شرح صحيح ابن خزيمة - الراجحي

عبد العزيز الراجحي

كتاب الوضوء [1]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [1] الوضوء عبادة عظيمة، وهو وسيلة لأداء الصلاة التي هي عمود الدين، والوضوء يكفر السيئات ويرفع الدرجات، وهذه الأمة تدعى يوم القيامة ولها علامة يتميزون بها عن سائر الأمم، يدعون غراً محجلين من آثار الوضوء.

تسمية صحيح ابن خزيمة

تسمية صحيح ابن خزيمة بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الحافظ رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح قال: كتاب الوضوء مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنقل العدل عن العدل، موصولاً إليه صلى الله عليه وسلم من غير قطع في أثناء الإسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار التي نذكرها بمشيئة الله تعالى]. هذا هي طريقته رحمه الله؛ لأنه لم يذكر خطبة هنا، لكنه ذكر من هذا المختصر من المختصر، فهو اختصر الصحيح، فجمع أحاديث كثيرة، ثم اختصرها في أحاديث، ثم اختصر هذا المختصر، فاسمه مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وسماه المسند الصحيح أي: الحديث مسنده صحيح. وقوله: [بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه صلى الله عليه وسلم من غير قطع في أثناء الإسناد] أي: ليس فيه إرسال ولا انقطاع. وقوله: [ولا جرح في ناقلي الأخبار] أي: لا يكون الراوي لها مجروحاً. وقد ذكر المقدم محمد مصطفى الأعظمي مقدمة طويلة منها: أنه لم يرد في قائمة مؤلفاته التي سبقت ذكر لصحيح ابن خزيمة، إذ لم يشر إليه ابن خزيمة في كتاب التوحيد، رغم مكانة هذا الكتاب بين مؤلفاته، فما هو السر؟! في الواقع أن ابن خزيمة لم يسم كتابه باسم الصحيح، كما أن ابن حبان لم يسم كتابه صحيح ابن حبان، بل إن البخاري نفسه لم يسم كتابه بصحيح البخاري، بل سماه الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، وسمى ابن حبان كتابه بالمسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، وكذلك سمى ابن خزيمة كتابه بمختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الكتب اشتهرت مؤخراً باسم الصحيح، ولم أجد أحداً من المتقدمين سمى كتاب ابن خزيمة باسم الصحيح، قال الخليلي في الإرشاد: وآخر من روى عنه -أي عن ابن خزيمة - بنيسابور سبطه محمد بن الفضل، روى عنه مختصر المختصر وغيره. وقال البيهقي في السنن الكبرى: رواه محمد بن خزيمة في مختصر المختصر، وبهذا الاسم ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، فقال: وقد سمعنا مختصر المختصر له عالياً، أما الخطيب البغدادي فلم يسم لنا اسم الكتاب، ولكنه ذكر في معرض ما حقه التقديم في السماع، فقال: أحقها بالتقديم: كتاب الجامع والمسند في الصحيحين لـ محمد بن إسماعيل، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وكتاب محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الذي يشترط فيه على نفسه إخراج ما اتصل سنده بنقل العدل عن العدل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هذا كلام الخطيب البغدادي. وذكر ابن الصلاح هذا الكتاب فيمن اشترط جمع الصحيح في كتبه، وقال: ككتاب ابن خزيمة، ولكنه في وقت متأخر نسبياً بدأ يشتهر الكتاب باسم: صحيح ابن خزيمة، ويستعمل المنذري المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة في كتابه الترغيب والترهيب اسم الصحيح، فيقول ورواه ابن خزيمة في صحيحه نحو هذا وكذلك في أماكن أخرى من هذا الكتاب، ويقول الدمياطي: إن كتاب صحيح ابن خزيمة لم يقع له منه إلا ربعه الأول، وقال التركماني: ولهذا أخرج أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، ويسميه الزيلعي في نصب الراية باسم: صحيح ابن خزيمة، وبهذا الاسم ذكره ابن حجر والسيوطي وابن فهد والآخرون، لكن الكتاب الذي اشتهر على ألسنة العلماء والمحدثين باسم: صحيح ابن خزيمة، يبدو أن مؤلفه سماه بمختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

رواة هذا الكتاب

رواة هذا الكتاب لا ندري بالتحقيق من الذين رووا هذا الكتاب من مؤلفه ابن خزيمة، ولكنه يبدو أن الكتاب قد انتشر براوية حفيده أبي طاهر محمد بن الفضل، وهو آخر من روى عن ابن خزيمة بنيسابور، كما مر قول الخليلي من قبل، ويمكننا أن نضيف إلى كلامه بأن حفيده ربما كان أصغر من روى عنه بنيسابور، وبما أن المحدثين أصبحوا مغرمين بالأسانيد العالية في القرن الرابع وما بعده، لذلك انتشرت رواية هذا الكتاب من طريق حفيد المؤلف دون غيره من قدماء تلاميذ ابن خزيمة. ويفهم من ثبت الشيخ عبد القادر المسمى بإتحاف الأكابر بمروريات الشيخ عبد القادر أنه يروي صحيح ابن خزيمة من طريق زاهر بن طاهر، قال: أخبرنا بقطع منه متوالية ملفقة أبو سعيد الكنجدروذي وأبو سعد المقري ومحمد بن محمد بن عيسى الوراق وأبو المظفر القشيري وأبو القاسم الغازي بسماع الجميع للمقروء عليهم على أبي طاهر محمد بن الفضل بن الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: أخبرني جدي الحافظ أبو بكر بن خزيمة. ويروي ابن عساكر من طريق أبي القاسم الشحامي زاهر بن طاهر عن أبي سعيد عن أبي طاهر محمد بن الفضل عن جد ابن خزيمة، أما الذهبي فقال في ترجمة ابن خزيمة في سير أعلام النبلاء: وقد سمعنا مختصر المختصر له عالياً، ثم روى من طريق زاهر المستملي قال: أنبأنا أبو سعد أحمد بن إبراهيم المقري قال: أنبأنا محمد بن الفضل بن خزيمة قال: أنبأنا جدي. وعلى هذا يمكن القول بأنه روى صحيح ابن خزيمة عن أبي طاهر محمد بن الفضل عدة أشخاص منهم: أبو سعيد الكنجدروذي، وثانياً: أبو سعد المقري، وثالثاً: محمد بن محمد بن عيسى الوراق، ورابعاً: أبو المظفر القشيري، وخامساً: أبو القاسم الغازي، وسادساً: إسماعيل الصابوني راوي هذه النسخة].

المسند الكبير لابن خزيمة

المسند الكبير لابن خزيمة تكلم المقدم محمد الأعظمي عن المسند الكبير لـ ابن خزيمة وقال: رأينا أن ابن خزيمة أشار إلى كتابه الكبير في كتاب التوحيد، وكذلك ذكره مراراً بهذا المختصر أيضاً. وهنا ينشأ سؤال آخر: هل ألف ابن خزيمة المسند الكبير أولاً ثم اختصر منه هذا الصحيح، أو كان المسند الكبير في شكل المسودات؟ كان يزيد فيه أشياء ويحذف منه، ثم اختصر منه هذا المختصر؟ يستعمل ابن خزيمة عادة صيغة الماضي فيقول: قد خرجت وخرجته، وما شاكل ذلك من الكلمات، وهي تشير إلى أنه كان قد أكمل المسند الكبير، لكنا نجده أحياناً قد غير أسلوبه فيقول في المختصر: قد خرجت باب المشي إلى المساجد في كتاب الإمامة، ثم يقول في صفحة مائتين واثنين وستين: وسأخرج هذه الأخبار أو بعضها في كتاب الإمامة، لكنه يعود فيقول بعد قليل في صفحة مائتين وثلاث وستين: قد خرجت طرق هذا الخبر في كتاب الإمامة، ويذكر بعد ذلك في صفحة مائتين وست وسبعين فيقول: قد بينت في كتاب الإمامة، علماً بأن كتاب الإمامة متقدم مئات الصفحات على هذه الأبواب التي وردت فيها الإشارة إلى كتاب الإمامة، بالرغم من هذا يقول مرة: قد خرجت، ويذكر مرة ثانية فيقول: سأخرج هذه الأخبار. والآن يمكننا أن نلخص فنقول: أولاً: إن هذا الكتاب مختصر من مسنده الكبير. أي مختصر من المختصر. ثانياً: إن المسند الكبير لم يكن قد تم تأليفه، بل كان يضيف إليه الأشياء حسبما يتراءى له، وربما أضاف أشياء إلى المختصر لم يضفها إلى المسند الكبير]. هذا كلام مقدم الكتاب: محمد الأعظمي، والحقيقة أن المؤلف رحمه الله ما أضاف أشياء إلى المختصر لم يضفها إلى المسند الكبير، وإنما اختصر من المسند الكبير: المختصر، ثم اختصر المختصر، ولم يشر إلى أنه اختصر المسند الكبير من المختصر. فالمقدم جعل هذا الكتاب هو مختصر، وظاهره أن المسند الكبير مختصر المختصر، ثم اختصره من المختصر، وهذا لم يشر إليه المؤلف رحمه الله، وهو خطأ، بل الظاهر أنه جمع المسند الكبير، ثم اختصره، ثم اختصر المختصر منه، أي: إنه مثلاً جمع المسند الكبير في ستين ألف حديث، ثم اختصر منه مثلاً ثلاثين ألف، ثم اختصر المختصر إلى عشرة آلاف، فهذا هو مختصر المختصر.

فضائل الوضوء

فضائل الوضوء [بسم الله الرحمن الرحيم. أخبرنا إمام الأئمة فقيه الآفاق أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الحافظ رحمه الله قال: كتاب الوضوء. مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنقل العدل عن العدل، موصولاً إليه صلى الله عليه وسلم من غير قطع في أثناء الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار التي نذكرها بمشيئة الله تعالى. باب ذكر الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن إتمام الوضوء من الإسلام. حدثنا أبو يعقوب يوسف بن واضح الهاشمي حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر قال: قلت: -يعني لـ عبد الله بن عمر - يا أبا عبد الرحمن إن أقواماً يزعمون أن ليس قدر. قال: هل عندنا منهم أحد؟ قلت: لا، قال: فأبلغهم عني إذا لقيتهم أن ابن عمر يبرأ إلى الله منكم وأنتم برآء منه. ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر وليس من أهل البلد، يتخطى حتى ورد فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. أي أثر. وفي رواية: (ليس عليه أثر السفر). [(فقال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء)]. الشاهد هنا قوله: (وأن تتم الوضوء). وهذا فيه فائدة فهو من الأدلة على وجوب العمرة؛ لأن العمرة مختلف فيها، فقيل: إنها واجبة، وقيل: إنها ليست واجبة، وذهب شيخ الإسلام إلى أنها ليست واجبة. ولكن هذا من الأدلة على أن العمرة واجبة، ومن الأدلة كذلك حديث عائشة: (هل على النساء جهاد؟ قال: لكن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة)، فهذان دليلان على وجوب العمرة. قال: (وتصوم رمضان، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: نعم. قال: صدقت). وذكر الحديث بطوله في السؤال عن الإيمان والإحسان والساعة] وهذا الحديث أخرجه مسلم مطولاً بالترجمة.

فضل الصلاة بعد الوضوء

فضل الصلاة بعد الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر فضائل الوضوء يكون بعده صلاة مكتوبة. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان، وحدثنا محمد بن العلاء بن كريب حدثنا أبو أسامة، وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان كلهم عن هشام بن عروة حدثني أبي عن حمران بن أبان أنه أخبر قال: رأيت عثمان بن عفان دعا بوضوء فتوضأ على البلاط، فقال: (أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الوضوء وصلى غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى)، هذا لفظ حديث يحيى بن سعيد]. هذا الحديث إسناده صحيح، رواه الإمام أحمد من طريق يحيى بن سعيد القطان، وفيه فضل الصلاة بعد الوضوء، وأنها من أسباب المغفرة، وفي صحيح مسلم (من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر له).

فضل الوضوء ثلاثا ثلاثا والصلاة بعده

فضل الوضوء ثلاثاً ثلاثاً والصلاة بعده قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر فضل الوضوء ثلاثاً ثلاثاً يكون بعده صلاة تطوع لا يحدث المصلي فيها نفسه. حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب وأخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن ابن وهب أخبرهم قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره أن حمران مولى عثمان أخبره (أن عثمان بن عفان دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)، قال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة]. أي: أن النبي توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وهذا فيه فضل الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وأن من توضأ كذلك كان مسبغاً للوضوء. وفيه أن صلاة ركعتين لا يحدث المرء فيهما نفسه بشيء من أسباب المغفرة للذنوب السابقة، وهذا لمن اجتنب الكبائر. والحديث أخرجه البخاري ومسلم. والأحاديث التي أخرجها ابن خزيمة في هذا الكتاب الغالب عليها الصحة، والحسن عنده صحيح على طريقة الأقدمين؛ لأن الصحيح يشمل الحسن، وقد يخرج فيه ما هو ضعيف وهو قليل، لكنه اشترط أن ينقل عن العدل الثقة من غير قطع ولا إرسال، ولا جرح في ناقلي الأخبار، وهذا هو الغالب على كتابه رحمه الله، ومع هذا فإنه لم يصل إلى ما وصل إليه البخاري.

الوضوء سبب من أسباب حط الذنوب والخطايا

الوضوء سبب من أسباب حط الذنوب والخطايا قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر حط الخطايا بالوضوء من غير ذكر صلاة تكون بعده. حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أن مالكاً حدثه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب)]. هذا الحديث فيه أن الوضوء من أسباب المغفرة حتى ولو لم يصل. الحديث أخرجه مسلم، وأظنه في البخاري بلفظ آخر.

فضل إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة

فضل إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر حط الخطايا ورفع الدرجات في الجنة بإسباغ الوضوء على المكاره، وإعطاء منتظر الصلاة بعد الصلاة أجر المرابط في سبيل الله. حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - حدثنا العلاء -وهو ابن عبد الرحمن -، وحدثنا بشر بن معاذ العقدي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم حدثنا العلاء، وحدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أن مالكاً حدثه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط فذلكم الرباط)، لفظاً واحداً، غير أن علي بن حجر قال: فذلكم الرباط مرة، وقال يونس في حديثه: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا)، ولم يقل: قالوا: بلى]. أخرجه مسلم. وفي هذا الحديث فضل عظيم، وأفضل هذه الأمور الثلاثة: إسباغ الوضوء على المكاره، أي: إبلاغ الوضوء على مشقة، حينما يكون الجو بارداً، ويكون الماء بارداً أو حاراً، بحيث يصعب على الإنسان تناوله فكل من أسبغ الوضوء على المكاره فله من هذا الفضل. وقوله: (وكثرة الخطا إلى المساجد) أي: إن المصلي يذهب إلى المسجد البعيد وبكل خطوة يخطوها يرفعه الله بها درجة واحدة، ويحط بها عنه خطيئة. وقوله: (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) أي: أن المصلي إذا انتظرها بقلبه، واهتم بها، جلس مثلاً بين العشاءين ينتظر الصلاة، فله هذا الفضل من تلك المرابطة، فهذا ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة)، وهذا عند أهل العلم لمن لم يرتكب الكبائر؛ لأن الكبائر التي توعد الله عليها بالنار، أو اللعنة، أو الغضب، أو نفي الإيمان، لا بد لها من توبة. قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء:31]، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر). وأما إبلاغ الوضوء فإنه قد يبلغ في مرة، وإذا توضأ ثلاثاً فهو أكمل. مسألة: حلق اللحية معصية، أما كونه من الكبائر ففيه نظر.

آثار الوضوء علامة لأمة محمد يوم القيامة

آثار الوضوء علامة لأمة محمد يوم القيامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر علامة أمة النبي صلى الله عليه وسلم الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس بآثار الوضوء يوم القيامة علامة يعرفون بها في ذلك اليوم. حدثنا علي بن حجر السعدي حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - حدثنا العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وحدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، وحدثنا بندار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن العلاء، وحدثنا أبو موسى قال: حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي أخبرنا ابن علية عن روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة فسلم على أهلها، وقال: سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أو لسنا بإخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم لم يأتوا بعد. وأنا فرطكم على الحوض، قالوا: وكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من أثر الوضوء وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم فيقال: إنهم قد أحدثوا بعدك، وأقول: سحقاً سحقاً)، هذا لفظ حديث ابن علية]. والحديث أخرجه مسلم من طريق علي بن حجر، وفيه: دهم بهم، بالتقديم والتأخير. والفرط: هو السابق الذي يتقدم القوم، والغرة: بياض في الوجه، والتحجيل في الأيدي والأرجل. وفيه دليل على أنه يذاد رجال عن هذا الحوض عندما ترد عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في صفات هذا الحوض: أنه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأن طوله شهر، وآنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين عليه. وحديث الحوض من الأحاديث المتواترة، وفيه أنه يذاد عنه قوم غيروا وبدلوا، كالأعراب الذين ارتدوا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليذادن قوم أعرفهم ويعرفوني، فأقول: ربي أصحابي) وفي اللفظ الآخر: (أصحابي أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم). وهل يكون الحوض قبل الصراط أو بعد الصراط؟ فيه قولان: قيل: أنه قبل الصراط وقيل: بعد الصراط، والأرجح أنه قبل الصراط؛ لأنه من تجاوز الصراط وصل إلى الجنة. وفي إسناد هذا الحديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف، أبو شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة المدني صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين، لكن الحديث حسن، فله طرق أخرى، ورواية مسلم من غير طريق العلاء بن عبد الرحمن. ومما يدل على أن الحوض قبل الصراط أن الذين ارتدوا يذادون عنه، وذكر القرطبي أنه يمنع منه بعض أهل البدع، وبعض المشركين، وبعض الظلمة، لكن ذلك يحتاج إلى دليل. والرسول صلى الله عليه وسلم ينادي هؤلاء؛ لأنه قبل ذلك كان يعرفهم في الدنيا: (ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني فيحال بينهم وبين الحوض، فأقول: ربي أصحابي)، وتارة (صحابي)، يقولها: ثلاثاً، فيقال: (إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك) وهؤلاء هم المرتدون

اجتهاد أبي هريرة في تطويل التحجيل

اجتهاد أبي هريرة في تطويل التحجيل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب استحباب تطويل التحجيل بغسل العضدين في الوضوء إذ الحلية تبلغ مواضع الوضوء يوم القيامة بحكم النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم]. والحلية بالذهب في الدنيا ممنوعة على الرجل، أما في الآخرة فإن المؤمن يتحلى بالذهب في يديه، وتبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء، أي: تصل إلى ما وصل إليه الوضوء. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي الكوفي حدثنا ابن إدريس عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال: (رأيت أبا هريرة رضي الله عنه عنه يتوضأ، فجعل يبلغ بالوضوء قريباً من إبطه، فقلت له، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحلية تبلغ مواضع الطهور). ]. الصواب أن هذا اجتهاد من أبي هريرة، وأنه لا يشرع أن يصل الوضوء إلى العضد، وإنما يتجاوز المرفق كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يتوضأ حتى يشرع في العضد، وكذلك إذا غسل رجليه جاوز الكعبين وشرع في الساق، وأما أبو هريرة فقد كان هذا اجتهاداً منه، فكان يبالغ إذا غسل مرفقيه حتى يكاد يبلغ الإبط، وذلك حتى يحلى إلى حيث يبلغ الوضوء، وكان أيضاً إذا غسل رجليه شرع في الساق حتى يكاد يبلغ الركبة، وهذا اجتهاد منه، والصواب ألا يزيد على ما ورد في النص، وإنما يقتصر على أن يشرع في الساق ويشرع في العضد، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وابن خزيمة رحمه الله يميل إلى ما ذهب إليه أبو هريرة من استحباب تطويل التحجيل ولهذا قال في الترجمة: باب استحباب تطويل التحجيل بغسل العضدين في الوضوء. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في النونية وضوء أبي هريرة، ورجح أنه غير مشروع ولا مشهور، وأن هذا اجتهاد منه رضي الله عنه. فالسنة مقدمة على اجتهاد أبي هريرة رضي الله عنه، إذ إن الرسول لم يغسل العضدين ولا الساقين، وإنما جاء في الأحاديث الصحيحة أنه إذا غسل يديه أدار الماء على مرفقيه حتى يشرع في العضد، لا أنه غسل العضدين، وإذا غسل رجليه شرع في الساق ولم يصل إلى الركبة. وأما قول أبي هريرة: (من استطاع أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)، ليس فيه إطالة الغرة؛ لأن الغرة بياض في الجبهة محدود، والوجه محدود بالشعر فلا يستطيع أن يطيل الغرة، إنما يطيل التحجيل في اليدين والرجلين، لكن الغرة إطالتها محدودة.

كتاب الوضوء [2]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [2] للوضوء نواقض يجب معرفتها، فإنه لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، وإذا شك الإنسان في انتقاض وضوئه فلا يتوضأ حتى يستيقن الحدث، فإن الأحكام ترجع إلى اليقين، واليقين لا يزول بالشك.

بطلان صلاة المحدث حتى يتوضأ

بطلان صلاة المحدث حتى يتوضأ قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نفي قبول الصلاة بغير وضوء، بذكر خبر مجمل غير مفسر. حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر، وحدثنا الحسين بن محمد الذارع حدثنا يزيد بن زريع، وحدثنا يحيى بن حكيم حدثنا أبو داود، قالوا جميعاً: حدثنا شعبة -وهذا لفظ حديث بندار - عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد قال: مرض ابن عامر، فجعلوا يثنون عليه وابن عمر ساكت، فقال: أما إني لست بأغشهم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)]. هذا الحديث أخرجه ابن الجارود، ومسلم في صحيحه، وليس فيه: أما إني لست بأغشهم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن سعيد أبو محمد القزاز الفارسي -سكن بغداد- بخبر غريب الإسناد قال حدثنا غسان بن عبيد الموصلي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة إلا بطهور، ولا صدقة من غلول). حدثنا أبو عمار الحسن بن حريث حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير -وهو ابن يزيد - عن الوليد -وهو ابن رباح - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول). متن الحديث ثابت في صحيح مسلم، أما إسناده ففيه استنكار لأجل كثير بن زيد قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه البزار، وفيه كثير بن زيد الأسلمي، وثقه ابن حبان وابن معين في رواية، وقال أبو زرعة: صدوق فيه لين، وضعفه النسائي، وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: ثقة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة التي ذكرتها، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى قبول الصلاة لغير المتوضئ المحدث الذي قد أحدث حدثاً يوجب الوضوء، لا كل قائم إلى الصلاة وإن كان غير محدث حدثاً يوجب الوضوء. حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم وعمي إسماعيل بن خزيمة قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)]. رواه البخاري ومسلم. حتى وإن كان كل واحد منهم من بلد، هذا من بغداد وهذا من الموصل، وكانا ثقتين في عصر واحد فلا يضر إذا كان يمكن اللقاء.

صلاة النبي الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح

صلاة النبي الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الله عز وجل إنما أوجب الوضوء على بعض القائمين إلى الصلاة لا على كل قائم إلى الصلاة في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]، الآية. إذ الله جل وعلا ولى نبيه صلى الله عليه وسلم بيان ما أنزل عليه خاصاً وعاماً، فبين النبي صلى الله عليه وسلم بسنته أن الله إنما أمر بالوضوء بعض القائمين إلى الصلاة لا كلهم، كما بين عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل أراد بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103]، بعض الأموال لا كلها. وكما بين بقسمة سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني عبد المطلب أن الله أراد بقوله: (ولذي القربى) بعض قرابة النبي صلى الله عليه وسلم دون جميعهم، وكما بين أن الله أراد بقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38]، بعض السراق دون جميعهم، إذ سارق درهم فما دونه يقع عليه اسم سارق، فبين النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (القطع في ربع دينار فصاعداً) أن الله إنما أراد بعض السراق دون بعض بقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38]، الآية. قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان، وحدثنا أبو موسى حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول الله! إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: إني عمداً فعلته يا عمر)، هذا حديث عبد الرحمن بن مهدي]. روى سفيان هذا الحديث عن علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار، أما روايته عن علقمة فرواها عنه عبد الله بن نمير موصولاً عند الإمام مسلم في الطهارة، وكذلك يحيى بن سعيد عند الإمام أحمد وأبي داود. وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد يوم الفتح لبيان الجواز، فلما سأل عمر (إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: عمداً فعلته يا عمر)، فلا بأس أن يصلي الإنسان خمس صلوات أو ست صلوات بوضوء واحد إذا كان ضابطاً للوضوء. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن حسين الدرهمي بخبر غريب غريب، قال: حدثنا معتمر عن سفيان الثوري عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، إلا يوم فتح مكة فإنه شغل فجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد). وحدثنا أبو عمار حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم فتح مكة صلى الصلوات كلها بوضوء واحد)]. المؤلف رحمه الله ساق الحديث من طريقين: من طريق سفيان عن محارب بن دثار، ومن طريق سفيان عن علقمة بن مرثد. والذي رواه عن سفيان: وكيع بن الجراح، والمعتمر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو بكر -وهو ابن خزيمة -: لم يسند هذا الخبر عن الثوري أحد نعلمه غير معتمر ووكيع، ورواه أصحاب الثوري وغيرهما عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان المعتمر ووكيع مع جلالتهما حفظا هذا الإسناد واتصاله فهو خبر غريب غريب]. وذلك لأن فيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، وأنه في يوم الفتح صلى صلاتين بوضوء واحد.

ما يجب منه الوضوء

ما يجب منه الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدليل على أن الوضوء لا يجب إلا من حدث. حدثنا محمد بن منصور أبو جعفر ومحمد بن شوكر بن رافع البغداديان قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثنا محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري ثم المازني -مازن بني النجار- عن عبيد الله بن عمر، وحدثنا محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال: قلت له: أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر عمن هو؟ قال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل -وهو الذي غسلته الملائكة؛ لأنه سمع الجهاد وهو على امرأته، فقام وهو على الجنابة وقاتل حتى قتل، فغسلته الملائكة رضي الله عنه وأرضاه- حدثها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث، وكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك ففعله حتى مات)، هذا حديث يعقوب بن إبراهيم، غير أن محمد بن منصور قال: (وكان يفعله حتى مات)]. وهذا الحديث إسناده حسن، أخرجه الحاكم وأبو داود، ونقل ابن حجر هذه الرواية من ابن خزيمة في فتح الباري، وتلخيص الحبير. ومحمد بن يحيى بن حبان بفتح الحاء مهملة موحدة ابن منقذ الأنصاري ثقة، والمعروف أنه حبان بن موسى. وهذا كان يفعله ابن عمر ويقول: بي قوة؛ لأنه جاء في الحديث ما يدل على أن الوضوء على وضوء فيه أجر وثواب، فيحتمل أن ابن عمر رضي الله عنه فعل هذا؛ لأجل تلك الفضيلة، ولم يذكر في هذا الحديث أن ابن عمر يقول: إنه يجد في نفسه قوة.

تجديد الوضوء

تجديد الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم على طهر من غير حدث كان مما يوجب الوضوء]. هذا خاص، لكن هذا إذا كان على طهارة توضأ وقد جاء في حديث ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات). وتحديد الوضوء مشروع إذا طال الفصل من الوضوء الأول مثلاً أو صلى بالوضوء الأول ثم أراد الصلاة، أما إذا توضأ ثم يذهب ويتوضأ مرة أخرى فهذا غير مشروع، لكن إذا طال الفصل وأراد أن يجدد ليتقوى ويزيد نشاطه فلا بأس. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا محمد -يعني ابن جعفر - حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة (أنه شهد علياً صلى الظهر ثم جلس في الرحبة في حوائج الناس، فلما حضرت العصر دعا بتور من ماء فمسح به ذراعيه ووجهه ورأسه ورجليه، ثم شرب فضل وضوئه وهو قائم، ثم قال: إن ناساً يكرهون أن يشربوا وهم قيام، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثلما صنعت، وقال: هذا وضوء من لم يحدث)]. أي أنه مسح وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه وكان على طهارة، ومثله ما جاء في الحديث الآخر أنه مسح على نعليه، وهذا هو التجديد، وهو وضوء الذي لم يحدث. وأما الشرب قائماً فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً لما جاء زمزم وهم يسقون، فأعطوه من زمزم فشرب وهو قائم، فدل على الجواز، وأما النهي عن الشرب قائماً فمحمول على الكراهة. والأولى والأفضل: الشرب جالساً، وإن شرب قائماً فلا حرج، هذا هو الصواب؛ لأن القاعدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله دل على أن النهي للكراهة. وقد ذهب العلامة ابن القيم إلى تحريم الشرب قائماً كما في زاد المعاد، والصواب أنه لا يحرم، بل هو مكروه كراهة التنزيه، جمعاً بين الأحاديث. وقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم (من شرب قائماً فليستقء) أي: يتقيأ، حديث منسوخ. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن منصور بن المعتمر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة، فذكر الحديث وقال: (إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت، وقال: هذا وضوء من لم يحدث)، قال أبو بكر: ورواه مسعر بن كدام عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن علي، وقال: ثم قال: (هذا وضوء من لم يحدث). حدثنا يوسف بن موسى حدثنا الفضل بن دكين وعبيد الله بن موسى. وإسناده صحيح كما في الفتح الرباني، وأخرجه النسائي من طريق شعبة في صفة الوضوء من غير حدث، أما رواية جرير فهي في مسند الإمام أحمد وليس فيها (هذا وضوء من لم يحدث)، ورواية مسعر عن عبد الملك أيضاً في مسند الإمام أحمد.

ما يوجب الوضوء

ما يوجب الوضوء

أثر الغائط والبول والنوم على الوضوء

أثر الغائط والبول والنوم على الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب الأحداث الموجبة للوضوء. باب ذكر وجوب الوضوء من الغائط والبول والنوم، والدليل على أن الله عز وجل قد يوجب الفرض في كتابه بمعنى، ويوجب ذلك الفرض بغير ذلك المعنى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، إذ الله عز وجل إنما دل في كتابه على أن الوضوء يوجبه الغائط وملامسة النساء؛ لأنه أمر بالتيمم للمريض، وفي السفر عند الإعواز من الماء من الغائط وملامسة النساء. فدل الكتاب على أن الصحيح الواجد للماء عليه من الغائط وملامسة النساء بالوضوء، إذ التيمم بالصعيد الطيب إنما جعل بدلاً من الوضوء للمريض والمسافر عند العوز للماء، والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أعلم أن الوضوء قد يجب من غير غائط ومن غير ملامسة النساء، وأعلم في خبر صفوان بن عسال أن البول والنوم كل واحد منهما على الانفراد يوجب الوضوء، والبائل والنائم غير متغوط ولا ملامس للنساء. وسأذكر بمشيئة الله عز وجل وعونه الأحداث الموجبة للوضوء بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، خلاف الغائط وملامسة النساء اللذين ذكرهما في نص الكتاب، خلاف قول من زعم ممن لم يتبحر العلم أنه غير جائز أن يذكر الله حكماً في الكتاب فيوجبه بشرط أن يجب ذلك الحكم بغير ذلك الشرط الذي بينه في الكتاب. حدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا حماد -يعني ابن زيد - عن عاصم، وحدثنا علي بن خشرم أخبرنا ابن عيينة حدثنا عاصم، وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: (أتيت صفوان بن عسال المرادي أسأله عن المسح على الخفين فقال: ما جاء بك يا زر؟ قلت: ابتغاء العلم، قال: يا زر! فإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب. قال: فقلت: إنه وقع في نفسي شيئاً من المسح على الخفين بعد الغائط، وكنت امرأً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في ذلك شيئاً؟ قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفراً، أو قال: مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)، هذا حديث المخزومي وقال أحمد بن عبدة في حديثه: قال: (قد بلغني أن الملائكة تضع أجنحتها)]. وهذا الحديث إسناده حسن. قال الحافظ في تلخيص الحبير: رواه الشافعي وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقي. وقال الترمذي عن البخاري: حديث حسن. وصححه الترمذي والخطابي، ومدارهم عندهم على عاصم بن أبي النجود، قال عنه الحافظ في التقريب: عاصم بن بهدلة: هو ابن أبي النجود، صدوق له أوهام، وحديثه في الصحيحين مقرون، لكنه تابع عاصم على هذه الرواية عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهما، كما في التلخيص.

وجوب الوضوء من المذي

وجوب الوضوء من المذي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر وجوب الوضوء من المذي. وهو من الجنس الذي قد أعلمت أن الله قد يوجب الحكم في كتابه بشرط ويوجبه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الشرط، إذ الله عز وجل لم يذكر في آية الوضوء المذي، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب الوضوء من المذي، واتفق علماء الأنصار قديماً وحديثاً على إيجاب الوضوء من المذي]. إن المذي نجس بلا شك، وهو مثل البول، لكن نجاسته مخففة ويكفي فيها النضح، بخلاف البول. والمذي أيضاً لابد من غسله، مع غسل الذكر والخصيتين، كما جاء في الحديث: (اغسل ذكرك وأنثييك)، بخلاف البول فإنه يغسل رأس الذكر، أما المذي فإنه يغسل معه الذكر والخصيتان حتى يتقلص الخارج؛ لأنهما ربما تنجسا عند خروجه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن منيع ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن هشام وفضالة بن الفضل الكوفي قالوا: حدثنا أبو بكر بن عياش قال أحمد بن منيع: حدثنا أبو حصين، وقال الآخرون: عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ابنته كانت عندي، فأمرت رجلاً فسأله، فقال: منه الوضوء)]. هذا الحديث رواه البخاري، وفيه أن المذي ينقض الوضوء كالبول؛ لأنه نجس، والحديث الآخر (اغسل ذكرك وأنثييك). قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا بشر بن خالد العسكري أخبرنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت سليمان -وهو الأعمش - يحدث عن منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه قال: (استحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي؛ من أجل فاطمة، فأمرت المقداد بن الأسود فسأل عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: فيه الوضوء)]. وهذا الحديث رواه مسلم. وكان ابن خزيمة يخرج الأحاديث بالطرق، والإسناد الأول هو للبخاري أخرجه من طريق أبي حصين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن حجر السعدي وبشر بن معاذ العقدي قالا: حدثنا عبيدة بن حميد قال علي: حدثني، وقال بشر: حدثنا الركين بن الربيع بن عميلة عن حصين بن قبيصة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم -أو ذكر له- فقال لي: لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا أنضحت الماء فاغتسل)]. وهذا فيه دليل على أن المذي لا يوجب الغسل، وإنما يوجب الوضوء. والربيع بن عميلة بفتح مهملة البزاري الكوفي، ثقة من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين. وهذا الحديث إسناده صحيح، وأشار الحافظ إلى هذه الرواية. [قال أبو بكر قوله: "لا تفعل" من الجنس الذي أقول لفظ زجر، يريد نفي إيجاب ذلك الفعل].

