شرح صحيح ابن حبان - الراجحي

عبد العزيز الراجحي

المقدمة

شرح صحيح ابن حبان_المقدمة ليس هناك سبيل أسلم من التمسك بكتاب الله والاعتصام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهما طريق النجاة، ولما كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المنزلة كان من اهتم بها وتعلمها وعلمها من أعظم الناس أجراً عند الله، وفي المقابل من أهملها بأن حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث لا يعلم صحتها أو يعلم أنها مكذوبة عليه فهو داخل في الوعيد الشديد.

ذكر الأخبار الواردة في الابتداء بحمد الله

ذكر الأخبار الواردة في الابتداء بحمد الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الابتداء بحمد الله تعالى. ذكر الإخبار عما يجب على المرء من ابتداء الحمد لله جل وعلا في أوائل كلامه عند بغية مقاصده. أخبرنا الحسين بن عبد الله القطان: قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا عبد الحميد بن أبي العشرين قال: حدثنا الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله، فهو أقطع)]. قال شعيب الأرنؤوط: [قال إسناده ضعيف؛ لضعف قرة -وهو ابن عبد الرحمن ابن حويئل المعافري المصري ضعفه ابن معين وأحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وأخرجه أحمد من طريق عبد الله المبارك والنسائي في عمل اليوم والليلة، وأبو داود في الأدب. ضعف قرة في الحديث ليس شرطاً لضعف الحديث لكن له طرق متعددة، وقد يكون له شواهد، وقد يشهد له ما بعده. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الأمر للمرء أن تكون فواتح أسبابه بحمد الله جل وعلا لئلا تكون أسبابه بترا. أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان أبو علي بالرقة قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا شعيب ابن إسحاق عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع)]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف، وهو مكرر ما قبله. أي: أن إسناده ضعيف لـ قرة كذلك.

ما جاء في الاعتصام بالسنة وما يتعلق بها

ما جاء في الاعتصام بالسنة وما يتعلق بها قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاعتصام بالسنة وما يتعلق بها نقلا وأمرا وزجرا. أخبرنا أبو يعلى حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قومه، فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش، وإني أنا النذير، فأطاعه طائفة من قومه، فانطلقوا على مهلهم فنجو وكذبه طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش وأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق)]. قال شعيب الأرنؤوط: [إسناده صحيح على شرط الشيخين. وفي لفظ (أنا النذير العريان) والنذير العريان هو الرجل البعيد عن قومه، وقد رأى جيش العدو يجتاح قومه فأراد أن يخبرهم بأمر الجيش فجعل يلوح بيده، وخلع ثوبه من شدة المبالغة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا النذير العريان) فشبه نفسه عليه الصلاة والسلام بالنذير الناصح، كالرجل الذي خلع ثوبه وصار عرياناً من شدة نصحه وتحذيره لقومه، فهذا المثل يبين ضرورة الاعتصام بالسنة وبالكتاب وأن من تمسك بها فقد نجا، ومن ترك السنة والكتاب فقد هلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال صلى الله عليه وسلم: (إن مثل ما آتاني الله من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت ذلك، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وأمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعمل ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به). وقد رواه البخاري من حديث أبي موسى بلفظ: (فعلم وعلم). فطائفة كالأرض الطيبة التي تقبل الماء فتنبت الكلأ والعشب، قال العلماء: وهذا مثل العلماء الذين تعلموا وتفقهوا وفجروا ينابيع النصوص وحفظوا الأحاديث فانتفعوا في أنفسهم ونفعوا، وقد شبههم الرسول الكريم بالأرض التي تمسك الماء فيأتي الناس وينتفعون بها. والطائفة الثانية: وصفها الرسول عليه الصلاة والسلام بقيعان لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ فلا تستفيد لنفسها ولا تفيد غيرها، وكذلك مثل من لم يستفد ولم يقبل هدى الله وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. والرسول صلى الله عليه وسلم شبه الإنسان في قبوله الحق بالأرض، وهي ثلاثة أنواع فصلها عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري: (مثل ما بعثني الله به من العلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الماء والعشب الكثير، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان أمسكت الماء فشرب الناس وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً) ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع وكذلك الناس، فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتاً، وينبت الكلأ، فتنتفع بها الناس والدواب وغيرها، وكذا النوع الأول من الناس فيبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه، ويحيا به، ويعلمه غيره، بعد أن يعمل به، فينتفع وينفع. والنوع الثاني من الأرض هو ما لا يقبل أن ينفع نفسه ولكنه ينفع الناس والدواب وغيرهما بأن يحفظ لهما الماء على سطحه، وهذا مثل أهل القلوب الحافظة، لكن ليس لهم أفهام ثاقبة، فيحفظون الأحاديث ليأتي بعد ذلك طالب متعطش لما عندهم من الحفظ فيستخرج فوائده، وينتفع به. والنوع الثالث هي الأرض الجدباء لا تنبت فهي لا تنتفع بالماء ولا تملكه لينتفع به غيرها، وهذا مثل من يسمع العلم فلا ينتفع به، ولا يحفظه لغيره.

وصف الفرقة الناجية

وصف الفرقة الناجية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر وصف الفرقة الناجية من بين الفرق التي تفترق عليها أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم. أخبرنا أحمد بن مكرم بن خالد البرتي حدثنا علي بن المديني حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ثور بن يزيد حدثني خالد بن معدان حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي قالا: أتينا العرباض بن سارية - وهو ممن نزل فيه {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة:92]- فسلمنا وقلنا: أتيناك زائرين ومقتبسين، فقال العرباض: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً مجدعاً فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)]. هذا الحديث يحث على لزوم الكتاب والسنة وفيه السمع والطاعة لولاة الأمور في طاعة الله وفي الأمور المباحة أما المعاصي فلا طاعة لهم فيها، وهذا مقيد في حديث آخر وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة بالمعروف) وإن كان عبداً حبشياً فيجب السمع والطاعة له مادام ولي الأمر قد ثبتت له البيعة بالانتخاب أو بولاية العهد أو بالغلبة والقوة؛ لأن هذا فيه استتباب الأمن، واجتماع الكلمة، أما الخروج على ولاة الأمور فهو مدعاة للفوضى والاضطراب، وإراقة الدماء، وتربص العدو بالبلاد ولهذا كان الخروج عليه من كبائر الذنوب، إلا إذا كفر كفراً صريحاً واضحاً، ووجد البرهان على ذلك، ووجد البديل واستطاع الناس أن يغيروه فهذا جائز. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم: في قوله صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بسنتي) عند ذكر الاختلاف الذي يكون في أمته بيان واضح أن من واظب على السنن، قال بها، ولم يعرج على غيرها من الآراء من الفرق الناجية في القيامة، جعلنا الله منهم بمنه].

ذكر الأحاديث الدالة على وجوب لزوم السنة

ذكر الأحاديث الدالة على وجوب لزوم السنة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحفظ نفسه عن كل من يأباها من أهل البدع وإن حسنوا ذلك في عينه وزينوه. أخبرنا إبراهيم بن علي بن عبد العزيز العمري بالموصل حدثنا معلى بن مهدي حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً فقال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم تلا {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام:153] إلى آخر الآية). قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن ومعلى بن مهدي هو الموصلي، قال فيه أبو حاتم في الجرح والتعديل: شيخ يحدث أحياناً بالحديث المنكر. وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان يجب أن يستقيم على صراط الله وهو الحق، وأن يلزم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو دين الله الإسلام، وما جاء في الإسلام وهو الطريق المستقيم فمن استقام عليه استقام على الصراط الحسي يوم القيامة وعبر الصراط، والخطوط المتعرجة عن اليمين وعن الشمال التي خطها عليه الصلاة والسلام هي سبل الضلال. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر ما يجب على المرء من ترك تتبع السبل دون لزوم الطريق، الذي هو الصراط المستقيم. أخبرنا علي بن حسين بن سليمان المعدل بالفسطاط قال: حدثنا الحارث بن مسكين حدثنا ابن وهب حدثني حماد بن زيد عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوطاً عن يمينه وعن شماله، وقال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو له، ثم قرأ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] الآية كلها)].

إن المحب لمن يحب مطيع

إن المحب لمن يحب مطيع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن من أحب الله جل وعلا، وصفيه صلى الله عليه وسلم، بإيثار أمرهما وابتغاء مرضاتهما على رضى من سواهما يكون في الجنة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم]. إن من آثر محبة الله ومحبة صفيه -أي: النبي عليه الصلاة والسلام- العمل بأوامر الله ورسوله والانتهاء عما نهى الله أو نها عنه رسوله، هذا هو دليل المحبة، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] ومن أحب الله ورسوله امتثل لأوامرهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أنس بن مالك: (أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم -وكانوا هم أجدر أن يسألوه من أصحابه- فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله، قال: فإنك مع من أحببت) قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام أشد من فرحهم بقوله]. وهذا حديث صحيح، وفيه بشارة لكل مؤمن يحب الله ورسوله، والمحب الصادق في محبته هو الذي يجتهد في العمل الذي كان يعمل به محبوبه حتى يلحق به، فإذا حصل تقصير فإن المحبة تجبر هذا النقص، أما من يدعي المحبة ولا يعمل فليس صادقاً في محبته، وإنما الصادق في محبته هو الذي يبذل وسعه ويجتهد بأن يقتدي بمن يحبه ويعمل به، فالصادق في محبة النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقتدي به ويتأسى به في أقواله وأفعاله، فإذا حصل نقص جبرت المحبة هذا النقص لكنه يبذل وسعه في العمل واللحاق بمحبوبه.

حكم ترك الإنسان لما أباح الله له

حكم ترك الإنسان لما أباح الله له قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم بترك الانزعاج عما أبيح من هذه الدنيا بإغضائه. أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال: حدثنا ابن أبي السري قال: حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة عثمان بن مظعون -واسمها خولة بنت حكيم - على عائشة رضي الله عنها وهي بذة الهيئة فسألتها عائشة: ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت عائشة ذلك له، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون فقال: (يا عثمان! إن الرهبانية لم تكتب علينا، أما لك فيّ أسوة حسنة؟! فو الله! إني لأخشاكم لله وأحفظكم لحدوده) صلى الله عليه وسلم] ينبغي للإنسان ألا يترك ما أباح الله له من المباحات، وهذا مثل حديث الرهط الذين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنهم استقلوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الثاني: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثالث: فأما أنا فلا أتزوج النساء، فلما علم النبي عليه الصلاة والسلام بأمرهم قال: (ما بال رجال يقولون كذا وكذا؟! والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) فينبغي للإنسان أن يلزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وألا يترك ما أباح الله له فينفذ نوع من العبادة بتكلف ويقصر في الأنواع الأخرى؛ لأن الإنسان إذا انصرف مثلاً إلى صلاة الليل وبالغ فيها أخل بالواجبات الأخرى كالكسب له ولأولاده والتقصير في حق أهله، والضيوف، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ سلمان لما زار أبا الدرداء وقد آخى بينه وبين أبا الدرداء، فكانت أم الدرداء متبذلة فسألها أخاها سلمان فقالت: إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فزار أبو الدرداء سلمان، فقدم له طعام، قال أبو الدرداء: كل فإني صائم، فقال: لا آكل حتى تأكل فأصر عليه حتى أكل ثم نام من أول الليل، فلما أراد أبو الدرداء أن يقوم قال له سلمان: نم فلما كان ثلث الليل أراد أن يقوم، فقال له سلمان: نم، فلما مضى نصف الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فقال له سلمان: نم، فلما كان آخر الليل قال: قم الآن، فقاما فصليا، ثم قال له سلمان: إن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، فاعط كل ذي حق حقه، فلما ذهب أبو الدرداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان.

الأمر بتحري السنة واجتناب البدعة

الأمر بتحري السنة واجتناب البدعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عما يجب على المرء من تحري استعمال السنن في أفعاله، ومجانبة كل بدعة تباينها وتضادها. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه نذير جيش يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين يفرق بين السبابة والوسطى ويقول: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك دينا أو ضيعة، فإلي وعليَّ)]. وهذا من أصح الأحاديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب ألقى الخطبة بشجاعة وحماس، ولا يلقيها بتماوت مثل بعض الخطباء الذين إذا ألقى الخطبة فإنه يلقيها وكأنه ميت، فالخطبة تحتاج إلى شجاعة وحماس، فكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب أحمر وجهه وعلا صوته، كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم؛ وبهذا يكون كلامه أوقع في نفوس السامعين. وكان يقول في خطبة الجمعة: (أما بعد: -وهو أولى من قول بعضهم وبعد- فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) والشاهد في الحديث أنه ينبغي لزوم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تحريم البدع وأنها كلها ظلالات، وما قاله بعض العلماء من تقسيم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة ليس بجيد، بل الصواب أن البدع كلها سيئة، وكلها ضلالة، ولا يوجد في البدع شيء حسن.

فلاح من كانت شرته إلى السنة

فلاح من كانت شرته إلى السنة الملقي: [ذكر إثبات الفلاح لمن كانت شِرَّته إلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أبو خيثمة حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا شعبة عن حصين بن عبد الرحمن عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شرة وإن لكل شرة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتي، فقد أفلح، ومن كانت شرته إلى غير ذلك فقد هلك). قال في شعيب الأرنؤوط: إسناده الصحيح على شرطهما] ومعنى (شرة) أي: قوة ونشاطاً، وقد يعتري هذا النشاط فترة أي: خمول، وهذا فيه حث على لزوم السنن وأنه ينبغي أن يجعل النشاط والقوة في العمل بالسنة. قال الطحاوي: فوقفنا بذلك على أن هذه الشدة في الأمور التي يريدها المسلمون من أنفسهم في أعمالهم التي يتقربون بها إلى ربهم عز وجل، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب منهم فيها ما دون الشدة التي لابد من القصر عنها والخروج منها إلى غيرها، وأمرهم بالتمسك من الأعمال الصالحة بما قد يجوز دوامهم عليه ولزومهم إياه حتى يلقوا ربهم.

سنن المصطفى كلها متلقاة عن الله

سنن المصطفى كلها متلقاة عن الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المصرح بأن سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم كلها عن الله لا من تلقاء نفسه. أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي بحمص حدثنا كثير بن عبيد المذحجي حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن مروان بن رؤبة عن ابن أبي عوف عن المقداد بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني أوتيت الكتاب وما يعدله، يوشك شعبان على أريكته أن يقول: بيني وبينكم هذا الكتاب فما كان فيه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، ألا وإنه ليس كذلك)]. وهذا فيه بيان بأن السنة وحي من الله عز وجل، وأنه لابد من الأخذ بالسنة، ومن لم يأخذ بالسنة فهو كافر، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) وهي السنة، يوشك شعبان متكئ على أريكته أي: على سريره، وينكر السنة ويقول بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، أي: ولا يعمل بالسنة وبقول الرسول عليه الصلاة والسلام. والحديث إسناده قوي، أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد والطبراني والبيهقي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن مالك بن أنس عن سالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أعرفن الرجل يأتيه الأمر من أمري، إما أمرت به، وإما نهيت عنه، فيقول: ما ندري ما هذا، عندنا كتاب الله ليس هذا فيه)]. وهذا تحذير من رد كلام الرسول عليه الصلاة والسلام بحجة أنه لا يوجد في كتاب الله وهذا خطأ، فالسنة وحي من الله من أنكرها كفر.

الزجر عن الرغبة عن سنة المصطفى بغرض زيادة ما ليس فيها

الزجر عن الرغبة عن سنة المصطفى بغرض زيادة ما ليس فيها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الزجر عن الرغبة عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله جميعاً. أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي حدثنا بهز بن أسد قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)]. رواه الشيخان في الحث على لزوم السنة والعمل بها، وأن السنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم هو أكمل الهدي وأن ما يفعله بعض الناس من زعم أحدهم أنه يعمل عملاً زائداً عن السنة فهذا ضلال، لكن هؤلاء الصحابة دفعهم باب الاجتهاد فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم.

أمر رسول الله أمته بما يحتاجون إليه من أمر دينهم

أمر رسول الله أمته بما يحتاجون إليه من أمر دينهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل ذكر البيان بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يأمر أمته بما يحتاجون إليه من أمر دينهم قولاً وفعلاً معاً. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي حدثنا محمد بن يحيى الذهلي حدثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير حدثني إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، فقال: (يعمد أحدهم إلى جمرة من النار، فيجعلها في يده) فقيل للرجل بعدما ذهب خذ خاتمك، فانتفع به، فقال: لا والله، لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم]. وهذا فيه تحريم الذهب على الرجال فلا يجوز للرجل أن يلبس الذهب، لكن يجوز له أن يتختم بخاتم من الفضة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر كان يلبس خاتماً من ذهب والصحابة كذلك ثم جاء النهي فنزعه النبي صلى الله عليه وسلم، ونزع الصحابة خواتمهم، وحرم بذلك الذهب على الرجال. وقد نهى عليه الصلاة والسلام هذا الرجل عن التختم بالذهب، وهو نهي للأمة كلها؛ لأن الشريعة عامة.

بطلان قول من زعم أن أمر النبي لا يجوز إلا أن يكون مفسرا يعقل من ظاهر خطابه

بطلان قول من زعم أن أمر النبي لا يجوز إلا أن يكون مفسراً يعقل من ظاهر خطابه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالشيء لا يجوز إلا أن يكون مفسراً يعقل من ظاهر خطابه. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان، أقبل فإذا ثوِّب بها أدبر، فإذا قضي التثويب، أقبل يخطر بين المرء ونفسه: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر)]. وهذا فيه حرص الشيطان على افساد عبادة ابن آدم، وفيه أن ذكر الله يضايق الشيطان وأنه لا يطيقه، فإذا نودي بالأذان أدبرُ له ضراط حتى يشوش على نفسه فلا يسمع الأذان، ثم يقبل، فإذا سمع التثويب وهو الإقامة -وقيل بأن التثويب: رجوع إلى الإقامة- هرب ثم يقبل فيوحي للإنسان ويقول له: اذكر كذا اذكر كذا، فلا يزال يذكره حتى لا يدري كم صلى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى، فإذا لم يدر كم صلى، فليسجد سجدتين وهو جالس)]. إذا شك في صلاته فيسجد سجود سهو وطالما أن عنده غالب الظن فإنه يسجد سجدتين قبل السلام، فإن لم يغلب عليه الظن فإنه يتم صلاته ثم يسجد سجدتين ثم يسلم، وجاء هذا في حديث ابن مسعود. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم رضي الله عنه: أمره صلى الله عليه وسلم لمن شك في صلاته، فلم يدر كم صلى، فليسجد سجدتين وهو جالس أمر مجمل تفسيره أفعاله التي ذكرناها، لا يجوز لأحد أن يأخذ الأخبار التي فيها ذكر سجدتي السهو قبل السلام، فيستعمله بكل الأحوال، ويترك سائر الأخبار التي فيها ذكره بعد السلام، وكذلك لا يجوز لأحد أن يأخذ الأخبار التي فيها ذكر سجدتي السهو بعد السلام، فيستعمله في كل الأحوال، ويترك الأخبار الأخر التي فيها ذكره قبل السلام]. أي: لابد من ضم الأدلة بعضها إلى بعض. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ونحن نقول: إن هذه أخبار أربع يجب أن تستعمل، ولا يترك شيء منها، فيفعل في كل حالة مثلما وردت السنة فيها سواء، فإن سلم من الاثنتين أو الثلاث من صلاته ساهياً، أتم صلاته، وسجد سجدتي السهو بعد السلام، على خبر أبي هريرة وعمران بن حصين اللذين ذكرناهما، وإن قام من اثنتين ولم يجلس، أتم صلاته، وسجد سجدتي السهو قبل السلام، على خبر ابن بحينة وإن شك في الثلاث أو الأربع يبني على اليقين على ما وصفنا، وسجد سجدتي السهو قبل السلام، على خبر أبي سعيد الخدري وعبد الرحمن بن عوف وإن شك ولم يدر كم صلى أصلاً، تحرى على الأغلب عنده، وأتم صلاته، وسجد سجدتي السهو بعد السلام، على خبر ابن مسعود الذي ذكرناه حتى يكون مستعملاً للأخبار التي وصفناها كلها، فإن وردت عليه حالة غير هذه الأربع في صلاته، ردها إلى ما يشبهها من الأحوال الأربع التي ذكرناها].

وجوب الجنة لمن أطاع الله ورسوله فيما أمر به ونهى عنه

وجوب الجنة لمن أطاع الله ورسوله فيما أمر به ونهى عنه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر إيجاب الجنة لمن أطاع الله ورسوله فيما أمر ونهى. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل ببست ومحمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف بنيسابور قال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا خلف بن خليفة عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشراد البعير قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) قال أبو حاتم: طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الانقياد لسنته بترك الكيفية والكمية فيها، مع رفض قول كل من قال شيئاً في دين الله جل وعلا بخلاف سنته، دون الاحتيال في دفع السنن بالتأويلات المضمحلة، والمخترعات الداحضة]. أي: أن الإنسان عندما يتلى عليه آيات الله وأحاديث رسوله المحتوية على الأوامر والنواهي فعليه أن يقبل الأوامر والنواهي ولا يتأول تأويلات باطلة.

وجوب اجتناب المنهيات وإتيان الأوامر بقدر الاستطاعة

وجوب اجتناب المنهيات وإتيان الأوامر بقدر الاستطاعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن المناهي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم والأوامر فرض على حسب الطاقة على أمته، لا يسعهم التخلف عنها. أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وسفيان عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)]. وهذا دليل على أن النواهي يجب تركها، وأما الأوامر فيفعل ما يستطيع يقول الله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب). قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال ابن عجلان فحدثت به أبان بن صالح فقال لي: ما أجود هذه الكلمة قوله (فأتوا منه ما استطعتم!)] قال شعيب الأرنؤوط: [إسناده صحيح رجاله رجال الشيخين ما عدا إبراهيم بن بشار الرمادي وهو حافظ ثقة، أبو الزناد هو: عبد الله بن ذكوان والأعرج هو: عبد الرحمن بن هرمز والطريق الثاني سنده حسن وأخرجه مسلم في الفضائل.

النواهي سبيلها الحتم والإيجاب إلا أن تقوم الدلالة على ندبيتها

النواهي سبيلها الحتم والإيجاب إلا أن تقوم الدلالة على ندبيتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن النواهي سبيلها الحتم والإيجاب إلا أن تقوم الدلالة على ندبيتها. حدثنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)]. الأصل في النواهي المنع هذا هو الأصل إلا إذا وجد صارف يصرفها، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشرب قائماً ثم شرب قائماً في زمزم عندما جاء وهم يسقون، فصرف النهي عن التحريم إلى التنزيه فصار الشرب قائماً جائز، والشرب قاعداً أفضل وإلا فالأصل أن النهي للتحريم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حسن بن قتيبة قال: حدثنا ابن أبي السري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)]. أخرجه أحمد ومسلم. وهذا دليل على أن المناهي تترك، أما الأوامر فيفعل الإنسان منها ما يستطيع كما رواه ابن ماجة في التخريجة.

وجوب تنفيذ أوامر الرسول المتعلقة بالدين

وجوب تنفيذ أوامر الرسول المتعلقة بالدين قال المؤلف: [ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا أمرتكم بشيء) أراد به من أمور الدين، لا من أمور الدنيا. أخبرنا أبو يعلى حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وثابت عن أنس بن مالك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتاً فقال: ما هذه الأصوات؟ قالوا: النخل يأبرونه، قال: لو لم يفعلوا لصلح ذلك، فأمسكوا، فلم يأبروا عامته، فصار شيصاً فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا كان شيء من أمر دنياكم فشأنكم وإذا كان شيء من أمر دينكم فإليّ)]. هذا فيه دليل على أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أمر بأمر من أمور الدنيا كتلقيح النخل أو غيرها فلك أن تأخذه ولك ألا تأخذه، أما الأمر الديني فهو واجب التنفيذ. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم وأخرجه أحمد ومسلم. قال المصنف رحمه الله: [ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم (فما أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) أراد به: ما أمرتكم بشيء من أمر الدين، لا من أمر الدنيا. أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا عبد الله بن الرومي حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو النجاشي حدثني رافع بن خديج قال: (قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل -يقول: يلقحون- قال: فقال: ما تصنعون؟ فقالوا: شيئاً كانوا يصنعونه، فقال: لو لم تفعلوا لكان خيراً، فتركوها فنفرت أو نقصت، فذكروا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر، إذا حدثتكم بشيء من أمر دينكم، فخذوا به، وإذا حدثتكم بشيء من أمر دنياكم فإنما أنا بشر) قال عكرمة: هذا أو نحوه. أبو النجاشي مولى رافع، اسمه عطاء بن صهيب. والتأبير هو التلقيح، وهو أن يأخذ شيئاً من طلع ذكر النخل الذكر ويجعله في همتك أنثى النخل.

انتفاء الإيمان عمن لم يخضع لسنن الرسول الكريم

انتفاء الإيمان عمن لم يخضع لسنن الرسول الكريم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر نفي الإيمان عمن لم يخضع لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اعترض عليها بالمقايسات المقلوبة، والمخترعات الداحضة. أخبرنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد حدثنا ليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم حدثه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمر، فأبى عليه الزبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسق يا زبير! ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري وقال: يا رسول! الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)، قال الزبير: فو الله لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] الآية]. وهذا رواه مسلم في الصحيح، وفيه أن الأنصاري اختصم مع الزبير في شراج الحرة، والشراج أي: مسيل الماء من المطر، فيسقون من ماء المطر فالأعلى يكون هو الأول ثم من بعده ثم من بعده وهكذا، فجاء السيل وكان الزبير الأعلى والأنصاري بعده فلما مر ماء المطر على الزبير وهو يسقي قال الأنصاري: سرح الماء، أي: اجعل الماء يمر على حديقتي أو بستاني، فأبى عليه الزبير حتى يرتوي، ثم يرسل الماء فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: (اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك) فغضب الأنصاري وقال: أن كان ابن عمتك، أي: جعلته يسقي ويبلغ الماء الأرض مجاملة له، فتلون وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما أغضبه الأنصاري، واستوفى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم، ففي الحكم الأول أشار عليه بالصلح قال: (اسق ثم سرح الماء إلى جارك) فلما أغضبه الأنصاري أعطاه الحكم الصريح قال: (اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك) والجدر مرتفع بمقدار ما يغطي الرجل، ثم يرسل إلى جاره فيحبس الماء حتى يغطي الرجل، ثم يرسل إلى جاره، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الصلح وقال للزبير: (اسق يا زبير ثم ارسل الماء إلى جارك) والزبير لم يستوف حاجته من الماء، فكيف يرسله فلما أغضبه الأنصاري استوفى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم. قال الزبير: فأنا أحسب أن هذه الآية نزلت في هذا الرجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] هذا الرجل يحسب أنه منافق من المنافقين، ويحسب أنه من شدة الغضب تغير وتكدر ولم يتبين ما في هذه الكلمة، والمؤلف ابن حبان حمله على أنه منفي عنه الإيمان وأنه منافق؛ لهذا ترجم للحديث بقوله: ذكر نفي الإيمان عمن لم يخضع لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اعترض عليها بالمقايسات المقلوبة والمخترعات الداحضة. وقد ابتلي النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الرجل وأمثاله الذين يعترضون عليه، ومنهم من قال: اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل، وأن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق يعترض عليه بهذا فكيف يرجو المسلم أن يسلم من الناس. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة ومسلم.

بدعية من لم ينقد لسنن رسول الله ومن اعترض عليها

بدعية من لم ينقد لسنن رسول الله ومن اعترض عليها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على أن من اعترض على السنن بالتأويلات المضمحلة ولم ينقد لقبولها كان من أهل البدع. أخبرنا أبو يعلى حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: (بعث علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهب في أدم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين زيد الخيل والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة فقال أناس من المهاجرين والأنصار: نحن أحق بهذا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فشق عليه، وقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر من في السماء صباحاً ومساء؟ فقام إليه ناتيء العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الوجه، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله! اتق الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو لست بأحق أهل الأرض بأن أتقي الله، ثم أدبر فقام عليه خالد سيف الله، فقال: يا رسول الله! ألا أضرب عنقه، فقال: لا، إنه لعله يصلي، قال: إنه رب مصلٍ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال: إني لم أومر أن أشق قلوب الناس، ولا أن أشق بطونهم، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو مقفٍ، فقال: إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية -قال عمارة: فحسبت أنه قال-: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود)]. وأخرجه مسلم والبخاري]. أخرجه البخاري لكن كأن فيه جمع بين حديثين: حديث: (لم أومر أن أشق بطون الناس ولا أن أنقب) ثم قال: (ألا تراه يصلي) هذا حديث آخر غير حديث الذهيبة، فهذا حديث وذاك حديث. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين: أبو خيثمة هو زهير بن حرب وجرير هو ابن عبد الحميد وأخرجه مسلم في الزكاة: باب وصف الخوارج وصفاتهم، من طريق عثمان بن أبي شيبة. وفيه أن هذا الرجل مبتدع وهذا على القول بأن الخوارج مبتدعة، وهو الذي رسى عليه الصحابة وشجعوه وهذا الرجل هو أصل الخوارج، ومن العلماء من كفرهم كالإمام أحمد لقول النبي: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).

النهي عن الحدث في الدين

النهي عن الحدث في الدين قال المصنف رحمه الله: [ذكر الزجر عن أن يحدث المرء في أمور المسلمين ما لم يأذن به الله ولا رسوله. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه: أن رجلاً أوصى بوصايا أبرها في ماله، فذهبت إلى القاسم بن محمد أستشيره، فقال القاسم: سمعت عائشة تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)]. وهذا رواه الشيخان في التحذير من البدع والمحدثات في الدين، فالواجب على الإنسان أن يعمل بالسنن وألا يتبع البدع، وفي لفظ لـ مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

عدم قبول أي عمل لم يكن مرجعه الكتاب والسنة

عدم قبول أي عمل لم يكن مرجعه الكتاب والسنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن كل من أحدث في دين الله حكماً ليس مرجعه إلى الكتاب والسنة فهو مردود غير مقبول. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا محمد بن الصباح الدولابي حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)].

استحقاق دخول النار لمن نسب شيئا إلى الرسول دون علمه بصحته

استحقاق دخول النار لمن نسب شيئاً إلى الرسول دون علمه بصحته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)]. وهذا رواه الشيخان، وهو من الأحاديث المتواترة، وفيه الوعيد الشديد على من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه متوعد بالنار، وبالغ بعض العلماء حتى قالوا بكفر من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على صحة ما أومأنا إليه في الباب المتقدم. أخبرنا عمران بن موسى السخستياني حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدث حديثاً وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين)]. (يرى) بمعنى يظن، (ويرى) بمعنى يعلم أيضاً، و (أحد الكذبة أو الكاذبين) أي: الذي كذب والذي رواه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ثان يدل على صحة ما ذهبنا إليه. أخبرنا زهير بن بتستر حدثنا محمد بن الحسين بن إشكاب حدثنا علي بن حفص المدائني حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع)]. أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه وأبو داود والحاكم.

استحقاق دخول النار لمن تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم

استحقاق دخول النار لمن تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر إيجاب دخول النار لمتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا ليث بن سعد عن الزهري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)]. وهذا فيه وعيد شديد يوجب الحذر من القول عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، فإذا شك في نص الحديث فليقل أو بمعناه.

الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من أفرى الفرى

الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من أفرى الفرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الكذب على المصطفى صلى الله عليه وسلم من أفرى الفرى. أخبرنا ابن قتيبة قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني معاوية بن صالح عن ربيع بن يزيد عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أعظم الفرية ثلاثاً أن يفري الرجل على نفسه، يقول: رأيت، ولم ير شيئاً في المنام، أو يتقول الرجل على والديه، فيدعى إلى غير أبيه، أو يقول: سمع مني ولم يسمع مني)]. أخرجه البخاري في المناقب وأحمد والطبراني.

كتاب الوحي

شرح صحيح ابن حبان_كتاب الوحي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركاً لعبادة الأوثان، وكان يذهب إلى الغار يتعبد لله عز وجل، وبينما هو كذلك إذ أتاه جبريل بالنبوة، وأنزل عليه سورة العلق، ثم انقطع عنه ثم أتاه بالرسالة، وأنزل عليه سورة المدثر، فنبئ بإقرأ، وأرسل بالمدثر.

ذكر الأخبار الواردة في الوحي وما يتعلق به

ذكر الأخبار الواردة في الوحي وما يتعلق به قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الوحي. أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا ابن أبي السري حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة قالت: (أول ما بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة يراها في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد الليالي ذوات العدة- ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني، فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال لي: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] حتى بلغ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5] قال فرجع بها ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. ثم قال: يا خديجة! مالي؟ وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيته عليّ، فقالت: كلا أبشر، فوالله! لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقرئ الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل، وكان أخا أبيها، وكان امرءاً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: أي عم! اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني أكون فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمخرجي هم؟! قال: نعم، لم يأت أحد قط بما جئت به إلا عودي وأوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً لكي يتردى من رءوس شواهق، الجبال فكلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منها، تبدى له جبريل وقال له: يا محمد! إنك رسول الله حقاً، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع فإذا طال عليه فترة الوحي، غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فيقول له مثل ذلك)]. وهذا رواه البخاري في صحيحه في كتاب الوحي، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ فليس امتناعاً وإنما معناه لست قارئاً ولم أتعلم القراءة، وأما في آخر القصة أنه تبدى له أنه يريد أن يتردى من الجبل فهذه نقاط منقطعة من قول الزهري وليست مسندة، وهذا ضعيف. وورقة هو أول من آمن من هذه الأمة ولعله ابن عم خديجة. حيث قالت له: يا ابن عم! اسمع من ابن أخيك. القائل: فيما بلغنا هو الزهري ومعنى الكلام: أنه من ضمن ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة، وهو من بلاغات الزهري وليس موصولاً، ومعلوم أن بلاغات الزهري واهية. ضعيف منقطع، وهو من بلاغات الإمام مالك.

ذكر خبر يوهم مضاده خبر عائشة

ذكر خبر يوهم مضاده خبر عائشة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه يضاد خبر عائشة الذي تقدم ذكرنا له. أخبرنا أحمد بن علي بن مثنى حدثنا هدبة بن خالد حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثنا يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة: أي القرآن أنزل أول؟ قال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] قلت: إني نبئت أن أول سورة أنزلت من القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] قال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله: أي القرآن أنزل أول؟ قال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] فقلت له: إني نبئت أن أول سورة أنزلت من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (جاورت في حراء، فلما قضيت جواري، نزلت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فلم أر شيئاً، فنوديت، فنظرت فوقي، فإذا أنا به على عرش بين السماء والأرض، فجئثت منه، فانطلقت إلى خديجة، فقلت: دثروني دثروني، وصبوا علي ماء بارداً، فأنزلت عليّ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:1 - 3])]. وهذا يعارض الخبر السابق وهذا الخبر استدل به بعضهم على أنه يعارض الخبر الأصل، والصحيح أنه لا يعارضه فسورة المدثر نزلت بعد نزول اقرأ. [قال أبو حاتم في خبر جابر هذا: إن أول ما أنزل من القرآن {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] وفي خبر عائشة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1] وليس بين الخبرين تضاد إذ الله عز وجل أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم اقرأ باسم ربك وهو في الغار بحراء، فلما رجع إلى بيته دثرته خديجة وصبت عليه الماء البارد، وأنزل عليه في بيت خديجة: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] من غير أن يكون بين الخبرين تهاتر أو تضاد].

