شرح شافية ابن الحاجب - الرضي الأستراباذي
الأستراباذي، الرضي
شرح شافية ابن الحاجب تأليف الشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي النحوي 686 هـ مع شرح شواهده للعالم الجليل عبد القادر البغدادي صاحب خزانة الأدب المتوفي عام 1093 من الهجرة حققهما، وضبط غريبهما، وشرح مبهمهما، الاساتذة: محمد نور الحسن - المدرس في تخصص كلية اللغة العربية محمد الزفزاف - المدرس في كلية اللغة العربية محمد محيى الدين عبد الحميد - المدرس في تخصص كلية اللغة العربية دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
(جميع الحقوق محفوظة للشراح) 1395 - 1975 م بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد، فهذا شرح أفضل المحققين، وأبرع المدققين، العالم الذي لا يشق غُبَاره، ولا يدْرِك مداه، نجم الملة والدين، محمد رضي الدين بن الحسن الأستراباذي، على مقدمة العلامة النحوي الفقيه الاصولي أبي بكر المعروف بابن الحاجب التي جمع فيها زبدة فن التصرف في أوراق قليلة، غَيْرَ تارك مما يجب علمه ولا يجمل بالمتأدب جهله شيئاً، مشيراً فيها إلى اختلاف العلماء أحياناً، وإلى لغات العرب ولهجاتهم أحياناً أخرى. وقد ظَلَّ شرح رضي الدين رحمه الله - رغم كثرة طبعاته وتعددها - سِرًّا محجوباً، وكَنْزاً مدفوناً، لا يقرب منه أحا إلا أَخَذَهُ البَهْر، وأعجزه الوقوف على غوامضه وأسراره، ذلك لأنه كتاب ملأه صاحبه تحقيقاً، وأفعمه تدقيقاً، وجمع فيه أوابد الفن وشوارده، وأتى بين ثناياه على غرر ابن جني وتدقيقه، وأسرار ابن الانباري واستدلاله وتعليله، وإضافة المازني وترتيبه، وأمثلة سيبويه وتنظيره، ولم يترك في كل ما بحثه لقائل مَقالاً، ولا أبقى لباحثٍ منهجاً، حتى كان كتابه حَرياً بأن ينتجعه طالب الفائدة، ويقبل على مدارسته واستذكاره كل من أراد التفوق على أقرانه في تحصيل مسائل العلم ونوادره، وكان الذين قاموا على طبعه في الآستانة ومصر لم يعطوه من العناية ما يستحقه، حتى جاء في منظر أقلُّ ما يقال فيه إنه يبعد عنه، ولا يقرب منه، وبقي قراء العربية إلى يوم الناس هذا يعتقدون أن الكتاب وَعْرُ المسلك، صعبُ المُرْتَقى، لا تصل إليه الأفهام، ولا تدرك حقائقه الأوهام، فلم يكونوا
ليقبلوا عليه، ولا ليتعرضوا له، والكتاب - علم الله - من أمتنع الكتب وأوفاها، وأحلفها بالنافع المفيد، وأدناها إلى من ألقى له بالاً، ولم يثنه عن اقتطاف ثماره ما أحاط بها من قَتَاد. وكم كنا نَوَد أن الله تعالى قَيَّضَ لنا من تنبعث همته إلى نشره على وَجْهٍ يرضى به الانصاف وعرفانُ الجميل، حتى أتيحت لنا هذه الفرصة المباركة، ووُكل إلينا أمر مراجعته وإيضاح ما يحتاج إلى الإيضاح منه، فعكفنا على مراجعة أصوله، وضبط مبهماته، وشرح مفرداته، والتعليق على مسائله وما يختاره المؤلف من الآراء تعليقاً لا يُمِلّ قارئه ولا يحوجه إلى مراجعة غيره. ثم عرض لنا أن نذيله بشرح شواهده الذي صنّفه العالم المطلع المحقق عبد القادر البغدادي صاحب (خزانة الأدب، ولب لباب لسان العرب) التي شرح فيها شواهد شرح رضي الدين على مقدمة ابن الحاجب في النحو، فلما استقر عندنا هذا الرأي لم نشأ أن نطيل في شرح الشواهد أنناء تعليقاتنا، وأرجأنا ذلك إلى هذا الشرح الوسيط، واجتزأنا نحن بالإشارة المفهمة التي لا بدّ منها لبيان لغة الشاهد وموطن الاستشهاد. وليس لأحدنا عمل مستقل في هذا الكتاب، فكل ما فيه من مجهود قد اشتركنا ثلاثتنا فيه إشتراكاً بأوسع ما تدل عليه العبارة، فلم يَخُطَّ أحدنا حرفاً أو حركة إلا بعد أن يقر الآخران ما أراد، فإن يكن هذا العمل قد جاء وافياً بما قصدنا إليه، مؤدياً الغرض الذي رجونا أن يؤديه، كان ذلك غاية أملنا ومنتهى سؤلنا، وإن تكن الأخرى فهذا جهد المقل، وحسبك من غِنىً شبع وري. والله تعالى المسئول أن يتقبل منا، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه، مقر بامنه، امين كتبه محمد نور الحسن محمد الزفزاف محمد محيي الدين عبد الحميد
[حد التصريف]
بسم الله الرحمن الرحيم [وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم] أما بعد حمد الله توالي نعمه، والصلاةِ على رسوله محمد وعِتْرَتهِ المعصومين، فقد عزمت على أن أشرح مقدمة ابن الحاجب في التصريف والخط، وَأَبْسُطَ الكلام في شرحها كما في شَرْحِ أُخْتِها بَعضَ البَسْطِ، فإن الشُّرَّاح قد اقتصروا على شرح مُقَدِّمة الإعراب، وهذا - مع قرب التصريف من الإعراب في مَسَاس الحاجة إليه، ومع كونهما من جنس واحد - بعيدٌ من الصواب، وعلى الله المُعَوَّل في أن يوفقني لإتمامه، بمنه وكرمه، وبالتوسل بِمَنْ أنا في مُقَدَّس حرمه، عليه من الله أزكى السلام، وعلى أولاده الغرِّ الكرام. قال المصنّف: (الحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاة عَلَى سَيِّدنا محمَّدٍ وَآلِهِ الطاهرين. وَبَعْد فَقَدِ التَمَسَ مِنِّي مَنْ لا تَسْعنِي مُخَالَفَته أنْ أُلحَقَ بِمقدِّمَتِي في الإعْرابِ مُقَدِّمَةً في التَّصْرِيفِ عَلَى نَحْوِها، ومقدِّمَةً في الخَطِّ، فَأَجَبْته سائلاً متضرِّعاً أنْ يَنْفَعَ بِهِما، كَمَا نَفَعَ بأختهما والله الموفق. التَّصريفُ عِلْمٌ بأُصُولٍ تُعْرَفُ بها أَحْوَالُ أَبْنِيَةِ الكلم التي ليس بإِعْراب. أقول: قوله (بأصول) يعني بها القوانين الكلية المنطبقةَ على الجزئيات،
