فإن تيقن أنه مصيب فلا يرجع عملاً باعتقاده، ثم المأمومون لهم أحوال أيضاً، فمن كان متيقناً أن هذه خامسة فلا يجوز له أن يتابع الإمام، بل يجلس حتى يسلم فيسلم معه. ومن كان شاكاً فعليه أن يتابع الإمام، والمتيقن أنها خامسة لا يجوز له متابعة الإمام، فالمأموم له يقينه والإمام له يقينه، وقد يكون الإمام متيقناً أنها رابعة وأنت متيقن أنها خامسة، فالمأموم له يقينه وأنت لك يقينك، فأنت تجلس والمأموم يقوم، ومن كان شاكاً لا يدري فإنه يتابع الإمام، ومن كان عنده يقين أنها خامسة فلا يتابع الإمام في الخامسة، فإن تابعه عالماً متعمداً بطلت صلاته، أما إذا تابعه جاهلاً يظن أنه يجب متابعته فصلاته صحيحة.

الموافاة وتعليل الاستثناء بها

الموافاة وتعليل الاستثناء بها Q نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال: وأما الموافاة فما علمت أحداً من السلف علل بها الاستثناء، ولكن كثيراً من المتأخرين يعلل بها من أصحاب الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي رحمهم الله وغيرهم؟ A الموافاة تعني: حين يوافي الإنسان ربه، أي: يهلل بالموافاة، فلا يدري ما يوافي لسانه به ربه، أي: ما يلاقي به ربه.

حكم الاستدلال بالأحاديث الضعيفة في أمور العقيدة

حكم الاستدلال بالأحاديث الضعيفة في أمور العقيدة Q هل يجوز الاستدلال بالأحاديث الضعيفة في أمور العقيدة مع علم المستدل بضعفها؟ A لا يجوز الاستدلال بالأحاديث الضعيفة ولا العمل بها لا في العقيدة ولا في الأعمال، فالأحاديث الضعيفة لا يعمل بها إلا إذا لم يشتد ضعفها ووجد لها متابع أو شاهد فإنه يتقوى ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره. أما إذا اشتد ضعفه، كأن يكون فيه متهم بالكذب أو كذاب أو وضاع فهذا لا تفيده المتابعات ولا الشواهد، وإنما شرط الأحاديث الضعيفة أن يعمل بها إذا لم يشتد ضعفها، كأن يكون فيها مدلس أو فيها انقطاع أو سيئ الحفظ، فهذا إن وجد له متابع أو شاهد فإنه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره فيعمل به.

حكم قول: (وما كان من شر فمن نفسي والشيطان)

حكم قول: (وما كان من شر فمن نفسي والشيطان) Q إذا كان الخير والشر من الله جل وعلا؛ فهل يصح ما يقوله بعض الناس: ما أصبت من حسنة فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان؟ A هذا مثلما سبق، فقد أضاف الخير إلى الله وأضاف الشر إلى نفسه. وهذا من باب التأدب مع الله والتنزيه له سبحانه، فلا يضاف إليه الشر وإن كان هو خالق الخير والشر سبحانه وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والشر ليس إليك). يعني: الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده وتقديره، أو أن الشر لا يضاف إليك مفرداً.

حبوط العمل يعد كفرا

حبوط العمل يعد كفراً Q ما معنى حبوط العمل في ترك صلاة العصر، علماً أن الله جل وعلا قال للصحابة: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2]، والحبوط هنا كما فسره المفسرون ليس كفراً؟ A الحبوط كفر، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5]. قال سبحانه: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217]، وهذا دليل واضح في أن ترك الصلاة تكاسلاً وتهاوناً كفر وردة، نعوذ بالله.

الدعاء يرد القضاء

الدعاء يرد القضاء Q هل الدعاء يرد القضاء؟ A الدعاء سبب من الأسباب وهو من القضاء، ولا يرد القدر إلا الدعاء، فالدعاء من الأسباب التي قدرها الله، فهو من القضاء وهو مما قدره الله.

من نواقض الإسلام

من نواقض الإسلام Q من أقام الصلاة وأتى بمكفرات كحكمه بالقوانين الوضعية، فهل يعد هذا الحاكم كافراً يخرج عليه؟ A لا يجوز الخروج على ولي الأمر إلا بشروط، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بوحاً عندكم من الله فيه برهان). فيكون الكفر موصوف بثلاثة أوصاف: كفر بواح، وعندكم فيه من الله برهان، وكذلك لا بد من القدرة على الخروج، ولابد من وجود البديل لهذا الحاكم؛ فإذا وجدت الشروط بأن كفر كفراً بواحاً لا شبهة فيه ولا لبس، أما إذا كان فيه إشكال فلا، ووجد البديل، أما أن يكون الحاكم كافر، ويؤتى بكافر بدله أو تأتي حكومة كافرة وبدلها حكومة كافرة. فما حصل المقصود، فلا بد من القدرة أيضاً، فإذا وجدت الشروط، كأن يكون فعل كفراً موصوفاً بثلاثة أوصاف: الشرط الأول: أن يكون كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. والشرط الثاني: وجود البديل المسلم. والشرط الثالث: القدرة؛ فعند ذلك وجب الخروج عليه.

الفرق بين عذاب المؤمن والكافر في النار

الفرق بين عذاب المؤمن والكافر في النار Q ما الدليل على أن المؤمن يدخل النار برجليه؟ A الدليل أن النصوص فرقت بين الكافر وغيره، فالكافر كما قال الله: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32]. وأخبر الله أن المؤمن يدخل النار، لكن الكافر تصلاه وتغمره النار من جميع الجهات، أما المؤمن فلا تأكل النار مواضع السجود منه، بل تلهبه النار على حسب عمله.

[12]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [12] إن أصحاب رسول الله ضحوا بالغالي والنفيس من أجل دين الله، ولن تشهد الدنيا جيلاً كجيلهم، ولقد كافأهم الله وهم في الدنيا، فقد أطلع الله نبيه بأن بعضهم من أهل الجنة وأمره أن يخبرهم بذلك.

المبشرون بالجنة

المبشرون بالجنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك تصديقاً منهم للرسول صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ووعده لهم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك، والله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على ما شاء من غيبه وبيان ذلك في قوله عز وجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26 - 27]. وقد بشر صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح، وكذلك قال لـ ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه: (إنه من أهل الجنة. قال أنس بن مالك: فلقد كان يمشي بين أظهرنا ونحن نقول: إنه من أهل الجنة)]. من عقيدة أهل السنة والجماعة: أنهم يشهدون لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، كالعشرة المبشرين بالجنة وثابت بن قيس بن شماس؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أنت من أهل الجنة). وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرفع صوته في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الخطيب يحتاج إلى رفع الصوت، فلما نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2]، خاف رضي الله عنه، وجلس في بيته يبكي خشية أن يحبط عمله، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه، فقال للرسول: إنه من أهل النار؛ لأنه يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخبروه أنه من أهل الجنة وليس من أهل النار). وهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بها. وكذلك الحسن والحسين فقد شهد لهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وكذلك عكاشة بن محصن، وعبد الله بن عمر، وبلال بن رباح فقد سمع قرع نعليه في الجنة، وعبد الله بن سلام وجماعة شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، والعشرة المبشرون بالجنة الذين عدهم المؤلف رحمه الله كلهم يشهد لهم بالجنة، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فإنا نشهد له بالجنة، وكذلك أهل بيعة الرضوان، قال صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة) وكانوا ألفاً وأربعمائة. وأهل بدر كذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). أما من لم يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فإنا نشهد له بالعموم، فنشهد لجميع المؤمنين بالجنة من باب العموم، لكننا لا نشهد بالخصوص إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، واليهود والنصارى والوثنيون في النار، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، لكن فلان ابن فلان بعينه لا نشهد له بالجنة إلا لمن شهد له الرسول، وفلان ابن فلان بعينه لا نشهد له بالنار إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر، وقامت عليه الحجة، وهذه عقيدة أهل السنة، فـ أبو لهب مثلاً شهدت نصوص القرآن بأنه في النار وأبو جهل كذلك، وما عدا ذلك فإننا نشهد للمؤمنين على وجه العموم بالجنة، ونشهد للكفار بالنار، لكن أهل السنة والجماعة يرجون للمحسن الثواب والعفو عن المسيئ، فإذا رأوا إنساناً مستقيماً على طاعة الله يؤدي ما أوجب الله عليه، وينتهي عما حرم الله عليه، فإنهم يرجون له خيراً، ويرجون أن يغفر الله له ويدخله الجنة، لكن لا يشهدون له بالجنة. والمسيئ الذي يعمل المعاصي والكبائر يخافون عليه من النار، ولا يشهدون عليه بالنار؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: فأما الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة، فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك تصديقاً للرسول عليه الصلاة والسلام فيما ذكره ووعده لهم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك، وقد أطلع الله تعالى رسوله على ما شاء من غيبه، وبيان ذلك في قوله عز وجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26 - 27]. والنبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي، فإذا شهد لأحد بالجنة؛ فإن هذا من الغيب الذي أطلعه الله عليه، قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]. وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه بالجنة وهم: أبو بكر، وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبو عبيدة بن الجراح، فهؤلاء يقال لهم: العشرة المبشرون بالجنة. وكذلك قال لـ ثابت بن قيس بن شماس: (أنت من أهل الجنة). لما جلس في بيته يبكي، وقال: إنه من أهل النار، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: فلقد كان يمشي بين أظهرنا ونحن نقول: إنه في الجنة ومن أهل الجنة.

أفضلية الصحابة بعضهم على بعض

أفضلية الصحابة بعضهم على بعض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهدون ويعتقدون: أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وأنهم الخلفاء الراشدون الذين ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلافتهم بقوله فيما رواه سعيد بن جمهان عن سفينة: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة). وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم]. يعتقد أهل السنة وأهل الحديث ويشهدون: أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ويشهدون أنهم هم الخلفاء الراشدون، وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهذا هو الذي عليه الجماهير، وروي عن الإمام أبي حنيفة: أن علياً أفضل من عثمان ولكن روي عنه أنه رجع ووافق الجمهور، وتفضيل علي على عثمان مسألة سهلة خفيفة، لكن تقديم علي على عثمان في الخلافة أمر منكر؛ ولهذا قال كثير من السلف: من قدم علياً على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، وقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. أي: احتقر رأيهم؛ لأن المهاجرين والأنصار أجمعوا على تقديم عثمان في الخلافة، فتقديم علي على عثمان في الخلافة أمر منكر شنيع باطل، أما تقديم علي على عثمان في الفضيلة فهذا سهل، وقد قال به بعض أهل السنة، وروي عن الإمام أبي حنيفة، ولكن روي أنه رجع ووافق الجمهور، وهم الخلفاء الراشدون وخلافتهم خلافة نبوة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سفينة: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة). وهو حديث حسن لا بأس به. ثم قال: أمسك خلافة أبي بكر سنتان، وخلافة عمر عشر سنوات، وخلافة عثمان ثنتا عشرة سنة، وخلافة علي ست سنوات، وهذا الترتيب، فتكون الجميع ثلاثون سنة، لكن هذا فيه جبر؛ فإن خلافة أبي بكر سنتان وثلاثة أشهر، وخلافة عمر عشر سنوات ونصف، وخلافة عثمان ثنتي عشرة سنة، وخلافة علي خمس سنين وأشهر، ثم بقي من الثلاثين السنة ستة أشهر وهي التي تولى فيها الحسن بن علي رضي الله عنه، وتنازل فيها لـ معاوية فتمت الخلافة ثلاثون سنة بنهاية الستة الأشهر التي تنازل فيها الحسن بن علي لـ معاوية، وانتهت الخلافة الراشدة وبدأ الملك، وأول ملوك المسلمين هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ولهذا قال المؤلف: وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن معاوية صحابي جليل، وخلافته وإن لم تكن كخلافة الخلفاء الراشدين إلا أنه ملك عادل وصحابي جليل.

القول في خلافة أبي بكر رضي الله عنه

القول في خلافة أبي بكر رضي الله عنه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهد أصحاب الحديث بأن خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فرضيناه لدنيانا]. يعني: أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس أيام مرضه وهي الدين، فرضيناه خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم علينا في أمور دنيانا. وقولهم: قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخره، وأرادوا أنه صلى الله عليه وسلم قدمك في الصلاة بنا أيام مرضه، فصلينا وراءك بأمره فمن ذا الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي بكر رضي الله عنه في حال حياته فيما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا، فانتفعوا بمكانه وارتفعوا وارتفقوا، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف لما عبد الله. ولما قيل له: مه يا أبا هريرة! قام بحجة صحة قوله، فصدقوه فيه وأقروا به]. أهل الحديث وأهل السنة والجماعة يثبتون خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه الخليفة الأول خلافاً للرافضة الذين يقولون: الخليفة الأول هو علي رضي الله عنه، وأن أبا بكر اغتصب الخلافة منه، وكذلك عمر وعثمان، وهذا قول باطل، والذي عليه أهل السنة والجماعة وأهل الحديث أن أبا بكر هو الخليفة الأول، وثبتت الخلافة لـ أبي بكر باختيار الصحابة وانتخابهم، فهذا هو الأرجح. وقال بعض العلماء: ثبتت خلافة أبي بكر بالنص واستدلوا بأدلة منها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته امرأة وقال لها: ائتني في وقت كذا، أي: في وقت لاحق. فقالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك، تعني الموت. فقال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر). قالوا: وهذا دليل على أنه الخليفة، وكذلك أيضاً روي في هذا منامات، وكذلك أيضاً تقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في أيام مرضه في الصلاة، وكذلك قوله: (لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً). فبعض العلماء قال: إن خلافته ثبتت بالنص، والذين قالوا بالنص على قولين: منهم من قال: ثبتت بالنص الجلي، ومنهم من قال: ثبتت بالنص الخفي. وقال آخرون: إنما ثبتت بالانتخاب والاختيار، وهذا هو الأرجح، فإنها ثبتت باختيار الصحابة وانتخابهم، واستدلوا بهذه الأدلة على أنه هو الخليفة، واستدلوا بكون النبي صلى الله عليه وسلم قدمه للصلاة، فهذا دليل على أنه هو الأحق بالخلافة. وكذلك أيضاً: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب كتاباً واختلفوا عنده، قال: (قوموا، ثم قال: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر). يعني: يأبى الله تقديراً وقضاءً، والمسلمون اختياراً وانتخاباً إلا أبا بكر، والصواب أن الخلافة ثبتت لـ أبي بكر بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، واستدلوا: بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اختياره. وبعض أهل العلم قال: إن هذه الأدلة نص في خلافته، والصواب أنها ثبتت بالاختيار والانتخاب، ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويثبت أصحاب الحديث خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا؛ فرضيناه لدنيانا]، يعني: أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس أيام مرضه وهي الدين، فرضيناه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور دنيانا، وقولهم: (قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم) فمن ذا الذي يؤخرك؟! أرادوا أنه قدمه في الصلاة أيام مرضه، فصلينا وراءه بأمره، فمن ذا الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته، مما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده. فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا فانتفعوا بمكانه، وارتفعوا به وارتقوا وعزوا وعلوا بسببه، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو! لولا أن أبا بكر استخلف لما عبد الله، ولما قيل له: مه يا أبا هريرة؟! ما تقول؟ قام بحجة صحة قوله، فصدقوه فيه وأقروا به. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي ارتدت قبائل العرب؛ فمنهم من عبد الأوثان، ومنهم من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من منع الزكاة، فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه، وأشكل هذا على بعض الصحابة ومنهم عمر إذ قال: كيف تقاتل من قال: لا إله إلا الله؟! فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله! لو منعوني عقالاً -وفي رواية: عناقاً- كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. فأجمع وعزم على قتالهم؛ حتى شرح الله صدر عمر، وصدر من كان عنده إشكال، فأجمعوا على قتالهم فكان في قتالهم خير عظيم، فرجع الناس إلى دين الله بعد أن خرجوا منه، فلهذا قال أبو هريرة رضي الله عنه: لولا أن أبا بكر استخلف لما عبد الله؛ لأن أكثر العرب ارتدوا فقاتلهم الصديق والصحابة حتى رجعوا إلى الإسلام.

استخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما

استخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه، واتفاق الصحابة عليه بعده، وإنجاز الله سبحانه -بمكانه في إعلاء الإسلام وإعظام شأنه- وعده] أهل السنة والجماعة يثبتون ويعتقدون أن الخليفة بعد أبي بكر هو: عمر رضي الله عنه، فقد ثبت له الخلافة. بالعهد من أبي بكر رضي الله عنه إليه، واتفاق الصحابة بعده عليه، ولهذا أنجز الله سبحانه وعده بإعلاء الإسلام وإعظام شأنه، فالخليفة الثاني هو عمر خلافاً للرافضة الذين يقولون: إن أبا بكر وعمر مغتضبان للخلافة، ويقولون عن الصحابة إنهم كفرة ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخفوا النصوص التي فيها أن الخليفة بعده علي، وينكرون خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ويقولون: إنهم ظلمة وفسقة وكفرة، فولاية هؤلاء الثلاثة زور وبهتان وظلم، وإلا فالخليفة الأول هو علي، وهذا منصوص عليه. هكذا يقول الرافضة، وهذا من أبطل الباطل.

خلافة عثمان رضي الله عنه بإجماع الصحابة

خلافة عثمان رضي الله عنه بإجماع الصحابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم خلافة عثمان رضي الله عنه بإجماع أهل الشورى، وإجماع الأصحاب كافة، ورضاهم به حتى جعل الأمر إليه]. والخليفة الثالث هو عثمان ثبتت له الخلافة باختيار المهاجرين والأنصار جميعاً، وأجمعوا عليه إجماعاً.

ثبوت خلافة علي بالمبايعة

ثبوت خلافة علي بالمبايعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم خلافة علي رضي الله عنه ببيعة الصحابة إياه، حين عرفه ورآه كل منهم -رضي الله عنهم- أحق الخلق وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة، ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه]. والخليفة الرابع هو علي رضي الله عنه، ثبتت له الخلافة بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد، وامتنع عن البيعة معاوية وأهل الشام، لا لأن معاوية يطلب الخلافة؛ بل لأنه يطالب بدم عثمان رضي الله عنه. وخلاصة الأمر فقد ثبتت الخلافة لـ أبي بكر بإجماع الصحابة، وثبتت لـ عمر بولاية العهد من أبي بكر واتفاق الصحابة عليه، وثبتت لـ عثمان بإجماع المهاجرين والأنصار، وثبتت لـ علي بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد دون معاوية وأهل الشام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين الذين نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم الملحدين، وقوى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونور بضيائهم ونورهم وبهائهم الظلام، وحقق بخلافتهم وعده السابق في قوله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ} [النور:55] الآية. وفي قوله: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29] إلى قوله: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29]، فهؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدون خلافتهم راشدة، وهم أفضل الناس، وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وخلافتهم خلافة نبوة، وقد نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم الملحدين، وقوى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونور الله بضيائهم وبهائهم الظلام، وتحقق في خلافتهم وعده في قوله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55]، وقد حصل هذا، فقد استخلفهم في الأرض، ومكن لهم الدين وبدلهم من بعد خوفهم أمناً. قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]، إلى قوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29]، هذه الآية فيها وصف للصحابة، ولهذا استنبط الإمام مالك رحمه الله من قوله تعالى: (ليغيظ بهم الكفار) أن من أغاظه الصحابة فإنه يكون كافراً بنص القرآن؛ لأن الله قال: (ليغيظ بهم الكفار).

الفوز لمن أحب الصحابة، والهلاك لمن أبغضهم

الفوز لمن أحب الصحابة، والهلاك لمن أبغضهم قا المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن أحبهم، وتولاهم، ودعا لهم، ورعى حقوقهم، وعرف فضلهم فهذا من الفائزين، ومن أبغضهم، وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم إليه الروافض والخوارج -لعنهم الله- فقد هلك في الهالكين]. (من أحبهم وتولاهم ودعا لهم ورعى حقوقهم وعرف فضلهم) فهو من أهل السنة والجماعة من الفائزين ومن أهل الحق. (ومن أبغضهم وسبهم) وكفرهم فهو من الهالكين -نسأل الله العافية- لأن الله زكاهم ووعدهم بالجنة فمن كفرهم أو فسقهم فقد كفر؛ لأنه مكذب لله، ومن كذب الله فقد كفر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسبوا أصحابي فمن سبهم فعليه لعنة الله)]. هذا الحديث كما يقول المحقق مركب من حديثين: فالجملة الأولى: (لا تسبوا أصحابي) فهي جزء من حديث صحيح، أما الجملة الثانية: (فمن سبهم فعليه لعنة الله) فهي جزء من حديث. وفي اللفظ الآخر: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال: (من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن سبهم فعليه لعنة الله)]. هذا الحديث ذكر المحقق أنه ضعيف، ويحتمل أن المؤلف ذكره؛ لأن له شواهد.

الصلاة خلف الإمام البر والفاجر والجهاد معه والدعاء له

الصلاة خلف الإمام البر والفاجر والجهاد معه والدعاء له قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام براً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف، وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل]. عقيدة أهل السنة والجماعة في ولاة الأمر من المؤمنين: عدم الخروج عليهم، ويرون جواز صلاة الجمعة والعيدين خلفهم، ويرون الجهاد والحج معهم ولو كانوا فساقاً، ولو ارتكبوا الكبائر، ما داموا مسلمين؛ لأن هذه المعاصي التي يفعلها ولاة الأمر مثل: شرب الخمر، أو الظلم، أو قتله بغير حق، أو أخذ مالاً بغير حق، فإن هذه المعاصي تعتبر من الظلم والفسق، فلا يجوز الخروج عليهم بمثلها؛ لأن الخروج يؤدي إلى مفسدة أكبر، وقواعد الشريعة تدل على أنه إذا وجدت مفسدتان ولا يمكن تركهما جميعاً، فترتكب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى، وإذا وجدت مصلحتان كبرى وصغرى ولا يمكن فعلهما جميعاً نترك الصغرى ونأتي بالكبرى، فهذه المسألة تتماشى مع قواعد الشرع بهذه الكيفية. فولي الأمر إذا فسق أو عصى فإن ذلك يعتبر مفسدة كبرى، لكن الخروج عليه يؤدي إلى مفسدة أكبر، وهي إراقة الدماء، وانقسام الناس إلى فريقين، واختلال الأمن، واختلال المعيشة، وتدهور الاقتصاد، والزراعة والتجارة والتعليم، وتربص الأعداء بهم الدوائر، وتأتي بفتن لا أول لها ولا آخر تقضي على الأخضر واليابس، فهذه مفاسد عظيمة فلا نرتكبها، بل على الرعية أن يصبروا على جور الولاة، فإن في هذا مصلحة كبيرة، والنصيحة مبذولة من قبل العلماء والدعاة وأهل الحل والعقد، فإن قبل الولاة فالحمد لله، وإن لم يقبلوا فقد أدى الناس ما عليهم، ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور في مثل هذا الحال. وولاة الأمور ما سلطوا على الناس إلا بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، فعليهم أن يتوبوا إلى الله، فقد يكون جور الولاة تأديباً للفسقة، وامتحاناً وابتلاء للصالحين، ورفعاً لدرجاتهم، مثل المصائب والنكبات، والأمراض والأسقام، يكفر الله بها السيئات، فإذا أراد الناس أن يصلح الله لهم ولاة أمورهم فليصلحوا أحوالهم، وليتوبوا إلى ربهم، ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويرى أصحاب الحديث وأهل السنة الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلاة خلف كل إمام براً كان أو فاجراً) والمراد بالإمام: إمام المسلمين، وولي أمرهم، ويقوم مقامه رئيس الدولة أو الجمهورية أو الملك أو الأمير. (براً كان أو فاجراً) أي: تقياً كان أو عاصياً. ومعنى قوله: (ويرون جهاد الكفرة معه، وإن كانوا جورة فجرة) أي: إذا أراد ولي الأمر أن يقاتل الكفار وعقد راية فعلى الناس أن يقاتلوا معه ولو كان فاجراً، أو جائراً أو ظالماً. فمن عقيدة أهل السنة والجماعة جهاد الكفرة مع ولاة الأمور وإن كانوا جورة فجرة، أي: جائرين، ظالمين وعاصين. والحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر، ولابد ممن يقوم بهما ويقاتل العدو، وهذا يحصل بالإمام الفاجر، كما يحصل بالإمام البر، ولهذا فإن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يجاهدون ويصلون خلف الإمام ولو كان جائراً ظالماً، ما دام أنه لم يكفر. وقوله: (ويرون الدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، وبسط العدل في الرعية) فأهل السنة والجماعة يدعون لهم، ولهذا جاء عن الفضيل بن عياض أنه قال: لو أن لي دعوة صالحة لصرفتها للسلطان، لأن بصلاحه تصلح الرعية. فيرون الدعاء لهم بالإصلاح، لأنهم إذا صلحوا صلحت الرعية. قوله: (ولا يرون الخروج عليهم بالسيف) أي: لا يجوز الخروج عليهم بالسيف، والذين يخرجون على ولاة الأمور بالسيف هم أهل البدع. قوله: (وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف) أي: أهل السنة والجماعة لا يخرجون على ولي الأمر بالسيف، ولو كانوا يرون أنهم عدلوا عن الحق، ومالوا وجاروا، فإن عليهم أن يصبروا على ذلك، والذين يرون الخروج على ولاة الأمور هم أهل البدع كالخوارج، فالخوارج يخرجون على ولاة الأمور بالمعاصي؛ لأنهم يرون أن الإنسان إذا فعل معصية كبيرة فقد كفر، وحل دمه وماله، وهو مخلد في النار. وكذلك المعتزلة يرون الخروج على ولي الأمر بالمعاصي، وهذا أصل من أصولهم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فستروا تحت الأمر بالمعروف إلزام الناس باجتهاداتهم، وستروا تحت النهي عن المنكر الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي. وكذلك الرافضة يرون الخروج على ولي الأمر؛ لأنها لا تصح الإمامة إلا للإمام المعصوم عندهم، وهو أحد الأئمة الاثنا عشر. والخلاصة: أن الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي هو مذهب أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة والروافض، أما أهل السنة فلا يخرجون على ولي الأمر، ولو ارتكب الكبائر بشرب الخمر، أو قتل أحداً بغير حق، أو أخذ ماله بغير حق، أو لم يوزع المال توزيعاً عادلاً، فلا يجوز الخروج عليه، بل الواجب الصبر، وبذل النصيحة. وقوله: (ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل). الفئة الباغية: هي جماعة من الناس يخرجون على ولي الأمر وتكون لهم شوكة، فهؤلاء إذا خرجوا للقتال فعلى ولي الأمر أن يرسل لهم من يناقشهم ويبحث معهم عن سبب خروجهم، فإن كان سبب خروجهم هو إنتشار المعاصي في البلاد وجب عليه أن يغير المعاصي حتى يرجعوا، فإن رجعوا وإلا قاتلهم، والناس يقاتلون معه؛ لأن هؤلاء أرادوا أن يشقوا عصا الطاعة ويفرقوا كلمة المسلمين.

موقف أهل السنة والجماعة مما شجر بين الصحابة

موقف أهل السنة والجماعة مما شجر بين الصحابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم، ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم، وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه رضي الله عنهن، والدعاء لهن، ومعرفة فضلهن، والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين]. هذه عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فموقفهم من الصحابة أنهم يرون الترحم عليهم والترضي عنهم، وذكر محاسنهم وفضائلهم والكف عما شجر بينهم من الاختلاف والنزاع، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم، كالخلافات والحروب التي وقعت بينهم، فلا يجوز ذكرها ولا كتابتها ولا تسجيلها في أشرطة، ولهذا فإن أشرطة طارق السويدان التي نشرت معايب الصحابة، يجب إتلافها وعدم سماعها؛ لأن هذا فيه نشر لعيوب الصحابة وهذا من أبطل الباطل، ويجب اعتقاد أن الصحابة خير الناس وأفضلهم، وما كان ولم يكن أحد مثلهم، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، اختارهم الله لصحبة نبيه، وهم الذين نقلوا إلينا القرآن والسنة، وحملوا إلينا الدين والشريعة، فتجريحهم تجريح للقرآن والسنة. أما ما شجر بينهم من الخلافات والنزاع فهذا كما ذكر القاضي ابن العربي في كتاب العواصم والقواصم وهو كتاب جيد، وكما بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية أن الخلافات التي وقعت بين الصحابة، منها ما هو كذب لا أساس له من الصحة، ومنها ما له أصل، لكن زيد فيه أو نقص منه، ومنها ما هو صحيح، والصحابة ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر. والذنوب المحققة، هناك أسباب للمغفرة منها التوبة، فمن تاب تاب الله عليه، ومنها أن يكون حصلت له مصائب كفر بها عنه، أو كفر عنه بحسنات عظيمة، أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والذين هم أولى الناس بها، هذا في الذنوب المحققة فكيف بغيرها. فإطلاق الألسنة والكتابة وتسجيل معايب الصحابة من طريقة أهل البدع، أما طريقة أهل السنة والجماعة فهم يترضون عن الصحابة ولا يذكرون مساوئهم، ويعتقدون أن لهم من الحسنات العظيمة ما يغطي ما صدر عنهم من الهفوات، كجهادهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وصحبتهم له، وتبليغهم دين الله إلى مشارق الأرض ومغاربها. فيجب الكف عما شجر بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم) أي: نواليهم ونترضى عنهم. وقوله: (وكذلك يرون تعظيم قدر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء لهن، ومعرفة فضلهن، والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين)، وأنهن زوجاته في الجنة، ومن قذف عائشة بما برأها الله منه فهو كافر.

[13]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [13] يعتقد أهل السنة أن أحداً لا تجب له الجنة وإن كان عمله حسناً، إلا أن يتفضل الله عليه فيدخله الجنة بمنه وفضله، والمهتدي من هداه الله، ويعتقدون أن الله أجّل لكل مخلوق أجلاً من الإنس والجن وغيرهما، ولا تموت نفس إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، ويعتقدون أن في الدنيا سحراً وسحرة، إلا أنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله.

دخول الجنة بفضل الله ورحمته دون غيرها

دخول الجنة بفضل الله ورحمته دون غيرها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعتقدون ويشهدون أن أحداً لا تجب له الجنة، وإن كان عمله حسناً وعبادته أخلص العبادات، وطاعته أزكى الطاعات، وطريقه مرتضى، إلا أن يتفضل الله عليه فيوجبها له بمنه وفضله، إذ عمل الخير الذي عمله لم يتيسر له إلا بتيسير الله عز اسمه، فلو لم ييسره له لم يتيسر، ولو لم يهده لفعله لم يهتد له أبداً، قال الله عز وجل: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:21] وفي آيات سواها، وقال مخبراً عن أهل الجنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43]، وفي آيات سواها]. يعتقد أهل السنة والجماعة ويشهدون أن دخول المؤمنين الجنة برحمة الله وفضله، وأن أحداًَ لا تجب له الجنة، وإن كان عمله حسناً، وعبادته أخلص العبادات، وطاعته أزكى الطاعات، وطريقه مرتضى، إلا أن يتفضل الله عليه فيوجبها له بمنه وفضله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة)، فدخول الجنة برحمة الله حتى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن هذه الرحمة لها سبب وهو العمل الصالح والتوحيد والإيمان، فمن جاء بالسبب نالته الرحمة، ومن لم يأت به لم تنله الرحمة، وهذا ما جاءت به النصوص قال الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32]، وقال: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]، فالله حرم الجنة على الكافرين؛ لأنهم ليسوا من أهل رحمته، فقد يئسوا منها، وأما المؤمنون فهم من أهل رحمته ويدخلهم الله الجنة بسبب أعمالهم، والله تعالى هو الذي من على الإنسان بالعمل، ولولا أن الله وفقه للعمل لما عمل، وهو الذي خلق الإنسان ورباه بنعمه، وأعطاه السمع والبصر والفؤاد، ومن عليه بالإسلام، وهداه، وهذا فضل من الله، قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:21]. وقال مخبراً عن أهل الجنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43]، فالهداية من الله.