ذكر الزمن الذي جاور فيه رسول الله بحراء

ذكر الزمن الذي جاور فيه رسول الله بحراء قال في الحاشية: [إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه مسلم في الإيمان]. أي: أول، ما نزل هو اقرأ، ثم بعد ذلك لما ذهب إلى خديجة ودثر نزلت المدثر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر القدر الذي جاور المصطفى صلى الله عليه وسلم بحراء عند نزول الوحي عليه. أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل أول؟ قال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] قلت: أو اقرأ؟ فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله عن ذلك، فقال: يا أيها المدثر، فقلت: أو اقرأ؟ فقال: إني أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (جاورت بحراء شهراً، فلما قضيت جواري، نزلت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فلم أر أحداً ثم نوديت، فنظرت إلى السماء فإذا هو على العرش في الهواء فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت إلى خديجة فأمرتهم فدثروني، ثم صبوا علي الماء، وأنزل الله عليّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:1 - 4])].

وصف الملائكة عند نزول الوحي على نبيه

وصف الملائكة عند نزول الوحي على نبيه قال المصنف رحمه الله: [ذكر وصف الملائكة عند نزول الوحي على صفيه صلى الله عليه وسلم. أخبرنا أبو خليفة حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، حتى إذا فُزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ فيقولون: قال الحق وهو السميع العليم. فيستمعها مسترق السمع، فربما أدركه الشهاب قبل أن يرمي بها إلى الذي هو أسفل منه وربما لم يدركه الشهاب حتى يرمي بها إلى الذي هو أسفل منه. قال: وهم هكذا بعضهم أسفل من بعض -ووصف ذلك سفيان بيده- فيرمي بها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى تصل إلى الأرض، فتلقى إلى فم الكافر والساحر، فيكذب معها مائة كذبة، فيُصَّدق، ويقال: أليس قد قال في يوم كذا وكذا، كذا وكذا فصدق)]. وهذا من الأحاديث التي ذكرها الشيخ محمد رحمه الله في كتاب التوحيد، وفيه أن الملائكة لا يصلحون أن يُعبدوا؛ لأنهم يصعقون ويصيبهم الصعق وهو دليل على ضعفهم، وفيه أن الشياطين تسترق السمع وأنه غير متواتر فيه، وفيه أن الشهب تلاحقهم، وفيه أنها قد تصل إلى الساحر فيكذب معها مائة كذبة فيصدقه الناس بهذا الكذب فينزل على الناس الشر والمرض.

وصف أهل السماوات عند نزول الوحي

وصف أهل السماوات عند نزول الوحي قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر وصف أهل السماوات عند نزول الوحي. أخبرنا محمد بن المسيب بن إسحاق حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل! ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق. فينادون: الحق الحق)]. فيه إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وأنه لا يستثنى كلام الله وهو رد على من أنكر. وفيه ذكر وصف أهل السماوات عند نزول الوحي وأنه يصيبهم الصعق والغشي، وهذا يدل على أنهم لا يستحقون العبادة إذ تصيبهم الغاشية والموت والنعاس، فلا يستحقون العبادة لضعفهم.

وصف نزول الوحي على رسول الله

وصف نزول الوحي على رسول الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر وصف نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان أخبرنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحياناً يأتيني في مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ، فينفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشاتي الشديد البرد فينفصم عنه وإن جبينه لينفصد عرقاً)]. وهذا فيه أن الوحي أنواع: النوع الأول: يأتي على هيئة صوت الجرس، وهذا أشده على الرسول فينفصم عنه وقد وعى ما قال، والنوع الثاني: أنه يتمثل ملك له على هيئة رجل فيكلمه في صورة رجل، والنوع الثالث: أنه يلقي في روعه - أي: في قلبه-، ومن الأنواع أن يكلمه الله من وراء حجاب كما كلم موسى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى:51] ومن الأنواع كذلك الرؤيا فإن رؤيا الأنبياء وحي. قال في الحاشية: [إسناده صحيح على شرط الشيخين وأخرجه أحمد والبخاري والترمذي].

استعجال المصطفى عند نزول الوحي

استعجال المصطفى عند نزول الوحي قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر استعجال المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلقف الوحي عند نزوله عليه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:16] قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فقال ابن عباس: أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما فأنزل الله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة:16 - 17] قال: جمعه في صدرك، ثم تقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:18] قال: فاستمع له وأنصت {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:19] ثم إن علينا أن تقرأه. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل، استمع، فإذا انطلق جبريل، قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما كان أقرأه]. قال في الحاشية: [أخرجه البخاري في التوحيد، ومسلم والنسائي]. كان النبي صلى الله عليه وسلم من حرصه يحرك لسانه إذا قرأ جبريل خشية أن ينساه، فوعده الله تعالى بأن يجمعه في صدره، وأمر بأن يستمع لقراءة جبريل إذا قرأه، والله تعالى وعد بأن يجمعه في صدره ولهذا قال الله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة:17] يعني: جمعه في صدرك ((فَإِذَا قَرَأْنَاهُ)) أي: قرأه جبريل {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:18 - 19] وهذا من حفظ الله تعالى وإحسانه أن جمعه للنبي في صدره، فكان عليه الصلاة والسلام عندما ينزل عليه يستمع وينصت ولا يحرك لسانه، فإذا انتهى جبريل قرأه.

ذكر الخبر المدحض لقول من زعم أن الله لم ينزل آية واحدة إلا بكمالها

ذكر الخبر المدحض لقول من زعم أن الله لم ينزل آية واحدة إلا بكمالها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الله جل وعلا لم ينزل آية واحدة إلا بكمالها. أخبرنا النضر بن محمد بن المبارك الهروي حدثنا محمد بن عثمان العجلي حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما نزلت {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادع لي زيداً ويجيء معه باللوح والدواة، أو بالكتف والدواه ثم قال: اكتب: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله، قال: وخلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أم مكتوم الأعمى قال: يا رسول الله! فما تأمرني فإني رجل ضرير البصر؟ قال البراء: فأنزلت مكانها {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95])]. فالآية قد ينزل بعضها حيث نزلت آية: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) فقال عبد الله بن أم مكتوم: يا رسول الله! أنا أعمى وأريد أن أجاهد لكني لا أستطيع، أفلا يكون لي أجر؟! فأنزل الله {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95] دل على أن الآية قد ينزل بعضها ومن ثم ينزل بعضها الآخر، وفي هذا رد على من قال إن الآية لا تنزل إلا بكمالها. وقد جاء في الحديث أن اسم الرجل الأعمى عمرو بن أم مكتوم، وقيل عبد الله. وقد روي عن ابن عباس أن القرآن أنزل مرة واحدة إلى السماء الدنيا، فيحتمل أنه أخذه عن بني إسرائيل، ولو صح أنه أنزل مرة واحدة فلا يمنع من أن ينزل منجماً، فالذي جاء عن ابن عباس أن بيت العزة في السماء الدنيا. والبيت المعمور في السماء السابعة، بيت الكعبة السماوية، وهو حيال الكعبة المشرفة يدخلها كل يوم سبعون ألف ملك للعبادة والطواف ولا يرجعون إلى آخر الدهر. قال: [أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف بنسا قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: أخبرنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إيتوني بالكتف أو اللوح فكتب: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95]، وعمرو بن أم مكتوم خلف ظهره فقال: هل لي من رخصة؟ فنزلت: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95])].

ما جاء في الخبر المدحض لقول من زعم أن أبا إسحاق لم يسمع خبر نزول جزء من آية من البراء

ما جاء في الخبر المدحض لقول من زعم أن أبا إسحاق لم يسمع خبر نزول جزء من آية من البراء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن أبا إسحاق السبيعي لم يسمع هذا الخبر من البراء. أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء يقول: (لما نزلت هذه الآية: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً فجاء بكتف فكتبها فيه، فشكا ابن أم مكتوم ضرارته، فنزلت: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95])]. يعني: أبو إسحاق السبيعي سمعه من البراء؛ لأنه قال: سمعت فصرح بالسماع.

ذكر ما كان يأمر النبي بكتابة القرآن عند نزول الآية بعد الآية

ذكر ما كان يأمر النبي بكتابة القرآن عند نزول الآية بعد الآية قال رحمه الله تعالى: [ذكر ما كان يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتبة القرآن عند نزول الآية بعد الآية: أخبرنا أبو خليفة حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن حدثنا عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي قال: قال ابن عباس: رضي الله عنهما (قلت لـ عثمان بن عفان: ما حملكم على أن قرنتم بين الأنفال وبراءة، وبراءة من المئين والأنفال من المثاني، فقرنتم بينهما؟! فقال عثمان: كان إذا نزلت من القرآن الآية دعا النبي صلى الله عليه وسلم بعض من يكتب، فيقول له: ضع في السورة التي يذكر فيها كذا، وأنزلت الأنفال بالمدينة، وبراءة بالمدينة من آخر القرآن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يخبرنا أين نضعها فوجدت قصتها شبيهة بقصة الأنفال، فقرنت بينهما ولم نكتب بينهما سطر ((بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ)) فوضعتها في السبع الطوال)]. والحق هو ما فعله الصحابة؛ لأن القرآن محفوظ. ومعلوم أن ترتيب الآيات بالنص، أما ترتيب السورة ففيه خلاف بين العلماء فمنهم من قال بالاجتهاد، ومنهم من قال بالنص، والأقرب أنه بالاجتهاد، وعكس القراءة في السور مكروه والأولى أن يقرأ السور بالترتيب.

ذكر البيان بأن الوحي لم ينقطع عن صفي الله إلى أن أخرجه من الدنيا إلى جنته

ذكر البيان بأن الوحي لم ينقطع عن صفي الله إلى أن أخرجه من الدنيا إلى جنته قال رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الوحي لم ينقطع عن صفي الله صلى الله عليه وسلم إلى أن أخرجه الله تعالى من الدنيا إلى جنته: حدثنا أبو يعلى حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري قال: أتاه رجل وأنا أسمع فقال: يا أبا بكر! كم انقطع الوحي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قبل موته؟ فقال: ما سألني عن هذا أحد منذ وعيتها عن أنس بن مالك، قال أنس بن مالك: لقد قبض من الدنيا، وهو أكثر مما كان]. ترتيب السور مختلف فيه وبعض العلماء يرى أنه توقيف، وخروجاً من الخلاف نرتب في القراءة، فلو قرأ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] في الركعة الأولى، ثم قرأ في الثانية سبح، نقول: ترك هذا أولى سواء في الصلاة، أو في القراءة.

كتاب الإسراء

شرح صحيح ابن حبان_كتاب الإسراء إن رسول الله أكرم الخلق على الله، ولقد شرفه ربه وأكرمه بالإسراء والمعراج، فقد صلى بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعرج به إلى سدرة المنتهى، وهناك كلمه ربه عز وجل بدون واسطة.

ذكر ركوب المصطفى البراق وإتيانه عليه بيت المقدس من مكة في بعض الليل

ذكر ركوب المصطفى البراق وإتيانه عليه بيت المقدس من مكة في بعض الليل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الإسراء. ذكر ركوب المصطفى صلى الله عليه وسلم البراق، وإتيانه عليه بيت المقدس من مكة في بعض الليل. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا خلف بن هشام البزار حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: أتيت حذيفة رضي الله عنه فقال: من أنت يا أصلع؟ قلت: أنا زر بن حبيش حدثني بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس حين أسري به، قال: من أخبرك به يا أصلع؟ قلت: القرآن، قال: القرآن؟ فقرأت: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنْ الليل} [الإسراء:1] وهكذا هي قراءة عبد الله إلى قوله: {إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1]، فقال: هل ترى صلى فيه؟ قلت: لا، قال: (إنه أتي بدابة - قال حماد: وصفها عاصم لا أحفظ صفتها - قال: فحمله عليها جبريل أحدهما رديف صاحبه)]. وقد جاء في وصفها في الأحاديث: أنها دابة دون البغل وفوق الحمار، بيضاء خطوتها الواحدة مد البصر لكن هنا يقول: نسيت وصفها. قال: [(أحدهما رديف صاحبه، فانطلق معه من ليلته حتى أتى بيت المقدس، فأرى ما في السماوات وما في الأرض، ثم رجعا عودهما على بدئهما فلم يصل فيه، ولو صلى لكانت سنة)]. قال: إسناده حسن، وأخرجه أحمد والترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. جاء في بعض الروايات أنه ربط الدابة بحلقة الباب، وجاء في بعضها أنه صلى بالأنبياء إماماً، قيل: إنه صلى بهم في بيت المقدس، وقيل إنه صلى بهم في السماء. والصلاة بالأنبياء ثابتة، وفيه بيان فضله عليه الصلاة والسلام، وقد قدمه جبرائيل.

ذكر استصعاب البراق عند إرادة ركوب النبي عليه

ذكر استصعاب البراق عند إرادة ركوب النبي عليه قال رحمه الله تعالى: [ذكر استصعاب البراق عند إرادة ركوب النبي صلى الله عليه وسلم إياه]. استصعب يعني: امتنع. [أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس السامي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجاً ملجماً ليركبه فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا، فو الله ما ركبك أحد أكرم على الله منه؟ قال: فارفض عرقاً)]. فارفض يعني: خرج العرق من البراق. قال: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه أحمد والترمذي والبيهقي في دلائل النبوة. وهل البراق من دواب الملائكة؟ الله أعلم، وهل الملائكة لهم دواب؟ الملائكة يعرجون وقد أعطاهم الله قدرة على ذلك وهذه دابة، لكن دابة فوق الحمار ودون البغل خطوها مد البصر.

ذكر البيان بأن جبريل شد البراق بالصخرة عند إرادة الإسراء

ذكر البيان بأن جبريل شد البراق بالصخرة عند إرادة الإسراء قال رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن جبريل شد البراق بالصخرة عند إرادة الإسراء. أخبرنا أبو يعلى حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل المقرئ حدثنا يحيى بن واضح حدثنا الزبير بن جنادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما كان ليلة أسري بي انتهيت إلى بيت المقدس، فخرق جبريل الصخرة بإصبعه وشد بها البرا)]. قال: أخرجه الترمذي في التفسير، والحاكم بهذا الإسناد، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وهو كما قال، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

ذكر وصف الإسراء برسول الله من بيت المقدس

ذكر وصف الإسراء برسول الله من بيت المقدس قال رحمه الله تعالى: [ذكر وصف الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس: أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني حدثنا هدبة بن خالد القيسي حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهم أن النبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال: (بينما أنا في الحطيم - وربما قال: في الحجر- إذ أتاني آت فشق ما بين هذه إلى هذه -فقلت: للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته- فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءً إيماناً وحكمة؛ فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض -فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم يقع خطوه عند أقصى طرفه- فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحباً به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه فرد، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت عليه فرد، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح)]. الله أكبر! عبر وآيات عظيمة في الإسراء والمعراج، وفوائد وحكم وفيه قدرة الله العظيمة، وأن الله على كل شيء قدير {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، وفيه الرد على استبعاد بعض العقلانيين الذين يقولون: إنه لا يمكن أن تصعد الأجسام البشرية؛ بسبب الثقل. قال: [(فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي، ثم صعد بي حتى أتى السماء السابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا إبراهيم، قال: هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور -قال قتادة: وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور، ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون فيه)]. والحسن لم يسمع من أبي هريرة فهو منقطع، لكن جاء في اللفظ الآخر: (أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك) والبيت المعمور في السماء السابعة، وظاهره هنا أنه فوق سدرة المنتهى، وفي الأحاديث الصحيحة: أنه في السماء السابعة، وأن إبراهيم عليه السلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، هو الكعبة السماوية، محاذٍ للكعبة الأرضية، ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك للصلاة والطواف ثم لا يعودون إليه لكثرة الملائكة، وهو في السماء السابعة وليس فوق سدرة المنتهى، أما هذه الرواية التي فيها أنه فوق سدرة المنتهى، فهي رواية الحسن عن أبي هريرة وهي منقطعة. قال: [ثم رجع إلى حديث أنس: (ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هذه الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة في كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم)]. وفي رواية أخرى أنه في كل مرة يضع عنه خمساً، وفي هذه الرواية أنه كان يضع كل مرة عشراً. قال: [(فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت قال: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: قلت: سألت ربي حتى استحييت لكني أرضى وأسلم، فلما جاوزت ناداني مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي)]. وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وفي غيرهما والإسراء ثابت في القرآن الكريم، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:1]، ومن أنكر الإسراء كفر، والمعراج ثابت في السنة في الأحاديث الصحيحة الثابتة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في كل سماء ملائكة وسلم عليهم، رأى في السماء الأولى أباه آدم، وفي الثانية يحيى وعيسى ابني الخالة، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم، وكل واحد كان يقول: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، إلا آدم قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح؛ لأنه أبو البشر، وكذلك إبراهيم قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح؛ لأنه أباه بالنبوة عليه الصلاة والسلام، والباقي إخوة. وفيه أيضاً دليل على أن السماوات لها حراس، وأن جبريل يستفتح في كل مرة. ويدل أيضاً على أن السماوات ليست شفافة؛ لأنها لو كانت شفافة لرآهم، لكن قال: (من هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟) لأنه لم يره، يقول: من هذا؟ يدل على أنها ليست شفافة، وأنه لا يرى من روائها، والظاهر كما قال شيخ الإسلام: أن الأرواح تأخذ شكل الأجساد. وفي الرواية الأخرى: أنه مر بموسى وهو قائم يصلي في قبره في الإسراء، ورآه لما عرج به في السماء السادسة، فهذا يدل على أن الأرواح لها شأن، والأرواح سريعة الذهاب؛ لأن من طبيعتها الخفة، فرآه يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة، وكل الأنبياء ماتوا ما عدا عيسى. وإبراهيم يلي نبينا في الفضل، ثم موسى وأما عيسى فالله أعلم وهو من أولي العزم، ويوسف كذلك هو من أولي العزم الخمسة.

ذكر خبر أوهم عالما من الناس أنه مضاد لخبر ابن صعصعة في قصة المعراج

ذكر خبر أوهم عالماً من الناس أنه مضاد لخبر ابن صعصعة في قصة المعراج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر أوهم عالماً من الناس أنه مضاد لخبر مالك بن صعصعة الذي ذكرناه أخبرنا أبو خليفة حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام يصلي في قبره)]. الروح لها شأن غير الأجسام، وهو عليه الصلاة والسلام معلوم أنه مات ودفن، ورآه النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره ليلة الإسراء، والتقى به في السماء السادسة لكن الأرواح لها شأن فليست كالأجساد، فلها صفات ولها حركة وصعود في طبقات الجو ليست كالأجساد، وهي تأخذ شكل الجسد. ومعلوم أن العبادة انقطعت عن الجسد عند موته، لكنه شيء خاص الله أعلم به.

ذكر الموضع الذي رأى فيه المصطفى موسى يصلي في قبره

ذكر الموضع الذي رأى فيه المصطفى موسى يصلي في قبره قال: [ذكر الموضع الذي فيه رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم موسى صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره: أخبرنا أبو يعلى حدثنا هدبة وشيبان قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر)]. هذا فيه تحديد المكان. قال: أبو حاتم رحمه الله: [الله جل وعلا قادر على ما يشاء، ربما يعد الشيء لوقت معلوم، ثم يقضي كون بعض ذلك الشيء قبل مجيء ذلك الوقت، كوعده إحياء الموتى يوم القيامة وجعله محدوداً، ثم قضى كون مثله في بعض الأحوال، مثل من ذكره الله وجعله الله جل وعلا في كتابه حيث يقول: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة:259]، إلى آخر الآية، وكإحياء الله جل وعلا لعيسى ابن مريم صلوات الله عليه بعض الأموات]. إذاً: هذا خاص ومستثنى، فهو على أنه قام يصلي بجسمه وروحه، لكن الأقرب والله أعلم: أنها روح أخذت شكل الجسد، كما أنه رآه في المعراج، وأن هذا ليس فيه بعثاً للجسد، يعني: فهم ابن حبان أن هذا بعث للجسد والروح؛ وأن الله وعد البعث يوم القيامة، وهذا وعد خاص، مثلما بعث الرجل الذي مر على قرية، ومثلما بعث الأموات لعيسى، لكن ظاهر الحديث: أن هذا شيء خاص، وأنه رآه قائماً يصلي في قبره، وأن هذا للروح، وليس بعثاً للجسد. قال: [فلما صح وجود كون هذه الحالة في البشر إذا أراد الله جل وعلا قبل يوم القيامة لم ينكر أن الله جل وعلا أحيا موسى في قبره حتى مر عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، وذاك أن قبر موسى بمدين بين المدينة وبين بيت المقدس]. لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به من مكة، لكن كأنه مر على المدينة. قال: [فرآه صلى الله عليه وسلم يدعو في قبره - إذ الصلاة دعاء - فلما دخل صلى الله عليه وسلم بيت المقدس وأسري به، أسري بموسى حتى رآه في السماء السادسة]. رآه يدعو هذا تأويل، وحمل للصلاة على المعنى اللغوي، والصلاة إذا أطلقها الشارع فالمراد بها الصلاة الشرعية، وأما الصلاة فمعناها في اللغة الدعاء، فهو تأويل بغير دليل، وظاهر الحديث أنه رآه يصلي الصلاة المعروفة، لكن الروح أخذت شكل الجسد، أما تأويل ابن حبان بأنه يدعو فهذا خلاف الظاهر. قال: [وجرى بينه وبينه من الكلام ما تقدم ذكرنا له، وكذلك رؤيته سائر الأنبياء الذين في خبر مالك بن صعصعة]. كأنه يرى أنهم بعثوا بأجسامهم، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنهم بأرواحهم وأن الروح أخذت شكل الجسد إلا عيسى فإنه بروحه وجسده؛ لأنه لم يمت. قال: [فأما قوله صلى الله عليه وسلم في خبر مالك بن صعصعة (بينما أنا في الحطيم إذ أتاني آت فشق ما بين هذه إلى هذه)، فكان ذلك له فضيلة فضل بها على غيره، وأنه من معجزات النبوة، إذ البشر إذا شق عن موضع القلب منهم ثم استخرج القلب فإنهم يموتون]. وهذا صحيح، وهو من علامات ومن دلائل نبوته، وهو دليل على أن الله على كل شيء قدير، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، وهو الذي خلق الإنسان وأوجده، فهو قادر على أن يحييه، وأن يكون شق صدره وإخراج قلبه لا يؤثر عليه. قال: [وقوله: (ثم حشي) يريد: أن الله جل وعلا حشا قلبه اليقين والمعرفة الذي كان استقراره في طست الذهب فنقل إلى قلبه، ثم أتي بدابة يقال لها: البراق فحمل عليه من الحطيم أو الحجر وهما جميعاً في المسجد الحرام، فانطلق به جبريل حتى أتى به على قبر موسى على حسب ما وصفناه]. الحجر والحطيم يسمى حجر؛ لأنه متحجر، ويسمى: حطيم؛ لأنه حطم من الكعبة وأخرج منها. قال: [فانطلق ثم دخل مسجد بيت المقدس فخرق جبريل الصخرة بأصبعه، وشد بها البراق، ثم صعد به إلى السماء]. أما ما يقال من أن إسماعيل هو من حطم الحطيم فلا نعرف لهذا أصلاً؛ لأن إبراهيم وإسماعيل لما بنيا الكعبة لم يكن فيها حجر، وكان بناء الكعبة كاملاً، لكن قريشاً لما أرادت بناء الكعبة كاملاً، من جديد، وجمعوا أموالاً لبنائها، وقالوا: لا نريد أن نجمع إلا مالاً حلالاً، لم يجدوا مالاً حلالاً يكفي، فالمال الحرام كان موجوداً، لكنهم عجزوا أن يجدوا مالاً حلالاً يكفيهم لبناء الكعبة كاملة، فأخذوا الحطيم، وحطموا من الكعبة الحجر؛ لأن ما عندهم من مال لا يفي بالبناء؛ لذا أخرجوا الحجر وحطموه من الكعبة، فكيف ينسب إلى إسماعيل؟ وهم إنما بنوها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حينها خمسة وثلاثون عاماً، وأما حين بنى البيت إبراهيم وإسماعيل فلم يكن هناك حجر في ذلك الوقت. ومن صلى في الحجر فكأنما صلى في الكعبة، والمعروف عند العلماء أن الفريضة لا تصح داخل الكعبة؛ لأنه لم يستقبل جميع جهاتها، وكذلك فوق الكعبة لا تصح الفريضة، وإنما تصح النافلة عندهم، ولو قيل بالجواز لكان له وجه، لكن الجمهور يقولون: لا تصح لأنه لم يستقبل الكعبة، وإنما يستقبل هواء الكعبة؛ لأن هناك ستة أذرع ونصف تقريباً كلها من الحجر، والحجر تابع للكعبة. وإذا صلى النافلة يكون مستقبلاً هواء الكعبة، وإن لم يكن جدار؛ لأن الجدار زائد عن حد الكعبة على قواعد إبراهيم؛ ولهذا لما هدمت قريش الكعبة وأرادوا بناءها، ووصلوا إلى حجارة خضر فيها القواعد، ويقال: أنهم لما حركوا بعض القواعد زلزلت مكة فتركوا الأساس، وكان الحجر داخل الكعبة على ما هي عليه، والكعبة لها أركان أربعة؛ ولهذا لما هدمها ابن الزبير وأدخل الحجر صار ابن الزبير يستلم الأركان الأربعة كلها؛ لأنها صارت على قواعد إبراهيم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يستلم إلا الركنان اليمانيان لأنهما على قواعد إبراهيم، أما ركن الشام والعراق فليسا على قواعد إبراهيم؛ فلهذا لم يستلمهما.

ذكر شد البراق بالصخرة في خبر بريدة ورؤيته موسى يصلي في قبره

ذكر شد البراق بالصخرة في خبر بريدة ورؤيته موسى يصلي في قبره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر شد البراق بالصخرة في خبر بريدة ورؤيته موسى صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره ليسا جميعاً في خبر مالك بن صعصعة: (فلما صعد به إلى السماء الدنيا استفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه) ليسرى به إلى السماء لا أنهم لم يعلموا برسالته إلى ذلك الوقت؛ لأن الإسراء كان بعد نزول الوحي بسبع سنين، فلما فتح له فرأى آدم على حسب ما وصفناه قبل، وكذلك رؤيته في السماء الثانية يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، وفي السماء الثالثة يوسف بن يعقوب، وفي السماء الرابعة إدريس، ثم في السماء الخامسة هارون، ثم في السماء السادسة موسى]. قوله: بعد نزول الوحي بسبع سنين، هذا زمن وقوع الإسراء على أحد الأقوال، وقيل: قبل الهجرة بسنة، فليس متفقاً عليه، وقد يكون له وجه، وقد تأول المؤلف (قد أرسل إليه) أي: ليسرى به، وليس المراد أنهم لم يعلموا رسالته. يقول المؤلف: أن المراد وقد أرسل إليه لأجل أن يسرى به. قال: [ثم في السماء السابعة إبراهيم؛ إذ جائز أن الله جل وعلا أحياهم؛ لأن يراهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة؛ فيكون ذلك آية معجزة يستدل بها على نبوته على حسب ما أصلناه قبل]. هذا ما ذهب إليه المؤلف أن الله أحياهم، يعني: بأرواحهم وأجسادهم، لكن شيخ الإسلام رحمه الله قرر في مجموعة الفتاوي: أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم بأرواحهم، وأن الروح أخذت شكل الجسد. قال: [ثم رفع إلى سدرة المنتهى فرآه على الحالة التي وصف، ثم فرض عليه خمسون صلاة، وهذا أمر ابتلاء أراد الله جل وعلا ابتلاء صفيه محمد صلى الله عليه وسلم حيث فرض عليه خمسين صلاة، إذ كان في علم الله السابق أنه لا يفرض على أمته إلا خمس صلوات فقط، فأمره بخمسين صلاة أمر ابتلاء، وهذا كما نقول: إن الله جل وعلا قد يأمر بالأمر يريد أن يأتي المأمور به إلى أمره من غير أن يريد وجود كونه، كما أمر الله جل وعلا خليله إبراهيم بذبج ابنه، أمره بهذا الأمر أراد به الانتهاء إلى أمره دون وجود كونه]. وفيه جواز النسخ قبل التمكن من الفعل، فالله تعالى أمر بخمسين صلاة ثم نسخها قبل أن يتمكن العباد منها. قال: [{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103]، فداه بالذبح العظيم، إذ لو أراد الله جل وعلا كون ما أمر لوجد ابنه مذبوحاً، فكذلك فرض الصلاة خمسين أراد بها الانتهاء إلى أمره دون وجود كونه، فلما رجع إلى موسى وأخبره أنه أمر بخمسين صلاة كل يوم، ألهم الله موسى أن يسأل محمداً صلى الله عليهما بسؤال ربه التخفيف لأمته، فجعل جل وعلا قول موسى عليه السلام له سبباً لبيان الوجود لصحة ما قلنا]. وهو فضل من الله وإلى الله، هو الذي ألهم موسى، وهو الذي أيضاً حرك قلب نبيه صلى الله عليه وسلم لقبول قوله. قال: [إن الفرض من الله على عباده أراد إتيانه خمساً لا خمسين، فرجع إلى الله جل وعلا فسأله فوضع عنه عشراً، وهذا أيضاً أمر ابتلاء أريد به الانتهاء إليه دون وجود كونه، ثم جعل موسى عليه السلام إياه سبباً لنفاذ قضاء الله جل وعلا في سابق علمه، أن الصلاة تفرض على هذه الأمة خمساً لا خمسين حتى رجع في التخفيف إلى خمس صلوات، ثم ألهم الله جل وعلا صفيه صلى الله عليه وسلم حينئذ حتى قال لموسى: (قد سألت ربي حتى استحييت لكني أرضى وأسلم، فلما جاوز ناداه مناد: أمضيت فريضتي -أراد بها الخمس صلوات- وخففت عن عبادي) يريد: عن عبادي من أمر الابتلاء الذي أمرتهم به من خمسين صلاة التي ذكرناها. وجملة هذه الأشياء في الإسراء رآها صلى الله عليه وسلم بجسمه عياناً دون أن يكون ذلك رؤيا أو تصويراً صور له]. يعني: أنه شاهده بعينه، وليست رؤيا في النوم، ولا تمثيل أو تصوير، بل رآها بعينه حقيقة، وقد أسري بروحه وجسده، قال الله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1]، والعبد يشمل الروح والجسد، خلافاً لمن قال: إن الإسراء كان بروحه فقط، وهو ما روي عن أبي إسحاق وعائشة، وفيه رد على من قال إن الإسراء كان مناماً أو مراراً، والصواب أنه مرة واحدة بروحه وجسده، يقظة لا مناماً. قال: [إذ لو كان ليلة الإسراء وما رأى فيها نوماً دون اليقظة لاستحال ذلك؛ لأن البشر قد يرون في المنام السماوات والملائكة والأنبياء والجنة والنار وما أشبه هذه الأشياء]. ولا يستغرب، ولو كان الإسراء مناماً لما كذبته قريش؛ لأنهم لا يكذبون بالرؤيا. قال: [فلو كان رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ما وصف في ليلة الإسراء في النوم دون اليقظة لكانت هذه حالة يستوي فيها معه البشر، إذ هم يرون في مناماتهم مثلها، واستحال فضله، ولم تكن تلك حالة معجزة يفضل بها على غيره]. ضد قول من أبطل هذه الأخبار، وأنكر قدرة الله جل وعلا، وإمضاء حكمه لما يحب كما يحب جل ربنا وتعالى عن مثل هذا وأشباهه]. قصده من هذا الرد على من قال: إن الإسراء كان مناماً.

ذكر وصف المصطفى موسى وعيسى وإبراهيم حيث رآهم ليلة أسري به

ذكر وصف المصطفى موسى وعيسى وإبراهيم حيث رآهم ليلة أسري به قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم موسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم حيث رآهم ليلة أسري به أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليلة أسري بي لقيت موسى رجل الرأس، كأنه من رجال شنوءة، ولقيت عيسى فإذا رجل أحمر كأنه خرج من ديماس - يعني من حمام - ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به، فأتيت بإناءين: أحدهما خمر والآخر لبن، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فقيل لي: هديت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك)]. وهذه الهيئة التي رآهم النبي صلى الله عليه وسلم عليها هي هيئة أرواحهم قد أخذت شكل الأجساد فقد رأى موسى على هيئة رجل طوال كأنه من رجال شنوءة، يعني: من بلاد غامد، ورأى إبراهيم وقال: فأنا أشبهكم به عليه الصلاة والسلام، وأما عيسى فإنه رآه لأنه رفع بروحه وجسده عليه الصلاة والسلام، ولم يتوفاه الله بعد وسينزل في آخر الزمان ويحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم يتوفاه الله، الموتة التي كتبها الله عليه، وأما موسى وإبراهيم فإنه رأى أرواحهما؛ لأنهما ماتا ودفنا عليهما الصلاة والسلام، والروح تأخذ شكل الجسد. كما صرح بذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله وغيره.

ذكر البيان بأن قوله: (فقيل: هديت الفطرة) أراد به أن جبريل قال له ذلك

ذكر البيان بأن قوله: (فقيل: هديت الفطرة) أراد به أن جبريل قال له ذلك قال رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: (فقيل هديت الفطرة) أراد به: أن جبريل قال له ذلك: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي بحمص حدثنا كثير بن عبيد المذحجي حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن فقال له جبريل عليه السلام: هديت الفطرة، ولو أخذت الخمر غوت أمتك)]. قال: إسناده صحيح. أخرجه البخاري في باب الأشربة، باب قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة:90] والبيهقي في السنن عن أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة، والنسائي في الأشربة باب منزلة الخمر، والبيهقي في دلائل النبوة]. وفيه أن اللبن دليل على الفطرة، والفطرة الإسلام، وفيه دليل على أن الإسلام دين الفطرة، ومن ولد على الفطرة وترك ونفسه من غير مؤثرات خارجية إلى الخير ولا إلى الشر فإنه يميل إلى الخير؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ اللبن، فقيل له: (هديت إلى الفطرة).

ذكر وصف الخطباء الذين يتكلون على القول دون العمل حيث رآهم ليلة أسري به

ذكر وصف الخطباء الذين يتكلون على القول دون العمل حيث رآهم ليلة أسري به قال رحمه الله تعالى: [ذكر وصف الخطباء الذين يتكلون على القول دون العمل حيث رآهم صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المنهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا هشام الدستوائي حدثنا المغيرة ختن مالك بن دينار عن مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون). قال الشيخ: روى هذا الخبر أبو عتاب الدلال عن هشام عن المغيرة عن مالك بن دينار عن ثمامة عن أنس ووهم فيه؛ لأن يزيد بن زريع أتقن من مائتين من مثل أبي عتاب وذويه]. وهذا فيه الوعيد الشديد على من كان يقول الخير ويأمر به ولا يفعله، وقوله: (تقرض شفاههم بمقاريض من نار) هذا وعيد شديد يدل على أن هذا من الكبائر، والله تعالى نهى من يقول ولا يفعل قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]، أنكر على اليهود كونهم يأمرون الناس بالخير وينسون أنفسهم، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3]. وقال سبحانه عن نبيه شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88]، وجاء في الحديث: (أنه يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع عليه أهل النار، فيقولون له: ما لك يا فلان؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! فيقول: بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وكنت أنهاكم عن المنكر وآتيه)، وهذا يدل على الوعيد الشديد، وأن من يأمر بالخير وينسى نفسه ويخالف قوله فعله فإن عليه هذا الوعيد الشديد، وقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب.