كيفية التطهر من المذي

كيفية التطهر من المذي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بنضح الفرج من المذي. حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه (أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ قال علي: فإن عندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أستحي أن أسأله، قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة)]. أي: يرش فرجه بالماء، وفي الحديث أن المذي يوجب الوضوء، وأن الوضوء ينتقض بنزوله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم حدثنا عمي أخبرني مخرمة -يعني ابن بكير - عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أرسلت المقداد بن الأسود رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ وانضح فرجك)]. الحديث رواه مسلم.

حكم غسل الفرج من المذي

حكم غسل الفرج من المذي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الأمر بغسل الفرج ونضحه من المذي أمر ندب وإرشاد، لا أمر فريضة وإيجاب. حدثنا محمد بن سعيد بن غالب أبو يحيى العطار حدثنا عبيدة بن حميد حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاء، فسئل لي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: يكفيك منه الوضوء)، قال أبو بكر: وفي خبر سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي في المذي قال: (يكفيك من ذلك الوضوء) قد خرجته في باب نضح الثوب من المذي. قول ابن خزيمة بأن الأمر بغسل الفروج ونضحه من المذي أمر ندب لا فريضة قول فيه نظر، والأقرب أنه للوجوب (اغسل ذكرك وأنثييك)، والأصل في الأوامر الوجوب، وصرفه إلى الندب يحتاج إلى دليل. وعبيدة بن حميد الكوفي المعروف بـ الحذاء أو الضبي صدوق نحوي، ربما أخطأ من الثامنة.

حكم الوضوء من خروج الريح

حكم الوضوء من خروج الريح قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر وجوب الوضوء من الريح الذي يسمع صوتها بالأذن أو يوجد رائحتها بالأنف. حدثنا أحمد بن عبدة الضبي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وحدثنا أبو بشر الواسطي حدثنا خالد -يعني ابن عبد الله - كلاهما عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل خرج منه شيء أو لم يخرج فلا يخرجن حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، هذا حديث خالد بن عبد الله]. هذا الحديث رواه مسلم. وفيه دليل على وجوب الوضوء من الريح سواء كان لها صوت -وهو الضراط- أو لم يكن لها صوت -وهو الفساء-، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، فقال رجل من حضرموت لـ أبي هريرة: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط).

تيقن الحدث وأثره على إيجاب الوضوء

تيقن الحدث وأثره على إيجاب الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الوضوء لا يجب إلا بيقين حدث، إذ الطهارة باليقين لا تزول بشك وارتياب، إنما يزول باليقين، فإذا كانت الطهارة قد تقدمت بيقين لم تبطل الطهارة إلا بيقين حدث]. ؟ اليقين لا يزول بالشك، ومعناها: أنه لا يزول اليقين إلا بيقين، فالطهارة متيقنة، فإذا شك في الطهارة فلا يجب عليه الوضوء حتى يتيقن عدمها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان حدثنا الزهري أخبرني عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي يجد الشيء وهو في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)]. هذا الحديث رواه البخاري. فيه دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن ينصرف من المسجد أو من الصلاة بالشك، حتى يتيقن الحدث أو يغلب على ظنه خروج ريح أو شيء من ذكره؛ لأن الطهارة متيقنة أما أن ينصرف بسبب الشك فلا؛ لأن الشك يورث الوساوس والشكوك.

ما جاء في معنى الإحداث

ما جاء في معنى الإحداث قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الاسم باسم المعرفة بالألف واللام قد لا يحوي جميع المعاني التي تدخل في ذلك الاسم، خلاف قول من يزعم ممن شاهدنا من أهل عصرنا ممن كان يدعي اللغة من غير معرفة بها، ويدعي العلم من غير معرفة به، أن الاسم باسم المعرفة يحوي جميع معاني الشيء الذي يوقع عليه باسم المعرفة بالألف واللام، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد ألقى اسم الإحداث على الريح خاصة باسم المعرفة واسم جميع الأحداث الموجبة للوضوء الريح يخرج من الدبر خاصة، وقد بينت هذه المسألة في كتاب الإيمان. حدثنا علي بن حشرم أخبرنا عيسى -يعني ابن يونس - عن الأوزاعي عن حسان -وهو ابن عطية - عن محمد بن أبي عائشة حدثني أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال العبد في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه ما لم يحدث، والإحداث أن يفسو أو يضرط، إني لا أستحي مما لم يستح منه رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. معنى هذا الحديث أن منتظر الصلاة لا يزال في الصلاة بحكم المصلي، والملائكة تدعو له (ما لم يحدث)، فإذا أحدث انتقض وضوءه، وفي اللفظ الآخر: (ما لم يؤذ أو يحدث)، فإذا آذى أحداً بقول أو فعل، أو أحدث وقفت الملائكة عن الدعاء، ولم يكن في حكم المصلي. والمراد بالحدث: فساء أو ضراط، ويراد به أيضاً البول والغائط، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي هريرة فسراه بالفساء والضراط، أي: بجزء من الحدث. فالحدث اسم لا يحوي جميع المعاني الداخلة في ذلك الاسم، فلا يحوي البول والغائط والريح، وإنما أطلق على أحدهم وهو الريح، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، ثم قال: (لا يزال يصلي ما لم يحدث)، فأوقع اسم الحدث على نوع منه وهو الريح.

ذكر من فهم أن الوضوء لا يجب إلا من سماع صوت أو رائحة

ذكر من فهم أن الوضوء لا يجب إلا من سماع صوت أو رائحة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر خبر روي مختصراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوهم عالماً ممن لم يميز بين الخبر المختصر والخبر المتقصى أن الوضوء لا يجب إلا من الحدث الذي له صوت أو رائحة. حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت سهيل بن أبي صالح يحدث عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحدثنا سلم بن جنادة حدثنا وكيع عن شعبة، وحدثنا بندار وأبو موسى قالا: حدثنا عبد الرحمن حدثنا شعبة، وحدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد -يعني ابن الحارث - حدثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)]. هذا الحديث إسناده صحيح أخرجه ابن ماجة. يحتمل أن المراد بعالم جنس العلماء. فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)، قول مختصر. وهناك من فهم أنه لا يجب الوضوء من غير ما ذكر في الحديث. فهذا الحديث أوهم بعض العلماء أن الحدث لا يكون إلا بالصوت والريح. والجواب عليه أن هذا تنبيه بالأدنى على الأعلى فإذا كان الصوت والريح منه الوضوء فما كان أشد كالبول أو الغائط من باب أولى. وفي الحديث عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وفي صحيح مسلم (لا يقبل الله صلاة من غير طهور، ولا صدقة من غلول). قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المتقصي للفظة المختصرة التي ذكرتها، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعلم أن لا وضوء إلا من صوت أو ريح عند مسألة سئل عنها في الرجل يخيل إليه أنه قد خرجت منه ريح، فيشك في خروج الريح. وكانت هذه المقالة عنه صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)، جواباً عما عنه سئل فقط، لا ابتداء كلام مسقطاً بهذه المسألة إيجاب الوضوء من غير الريح التي لها صوت أو رائحة. إذ لو كان هذا القول منه صلى الله عليه وسلم ابتداء من غير أن تقدمته مسألة، كانت هذه المقالة تنفي إيجاب الوضوء من البول والنوم والمذي، إذ قد يكون البول لا صوت له ولا ريح]. إذ قد يقال: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)، معناه أن المذي والبول ليس فيه وضوء، هذا لو قالها ابتداء من غير سبق سؤال، لكنه صلى الله عليه وسلم ما قالها ابتداء إنما كانت جواباً عن مسألة سئل عنها وليس المراد بها النفي العام. وعلى ذلك القول فالذي يجد في بطنه قرقرة يقول: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)، فيتوضأ في هذه الحالة. إذاً: ليس المراد من الحديث أن الإنسان لا يتوضأ من البول والغائط، فقد دلت على ذلك أدلة أخرى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذ قد يكون البول لا صوت له ولا ريح، وكذلك النوم والمذي لا صوت لهما ولا ريح وكذلك الودي]. والمذي هو ما يخرج عند الملاعبة وعند الشهوة على رأس الذكر، وهو نجس نجاسة خفيفة، والودي: سائل أبيض يحدث بعد البول. والمني هو سائل أبيض متدفق يخرج بلذة عند جماع أو احتلام أو نحوهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بشر الواسطي حدثنا خالد -يعني ابن عبد الله الواسطي - عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل خرج منه شيء أو لم يخرج، فلا يخرجن حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)]. والمراد أنه إذا وجد في بطنه شيئاً فلا يخرج حتى يتحقق بسماع صوت أو شم رائحة؛ لأنه دخل الصلاة بيقين أنه على طهارة، فلا يخرج من اليقين بالشك، ولا يخرج من اليقين إلا باليقين، أو يغلب على ظنه أنه خرج منه شيء. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير حدثني عياض أنه سأل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثنا سلم بن جنادة القرشي حدثنا وكيع حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عياض بن هلال عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول: إنك قد أحدثت. فليقل: كذبت، إلا ما وجد ريحه بأنفه أو سمع صوته بأذنه)، هذا لفظ وكيع]. قوله: (فليقل: كذبت) أي: فليقل في نفسه: كذبت، ولا ينطق بلسانه. [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول: إنك قد أحدثت فليقل: كذبت إلا ما وجد ريحه بأنفه، أو سمع صوته بأذنه) هذا لفظ وكيع. قال أبو بكر: قوله: (فليقل: كذبت) أراد فليقل: كذبت بضميره لا ينطق بلسانه]. هذا قاله أبو بكر وهو ابن خزيمة، يعني: فليقل: كذبت في نفسه ولا يتلفظ بلسانه. [قال أبو بكر: قوله: (فليقل: كذبت) أراد فليقل: كذبت بضميره لا ينطق بلسانه، إذ المصلي غير جائز له أن يقول: كذبت نطقاً بلسانه]. وهذا صحيح.

كتاب الوضوء [3]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [3] اختلف الفقهاء في وجوب الوضوء من لمس المرأة باليد ومن أكل لحم الإبل ومن مس الفرج ومن خروج الدم من غير السبيلين، ومعرفة الراجح في هذه المسائل مما ينبغي الاعتناء به، ومعرفة الراجح تكون بالاستعانة بالله ثم جمع أقوال العلماء ومعرفة أدلتهم والنظر فيها بإنصاف وفقه.

ما جاء في أن اللمس قد يكون باليد لا بالجماع فقط

ما جاء في أن اللمس قد يكون باليد لا بالجماع فقط قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن اللمس قد يكون باليد، ضد قول من زعم أن اللمس لا يكون إلا بجماع بالفرج في الفرج. حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا شعيب - ابن الليث - عن الليث عن جعفر بن ربيعة - وهو ابن شرحبيل بن حسنة - عن عبد الرحمن بن هرمز قال: قال أبو هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم أصاب من الزنا لا محالة، فالعين زناؤها النظر، واليد زناؤها اللمس، والنفس تهوى أو تحدث، ويصدقه أو يكذبه الفرج)]. هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد. [قال أبو بكر: قد أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن اللمس قد يكون باليد، قال الله عز وجل: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام:7] قد علَّم ربنا عز وجل أن اللمس قد يكون باليد، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن بيع اللماس، دلهم نهيه عن بيع اللمس أن اللمس باليد، وهو أن يلمس المشتري الثوب من غير أن يقلبه وينشره، ويقول عند عقد الشراء: إذا لمست الثوب بيدي فلا خيار لي بعد إذا نظرت إلى طول الثوب وعرضه، أو ظهرت منه على عيب، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال لـ ماعز بن مالك حين أقر عنده بالزنا: (لعلك قبلت أو لمست) فدلت هذه اللفظة على أنه إنما أراد بقوله: (أو لمست) غير الجماع الموجب للحد، وكذلك خبر عائشة. قال أبو بكر: ولم يختلف علماؤنا من الحجازيين والمصريين والشافعي وأهل الأثر أن القبلة واللمس باليد، إذا لم يكن بين اليد وبين بدن المرأة إذا لمسها حجاب ولا سترة من ثوب وغيره، إن ذلك يوجب الوضوء، غير أن مالك بن أنس كان يقول: إذا كانت القبلة واللمس باليد ليس بقبلة شهوة فإن ذلك لا يوجب الوضوء. قال أبو بكر: هذه اللفظة: (ويصدقه أو يكذبه الفرج) من الجنس الذي أعلمت في كتاب الإيمان أن التصديق قد يكون ببعض الجوارح، لا كما ادعى من موه على بعض الناس أن التصديق لا يكون في لغة العرب إلا بالقلب، قد بينت هذه المسألة بتمامها في كتاب الإيمان]. مقصود المؤلف رحمه الله: أن القبلة واللمس بدون حائل عند الشافعي وجماعة تنقض الوضوء، هذا قول لبعض أهل العلم. والقول الثاني: الذي ذكره عن الإمام مالك أنه إذا كان بشهوة فإنه ينقض الوضوء، وإذا كان بغير شهوة فلا ينقض الوضوء، وهو مذهب الحنابلة. والقول الثالث: أنه لا ينقض مطلقاً سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج من ذكره شيء كمذي أو غيره، فهذا ينقض الوضوء، وإلا فلا ينقض، وهذا هو الصواب؛ لما ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم) ولأنه ليس هناك دليل يدل على أن اللمس ينقض الوضوء. إذاً: الصواب أن اللمس باليد لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء. إذاً: الأقوال في المسألة ثلاثة: الأول: أنه ينقض مطلقاً إذا مس بدون حائل، أما إذا كان من وراء حائل فهذا ليس فيه خلاف، لكن إذا مس اللحم اللحم، فإن الشافعية يرون أنه ينقض الوضوء مطلقاً، ويشددون في هذا، فمثلاً: إذا سلم المرء على زوجته أو مس فخذها أو سلم على أي امرأة حتى من محارمه يقولون: هذا ينقض الوضوء، ويبطل الطواف أيضاً، ولهذا يقول المتأخرون من الشافعية في كتبهم: إذا ذهبت ودخلت المسجد الحرام فاحرص على ألا تمس يدك يد امرأة؛ لئلا ينتقض الوضوء، وهذا لا يستطيع الإنسان دفعه، ولا سيما في الزحام، فعندهم إذا مست يده يد امرأة وهو في الطواف فإن عليه أن يتوضأ، ثم إذا توضأ ومست يده امرأة فإنه يرجع ويتوضأ وهكذا، فيبقى في عنت وحرج كلما توضأ ومس امرأة يرجع ويتوضأ مرة ثانية! فنقول: الصواب أنه لا ينقض إلا إذا خرج منه شيء. فإن قيل: ما معنى اللمس في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ} [النساء:43]؟ نقول: المراد باللمس في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43] هو الجماع؛ لأنك تجد في الآية ذكر الحدث الأكبر والحدث الأصغر.

ما جاء في الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل

ما جاء في الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل. حدثنا بشر بن معاذ العقدي حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا)]. حديث جابر بن سمرة هو ثابت، أخرجه الإمام أحمد، وجاء في الحديث الآخر: (توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم) ومذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وابن خزيمة رحمه الله شافعي، ومع ذلك أخذ بالحديث وخالف المذهب وقال: إن لحم الإبل ينقض الوضوء. الحديث رواه مسلم في الحيض من طريق أبي عوانة. [قال أبو بكر: لم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل. وروى هذا الخبر أيضاً عن جعفر بن أبي ثور، أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي وسماك بن حرب، فهؤلاء ثلاثة من أجلة رواة الحديث قد رووا عن جعفر بن أبي ثور هذا الخبر]. يعني: روى أشعث وسماك وعثمان هؤلاء الثلاثة رووا هذا الخبر عن جعفر بن أبي ثور. قال: [وقد حدثنا أيضاً محمد بن يحيى حدثنا محاضر الهمداني حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله - وهو الرازي - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا، قال: أتوضأ من لحومها؟ قال: نعم. قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أتوضأ من لحومها؟ قال: لا). قال أبو بكر: ولم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضاً صحيح من جهة النقل؛ لعدالة ناقليه]. بعض العلماء يرى أنه لا ينقض الوضوء إلا اللحم الأحمر، أما العصب ولحم الكرش والكبد وما أشبه ذلك فيرون أنه لا ينقض، والصواب أن جميع أجزائه ينقض؛ لأن الله تعالى لما حرم لحم الخنزير في قوله تعالى: {حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} [البقرة:173] لا يدل على أن شحمه حلال، وأن عصبه حلال.

ما جاء في استحباب الوضوء من مس الذكر

ما جاء في استحباب الوضوء من مس الذكر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب الوضوء من مس الذكر. حدثنا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني ومحمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قالا: حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن مروان عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ). أخبرنا أبو طاهر حدثنا أبو بكر قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى الصدفي يقول: أخبرنا ابن وهب عن مالك قال: أرى الوضوء من مس الذكر استحباباً ولا أوجبه]. قال المؤلف في الترجمة: (باب استحباب الوضوء من مس الذكر) والصواب أنه إذا مس ذكره بيده وليس هناك حائل فإنه يجب الوضوء؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب. ومن العلماء من قال: إنه لا ينقض الوضوء، واستدل بحديث طلق بن علي: (لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر قال: إنما هو بضعة منك)، ولكن الصواب أن حديث بسرة مقدم على حديث طلق؛ لأن حديث طلق بن علي قاله النبي صلى الله عليه وسلم قديماً عندما كان يبني مسجده، وحديث بسرة متأخر، قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب، أما حديث طلق بن علي فقد قال البخاري: إنه منسوخ؛ لأنه متقدم، وحديث بسرة متأخر، ثم أيضاً حديث طلق بن علي يبقى على الأصل، وحديث بسرة ناقل والشريعة ناقلة ويفيد الوضوء. إذاً: الصواب أن مس الذكر ينقض الوضوء، وأنه واجب ليس مستحباً كما ترجم له ابن خزيمة رحمه الله. كذلك يجب الوضوء من مس الذكر، سواء مس ذكره أو ذكر غيره كالطفل وغيره، فإذا مسه من دون حائل انتقض وضوءه، وهذا هو الصواب. ومن العلماء من قال: إنه لا ينقض الوضوء إلا إذا مسه بشهوة وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. فالأقوال ثلاثة: القول الأول: أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً بشهوة وبغير شهوة. الثاني: أنه ينقض إذا كان بشهوة، ولا ينقض بدون شهوة. الثالث: أنه ينقض مطلقاً، وهذا إذا مسها بدون حائل. أما إذا كان من وراء حائل لا ينقض، من وراء القفازين أو من وراء الثياب، إنما ينقض الوضوء إذا مس اللحم اللحم. فالصواب من الأقوال الثلاثة: أنه ينقض مطلقاً؛ لحديث بسرة: (من مس ذكره فليتوضأ)، أما حديث طلق بن علي فقد قال بعض أهل العلم: إنه منسوخ، وعلى القول بأنه ليس منسوخاً فيقدم عليه حديث بسرة؛ لأنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق باق على الأصل، والشريعة ناقلة. وحديث بسرة: (من مس ذكره فليتوضأ) مطلق، والتقييد بالشهوة يحتاج إلى دليل. قال: [حدثنا علي بن سعيد النسوي قال: سألت أحمد بن حنبل عن الوضوء من مس الذكر فقال: أستحبه ولا أوجبه. قال: وسمعت محمد بن يحيى يقول: نرى الوضوء من مس الذكر استحباباً لا إيجاباً بحديث عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو بكر: وكان الشافعي رحمه الله تعالى يوجب الوضوء من مس الذكر اتباعاً لخبر بسرة بنت صفوان لا قياساً. قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقول؛ لأن عروة قد سمع خبر بسرة منها، لا كما توهم بعض علمائنا أن الخبر واه لطعنه في مروان]. هذا مخالف للترجمة؛ لأن الترجمة فيها الاستحباب، وهنا قال: إنه يقول بقول الشافعي، والشافعي يقول بالوجوب.

ما جاء في أن المحدث لا يجب عليه الوضوء قبل وقت الصلاة

ما جاء في أن المحدث لا يجب عليه الوضوء قبل وقت الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن المحدث لا يجب عليه الوضوء قبل وقت الصلاة. حدثنا يعقوب بن إبراهيم وزياد بن أيوب ومؤمل بن هشام قالوا: حدثنا إسماعيل - وهو ابن علية - قال زياد حدثنا أيوب وقال الآخران: عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقرب إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء، فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) وقال الدورقي: (للصلاة)]. هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وأظن أ، هـ رواه البخاري، قال المحقق في تخريجه: إسناده صحيح، أخرجه النسائي.

ما جاء في أن خروج الدم من غير مخرج الحدث لا يوجب الوضوء

ما جاء في أن خروج الدم من غير مخرج الحدث لا يوجب الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب الأفعال اللواتي لا توجب الوضوء. باب ذكر الخبر الدال على أن خروج الدم من غير مخرج الحدث لا يوجب الوضوء. حدثنا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني حدثنا يونس بن بكير حدثنا محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن ابن جابر عن جابر بن عبد الله. وحدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلمة - يعني ابن الفضل - عن محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر بن عبد الله قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع بالنخل، فأصاب رجل من المسلمين امرأة رجل من المشركين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً، أتى زوجها وكان غائباً، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد دماً، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله منزلاً فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقالا: نحن يا رسول الله، قال: فكونا بفم الشعب، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى الشعب من الوادي، فلما أن خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري للمهاجري: أي الليل أحب إليك أن أكفيكه أوله أو آخره؟ قال: بل اكفني أوله، قال: فاضطجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلي، قال: وأتى زوج المرأة فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم، قال: فرماه بسهم فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه، وثبت قائماً يصلي، ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه وثبت قائماً يصلي، ثم عاد له الثالثة فوضعه فيه فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهبَّ صاحبه فقال: اجلس فقد أثبت، فوثب فلما رآهما الرجل عرف أنه قد نذر به، فهرب، فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك)]. أهببتني يعني: أيقظتني. قال: [(قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها)]. أنفذها يعني: حتى أقضيها. قال: [(فلما تابع علي الرمي ركعت فآذنتك، وايم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها) هذا حديث محمد بن عيسى]. قوله: (ربيئة) يعني: طليعة. الحديث إسناده حسن رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق]. وهذا الحديث إسناده حسن رواه أبو داود وأحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي والدارقطني كلهم من طريق ابن إسحاق قال: حدثني صدقة عن عقيل بن جابر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وذكره البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة التمريض والمراد بقوله: (فأصاب رجل من المسلمين امرأة رجل من المشركين) المراد أنه قتلها، ذكر ذلك صاحب عون المعبود، وليس المقصود أنه أخذها سبية وجامعها؛ لأنه لا بد أن يستبرئها بحيضة ثم يصيبها.

ما جاء في أن وطء الأنجاس لا يوجب الوضوء

ما جاء في أن وطء الأنجاس لا يوجب الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن وطء الأنجاس لا يوجب الوضوء. حدثنا عبد الجبار بن العلاء وعبد الله بن محمد الزهري وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالوا: حدثنا سفيان قال عبد الجبار: قال الأعمش: وقال الآخران: عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا نتوضأ من موطئ). وقال المخزومي: (كنا نتوضأ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نتوضأ من موطئ). وقال الزهري وهو عبد الله بن محمد الزهري: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا نتوضأ من موطئ). قال أبو بكر: هذا الخبر له علة لم يسمعه الأعمش عن شقيق، م أكن فهمته في الوقت]. ذكر المؤلف ان هذا الحديث له علة، وهي الانقطاع بين الأعمش وشقيق. والمعنى إذا وطئ الإنسان النجاسة يجب عليه غسله، أما إذا كان في النعلين فإنه يدلكه فطهارة النجاسة في النعلين دلكها، فإذا وطئ برجليه نجاسة بدون نعلين فيجب غسلها، أما إذا لم يعلم فالأصل السلامة. قال المحقق: إسناده صحيح، ورواه الحاكم من طريق سفيان عن الأعمش. قال: [حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب حدثنا عبد الله بن إدريس أخبرنا الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله: (كنا لا نكف شعراً ولا ثوباً في الصلاة، ولا نتوضأ من موطئ)]. هذا الحديث يحمل على النعلين، يعني: أنهم يطئون شيئاً بنعالهم ولم يتبين لهم، أما إذا علم أنها نجاسة مباشرة للقدم فلا بد من غسلها. قوله: (ولا نتوضأ من موطئ). هذا ثابت في صحيح مسلم، وفي الصحيحين النهي عن كف الشعر والثوب. قال: [حدثنا زياد بن أيوب حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش حدثني شقيق أو حدثت عنه عن عبد الله بنحوه]. إن وطء النجاسة لا يبطل الوضوء، وإنما تغسل النجاسة والوضوء صحيح. فإن قيل: هل الدم ناقض للوضوء؟ أقول: ليس هناك ما يدل على أنه ناقض للوضوء، لكن عند كثير من العلماء إذا كثر الدم فإنه ينبغي أن يتوضأ، والأحاديث في هذا ضعيفة لا تثبت، لكن يتوضأ احتياطاً، بخلاف الخارج من السبيلين فإنه ينقض بالاتفاق.

ما جاء في إسقاط إيجاب الوضوء من أكل ما مسته النار أو غيرته

ما جاء في إسقاط إيجاب الوضوء من أكل ما مسته النار أو غيرته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إسقاط إيجاب الوضوء من أكل ما مسته النار أو غيرته. حدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا حماد - يعني ابن زيد - عن هشام بن عروة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عظماً -أو قال: لحماً- ثم صلى ولم يتوضأ)]. كانوا في أول الإسلام يتوضئون مما مست النار، ثم نسخ ذلك؛ لحديث جابر: (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مسته النار) فمثلاً: لو شرب مرقاً أو قهوة أو أكل طعاماً مسته النار توضأ، ثم نسخ ذلك وبقي الحكم في أكل لحم الإبل، لورود الأحاديث في أن لحم الإبل ينقض الوضوء، سواء كان نيئاً أو مطبوخاً، مسته النار أو لم تمسه، كما سبق في باب الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، (وسئل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم. قال: نتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت) حديث البراء وحديث جابر بن سمرة. [قال أبو بكر: خبر حماد بن زيد غير متصل الإسناد، غلطنا في إخراجه؛ فإن بين هشام بن عروة وبين محمد بن عمرو بن عطاء وهب بن كيسان، وكذلك رواه يحيى بن سعيد القطان وعبدة بن سليمان]. قال المحقق: رواية هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو في صحيح مسلم. وقوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحماً ولم يتوضأ)، وقوله: (أكل من كتف شاة ثم دعي إلى الصلاة فترك السكين وقام ولم يتوضأ) هذا ثابت في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، لكن قصد المؤلف بقوله: (غلطنا في إخراجه) يعني: بهذا السند، وإلا فالحديث ثابت. قال: [حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا يحيى حدثنا هشام عن الزهري قال: حدثني علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهشام عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس. وهشام عن محمد بن علي بن عبد الله عن أبيه عن ابن عباس: (أن رسول صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً أو عرقاً ثم صلى ولم يتوضأ)]. وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحماً أو تعرق عرقاً ولم يتوضأ). قال: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة قال: أخبرني وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس. قال هشام: وحدثني الزهري عن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس. قال هشام: وحدثني محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل عرقاً ثم صلى ولم يتوضأ) هذا حديث الزهري]. قال المحقق: (أخرجه مسلم وفيه: (أكل عرقاً أو لحماً)).

ما جاء في أن اللحم الذي ترك النبي الوضوء من أكله كان لحم غنم لا لحم إبل

ما جاء في أن اللحم الذي ترك النبي الوضوء من أكله كان لحم غنم لا لحم إبل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن اللحم الذي ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء من أكله كان لحم غنم لا لحم إبل]. يرى ابن خزيمة رحمه الله أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء مطلقاً وهو شافعي، وخالف الشافعية في ذلك؛ لأن الشافعية يرون أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، لكن ابن خزيمة من تثبته في هذا الشيء ومن قوته أتانا بهذه الترجمة: (باب ذكر الدليل على أن اللحم الذي ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء من أكله كان لحم غنم لا لحم إبل) فـ ابن خزيمة رحمه الله هنا وافق الحنابلة في هذه المسألة. والجمهور من أهل العلم على أن لحم الإبل داخل في حديث جابر: (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) يعني: أن لحم الإبل داخل في هذا، لكن التوضوء من لحم الإبل فيه أحاديث خاصة، منها: (توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم) ولحم الإبل ينقض الوضوء نيئاً أو مطبوخاً. قال: [حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس حدثه، وحدثنا أبو موسى حدثنا روح - يعني ابن عبادة - حدثنا مالك عن زيد - وهو ابن أسلم - عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)]. هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم.

ما جاء في أن ترك النبي الوضوء مما مست النار أو غيرت ناسخ لوضوئه كان مما مست النار أو غيرت

ما جاء في أن ترك النبي الوضوء مما مست النار أو غيرت ناسخ لوضوئه كان مما مست النار أو غيرت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار أو غيرت ناسخ لوضوئه كان من ما مست النار أو غيرت حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا عبد العزيز - ابن محمد الدراوردي - عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من ثور أقط، ثم رآه أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)]. ثور الأقط، هو أقط مطبوخ بالنار، توضأ أولاً ثم نسخ ذلك، فرآه بعد ذلك أكل لحم شاة ولم يتوضأ، فدل على أن هذا منسوخ؛ لما ورد في حديث جابر: (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار). قال: [حدثنا موسى بن سهل الرملي حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: (آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)]. رواه أبو داود من طريق موسى بن سهل الرملي، ونقل الحافظ في التلخيص: قال الشافعي في سنن حرملة: لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر، إنما سمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل، قلت: وهو حسن الحديث. والحديث السابق الذي قبله إسناده صحيح. هناك خلاف بين العلماء هل نسخ الوضوء مما مست النار وبقي الاستحباب، أو أنه بقي مباحاً؟ الأقرب أنه مستحب، ونسخ الوجوب.

ما جاء في الرخصة في ترك غسل اليدين والمضمضة من أكل اللحم

ما جاء في الرخصة في ترك غسل اليدين والمضمضة من أكل اللحم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ترك غسل اليدين والمضمضة من أكل اللحم إذ العرب قد تسمي غسل اليدين وضوءاً. حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ثم صلى ولم يمس ماءً)]. يعني: ولم يتمضمض ولم يغسل يديه.

كتاب الوضوء [4]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [4] علمتنا الشريعة كل شيء حتى آداب قضاء الحاجة، وهذا من كمالها وشمولها وعظمتها، ومن آداب قضاء الحاجة الاستتار والتباعد في الصحراء عن الناس والتنزه من البول وترك استقبال القبلة أو استدبارها.

ما جاء في أن الكلام السيئ والفحش في المنطق لا يوجب وضوءا

ما جاء في أن الكلام السيئ والفحش في المنطق لا يوجب وضوءاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الكلام السيئ والفحش في المنطق لا يوجب وضوءاً. حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف فقال في حلفه: واللات، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق بشيء)] ورواه البخاري. قوله: (من حلف فقال في حلفه: واللات، فليقل: لا إله إلا الله) يعني: أن حلفه باللات شرك، ولا إله إلا الله توحيد، فهذه تكفر تلك. قوله: (ومن قال: تعال أقامرك) يعني: نلعب القمار، (فليتصدق) وذلك لأن الصدقة تكفر هذه. [قال أبو بكر: فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الحالف باللات ولا القائل لصاحبه: تعال أقامرك بإحداث وضوء، فالخبر دال على أن الفحش في المنطق وما زجر المرء عن النطق به لا يوجب وضوءاً، خلاف قول من زعم أن الكلام السيئ يوجب الوضوء]. يقول الأحناف: القهقهة في الصلاة تبطل الصلاة والوضوء، وهذا لا دليل عليه، نعم القهقهة لا تبطل الوضوء، لكن تبطل الصلاة إذا كان متعمداً، فالمؤلف يرد على من قال: إن الكلام السيئ يوجب الوضوء.

ما جاء في استحباب المضمضة من شرب اللبن

ما جاء في استحباب المضمضة من شرب اللبن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب المضمضة من شرب اللبن. حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري أنبأنا أبو عاصم عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ثم مضمض)]. هذا من باب النظافة، يعني: المضمضة فيها تنظيف الفم.

بيان الحكمة من المضمضة من شرب اللبن

بيان الحكمة من المضمضة من شرب اللبن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن المضمضة من شرب اللبن استحباب لإزالة الدسم من الفم وإذهابه، لا لإيجاب المضمضة من شربه. حدثنا محمد بن عزيز الأيلي أن سلامة بن روح حدثهم عن عقيل - وهو ابن خالد - وحدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني حدثنا معتمر - يعني ابن سليمان - قال: سمعت معمراً وحدثنا محمد بن بشار بندار وأبو موسى قالا: حدثنا يحيى - وهو ابن سعيد - حدثنا الأوزاعي كلهم عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض وقال: إن له دسماً). وقال الصنعاني في حديثه: (أو إنه دسم). وقال بندار: (إنه دسم)]. هذا الحديث رواه البخاري ومسلم. والذي قبله تابع له. والمضمضة من شرب اللبن مستحبة ليست بواجبة، وهي من باب النظافة.

ما جاء في الفرق بين النبي وأمته في إيجاب الوضوء من النوم

ما جاء في الفرق بين النبي وأمته في إيجاب الوضوء من النوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر ما كان الله عز وجل فرق به بين نبيه صلى الله عليه وسلم وبين أمته في النوم، من أن عينيه إذا نامتا لم يكن قلبه ينام، ففرق بينه وبينهم في إيجاب الوضوء من النوم على أمته دونه عليه الصلاة والسلام. حدثنا محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد حدثنا ابن عجلان وحدثنا يحيى بن حكيم حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان قال: سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)] رواه أحمد وهو صحيح. يعني: لا ينتقض وضوءه عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث الآخر: (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) وإن كان هذا الحديث فيه كلام، لكن قد ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام ولم يتوضأ) وذلك لأن نومه لا ينقض وضوءه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: [حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أن مالكاً حدثه عن سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أخبره أنه سأل عائشة: (كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة! إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)]. رواه البخاري في التهجد. وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قد يأتيه الوحي عليه الصلاة والسلام وهو نائم؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي. فإن قيل: هل في هذا الحديث دليل على جواز صلاة الأربع ركعات بسلام واحد؟ نقول: لا، ليس فيه دليل على ذلك؛ لأن هذا مجمل، والأحاديث الأخرى بينت أن المراد أربع بسلامين، ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر في صحيح البخاري: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة) وهذا خبر في معنى الأمر. أما الوتر فقد أوتر صلى الله عليه وسلم بثلاث وأوتر بخمس وأوتر بسبع فلا بأس، أما أن يصلي شفعاً أربعاً أو ستاً فلا؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى. وقد جاء في بعض الروايات: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) لكن زيادة: (والنهار) طعن فيها بعض العلماء وقال: إن هذه خطأ، والذي طعن فيها هو النسائي، ولهذا الجمهور يجيزون الصلاة في النهار أربع ركعات بسلام واحد، لكن الأفضل حتى في النهار أن يسلم من كل ركعتين.