لكل مخلوق أجل

لكل مخلوق أجل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعتقدون ويشهدون أن الله عز وجل أجل لكل مخلوق أجلاً، وأن نفساً لن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، وإذا انقضى أجل المرء فليس إلا الموت، وليس له عنه فوت، قال الله عز وجل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. وقال: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران:145]. ويشهدون أن من مات أو قتل فقد انقضى أجله المسمى له، قال الله عز وجل: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154]، وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78]]. ويعتقد أهل السنة وأهل الحديث ويشهدون أن الله عز وجل أجل لكل مخلوق أجلاً، وأن نفساً لن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، فلن يموت أحد حتى ينقضي أجله، ويستوفي رزقه، ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن روح القدس نفث في روعي-أي: في قلبي- أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها)، وثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود في قصة خلق الإنسان في بطن أمه أنه يأتيه الملك بعد أن يكون أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين يوماً علقة، ثم أربعين يوماً مضغة، وهي مائة وعشرون يوماً أي: (أربعة أشهر)، فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، وجاء في اللفظ الآخر: يا رب! ما الرزق؟ فيكتب، يا رب! ما الأجل؟ ما الشقاء؟ وما السعادة؟ وهكذا، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها الذي قدره الله لها، وإذا انقضى أجل المرء فليس له إلا الموت، قال الله عز وجل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]، وقال عز وجل: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:11]، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران:145]، وهذا عام لكل ميت، سواء مات بسبب أو بغير سبب مات مثلاً لأنه قتل، أو مات بالسم، أو لأنه تردى من جبل، أو صدم، أو مات بمرض، أو مات على فراشه، فلم يمت في هذه الأسباب إلا لأنه قد انقضى أجله، ولهذا قال المؤلف: (ويشهدون أن من مات أو قتل فقد انقضى أجله المسمى)، وهذا خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن المقتول قطع عليه أجله، فلو لم يقتل لاستمر في الحياة، فالمقتول عند المعتزلة له أجلان، أجل طويل وأجل قصير، فإذا قتل قطع عليه أجله الطويل، فهذا الكلام من أبطل الباطل؛ لأن الله قدر له أن يموت بهذا السبب، ولهذا قال الله عز وجل عن المنافقين: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154]، وذلك لما قتل من قتل في غزوة أحد من المسلمين، قالوا: لو أنهم لم يذهبوا لما قتلوا، فقال الله عز وجل: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] أي: لو كنتم في بيوتكم وجاء الأجل فلابد أن تخرجوا للقتال؛ حتى توافوا آجالكم. وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] أي: ولو كان الإنسان في بروج مشيدة، وأخذ بجميع الاحتياطات، فإذا جاءه فلابد أن يموت.

الاعتقاد بوجود الشياطين ووسوستهم

الاعتقاد بوجود الشياطين ووسوستهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويتيقنون أن الله سبحانه خلق الشياطين يوسوسون للآدميين ويعتدون استزلالهم، ويقصدون استنزالهم، ويترصدون لهم، قال الله عز وجل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، وأن الله تعالى يسلطهم على من يشاء، ويعصم من كيدهم ومكرهم من يشاء، قال الله عز وجل: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء:64 - 65]. وقال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} [النحل:99 - 100] الآية]. يعتقد أهل السنة وأهل الحديث أن الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء، خالق الشياطين وخالق الملائكة، وخالق الآدميين، وخالق الحيوانات والدواب، كما قال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16]. وخلق الشياطين لحكمة، والشيطان: هو من لم يؤمن، فكل كافر من الجن يسمى شيطاناً، ومن آمن من الجن لا يسمى شيطاناً، ومن حكمة خلق الشياطين أنهم يوسوسون لبني آدم، ابتلاءً وامتحاناً ليتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من الكافر، والمجاهد لنفسه من غير المجاهد لها، خلقهم ليغووا بني آدم، ويزينوا لهم المعاصي ويحسنونها، ويترصدوا لهم، كما قال الله تعالى عن أبيهم إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82]، وقال في آية الأعراف: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17]، وقال في آية أخرى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:39]، فقال الله عز وجل: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42]. فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الشياطين خلقهم الله وسلطهم على بني آدم لحكمة بالغة؛ ليتبين الصادق من الكاذب، ولينقسم الناس إلى مؤمن وكافر، قال الله عز وجل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]. وأن الله يسلطهم على من يشاء ويعصم من كيدهم ومكرهم من يشاء، قال الله عز وجل خطاباً لإبليس: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء:64 - 65]. وقال في الآية الأخرى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99 - 100]، فهذا ابتلاء وامتحان من الله عز وجل لعباده في هذه الحياة قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2].

الاعتقاد بوجود السحر والسحرة

الاعتقاد بوجود السحر والسحرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهدون أن في الدنيا سحراً وسحرة، إلا أنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102]، ومن سحر منهم واستعمل السحر واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله تعالى فقد كفر بالله جل جلاله. وإذا وصف ما يُكفر به استتيب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وإذا وصف ما ليس بكفر أو تكلم بما لا يفهم نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن قال: السحر ليس بحرام، وأنا أعتقد إباحته، وجب قتله؛ لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه]. يشهد أهل السنة وأهل الحديث ويعتقدون أن في الدنيا سحراً وسحرة، إلا أنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله، خلافاً للمعتزلة الذين أنكروا السحر والسحرة، وقالوا: لو كان هناك سحرة وتجري على أيديهم الخوارق لالتبس الأمر في الأنبياء، فأنكروا خوارق السحرة، وأنكروا كرامات الأولياء؛ لأنها تلتبس بمعجزات الأنبياء، وهذا باطل فالسحر والسحرة موجودون، والله تعالى أخبر في القرآن الكريم بوجودهم، فقال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102] إلى أن قال: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102]، فالسحر والسحرة موجودون لكنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله الكوني القدري، ومن تعلم السحر أو علمه أو فعله فقد كفر. والسحر في اللغة: عبارة عنما خفي سببه ولطف مأخذه. وفي الشرع: عبارة عن عزائم ورقى وعقد وأدوية وتمائم تؤثر في القلوب والأبدان فتمرض وتقتل وتفرق بين المرء وزوجه. والسحر نوعان: النوع الأول: سحر يتصل صاحبه بالشياطين، وحكم صاحبه أنه كافر؛ لأن الساحر الذي يتصل بالشياطين يعقد معهم عقد، يلتزم الساحر بمقتضى هذا العقد أن يكفر بالله عز وجل بأن يتقرب إلى الشيطان بالشركيات التي يريدها، كأن يطلب منه أن يلطخ المصحف بالنجاسة، أو يسجد له أو يتقرب إليه بما يريد، وبمقتضى ذلك فإن الشيطان يستجيب لمطالب الساحر، فيخبره عن بعض المغيبات الموجودة في البلد، وإذا أمره أن يلطم شخصاً لطمه أو أن يقتل شخصاً قتله. إذاً: هناك عقد بين الساحر وبين الشيطان الجني، بمقتضى هذا العقد تكون بينهما خدمة متبادلة، وهذا النوع من السحر كفر. والنوع الثاني: سحر لا يتصل صاحبه بالشياطين، لكنه يستعمل الأدوية ويعالج الناس ويضرهم ويأكل أموالهم بالباطل، فتجده يتخذ العلاج مهنة وهو ليس من أهلها، فكل من جاءه يشكو يقول له: عندي علاجك، ويأتي بأنواع من الأعشاب والأدوية فيقول له: هذا تدهن به، وهذا اشربه، وهذا اغتسل به وهكذا، فيأكل أموال الناس بالباطل وقد يضرهم بهذه الأدوية، فهذا حكمه أنه إذا استحل أكل أموال الناس بالباطل فقد كفر، وإن لم يستحلها فإنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، أما الساحر الذي يتصل بالشياطين فإنه كافر ويجب قتله، وإذا قتل فإنه يكون كافراً في أصح قولي العلماء، وعلى هذا فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم. وقيل: إن قتله حد لمنع شره وفساده، والصواب: أنه يقتل كفراً؛ لأنه كافر بالله عز وجل، وفي الحديث: (حد الساحر ضربة بالسيف). روي موقوفاً ومقطوعاً. وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عماله أن يقتلوا كل ساحر وساحرة قال الراوي: فقتلنا ثلاث سواحر. وصح عن حفصة أم المؤمنين أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت. أما الساحر الذي لا يتصل بالشياطين فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه يؤذي الناس ويأكل أموالهم بالباطل ويضرهم. ولا يجوز الإتيان إلى السحرة، ولا سؤالهم ولا العلاج عندهم؛ لأن الإتيان إليهم رفع لمعنوياتهم وفي الحديث: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فلن تقبل له صلاة أربعين يوماً). وفي الحديث الآخر: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم). وفي الحديث أيضاً: (ليس منا من سحر أو سحر له، أو تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له)، والمريض سواء كان مرضه بالسحر أو بغيره، فإنه يعالج مرضه بالطرق المشروعة لا الممنوعة، أما النشرة: وهي حل السحر عن المسحور، فإن لها حالتان: الحالة الأولى: حلها بسحر مثله فهذا حرام لا يجوز، وفي الحديث: (لا يحل السحر إلا ساحر). الحالة الثانية: حل السحر بأدوية وعقاقير طبية، أو برقية شرعية: كآيات من القرآن أو أحاديث نبوية أو أدعية شرعية أو أدعية. فمثال النشرة الجائزة ما روي عن بعض السلف: أنه يُقرأ في إناءٍ فيه ماء سبع آيات في السحر منها خمس آيات في سورة الأعراف وهي: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:118 - 122]. وآية في سورة طه: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69]. وآيتان في سورة يونس: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس:81 - 82]. فتقرأ هذه الآيات في إناء فيه ماء وتصب على رأس المسحور فيشفى بإذن لله، ويسن أيضاً قراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1]، وكذلك التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم! رب الناس أذهب الباس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً)، وكذلك يعالج بالعقاقير والأدوية. فالساحر إذا سحر أو استعمل السحر واعتقد أنه يضر أو ينفع فإنه يكفر، ولو لم يعتقد أنه يضر وينفع، هذا هو الصواب، قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102]، وكذلك إذا تعلم السحر أو علمه؛ لأن الساحر الذي يتصل بالشياطين لابد أن يفعل الشرك. قوله: (وإذا وصف ما يكفر به استتيب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه) هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، هل يستتاب الساحر أو لا يستتاب؟! لأهل العلم فيها قولان أصحهما: أنه لا يستتاب الساحر؛ بل يقتل دفعاً لشره وفساده. وقوله: (وإن وصف ما ليس بكفر أو تكلم بما لا يفهم نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن قال: السحر ليس بحرام وأنا أعتقد إباحته وجب قتله؛ لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه)، فوجب قتله لأنه كافر، نسأل الله السلامة والعافية.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين الجن والشياطين

الفرق بين الجن والشياطين Q هناك من يقول: إن الشياطين غير الجن، فالشياطين لا يؤمنون أبداً وهم ذرية إبليس، وأما الجن ففيهم المؤمن وفيهم الفاسق، ومنهم من يدخل في الإسلام، فما صحة هذا القول، أفتونا مأجورين؟ A الجن هم ذرية إبليس، لكن من أسلم منهم لا يسمى كافراً، والكافر يسمى شيطاناً، قال الشاعر: وسل أبا الجن اللعين فقل له أتعرف الخلاق أم أنت ذا نكران؟! فإبليس أبو الجن كفر ولم يسلم فهو شيطان.

حكم قول: (قدس الله روحه)

حكم قول: (قدس الله روحه) Q ما حكم من قال لأحد العلماء بعد وفاته: قدس الله روحه؟ A قدس الله روحه بمعنى طهر الله روحه بغفران ذنوبه فهذا دعاء له بالمغفرة. وهو جائز.

بيان موقف المعتزلة والأشاعرة من الصحابة رضي الله عنهم

بيان موقف المعتزلة والأشاعرة من الصحابة رضي الله عنهم Q ما هو موقف المعتزلة والأشاعرة من الصحابة رضي الله عنهم؟ A لا أعرف لهم قولاً خاصاً في الصحابة، إنما المعروف عن الخوارج أنهم ينصبون العداوة لأهل البيت، والروافض يغلون في أهل البيت، ويعبدونهم من دون الله، ويكفرون الصحابة، والنواصب بالعكس فهم كالخوارج ينصبون العداوة لأهل البيت، ويكفرون من خالفهم في الرأي من الصحابة، ولهذا كفروا علياً وعثمان.

بيان حكم قول: إن أمر الله وقضاءه بين الكاف والنون

بيان حكم قول: إن أمر الله وقضاءه بين الكاف والنون Q ما صحة عبارة: إن أمر الله وقضاءه بين الكاف والنون؟ A هذه العبارة ليست صحيحة، والعبارة الصحيحة هي كما قال الله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، فالله تعالى يخلق بالكلام، فإذا أراد أن يخلق شيئاً قال له: {كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، فهو يخلق بكلمة (كن) وليس بين الكاف والنون.

خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما

خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما Q هل الحسن بن علي رضي الله عنه خامس الخلفاء الراشدين؟ A لا، الحسن بن علي رضي الله عنه بويع له بالخلافة ستة أشهر، ثم تنازل لـ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، حقناً لدماء المسلمين، وصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، فكانت ولايته ستة أشهر مكملة لخلافة الخلفاء الراشدين وهي ثلاثون سنة.

حكم سب الله تعالى أو رسوله أو الصحابة

حكم سب الله تعالى أو رسوله أو الصحابة Q ما حكم سب الله، أو سب الرسول عليه الصلاة والسلام، أو سب الصحابة؟ A من سب الله أو سب الرسول عليه الصلاة والسلام أو سب دين الإسلام فإنه كافر بإجماع المسلمين، فيقتل من غير استتابة؛ وإن ادعى التوبة فلا تقبل توبته على الصحيح في أصح قولي العلماء وهذا هو الصواب، حتى لا يتجرأ الناس على مثل هذا الكفر الغليظ، وهذا في أحكام الدنيا، أما ما بينه وبين الله فإن تاب توبة نصوحاً فالله يقبل توبة الصادقين، وإن كان كاذباً فلا يقبلها الله. أما سب الصحابة ففيه تفصيل، إن كفّرهم أو فسقهم، فهذا كفر وردة؛ لأنه مكذب لله، لأن الله زكاهم وأعد لهم ووعدهم بالجنة، ومن كذب الله كفر. أما إذا كان السب ليس تكفيراً، كأن يصفهم بالبخل أو الجبن مثلاً أو يسب الواحد والاثنين غير الخلفاء الراشدين فهذا فسق وليس بكفر.

حكم قول: (أنا داخل على الله ثم عليك)

حكم قول: (أنا داخل على الله ثم عليك) Q ما صحة عبارة: أنا داخل على الله ثم عليك؟ A لا أعلم لهذا نصاً، ومعناها استجارة، كأنه يستجير به، أي: أستجير بالله ثم بك، فإذا كان يستجيره بشيء يقدر عليه فهذا من الأسباب، كأن تقول للشخص: أعذني من شر أولادك أو من شر زوجتك، فالاستعاذة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه لا بأس به، كذلك الاستجارة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه، كقول القائل: أجرني من هذا العدو، فهذا لا بأس به. أما الاستجارة بالميت أو بالغائب أو بالحي الحاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك، وكذلك إذا استعان بحي حاضر فيما يقدر عليه وأسبابه ظاهرة أو دعا حياً حاضراً كأن يقول: يا فلان! أقرضني أو أعني على مصلحتي، أو أعني في بناء مزرعتي، أو أعني على إصلاح سيارتي، فهذا ليس بشرك، أما من دعا ميتاً أو غائباً أو حياً حاضراً فيما لا يقدر عليه إلا الله فإن دعاءه يكون شركاً. وكذلك الاستعاذة فإذا استعاذ بحي حاضر فيما يقدر عليه فهذا لا بأس به. وكذلك الاستغاثة فإذا استغاث الغريق بسباح فلا بأس، أما إذا استغاث أو دعا ميتاً أو غائباً أو حياً حاضراً فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك.