ذكر وصف المصطفى قصر عمر في الجنة

ذكر وصف المصطفى قصر عمر في الجنة قال رحمه الله تعالى: [ذكر وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم قصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجنة حيث رآه ليلة أسري به: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أبو نصر التمار حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لفتى من قريش؛ فظننت أنه لي، قلت: من هو؟ قيل: عمر بن الخطاب يا أبا حفص! لولا ما أعلم من غيرتك لدخلته، فقال: يا رسول الله! من كنت أغار عليه، فإني لم أكن أغار عليك)]. وفي لفظ: أن عمر رضي الله عنه بكى، والحديث أخرجه البخاري، وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأبو نصر التمار هو عبد الملك بن عبد العزيز وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد في المسند، وأخرجه ابن أبي شيبة. وأخرجه البخاري في فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب. والحديث فيه فضل عمر رضي الله عنه، وهو منقبة له، وفي لفظ: أنه بكى عمر رضي الله عنه، وقال: أعليك أغار؟ بأبي أنت وأمي أعليك أغار؟! وفيه إثبات الجنة وأنها موجودة، وفيه الرد على المعتزلة القائلين بأن الجنة والنار معدومتان الآن، وإنما تخلقان يوم القيامة؛ لأن وجودهما الآن ولا جزاء عبث، والعبث محال على الله، وهذا من ضلالهم وجهلهم، والله تعالى قال عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وقال عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24]، والمؤمن يفتح له باب إلى الجنة وهو في قبره يأتيه من روحها وطيبها، والكافر يفتح له باب إلى النار يأتيه من حرها وسمومها، وأرواح المؤمنين تنعم في الجنة.

ذكر البيان بأن الله أرى بيت المقدس لنبيه لينظر إليه ويصفه لقريش

ذكر البيان بأن الله أرى بيت المقدس لنبيه لينظر إليه ويصفه لقريش قال رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الله جل وعلا أرى بيت المقدس صفيه صلى الله عليه وسلم لينظر إليه ويصفه لقريش لما كذبته بالإسراء: أخبرنا ابن قتيبة حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أنبأنا يونس عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر)]. وهذا أيضاً رواه البخاري في الصحيح، وهو من تأييد الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام، فقد كشف الله له المسجد مع بعد المسافة، فجعل يصف بيت المقدس وقريش يسألونه، تأييداً من الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام.

ذكر البيان بأن الإسراء كان برؤية عين لا برؤية منام

ذكر البيان بأن الإسراء كان برؤية عين لا برؤية منام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الإسراء كان ذلك برؤية عين لا رؤية نوم. أخبرنا محمد بن المنذر بن سعيد أنبأنا علي بن حرب الطائي أنبأنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: ({وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء:60]، قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به)]. لا شك أن الإسراء كان بروحه وجسده عليه الصلاة والسلام، وأنه يقظة لا مناماً، هذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص، والذي عليه المحققون: أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة لا في ليلتين، وأن الإسراء بروحه وجسده، وأن الإسراء يقظة لا مناماً. قال بعض العلماء: إن الإسراء كان مناماً، وقال آخرون: إن الإسراء كان بروحه دون جسده، وقال آخرون: إن الإسراء كان مراراً، وقيل: الإسراء في ليلة، والمعراج في ليلة. وكل هذه أقوال ضعيفة، والصواب: أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس على البراق مع جبرائيل، وربط البراق بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، وصلى بالأنبياء إماماً، ثم أتي بالمعراج وهو كهيئة الدرج، وعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء حتى جاوز السبع الطباق في ليلة واحدة بروحه وجسده يقظة لا مناماً، هذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء:1]، فالعبد يشمل مجموع الروح والجسد.

ذكر الإخبار عن رؤية المصطفى ربه

ذكر الإخبار عن رؤية المصطفى ربه قال رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عن رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ربه جل وعلا. أخبرنا أحمد بن عمرو المعدل بواسط حدثنا أحمد بن سنان القطان حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس قال: قد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه، قال أبو حاتم: معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما: قد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه، أراد به بقلبه في الموضع الذي لم يصعده أحد من البشر ارتفاعاً في الشرف]. وهذا هو الصواب الذي قاله المؤلف ابن حبان: أن النبي رأى ربه بقلبه، ولم يره بعين رأسه؛ لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، وما كان لبشر عام؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه) وفي لفظ: (رأيت نوراً). وفي حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم أيضاً: (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور - وفي لفظ: النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فالنبي صلى الله عليه وسلم داخل في الخلق، فلا يستطيع أن يرى الله في الدنيا وإنما رؤيته كانت بالقلب. وما جاء من الآثار: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه)، فهو محمول على رؤية القلب، وما جاء في الآثار: (أنه لم ير ربه) محمول على رؤية البصر، وبهذا تجتمع الأخبار، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من المحققين.

ذكر الخبر الدال على رؤية النبي ربه بعين قلبه

ذكر الخبر الدال على رؤية النبي ربه بعين قلبه قال رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على صحة ما ذكرناه: أخبرنا أبو يعلى حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: قلت لـ أبي ذر: (لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته عن كل شيء فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله هل رأيت ربك؟ فقال: سألته فقال: رأيت نوراً)]. قال أبو حاتم: معناه: أنه لم ير ربه، ولكن رأى نوراً علوياً من الأنوار المخلوقة]. وهذا صحيح، وهذا رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر: (هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نوراً).

ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة العلم أنه مضاد للقول برؤية النبي ربه بعين قلبه

ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة العلم أنه مضاد للقول برؤية النبي ربه بعين قلبه قال رحمه الله تعالى: [ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة العلم أنه مضاد للخبر الذي ذكرناه: قال أخبرنا محمد بن صالح بن ذريح بعكبرا]. عكبرا مدينة، ومنها: أبو حفص العكبري. [حدثنا مسروق بن المرزبان حدثنا ابن أبي زائدة حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود في قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11]، قال: (قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في حلة من ياقوت قد ملأ ما بين السماء والأرض)]. نعم هذه رؤية جبريل. [قال أبو حاتم: قد أمر الله تعالى جبريل ليلة الإسراء: أن يعلم محمداً صلى الله عليه وسلم ما يجب أن يعلمه كما قال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى} [النجم:5 - 7]، يريد به جبريل {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم:8]، يريد به جبريل {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:9]، يريد به جبريل]. (فكان) يعني: جبريل {قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم:9]، يعني: من النبي صلى الله عليه وسلم. قال: [{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:10]، جبريل {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11]، يريد به ربه بقلبه في ذلك الموضع الشريف، ورأى جبريل في حلة من ياقوت قد ملأ ما بين السماء والأرض على ما في خبر ابن مسعود الذي ذكرناه.

ذكر تعداد عائشة قول ابن عباس في رؤية النبي لربه من أعظم الفرية

ذكر تعداد عائشة قول ابن عباس في رؤية النبي لربه من أعظم الفرية قال رحمه الله تعالى: [ذكر تعداد عائشة قول ابن عباس الذي ذكرناه من أعظم الفرية. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن مخلد حدثنا أبو الربيع حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد أن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن مسروق بن الأجدع أنه سمع عائشة تقول: إن أعظم الفرية على الله من قال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم ما في غد، قيل: يا أم المؤمنين وما رآه؟ قالت: لا، إنما ذلك جبريل رآه مرتين في صورته: مرة ملأ الأفق، ومرة ساد أفق السماء]. هذا هو الصواب، رأى جبريل مرتين: مرة في الأرض، ومرة في السماء، مرة في الوحي في الأرض عند البعثة، ومرة في السماء ليلة المعراج. قال أبو حاتم: [قد يتوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن هذين الخبرين متضادان وليسا كذلك، إذ الله جل وعلا فضل رسوله صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء حتى كان جبريل من ربه أدنى من قاب قوسين، ومحمد صلى الله عليه وسلم يعلمه جبريل حينئذ]. كان جبريل من ربه {قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم:9]، والآية في سورة النجم {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:8 - 9]، (ثم دنا) جبريل (فتدلى) يعني: من النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى، وفي حديث الإسراء كذلك أنه دنا جبريل، وهذا هو الذي عليه أكثر الأحاديث، وما جاء في الحديث الآخر الذي رواه شريك بن أبي نمر: فدنا الله تعالى من نبيه فكان قاب قوسين أو أدنى، قيل: إن هذا من أوهام شريك، ولكن ذكر ابن القيم رحمه الله: أن الدنو والتدلي في حديث الإسراء غير الدنو والتدلي في سورة النجم، فالدنو والتدلي الذي في سورة النجم دنو جبريل وتدليه، والدنو الذي في حديث الإسراء دنو الرب وتدليه ومر معنا هذا في البخاري وشرحناه في كتاب التوحيد، وذكر العلماء: أن هذا من أوهام شريك، وينظر إذا كان شريك تابعه أحد أم لا؟ فإن لم يتابعه أحد فيكون من أوهامه وأغلاطه، وإن تابعه أحد فيكون هذا يؤيد ما قاله ابن القيم رحمه الله. وجبريل رآه النبي بصورته الحقيقة التي خلق عليها في السماء مرة وفي الأرض عند البعثة. (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) وجبريل من خلقه وبينه وبينه حجب عظيمة، فقد احتجب الله من جبريل وغيره، جاء في بعض الآثار التي فيها ضعف ذكر حجب كثيرة، وجاء في بعضها وفيها ضعف: أن جبريل سئل: هل رأيت ربك؟ قال: إن بيني وبينه سبعين حجاباً أو نحوه. فالله لا يره أحد في الدنيا، ولما سأله موسى الرؤية قال: {قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:143]، إذا كان الجبل اندك ولم يثبت بتجلي الله، فالمخلوق من باب أولى، لأن المخلوق أضعف. وكان جبريل يستفتح أبواب السماء وهو معه في الإسراء والمعراج. قال: [فرآه صلى الله عليه وسلم بقلبه كما شاء]. وقوله: إن جبريل قد دنى من ربه قدر قاب قوسين يحتاج إلى دليل. قال: [وخبر عائشة وتأويلها أنه لا يدركه: تريد به في النوم ولا في اليقظة، وقوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103]]. وهذا ليس بصحيح فرؤية الله في المنام ليس هناك مانع منها وشيخ الإسلام رحمه الله قرر بأن جميع الطوائف قالت برؤية الله في المنام إلا الجهمية، ولكن لا يلزم من ذلك كشف الحجب، ويقول: إن الإنسان يرى ربه على حسب اعتقاده، فإن كان اعتقاده صحيحاً رأى ربه في صورة حسنة، وإلا رآه على حسب اعتقاده، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أصح الناس اعتقاداً قال: (رأيت ربي في أحسن صورة)، وهو حديث اختصام الملأ الأعلى. قال: [وقوله: لا تدركه]. وابن حبان رحمه الله له ملحوظات في العقيدة تخالف معتقد أهل السنة والجماعة، سيأتي الكلام عليها. قال: [قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103]، فإنما معناه: لا تدركه الأبصار يرى في القيامة، ولا تدركه الأبصار إذا رأته؛ لأن الإدراك هو الإحاطة، والرؤية هي النظر]. والإحاطة قدر زائد على الرؤية، فالله يرى ولا يحاط به رؤيا، كما أنه يعلم ولا يحاط به علماً؛ لكمال عظمته، وكونه أكبر من كل شيء، وإذا كانت بعض المخلوقات يراها الإنسان ولا يحيط بها رؤيا، فأنت ترى السماء كلها من جميع الجهات، أو ترى جزءاً منها؟ وهي مخلوقة، والإنسان في المدينة يرى المدينة ولا يحيط بها رؤيا، ويرى الجبل ولا يحيط به رؤيا فالله أعلى وأجل وأعظم. قال: [والله يرى ولا يدرك كنهه؛ لأن الإدراك يقع على المخلوقين، والنظر يكون من العبد ربه، وخبر عائشة أنه لا تدركه الأبصار، قيل: معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وفي الآخرة إلا من يتفضل عليه من عباده]. هذا قوله: (إلا من يتفضل عليه من عباده) الله تعالى يراه المؤمنون في الآخرة، وهذا ليس فيه أشكال. قال: [بأن يجعل أهلاً لذلك، واسم الدنيا قد يقع على الأرضين والسماوات وما بينهما؛ لأن هذه الأشياء بدايات خلقها الله جل وعلا لتكتسب فيها الطاعات للآخرة التي بعد هذه البداية، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في الموضع الذي لا يطلق عليه اسم الدنيا؛ لأنه كان منه أدنى من قاب قوسين، حتى يكون خبر عائشة أنه لم يره صلى الله عليه وسلم في الدنيا من غير أن يكون بين الخبرين تضاد أو تهاتر]. يعني: ظاهره: أن ابن حبان يثبت الرؤية، وأنه قاب قوسين يعني: من الرب؛ وهذا هو الذي جاء في حديث شريك وقال العلماء: إنه وهم من شريك، قوله: قاب قوسين: أن هذا الرب، وإنما هذا جبريل، وفي كلام ابن حبان إيهام.

كتاب العلم [1]

شرح صحيح ابن حبان_كتاب العلم [1] إن من أجل القربات وأعظم الطاعات طلب العلم وتعلمه وتعليمه للناس، وهذا إذا ابتغى به صاحبه وجه الله والدار الآخرة، وترك الجدال والمراء بالباطل، وخشي الله واتقاه وعمل بالعلم الذي تعلمه.

فضل العلم وإثبات النصرة لأصحاب الحديث

فضل العلم وإثبات النصرة لأصحاب الحديث قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب العلم. ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة. أخبرنا عمر بن محمد الهمداني]. الهمداني نسبة إلى قبيلة همدان، أما بالذال: همذان فهو نسبة إلى بلدة الشرق همذان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة)]. وهذا رواه مسلم في صحيحه: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله). قوله في الترجمة: [ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة]، قيل للإمام أحمد: من هم الطائفة المنصورة؟ قال: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم، وقوله: (لا تزال طائفة من أمتي)، المعنى: أن الطائفة المنصورة هم المستقيمون على طاعة الله، المؤدون لفرائض الله، وفي مقدمتهم العلماء والمحدثون، وقد يكونوا مجتمعين وقد يكونوا متفرقين، منهم المزارع والنجار. والصحابة في المقدمة، والتابعون والمحدثون والعلماء ثم أشباههم كلهم داخل في عموم هذا الطائفة المنصورة. والفرقة الناجية والطائفة المنصورة واحدة. والحديث أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي.

ذكر الإخبار عن سماع المسلمين السنن خلفا عن سلف

ذكر الإخبار عن سماع المسلمين السنن خلفاً عن سلف قال المصنف رحمه الله: [ذكر الإخبار عن سماع المسلمين السنن خلفاً عن سلف أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا عبد الله بن جعفر البرمكي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم) عبد الله بن عبد الله الرازي ثقة كوفي]. هذا الحديث إسناده صحيح، أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي وأحمد. وفيه الحث على سماع السنن، وأنه ينبغي للعلماء أن يحدثوا، وأن يسمع منهم من بعدهم، ومن بعدهم يسمعوه إلى من بعدهم.

ذكر الإخبار عما يستحب للمرء كثرة سماع العلم ثم الاقتفاء والتسليم

ذكر الإخبار عما يستحب للمرء كثرة سماع العلم ثم الاقتفاء والتسليم قال رحمه الله: [ذكر الإخبار عما يستحب للمرء كثرة سماع العلم ثم الاقتفاء والتسليم: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد عن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم، وتنفر عنه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد، فأنا أبعدكم منه)]. لعله: (وتُرون) يعني: تظنون، أما (تَرون) بالفتح تعلمون. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه أحمد والبزار، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح. هذا الحديث يحتاج إلى تأمل في صحة هذا المعنى؛ لأن فيه فتح باب أن الإنسان يقول: هذا الحديث مناسب، لكن لو صح فهو محمول على أهل العلم والفقه.

ما جاء في الزجر عن كتبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها

ما جاء في الزجر عن كتبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها قال رحمه الله تعالى: [باب الزجر عن كتبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا كثير بن يحيى صاحب البصري قال: حدثنا همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي لله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكتبوا عني إلا القرآن؛ فمن كتب عني شيئاً فليمحه). قال أبو حاتم رضي الله عنه: زجره صلى الله عليه وسلم عن الكتبة عنه سوى القرآن أراد به الحث على حفظ السنن دون الاتكال على كتبتها وترك حفظها والتفقه فيها، والدليل على صحة هذا إباحته صلى الله عليه وسلم لـ أبي شاه كتب الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذنه صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عمرو بالكتبة]. هذا ما ذهب إليه المصنف رحمه الله، ولكن جاء ما يدل على أن النهي إنما كان لأجل ألا يختلط بالقرآن غيره، فلما استقر الأمر وزال الإشكال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة، وأذن صلى الله عليه وسلم بالكتابة؛ فلهذا قال: (اكتبوا لـ أبي شاه)، كان عبد الله بن عمرو يكتب، قال أبو هريرة: إني من أكثر الناس حديثاً إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه يكتب ولا أكتب، المقصود أن النهي عن الكتابة لئلا يختلط بالقرآن غيره، لا لأجل أن يتكلوا على الكتابة، والمعنى الذي ذكره ابن حبان رحمه الله فيه نظر، بل جاء ما يدل على أن النهي إنما هو لئلا يختلط بالقرآن في أول الأمر، ثم رخص بعد ذلك. وهذا الحديث إسناده قوي، وأخرجه أحمد ومسلم والدارمي والنسائي في فضل القرآن. وورد النهي في حديث النسائي أنه خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والنهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد، والإذن في تفريقهما، أو النهي متقدم والأذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها، وقيل: النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن أمن منه ذلك، ومنهم من أعل حديث أبي سعيد، وقال الصواب: وقفه على أبي سعيد. الأقرب أنه خشية الالتباس بالقرآن كما سبق. قال رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن أحمد بن بسطام بالأبلة حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن فطر عن أبي الطفيل عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم). قال أبو حاتم: معنى (عندنا منه) يعني: بأوامره ونواهيه وأخباره وأفعاله وإباحاته صلى الله عليه وسلم.

ذكر دعاء المصطفى لمن أدى من أمته حديثا سمعه

ذكر دعاء المصطفى لمن أدى من أمته حديثاً سمعه قال المؤلف رحمه الله: [ذكر دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أدى من أمته حديثاً سمعه: أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا عبد الله بن داود عن علي بن صالح عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع منا حديثاً فبلغه كما سمعه؛ فرب مبلغ أوعى من سامع)]. يعني: دعا له بالنضارة، وأن يجعل الله وجهه نضراً (فرب مُبلغ) الذي يبلغه الحديث (أوعى له من سامع)، وفي اللفظ الآخر: (ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)، فقد يكون الذي بلغ ليس بفقيه، والذي يبلغه فقيه يستنبط منه أحكامه وفوائده. والحديث إسناده حسن من أجل سماك بن حرب، قال الحافظ في التقريب: صدوق، وقد تغير بآخره، فكان ربما تلقن، فمثله لا يرقى حديثه إلى الصحة، وأخرجه أبو نعيم وأحمد والترمذي وابن ماجة.

ذكر رحمة الله من بلغ أمة المصطفى حديثا صحيحا عنه

ذكر رحمة الله من بلغ أمة المصطفى حديثاً صحيحاً عنه قال المؤلف رحمه الله: [ذكر رحمة الله جل وعلا من بلغ أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً عنه: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال: حدثني عمر بن سليمان - هو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب - عن عبد الرحمن بن أبان -هو ابن عثمان بن عفان -عن أبيه قال: خرج زيد بن ثابت عند مروان قريباً من نصف النهار، فقلت: ما بعث إليه إلا لشيء سأله، فقمت إليه فسألته، فقال: أجل سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأ سمع مني حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)]. والحديث إسناده صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والطبراني. وفيه بيان مشروعية التبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن علم شيئاً وتأكد منه عليه أن يبلغه. ومعنى: (لا يغل عليهن قلب مسلم): الغلول: هو الإخفاء، يعني: لا يخفي هذا ويترك هذا الشيء وإنما يلزم الجماعة، وينصح ولاة الأمور ويحب الخير لهم. وإخلاص العمل لله، يعني: أن يعتقد الإخلاص، ويصرف عمله لله، وكذلك أيضاً ينصح لولاة الأمور. وقوله: (يغل) بتشديد اللام، قال ابن الأثير: معنى الغل وهو الحقد والشحناء، أي: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، وروي: يغل بالتخفيف من الوغول الدخول في الشر، ويروى بضم الياء من الإغلال وهو الخيانة، والمعنى: أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر، انظر النهاية].

ذكر البيان بأن هذا الفضل إنما يكون لمن أدى حديث المصطفى كما سمعه سواء

ذكر البيان بأن هذا الفضل إنما يكون لمن أدى حديث المصطفى كما سمعه سواء قال رحمه الله: [ذكر البيان بأن هذا الفضل إنما يكون لمن أدى ما وصفنا كما سمعه سواء من غير تغيير ولا تبديل فيه]. يعني: تبليغ الحديث لابد أن يكون من غير زيادة ولا نقصان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا صفوان بن صالح قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا شيبان قال: حدثني سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله من سمع مني حديثاً فبلغه كما سمعه؛ فرب مبلغ أوعى له من سامع)]. إسناده حسن.

ذكر إثبات نضارة الوجه في القيامة من بلغ للمصطفى سنة صحيحة كما سمعها

ذكر إثبات نضارة الوجه في القيامة من بلغ للمصطفى سنة صحيحة كما سمعها قال رحمه الله تعالى: [ذكر إثبات نضارة الوجه في القيامة من بلغ للمصطفى صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة كما سمعها. أخبرنا ابن خزيمة قال: حدثنا محمد بن عثمان العجلي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع)]. قوله: (نضر الله) هذا خبر بمعنى الدعاء، والمعنى: دعاء له بالنضارة، والنضارة الحسن والبهاء والبهجة، وهذا يكون سببه السرور؛ لأن الله ينعمه يوم القيامة، فهو دعاء بأن ينعمه الله في الجنة حتى تحصل له النضارة والبهجة والسرور.

ذكر عدد الأشياء التي استأثر الله تعالى بعلمها دون خلقه

ذكر عدد الأشياء التي استأثر الله تعالى بعلمها دون خلقه قال رحمه الله تعالى: [ذكر عدد الأشياء التي استأثر الله تعالى بعلمها دون خلقه. أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا أبو عمر الدوري حفص بن عمر حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفاتيح الغيب خمس: لا يعلم ما تضع الأرحام أحد إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة)]. وهذه مفاتيح الغيب ذكرها الله تعالى في آخر سورة لقمان: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]، ففي الآية: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان:34]، وفي الحديث يقول: (لا يدري متى تضع). وهو حديث صحيح أخرجه البخاري في التفسير من طريق مالك، وأخرجه أحمد في المسند. لكن بهذا اللفظ (متى تضع) الآن الأطباء يعلمون الأجنة بعد أن تخلق، لكن قبل أن تخلق لا يعلمها إلا الله، ولهذا يقول الملك: (يا رب ذكر أو أنثى؟ أشقي أم سعيد).

ذكر خبر ثان يصرح بالأشياء التي استأثر الله تعالى بعلمها

ذكر خبر ثان يصرح بالأشياء التي استأثر الله تعالى بعلمها قال رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السامي حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: وأخبرني عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام أحد إلا الله، ولا ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة أحد إلا الله).

ما جاء في الزجر عن العلم بأمر الدنيا مع الانهماك فيها والجهل بأمر الآخرة

ما جاء في الزجر عن العلم بأمر الدنيا مع الانهماك فيها والجهل بأمر الآخرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الزجر عن العلم بأمر الدنيا مع الانهماك فيها والجهل بأمر الآخرة، ومجانبة أسبابها. أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن حدثنا أحمد بن يوسف السلمي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب بالأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة)]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه البيهقي في السنن من طريق أبي بكر القطان عن أحمد بن يوسف السلمي بهذا الإسناد. والجواظ قيل: هو القصير البطين، وقيل: هو كثير اللحم المختال في مشيته، وقيل: الأكول، ويقال: الفاجر. والسخاب بالأسواق هو الذي يكثر الصياح واللجاج مع غيره عند البيع والشراء. قوله: (جيفة بالليل) يعني: ينام أكثر الليل أو الليل كله، ولا يقوم لصلاة الصبح؛ لأنه أرهق نفسه بالأعمال المتعبة. وقوله: (حمار النهار) يعني: يعمل للدنيا. وقوله: (عالم بأمر الدنيا) يعني: تجده في أمور الدنيا خبيراً بما يجلب له الخير، ويدفع عنه الضر. قوله: (جاهل بأمور الآخرة): يعني: أنه لم يتفقه في دينه مما يجب عليه أن يعلمه؛ لأنه شغل نفسه بأمور الدنيا، فجعل الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه.

ما جاء في الزجر عن تتبع المتشابه من القرآن للمرء المسلم

ما جاء في الزجر عن تتبع المتشابه من القرآن للمرء المسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الزجر عن تتبع المتشابه من القرآن للمرء المسلم. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا حبان أخبرنا عبد الله حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري حدثني ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول الله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران:7] إلى آخرها، فقال: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاعلموا أنهم الذين عنى الله فاحذروهم)]. يعني: هؤلاء يتبعون المتشابه، قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7] والزيغ: هو ميل عن الشيء، ومنه زاغت الشمس: إذا مالت عن وسط السماء إلى الغروب، فالزيغ هو الميل عن الحق وعن الاستقامة، فالذي يصفه بأنه زائغ فهو من يتبع المتشابه. قوله: (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) يعني: طلباً لفتنة الناس، والتلبيس عليهم في دينهم، وإفساداً فيما بينهم. وأما الراسخون في العلم فيقولون: آمنا بالله، أما هؤلاء الزائغون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) يعني: الذين سمى الله في هذه الآية: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] وهذا فيه التحذير من اتباع المتشابه، وهي حقائق الأسماء والصفات، وحقائق ما يكون في اليوم الآخر، فلا يعلمها إلا الله.

شرح حديث: (أنزل القرآن على سبعة أحرف)

شرح حديث: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أبو خيثمة حدثنا أنس بن عياض عن أبي حازم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف، والمراء في القرآن كفر ثلاثاً؛ ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتهم منه فردوه إلى عالمه). قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما عرفتم منه فاعملوا به) أضمر فيه الاستطاعة، يريد: اعملوا بما عرفتم من الكتاب ما استطعتم. وقوله: (وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه) فيه الزجر عن ضد هذا الأمر، وهو ألا يسألوا من لا يعلم]. اختلف العلماء في المقصود بالسبعة الأحرف، هل هي سبع لغات أو سبع معاني؟ وجاء أنها سبعة أوجه من المعاني على حسب لغات القبائل. ثم بعد ذلك لما اختلف الصحابة زمن عثمان في القراءات جمعهم على القراءات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق العرضة الأخيرة، لا أنه ألغى الأحرف السبعة كما يظن البعض.

ما جاء في ذكر العلة التي من أجلها قال النبي: (وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)

ما جاء في ذكر العلة التي من أجلها قال النبي: (وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر العلة التي من أجلها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه). أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا إسحاق بن سويد الرملي حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن)]. وهذا الحديث إسناده حسن. قوله: (وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه). يعني: الخفي ردوه إلى عالمه. قال شعيب الأرنؤوط: وعلق عليه الشيخ محمود شاكر حفظه الله ورعاه، فقال: الظاهر: هو ما تعرفه العرب من كلامها، وما لا يعرض أحد بجهالته من حلال وحرام، والباطن: هو التفسير الذي يعلمه العلماء بالاستنباط والفقه، ولم يرد الطبري ما تفعله الطائفة الصوفية وأشباههم في التلاعب بكتاب الله تعالى وسنة رسوله، والعبث بدلالات ألفاظ القرآن وادعائهم أن لألفاظه ظاهراً هو الذي يعلمه علماء المسلمين، وباطناً يعلمه أهل الحقيقة فيما يزعمون، وانظر كلام البغوي في شرح السنة (1/ 263). يعني: الظاهر ما يعلمه كل أحد، والباطن ما يعلمه العلماء، قال ابن عباس رحمه الله: التفسير على أربعة أنحاء: تفسير لا يعذر أحد بجهله، وتفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.

ما جاء في الزجر عن مجادلة الناس في كتاب الله مع الأمر بمجانبة من يفعل ذلك

ما جاء في الزجر عن مجادلة الناس في كتاب الله مع الأمر بمجانبة من يفعل ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الزجر عن مجادلة الناس في كتاب الله مع الأمر بمجانبة من يفعل ذلك. أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني حدثنا عاصم بن النضر الأحول حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أيوب يحدث عن ابن أبي مليكة عن عائشة أنها قالت: (قرأ نبي الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7] إلى قوله: {أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7] قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عنى الله فاحذروهم. قال مطر: حفظت أنه قال: لا تجالسوهم فهم الذين عنى الله فاحذروهم). قال أبو حاتم: سمع هذا الخبر أيوب عن مطر الوراق وابن أبي مليكة جميعاً]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه الطبري في جامع البيان من طريق المعتمر بن سليمان بهذا الإسناد. وقول أبي حاتم: (سمع هذا الخبر أيوب عن مطر الوراق وابن أبي مليكة): هذا خطأ، وصواب العبارة: سمع هذا الخبر أيوب ومطر الوراق عن ابن أبي مليكة جميعاً.

ما جاء في وصف العلم الذي يتوقع دخول النار في القيامة لمن طلبه

ما جاء في وصف العلم الذي يتوقع دخول النار في القيامة لمن طلبه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر وصف العلم الذي يتوقع دخول النار في القيامة لمن طلبه. أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد المروزي بالبصرة حدثنا محمد بن سهل بن عسكر حدثنا ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا تماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار)]. قال شعيب الأرنؤوط: رجاله ثقات رجال الصحيح. وأخرجه ابن ماجة، وقال البوصيري في زوائده: هذا إسناد رجاله ثقات على شرط مسلم.

شرح حديث: (من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله)

شرح حديث: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يحيى بن محمد بن مخلد حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود حدثنا ابن وهب قال: أخبرني أبو يحيى بن سليمان الخزاعي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة). ]. وهذا وعيد شديد، والواجب على الإنسان أن يجاهد نفسه وأن يطلب العلم لله؛ لأن طلب العلم من أجلِّ القربات وأفضل الطاعات، والعبادة لا بد فيها من أن تكون خالصة لله، وموافقة للشرع. قال تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:6] فجاهد نفسك حتى يكون العمل خالصاً لوجه الله، قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله، يعني: في أول الأمر طلب العلم لأجل الدنيا، ثم بعد ذلك لما ذاق حلاوة العلم حسنت نيته. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا عمر بن محمد بن بجير حدثنا أبو الطاهر بن السرح أنبأنا ابن وهب بإسناده مثله].

ما جاء في الزجر عن مجالسة أهل الكلام والقدر ومفاتحتهم بالنظر والجدال

ما جاء في الزجر عن مجالسة أهل الكلام والقدر ومفاتحتهم بالنظر والجدال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الزجر عن مجالسة أهل الكلام والقدر ومفاتحتهم بالنظر والجدال. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أبو خيثمة وهارون بن معروف قالا: حدثنا المقرئ حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن عطاء بن دينار عن حكيم بن شريك عن يحيى بن ميمون الحضرمي عن ربيعة الجرشي عن أبي هريرة عن عمر بن الخطاب أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجالسوا أهل القدر، ولا تفاتحوهم)]. هذا الحديث فيه ضعف. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لجهالة حكيم بن شريك الهذلي كما قال أبو حاتم. لكن أهل القدر هم من المبتدعة، ولا ينبغي أن يجالس المرء أهل البدع، إلا إذا أراد أن يرد عليهم وينكر عليهم، ويدعوهم إلى الله، ويبين باطلهم.

ما جاء في أن النبي كان يتخوف على أمته جدال المنافق

ما جاء في أن النبي كان يتخوف على أمته جدال المنافق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر ما كان يتخوف صلى الله عليه وسلم على أمته جدال المنافق. أخبرنا أبو يعلى حدثنا خليفة بن خياط حدثنا خالد بن الحارث حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أخاف عليكم جدال المنافق عليم اللسان)]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري، وأخرجه البزار عن محمد بن عبد الملك عن خالد بن الحارث بهذا الإسناد، وقال: لا نحفظه إلا عن عمر، وإسناد عمر صالح فأخرجناه عنه، وأعدناه عن عمران لحسن إسناده. وفيه النهي عن جدال المنافق عليم اللسان، وفي هذا الزمن المنافقون يتكلمون في الصحف والفضائيات، وهم زنادقة، يضلون الناس عن الحق، ويجادلون بالباطل ويدافعون عن السفور والمجون، ويطعنون في الأحاديث التي فيها الأمر بالحجاب، والمنافقون عندهم فصاحة وعندهم شبه، فينبغي للمسلم أن يحذرهم ويحذر منهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا محمد بن بكر عن الصلت بن بهرام حدثنا الحسن عن جندب البجلي في هذا المسجد: أن حذيفة حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن، حتى إذا رئيت بهجته عليه وكان ردئاً للإسلام غيّره إلى ما شاء الله، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك، قال: قلت: يا نبي الله، أيهما أولى بالشرك، المرمي أم الرامي؟ قال: بل الرامي)]. قال شعيب الأرنؤوط: أخرجه البزار عن محمد بن مرزوق والحسن بن أبي كبشة كلاهما عن محمد بن بكر البرساني بهذا الإسناد، وقال: لا نعلمه يروى إلا عن حذيفة، وإسناده حسن.

ما جاء في أن الواجب على المرء أن يسأل العلم النافع

ما جاء في أن الواجب على المرء أن يسأل العلم النافع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر ما يجب على المرء أن يسأل الله جل وعلا العلم النافع، رزقنا الله إياه وكل مسلم. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وأعوذ بك من علم لا ينفع)]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، رجاله رجال مسلم، أسامة بن زيد وهو الليثي مولاهم أبو زيد المدني، صدوق يهم، فهو حسن الحديث.

ما يستحب للمرء أن يقرن في التعوذ مع العلم الذي لا ينفع من أشياء معلومة

ما يستحب للمرء أن يقرن في التعوذ مع العلم الذي لا ينفع من أشياء معلومة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر ما يستحب للمرء أن يقرن إلى ما ذكرنا في التعوذ منها أشياء معلومة. أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي حدثنا أبو نصر التمار حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، وقلب لا يخشع، وقول لا يسمع)]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، أبو نصر التمار هو عبد الملك بن عبد العزيز القشيري النسائي. وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.

ما جاء في تسهيل الله طريق الجنة على من يسلك طريقا فيه علم

ما جاء في تسهيل الله طريق الجنة على من يسلك طريقاً فيه علم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر تسهيل الله جل وعلا طريق الجنة على من يسلك في الدنيا طريقاً يطلب فيه علماً. أخبرنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي الزاهد حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا محمد بن خازم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماًَ سهل الله له به طريقاً من طرق الجنة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرطهما، وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود في العلم. قوله: (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) أيضاً هذا في الصحيح.