كقولهم مثلاً (كل واو أو ياء إذا تحركت وانفتح ما قبلها قُلِبَتْ ألفاً) والحق أن هذه الأصول هي التصريف، لا العلم بها (1) قوله (أبنية الكلم) المراد من بناء الكلمة ووزنها وصيغتها هَيْئَتُها التي يمكن أن يشاركها فيها غيرهما، وهي عدد حروفها المرتبة وحركاتها المعينة وسكونها مع اعتبار الحروف الزائدة والأصلية كُلٌّ في موضعه، فرَجُل مثلاً على هيئة وصفة يشاركه فيه عَضُد (2) ، وهي كونه على ثلاثةٍ أولها مفتوح وثانيها مضموم، وأما الحرف الأخير فلا تعتبر حركته وسكونه في البناء، فَرَجُل ورَجُلاً ورَجُلٍ على بناء واحد، وكذا جَمَلٌ على بناء ضَرَبَ، لأن الحرف الأخير لحركة الإعراب وسكونه وحركة البناء وسكونه، وإنما قلنا (يمكن أن يشاركها) لأنه قد لا يشاركها في الوجود كالحِبُكِ - بكسر الحاء وضم الباء - فإنه لم يأت له نظير (3) ، وإنما قلنا (حروفها المرتبة) لأنه إذا تغير النظم والترتيب تغير الوزن،
كما تقول: بئس على وزن فَعِلَ وَأَيِسَ على وزن عَفِلَ، وإنما قلنا (مع اعتبار الحروف الزائدة والأصلية) لأنه يقال: على وزن فَعْلَلَ أو أَفْعَلَ أو فَاعلَ مع توافق الجميع في الحركات المعينة والسكون، وقولنا " كل في موضع " لأن نحو دِرْهَم ليس على وزن قِمَطْرٍ (1) لتخالف مواضع الصفحتين والسكونين، وكذا نحو بَيْطَر (2) مخالف لشَرْيَفَ (3) في الوزن لتخالف موضعي الياءين، وقد يُخَالَف ذلك (4) في أوزان التصغير فيقال: أوزان التصغير ثلاثة: فُعَيْلٌ، وفُعَيْعِلٌ، وفُعَيْعِيلٌ فيدخل في فُعَيْعل أُكيْلب وَحُميّر ومُسَيْجِد ونحوها، وفي فُعَيْعِيل مُفَيْتيح وَتُمَيْثيل ونحو ذلك، [وذلك] (5) لما سيجى
قوله " أحوال أبنية الكلم " يُخْرِجُ من الحد معظم أبواب التصريف، أعني الأصول التي تعرف بها أبنية الماضي والمضارع والأمر والصفة وأفعل التفضيل والآلة والموضع والمصغر والمصدر، وقد قال المصنف بعد مُدْخِلاً لهذه الأشياء في أحوال الأبنية: " وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضي والمضارع " إلخ وفيه نظر (1) ، لأن العلم بالقانون الذي تعرف به أبنية الماضي من الثلاثي والرباعي
والمزيد فيه وأبنية المضارع منها وأبنية الأمر وأبنية الفاعل والمفعول تصريفٌ بلا خلاف، مع أنه علم بأصول تُعْرَفُ به أبنية الكلم، لا أحوال أبنيتها، فإن أراد أن الماضي والمضارع (مثلاً) حالان طارئان على بناء المصادر ففيه بُعْد، لأنهما بناءان مستَأْنَفَان بُنِيا بعدَ هَدْمِ بناء المصدر، ولو سلمنا ذلك فلم عَدَّ المصادر في أحوال الأبنية؟ فإن القانون الذي تُعْرَفُ به أبنيتها تصريفٌ، وليس يعرف به حال بناء، والماضي والمضارعُ والأمرُ وغيرُ ذلك مما مر كما أنها ليس بأحوال الأبنية ليست بأبنية أيضاً على الحقيقة، بل هي أشياء ذوات أبنية، على ما ذكرنا من تفسير البناء، بلى قد يقال لضَرَبَ مثلاً: هذا بناء حالُهُ كذا، مجازاً، ولا يقال أبداً: إن ضَرَبَ حالُ بناء، وإنما يدخل في أحوال الأبنية الابتداء، والإمالةُ، وتَخفيفُ الهمزة، والإعلال، والإبدال، والحذف، وبعض الإدغام، وهو إدغام بعض حروف الكلمة في بعض، وأما نحو " قُل لَّه " فالإدغام فيه ليس من أحوال البناء، لأن البناء على ما فسرناه لم يتغير به، وكذا بعض التقاء الساكنين، وهو إذا كان الساكنان من كلمة كما في قُلْ وأصله قُوْلْ، وأما التقاؤهما في نحو " اضْرِبِ الرجل " فليس حالاً لبناء الكلمة، إذ البناء - كما ذكرنا - يعتبر بالحركات وَالسكنات التي قبل الحرف الأخير، فهذه المذكورات أحوال الأبنية، وباقي ما ذكر هو الأبنية، الا الوقف والتقاء الساكنين في كلمتين والإدغام فيهما، فإن هذه الثلاثة لا أبنية ولا أحوال أبنية. قوله " التي ليست بإعراب " لم يكن محتاجاً إليه، لأن بناء الكلمة - كما ذكرنا - لا يعتبر فيه حالات آخر الكلمة، والإعراب طارٍ على آخر حروف الكلمة، فلم يدخل إذن في أحوال الأبنية حتى يجترز عنه، وإن دخل (1) فاحتاج إلى الاحتراز فكذا البناء، فهلاَّ احترز عنه أيضا؟ !
واعلم أن التصريف (1) جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من اهل الصناعة، والتصريف - على ما حكى سيبويه عنهم - هو أن تبني (2) من الكلمة بناء لم
أنواع الأبنية
تَبْنِهِ العربُ على وزن ما بَنَتْهُ ثم تعمل في البناء الذي بنيته ما تقتضيه فياس كلامهم، كما يتبين في مسائل التمرين إن شاء الله تعالى، والمتأخرون على أن التصريف علم بأبنية الكلمة، وبما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وحذف وصحة وإعلال وإدغام وإمالة، وبما يعرض لآخرها مما ليس بإعراب ولا بناء من الوقف وغير ذلك. أنواع الأبنية قال: " وَأَبْنِيَةُ الاسْمِ الأصُولُ ثُلاثِيَّةٌ ورُباعِيَّةٌ وخُمَاسِيَّةٌ وَأَبْنِيَةُ الفعل ثلاثية ورباعية (1)
أقول: لم يتعرض النحاة لأبنية الحروف لندور تصرفها، وكذا الأسماء (1) العريقة البناء كَمَنْ ومَا
واعلم انه لم يُبْنَ من الفعل خماسي، لأنه إذن يصير ثقيلاً بما يلحقه مُطَّرِداً من حروف المضارعة وعلامة اسم الفاعل واسم المفعول (1) والضمائر المرفوعة التي هي كجزء الكلمة، وإنما قال " الاصول " لانه يزداد على ثُلاثِيِّ الفعل واحدٌ كأخرج، واثنان كانقطع، وثلاثة كاستخرج، وعلى رباعية واحد كتدحرج، واثنان كاحرنجم (2) ويزاد على ثلاثى الاسم واحد نحو ضارب، واثنان كمضروب، وثلاثة كمستخرج، وأربعة كاستخراج، وعلى رُباعِيَّة وَاحدٌ كمُدَحْرِج، واثنان كمتدحرج، وثلاثة كاحربحام (2) ، ولم يُزَدْ في خُمَاسِيِّه غير حرف مد قبل الآخر نحو سلسبيل (3) وعضر فوط (4) أو بعده مُجَرَّداً عن التاء كقبعثرى (5)
الميزان الصرفي
أو معها كقَبَعْثَراة، وندر قَرَعْبَلانَة (1) وإصْطَفْلِينَةُ (2) الميزان الصرفي قال: " وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللاَّمِ، وَمَا زَادَ بِلاَم ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ، وَيُعَبَّرُ عَنِ الزَّائِدِ بلَفْظِهِ، إلاَّ الْمبدلَ مِنْ تَاء الافْتِعَالِ فَإِنَّهُ بِالتّاء، وَإِلاَّ الْمُكَرَّرَ لِلإِْلْحَاقِ أَوْ لِغَيْرِهِ فإنه بما تقدمه وإنْ كان من حُرُوفِ الزِّيَادَة إِلاَّ بَثَبَتٍ، ومِنْ ثَمَّ كَانَ حِلْتِيتٌ (3) فِعْليلاً، وسحنون (4)