حكم الاستعانة بالجن المسلمين

حكم الاستعانة بالجن المسلمين Q ما حكم الاستعانة بالجن المسلمين؟ A لا ينبغي للمسلم أن يستعين بالجن المسلمين؛ لأنه لا يعلم أحوالهم ولا يراهم، فإنهم قد يقولون له بأنهم مسلمون وهم منافقون، والجن أضعف عقولاً من الإنس، فإذا كان الإنس يكذبون وينافقون، فالجن يكذبون وينافقون، ولا ينبغي للمسلم أن يتمادى مع الجن كما يحصل من بعض القراء الذين يقرءون على المصروع، فيتكلمون مع الجني ساعتين أو ثلاث ساعات، ويطلبون منهم كذا، ويسألونهم عن أخبار كذا، فهذا لا ينبغي التمادي معه؛ لأنه فاسق معتد، والفاسق لا يصدق ولا يقبل خبره. فلا ينبغي للإنسان أن يستعين بالجن؛ لأنهم قد يجرونه إلى ما لا تحمد عقباه كالشرك بالله.

حكم الرافضي المظهر فسقه والمخفي لذلك

حكم الرافضي المظهر فسقه والمخفي لذلك Q هناك بعض الرافضة يصلون معنا جماعة في مصلى العمل، فيضعون أشياء على الأرض يسجدون عليها ويسبلون أيديهم، ويصفقون على أفخاذهم عند السلام، فكيف يعامل هؤلاء؟ A الواجب تبليغ ولاة الأمور عنهم ولا يقرون على هذا، فإذا تستروا ولم يظهروا شعائرهم ولم يعترفوا بمذهب الرفض فإنهم يتركون؛ فإن حكمهم حكم من أظهر الإسلام، فيعاملون معاملة المسلمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين معاملة المسلمين، مثل: عبد الله بن أبي وغيره. أما إذا أظهروا فسقهم ورفضهم، فيبلغ عنهم إلى المسئول في الدائرة، ويرفع أمرهم إلى ولاة الأمور، ويمنعون من إظهار شعائر الرافضة.

حكم الاعتماد على الجن

حكم الاعتماد على الجن Q يقول أحد المعالجين: إنه معه جني مسلم يساعده في العلاج، علماً بأن هذا الرجل يخبرنا ببعض الأمور المغيبة مثل أن هذا متزوج وهذا تملك، وهذا يدرس وغيره، فهل هذا يعتبر كاهن أم ماذا يطلق عليه؟ A لا ينبغي للقارئ ولا للراقي ولا لغيره أن يعتمد على كلام الجن؛ لأن الجن لا نعلم أحوالهم ولا يصدقون في أقوالهم، ولا في أخبارهم؛ لأن هذا الجني فاسق؛ لأنه اعتدى على هذا المصروع، فكيف يصدقه في خبره؟! ولا ينبغي للقارئ ولا لغيره التمادي مع الجن في مثل هذا، إنما يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، يقرأ عليه ويأمره بالخروج من الإنسان وعدم العدوان عليه، أما التمادي معه والجلوس ساعتين وثلاث وسؤاله عن المغيبات وعن كذا فهذا لا ينبغي؛ لأنه قد يجره إلى ما لا يحمد عقباه، وقد حصل هذا من بعض القراء ومن غيرهم فتغيرت أحوالهم وصاروا يصدقون الجن، وحصلت منهم أفعالاً منكرة، نسأل الله السلامة والعافية.

حكم الحكم على أحد بالجنة أو النار

حكم الحكم على أحد بالجنة أو النار Q من اعتقاد أهل السنة لا يشهدون لأحد بجنة ولا بنار ولكن في الحديث: (أن جنازة مرت فقال الصحابة رضي الله عنهم: وجبت) إلى آخر الحديث، فكيف الجمع بينهما؟ A هذا الحديث أخذ به بعض أهل العلم فقالوا: إنه إذا شهد للإنسان عدلان ثقتان من أهل الخير والصلاح بالجنة وجبت له أخذاً بهذا الحديث، والصواب الذي عليه الجماهير: أنه لا يشهد لأحد بالجنة إلا الأنبياء أو من شهدت له النصوص.

حكم من قدم عليا على عثمان في الخلافة

حكم من قدم علياً على عثمان في الخلافة Q ما حكم من قدم علياً رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه في الخلافة؟ A من قدم علياً على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، لأنه احتقر المهاجرين والأنصار؛ فإنهم قد أجمعوا على تولية عثمان رضي الله عنه وعلى بيعته بالخلافة، أما تقديم علي على عثمان في الفضيلة فهذه مسألة خفيفة وسهلة، وقد روي عن الإمام أبي حنيفة هذا القول، وروي عنه أنه رجع إلى قول الجمهور.

بيعة علي لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما

بيعة علي لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما Q هل بايع علي رضي الله عنه أبا بكر الصديق؟ وكيف كانت بيعته؟ A نعم بايعه، ولا إشكال في هذا، وقد أجمع الصحابة على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

موقف أهل السنة والجماعة من الصحابي وحشي بن حرب

موقف أهل السنة والجماعة من الصحابي وحشي بن حرب Q ما هو موقف أهل السنة والجماعة من الصحابي الجليل وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم كرهه؟ وهل نكرهه لكره رسول الله صلى الله عليه وسلم له؟ A الصحابي وحشي كغيره من الصحابة، وإنما قتل حمزة قبل الإسلام، والإسلام يجب ما قبله ومن تاب تاب الله عليه، ولا إشكال في هذا، وأهل السنة يترضون عنه ويوالونه كسائر الصحابة.

حكم وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع

حكم وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع Q ما حكم وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع؟ A توضع اليدين على الصدر قبل الركوع وتوضع بعده؛ لأن وضعهما على الصدر إنما يكون في حال القيام، وكما أنه يضعهما قبل الركوع فكذلك يضعها بعده، أما في التشهد والجلوس بين السجدتين فإنه يضعهما على الفخذين، وهذا هو الصواب.

حكم من أنكر تلبس الجني بالإنسي

حكم من أنكر تلبس الجني بالإنسي Q ما حكم من أنكر تلبس الجني بالإنسي؟ A هذا مخالف للنصوص وللواقع وللحس، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة:275]، وفي الحديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم). قال الله عز وجل: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:4 - 6]. فهذه نصوص واضحة في أن الشيطان قد يتلبس بالإنسان ويسكنه. ومذهب المعتزلة وأهل البدع أنهم ينكرون تلبس الجني بالإنسي ويقولون: لا يمكن أن تدخل ذات في ذات، وهذا من أبطل الباطل، ويرد عليهم بما يلي: أولاً: أن النصوص واضحة في هذا. ثانياً: أن الجني روح خفيفة، ولا يستغرب دخول الذات الخفيفة في الذات الإنسانية. مثال ذلك: الماء يجري في العود فهو ذات يجري في ذات، والنار تسري في الفحم؛ فهي ذات تسري في ذات، فالماء والنار ذاتان خفيفتان، وكذلك ذات الجني فهي روح خفيفة تسري في البدن، وهذا واقع. فإنكار المعتزلة لمثل هذا إنكار باطل لا وجه له.

بعض الأذكار الشرعية التي تحمي من الجن والعين والسحر

بعض الأذكار الشرعية التي تحمي من الجن والعين والسحر Q نرجو منكم ذكر بعض الأذكار والأوراد الشرعية التي تحمي الشخص من الجن والشياطين ومن السحر والعين؟ A الأوراد الشرعية معروفة، منها قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، وقراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] مرة بعد كل صلاة، وثلاث مرات بعد المغرب وبعد الفجر. ومنها التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، والاستعاذة بالله والالتجاء إليه، والإكثار من ذكر الله عز وجل كـ (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم). وهناك أذكار كثيرة، وأوراد مذكورة في كتب الأذكار ككتاب الأذكار للنووي، والكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك رسالة في الأدعية والأذكار كتبها شيخنا الشيخ ابن باز رحمة الله عليه، وهناك مؤلفات في الأذكار يمكن للسائل أن يراجعها.

اختلاف أهل السنة والجماعة في كيفية ثبوت خلافة أبي بكر الصديق

اختلاف أهل السنة والجماعة في كيفية ثبوت خلافة أبي بكر الصديق Q هل اختلف أهل السنة والجماعة في كيفية ثبوت خلافة الخلفاء الراشدين هل هي بالنص أم بالاجتهاد؟ A اختلف العلماء في خلافة الصديق، هل ثبتت بالنص أو بالاختيار والانتخاب؟ والذين قالوا بالنص اختلفوا أيضاً هل ثبتت بالنص الجلي أم بالنص الخفي؟! والصواب: أنه ثبتت بالاختيار والانتخاب. أما خلافة عمر وعثمان وعلي فلا إشكال فيها ولا خلاف؛ لأنها ليست ثابتة بالنص، فـ عمر ثبتت له الخلافة باستخلاف أبي بكر له، واتفاق الأمة والصحابة عليه، وعثمان ثبتت له الخلافة ببيعة أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار، وثبتت لـ علي الخلافة ببيعة أكثر أهل الحل والعقد، سوى معاوية وأهل الشام، فالخلفاء الثلاثة إنما ثبتت خلافتهم باختيار المسلمين وانتخابهم.

ذكر بعض الكتب المؤلفة في فضائل الصحابة

ذكر بعض الكتب المؤلفة في فضائل الصحابة Q نرجو أن تدلنا على بعض الكتب المؤلفة في فضائل الصحابة؟ A فضائل الصحابة والخلفاء الراشدين موجودة في كتب السنة: في الصحيحين والسنن والمسانيد، حيث إن هذه الكتب تذكر الأحاديث والآثار التي فيها فضل الصحابة ومنزلتهم ومكانتهم، وكذلك في كتب العقائد: كالطحاوية، وكتابنا هذا عقيدة أهل السنة وأهل الحديث، والإبانة لـ ابن بطة وعقيدة اللالكائي، وكتب السنة والاعتقاد، السنة للإمام أحمد، والسنة لابنه عبد الله، والسنة لـ ابن أبي عاصم وغيرها، فكتب العقائد وكتب الحديث فيها بيان مكارم الصحابة ومنزلتهم وفضلهم.

الجمع بين قوله تعالى: (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه)

الجمع بين قوله تعالى: (ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه) Q كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) وبين قوله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:11]؟ A لا منافاة بين النصوص، ففي قول الله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:11]، بيان أن الأجل مكتوب، وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يؤخر له في أجله، وينسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه؛ فليصل رحمه) فمعناه: أن الله تعالى جعل صلة الرحم سبباً في طول العمر، والسبب والمسبب مكتوبان، فالله تعالى قدر الأسباب والمسببات، وقدر أن هذا يطول عمره بصلة الرحم، وهذا يقصر عمره بقطيعتها.

من رؤي في المنام أنه من أهل الجنة

من رؤي في المنام أنه من أهل الجنة Q من رؤي في المنام أنه من أهل الجنة، هل يحكم له بأنه من أهلها؟ A لا يشهد لأحد بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص، أما الرؤى والمنامات فلا يعتبر بها، لكنها قد تكون من المبشرات خاصة إذا جاءت من الرجل الصالح لقوله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له)، أما أن يفتتن المسلم بها فلا يعمل بالمنامات.

حكم تعلم السحر

حكم تعلم السحر Q ما حكم تعلم السحر؟ A تعلم السحر وتعليمه شرك وكفر وردة، إذا كان يتصل بالشياطين، كما قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102]، لأن الذي يتعلم السحر ويتصل بالشياطين لابد أن يشرك بالله؛ لأن الشيطان يشترط على الساحر أن يكفر بالله بأن يتقرب بالشركيات، مثل: الذبح لغير الله، أو البول على المصحف أو دوسه بقدميه أو تلطيخه بالنجاسة، فالساحر مشرك لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن سحر فقد أشرك).

نصيحة للنساء اللاتي يتساهلن في تغطية اليدين والرجلين

نصيحة للنساء اللاتي يتساهلن في تغطية اليدين والرجلين Q ما نصيحتكم للنساء اللواتي لا يرتدين قفازاً ولا جورباً، وكذلك لأزواجهن الذين يسمحون لهن بالخروج لغير ضرورة؟ A ننصح النساء بالحجاب والتحجب، فتستر جسمها عن الرجال بأن تلبس العباءة وهي: ثياب فضفاضة واسعة غير ضيقة ولا واسعة الأكمام ولا تلفت أنظار الرجال إليها كالمزركشة، ولا تكن على الكتفين كما يصنع الرجال، فتضعها المرأة على رأسها ولا تتشبه بالرجال. وعلى المرأة أن تستر يديها ورجليها -إما بالقفازين وإما بثيابها- عن الرجال الأجانب وأن تكون محتشمة متسترة فلا تتطيب، هذا هو الواجب على المرأة، وعلى أولياء أمورهن أن ينصحوهن بهذا. نسأل الله للجميع السداد.

شرح قاعدة: (إذا اجتمعت مفسدتان ارتكبت الصغرى لدفع الكبرى)

شرح قاعدة: (إذا اجتمعت مفسدتان ارتكبت الصغرى لدفع الكبرى) Q ما هو شرح قاعدة: إذا اجتمعت مفسدتان تركت العظمى وآثرنا الصغرى عليها؟ A القاعدة أنه إذا اجتمعت مفسدتان لا يمكن تركهما، فإنه ترتكب المفسدة الصغرى، لدفع المفسدة الكبرى، مثال ذلك: إذا فعل ولي الأمر معصية فهذه مفسدة، فإذا أراد شخص أو جماعة أن ينكروا على ولي الأمر بالخروج عليه بالقتال، فهذه مفسدة كبرى؛ لأنه ترتب عليها مفاسد أعظم من المفسدة السابقة، فعندنا مفسدتان: المفسدة الأولى: مفسدة كون ولي الأمر فعل معصية مثل شرب الخمر أو ظلم أحد أو قتل أحد بغير حق، والمفسدة الثانية: الخروج على ولي الأمر، فإذا خرج عليه فإنه سيقاتلهم بجيشه، فيصير المسلمون حزبين، فتراق الدماء، وتفسد أحوال الناس ويختل الأمن، وتدهور سبل المعيشة كالتجارة والزراعة والاقتصاد والدراسة، ويتدخل الأعداء ويتربصون بهم الدوائر وتذهب ريح الدولة، وتأتي فتن لا أول لها ولا آخر تقضي على الأخضر واليابس. فنصبر على المعصية، والنصيحة لأولياء الأمور تكون مبذولة من قبل العلماء وأهل الحل والعقد، فإن قبل فالحمد لله وإلا فقد أدى الناس ما عليهم أما الخروج على ولي الأمر بالقتال فلا يجوز. ومن أمثلة ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه خرج مرة -ومعه بعض تلاميذه- فوجد قوماً من التتار يشربون الخمر، فأراد بعض تلاميذ الشيخ أن ينكر عليهم شرب الخمر، فمنعه الشيخ وقال له: إن هؤلاء اشتغلوا عن قتل المسلمين بشرب الخمر، فلو أنكرت عليهم لتفرغوا لقتل المسلمين، فكونهم يشربون الخمر مفسدة، وكونهم يقطعون رقاب المسلمين مفسدة أعظم، فأي المفسدتين نرتكب؟! ولهذا قال الشيخ: اتركهم يشربون الخمر؛ حتى يشتغلوا بشرب الخمر عن قتل المسلمين، فلا ينكر المنكر إذا كان يترتب عليه منكر أشد منه.