ما جاء في بسط الملائكة أجنحتها لطلبة العلم رضا بصنيعهم ذلك

ما جاء في بسط الملائكة أجنحتها لطلبة العلم رضاً بصنيعهم ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر بسط الملائكة أجنحتها لطلبة العلم رضاً بصنيعهم ذلك. أخبرنا ابن خزيمة حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عاصم عن زر قال: (أتيت صفوان بن عسال المرادي قال: ما جاء بك؟ قال: جئت أنبط العلم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من خارج يخرج من بيته يطلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها؛ رضاً بما يصنع)]. هذا فيه فضل طلب العلم، والمراد بالعلم إذا أطلق العلم الشرعي من الكتاب والسنة، أما غيره من العلوم فينبغي أن يقيد ويقال: علم الطب، علم الصيدلة، علم الفلك، علم الزراعة، علم النجارة، علم الحدادة، وهكذا. حتى إنهم يقولون: العالم، عالم الفضاء، يطلقون العالم على من يعلم العلوم الشرعية، أما غيره فيقيدون ويقولون: عالم الفضاء، عالم الطب. قال شعيب الأرنؤوط: يقال: أنبط الحفار إذا بلغ الماء في البئر، ونبط الماء إذا نبع، والاستنباط: الاستخراج، واستنبط الفقيه إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه. ثم قال: إسناده حسن من أجل عاصم وهو ابن أبي النجود، وهو في مصنف عبد الرزاق، ومن طريقه أخرجه أحمد وابن ماجة والطبراني والنسائي وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

ما جاء في أمان الله من النار من أوى إلى مجلس علم ونيته فيه صحيحة

ما جاء في أمان الله من النار من أوى إلى مجلس علم ونيته فيه صحيحة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر أمان الله جل وعلا من النار من أوى إلى مجلس علم ونيته فيه صحيحة. أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان حدثنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن أبا مرة مولى عقيل بن أبي طالب أخبره عن أبي واقد الليثي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد، والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد، فلما وقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)]. هذا رواه البخاري في الصحيح. وفيه فضل العلم ومن أوى إليه ودخل في الحلقة. قوله في الترجمة: (ذكر أمان الله جل وعلا من النار، من أوى إلى مجلس علم ونيته فيه صحيحة). وجاء في الحديث أن الملائكة تقول: (يا رب، إن فيهم عبدك فلاناً جاء وليس منهم وجلس معهم، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) فهذا أوضح في بيان الترجمة وموافقتها.

ما جاء في التسوية بين طالب العلم ومعلمه وبين المجاهد في سبيل الله

ما جاء في التسوية بين طالب العلم ومعلمه وبين المجاهد في سبيل الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر التسوية بين طالب العلم ومعلمه، وبين المجاهد في سبيل الله. أخبرنا أبو يعلى حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا المقرئ أنبأنا حيوة قال: حدثني أبو صخر أن سعيداً المقبري أخبره: أنه سمع أبا هريرة يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيراً أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله، ومن دخله لغير ذلك كان كالناظر إلى ما ليس له)]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، وأبو صخر هو حميد بن زياد الخراط، ويقال: حميد بن صخر أبو مودود الخراط، قال الحافظ في التقريب: صدوق يهم. وسعيد المقبري ثقة، أخرج حديثه الجماعة، ورمي بالاختلاط قبل موته، لكن لم يأخذ عنه أحد في اختلاطه فيما قاله الإمام الذهبي في الميزان. وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته، ثم لم يخرجاه، ولم أعلم له علة، فقال البوصيري: وقد أعله الدارقطني في علله بأن اختلف فيه على سعيد المقبري، فرواه حميد عنه هكذا، وخالفه عبيد الله بن عمر فرواه عن المقبري عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن كعب قوله. ورواه ابن عجلان عن المقبري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن كعب قوله. وقول عبيد الله بن عمر أشبه بالصواب. وقول الحاكم: إن الشيخين احتجا بجميع رواته فيه نظر. قوله: (ومن دخل لغير ذلك كان كالناظر إلى ما ليس له) يعني: إذا دخل المسجد لا يتعلم. قال شعيب الأرنؤوط: وأخرجه ابن أبي شيبة، ومن طريقه ابن ماجة في المقدمة: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، عن حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر به، قال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد صحيح، احتج مسلم بجميع رواته.

ما جاء في وصف العلماء الذين لهم الفضل المذكور في الأحاديث

ما جاء في وصف العلماء الذين لهم الفضل المذكور في الأحاديث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر وصف العلماء الذين لهم الفضل الذي ذكرنا قبل. أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا عبد الله بن داود الخريبي قال: سمعت عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس قال: (كنت جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فأتاه رجل فقال: يا أبا الدرداء، إني أتيتك من مدينة الرسول في حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء: أما جئت لحاجة؟ أما جئت لتجارة؟ أما جئت إلا لهذا الحديث؟ قال: نعم. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، والملائكة تضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وأورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر). قال أبو حاتم رضي الله عنه: في هذا الحديث بيان واضح أن العلماء الذين لهم الفضل الذي ذكرنا، هم الذين يعلمون علم النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من سائر العلوم. ألا تراه يقول: (العلماء ورثة الأنبياء) والأنبياء لم يورثوا إلا العلم، وعلم نبينا صلى الله عليه وسلم سنته، فمن تعرى عن معرفتها لم يكن من ورثة الأنبياء]. قال شعيب الأرنؤوط: حديث حسن، إسناده ضعيف؛ لضعف داود بن جميل، ويقال: الوليد بن جميل، وكثير بن قيس، ويقال: قيس بن كثير، والأول أكثر. وأخرجه أبو داود في أو كتاب العلم، وابن ماجة في المقدمة. وأخرجه أبو داود من طريق محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد قال: لقيت شبيب بن شيبة فحدثني عن عثمان بن أبي سودة عن أبي الدرداء وهذا سند حسن في الشواهد فيتقوى الحديث به. وعبارة: (وإن العلماء هم ورثة الأنبياء ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقاً يطلب به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) أورده البخاري في صحيحه في كتاب العلم، ضمن عنوان باب العلم قبل القول والعمل. قال الحافظ في الفتح: هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححاً من حديث أبي الدرداء.

كتاب العلم [2]

شرح صحيح ابن حبان_كتاب العلم [2] من توفيق الله للعبد وإرادته الخير له أن يفقهه في الدين، ومن فقهه الله في الدين فيجوز أن يغبطه الإنسان ويتمنى أن يعلمه الله كما علم ذاك الرجل. ومن فقهه الله في الدين فلا ينبغي له أن يكتم العلم إلا لحاجة شرعية، كما أن عليه ألا يفتخر على الناس بعلمه، وأن يتواضع لمن سأله عن هذا العلم.

ما جاء في إرادة الله خير الدارين بمن تفقه في الدين

ما جاء في إرادة الله خير الدارين بمن تفقه في الدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إرادة الله جل وعلا خير الدارين بمن تفقه في الدين. أخبرنا ابن قتيبة حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)]. هذا الحديث فيه أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيراً، أما من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيراً. والحديث أخرجه البخاري.

ما جاء في إباحة الحسد لمن أوتي الحكمة وعلمها الناس

ما جاء في إباحة الحسد لمن أوتي الحكمة وعلمها الناس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إباحة الحسد لمن أوتي الحكمة وعلمها الناس. أخبرنا محمد بن يحيى بن خالد أنبأنا محمد بن رافع حدثنا مصعب بن المقدام حدثنا داود الطائي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت ابن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها)]. الحديث رواه الشيخان، والحسد هنا هو الغبطة، والحكمة هي العلم النافع، وجاء في الحديث الآخر: (رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الله وآناء النهار). والحكمة هي العلم النافع، وهي مأخوذة من القرآن والسنة، والغبطة مشروعة، وهي أن يتمنى المرء أن يكون مثل فلان في أعمال الخير، مع عدم تمني زوال النعمة عن الغير.

ما جاء في أن من خيار الناس من حسن خلقه في فقهه

ما جاء في أن من خيار الناس من حسن خلقه في فقهه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن من خيار الناس من حسن خلقه في فقهه. أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا هدبة بن خالد القيسي حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم أحاسنكم أخلاقاً، إذا فقهوا)]. هذا عام، لكن إذا اجتمع الفقه مع حسن الخلق فيكون أفضل، وحسن الخلق هو بسط الوجه وكف الأذى وبذل المعروف.

ما جاء في أن خيار المشركين هم الخيار في الإسلام إذا فقهوا

ما جاء في أن خيار المشركين هم الخيار في الإسلام إذا فقهوا قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر بيان بأن خيار المشركين هم الخيار في الإسلام إذا فقهوا. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر بن شميل حدثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الناس معادن في الخير والشر، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)]. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان من الخيار في الجاهلية، وكان من الخيار في الإسلام، وغيره من الصحابة. يعني: كانوا قبل إسلامهم عندهم شجاعة وإكرام للضيف فهم أخيار، ويعملون الأعمال الخيرة، فلما أسلموا استمروا على تلك الصفات الحميدة فصاروا خياراً.

ما جاء في أن العلم من خير ما يخلف المرء بعده

ما جاء في أن العلم من خير ما يخلف المرء بعده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن العلم من خير ما يخلف المرء بعده. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة هو الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير ما يخلف الرجل بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم ينتفع به من بعده)]. هذا الحديث رواه الإمام مسلم بمعناه من حديث أبي هريرة: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). [قال أبو حاتم رضي الله عنه: قد بقي من هذا النوع أكثر من مائة حديث بددناها في سائر الأنواع من هذا الكتاب، لأن تلك المواضع بها أشبه]. يعني: هناك أكثر من مائة حديث تتعلق بهذا الموضوع، قد ذكرها المؤلف في كتابه في أبواب متفرقة.

ما جاء في الأمر بإقالة زلات أهل العلم والدين

ما جاء في الأمر بإقالة زلات أهل العلم والدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الأمر بإقالة زلات أهل العلم والدين. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا سعيد بن عبد الجبار ومحمد بن الصباح وقتيبة بن سعيد قالوا: حدثنا أبو بكر بن نافع العمري عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم)]. وفي رواية: (أقيلوا ذوي العثرات) يعني: الرجال المعروفين الذين لهم مكانة في المجتمع، وهم متسترون ثم تحصل لهم زلة أو غلطة فإنهم يقالون ويستر عليهم؛ لأنهم ليسوا معروفين بالسوابق، بخلاف الإنسان المعروف بالسوابق، فهذا لا ينبغي أن يقال، بل يقام عليه الحد. قال شعيب الأرنؤوط: أبو بكر بن نافع مولى زيد بن الخطاب ضعيف، وهو من رجال التهذيب، وبقية رجاله ثقات، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، والخطيب في تاريخه، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان، وسنده حسن في الشواهد.

ما جاء في إيجاب العقوبة في القيامة على الكاتم العلم الذي يحتاج إليه في أمور المسلمين

ما جاء في إيجاب العقوبة في القيامة على الكاتم العلم الذي يحتاج إليه في أمور المسلمين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إيجاب العقوبة في القيامة على الكاتم العلم الذي يحتاج إليه في أمور المسلمين. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر بن شميل حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن الحكم البناني عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كتم علماً تلجَّم بلجِام من نار يوم القيامة)]. رواه ابن ماجة في السنن وفيه حماد بن سلمة وهو ممن اختلط. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الصحيح، وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وفي الباب عن عبد الله بن عمرو في الحديث الذي بعده. والحديث رواه ابن ماجة في السنن ضعيف: (من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار) لكن النصوص من كتاب الله تؤيد ذلك، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160]. وقال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]. والنصوص من كتاب الله واضحة فيه.

ما جاء من التصريح بصحة الوعيد لمن كتم علما يحتاج إليه

ما جاء من التصريح بصحة الوعيد لمن كتم علماً يحتاج إليه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه. أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا أبو الطاهر بن السرح حدثنا ابن وهب قال: حدثني عبد الله بن عياش بن عباس عن أبيه عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)]. قال المحقق: إسناده حسن في الشواهد، وأخرجه الحاكم وصححه. ووافقه الذهبي. أقول: سنده ضعيف عند ابن ماجة، قد تكلم على رواته.

ما جاء في إباحة كتمان العالم بعض ما يعلم من العلم للمصلحة

ما جاء في إباحة كتمان العالم بعض ما يعلم من العلم للمصلحة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على إباحة كتمان العالم بعض ما يعلم من العلم؛ إذا علم أن قلوب المستمعين له لا تحتمله. أخبرنا الحسين بن أحمد بن بسطام بالأبلة حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا ابن إدريس عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم في بعض حيطان المدينة متوكئاً على عسيب، إذ جاءته اليهود، فسألته عن الروح، فنزلت: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85])]. وجه الدلالة أن الله تعالى أنزل هذه الآية عن الروح ولم يخبرهم عنه؛ لأنه لا مصلحة لهم في ذلك.

ما جاء في أن الأعمش لم ينفرد في سماع خبر سؤال اليهود عن الروح من عبد الله بن مرة

ما جاء في أن الأعمش لم ينفرد في سماع خبر سؤال اليهود عن الروح من عبد الله بن مرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الأعمش لم يكن بالمنفرد في سماع هذا الخبر من عبد الله بن مرة دون غيره. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة، وهو متكئ على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال: بعضهم لبعض: لو سألتموه، فقال بعضهم: لا تسألوه فيسمعكم ما تكرهون، فقالوا: يا أبا القاسم، أخبرنا عن الروح، فقام ساعة ينتظر الوحي، فعرفت أنه يوحى عليه، فتأخرت عنه حتى صعد الوحي، ثم قرأ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85])]. هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وعبد الله هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه مسلم والبخاري.

ما جاء في صحة سؤال اليهود للرسول عن الروح

ما جاء في صحة سؤال اليهود للرسول عن الروح قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه. أخبرنا أبو يعلى حدثنا مسروق بن المرزبان حدثنا ابن أبي زائدة قال: حدثني داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: (قالت قريش لليهود: أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه فنزلت: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85] فقالوا: لم نؤت من العلم نحن إلا قليلاً، وقد أوتينا التوراة، ومن يؤت التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فنزلت {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف:109])]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، ومسروق بن المرزبان صدوق له أوهام. يحتمل أن قريشاً سألوا اليهود أن يعطوهم أسئلة يسألون بها النبي صلى الله عليه وسلم يعلمون بها صدق نبوته.

ما جاء في استحباب ترك المرء لسرد الأحاديث حذر قلة التعظيم والتوقير لها

ما جاء في استحباب ترك المرء لسرد الأحاديث حذر قلة التعظيم والتوقير لها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر ما يستحب للمرء من ترك سرد الأحاديث حذر قلة التعظيم والتوقير لها. أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا أبو الطاهر بن السرح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة قالت: (ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم)]. يعني: كانت تصلي صلاة السبحة وهي النافلة. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه مسلم في الصحيح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم رضي الله عنه: قول عائشة: (لرددت عليه) أرادت به سرد الحديث لا الحديث نفسه]. يعني: أنكرت عليه سرد الحديث لا أصل التحديث، وإلا فـ أبو هريرة قد روى أحاديث كثيرة.

ما جاء في إباحة جواب المرء بالكناية عما يسأل

ما جاء في إباحة جواب المرء بالكناية عما يسأل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عن إباحة جواب المرء بالكناية عما يسأل، وإن كان في تلك الحالة مدحه. أخبرنا أبو خليفة حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة بن خالد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة، إذ قال له رجل: اعدل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا ويلي لقد شقيت إن لم أعدل)]. هنا قال: (يا ويلي) وفي لفظ آخر قال: (ويلك، فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله). قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. وفي بعض روايات مسلم: (لقد خبت وخسرت). قال النووي: روي بفتح التاء وبضمها، ومعنى الضم ظاهر، وتقدير لا أعدل؛ لكونك تابعاً ومقتدياً بمن لا يعدل، والفتح أشهر، والله أعلم.

ما جاء في أن على العالم ترك التصلف بعلمه ولزوم الافتقار إلى الله

ما جاء في أن على العالم ترك التصلف بعلمه ولزوم الافتقار إلى الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على أن العالم عليه ترك التصلف بعلمه، ولزوم الافتقار إلى الله جل وعلا في كل حاله]. التصلف من الصلف وهو الشدة، أو أن يمدح نفسه، فينبغي للعالم أن يتواضع، وأن يلزم الافتقار إلى الله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا ابن قتيبة حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: (أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال: يا أبا الطفيل، هلم إلينا فإني قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيِّه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه شيئاً؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ فقال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى: بل عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيِّه، فجعل الله له الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع فإنك تلقاه، فسار موسى ما شاء الله أن يسير، ثم قال لفتاه: آتنا غداءنا، فقال لموسى حين سأله الغداء: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف:63] وقال موسى لفتاه: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف:64]، فوجدا خضراً، وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه)]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه في صحيحه، والبخاري وغيرهما. وجاء في البخاري: (هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: لا. فعتب الله إذ لم ينسب العلم إليه، قال: بلى عبدنا خضر، قال: أين أجده يا رب؟ قال: في مجمع البحرين) فموسى لما سئل: من أعلم الناس؟ قال: أنا، وهذا ليس بجيد، ولذلك عتب الله عليه.

ما جاء في إباحة إجابة العالم السائل بالأجوبة على سبيل التشبيه والمقايسة

ما جاء في إباحة إجابة العالمِ السائلَ بالأجوبة على سبيل التشبيه والمقايسة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على إباحة إجابة العالم السائل بالأجوبة على سبيل التشبيه والمقايسة دون الفصل في القصة. أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا المخزومي حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عبيد الله بن عبد الله الأصم حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أرأيت جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذا الليل قد كان ثم ليس شيء أين جعل؟ قال: الله أعلم، قال: فإن الله يفعل ما يشاء)]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه البزار والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لهم مثالاً عن القيامة. والجنة أعلى وسقفها عرش الرحمن، والنار أسفل وأعلاها جهنم وأسفلها سقر فهي دركات. وهذا الحديث فيه دليل على القياس.

ما جاء في إباحة إعفاء المسئول عن العلم عن إجابة السائل على الفور

ما جاء في إباحة إعفاء المسئول عن العلم عن إجابة السائل على الفور قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على إباحة إعفاء المسئول عن العلم عن إجابة السائل على الفور. أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم جاءه أعرابي، فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال وكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا ذا. قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: فما إضاعتها؟ قال: إذا اشتد الأمر فانتظر الساعة)]. هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الجواب، وأن التأخير بالجواب لا بأس به إذا كان هناك تعليم ضرورة تعرف في الحال. قال: (إذا اشتد الأمر فانتظر الساعة) والمحفوظ في رواية البخاري: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله).

ما جاء في الإباحة للعالم إذا سئل عن الشيء أن يغضي عن الإجابة ثم يجيب

ما جاء في الإباحة للعالم إذا سئل عن الشيء أن يغضي عن الإجابة ثم يجيب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الإباحة للعالم إذا سئل عن الشيء أن يغضي عن الإجابة مدة، ثم يجيب ابتداء منه. أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون حدثنا الحسين بن الحسن المروزي حدثنا المعتمر بن سليمان حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فلما قضى الصلاة، قال: أين السائل عن ساعته؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كبير شيء ولا صلاة ولا صيام، أو قال: ما أعددت لها كبير عمل إلا أني أحب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب، أو قال: أنت مع من أحببت، قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام مثل فرحهم بهذا)]. هذا نفس الحديث السابق، والترجمة تختلف قليلاً عما قبلها، قال في الترجمة السابقة: (ذكر الإباحة للعالم إذا سئل عن الشيء أن يغضي عن الإجابة مدة ثم يجيب ابتداء منه). والتي قبلها قال: (ذكر الخبر الدال على إباحة إعفاء المسئول عن العلم عن إجابة السائل على الفور).

ما جاء في إباحة إلقاء العالم على تلاميذه المسائل

ما جاء في إباحة إلقاء العالم على تلاميذه المسائل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على إباحة إلقاء العالم على تلاميذه المسائل التي يريد أن يعلمهم إياها ابتداءً، وحثه إياهم على مثلها. أخبرنا ابن قتيبة حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى لهم صلاة الظهر، فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة، وذكر أن قبلها أموراً عظاماً، ثم قال: من أحب أن يسألني عن شيء فليسألني عنه، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا حدثتكم به ما دمت في مقامي، قال أنس بن مالك: فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: سلوني سلوني، فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك حذافة، فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقول: سلوني، برك عمر بن الخطاب على ركبتيه، قال: يا رسول الله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لقد عرض علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر)]. هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا مغضباً عليه الصلاة والسلام، أغضبه بعض الناس وأراد أن يسأله على سبيل التعجيل، فصعد المنبر وقال: (لا تسألوني في مقامي هذا عن شيء إلا حدثتكم به) وقال هذا بوحي من الله، وجعل يقول: (سلوني سلوني) فقام رجل يدعى عبد الله بن حذافة السهمي وكانوا قد شكوا في نسبه، وكان إذا تخاصم هو وغيره عيره بنسبه وأنه ليس بمعروف، فأراد أن يعرف، فقال للرسول: (من أبي؟ قال: أبوك حذافة) يعني: ثبت نسبه. قال: أبوك حذافة السهمي. ويقال: إن أمه قالت له: ما رأيت ابناً عاقاً مثلك، ألا تخشى أن تكون أمك قد اقترفت ما يقترفه الجاهلية فتفضحها سائر الدهر؟ يعني: ما تخشى أن يكون يعني: أبوك غير معروف بسبب ما تفعل أمك من فعل أهل الجاهلية، فقال: لا، أنا أريد أن أعرف نفسي، والله لو ألحقني بكذا للحقت به فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه عليه الصلاة والسلام قال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً حتى سكن غضبه عليه الصلاة والسلام. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد عرض علي الجنة والنار) يعني: في تلك الحال عرضت عليه الجنة وعرضت النار فقال: (لم أر كاليوم في الخير والشر) فقد عرضت عليه الجنة والنار في وقت واحد. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم وهو في صحيحه، وأخرجه عبد الرزق ومن طريقه أخرجه أحمد والبخاري في الاعتصام.

ما جاء في أن المصطفى قد كان يعرض له الأحوال لإعلام أمته الحكم فيها لو حدثت بعده

ما جاء في أن المصطفى قد كان يعرض له الأحوال لإعلام أمته الحكم فيها لو حدثت بعده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد كان يعرض له الأحوال في بعض الأحايين، يريد بها إعلام أمته الحكم فيها لو حدث بعده صلى الله عليه وسلم. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع قراءة رجل في المسجد، فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني آية كنت أنسيتها)]. يعني: أنه صلى الله عليه وسلم كان ينسى؛ لأنه بشر عليه الصلاة والسلام، وكان عليه الصلاة والسلام يسهو في الصلاة؛ لأنه بشر عليه الصلاة والسلام، والله تعالى لا يلحق به نسيان؛ لكماله، ولهذا قال الله تعالى: {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:52]. هذا الحديث أخرجه مسلم والبخاري.

ما جاء في إباحة اعتراض المتعلم على العالم فيما يعلمه من العلم

ما جاء في إباحة اعتراض المتعلم على العالم فيما يعلمه من العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على إباحة اعتراض المتعلم على العالم فيما يعلمه من العلم. أخبرنا محمد بن الحسن بن خليل حدثنا هشام بن عمار حدثنا أنس بن عياض حدثنا الأوزاعي عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: سمع أبا هريرة يقول: (قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، نعمل في شيء نأتنفه، أم في شيء قد فرغ منه؟ قال: بل في شيء قد فرغ منه، قال: ففيم العمل؟ قال: يا عمر، لا يدرك ذاك إلا بالعمل، قال: إذاً نجتهد يا رسول الله)]. قوله: (ففيم العمل؟) هذا سؤال استرشاد وسؤال تعليم، ولم يكن رضي الله عنه يسأل للرياء ولا لإظهار المكانة، فإذا سأل المرء من باب الاستفسار فهذا جائز ولا بأس به.

ما جاء في إباحة أن يسأل المرأ عن الشيء وهو خبير به من غير استهزاء

ما جاء في إباحة أن يسأل المرأ عن الشيء وهو خبير به من غير استهزاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الإباحة للمرء أن يسأل عن الشيء وهو خبير به، من غير أن يكون ذاك به استهزاء]. يعني: قد يسأل من يعلم من أجل أن يتكلم ويجيب المعلم عن هذه المسألة فيفهم الحاضرون إجابة السؤال الذي لم يكونوا يعلمون جوابه، كما حصل من سؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، من أجل تعليم الصحابة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو يعلى حدثنا حوثرة بن أشرس حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علينا، ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: أبا عمير، ما فعل النغير؟)]. هذا من إيناسه صلى الله عليه وسلم لهذا الصبي لأهله. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، وحوثرة بن أشرس العدوي أبو عامر روى عن جمع، وروى عنه غير واحد وذكره المؤلف في (الثقات)، وأخرجه أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد.

ما جاء فيما يجب على المرء من ترك التكلف في دين الله

ما جاء فيما يجب على المرء من ترك التكلف في دين الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عما يجب على المرء من ترك التكلف في دين الله بما تنكب عنه وأغضي عن إبدائه. أخبرنا ابن سلم حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن الزهري قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعظم الناس في المسلمين جرماً من سأل عن مسألة لم تحرم، فحرم على المسلمين من أجل مسألته)]. قد جاء في القرآن النهي عن المسألة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري، وأخرجه الشافعي، وأخرجه أيضاً مسلم. والحديث يحمل على أشياء تقدمت في هذه المسألة. ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل في حجة الوداع قال: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أكل عام؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم). فلا ينبغي مثل هذا السؤال، لكن كونه يسأل عن أشياء ليس فيها إشكال لا بأس. إذاً: السؤال المقصود بالنهي عنه هو الذي فيه الحرج، والذي في التعنت، فمثل هذه الأسئلة ينبغي تركها والإعراض عنها.

ذكر الخبر الدال على إباحة إظهار المرء بعض ما يحسن من العلم إذا صحت نيته في إظهاره

ذكر الخبر الدال على إباحة إظهار المرء بعض ما يحسن من العلم إذا صحت نيته في إظهاره قال رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على إباحة إظهار المرء بعض ما يحسن من العلم إذا صحت نيته في إظهاره. أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرنا يونس عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن ابن عباس كان يحدث: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، وإذا الناس يتكففون منها بأيديهم فالمستكثر والمستقل، وأرى سبباً واصلاً من السماء إلى الأرض، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وصل له فعلا، قال أبو بكر: يا رسول الله! بأبي أنت والله لتدعني فلأعبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عبر، قال أبو بكر: أما الظلة فظلة الإسلام، وأما الذي ينطف من السمن والعسل فالقرآن وحلاوته ولينه، وأما ما يتكفف الناس في ذلك، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، أخذته فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به)]. وهو أبو بكر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به)]. وهو عمر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به)]. هو عثمان حينما قتل، وهذه من الأشياء التي فيها كشف عن المستقبل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(ثم يوصل له فيعلو، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، قال: والله يا رسول الله لتخبرني بالذي أخطأت، قال: لا تقسم)]. وهذا أخرجه البخاري في صحيحه، وفيه دليل على أن الرؤيا ليس كما عبرت وقعت، وهو يدل على ضعف حديث: (الرؤيا على جناح طائر، فإن عبرت وقعت)، يرده هذا الحديث. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم وهو في صحيحه في الرؤيا، وأخرجه البخاري في التعبير. وتعلق الرجل بـ أبي بكر زيادة لاأظنها في البخاري. قال الحافظ ابن حجر: قال ابن التين: فيه أن الأمر بإبرار القسم خاص بما يجوز الاطلاع عليه، ومن ثَم لم يبر قسم أبي بكر؛ لكونه سأل ما لا يجوز الاطلاع عليه لكل أحد، قلت: فيحتمل أن يكون منعه ذلك لما سأله جهاراً، وأن يكون أعلمه بذلك سراً.

كتاب العلم [3]

شرح صحيح ابن حبان_كتاب العلم [3] فضل العلم عظيم، ودرجة صاحبه عالية، وأفضل العلم كتاب الله، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وخير الناس من تعلم القرآن وعلمه.

الحكم فيمن دعا إلى هدى أو ضلالة فاتبع عليه

الحكم فيمن دعا إلى هدى أو ضلالة فاتبع عليه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الحكم فيمن دعا إلى هدى أو ضلالة فاتبع عليه. قال أخبرنا أبو يعلى حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)]. هذا حديث صحيح، وفيه فضل من دعا إلى الخير، وأن من دعا إلى الخير فله مثل أجور أتباعه، وفيه إثم من دعا إلى ضلالة: (فإن عليه أوزار من تبعه)، نسأل الله السلامة والعافية، كما قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25].

بيان أن على العالم ألا يقنط عباد الله عن رحمة الله

بيان أن على العالم ألا يقنط عباد الله عن رحمة الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن على العالم ألا يقنط عباد الله عن رحمة الله. سمعت أبا خليفة يقول: سمعت عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم يقول: سمعت الربيع بن مسلم يقول: سمعت محمداً يقول: سمعت أبا هريرة يقول: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون، فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، فأتاه جبريل فقال: إن الله يقول لك: لم تقنط عبادي؟ قال: فرجع إليهم، فقال: سددوا، وقاربوا، وأبشروا)]. قال في تخريجه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد. قال الله في الآية الكريمة: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]، وقال: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87]، لا ينبغي للإنسان أن يقنط أو ييئس، بل هذا كبيرة من الكبائر، والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله مقدمة إلى الكفر. وقوله: [(ولو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً)]. اليائس المتشائم مسيء للظن بالله عز وجل، يرى أنه هالك، وفي ضمن ذلك إنكاره للتوبة ويرى أنه هالك، وأن التوبة لا تفيد. قوله: (لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً) في البخاري في الأيمان والنذور. قال أبو حاتم رضي الله عنه: (سددوا) يريد به: كونوا مسددين، والتسديد: لزوم طريقة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، وقوله: (وقاربوا) يريد به: لا تحملوا على الأنفس من التشديد ما لا تطيقون، (وأبشروا) فإن لكم الجنة إذا لزمتم طريقتي في التسديد، وقاربتم في الأعمال]. (سددوا) يعني: حاولوا أن تصلوا إلى الصواب والسداد، فإن لم تقدروا فقاربوا السداد.

إباحة تأليف العالم كتب الله جل وعلا

إباحة تأليف العالم كتب الله جل وعلا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر إباحة تأليف العالم كتب الله جل وعلا. أخبرنا أبو يعلى حدثنا عبد الأعلى حدثنا وهب بن جرير حدثني أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن زيد بن ثابت قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع)]. كان الأفضل أن يقول: كتاب الله.

الحث على تعليم كتاب الله وإن لم يتعلم الإنسان بالتمام

الحث على تعليم كتاب الله وإن لم يتعلم الإنسان بالتمام قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الحث على تعليم كتاب الله، وإن لم يتعلم الإنسان بالتمام. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا حبان أنبأنا عبد الله عن موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق، فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين زهراوين يأخذهما في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ قالوا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من عدادهن من الإبل)]. هذا أخرجه مسلم في صحيحه، وبطحان واد في المدينة (أيحب أحدكم أن يغدو إلى بطحان فيحصل على ناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم)، وفي مسلم: (قالوا: كلنا يحب ذلك، فقال: والذي نفسي بيده! لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، ومن أعدادهن). قال في تخريجه: أخرجه مسلم وأبو داود. [قال أبو حاتم: هذا الخبر أُضمر فيه كلمة، وهي: لو تصدق بها، يريد بقوله: (فيتعلم آيتين من كتاب الله خير من ناقتين وثلاث) لو تصدق بها؛ لأن فضل تعلم آيتين من كتاب الله أكبر من فضل ناقتين وثلاث وعدادهن من الإبل لو تصدق بها؛ إذ محال أن يشبه من تعلم آيتين من كتاب الله في الأجر بمن نال بعض حطام الدنيا، وصح بما وصفت صحة ما ذكرت]. هذا فيه نظر، وهو خلاف ظاهر الحديث؛ لأنه لو تصدق بهن صار من أعمال الآخرة، وقد قال فيه: (بغير إثم أو قطيعة رحم) يعني: حصل عليها وتملكه في الدنيا؛ لأن هذا يرغب الله فيه، مثل أن تقول: لأن تغدو إلى المسجد فتعلم آيتين خير لك من أن تحصل على سيارتين، وثلاث خير من ثلاث ومن أعدادهن. والحافظ رحمه الله له تأويلات، لكن هذه في الفروع وستأتي تأويلات في الاعتقاد. قوله: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) يعني: خير لك من أن تتصدق بها من جنسه، خير لك من أن تحصل على الإبل التي هي الحمر التي هي أنفس أموال العرب. وقوله: [ذكر الحث على تعليم كتاب الله وإن لم يتعلم الإنسان بالتمام]. يعني: لو لم يتعلم تعلماً كاملاً، ولو كان يحفظ بعض الآيات. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الفضل بن حباب الجمحي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، وعليكم بالزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو فرقان من طير تحاجان عن أصحابهما، وعليكم بسورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة)]. البطلة هم السحرة: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً يوم القيامة لأصحابه) هذا أخرجه مسلم في صحيحه، قال في تخريجه: حديث صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، ويحيى بن أبي كثير وإن رواه بالعنعنة توبع عليه، وأخرجه الطبراني وذكره، وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب: فضل قراءة القرآن.

الإخبار عما يجب على المرء من تعلم كتاب الله

الإخبار عما يجب على المرء من تعلم كتاب الله قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه: [ذكر الإخبار عما يجب على المرء من تعلم كتاب الله جل وعلا، واتباع ما فيه عند وقوع الفتن خاصة. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الصامت عن حذيفة قال: (قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر نحذره؟ قال: يا حذيفة! عليك بكتاب الله فتعلمه واتبع ما فيه خيراً لك)]. حديث حذيفة هذا غير الحديث الطويل الذي رواه البخاري. قال في التخريج: إسناده صحيح على شرط الشيخين، سوى عبد الله بن الصامت فإنه من رجال مسلم، وأخرجه أحمد عن عبد الصمد عن حماد عن علي بن زيد اليشكري عن حذيفة، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف، وأخرجه مطولاً أحمد وأبو داود في الفتن، وأخرجه النسائي في فضائل القرآن. قوله: (قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر نحذره؟ قال: يا حذيفة! عليك بكتاب الله فتعلمه واتبع ما فيه خيراً لك). فيه تعلم الكتاب عند الفتن، والرجوع إلى كتاب الله والعمل بكتاب الله عند الفتن. وقوله في الترجمة: [ذكر الإخبار عما يجب على المرء من تعلم كتاب الله جل وعلا، واتباع ما فيه عند وقوع الفتن خاصة]. يعني: كتاب الله هو المخرج من الفتن، والعلم يضيء للإنسان الطريق، وماذا يعمل إذا حضرت الفتن وهو لا يشعر، ومن ذلك أنه إذا كثرت الفتن، وخاف الإنسان على نفسه في آخر الزمان، ونزع الخير من المدن؛ فإنه يذهب إلى الصحراء يتعبد الله، ويفر بدينه من الفتن، أما إذا كانت المدن فيها خير وفيها صلوات ومساجد، وهناك من يقبل النصيحة فلا يخرج إلى الصحراء.

ذكر بيان بأن من خير الناس من تعلم القرآن وعلمه

ذكر بيان بأن من خير الناس من تعلم القرآن وعلمه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر بيان بأن من خير الناس من تعلم القرآن وعلمه. أخبرنا الفضل بن حباب الجمحي حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني أخبرنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)]. هذا رواه البخاري في الصحيح، وفيه: أن أهل القرآن هم خير الناس سواء الذين يعلمون القرآن أو يتعلمون. والمراد: أن من تعلمه وعمل بما فيه هم خير الناس، فالأفضلية إنما تحصل بالعلم والعمل، أما من تعلم ولم يعمل بما فيه أو علمه وهو لا يعمل بما فيه فهذا ليس من خير الناس؛ لأنه ما عمل بكتاب الله وقد قامت عليه الحجة، فهو من شر الناس، فيكون من المغضوب عليهم الذي يعلمون ولا يعملون، نسأل الله العافية. فالمراد المتعلمون والمعلمون الذين يعملون بالقرآن، وهم أهل الله وخاصته، وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالقرآن وأهله الذي كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران يحاجان عن صاحبهما يوم القيامة)، فلابد من العمل. [قال أبو عبد الرحمن: هذا الذي أقعدني هذا المقعد]. هو أبو عبد الرحمن السلمي، وقد جلس للقرآن أربعين سنة لما بلغه هذا الحديث، وصار يعلم القرآن أربعين سنة!