ما جاء في التباعد للغائط في الصحاري عن الناس

ما جاء في التباعد للغائط في الصحاري عن الناس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب الآداب المحتاج إليها في إتيان الغائط والبول إلى الفراغ منها. باب التباعد للغائط في الصحاري عن الناس. حدثنا علي بن حجر السعدي حدثنا إسماعيل - يعني ابن جعفر - حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب المذهب أبعد)]. الحديث إسناده حسن، أخرجه الترمذي وأبو داود، وأظن أن النسائي أخرجه. هذا الحديث فيه مشروعية البعد عند قضاء الحاجة، وأنه يشرع للإنسان إذا قضى حاجته أن يكون بعيداً عن الناس في الصحراء، لما ورد في الحديث الآخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوارى عن الناس حتى لا يسمع له صوت ولا ترى له عورة) إذاً: من السنة البعد عن الناس عند قضاء الحاجة، أما ما ثبت في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) فهذا خاص، أو أنه في بعض الأحيان للحاجة، ولعله طال مقامه عليه الصلاة والسلام في البلد فأتى هذه السباطة، ولم يكن الجلوس مناسباً فستره حذيفة وأمامه الجدار من الجهة الأخرى، فلا بأس بالبول قائماً إذا تستر عن الأعين، وكانت الحاجة داعية إلى هذا، والبول قاعداً هو الأفضل وهو الأكثر من فعله عليه الصلاة والسلام، أما البول قائماً فلم يفعله عليه الصلاة والسلام إلا مرة واحدة. قال: [حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا أبو جعفر الخطمي قال بندار: قلت لـ يحيى: ما اسمه؟ فقال: عمير بن يزيد قال: حدثني عمارة بن خزيمة والحارث بن فضيل عن عبد الرحمن بن أبي قراد قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته خرج من الخلاء، وكان إذا أراد حاجة أبعد)]. قوله: (كان أراد حاجة أبعد) يعني: هذه عادته المستمرة؛ لأن (كان) تفيد الاستمرار والدوام. وسيأتي في حديث حذيفة أنه بال قائماً عند الحاجة، وإلا الأكثر أنه كان يتباعد.

ما جاء في الرخصة في ترك التباعد عن الناس عند البول

ما جاء في الرخصة في ترك التباعد عن الناس عند البول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ترك التباعد عن الناس عند البول. حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن حذيفة قال: (لقد رأيتني أتمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سباطة قوم فقام يبول كما يبول أحدكم، فذهبت أتنحى منه فقال: ادنه، فدنوت منه حتى قمت عند عقبه حتى فرغ)]. الحديث هذا رواه البخاري في صحيحه، ورواه أبو داود والنسائي وغيرهم. وهو من أصح الأحاديث، وفيه دليل على جواز البول قائماً عند الحاجة، بشرط أن يستتر عن الأعين. وقال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بال قائماً لوجع في صلبه، وأن البول حال القيام يستشفى به من وجع الصلب. وقال آخرون: إنما بال قائماً لوجع في مأبضه وهو باطن الركبة، وكل هذا ليس بصحيح، والصواب أنه بال قائماً للحاجة ولبيان الجواز، والحاجة داعية إلى هذا إما لأن المكان غير مناسب؛ لأنه يرتد إليه البول، أو لأن الأرض صلبة، أو لغير ذلك من الأسباب، فدل هذا على الجواز، لكن بشرط أن يستتر عن الأعين؛ ولهذا ستره حذيفة والجهة الأخرى فيها الجدار، والأكثر من فعله عليه الصلاة والسلام أنه يبول قاعداً، ولهذا أنكرت عائشة على من قال: إنه بال قائماً، فقالت: (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول إلا قاعداً). وهذا إنما أخبرت عما رأته في البيوت، لكن حذيفة أخبر عما رآه خارج البيوت، والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي، فهي نفت؛ لأنها ما علمت، لكن علم هذا حذيفة، وهذا محمول على أن الأكثر من فعله عليه الصلاة والسلام البول قاعداً، أما البول قائماً فإنما فعل هذا مرة. فإن قيل: هل البول قائماً يحمل على الكراهة؟ أقول: لا، ليس فيه كراهة؛ لأن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه كراهة، لكن الأفضل البول قاعداً، وإذا بال قائماً فلا حرج، لكن مع الأخذ بالاحتياطات: من التستر عن الأعين، ومن عدم رجوع البول على البائل، وغير ذلك.

ما جاء في استحباب الاستتار عند الغائط

ما جاء في استحباب الاستتار عند الغائط قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب الاستتار عند الغائط. حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب ما استتر به في حاجته هدفاً أو حائش نخل). قال أبو بكر: سمعت محمد بن أبان يقول: سمعت ابن إدريس يقول: قلت لـ شعبة: ما تقول في مهدي بن ميمون؟ قال: ثقة. قلت: فإنه أخبرني عن سلم العلوي قال: رأيت أبان بن أبي عياش عند أنس بن مالك يكتب في سبورجة. قال: سلم العلوي الذي كان يرى الهلال قبل الناس. قال أبو بكر: ومحمد بن أبي يعقوب هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب نسبه إلى جده، هو الذي قال عنه شعبة: حدثني محمد بن أبي يعقوب سيد بني تميم]. هذا الحديث فيه مشروعية الاستتار عند قضاء الحاجة؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستتر بهدف، أو حائش نخل، أو جدار، فينبغي الاستتار عند قضاء الحاجة. والحديث رواه مسلم في الحيض.

ما جاء في الرخصة للنساء في الخروج للبراز بالليل إلى الصحاري

ما جاء في الرخصة للنساء في الخروج للبراز بالليل إلى الصحاري قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة للنساء في الخروج للبراز بالليل إلى الصحاري. حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا محمد بن عبد الرحمن - يعني الطفاوي - حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كانت سودة بنت زمعة امرأة جسيمة، فكانت إذا خرجت لحاجتها بالليل أشرفت على النساء، فرآها عمر بن الخطاب فقال: انظري كيف تخرجين، فإنك والله ما تخفين علينا إذا خرجت، فذكرت ذلك سودة لنبي الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عرق، فما رد العرق من يده حتى فرغ الوحي، فقال: إن الله قد جعل لكن رخصة أن تخرجن لحوائجكن)]. العرق هو العظم الذي فيه بقية لحم، فهو عندما كان يتعرق العرق نزل عليه الوحي، وعمر رضي الله عنه كان يحب ألا تخرج النساء من حبه لذلك، حتى لعلهن يمنعن، فلما خرجت سودة وكانت طويلة رآها في ظلام الليل، ولم يكن هناك كهرباء ولا شمع، لكن من شدة غيرة عمر رضي الله عنه لما رأى سودة خرجت قال: (انظري يا سودة والله ما تخفين علينا) وفي اللفظ الآخر: (أنها رجعت واشتكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل عليه الوحي وهو يتعرق العرق، وقال: إنه أذن لكن في قضاء حوائجكن). فهذا فيه دليل على أنه لا بأس بخروج المرأة لقضاء حاجتها في الليل مع حشمة وتحجب، ومع عدم الريبة إذا لم يخش عليها الفتنة، وكانت المدينة صغيرة في ذلك الوقت، وليست في البيوت حمامات أو مكان قضاء الحاجة، فكان النساء تخرج تقضي الحاجة في البر في الصحراء، قالت عائشة: (وكنا نخرج من ليل إلى ليل في الظلام، وكانت النساء يأكلن العلقة من الطعام) يعني: الشيء الذي يقيم الجسد، ليس مثل الآن يأكلن كثيراً، قد كان الشخص لا يأكل إلا أكلة مرة واحدة في اليوم، أو أكلتين خفيفتين مما يتيسر؛ لأنه لم يكن عندهم شيء. وهذا الحديث أخرجه البخاري، والظاهر أنه أخرجه مسلم أيضاً. قال: [حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة بنحوه].

ما جاء في التحفظ من البول كي لا يصيب البدن والثياب والتغليظ في ترك غسله

ما جاء في التحفظ من البول كي لا يصيب البدن والثياب والتغليظ في ترك غسله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التحفظ من البول كي لا يصيب البدن والثياب، والتغليظ في ترك غسله إذا أصاب البدن أو الثياب. حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان مكة أو المدينة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا أو إلى أن ييبسا)]. هذا الحديث فيه أنه ينبغي التحرز من البول، وفيه أن التساهل في البول من أسباب عذاب القبر، وكذلك النميمة. وفيه إثبات عذاب القبر والرد على أنكره من أهل البدع. وقوله: (وما يعذبان في كبير) يعني: ما يعذبان في كبير يشق عليهما التحرز منه، وإنما هو سهل التحرز من الغيبة والنميمة والبول. وفي اللفظ الآخر: (بلى إنه كبير) يعني: هو كبير عند الله وإن لم يكن كبيراً في أنفسهما، أو ليس بكبير يشق عليهما الاحتراز منه. وفي اللفظ الآخر: (بلى إنه كبير) يعني: كبير عند الله. والحديث أخرجه البخاري في الوضوء. فإن قيل: هل يجوز لأحد أن يضع جريده النخل على القبر؟ نقول: لا؛ لأن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله أعلمه بذلك، أما نحن فلا نعلم أحوال الناس، لا ندري هل هم يعذبون أو ينعمون؛ إنما الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا بوحي من الله، حيث أخبره الله أنهما يعذبان، أما نحن فلا يشرع لنا ذلك. قال: [حدثنا يوسف بن موسى حدثنا وكيع حدثنا الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عباس قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين) بمثله].

ما جاء في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند الغائط والبول بلفظ عام مراده خاص

ما جاء في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند الغائط والبول بلفظ عام مراده خاص قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند الغائط والبول بلفظ عام مراده خاص. حدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان حدثنا الزهري، وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء الليثي عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب رضي الله عنه: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله) هذا لفظ حديث عبد الجبار]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو دليل على تحريم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء عند قضاء الحاجة، يقول: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا) وهذا خطاب لأهل المدينة؛ لأن قبلتهم جنوب، ولهذا قال: (ولكن شرقوا أو غربوا) لكن نحن الآن الذين في الرياض نجنب أو نشمل. وفيه دليل على أن أبا أيوب رضي الله عنه يرى أنه لا يجوز الاستقبال ولا الاستدبار حتى في البنيان، ولهذا قال: (فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل). والصواب أنه في البنيان جائز، عملاً بحديث ابن عمر: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة). فدل على أن ذلك في البنيان لا بأس به، جمعاً بين الحديثين، وإنما النهي عن هذا في الصحراء. قوله: (باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند الغائط والبول، بلفظ عام مراده خاص). يعني: كأن المراد الخاص في الصحراء، مع أن اللفظ عام. والحديث أخرجه البخاري ومسلم.

ما جاء في الرخصة في البول مستقبل القبلة بعد النهي عنه ووجه الرخصة في ذلك

ما جاء في الرخصة في البول مستقبل القبلة بعد النهي عنه ووجه الرخصة في ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرخصة في البول مستقبل القبلة، بعد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه مجملاً غير مفسر، قد يحسب من لم يتبحر العلم أن البول مستقبل القبلة جائز لكل بائل وفي أي موضع كان، ويتوهم من لا يفهم العلم ولا يميز بين المفسر والمجمل أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ناسخ لنهيه عن البول مستقبل القبلة. حدثنا محمد بن بشار حدثنا وهب - يعني ابن جرير بن حازم - حدثني أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها)]. هذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، وفي صحته نظر. قال في الترجمة: (باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرخصة في البول مستقبل القبلة بعد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه مجملاً غير مفسر، قد يحسب من لم يتبحر العلم أن البول مستقبل القبلة جائز لكل بائل وفي أي موضع كان، ويتوهم من لا يفهم العلم، ولا يميز بين المفسر والمجمل أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ناسخ لنهيه عن البول مستقبل القبلة). يعني: كأن المؤلف يرى أن هذا مجمل عام، لكن ليس فيه أنه في الصحراء، بل هذا يحمل على أنه في البنيان، فبعض الناس أخذ بعمومه، مع أن هذا يحمل على أنه في البنيان، كما في حديث ابن عمر. وهذا حديث حسن، وصرح ابن إسحاق فيه بالتحديث عند ابن الجارود. فهذا لو صح فهو عام، وكونه صلى الله عليه وسلم استقبلها قبل أن يقبض بعام فهذا في البنيان.

ما جاء في تفسير حديث أبي أيوب وجابر في النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط

ما جاء في تفسير حديث أبي أيوب وجابر في النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المفسر للخبرين اللذين ذكرتهما في البابين المتقدمين، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن استقبال القبلة واستدبارها عند الغائط والبول في الصحاري والمواضع اللواتي لا سترة فيها، وأن الرخصة في ذلك في الكنف والمواضع التي فيها بين المتغوط والبائل وبين القبلة حائط أو سترة]. يعني: هذا يفسر الحديثين السابقين: حديث: (فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) يعني: في البنيان لا في الصحراء وحديث أبي أيوب الذي قبل هذا، ولهذا بين المؤلف في الترجمة أن هذا يقيد الأحاديث السابقة. قال: [حدثنا محمد بن بشار ويحيى بن حكيم قالا: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله وحدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا عبد الأعلى حدثنا عبيد الله وحدثنا محمد بن معاوية البغدادي حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد وحدثنا محمد بن الوليد حدثنا عبد الوهاب - يعني الثقفي - سمعت يحيى بن سعيد وحدثنا محمد بن عبد الله المخزومي حدثنا أبو هشام - يعني المخزومي - حدثنا وهيب عن عبيد الله ويحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية وحدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب أخبرني ابن عجلان قال بندار في حديثه: حدثني، وقال يحيى بن حكيم: حدثنا، وقال محمد بن الوليد سمعت وقال الآخرون: عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر قال: (دخلت على حفصة بنت عمر، فصعدت على ظهر البيت، فأشرفت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على خلائه مستدبر القبلة متوجهاً نحو الشام). هذا لفظ حديث عبد الأعلى وفي خبر أبي هشام (مستقبل القبلة)]. هذا الحديث رواه البخاري ومسلم. هذا هو مقيد للأحاديث السابقة، فيدل على أنه في البنيان لا بأس به، وإنما النهي يكون في الصحراء. قال: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا صفوان بن عيسى عن الحسن بن ذكوان عن مروان الأصغر قال: (رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها، قلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس)]. هذا الحديث أخرجه أبو داود. كان ابن عمر أخذ هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه مستدبر الكعبة مستقبل الشام، رأى أنه إذا حال بينه وبينه حائل فلا بأس، ولهذا جعل راحلته بينه وبين القبلة ثم قضى حاجته، لكن ينبغي أن يتجنب هذا في الصحاري؛ لأنه ليس ستراً كاملاً بخلاف الكنف، الحمامات داخل البيوت. فعلى مذهب ابن عمر إذا كان بينه وبين القبلة جدار أو شجرة أو دابة أو سيارة فهذا لا بأس. كذلك الاستدبار حكمه حكم الاستقبال. وهذه المسألة فيها لأهل العلم ثمانية أقوال: من العلماء من يجيزه مطلقاً. ومنهم من يمنعه مطلقاً. ومنهم من يجيز الاستقبال. ومنهم من يجيز الاستدبار. ومنهم من يقول: إن هذا منسوخ، وهناك أقوال كثيرة، لكن أرجحها أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء، ولا يحرم في البنيان، وهذا هو الذي عليه الأئمة، وهو اختيار البخاري رحمه الله في تراجمه، وابن خزيمة وغيرهما من أهل العلم.

ما جاء في الرخصة في البول قائما

ما جاء في الرخصة في البول قائماً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في البول قائماً. حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا أبو عوانة وحدثنا سلم بن جنادة حدثنا وكيع كلاهما عن الأعمش وحدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة وحدثنا بشر بن خالد العسكري حدثنا محمد - يعني ابن جعفر - عن شعبة عن سليمان وهو الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً ثم توضأ ومسح على خفيه)]. وهذا ثابت في البخاري وأبي داود والنسائي، وفيه جواز البول قائماً إذا أمن من كشف عورته، وإذا تستر واحتاط لنفسه فلا بأس، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا لبيان الجواز، قال بعضهم: إنه فعل هذا لوجع في مأبضه، وهو باطن الركبة، أو لوجع في صلبه، أما القول بأن من به وجع في صلبه فإنه يستشفي بالبول قائماً فهذا ضعيف، وليس عليه دليل، والصواب أنه فعل هذا للحاجة، وقد ستره حذيفة رضي الله عنه، قيل: إن السبب في هذا أن المكان غير مناسب للجلوس؛ لأنه يرتد إليه البول، أو لأن المكان صلب، والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا لبيان الجواز، وفعله مرة واحدة، والأكثر من فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يبول قاعداً، وهذا هو الأفضل، ولهذا خفي على عائشة فأنكرت بوله قائماً وقالت: (من حدثكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم يبول قائماً فلا تصدقوه، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبول إلا قاعداً) لكن حذيفة مثبت وهي نافية، والمثبت مقدم على النافي؛ فهي إنما أخبرت عما يكون في البيوت، وحذيفة أخبر بما رآه خارج البيوت. قال: [حدثنا نصر بن علي حدثنا الفضيل بن سليمان أنبأنا أبو حازم قال: (رأيت سهل بن سعد يبول قائماً، فإنه تحدث ذلك عليه، وقال: قد رأيت من هو خير مني فعله). قوله: (فإنه تحدث ذلك عليه) يعني: تحدث الناس عنه. قوله: (قد رأيت من هو خير مني فعله). هذا فيه أن سهلاً أيضاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول قائماً. هذا الحديث رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد. إذاً: سهل بن سعد رآه مع حذيفة، والحديث ثابت عن حذيفة، والمحفوظ أنه فعله مرة واحدة، ويحتمل أنه فعله مرة ثانية، أو أن سهلاً كان مع حذيفة إن صح هذا عن سهل.

ما جاء في استحباب تفريج الرجلين عند البول قائما

ما جاء في استحباب تفريج الرجلين عند البول قائماً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب تفريج الرجلين عند البول قائماً؛ إذ هو أحرى ألا ينشر البول على الفخذين والساقين. حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على سباطة بني فلان ففرج رجليه وبال قائماً)]. وأيضاً رأى المغيرة بن شعبة النبي صلى الله عليه وسلم يبول قائماً. وهذا الحديث إسناده صحيح. إذاً: ورد من رواية سهل بن سعد وحذيفة والمغيرة بن شعبة أنه صلى الله عليه وسلم بال قائماً. قوله: (ففرج رجليه وبال قائماً). يقول المؤلف في الترجمة: (لئلا ينتشر إليه البول).

ما جاء في كراهية تسمية البائل مهريقا للماء

ما جاء في كراهية تسمية البائل مهريقاً للماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كراهية تسمية البائل مهريقاً للماء. حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة وابن أبي حرملة عن كريب عن ابن عباس قال: أخبرني أسامة بن زيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بال في الشعب ليلة مزدلفة، ولم يقل: إهراق الماء)]. عاصم بن بهدلة صدوق له أوهام، وهو حجة في القراءات، وحديثه في الصحيحين مقرون، فيكون الحديث حسناً.

ما جاء في الرخصة في البول في الطساس

ما جاء في الرخصة في البول في الطساس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في البول في الطساس]. (الطساس) جمع طست. قال: [حدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا سليم - يعني ابن أخضر - عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: (كنت مسندة النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري فدعا بطست فبال فيها، ثم مال فمات)]. هذا الحديث إسناده صحيح أخرجه النسائي كما قال المحقق، لكن فيه أحمد بن عبدة الضبي قال عنه في الجرح: ناصبي، وبقية رجاله ثقات. وهذا الحديث فيه غرابة، وقد مر في النسائي أنه لا يصح، وفي صحته نظر. يعني: كونه فعله في آخر حياته ثم مات في الحال، لو كان هذا ثابتاً لنقل.

كتاب الوضوء [5]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [5] من آداب قضاء الحاجة أن يتجنب البول في الماء الراكد وفي الطريق والظل، وعدم مس الذكر باليمين وهو يبول، والاستعاذة من الشيطان عند دخول الخلاء، وإعداد الماء أو الأحجار للاستنجاء، وعدم كشف العورة، وعدم التحدث حال قضاء الحاجة حتى برد السلام، وعدم الاستطابة باليمين، وألا يستجمر بأقل من ثلاثة أحجار.

النهي عن البول في الماء الراكد الذي لا يجري

النهي عن البول في الماء الراكد الذي لا يجري

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الذي لا يجري)

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الذي لا يجري) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن البول في الماء الراكد الذي لا يجري، وفي نهيه عن ذلك دلالة على إباحة البول في الماء الجاري. حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان -هو ابن عيينة - عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الذي لا يجري ثم يغتسل منه). وقال المخزومي: (في الماء الدائم ثم يغتسل منه)]. هذا الحديث فيه المنع من البول في الماء الدائم، والمراد بالماء الدائم: الراكد، وقوله: (ثم يغتسل منه) يعني: لا يجمع بينهما بأن يبول فيه ثم يغتسل منه. وقد جاء في الرواية الأخرى النهي عن كل واحد منهما على حدة ولفظها: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ولا يغتسل منه) فهو ممنوع من الأمرين، ولا يدل هذا على نجاسته، أما إذا بال في الماء الراكد ثم بال الثاني والثالث فإن هذا يؤدي إلى تنجيسه، والماء هذا قد يكون نجساً وقد لا يكون نجساً؛ فإنه لا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه، ولكن المنهي عنه: بول الإنسان في الماء الراكد؛ لأنه يحتاج إلى الاغتسال، وقد قيل لـ أبي هريرة: كيف يفعل؟ قال: (يغترف منه اغترافاً). أما البول في الماء الجاري فلا بأس؛ لأن البول يذهب مع الماء. وهذا الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم. فإن قيل لنا: قد يكون الماء الراكد كثيراً؟ فنقول: ولو كان كثيراً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى ولم يفصل؛ لأن البول فيه مدعاة إلى تنجيسه وتقذيره، فلو كان كثيراً فلا يبول فيه الإنسان ما دام راكداً. والنهي هنا للتحريم، فيحرم عليه أن يبول في الماء الراكد؛ لأن البول فيه وسيلة إلى تنجيسه، وتقذيره على نفسه وعلى غيره.

النهي عن التغوط على طريق المسلمين وظلهم الذي هو مجالسهم

النهي عن التغوط على طريق المسلمين وظلهم الذي هو مجالسهم

شرح حديث: (اتقوا اللعنتين أو اللعانين)

شرح حديث: (اتقوا اللعنتين أو اللعانين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن التغوط على طريق المسلمين وظلهم الذي هو مجالسهم. حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللعنتين -أو اللعانين- قيل: وما هما؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم)]. هذا الحديث فيه تحريم التخلي في طريق الناس وفي ظلهم، وقوله: (اتقوا اللاعنين) يعني: الذي يجلب اللعن ويتسبب فيه؛ فإن الناس عادة يلعنون من يتخلى في طريقهم أو في ظلهم، فلا يجوز لإنسان أن يتخلى في طريق الناس الذي تطؤه الأقدام، وكذلك في الظل الذي يستظلون به، ومثله المشمس في الشتاء الذي يتشمس فيه الناس، وقد ورد كذلك النهي عن البول وعن التخلي في موارد الماء. [قال أبو بكر: وإنما استدللت على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: (أو ظلهم) الظل الذي يستظلون به إذا جلسوا مجالسهم بخبر عبد الله بن جعفر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب ما استتر به في حاجته هدفاً أو حائش نخل) والهدف هو: الحائط، والحائش من النخل: النخلات المجتمعات، وإنما سمي البستان حائشاً لكثرة أشجاره ولا يكاد الهدف يكون إلا وله ظل إلا وقت استواء الشمس، فأما الحائش من النخل فلا يكون وقت من الأوقات بالنهار إلا ولها ظل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد كان يستحب أن يستتر الإنسان في الغائط بالهدف، والحائش، وإن كان لهما ظل]. بين المصنف أن المراد بالظل: الذي يستظل به الناس، أما الظل الذي لا يستظل به الناس فلا حرج من التخلي عنده. وهذا الحديث أخرجه مسلم.

النهي عن مس الذكر باليمين

النهي عن مس الذكر باليمين

شرح حديث: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه)

شرح حديث: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن مس الذكر باليمين. حدثنا علي بن خشرم حدثنا عيسى -هو ابن يونس - عن معمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه)]. هذا النهي للتحريم، فيحرم مس الذكر باليمين حال البول؛ لأنه ربما أصابها شيء من البول فإن اليد اليمنى مكرمة، فلا يمسك ذكره إلا بيده اليسرى حال البول. وقد ورد النهي عن الاستنجاء باليمين، وهذا الحديث هنا فيه النهي عن مس الذكر باليمين حال البول، أما في غير حال البول فلا يتناوله الحديث، وقال بعضهم: إنه عام أيضاً حتى في غير وقت البول، لكن الحديث مقيد بوقت البول؛ لأنه قد يصيبه شيء من البول. فإذا أراد المرء أن يستنجي فيأخذ الماء بيده اليمين ويمسح باليسار.

الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند دخول المتوضأ

الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند دخول المتوضأ

شرح حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة)

شرح حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند دخول المتوضأ. حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة وحدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني حدثنا خالد -يعني ابن الحارث - حدثنا شعبة وحدثنا يحيى بن حكيم حدثني ابن أبي عدي حدثنا شعبة وحدثنا يحيى بن حكيم أيضاً قال: حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت النضر بن أنس يحدث عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الحشوش محتضرة فإذا دخلها أحدكم فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) هذا حديث بندار غير أنه قال عن النضر بن أنس وكذا قال يحيى بن حكيم في حديث ابن أبي عدي عن النضر بن أنس]. وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، والخبث: ذكران الشياطين، والخبائث: إناثهم. قوله: (هذه الحشوش) يعني: مكان قضاء الحاجة (محتضرة)، يعني: تحضرها الشياطين، فيستعيذ داخلها بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، ويقول أيضاً: باسم الله قبل الدخول؛ عملاً بالأحاديث العامة، وجاء أيضاً في حديث عند الترمذي بلفظ: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). ومن نسي التسمية في الوضوء فلا بأس أن يأتي بالتسمية في أثنائه، ولو في الحمام؛ لأن التسمية واجبة عند الوضوء، وتزول الكراهة لأجل الإتيان بالشيء الواجب. وقد ذكر في حاشية تلخيص الحبير عن ابن حجر أنه قال: لم يثبت في هذا الباب شيء، أي: في التسمية، وعلى كل حال فإن التسمية تؤخذ مشروعيتها عند الوضوء من الأدلة العامة. وحديث: (إذا دخلتم الخلاء فقولوا: أعوذ بالله من الخبث والخبائث) قال الحافظ عنه في الفتح: إسناده على شرط مسلم.

إعداد الأحجار للاستنجاء عند إتيان الغائط

إعداد الأحجار للاستنجاء عند إتيان الغائط

شرح حديث: (أراد النبي أن يتبرز)

شرح حديث: (أراد النبي أن يتبرز) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إعداد الأحجار للاستنجاء عند إتيان الغائط. حدثنا أبو عبد الله سعيد الأشج حدثنا زياد بن الحسن بن فرات عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله قال: (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال: ائتني بثلاثة أحجار، فوجدت له حجرين وروثة حمار؛ فأمسك الحجرين وطرح الروثة وقال: هي رجس)]. هذا الحديث يدل على أنه لا بأس بالاستجمار بالأحجار، ويدل على أنه لا يجوز الاستنجاء بالروث ولا بالعظم، وفي الحديث الآخر: (إن العظم زاد إخوانكم من الجن، والروث علف لدوابهم). ومن أراد أن يقتصر على الاستجمار فلابد أن يستجمر بثلاث أحجار فأكثر، أما إذا أراد أن يستنجي بالماء بعد ذلك فالأمر واسع، فلك أن تستجمر بحجرين ثم تتبع ذلك بالماء فلا حرج، لكن إذا أردت أن تقتصر على الأحجار فلابد أن تكون ثلاث، وأن تكون منقية، فإن لم تنق زاد حتى تنقي المحل، والمناديل إذا كانت خشنة فلا بأس باستعمالها.

النهي عن المحادثة على الغائط

النهي عن المحادثة على الغائط

شرح حديث: (لا يخرج الرجلان)

شرح حديث: (لا يخرج الرجلان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن المحادثة على الغائط. حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض قال: حدثني أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛ فإن الله عز وجل يمقت على ذلك)]. هذا الحديث أخرجه ابن ماجة وأبو داود والحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه، ولكنه ضعيف؛ لأنه من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، وعكرمة بن عمار تكلم فيه. وعلى كل لا يجوز للإنسان أن يكشف عورته، ولا يتحدث حال قضاء الحاجة. وهذا الحديث قد رواه أحمد وصححه ابن حبان وابن القطان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا به محمد بن يحيى حدثنا سلم بن إبراهيم -يعني الوراق - قال: حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن عياض بن هلال بهذا الإسناد نحوه. قال أبو بكر: وهذا هو الصحيح، هذا هو عياض بن هلال روى عنه يحيى بن أبي كثير غير حديث، وأحسب الوهم من عكرمة بن عمار حين قال: عن هلال بن عياض].

النهي عن نظر المسلم إلى عورة أخيه المسلم

النهي عن نظر المسلم إلى عورة أخيه المسلم

شرح حديث: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل)

شرح حديث: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن نظر المسلم إلى عورة أخيه المسلم. حدثنا محمد بن رافع حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أخبرنا الضحاك بن عثمان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفض الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا تفض المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد)]. وهذا الحديث فيه النهي عن نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، بل يجب على الرجل أن يستر عورته، ولا يجوز له أن يكشف عورته، ولا أن يجعل أحداً ينظر إلى عورته، وكذلك المرأة. وفيه النهي عن إفضاء الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، بمعنى: أن يمس جسده جسد غيره بدون ثوب أو حائل، كأن يضطجعا ولا يكون بينهما حائل. قوله: (لا يفض الرجل إلى الرجل) يعني: أنه يمس اللحم اللحم من دون ثوب أو حائل؛ فيكون مدعاة إلى تحرك الشهوة، وكذلك كون المرأة تضطجع بجانب المرأة ويمس لحمها لحمها بدون حائل أو ثوب. والنهي هنا يفيد التحريم، فلا يجوز للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل، ولا المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة؛ لأن هذا من أسباب الشر وتحرك الشهوة.

كراهية رد السلام يسلم على البائل

كراهية رد السلام يسلم على البائل

شرح حديث ابن عمر أن رجلا مر على النبي وهو يبول فسلم عليه

شرح حديث ابن عمر أن رجلاً مر على النبي وهو يبول فسلم عليه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية رد السلام يسلم على البائل. حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان، وحدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد - يعني: الزبيري - حدثنا سفيان الثوري عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام)]. قال في الحاشية: إسناده صحيح. هذا الحديث فيه أنه لا يسلم أحد على من يقضي حاجته؛ لأن السلام فيه ذكر لله عز وجل، ومن يقضي الحاجة ليس له أن يذكر الله في حال قضاء حاجته فلا يسلم عليه، وإذا سلم عليه فلا يرد عليه السلام.

الأمر بالاستطابة بالأحجار

الأمر بالاستطابة بالأحجار

شرح حديث: (إني أرى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة)

شرح حديث: (إني أرى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب الاستنجاء بالأحجار. باب الأمر بالاستطابة بالأحجار، والدليل على أن الاستطابة بالأحجار يجزي دون الماء. حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ويوسف بن موسى قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال: (قال له بعض المشركين -وكانوا يستهزءون به-: إني أرى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة، قال سلمان: أجل أمرنا أن لا نستقبل القبلة، ولا نستنجي بأيماننا، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم). غير أن الدورقي قال: قال بعض المشركين لـ سلمان]. هذا الحديث فيه تحريم استقبال القبلة في حال قضاء الحاجة، وهذا إذا كان في غير البنيان، أما في البنيان فإنه يجوز جمعاً بين الأحاديث في أصح الأقوال. وفيه تحريم الاستنجاء باليمين، بل يستنجي بيده اليسار؛ لأن اليمين تكون للتكريم للإعطاء والأخذ، وقد (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله)، وكذلك فيه أنه لا يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار إذا استنجى بالأحجار، واكتفى بها عن الماء، فلا بد أن تكون ثلاثة أحجار فأكثر، ولا يكتفي بالحجرين، أما إذا أراد أن يستنجي بالماء بعد ذلك فله أن يستجمر بالحجر أو الحجرين ثم يستنجي بالماء، ولا بد أن تكون الأحجار منقية، فإن لم ينق بثلاث زاد رابعاً، فإن أنقى بالرابع فإنه يستحب أن يزيد الخامسة حتى يقطع الشك وتكون وتراً. ويشترط أيضاً: ألا يتعدى الخارج موضع العادة بألا ينتشر الغائط إلى الصفحتين، والبول لا يتجاوز الحشفة التي هي رأس الذكر. ولابد أن يكون المستجمر به ليس روثاً ولا عظماً؛ لأنه قد جاء النهي عنهما في السنة، والعظم يعود أوفر ما كان لحماً ويكون زاداً لإخواننا من الجن، وكذلك رجيع الدابة يكون علفاً لدوابهم فيعود إليه حبه الذي أكل منه.

الأمر بالاستطابة بالأحجار وترا لا شفعا

الأمر بالاستطابة بالأحجار وتراً لا شفعاً

شرح حديث: (من توضأ فليستنثر)

شرح حديث: (من توضأ فليستنثر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالاستطابة بالأحجار وتراً لا شفعاً. حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد وحدثنا يونس أيضاً حدثنا ابن وهب أن مالكاً حدثه، حدثنا عتبة بن عبد الله أخبرنا ابن المبارك أخبرنا يونس وحدثنا يحيى بن حكيم حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا يونس ومالك عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)]. استدل المؤلف بهذا على مشروعية الإيتار في الاستجمار، وهو مستحب. وقوله: (من توضأ فليستنثر) الاستنثار معناه أن يخرج الماء الذي استنشقه بأنفه، إذ الاستنشاق جذب الماء بطرف الأنف، والاستنثار إخراجه، وهو واجب، فإذا توضأ فلابد من الاستنشاق والاستنثار. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي حديث ابن المبارك: أخبرني أبو إدريس الخولاني أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت يونس يقول: سئل ابن عيينة عن معنى قوله: (ومن استجمر فليوتر) قال: فسكت ابن عيينة، فقيل له: أترضى بما قال مالك؟ قال: وما قال مالك؟ قيل: قال مالك: الاستجمار: الاستطابة بالأحجار، فقال ابن عيينة: إنما مثلي ومثل مالك كما قال الأول: وابن اللبون إذ ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس]. وهذا من تواضع ابن عيينة.