[14]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [14] أهل السنة هم المتبعون لسنة النبي عليه الصلاة والسلام ظاهراً وباطناً، وبهذا يتميزون عن أهل البدع، فهم يسارعون إلى إقامة الصلوات جماعة ويقيمون الليل ويصلون الأرحام ويفشون السلام ويطعمون الطعام ويبتعدون عن الجدال والخصومات ويحبون في الله ويبغضون في الله، ويجانبون أهل البدع ويصبرون على أذاهم ونبزهم لهم بالألقاب الكاذبة.

علامات أصحاب الحديث

علامات أصحاب الحديث

أهل السنة وأصحاب الحديث يحرمون المسكرات

أهل السنة وأصحاب الحديث يحرمون المسكرات قال الإمام المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحرم أصحاب الحديث المسكر من الأشربة المتخذة من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر، يحرمون قليله وكثيره، ويجتنبونه وينجسونه ويوجبون به الحد]. أي: يحلون ما أحل الله ويحرمون ما حرم الله، ويتأدبون بالآداب الشرعية الواجبة والمستحبة. وأصحاب الحديث هم في مقدمة أهل السنة والجماعة وهم أهل الحق، وهم الفرقة الناجية، وتشمل هذه الفرقة كل من عمل بالسنة واجتنب البدعة، سواءً كان مزارعاً أو تاجراً أو صانعاً أو حداداً أو جزاراً أو خياطاً، فأهل السنة والجماعة والفرقة الناجية هم الصحابة والتابعون والأئمة والعلماء وفي مقدمتهم أهل الحديث. فأصحاب الحديث يحرمون المسكر من الأشربة المتخذة من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر، يحرمون قليله وكثيره؛ لأنهم يعملون بالسنة، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وعلى هذا فكل مسكر حرام، وهو من الخمر، سواء كان مأكولاً أو مشروباً أو مشموماً، وكانت الخمر تتخذ في الأزمنة القديمة من العنب، فيعصر العنب، فإذا مضى عليه ثلاثة أيام وهو في شدة الحر، قذف بالزبد وتخمر وصار خمراً. وأحياناً يؤخذ من التمر، ويسمونه المريس، فيوضع في الماء لكي يكون حالياً، فإذا جلس ثلاثة أيام في الحر تخمر. وأحياناً يؤخذ من العسل، وأحياناً من الذرة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعصر له العصير فيشربه اليوم الأول ومن الغد فإذا كان في اليوم الثالث صبه وأهراقه أو سقاه الخادم خشية أن يتخمر، ومعلوم أن الخادم يتأمل وينظر إليه، وذلك في شدة الحر، لكن العصير الآن إذا جعل في الثلاجة لا يتخمر، فإذا ترك في شدة الحر تخمر، وظهرت أنواع جديدة من الخمور منها: المأكول والمشروب، وقد تكون أقراصاً، وقد تكون بالشم، فكل ما يسكر فهو حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر)، فهذا من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من صيغ العموم. وجمهور العلماء على أن الخمر من كل شراب، وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الخمر لا تكون إلا من عصير العنب، والصواب: أن الصفة عامة في العنب وفي غيره. وللخمر أسماء كثيرة كما ذكر العلماء، منها: السكر، وتسمى الجفن، والجعة، والمزر، والبزر، والسكركة، والفضيخ، والطلاء، والباذق. وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)، وفي الحديث الذي رواه البخاري معلقاً: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، فقوله: (الحر) أي: الفرج يعني: الزنا. وقوله: (والمعازف) هي آلات الغناء. وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رءوسهم بالمعازف والقينات والمغنيات يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير) رواه ابن ماجة ولا بأس بسنده. وقوله: (يحرمون قليله وكثيرة ويجتنبونه) أي: يبتعدون عنه، وفي النسخة الأخرى (ينجسونه) أي: يرون أنه نجس، وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم هل الخمر نجس أو ليس بنجس؟! فالجمهور على أنه نجس، واستدلوا بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90]. وذهب بعض العلماء إلى أنه ليس بنجس، وقالوا: لا يلزم من التحريم النجاسة، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقتها لما حرمت فملأت سكك المدينة، والناس يمشون إلى المسجد حافين، فيطؤونها ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أرجلهم، فدل ذلك على أنها ليست نجسة، وعلى كل حال فهي محرمة سواء كانت نجسة أو ليست نجسة. وقوله: (ويوجبون به الحد) أي: من شرب الخمر وثبت عليه ذلك، فإنه يقام عليه الحد أربعين جلدة أو ثمانين جلدة. فحد شارب الخمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين جلدة، وكذلك في عهد أبي بكر، أما في آخر عهد عمر فإنه جلد ثمانين جلدة، وأخذ الناس من بعده بذلك.

أهل الحديث يسارعون إلى إقامة الصلوات

أهل الحديث يسارعون إلى إقامة الصلوات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويرون المسارعة إلى أداء الصلوات، وإقامتها في أوائل الأوقات أفضل من تأخيرها إلى أواخر الأوقات إحرازاً للأجور الجميلة بها والمثوبات]. أهل السنة والجماعة يرون المسارعة إلى أداء الصلوات عملاً بقول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]، وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:277]، وقوله تعالى على لسان موسى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84] جماعة في المساجد وإقامتها في أوائل الأوقات، فإن ذلك أفضل من تأخيرها إلى آخر الأوقات. ولما جاء في الأحاديث الصحيحة من الحث على المسارعة إلى أداء الصلاة في أول وقتها فإن ذلك أفضل وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها) وفي رواية: (والصلاة في أول وقتها).

وجوب قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد عند أهل السنة

وجوب قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد عند أهل السنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويوجبون قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام]. وقراءة الفاتحة ركن في حق الإمام والمنفرد بالاتفاق، فلا تصح صلاة أحدهما إلا بقراءتها في كل ركعة، فلو تركها الإمام أو المنفرد في ركعة من الركعات لم تصح صلاتهما، لبطلان هذه الركعة إلا أن يستأنفها. أما قراءة المأموم ففيها خلاف بين أهل العلم على أربعة أقوال: فمن العلماء من قال بوجوب قراءتها مطلقاً في السرية والجهرية. ومنهم من قال: لا تجب لا في السرية ولا في الجهرية، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة واستدلوا بحديث: (من كان له إمام فقرائته له قراءة)، لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم. ومن العلماء من قال: تجب على المأموم إلا إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه، لحديث أبي بكرة: (أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دب دبيباً حتى وقف في الصف، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بقضاء الركعة فدل على أنه أدركها. وذهب آخرون من أهل العلم: إلى أنه إذا أدرك الإمام راكعاً فإنه تفوته الركعة؛ لأنه لم يقرأ الفاتحة، فلابد من قراءتها وهو اختيار الإمام البخاري رحمه الله، وألف في هذا جزء القراءة خلف الإمام، فتكون قراءة الفاتحة في حق المأموم فيها أربعة أقوال: القول الأول: أنها لا تجب لا في السرية ولا في الجهرية، وهذا أضعفها. القول الثاني: أنها تجب في السرية والجهرية إلا إذا أدرك الإمام راكعاً، فإنها تسقط عنه. القول الثالث: أنها تجب في السرية دون الجهرية. القول الرابع: أنها تجب في السرية والجهرية، وإذا أدرك الإمام راكعاً فإنه لا يدرك الركعة. والراجح أنها تجب على المأموم مطلقاً في السرية والجهرية، إلا إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه وهو القول الثاني، وهي في حق المأموم واجب مخفف، بحيث إذا نسيها سقطت عنه، أو إذا أدرك الإمام راكعاً، أو أدركه في آخر ركعة فإنها تسقط عنه، أو قلد من يقول أنها ليست واجبة، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي لا بأس بسنده: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟! قالوا: نعم يا رسول الله! قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ويكون مخصصاً لعموم قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:204] أي: إلا الفاتحة فإنها مستثناة فتقرأ في الصلاة، وحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا) أي: إلا الفاتحة. ومذهب الجمهور: أنها تجب في السرية والجهرية، وأنها في الجهرية تسقط عن المأموم. والقول بوجوبها حتى في الجهرية قول قوي اختاره الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه وألف رسالة في هذا واختاره ابن خزيمة وجماعة من الشافعية كـ البيهقي والنووي وابن حجر، واختاره أيضاً البخاري وابن حزم والشوكاني وهو اختيار جمع من أصحاب الحديث، وكذلك المؤلف رحمه الله قال بوجوبها. فأهل السنة منهم من يوجبها، ومنهم من لا يوجبها، ومنهم من يوجبها في السرية دون الجهرية.

وجوب إتمام الركوع والسجود والطمأنينة فيهما عند أهل السنة

وجوب إتمام الركوع والسجود والطمأنينة فيهما عند أهل السنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويأمرون بإتمام الركوع والسجود حتماً واجباً، ويعدون إتمام الركوع والسجود بالطمأنينة فيهما والارتفاع من الركوع والانتصاب منه والطمأنينة فيه، وكذلك الارتفاع من السجود والجلوس بين السجدتين مطمئنين فيه من أركان الصلاة التي لا تصح إلا بها]. لابد من إتمام الركوع والسجود، فمن لم يتم الركوع والسجود ولم يطمئن فيهما فصلاته باطلة؛ لأن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، والطمأنينة في الركوع هي أنه إذا ركع يظل راكعاً حتى يعود كل مفصل إلى موضعه. واطمئنان المصلي هو أن يجلس حتى يعود كل مفصل إلى موضعه، ويطمئن في الركوع والسجود، وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع يقف حتى ينتصب قائماً وإذا سجد فعليه أن يطمئن، وكذلك إذا رفع رأسه من الجلوس بين السجدتين فعليه أن يطمئن، فلا بد من الطمأنينة في الأركان كلها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع وقف حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود جلس حتى يقول القائل: قد نسي، يعني: أنه يطيل هذين الركنين. وبعض الأحناف لا يرون الطمأنينة واجبة، فبمجرد أن يقول: سمع الله لمن حمده يسجد مباشرة، وإذا رفع رأسه من السجدة عاد مباشرة وسجد، فهم لا يرون الطمأنينة واجبة بعد الركوع وبين السجدتين، لذلك تجد أن بعض الإخوان الباكستانيين يفعلون هذا عملاً بمذهب بعض الحنفية، وهذا غلط ومخالف لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا بد من الطمأنينة، فقد جاء في حديث المسيء صلاته أنه جاء وصلى ركعتين ولم يتم الركوع ولا السجود فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات بقوله: (ارجع فصل فإنك لم تصل) حتى فعل ذلك ثلاثاً، ثم بعد ذلك أرشده إلى الطمأنينة، وقال له: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اجلس حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها).

قيام الليل

قيام الليل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين، والتعفف في المأكل والمشرب والمنكح والملبس، والسعي بالخيرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع، واتقاء سوء عاقبة الطمع، ويتواصون بالحق والصبر]. إن من صفات وأخلاق أهل الحق والاستقامة، أهل السنة والجماعة أهل الحديث، أنهم يتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، كما قال الله تعالى عن المتقين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16]. فقيام الليل من أفضل القربات وأجل الطاعات، وهو من صفات المتقين، قال سبحانه في وصف المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]. فتراهم يتواصون بقيام الليل، بعد النوم وإن لم يكن واجباً ولكنه مستحب، وهذه من صفات المؤمنين.

صلة الأرحام

صلة الأرحام ويتواصلون بصلة الأرحام، والأرحام: هم القرابات من جهة الأم أو من جهة الأب، وأقرب الأرحام: الأبوان الأب والأم، ثم الأقرب فالأقرب من الأبناء والبنات وأبنائهم والأجداد والجدات، ومن الأعمام والعمات وأبنائهم، ومن الأخوال والخالات وأبنائهم الأقرب فالأقرب، وتكون الصلة بحسب الحالة، فقد تكون بالسؤال عن حاله وإبلاغه السلام، أو بزيارته وإجابة دعوته، أو بمشاركته في آماله وآلامه والهدية له والنفقة عليه إن كان محتاجاً، وكل هذه الأعمال من صلة الرحم. وأقل شيء فيها رفع سماعة الهاتف للسؤال عن حالهم والسلام عليهم بين فترة وفترة، وإن كان هذا لا يكفي، لكن قد يكون في بعض الأحيان بعيداً فيكفي هذا.

إفشاء السلام

إفشاء السلام وأهل الحق كذلك أيضاً يتواصون بإفشاء السلام، فعليك أيها المؤمن أن تسلم على كل من لقيت عرفته أو لم تعرفه، فالسلام من أجل القربات، وهو من صفات المؤمنين ومن أسباب المحبة والألفة، والمحبة من أسباب دخول الجنة، فمن أراد دخول الجنة فعليه أن يفشي السلام، ويسلم على كل من لقي، وهذا فيه إزالة للوحشة؛ فإنك إذا لقيت شخصاً ولم تسلم عليه، دخلت جفوة ووحشة بينك وبينه، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).

إطعام الطعام

إطعام الطعام وإطعام الطعام من أفضل القربات، ومن أجل الطاعات، ومن أسباب دخول الجنة، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)، فهذه الأعمال من أسباب دخول الجنة، وهي إفشاء السلام والرحمة على الفقراء والمساكين، ومعاملتهم بالعطف عليهم والإحسان إليهم، والنفقة عليهم، والتواضع لهم، وخفض الجناح لهم، وكذلك الأيتام، واليتيم هو من فقد أباه وهو صغير دون البلوغ. ومن صفات أهل الحديث وأهل السنة الاهتمام بأمور المسلمين، وتفقد أحوالهم وإطعام جائعهم، وتعليم جاهلهم، والصفح عن أخطائهم، والسؤال عن أحوال الضعفاء والأقليات والمجاهدين في كل مكان.

السعي في الخيرات

السعي في الخيرات ومن صفاتهم التعفف عن الحرام في مأكلهم وفي مشربهم وفي ملبسهم، وكذلك في النكاح فلا يفعلون الحرام. ومن صفات صاحب الحق أيضاً السعي في الخيرات عموماً، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهل الحديث وأهل السنة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71]، وقال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. ومن صفاتهم البدار إلى فعل الخيرات أجمع سواء كان الخير من الأقوال، أو من الأفعال، وهم يتقون سوء وشر عاقبة الطمع الذي يجعل الإنسان يقدم على الشبهات في المآكل أو في المشارب، وهم يتواصون بالحق والصبر، ويدعون إلى الله، ويصبرون على الابتلاء في ذلك، وكل هذه الأخلاق من صفات المؤمنين.

الحب في الله والبغض في الله

الحب في الله والبغض في الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه]. إن أهل الحق يتحابون في الدين ويتباغضون فيه، وهذا أصل من أصول الإيمان، وأصل عظيم الحب في الله والبغض في الله، وهو أن تحب ما يحب الله من شخص أو فعل فتحب هذا الشخص؛ لأنه مستقيم على طاعة الله؛ لأنه يؤدي فرائض الله، ولو كان بعيداً، ولو كان أعجمياً، ولو كان في المشرق وأنت في المغرب، وتبغض من كان مستروحاً للمعاصي والكبائر والآثام والشرك، ولو كان قريباً لأمك وأبيك، فهذا من الأصول العظيمة التي أميتت في هذا الزمن عند كثير من الناس، فتجد أناساً لا يتحابون إلا لأجل الدنيا، وإذا كان بينك وبينهم مصالح حصلت المحبة، فإذا انتهت المصلحة زالت المحبة، هذا إذا كان الحب لأجل الدنيا، وأعظم من ذلك وأشد إثماً أن تكون المحبة من أجل الاشتراك في المعاصي والبدع، فيكون شريكه في المعصية أو في البدعة؛ ولذلك فهو يحبه، وأعظم منه أن يكون الحب لأجل الاشتراك في الشرك نعوذ بالله. فالحب في الله والبغض في الله هذا أصل من أصول الإيمان، ولهذا جاء في الحديث: (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله)، وفي الحديث الآخر: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)، وفي الحديث الآخر: (لا يجد العبد طريق الإيمان - وفي اللفظ الآخر - لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب في الله، ويبغض في الله، - وفي اللفظ الآخر - أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، وفي الحديث الآخر أيضاً: (من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)، وفي اللفظ الآخر: (لن يجد عبد طعم الإيمان حتى يحب لله، ويبغض في الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله).