ذكر الأمر باقتناء القرآن مع تعليمه

ذكر الأمر باقتناء القرآن مع تعليمه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الأمر باقتناء القرآن مع تعليمه: أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن حباب عن موسى بن علية قال: سمعت أبي يقول: سمعت عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا القرآن واقتنوه فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياًَ من المخاض في العقل)]. من المخاض يعني الإبل. يقال: موسى بن علية ويقال: موسى بن علي أظنه تابعياً. قال: [(تعلموا القرآن واقتنوه، فوالذي نفسي بيده! لهو أشد تفصياً من المخاض في العقل) وفي الحديث الآخر: (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً أو تفصياً من الإبل في عقلها). قال في التخريج: إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو في المصنف لـ ابن أبي شيبة، وأخرجه أحمد والدارمي والنسائي. لا شك أن الإنسان عندما يقتني المصحف يحصل على خير عظيم، واقتناؤه وسيلة للقراءة والحفظ والاستفادة والتدبر. وحديث: (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) رواه مسلم بهذا اللفظ. وفي الباب عن ابن مسعود سيذكره المؤلف، وقال: أخرجه مسلم. وموسى بن علية بضم أوله.

ذكر الزجر عن أن لا يستغني المرء بما أوتي من كتاب الله

ذكر الزجر عن أن لا يستغني المرء بما أوتي من كتاب الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الزجر عن ألا يستغني المرء بما أوتي من كتاب الله عز وجلا. أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا يزيد بن موهب حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن نهيك عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)]. اختلف في معنى (يتغن بالقرآن) قيل: يحسن صوته، وقيل: يستغني به. ففي الترجمة: [ذكر الزجر عن ألا يستغني المرء بما أوتي من كتاب الله جل وعلا]. ومتن الحديث: [(ليس منا من لم يتغن بالقرآن). قال الشارح: تفسير التغني الوارد في الحديث بمعنى الاستغناء ذهب إليه سفيان بن عيينة كما نقل عنه ذلك البخاري عقب الحديث في فضائل القرآن، والجمهور أن معنى (يتغنى به): يجهر به ويحسن صوته به. [قال أبو حاتم: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا) في هذا الخبر يريد به: ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل]. هذا تأويل، وينبغي ألا يفسر هكذا، فهذا من باب الوعيد، وهذا التحذير لا يفسر ويترك على الزجر. قال: [لأننا نفعله، فمن فعل ذلك فليس مثلنا]. كل هذا تأويل، ويقول مثل هذا النووي. قال الشارح: [قال الحافظ: وذكر الطبري عن الشافعي أنه سئل عن تأويل ابن عيينة التغني بالاستغناء فلم يرتضه، وقال: لو أراد الاستغناء لقال: لم يستغن، وإنما أراد تحسين الصوت، وقال الحافظ: ويؤيده رواية عبد الرزاق عن معمر: (ما أذن لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)]. هذا التأويل مشهور عن سفيان بن عيينة قال: (يتغنى) أي يستغني به، ولو كان معناه يستغني لقال: ليس منا من لم يستغن، والأقرب الذي ذهب إليه الجمهور بأن معنى: (يتغنى) يعني: يحسن صوته، ولهذا قال في اللفظ الآخر: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به)، وفي اللفظ الآخر: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)، والجمهور على أن معنى يتغنى، يعني: يحسن الصوت، وأما سفيان بن عيينة فيفسره بـ: يستغني به، وهذا قول فيه بُعد يخرج من اللفظ، والأقرب قول الجمهور: يحسن صوته. وذكر الشارح الأقوال نقلاً من الفتح فقال: [اختلف في معنى قوله: (يتغنى) على أربعة أقوال: أحدها تحسين الصوت، والثاني: الاستغناء، والثالث: التحزن قاله الشافعي، والرابع: التشاغل به، تقول العرب: تغنى بالمكان أقام به]. والمشهور القول الأول.

وصف من أعطي القرآن والإيمان أو أعطي أحدهما دون الآخر

وصف من أعطي القرآن والإيمان أو أعطي أحدهما دون الآخر قال المصنف رحمه الله: [ذكر وصف من أعطي القرآن والإيمان، أو أعطي أحدهما دون الآخر. أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا العباس بن الوليد النرسي حدثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت عوفاً يقول: سمعت قسامة -هو ابن زهير - يحدث عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل من أعطي القرآن والإيمان كمثل أترجة طيب الطعم طيب الريح، ومثل من لم يعط القرآن ولم يعط الإيمان كمثل الحنظلة مرة الطعم لا ريح لها، ومثل من أعطي الإيمان ولم يعط القرآن كمثل التمرة طيبة الطعم ولا ريح لها، ومثل من أعطي القرآن ولم يعط الإيمان كمثل الريحانة مرة الطعم طيبة الريح)]. هذا رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وفيه ترتيب غير الترتيب بهذا اللفظ: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر)، المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب. هذا القرآن، وطعمها طيب: هذا الإيمان، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها؛ لأنه ليس معه قرآن، وطعمها حلو. هذا الإيمان، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب؛ لأن معه القرآن، وطعمها مر؛ لأن معه النفاق والكفر والعياذ بالله، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة لا ريح لها؛ لأنه ليس معه قرآن، وطعمها مر؛ لأن معه النفاق والعياذ بالله.

نفي الضلال عن الآخذ بالقرآن

نفي الضلال عن الآخذ بالقرآن قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه: [ذكر نفي الضلال عن الآخذ بالقرآن. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن حميد بن جعفر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أبشروا وأبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً)]. وهذا حق بلا شك، فإن من تمسك بالقرآن فإنه لا يضل، وأما من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله فهو الضال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:123 - 124]. والمراد أيضاً السنة؛ لأن السنة موضحة للقرآن وشارحة له، وهي وحي ثان. قال في التخريج: إسناده حسن على شرط مسلم، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. ويستدل على هذا بالآية الكريمة، أن من اتبع القرآن فلن يضل ولا يشقى.

ذكر إثبات الهدى لمن اتبع القرآن والضلالة لمن تركه

ذكر إثبات الهدى لمن اتبع القرآن والضلالة لمن تركه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر إثبات الهدى لمن اتبع القرآن، والضلالة لمن تركه. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: (دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيراً، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت خلفه؟ فقال: نعم، وإنه صلى الله عليه وسلم خطبنا فقال: إني تارك فيكم كتاب الله، هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة)]. كما قال الله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:123 - 124]. قال: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة.

ذكر البيان بأن القرآن من جعله أمامه بالعمل قاده إلى الجنة

ذكر البيان بأن القرآن من جعله أمامه بالعمل قاده إلى الجنة قال رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن القرآن من جعله أمامه بالعمل قاده إلى الجنة، ومن جعله وراء ظهره بترك العمل ساقه إلى النار. أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي معشر بحران حدثنا محمد بن العلاء بن كريب حدثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القرآن مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار)]. من جعل القرآن أمامه مقتدياً به، يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه لا يعمل به ساقه إلى النار والعياذ بالله. قال في التخريج: إسناده جيد، رجاله رجال الشيخين غير عبد الله بن أجلح فإنه لم يخرجا له ولا أحدهما، وهو صدوق، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع، قال ابن عدي: أحاديث الأعمش عنه مستقيمة، وأخرجه البزار عن أبي كريب محمد بن العلاء بهذا الإسناد، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات. قال أبو حاتم: [هذا خبر يوهم لفظه من جهل صناعة العلم أن القرآن مجعول مربوب، وليس كذلك، لكن لفظه مما نقول في كتبنا: إن العرب في لغتها تطلق اسم الشيء على سببه، كما تطلق اسم السبب على الشيء، فلما كان العمل بالقرآن قاد صاحبه إلى الجنة أطلق اسم ذلك الشيء الذي هو العمل بالقرآن على سببه الذي هو القرآن لا أن القرآن يكون مخلوقاً]. هذا فيه إشكال، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة المعنى: أنه يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، وكلمة جعل ما ثبت أنها تدل على الخلق، {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:91]، وسيأتي أن ابن حبان رحمه الله ليس عنده تحقيق في مسألة العقيدة وله أغلاط رحمه الله، وهذا مما أشكل عليه. والحديث ليس فيه إشكال كما قال الله تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر:91] هذا لا يشكل، وهذه اللغة واضحة ما فيها إشكال. وقصد أبو حاتم الرد على المعتزلة الذين يقولون: القرآن مخلوق، ويستدلون بقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:3]، ويقولون: جعل بمعنى خلق، وهذا باطل؛ لأن جعل إذا تعدت إلى مفعولين لا تكون بمعنى خلق، إنما إذا تعدت إلى مفعول واحد، يقول الله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30] بمعنى خلق، أما إذا تعدت إلى مفعولين فلا: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:3] أي: صيرناه، يقول: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:91]، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر:91] كل هذا ليس بمعنى الخلق، فقصده أن يرد على المعتزلة الذين يقولون: إن القرآن مخلوق، ويفسرون جعل بمعنى خلق.

ذكر إباحة الحسد لمن أوتي كتاب الله

ذكر إباحة الحسد لمن أوتي كتاب الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر إباحة الحسد لمن أوتي كتاب الله تعالى فقام به آناء الليل والنهار. أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون حدثنا ابن أبي عمر العدني حدثنا سفيان عن الزهري عن سلمان عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار)]. وهذا رواه الشيخان البخاري ومسلم، والمراد بالحسد الغبطة: (لا حسد إلا في اثنتين) أي: في خصلتين، والحسد حسدان: حسد يتمنى صاحبه أن تزول النعمة وهذا حرام، وهذا يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والحسد الثاني هو الغبطة، بمعنى أنك تتمنى أن تكون مثله من غير أن تذهب النعمة عنه. (رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار) يعني: يعمل به، (ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار) يكثر من مشاريع الخير. وفي لفظ آخر: (رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق) يعني: أنفقه في مشاريع الخير وفي الحق: (ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) يدعو الناس إلى العمل الصالح. قال في تخريجه: رواه البخاري في التوحيد ومسلم.

ذكر البيان بأن قوله: (فهو ينفق منه) أراد به فهو يتصدق به

ذكر البيان بأن قوله: (فهو ينفق منه) أراد به فهو يتصدق به قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: (فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار) أراد به فهو يتصدق به. أخبرنا ابن قتيبة حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله هذا الكتاب فقام به آناء الليل والنهار، ورجل أعطاه الله مالاً فتصدق به آناء الليل وآناء النهار)]. (ينفق آناء الليل والنهار) يعني: يتصدق به وينفقه في المشاريع الخيرية.

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة لا يجوز أن يخفى عليهم بعض أحكام الوضوء والصلاة

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة لا يجوز أن يخفى عليهم بعض أحكام الوضوء والصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الخلفاء الراشدين والكبار من الصحابة غير جائز أن يخفى عليهم بعض أحكام الوضوء والصلاة]. يعني: قد يخفى عليهم شيء ولو كانوا كباراً، وقد يخفى على العالم شيء ويدركه غيره ممن هو أقل منه. [أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي قال: حدثنا حسين المعلم أن يحيى بن أبي كثير حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان عن الرجل إذا جامع ولم ينزل؟ قال: فليس عليه شيء، ثم قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سألت بعد ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب رضي الله عنه فقالوا مثل ذلك، قال أبو سلمة: وحدثني عروة بن الزبير أنه سأل أبا أيوب الأنصاري فقال مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. ]. كان في أول الإسلام إذا جامع الإنسان ولم ينزل فإنه يغسل ذكره ويتوضأ، ثم نسخ ذلك بوجوب الغسل، وهذا كان على الأمر الأول، وقد خفي عليهم الناسخ، وكان الأولى أن يذكر بعده الناسخ.

كتاب الإيمان [1]

شرح صحيح ابن حبان_كتاب الإيمان [1] اختلف العلماء في حكم أطفال المشركين، فمنهم من قال: إنهم في الجنة واستدل بحديث: (كل مولود يولد على الفطرة) وحديث النهي عن قتلهم، ومنهم من قال: هم في النار تبعاً لآبائهم واستدل بحديث: (هم منهم)، ومنهم من توقف واستدل بحديث: (الله أعلم بما كانوا عاملين).

كتاب الإيمان

كتاب الإيمان قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله، والفطرة هي الإسلام، يعني: أنه مفطور على معرفة الله، مفطور على إفراد الله بالربوبية، ولو ترك ونفسه من غير المؤثرات الخارجية لمال إلى الخير ولقبل الخير؛ لأنه مفطور على معرفة الله ووحدانيته فيميل إلى الخير. وفيه: أنه مولود على الإسلام، وهذا لفظ عام، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أوينصرانه أويمجسانه)، ينقلانه إلى الكتابية أو النصرانية أو المجوسية، ولم يقل: يمسلمانه، فدل على أن الفطرة هي الإسلام.

ذكر إثبات الألف بين الأشياء الثلاثة التي ذكرت في حديث الفطرة

ذكر إثبات الألف بين الأشياء الثلاثة التي ذكرت في حديث الفطرة قال المصنف رحمه الله: [ذكر إثبات الألف بين الأشياء الثلاثة التي ذكرناها. أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)]. أو بدون الألف، قال: إسناده صحيح على شرط مسلم. قال أبو حاتم: [قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) أراد به: على الفطرة التي فطره الله عليها جل وعلا يوم أخرجهم من صلب آدم؛ لقوله جل وعلا: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30] يقول: لا تبديل لتلك الخلقة التي خلقهم لها، إما لجنة وإما لنار، حيث أخرجهم من صلب آدم، فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، ألا ترى أن غلام الخضر قال صلى الله عليه وسلم: (طبعه الله يوم طبعه كافراً) وهو بين أبوين مؤمنين، فأعلم الله ذلك عبده الخضر، ولم يعلم ذلك كليمه موسى صلى الله عليه وسلم، على ما ذكرنا في غير موضع من كتبنا]. وهذا دليل على أن الخضر نبي أوحي إليه على الصحيح، خلافاً للجمهور القائلين بأنه عبد صالح، والصواب أنه نبي؛ لأنه قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82] بل عن أمر الله. لكن موسى أفضل منه؛ لأنه من أولي العزم.

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن حديث الفطرة تفرد به حميد بن عبد الرحمن

ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن حديث الفطرة تفرد به حميد بن عبد الرحمن قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به حميد بن عبد الرحمن. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتجون إبلكم هذه، هل تحسون فيها من جدعاء؟)]. (كما تنتجون)، تنتج على الوقت الذي هو محدد لها. [(ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: فاقرءوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30]). قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: (فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) مما نقول في كتبنا: إن العرب تضيف الفعل إلى الآمر كما تضيفه إلى الفاعل، فأطلق صلى الله عليه وسلم التهود والتنصر والتمجس على من أمر ولده بشيء منها بلفظ الفعل؛ لا أن المشركين هم الذين يهودون أولادهم أو ينصرونهم أو يمجسونهم دون قضاء الله عز وجل في سابق علمه في عبيده]. المراد: أنهم بتعليمهم إياهم يتسببون في انتقالهم إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية، وإلا فالله هو المقدر، ولا يوجد شيء إلا بقضاء الله وقدره. أي: أن الله تعالى هو الهادي والمضل، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته. أحد الأقوال وهو رواية عن الإمام أحمد أن الفطرة الخلقة التي خلق عليها، والقول الثاني: أن الفطرة هي الإسلام، وقيل: الفطرة هي الدين، لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يعرف الشريعة بالفطرة ولا حاجة إلى الرسل، بل المعنى أنه يقر بوجود الله ويعرف ربه، ويقبل الحق ممن جاء به إلا إذا غير، وإلا لو كان معنى الفطرة: أنه يولد ويعرف كل شيء لم يكن هناك حاجة إلى الرسل، بل المعنى: أنه يقبل ما جاءت به الرسل إلا إذا جاءته مؤثرات خارجية. قال: [على ما أمر ولده بشيء منها بلفظ الفعل، لا أن المشركين هم الذين يهودون أولادهم أو ينصرونهم أو يمجسونهم دون قضاء الله عز وجل في سابق علمه في عبيده، وعلى حسب ما ذكرنا في غير موضع من كتبنا، وهذا كقول ابن عمر رضي الله عنه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجته) يريد به: أن الحالق فعل ذلك به صلى الله عليه وسلم لا نفسه، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: (من حين يخرج أحدكم من بيته إلى الصلاة فخطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة) يريد: أن الله يأمر بذلك، لا أن الخطوة تحط الخطيئة أو ترفع الدرجة، وهذا كقول الناس: الأمير ضرب فلاناً ألف سوط، يريدون: أنه أمر بذلك لا أنه فعل بنفسه].

ذكر خبر قد يوهم عالما من الناس أنه مضاد لحديث الفطرة

ذكر خبر قد يوهم عالماً من الناس أنه مضاد لحديث الفطرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر قد يوهم عالماً من الناس أنه مضاد للخبرين اللذين ذكرناهما قبل. أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أنبأنا يونس عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)]. هذا في الصحيحين، أخرجه البخاري في الجنائز ومسلم. قال: [ذكر خبر قد يوهم عالماً من الناس أنه مضاد للخبرين اللذين ذكرناهما قبل]. هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، وهذا لا ينافي قول: الله أعلم بما كانوا عاملين، وبما يصيرون إليه، وإن كانوا يولدون على الفطرة ومحبة الخير، لكن الله أعلم بما يصيرون إليه.

ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه مضاد لحديث أبي هريرة في مآل ذراري المشركين

ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه مضاد لحديث أبي هريرة في مآل ذراري المشركين قال المصنف رحمه الله: [ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه مضاد لخبر أبي هريرة الذي ذكرناه. أخبرنا الفضل بن حباب الجمحي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا السري بن يحيى أبو الهيثم -وكان عاقلاً- حدثنا الحسن عن الأسود بن سريع - وكان شاعراً، وكان أول من قص في هذا المسجد- قال: أفضى بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أوليس خياركم أولاد المشركين؟ ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)]. قال أبو حاتم في خبر الأسود بن سريع هذا: (ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام) أراد به الفطرة التي يعتقدها أهل الإسلام التي ذكرناها قبل، حيث أخرج الخلق من صلب آدم، فإقرار المرء بتلك الفطرة من الإسلام، فنسب الفطرة إلى الإسلام عند الاعتقاد على سبيل المجاورة]. قال في التخريج: رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني في الكبير عن الفضل بن حباب بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير والصغير عن مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد. قال: [عن الأسود بن سريع وكان شاعراً، وكان أول من قص في هذا المسجد قال: أفضى بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أوليس خياركم أولاد المشركين؟ ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام)]. لا شك أن الصحابة كلهم كانوا بعد الإسلام خياراً، وكان آباء كثير منهم على الشرك، وهذا لا يمنع أن يكونوا قد ولدوا على الفطرة. قال المحشي: [وقوله: (حتى يعرب) أي: يفصح ويتكلم، وفي رواية ابن أبي شيبة: حتى يبلغ فيعبر عن نفسه]. هو مولود على الفطرة حتى يبلغ، ثم بعد ذلك يختار.

ذكر الخبر المصرح بأن قوله: (الله أعلم بما كانوا عاملين) كان بعد قوله: (كل مولود يولد على الفطرة)

ذكر الخبر المصرح بأن قوله: (الله أعلم بما كانوا عاملين) كان بعد قوله: (كل مولود يولد على الفطرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المصرح بأن قوله صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين) كان بعد قوله: (كل مولود يولد على الفطرة): أخبرنا عمر بن سعيد الطائي بمنبج أخبرنا أحمد بن أبي بكر الزهري عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة)]. تنتج على اللفظ المبني للمجهول، وهو مروي للمعلوم عنه الشيء الملازم تناتج، والمعروف تنتج، يراجع هذا. [(كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء، هل تحس من جدعاء؟ قالوا: يا رسول الله! أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين). فقوله: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، هو بعد قوله: (كل مولود يولد على الفطرة)، استدل به المؤلف رحمه الله فقال: (كل مولود يولد على الفطرة) قال: الفطرة هي الإسلام، ثم قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين).

ذكر العلة التي من أجلها قال: (أوليس خياركم أولاد المشركين)

ذكر العلة التي من أجلها قال: (أوليس خياركم أولاد المشركين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر العلة التي من أجلها قال صلى الله عليه وسلم: (أوليس خياركم أولاد المشركين). سمعت أبا خليفة يقول: سمعت عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم يقول: سمعت الربيع بن مسلم يقول: سمعت محمد بن زياد يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (عجب ربنا من أقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل)]. إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه أحمد والبخاري. قال: [(عجب ربنا من أقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل)]. فيه إثبات العجب لله عز وجل، وقوله: (بالسلاسل) يعني: بالجهاد، يقاتلون ثم يسلمون فيدخلون في الإسلام، يعني: يقاتلهم المسلمون، ثم يمن الله عليهم بالإسلام، فبالقوة يدخلون إلى الإسلام، ويقادون إلى الجنة بالسلاسل. [قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: (عجب ربنا) من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ علم المخاطب بما يخاطب به في القصد إلا بهذه الألفاظ التي استعملها الناس فيما بينهم، والقصد في هذا الخبر: السبي الذي يسبيهم المسلمون]. هذا غلط من أبي حاتم فقد أنكر صفة العجب، وله أغلاط أخرى في العقيدة، قوله: من الألفاظ التي يتعارف عليها، يعني: يقصد إنكار العجب، والصواب: أن هذا فيه صفة العجب لله عز وجل، وفي الحديث الآخر: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره)، (يعجب ربكم من شاب ليست له صبوة)، وفي قراءة: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات:12] (بل عجبتُ ويسخرون)، على هذا فيه إثبات العجب لله، ((بَلْ عَجِبْتُ)) على إحدى القراءتين، قراءة حفص: ((بَلْ عَجِبْتَ)) الخطاب للرسول، وقراءة (بل عجبتُ) فيه إثبات العجب لله، فـ أبو حاتم رحمه الله له تأويل في الصفات، قال أبو حاتم: هذا من الألفاظ التي نتعارف عليها، وليس المقصود إثبات العجب. هكذا! من الألفاظ المتعارف عليها يخاطب الناس بما يعرفون، فأنكر بذلك صفة العجب لله. فمعنى: (عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل) يعني: يجاهدهم ويقاتلهم المسلمون ويسبونهم ويكتفونهم، ثم يدخلون الإسلام ويدخلون الجنة. قال: [والقصد في هذا الخبر السبي الذي يسبيهم المسلمون من دار الشرك مكتفين بالسلاسل يقادون بها إلى دور الإسلام حتى يسلموا فيدخلون الجنة، ولهذا المعنى أراد صلى الله عليه وسلم بقوله في خبر الأسود بن سريع: (أوليس خياركم أولاد المشركين)، وهذه اللفظة أطلقت أيضاً بحذف (من) عنها، يريد: أو ليس من خياركم]. يعني: أن الصحابة كان آباؤهم مشركين.

ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانة أنه مضاد لما ورد في مآل ذراري المشركين

ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانة أنه مضاد لما ورد في مآل ذراري المشركين قال المصنف رحمه الله: [ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها]. الذي لا يهتم بالعلم وأخذه من مصادره يغلط. قال: [ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها. أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان أنبأنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان). قوله: [ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه أنه مضاد للأخبار التي ذكرنا لها]. الأخبار السابقة هل فيها الأمر بالقتل: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، يعني: (خياركم أولاد المشركين)، ونهى عن قتل النساء والصبيان؟! هذا من محاسن الإسلام؛ لأن النساء والصبيان ليسوا من أهل السلاح ولا يحملون السلاح فلا يقتلون، وكونه نهى عن قتل النساء والصبيان فهذه أحكام، وهم لهم أحكامهم في الدنيا ولهم أحكام في الآخرة، وأحكامهم في الدنيا أنهم لا يقتلون وحدهم، لكن إذا بيت المسلمون المشركين قتلوا معهم، لكن أولاد المشركين الصواب أنهم في الجنة إذا ماتوا قبل البلوغ.

ذكر الخبر المصرح بأن نهي النبي عن قتل الذراري كان بعد قوله: (هم منهم)

ذكر الخبر المصرح بأن نهي النبي عن قتل الذراري كان بعد قوله: (هم منهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المصرح بأن نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل الذراري من المشركين كان بعد قوله صلى الله عليه وسلم: (هم منهم). أخبرنا جعفر بن سنان القطان بواسط حدثنا العباس بن محمد بن حاتم حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا حمى إلا لله ورسوله، وسألته عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال: نعم فإنهم منهم)، ثم نهى عن قتلهم يوم حنين]. النهي إذا تميزوا، وإذا اختلطوا يقتلون.

ذكر خبر قد أوهم من أغضى عن علم السنن أن أطفال المسلمين يخاف عليهم النار

ذكر خبر قد أوهم من أغضى عن علم السنن أن أطفال المسلمين يخاف عليهم النار قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر قد أوهم من أغضى عن علم السنن واشتغل بضدها أنه مضاد للأخبار التي ذكرناها قبل]. التراجم يدخل بعضها في بعض، وإذا أردت أن تربط عناوين الكتاب فانظر الفهرس. قال: [ذكر خبر قد أوهم من أغضى عن علم السنن واشتغل بضدها أنه مضاد للأخبار التي ذكرناها قبل. أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن العلاء بن المسيب عن فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: (توفي صبي، فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلاً؟)]. قال في التخريج: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه مسلم في القدر. قال ابن حاتم: [أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقول هذا ترك التزكية لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد، وإن عرف منه إتيان الطاعات، والانتهاء عن المزجورات]. المراد ألا يشهد لأحد بعينه بخصوصه لما قالت: (طوبى له عصفور من عصافير الجنة)، ولهذا قال: (أو غير ذلك)، وإلا أولاد المؤمنين في الجنة ولا شك في هذا، لكن لما خصصت شخصاً بعينه أنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم الشهادة له بخصوصه لما في ذلك من التزكية. قال أبو حاتم: [أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا ترك التزكية لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد، وإن عرف منه إتيان الطاعات، والانتهاء عن المزجورات؛ ليكون القوم أحرص على الخير، وأخوف من الرب، لا أن الصبي الطفل من المسلمين يخاف عليه النار، وهذه مسألة طويلة قد أمليناها بفصولها والجمع بين هذه الأخبار في كتاب فصول السنن، وسنمليها إن شاء الله تعالى بعد هذا الكتاب في كتاب الجمع بين الأخبار ونفي التضاد عن الآثار، إن يسر الله تعالى ذلك وشاء].

كتاب الإيمان [2]

شرح صحيح ابن حبان_كتاب الإيمان [2] لا يكلف العباد إلا بما يطيقون، ولا إكراه في الدين فإنه موافق للفطرة، فلا يمتنع من الدخول فيه بعد تبين الرشد له إلا من أعمى الله بصيرته وختم على سمعه وقلبه، والواجب على الإنسان أن يقبل دين الفطرة ويدفع الوساوس التي يلقيها الشيطان على قلبه.

باب التكليف

باب التكليف قال ابن حبان رحمه الله تعالى: [باب التكليف. ذكر الإخبار عن نفي تكليف الله عباده ما لا يطيقون]. هذه الترجمة أنكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، فلا يرى أنها تكليف؛ وإنما هذا حق الله تعالى لكن لا يسمى تكليفاً؛ لأن ليس فيه كلفة ولا مشقة، وإن كان أصل الكلفة موجوداً، لكن لا يسمى كلفة. قال: [أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: (لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:284]، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب، وقالوا: لا نطيق، لا نستطيع، كلفنا من العمل ما لا نطيق ولا نستطيع، فأنزل الله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة:285] إلى قوله: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولون كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]، فأنزل الله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال: نعم، {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة:286] قال: نعم، {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286] قال: نعم)]. وهذا رواه مسلم في الصحيح، وفيه: أن الله تعالى نسخ الآية الأولى بالآية التي بعدها. في مسلم: أن الصحابة جاءوا إلى النبي وجثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق؛ الصلاة والصيام وأنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ} [البقرة:284] من يستطيع أن يزيل ما في نفسه؟ لا أحد يستطيع ذلك، فقال النبي: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة:93]، بل قولوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285]، فقالوا: ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا))، فلما قرأها القوم وذلت لها أنفسهم وألسنتهم أنزل الله في إثرها: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]). رواه مسلم في الصحيح. يعني: أن الصحابة سموا هذا تكليفاً، وقالوا: كلفنا، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وشيخ الإسلام يعارض في تسميتها تكليفاً، وقد يقال: إن الصحابة قالوا للنبي: (كلفنا يا رسول الله من العمل ما نطيق)، ولم ينكر قول: كلفنا، نعم الله كلف العباد وألزمهم بأن يعبدوه ويسجدوا له؛ لأن العباد مخلوقون لهذا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. قال: أخرجه مسلم في صحيحه في باب الإيمان.

ذكر الإخبار عن الحالة التي من أجلها أنزل الله: (لا إكراه في الدين)

ذكر الإخبار عن الحالة التي من أجلها أنزل الله: (لا إكراه في الدين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عن الحالة التي من أجلها أنزل جل وعلا: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل ببست قال: حدثنا حسن بن علي الحلواني حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]، قال: كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد؛ فتحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار، فقالت الأنصار: يا رسول الله! أبناؤنا؛ فأنزل الله هذه الآية: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]. قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم، ومن شاء دخل في الإسلام]. هذا موقوف على ابن عباس، قال في تخريجه: إسناده صحيح على شرطهما وأبو بشر هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية، وأخرجه أبو داود والبيهقي. هذا موقوف على ابن عباس، قال: كانت المرأة من الأنصار لا يأتي لها ولد، فتنذر أو تحلف لئن عاش لتهودنه، فلما أجليت بنو النضير، قالوا: أبناؤنا الذين نذروا وحلفوا ليهودونهم معهم، فأنزل الله: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256].

ذكر البيان بأن الفرض الذي جعله الله نفلا جائز أن يفرض ثانيا

ذكر البيان بأن الفرض الذي جعله الله نفلاً جائز أن يفرض ثانياً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الفرض الذي جعله الله جل وعلا نفلاً جائز أن يفرض ثانياً، فيكون ذلك الفعل الذي كان فرضاً في البداية فرضاً ثانياً في النهاية]. أي: إذا كان الأمر فرضاً ثم خفف فصار نفلاً قد يفرض مرة أخرى. [أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي بمنبج قال: حدثنا سعيد بن حفص النفيلي قال: قرأنا على معقل بن عبيد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة في رمضان فصلى في المسجد، فصلى رجال وراءه بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فصلوا بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا بذلك، فاجتمع أهل المسجد الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لصلاة الفجر، فلما قضيت صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: أما بعد: فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتقعدوا عنها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام شهر رمضان من غير أن يأمرهم بقضاء أمر فيه، يقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)]. وكان هذا في رمضان، صلى بهم ثلاث ليال، ثم ترك خشية أن يفرض عليه، وبقيت صلاة الناس أوزاعاً في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر، يصلي الرجل وحده، ويصلي الرجل ومعه الرجلان، ثم جمعهم عمر على إمام واحد. قال أبو حاتم: [فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر رضوان الله عليهم أجمعين]. التخريج: إسناده حسن، معقل بن عبيد الله حديثه لا يرقى إلى الصحة، وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين. وجه الدلالة: أن الأمر الذي كان واجباً، ثم كان مستحباً، قد يكون فرضاً، يعني: أنه كان يخشى أن تفرض عليهم صلاة الليل، وكأن المؤلف رحمه الله رأى أن قيام الليل كان واجباً على الأمة، ثم نسخ فصار نفلاً، ثم يمكن أن يكون فرضاً آخر، ولهذا خشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرض عليهم قيام الليل مرة ثانية، فلهذا ترك القيام معهم، وهذا على القول بأن قيام الليل كان واجباً في أول الإسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة، ثم نسخ فصار نفلاً في حق الأمة، ويمكن أن يعود الفرض مرة أخرى، ولهذا خاف النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فلم يخرج في الليلة الرابعة لئلا يفرض عليهم مرة أخرى. قال: [ذكر البيان بأن الفرض الذي جعله الله جل وعلا نفلاً]. يعني قيام الليل صار نفلاً بعد أن كان فرضاً. قال: [جائز أن يفرض ثانياً]. فيكون واجباً مرة ثانية.

ذكر الإخبار عن العلة التي من أجلها إذا عدمت رفعت الأقلام عن الناس

ذكر الإخبار عن العلة التي من أجلها إذا عدمت رفعت الأقلام عن الناس قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه: [ذكر الإخبار عن العلة التي من أجلها إذا عدمت رفعت الأقلام عن الناس في كتبة الشيء عليهم. أخبرنا أبو يعلى حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق)]. حتى يحتلم يعني: يبلغ، فإنه يرفع عنه القلم، (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ). قال: إسناده صحيح على شرط مسلم، وحماد هو ابن أبي سليمان الأشعري مولاهم أبو إسماعيل الكوفي الإمام الثقة المجتهد، وأخرجه أحمد والدارمي وأبو داود والنسائي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. [ذكر الإخبار عن العلة التي من أجلها إذا عدمت رفعت الأقلام عن الناس في كتبة الشيء عليهم]. الكلام الآن على التكليف ورفع قلم التكليف، والنائم رفع عنه القلم، فلو انقلب على شخص وقتله لا يأثم، لكن عليه الدية؛ أو أتلف شيئاً وهو نائم فعليه أن يغرم لكن لا يأثم؛ لأنه ليس بوعيه، لكن المتلفات لابد من عزمها، ومثل ذلك المرأة لو انقلبت على طفلها فمات لا تأثم، لكن عليها الدية والكفارة، وكذلك المجنون لو قتل شخصاً لا يأثم؛ لأنه لا عقل له، لكن عاقلته تلزمهم الدية، وكذلك الصبي الصغير لو قتل شخصاً أو أتلف شيئاً لا يأثم؛ لأنه رفع عنه القلم، لكن يغرم ما أتلفه من ماله أو من عاقلته، وعلى العاقلة دية المقتول، وهكذا الصبي لو قتل شخصاً أو أتلف شيئاً لا يأثم؛ لأنه مرفوع عنه القلم لكن يغرم ما أتلفه من ماله أو من عاقلته، وكذا لو كان المرء في غيبوبة فإنه مرفوع عنه القلم في غيبوبته وليس عليه تكليف. وللزوج أن يتنازل عن دية الطفل الذي مات بسبب أمه، لكن لا تسقط عنها الكفارة، وإن لم تستطع فتبقى في ذمتها حتى تستطيع.

ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما سبق ذكره في رفع القلم عن فئات من الناس

ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما سبق ذكره في رفع القلم عن فئات من الناس قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه. أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان بن مهران عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمجنونة بني فلان قد زنت أمر عمر برجمها، فردها علي وقال لـ عمر: يا أمير المؤمنين! أترجم هذه؟ قال: نعم. قال: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب عن عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)؟ قال: صدقت. فخلى عنها]. قال في تخريجه: رجاله ثقات رجال مسلم، وأبو ظبيان هو حصين بن جندب بن الحارث الجنبي بفتح الجيم أبو ظبيان الكوفي حدث عن حذيفة وسلمان وعلي وطائفة، وعنه ابنه قابوس بن حصين وسماك وعطاء. وثقه ابن معين توفي سنة تسعين وقيل: سنة خمس أو ست وتسعين. والحديث أيضاً في صحيح ابن خزيمة، وأخرجه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وأخرجه النسائي من طريق إسرائيل عن أبي حصين عن أبي ظبيان عن علي موقوفاً عليه. وأخرجه الترمذي والنسائي في الرجم كما في التحفة، وأحمد والبيهقي من طريقين عن الحسن البصري عن علي مرفوعاً. وهذه القصة موافقة للحديث فالمجنون مرفوع عنه القلم.