وَعُثْنُونٌ (1) فُعْلُولاً لا فُعْلُوناً لِذَلِكَ وَلِعَدَمِهِ، وَسَحْنُونٌ إِنْ صَحَّ الْفَتْحُ فَفَعْلونٌ لا فَعْلُولٌ كَحَمْدُونٍ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالعَلَم، لِنُدُورِ (2) فَعْلُولٍ وَهُوَ صَعْفُوقٌ (3) ، وَخَرْنُوبٌ ضَعيفٌ، وسَمْنَانُ (4) فَعْلاَنٌ، وَخَزْعالٌ (5) نَادِرٌ وبُطْنَان (6) فُعْلان، وَقُرْطَاسٌ (7) ضَعِيفٌ مَعَ أَنَّهُ نَقيضُ ظُهْرَانٍ "
أقول: يعني إذا أردت وزن الكلمة عبرت عن الحروف الأصول بالفاء والعين واللام: أي جعلت في الوزن مكان الحروف الأصلية هذه الحروف الثلاثة كما تقول: ضَرَبَ على وزن فَعَلَ اعلم أنه صيغ لبيان الوزن المشترك فيه كما ذكرنا لفظٌ متصف بالصفة التى يقال لها الوزن، واستعمل ذلك اللفظ في معرفة أوزان جميع الكلمات، فقيل: ضَرَبَ على وزن فَعَلَ، وكذا نَصَرَ وخَرَجَ، أي: هو على صفة يتصف بها فَعَلَ، وليس قولك فَعَلَ هي الهيئة المشتركة بين هذه الكلمات، لأنا نعرف ضرورةً أن نفس الفاء والعين واللام غير موجودة في شئ من الكلمات المذكورة، فكيف تكون الكلمات مُشْتَرِكة في فَعَلَ؟ بل هذا اللفظ مصوغ ليكون محلاً للهيئة المُشْتَرَكةِ فقط، بخلاف تلك الكلمات، فإنها لم تُصَغْ لتلك الهيئة بل صيغت لمعانيها المعلومة، فلما كان المراد من صَوْغ فَعَلَ الموزون به مجرَّدَ الوزن سُمِّيَ وزناً وزِنَةً، لا أنه في الحقيقة وزن وزنة، وإنما اختير لفظ فَعَلَ لهذا الغرض من بين سائر الألفاظ لأن الغرض الأهم من وزن الكلمة معرفة (1) حروفها
الاصول وما يزيد فيها من الحروف وما طرأ عليها من تغييرات لحروفها بالحركة والسكون، والمطَّردُ في هذا المعنى الفعل وَالأسماء المتصلة بالأفعال كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والآلة والموضع، إذ لا تجد فعلاً ولا اسماً متصلاً به إلا وهو في الأصل مَصْدَرٌ قد غُيِّر غالباً إما بالحركات كضَرب وَضُرِبَ أوْ بالحروف كيضرب وَضارب ومضروب، وأما الاسم الصريح الذي لا اتصال له بالفعل فكثير منه خَالٍ من هذا المعنى كرجُل وَفَرس وَجَعْفَر وَسَفَرْجَل، لا تغيير في شئ منها عن أصل ومعنى تركيب " ف غ ل " مشترك بين جميع الأفعال وَالأسماء المتصلة بها، إذ الضَّرْب فعل، وكذا القَتْلُ وَالنَّوْمُ، فجعلوا ما تشترك الأفعال والأسماء المتصلة بها في هيئته اللفظية مما تشترك أيضاً في معناه، ثم جعلوا الفاء والعين واللام في مقابلة الحروف الأصلية، إذ الفاء والعين واللام أصول، فإن زادت الأصول على الثلاثة كَرَّرْتَ اللام دون الفاء والعين، لانه لما لم يكن بد في الوزن من زيادة حرف بعد اللام لأن الفاء والعين واللام تكفي في التعبير بها عن أول الاصول وثانيها وثالثها كانت الزيادة بتكرير أحد الحروف التى في مقابلة الأصول بعد اللام أولى، ولما كانت اللام أقرب كُرِّرَتْ هي دون البعيد فإن كان في الكلمة المقصودة وَزْنُها حرفٌ زائد فهو على ضربين: إن كانت الزيادة بتكرير حرف أصلي كتكرير عين قَطَّع أو لام جَلْبَبَ كُرِّرَت العين في زن الاول نو فَعَّل واللام في وزن الثاني نحو فَعْلَلَ، ولا يُورَدُ ذلك المزيدُ بعينه، فلا يقال: فَعْطَلَ وَلاَ فَعْلَبَ، تنبيهاً في الوزن على أن الزائد حصل مِنْ تكرير حرف أصلي، سواء كان التكرير للالحاق كقردد (1) أو
لغيره كقطع، وإن لم تكن الزيادة بتكرير حرف أصلي أُوْرِدَ في الوزن تلك الزيادة بعينها، كما يقال في ضارب: فاعل، وفي مصروب: مفعول الوزن التصغيري وقد ينكسر هذا الأصل الممهَّد في أوزان التصغير، إذ قصدوا حَصْرَ جميعها في أقرب لفظ وهو قولهم: أوزان التصغير ثلاثة فعيل، وفعيعل، وفعيعيل، ويدخل في فُعَيْعِل دُرَيْهِمٌ مع أن وزنه الحقيقي فُعَيْلِلٌ، وأُسَيْوِدُ وهو أُفَيْعل، وَمُطَيْلِق وهو مُفَيْعِل، وَجُوَيْرِب وهو فُوَيْعِل، وحُمَيِّر وهو فُعَيِّل، ويدخل في فُعَيْعِيلٍ عُصَيْفِيرٌ وهو فُعَيْليلٌ، ومُفَيْتِيحٌ وهو مُفَيْعيل، ونحو ذلك، وإنما كان كذلك لأنهم قصدوا الاختصار بحصر جميع أوزان التصغير فيما يُشْتَرَكُ فيه بحسب الحركات المعينة والسكنات، لا بحسب زيادة الحروف وأصالتها، فإن دُرَيْهماً مثلاً وأُحَيْمَرَ وَجُدَيْوِلا ومُطَيْلِقاً تشترك في ضم أول الحروف وفتح ثانيها ومجئ ياء ثالثة وكسر ما بعدها، وإن كانت أوزانه في الحقيقة مختلفةً باعتبار أصالة الحروف وزيادتها، فقالوا لما قصدوا جمعها في لفظ للاختصار: إن وزن الجميع فعيعل، فوزنوها بِوَزْن يكون في الثلاثي دون الرباعي، لكونه أكثر منه، وأقدم بالطبع، ثم قصدوا ألا يأتوا في هذا الوزن الجامع يزيادة إلا من نفس الفاء والعين واللام، إذ لابد للثلاثي - إذا كان على هذا الوزن - من زيادة، واختيار بعض حروف " اليوم تنساه " للزيادة دون بعض تحكمٌ، إذ لو قالوا مثلاً أفيعل باعتبار نحو أحيمر أو مُفَيعل باعتبار نحو مُجَيْلِس أو فُعَيِّل باعتبار نحو حُمَيِّر أو غير ذلك كان تحكماً، فلم يكن بُدٌّ من تكرير أحد الأصول، وفي الثلاثي لا تكون زيادة التضعيف في الفاء فلم يقولوا فُفَيْعل، بل لا تكون إلا في العين كزرق (1) أو في اللام كمهدد (2) وقردد،