البعد عن الجدل والخصومات

البعد عن الجدل والخصومات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويتقون الجدال في الله والخصومات فيه، ويتجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات]. من أوصاف أهل السنة والجماعة، وأهل الحق، والفرقة الناجية، أنهم يتقون الجدال في الله والخصومات فيه؛ فإن الجدال يؤدي إلى المراء والخصومات، ويؤدي أيضاً إلى الشبه والشكوك، فأهل الحق يجتنبون الجدال، إلا إذا كان جدالاً بالحق لإيضاح الحق ورد الباطل بدون ترتب مفسدة على ذلك، أما إذا كان جدالاً عقيماً لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً فهذا يجب أن يترك، وكذلك الخصومات والنزاعات فإنها تؤدي إلى البغضاء والعداوة وتنافر القلوب، وأهل السنة يجتنبون أهل البدع والضلالات ويعرضون عنهم، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات، وهذه هي طريقة أهل السنة والجماعة وأهل الحق وأهل الحديث.

الاقتداء بالرسول والصحابة والسلف الصالح

الاقتداء بالرسول والصحابة والسلف الصالح قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فيهم، ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين]. إن من أوصاف أهل الحديث وأهل السنة أنهم يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه، ويعملون بكتاب الله وسنة رسوله، وإذا لم يكن في المسألة نص في السنة عملوا بسنة الخلفاء الراشدين، وإذا لم يوجد في سنة الخلفاء الراشدين، ووجد قول صحابي وليس له معارض من الصحابة فإنهم يعملون به، وأما قول المؤلف رحمه الله: (الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم) فهو يشير إلى حديث: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، وهذا حديث باطل سنداً ومتناً، والمحشي يقول: إنه موضوع وهو ليس بموضوع، ولكنه حديث ضعيف جداً، وباطل سنداً ومتناً، وهذا يستدل به الأصوليون، فأما سنده فإنه لا يوجد له سند صحيح في شيء من دواوين السنة، وأما متنه فإن معناه غير صحيح؛ لأنه إذا قال ابن عباس مثلاً: إن ربا الفضل حلال، ويرى زيد بن ثابت أنه حرام، فمعنى الحديث: إن اقتديت بمن يقول حلال فأنت مهتد، وإن اقتديت بمن يقول: إنه حرام فأنت مهتد أيضاً! وهذا باطل؛ لأنهما قولان متناقضان، والصحابي إذا قال قولاً وعارضه صحابي آخر تعارضا فتساقطا فنرجع إلى أصول السنة وإلى قواعد الشريعة وأصولها، ونبحث عن دليل آخر. أما إذا قال الصحابي قولاً واشتهر ولم يعارضه أحد فهو حجة، فهذا الحديث ليس بصحيح وهو: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم). ومن علامات أهل الحق أنهم يقتدون بالسلف الصالح من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين.

بغض أهل البدع ومجانبتهم

بغض أهل البدع ومجانبتهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت، وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت. وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:68]]. ذكر هنا من صفات أهل الحديث وأهل السنة أنهم يبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، والبدعة: كل ما أحدث في الدين وليس منه. فهم يبغضون أهل البدع، ولا يحبونهم؛ لمخالفتهم للسنة، ولا يتخذونهم أصحاباً، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين؛ خشية إثارة الشبه، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت بالقلوب ضرت، وجرت إليها الوساوس والخطرات الفاسدة ما الله به عليم، وهكذا شأن أهل السنة أنهم يبتعدون عن أهل البدع، ولا يجالسونهم ولا يعودون مريضهم، ولا يأتون جنازتهم، ويصونون آذانهم عن سماع الشبه؛ لأنها إذا وصلت إلى الآذان وقرت في القلب ضرت وأحدثت الوساوس والخطرات الفاسدة، ولهذا أنزل الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:68]، ويدخل في هذا أهل البدع، فإنهم يخوضون في آيات الله بغير بصيرة، فيجب الإعراض عنهم.

علامات أهل البدع

علامات أهل البدع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعلامات البدع على أهلها ظاهرة بادية، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم، وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة، اعتقاداً منهم في أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية من الخير، وحججهم العاطلة، بل شبههم الداحضة الباطلة {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:23]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18]]. هذه علامات أهل البدع، فهي كما يقول المؤلف رحمه الله: بادية على أهلها، وظاهرة، ومن أظهرها شدة معاداتهم لأهل السنة والجماعة، وحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم؛ واستخفافهم بهم، فهم ينبزونهم بالألقاب الشنيعة، فيسمونهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة. فالمعطلة الجهمية والمعتزلة يسمون أهل السنة مشبهة؛ لأنهم يثبتون الصفات، والروافض يسمون أهل السنة النواصب، وقد يسمونهم حشوية، وسيأتي كلام للمؤلف رحمه الله أن كل طائفة تنبز أهل السنة بلقب؛ اعتقاداً منهم بأن أخبار الرسول عليه السلام لا تفيد العلم، وأن العلم هو ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، وأما الأحاديث والنصوص فإنها تعزل عندهم؛ لأنها ظواهر لفظية لا تفيد اليقين، وإنما يفيد اليقين عندهم الأدلة العقيلة، ويسمونها قواطع عقلية، وبراهين يقينية، وأما الكتاب والسنة فظواهر لفظية لا تفيد اليقين! وهكذا سول لهم الشيطان، ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: يرون أن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية من الخير، وحججهم العاطلة بل شبههم الداحضة الباطلة. ثم قال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:23] يعني: أنهم يدخلون في عموم الآية، وإن كانت هذه الآية للكفرة لكن يدخل فيها المبتدعة: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18]، وهؤلاء تركوا السنة فأهانهم الله.

الحيرة عند أهل البدع

الحيرة عند أهل البدع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه]. فالمبتدع يبغض أهل الحديث؛ لأن أهل الحديث يعملون بالسنة، وإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه، ولهذا صار أهل البدع في حيرة وشكوك حتى إنهم حاروا في آخر آمرهم، ولهذا فإن الإمام الرازي رحمه الله حار وقال هذه الأبيات المعروفة: نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا. وهو قد تاب في آخر حياته كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في بيان حال الرازي، وترحم عليه، والشيخ الثاني المعروف بـ الشهرستاني، وله كتاب في الفرق تكلم فيه عن الملل والنحل وهو الذي قال: لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم وهكذا حصلت الحيرة عند بعضهم، وجاءتهم الأوهام، فتجد الرجل منهم في حيرة والعياذ بالله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسمعت الحاكم يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله! ذكروا لـ ابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق زنديق حتى دخل البيت]. هذا الأثر عن الإمام أحمد رحمه الله، وذلك أنه سئل ابن أبي قتيلة عن أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فلما سمع الإمام أحمد إمام أهل السنة هذا الكلام قام وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق زنديق زنديق، يعني: هذا الرجل الذي تكلم في أصحاب الحديث زنديق، والزنديق هو المنافق والعياذ بالله، لقد كان أمثال هذا في الصدر الأول يسمون منافقين، ثم في زمان الإمام أحمد وبعده سمي المنافق زنديقاً، وهي كلمة فارسية معربة، وصار في زمننا الآن يسمى العلماني، فالعلماني هو المنافق، والعلمانيون هم المنافقون والزنادقة، فقد كان هناك منافقون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على رأسهم عبد الله بن أبي كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، ثم بعد ذلك صاروا يسمون زنادقة، ويطلق هذا على الملحد، فهم في زماننا العلمانيون، فهم المنافقون، والعلمانيون الآن منتشرون بين المسلمين ويحاولون الدس على الإسلام والمسلمين، ويحاولون إفساد المسلمين، ويريدون أن تكون المرأة متفسخة عارية، فالعلمانيون لنفاقهم وخبث قلوبهم، يودون أن يفسد الإسلام والمسلمون، ويريدون إفساد المرأة بخروجها عارية متبرجة بين الناس، وتقود السيارة وتختلط بالرجال حتى يفسد المجتمع؛ لأنه إذا فسدت المرأة فسد المجتمع، والعلمانيون لا دين عندهم، لكنهم لا يستطيعون إظهار ما هم عليه من الكفر والنفاق؛ لأنهم لو أظهروا كفرهم الصريح فإن رقابهم ستقطع؛ لأن المؤمنين وأهل الخير كثيرون، فنجد العلماني يخفي كفره، ويحاول الإفساد وإدخال الشر على المسلمين.

أهل البدع يردون الآثار

أهل البدع يردون الآثار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول: سمعت أبا نصر بن سلام الفقيه يقول: ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث، وروايته بإسناده]. هذا الأثر أخرجه الحاكم في كتابه (علوم الحديث) والخطيب البغدادي، فليس شيء أثقل على أهل الإلحاد، ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناده؛ لأن الحديث يلزمهم بالعمل، ويلزمهم أن يتقيدوا بالشريعة، والمنافقون الزنادقة لا يريدون أن يعملوا بالشريعة، بل يعملون بأهوائهم وآرائهم، والحديث يقيدهم، فأبغض شيء إليهم سماع الآيات وسماع الحديث، فإذا ذكرت لهم الدليل من القرآن والسنة، ضاقوا وكأنه صاعقة عليهم، لخبثهم بسبب النفاق، والعياذ بالله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسمعت الحاكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه وهو يناظر رجلاً، فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: قم يا كافر! فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبداً، ثم التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد قط: لا تدخل داري إلا هذا]. وهذا الإسناد أخرجه الحاكم في كتابه (معرفة علوم الحديث)، وذلك أن أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه ناظر رجلاً، فقال أبو بكر رحمه الله: حدثنا فلان، يريد رواية الحديث، فكان عنده رجل منافق، فقال: دعنا من حدثنا، إلى متى تظل مع حدثنا؟ فغضب الشيخ ومن شدة غضبة واندفاعه قال له: قم يا كافر، يعني: أنت تنكر الحديث، فاخرج من بيتي، لا يحل لك أن تدخل داري أبداً بعد هذا، ثم التفت الشيخ أبو بكر وقال: ما قلت لأحد: قم من داري إلا لهذا الرجل، مع أن هذا الرجل قد لا يكون منافقاً، وقد لا يكون كافراً، لكن قد يكون عنده مثلاً ضعف في الإيمان أو أنه رجل جاهل، لكن من شدة إنكار أبي بكر رحمه الله وشدة غضبه عليه وحنقه عليه، رماه بالكفر، وهذا لا بأس به كونه قاله متأولاً، مثل ما حصل لـ عمر عندما قال عن حاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق؛ فإنه قد خان الله ورسوله، مع أن حاطباً ليس منافقاً، لكن عمر رضي الله عنه تأول بسبب فعله، لكن لو قال شخص لشخص: يا كافر بدون سبب، فهذا يجوز، بل هذا من الكبائر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما)، وقال عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وهذا إذا كان بدون تأويل، لكن بسبب التأويل إذا عمل عملاً ينافي السنة ويخالفها، ثم قال له: يا كافر متأولاً، فهذا لا يدخل في هذا الحديث، كما فعل أبو بكر بن إسحاق هنا، فإنه قال له ذلك من باب التأويل.

نبز المبتدعة لأهل الحق

نبز المبتدعة لأهل الحق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [سمعت الأستاذ أبا منصور محمد بن عبد الله بن حمشاد العالم الزاهد يقول: سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد المقري الرازي يقول: قرأ علي عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وأنا أسمع: سمعت أبي -عنى به الإمام في بلده أباه أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي - يقول: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر حشوية، يريدون بذلك إبطال الآثار، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة]. هذا كلام الإمام أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، وهو إمام معروف رحمه الله يقول: إن أهل البدع لهم علامات، كالوقيعة في أهل الأثر وفي أهل الحديث، يعني: يغتابونهم ويسبونهم، ويعيبونهم ويتنقصونهم، فإذا رأيت الرجل يتنقص أهل الحديث فاعلم أنه مبتدع، وعلامة الزنادقة يعني: أهل النفاق، تسميتهم أهل الأثر حشوية، والحشوية من الحشو: وهو الشيء الذي لا قيمة له، يريدون بذلك إبطال الاحتجاج بالأثر. وعلامة القدرية الذين ينكرون عموم قدر الله حتى يشمل أفعال العباد، أنهم يسمون أهل الأثر مجبرة، وهؤلاء يقولون: إذا كان الله يخلق المعصية ويعاقب عليها، فالعبد إذاً: يكون مجبوراً، وهم يقولون: إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه. وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، فالجهمية والمعتزلة وغيرهم من الذين أنكروا الصفات، يقولون: للذي يثبت الأسماء والصفات أنت مشبه قد شبهت الله بخلقه. وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة، والشيء النابت هو الذي لا قيمة له بين الزرع، ويسمونهم أيضاً ناصبة، يعني: يناصبون العداوة لأهل البيت، وهذا افتراء، فإن أهل السنة يحبون أهل البيت ويحبون الصحابة، لكن هؤلاء الرافضة يكفرون الصحابة ويعبدون آل البيت، ومن يتولى الصحابة يسمونه ناصبياً، وهم كذبة في هذا.

عدم ضرر أهل الحق عند نبزهم

عدم ضرر أهل الحق عند نبزهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قلت: وكل ذلك عصبية، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث، قلت: أنا رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة، سلكوا معهم مسلك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اقتسموا القول فيه فسماه بعضهم ساحراً، وبعضهم كاهناً، وبعضهم شاعراً، وبعضهم مجنوناً، وبعضهم مفتوناً، وبعضهم مفترياً مختلفاً كذاباً، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تلك المعائب بعيداً بريئاً، ولم يكن إلا رسولاً مصطفى نبياً. قال الله عز وجل: {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء:48]، إن المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول أصحاب الحديث وحملة أخباره، ونقلة آثاره وأحاديثه، فسماهم بعضهم حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم نابتة، وبعضهم ناصبة، وبعضهم جبرية، وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب، وليسوا إلا أهل السيرة المرضية، والسبل السوية، والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله جل جلاله لاتباع كتابه، ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منهما، وأعانهم على التمسك بسيرته، والاهتداء بملازمة سنته، وشرح صدورهم لمحبته ومحبة أئمة شريعته وعلماء أمته، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)]. يقول أبو عثمان الصابوني هنا: قول أهل البدع لأهل السنة أنهم مجبرة، أو مشبهة، أو نابتة وناصبة، هو عصبية منهم، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث، وأهل السنة لا تلحقهم هذه الأسماء الذميمة، ولا يلحقهم إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث، أو أهل السنة والجماعة، أو أهل الحق، أو أهل الاستقامة. إن أهل البدع بهذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة، قد سلكوا معهم مسلك المشركين لعنهم الله، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم تشبهوا بالمشركين؛ لأن المشركين لقبوا النبي صلى الله عليه وسلم بألقاب سيئة وهو بريء منها، فقد قالوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه ساحر، وقالوا: إنه مجنون، وقالوا: إنه شاعر، ولم تلحقه هذه الصفة، فهو الرسول المصطفى عليه السلام، والنبي المجتبى، وكذلك أهل السنة والجماعة، قالوا لهم: نابتة وحشوية وناصبة، ولا يلحقهم إلا الاسم الحق وهو اسم أهل السنة الجماعة، أو أهل الحديث. إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلحقه من المعائب شيء، فهو لم يكن إلا رسولاً مصطفى نبياً، قال الله عز وجل: {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء:48]. وكذلك المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول في حملة أخباره، ونقلة آثاره، ورواة أحاديثه المقتدين به، المهتدين بسنته، فوصفوهم بالصفات الذميمة، وأصحاب الحديث بريئون من هذه الصفات الذميمة، وعصامة من هذه المعائب، فهم بريئون أتقياء أنقياء وليسوا إلا أهل السنة المضيئة، والسيرة المرضية، والسبل السوية، والحجج البالغة القوية، وقد وفقهم الله جل وعلا باتباع كتابه ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والفعل، وزجرهم فيها عن المنكر منها، وجعلهم من اتباع أقرب أنبيائه وأكرمهم وأعزهم عليه، وشرح صدورهم لمحبته، ومحبة أئمة شريعته وعلماء أمته، وشرح الله صدورهم للعمل بالسنة، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن أحب قوماً حشر معهم يوم القيامة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)، وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه، وقد قال أنس: (إنه فرح بهذا الحديث الصحابة، فقال أنس: (فأنا أحب رسول الله، وأحب أبا بكر وعمر، وأرجو أن أحشر معهم). فالإنسان إذا أحب أحداً، فإنه ينبغي له أن يجاهد نفسه حتى يعمل بعمله، وكذلك من يحب الرسول والصحابة فليجاهد نفسه على العمل بسنته، وإلا كان حبه دعوى. والإنسان الذي يعمل البدع ويقول: أنا أحب الرسول فهو كذاب، كيف يعمل البدع ويترك السنن ويقول: أنا أحب الرسول وأحب الصحابة؟! وقد قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31]. إن الصادق في حبه هو الذي يعمل ويجاهد نفسه للعمل بالسنة، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، فإذا حصل تقصير قليل فإن هذه المحبة تجبر هذا النقص. أما أن يعرض عن السنة وعن الكتاب ويدعي المحبة فهذا باطل، ولذلك لما ادعى قوم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم امتحنهم الله، وأنزل هذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]. قال العلماء: هذه الآية آية المحنة، ففيها امتحان واختبار وميزان لكل من يدعي محبة الرسول، إن كان متبعاً للرسول فهو صادق في محبة الله، وإن كان لا يتبع الرسول فهو كاذب في دعواه.