صحة حج الصبي ومن في حكمه، وحصول الأجر للمتسبب في حجه

صحة حج الصبي ومن في حكمه، وحصول الأجر للمتسبب في حجه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على صحة ما تأولنا الخبرين الأولين اللذين ذكرناهما، بأن القلم رفع عن الأقوام الذين ذكرناهم في كتبة الشر عليهم دون كتبة الخير لهم]. أي أن الخير يكتب لهم والشر لا يكتب عليهم. [أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان قال: سمعت إبراهيم بن عقبة قال: سمعت كريباً يخبر عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صدر من مكة -أي: خرج - فلما كان بالروحاء، استقبله ركب فسلم عليهم، فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، فمن أنت؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففزعت امرأة منهم، فرفعت صبياً لها من محفة وأخذت بعضلته فقالت: يا رسول الله! هل لهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر)]. الحديث رواه مسلم في صحيحه، وفيه دليل على صحة حج الصبي ولو كان طفلاً في المهد، فإنه إذا عمل الخير يكتب له، قوله: (ألهذا حج؟ قال: نعم له حج ولك أجر) أي: لها أجر المعونة والسبب، وهذا يدل على أن الصبي إذا فعل الخير يكون الأجر له، ونسمع عن بعض العامة أنهم يقولون: إذا حج الصبي يكون حجه لأبيه، أو لأمه، أو لجده، أو لجدته، وهذا لا أصل له، بل يكون الأجر له، وللمتسبب على المعونة، إذ إن التسبب له أجر آخر، غير أجر الحج، وعلى وليه أن يكشف رأسه عند أداء النسك إن كان ذكراً ويلبسه إزاراً ورداءً ويطوف به وينوي عنه ولو كان في المهد، ويطوف به ويسعى ثم يقصر عنه، وإذا لم يتم الحج يلزم وليه أن يتمه ولا يجزئه ذلك عن حجة الإسلام، بل عليه إذا بلغ أن يحج، وكذلك العبد إذا أذن له سيده يصح حجه، ولا يكفيه عن الفرض كما جاء في الحديث: (أيما صبي حج ثم بلغ الحلم فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى)، ويقاس على الصبي المجنون؛ لأن كلاً منهما مرفوع عنه القلم، فحكمهما واحد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال إبراهيم: فحدثت بهذا الحديث ابن المنكدر فحج بأهله أجمعين]، وإنما فعل ذلك حتى يستفيدوا ويؤجروا، والحديث رواه مسلم في باب صحة حج الصبي. مسألة: المرأة إذا قتلت ابنها وهي نائمة؛ فإن الدية على العاقلة وعليها الكفارة. وإذا مات القاتل ولم يكمل الكفارة، فإنه يلزم وليه أن يكملها.

مدافعة الوساوس في ذات الله صريح الإيمان

مدافعة الوساوس في ذات الله صريح الإيمان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عما وضع الله من الحرج عن الواجد في نفسه ما لا يحل له أن ينطق به]. أي: الوساوس التي تكون في نفس الإنسان، فإذا وجد في نفسه الوساوس فليس عليه إثم، لكن عليه أن يدافعها وإذا كانت وساوساً تمر ولا تستقر فلا ينظر إليها، لكن عليه أن يدافعها ويحاربها ولا ينطق بها فإن فعل فلن تضره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو يعلى حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: (يا رسول الله! إنا لنجد في أنفسنا أشياء ما نحب أن نتكلم بها وإن لنا ما طلعت عليه الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: قد وجدتم ذلك؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان)]. أي أن كتم الوسوسة، ودفعها ومحاربتها صريح الإيمان، وفي اللفظ الآخر: أنهم قالوا: (يا رسول الله! إنا لنجد في أنفسنا ما لأن يخر الإنسان من السماء خير له أن ينطق به) وفي لفظ: (ما لأن يكون حممة -يعني فحمة- خير له من أن يتكلم به، قال وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان)، أي أن كتم الوسوسة، ومحاربتها، ومدافعتها، واستعظام التكلم بها صريح الإيمان، وليس المعنى أن الوسوسة هي صريح الإيمان؛ لأنهم قد قالوا: يتمنى الواحد أن يسقط من السماء ولا يتكلم أو يكون حممة، أي: فحمة ولا يتكلم بالوساوس، وفي اللفظ الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) يريد الشيطان، وقد يسأل سائل: هل تكون هذه من الابتلاءات التي تكفر الذنوب؟ و A هذه وساوس لا تكفر الذنوب، ومن الواضح أن الصحابة خافوا أن تكون ذنوباً يؤاخذون عليها، ولذا قصاراه أنها تكون معفواً عنها. والحديث إسناده حسن، ومحمد بن عمرو هو ابن علقمة بن وقاص الليثي المدني حسن الحديث، وأخرجه أحمد بهذا الإسناد.

مدافعة الوساوس صريح الإيمان لا ذاتها

مدافعة الوساوس صريح الإيمان لا ذاتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر أوهم من لم يتفقه في صحيح الآثار ولا أمعن في معاني الأخبار أن وجود ما ذكرناه هو محض الإيمان. أخبرنا أبو عروبة بحران قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم قالوا: (يا رسول الله! إنا لنجد في أنفسنا شيئاً لأن يكون أحدنا حممة أحب إليه من أن يتكلم به، قال: ذلك محض الإيمان). قال أبو حاتم رضي الله عنه: إذا وجد المسلم في قلبه أو خطر بباله من الأشياء التي لا يحل له النطق بها، من كيفية الباري جل وعلا، أو ما يشبه هذا فرد ذلك على قلبه بالإيمان الصحيح، وترك العزم على شيء منها، كان رده إياها من الإيمان، بل هو من صريح الإيمان لا أن خطرات مثلها من الإيمان]. قوله: صريح الإيمان، أي: محض الإيمان، والمعنى أن الوساوس ليست من الإيمان، بل المراد كتمها ومحاربتها ودفعها. وقوله: [قال أبو حاتم رضي الله عنه: إذا وجد المسلم في قلبه أو خطر بباله من الأشياء] أي: من الوساوس. وقوله: [التي لا يحل له النطق بها من كيفية الباري جل وعلا، أو ما يشبه هذا، فرد ذلك على قلبه بالإيمان الصحيح، وترك العزم على شيء منها، كان رده إياها من الإيمان، بل هو من صريح الإيمان لا أن خطرات مثلها من الإيمان]. المعنى: ليس المراد الوساوس إنما المراد دفع هذه الوساوس.

بيان أن المرء غير مؤاخذ بما حدث به نفسه إن لم يتكلم

بيان أن المرء غير مؤاخذ بما حدث به نفسه إن لم يتكلم قال المصنف رحمه الله: [ذكر الإباحة للمرء أن يعرض بقلبه شيء من وساوس الشيطان، بعد أن يردها من غير اعتقاد القلب على ما وسوس إليه الشيطان. أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن منصور عن ذر عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن أحدنا ليجد في نفسه الشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة)]. الحديث إسناده صحيح على شرطهما، وذر هو ابن عبد الله المرهبي وأخرجه الطيالسي وأحمد وأبو داود. وفيه أنهم قالوا: (يا رسول الله! يجد أحدنا في نفسه ما لأن يكون حممة)، والمعنى: أنه إن ردها بعد أن عرضت عليه فلا تضره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة). وقوله: حممة، أي فحمة، فيحترق ويصير فحماً.

ذكر البيان بأن حكم الواجد في نفسه الوساوس والمحدث إياها به سيان ما لم ينطق به لسانه

ذكر البيان بأن حكم الواجد في نفسه الوساوس والمحدث إياها به سيان ما لم ينطق به لسانه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن حكم الواجد في نفسه ما وصفنا، وحكم المحدث إياها به سيان، ما لم ينطق به لسانه]. أي: لا فرق بين أن يقول: وجدت في نفسي، أو: حدث نفسه، فما دام أنه لم يتكلم فالحكم واحد، وهو أن ذلك معفو عنه، سواءً وجد في نفسه أو حدث نفسه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو خليفة حدثنا مسدد حدثنا خالد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: (يا رسول الله! إن أحدنا ليحدث نفسه بالشيء يعظم على أحدنا أن يتكلم به قال: أو قد وجدتموه؟! ذاك صريح الإيمان)]. أي: دفعه ومحاربته وكتمه صريح الإيمان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي ومحمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة وعدة قالوا: حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء قال: سمعت علي بن عثام يقول: أتيت سعير بن الخمس أسأله عن حديث الوسوسة فلم يحدثني؛ فأدبرت أبكي ثم لقيني فقال: تعال حدثنا المغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: (سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد الشيء لو خر من السماء فتخطفه الطير كان أحب إليه من أن يتكلم قال: ذاك صريح الإيمان)]. الحديث إسناده صحيح على شرط الصحيح.

ما ينبغي للمرء أن يقوله عند الوسوسة

ما ينبغي للمرء أن يقوله عند الوسوسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الأمر للمرء بالإقرار لله جل وعلا بالوحدانية، ولصفيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة عند وسوسة الشيطان إياه. أخبرنا العباس بن أحمد بن حسان السامي بالبصرة قال: حدثنا كثير بن عبيد المذحجي حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يدع الشيطان أن يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماوات والأرض؟ فيقول: الله، فيقول: فمن خلقك؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا حس أحدكم بذلك فليقل: آمنت بالله وبرسله)]، وفي الحديث مشروعية القول: (آمنت بالله ورسله)، وجاء في اللفظ الآخر يقول: {اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]، وفي اللفظ الآخر يقول: (آمنت بالله، ولينته) أي: ليقطع التفكير. والحديث إسناده صحيح، وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد والبخاري.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من انتشرت في بلاده القبور

حكم من انتشرت في بلاده القبور Q من كان في بلده عدد كبير من القبور التي تزار ويطاف بها، فما موقفه منها؟ وهل يقطع صلته بكل من يفعل هذه الأفعال الشركية عند القبور؟ A لا، بل يناصحهم، (الدين النصيحة)، ويبين لهم، وينقل لهم فتاوى العلماء والأشرطة المفيدة لعل الله أن يهديهم، وهؤلاء الناس إن لم يستمعوا له فلا يخالطهم ولا يجالسهم، وإنما يزورهم ويحسن إليهم، كما قال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15]، فالإحسان الدنيوي مطلوب.

تقديم الصحابة في الحب على النفس

تقديم الصحابة في الحب على النفس Q هل يحب الصحابة فوق محبة النفس؟ A هذا جاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لـ عمر: (حتى أكون أحب إليك من نفسك).

حكم الثناء على الله والصلاة على النبي قبل الدعاء في السجود

حكم الثناء على الله والصلاة على النبي قبل الدعاء في السجود Q هل يبدأ بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل دعاء حتى في أدعية السجود وآخر الصلاة وأذكار النهار؟ A لا، وذلك موجود في الصلاة، وهي شيء واحد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، في الفاتحة موجود الحمد والثناء، وفي الدعاء يقول: سبحان ربي الأعلى، وأما الثناء فيكتفي بالفاتحة.

المشير في الصلاة

المشير في الصلاة Q هل عائشة رضي الله عنها هي التي أشارت إلى أسماء أو أسماء هي التي أشارت لها في صلاة الكسوف؟ A عائشة كانت تصلي، وأسماء جاءت سألتها، كما في البخاري.

حكم من أقسم على آخر ألا يتكلم

حكم من أقسم على آخر ألا يتكلم Q أقسمت على صديق لي ألا يتكلم في موضوع معين، وامتثل ثلاثة أيام، فهل له أن يعود للكلام أم أن علي كفارة؟ A إذا أقسمت ألا يتكلم مطلقاً فتكلم بعد ثلاثة أيام عليك كفارة.

حكم قصد محطات الوقود للهدية

حكم قصد محطات الوقود للهدية Q هل يجوز قصد محطات البنزين للتعبئة من أجل الهدية؟ A إذا كانت شيئاً يسيراً، ولا يسبب إيهاماً ولا انصراف الناس عن المحطات الأخرى فأرجو ألا يكون في الأمر حرج.

حكم تكرار الاستخارة

حكم تكرار الاستخارة Q هل يجوز تكرار الاستخارة؟ وما الدليل على ذلك؟ الشيخ: الدليل الأحاديث التي فيها الاستخارة؛ فإن مقتضاها أن الإنسان إذا لم يتبين له يستخير مرة أخرى وثانية.

كتاب الإيمان [3]

شرح صحيح ابن حبان_كتاب الإيمان [3] جاءت الأخبار الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مبينة فضل الإيمان، وأنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، والإيمان ليس قولاً باللسان أو اعتقاداً بالقلب فحسب؛ بل هو قول واعتقاد وعمل كما دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة.

فضل الإيمان

فضل الإيمان قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل الإيمان: أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي قال: حدثنا حفص بن عمر الحوضي قال: حدثنا محرر بن قعنب الباهلي قال: حدثنا رياح بن عبيدة عن ذكوان السمان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ناد في الناس من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، فخرج فلقيه عمر في الطريق، فقال: أين تريد؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، قال: ارجع، فأبيت، فلهزني لهزة في صدري ألمها -أي: آلمته وأوجعته- قال: فرجعت ولم أجد بداً، قال: يا رسول الله! بعثت هذا بكذا وكذا؟ قال: نعم، قال: يا رسول الله! إن الناس قد طمعوا وخشوا، فقال صلى الله عليه وسلم: اقعد)]. الحديث أصله في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه نعليه وقال: اذهب فمن وجدت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فبشره بالجنة, فلقيه عمر فسأله فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرني بذلك، فلهزه لهزة أوجعته -ضربه في صدره- فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجيش بالبكاء من عمر، فلحقه عمر فقال: يا رسول الله! أبعثت هذا بنعليك يقول كذا وكذا؟ قال: نعم، قال: لا تفعل فيتكلوا، أو قال: فإذاً يتكلوا). وفي الباب عن أبي هريرة عند مسلم. ومحرر بن قعنب وثقه أبو زرعة كما في الجرح والتعديل، وفي الحديث فضل التوحيد، ومن مات على التوحيد فهو من أهل الجنة عاجلاً أو آجلاً, لكن من مات على توحيد سالم من الشرك والبدع والكبائر دخل الجنة من أول وهلة، وإلا فهو على خطر إذا فعل الكبائر من غير توبة. واللهز: هو الضرب بجمع الكف في الصدر.

الإيمان أفضل الأعمال

الإيمان أفضل الأعمال قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن أفضل الأعمال هو الإيمان بالله. أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني قال: حدثنا سفيان والدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي مراوح الغفاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله)]. هذا الحديث فيه فضل الإيمان بالله ورسوله، وفيه تسمية الإيمان عملاً؛ لأن الإيمان: تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح، والإيمان إذا أطلق يشمل الأقوال والأعمال، والاعتقاد يشمل من الأعمال أعمال القلوب، وأعمال الجوارح, ويشمل تصديق القلب وإقراره، ويشمل قول اللسان، ويشمل عمل القلب مثل: النية والإخلاص، والصدق، والمحبة، فكلها من أعمال القلوب، وكلها داخلة في الإيمان، وفيه أنها أفضل الأعمال بدليل قوله في الحديث: (يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله)، فجعله من العمل، وفيه الرد على المرجئة الذين يقولون: الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الإيمان عملاً، بل جعله والجهاد أفضل الأعمال، وفي اللفظ الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم ماذا؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله) وفي بعضها قدم الجهاد على الوالدين. والحديث السابق إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه البخاري ومسلم والدارمي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الواو الذي في خبر أبي ذر الذي ذكرناه ليس بواو وصل وإنما هو واو بمعنى (ثم)]. يريد الواو في قوله: (إيمان بالله وجهاد في سبيله)، إذ الواو فيه معناه (ثم)؛ لأنه جاء في الحديث الآخر: (أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله)، فجعل (ثم) محل الواو، فدل على أن الواو ليس للعطف والجمع وإنما هي بمعنى ثم، كما فسرتها الأحاديث الأخرى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي بعسقلان قال: حدثنا ابن أبي السري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله. قال: ثم ماذا؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور)]. وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح. وذكره أيضاً أحمد ومسلم. وفيه أن الجهاد بعد الإيمان بالله ورسله ثم الحج المبرور.

بيان أن من اقتصر على الواجبات وترك المحرمات دخل الجنة

بيان أن من اقتصر على الواجبات وترك المحرمات دخل الجنة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فرض الإيمان. أخبرنا عمر بن محمد الهمداني قال: حدثنا عيسى بن حماد قال: حدثنا الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (بينما نحن جلوس في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكىء بين ظهرانيهم، قال: فقلنا له: هذا الأبيض المتكىء، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، فقال الرجل: يا محمد! إني سائلك فمشتد عليك في المسألة فلا تجدن علي في نفسك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل ما بدا لك، فقال الرجل: نشدتك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم. فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو حديث عظيم فيه من الفوائد: أن من أدى الفرائض وترك المحرمات فهو من أهل الجنة يدخل الجنة من أول وهلة؛ لأنه أدى ما عليه ولو لم يأت بالنوافل، ويكون من المقتصدين، وهم أصحاب اليمين الذين يقتصرون على الفرائص والواجبات، لكن السابقين أفضل منهم، وهم الذين يتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، وقد أقر ضمام بن ثعلبة أنه سيصوم الشهر، ويؤدي الصلاة، ويزكي، ولا يزيد، بدليل قوله: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وفي اللفظ الآخر أنه قال: (لا أزيد على هذا ولا أنقص). وفيه من الفوائد: أن النبي لم يكن متميزاً عن أصحابه، ولهذا يأتي الغريب فلا يعرفه حتى يسأل: أين محمد؟ فيجيبه الصحابة -كما في هذا الحديث-: هذا الرجل الأبيض المتكئ، ولو كان متميزاً بلباسٍ أو بشيء آخر كما يتميز الملوك لعرفه من سأل عنه عليه الصلاة والسلام. وفيه أن الجد أب، ونسبة الإنسان إلى جده نسبة إلى أبيه، وهذا يستفاد من قوله: يا ابن عبد المطلب لأن عبد المطلب كان مشهوراً بخلاف عبد الله والد النبي فإنه مات شاباً، فلما كان عبد المطلب رئيساً في قومه، مشهوراً عند العرب اسمه؛ نسب النبي إليه، والجد أب. وفيه عناية ضمام بن ثعلبة واعتذاره حيث قال: إني سائلك فمشتد عليك في المسألة، ثم قال: آلله أرسلك؟ آلله أمرك أن نصلي خمس صلوات؟ آلله أمرك أن نصوم؟ آلله أمرك أن نؤدي الصدقة؟ يستحلفه فيها، وهذا مبالغة في التأكيد، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يهابون النبي صلى الله عليه وسلم، ويجلونه؛ حتى إنهم لا يطيقون النظر إليه إجلالاً له واحتراماً وتوقيراً، ويعجبهم الرجل يأتي من البادية لا يستحي أن يسأل عن دينه فيستفيدون بما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن الصحابة ما كانوا يجرءون على أن يسألوا بهذه الأشياء، أما الأعرابي فإنه بما عنده من جفاء وغلظة يجرؤ على أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب، فيتعلمون مما علمه. والمقتصد هو من أصحاب اليمن، الذين اقتصدوا أي: اقتصروا على الواجبات، وليس المعنى: قاصد أي: المريد للشيء، ولا القاسط بالسين؛ إذ القاسط هو الجائر الظالم، والمقتصد هو العادل وفرق بينهما، والقاسط مشتق من الثلاثي قسط التي تعني: جار وظلم، ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:15] أي: الظالمون الجائرون، وأما المقتسط فهو اسم فاعل من أقسط الرباعي وفي الحديث: (المقسطون على منابر من نور). والمقسطون من أقسط بمعنى عدل والفرق بينهما الهمزة. والحديث أخرجه أحمد والبخاري. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا محمد بن الخطاب البلدي قال: حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي قال: حدثنا سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع، فأتاه رجل منهم، فقال: يا محمد! أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: صدق، قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال؟ قال: الله، قال: فمن جعل فيها هذه المنافع؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء والأرض ونصب الجبال: وجعل فيها هذه المنافع آلله أرسلك؟ قال: نعم. قال: زعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: زعم رسولك أن علينا صدقة في أموالنا؟ قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: زعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: زعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن شيئاً، فلما قفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن صدق ليدخلن الجنة)]. وفيه أن المقتصد من اقتصر على الفرائض، وهو معنى قوله: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، وقد دل الحديث على أن المقتصد يدخل الجنة من أول وهلة، وأنه من أصحاب اليمين، ولكنهم ليسوا الأفضل بل السابقون بالخيرات أفضل منهم، وهم الذين يؤدون النوافل بعد الفرائض، أما الظالمون لأنفسهم فهم الذين يقصرون في الواجبات، ويفعلون بعض المحرمات، وفيه توكيد الأسئلة، وأنها مؤكدة مشددة لعظم ما تتناوله، وقوله: (زعم رسولك)، الزعم يطلق ويراد به الادعاء الكاذب، ويطلق ويراد به مجرد القول، ومعنى: زعم رسولك، أي: قال لنا رسولك كذا وكذا، وليس المراد أنه ادعى كذباً كما في قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7]، أي: زعموا زعماً كاذباً، بل زعم في الحديث بمعنى قال. والحديث أخرجه مسلم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم رضي الله عنه: هذا النوع مثل: الوضوء والتيمم والاغتسال من الجنابة والصلوات الخمس والصوم الفرض وما أشبه هذه الأشياء التي هي فرض على المخاطبين في بعض الأحوال لا الكل]. والمقصود أنه في بعض الأحيان تختلف أحوال الناس فيها على حسب الأدلة، فمن أصابته الجنابة يجب عليه الغسل، ومن لم تصبه الجنابة لا يجب عليه الغسل، كذلك من فقد الماء يتيمم ومن لم يفقد الماء لا يتيمم, ومن كان قادراً على الصوم يصوم ومن لا يقدر على الصوم لا يصوم، بل يطعم إذا كان عاجزاً أو يفطر ويقضي إذا كان مسافراً أو مريضاً.

الحث على التدرج في الدعوة والابتداء بالمهم فالأهم

الحث على التدرج في الدعوة والابتداء بالمهم فالأهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني قال: حدثنا أمية بن بسطام قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا روح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: (إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، وإذا فعلوها فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بهذا فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس)]. حديث معاذ مشهور رواه الشيخان، وفيه أن الداعية يبدأ بالأهم فالأهم، فيبدأ بالتوحيد، وهو معنى قوله: (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله)، وفي لفظ: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) واختلاف الروايات في الألفاظ يدل على أن المراد من الشهادتين توحيد الله وليس المراد النطق باللسان فقط، بدليل قوله في الرواية الأخرى: (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله)، أي: توحيد الله، وفي اللفظ الآخر: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، وليس المراد قولها باللسان، بل واعتقاد معناها كما في الحديث الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وفي لفظ: (إلى أن يوحدوا الله)، فذلك معناها. وفيه أن الداعية يتدرج في الدعوة إن كان المخاطبون كفاراً، فيدعوهم إلى التوحيد، ثم يدعوهم إلى الصلاة، فإذا استجابوا دعاهم إلى الزكاة, وكان أهل اليمن في ذلك الزمن أهل كتاب كما في الحديث الآخر: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، أي: استعد لمناظرتهم؛ لأنهم أهل علم فليسوا كالمشركين الذين ليس عندهم علم، بل هم أهل كتاب. وفيه أن الداعية ينبغي أن يعرف حال المدعوين حتى تكون الدعوة مناسبة، ولهذا أخبره النبي بحالهم وأنهم أهل كتاب، ثم وجهه إلى ما يبدأ به معهم فقال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، وفيه قال عن الزكاة: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، والجمهور على أن الضمير في قوله: أغنيائهم وفقرائهم، يعود إلى أهل اليمن ولذا قالوا: فلا تنقل الزكاة إلى بلد آخر، وقال البخاري والأحناف: بل الضمير في قوله: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) يعود إلى المسلمين، وعلى هذا فلا بأس بنقل الزكاة إلى بلد آخر، وقد توسط آخرون كشيخ الإسلام ابن تيمية فقالوا: لا تنقل الزكاة من بلد المال إلا إذا كان لمصلحة راجحة، كما إذا كان هناك قريب أو فقير أشد حاجة من فقراء البلد فإنها تنقل، وإلا فإنها تصرف في بلد المال، وقد بوب البخاري فقال: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم أينما كانوا) يريد في أي بلد، وهو مذهب الأحناف. وفيه قوله: (اتق دعوة المظلوم) وأنه ينبغي للإنسان أن يحذر دعوة المظلوم، فلا يأخذ الزكاة من أنفس المال وإنما يأخذ من الوسط، وفي اللفظ الآخر: (وتوق كرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم)، أي: ستظلم إذا أخذت النفيس من الزكاة، فاحذر دعوة المظلوم فليس لك إلا أن تأخذ من وسط المال فلا تأخذ من شراره ولا من خياره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم رضي الله عنه: هذا النوع مثل الحج والزكاة وما أشبههما من الفرائض التي فرضت على بعض العاقلين البالغين في بعض الأحوال لا الكل]. يريد أن الزكاة لا تجب على كل أحد، وإنما تجب على من عنده مال.

بيان أن الإيمان قول وعمل

بيان أن الإيمان قول وعمل قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال: حدثنا عباد بن عباد قال: حدثنا أبو جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا هذا الحي من ربيعة حالت بيننا وبينك كفار مضر، ولا نخلص إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نعمل به، وندعو من وراءنا، قال: آمركم بأربع: الإيمان بالله، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدباء والحنتم، والنقير والمقير)]. هذا الحديث -حديث وفد عبد القيس- حديث مشهور رواه الشيخان وغيرهما، وفيه أنه فسر الإيمان بالأعمال فقال: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟) ثم فسر فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) فدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وهذا من أفصح الأدلة في الرد على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان. وقوله: (وأنهاكم عن أربع: الدباء والحنتم والنقير والمقير)، أي: لا تنبذوا النبيذ في هذه الأشياء الأربعة الصلبة؛ لأنهم كانوا ينتبذون بها، والنقير: جذع النخل ينقر ثم يجعل فيه العصير، والمقير: المطلي بالقار، والحنتم: هي الجرار الخضر وهي تشبه صلبة الزير، والدباء: هو ما يعرف بالقرع، يؤخذ منه اللب ثم يُيَبس ويجعل فيه العصير المأخوذ من التمر أو من العنب أو من غيرها، فإذا مكث العصير في هذه الأشياء يومين أو ثلاثة فإنه يتخمر من شدة الحر، ثم يشربونه وهو خمر، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أن ينتبذوا في هذه الأشياء الصلبة؛ لأنه قد يتخمر وهم لا يشعرون، وإنما أمرهم أن ينتبذوا في الأسقية في الجلد؛ لأنها إذا وضع فيها العصير وتخمر تشققت وقذفت الزبد وحينها تعرف أنها خمر، أما هذه الأشياء الصلبة فإن العصير يتخمر فيها وهم لا يعلمون؛ فلهذا نهاهم، وهذا في أول الإسلام قبل أن تستقر الشريعة ويعلم الناس الحكم، فلما استقرت الشريعة وعرف الناس الحكم نسخ ذلك، وأباح لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتبذوا في كل الأوعية وقال: (انتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا الخمر)، وإنما نهاهم في أول الإسلام أن ينتبذوا في هذه الأشياء الصلبة؛ لئلا يتخمر وهم لا يشعرون، وأباح لهم أن ينتبذوا في الأشياء الرقيقة التي تتشقق كالجلود والأسقية. ووفد عبد القيس هم أهل جواثا، حيث كانت ثاني جمعة جمعت فيها بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المنطقة في الأحساء، وكل المنطقة التي تطل على الخليج كانت تسمى البحرين، وآثار جواثا موجودة إلى الآن في الأحساء في منطقة محمية. قال المصنف رحمه الله: [قال أبو حاتم: روى هذا الخبر قتادة عن سعيد بن المسيب وعكرمة عن ابن عباس وأبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].

الفرق بين مسمى الإيمان والإسلام

الفرق بين مسمى الإيمان والإسلام قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الإيمان والإسلام اسمان لمعنىً واحد أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: أخبرنا وكيع عن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت عكرمة يحدث طاوساً أن رجلاً قال لـ ابن عمر: ألا تغزو؟ فقال عبد الله بن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت)]. هذا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله، وفيه أن الإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وقد استدل به المصنف على أن الإيمان والإسلام شيء واحد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم: هذان خبران خرج خطابهما على حسب الحال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر الإيمان ثم عده أربع خصال، ثم ذكر الإسلام وعده خمس خصال، وهذا ما نقول في كتبنا: بأن العرب تذكر الشيء في لغتها بعدد معلوم ولا تريد بذكرها ذلك العدد نفياً عما وراءه، ولم يرد بقوله صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان لا يكون إلا ما عد في خبر ابن عباس؛ لأنه ذكر صلى الله عليه وسلم في غير خبر أشياء كثيرة من الإيمان ليست في خبر ابن عمر ولا ابن عباس اللذين ذكرناهما]. يستدل المصنف بهذين الحديثين على أن الإيمان والإسلام شيء واحد، ففي حديث وفد عبد القيس وهو في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آمركم بأربع وأنها كم عن أربع: الإيمان بالله)، ثم فسر الإيمان بالشهادتين فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله, وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة)، وفي لفظ: (وصوم رمضان وأن تؤدوا الخمس)، وفي حديث ابن عمر قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت)، فالإسلام فسر بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، وفسر الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وفي لفظ والصوم، فاحتج المؤلف بهذين الحديثين على أن الإيمان والإسلام شيء واحد، وهذا اختيار البخاري في صحيحه وهو قول لبعض أهل العلم. والقول الثاني وهو قول الجمهور: أن الإيمان والإسلام ليسا شيئاً واحد، وإنما يختلفان بالاجتماع والافتراق، فإذا ذكر أحدهما وحده دخل فيه الآخر، وإذا اجتمعا صار لكل واحد منهما معنى، وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والدليل على ذلك أن الله تعالى فرق بين الإيمان والإسلام فقال: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]، وفي حديث سعد بن أبي وقاص: (ما لك عن فلان إني لأراه مؤمناً، فقال: أو مسلماً)، وأما في حديث وفد عبد القيس فقد ذكر الإيمان وحده فدخل فيه الإسلام، وفي حديث جبريل سأله عن الإيمان وعن الإسلام ففرق بينهما، فلما سأله عن الإسلام فسره بالأركان الخمسة، ولما سأله عن الإيمان فسره بالأعمال الباطنة، فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)، فالإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، أي: إذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان، وإذا ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وهذا هو الصواب، وقول ابن حبان رحمه الله مرجوح وهو قول لبعض أهل العلم كما تقدم. والقول بأنهما يختلفان بالاقتران والافتراق، فإذا ذكر أحدهما دخل فيه الآخر، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل له نظائر، منها: الفقير والمسكين, فإنه إذا أطلق الفقير وحده دخل فيه المسكين، والمسكين إذا أطلق وحده دخل فيه الفقير، وإذا اجتمعا صار الفقير في الحال والمسكين في المآل، ومثل ذلك: الربوبية والألوهية، فإن الرب إذا أطلق يدخل فيه الإله؛ لأن الرب هو الإله، وإذا اجتمعا صار الرب له معنى والإله له معنى آخر، ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:1 - 3]، فإله الناس معبودهم، ورب الناس مربيهم، وغير ذلك من النظائر. واستدلوا بقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35 - 36] لأن البيت -وهم لوط وابنتاه- اتصفوا بالإسلام والإيمان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على أن الإيمان والإسلام اسمان بمعنى واحد. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن أبي حيان التيمي عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بارزاً للناس، إذ أتاه رجل يمشي، فقال: يا محمد! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر، قال: يا رسول الله! فما الإسلام؟ قال: لا تشرك بالله شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: يا محمد! ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: يا محمد! فمتى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها، ورأيت العراة الحفاة رءوس الناس، في خمس لا يعلمهن إلا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة} [لقمان:34] الآية، ثم انصرف الرجل، فالتمسوه فلم يجدوه فقال: ذاك جبريل جاء ليعلم الناس دينهم)]. هذا حديث من رواية أبي هريرة، وقد رواه مختصراً، وقد رواه أيضاً عمر رواية أقوى من حديث أبي هريرة خرجها الشيخان، وحديث عمر الطويل في بيان الإسلام والإيمان انفرد به مسلم. قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس، إذ أتاه رجل يمشي، فقال: يا محمد! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته ورسله ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر، قال: يا رسول الله! فما الإسلام؟ قال: لا تشرك بالله شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)، فيه حجة على المؤلف؛ لأن الحديث فرق بين الإسلام والإيمان، فقد فسر الإيمان بالأعمال الباطنة، وهي قوله: (تؤمن بالله وملائكته ولقائه والبعث الآخر)، وفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة فقال: (أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة). وقوله: (وسأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها ورأيت العراة الحفاة رءوس الناس). ربة الأمة أي: سيدتها، كأن يأسر الملك أمة ثم يتسرى بها فتلد بنتاً، فتكون سيدة على أمها؛ لأنها بنت الملك، وكذلك الابن يكون ربها؛ لأنه ابن الملك، فسيكون سيداً على أمه، وقد جاء في رواية (إذا ولدت الأمة ربها-) أي: سيدها. قوله: (في خمس لا يعلمهن إلا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:34] الآية)، هذه مفاتيح الغيب وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على أن الإسلام والإيمان اسمان بمعنى واحد يشتمل ذلك المعنى على الأقوال والأفعال معاً. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي قزعة عن حكيم بن معاوية عن أبيه أنه قال: (يا رسول الله! والذي بعثك بالحق ما أتيتك حتى حلفت عدد أصابعي هذه ألا آتيك فما الذي بعثك به؟ قال: الإسلام، قال: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله، وأن توجه وجهك لله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، أخوان نصيران لا يقبل الله من عبد توبة أشرك بعد إسلامه)]. الحديث إسناده صحيح وأبو قزعة هو سويد بن حجير البصري ومعاوية هو ابن حيدة بن معاوية بن كعب القشيري صحابي نزل البصرة، وقد أخرجه أحمد والطبراني من طريق أسد بن موسى كلاهما عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد. وعلى كل ليس فيه حجة للمؤلف على أن الإسلام والإيمان شيء واحد، فقد فسر الإسلام بالأعمال فقال: أن تسلم قلبك وأن تبتعد عن الشرك، وكل هذه أعمال.