فلو قالوا فعيلل لالتبس بوزن جعيفر، أعني وزن الرباعي المجرد عن الزيادة، وهم قصدوا وزن الثلاثي كما ذكرنا، فكرروا العين ليكون الوزن الجامع وَزن الثلاثي خاصة، وإن لم يقصدوا الحصر المذكور ورنوا كل مصغر بما يليق به، فقالوا: دُرَيْهِمٌ فعيلل، وحمير فُعَيِّل، وَمُقَيْتِل مُفَيْعِل، ونحو ذلك. هذا، وقد يجوز في بعض الكلمات أن تُحْمَلَ الزيادة على التكرير، وأن لا تحمل عليه، إذا كان الحرف من حوف " اليوم تنساه " وذلك كما في حلتيت، يحتمل أن تكون اللام مكررة كما في شِمْليلٍ فيكون وزنه فعليلا فيكون ملحقا بقنديل، وأن يكون لم يقصد تكرير لامه وإن اتفق ذلك، بل كان القصد الى زيادة الياء والتاء كما في عفريت (1) فيكون فعليتا، وكذا سمنان: إما أن يكون مكرر اللام للإلحاق بِزِلزَال، أو يكون زيد فيه الألف والنون لا للتكرير بل كما زيد في سَلْمَان، ولا دليل في قول الحماسي: - 1 - نَحْوَ الأُمَيْلِحِ من سمنان مبتكرا * * بفتية فيهم المرار والحكم (2) - بمنه صرف سَمْنَانَ - على كونه فَعْلانَ، لجواز كونه فَعْلاَلاً وامتناعُ صرفه لتأويله بالأرض والبقعة لأنه اسم موضع، قال المصنف: لا يجوز أن يكون مكرر اللام للإلحاق لأن فَعْلاَلاً نادر كخَزْعال، ولا يلحق بالوزن النادر، ولقائل أن يقول: إن فَعْلاَلاً إذا كان فاؤء ولامه الأولى من جنس واحد نحو زلزال (3)
وخلخال غير نادر اتفاقا، فهلا يجوز أن يكون سمنان ملحقا به، وليس نحو زَلْزَال بِفَعْفَال على ما هو مذهب الفراء كما يذكره المصنف في باب ذي الزيادة، ولا يجوز أن يكون التاءان أصليتين في حلتيت وكذا النونا ن في سمنان لما سيجئ من أن التضعيف في الرباعي والخماسي لا يكون إلا زائداً إلا أن يُفْصَلَ أحد الحرفين عن الآخر بحرف أصلي كزَلْزَال على ما فيه من الخلاف كما سيجئ، ولا يجوز أن يكون كرر اللام فيهما لغير الألحاق كما في سُودَدٍ (1) عندَ سيبويه لأن معنى الالحاق حاصل فيهما، وإنما امتنع ذلك في نحو سودد عند سيبويه (1) لعدم نحو جُخْدَب عنده وأما نحو سُحنون وعُثنون فهما مكررا اللام للإلحاق بعُصْفور، ولا يجوز أن يكون زيد الواو والنون كما في حَمْدُون لعدم فُعْلُون في أبنيتهم، وأما سَحْنُون - بفتح الفاء - فليس بمكرر اللام للإلحاق بصَعْفُوقٍ، لأنه نادر، ولا يلحق بالنادر، وليس التكرير لغير الألحاق كما في سُودَدٍ (1) لعدم فعول مكرَّرَ اللام فهو إذن فَعْلُون لثبوت فعلون في الأعلام خاصة، وسَحْنُون علم وأما بُطْنَان فليس بمكرر اللام، لأنه جمع بطن (2) ، وليس فعلال من
أبنية الجموع، وفُعْلانُ منها كَقُفْزَانٍ (1) ولو كان بطنان واحداً لجاز أن يكون فُعلالاً مكرر اللام للإلحاق بقُسْطَاسٍ (2) كما في قُرْطاط (3) وَفُسْطَاط (4) ، أو يقال في الثلاثة إنها مكررة اللام لا للإلحاق كما في سُؤْدَدٍ عند سيبويه (5) وقال المصنف: لا يجوز أن يكون بُطْنَان ملحق بقُرْطَاس لأنه ضعيف، والفصيح قِرْطَاسٌ - بكسر الفاء - والقائل أن يكون بُطْنَان ملحقاً بقُرْطَاس لانه ضعفيف، وقد قرئ في الكتاب العزيز بالكسر والضم، وما قيل " إنها لغة رومية " لم يثبت والظاهر أن المصنف بنى على أن بُطْناناً وظُهْرَاناً مفردان (5) فحمل بُطْناناً في كونه فُعْلان عَلَى ظُهْرَان الذي هو فُعْلان بيقين، ولو جعلهما جَمْعَيْن لم يحتج إلى ما ذكر، لأن فُعْلالاً ليس من أبنية الجموع، والحق أنهما جمعا بطن وظهر كما ذكر أهل اللغة رجعنا إلى تفسير كلامه، قوله " يعبر عنها " أي عن الاصول: أي،
يُجْعل في الوزن مكانَ أول الأصول الفاء، ومكان ثانيها العين، ومكان ثالثها اللام. قوله " وما زاد " أي: وما زاد عن ثلاثة من الأصول يُعَبَّرُ عنه بلام ثانية إن كان الاسم رباعياً، كما تقول: وزن جَعْفَرٍ فَعْلَلٌ قوله " وثالثة " أي: إذا كان الاسم خماسياً كما تقول: وَزْنُ سَفَرْجَلٍ فَعْلَّلٌ قوله " ويعبر عن الزائد بلفظه ": أي يورد في الوزن الحرفُ الزائد بعينه في مثل مكانه، كما تقول: مَضْروب على وزن مَفْعُول زنة المبدل من تاء الافتعال قوله " إلا المبدل من تاء الافتعال " يعني تقول في مثل اضْطَرَبَ وَازْدَرَعَ (1) افْتَعَلَ، ولا تقول افْطَعَل ولا افْدَعَلَ، وهذا مما لا يُسَلَّم، بل تقول: اضْطَرَبَ على وزن افْطَعَلَ، وَفَحَصْطَ (2) وزنه فَعَلْطُ، وهَرَاق (3) وزنه هَفْعَل، وَفُقَيْمِجٌّ وزنه (4) فُعَيْلِجّ، فيعبر عن كل الزائد المبدَل (منه) بالبدل، لا بالمبدل منه وقال عبد القاهر في المبدل عن الحرف الأصلي: " يجوز أن يعبر عنه بالبدل، فيقال في قال: إنه على وزن فال " اه، قال في الشرح (5) : إنما لم يُوزَنْ المبدل من تاء
الافتعال بلفظه إما للاستثقال أو للتنبيه على الاصل، قلنا: هذا حاصلان في فَحَصْطُ وفي فُزْدُ (1) ولا يوزنان إلا بلفظ البدل، ولو قال: ويعبر عن الزائد بلفظه، إلا المدغم في أصلي فإنه بما بعده، والمكرر فإنه بما قبله، ليدخل فيه نحو قولك: ازَّيَّنَ وَادَّارَك (2) على وزن افَّعَّل وَافَّاعَلَ، وقولك قَرْدَدَ وَقَطَّعَ واطَّلَبَ على وزن فَعْلَلَ وَفَعَّلَ وَاْفَّعَلَ، لكان أولى وأعم قوله " أو لغيره " أي: لا يقال في نحو قَطَّع فَعْطَل، بل فعل، قال: (3) زنة المكرر " إنما وُزِنَ المكرر للإلحاق بأحد حروف فعل لأنه في مقابلة الحرف الأصلي، وهذا ينتقض عليه بقولهم في وزن حَوْقَل وَبَيْطَر: فَوْعَل وَفَيْعَل، بل العلة في التعبير عن المكرر للإلحاق (كان) أو لغيره عيناً كان أو لا ما ذكرته قبلُ قوله " فإنه بما تقدمه " أي: فَإِنَّ المكرر يعبر عنه في الوزن بالحرف الذي تقدمه، عَيْناً كان ذلك الحرف أو لا ما قوله " وإن كان من حروف الزيادة " أي: وإن كان أيضاً ذلك الحرف المكرر من حروف " اليوم تنساه " لا يعبر عنه بلفظه، بل بما تقدمه، فالنون من عُثْنُون من حروف " اليوم تنساه " ولا يعبر عنه في الوزن بالنون، بل باللام الذى تقدمه.