ذكر الدليل على أن الأمر بالاستطابة وترا

ذكر الدليل على أن الأمر بالاستطابة وتراً

شرح حديث جابر: (إذا استجمر أحدكم فليوتر)

شرح حديث جابر: (إذا استجمر أحدكم فليوتر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الأمر بالاستطابة وتراً هو الوتر الذي يزيد على الواحد الثلاث فما فوقه من الوتر إذ الواحد قد يقع عليه اسم الوتر والاستطابة بحجر واحد غير مجزية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ألا يكتفى بدون ثلاثة أحجار في الاستطابة. حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن الأعمش، وحدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش، وحدثنا أبو موسى حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - عن سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً)]. هذا الحديث فيه أن الاستجمار لا بد أن يكون ثلاثاً، وأنه لا يكفي الحجر ولا الحجرين.

الدليل على أن الأمر بالوتر في الاستطابة أمر استحباب لا أمر إيجاب

الدليل على أن الأمر بالوتر في الاستطابة أمر استحباب لا أمر إيجاب

شرح حديث أبي هريرة: (إذا استجمر أحدكم فليوتر)

شرح حديث أبي هريرة: (إذا استجمر أحدكم فليوتر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدليل على أن الأمر بالوتر في الاستطابة أمر استحباب لا أمر إيجاب، وأن من استطاب بأكثر من ثلاثة بشفع لا بوتر غير عاص في فعله؛ إذ تارك الاستحباب غير الإيجاب تارك فضيلة لا فريضة. حدثنا أبو غسان مالك بن سعد القيسي حدثنا روح -يعني: ابن عبادة - حدثنا أبو عامر الخزاز عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استجمر أحدكم فليوتر، فإن الله وتر يحب الوتر، أما ترى السماوات سبعاً والأرض سبعاً والطواف سبعاً وذكر أشياء)]. هذا الحديث فيه دليل على أن الإيتار فضيلة مستحبة وليس بواجب. فإذا أنقى بأربع فله أن يكتفي بأربعة أحجار، وإن زاد الخامسة فهو أفضل، وإن اكتفى بأربع فلا حرج ويكون تاركاً لفضيلة لا تاركاً لواجب.

النهي عن الاستطابة باليمين

النهي عن الاستطابة باليمين

شرح حديث أبي قتادة في النهي عن مس الذكر باليمين من طريق هشام الدستوائي

شرح حديث أبي قتادة في النهي عن مس الذكر باليمين من طريق هشام الدستوائي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الاستطابة باليمين. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني أخبرنا بشر بن المفضل أخبرنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا تمسح فلا يتمسح بيمينه)]. هذا الحديث فيه تحريم هذه الأمور الثلاثة: التنفس في الإناء، ومس الذكر باليمين، والاستنجاء باليمين؛ لأن النهي للتحريم؛ فهو إذا تنفس في الإناء قد يخرج شيء من فمه فيقذره على غيره، وكذلك أيضاً لا يمسح ذكره بيمينه وهو يبول؛ لأنه قد يصيبه شيء من البول، وكذلك لا يستنجي بيمينه، فكل هذه الأمور الثلاثة محرمة. والنفخ غير التنفس، وكلاهما منهي عنه، وإذا كان الطعام حاراً فلا ينفخ فيه بل ينتظر حتى يبرد.

شرح حديث أبي قتادة في النهي عن مس الذكر باليمين من طريق الأوزاعي

شرح حديث أبي قتادة في النهي عن مس الذكر باليمين من طريق الأوزاعي قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا ابن المبارك عن الأوزاعي، وحدثنا نصر بن مرزوق المصري حدثنا عمرو -يعني ابن أبي سلمة - عن الأوزاعي حدثني يحيى -يعني ابن أبي كثير - حدثني عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري قال: حدثني أبي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يستنج بيمينه، ولا يتنفس في الإناء) هذا حديث عمرو بن أبي سلمة، وقال علي بن حجر في كلها: عن عن].

النهي عن الاستطابة بدون ثلاثة أحجار

النهي عن الاستطابة بدون ثلاثة أحجار

شرح حديث في النهي عن الاستنجاء بدون ثلاثة أحجار

شرح حديث في النهي عن الاستنجاء بدون ثلاثة أحجار قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الاستطابة بدون ثلاثة أحجار. أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد أخبرنا ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد لولده، فلا يستقبل أحدكم القبلة ولا يستدبرها -يعني في الغائط-، ولا يستنج بدون ثلاثة أحجار ليس فيها روث ولا رمة)]. وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم أيضاً، وفيه النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، وهذا في غير البنيان، أما في البنيان فيجوز لحديث ابن عمر: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)، وأما النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار فهذا إذا أراد الاقتصار عليها دون الماء، أما إذا أراد أن يستعمل الماء فلا بأس أن يستجمر بحجرين، ويشترط أن تكون منقية. وأما العظم والروث فلا يجوز الاستجمار بهما؛ لأن العظم زاد إخواننا من الجن، ويعود عليه لحمه الذي أكل، والروث علف لدوابهم ويعود إليه حبه الذي كان فيه. ويجوز لقاضي الحاجة أن يستدبر أو يستقبل القبلة إذا وضع حائلاً بينه وبينهما، فإن المحذور يزول بذلك، هكذا كان يرى ابن عمر، ولكن المراد بالبنيان المحاط من جميع الجهات، أما هذا فهو من جهة واحدة، لكن ابن عمر، تأول هذا، فكان يجعل راحلته ويستقبل أو يستدبر.

الدليل على النهي عن الاستطابة بدون ثلاثة أحجار

الدليل على النهي عن الاستطابة بدون ثلاثة أحجار

شرح حديث سلمان في النهي عن الاكتفاء بما دون ثلاثة أحجار

شرح حديث سلمان في النهي عن الاكتفاء بما دون ثلاثة أحجار قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدليل على النهي عن الاستطابة بدون ثلاثة أحجار، وأن الاستطابة بدون ثلاثة أحجار لا يكفي دون الاستنجاء بالماء؛ لأن المستطيب بدون ثلاثة أحجار عاص في فعله وإن استنجى بعده بالماء، والنهي عن الاستنجاء بالعظام والرجيع]. هذا فيه نظر؛ لأنه جعل من استنجى بدون ثلاثة أحجار وإن استنجى بعده بالماء عاصياً، لكنه قد يؤخذ ذلك من عموم الحديث: (وألا يستنجي بأقل من ثلاثة أحجار). قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن سعيد بن الأشج قال: أخبرنا ابن نمير عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال: (قال المشركون: لقد علمكم صاحبكم حتى يوشك أن يعلمكم الخراءة قال: أجل نهانا أن نستقبل القبلة أو نستنجي بأيماننا أو بالعظم أو بالرجيع، وقال: لا يكتف أحدكم دون ثلاثة أحجار)]. هذا الحديث يدل على التحريم، فلا يستنج بأقل من ثلاثة أحجار إذا أراد أن يقتصر على الحجر، أما إذا أراد أن يستنجي بالماء مع الاقتصار على حجر أو حجرين فله ذلك، والأمر واسع، وقد استدل به المؤلف على أنه لا يجوز الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار وإن استنجى بالماء، وهذا الاستدلال فيه نظر.

ذكر العلة التي من أجلها زجر عن الاستنجاء بالعظام والروث

ذكر العلة التي من أجلها زجر عن الاستنجاء بالعظام والروث

شرح حديث: (إنهما طعام إخوانكم)

شرح حديث: (إنهما طعام إخوانكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر العلة التي من أجلها زجر عن الاستنجاء بالعظام والروث. أخبرنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن داود، وحدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب أخبرنا يحيى - يعني: ابن أبي زائدة - قال: أخبرني داود بن أبي هند عن عامر قال: سألت علقمة: (هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: لا، ولكن كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أو اغتيل قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا فإذا هو جاء من قبل حراء. قال: فقلنا: يا رسول الله! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، قال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا فأرانا نيرانهم قال: وسألوه الزاد، فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعر علفاً لدوابكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما فإنها طعام إخوانكم). هذا حديث عبد الأعلى. وفي حديث ابن أبي زائدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستنجوا بالعظم ولا بالبعر؛ فإنه زاد إخوانكم من الجن)]. في هذا الحديث ذكر علة النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث، وهو أنه زاد إخواننا من الجن، فالعظم يعود عليه اللحم الذي أكل منه، والروث يعود إليه الحب الذي كان فيه. قال في الحاشية: أخرجه مسلم وأبو داود.

كتاب الوضوء [6]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [6] ما ترك الله عز وجل شيئاً فيه صلاح العبد إلا وأرشده إليه، ولا شيئاً فيه فساد العبد إلا وحذره منه، ومن الأمور التي شرعها الله لعباده الطهارة، فقد بين لنا في كتابه وفي سنة خليله صلى الله عليه وسلم كيفيتها، والسبل التي تجعل الإنسان دائماً يواجه ربه سبحانه في الصلاة وغيرها وهو طاهر نظيف، وذلك أدعى لأن يستجيب الله دعاء عبده وتضرعه إليه، وقد نهى الشرع عن بعض الأمور التي تعتبر طريقاً إلى التنجس والقذر، ومنها البول في الماء الراكد، أو الاغتسال من الجنابة في الماء الدائم، وبينت السنة الأحوال التي يتنجس فيها الماء، والتي لا يتنجس فيها، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.

جماع أبواب الاستنجاء بالماء

جماع أبواب الاستنجاء بالماء

شرح حديث: (إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور)

شرح حديث: (إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور) قال المصنف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب الاستنجاء بالماء. باب ذكر ثناء الله عز وجل على المتطهرين بالماء. أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن شرحبيل بن سعد عن عويمر بن ساعدة الأنصاري ثم العجلاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء: (إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور وقال: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة:108] حتى انقضت الآية فقال لهم: ما هذا الطهور؟ فقالوا: ما نعلم شيئاً إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا)]. قال في الحاشية: إسناده ضعيف، وله شاهد في المستدرك وفي الفتح الرباني، ورواه الطبراني في الثلاثة كما في مجمع الزوائد، وقال: رواه أحمد والطبراني في الثلاثة، وفيه شرحبيل بن سعد ضعفه مالك وابن معين وأبو زرعة، ووثقه ابن حبان. فالقول أن الآية نزلت في أهل قباء وأن الله أثنى عليهم لكونهم يستجمرون بالحجارة ثم يتبعونها بالماء قول ضعيف، مع أن الجمع بين الحجارة والماء أفضل، فالإنسان له أن يستجمر بثلاثة أحجار منقية، حتى لا يبق إلا الأثر الذي لا يزول إلا بالماء، وإن استنجى بالماء فهو أفضل، وإن جمع بين الحجارة والماء فهو أفضل، أما كون الآية نزلت في أهل قباء فهذا ضعيف؛ من أجل شرحبيل، قال في الحاشية: شرحبيل بن سعد صدوق اختلط بآخره، وقد وثقه ابن حبان لكن لا يقبل توثيقه؛ لأنه متساهل في التوثيق.

ذكر استنجاء النبي بالماء

ذكر استنجاء النبي بالماء

شرح حديث أنس: (كان الرسول إذا تبرز لحاجة أتيته بماء فيتغسل به)

شرح حديث أنس: (كان الرسول إذا تبرز لحاجة أتيته بماء فيتغسل به) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر اسنتجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالماء. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي أخبرنا ابن علية حدثني روح بن القاسم أخبرنا عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبرز لحاجة أتيته بماء فيتغسل به)]. قال في الحاشية: أخرجه مسلم وأحمد. وهذا الفعل ثابت أيضاً عن المغيرة بن شعبة وعبد الله بن مسعود، أنه كان يؤخذ له إداوة فيها ماء فيقضي حاجته ثم يستنجي بالماء، وفي هذا الحديث رد على بعض الناس الذين لا يرون الاستنجاء بالماء؛ لأن بعض العرب كانوا يرون أن الاستنجاء بالماء من صفات النساء. وكانوا يكرهون الاستنجاء بالماء، ويستجمرون بالحجارة، حتى إن بعضهم أنكر الاستنجاء بالماء، وهذا باطل، والصواب: أن الاستنجاء بالماء هو الأفضل، وأفضل شيء الجمع بين الماء والحجر، ثم الاستنجاء بالماء، ثم الاستجمار بالحجارة.

شرح حديث أنس: (كان إذا ذهب لحاجته ذهبت معه بعكاز)

شرح حديث أنس: (كان إذا ذهب لحاجته ذهبت معه بعكاز) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن خالد بن خداش الزهراني أخبرنا سالم بن قتيبة عن شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب لحاجته ذهبت معه بعكاز وإداوة، فإذا خرج تمسح بالماء وتوضأ من الإداوة)]. هنا قال: (بعكاز) وفي اللفظ الآخر (عنزة)، وهذا ثابت فالنبي صلى الله عليه وسلم كانت تحمل له العنزة والإداوة.

شرح حديث أنس: (كان رسول الله إذا خرج لحاجته اتبعناه أنا وغلام آخر بإداوة من ماء)

شرح حديث أنس: (كان رسول الله إذا خرج لحاجته اتبعناه أنا وغلام آخر بإداوة من ماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الوارث بن عبد الصمد العنبري حدثني أبي حدثنا شعبة عن أبي معاذ قال: سمعت أنساً يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته اتبعناه أنا وغلام آخر بإداوة من ماء). قال أبو بكر: أبو معاذ هذا هو عطاء بن أبي ميمونة]. والإداوة: سقاء من جلد صغير يشبه الإبريق يكون فيه ماء.

شرح حديث أنس: (كان رسول الله يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء)

شرح حديث أنس: (كان رسول الله يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن الوليد أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة أنه سمع أنساً بن مالك يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وغيره فيستنجي بالماء)]. قال في الحاشية: أخرجه البخاري ومسلم. وقوله: (وغيره) تصحيف، والصواب: (وعنزه)، ففي البخاري: (أحمل أنا وغلام لي إداوة من ماء وعنزة) فالإداوة يتوضأ بها، والعنزة سترة له، والعنزة: عصا في طرفها حديدة تغرز في الأرض.

تسمية الاستنجاء بالماء فطرة

تسمية الاستنجاء بالماء فطرة

شرح حديث: (عشر من الفطرة)

شرح حديث: (عشر من الفطرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تسمية الاستنجاء بالماء فطرة. أخبرنا يوسف بن موسى حدثنا وكيع، وحدثنا محمد بن رافع أخبرنا عبد الله بن نمير، وحدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي أخبرنا محمد بن بشر؛ قالوا: حدثنا زكريا - وهو ابن أبي زائدة - أخبرنا مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عشر من الفطرة: قص الشارب، واستنشاق الماء، والسواك، وإعفاء اللحية، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم). قال عبدة في حديثه: والعاشرة لا أدري ما هي إلا أن تكون المضمضة. وفي حديث وكيع: قال مصعب: نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. قال وكيع: انتقاص الماء: إذا نضحه بالماء نقص. ولم يذكر ابن رافع العاشرة، ولا سفيان ولا شك]. وانتقاص الماء: هو الاستنجاء، وفيه: دليل على أن الاستنجاء من الفطرة، وهذه العشرة الخصال منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، فإعفاء اللحية واجب، وقص الشارب كذلك واجب، وحلق العانة واجب، فلا تترك أكثر من أربعين يوماً، والاستنجاء واجب كذلك، وأما غسل البراجم فمستحب من باب النظافة، والبراجم: هي عقد الأصابع. وقص الأظافر ونتف الإبط واجبان، ففي حديث أنس: (أمرنا ألا نتركها أكثر من أربعين ليلة) رواه البخاري ومسلم. وقوله: (ولا سفيان ولا شك) لم يذكر سفيان في السند، لكن لعله ذكره في سند آخر. وقد روى الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ وضوءاً واحداً، وذكر البخاري: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء مالم يحدث)، فكانوا يتوضئون وضوءاً واحداً للخمس الصلوات. أما تجديد الطهر فقد جاء في حديث آخر عند أبي داود وغيره.

دلك اليد بالأرض وغسلها بعد الفراغ من الاستنجاء

دلك اليد بالأرض وغسلها بعد الفراغ من الاستنجاء

شرح حديث مسح النبي يده بالتراب

شرح حديث مسح النبي يده بالتراب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب دلك اليد بالأرض وغسلهما بعد الفراغ من الاستنجاء بالماء. حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو نعيم حدثنا أبان بن عبد الله البجلي حدثني إبراهيم بن جرير عن أبيه: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته، فأتاه جرير بإداوة من ماء فاستنجى بها قال: ومسح يده بالتراب)]. هذا الحديث إسناده ضعيف، والغيضة: يراد بها الشجر. قال في الحاشية: ضعيف أخرجه ابن ماجة. قال في الحاشية: وأبان هو: أبان بن عبد الله بن أبي حازم صخر بن العيلة -بفتح العين المهملة- البجلي الأحمسي الكوفي صدوق في حفظه لين. أخرج له الجماعة كما قال ابن حجر، لكن البخاري ومسلم انتقيا من روايته ما ضبطه.

القول عند الخروج من المتوضأ

القول عند الخروج من المتوضأ

شرح حديث: (كان رسول الله إذا خرج من الغائط قال: غفرانك)

شرح حديث: (كان رسول الله إذا خرج من الغائط قال: غفرانك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القول عند الخروج من المتوضأ. حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى أخبرنا يحيى بن أبي بكير أخبرنا إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه قال: (دخلت على عائشة فسمعتها تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال: غفرانك). حدثنا محمد بن أسلم حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا مثله]. هذا الحديث ثابت، وهو يدل على مشروعية قول الإنسان إذا خرج من قضاء الحاجة: غفرانك، أما رواية: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) فهذه رواها ابن ماجة بسند ضعيف. وهذا الحديث قال عنه في الحاشية: إسناده ضعيف، أخرجه أبو داود والإمام أحمد، وقال الشارح نقلاً عن البدر المنير: رواه الدارمي وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقد اطلع البيهقي على النسخة القديمة من كتاب ابن خزيمة في رواية الصابوني، ووجد بعض الاختلاف في رواية هذا الحديث. ولم يذكر سبب الضعف، والصواب: أنها صحيحة.

ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نفي تنجيس الماء

ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نفي تنجيس الماء قال المصنف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب ذكر الماء الذي لا ينجس والذي ينجس إذا خالطته نجاسة. باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نفي تنجيس الماء بلفظ مجمل غير مفسر، بلفظ عام مراده خاص. أخبرنا أحمد بن المقدام العجلي ومحمد بن يحيى القطعي قالا: حدثنا محمد بن بكر أخبرنا شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ فقالت امرأة من نسائه: يا رسول الله! إني قد توضأت من هذا، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم وقال: الماء لا ينجسه شيء). هذا حديث أحمد بن المقدام]. في هذا الحديث: أنه لا بأس أن يتوضأ المسلم من فضل وضوء المرأة، أما حديث: (نهى أن يتوضأ الرجل من سؤر المرأة) فهو محمول على التنزيه إذا وجد غيره، أما إذا لم يوجد غيره فلا كراهة خلافاً لمن قال: إنه لا يتوضأ به، كالحنابلة القائلين: إذا توضأت المرأة البالغة وخلت بالماء فلا يتوضأ بالماء بعدها؛ لأنه يكون مستعملاً، ويشترطون: أن تكون المرأة بالغة، وأن تخلو بالماء، ويكون لطهارة كاملة عن حدث، فإن كانت المرأة غير بالغة، أو لم تخل بالماء، فهذا لا بأس به. وقوله في الترجمة: [باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نفي تنجيس الماء، وتنجيس الماء لا يجوز. وقوله: [بلفظ مجمل غير مفسر، بلفظ عام مراده خاص] أي: (مراده الخاص) يراد به: أن هذا لفظ عام والمراد منه الخاص، وإذا لاقت الماء نجاسة فإنه ينجس. وهذا الحديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والدارمي والحاكم والبيهقي وأحمد وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن غريب، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وفي إرواء الغليل: صححه الحاكم وابن خزيمة وابن حبان.

ذكر الخبر المفسر لقول النبي: (الماء لا ينجسه شيء)

ذكر الخبر المفسر لقول النبي: (الماء لا ينجسه شيء)

شرح حديث: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)

شرح حديث: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة التي ذكرتها، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: (الماء لا ينجسه شيء) بعض المياه لا كلها، وإنما أراد الماء الذي هو قلتان فأكثر لا ما دون القلتين منه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي وموسى بن عبد الرحمن المسروقي وأبو الأزهر حوثرة بن محمد البصري قالوا: حدثنا أبو أسامة أخبرنا الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر حدثهم أن أباه عبد الله بن عمر حدثهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) هذا حديث حوثرة. وقال موسى بن عبد الرحمن: عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وقال أيضاً: لم ينجسه شيء. وأما المخرمي فإنه حدثنا به مختصراً، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)، ولم يذكر مسألة النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب]. وهذا الحديث قد اختلف العلماء في صحته، والصواب: أنه صحيح كما قال المؤلف رحمه الله، وهو من رواية عبيد الله بن عمر وهو ثقة، بخلاف أخيه عبد الله بالتكبير الزاهد فهو ضعيف. والمؤلف رحمه الله قال: إن قوله في الحديث السابق: (إن الماء لا ينجس) المراد به: ما فوق القلتين جمعاً بين الأحاديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، فإذا توضأ الإنسان بالماء الكثير فإنه لا يؤثر، أما القليل الذي دون القلتين فإنه ينجس إذا وقعت فيه نجاسة، هكذا حمله ابن خزيمة رحمه الله، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، وقالوا: إن الماء إذا كان أقل من القلتين فإنه ينجس بمجرد الملاقاة، أما إذا كان أكثر من القلتين فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: اللون، والطعم، والريح. وذهب المحققون من أهل العلم -كشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة- إلى أنه لا ينجس القليل أيضاً إلا بالتغير حتى ولو كان دون القلتين، واستدلوا بحديث أبي سعيد: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) وقالوا: هذا منطوق، وحديث عبد الله بن عمر: (إذا بلغ الماء قلتين) مفهوم، والمنطوق مقدم على المفهوم، فمفهوم حديث القلتين ألغاه منطوق حديث أبي سعيد، وحديث ابن عمر: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) مفهومه: أنه إذا لم يبلغ القلتين يحمل الخبث. والمنطوق مقدم على المفهوم، وهذا هو الصواب، وابن خزيمة رحمه الله مع الجمهور في هذا، والصواب: أنه لا ينجس القليل إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة.

النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم

النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم

شرح حديث: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)

شرح حديث: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم بلفظ عام مراده خاص، وفيه دليل على أن قوله صلى الله عليه وسلم: (الماء لا ينجسه شيء) - لفظ عام مراده خاص على ما بينت قبل- أراد الماء الذي يكون قلتين فصاعداً. أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله حدثه أن أبا السائب مولى هشام بن زهرة حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، قال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال يتناوله تناولاً)]. هذا الحديث فيه: أنه لا يغتسل الإنسان في الماء الدائم مباشرة؛ لئلا ينجسه، وإنما يغترف منه اغترافاً. وابن خزيمة يقول: إن حديث: (الماء طهور لا ينجسه شيء) المراد به: ما فوق القلتين، والقلتان خمس قرب، وذكروا في ضبطها أنها: ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً.

النهي عن الوضوء من الماء الدائم الذي قد بيل فيه وعن الشرب منه

النهي عن الوضوء من الماء الدائم الذي قد بيل فيه وعن الشرب منه

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب)

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الوضوء من الماء الدائم الذي قد بيل فيه والنهي عن الشرب منه بذكر لفظ عام مراده خاص. أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا أنس بن عياض عن الحارث - وهو ابن أبي ذباب عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب)]. وهذا الحديث ثابت، وفيه: النهي عن البول في الماء الدائم ولو كان كثيراً؛ لأنه إذا بال فيه يقذره على غيره؛ ولأنه إذا بال هذا وبال هذا صار وسيلة لتنجيسه، لكنه لا ينجس إذا كان كثيراً إلا إذا تغير، أما إذا كان قليلاً في الأواني فإنه يراق كما جاء في بعض ألفاظ حديث ولوغ الكلب، وذهب الجمهور إلى أنه إذا كان أقل من قلتين فإنه ينجس بمجرد الملاقاة عملاً بحديث القلتين: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، وإن كان أكثر من قلتين فلا ينجس إلا بالتغير، والصواب: أنه لا ينجس مطلقاً إلا بالتغير؛ لحديث أبي سعيد: (الماء طهور لا ينجسه شيء)؛ فإن هذا يقضي على مفهوم حديث القلتين. وإذا كان الماء الراكد مستبحراً فلا ينجس، ولكن يأثم الإنسان بالبول فيه، أما إذا كان يجري فلا بأس. وحديث بئر بضاعة فيه: أنه كانت تلقى فيه بعض النجاسات، ولم يكونوا يتعمدون إلقاءها، بل كانت تلقيها الريح، وهو ماء كثير ولم يتغير؛ ولذا قال: (الماء طهور لا ينجسه شيء) يعني: إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه. وقوله: (أو يشرب)، ليست في الصحيحين، والذي في الصحيحين: (ثم يغتسل منه)، قال في الحاشية: رواه البخاري ومسلم من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: (ثم يغتسل منه)، وفي الأصل: (لا يبولن به أحدكم). لكن هنا في هذا اللفظ: (ثم يتوضأ ويشرب منه) ولا شك أن البول في الماء الراكد محرم؛ لأنه يقذره على غيره، وإذا بال فيه فليس له أن يغتسل منه؛ لأنه منهي عن الاغتسال منه.

الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب

الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب

شرح حديث: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب) من طريق ابن سيرين

شرح حديث: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب) من طريق ابن سيرين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب تطهيراً للإناء لا على ما ادعى بعض أهل العلم: أن الأمر بغسله أمر تعبد، وأن الإناء طاهر، والوضوء والاغتسال بذلك الماء جائز، وشرب ذلك الماء طلق مباح]. يقصد المصنف بهذه الترجمة الرد على المالكية؛ لأن الإمام مالكاً وكذلك البخاري يريان أن الكلب طاهر، وأن لعابه ليس بنجس، فهذه الترجمة رد عليها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي أخبرنا ابن علية عن هشام بن حسان، وحدثنا محمد بن بشار حدثنا إبراهيم بن صدقة، وحدثنا إسماعيل بن بشير بن منصور السليمي أخبرنا عبد الأعلى، وحدثنا محمد بن يحيى القطعي أخبرنا محمد بن مروان قالوا: أخبرنا هشام بن حسان، وحدثنا جميل بن الحسن قال: حدثنا محمد بن مروان عن هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الأولى منهن بالتراب). وقال الدورقي: (أولها بتراب) وقال القطعي: (أولها بالتراب)]. هذا الحديث أصله في الصحيحين بلفظ: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب) وفي لفظ: (أولاهن بالتراب). فيجب غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب، ويجب أن يكون الغسل سبعاً إحداهن بالتراب، وهذا خاص بالكلب، أما النجاسات الأخرى فلا حد لها بل تغسل حتى تزول النجاسة، فتغسل ثلاثاً أو أقل أو أكثر، أما الكلب فلا بد من غسله سبعاً، وقاس بعض العلماء عليه كالحنابلة وغيرهم الخنزير، والصواب: أنه لا يقاس؛ لأن هذا خاص بالكلب، فالحنابلة يقولون: تغسل نجاسة الكلب والخنزير سبع مرات.

شرح حديث: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب) من طريق الأعرج

شرح حديث: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب) من طريق الأعرج قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات). أخبرنا جميل بن الحسن أخبرنا أبو همام - يعني محمداً بن مروان - حدثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (إذا شرب الكلب من الإناء فإن طهوره أن يغسل سبع مرات أولها بتراب)]. والولوغ هو الشرب، فإذا أدخل الكلب لسانه في الماء أو شرب فالحكم واحد. وإذا لمست الكلب بيدك فلا بأس إذا كانت اليد جافة وهو جاف، لكن إذا كان رطباً فلا بد أن تغسل يدك. وإذا عض الكلب أحداً فإنه يعامل معاملة الآنية في الغسل.

الأمر بإهراق الماء الذي ولغ فيه الكلب

الأمر بإهراق الماء الذي ولغ فيه الكلب

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه)

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بإهراق الماء الذي ولغ فيه الكلب، وغسل الإناء من ولوغ الكلب، وفيه دليل على نقض قول من زعم أن الماء طاهر وأن الأمر بغسل الإناء تعبد؛ إذ غير جائز أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهراقة ماء طاهر غير نجس. أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا إسماعيل بن خليل حدثنا ابن علي أخبرنا الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله سبع مرات، وإذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش فيه حتى يصلحه)]. قال في الحاشية: أخرجه مسلم والإمام أحمد، ولكن زيادة: (فليهرقه) شاذة، تفرد بها الراوي عن الأعمش. وقوله: [(وإذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش فيه حتى يصلحه)]. الأصل: أنه يصلحه، وقد جاء في بعضها النهي عن المشي بنعل واحد، وجاء التعليل في الحديث الآخر: أنه تشبه بالشيطان، فالأقرب أنه لا يمش بنعل واحد.

كتاب الوضوء [7]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [7] حرص الإسلام على تعليم الإنسان الطهارة والنظافة، ودله على أمور وأشياء فيها مصلحته، فالشرع جاء لدرء المفاسد وجلب المصالح، وأحكامه صالحة لكل زمان ومكان، لا يجوز أن نعترض عليه بعقولنا وأهوائنا أبداً.

النهي عن غمس المستيقظ من النوم يده في الإناء

النهي عن غمس المستيقظ من النوم يده في الإناء

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء)

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن غمس المستيقظ من النوم يده في الإناء قبل غسلها. أخبرنا عبد الجبار بن العلاء وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده). هذا حديث عبد الجبار غير أنه قال: عن أبي هريرة رواية]. هذا الحديث فيه دليل على أنه يجب على المستيقظ من نوم الليل أن يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يغمسهما في الإناء، والنهي للتحريم؛ لأنه الأصل، وقال الجمهور: إن هذا للأدب، فالصواب: أن أصل الأمر للوجوب، وأن أصل النهي للتحريم، فيأثم إذا غمس يديه قبل غسلهما، أما كون الماء يكون مستعملاً فهذا شأن آخر، والصواب: أن الماء يبقى طاهراً، ما دام أنه لم يتغير، وبعض العلماء يرى أنه يكون مستعملاً فلا يجزئ الوضوء منه. فإن قيل: إن الصحابة كانوا يستجمرون بالأحجار وقد يصيب يد أحدهم شيء إذا بات؛ ولذا جاء هذا الحديث، فنقول: قد التمس بعضهم هذا التعليل، لكن الحديث عام، فإنه قد يصيب يده شيء من دم الحشرات أو غيره، فالمقصود أنه يجب على الإنسان أن يغسل يديه، ويحرم عليه أن يغمسهما قبل غسلهما ثلاثاً، فإن لم يفعل فإنه يأثم، وأما الماء فهو طاهر. وإنما تكون البيتوتة في الليل، أما في النهار فلا تسمى بيتوتة، والجمهور يرون أن النهار والليل سواء. وفي الحديث نص على الثلاث، (حتى يغسلها ثلاثاً)، وليس هناك دليل على الاكتفاء بالغسلة الواحدة، فيغسلهما ثلاثاً ثم يبدأ بالوضوء. فإن كان هناك صنبور يغسلهما قبل غمسهما في الإناء، أما إذا كان الماء جارياً فلا بأس بغسلهما قبل إدخالهما في الإناء. والحديث قال في الحاشية: أخرجه البخاري ومسلم. والحديث الذي في البخاري لفظه: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، ولفظ مسلم: (فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً). قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى معلقاً على قول ابن خزيمة: هذا حديث عبد الجبار غير أنه قال: عن أبي هريرة رواية: يعني: أن عبد الجبار لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه صراحة، وإنما قال: رواية، وهو بمعنى المرفوع في اصطلاح المحدثين.

ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: (أين باتت يده منه) أي: أنه لا يدري أين أتت يده من جسده)

ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: (أين باتت يده منه) أي: أنه لا يدري أين أتت يده من جسده) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: فإنه لا يدري أين باتت يده. أي: أنه لا يدري أين أتت يده من جسده]. أخبرنا محمد بن الوليد بخبر غريب أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في إنائه أو في وضوئه حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين أتت يده منه)]. قوله: (فإنه لا يدري أين أتت يده منه) الضمير يعود إلى جسده.

باب ذكر الدليل على أن الماء إذا خالطه فرث ما يؤكل لحمه لم ينجس

باب ذكر الدليل على أن الماء إذا خالطه فرث ما يؤكل لحمه لم ينجس

شرح حديث عمر في شربهم الفرث في تبوك

شرح حديث عمر في شربهم الفرث في تبوك قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الماء إذا خالطه فرث ما يؤكل لحمه لم ينجس. أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لـ عمر بن الخطاب: (حدثنا من شأن ساعة العسرة؟ فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى أن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى أن الرجل ينحر بعيره، فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده! فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله! إن الله قد عودك في الدعاء خيراً؛ فادع لنا، فقال: أتحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يده فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلمت ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر. قال أبو بكر: فلو كان ماء الفرث إذا عصر نجساً لم يجز للمرء أن يجعله على كبده فينجس بعض بدنه وهو غير واجد لماء طاهر يغسل موضع النجس منه، فأما شرب الماء النجس عند خوف التلف إن لم يشرب ذلك الماء فجائز إحياء النفس بشرب ماء نجس، إذ الله عز وجل قد أباح عند الاضطرار إحياء النفس بأكل الميتة والدم ولحم الخنزير إذا خيف التلف إن لم يأكل ذلك)]. بل هو واجب في هذه الحالة، ولا يستسلم للموت، فيجب عليه أن يأكل الميتة، وأكلها في هذه الحالة عزيمة لا رخصة، فهو واجب عند الضرورة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والميتة، والدم، ولحم الخنزير نجس محرم على المستغني عنه مباح للمضطر إليه؛ لإحياء النفس بأكله، فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النجس أن يحيي نفسه بشرب ماء نجس إذا خاف التلف على نفسه بترك شربه، فأما أن يجعل ماء نجساً على بعض بدنه والعلم محيط أنه إن لم يجعل ذلك الماء النجس على بدنه لم يخف التلف على نفسه، ولا كان في إمساس ذلك الماء النجس بعض بدنه إحياء نفسه بذلك، ولا عنده ماء طاهر يغسل ما نجس من بدنه بذلك الماء فهذا غير جائز ولا واسع لأحد فعله]. ويدل على هذا قصة العرنيين، فإن النبي أمرهم أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها، إذاً: فروث ما يؤكل لحمه وبوله طاهر.