[15]

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [15] أهل السنة يحبون أئمة السنة وعلماءها وأنصارها وأولياءها، ويبغضون أئمة البدع الذين يدعون إلى النار، والولاء والبراء من الدعائم الأساسية التي يقوم بها الإسلام، ولولاه لاختلط الحق بالباطل واشتبه المحق بالمبطل.

علامات أهل السنة

علامات أهل السنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإحدى علامات أهل السنة حبهم لأئمة السنة وعلمائها وأنصارها وأوليائها، وبغضهم لأئمة البدع الذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار، وقد زين الله سبحانه قلوب أهل السنة ونورها بحب علماء السنة فضلاً منه جل جلاله ومنة].

حب أهل الحق وذكر بعض أسمائهم

حب أهل الحق وذكر بعض أسمائهم هذه من علامات أهل السنة: أنهم يحبون أئمة السنة وعلماءها وأنصارها، ويبغضون أهل البدع، وإذا رأيت الرجل يحب أهل السنة، ويحب الأئمة العلماء كالإمام أحمد والبخاري والشافعي ومالك وأبي حنيفة وسفيان الثوري وابن عيينة، وغيرهم من أهل الحديث، فهذا دليل على أنه من أهل السنة، وإذا رأيت قوماً يبغضون أئمة البدع الذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار، فاعلم أنهم من أهل السنة، فإن الله تعالى زين قلوب أهل السنة ونورها بحب علماء السنة، فضلاً منه وإحساناً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أسكنه الله وإيانا الجنة، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن الفضل المزكى قال: حدثنا أحمد بن سلمة، قرأ علينا أبو رجاء قتيبة بن سعيد كتاب الإيمان له، فكان في آخره: فإذا رأيت الرجل يحب سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وشعبة، وابن المبارك، وأبا الأحوص، وشريك، ووكيع، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، فاعلم أنه صاحب سنة. قال أحمد بن سلمة رحمه الله، فألحقت بخطي تحته، ويحيى بن يحيى، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، فلما انتهى إلى هذا الموضع، نظر إلينا أهل نيسابور، وقال: هؤلاء القوم يبغضون يحيى بن يحيى، فقلنا له: يا أبا رجاء! ما يحيى بن يحيى؟ قال: رجل صالح إمام المسلمين، وإسحاق بن إبراهيم إمام، وأحمد بن حنبل أكبر من سميتهم كلهم. وأنا ألحقت بهؤلاء الذين ذكرهم قتيبة رحمه الله أن من أحبهم فهو صاحب سنة، من أئمة الحديث الذين بهم يقتدون وبهديهم يهتدون ومن جملتهم ومتبعيهم وشيعتهم أنفسهم يعدون]. هذا الأثر رواه الحاكم رحمه الله وهو أنه إذا رأيت الرجل يحب هؤلاء المحدثين، وهؤلاء الأئمة، فاعلم أنه صاحب سنة، وهم: سفيان الثوري المحدث المشهور، واسمه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ومالك بن أنس وهو الإمام المشهور إمام دار الهجرة، والأوزاعي وشعبة وعبد الله بن المبارك الإمام المشهور وأبو الأحوص، وشريك ووكيع، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي؛ لأن هؤلاء أئمة الحديث. وألحق أحمد بن سلمة بخطه أئمة آخرين، وهم يحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال أبو عثمان: أنا ألحقت بهؤلاء الذين ذكر قتيبة رحمه الله، فمن أحبهم فهو صاحب سنة، لأنهم من أئمة الحديث، الذين بهم يقتدون، وبهديهم يهتدون، ومن جملتهم وشيعتهم أنفسهم يعدون. يعني: أن من أحب أنصار السنة أهل الحديث، والأئمة والعلماء، فهذا دليل على إيمانه وتقواه وأنه من أهل السنة، وإذا كان يبغض هؤلاء ويحب أهل البدع فهذا دليل على أنه من أهل البدع، وكذلك من يحب الدعاة وأهل الخير والعلماء والمصلحين والأئمة في القديم والحديث فهذا دليل على أنه من أهل السنة، ودليل على إيمانه وتقواه، ومن أبغض أهل الحديث وأهل الخير والدعاة والمصلحين والأئمة فهذا دليل على نفاقه، وقد جاء في الحديث: (حب الأنصار إيمان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان)، فعلامة الإيمان حب الأنصار، وعلامة النفاق بغض الأنصار، والأنصار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هم الأوس والخزرج، وكذلك أنصار دين الله في كل زمان، فمحبتهم دليل على الإيمان، وبغضهم دليل على الكفر. فالذي يبغض أنصار دين الله من الدعاة والمصلحين والأئمة والعلماء في كل زمان، فهذا دليل على النفاق، والذي يحب الأنصار والدعاة إلى الله، والمصلحين، وأهل الحق، وأهل السنة والجماعة، فهذا دليل على إيمانه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي اتباعهم آثارهم يجدون جماعة آخرين، منهم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي الإمام المقدم والسيد المعظم، العظيم المنة على أهل الإسلام والسنة، الموفق الملقن الملهم المسدد، الذي عمل في دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من النصر لهما والذب عنهما، ما لم يعمله أحد من علماء عصره ومن بعدهم]. وهذه الأوصاف للإمام الشافعي غير موجودة في النسخة التي معنا، بل عندنا الإمام الشافعي محمد بن إدريس الشافعي فقط، والمؤلف رحمه الله شافعي المذهب، وإلا فإن الإمام أحمد كذلك وقف موقفاً عظيماً في محنة المعتزلة ولم يفعل هذا أحد قبله ولا بعده، وكلام المؤلف هنا كان من ميله للشافعي؛ لأن الصابوني رحمه الله شافعي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومنهم الذين كانوا قبل الشافعي رحمه الله، كـ سعيد بن جبير والزهري والشعبي والتيمي ومن بعدهم، كـ الليث بن سعد والأوزاعي والثوري وسفيان بن عيينة الهلالي وحماد بن سلمة وحماد بن زيد ويونس بن عبيد وأيوب وابن عوف ونظرائهم ومن بعدهم مثل يزيد بن هارون وعبد الرزاق وجرير بن عبد الحميد، ومن بعدهم مثل محمد بن يحيى الذهلي ومحمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري وأبي داود السجستاني وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم وابنه ومحمد بن مسلم بن واره ومحمد بن أسلم الطوسي وعثمان بن سعيد الدارمي ومحمد بن إسحاق بن خزيمة الذي كان يدعى: إمام الأئمة، ولعمري كان إمام الأئمة في عصره ووقته]. ينبغي أن يقيد إمام الأئمة بقوله: في عصره كما قاله المؤلف؛ لأن إمام الأئمة بالإطلاق هو الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن قد يقال لإمام ما بأنه إمام الأئمة في عصره وزمانه، كما يسمى محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة في عصره. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل البستي والحسن بن سفيان النسوي وجدي -من قبل أبي- أبي سعيد يحيى بن منصور الزاهد الهروي وعدي بن حمدويه الصابوني، وولديه سيفي السنة أبي عبد الله الصابوني وأبي عبد الرحمن الصابوني، وغيرهم من أئمة السنة الذين كانوا متمسكين بها ناصرين لها داعين إليها موالين عليها]. وهؤلاء الأئمة كلهم من أئمة أهل الحديث، وكلهم علماء أجلة، وكلهم لهم جهود مشكورة في مناصرة السنة ومحاربة البدعة، فمحبتهم دليل على الإيمان، وبغضهم دليل على النفاق. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني، وجرير بن عبد الحميد الضبي وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم بعضاً، بل أجمعوا عليها كلها، واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم]. قول المؤلف رحمه الله [وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء] يعني: في هذه الرسالة (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) وهؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم كلهم يعتقدون ما في هذه الرسالة التي ذكرتها، لا يخالف بعضهم فيها، بل أجمعوا عليها، ولم يثبت عن أحد منهم ما يضادها، واتفقوا مع هذا على قهر أهل البدع وإذلالهم واخزائهم وإبعادهم وهجرهم.

معتقد الإمام الصابوني ووصيته

معتقد الإمام الصابوني ووصيته قال الراوي عنه: [قال الأستاذ الإمام رحمه الله: وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارهم، مستضيء بأنوارهم، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزيغوا عن منارهم، ولا يتبعوا غير أقوالهم، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع، التي اشتهرت فيما بين المسلمين، وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدعوه، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرن إخواني -حفظهم الله- كثرة أهل البدع ووفور عددهم، فإن وفور أهل الباطل وقلة عدد أهل الحق من علامات اقتراب يوم الحق؛ فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل)، والعلم: هو السنة، والجهل: هو البدعة، ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم]. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله)]. والأستاذ الإمام هو الصابوني، والذي يقول: قال الإمام هو الراوي الذي روى عنه، وذكر أنه قال: أنا متبع لآثار الأئمة الذين ذكرت، مستضيء بأنوارهم، وأنصح إخواني أن يتبعوا أهل السنة والجماعة، ولا يشتغلوا بالمحدثات من البدع التي ظهرت وانتشرت، فإن هذه البدع لو جرت وظهرت في عصر أولئك الأئمة، كعصر الإمام أحمد والشافعي لهجروا صاحبها وبدعوه وكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرن إخواني -حفظهم الله- كثرة أهل البدع ووفور عددهم، فلا تغتر بكثرة أهل البدع، وكثرة العصاة، فإن كثرة أهل البدع وكثرة العصاة هو دليل على قرب قيام الساعة؛ لأنه في آخر الزمان تكثر البدع وتنتشر، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه ومسلم أيضاً وغيرهما: (إن من علامات الساعة أن يقل العلم، ويكثر الجهل، ويقل الرجال، وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد). والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة. وجاء في الحديث الآخر قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)، يعني: في آخر الزمان، هذا الحديث متفق عليه أخرجه الشيخان وغيرهما. وفي الحديث الآخر: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله)، وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وهذا في آخر الزمان، فلا تقوم الساعة إلا بعد قبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، حتى لا يبقى فيها إلا الكفرة، لا يعرفون الله، ولا يذكرونه، فعليهم تقوم الساعة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمل بها، واستقام عليها ودعا إليها، كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جرى على هذا الجملة في أوائل الإسلام والملة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (له أجر خمسين، فقيل: خمسين منهم؟ قال: بل منكم)، وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لمن يعمل بسنته عند فساد أمته. قال أبو عثمان: وجدت في كتاب الشيخ الإمام جدي أبي عبد الله محمد بن عدي بن حمدويه الصابوني رحمه الله، قال: أخبرنا أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي أن العباس بن صبيح حدثهم قال: حدثنا عبد الجبار بن مظاهر قال: حدثني معمر بن راشد قال: سمعت ابن شهاب الزهري يقول: تعليم سنة أفضل من عبادة مائتي سنة]. يعني: أن المتمسك بالسنة عند الفساد وعند ظهور البدع أجره مضاعف، ويدل على هذا حديث: (من تمسك بسنتي عند فساد أمتي كان له أجر خمسين، فقالوا: يا رسول الله! خمسين منا أو منهم، قال: منكم)، وفي اللفظ الآخر: (تجدون على الخير عوناً، ولا يجدون على الخير عوناً). وجاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان وصححه الألباني، وفي لفظ الترمذي: (إن من ورائكم أيام الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم، قيل: يا رسول الله! أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم)، والمعنى أنه يعطى أجر خمسين من الصحابة في هذا المسألة، وهي التمسك بالسنة، وليس معنى ذلك: أنه أفضل من الصحابة؛ لأن الصحابة لهم مزية الصحبة ولا يلحقهم من بعدهم فيها، ولهم مزية الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم وتبليغ الدين، وهذه لا يلحقهم فيها من بعدهم إلى يوم القيامة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تجدون على الخير عوناً، ولا يجدون على الخير عوناً)، والقاعدة عند أهل العلم تقول: إن المزية الخاصة لا تقضي على الفضائل العامة، وفضيلة التمسك فضيلة واحدة، لكن الصحابة لهم فضائل كثيرة، مثل مزية موسى أنه أول من يحشر يوم القيامة، ومع ذلك فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من أفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، ولا أدري أفاق قبلي أم بعدي)، وهذه منقبة خاصة لموسى، والمناقب الخاصة لا تقضي على المناقب العامة، فليس معنى ذلك أنه أفضل من نبينا صلى الله عليه وسلم. وأثر الزهري: تعليم السنة أفضل من عبادة مائتي سنة، يقول المحقق: ورد في الآثار بمعنى هذا، منها: قول الزهري: ما عبد الله بمثل الفقه. وقول الشافعي: طلب العلم أفضل من الصلاة النافلة. وهذا صحيح، فإن طلب العلم أفضل من الصلاة النافلة، وأفضل من قيام الليل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: سمعت محمد بن حاتم المظفري يقول: سمعت عمر بن محمد يقول: كان أبو معاوية الضرير يحدث هارون الرشيد، فحدثه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: احتج آدم وموسى، فقال عيسى بن جعفر: كيف هذا وبين وآدم وموسى ما بينهما؟! قال: فوثب به هارون وقال: يحدثك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضه بكيف؟! قال: فما زال يقول حتى سكت عنه، قال: هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد -رحمه الله- مع من اعترض على الخبر الصحيح الذي سمعه بكيف؟! على طريق الإنكار له والاستبعاد له، ولم يتلقه بالقبول كما يجب أن يتلقى جميع ما يرد من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم]. وهذه القصة فيها أن أبا معاوية يحدث هارون الرشيد بالحديث المشهور: (احتج آدم وموسى)، وهو الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتج آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجت نفسك من الجنة؟ فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أما وجدت كتب علي (وعصى آدم ربه) قبل أن أخلق بأربعين سنة؟ قال: نعم، قال: النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى) يعني: غلبه بالحجة. فلما حدث أبو معاوية بهذا الحديث، قال رجل عنده: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما من المسافة؟ فوثب عليه هارون الرشيد أمير المؤمنين وأنكر عليه، وقال: يحدثك عن رسول الله وتعارضه بكيف؟! فما زال يقول: يحدثك عن رسول الله وتعارضه بكيف؟! حتى سكت. يقول المؤلف رحمه الله الصابوني: [هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد رحمه الله]، فإنه أنكر على هذا، وقال: كيف تعترض على الخبر الصحيح الذي تسمعه بكيف؟! على طريق الإنكار له والابتعاد عنه، ولم يتلقه بالقبول، كما يجب أن يتلقى جميع ما يرد من الرسول صلى الله عليه وسلم. فهكذا ينبغي للمسلم أن يعظم السنة ولا يعترض عليها. وهذه القصة تدل على أن هارون الرشيد كان من الصالحين، المحقق يقول: هذا والله مقام أميري. فـ هارون الرشيد ذب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحمل على أهل البدع والأهواء ممن يشككون فيها، فهذا هو المقام الذي يليق بـ هارون الرشيد، لا ذلك المقام الذي وضعه فيه ذلك الشيعي الخبيث أبو الفرج الأصفهاني صاحب (كتاب الأغاني) من أنه معاقر للخمر معاشر للنساء غارق في الملذات، ومن أراد أن يعرف هارون الرشيد فليرجع إلى سيرته في كتب التاريخ الإسلامي، لا في كتب الأشعار والأغاني، فقد جاء في تاريخ الطبري، وفي مقدمة ابن خلدون: أن هارون الرشيد كان يصلي في كل يوم مائة ركعة، وأنه كان يحج عاماً ويغزو عاماً، ومن راجع سيرته عرف فضله وعلمه وزهده وعدله وخشيته لله عز وجل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جعلنا الله سبحانه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويتمسكون في دنياهم مدة حياتهم بالكتاب والسنة، وجنبنا الأهواء المضلة، والآراء المضمحلة، والأهواء المذلة فضلاً منه ومنة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم]. نسأل أن يتقبل دعوة المؤلف، ونسأل الله أن يرزقنا التمسك بسنته، ونسأله أن يثبتنا على دين ال