قوله " إلا بثبت " أي: إلا أن يكون هناك حجة تدل على أن المراد من الإتيان بحروف " اليوم تنساه " ليس تكريراً كما قلنا في سَحْنُون - بالفتح - إنه فَعْلُون لا فَعْلُِول. قوله " ومن ثم " أي: من جهة التعبير عن المكرر بما تقدمه وإن كان من حروف " اليوم تنساه "، ونحن قد ذكرنا أنه لا مانع أن يقال: إنه فعليت قوله " لذلك " أي: لوجوب التعبير عن المكرر بما تقدمه وإنْ كان من حروف الزيادة. قوله " ولعدمه " أي: لعدم فُعْلُون. قوله " وسحنون إن صح الفتح " إنما قال ذلك لانه روى الفتح فيه، والمشهور الضم، وحمدون وسحنون: علمان. قوله " وهو صَعْفُوق " أي: الفَعْلُولُ النادر صَعْفوق، وهو اسم رجل، وبنو صَعْفُوق: خَوَلٌ باليمامة (1) قوله " وَخَرْنُوب ضعيف " المشهور ضم الخاء، وقد منع الجوهري الفتح، ولو ثبت أيضاً لم يدل على ثبوت فَعْلُول، لأن النون زائدة لقولهم الخَرُّوب - بالتضعيف - بمعناه، وهو نبت. قوله " وخزعال نادر " قال الفراء: لم يأت من غير المضاعف على فَعْلاَل إلا قولهم: ناقة بها خَزْعَال: أي ظلْع، وزاد ثعلب قَهْقَاراً، وأنكره الناس، وقالوا:
[القلب المكاني]
قَهْقَرٌّ (1) وزاد أبو مالك قَسْطَالا بمعنى قَسْطَلِ، وهو الغبار، وأما في المضاعف كخَلْخَال وَبَلْبَال (2) وَزَلْزَال فكثير. قال: " ثُمَّ إِنْ كانَ قَلْبٌ في المَوْزُونِ قُلِبَتِ الزِّنَةُ مِثْلَهُ كقولهم في ادر أَعْفُل، وَيُعْرَفُ الْقَلْبُ بِأَصْلِهِ كَنَاءَ يَنَاءُ مَعَ النَّأْيِ، وَبِأَمْثِلَةِ اشْتِقَاقِهِ كَالجَاهِ وَالحَادِي وَالقِسِيِّ، وَبِصِحَّتِهِ كَأَيِسَ، وَبِقِلَّةِ اسْتِعْمَالِهِ كآرَامٍ وآدُرٍ، وبأدَاءِ تَرْكِهِ إِلَى هَمْزَتَيْنِ عِنْدَ الْخَلِيلِ نَحْوَ جَاءٍ، أَوْ إِلَى مَنْعِ الصرف بغير علة على الأصح نَحْوَ أَشْيَاءَ، فَإِنَّها لَفْعَاءُ، وَقَالَ الْكِسَائيُّ: أفْعَالٌ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَفْعَاءُ وَأَصْلُهَا أَفْعِلاَءُ، وَكَذِلِكَ الْحَذْفُ كَقَوْلِكَ فِي قَاضٍ فَاعٍ، إِلاَّ أَنْ يُبَيَّنَ فيهما " أقول: يعنى بالقلب تقديمَ بعض حروف الكلمة على بعض، وأكثرُ ما يتفق القلب في المعتل والمهموز، وقد جاء في غيرهما قليلاً، نحو امْضَحَلَّ واكْرَهَفَّ في اضْمَحَلَّ واكْفَهَرَّ، (3) وأكثر ما يكون بتقديم الآخر على مَتلُوِّهِ كَنَاءَ يَنَاءُ في نأى ينأى، وراء في رأى، وَلاعٍ وهاعٍ وَشَوَاعٍ في لائع وهائع (4)
وشوائع (1) والملهاة وأصلها الْمَاهَةُ (2) ، وَأَمْهَيْتُ الحديد (3) في أَمَهْتُهُ، ونحو جَاءٍ عند الخليل، وقد يُقدَّمُ متلوُّ الآخر على العين نحو طَأمَنَ وأصله طَمْأنَ (4) لأنه من الطُّمَأْنِينَة، ومنه اطْمَأَنَّ يطمئنُّ اطمئناناً، وقد تُقَدَّمُ العين على الفاء كما في أَيِسَ وَجَاهٍ وأيْنُقٍ والآراء والآبار والآدُرِ (5) ، وتقدم اللا على الفاء كما في أشياء على الأصح، وقد تؤخر الفاء عن اللام كما في الحادي وأصله الواحد
قوله " بأصله " أي: بما اشْتُقَّ منه الكلمة التي فيها القلب، فان مصدر ناء يناء النأز لا النئ قوله " وبأمثلة اشتقاقه " أي: بالكلمات المشتقة مما اشْتُقَّ منه المقلوبُ، فان توجه ووجه وَالْوَجَاهَةُ مشتقة من الوجه، كما أن الجاه مشتق منه، وكذلك الواحد وَتَوَّحَد مشتقان من الْوَحْدَة كاشتقاق الحادي منها، والأقواس وَتَقَوَّسَ مشتقان من الْقَوْس اشتقاقَ القِسِيّ منه، وهذا منه عجيب، لم جعله قسما آخر وهو من الأول: أي مما يعرف بأصله؟ ! بل الكلمات المشتقة من ذلك الاصل توكد كون الكلمات المذكورة مقلوبة قوله " وبصحته كأيِس " حَقُّ العلامة أن تكون مطردةً، وليس صحة الكلمة نصا في كونها مقلوبة، إذ قد تكون لاشياء أخر كما في حول وعور
وَاجْتَوَرُوا وَالْحَيَدَى، وكذا قلة استعمال إحدى الكلمتين وكثرة استعمال الأخرى المناسبة لها لفظاً ومعنى لا تدل على كون القليلة الاستعمال مقلوبةً، فإن رَجْلةً في جمع رَجُل أقل استعمالاً من رِجَال وليست بمقلوبة منه، ولعل مراده أنها إذا كانت الكلمتان بمعنى واحد ولا فرق بينهما إلا بقلب في حروفهما، فإن كانت إحداهما صحيحة مع ثبوت العلة فيها دون الأخرى كأيِسَ مع يئس فالصحيحة مقلوبة من الأخرى، وكذا إن كانت إحداهما أقل استعمالاً مع الفرض المذكور من الأخرى، فالْقُلَّى مقلوبة من الكبرى، كآرام وآدر مع أَرْآم وأَدؤر، مع أن هذا ينتقض بجذب وجبذ، فإن جذب أشهر مع أنهما أصلان (1) على ما قالوا ويصح أن يقال: إن جميع ما ذكر من المقلوبات يُعْرَف بأصله، فالجاه والحادي والقسيّ عرف قلبها بأصولها وهي الوجه والوحدة والقوس، وكذا أيس يأيس باليأس، وآرام وآدر برِئْمٍ وَدَارٍ، فإن ثبت لغتان بمعنًى يُتَوَهَّمُ فيهما القلب، ولكل واحدة منهما أصل كجذب جَذْبَاً وجبذ جَبْذاً، لم يحكم بكون إحداهما مقلوبة من الأخرى، ولا يلزم كون المقلوب قليل الاستعمال، بل قد يكون كثيراً كالحادي والجاه، وقد يكون مَرْفُوض الأصل كالقِسِيِّ، فإن أصله - أعني القووس - غير مستع؟ وليس شئ من القلب قياسياً إلا ما ادعى الخليل فيما أدى تك القلب فيه إلى اجتماع الهمزتين كجاءٍ وسواءٍ (2) ، فإنه عنده قياسي