ما جاء في الرخصة في الوضوء بسؤر الهرة وغيرها من السباع

ما جاء في الرخصة في الوضوء بسؤر الهرة وغيرها من السباع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في الوضوء بسؤر الهرة، والدليل على أن خراطيم ما يأكل الميتة من السباع، ومما لا يجوز أكل لحمه من الدواب والطيور إذا ماس الماء الذي دون القلتين ولا نجاسة مرئية بخراطيمها ومناخيرها إن ذلك لا ينجس الماء، إذ العلم محيط أن الهرة تأكل الفأر، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء بفضل سؤرها، فدلت سنته على أن خرطوم ما يأكل الميتة إذا ماس الماء الذي دون القلتين لم ينجس ذلك، خلا الكلب الذي قد حض النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بغسل الإناء من ولوغه سبعاً، وخلا الخنزير الذي هو أنجس من الكلب أو مثله]. المؤلف قاس الخنزير على الكلب، وبعض الفقهاء قالوا: إن نجاسة الكلب والخنزير تغسل سبع مرات. أقول: أما الكلب فقد صح أن نجاسته تغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، أما الخنزير فليس هناك دليل يدل على أن نجاسته تغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، وإنما هذا خاص بالكلب، وهذا هو الصواب. ويقول بعض العلماء: الهرة وما دون الهرة سؤرها طاهر، أما ما كان أكبر منها فلا، والذي أقل منها مثل الفأرة وما أشبهها. قال: [أخبرنا أبو حاتم محمد بن إدريس أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي حدثنا سليمان بن مسافع بن شيبة الحجبي قال: سمعت منصور بن صفية بنت شيبة يحدث عن أمه صفية عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: (إنها ليست بنجس، هي كبعض أهل البيت)]. هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني من طريق أبي حاتم الرازي، قال الذهبي في الميزان: سليمان بن مسافع لا يعرف، وأتى بخبر منكر، يعني: هذا الخبر، فهو من أوهامه ومن أغلاطه. فقوله: لا يعرف، يعني: مجهول. قال: [أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا إبراهيم بن الحكم بن أبان حدثني أبي عن عكرمة قال: كان أبو قتادة يتوضأ من الإناء، والهرة تشرب منه، وقال عكرمة: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الهرة من متاع البيت)]. هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن فيه إبراهيم بن الحكم وهو ضعيف، وأبوه صدوق عابد وله أوهام كما ذكر الحافظ في التقريب. قال: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أن مالكاً حدثه عن إسحاق بن عبد الله -وهو ابن أبي طلحة - عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة: (أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها أبو قتادة الإناء حتى شربت. قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ قالت: فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات)]. قال المحقق في تخريجه: إسناده صحيح أخرجه الترمذي في باب: ما جاء في سؤر الهرة من طريق مالك.

ما جاء في أن سقوط الذباب في الماء لا ينجسه

ما جاء في أن سقوط الذباب في الماء لا ينجسه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن سقوط الذباب في الماء لا ينجسه، وفيه ما دل على أن لا نجاسة في الأحياء، وإن كان لا يجوز أكل لحمه، إلا ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم الكلب وكل ما يقع عليه اسم الكلب من السباع، إذ الذباب لا يؤكل، وهو من الخبائث التي أعلم الله أن نبيه المصطفى يحرمها في قوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]، وقد أعلم صلى الله عليه وسلم أن سقوط الذباب في الإناء لا ينجس ما في الإناء من الطعام والشراب؛ لأمره بغمس الذباب في الإناء إذا سقط فيه، وإن كان الماء أقل من قلتين. أخبرنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني أخبرنا بشر بن المفضل أخبرنا محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كله ثم لينتزعه)]. قال: إسناده حسن، وأخرج البخاري من طريق عبيد بن حنين عن أبي هريرة نحوه. يعني: الذباب لا ينجس ما سقط عليه من المائعات، كذلك الحشرات الصغيرة. فالذباب كما في الحديث في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، فإذا سقط في الإناء فليغمسه؛ حتى يزيل الدواء الداء، فإذا غمسته يكافئ هذا الدواء ذلك الداء.

ما جاء في إباحة الوضوء بالماء المستعمل

ما جاء في إباحة الوضوء بالماء المستعمل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء بالماء المستعمل، والدليل على أن الماء إذا غسل به بعض أعضاء البدن أو جميعه لم ينجس الماء، وكان الماء طاهراً لا نجاسة عليه. أخبرنا عبد الجبار بن العلاء أخبرنا سفيان قال: سمعت محمد بن المنكدر يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: (مرضت، فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر ماشيين، فوجدني قد أغمي علي، فتوضأ فصبه علي فأفقت، فقلت: يا رسول الله! كيف أصنع في مالي؟ كيف أمضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء، حتى نزلت آية الميراث: {إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:176] الآية، وقال مرة: حتى نزلت آية الكلالة)]. هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه: أن الماء المستعمل طاهر، ولكن الجمهور يرون أنه لا يتوضأ به فيه مرة أخرى، ويقولون: طاهر غير مطهر، والصواب: أنه طاهر ومطهر؛ لأن هذا هو الأصل. وابن خزيمة رحمه الله يرى ما يراه شيخ الإسلام وغيره أن الماء ينقسم إلى قسمين: طهور ونجس، وليس هناك طاهر. والفقهاء يقولون: من الماء ما يكون طاهراً في نفسه غير مطهر لغيره، يعني: يجوز أن تشرب منه، وأن تستعمله في الطبخ، لكن لا تتوضأ به. قال المحقق: إسناده صحيح على شرط مسلم والبخاري في تفسير سورة النساء.

ما جاء في إباحة الوضوء من فضل وضوء المتوضئ

ما جاء في إباحة الوضوء من فضل وضوء المتوضئ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء من فضل وضوء المتوضئ. أخبرنا الحسن بن محمد أخبرنا عبيدة بن حميد أخبرنا الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله قال: (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما في القوم طهور؟ قال: فجاء رجل بفضل ماء في إداوة، قال: فصبه في قدح فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم إن القوم أتوا بقية الطهور، فقال: تمسحوا به، فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: على رسلكم، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في القدح في جوف الماء، ثم قال: أسبغوا الطهور، فقال جابر بن عبد الله: والذي أذهب بصري، -قال: وكان قد ذهب بصره- لقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرفع يده حتى توضئوا أجمعون. قال عبيدة: قال الأسود: حسبته قال: كنا مائتين أو زيادة)]. هذا ثابت عنه عليه الصلاة والسلام، فنبع الماء من بين أصابعه من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام، ومن دلائل قدرة الله العظيمة، ومن دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم جاء الصحابة رضوان الله عليهم فتوضئوا بفضل وضوئه عليه الصلاة والسلام، وتمسحوا به. وجاء في الحديث الآخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوضوء من فضل المرأة)، لكن جاء: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من فضل ميمونة)، هذا وفي حديث جابر في الباب توضئوا من فضل وضوء الرجل، ولا بأس بالوضوء من فضل الرجل ليس فيه إشكال، فهذا الفاضل من الوضوء، وفي الترجمة السابقة المستعمل.

ما جاء في إباحة الوضوء من فضل وضوء المرأة

ما جاء في إباحة الوضوء من فضل وضوء المرأة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء من فضل وضوء المرأة. أخبرنا محمد بن رافع أخبرنا عبد الرزاق عن ابن جريج وحدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: أكبر علمي، والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني أنه سمع ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بفضل ميمونة)]. جاء في حديث آخر: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من فضل المرأة) وهذا النهي يحمل على أنه للتنزيه. قال المحقق: إسناده على شرط مسلم، وقد أخرجه في الحيض من طريق ابن جريج، وفيه: (كان يغتسل).

ما جاء في إباحة الوضوء بفضل غسل المرأة من الجنابة

ما جاء في إباحة الوضوء بفضل غسل المرأة من الجنابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء بفضل غسل المرأة من الجنابة. أخبرنا أبو موسى محمد بن المثنى وأحمد بن منيع قالا: حدثنا أبو أحمد - وهو الزبيري - حدثنا سفيان، وحدثنا عتبة بن عبد الله أخبرنا ابن المبارك أخبرنا سفيان، وحدثنا سلم بن جنادة حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس: (أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من الجنابة، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم، أو اغتسل من فضلها) هذا حديث وكيع. وقال أحمد بن منيع: (فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من فضلها)، وقال أبو موسى وعتبة بن عبد الله: (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من فضلها، فقالت له، فقال: الماء لا ينجسه شيء)]. قال المحقق: إسناده صحيح أخرجه الترمذي. هذا الحديث فيه دليل على أنه لا بأس بالوضوء من فضل المرأة، وما جاء من النهي عند توضؤ الرجل من فضل المرأة فهو محمول على التنزيه، وهذا الحديث دليل على الجواز، لكن إذا وجد غيره فتركه أولى، وإذا لم يوجد فلا حرج ولا كراهة، فإن الكراهة تزول عند الحاجة إليه.

ما جاء في أن سؤر الحائض ليس بنجس

ما جاء في أن سؤر الحائض ليس بنجس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الدليل على أن سور الحائض ليس بنجس، وإباحة الوضوء والغسل به، إذ هو طاهر غير نجس، إذ لو كان سؤر حائض نجساً لما شرب النبي صلى الله عليه وسلم ماء نجساً غير مضطر إلى شربه]. قد ثبت في الحديث الصحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب من المكان الذي تشرب منه عائشة) , فهذا يدل على أن سؤر الحائض طاهر، وبدنها وعرقها ولعابها وثيابها كل ذلك طاهر، كذلك لها أن تعجن وتطبخ وتغسل الثياب؛ لأن النجاسة هنا تخص الدم، وقد جاء في الحديث: (اصنع كل شيء إلا النكاح) أي: الجماع. قال: [أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير عن مسعر بن كدام عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالإناء، فأبدأ فأشرب وأنا حائض، ثم يأخذ الإناء، فيضع فاه على موضع في وآخذ العرق فأعضه، ثم يضع فاه على موضع في)]. والعرق: هو العظم أكله لحمه، قال المحقق: إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في الحيض من طريق وكيع عن مسعر وسفيان. وأخرجه النسائي أيضاً. قال: [أخبرنا سلم بن جنادة أخبرنا وكيع عن مسعر وسفيان عن المقدام بن شريح بهذا الإسناد نحوه].

ما جاء في الرخصة بالغسل والوضوء من ماء البحر

ما جاء في الرخصة بالغسل والوضوء من ماء البحر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في الغسل والوضوء من ماء البحر، إذ ماؤه طهور، ميتته حل، ضد قول: من كره الوضوء والغسل من ماء البحر، وزعم أن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً، حتى عد سبعة أبحر، سبعة نيران، وكره الوضوء من مائه لهذه العلة زعم]. إن القول بأن تحت البحر ناراً، وتحت النار ماءً، وتحت الماء ناراً، إلى سبعة، كل هذا باطل لا أصل له، والصواب: أن البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته. قال: [أخبرني يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكاً حدثه قال: حدثني صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة - وهو من بني عبد الدار- أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر، ونحمل القليل من الماء، فإن توضأنا منه عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال: هو الطهور ماؤه، الحلال ميتته) هذا حديث يونس]. فيه دليل على أنه ينبغي للمفتي أن يزيد السائل فيما يحتاج إليه؛ لأن هذا الرجل زاده النبي صلى الله عليه وسلم حكم ميتة البحر، فقد علم عليه الصلاة والسلام أنه وغيره محتاج إلى أن يعرف حكم ميتة البحر فعرفه الحكم. قال: [وقال يحيى بن حكيم: عن صفوان بن سليم، ولم يقل: من آل ابن الأزرق، ولا من بني عبد الدار، وقال: (نركب البحر أزماناً)]. قال: [أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا أحمد بن حنبل أخبرنا أبو القاسم بن أبي الزناد حدثني إسحاق بن حازم عن ابن مقسم -قال أحمد: يعني عبيد الله - عن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن البحر قال: هو الطهور ماؤه، والحلال ميتته)]. قال المحقق: إسناده صحيح، إذ له شاهد من رواية أبي هريرة عند ابن ماجة. هذا الحديث من أحاديث البلوغ.

ما جاء في الرخصة بالوضوء والغسل من الماء الموجود في أواني أهل الشرك

ما جاء في الرخصة بالوضوء والغسل من الماء الموجود في أواني أهل الشرك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في الوضوء والغسل من الماء الذي يكون في أواني أهل الشرك وأسقيتهم، والدليل على أن الإهاب يطهر بدباغ المشركين إياه. أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد القطان وابن أبي عدي وسهل بن يوسف وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي قالوا: حدثنا عوف عن أبي رجاء حدثنا عمران بن حصين قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فدعا فلاناً، ودعا علياً بن أبي طالب فقال: اذهبا فابغيا لنا الماء، فانطلقا، فلقيا امرأة بين سطيحتين أو بين مزادتين، على بعير فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة)]. يعني: بينها وبينه يوم وليلة، كانوا يذهبون إليه ويأتون به على الإبل، ليس عندهم سيارات كما هو الآن. قال: [(ونفرنا خلوفاً، فقالا لها: انطلقي، فقالت: أين؟ قالا لها: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: هذا الذي يقال له: الصابئ؟ قالا لها: هو الذي تعنين، فانطلقا، فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثاه الحديث، فقال: استنزلوها من بعيرها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء، فجعل فيه أفواه المزادتين، أو السطيحتين، قالا: ثم مضمض، ثم أعاد في أفواه المزادتين، أو السطيحتين، ثم أطلق أفواههما، ثم نودي في الناس: أن اسقوا واستقوا) وذكر الحديث بطوله]. هذا حديث طويل في قصة المرأة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يجمعوا لها من كسر الخبز وغيره، وأعطوها، فرجعت إلى أهلها. فهذا الحديث احتج به المؤلف رحمه الله على أن دباغ المشركين للجلد يطهره، وأن أواني المشركين لا بأس بها، هذا ما احتج به المصنف، لكن قد يقال: هذا أولاً قبل أن تحرم أواني الكفار، والأحاديث التي فيها أن الدباغ والطهور في بعضها إذا دبغ الجلد فقد طهر، والجمهور على أن دباغ الجلد بمثابة التذكية لما يؤكل لحمه، فإذا مات ما يؤكل لحمه فجلده يطهره الدباغ، بخلاف الأسد والنمر والذئب والكلب وغيرها من الحيوانات المفترسة لا تطهرها التذكية، فلو ذبحت الذئب لم يجز أكله، فكذلك إذا دبغت جلده لا يجوز الانتفاع به، وقال آخرون من أهل العلم: إن الدباغ يطهر كل جلد، سواء ما يؤكل لحمه أو ما لا يؤكل لحمه، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم. وعلى هذا القول فإن الذكاة تطهر الجلد، والأواني كذلك تكون طاهرة، وفي حديث أبي ثعلبة الخشني قال: إنا بأرض أهل الكتاب، فنأكل في آنيتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لم تجدوا بداً فاغسلوها وكلوا). يعني: إذا كان يخشى أن تكون من أواني كفار، وهم قد يشربون فيها الخمر، أو يأكلون فيها الخنزير، وإن لم يخش فالأصل الطهارة.

ما جاء في الرخصة بالوضوء من الماء يكون في جلود الميتة إذا دبغت

ما جاء في الرخصة بالوضوء من الماء يكون في جلود الميتة إذا دبغت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الرخصة في الوضوء من الماء يكون في جلود الميتة إذا دبغت. أخبرنا عبدة بن عبد الله الخزاعي أخبرنا يحيى بن آدم عن مسعر عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أخيه عن ابن عباس قال: (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سقاء، فقيل له: إنه ميتة، قال: دباغه يذهب بخبثه أو نجسه أو رجسه)]. قال المحقق: أخرجه الحاكم من طريق يحيى بن آدم، وأحمد من طريق مسعر نحوه، قلت: والبيهقي، وقال الألباني: إسناده صحيح. قوله: (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سقاء، فقيل له: إنه ميتة، قال: دباغه يذهب بخبثه أو نجسه أو رجسه). يعني: ميتة مأكول اللحم؛ فميتة مأكول اللحم لا شك أنها تطهر بالدباغ؛ لأن الدباغ يكون بمثابة التذكية، والمعلوم أن التذكية تحل بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، فكذلك الدباغ، أما غير مأكول اللحم فلا يطهر جلده بالدباغ؛ لأن التذكية لا تحله، فلو ذبح ثعلباً ما حلت الذكاة أكله فكذلك جلده، لكن قال آخرون من أهل العلم: إنه يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بالدباغ، مثل: جلود الحيات، وجلود الثعالب وغير ذلك؛ لعموم الحديث: (أيما إهاب دبغت فقد طهرت). وأخو سالم بن أبي الجعد اسمه عبد الله بن علي.

ما جاء في أن أبوال ما يؤكل لحمه ليس بنجس

ما جاء في أن أبوال ما يؤكل لحمه ليس بنجس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الدليل على أن أبوال ما يؤكل لحمه ليس بنجس، ولا ينجس الماء إذا خالطه، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بشرب أبوال الإبل مع ألبانها، ولو كان نجساً لم يأمر بشربه، وقد أعلم أن لا شفاء في المحرم، وقد أمر بالاستشفاء بأبوال الإبل، ولو كان نجساً كان محرماً، كان داءً لا دواءً، وما كان فيه شفاء كما أعلم صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أيتداوى بالخمر؟ فقال: إنما هي داء وليست بدواء)]. هنا ابن خزيمة رحمه الله يخالف مذهبه، فـ الشافعي يرى أن أبوال مأكول اللحم نجسة، وابن خزيمة يرى أنها طاهرة، كذلك الشافعي يرى أن كل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وابن خزيمة يرى أنه ينقض الوضوء؛ لوضوح الدليل عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسألتين. قال: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني أخبرنا يزيد -يعني ابن زريع أخبرنا سعيد أخبرنا قتادة أن أنساً بن مالك رضي الله عنه حدثهم (أن أناساً أو رجالاً من عكلٍ وعرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فتكلموا بالإسلام، وقالوا: يا رسول الله! إنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، فاستوحشوا المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من أبوالها وألبانها)، فذكر الحديث بطوله]. هذا واضح في طهارة أبوال جميع ما يؤكل لحمه.

كتاب الوضوء [8]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [8] أفعال النبي صلى الله عليه وسلم جميعها مرضية بديعة، يفعلها ليبين لأمته مشروعية هذا الفعل من عدم مشروعيته، والناظر في حياته صلى الله عليه وسلم يجد أنها حياة مبنية على الاقتصاد وعدم التبذير وعدم الخيلاء، فقد كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وكان يتوضأ في النحاس والركوة، ونهى عن أواني الذهب والفضة، وكان يحرص على النظافة، فأمر بالسواك، وعلمنا الآداب المتعلقة بالأواني وماذا يستحب فيها.

ما جاء في خبر إجازة الوضوء بالمد لا يدل على التوقيت والتحديد بذلك

ما جاء في خبر إجازة الوضوء بالمد لا يدل على التوقيت والتحديد بذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في إجازة الوضوء بالمد من الماء، أوهم بعض العلماء أن توقيت المد من الماء للوضوء توقيت لا يجوز الوضوء بأقل منه. أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي أخبرنا شعبة عن عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك قال: سمعت أنساً بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي) قال أبو بكر: المكوك في هذا الخبر: المد نفسه]. المكوك هو المد، وخمسة مكاكي، يعني: خمسة أمداد، يعني: ربما اغتسل بأكثر من خمسة أمداد، كما في حديث عائشة: (اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة بإناء يسمى: الفرق، وهو ثلاثة آصع) وليس هذا حداً كما قال ابن خزيمة بل يجوز الوضوء بأقل أو أكثر؛ لأنه ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد).

ما جاء في أن توقيت المد للوضوء لا يعني عدم الزيادة فيه أو النقصان منه

ما جاء في أن توقيت المد للوضوء لا يعني عدم الزيادة فيه أو النقصان منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن توقيت المد من الماء للوضوء، أن الوضوء بالمد يجزئ، لا إنه لا يسع المتوضئ أن يزيد على المد أو ينقص منه؛ إذ لو لم يجزئ الزيادة على ذلك ولا النقصان منه، كان على المرء إذا أراد الوضوء أن يكيل مداً من الماء، فيتوضأ به لا يبقي منه شيئاً، وقد يرفق المتوضئ بالقليل من الماء، فيكفي بغسل أعضاء الوضوء ويخرق بالكثير فلا يكفي لغسل أعضاء الوضوء. حدثنا هارون بن إسحاق الهمذاني من كتابه حدثنا ابن فضيل عن حصين ويزيد بن أبي زياد عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجزئ من الوضوء المد، ومن الجنابة الصاع. فقال له رجل: لا يكفينا ذلك يا جابر؟ فقال: قد كفى من هو خير منك، وأكثر شعراً). قال أبو بكر في قوله صلى الله عليه وسلم: (يجزئ من الوضوء المد) دلالة على أن توقيت المد من الماء للوضوء أن ذلك يجزئ، لا أنه يجوز النقصان منه، ولا الزيادة فيه].

ما جاء في الرخصة بالوضوء بأقل من قدر المد من الماء

ما جاء في الرخصة بالوضوء بأقل من قدر المد من الماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في الوضوء بأقل من قدر المد من الماء. أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني أخبرنا يحيى بن أبي زائدة عن شعبة عن ابن زيد - وهو حبيب بن زيد - عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد فجعل يدلك ذراعه)].

ما جاء في ألا توقيت في قدر الماء الذي يتوضأ به المرء

ما جاء في ألا توقيت في قدر الماء الذي يتوضأ به المرء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن لا توقيت في قدر الماء الذي يتوضأ به المرء، فيضيق على المتوضئ أن يزيد عليه أو ينقص منه، إذ لو كان لقدر الماء الذي يتوضأ به المرء مقداراً لا يجوز أن يزيد عليه ولا ينقص منه شيئاً، لما جاز أن يجتمع اثنان ولا جماعة على إناء واحد، فيتوضئوا منه جميعاً، والعلم محيط أنهم إذا اجتمعوا على إناء واحد يتوضئون منه، فإن بعضهم أكثر حملاً للماء من بعض. أخبرنا محمد بن الوليد أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتوضأ من إناء واحد). حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني أخبرنا أبو خالد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: (كنا نتوضأ رجالاً ونساءً، ونغسل أيدينا في إناء واحد، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. يعني: أن هذا قبل الحجاب، أو أن النساء مع محارمهن من الرجال، واستدل بهذا المؤلف رحمه الله على أنه لا توقيت للماء، فكون الرجال يتوضئون مع النساء جميعاً فإن أحدهم سيصرف أكثر من الآخر، كذلك اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة يدل على أنه ليس هناك توقيت، ومن قال: إنه لا يجوز بأكثر من المد، ولا ينقص من المد، فهذا غير صحيح. قال: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني أخبرنا المعتمر قال: سمعت عبيد الله عن نافع عن عبد الله: (أنه أبصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون، والنساء معهم)، الرجال والنساء من إناء واحد كلهم يتطهر منه]. هذا يدل على أنه لا توقيت، ولو كان هناك توقيت لكان بعضهم يقترف إثماً إن زاد أو نقص.

ما جاء في استحباب القصد في صب الماء وكراهية التعدي فيه والأمر باتقاء وسوسة الماء

ما جاء في استحباب القصد في صب الماء وكراهية التعدي فيه والأمر باتقاء وسوسة الماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب القصد في صب الماء، وكراهية التعدي فيه، والأمر باتقاء وسوسة الماء. أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا أبو داود أخبرنا خارجة بن مصعب عن يونس عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للوضوء شيطاناً يقال له: ولهان، فاتقوا وسواس الماء)]. قال المحقق: إسناده ضعيف ينفرد به خارجة بن مصعب وهو متروك، وكان يدلس عن الكذابين. يعني: ضعيف جداً، فكيف يأتي به المصنف في صحيحه؟! أما عتي بن ضمرة فثقة من الثالثة كما في التقريب.

ما جاء في إباحة الوضوء والغسل في أواني النحاس

ما جاء في إباحة الوضوء والغسل في أواني النحاس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب الأواني اللواتي يتوضأ فيهن أو يغتسل. باب إباحة الوضوء والغسل في أواني النحاس. أخبرنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع، قال محمد بن يحيى: سمعت عبد الرزاق، وقال ابن رافع: أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: صبوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن؛ لعلي أستريح فأعهد إلى الناس، قالت عائشة: فأجلسناه في مخضب لـ حفصة من نحاس، وسكبنا عليه الماء منهن، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، ثم خرج)]. هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه. وفيه: بيان ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من المرض والشدة؛ لأنه قال: (صبوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن) والوكاء: هو الرباط يكون على فم القربة. وفيه: دليل على أن الحمى تبرد بالماء كما في الحديث الآخر: (إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء). وفيه: دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يصيبه ما يصيب الناس من الأمراض، وأنه يأكل ويشرب ويمرض. وفيه: دليل على أنه ليس إلهاً، وإنما هو عبد لله سبحانه، وأن الرب والإله هو الله سبحانه وتعالى، وهو منزه لا يلحقه مرض ولا يلحقه نقص ولا عيب سبحانه، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عبد ضعيف يمرض ويموت، ويأكل ويشرب ويمشي في الأسواق، ولكنه عبد ورسول عليه الصلاة والسلام يطاع ويتبع، ولا يكذب عليه الصلاة والسلام. وفيه: دليل على أن أواني النحاس والمعادن والخشب من أي نوع كان فهي طاهرة مباحة، وإذا توضأ من النحاس أو من معدن، أو من خشب، أو من الزجاج، أو من الحصى فهو جائز، إلا الذهب والفضة فلا يجوز للمسلم أن يتوضأ بأواني الذهب والفضة. وفيه: أن السبع القرب لها مزية ولها شأن، فعدد آيات الفاتحة سبع، والسموات سبع، والأراضين سبع. قال: [حدثنا به محمد بن يحيى مرة قال: أخبرنا عبد الرزاق، مرة قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة بمثله غير أنه لم يقل: (من نحاس) ولم يقل: (ثم خرج)].

ما جاء في إباحة الوضوء من أواني الزجاج

ما جاء في إباحة الوضوء من أواني الزجاج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء من أواني الزجاج، ضد قول بعض المتصوفة الذي يتوهم أن اتخاذ أواني الزجاج من الإسراف؛ إذ الخزف أصلب وأبقى من الزجاج. أخبرنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا حماد -يعني ابن زيد - عن ثابت عن أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بوضوء، فجيء بقدح فيه ماء أحسبه قال: قدح زجاج، فوضع أصابعه فيه، فجعل القوم يتوضئون الأول فالأول، فحزرتهم ما بين السبعين إلى الثمانين، فجعلت أنظر إلى الماء كأنه ينبع من بين أصابعه) قال أبو بكر: روى هذا الخبر غير واحد عن حماد بن زيد فقالوا: (رحراح) مكان الزجاج بلا شك]. هذا من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما. وفيه: علم من أعلام النبوة، حيث نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وتوضئوا وشربوا، وكانوا يقاربون السبعين والثمانين رجلاً، وملئوا كل إناء معهم. وفيه: دليل على قدرة الله العظيمة، وأن الله لا يعجزه شيء، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]. وفيه: دليل على أنه لا بأس بالوضوء من إناء الزجاج، وأنه لا إسراف فيه كما توهمت الصوفية. قال: [أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا أبو النعمان أخبرنا حماد بهذا الحديث. وقال في حديث سليمان بن الحارث: (أتي بقدح زجاج)، وقال في حديث أبي النعمان: (بإناء زجاج). قال أبو بكر: والرحراح: إنما يكون الواسع من أواني الزجاج لا العميق منه].

ما جاء في إباحة الوضوء من الركوة والقعب

ما جاء في إباحة الوضوء من الركوة والقعب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء من الركوة والقعب. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي أخبرنا هشيم أخبرنا حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: (عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها، إذ جهش الناس نحوه، قال: فقال: ما لكم؟ قالوا: ما لنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، قال: فوضع يديه في الركوة ودعا بما شاء الله أن يدعو، قال: فجعل الماء يفور من بين أصابعه أمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا، قال: قلت لـ جابر: كم كنتم؟ قال: كنا خمس عشرة مائة، ولو كنا مائة ألف لكفانا)]. الله أكبر من أعلام النبوة، وأنه رسول الله حقاً، حيث نبع الماء من بين أصابعه، والركوة: هي شيء يصنع من الجلد. وفيه: أنهم في غزوة الحديبية كانوا ألفاً وخمسمائة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فجهش الناس إليه، يعني: جاءوا كأنهم يشكون من الحالة التي هم عليها، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما لكم؟ قالوا: ما عندنا ماء إلا ما بين يديك، فوضع يديه في الماء فجعل يفور الماء بين أصابعه أمثال العيون حتى توضئوا وشربوا) هذا من دلائل النبوة، ومن دلائل قدرة الله العظيمة. وفيه: دليل على جواز الوضوء من الركوة المصنوعة من الجلد، وأن الأصل فيها الطهارة، كذلك المصنوعة من الخشب أو من الحجر أو من الزجاج أو من الخزف، إلا الذهب والفضة فلا يجوز. قال: [أخبرنا محمد بن رافع أخبرنا وهب بن جرير أخبرنا شعبة عن عمرو بن عامر عن أنس بن مالك قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقعب صغير، فتوضأ منه، فقلت لـ أنس: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم، قلت: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات بالوضوء)]. القعب: كأنه إناء من خشب، ففيه: أنه لا بأس بالوضوء من إناء سواء كان من خشب أو من زجاج أو حجر أو حديد أو نحاس أو رصاص، إلا الذهب والفضة فلا يجوز. وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ عند كل صلاة، لكن ثبت (عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أنه صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فسأله عمر فقال: يا رسول الله! فعلت شيئاً لم تفعله، قال: عمداً فعلته يا عمر) وهذا لبيان الجواز، ولا بأس للإنسان أن يصلي صلاتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو ستاً بوضوء واحد، وجاء في بعضها: (أنه صلى ست صلوات بوضوء واحد)، وإن توضأ المرء لكل لصلاة فهو أفضل. هذا الحديث أخرجه البخاري.

ما جاء في إباحة الوضوء من الجفان والقصاع

ما جاء في إباحة الوضوء من الجفان والقصاع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء من الجفان والقصاع. أخبرنا يحيى بن حكيم أخبرنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس قال: (بت في بيت خالتي ميمونة، فبقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي من الليل، فبال، ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام، ثم قام وأطلق شناق القربة، فصب في القصعة أو الجفنة، فتوضأ وضوءاً بين الوضوءين، وقام يصلي، فقمت فتوضأت، فجئت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه)]. قوله: (فبقيت رسول الله) يعني: راقبت. هذا فيه جواز الوضوء من الجفان أو القصاع، والجفنة: هي القصعة، وقد تكون من الخشب أو من غيره، وهناك الجفان الكبار، مثل الجفان التي كانت الشياطين تصنعها لسليمان عليه الصلاة والسلام، والجفنة قد تكون صغيرة وقد تكون واسعة، وكذلك القصعة، فلا بأس بالوضوء بالجفان. وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام على وضوء، وكان إذا استيقظ في أثناء الليل وبال كان يغسل وجهه ويديه ولا يتوضأ. فقوله: (فتوضأ وضوءاً بين الوضوءين) يعني: هذا يدل على أنه قد توضأ من قبل، والوضوء بين الوضوءين هو الخفيف بينهما.

ما جاء في الأمر بتغطية الأواني التي فيها الماء للوضوء

ما جاء في الأمر بتغطية الأواني التي فيها الماء للوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بتغطية الأواني التي يكون فيها الماء للوضوء بلفظ مجمل غير مفسر، ولفظ عام مراده خاص. حدثنا أبو يونس الواسطي حدثنا خالد - يعني ابن عبد الله - عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغطية الوضوء، وإيكاء السقاء، وإكفاء الإناء)]. قوله: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغطية الوضوء) يعني: تغطية الإناء الذي فيه ماء الوضوء، وفي الحديث: (أمر صلى الله عليه وسلم بتخمير الإناء، وإيكاء السقاء، وإطفاء النار). [قال أبو بكر: قد أوقع النبي صلى الله عليه وسلم اسم الوضوء على الماء الذي يتوضأ به. (وهذا من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتبنا أن العرب يوقع الاسم على الشيء في الابتداء على ما يئول إليه الأمر في المتعقب؛ إذ الماء قبل أن يتوضأ به إنما وقع عليه اسم الوضوء؛ لأنه يئول إلى أن يتوضأ به].

ما جاء في أن النبي إنما أمر بتغطية الأواني بالليل لا بالنهار

ما جاء في أن النبي إنما أمر بتغطية الأواني بالليل لا بالنهار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة التي ذكرتها، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بتغطية الأواني بالليل لا بالنهار جميعاً. حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير، وحدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابراً يقول: حدثني أبو حميد قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن من النقيع غير مخمر، فقال: ألا خمرته، ولو تعرض عليه بعود قال أبو حميد: إنما أمر بالأبواب أن يغلق ليلاً، وإنما أمر بالأسقية أن يخمر ليلاً)، وقال الدارمي: (إنما أمر بالآنية أن تخمر ليلاً، وبالأوعية أن توكأ ليلاً ولم يذكر الأبواب)]. قال المحقق: أخرجه مسلم في الأشربة. هذا الحديث فيه مشروعية تغطية الأواني لاسيما في الليل، فإن لم يجد شيئاً يعرض عليها عوداً، بإطفاء النار في الليل وإغلاق الأبواب. أما ما ورد في الباب قبل هذا: (وإكفاء الإناء) فالظاهر أنه إذا لم يكن فيها ماء فيقلبها. قوله: (وبالأوعية أن توكأ ليلاً). يعني: تربط. قال: [حدثنا أحمد بن منصور الرمادي أخبرنا حجاج -يعني ابن محمد - قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال: قال أبو حميد: (إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأسقية أن توكأ ليلاً، وبالأبواب أن تغلق ليلاً)]. يعني: المعنى يقتضي أنها توكأ حتى في النهار؛ لأنها إذا لم توكأ فمها ينزل الماء، وكذلك يدخل فيها هوام وحشرات. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة.