ذكر أقوال العلماء في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام: (الكافر يأكل في ستة أمعاء)

ذكر أقوال العلماء في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام: (الكافر يأكل في ستة أمعاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على أن الإيمان والإسلام اسمان بمعنى واحد. أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري أنبأنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء)]. الحديث سنده صحيح على شرط الشيخين، ومن طريقه أخرجه مالك والبخاري. ولفظ البخاري (المؤمن) بدلاً من المسلم، واستدل به ابن حبان على أن الإيمان والإسلام شيء واحد، وهذا قول لبعض العلماء، وهو اختيار البخاري، والقول الثاني: أن الإسلام والإيمان ليسا اسماً لمسمى واحد، بل يتفقان ويفترقان، فإذا ذكر أحدهما دخل فيه الآخر، وإذا اجتمعا أريد بالإسلام الأعمال الظاهرة، وأريد بالإيمان الأعمال الباطنة، كما في حديث جبريل، فقد فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة حين اجتمعا، أما إذا جاء أحدهما وحده كقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]، فإنه يشمل الإيمان والإسلام، وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)، لفظ (المؤمن) يشمل المؤمن والمسلم، هذا هو الصواب وهو الذي عليه الجمهور، وهو اختيار المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية. وللحديث سابق الذكر قصة، وهي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان كافراً، فَحُلِبت له سبع شياه فشرب لبنها كله، ثم لما أسلم حلبت له شاة واحدة فشربها ولم يستطع شرب الثانية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على أن هذا الخطاب مخرجه مخرج العموم والقصد فيه الخصوص أراد به بعض الناس لا الكل]. وكأنه يريد أن الحديث السابق عن الكفار وأكلهم خاص ببعضهم لا كل الناس. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمر ين سعيد بن سنان الطائي بمنبج، قال: أنبأنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة، فشرب حلابها، ثم أخرى فشرب حلابها، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن يشرب في معى واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء)]. قوله: (إن المؤمن) يعني: إن المسلم، وهذا هو الذي استدل به على أن الإيمان هو الإسلام. والحديث إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو في الموطأ ومن طريق مالك وقد أخرجه أحمد ومسلم. وما ذهب إليه ابن حبان من أن الحديث ورد في كافر مخصوص قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو جعفر الطحاوي، وجزم به ابن عبد البر، فقال: لا سبيل إلى حمله على العموم؛ لأن المشاهدة تدفعه، فكم من كافر يكون أقل أكلاً من مؤمن وعكسه، وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله، وقال غيرهم: ليس المراد ظاهره، وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها، فكأن المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معى واحد، والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء، فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوص الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا. والأصل أن يحمل النص على ظاهره، والقول بأنه الكافر المعين لا يعدل إليه إلا إذا وجد الدليل على أن المراد الكافر المعين، وحينها يكون قول ابن حبان أقرب، أما مع عدم وجود دليل فالأصل حمل الحديث على ظاهره، فالحديث صريح أن الكافر يأكل في سبعة أمعاء، وفيه أن العلة: الكفر، وأن المؤمن يأكل في معى واحد والعلة: الإيمان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر أوهم عالماً من الناس أن الإسلام والإيمان بينهما فرقان. أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال: حدثنا ابن أبي السري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجالاً ولم يعط رجلاً منهم شيئاً، فقلت: يا رسول الله! أعطيت فلاناً وفلاناً ولم تعط فلاناً شيئاً وهو مؤمن! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مسلم؟ قالها ثلاثا) قال الزهري: نرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل]. قول الزهري: الإسلام الكلمة، أي: النطق بالشهادتين (والإيمان العمل)، ليس المقصود أن الإسلام لا يكون إلا بالكلمة وحسب، بل مقصوده أن الكافر إذا نطق بالشهادتين حكم بإسلامه، ومراد ابن حبان أن هذا الدليل استدل به بعضهم على أن الإسلام والإيمان شيئان؛ لأن سعد بن أبي وقاص قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما أعطى رجلاً: ما لك عن فلان فو الله إنا لنراه مؤمناً، فقال: (أو مسلماً)، أي: ما بلغ الإيمان، وكررها ثلاثاً، فدل على أن الإيمان والإسلام شيئان، وهذا دليل من أدلة الجمهور على أن الإيمان غير الإسلام وأنهما يجتمعان ويفترقان.

يعصم دم الكافر بنطقه للشهادة

يعصم دم الكافر بنطقه للشهادة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر أوهم بعض المستمعين ممن لم يطلب العلم من مظانه أنه مضاد للخبرين اللذين ذكرناهما. أخبرنا ابن قتيبة قال: حدثنا يزيد بن موهب قال: حدثني الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه أخبره أنه قال: (يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة وقال: أسلمت لله، أفأقتله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله، قلت: يا رسول الله! إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)]. ومعنى قوله: إذا قتلته تكون بمنزلته قبل أن تقتله، أي: تكون مهدر الدم، وهو بمنزلتك قبل أن تقتله، أي: معصوم الدم؛ لأنه قال: لا إله إلا الله، وأنت إذا قتلته تصير مهدر الدم؛ لأنك قتلت مسلماً معصوم الدم فأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته مهدر الدم، وهو بمنزلتك بعد أن قالها معصوم الدم، وليس المراد أنه يكون كافراً. والحديث أخرجه مسلم والبخاري في المغازي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) يريد به أنك تقتل قوداً - أي: قصاصاً - لأنه كان قبل أن أسلم حلال الدم، وإذا قتلته بعد إسلامه صرت بحالة تقتل مثله قوداً به، لا أن قتل المسلم يوجب كفراً يخرج من الملة إذ الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178]]. المراد بالخبرين في الترجمة: الخبر الذي قبل هذا والخبر الذي ترجمه بالخبر الدال على أن الإيمان والإسلام اسمان بمعنى واحد يشتمل ذلك المعنى على الأقوال والأفعال قبل هذا الخبر بثلاثة أحاديث.

كتاب الإيمان [4]

شرح صحيح ابن حبان_كتاب الإيمان [4] إن دخول الإسلام يكون بنطق الشهادتين والعمل بما تضمنتاه، والإيمان يزيد وينقص، وتضعفه المعاصي لكنها لا تزيله، وإنما يزيله ويقضي عليه الشرك الأكبر، والنفاق الأكبر، والكفر الأكبر، ومن زعم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأن الأعمال لا تؤثر عليه فقد أخطأ ووافق أهل البدع.

بيان أن من قال الشهادتين مؤمن وإثبات صفة العلو لله تعالى

بيان أن من قال الشهادتين مؤمن وإثبات صفة العلو لله تعالى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر إثبات الإيمان للمقر بالشهادتين معا. أخبرنا الفضل بن الحباب قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي عن حجاج الصواف قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (كانت لي غنيمة ترعاها جارية لي في قبل أحد والجوانية، فاطلعت عليها ذات يوم وقد ذهب الذئب منها بشاة، وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، فصككتها صكة، فعظم ذلك علي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟، قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: اعتقها فإنها مؤمنة)]. هذا الحديث فيه دليل على أن المقر بالشهادتين يكون مؤمناً، وقد رواه مسلم في صحيحه، وفيه أن جارية أعجمية كانت لـ معاوية بن الحكم السلمي ترعى الغنم خلف أحد، فاطلع عليها وهي ترعى، فرأى الذئب أخذ شاة فأكلها فغضب عليها، قال: كيف تتركين الذئب يأكل الشاة؟! فصكها صكة ثم عظم عليه ذلك؛ لأنها مسكينة وليس لها حيلة في أن تخلصها من الذئب، فعظم ذلك عليه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال يا رسول الله! أنا صككت الجارية، أفأعتقها فقال: (ائتني بها) أي: لأختبرها هل هي مؤمنة، ثم سألها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أين الله؟ قالت: في السماء, قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة) وقد احتج به أهل العلم على إثبات العلو وأن الله فوق العرش في السماء، وفيه رد على المعطلة الذين يقولون: لا يسأل عن الله بـ (أين)، ولا ترفع أصبعك إلى السماء، فإنك لو رفعت أصبعك عند الجهمي قطع الصلاة، فاحذر أن ترفع أصبعك عند الجهمي، فهو يعتقد أن هذا تنقص لله؛ لأنك بزعمه تجعل الله في مكان معين وهو في كل مكان! تعالى الله عما يقولون، ويعترضون على النبي صلى الله عليه وسلم بسؤاله للجارية: (أين الله) ويقولون: إن سؤاله فاسد، وإنما سأل بهذا السؤال؛ لأن هذه جارية أعجمية فسألها سؤالاً فاسداً يناسب عقلها، وأقرها على الجواب الفاسد، فاتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام بالرضى على الجواب الفاسد من الجارية، ويقولون: مقصود الرسول في سؤاله: (من الله) وليس مقصوده: أين الله؟ لكن قال: أين الله؛ لأجل أن الجارية أعجمية لا تفهم إلا هذا، وإنه لعجب أن الرسول لا يستطيع أن يقول: من الله! والرسول أفصح الناس صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء والعياذ بالله بلغت بهم الحال إلى أن يتهموا النبي عليه الصلاة والسلام لا لشيء إلا لأنه ثبت عنه قولاً يناقض مذهبهم، فهم يقولون: لا يصح أن يقال: إن الله في السماء؛ لأن هذا تحيز وتنقص لله فإن قولنا: إن الله في مكان يعني أنه متحيز، وهذا تنقص ولذا فلا يصح أن يقال: عن الله أنه في مكان، وأين يسأل بها عن المكان؛ فلهذا اتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا: إنه سألها سؤالاً فاسداً لا يناسب معناه لكنه اضطر إلى هذا السؤال؛ لأن الجارية أعجمية لا تفهم إلا هذا، وقد أقرها لما قالت: (في السماء) على جوابها الفاسد؛ لأن هذا هو الذي فهمته. وهنا يقول المؤلف: من أقر بالشهادتين فهو مؤمن، لكن هل ذكر فيه الشهادتان الآن، قالت: الله في السماء يعني شهدت لله بالعلو، فأثبتت وحدانية الله. والحديث أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم في المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة. قوله: الجوانية بفتح أوله وتشديد ثانيه وكسر النون وياء مشددة موضع قرب المدينة، وقوله: وآسف: أي: أغضب، وصككتها: أي: لطمت وجهها.

الإيمان شعب وأجزاء لها أعلى ولها أدنى

الإيمان شعب وأجزاء لها أعلى ولها أدنى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الإيمان أجزاء وشعب لها أعلى وأدنى. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا جرير قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وستون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة، فأرفعها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)]. وهذا الحديث رواه الشيخان، ورواية البخاري: (الإيمان بعض وستون شعبة)، ورواية مسلم: (الإيمان بضع وسبعون)، وفيه دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فهو رد على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، فقوله: (بضع وسبعون شعبة) بيان أن كلها داخلة في مسمى الإيمان، حتى أن البيهقي رحمه الله تتبع هذه الشعب وألف كتاباً سماه شعب الإيمان، وقد أوصلها إلى تسع وسبعين شعبة، والبضع من الثلاثة إلى التسعة، فجعلها أعلى البضع، وقد تتبعها من النصوص، وتقدم قريباً أن في هذا رداً على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال تصديق بالقلب فقط, يريدون أعمال القلوب فحسب أما أعمال الجوارح فهي عندهم ليست داخلة في مسمى الإيمان، ومثل هذا الحديث حديث وفد عبد القيس المتقدم وفيه: (آمركم بالإيمان بالله وحده: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس)، فقد أدخل الأعمال في مسمى الإيمان، وهذا الحديث رواه الشيخان، وحديث وفد عبد القيس رواه الشيخان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم: أشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر إلى الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في جميع الأحوال، فجعله أعلى الإيمان]. فذكر أن أعلاها: قول لا إله إلا الله، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى) ثم بين أن بين الأعلى والأدنى شعباً متفاوتة، منها ما يقرب من شعبة الشهادة ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة، فالصلاة شعبة، والزكاة شعبة، والصوم شعبة، وأعلى تلك الشعب على الإطلاق هي كلمة التوحيد، وأدنى تلك الشعب أن تميط الأذى، (والحياء شعبة من الإيمان)، وهو عمل قلبي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم أشار إلى الشيء الذي هو نفل للمخاطبين في كل الأوقات، فجعله أدنى الإيمان - وهو الإماطة - فدل ذلك على أن كل شيء فُرض على المخاطبين في كل الأحوال، وكل شيء فُرض على بعض المخاطبين في بعض الأحوال، وكل شيء هو نفل للمخاطبين في كل الأحوال كله من الإيمان -كالفرائض والنوافل فإنها كلها من الإيمان- وأما الشك في أحد العددين فهو من سهيل بن أبي صالح في الخبر كذلك قاله معمر عن سهيل -يعني: بضع وستون أو بضع وسبعون- وقد رواه سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح مرفوعاً وقال: (الإيمان بضع وستون شعبة) -وهذه رواية البخاري - ولم يشك وإنما تنكبنا خبر سليمان بن بلال - أي تركناه وملنا عنه- في هذا الموضع واقتصرنا على خبر سهيل بن أبي صالح؛ لنبين أن الشك في الخبر ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو كلام سهيل بن أبي صالح كما ذكرناه]. وهذا الخبر رد على بعض الأحناف المتعصبين للمرجئة فيما يرون من أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، حيث يقولون: الحديث فيه شك؛ لأن بعض رواياته تقول: بضع وسبعون، وبعضها بضع وستون وعلى هذا فلا يعتمد دليلاً على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، كل ذلك نصرة لمذهبهم: أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، وهذا كلام باطل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشك، وإنما الشك من الراوي.

التحقق في قوله: بضع وستون أو بضع وسبعون

التحقق في قوله: بضع وستون أو بضع وسبعون قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به سهيل بن أبي صالح: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)]. فذكر أنها بضع وستون شعبة ولم يرد في هذه الرواية شك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم: اختصر سليمان بن بلال هذا الخبر فلم يذكر ذكر الأعلى والأدنى من الشعب، واقتصر على ذكر الستين دون السبعين، والخبر في بضع وسبعين خبر متقصى صحيح لا ارتياب في ثبوته، وخبر سليمان بن بلال خبر مختصر غير متقصى، وأما البضع فهو اسم يقع على أحد أجزاء الأعداد؛ لأن الحساب بناؤه على ثلاثة أشياء: على الأعداد والفصول والتركيب، فالأعداد من الواحد إلى التسعة والفصول: هي العشرات، والمئون، والألوف، والتركيب: ما عدا ما ذكرنا. وقد تتبعت معنى الخبر مدة، وذلك أن مذهبنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم قط إلا بفائدة، ولا من سننه شيء لا يعلم معناه فجعلت أعد الطاعات من الإيمان، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيرا، فرجعت إلى السنن، فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين، فرجعت إلى ما بين الدفتين من كلام ربنا وتلوته آية آية بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله جل وعلا من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد منها، فإذا كل شيء عده الله جل وعلا من الإيمان في كتابه وكل طاعة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان في سننه تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء]. وابن حبان رحمه الله أبدى عناية في هذا الحديث فذكر أن الرسول قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، والبضع من ثلاثة إلى تسعة، وعلى ذلك فيمكن أن يصل العدد إلى تسع وسبعين، فأخذت أعد كل طاعة أعدها الله من الإيمان فوجدتها تنقص على البضع والسبعين، فرجعت إلى السنة فعددت كل طاعة جعلها الرسول من الإيمان فوجدتها تنقص، ثم رجعت مرة أخرى فتدبرت القرآن آية آية ثم ضممت ما في السنة إلى ما في الكتاب وأسقطت المكرر فوصلت إلى تسعة وسبعين شعبة. وهو في صنيعه هذا قد وافق البيهقي , فقد عدها البيهقي في كتابه شعب الإيمان، فأوصلها إلى تسع وسبعين شعبة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن، فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر شعبه في كتاب: وصف الإيمان وشعبه. ]. قال القاضي عياض فيما نقله الحافظ في الفتح: تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة. ولا يقدح عدم معرفة ذلك على التفصيل في الإيمان، قال الحافظ: وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان، لكن لم نقف على بيانها من كلامه، وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره وهو ثم سردها الشيخ قوله: مما أوردوه يعني: ما أورده العلماء اجتهاداً منهم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر شعبه في كتاب: (وصف الإيمان وشعبه)، بما أرجو أن فيه الغنية للمتأمل إذا تأملها فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب، والدليل على أن الإيمان أجزاء بشعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خبر عبد الله بن دينار: (الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله) فذكر جزءاً من أجزاء شعبه هي كلها فرض على المخاطبين في جميع الأحوال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: وأني رسول الله والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار وما يشبه هذا من أجزاء هذه الشعبة]. لأن ذلك داخل في كلمة التوحيد، فإذا أطلقت إحدى الشهادتين تدخل فيها الأخرى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [واقتصر على ذكر جزء واحد منها حيث قال: (أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله)، فدل هذا على أن سائر الأجزاء من هذه الشعبة كلها من الإيمان، ثم عطف فقال: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، فذكر جزءاً من أجزاء شعبه هي نفل كلها للمخاطبين في كل الأوقات، فدل ذلك على أن سائر الأجزاء التي هي من هذه الشعبة وكل جزء من أجزاء الشعب التي هي من بين الجزأين المذكورين في هذا الخبر اللذين هما من أعلى الإيمان وأدناه كله من الإيمان]. أي: ذكر أعلاها وأدناها وترك ما بينهما من الشعب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحياء شعبة من الإيمان)، فهو لفظة أطلقت على شيء بكناية سببه، وذلك أن الحياء جبلة في الإنسان، فمن الناس من يكثر فيه، ومنهم من يقل ذلك فيه، وهذا دليل صحيح على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن الناس ليسوا كلهم على مرتبة واحدة في الحياء، فلما استحال استواؤهم على مرتبة واحدة فيه، صح أن من وجد فيه أكثر كان إيمانه أزيد، ومن وجد فيه منه أقل كان إيمانه أنقص، والحياء في نفسه: هو الشيء الحائل بين المرء وبين ما يباعده من ربه عن المحظورات، فكأنه صلى الله عليه وسلم جعل ترك المحظورات شعبة من الإيمان بإطلاق اسم الحياء عليه على ما ذكرناه].

الأخبار عن وصف الإسلام والإيمان بذكر جوامع شعبهما

الأخبار عن وصف الإسلام والإيمان بذكر جوامع شعبهما قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عن وصف الإسلام والإيمان بذكر جوامع شعبهما: قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: خرجت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميرى حاجين أو معتمرين وقلنا: لعلنا لقينا رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم]. وفي اللفظ: لو وفق أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فنسأله عن القدر فلقينا ابن عمر فظننت أنه يكل الكلام إلي فقلنا: يا أبا عبد الرحمن قد ظهر عندنا أناس يقرءون القرآن يتقفرون العلم تقفرا]. قوله: يتقفرون العلم: أي: يطلبون العلم ويقرءون القرآن، أي: أن في البصرة أناساً يقرءون القرآن ويطلبون العلم، ولكنهم يعتقدون هذه العقيدة الخبيثة وهي نفي القدر. قول المصنف رحمه الله: [يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف]. أي: ينفون القدر، ويقولون: لا قدر، أولم يقدر الله الأشياء، قوله: وأن الأمر أنف، أي: مستأنف وجديد، فلا يعلم به الله حتى يقع، فإذا وقع علمه الله، وهؤلاء كفرة، وهم القدرية الأولى، الذين أنكروا علم الله، ونسبوا الله للجهل، وقد انقرضوا، ثم بقي عامة القدرية الذين يثبتون العلم والكتابة لكن ينفون عموم الإرادة وعموم الخلق. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: فإن لقيتهم فأعلمهم أني منهم بريء وهم مني برآء والذي يحلف به ابن عمر: لو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهباً ثم لم يؤمن بالقدر لم يقبل منه، ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالساً، إذ جاء رجل شديد سواد اللحية، شديد بياض الثياب، فوضع ركبته على ركبة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت)]. ويقصد بهذه الأركان الإسلام الظاهر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [(قال: صدقت قال: فعجبنا من سؤاله إياه وتصديقه إياه، قال: فأخبرني: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره حلوه ومره. قال: صدقت قال: فعجبنا من سؤاله إياه وتصديقه إياه)]. وهذه خصال الإيمان, إذ الإيمان: أمور باطنة، فجميع هذه الخصال باطنة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [(قال: فأخبرني: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني متى الساعة؟ قال: ما المسئول بأعلم من السائل، قال: فما أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: فتولى وذهب فقال عمر: فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثالثة، فقال: يا عمر! أتدري من الرجل؟ قلت: لا، قال: ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)]. وهذا الحديث رواه البيهقي في صحيحه مطولاً، ورواه الشيخان من حديث أبي هريرة مختصراً، وفي الحديث بيان خصال الإسلام، وخصال الإيمان، وفي آخر الحديث قال: (أتاكم جبريل يعلمكم دينكم -وفي لفظ- أمر دينكم)، فدل على أن الدين له مراتب ثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وقد أتى به المؤلف ليبين خصال الإسلام وخصال الإيمان. وقد ترجم له كما تقدم ذكر الإخبار عن وصف الإسلام والإيمان بذكر جوامع شعبهما. وعند المحققين من أهل العلم أن الإسلام والإيمان يختلف معناهما بالاقتران والافتراق، فإذا اقترنا كما في هذا الحديث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة. وإذا جاء أحدهما وحده وأطلق دخل فيه الآخر، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19] فالإسلام هنا يشمل الأعمال الباطنة والظاهرة كذلك، الإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الإسلام والإيمان، هذا هو الصواب، أما إذا اجتمعا فيكون لكل واحد منهما معنى.

ذكر خبر أوهم أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط دون العمل بالجوارح

ذكر خبر أوهم أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط دون العمل بالجوارح قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ثان أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الإيمان بكماله هو الإقرار باللسان دون أن يقرنه الأعمال بالأعضاء. أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير حدثنا إبراهيم بن بسطام حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن الأعمش وحبيب بن أبي ثابت وعبد العزيز بن رفيع عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق)]. وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم. وفيه دليل على أن الموحد من أهل الجنة ولو فعل الكبائر إذا مات على التوحيد لا بد أن يدخل الجنة إن عاجلاً أو آجلاً، لكن إن مات على توبة نصوح من الكبائر دخل الجنة من أول وهلة، وأما من مات على الكبائر: كالزنا والسرقة، وشرب الخمر، فهو على خطر من دخول النار، قد يعذب وقد يعفى عنه، ولهذا قال: (وإن زنى وإن سرق) يعني: لا بد أن يدخل الجنة؛ لأنه موحد، وحتى قال: في بعض الروايات: (وإن زنى وإن سرق؟! كررها ثلاثاً، قال في الثالثة: وإن رغم أنف أبي ذر). ولهذا الحديث قد يظن بعض الناس أن الإيمان هو الإقرار فقط، وأن من قال: لا إله الله دخل الجنة، وهذا كما ذكر المؤلف رحمه الله ليس بصحيح، فلا بد من العمل؛ ولا بد من أداء الواجبات إذا تمكن، والصلاة لا بد منها، ومن لم يصل وتمكن من الصلاة لا ينفعه قول: لا إله إلا الله؛ لأن ترك الصلاة يخل بصحة لا إله إلا الله، وإذا قال: لا إله إلا الله وامتنع عن الصلاة، سقط التوحيد والعياذ بالله. وقوله في الترجمة: (ذكر خبر ثان أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الإيمان بكماله هو الإقرار باللسان دون أن يقرنه الأعمال بالأعضاء). إذاً النصوص يُضم بعضها إلى بعض؛ لحديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياة شعبة من الإيمان)، وهنا قال: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) يعني: قالها عن إخلاص وصدق، عن إخلاص فلم يدخل في عمل الشرك، وعن صدق فلم يكن منافقاً، وقال عن يقين، ومن قال ذلك عن إخلاص وصدق ويقين فلابد أن يعبد الله بجوارحه، فإذا لم يعبد دل على أنه غير مخلص وغير صادق، فهذا الحديث قد يحتج به بعض الجهلة على أن الإيمان مجرد إقرار باللسان وهذا باطل، فإن الذي يقول: لا إله إلا الله عن إخلاص وصدق لابد أن يعمل، فإذا لم يعمل دل على أنه لم يقلها عن إخلاص وصدق فلا تنفع، ولهذا قيدت كما في الحديث: (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه -وفي رواية- مخلصاً دخل الجنة).

ذكر الخبر المدحض لمن زعم أن حديث: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة) كان بمكة قبل نزول الأحكام

ذكر الخبر المدحض لمن زعم أن حديث: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة) كان بمكة قبل نزول الأحكام [ذكر الخبر المدحض قول من زعم من أئمتنا أن هذا الخبر كان بمكة في أول الإسلام قبل نزول الأحكام]. يعني: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قالوا: إن هذا كان في أول الإسلام، وهذا ليس بصحيح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان بالرقة حدثنا هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: أشهد لسمعت أبا ذر بالربذة يقول: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقال: يا أبا ذر! ما يسرني أن أحداً لي ذهباً أمسي وعندي منه دينار إلا أصرفه لدين، ثم مشى ومشيت معه، فقال: يا أبا ذر! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك! فقال: إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، ثم قال: يا أبا ذر! لا تبرح حتى آتيك، ثم انطلق حتى توارى، فسمعت صوتاً فقلت: أنطلق)]. يعني: خاف على النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يذهب ليطمئن عليه، لكن ذكر قوله: (لا تبرح المكان) فمكث في مكانه. قال: [(ثم ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم لي، فلبثت حتى جاء، فقلت: يا رسول الله! إني سمعت صوتاً، فأردت أن أدركك، فذكرت قولك لي، فقال: ذاك جبريل أتاني فأخبرني: أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق). قال: أخبرنا القطان بالرقة حدثنا هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله]. وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن تتصدق مما أعطاك الله؛ لأن الأكثرين من أهل الأموال هم الأقلون يوم القيامة. وهذا الحديث رواه الشيخان.

ذكر الخبر الموهم بأن الإيمان هو الإقرار بالله وحده دون جعل الطاعات من شعبه

ذكر الخبر الموهم بأن الإيمان هو الإقرار بالله وحده دون جعل الطاعات من شعبه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر أوهم عالماً من الناس أن الإيمان هو الإقرار بالله وحده دون أن تكون الطاعات من شعبه. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن أبي مالك الأشجعي قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله)]. هذا الحديث فيه دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأن من وحد الله لابد وأن يأتي بالعمل؛ لأن من شروط التوحيد الصلاة، والبعد عن الشرك. قوله: [من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله]. أي: أن من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله، فلابد أن يعبد الله، وتوحيد الله لابد فيه من أداء الشروط، ومنها: أن يكون عمله خالصاً، وأن يؤدي ما أوجب الله عليه من شروط الإيمان ومقتضيات الإيمان، من الابتعاد عن الشرك بجميع أنواعه. وهذا الحديث أخرجه مسلم. إذاً: هذا الحديث فيه دليل على أنه لابد من شيئين: إيمان بالله، وكفر بالطاغوت، فالإيمان بالله هو أن يوحد الله، والكفر بالطاغوت هو أن يكفر بما يعبد من دون الله، قال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر وصف قوله صلى الله عليه وسلم: (وحد الله وكفر بما يعبد من دونه). أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي جمرة قال: (كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، فقال: إن وفد عبد القيس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الوفد أو من القوم؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى، قالوا: يا رسول الله! إنا نأتيك من شقة بعيدة، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، قال: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده، وقال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم، ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت -قال شعبة: وربما قال: والنقير، وربما قال: المقير- وقال: احفظوه وأخبروه من وراءكم)]. يعني: هذا الحديث يفسر الحديث السابق: (من وحد الله) فهنا فسر الإيمان بالأعمال، قال: (آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان) فإذاً: في هذا الحديث فسر الإيمان بهذه الأعمال، فالمؤلف يقول: هذا الحديث يفسر الحديث السابق: (من وحد الله) أي: من توحيد الله: الصلاة والزكاة والصوم وأداء الخمس. وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم.

ما جاء في أن الإيمان شعب وأجزاء

ما جاء في أن الإيمان شعب وأجزاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الإيمان والإسلام شعب وأجزاء، غير ما ذكرنا في خبر ابن عباس وابن عمر بحكم الأمينين: محمد وجبريل عليهما السلام. أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا يوسف بن واضح الهاشمي قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر قلت: يا أبا عبد الرحمن -يعني ابن عمر - إن أقواماً يزعمون أن ليس قدر، قال: هل عندنا منهم أحد؟ قلت: لا. قال: فأبلغهم عني إذا لقيتهم: أن ابن عمر يبرأ إلى الله منكم وأنتم برآء منه، حدثنا عمر بن الخطاب قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، إذ جاءه رجل ليس عليه سحناء سفر، وليس من أهل البلد، يتخطى حتى ورك، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء، وتصوم رمضان. قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: نعم. قال: صدقت، قال: يا محمد! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وتؤمن بالجنة والنار، والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مؤمن؟ قال: نعم، قال: صدقت، قال: يا محمد! ما الإحسان؟ قال: الإحسان: أن تعمل لله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه فإنه يراك، قال: فإذا فعلت هذا فأنا محسن؟ قال: نعم، قال: صدقت. قال: فمتى الساعة؟ قال: سبحان الله! ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها، قال: أجل، قال: إذا رأيت العالة الحفاة العراة يتطاولون في البنيان وكانوا ملوكاً. قال: ما العالة الحفاة العراة؟ قال: العُرَيْبُ، قال: وإذا رأيت الأمة تلد ربتها، فذلك من أشراط الساعة، قال: صدقت، ثم نهض، فولى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بالرجل، فطلبناه كل مطلب، فلم نقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تدرون من هذا؟ هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم، خذوا عنه، والذي نفسي بيده ما شُبِّهَ علي منذ أتاني قبل مرتي هذه، وما عرفته حتى ولى). قال أبو حاتم: تفرد سليمان التيمي بقوله: (خذوا عنه)، وبقوله: (تعتمر وتغتسل وتتم الوضوء)]. وتفرد سليمان التيمي بقوله: (خذوا عنه) وبقوله: (تعتمر وتغتسل وتتم الوضوء) لا تكون شاذة؛ لأنه ثقة، وزيادة الثقة مقبولة. وهذا حديث جبريل المشهور الطويل في بيان الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة، ثم قال: (أتاكم يعلمكم دينكم)، فدل على أن الدين ثلاث مراتب: الإسلام والإيمان والإحسان، والإسلام إذا اجتمع مع الإيمان فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بأعمال القلوب. قوله: (ما شبه علي) يعني: ما عرفه، حتى ولى، فلما ولى عرفه. قال: (فلبث ملياً) جاء في بعض الروايات: (ثلاثة أيام) وفي بعضها (ثلاث ليال). واحتج بهذا الحديث على وجوب العمرة، وبعضهم طعن في هذه الزيادة وقال: إن هذه الزيادة شاذة. وسليمان التيمي قال عنه في التقريب: صدوق يخطئ، لكن كان قليل الخطأ، والنسائي وغيره من المتقدمين يرون التفرد شذوذاً ويرى المتأخرون أن التفرد إذا كان من ثقة فلا يعتبر شذوذاً؛ لأن زيادة الثقة مقبولة.

ما جاء في أن الإيمان بكل ما جاء به المصطفى من الإيمان

ما جاء في أن الإيمان بكل ما جاء به المصطفى من الإيمان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الإيمان بكل ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من الإيمان. أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي بالبصرة حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وآمنوا بي وبما جئت به، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) تفرد به الدراوردي قاله الشيخ]. قوله: (ذكر البيان بأن الإيمان بكل ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من الإيمان). هذا واجب. وقوله: (تفرد به الدراوردي قاله الشيخ) قال في الحاشية: (هذا وهم من ابن حبان فقد تابعه عليه روح بن القاسم وسعيد بن سلمة بن أبي الحسام كما تقدم في التخريج). قوله: (قاله الشيخ) يرجع لمقدمة ابن حبان ليعلم مراده بذلك.

ما جاء في أن الإيمان بكل ما أتى به النبي من الإيمان مع العمل به

ما جاء في أن الإيمان بكل ما أتى به النبي من الإيمان مع العمل به قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الإيمان بكل ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان مع العمل به. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى بالموصل حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله). قال أبو حاتم: تفرد به شعبة. وفي هذا الخبر بيان واضح: بأن الإيمان أجزاء وشعب تتباين أحوال المخاطبين فيها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الخبر: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)، فهذا هو الإشارة إلى الشعبة التي هي فرض على المخاطبين في جميع الأحوال. ثم قال: (ويقيموا الصلاة) فذكر الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في بعض الأحوال. ثم قال: (ويؤتوا الزكاة) فذكر الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في بعض الأحوال، فدل ذلك على أن كل شيء من الطاعات التي تشبه الأشياء الثلاثة التي ذكرها في هذا الخبر من الإيمان]. يعني: ذكر ما يجب على كل أحد، أو ما يجب في بعض الأحيان من البعض.

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أتى ببعض أجزائه

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أتى ببعض أجزائه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أتى ببعض أجزائه. أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (قال رجل: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: إذا سرتك حسناتك وساءتك سيئاتك فأنت مؤمن، قال: يا رسول الله! فما الإثم؟ قال: إذا حاك في قلبك شيء فدعه)]. قال في الحاشية: (إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه أحمد والطبراني، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي) وهذا يدل على إطلاق الإيمان على بعض الإيمان، (وساءتك سيئاتك فأنت مؤمن) فهنا أطلق الإيمان على جزء الإيمان.

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أتى جزءا من بعض أجزائه

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أتى جزءاً من بعض أجزائه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أتى جزءاً من بعض أجزائه. أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عاصم بن محمد عن عامر بن السمط عن معاوية بن إسحاق بن طلحة، قال: حدثني ثم استكتمني أن أحدث به ما عاش معاوية، فذكر عامر قال: سمعته وهو يقول: حدثني عطاء بن يسار وهو قاضي المدينة، قال: سمعت ابن مسعود وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيكون أمراء من بعدي يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، لا إيمان بعده). قال عطاء: فحين سمعت الحديث منه انطلقت به إلى عبد الله بن عمر فأخبرته، فقال: أنت سمعت ابن مسعود يقول هذا؟ كالمدخل عليه في حديثه، قال عطاء: فقلت: هو مريض فما يمنعك أن تعوده؟ قال: فانطلق بنا إليه، فانطلق وانطلقت معه، فسأله عن شكواه، ثم سأله عن الحديث قال: فخرج ابن عمر وهو يقلب كفه، وهو يقول: ما كان ابن أم عبد يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم]. نعم، هذا رواه الإمام مسلم في صحيحة بدون: (لا إيمان بعده). وفيه: أن من الإيمان مجاهدة الأمراء باللسان وباليد، وأن إنكار المنكر من الإيمان.

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أتى بجزء من أجزاء شعب الإقرار

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أتى بجزء من أجزاء شعب الإقرار قال المؤلف رحمه الله: [ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أتى بجزء من أجزاء شعب الإقرار. أخبرنا الفضل بن الحباب حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن ربعي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر)]. هذا الحديث أخرجه الحاكم والطيالسي ومن طريقه الترمذي، وأخرجه أحمد. والإقرار من الإيمان يعني: أن يقر فهذا من شعب الإيمان، والتصديق شعبة من شعب الإيمان.

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أتى بجزء من أجزاء الشعبة التي هي المعرفة

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أتى بجزء من أجزاء الشعبة التي هي المعرفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أتى بجزء من أجزاء الشعبة التي هي المعرفة. أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ حدثنا أبي عن شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)]. يعني: لا يؤمن الإيمان الكامل، حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، فإذا قدم محبة الولد والوالد والوالدة على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن إيمانه يكون ناقصاً. قوله في الترجمة: (ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أتى بجزء من أجزاء الشعبة التي هي المعرفة). يعني: المعرفة كونه يعرف هذا الشيء بقلبه، والإقرار يعني: أن يصدق بقلبه، فالمعرفة أعم والإقرار أخص. والحديث فيه أنك إذا صرت تشتغل وقت الصلاة والناس يصلون ولم تصل إلا بعد ما فاتت الجماعة، فقد قدمت الآن محبة العمل على محبة الله ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا إيمانه ناقص ضعيف، ولو كنت صاحب إيمان كامل فإنك إذا سمعت الأذان تسرع إلى المسجد وتترك العمل. إذاً: الذي يحب الرسول عليه الصلاة والسلام لا يقدم العمل على طاعته صلى الله عليه وسلم.