قوله " وبأداء تركه إلى همزتين عند الخليل كجاءٍ " أي: أن الخليل يعرف القلب بهذا ويحكم به، وهو أن يؤدي تركه إلى اجتماع همزتين، وسيبويه لا يحكم به وإن أدى تركه إلى هذا، وذلك في اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللام نحو ساءٍ وجاءٍ، وفي جمعه على فواعل نحو جَوَاءٍ وَسَواءٍ جَمْعَيْ جائية وسائية وفي الجمع الأقصى لمفردٍ لامه همزة قبلها حرف مد كخطايا في جمع خطيئة، وليس ما ذهب إليه الخليل بمتين، وذلك لانه إنما يحتزر عن مكروه إذا خيف ثباته وبقاؤه، أما إذا أدى الأمر إلى مكروه وهناك سبب لزواله فلا يجب الاحتراز من الأداء إليه، كما أن نقل حركة واو نحو مَقُوُول إلى ما قبلها وإن كان مؤدياً إلى اجتماع الساكنين لم يجتنب لَمَّا كان هناك سبب مُزيل له، وهو حذف أولهما، وكذا في مسئلتنا قياسٌ موجب لزوال اجتماع الهمزتين، وهو قلب ثانيتهما في مثله حرف لين كما هو مذهب سيبويه، وإنما دعا الخليل إلى ارتكاب وجوب القلب في مثله أداء ترك القلب إلى إعلالين كما هو مذهب سيبويه، وكثرةُ القلب في الأجوف الصحيح اللام، نحو شاكٍ وشواع في شائك وشوائع، لئلا يهمز ما ليس أصله الهمز والهمز مستثقل عندهم كما يجئ في باب تخفيف الهمزة، ويحذفه بعضهم فيما ذكرت حَذَراً من ذلك، فيقول: رجلٌ هاعٌ لاعٌ بضم العين، فلما رأى فِرَارَهم من الأداء إلى همزة في بعض المواضع أوجب الفرار مما يؤدي إلى همزتين، وأما سيبويه فإنه يقلب الأولى همزة كما هو قياس الأجوف الصحيح اللام نحو قائل وبائع، ثم يقلب الهمزة الثانية ياءً لاجتماع همزتين ثانيهما لام كما سيجئ تحقيقه في باب تخفيف الهمزة، فيتخلص مما يجتنبه الخليل مع عدم ارتكاب القلب الذي هو خلاف الأصل، وقد نقل سيبويه عن الخليل مثل ذلك أيضاً، وذلك أنه حكى عنه أنه إذا اجتمعت همزتان في كلمة واحدة اختير تخفيفُ الأخيرة نحو جاءٍ وآدم، فقد حكم على ما ترى بانقلاب ياء الجائي عن الهمزة، وهو عين مذهب سيبويه
فإن قيل: لو كانت الثانية منقبلة عن الهمزة لم تُعَلَّ بحذف حرَكتها كما في داريٍ (1) ومستَهْزِيُون فالجواب أن حُكْمَ حروف اللين المنقلبةِ عن الهمزة انقلاباً لازماً حُكْمُ حروف اللين الأصلية التي ليست بمنقلبة عن الهمزة، وإن كان الانقلاب غير لازم كما في داريٍ (2) ومستهزيين، وَيُرْوى عن حمزة مُسْتَهْزون، وعليه قوله (3) : 2 - جرئ متَى يُظْلَمْ يُعَاقِبُ بِظُلْمِهِ * سَرِيعاً وَإلا يُبْدَ بِالظُّلْمِ يَظْلِمِ (4) فحذف الألف للجزم، وكذا قالوا مَخْبِيٌّ في مَخْبُوٌّ مخفف مَخْبُوءٍ بالهمزة كما يجئ في باب الإعلال، وبعضهم يقول في تخفيف رُؤْيَة ورُؤيا: رُيَّة ورُيَّا بالإدغام كما يجئ في باب الاعلال
فان قيل: فإذا كان قلب ثانية همزتي نحو أئمة واجبا فهلا قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها قلت: إذا تحركت الواو والياء فاين وانفتح ما قبلهما لم تقلبا ألفا وإن كانت أصليتين كما في أوَدُّ (1) وَأَيَلُّ، بل إنما تقلبان عينين أو لامين، كما يجئ في باب الإعلال إن شاء الله تعالى، وقال المصنف: إنما لم تُقْلب ياء أيمة ألفاً لعروض الحركة عليها كما في " اخْشَي الله " " وَلَوَ انَّهُمْ " ولقائل أن يقول: الحركة العارضة في أيمة لازمة بخلاف الكسرة في " اخْشَي الله "، ولو لم يُعْتَدَّ بتلك العارضة لم تنقلب الهمزة الثانية ياء، فإنها إنما قلبت ياء للكسرة، لا لشئ آخر، هذا، وإنما قدم الادغام في أيمة وإوَزَّةٍ على إعلال الهمزة بقلبها ألفاً وإعلال الواو بقلبها ياء للكسرة التي قبلهار لأن المثلين في آخر الكلمة وآخرُها أثقل طرفيها إذ الكلمة يتدرج ثقلها بتزايد حروفا، واللائقُ بالحكمة الابتداء بتخفيف الأثقل، ألا ترى إلى قلب لام نَوَى أوَّلاً دون عينه، فلما أدغم أحد المثلين في الآخر في أيمة وإوَزَّة - ومن شرط إدغام الحرف الساكن ما قبله نَقْلُ حركته إليه - تحركت الهمزة والواو الساكنتان فزالت علة قلب الهمزة ألِفاً والواو ياء، وإنما حكم في إوَزَّةٍ بأنها إفْعَلَةَ لا إفعلة لوجود الوزن الاول كاصبع دون الثاني،
ولا يجوز أن يكون فعلة كهجف (1) لقولهم وَزٌّ (2) ، وأما ترك قلب عين نحو نَوَى بعد قلب اللام فلما يجئ في باب الإعلال (3) فإن قيل: إذا كان المد الجائز انقلابه عن الهمزة حكمه حكم الهمزة فلم وجب الادغام في بَريَّة وَمَقْرُوَّة (4) بعد القلب؟ وهَلاَّ كان مثل ريبا (5) غير مدغم، مع أن تخفيف الهمزة في الموضعين غير لازم؟ ؟ قلت: الفرق بينهما أن قلب الهمزة في بَرِيَّة ومقروة لفصد الإدغام فقط حتى تخفف الكلمة بالإدغام، ولا مقتضى له غير قصد الإدغام، فلو قلبت بلا إدغام لكان نقضاً للغرض، وليس قلب همزة رِئْياً كذلك، لأن مقتضيه كسر ما قبلها كما في بئر، إلا أنه اتفق هناك كون ياء بعدها قوله " أو إلى منع الصرف بغير علة على الأصح " أي: يعرف القلب على الأصح بأداء تركه إلى منع صرف الاسم من غير علة، ودعوى القلب بسبب أداء تركه
إلى هذا مَذْهَبُ سيبويه، فأما الكسائي فإنه لايعرف القلب بهذا الأداء، بل يقول: أشياء أفعال، وليس بمقلوب، وَإن أدى إلى منع الصرف من غير علة، ويقول: امتناعه من الصرف شاذ، ولم يكن ينبغي للمصنف هذا الإطلاق، فإن القلب عند سيبويه عرف في أشياء بأداء الأمر لولا القلب إلى منع الصرف بلا علة، كما هو مذهب الكسائي، أو إلى حذف الهمزة حذفاً غير قياسي، كما هو مذهب الأخفش والفراء، فهو معلوم بأداء الأمر إلى أحد المحذورين لا على التعيين، لا بالأداء إلى منع الصرف مُعَيَّناً ثم نقول: أشياء عند الخليل وسيبويه اسم جمع لا جمع، كالقصباء والغضباء وَالطَّرْفَاء، في القَصَبة والْغَضَا والطَّرَفة (1) وأصلها شيئا، قُدِّمت اللام على الفاء كراهة اجتماع همزتين بينهما حاجز غير حصين - أي الألف - مع كثرة استعمال هذه اللفظة، فصار لَفْعَاء، وقال الكسائي: هو جمع شئ، كبَيْتٍ وأَبْيَاتٍ، مُنِعَ صرفه تَوَهُّماً أنه كحمراء، مع أنه كأبناء وأسماء، كما تُوُهِّمَ في مَسِيل (2) - وميمه زائدةٌ - أنها أصلية فجمع على مُسْلاَن كما جمع قَفِيزٌ على قُفْزان وحقه مَسَايل وكما تُوُهِّمَ في مُصيبةٍ ومَعِيشَةٍ أن ياءهما زائدة كياء قبيلة فهمزت في الجمع فقيل: مصائب اتفاقاً، ومعائش عن بعضهم، والقياس مصاوب ومعايش، وكما توهم في مِنْديل وَمِسْكِين وَمِدْرَعَة (3) ، وهو من تركيب نَدَلَ (4) ودَرَعَ وسَكَنَ، أصالَةُ ميمها فقيل: تمَنْدَلَ وَتَمَسْكَنَ وَتَمَدْرَعَ اه.