الأسئلة

الأسئلة

التعامل مع هفوات العلماء

التعامل مع هفوات العلماء Q هناك من العلماء الكبار من كان عندهم بعض التأويلات المخالفة للسنة، كـ ابن الجوزي والنووي وابن حجر، فما الواجب نحوهم رحمهم الله؟ A الواجب أن يترحم المرء عليهم ويترضى عنهم، فهؤلاء علماء كبار خدموا السنة وخدموا الحديث، ولم يتعمدوا سلوك مسلك الأشاعرة في بعض الصفات، بل كان هذا عن اجتهاد منهم؛ لأنهم لم يجدوا من ينشئهم على معتقدات أهل السنة والجماعة، وهذا يفيد طالب العلم في الحرص على معتقد أهل السنة والجماعة، والحرص على لزوم حلقات دروس العلماء الكبار، فجدير بطالب العلم أن يعتني بعقيدة أهل السنة والجماعة، وأن يدرس على علماء أهل السنة والجماعة، وأن يحذر من البدع حتى لا يزل، فإذا كان هؤلاء العلماء الكبار زلوا وغلطوا، فأنت أولى أن تزل وتغلط، فعليك بالعناية بعقيدة أهل السنة والجماعة، والعناية بالدروس والحلقات التي يدرس فيها المعروفون بالمعتقد السليم، فهؤلاء العلماء نسأل الله أن يغفر لهم، وأن يرحمهم، فلهم أعمال عظيمة ولهم جهود مشكورة، وقد خدموا السنة والإسلام والحديث، ونفع الله بهم المسلمين، وهذه الهفوات نسأل الله أن يغفرها في بحور حسناتهم الكثيرة.

حكم من يدعي النبوة

حكم من يدعي النبوة Q ظهر رجل في إحدى دول الخليج يدعي أنه المهدي المنتظر، ثم ادعى الآن أنه الرسول، وله أتباع كثيرون مؤمنون به إلى حد اليقين، فما الحكم فيه وفي أتباعه، وقد تم توزيع كتب ومنشورات له في تلك الدولة وخارجها؟ A هذا الرجل الذي ادعى أنه المهدي، ثم ادعى أنه نبي وله أتباع، هو بين أحد أمرين: إما أن يكون في عقله خلل، فإذا كان في عقله خلل فهذا مرفوع عنه القلم، وإذا لم يكن في عقله خلل فإنه إذا كان عندنا في هذه البلاد فيجب أن يرفع به إلى المحكمة؛ حتى يقتل إذا ثبت أنه يدعي النبوة، ويقام عليه الحد ويقتل.

جدال المبتدعة

جدال المبتدعة Q ما رأيكم فيما يحصل على شبكة المعلومات (الإنترنت) من مجادلة مع بعض أهل البدع، وقد يكون الجدال ممن لا يحسن العلم الشرعي؟ A يجب الحذر من جدال أهل البدع والخصومات معهم؛ لأنها تولد الشكوك والشبه، وقد يزل الإنسان بذلك، ولا ينبغي للإنسان أن يجادلهم إلا إذا كان طالب علم عنده بصيرة، ويغلب على ظنه أن الجدال معهم يفيد، فإذا كان من أهل العلم ومن أهل البصيرة بالسنة والأدلة، وعنده بصيرة في عقيدة أهل السنة والجماعة، ولا يخشى على نفسه الانحراف، ويغلب على ظنه أن هذا الذي يجادله سيرجع عن الباطل؛ فهذا عمل طيب، وأما أن يكون الجدال لكل من هب ودب فهذا لا ينبغي؛ لأنه قد يؤدي إلى محذور، وقد ينحرف هذا الشخص المجادل، وقد يتكلم المجادل بكلام سيء، كأن يسب الله، أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يسب دين الإسلام بسببه؛ لذا لا ينبغي لكل شخص أن يجادل، بل للجدال شرطان: الشرط الأول: أن يكون هذا الجدال من صاحب بصيرة وعلم وفقه في الدين، وثبات ورسوخ. الشرط الثاني: أن يغلب على ظنه أن هذا الجدال يفيد وأن هذا المجادل سيرتدع عن باطله، فإذا لم يوجد هذان الشرطان فلا ينبغي الجدال، قال الله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:46]، وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

حكم الطيب الذي فيه كحول

حكم الطيب الذي فيه كحول Q العطورات التي تحتوي على نسبة من الكحول هل هي من الخمر؟ وهل هي نجسة؟ A إذا كانت نسبة الكحول قليلة ومغمورة فهي لا تؤثر، أما إذا كانت كثيرة كسبعين في المائة، فالأحوط للمسلم أن يبتعد عنها؛ لأن جمهور العلماء يرون أنهها مسكرة حينئذ، وكذلك جمهور العلماء يرون أن الخمر نجسة، ولا ينبغي للإنسان أن يتطيب بهذا الماء، وهو في الحقيقة ليس طيباً، بل هو معقم للجروح، وأما الطيب المعروف فهو ماء الورد مثلاً، أو دهن العود، أو المسك، أما هذه الكحول فليست طيباً، وإنما هي تعقيم للجروح، فإذا كانت نسبتها كبيرة أكثر من سبعين في المائة، فالأصل للمسلم أن يبتعد عنها؛ لأنها مسكرة والمسكر نجس عند جمهور العلماء.

نبز مبتدعة الزمان لأهل السنة

نبز مبتدعة الزمان لأهل السنة Q إذا كان أهل البدع يسمون أهل السنة قديماً حشوية وغير ذلك من الألفاظ، فماذا يسمي المبتدعة أهل السنة في هذا الزمان؟ A يسمونهم بنفس هذه الأسماء ويسمونهم أيضاً المشبهة، ويسمونهم الجهلة ويقولون عنهم: ليس عندهم عقول ولا أفكار سليمة، بل هم جهلة مشبهة، وهكذا.

حكم الوعظ المجرد عن النصوص الشرعية

حكم الوعظ المجرد عن النصوص الشرعية Q ما قولكم فيمن يعتمد في إلقاء المحاضرات والكلمات على القصص والأسلوب الأدبي، دون الاعتماد على الحديث، ظناً منه أن ذلك وسلية لجذب الناس إلى هذه المحاضرات؟ A هذا مسلك سيء في الوعظ، والوعظ إنما يكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما الوعظ بالقصص فلا يصح إلا إذا كانت هذه القصص مأخوذة من الكتاب والسنة فلا بأس، والله تعالى قد قص علينا في الكتاب قصصاً كثرة لأخذ العبر منها، فقص علينا قصة أصحاب الكهف، وضرب الأمثال للدنيا وغيرها، وقص علينا قصة يوسف وما فيها من العبر مع إخوته، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قص علينا قصصاً مأخوذة من كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم. أما القصص من غير الكتاب والسنة فلا يوعظ بها، إنما الوعظ يكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأشد من ذلك إذا كانت هذه القصص مكذوبة ليس لها أصل ولا سند، فهذا أسوأ وأسوأ.

تائب يطلب الدعاء

تائب يطلب الدعاء Q رسالة جاءت عبر شبكة المعلومات يقول صاحبها: أنا أحد أبنائكم الذين كانوا في السابق ممن يعلنون الطرب والمجون، ومن أرباب الأغاني الماجنة، ولكن بفضل من الله، ثم بفضل متابعتي لهذه الدورة عبر الإنترنت، وبتحريض أحد الأحبة الملتزمين، فإنني أعلن لفضيلتكم عبر هذه الورقة، وأعلن لجميع المسلمين بأنني كما أعلنت في السابق غنائي، فإني اليوم أعلن توبتي إلى الله عز وجل، والعودة إليه، وأستغفره من كل ذنب وخطيئة، فأرجو من فضيلتكم رجاءً خاصاً الدعاء لي بالثبات على هذا الدين، ولمن كان السبب فيها بالأجر العظيم، كما أرجو من الإخوة الحضور التأمين على الدعاء؛ لعل الله أن يتقبل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ابنكم المذنب سابقاً وجندي الدعوة حالياً إن شاء الله بدر بن محمد. A عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نحمد الله سبحانه وتعالى أن وفقك للتوبة، وهذه نعمة عظيمة منَّ الله بها عليك، فاحمد الله واشكره واسأله الثبات، نسأل الله لنا ولكم الثبات على دينه والاستقامة عليه. نسأل الله أن يثبتنا وإياكم وإياه على دينه، نسأل الله أن يثبتك وإيانا على دينه، نسأل الله لنا ولك الثبات والاستقامة على دينه، نسأل الله أن يتوفانا على الإسلام غير مغيرين ولا مبدلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

تعريف عقيدة السلف

تعريف عقيدة السلف Q ما هو تعريف عقيدة السلف؟ A عقيدة السلف: هي اعتقاد ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، هذا إجمالاً، وتفصيل ذلك معلوم من النصوص.

حكم التلفظ بالنية

حكم التلفظ بالنية Q أشكلت علي مسألة النية في الصلاة، فلقد سمعت أنه يجب ذكر عدد الركعات في وقت الصلاة بالقلب، وأنا لا أعرف كيف أفعل ذلك بقلبي فأرشدونا جزاكم الله خير! A النية محلها القلب فلا تتلفظ بها، وإذا وقفت في الصف فهذه هي النية، أن تعلم أنك تصلي العشاء وأن العشاء أربع ركعات فهذه نية كافية، ولا تحتاج إلى أن تقول: نويت أن أصلي خلف هذا الإمام صلاة العشاء أربع ركعات، بل هذا من البدع التي يحدثها بعض الناس، سواء في الصلاة أو في الوضوء أو في الصيام فلا تقل: نويت أن أصوم هذا اليوم من رمضان من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، فهذا بدعة، وكذلك في الطواف لا تتلفظ بالنية، وكذلك في السعي بين الصفا والمروة، فالنية في القلب، والتلفظ بها بدعة وليس على التلفظ دليل من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال بعض أهل العلم: لو عمر الإنسان عمر نوح، وفتش في الكتاب والسنة لن يجد دليلاً على مشروعية التلفظ بالنية.

حكم حضور حلقات الصوفية

حكم حضور حلقات الصوفية Q بلدتنا في أمريكا، وأغلب مرتادي المسجد فيها من الصوفيين، هل نحضر حلقاتهم واجتماعاتهم أم نبتعد عنهم، علماً أنه لا يوجد غير هذا المسجد في البلدة، وقد قمنا بالنصح عدة مرات دون جدوى؟ A ننصحك ألا تحضر مجالس الصوفية، فإنهم يضلونك، ولكن احضر مجالس أهل السنة والجماعة، وابحث عن مراكز لأهل السنة والجماعة، الذين عرفوا بسلامة المعتقد، أما الصوفية فإنهم يضلونك.

مكانة الإمام الألباني

مكانة الإمام الألباني Q سمعت شيخاً يقول: إمام أهل الحديث في العصر الحاضر الشيخ الألباني رحمه الله، ونحن نعلم أن عنده إرجاء في العقيدة، فما رأيكم في قوله؟ A الإمام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، إمام في الحديث، وله يد طولى، وله باع في الحديث، خدم كتب السنة في المؤلفات الكثيرة رحمه الله، ولا أسأل أنا عنه، فهو إمام في الحديث، وله خبرة عظيمة، ولكنه ليس بمعصوم، بل هو كغيره يخطئ ويصيب، وله بعض الآراء الفقهية المرجوحة والصواب فيها خلاف ما رآه، وقد ألف المؤلفات الكثيرة في الحديث، وخدم السنة وهذا لا ينكر، ولكن آراؤه الفقهية ليست كنشاطه في علم الحديث، وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام مالك، وما منا إلا رجل مردود عليه، فنسأل الله أن يغفر له وأن يرحمه وأن يتغمده برحمته.

إطلاق لفظ (السيد) على غير الله

إطلاق لفظ (السيد) على غير الله Q ما حكم قول المؤلف رحمه الله عن الإمام الشافعي: السيد المعظم؟ A قوله: السيد المعظم يعني به الصابوني رحمه الله: المعظم بما يليق به، ولفظ السيد تركه أولى؛ لأنه جاء في الحديث: (السيد الله)، ولو قال: إنه السيد بدون كلمة المعظم لكان أولى، ولما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا)، قال: (قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبد الله ورسوله، لا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي). فهذا اللفظ مبالغة من المؤلف رحمه الله، ولو قال: إنه سيد، وإننا نحبه ونجله ونقدره لكان أولى.

سبب ذكر مكارم الأخلاق في كتب العقائد

سبب ذكر مكارم الأخلاق في كتب العقائد Q لماذا ضمن بعض العلماء مكارم الأخلاق في كتب العقائد، مع أنه لم يخالف أهل البدع في بعضها؟ وهل من منهج أهل السنة في الرد على المخالف ذكر الحسنات والسيئات؟ A أهل العقائد يذكرون الأعمال والأحوال والآداب؛ لبيان أن أهل السنة والحديث يسارعون إلى العمل بالسنة، وإلى العمل بالآداب، ويتخلقون بالأخلاق الحسنة والأخلاق الفاضلة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحسنون إلى الناس، ويكفون عن الأذى، ويصلون الأرحام، ويحسنون إلى الجيران والأقارب والأيتام والأرامل والمساكين، فأهل السنة وأهل الحديث هم أسبق الناس إلى العمل بالآداب. وإذا أخطأ شخص في مسألة وأردت أن ترد عليه، فلا يجب أن تذكر ما له وما عليه، وإنما ترد على البدعة، لكن إذا أردت أن تترجم للشخص فإنك تذكر ما له وما عليه. أما إذا أردت أن ترد عليه فلا يلزم أن تذكر المحاسن والمساوئ؛ لأن المقصود الرد على هذه البدعة وحدها، ولأن ذكر المحاسن في هذه الحالة قد يضعف الرد على البدعة. وفق الله الجميع إلى طاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع، والعمل الصالح. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

§1/1