ما جاء في الأمر بالتسمية عند تخمير الأواني وبيان العلة التي من أجلها أمر النبي بتخمير الإناء

ما جاء في الأمر بالتسمية عند تخمير الأواني وبيان العلة التي من أجلها أمر النبي بتخمير الإناء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بتسمية الله عز وجل عند تخمير الأواني، والعلة التي من أجلها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخمير الإناء. حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أغلق بابك، واذكر اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح مغلقاً، وأطفئ مصباحك، واذكر اسم الله، وأوكئ سقاءك، واذكر اسم الله، وخمر إناءك، واذكر الله، ولو بعود تعرضه عليه)]. هذا الحديث فيه مشروعية ذكر الله عند هذه الأشياء، عند إيكاء السقاء، وإطفاء المصباح، وغلق الأبواب، وتخمير الإناء. قال: [أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير عن فطر بن خليفة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أغلقوا أبوابكم، وأوكئوا أسقيتكم، وخمروا آنيتكم، وأطفئوا سرجكم؛ فإن الشيطان لا يفتح مغلقاً، ولا يحل وكاءً، ولا يكشف غطاءً، وإن الفويسقة ربما أضرمت على أهل البيت بيتهم ناراً، وكفوا فواشيكم وأهليكم عند غروب الشمس إلى أن تذهب فجوة العشاء)]. جاء في الحديث الآخر: (أنه احترق بيت على أهله في المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن هذه النار عدو لكم فأطفئوها) فالفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم. قوله: (وكفوا فواشيكم وأهليكم عند غروب الشمس إلى أن تذهب فجوة العشاء). قال: (فجوة) وفي اللفظ الآخر: (كفوا صبيانكم حتى عند الغروب حتى تذهب فحمة العشاء). قوله: (فواشيكم) لعلها صبيانكم، كما في اللفظ الآخر: (كفوا صبيانكم حتى تذهب فحمة العشاء). قال: [قال يوسف: فحوة العشاء، وهذا تصحيف، وإنما هو فجوة العشاء، وهي اشتداد الظلام. قال أبو بكر: ففي الخبر دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بتغطية الأواني وإيكاء الأسقية؛ إذ الشيطان لا يحل وكاء السقاء، ولا يكشف غطاء الإناء، لا أن ترك تغطية الإناء معصية لله عز وجل، ولا أن الماء ينجس بترك تغطية الإناء؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم أن الشيطان إذا وجد السقاء غير موكأ شرب منه، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإيكاء السقاء، وتغطية الإناء، وأعلم أن الشيطان إذا وجد السقاء غير موكأ شرب منه، كان في هذا ما دل على أنه إذا وجد الإناء غير مغطى شرب منه]. يعني: أن الحكمة من تغطية الإناء: هي منع الشيطان من أن يشرب من الإناء، وغير ذلك. قال: [حدثنا بالخبر الذي ذكرت من إعلام النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد السقاء غير موكأ شرب منه]. قال: [أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني أبو هشام أخبرنا إبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه عن أبيه عقيل عن وهب بن منبه قال: هذا ما سألت عنه جابراً بن عبد الله الأنصاري، وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (أوكوا الأسقية، وغلقوا الأبواب إذا رقدتم بالليل، وخمروا الشراب والطعام، فإن الشيطان يأتي، فإن لم يجد الباب مغلقاً دخله، وإن لم يجد السقاء موكأً شرب منه، وإن وجد الباب مغلقاً والسقاء موكأ لم يحل وكأ ولم يفتح مغلقاً، وإن لم يجد أحدكم لإنائه ما يخمر به، فليعرض عليه عوداً)]. يعني: أن الحكمة من ذلك: أن الشيطان يشرب من الماء الذي لم يوكأ، أو لم يغط، ويدخل من الباب الذي لم يغلق.

ما جاء في بدء النبي بالسواك عند دخوله منزله

ما جاء في بدء النبي بالسواك عند دخوله منزله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإنما بدأنا بذكر السواك قبل صفة الوضوء لبدء النبي صلى الله عليه وسلم به قبل الوضوء عند دخول منزله. باب بدء النبي صلى الله عليه وسلم بالسواك عند دخوله منزله. حدثنا محمد بن بشار أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، وأخبرنا يوسف بن موسى حدثنا وكيع قالا: حدثنا سفيان، وحدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مسعر، وحدثنا علي بن خشرم أخبرنا علي -يعني ابن يونس - عن مسعر كلاهما عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: قلت لـ عائشة: (بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل البيت؟ قالت: بالسواك. وقال يوسف: إذا دخل بيته؟)]. قال المحقق: قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. هذا الحديث فيه استحباب البدء بالسواك عند دخول البيت، فإن من المواضع التي يستحب فيها السواك: عند دخول البيت، وعند الوضوء، وعند الصلاة، وهناك مواضع أخرى يستحب فيها السواك ويتأكد، والسواك في كل وقت مشروع، لكن في هذه المواضع يتأكد.

ما جاء في فضل السواك وتطهير الفم به

ما جاء في فضل السواك وتطهير الفم به قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فضل السواك، وتطهير الفم به. أخبرنا الحسن بن قزعة بن عبيد الهاشمي أخبرنا سفيان بن حبيب عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب)]. هذا في فضل السواك، وأن من فوائده: أنه يطهر الفم، ويرضي الرب؛ لأن الله تعالى أمر به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.

ما جاء في استحباب التسوك عند القيام من النوم للتهجد

ما جاء في استحباب التسوك عند القيام من النوم للتهجد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب التسوك عند القيام من النوم للتهجد. أخبرنا أبو حصين بن أحمد بن يونس أخبرنا عنز -يعني ابن القاسم -أخبرنا حصين، وحدثنا علي بن المنذر وهارون بن إسحاق قالا: حدثنا ابن فضيل، قال علي: حدثنا حصين بن عبد الرحمن وقال هارون: عن حصين، وحدثنا بندار أخبرنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حصين، وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان -يعني ابن عيينة - عن منصور، وحدثنا أبو موسى حدثنا عبد الرحمن أخبرنا سفيان عن منصور وحصين والأعمش، وأخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا وكيع أخبرنا سفيان عن منصور وحصين كلهم عن أبي وائل عن حذيفة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل للتهجد يشوص فاه بالسواك)، هذا لفظ حديث هارون بن إسحاق. لم يقل أبو موسى وسعيد بن عبد الرحمن: (للتهجد)]. هذا الحديث صحيح، وفيه مشروعية السواك عند القيام من الليل، قوله: (يشوص) يعني: يدلك ويتسوك. فالسواك مشروع عند القيام للصلاة، وعند القيام للتهجد. قال المحقق: أخرجه البخاري ومسلم.

ما جاء في فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها

ما جاء في فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها إن صح الخبر. أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد أخبرنا أبي عن محمد بن إسحاق قال: فذكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفاً). قال أبو بكر: أنا استثنيت صحة هذا الخبر؛ لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم، وإنما دلسه عنه]. يعني: المؤلف احتاط لنفسه فقال: إن صح الخبر، من أجل كون محمد بن إسحاق مدلساً، والأصح إنه مدلس، فيكون الحديث ضعيفاً، إلا إن صح سماعه وصرح به. قال الألباني: قلت: إن ابن إسحاق مدلس، ولم يصرح بالتحديث، ولذلك خرجته في الضعيفة برقم (1503). قوله: (فذكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري)، فـ ابن إسحاق لم يصرح بالتحديث عن الزهري، ولم يقل: سمعت الزهري أو غير ذلك من صيغ التحديث التي تدل على السماع الصريح بالتحديث.

الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة لا أمر وجوب وفريضة

الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة لا أمر وجوب وفريضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة لا أمر وجوب وفريضة. أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا أحمد بن خالد الواهبي، أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: (قلت: توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر عمن ذاك؟ قال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى أن به قوة على ذلك، فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة)]. قال الألباني رحمه الله: [رجال إسناده ثقات، وابن إسحاق مدلس كما ذكرت آنفا، ولكن قد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد والحاكم فالسند حسن، ولذلك خرجته في صحيح أبي داود]. إنما فعل ابن عمر ذلك اجتهاداً منه واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، وقال له عمر: فعلت شيئاً لم تكن تفعله! فقال: عمداً فعلته يا عمر. يعني: لبيان الجواز.

ذكر الدليل على أن الأمر بالسواك أمر فضيلة لا أمر فريضة

ذكر الدليل على أن الأمر بالسواك أمر فضيلة لا أمر فريضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الأمر بالسواك أمر فضيلة لا أمر فريضة إذ لو كان السواك فرضاً أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته شق ذلك عليهم أو لم يشق]. يعني: يشير إلى الحديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، يعني: أمرتهم أمر إيجاب؛ لأنه أمرهم أمر استحباب، لكن الذي نفاه هو أمر الإيجاب: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)، يعني: أمر إيجاب؛ لأن أمر الاستحباب هذا جاء في أحاديث. قال: [وقد أعلم صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر به أمته عند كل صلاة، لولا أن ذلك يشق عليهم، فدل هذا القول منه صلى الله عليه وسلم أن أمره بالسواك أمر فضيلة، وأنه إنما أمر به من يخف ذلك عليه دون من يشق ذلك عليه. قال: أخبرنا علي بن خشرم، أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزناد - وهو عبد الله بن ذكوان - عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثنا عبد الجبار بن العلاء وسعيد بن عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان - وهو ابن عيينة - بهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن يشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، والسواك عند كل صلاة)، لم يؤكد المخزومي تأخير العشاء]. قال في تخريجه: [أخرجه أبو داود وأحمد ومسلم]. قوله: (تأخير العشاء) هذه ليست معروفة في الأحاديث، إنما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تأخر في صلاة العشاء وناداه عمر نام النساء والصبيان خرج يقطر رأسه ماء قال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) هذا المعروف في الحديث، يعني: لوقتها الأفضل؛ ولهذا قال العلماء: وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أفضل من تقديمها، أما هذا الحديث فيه تأخير السواك والعشاء، لم يؤكد المخزومي ذلك، وهو راوي السند. قال: [أخبرنا علي بن معبد، أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء). قال أبو بكر: هذا الخبر في الموطأ عن أبي هريرة: لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك عند كل وضوء، ورواه الشافعي وبشر بن عمر كراوية روح]. قال في تخريجه: [قال مالك في الموطأ: إسناده صحيح وهو مخرج في الإرواء]. والحديث ثابت، والمقصود: أن السواك مستحب، وفيه فوائد عظيمة، حتى إن بعض العلماء ذكر له أكثر من مائة فائدة، ومنها: أنه يذكر الشهادة عند الموت، ويطهر الفم، ويرضي الرب، وهو متأكد في أحوال: عند الصلاة، وعند الوضوء، وعند دخول البيت، وعند تغير الفم.

صفة استياك النبي صلى الله عليه وسلم

صفة استياك النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صفة استياك النبي صلى الله عليه وسلم. أخبرنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا حماد - يعني ابن زيد - عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستن وطرف السواك على لسانه وهو يقول: عا عا)]. المعروف في الحديث: (أع أع) المعروف في الحديث يتهوع، كأنه ذهب شيء من فتات السواك غلى حلقه فهو يتهوع. قال في تخريجه: [أخرجه البخاري من طريق أبي نعمان الحماد].

كتاب الوضوء [9]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [9] يجب على المسلم أن يتعلم كيفية الوضوء؛ لأنه شرط لصحة الصلاة، والمسلم عندما تصادفه أحكام شرعية لا يعرف الحكمة منها يجب عليه التسليم لها، دون أن يعارضها بعقل أو قياس أو رأي أو هوى، وهذا الأمر هو حقيقة وفحوى الإسلام، ومفهومه ودليل خطابه، ويجب على المسلم الاقتداء برسول الله في أفعاله وأقواله، والاقتداء بالرعيل الأول من الصحابة والتابعين، فكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.

إيجاب إحداث النية للوضوء والغسل

إيجاب إحداث النية للوضوء والغسل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب الوضوء وسننه. باب إيجاب إحداث النية للوضوء والغسل. أخبرنا يحيى بن حبيب الحارثي وأحمد بن عبدة الضبي قالا: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)]. وهذا الحديث عظيم رواه الشيخان وغيرهم، وفيه: وجوب النية لكل العبادة، ومن ذلك وضوء الغسل إذ لا تصح العبادة إلا بالنية: (إنما الأعمال بالنيات). قال: [لم يقل أحمد: (وإنما لامرئ ما نوى). قال: أخبرنا محمد بن الوليد، أخبرنا عبد الوهاب -يعني: ابن عبد المجيد الثقفي - قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني محمد بن إبراهيم أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى)].

ذكر تسمية الله عز وجل عند الوضوء

ذكر تسمية الله عز وجل عند الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر تسمية الله عز وجل عند الوضوء: قال: أخبرنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ثابت وقتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءاً فلم يجدوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هاهنا ماء؟ فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده في الإناء الذي فيه الماء، ثم قال: توضئوا باسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، والقوم يتوضئون حتى توضئوا من آخرهم، قال ثابت: فقلت لـ أنس: كم تراهم كانوا؟ قال: نحواً من سبعين)]. وهذا ثابت في الصحيح، لكن بدون: (توضئوا باسم الله). قال في تخريجه: [إسناده صحيح ورواه النسائي]. وهذا الدليل ليس بظاهر، إذ إنه يحتمل أنه: (توضئوا باسم الله) يعني: تبركاً باسم الله، وليس المراد يعني: أنها تكون قبل الوضوء، والأحاديث في تسمية الوضوء كلها ضعيفة، ساقها الحافظ ابن كثير رحمه الله في آية المائدة؛ ولهذا ذهب الجمهور إلى أن التسمية مستحبة؛ لأن الأحاديث التي فيها الأمر بالتسمية كلها ضعيفة، وذهب الإمام أحمد في رواية إلى أنه يشد بعضها بعضاً؛ ولهذا ذهب الحنابلة إلى وجوب التسمية عند التذكر إذا كان متذكراً، وإذا نسي سقطت، أما الجمهور فإنهم ذهبوا إلى الاستحباب. فثبوته أيضاً في هذه الأحاديث فيه نظر، إذ إن الحديث في تكثير الماء، وأنه دليل على البركة، وهو في الصحيح ليس فيه: (توضئوا باسم الله).

مسألة الصلاة بالسواك على سبعين صلاة بغيرها

مسألة الصلاة بالسواك على سبعين صلاة بغيرها قال: [المسألة الأولى: الصلاة بالسواك على سبعين صلاة بغيرها، هذا الحديث قد روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث لم يرو في الصحيحين ولا في الكتب الستة، ولكن رواه الإمام أحمد وابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما والبزار في مسنده وقال البيهقي: إسناده غير قوي، وذلك أن مداره على محمد بن إسحاق عن الزهري ولم يصرح بسماعه منه، بل قال: ذكر الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: وذكر الحديث، هكذا رواه الإمام أحمد وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: إن صح الخبر، قال: وإنما استثنيت صحة هذا الخبر؛ لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع الحديث من الزهري وإنما دلسه عنه، وقد قال عبد الله بن أحمد قال أبي: إذا قال ابن إسحاق: وذكر فلان فلم يسمعه، وقد أخرجه الحاكم في صحيحه، وقال: هو صحيح على شرط مسلماً، ولم يصنع الحاكم شيئاً، فإن مسلم لم يرو في كتابه بهذا الإسناد حديثاً واحداً، ولا احتج بـ ابن إسحاق، وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد، وأما أن يكون ذكر ابن إسحاق عن الزهري من شرط مسلم فلا. وهذا وأمثاله هو الذي شأن كتابه ووضعه، وجعل تصحيحه دون تحسين غيره، قال البيهقي: هذا الحديث أحد ما يخاف أن يكون من تدليسات محمد بن إسحاق، وأنه لم يسمعه من الزهري، ورواه البيهقي من طريق معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري ومعاوية هذا ليس بقوي، وقال في شعب الإيمان: تفرد به معاوية بن يحيى، وقال: إن ابن إسحاق أخذه منه، قال: ويروى نحوه وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها وكلاهما ضعيف، ورواه من حديث الواقدي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي يحيى الأسلمي عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، ولكن الواقدي لا يحتج به]. لأن الواقدي أخباري ضعيف، وهو ضعيف في الرواية. قال: [ورواه من حديث حماد بن قيراط قال: حدثنا فرج بن فضالة عن عروة بن روي عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وذكر الحديث، وهذا الإسناد غير قوي، فهذا حال هذا الحديث، وإن ثبت فله وجه حسن وهو: أن الصلاة بالسواك سنة، والسواك مرضاة للرب، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم شأنه وقال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلا)، وأخبر أنه مطهرة للفم مرضاة للرب، وقال صلى الله عليه وسلم: (أكثرت عليكم في السواك)، رواه البخاري، وفي مسند أحمد عن التميمي قال: سألت ابن عباس عن السواك فقال: (ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا به حتى خشينا أن ينزل عليه فيه) وفي لفظ: (أمرت بالسواك حتى خشيت أن ينزل علي به وحي) وقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لي أراكم تأتونني قلحاً، استاكوا! لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما قد فرض عليهم الوضوء) وقال: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك) الحديث. فجعل السواك من الفطرة، وقال عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر بالوضوء عن كل صلاة طاهراً أو غير طاهر، فلما شق عليه ذلك أمر بالسواك، وقال: إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي أتاه الملك فقام خلفه يستمع القرآن، ويدنو فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف الملك. وفي هذا يدل على أنه لا يصح الحديث، ظاهره أنه ما ثبت الحديث، لكن الصلاة بالسواك لا شك في فضلها.

الأمر بغسل اليدين ثلاثا عند الاستيقاظ من النوم قبل إدخالها الإناء

الأمر بغسل اليدين ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم قبل إدخالها الإناء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بغسل اليدين ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم قبل إدخالهما الإناء. قال: أخبرنا نصر بن علي، أخبرنا بشر بن المفضل، أخبرنا خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده)]. قال في تخريجه: [إسناده صحيح]. والحديث ثابت، وفيه: مشروعية غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاثاً، وهذا الأمر للاستحباب عند الجمهور، وهو أمر متأكد، وهو واجب عند الظاهرية وجماعة، والقول بالوجوب قول قوي، والصواب: أنه يجب؛ لأن الأوامر الأصل فيها الوجوب، فيجب غسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء، وإن قال الجمهور بالاستحباب، والصواب: أنه للوجوب، لأن الأصل في الأوامر الوجوب إلا بصارف، ولا صارف، لكن لو غابت يده في الإناء فلا يكون نجساً ولا يكون مستعملاً ما دام أنه لم يتغير، لكن يأثم. (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، والبيتوتة لا تكون إلا في الليل، فعند العلماء هذا في الليل، والنهار يكون مستحباً، ومستحب غسل اليدين ثلاثاً قبل كل وضوء مطلقاً في الليل والنهار، لكن في الليل يتأكد؛ لقوله: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) والبيتوتة إنما تكون في الليل. قال: [أخبرنا بشر بن معاذ بهذا فبلغ، وقال: (من إنائه)]. يعني: في إنائه، إذا كان إناءً، أما مثل البرك والأشياء الكبيرة فإنه يغترف، فإن وجد شيء يغترف منه كان أحسن.

كراهية معارضة خبر النبي صلى الله عليه وسلم بالقياس والرأي والأدلة على ذلك

كراهية معارضة خبر النبي صلى الله عليه وسلم بالقياس والرأي والأدلة على ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كراهية معارضة خبر النبي صلى الله عليه وسلم بالقياس والرأي، والدليل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم يجب قبوله إذا علم المرء به، وإن لم يدرك ذلك عقله ورأيه، قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]]. وإن لم يدرك ذلك عقله ورأيه، وهذه الآية فيها: أنه لا يجوز للإنسان أن يعارض أمر الله وأمر رسوله، بل يجب عليه التسليم والقبول وإن لم يعرف المعنى، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]، ودل على أنه معصية إذا خالف الأمر، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. قال: [أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، أخبرنا عمي، أخبرني ابن لهيعة وجابر بن إسماعيل الحضرمي عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده، أو أين طافت يده، فقال له رجل: أرأيت إن كان حوضاً؟ قال: فحصبه ابن عمر وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: أرأيت إن كان حوضاً!). وابن لهيعة لا يقبل منه الحديث لضعفه؛ لأنه ضعيف احترقت كتبه لكن قوي بغيره. [قال أبو بكر: ابن لهيعة ليس ممن أخرج حديثه في هذا الكتاب إذا تفرد برواية، وإنما أخرجت هذا الخبر؛ لأن جابراً بن إسماعيل معه في الإسناد]. وهذا فيه تحذير من الاعتراض على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما اعترض هذا الرجل قال: أرأيت، اعترض عليه. وفيه: دليل على أن ابن خزيمة يرى وجوب غسل اليدين ثلاثاً إذا استيقظ من منامه، ظاهر هذا: أنه يرى الوجوب، وأنه لا يجوز لإنسان أن يعترض على قول الله وقول رسوله. قال الألباني: [قلت: لكن التحقيق العلمي يقتضي أن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا كان الراوي عنه أحد العبادلة، ومنهم عبد الله بن وهب، وهذا من روايته عنه كما ترى، وللحديث شاهد مضى]. والصواب: أنه ضعيف حتى في رواية العبادلة، لكن رواية العبادلة أحسن من غيرهم، إذا روى عنه أحد العبادلة، لكن هنا مقرون بغيره، مقرون برواية جابر كما قال ابن خزيمة: أنا لا أخرج عن ابن لهيعة، لكن لأنه قرن بغيره. قال في التخريج: [إسناده صحيح، أخرجه الدارقطني من طريق أبي بكر وابن ماجة إلى قوله: (حتى يغسلها)].

صفة غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وصفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

صفة غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وصفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صفة غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وصفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. قال: أخبرنا محمد بن أبي صفوان الثقفي، أخبرنا عبد الرحمن - يعني: ابن مهدي -، أخبرنا زائدة بن قدامة، عن خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: (دخل علي الرحبة بعدما صلى الفجر ثم قال لغلام له: ائتوني بطهور، فجاءه الغلام بإناء فيه ماء وطست، قال عبد خير: ونحن جلوس ننظر إليه، فأخذ بيمينه الإناء فأكفأ على يده اليسرى ثم غسل كفيه، ثم أخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى، فعله ثلاث مرات - قال عبد خير: كل ذلك لا يدخل يده الإناء حتى يغسلها مرات- ثم أدخل يده اليمنى الإناء فملأ فمه، فمضمض واستنشق، ونثر بيده اليسرى ثلاث مرات، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم غسل يده اليسرى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء، ثم رفعها بما حملت من الماء، ثم مسحها بيده اليسرى، ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما أو جميعاً، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء، ثم صب على رجله اليمنى فغسلها ثلاث مرات بيده اليسرى، ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى، فغسلها ثلاث مرات بيده اليسرى، ثم أدخل يده اليمنى فملأ من الماء، ثم شرب منه، ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم، فمن أحب أن ينظر إلى طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم فهذا طهوره)]. وهذا الحديث فيه كيفية الوضوء، وفيه: أنه يغسل يديه ثلاثاً؛ لأنه غسل، فقوله: أكفأ بيده اليسرى على يده اليمنى الإناء ثم غسل، ثم أكفأ بيده اليمنى على يده اليسرى، هذه كيفية الغسل، ولكن إذا كان هناك صنبور جعلهما تحته وغسلهما جميعاً، لكن إذا كان إناءً صب وأكفأ من يده اليسرى على اليمنى ثم غسلها وهكذا. قال: [(فأخذ بيمينه الإناء فأكفأ على يده اليسرى، ثم غسل كفيه، ثم أخذ الإناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى، فعله ثلاث مرات)]. يعني: وأخرج اليمنى وصب على اليسرى، ثم عكس وأخذ الإناء بالأصبع وصب على اليمنى، المهم يغسلهما ثلاثاً. قال في تخريجه: [إسناده صحيح كما في الفتح].

إباحة المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة والوضوء مرة مرة

إباحة المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة والوضوء مرة مرة قال رحمه الله تعالى: [باب إباحة المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة والوضوء مرة مرة: قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد الأشج، حدثنا ابن إدريس، أخبرنا ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة فمضمض واستنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى، وغرف غرفة فغسل يده اليسرى، وغرف غرفة فمسح رأسه وباطن أذنيه وظاهرهما، وأدخل أصبعيه فيهما، وغرف غرفة فغسل رجله اليمنى، وغرفة فغسل رجله اليسرى)]. قال في التخريج: [إسناده حسن]. وهذا الحديث فيه: دليل على استحباب المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة، هذا هو الأفضل كما في الصحيحين وغيرهما، يأخذ غرفة يتمضمض منها ويستنشق، وإن تمضمض بغرفة واستنشق بغرفة فلا حرج، لكن الأفضل أن يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة، يفعل هذا ثلاثاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: دليل أيضاً على الوضوء مرة مرة، وهذا هو الواجب والمجزئ أن يغسل كل عضو مرة، والمراد بالمرة: تعميمه بالغسل، وليس المراد: الغرفة، بل المراد: تعميمه بالغسل، فإذا عمم بالغسل مرة أجزأ، والأفضل ثلاث، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، ومخالفاً بعضها مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاث مرات، كل هذا جائز، وكل هذا ثبت في السنة. والمضمضة والاستنشاق: أن يتمضمض ثم يمج الماء في فمه، ثم يخرج الماء الذي في فمه، ثم يستنشر بيده الأخرى.

الأمر بالاستنشاق عند الاستيقاظ من النوم، وذكر العلة التي من أجلها أمر به

الأمر بالاستنشاق عند الاستيقاظ من النوم، وذكر العلة التي من أجلها أمر به قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالاستنشاق عند الاستيقاظ من النوم، وذكر العلة التي من أجلها أمر به. قال: أخبرنا صالح بن عبد الرحمن بن عمر بن الحارث المصري وأحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قالا: حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، أخبرنا أبو الهاد - وهو يزيد بن عبد الله - عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه)]. قال في تخريجه: [أخرجه البخاري من طريق ابن أبي حازم]. وفي الحديث: الأمر بالاستنثار والاستنشاق وإدخال الماء في الخياشيم. واختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: إن هذا الاستنشاق قبل الوضوء يستنشق ويستنثر؛ لأن الشيطان يبيت على خياشيمه، وقال آخرون: إن المراد: الاستنشاق في أثناء الوضوء، يتمضمض ويستنشق، لكن ظاهر الحديث أن المراد الاستنشاق قبل الوضوء؛ لأن الاستنشاق في الوضوء هذا لا بد منه وهو معروف، قال بعضهم: إن هذا الأمر للوجوب، فينبغي له أن يستنشق قبل الوضوء؛ لأن الشيطان يبيت على خيشومه.

الأمر بالمبالغة في الاستنشاق إذا كان المتوضئ مفطرا غير صائم

الأمر بالمبالغة في الاستنشاق إذا كان المتوضئ مفطراً غير صائم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالمبالغة في الاستنشاق إذا كان المتوضىء مفطراً غير صائم. قال: أخبرنا الزعفراني وزياد بن يحيى الحساني وإسحاق بن حاتم بن سنان المدائني ورزق الله بن موسى والجماعة قالوا: حدثنا يحيى بن سليم، حدثنا إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: (قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)]. قال في تخريجه: [إسناده صحيح وله متابع عند الحاكم]. والحديث لا بأس بسنده، وفيه: مشروعية المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً). ودل الحديث على أن الأنف منفذ وأنه كالفم؛ ولهذا يدخل الماء للصائم من الأنف؛ لأنه يصل إلى الحلق بخلاف العين والأذن فليستا منفذين؛ ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه لو اكتحل في عينيه وهو صائم أو قطر في أذنه لا يعتبر مؤثراً؛ لأن العين ليست منفذاً وكذلك الأذن، بخلاف الأنف فإنها منفذ، وقد يأكل عن طريق الأنف، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في الاستنشاق. وفيه: استحباب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم لكمال التنظيف.

تخليل اللحية في الوضوء عند غسل الوجه

تخليل اللحية في الوضوء عند غسل الوجه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب تخليل اللحية في الوضوء عند غسل الوجه. قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق عن شقيق بن سلمة: عن عثمان بن عفان: (أنه توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، ومضمض ثلاثاً، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ورجليه ثلاثاً، وخلل لحيته وأصابع الرجلين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ)]. وهذا هو الوضوء الكامل ثلاثاً ثلاثاً، وفيه: مشروعية تخليل اللحية، والتخليل بين الأصابع، أي: أصابع اليدين والرجلين حتى يبلغها الماء، والتخليل إذا كانت اللحية كثيفة مستحب وليس بواجب، والواجب غسل ظاهر اللحية، والكثيفة هي التي تستر البشرة، أما إذا كانت اللحية ضعيفة لا تستر البشرة فيجب إيصال الماء إلى البشرة، أما إذا كانت كثيفة فيكفي غسل ظاهرها، وإن خلل فهو أكمل، والتخليل مستحب. قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، عامر بن شقيق لين الحديث كما في التقريب. هذا الكلام للألباني، وقال المحقق: وله متابع وشاهد عند الحاكم وقال الحافظ في التلخيص: قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية شيء، وأخرجه ابن ماجة]. قال: [أخبرنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الرحمن - يعني: ابن مهدي -، حدثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق عن شقيق بن سلمة قال: (رأيت عثمان بن عفان توضأ فغسل كفيه ثلاثاً، ومضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً، ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثا، وخلل أصابعه وخلل لحيته حين غسل وجهه ثلاثاً، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت). قال عبد الرحمن: وذكر يديه إلى المرفقين ولا أدري كيف ذكره. قال أبو بكر: عامر بن شقيق هذا هو ابن جمزة الأسدي وشقيق بن سلمة هو أبو وائل]. قال في التخريج: [عامر بن شقيق بن جمزة بجيم الأسدي الكوفي عن أبي وائل وعنه إسرائيل، قال: ابن يونس ضعفه ابن معين وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات]. فإن قال قائل: هل الاستنثار واجب؟ A الصواب: أنه واجب، الاستنشاق والاستنثار والمضمضة كلاهما واجب. وإن قيل: هل الاستنشاق والمضمضة عند القيام من النوم بالليل فقط؟ الجواب: نعم، هذا في الليل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من منامه)، فالغالب أنه في نوم الليل؛ لأن نوم النهار في الغالب يكون قليلاً.

استحباب صك الوجه بالماء عند غسل الوجه

استحباب صك الوجه بالماء عند غسل الوجه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب صك الوجه بالماء عند غسل الوجه: قال: أنبأنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، أنبأنا ابن علية، أنبأنا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس قال: (دخل علي علي بيتي وقد بال، فدعا بوضوء فجئناه بقعب يأخذ المد أو قريبه حتى وضع بين يديه فقال: يا ابن عباس ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بلى فداك أبي وأمي، قال فوضع له إناء فغسل يديه، ثم مضمض واستنشق واستنثر، ثم أخذ بيمينه -يعني: الماء- فصك بها وجهه) وذكر الحديث]. والقعب: قدح من خشب أو إناء من خشب. قال في تخريجه: [إسناده حسن من أجل الخلاف المعروف في ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث]. وإذا صرح بالتحديث زال المحذور؛ لأنه ثقة، وقوله: (صك بها وجهه) يعني: غسل وجهه، يعني: كأنه من بعد، والمقصود: غسل الوجه. قال في الحاشية: [قال المنذري: في هذا الحديث مقال، وقال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري -فضعفه]. فـ المنذري معروف أنه إمام، وقد ذكر أن فيه مقالاً في أحد الرواة، يعني: استنكر لفظة (فصكه في وجهه) لأن المعروف أنه أخذ ماء فغسل وجهه، فصكه يعني: كأنه ألقاه من بعد. وفي الترجمة: [باب استحباب صك الوجه بالماء عند غسل الوجه]. فظاهره أن ابن خزيمة يرى أن الحديث صحيح، والمنذري يقول: فيه مقال، والألباني حسنه.

استحباب تجديد حمل الماء لمسح الرأس غير فضل بلل اليدين

استحباب تجديد حمل الماء لمسح الرأس غير فضل بلل اليدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب تجديد حمل الماء لمسح الرأس غير فضل بلل اليدين. أنبأنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، أنبأنا عمي، حدثني عمرو - وهو ابن الحارث - أن حبان بن واسع حدثه أن أباه حدثه أنه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم المازني يذكر: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثم استنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويده اليمنى ثلاثاً والأخرى ثلاثاً، ومسح رأسه بماء غير فضل يده، وغسل رجليه حتى أنقاهما)]. وهذا رواه الشيخان، وفيه: أنه غسل رأسه بماء غير فضل يديه؛ أي: أنه يأخذ ماء للرأس لكن لا يصبه صباً، إنما يأخذ ماء بيديه ثم يمسح رأسه مسحاً، فالرأس له ماء غير فضل اليدين. قال في التخريج: [وفي الأصل حبان بن واسع حدثه، والتصحيح من صحيح مسلم].

استحباب مسح الرأس باليدين جميعا

استحباب مسح الرأس باليدين جميعاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب مسح الرأس باليدين جميعاً ليكون أوعب لمسح جميع الرأس، وصفة المسح والبدء بمقدم الرأس قبل المؤخر في المسح. قال: أنبأنا محمد بن رافع، أنبأنا عبد الرزاق، أخبرنا مالك بن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه وأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه)]. هذا هو السنة، هكذا يبدأ من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، هذا هو الأفضل وكيفما مسح وعمم الرأس أجزأ؛ لأن الأفضل هو هذا، يبدأ بمقدم رأسه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، فإذا ردهما يكون أطراف الشعر الذي ما أصابه المسح يصيبه مرة واحدة، لا يكون المسح مرتين. وإن فعل العكس فلا بأس، لكن هذا الأفضل، وإذا مسح بيد واحدة كفى. قال: [أنبأنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، أنبأنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه مرتين، ثم مسح برأسه وبدأ بالمقدم، ثم غسل رجليه)]. وفيه: أنه توضأ مخالفاً غسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين، وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ومرة مرة، ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً ومخالفاً، وفيه: أنه بدأ بمقدم رأسه، هذا هو الشاهد.

ذكر الدليل على أن المسح على الرأس يكون بما يبقى من بلل الماء على اليدين

ذكر الدليل على أن المسح على الرأس يكون بما يبقى من بلل الماء على اليدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن المسح على الرأس إنما يكون بما يبقى من بلل الماء على اليدين، لا بنفس الماء كما يكون الغسل بالماء]. يعني: لا يأخذ ماءً ويصبه على الرأس، وإنما يأخذ الماء بيديه يبلهما ثم يمسح، ولا يأخذ ماء يصبه على الرأس مثلما يغسل يديه ووجهه، فالماء لا يصبه على الرأس إنما يبل يديه بالماء ثم يمسح. فإن قيل: هل يجزئ إذا مسح على بعض الرأس؟ ف A بعض العلماء يرى أنه يجزئه إذا مسح على ربع الرأس ونصف الرأس، والصواب: أنه لا بد أن يعمم الرأس؛ لأن الله قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [خبر عبد خير عن علي: (ثم أدخل يده اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء، ثم رفعها بما حملت من الماء، ثم مسحها بيده اليسرى، ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما أو جميعاً)]. يعني: أخذ الماء وغرف غرفة وصب على يده اليسرى ثم مسح بيديه كلتيهما، وهذا دليل على أنه لا يصب الماء عليه.