وما ذهب إليه بعيد، لأن منع الصرف بلا سبب غير موجود، والحمل على التوهم - ما وُجِدَ مَحْمِلٌ صحيح - بعيدٌ من الحكمة. (1) وقال الاخفش والفراء: أصله أشيئا جمع شئ وأصله شئ نحوبين وأبْيِناء، وهو ضعيف من وجوه: أحدها: أن حذف الهمزة في أشياء إذن على غير قياس، والثاني. أن شَيْئاً لو كان في الأصل شَيِّئًا لكان الأصلُ أكثر استعمالاً من المخفف، قياساً على أخواته، فإن بَيِّنًا وسَيِّداً وَمَيِّتاً أكثر من بَيْنٍ وسَيْدٍ ومَيْت، ولم يسمع شى، فضلاً عن أن يكون أكثر استعمالاً من شئ. والثالث: أنك تصغر أَشْيَاء على أَشْيَّاء، ولو كان أَفْعِلاء (وهو) جَمْع كثرة وجب رده في التصغير إلى الواحد. وجمعه على أشْياوَاتٍ مما يُقَوِّي مذهب سيبويه، لأن فعلاء الاسمية تجمع على فَعْلاوات مطرداً نحو صَحراء على صَحْراوات، وجمع الجمع بالألف والتاء كَرِجَالات وبُيُوتات غير قياس.
ويضعف قول الأخفش والكسائي قولهم: أَشَايا، وأشَاوَى، في جمع أشياء، كَصَحَارى في جمع صحراء، فإن أفْعِلاَء وأفعالا لا يُجْمَعَان على فَعَالى، والأصل هو الأشايا (1) وقلبت الياء في الأشَاوى واواً على غير قياس، كما قيل: جبيته جِبَايَةً وجبَاوة. وقال سيبويه: أشَاوَى جمع إشَاوَة في التقدير، فيكون إذن مثل إدَاوَة (2) وأداوَى كَأَنه بنى من شئ شِيَاءَةً ثم قدمت اللام إلى موضع الفاء وأخرت العين إلى موضع اللام فصار إشاية، ثم قلبت الياء واوا على غير قياس كما في جِبَاوَة، ثم جمع على أَشاوَى كإدَاوَة وأَدَاوَى. وأقرب طريقاً من هذا أن نقول: جَمِع أشياء على أشايا، ثم قُلِبَتْ الياء واوا على غير القياس قوله " وكذلك الحذف " عطف على قوله " إن كان في الموزون قلب قلبت الزنة مثلة " يعني وإن كان في الموزون حذف حذف في الزنة مثله، فيقال: قاض على وزن فَاعٍ، بحذف اللام. قوله " إلا أن يُبيَّن فيهما " أي: يبين الأصل في المقلوب والمحذوف، يعنى
[الصحيح والمعتل]
(أنك) إن أردت بيان الأصل في المقلوب والمحذوف لم تقلب في الوزن ولم تحذف فيه، وهو وَهَمٌ، لأنك لا تقول: إن أشياء مثلاً عند سيبويه فَعْلاَء إذا قصدت بيان أصله، بل الذي تزن بفعلاء ما ليس فيه قلب وهو أصل هذا المقلوب، تقول: أصل أشياء على وزن فعلاء، وكذا لا تقول إذا قصدت بيان أصل قاض: إن قاض فاعل، بل تقول: أصل قاض فاعل، فلا يكون أبداً وزن نفس المقلوب والمحذوف الا مقلوبا أو محذوفا، فلا معنى للاستثناء بقول " إلا أن يبين فيهما " قال: " وَتَنْقَسِمُ إلى صَحيح وَمُعْتَلٍّ، فَالْمُعْتَلُّ مَا فِيهِ حَرْفُ عِلَّةٍ، وَالصَّحِيحُ بِخِلاَفِهِ، فَالْمُعْتَلُّ بِالْفَاءِ مِثَالٌ، وَبِالْعَيْنِ أَجْوَفُ وذو الثلاثة، وَبِاللاَّم مَنْقُوصٌ وذو الأربعة، وَبِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ أَو بِالْعَيْنِ وَاللاَّمِ لَفِيفٌ مَقْرُون، وَبِالْفَاءِ وَاللاَّمِ لَفِيفٌ مَفْرُوقٌ ". أقول: قوله " تنقس " أي: تنقسم الأبنية أصولاً كانت أو غير أصول، ولا يكون رباعيُّ الاسم والفعل معتلاً ولا مضاعفا ولا مهموز الفاء (1) ، ولا يكون
الخماسي مضاعفاً، وقد يكون معتل الفاء فقط، ومهموزده - حوورنتل (1) وإصطبل بل يكون الرباعي مضاعفاً بشرط فصل حرف أصلي بين المثلين كَزَلْزَلَ، وستعرف هذه الجملة حق المعرفة في باب ذي الزيادة إن شاء الله تعالى. قوله " ما فيه حرف علة " أي: في جوهره، أعني في موضع الفاء أو العين أو اللام، حتى لا ينتقض بنحو حوفل وَبَيْطَر وَيَضْرِبُ (2) ، ويعني بحرف العلة الواو والياء والألف، وإنما سميت حرف علة لأنها لا تسلم ولا تصح: أي لا تبقى على حالها في كثير من المواضع، بل تتغير بالقلب والإسكان والحذف، والهمزةُ وإن شاركتها في هذا المعنى لكن لم يجر الاصطلاح بتسميتها حرف علة. وتنقسم الأبنية قسمةً أخرى إلى مهموز وغير مهموز، فالمهموز قد يكون صحيحاً كأَمر وسأل وقرأ، وقد يكون معتلاً نحو آل وَوَأل (3) ورأى: وكذا غير المهموز نحو ضَرَبَ وَوَعَدَ. وتنقسم قسمةً أخرى إلى مضاعف وغير مضاعف، والمضاعف إما صحيح كمدَّ، أو معتل كودَّ وحيٍّ وقُوَّةٍ، وكذا غير المضاعف كضرب ووعد، وكذا المضاعف إما مهموز كأزَّ (4) ، أو غيره كمدَّ، فالمهموز ما أحد حروفه الأصلية همزة
كأمر وسأل وقرأ، والمضاعف ما عينه ولامه متماثلان وهو الكثير، أو ما فاؤه وعينه متماثلان كدَدَنٍ (1) وهو في غاية القلة (2) ، أو ما كُرِّرَ فيه حرفان أصليان بعد حرفين أصليين نحو زلزل، اما ما فاؤه ولامه متماثلان كقَلَقٍ فلا يسمى مضاعفاً. قوله " فالمعتل بالفاء مثل " لأنه يماثل الصحيح في خلو ماضيه من الإعلال نحو وَعَدَ وَيَسَرَ، بخلاف الأجوف والناقص، وإنما سمي بصيغة الماضي لأن المضارع فَرْعٌ عليه في اللفظ، إذ هو ماض زيد عليه حرف المضارعة وغُيِّر حركاته، فالماضي أصل أمثلة الأفعال في اللفظ. قوله " وبالعين أجوف " أي: المعتل بالعين أجوف، سمي أجوف تشبيهاً بالشئ الذي أخذ ما في داخله فبقي أجْوَفَ، وذلك لأنه يذهب عينه كثيراً نحو قُلْتُ وَبِعْتُ ولم يَقُلْ وَلَمْ يَبِعْ (وقُلْ وبعْ) وإنما سمي ذا الثلاثة اعتباراً بأول ألفاظ الماضي، لأن الغالب عند الصرفيين إذا صَرَّفوا الماضي أو المضارع أن يبتدئوا بحكاية النفس نحو ضَرَبْتُ وبِعْتُ لأن نفس المتكلم أقرب الأشياء إليه، والحكاية عن النفس من الأجوف على ثلاثة أحرف نحو قُلْتُ وبِعْتُ. وسمي المعتل اللام منقوصاً وناقصاً لا باعتبار ما سمي له في باب الإعراب منقوصاً، فإنه إنما سمي به هناك لنقصان إعرابه، وسمي ههنا بهما لنقصان حرفه الأخير في الجزم والوقف نحو اغْزُ وَارْمِ وَاخْشَ ولا تَغْزُ ولا تَرْمِ ولا تَخْشَ، وسمي ذا الأربعة لأنه - وإن كان فيه حرف العلة - لا يصير في أول ألفاظ الماضي على