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أمنه الناس على أنفسهم وأملاكهم

ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على من أمنه الناس على أنفسهم وأملاكهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إطلاق اسم الإيمان على من أمنه الناس على أنفسهم وأملاكهم. أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان بمصر حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)]. يعني: المسلم الكامل من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن الكامل من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والذي لا يسلم الناس من لسانه هو مسلم، لكنه مسلم ناقص، والذي لا يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم مؤمن لكنه ضعيف الإيمان.

ما جاء في الرد على من زعم أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص

ما جاء في الرد على من زعم أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص]. هذا فيه رد على المرجئة. قال: [أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب بخبر غريب، حدثنا أبو داود السنجي سليمان بن معبد حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن ابن الهاد عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان سبعون أو اثنان وسبعون باباً، أرفعه لا إله إلا الله، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)]. وهذا الحديث فيه دليل على أن الإيمان شعب متعددة، وكلما نقصت شعبة نقص الإيمان، والإيمان بضع وسبعون شعبة (أعلاها: قول لا إله إلا الله هذه شعبة قولية، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق هذه شعبة عملية، والحياء شعبة من الإيمان، هذه شعبة قلبية، فمن قال: الإيمان شيء واحد فقد خالف النص، وهذا الحديث رواه الشيخان، رواه مسلم بلفظ: (بضع وسبعون)، ورواه البخاري بلفظ: (بضع وستون). وقوله: (أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب بخبر غريب غريب). يحتمل أنه غريب من حيث السند، مثل حديث: (إنما الأعمال بالنيات) فهو غريب، وهنا صح الحديث، قال في الحاشية: (إسناده صحيح على شرطهما، ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء، أبو محمد المصري ثقة ثبت، ويحيى بن أيوب هو الغافقي أخرج حديثه الجماعة، قال الحافظ في التقريب: صدوق ربما أخطأ، وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي أبو عبد الله المدني روى له الجماعة، وأخرجه ابن مندة في الإيمان). [قال أبو حاتم: الاقتصار في هذا الخبر على هذا العدد المذكور في خبر ابن الهاد مما نقول في كتبنا: إن العرب تذكر العدد للشيء، ولا تريد بذكرها ذلك العدد نفياً عما وراءه، ولهذا نظائر نوعنا لهذا أنواعاً، سنذكرها بفصولها فيما بعد إن شاء الله تعالى]. يعني: ليس المقصود من هذا الحصر، وإنما هذا يجري على عادة العرب ولا يقصدون به الحصر لكن البيهقي ألف كتاباً اسمه: (شعب الإيمان) وأوصلها إلى بضع وسبعين شعبة، والبضع من ثلاثة إلى تسعة.

ما جاء في الرد على من زعم أن إيمان المسلمين واحد

ما جاء في الرد على من زعم أن إيمان المسلمين واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن إيمان المسلمين واحد، من غير أن يكون فيه زيادة أو نقصان. أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا علي بن المديني حدثنا معن بن عيسى حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان، فيخرجون منها حمماً، فيلقون في نهر في الجنة، فينبتون كما تنبت حبة في جانب السيل، ألم ترها صفراء ملتوية؟)]. هذا الحديث أصله في صحيح البخاري وقوله: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) فيه دليل على أن الإيمان يتفاوت، وفيه رد على المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان واحد، وقولهم: هذا باطل، فإن الناس يتفاوتون في الإيمان تفاوتاً عظيماً، وفيه دليل على أن الإيمان يضعف حتى لا يبقى منه إلا مثقال حبة من خردل.

ما جاء في أن إخراج من كان في قلبه قدر قيراط من إيمان كان قبل إخراج من في قلبه حبة خردل من إيمان

ما جاء في أن إخراج من كان في قلبه قدر قيراط من إيمان كان قبل إخراج من في قلبه حبة خردل من إيمان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان) أراد به بعد إخراج من كان في قلبه قدر قيراط من إيمان]. أي: أنهم أخرجوا أولاً من كان في قلبه أكثر من حبة خردل من إيمان، ثم الذين أقل منهم إيماناً. قال: [أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا يحيى بن أبي رجاء بن أبي عبيدة الحراني حدثنا زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مُيِّزَ أهل الجنة وأهل النار، يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قامت الرسل فشفعوا، فيقال: اذهبوا فمن عرفتم في قلبه مثقال قيراط من إيمان فأخرجوه، فيخرجون بشراً كثيراً، ثم يقال: اذهبوا فمن عرفتم في قلبه مثقال خردلة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون بشراً كثيراً، ثم يقول جل وعلا: أنا الآن أخرج بنعمتي وبرحمتي، فيخرج أضعاف ما أخرجوا، وأضعافهم قد امتحشوا وصاروا فحماً، فيلقون في نهر، أو في نهر من أنهار الجنة، فتسقط محاشهم على حافة ذلك النهر)]. يعني: ما أكلت النار منهم، فيزال أثر الاحتراق بماء النهر. قال: [(فيعودون بيضاً مثل الثعارير، فيكتب في رقابهم: عتقاء الله، ويسمون فيها الجهنميين). قال: الثعارير: القثاء الصغار، قاله الشيخ]. والحديث أخرجه مختصراً مسلم من طريق يزيد الفقير عن جابر بنحوه، باب: أدنى أهل الجنة منزلة. وهذا الحديث فيه الرد على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون بخلود العصاة في النار، ففيه دليل على أن العصاة يخرجون من النار ولا يبقون فيها إذا كانوا موحدين. وفيه أنه من في قلبه قيراط أخرج، ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يشفع الله شفاعات كل مرة يحد الله لهم حداً، في بعضها: أخرجوا من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، وفي المرة التي بعدها: أخرجوا من في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، وفي المرة التي بعدها: أخرجوا من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان). وفيه دليل على أن الإيمان يضعف حتى لا يبقى منه إلا قليل؛ لأن المعاصي إذا كثرت تضعف الإيمان، لكن لا تقضي عليه فإنه لا يقضي عليه إلا الكفر الأكبر، والنفاق الأكبر، والشرك الأكبر، أما المعاصي وإن عظمت فإنها لا تقضي على الإيمان، وإنما تضعفه حتى لا يبقى إلا مثقال حبة من خردل من إيمان، فيبقى معهم أصل التوحيد وبه يخرجون من النار فضلاً من الله سبحانه، أما الكفرة فلا يخرجون من النار؛ لأن الجنة حرام عليهم نسأل الله العافية. وتارك الصلاة ليس معه شيء من الإيمان؛ لأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، مثل الوضوء شرط لصحة الصلاة، فهل تصح الصلاة بدون وضوء؟! كذلك لا يصح الإيمان بدون صلاة.

ما جاء في أن من يخرجون من النار يرش أهل الجنة عليهم الماء

ما جاء في أن من يخرجون من النار يرش أهل الجنة عليهم الماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار بأنهم يعودون بيضاً بعد أن كانوا فحماً يرش أهل الجنة عليهم الماء. أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف بن حمزة حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا بشر بن المفضل عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون)]. أي: الكفرة هم أهلها ولا يخرجون منها، أما المؤمن فدخوله عارض؛ بسبب المعاصي. قال: [(ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم -أو قال: بخطاياهم-، حتى إذا كانوا فحماً أذن في الشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أهل الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة! أفيضوا عليهم، قال: فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل)]. يعني: يحمله السيل، كما يحمل العيدان والحبة في طرف الوادي تنبت سريعة. قال: [(فقال رجل من القوم: كأنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبادية)]. يعني: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاهد هذا.

ما جاء في الرد على من زعم أن الإيمان لم يزل على حالة واحدة

ما جاء في الرد على من زعم أن الإيمان لم يزل على حالة واحدة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الإيمان لم يزل على حالة واحدة من غير أن يدخله نقص أو كمال. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن إدريس عن أبيه عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: (قال يهودي لـ عمر: لو علمنا معشر اليهود متى نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، ولو نعلم اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيداً، فقال عمر رضي الله عنه: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه والليلة التي أنزلت يوم الجمعة، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات)]. قوله: (ولو علمنا معشر اليهود متى نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً) هذا فيه نظر واليهود لا يتخذونه عيداً؛ لأنهم باقون على يهوديتهم، لكن القول المعروف أنه قال: (لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا يومها عيداً) وهذا الحديث أخرجه النسائي في الحج، ومسلم في التفسير.

الأسئلة

الأسئلة

الدعاء بجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم لا ينافي حكمة الله في تفرقهم

الدعاء بجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم لا ينافي حكمة الله في تفرقهم Q هل الدعاء للمسلمين بأن يوحدهم الله ويجمع كلمتهم يكون مخالفاً لحكمة الله في تفرقهم شيعاً وأحزاباً كما أخبر الله جل وعلا بذلك؟ A لا، هذا مطلوب، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين، وأن يوحد صفوفهم، والدعاء لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ينبغي لكل مسلم أن يدعو به.

وجه عموم حديث: (لعن الله اليهود والنصارى) وحمله على الدعاء عليهم بالهلاك العام

وجه عموم حديث: (لعن الله اليهود والنصارى) وحمله على الدعاء عليهم بالهلاك العام Q حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى) أليس يدل على الدعاء عليهم بالعموم؟ A الحديث يفيد الدعاء بالعموم، لكن ليس هو الدعاء عليهم بالهلاك العام بحيث لا يبقى منهم أحد، وإنما لأنهم ما داموا على كفرهم وعنادهم فهم مطرودون من رحمة الله، لكن هم باقون في الدنيا.

حكم ما أخذه المرء من حقوق الناس قبل إسلامه

حكم ما أخذه المرء من حقوق الناس قبل إسلامه Q إذا سرق الشخص قبل إسلامه فهل يجب عليه رد ما سرق؟ A إذا كان يعرف صاحبه رده إليه؛ لأن الحقوق لا بد من أدائها، والإسلام يجب ما قبله فيما بينه وبين الله، لكن حقوق الناس لا بد أن يؤديها.

ما جاء في صلاة الإشراق

ما جاء في صلاة الإشراق Q هل هناك ركعتان خاصة بالإشراق؟ A جاء في الحديث: (أن من جلس في مصلاه بعد صلاة الفجر، ثم صلى ركعتين كان كحجة وعمرة) هذا الحديث فيه ضعف، لكن له طرق وشواهد يقوي بعضها بعضاً، وجاء في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس حتى تكون الشمس حسناء)، وأول صلاة الضحى تبدأ من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى وقت الزوال، وبعض الناس يسميها سنة الإشراق.

حكم البطاقة الشخصية للنساء

حكم البطاقة الشخصية للنساء Q ما حكم البطاقة للنساء؟ A البطاقة للنساء هذا ليس إلينا، ونسأل الله أن يصلح الأحوال، والعلماء قد بذلوا الجهود في هذا، نسأل الله أن يوفقهم لما فيه الخير.

كتاب الإيمان [5]

شرح صحيح ابن حبان_كتاب الإيمان [5] يتعلق بتوحيد المرء جملة من الأمور المهمة، وأهمها ثبات اسم الإيمان له بتوحيده ما لم يأت بناقض يخرج به عن الملة، فإن استوفى القيام بالأوامر وترك النواهي ثبت له كمال الإيمان، وإن انتقص فأتى المحرم أو قصر في الواجب انتفى كمال إيمانه مع بقاء أصله، وإن مات على توحيد خالص حجزه عن الكبائر والتقصير في أداء الفرائض استحق دخول الجنة من أول وهلة، فإن أخل فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.

ما جاء في نفي اسم الإيمان والمراد به الإيمان الكامل

ما جاء في نفي اسم الإيمان والمراد به الإيمان الكامل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ثان يصرح بإطلاق لفظة مرادها نفي الاسم عن الشيء للنقص عن الكمال لا الحكم على ظاهره. أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري قال: حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كلهم يحدثون عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع المسلمون إليها أبصارهم وهو حين ينتهبها مؤمن) فقلت للزهري: ما هذا؟! فقال: على رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم]. هذا الحديث فيه نفي الإيمان، والمراد به نفي كمال الإيمان لا أصله؛ لأن المؤمن لا يزني حين يزني وهو مؤمن، ففيه نفي الاسم ويراد به نفي الكمال، فهو عنده أصل الإيمان، هو مؤمن بالله ورسوله وليس كافراً، لكنه نفي عنه كمال الإيمان، مثل قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وإخباره بأنه لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه، فهذا نفي الكمال، يعني: لا يؤمن الإيمان الكامل، فهو ضعيف الإيمان وناقص الإيمان. وقوله في الترجمة: (ذكر خبر ثان يصرح بإطلاق لفظة مرادها نفي الاسم عن الشيء للنقص عن الكمال لا الحكم على ظاهره). أي أن المراد نقص الكمال، بدليل أن الزاني والسارق والناهب يعامل معاملة المسلمين، فيغسل ويصلى عليه إذا مات ويرث ويورث، ولو كان كافراً ليس بمؤمن فإنه يقتل، ولا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يرث ولا يورث. فإن قيل: هل وقت فعل الزنا أو شرب الخمر ينتفي الإيمان عن الفاعل بالكلية؟ ف A لا ينتفي؛ لأن عنده أصل الإيمان، فلو سألته: هل أنت مؤمن بالله ورسوله؟ لقال: نعم أنا مؤمن بالله ورسوله. فعنده أصل الإيمان، لكنه ضعيف الإيمان وناقص الإيمان. وقد جاء في الحديث أنه يرتفع الإيمان فوق رأسه كأنه ظلة، ثم إذا تاب رجع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ثالث يصرح بالمعنى الذي ذكرناه. أخبرنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد وابن كثير حدثنا شعبة واقد بن عبد الله أخبرني عن أبيه أنه سمع ابن عمر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)]. والمراد هنا الكفر المنافي لكمال الإيمان؛ لأنهم ليسوا كفاراً، وذلك إذا لم يستحلوه، فهذا هو الكفر الأصغر الذي يضعف معه الإيمان.

ذكر ما جاء في إضافة العرب الاسم إلى الشيء للقرب من التمام ونفيها عنه للنقص عن الكمال

ذكر ما جاء في إضافة العرب الاسم إلى الشيء للقرب من التمام ونفيها عنه للنقص عن الكمال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن العرب في لغتها تضيف الاسم إلى الشيء للقرب من التمام، وتنفي الاسم عن الشيء للنقص عن الكمال. أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان أخبرنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله وبرحمته؛ فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب)]. قوله: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) يعني الكافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة، ولكن قوله: (من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا) فيه تفصيل، فإن أراد أن نوء النجم له تأثير في إنزال المطر؛ فقوله هو الشرك الأكبر في الربوبية، وإن أراد أن النوء هو سبب، فقوله شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعله سبباً. وهذا الحديث إسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو في الموطأ، ومن طريق مالك أخرجه أحمد والبخاري. وقال في الحا شية: (وأورد الحافظ ما قيل في شرح هذا الحديث، ثم قال: وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي، قال: (مطرنا بنوء كذا وكذا) على ما كان في بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر، إلا أنه أمطره نوء كذا، فذلك كفر؛ لأن النوء وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً، ومن قال: مطرنا بنوء كذا على معنى: مطرنا في وقت كذا؛ فلا يكون كفراً، وغير ذلك من الكلام. قوله: (لأن النوء وقت) يعني أن المعنى سيكون: مطرنا في وقت كذا، والمعروف أن النوء هو النجم، وقد يطلق النوء على الوقت، فإذا أريد به الوقت فلا حرج، كأن يقول: مطرنا في وقت كذا، أما إذا قال: مطرنا بنوء كذا -يعني: بنجم كذا- مع اعتقاد أن للنجم تأثيراً عند المطر فهذا شرك أكبر، وإذا قال: مطرنا بنوء كذا مع اعتقاد أنه سبب فهو شرك أصغر، وإذا قال: مطرنا في نوء كذا يعني: في وقت كذا، فهذا لا بأس به.

ذكر ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على جزئه

ذكر ما جاء في إطلاق اسم الإيمان على جزئه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر آخر يصرح بصحة ما ذكرنا أن العرب تذكر في لغتها الشيء الواحد الذي هو من أجزاء شيء باسم ذلك الشيء نفسه. أخبرنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشريد بن سويد الثقفي قال: (قلت: يا رسول الله! إن أمي أوصت أن نعتق عنها رقبة، وعندي جارية سوداء، قال: ادع بها، فجاءت، فقال: من ربك؟ قالت: الله، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)]. هذا مثل حديث معاوية بن الحكم السلمي. وهذا الحديث إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو، وأخرجه الطبراني والبيهقي وأحمد وأبو داود والنسائي. وفيه بيان أن هذه الجارية عندها أصل الإسلام، فسألها الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربها وعن دينها وعن نبيها، وهذا أصل الإيمان، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعتقها فإنها مؤمنة)، وهي إنما نطقت بالشهادتين. وهذا فيه الرد على المبتدعة الذين ينكرون العلو ويقولون: إنه ليس له مكان. وتراجم ابن حبان بعضها يتصل ببعض.

بيان أن وصف الجارية بالإيمان يراد به بعض أجزائه وشعبه

بيان أن وصف الجارية بالإيمان يراد به بعض أجزائه وشعبه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنها مؤمنة) من الألفاظ التي ذكرنا أن العرب إذا كان الشيء له أجزاء وشعب تطلق اسم ذلك الشيء بكليته على بعض أجزائه وشعبه، وإن لم يكن ذلك الجزء وتلك الشعبة ذلك الشيء بكماله]. قوله (فإنها مؤمنة) يعني: عندها أصل الإيمان، وقد ينقصها بعض صفات المؤمنين، لكن أطلق عليها اسم الإيمان. قال: [أخبرنا حبان بن إسحاق بالبصرة حدثنا الفضل بن يعقوب الرخامي حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون باباً، والحياء من الإيمان)]. الشاهد أن الإيمان شعب متعددة، والحياء شعبة منها، ومع ذلك أطلق على الجارية أنها مؤمنة، وإن كانت لم تكتمل فيها جميع الشعب.

بيان أن المقصود بالأبواب في الإيمان الشعب

بيان أن المقصود بالأبواب في الإيمان الشعب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون باباً) أراد به: بضع وسبعون شعبة. أخبرنا الحسين بن بسطام بالأبلة أخبرنا عمرو بن علي حدثنا حسين بن حفص حدثنا سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)]. قوله: (الإيمان بضع وسبعون) هذه رواية مسلم رحمه الله في صحيحه، ورواية البخاري: (الإيمان بضع وستون شعبة). والمراد بالشعب هنا الأبواب.

ذكر نفي اسم الإيمان عمن أتى ببعض الخصال التي تنقص إيمانه

ذكر نفي اسم الإيمان عمن أتى ببعض الخصال التي تنقص إيمانه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر نفي اسم الإيمان عمن أتى ببعض الخصال التي تنقص بإتيانه إيمانه. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا محمد بن يزيد الرفاعي أبو هشام حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا البذيء ولا الفاحش)]. قوله: (ليس المؤمن بالطعان) يعني: ليس كالمؤمن كامل الإيمان، بل هو ناقص الإيمان، فالطعان واللعان والفاحش والبذيء ناقص الإيمان، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وقوله: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) يعني: ليس عنده كمال الإيمان الواجب، بل هو ناقص الإيمان.

ذكر خبر يدل على صحة نفي كمال الإيمان بفعل المعاصي

ذكر خبر يدل على صحة نفي كمال الإيمان بفعل المعاصي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر يدل على صحة ما تأولنا لهذه الأخبار. أخبرنا ابن قتيبة حدثنا يزيد بن موهب وموهب بن يزيد حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرنا عمرو بن الحارث أن دراجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة) قال موهب: قال لي أحمد بن حنبل: أيش كتبت بالشام؟ قال: فذكرت له هذا الحديث، قال: لو لم تسمع إلا هذا لم تذهب رحلتك]. هذا الحديث إسناده ضعيف لضعف دراج في روايته عن أبي الهيثم، وقال ابن الجوزي: تفرد به دراج، وقد قال أحمد: أحاديثه مناكير. قوله: (لا حليم إلا ذو عثرة) يعني أن الحليم لابد من أن تحصل له عثرة. وقوله: (ولا حكيم إلا ذو تجربة) يعني: لا يأخذ الحكمة ويضع الأمور في موضعها إلا بعد التجارب، فهو بعدما تمر عليه التجارب ويصل إلى الحكمة، وكذلك الحليم بعد أن تحصل له هفوات يصل إلى الحلم. وهذا الحديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد موقوفاً على أبي سعيد رضي الله عنه، وهو أصح. قوله: (قال موهب: قال لي أحمد بن حنبل: أيش كتبت بالشام؟ فذكرت له هذا الحديث قال: لو لم تسمع إلا هذا لم تذهب رحلتك)، هذا لو صح، لكنه لا يصح.

ذكر خبر يدل على أن المراد بنفي الإيمان من باب نفي الأمر عن الشيء للنقص عن الكمال

ذكر خبر يدل على أن المراد بنفي الإيمان من باب نفي الأمر عن الشيء للنقص عن الكمال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر يدل على أن المراد بنفي هذه الأخبار نفي الأمر عن الشيء للنقص عن الكمال. أخبرنا أبو يعلى حدثنا الحسن بن الصباح البزار حدثنا مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في الخطبة: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)] هذا الحديث حسن بشواهده. قوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له) يعني: لا إيمان كامل؛ لأن الإيمان الكامل لمن أدى الواجبات وترك المحرمات، ومن ذلك أداء العهود، ومن لا يلتزم بالعهود فإيمانه ضعيف، فنفي الأمر عن الشيء نفي للكمال. وقوله: (ذكر خبر يدل على أن المراد بنفي هذه الأخبار نفي الأمر عن الشيء للنقص عن الكمال). لو قال: نفي الشيء فهو أحسن، والمراد نفي الكمال، فقوله: (نفي الأمر عن الشيء) يعني: نفي الإيمان. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان) يريد نفي الكمال. وكذلك: (لا دين لمن لا عهد له) يعني: لا دين كامل لمن لا عهد له، وإلا فعنده دين، لكن ليس عنده الدين الكامل. وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة في المصنف، وحسنه البغوي في شرح السنة.

ذكر الخبر الدال على نفي الاسم عن الشيء للنقص عن الكمال وإضافتها الاسم إلى الشيء للقرب من التمام

ذكر الخبر الدال على نفي الاسم عن الشيء للنقص عن الكمال وإضافتها الاسم إلى الشيء للقرب من التمام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر الدال على صحة ما ذكرنا، أن معاني هذه الأخبار ما قلنا: إن العرب تنفي الاسم عن الشيء للنقص عن الكمال، وتضيف الاسم إلى الشيء للقرب من التمام. أخبرنا أبو خليفة حدثنا مسلم بن إبراهيم عن هشام بن أبي عبد الله حدثنا حماد بن أبي سليمان عن زيد بن وهب عن أبي ذر قال: (انطلق النبي صلى الله عليه وسلم نحو بقيع الغرقد، فانطلقت خلفه، فقال: يا أبا ذر! فقلت: لبيك ثم سعديك وأنا فداؤك، فقال: المكثرون هم المقلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله، قالها ثلاثاً، ثم عرض لنا أحد، فقال: يا أبا ذر! ما يسرني أنه لآل محمد ذهباً يمسي معهم دينار أو مثقال، فقلت: الله ورسوله أعلم، ثم عرض لنا واد فاستبطنه النبي صلى الله عليه وسلم ونزل فيه، وجلست على شفيره، فظننت أن له حاجة، فأبطأ علي، وساء ظني، فسمعت مناجاة، فقال: ذلك جبريل يخبرني لأمتي من شهد منهم أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله دخل الجنة، فقلت: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق)]. وهذا الحديث رواه الشيخان، وفيه دليل على أن من مات على التوحيد فإن مصيره إلى الجنة والسلامة، ولو فعل المعاصي والكبائر، وإذا مات على توحيد الخالق وتاب من الكبائر والصغائر دخل الجنة من أول وهلة، وإن مات على الزنا أو السرقة أو الخمر أو عقوق الوالدين، فإنه يستحق دخول النار، لكنه تحت مشيئته سبحانه، فقد يعفى عنه وقد يعذب، ولهذا قال: (من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة) وإن كان إيمانه ناقصاً. قوله: (ذكر الخبر الدال على صحة ما ذكرنا أن معاني هذه الأخبار ما قلنا: إن العرب تنفي الاسم عن الشيء للنقص عن الكمال، وتضيف الاسم إلى الشيء للقرب من التمام). شاهده أن هذا شهد أن لا إله إلا الله, وإن كان عنده نقص في الشهادة، فهو من أهل الإيمان.

ذكر إثبات الإسلام لمن سلم المسلمون من لسانه ويده

ذكر إثبات الإسلام لمن سلم المسلمون من لسانه ويده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إثبات الإسلام لمن سلم المسلمون من لسانه ويده. أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ بتستر حدثنا محمد بن العلاء بن كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال: سمعت عبد الله بن عمرو ورب هذه البنية -يعني: الكعبة- يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)]. يعني: من هجر السيئات بالهجرة من بلد الكفار إلى بلد الإسلام؛ لأن البقاء في بلد الكفار من السيئات، لكن المهاجر الكامل هو الذي يهجر السيئات كلها. قوله: (والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) يعني: المسلم الكامل، لكن من لا يسلم المسلمون من لسانه ويده فهذا مسلم ناقص الإسلام، فهنا المراد الإسلام الكامل والمهاجر الكامل، ومن نقص شيئاً من ذلك نقص إيمانه.

ذكر البيان بأن من سلم المسلمون من لسانه ويده كان من أسلمهم إسلاما

ذكر البيان بأن من سلم المسلمون من لسانه ويده كان من أسلمهم إسلاماً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن من سلم المسلمون من لسانه ويده كان من أسلمهم إسلاماً. أخبرنا عبدان حدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أسلم المسلمين إسلاماً من سلم المسلمون من لسانه ويده)]. يعني: هذا أسلم الناس، أما من لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فهو مسلم إذا كان موحداً، لكنه ناقص الإسلام.

ذكر إيجاب دخول الجنة لمن مات لم يشرك بالله شيئا وتعرى عن الدين والغلول

ذكر إيجاب دخول الجنة لمن مات لم يشرك بالله شيئاً وتعرى عن الدين والغلول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إيجاب دخول الجنة لمن مات لم يشرك بالله شيئاً، وتعرى عن الدين والغلول]. يعني: من مات لم يشرك بالله شيئاً وليس عليه دين ولا غلول دخل الجنة. قال: [أخبرنا أبو يعلى حدثنا محمد بن المنهال الضرير وأمية بن بسطام قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من جاء يوم القيامة بريئاً من ثلاث دخل الجنة: الكبر، والغلول، والدين)]. قوله: (الكبر والغلول والدين) يعني: مع التوحيد والإيمان. والحديث إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه النسائي والدارمي وأحمد والترمذي. قوله: (من جاء يوم القيامة بريئاً من ثلاث دخل الجنة: الكبر والغلول والدين) الكبر: هو بطر الحق ورده وغمط الناس. والغلول: هو الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، ومثله: الأخذ من صدقات الجمعيات أو من الأوقاف، كل هذا داخل في الغلول.

ذكر إيجاب الجنة لمن شهد لله بالوحدانية مع تحريم النار عليه به

ذكر إيجاب الجنة لمن شهد لله بالوحدانية مع تحريم النار عليه به قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إيجاب الجنة لمن شهد لله جل وعلا بالوحدانية مع تحريم النار عليه به. أخبرنا ابن قتيبة حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أخبرني حيوة حدثنا ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن سعيد بن الصلت عن سهيل بن بيضاء من بني عبد الدار قال: (بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس من كان بين يديه ولحقه من كان خلفه، حتى إذا اجتمعوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من شهد أن لا إله إلا الله حرمه الله على النار وأوجب له الجنة) قال أبو حاتم رضي الله عنه: هذا خبر خرج خطابه على حسب الحال، وهو من الضرب الذي ذكرت في كتاب (فصول السنن) أن الخبر إذا كان خطابه على حسب الحال لم يجز أن يحكم به في كل الأحوال، وكل خطاب كان من النبي صلى الله عليه وسلم على حسب الحال فهو على ضربين: أحدهما: وجود حالة من أجلها ذكر ما ذكر، لم تذكر تلك الحالة مع ذلك الخبر. والثاني: أسئلة سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فأجاب عنها بأجوبة، فرويت عنه تلك الأجوبة من غير تلك الأسئلة، فلا يجوز أن يحكم بالخبر إذا كان هذا نعته في كل الأحوال، دون أن يضم مجمله إلى مفسره، ومختصره إلى متقصاه]. يعني أن الأحاديث المطلقة تقيد بالأدلة الأخرى المقيدة، فقوله: (من شهد أن لا إله إلا الله حرمه الله على النار وأوجب الله له الجنة) يعني: إذا وحد الله، ولم يفعل ناقضة من نواقض الإسلام، وأدى الواجبات وترك المحرمات دخل الجنة من أول وهلة، جمعاً بين النصوص، فإن مات وقد نقض هذا التوحيد بالشرك فلا يعفى عنه، وإن مات على التوحيد ولكن أضعفه بالمعاصي والكبائر فهذا على خطر، وهو متوعد بالنار، وقد يعفى عنه وقد لا يعفى عنه. فالنصوص يضم بعضها إلى بعض.

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله بالوحدانية وكان ذلك عن يقين من قلبه

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله بالوحدانية وكان ذلك عن يقين من قلبه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله جل وعلا بالوحدانية، وكان ذلك عن يقين من قلبه، لا أن الإقرار بالشهادة يوجب الجنة للمقر بها دون أن يقر بها بالإخلاص. أخبرنا علي بن الحسين العسكري بالرقة حدثنا عبدان بن محمد الوكيل حدثنا ابن أبي زائدة عن سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر: (أن معاذاً لما حضرته الوفاة قال: اكشفوا عني سجف القبة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة)]. هذا الحديث فيه شرط الإخلاص، وأنه لابد منه، فإن وقع الشرك ذهب الإخلاص، لقوله: (من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه)، فلابد من الإخلاص، وهو شرط، فدل على أن المشرك ليس كذلك. [قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم: (دخل الجنة) يريد به جنة دون جنة؛ لأنها جنان كثيرة، فمن أتى بالإقرار الذي هو أعلى شعب الإيمان، ولم يدرك العمل، ثم مات أدخل الجنة، ومن أتى بعد الإقرار من الأعمال قل أو كثر أدخل الجنة، جنة فوق تلك الجنة؛ لأن من كثر عمله عَلَتْ درجاته وارتفعت جنته]. يعني أن الجنة درجات، كما في الحديث: (في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله). قال: [لا أن الكل من المسلمين يدخلون جنة واحدة وإن تفاوتت أعمالهم وتباينت؛ لأنها جنان كثيرة لا جنة واحدة].

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن أتى بالوحدانية عن يقين من قلبه ثم مات عليه

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن أتى بالوحدانية عن يقين من قلبه ثم مات عليه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن أتى بما وصفنا عن يقين من قلبه ثم مات عليه. أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف حدثنا نصر بن علي الحهضمي حدثنا بشر بن المفضل حدثنا خالد الحذاء عن الوليد بن مسلم أبي بشر سمعت حمران بن أبان يقول: سمعت عثمان بن عفان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة)]. هذا الحديث فيه اشتراط اليقين، وأنه لابد من اليقين، والعلم هو اليقين، وقوله: (وهو يعلم أن لا إله إلا الله) يعني: يعتقد أنه لا معبود بحق إلا الله، ويسلم بذلك، فهذا يدخل الجنة.

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله بالوحدانية وقرن ذلك بالشهادة للمصطفى بالرسالة

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله بالوحدانية وقرن ذلك بالشهادة للمصطفى بالرسالة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله جل وعلا بالوحدانية وقرن ذلك بالشهادة للمصطفى صلى الله عليه وسلم بالرسالة. أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان بالفسطاط حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن ابن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن الصنابحي قال: (دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت فبكيت، فقال لي: مه، لم تبكي؟ فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك، ولئن شفعت لأشفعن لك، ولئن استطعت لأنفعنك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه، إلا حديثاً واحداً وسوف أحدثكموه اليوم، وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرمه الله على النار)]. يعني: لابد من الشهادتين، فمن شهد أنه لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم يقبل منه، ومن شهد أن محمداً رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم يقبل منه.

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة وكان ذلك عن يقين منه

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة وكان ذلك عن يقين منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة وكان ذلك عن يقين منه. أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا مسدد بن مسرهد عن ابن أبي عدي حدثنا حجاج الصواف أخبرني حميد بن هلال حدثني هصان بن كاهل قال: (جلست مجلساً فيه عبد الرحمن بن سمرة ولا أعرفه فقال: حدثنا معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما على الأرض نفس تموت لا تشرك بالله شيئاً، وتشهد أني رسول الله يرجع ذلك إلى قلب موقن إلا غفر لها. قلت: أنت سمعته من معاذ؟ قال: فعنفني القوم، فقال: دعوه فإنه لم يسيء القول، نعم سمعته من معاذ زعم أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. (زعم) هنا بمعنى (قال)، وتطلق في الرد على الكاذب، مثل قوله: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7]، وتطلق على الادعاء: (زعم رسولك أن الله أوجب علينا خمس صلوات في اليوم والليلة) وتطلق على مجرد القول، وهذا الحديث فيه أنه لابد من اليقين بالشهادتين. وهصان بن كاهل -باللام- العدوي ذكره المؤلف في الثقات. والحديث أخرجه أحمد في المسند والنسائي في عمل اليوم والليلة.

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد بالشهادتين عن يقين منه ثم مات على ذلك

ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد بالشهادتين عن يقين منه ثم مات على ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد بما وصفنا عن يقين منه ثم مات على ذلك. أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا محمد بن يحيى الأزدي حدثنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد عن قتادة عن مسلم بن يسار عن حمران بن أبان عن عثمان بن عفان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حرمه الله على النار: لا إله إلا الله)]. يعني: إذا قالها عن يقين وصدق وإخلاص؛ لأن النصوص يضم بعضها إلى بعض، فمن قالها عن يقين فلابد من أن يعمل، فإذا لم يعمل دل ذلك على أنه ضعيف اليقين. إذاً: لابد من الصدق واليقين والإخلاص، والنصوص يضم بعضها إلى بعض، وقد جاء في لفظ: (من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه) وفي لفظ: (من قال: لا إله إلا الله صادقاً) وفي لفظ: (من قالها صدقاً دخل الجنة)، وفي لفظ: (من قال لا إله إلا الله وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة)، وفي لفظ: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله دخل الجنة) فهذه النصوص يضم بعضها إلى بعض.

ذكر إعطاء الله نور الصحيفة لمن قال الشهادتين عند الموت

ذكر إعطاء الله نور الصحيفة لمن قال الشهادتين عند الموت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر إعطاء الله جل وعلا نور الصحيفة من قال عند الموت ما وصفناه. أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني حدثنا محمد بن الوهاب عن مسعر بن كدام عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن يحيى بن طلحة عن أمه سعدى المرية قالت: (مر عمر بن الخطاب بـ طلحة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك مكتئباً؟ أساءتك إمرة ابن عمك؟! قال: لا، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا كانت له نوراً لصحيفته، وإن جسده وروحه ليجدان لها روحاً عند الموت. فقُبض ولم أسأله، فقال: ما أعلمه إلا التي أراد عليها عمه، ولو علم أن شيئاً أنجى له منها لأمره)].

الأسئلة

الأسئلة

حكم سجود السهو لمن ترك التشهد الأول ثم رجع له قبل أن يستتم قائما

حكم سجود السهو لمن ترك التشهد الأول ثم رجع له قبل أن يستتم قائماً Q هل يسجد سجود السهو من ترك التشهد الأول ثم رجع له قبل أن يستتم قائماً؟ A نعم يسجد للسهو؛ لأن كونه قام ثم رجع زيادة.

§1/1