مسح جميع الرأس في الوضوء

مسح جميع الرأس في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مسح جميع الرأس في الوضوء قال: أنبأنا محمد بن رافع، أنبأنا إسحاق بن عيسى قال: سألت مالكاً عن الرجل مسح مقدم رأسه في الوضوء أيجزيه ذلك؟ فقال: حدثني عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن عبد الله بن زيد المازني قال: (مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في وضوئه من ناصيته إلى قفاه، ثم رد يديه إلى ناصيته ومسح رأسه كله)]. هذا السائل الذي سأل مالكاً قال: هل يجزئ مسح مقدم رأسه هكذا؟ فاستدل بالحديث الذي فيه أنه لا بد من التعميم من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ودل على أنه لا بد من التعميم.

مسح باطن الأذنين وظاهرهما

مسح باطن الأذنين وظاهرهما قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مسح باطن الأذنين وظاهرهما. قال أبو بكر: قد أمليت حديث عثمان بن عفان وخبر ابن عباس في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما]. السنة مسح الأذنين باطنهما وظاهرهما، باطنهما بالسباحتين يدخلهما فيهما، وظاهرهما بالإبهامين. قال الشارح: [انظر الحديث رقم مائة وثمانية وأربعين، ومائة واثنين وخمسين]. قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة فمضمض واستنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمني، وغرف غرفة فغسل يده اليسرى، وغرف غرفة فمسح رأسه وباطن أذنيه وظاهرهما وأدخل أصبعيه فيهما، وغرف غرفة فغسل رجله اليمني، وغرف غرفة فغسل رجله اليسرى). والأذنان تابعان للرأس يمسحهما بالبلل الذي في يديه للرأس، ولا يأخذ لهما ماء جديداً على الصحيح. فإن قال قائل: إذا كان في الرأس شجة، فهل يتيمم أو يمسح على الشجة؟ إذا كان لا يضره المسح مسح عليها، فإذا كان عليها جبيرة مسح عليها، وإذا كان يضره تيمم ومسح بقية الرأس.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الرطوبة التي تخرج من المرأة

حكم الرطوبة التي تخرج من المرأة Q ما حكم الرطوبة التي تخرج من المرأة هل هي نجسة؟ وهل عليها وضوء لكل صلاة؟ A إذا كانت الرطوبة تخرج من فرجها فعليها الوضوء، والأصل أن كل خارج من السبيلين يوجب الوضوء، فتستنجي ثم تتوضأ.

حكم ما يبقى من الإرث بعد أخذ البنت النصف

حكم ما يبقى من الإرث بعد أخذ البنت النصف Q في الميراث من يأخذ الباقي بعد أن تأخذ البنت النصف إذا كانت واحدة؟ A أولى رجل ذكر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)، إذا كان هناك عم، أو ابن عم، أو ابن ابن ابن عم، أو أخ، فأولى رجل ذكر يأخذه، فإن لم يوجد فإنه يرد على البنت، وترث الباقي فرضاً ورداً على الصحيح؛ ولهذا عقد الفرضيون باباً يسمونه: باب الرد، وفيه يرد على جميع الورثة ما عدا الزوجات.

حكم من ارتكب محظورا من محظورات الإحرام ناسيا أو جاهلا

حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً Q ما القول الفصل في حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً؟ A الصواب: أن الناسي والجاهل معفو عنه، والمسألة فيها خلاف، وجماعة جمهور العلماء على أنه لا يعفى عن الناسي ولا عن الجاهل؛ قالوا: إن الصحابة لم يفرقوا بين الناسي والجاهل، والقول الثاني: أنه معفو عنه، وهو الصواب.

شرح قول الإمام مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)

شرح قول الإمام مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) Q ما شرح قول الإمام مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)؟ A هذا كلام الإمام مالك رحمه الله يقول: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، والمعنى: أن أول هذه الأمة صلحوا بالتوحيد والقيام بأمر الله، وأداء حقه والجهاد في سبيله، والإيمان بالله وبرسوله، فهذا الذي صلح به أول هذه الأمة، وآخر هذه الأمة لا يصلحها إلا هذا، إذا استقاموا على أمر الله، ووحدوا الله، وأخلصوا العبادة، وآمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيله صلح حالهم، فإن لم يفعلوا فلن يصلح حالهم، هذا معناه باختصار.

حكم الرجل إذا جامع امرأته على أنها طهرت ثم وجد أثر الدم في ذكره

حكم الرجل إذا جامع امرأته على أنها طهرت ثم وجد أثر الدم في ذكره Q إذا جامع الرجل زوجته على أنها قد طهرت وقد سألها، وقالت: أنا طاهر، فلما جامعها وجد أثر الدم في ذكره فما الحكم؟ وهل عليه صدقة؟ A ظاهره أنه ما تعمد، فإذا لم يتعمد أرجو ألا يكون عليه شيء؛ لأنه لم يتعمد، وإن تصدق فاحتياط حسن.

كتاب الوضوء [10]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [10] يذكر كثير من علماء أهل السنة مبحث المسح على الخفين في كتب العقيدة مع أنه مبحث فقهي، تنبيهاً على مخالفة الرافضة لأهل السنة في ذلك، فالرافضة لا يرون غسل الرجلين أو مسح الخفين، وإنما يرون المسح على ظاهر القدمين فقط، وبذلك شذوا عن جماعة المسلمين، وخالفوا طرائق المهديين، علماً بأن أحاديث المسح على الخفين بلغت مبلغ التواتر القطعي. والوضوء يجوز مرة ومرتين وثلاثاً، ويستحب في الوضوء التيامن، وتخليل اللحية والأصابع.

ذكر الدليل على أن الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي القدم عند الوضوء

ذكر الدليل على أن الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي القدم عند الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الكعبين اللذين أمر المتوضئ بغسل الرجلين إليهما، العظمان الناتئان في جانبي القدم، لا العظم الصغير الناتئ على ظهر القدم على ما يتوهمه من يتحذلق ممن لا يفهم العلم ولا لغة العرب]. وهذه المسألة بينتها النصوص والأحاديث، وقال الله تعالى في آية الوضوء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، فالكعبان هما: العظمان الناتئان عند أهل السنة في جانبي القدم، فكل رجل فيها عظمان، وقال الرافضة: ليس في كل رجل إلا عظم واحد، وهو الذي عند معقد القدم، أي: في ظهر القدم عند مجتمع الساق، وهو شيء خفيف العظم غير واضح، وقالوا: ليس في كل رجل إلا عظم واحد، وقالوا: إن الرجل تمسح إلى العظم، وهذا باطل؛ لأن الله تعالى قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، ولم يقل: إلى الكعاب، فلو كان في كل رجل عظم واحد لقال: إلى الكعاب مثلما قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]؛ لأن القاعدة: أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً. فإذا قابل اليدين بالمرافق دل على أن في كل يد مرفقاً، ولو كان في كل رجل كعب واحد كما تقول الرافضة لقال: (وأرجلكم إلى الكعاب) ولم يقل: (الكعبين) كما قال: (إلى المرافق)، فلما قال الله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] دل على أن في كل رجل كعبين لا كعب، بخلاف المرافق فإنه في كل يد مرفق لا مرفقان. هنا قصد ابن خزيمة رحمه الله: أن يرد على الرافضة الذين يقولون: في كل رجل كعب لا كعبان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران أخبره: (أن عثمان رضي الله عنه دعا يوماً وضوءاً فذكر الحديث في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات واليسرى مثل ذلك). قال أبو بكر: في هذا الخبر دلالة على أن الكعبين هما: العظمان الناتئان في جانبي القدم، إذ لو كان العظم الناتئ على ظهر القدم لكان للرجل اليمنى كعب واحد لا كعبان]. وهما العظمان البارزان، ولأن الكعب من التكعب وهو العلو، فإنما سميت كعباً؛ لأنها بارزة، ومنه تكعب ثدي المرأة لبروزه وهذان بارزان، بخلاف الكعب الذي يقول الرافضة: العظم الذي ليس ببارز عند أصل الساق بين مجتمع القدم والساق، فهذا خفي ليس ببارز، أما الكعب: فمن التكعب، وهو: البروز والظهور. [أخبرنا أبو عمار، أخبرنا الفضل بن موسى، عن زيد بن زياد - هو ابن أبي الجعد - عن جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في سوق ذي المجاز، وعليه حلة حمراء وهو يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة حتى أدمى كعبيه وعرقوبيه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ قالوا: غلام بني عبد المطلب فقلت: من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب)]. قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه البيهقي]. والشاهد قوله: (يرميه بالحجارة حتى أدمى كعبيه) يعني: أثبت أن في كل رجل كعبين، خلافاً للرافضة القائلين: إن في كل رجل كعباً واحداً؛ لأن مذهب الرافضة عدم غسل الرجلين، قالوا: لا يجب غسل الرجلين، فإذا كانت الرجلان مكشوفتين، فإنما تمسحان، فتمسح ظاهر القدم إلى الكعب الذي في أصل الساق، وإذا كان فيهما الخفان وجب خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، فإذاً: الرجلان لا تغسلان ولا تمسحان، فليس هناك مسح ولا غسل، ولهذا يذكر العلماء مسح الخفين في كتب العقائد يقولون: ونرى المسح على الخفين، وإن كانت المسألة فرعية، والأصل أن تذكر في مسائل أبواب الفقه، لكن العلماء يذكرونها في كتب العقائد للرد على الرافضة؛ لأن هذه عقيدة للرافضة، يعتقدون أن الرجلين لا تغسلان في الوضوء، وأن الخفين لا يمسحان، فإن كانت الرجلان مكشوفتين وجب مسح ظهور القدمين بدون غسل، وإن كانت الرجلان عليهما خف وجب خلع الخفين ونزعهما ومسح ظهور القدمين، فالعلماء يردون عليهم في كتب العقائد ويقولون: ونرى المسح على الخفين، يعني: نعتقده خلافاً للرافضة. قال أبو بكر رحمه الله: [وفي هذا الخبر دلالة أيضاً على أن الكعب هو: العظم الناتئ في جانبي القدم، إذ الرمية إذا جاءت من وراء الماشي لا تكاد تصيب القدم، إذ الساق مانع أن تصيب الرمية ظهر القدم]. يعني: استدلال ابن خزيمة رحمه الله يقول: خلفه رجل يرميه بالحجارة حتى تصيب قدميه، فالقدم هذا بارز تصيبه الحجر، لكن لو كان المراد: العظم الذي في الخلف فإن الساق يمنعه ولا تأتي الضربة في العظم الصغير الذي في مجتمع الساق، أما العظمان الناتئان فالحجر يصيبهما؛ لأنهما بارزان، فهذا استدلال دقيق لـ ابن خزيمة رحمه الله في الرد على الرافضة. قال: [أخبرنا سلم بن جنادة، أخبرنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة، حدثنا أبو القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنه، وحدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا ابن أبي غنية عن زكريا عن أبي القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: (أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم - ثلاثاً - والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم، قال: فرأيت الرجل يكون كعبه بكعب صاحبه وركبته بركبة صاحبه ومنكبه بمنكب صاحبه). هذا لفظ حديث وكيع]. والشاهد قوله: يلصق كعبه بكعبه، أي: كعب الإنسان يحاذي كعب من بجواره، وهذا يدل على أن المراد بالكعب العظم الناتئ، فلو كان المراد: العظم الذي في أصل الساق فكيف يلصق كعبه بكعب صاحبه، هذا بعيد جداً، لكن إذا كان الكعب البارز هو الذي يحاذي كعب من بجواره، فهذا وجه الدلالة. قال أبو بكر رحمه الله: [أبو القاسم الجدلي هذا هو حسين بن الحارث من جديلة قيس، روى عنه زكريا بن أبي زائدة وأبو مالك الأشجعي وحجاج بن أرطاة وعطاء بن السائب، عداده في الكوفيين، وفي هذا الخبر ما نفى الشك والارتياب أن الكعب هو العظم الناتئ الذي في جانب القدم، الذي يمكن القائم في الصلاة أن يلزقه بكعب من هو قائم إلى جنبه في الصلاة، والعلم محيط عند من ركب فيه العقل أن المصلين إذا قاموا في الصف لم يمكن أحد منهم إلصاق ظهر قدمه بظهر قدم غيره، وهذا غير ممكن، وما كونه غير ممكن لم يتوهم عاقل كونه]. قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه أبو داود، وأشار الحافظ في التقريب إلى رواية ابن خزيمة هذه].

التغليظ في غسل العقبين في الوضوء

التغليظ في غسل العقبين في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التغليظ في ترك غسل العقبين في الوضوء، والدليل على أن الفرض غسل القدمين لا مسحهما، إذ كانتا باديتين غير مغطيتين بالخف، أو ما يقوم مقام الخف لا على ما زعمت الروافض أن الفرض مسح القدمين لا غسلهما، إذ لو كان الماسح على القدمين مؤدياً للفرض لما جاز أن يقال لتارك فضيلة: ويل له، وقال صلى الله عليه وسلم: (ويل للأعقاب من النار) إذا ترك المتوضئ غسل عقبيه. قال: أخبرنا يوسف بن موسى، أخبرنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو قال: (رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضئوا وهم عجال)]. وهم عجال، يعني: مسرعين. قال: [(وهم عجال، فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح، لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء)]. قال في تخريجه: [أخرجه مسلم في الصحيح]. وقال: [أخبرنا أحمد بن عبدة، أخبرنا عبد العزيز الدراوردي، وحدثنا يوسف بن موسى، أخبرنا جرير كلاهما عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للأعقاب من النار)].

التغليظ في ترك غسل بطون الأقدام في الوضوء

التغليظ في ترك غسل بطون الأقدام في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التغليظ في ترك غسل بطون الأقدام في الوضوء، فيه أيضاً دلالة على أن الماسح على ظهر القدمين غير مؤد للفرض، لا كما زعمت الروافض أن الفرض مسح ظهورهما لا غسل جميع القدمين. قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني الليث عن حيوة - وهو ابن شريح - عن عقبة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار)]. وهذا دليل على أنه لابد من غسل الرجل ظاهرها وباطنها، ولو كان الواجب المسح فكيف يتوعد بالويل من ترك بطون الأقدام والعقب؟

الدليل على أن المسح على القدمين غير جائز

الدليل على أن المسح على القدمين غير جائز قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن المسح على القدمين غير جائز، لا كما زعمت الروافض والخوارج. قال: أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا أصبغ بن الفرج، أخبرني ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم الأزدي، حدثني قتادة بن دعامة، أخبرنا أنس بن مالك قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد توضأ، وترك على ظهر قدمه مثل موضع الظفر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك)]. قال في تخريجه: [إسناده صحيح، وذكره الحافظ في تلخيص الحبير، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة والدارقطني]. وهذا فيه الرد على الرافضة، في قولهم: إن القدم يمسح، فلو كان يمسح ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيده لما ترك لمعة، ومذهب الروافض: أنه لا تغسل الرجلان في الوضوء، ولا يمسح على الخفين، فإذا كانت الرجلان مكشوفتين مسحت ظهور القدمين كمسح الرأس، وإذا كان عليه الخفان وجب خلع الخفين وكشف القدمين ومسح ظهور القدمين، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً على قدمه قدر اللمعة: (ارجع فأحسن وضوءك)، ففيه: رد على الرافضة، فلمجرد لمعة أمره بأن يعيد الوضوء. قال: [أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، أخبرنا عمي بمثله].

ذكر البيان أن الله عز وجل أمر بغسل القدمين في قوله: (وأرجلكم إلى الكعبين)

ذكر البيان أن الله عز وجل أمر بغسل القدمين في قوله: (وأرجلكم إلى الكعبين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر البيان أن الله عز وجل وعلا أمر بغسل القدمين في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] الآية، لا بمسحهما على ما زعمت الروافض والخوارج، والدليل على صحة تأويل المطلبي رحمه الله: أن معنى الآية على التقديم والتأخير على معنى: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم، فقدم ذكر المسح على ذكر الرجلين، كما قال ابن مسعود وابن عباس وعروة بن الزبير رضي الله عنهم: وأرجلكم إلى الكعبين، قالوا: رجع الأمر إلى الغسل]. ذكر العلماء: أن الحكمة في إدخال الله عز وجل للممسوح بين المغسولات: هي بيان وجوب الترتيب. قال: [أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا أبو الوليد، أخبرنا عكرمة بن عمار، أخبرنا شداد بن عبد الله أبو عمار - وكان قد أدرك نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: قال: قال أبو أمامة، أخبرنا عمرو بن عنبسة: فذكر الحديث بطوله في صفة إسلامه وقال: قلت: (يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء، فذكر الحديث بطوله وقال: ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمر الله إلا خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء)]. وهذا فيه الرد على الرافضة أنه إذا غسل قدميه خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه، وهذا دليل صريح في الغسل.

تغليظ المسح على الرجلين وترك غسلهما في الوضوء

تغليظ المسح على الرجلين وترك غسلهما في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التغليظ في المسح على الرجلين، وترك غسلهما في الوضوء، والدليل على أن الماسح للقدمين التارك لغسلهما مستوجب للعقاب بالنار إلا أن يعفو الله ويصفح، نعوذ بالله من عقابه. قال: أخبرنا الحسن بن محمد، أخبرنا عفان بن مسلم وسعيد بن منصور قالا: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال: (تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر سافرناه، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة - صلاة العصر- ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح أرجلنا فنادى بأعلى صوته مرتين أو ثلاثاً: ويل للأعقاب من النار) هذا لفظ حديث عفان بن مسلم]. قال في تخريجه: [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما]. وهذا صريح في الرد على الرافضة أن النبي نادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب) وفي لفظ: (ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار).

غسل أنامل القدمين في الوضوء

غسل أنامل القدمين في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب غسل أنامل القدمين في الوضوء، وفيه ما دل على أن الفرض غسلهما لا مسحهما. قال: أخبرنا محمد بن الوليد، أخبرنا أبو عامر، أخبرنا إسرائيل عن عامر - وهو ابن شقيق بن حمزة الأسدي - عن شقيق - وهو ابن سلمة أبو وائل - قال: (رأيت عثمان بن عفان يتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل قدميه ثلاثاً ثلاثا، وغسل أنامله وخلل لحيته، وغسل وجهه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كالذي رأيتموني فعلت)]. فقوله: (غسل قدميه، وغسل أنامله)، فيه دليل صريح في غسل الرجلين، وفيه رد على الرافضة. قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، قال الشيخ الألباني رحمه الله: إسناده ضعيف، وأخرجه البيهقي والحاكم في المستدرك].

تخليل أصابع القدمين في الوضوء

تخليل أصابع القدمين في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب تخليل أصابع القدمين في الوضوء. قال أبو بكر: قد ذكرنا خبر عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل أصابع القدمين ثلاثاً. قال: حدثنا الحسن بن محمد وأبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني وإسحاق بن حاتم بن بيان المدائني وجماعة غيرهم قالوا: حدثنا يحيى بن سليم، حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء قال: (أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)]. وهذا صريح في التخليل بين الأصابع. قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، عامر بن شقيق لين الحديث كما في التقريب]. وله متابع وشواهد عند الحاكم، وقال الحافظ في التلخيص: قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية شيء. فإن قيل: ما حكم تخليل اللحى؟ ف A ورد من فعله عليه الصلاة والسلام، أما الأمر به فما ورد، فهو سنة، وإذا كانت كثيفة تستر البشرة فيكفي غسل الظاهر، وإذا كانت لا تستر البشرة وجب غسلها.

صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا

صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثا. قال: خبر عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثا]. قلت: وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وثبت أنه توضأ مرتين مرتين، ومرة مرة، ومخالفاً، فالصفات الواردة في الوضوء أربع صفات: الصفة الأولى: يتوضأ مرة مرة كل عضو مرة، والصفة الثانية: مرتين مرتين كل عضو مرتين مرتين، الصفة الثالثة: ثلاثاً ثلاثاً كل عضو ثلاثاً، الصفة الرابعة: مخالفاً بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثاً، كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إباحة الوضوء مرتين مرتين

إباحة الوضوء مرتين مرتين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء مرتين مرتين. قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن كبير الصوري - بالفسطاط - أخبرنا شريح بن النعمان، حدثنا فليح، وحدثنا أحمد بن الأزهر - وكتبته من أصله - أخبرنا يونس بن محمد، أخبرنا فليح - وهو ابن سليمان - عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين)]. وهذا ثابت في الصحيحين، وهي صفة من صفاته، فمن صفات الوضوء: أن يتوضأ مرتين مرتين كل عضو مرتين.

إباحة الوضوء مرة مرة

إباحة الوضوء مرة مرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء مرة مرة، والدليل على أن غاسل أعضاء الوضوء مرة مرة مؤد لفرض الوضوء، إذ غاسل أعضاء الوضوء مرة مرة واقع عليه اسم غاسل، والله عز وجل أمر بغسل أعضاء الوضوء بلا ذكر توقيت]. قال تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، ولم يقل: مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً، فدل على أنه إذا غسله مرة أجزأ عنه ذلك. قال: [وفي وضوء النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وغسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً بعضه وتراً، دلالة على أن هذا كله مباح، وأن كل من فعل في الوضوء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات مؤد لفرض الوضوء؛ لأن هذا من اختلاف المباح، لا من اختلاف الذي بعضه مباح وبعضه محظور. قال: أخبرنا نصر بن علي، أخبرنا عبد العزيز الدراوردي، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة)]. وهذا ثابت أيضاً في الصحيحين، كل عضو مرة مرة. المسح يكون في الرأس خاصة، وهذه مسألة ينبغي التنبيه عليها، وأخبرني بعض الإخوان أنه يرى بعض الناس يأخذ الماء ويمسح وجهه فقط، ويأخذ ماء ويمسح يديه، فصارت الأعضاء كلها ممسوحة، والله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]، ولم يقل: فامسحوا بوجوهكم، ثم قال: {وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة:6] أي: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ثم قال: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6]، فهذه ثلاثة أعضاء مغسولة، والرابع: ممسوح، لم يقل: امسحوا وجوهكم، بل قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]، ولما أراد المسح للأعضاء قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6] فلابد من غسل، ولا بد أن يسيل الماء على العضو، لكن لا يلزم من هذا الإسراف، فإذا غسل ولو غسلة خفيفة كفى، أما المسح فلا يجزئ إلا في الرأس. والغسل يكون بصبه للماء على العضو، لكن المسح أن يبل اليد ثم يمسحها، أما إذا صب الماء على العضو فهذا الغسل، فلا بد من التنبيه على هذا؛ لأن كثيراً من الناس يمسحون. وإسباغ الوضوء على المكاره، هذا مما يعظم فيه الأجر، فإذا كان الماء حاراً أو بارداً، أو كان الوقت حاراً أو بارداً أسبغ الوضوء.

إباحة غسل بعض أعضاء الوضوء شفعا وبعضه وترا

إباحة غسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً وبعضه وتراً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة غسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً وبعضه وتراً]. يعني: بعضه مرة وبعضه مرتين، وهذه حالة رابعة، فحالات الوضوء أربع حالات: التوضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، أو بعض الوضوء شفع وبعضه وتر، أو بعضه مرتان وبعضه ثلاث. قال: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى، عن أبيه عن عبد الله بن زيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه مرتين، ورجليه مرتين، ومسح برأسه، وأراه قال: واستنثر)]. فهذا الوضوء مخالفة، بعضه شفع وبعضه وتر. قال: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكاً حدثه عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لـ عبد الله بن زيد بن عاصم - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جد عمرو بن يحيى -: (هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم. فدعا بوضوء، فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين، ثم مضمض، واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه). قال مالك: هذا أعم المسح وأحبه إلي].

باب التغليظ في غسل أعضاء الوضوء أكثر من ثلاث، والدليل على أن فاعله مسيء ظالم أو متعد ظالم

باب التغليظ في غسل أعضاء الوضوء أكثر من ثلاث، والدليل على أن فاعله مسيء ظالم أو متعدٍ ظالم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا الأشجعي عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن موضوع فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً وقال: من زاد فقد أساء وظلم أو اعتدى وظلم). وهذا فيه تحذير من الزيادة على ثلاث، وأنه إساءة، وأنه مكروه كراهة شديدة. وهو حديث إسناده حسن وأخرجه أبو داود.

الأمر بإسباغ الوضوء

الأمر بإسباغ الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بإسباغ الوضوء. قال: أخبرنا احمد بن عقبة أخبرنا حماد بن زيد عن موسى بن سالم أبي جهضم حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: كنا جلوساً عند ابن عباس فقال: والله ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا ثلاثة أشياء، أمرنا أن نسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمير على الخيل]. وهذا فيه الرد على الرافضة والشيعة الذين يقولون: إن أهل البيت خصوا بشيء دون الناس، قال ابن عباس: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء إلا أن نسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمير على الخيل، فإسباغ الوضوء: هو إكماله وإبلاغه وإتمامه، وإسباغ الوضوء على المكاره في البرد والحر، ولا نأكل الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس، ولا ننزي الحمير على الخيل؛ للضرر الذي فيه، فإنزاء الحمير على الخيل يجعل المولود بغلاً متولداً من حرام وحلال، فتجد البغل أبوه حمار وأمه من الخيل، ولهذا لا ينسب إلى الخيل العربية الأصيلة. قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه النسائي] قال: [أخبرنا يعقوب الدورقي أخبرنا ابن علية أخبرنا موسى بن سالم عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: قال ابن عباس وزاد، قال موسى: فلقيت عبد الله بن حسن فقلت: إن عبد الله بن عبيد الله حدثني بكذا وكذا، فقال: إن الخيل كانت في بني هاشم قليلة فأحب أن يكثر فيهم]. هذا إذا قيل: إن هذا حق لأهل البيت، لكن الأخذ به عام. قال: [أخبرنا ابن أبي صفوان محمد بن عثمان الثقفي حدثنا أبي أخبرنا سفيان عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله -وهو ابن مسعود - عن أبيه قال: الصفقة بالصفقتين رباً، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء]. الصفقة بالصفقتين ربا هذه تكون مرة واحدة مجملة، وفي الحديث: دراهم بدراهم زائدة.

ما جاء في فضل إسباغ الوضوء على المكاره

ما جاء في فضل إسباغ الوضوء على المكاره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر تكفير الخطايا والزيادة في الحسنات بإسباغ الوضوء على المكاره. قال: أخبرنا أبو موسى حدثني الضحاك بن مخلد أبو عاصم أخبرنا سفيان حدثني عبد الله بن أبي بكر عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد في الحسنات؟ قالوا بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة)، ثم ذكر الحديث، قال أبو بكر: هذا الخبر لم يروه عن سفيان غير أبي عاصم، فإن كان أبو عاصم قد حفظه فهذا إسناد غريب، وهذا خبر طويل قد خرجته في أبواب ذوات عدد، والمشهور في هذا المتن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد لا عن عبد الله بن أبي بكر]. قال في تخريجه: وأخرجه في المستدرك من طريق أبي موسى. قال: [أخبرنا موسى وأحمد بن عبدة قال أبو موسى: أخبرنا، وقال أحمد: أخبرنا أبو عامر حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل]. وهذا فيه بعض الضعف. حديث: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) ثابت، وفيه: فضل هذه الثلاث، كثرة الخطى إلى المساجد، وإسباغ الوضوء على المكاره، أي: في وقت الكره، في شدة الحر وشدة البرد، شدة حرارة الماء وشدة برودته. والذهاب والإياب إلى المساجد سبب في رفع درجات العبد يوم القيامة، وكما في قصة ذلك الذي كان أبعد الناس عن المسجد، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء وفي الظلماء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد جمع الله لك ذلك كله).

الأمر بالتيامن في الوضوء أمر استحباب لا أمر إيجاب

الأمر بالتيامن في الوضوء أمر استحباب لا أمر إيجاب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالتيامن في الوضوء أمر استحباب لا أمر إيجاب قال: أخبرنا أبو خيثمة علي بن عمرو بن خالد الحراني حدثني أبي أخبرنا زهير أخبرنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا بأيامنكم)] وهذه السنة في البيان في لبس الثياب باليمين والخلع باليسار، فمن الهدي أن يقدم اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج. وهذا الأمر كله مستحب، لكن ينبغي على الإنسان أن يهتم به، والترتيب ليس فيه خلاف، لكن تقديم اليمنى على اليسرى من باب الاستحباب.

الدليل على أن الأمر بالبدء بالتيامن في الوضوء أمر استحباب واختيار

الدليل على أن الأمر بالبدء بالتيامن في الوضوء أمر استحباب واختيار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الأمر بالبدء بالتيامن في الوضوء أمر استحباب واختيار لا أمر فرض وإيجاب قال: أخبرنا محمد عبد الأعلى الصنعاني أخبرنا خالد - يعني: ابن الحارث - أخبرنا شعبة قال الأشعث - وهو ابن سليم - قال: سمعت أبي يحدث عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره، ونعله، وترجله)، قال شعبة: ثم سمعت الأشعث بواسط يقول: يحب التيامن ذكر شأنه كله، قال: ثم سمعته بالكوفة يقول: يحب التيامن ما استطاع]. والحديث إسناده صحيح، وأخرجه البخاري وأحمد والنسائي. والحديث استدل به المؤلف على أن البدء بالتيامن أفضل، لكن بكل حال لا ينبغي للإنسان أن يبدأ بغسل يده اليسار قبل اليمنى والرجل كذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في شأنه كله ما عدا الشيء المستقذر لأنه في الحمام من جهة المعنى.

الرخصة في المسح على العمامة

الرخصة في المسح على العمامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في المسح على العمامة. قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد الأشج أخبرنا عبد الله بن نمير أخبرنا الأعمش وحدثنا يوسف بن موسى أخبرنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش، وحدثنا سلم بن جنادة أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)، وفي حديث أبي معاوية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الكفين والخمار]. قلت: سمي بالخمار؛ لأنه يخمر الرأس ويغطيه، وكذلك خمار المرأة، إذا كان مداراً تحت الحلق، فهذا حكمه حكم العمامة في جواز المسح عليه إذا لبسته على طهارة، وفيه: دليل على مشروعية المسح على الخفين، وهذا ثابت بالأحاديث المتواترة، وكذلك المسح على العمامة إذا كانت محنكة، وهي: التي تدار في الحنك. قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه النسائي]. وقال: [أخبرنا القاسم بن محمد بن عباد بن عباد المهلبي أخبرنا عبد الله بن داود قال: سمعت الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جعفر بن عمر بن أمية الضمري عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على خفيه وعلى عمامته)] قال في تخريجه: [أخرجه البخاري] ووقت مسح العمامة: يوم وليلة ثم يخلعها.

كتاب الوضوء [11]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [11] إن دين الإسلام دين يسر وسماحة، ومن ذلك أنه رخص للمسلمين المسح على الخفين بدلاً من نزعها وغسل الرجلين، ورخص للمسافر مدة أكثر من المقيم لما يحصل له من المشقة.

ذكر المسح على الخفين من غير توقيت للمسافر والمقيم

ذكر المسح على الخفين من غير توقيت للمسافر والمقيم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب المسح على الخفين. باب ذكر المسح على الخفين من غير ذكر توقيت للمسافر والمقيم بذكر أخبار مجملة غير مفسرة. قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين. وهذا الحديث متواتر في المسح على الخفين. قال: [أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني وعبد الله بن سعيد الأشج قالا: حدثنا أبو أسامة عن زائدة عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب عن بلال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين) قال عبد الله بن سعيد، قال: حدثني زائدة. قال: [أخبرنا أبو عمرو عمران بن موسى القزاز حدثنا محمد بن سواء بن عنبر السدوسي أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه رأى سعد بن مالك وهو يمسح على الخفين، فقال: إنكم تفعلون ذلك؟! فاجتمعا عند عمر فقال سعد لـ عمر: افت ابن أخي في المسح على الخفين، فقال عمر: كنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم نمسح على خفافنا، لا نرى بذلك بأساً، فقال ابن عمر: ولو جاء من الغائط؟ قال: نعم] كما في حديث صفوان إلا الجنابة لا يمسح على الخفين، أما الغائط والبول فلا بأس أن يمسح عليهما.

مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين في الحضر

مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين في الحضر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين في الحضر قال أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرني عبد الله بن نافع عن داود وحدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا عبد الله بن نافع أخبرنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال الأسواق فذهب لحاجته، قال: ثم خرجا، قال أسامة: فسألت بلال: ما صنع؟ قال بلال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ومسح على الخفين، زاد يونس في حديثه: ثم صلى قال أبو بكر: الأسواق: حائط بالمدينة. وأخبر أبو طاهر، أخبرنا أبو بكر قال: سمعت يونس يقول: ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر أنه مسح على الخفين في الحضر غير هذا].

ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين بعد نزول سورة المائدة

ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين بعد نزول سورة المائدة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين بعد نزول سورة المائدة ضدَّ قول من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح على الخفين قبل نزول المائدة]. وهذا دليل على أن المسح على الخفين بعد المائدة، فلذلك جرير أسلم بعد نزول سورة المائدة ومع ذلك أخبره عن النبي وصحابته، وقيل له: قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة. قال: [أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب أخبرنا أبو أسامة وحدثنا سلم بن جنادة أخبرنا وكيع كلاهما عن الأعمش وحدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش وحدثنا الصنعاني حدثنا خالد بن الحارث أخبرنا شعبة عن سليمان -وهو الأعمش - عن إبراهيم عن همام، قال: رأيت جريراً بال، ثم دعا بماء وتوضأ، ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل عن ذلك؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا، هذا حديث الصنعاني، ولم يقل الآخرون: رأيت جريراً. وفي حديث أبي أسامة قال إبراهيم: وكان أصحابنا يعجبهم حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة]. وهذا فيه رد على من قال: إن آية المائدة نسخت المسح على الخفين، ولهذا كان يعجبهم حديث جرير؛ لأنه فيه أنه رأى النبي يمسح على الخفين بعد نزول المائدة. قال: [وفي حديث وكيع: كان يعجبهم حديث جرير، لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة. قال: أخبرنا أبو عمار الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى عن بكير بن عامر البجلي عن أبي زرعة ابن عمر بن جرير: أن جريراً بال وتوضأ ومسح على خفيه فعابوا عليه فقال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين)، فقيل له: ذلك قبل المائدة، قال: إنما كان إسلامي بعد المائدة. قال: أخبرنا أبو محمد فهد بن سليمان البصري أخبرنا موسى بن داود أخبرنا حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن جرير بن عبد الله قال: أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوماً]. ومع ذلك رأى الرسول يمسح على الخفين، فدل على أن إسلامه بعد نزول المائدة. تمسح المرأة على الخمار إذا كان الخمار على رأسها، وتديره تحت حلقها مثل العمامة المحنكة، فتمسح على طهارة، ويدار تحت حلقها في الشق العلوي كما قال العلماء: وخمر النساء المدارة تحت حلوقهن.

الرخصة في المسح على الموقين

الرخصة في المسح على الموقين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في المسح على الموقين قال: أخبرنا نصر بن مرزوق المصري أخبرنا أسد -يعني ابن موسى - أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي إدريس الخولاني عن بلال (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الموقين والخمار)]. والموق يشبه الجورب أو أنه خشم قصير لا إشكال عليه. قال الشيخ ناصر الألباني: إسناده جيد ورجاله ثقات معروفون. والخف إذا كان يستر محل الفرض فإنه يمسح عليه سواء كان قصيراً أو جورباً من الجلد أو من القماش والخمار: العمامة تخمر الرأس وتغطيه للرجل، والخمار للمرأة: إذا كان مداراً تحت الحلق.

ذكر الخبر المفسر للألفاظ المجملة التي ذكرت في المسح على الخفين

ذكر الخبر المفسر للألفاظ المجملة التي ذكرت في المسح على الخفين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المفسر للألفاظ المجملة التي ذكرتها والدليل على أن الرخصة في المسح على الخفين للابسها على طهارة دون لابسها محدثاً غير متطهر. قال: أخبرنا أبو الأزهر حوثرة بن محمد البصري أخبرنا سفيان بن عيينة عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه، قال: (قلت: يا رسول الله! أتمسح على خفيك؟ قال: نعم، إني أدخلتهما وهما طاهرتان)] وهكذا في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعهما إني أدخلتهما طاهرتين، وكما في غزوة تبوك أنه تبعه المغيرة بعد إسلامه قلما قضى حاجته صب عليه الماء فلما أراد أن ينزع خفيه قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، وهذا دليل على اشتراط الطهارة في لبس الخفين حتى يمسح عليهما، فلا بد أن يلبسهما على طهارة، ولا بد أن تكون ساترتين للمفروض، أي: ساترتين لقدمي الرجل. قال: [أخبرنا القاسم بن بشر بن معروف أخبرنا ابن عيينة عن زكريا وحصين ويونس عن الشعبي عن عروة بن المغيرة سمعه من أبيه قال: (قلت: يا رسول الله أتمسح على الخفين؟ قال: إني أدخلت رجلي وهما طاهرتان) قال: أخبرنا بندار وبشر بن معاذ العقدي ومحمد بن أبان قالوا: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد أخبرنا المهاجر - وهو ابن مخلد أبو مخلد - عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما)]. النبي صلى الله عليه وسلم قال: للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة. يبدأ من الحدث بعد اللبس، وقيل يبدأ من المسح، قولان لأهل العلم، والأقرب من الحدث بعد اللبس، إذا أحدث بعد أن لبسهما ولا يحسب ما قبل ذلك، فلو توضأ العصر ولبس خفيه وصلى بها العصر والمغرب والعشاء ولم يحدث إلا الساعة العاشرة من الليل فإنه يحسب من ذلك الوقت إلى الساعة العاشرة ليلاً من الغد وعلى القول الثاني يبدأ من وقت المسح فإذا لم يمسح إلا في الفجر يبدأ يحسب من الفجر إلى الفجر.

عدم جواز المسح لمن لبس أحد الخفين قبل غسل كلا الرجلين والدليل على ذلك

عدم جواز المسح لمن لبس أحد الخفين قبل غسل كلا الرجلين والدليل على ذلك [باب الدليل على أن لابس أحد الخفين قبل غسل كلا الرجلين إذا لبس الخف الآخر بعد غسل الرجل الأخرى غير جائز له المسح بعد ذلك إذا أحدث، إذ هو لابس أحد الخفين قبل كمال الطهارة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص في المسح على الخفين إذا لبسهما على طهارة، ومن ذكرنا في هذا الباب صفته، هو لابس أحد الخفين على غير طهر، إذ هو غاسل إحدى الرجلين لا كلتيهما عند لبسه أحد الخفين. قال: أخبرنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ما جاء بك؟ قلت: جئت أنبط العلم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من خارج يخرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاءً بما يصنع) قال: قد جئتك أسألك عن المسح على الخفين، قال: نعم، كنا في الجيش الذي بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهور، ثلاثاً إذا سافرنا، وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول، ولا نخلعهما إلا من جنابة، وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرته سبعون سنة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها نحوه). قال أبو بكر: ذكرت للمزني خبر عبد الرزاق فقال: حدث بهذا أصحابنا فإنه ليس للشافعي حجة أقوى من هذا]. الحديث لا بأس به، والحديث فيه فوائد منها فضل طلب العلم وأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاءً بما صنع ومنها تمام الطهارة في لبس الخفين وأنه لابد أن تتم الطهارة، فلو غسل رجلاً وألبسها الخف قبل غسل الأخرى فلا يجوز له المسح، لأنه ما تمت الطهارة، فلابد أن يغسل رجليه أولاً ثم يلبس الخفين، وفيه أيضاً تحديد المدة وأن المسافر يمسح ثلاثة أيام، والمقيم يمسح يوماً وليلة، وفيه قبول توبة التائب قبل أن تطلع الشمس من مغربها.

ذكر توقيت المسح على الخفين للمقيم والمسافر

ذكر توقيت المسح على الخفين للمقيم والمسافر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر توقيت المسح على الخفين للمقيم والمسافر] هذا فيه رد على من قال: إنه ليس هناك توقيت للمسح على الخفين. قال: [أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني ويوسف بن موسى قال: حدثنا أبو معاوية قال أخبرنا الأعمش عن الحسن عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: ائت علياً فاسأله فإنه أعلم بذلك مني، فأتى علياً فسأله عن المسح على الخفين، فقال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذاك، يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثاً)] قالت: سر إلى علي فإنه أعلم بذلك مني؛ لأنه صاحب النبي في أسفاره أما عائشة كانت تصلح البيوت، فالأحكام التي تتعلق بالبيوت يُسأل عليها نساء النبي، والأحكام التي تتعلق بالسفر يُسأل عنها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال في تخريجه: [أخرجه مسلم] هذا صحيح في التوقيت وأن للمسافر ثلاثة أيام والمقيم يوماً وليلة.

الدليل على أن الأمر بالمسح على الخفين أمر إباحة

الدليل على أن الأمر بالمسح على الخفين أمر إباحة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الأمر بالمسح على الخفين أمر إباحة، أن المسح يقوم مقام غسل القدمين، إذا كان القدم بادياً غير مغطى بالخف وأن خالع الخف وإن كان لبسه على طهارة، إذا غسل قدميه كان مؤدياً للفرض غير عاصٍ، إلا أن يكون تاركاً للمسح رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: أخبرنا أبو هاشم زياد بن أيوب أخبرنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية أخبرنا أبي عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي قال: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للحاضر يعني: في المسح على الخفين)] وهذا الحديث يفيد التوقيت فإذا كان خالع الخف قصده الرغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عاصٍ، والأفضل للإنسان أن يفعل الحال التي هو عليها، إن كانت رجله مكشوفة يغسلها ولا يلبس خفيه حتى يمسح، وإن كان رجله فيها خف يمسح عليها ولا يخلع حتى يغسل.

الدليل على أن الرخصة في المسح على الخفين إنما هي من الحدث الذي يوجب الوضوء

الدليل على أن الرخصة في المسح على الخفين إنما هي من الحدث الذي يوجب الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الرخصة في المسح على الخفين إنما هي من الحدث الذي يوجب الوضوء دون الجنابة التي توجب الغسل. قال: أخبرنا محمد بن عبد الله المخرمي ومحمد بن رافع قالا: حدثنا يحيى بن آدم أخبرنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فسألته عن المسح على الخفين فقال: كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام -يعني: في السفر- إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم] وهذا فيه دليل على أن المسح بالخفين إنما هو من الحدث من البول أو الغائط أو النوم، فإنه يغسل رجليه ثم يمسح، أما إذا كان جنابة فلا يجوز له المسح، بل يجب عليه خلع الخفين ويغسل رجليه ويعمم جسمه بالماء. قال في تخريجه: [إسناده حسن وأخرجه النسائي ويحيى].

التغليظ في ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة

التغليظ في ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة قال المؤلف رحمه الله تعالى في صحيحه: [باب التغليظ في ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة. قال: أخبرنا محمد بن الوليد أخبرنا محمد - يعني: ابن جعفر - أخبرنا شعبة عن حصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رغب عن سنتي فليس مني)]. هذا الحديث عام لم يذكر فيه ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة.

الرخصة في المسح على الجوربين والنعلين

الرخصة في المسح على الجوربين والنعلين قال: [باب الرخصة في المسح على الجوربين والنعلين. قال: حدثنا بندار ومحمد بن الوليد قالا: حدثنا أبو عاصم أخبرنا سفيان أخبرنا سلم بن جنادة أخبرنا وكيع عن سفيان وحدثنا أحمد بن منيع ومحمد بن رافع قالا: حدثنا زيد بن حباب أخبرنا سفيان الثوري عن أبي قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل عن مغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)، قال أبو بكر: ليس في خبر أبي عاصم: (والنعلين) إنما قال: مسح على الجوربين، وقال ابن رافع: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال فتوضأ ومسح على الجوربين والنعلين)]. هذا الحديث فيه دليل على مشروعية المسح على الجوربين والجورب أخف من الخف، وقد يكون من جلد وقد يكون من صوف، مثل الشُرَّاب الآن، فيمسح على الشراب وعلى الجوربين وهو جلد خفيف فإذا مسح على الجوربين والنعلين يصلي بالنعلين، وإذا أراد خلع النعلين يمسح على الجوربين فقط. قال في تخريجه: [إسناده صحيح وأخرجه الترمذي].

ذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على النعلين مجملا

ذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على النعلين مجملاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر أخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على النعلين مجملة، غلط في الاحتجاج بها بعض من أجاز المسح على الخفين في الوضوء الواجب من الحدث. قال أخبرنا عبد الجبار بن العلاء أخبرنا سفيان أخبرنا محمد بن عجلان عن سعيد هو - ابن أبي سعيد المقبري -عن عبيد بن جريج قال: قيل لـ ابن عمر: رأيناك تفعل شيئاً لم نر أحداً يفعله غيرك، قال: وما هو؟ قالوا: رأيناك تلبس هذه النعال السبتية]. السبتية التي لا شعر فيها، من جلد. [قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها ويمسح عليها. قال أبو بكر: وحديث ابن عباس وأوس بن أوس من هذا الباب] هذا الحديث ليس فيه النعلان إنما فيه المسح على النعل وإنما تلبس النعال السبتية وتمسح.

الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على النعلين كان وضوء متطوع به، لا في وضوء واجب عليه

الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على النعلين كان وضوء متطوع به، لا في وضوء واجب عليه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على النعلين كان في وضوء متطوع به لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء. قال: أخبرنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البزاز أخبرنا إبراهيم بن أبي الليث أخبرنا عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي عن سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي: (أنه سعى بكوز من ماء ثم توضأ وضوءاً خفيفاً، ثم مسح على نعليه، ثم قال: هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث)] لا بأس أن يرش على رجليه ما دام أنه لم يحدث، أما إذا أحدث فلا بد أن يغسل الرجلين، وفي لفظ آخر: أنه توضأ وقال: هذا وضوء من لم يحدث.

ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الرجلين مجملا

ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الرجلين مجملاً قال المؤلف رحمه الله تعالى في صحيحه: [باب ذكر أخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الرجلين مجملة، غلط في الاحتجاج بها بعض من لم ينعم الروية في الأخبار، وأباح للمحدث المسح على الرجلين. قال: أخبرنا أبو زهير عبد المجيد بن إبراهيم المصري أخبرنا المقري أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود -وهو محمد بن عبد الرحمن مولى آل نوفل يتيم عروة بن الزبير - عن عباد بن تميم عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويمسح الماء على رجليه)، قال أبو بكر: خبر نافع عن ابن عمر من هذا الباب]. الأخبار المجملة تفسر بالأخبار المبينة والنصوص الكثيرة وكذلك النصوص التي رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم غسلاً ومسحاً أكثر من التي نقلوا لفظ الآية فكيف تترك النصوص الواضحة الصريحة وتتعلق بمجمل فسر بالأحاديث الأخرى؟!

الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على القدمين كان وهو طاهر لا محدث

الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على القدمين كان وهو طاهر لا محدث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على القدمين كان وهو طاهر لا محدث. قال: [أخبرنا أبو طاهر، أخبرنا أبو بكر أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير وحدثنا محمد بن رافع حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة كلاهما عن منصور عن عبد الملك بن ميسرة قال: حدثني النزال بن سبرة قال: (صلينا مع علي الظهر ثم خرجنا إلى الرحبة قال: فدعا بإناء فيه شراب فأخذه فمضمض، قال منصور: أُرَاه قال: واستنشق ومسح وجهه وذراعيه ورأسه وقدميه ثم شرب فضله وهو قائم، ثم قال: إن ناساً يكرهون أن يشربوا وهم قيام، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثلما صنعت، وقال: هذا وضوء من لم يحدث) هذا لفظ حديث زائدة]. قال في تخريجه: [أخرجه النسائي والإمام أحمد وقال: وهو في البخاري]. هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وفيه دليل على جواز الشرب قائماً، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أنه جاء إلى ناس وهم يسقون فشرب قائماً، وما جاء من النهي عن الشرب قائماً فهو محمول على التنزيه وذهب بعض العلماء إلى أنه يحرم الشرب قائماً، وشدد ابن القيم في هذا في زاد المعاد وقال: إنه يحرم على الإنسان أن يشرب قائماً للحديث الذي منع الشرب قائماً، والصواب: أنه ليس بحرام، ولكن الشرب قائماً مكروه؛ جمعاً بين الحديثين، وهي قاعدة أن النهي عن شيء ثم فعله يدل على النهي والتنبيه.

الرخصة في استعانة المتوضئ بمن يصب عليه الماء ليطهر

الرخصة في استعانة المتوضئ بمن يصب عليه الماء ليطهر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في استعانة المتوضئ بمن يصب عليه الماء ليطهر، خلاف مذهب من يتوهم من المتصوفة أن هذا من الكبر. قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن شهاب أخبره عن عباد بن زيد عن عروة بن المغيرة بن شعبة أنه سمع أباه يقول: (سكبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توضأ في غزوة تبوك فمسح على الخفين)] قال في تخريجه: [أخرجه مسلم وأبو داود]. هذا الحديث ثابت في الصحيحين، وفيه دليل على أن الصب على المتوضئ جائز ولا بأس به. وهذا الحديث فيه أنه لما أخرج ذراعيه ضاقت عليه كمه، فأخرجها وأخذ ذراعيه ثم صب عليه الماء، فالإعانة على الوضوء لا بأس بها وليست من الكبر. والإعانة لها ثلاثة أنواع: النوع الأول: تقرب الماء إليه وهذا ليس فيه شيء، كأن يأتي بالماء في قدر، الثاني: أن يصب عليه في الأعضاء، وهذا لا بأس به عند الحاجة، الثالثة: أن يباشر غسل الأعضاء وهذا إذا كان مريضاً، كأن يأتي إنسان يغسل له وجهه ثم يديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه فلا بأس به.

الرخصة في وضوء الجماعة من إناء واحد

الرخصة في وضوء الجماعة من إناء واحد قال المؤلف رحمه الله في صحيحه: [باب الرخصة في وضوء الجماعة من الإناء الواحد. قال: أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا أبو حمد الزبيري أخبرنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: (إنكم تعدون الآيات عذاباً، وإنا كنا نعدها بركة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام، قال: وأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء، فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حيَّ على الطهور المبارك والبركة من الله حتى توضأنا كلنا)]. قال في تخريجه: [أخرجه الإمام أحمد، وقال الشيخ شاكر: رواه البخاري من طريق أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل]. هذا الحديث فيه تصريح بالوضوء من إناء واحد، وفيه الآيات، قال: أنتم تعدونها عذاباً، ونحن نعدها بركة وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم عندما نبع الماء من بين أصابعه، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وهذا لا مثيل له، وخوارق العادات تحصل عند الصحابة وغيرهم، وخوارق العادات التي تحصل للساحر كل جنسها مقصور للبشر أو الحيوان أو للطير، فالساحر فرضا يريد أن يطير في الهواء فالطير يطير مثله، وإذا غاص في البحار فالسمكة تغوص مثله، وإذا دخل في النار فهناك بعض الحشرات تدخل النار ولا تضرها، لكن أنى لهم أن يأتوا بمثل آيات الأنبياء، كنبع الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، وحين عرج به إلى السماوات، وطوفان نوح عليه السلام، وناقة صالح، وعصا موسى، هذه تسمى الآيات، وآيات الأنبياء لا يأتي بمثلها البشر. وقوله: (حي على الطهور والبركة من الله) هذا ماء شريف بعدما نبع من أصابعه عليه السلام، ثم إنهم توضئوا واستنجوا منه، وهذا دليل على أنه لا بأس بالاستنجاء بماء زمزم، وقول بعض العلماء: إنه يكره؛ لأن ماءه شريف. ليس بجيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نبع الماء من بين أصابعه ورجل عليه جنابة أمره أن يغتسل ويستنجي. وقد كان الصحابة يأكلون ويسمعون تسبيح الطعام، والمعجزة في ذلك أنهم سمعوا التسبيح، وإلا فإن الله تعالى يقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44] فهم سمعوا تسبيح الطعام، كذلك حنين الجذع لما بكى، والحجر الذي سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، هذا مما سمعوه، وإلا فإنه يسبح لله ما في السماوات ومافي الأرض، لا نفقهه ولا نعلمه ولا يسمعه إلا الله سبحانه.

الرخصة في وضوء الرجال والنساء من إناء واحد

الرخصة في وضوء الرجال والنساء من إناء واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في وضوء الرجال والنساء من الإناء الواحد. قال: أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا حماد بن مسعدة حدثنا عبد الله بن عمر وحدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب وأحمد بن منيع ومؤمل بن هشام قالوا: أخبرنا إسماعيل قال: زياد وأحمد قال أخبرنا أيوب وقال مؤمل عن أيوب وحدثنا عمران بن موسى أخبرنا عبد الوارث عن أيوب وحدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أن مالكاً حدثه، كلهم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد معاني أحاديثهم سواء، وهذا حديث ابن علية]. وهذا رواه البخاري في الصحيح، وهذا المحمول على الرجال والنساء من المحارم، يتوضأ الرجال مع النساء يعني: مع محارمهم، أو أن هذا كان قبل نزول الحجاب، والمراد بالوضوء: غسل الأطراف والوجه واليدين، وليس الاستنجاء. قال في تخريجه: [أخرجه البخاري وأبو داود].

الأسئلة

الأسئلة

حكم الدعاء على الكفار واليهود والنصارى

حكم الدعاء على الكفار واليهود والنصارى Q قال احد الطلبة في محاضرة له: إن الدعاء على الكفار لا يجوز؛ لأن اليهود والنصارى باقين إلى قيام الساعة وهو من الاعتداء في الدعاء؟ A ليس بصحيح، فإن الله تعالى لعنهم في كتابه، (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) واللعن هو: الدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله، ادع عليهم باللعان وأن الله يخذلهم، أما أن يكون المقصود: الدعاء عليهم بأن الله يهلكهم ولا يبقي منهم أحداً فهذا فيه نظر، فكثير من الناس يدعون: اللهم أهلك المنافقين واليهود ولا تبق على الأرض منهم واحداً، وهذا الدعاء فيه نظر؛ لأن الله سبحانه له حكمة بالغة في بقائهم، وفي بقاء المنافقين، لكن ادعُ عليهم بالخذلان، أن الله يخذلهم وينصر المسلمين عليهم، وأن يهلكهم أما في الدعاء بأن لا يبقي منهم أحداً، فالله له حكمة في بقائهم، فإن بقائهم يترتب عليه حكم الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله وإلى غير ذلك، لكن نلعن اليهود والنصارى، وندعوا عليهم بالخذلان وأن الله يخذلهم، ويجعلهم غنيمة للمسلمين، وأن يسلط المسلمين عليهم إلى غير ذلك.

توجيه دعاء نوح عليه السلام على قومه

توجيه دعاء نوح عليه السلام على قومه Q يقول: دعاء نوح على الكفار: لا تبق على الأرض من الكافرين دياراً، قال هذا خاص بنوح والله سبحانه وتعالى عاتب نبيه بقوله ليس لك من الأمر شيء فما هو؟ A هذا خاص بسيدنا نوح لأن الله أخبره بأنه لن يؤمن إلا من آمن، فلما أخبره الله أنه لن يؤمن أحد، {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:26 - 27]؛ لأنه أخبره بأنه لن يؤمن أحد إلا من قد آمن معه من قبل.

الأصل عدم الشك

الأصل عدم الشك Q إذا شك لابس الخف أنه صلى بعد انتهاء مدة المسح هل يعيد صلاته؟ A الأصل عدم الشك.

مشروعية الدعاء بأن يجمع الله كلمة المسلمين

مشروعية الدعاء بأن يجمع الله كلمة المسلمين Q هل الدعاء للمسلمين بأن الله يوحدهم ويجمع كلمتهم يكون مخالفاً لحكمة الله في تفرقهم شيعاً وأحزاباً كما أخبر الله جل وعلا بذلك؟ A هذا مطلوب أن تدعو أن الله يوحد المسلمين ويجمعهم، فالدعاء بجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم أمر مطلوب ينبغي لكل مسلم أن يدعو به.

بيان ما دعاء به رسول الله على اليهود والنصارى

بيان ما دعاء به رسول الله على اليهود والنصارى Q حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود والنصارى أليس يدل على الدعاء عليهم بالعموم ولكن يقول أحد طلاب العلم: لا؟ A دعاء بالعموم ماهو الدعاء عليهم بالهلاك، إنما الدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله، ولم يقل: لا تبق منهم أحداً، ولكن قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ما داموا على كفرهم وعنادهم فهم مطرودون عن رحمة الله لكن هم باقون في الدنيا وليس هنا دعاء بأنهم لا يبقون في الدنيا.

وجوب رد المسروقات لأصحابها

وجوب رد المسروقات لأصحابها Q إذا سرق المسلم قبل إسلامه فهل يجب عليه رد ما ترك؟ A نعم، يرد إذا كان يعرف صاحبها يعطيه ولو بعد إسلامه.

كتاب الوضوء [12]

شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [12] إن القرآن أفضل الذكر، ولذلك كان من الأفضل والأكمل أن لا يقرأه المؤمن إلا على طهارة، وإن كان يجوز أن يقرأه على غير طهارة عدا الجنب.

استحباب الوضوء لذكر الله

استحباب الوضوء لذكر الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب فضول التطهير والاستحباب من غير إيجاز، باب استحباب الوضوء لذكر الله، وإن كان الذكر على غير وضوء مباحاً. قال: أخبرنا أبو موسى محمد بن المثنى أخبرنا عبد الأعلى أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حصين بن المنذر -قال أبو بكر: هو ابن أبي ساسان - عن المهاجر بن قنفذ بن عمر بن جدعان: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال على طهارة)، وكان الحسن يأخذ به]. قال في تخريجه: [إسناده صحيح، أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجة] والحديث الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى تيمم بالجدار ثم رد عليه، وقال: كرهت أن أذكر الله إلا على طهر، لكن التيمم ليس وضوءاً لكن هذا سلم عليه وهو في أثناء الوضوء ولعله أتم الوضوء ثم رد عليه.

الدليل على كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذكر الله على غير طهر دليل على أن الطهارة عند ذكر الله أفضل

الدليل على كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذكر الله على غير طهر دليلٌ على أن الطهارة عند ذكر الله أفضل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذكر الله على غير طهر كانت إذ الذكر على طهارة أفضل لا أنه غير جائز أن يذكر الله على غير طهر إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يذكر الله على كل أحيانه] كما في حديث عائشة فقد كان يذكر الله على كل حال، رواه مسلم في الصحيح. قال: [أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني ومحمد بن مسلم قالا: حدثنا ابن أبي زائدة عن خالد بن سلمة عن البهي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) هذا لفظ حديث أبي كريب]. قال في تخريجه: [أخرجه مسلم وأبي داود] وهذا الحديث دليل على أنه لا بأس بالذكر على غير طهارة، حتى ولو كان عليه جنابة، ومنه الأذان لو أذن وهو على غير وضوء فلا حرج عليه، لكن الأفضل أن يتوضأ، كما يسبح ويهلل من غير وضوء، كذلك قراءة القرآن على غير وضوء جائز.

الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء

الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في قراءة القرآن وهو أفضل الذكر على غير وضوء. قال: أخبرنا بندار أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن سلمة قال: دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنا ورجلان، رجل منا ورجل من بني أسد، أحسب فبعثهما وجهاً وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما، ثم دخل المخرج ثم خرج، فأخذ حفنة من ماء فتمسح بها، ثم جاء فقرأ القرآن قراءةً فأنكرنا ذلك، فقال علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الخلاء فيقضي الحاجة، ثم يخرج فيأكل معنا الخبز واللحم ويقرأ القرآن ولا يحجبه عن القرآن شيء، ليس الجنابة أو إلا الجنابة]. قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، وعبد الله بن سلمة قال البخاري: لا يتابع على حديثه]. هذا الحديث فيه ضعف، ولكن له شواهد، ففي الصحيح عن عائشة أنه كان يذكر الله على كل أحيانه وهذا عام يستشهد به. قال أبو بكر: [سمعت أحمد بن المقدام العجلي يقول: حدثنا سعيد بن الربيع عن شعبة بهذا الحديث، قال شعبة: هذا ثلث رأس مالي. قال أبو بكر: قد كنت بينت في كتاب البيوع أن بين المكروه وبين المحرم فرقاناً، واستدللت على الفرق بينهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم ثلاثاً وحرم عليكم ثلاثاً، كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال وحرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات) ففرق بين المكروه وبين المحرم بقوله في خبر المهاجر بن قنفذ: كرهت أن أذكر الله إلا على طهر، قد يجوز أن يكون إنما كره ذلك إذ الذكر على طهر أفضل، لا أن ذكر الله على غير طهر محرم، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يقرأ القرآن على غير طهر والقرآن أفضل الذكر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه على ما روينا عن عائشة رضي الله عنها، وقد يجوز أن تكون كراهته لذكر الله إلا على طهر ذكر الله الذي هو فرض على المرء دون ما هو متطوع به، فإذا كان ذكر الله فرضاً لم يؤد الفرض على غير طهر حتى يتطهر، ثم يؤدي ذلك الفرض على طهارة؛ لأن رد السلام فرض عند أكثر العلماء، فلم يرد صلى الله عليه وسلم وهو على غير طهر حتى تطهر ثم رد السلام، فأما ما كان المرء متطوعاً به من ذكر الله عز وجل ولو تركه في حالة هو فيها غير طاهر، لم يكن عليه إعادته، فله أن يذكر الله متطوعاً بالذكر وإن كان غير متطهر]. يعني: أنه لا بأس للإنسان أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب ولو لم يتوضأ بدون مس المصحف، فكما أنه يجوز له أن يأكل ويشرب، إلا إذا كان عليه جنابة، فإذا كان عليه جنابة لا يجوز له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل، أما إذا لم يكن جنابة فله أن يقرأ القرآن، كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، يقرأ القرآن عن ظهر قلب، وقال العلماء: الجنابة هي التي تمنع من قراءة القرآن، وما عدا ذلك فلا بأس أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب من غير وضوء، أما الذكر فلا بأس به ولو كان عليه جنابة يذكر الله إلا القرآن. قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، وعبد الله بن سلمة قال البخاري لا يتابع على حديثه، وأخرجه أبو داود والنسائي].

استحباب الوضوء للدعاء ومسألة الله

استحباب الوضوء للدعاء ومسألة الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب الوضوء للدعاء ومسألة الله ليكون المرء طاهراً عند الدعاء والمسألة. قال: أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا شعيب -يعني ابن الليث - عن سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي عن عاصم بن عمرو عن علي بن أبي طالب أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالحرة بالسقيا التي كانت لـ سعد بن أبي وقاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائتوني بوضوء، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة، ثم كبر ثم قال: أبي إبراهيم كان عبدك وخليلك، ودعاك لأهل مكة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وفي صاعهم، مثل ما باركت لأهل مكة، مع البركة بركتين). وقال ابن أبي ذئب في هذه القصة: عن سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد فذكر القصة. قال أبو بكر: أخبرنا بندار ومحمد بن يحيى قالا: أخبرنا عثمان بن عمر قال ابن أبي ذئب وقال محمد بن يحيى قال: أخبرنا ابن أبي ذئب]. قال في تخريجه للأول: [إسناده صحيح، وأخرجه الإمام أحمد وقال عن الثاني: هو الحديث المتقدم] لكن هذا أصله صحيح، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأهل المدينة مثل ما دعا إبراهيم لأهل مكة، لكن يكتفي أنه توضأ، فالوضوء للذكر والدعاء مستحب ولا بأس أن يذكر الله ويدعو الله ولو على غير طهارة. فإذا قصد القراءة فلا وإذا قصد بالدعاء لنفسه والقراءة فلا بأس، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، إن قصد الدعاء فلا بأس وإن قصد قراءة القرآن فلا، أما قراءة المعوذتين وآية الكرسي اقرأها قبل ذلك إذا أحببناه على جنابة، فإن الإنسان يتوضأ ويقرأها قبل، بعد الجنابة يتوضأ ثم يأتي بالذكر غير القرآن.

استحباب الوضوء للجنب إذا أراد النوم

استحباب الوضوء للجنب إذا أراد النوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب الوضوء للجنب إذا أراد النوم. قال: أخبرنا أحمد بن عبدة أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ينام ويتوضأ إن شاء)]. وفي الصحيح: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ، هذا رواه البخاري في الصحيح ولا إشكال عليه في التخريج. قال في تخريجه: [قال إسناده صحيح وبهامشه ما نصه من خط شيخ الإسلام ابن حسن رحمه الله: هو في صحيح مسلم بمعناه، وقال: هذه الرواية في مسند أحمد بن حنبل ولفظها: يتوضأ وينام إن شاء] أما في الصحيح قال عمر: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ ليس فيه التعليق بالمشيئة، بل ينبغي للإنسان أن يتأكد، فهو مكروه أن ينام وهو جنب بدون وضوء، إما أن يغتسل وإما أن يتوضأ ثم ينام. وذكر الإمام مسلم في التمهيد أن قوله: (إن شاء) وهم من الراوي، وعلى ذلك في هذا الحديث بعض الضعف. قال أبو بكر: [أخبرنا به سعيد بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان بهذا الإسناد فقال: (إن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا أراد أن ينام فليتوضأ)] وهكذا رواه البخاري في صحيحه.

الدليل على أن الوضوء الذي أمر به الجنب للنوم كوضوء الصلاة

الدليل على أن الوضوء الذي أمر به الجنب للنوم كوضوء الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الوضوء الذي أُمر به الجنب للنوم كوضوء الصلاة إذ العرب قد تسمي غسل اليدين وضوءاً. قال: أخبرنا عبد الجبار بن العلاء أخبرنا سفيان قال: حفظناه من الزهري أخبرنا أبو سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة)] المراد توضأ وضوءه للصلاة: ليس المراد الوضوء اللغوي غسل الوجه واليدين، وإنما المراد الوضوء الذي هو شرط الصلاة.

استحباب غسل الذكر مع الوضوء إذا أراد الجنب النوم

استحباب غسل الذكر مع الوضوء إذا أراد الجنب النوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب غسل الذكر مع الوضوء إذا أراد الجنب النوم. قال: أخبرنا أبو موسى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: (سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصيبني الجنابة بالليل فما أصنع؟ قال: اغسل ذكرك وتوضأ ثم ارقد)]. قال في تخريجه: [أخرجه البخاري ومسلم] يعني: استنج وتوضأ ثم نم.

استحباب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل

استحباب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل قال المؤلف رحمه الله تعالى في صحيحه: [باب استحباب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل قال: أخبرنا سلم بن جنادة أخبرنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ)]. قال في تخريجه: [أخرجه مسلم] وهذا هو السنة، الجنب يتوضأ للأكل والشرب والنوم، كما في حديث عمر في البخاري أنه قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ فالسنة للجنب إذا أراد أن ينام يتوضأ ولا ينام على جنابة بدون وضوء؛ لأن ذلك مكروه كراهة شديدة ولأن النبي قال: نعم، إذا توضأ، وكذلك للأكل والشرب يستحب ويسن له أن يتوضأ.

استحباب الوضوء عند النوم

استحباب الوضوء عند النوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب الوضوء عند النوم، وإن لم يكن المرء جنباً، ليكون مبيته على طهارة. قال: أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة قال: حدثني البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن) ثم ذكر الحديث. قال أبو بكر: هذه اللفظة إذا أتيت مضجعك من الجنس الذي نقول: إن العرب تقول: إذا فعلت كذا، تريد إذا أردت فعل ذلك الشيء، كقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] ومعناه: إذا أردتم القيام إلى الصلاة]. ومثل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل:98] يعني: إذا أردت القراءة، يعني إذا أردت ذلك فأت بهذا، وحديث البراء بن عازب رواه البخاري في الصحيح وفيه استحباب الوضوء قبل النوم، واستحباب الذكر عندما يضع شقه الأيمن ويقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وروي عن ابن عمر أنه يقول: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من ترك التشهد الأول

حكم من ترك التشهد الأول Q هل يسجد سجود السهو من ترك التشهد الأول ثم رجع له قبل أن ينتصب قائماً؟ A نعم، يسجد للسهو لأن هذه زيادة، كونه قام ثم رجع.

حكم تشبيه صفات الله بصفات المخلوقين

حكم تشبيه صفات الله بصفات المخلوقين Q ما حكم من يركز في كلامه على التشبيه في صفات الله ولا يتكلم عن التعقيد، هل هذه من أعمال الأشاعرة؟ A المشبهة يقولون: إن لله صفات مثل صفات المخلوقين، والمعطلة ينفون الصفات عن الله عز وجل، والمشبهة هم من غلاة الشيعة يقول أحدهم: لله يد كيدي، واستواء كاستوائي، وسمع كسمعي، هؤلاء هم المشبهة، والمعطلة ينفون هذه الصفات عن الله عز وجل.

§1/1