[أبنية الاسم الثلاثي]
ثلاثة كما صار في الأجوف عليها، فقسميتهما ذا الثلاثة وذا الأربعة باعتبار الفعل لا باعتبار الاسم. وقوله " وبالفاء والعين " نحو يَوْم وَوَيْح (1) وبالعين واللام نحو نَوَى وحَيِيَ والْقُوَّةَ، يسمى مضاعفاً باعتبار، ولفيفاً مقروناً باعتبار. قوله: " وبالفاء واللام " نحو ولى ووقى. قال: " وللاسْمِ الثُّلاثِيِّ الْمُجَرَّدِ عَشَرَةُ أَبْنِيَةٍ، وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِي اثْنَيْ عَشَرَ، سَقَطَ مِنْهَا فُعِلٌ وفِعْلٌ استثقالا وَجُعِلَ الدُّئِلُ مَنْقُولاً، وَالحِبْك إن ثَبَتَ فَعَلَى تَدَاخُل اللُّغَتَيْنِ في حَرْفَي الْكَلِمَةِ، وَهِيَ فَلْسٌ فَرَسٌ كَتِفٌ عَضُدٌ حِبْرٌ عِنَبٌ إبلٌ قُفْلٌ صُرْدٌ عُنُقٌ " (2) . أقول: إنما كانت القسمة تقتضي اثني عشر لأن اللام للإعراب أو للبناء، فلا يتعلق به الوزن كما قدمناه، وللفاء ثلاثة أحوال: فتح، وضم، وكسر، ولا يمكن إسكانه لتعذر الابتداء بالساكن، وللعين أربعة أحوال: الحركات الثلاث، والسكون، والثلاثة في الأربعة اثْنَا عَشَرَ، سقط المثالان لاستثقال الخروج من
ثقيل إلى ثقيلٍ يخالفه، فأما في (نحو) عنق وإبل فيماثل الثقلين (1) خَفَّفَ شيئاً، والخروجُ من الكسرة إلى الضمة أثقل من العكس لأنه خروج من ثقيل إلى أثقل منه، فلذلك لم يأتِ فِعْلٌ لا في الأسماء ولا في الأفعال إلا في الحِبْكِ إن ثبت، ويجوز ذلك إذا كان إحدى الحركتين غير لازمة نحو يَضْرِبُ ولِيَقتل، وأما فُعِلٌ فلما كان ثقله أهْوَنَ قليلاً جاءَ في الفعل المبني للمفعول، وجُوِّزَ ذلك لعروضه لكونه فَرْعَ المبني للفاعل، وجاء في الأسماء الدُّئِلُ عَلَماً وجِنْساً (2) ، أما إذا كان علماً فيجوز أن يكون منقولاً من الفعل كشَمَّر ويَزِيد، والدَّأْلُ (3) : الخَتَل، ودخول اللام فيه قليل، كما في قوله: - 3 - رَأَيْتُ الوَلِيْدَ بن اليزيد مباركا * * شديدا بأعباء الخلافة كاهله (4)
فعلى هذا لا استبعاد فيه، لأن أصله الفعل المبنيُّ للمفعول، وأما إذا كان جنساً على ما قيل " إنه اسم دويبة شبيهة بابن عرس " قال: - 4 - جاؤا بجيش لو قيس معرسه * * ما كانَ إِلاَّ كَمُعْرس الدُّئِلِ (1) ففيه أدنى إشكال، لأن نقل الفعل إلى اسم الجنس قليل، لكنه مع قلّته قد جاء منه قَدْرُ صالح، كقوله صلى الله عليه وسلم " إنَّ الله نَهَاكُمْ عَنْ قِيلٍ وَقَالٍ " ويروى " عن قيلَ (2) وقالَ " - على إبقاء صورة الفعل - وكذا قولهم: أعْيَيْتَنِي من شب إلى دب، ومن شُبَّ إلى دُبَّ (3) أي: من لدن شَبَبْتُ إلى أن دَبَبْتُ على العصا، فلما نقل إلى معنى الاسم غير لفظه أيضاً من صيغة المبني للفاعل إلى صيغة المبني للمفعول، لتكون الصيغة المختصة بالفعل دليلا
على أن أصله كان فِعْلاً، وكذا الدُّئِلُ جنساً وأصله دَأَلَ من الدِّأَلاَنِ وهو مَشْيٌ تَقَارَبُ فيه الخُطَا، ويجوز أن يكون الدئل العلم منقولا من هذ الجنس على ما قال الأخفش، وقال الفراء: إن " الآن " مَنْقُول من الفعل (1) ، ومن هذا الباب التَّنَوِّطُ (2) لطائر، وجاء على فُعِلٍ اسمان آخران، قال الليث: الوُعِلُ لغة في الوَعِل (3) ، وحُكي الرُّئِم بمعنى الاست، قوله " والحِبُكُ إن ثَبَتَ " قرئَ في الشواذ (4) (ذَاتِ الحِبُكِ) بكسر
[رد بعض الأبنية إلى بعض]
الحاء وضم الباء، فقال المصنف: إن صح النقل قلنا فيه بناء على ما قال ابن جني (وهو أن الحِبِكَ بكسرتين والحُبُكَ بضمتين بمعنى) : إن الحِبُكَ مركب من اللغتين، يعني أن المتكلِّم به أراد أن يقول الحِبِك بكسرتين، ثم لما تلفظ بالحاء المكسورة ذَهِلَ عنها وذهب إلى اللغة المشهورة وهي الْحُبُك بضمتين، فلم يرجع إلى ضم الحاء، بل خلاها مكسورة وضم الباء، فتداخلت اللغتان: الحِبِكُ والْحُبُك في حرفي الكلمة الحاء والباء (1) ، وفي تركيب حِبُك من اللغتين - إن ثبت - نَظَرٌ لأن الحُبُك جمع الْحِبَاك، وهو الطريقة في الرمل ونحوه، والحِبِك بكسرتين إن ثبت فهو مفرد مع بُعْدِهِ، لأن فِعِلا قليل، حتى إن سيبويه قال: لم يجئ منه إلا إبل، ويبعد تركيب اسم من مفرد وجمع، قيل: وقرئ في الشاذ (يَمْحَقُ الله الرِّبُوا) بضم الباء، ولم يَغُرُّ هذا القارئ إلا كتابته بالواو. قال: " وَقَدْ يُرَدُّ بَعْضٌ إلَى بَعْضٍ، فَفَعِلٌ مِمَّا ثَانِيهِ حَرْفُ حَلْقٍ كَفَخِذٍ يَجُوزُ فيهِ فَخْذٌ وفِخْذٌ وفِخِذٌ، وَكَذَا الْفِعْلُ كَشَهِدَ، وَنَحْوُ كَتِفٍ يَجُوزُ فِيهِ كَتْفٌ وَكِتْفٌ، وَنَحْوُ عَضُدٍ يَجوزُ فيه عضد، ونحو عنق يجور فِيهِ عُنْقٌ، وَنَحوُ إبلٍ وَبِلِزٍ يَجُوزُ فِيهِما إبْلٌ وَبِلْزٌ وَلاَ ثَالِثَ لَهُمَا، وَنَحْوُ قُفْلٍ يَجُوزُ فيه قفل على رأى لمجئ عسر ويسر ".
أقول: يعنى برد بعضه إلى بعض أنه قد يقال في بعض الكلم التي لها وزنان أو أكثر من الأوزان المذكورة قبلُ: إن أصل بعض أوزانها البعضُ الآخر، كما يقال في فَخْذٍ - بسكون الخاء - إنه فرع فخذ بكسرها وجميع هذه التفريعات في كلام بني تميم، وأما أهل الحجاز فلا يغيرون البناء ولا يفرعون فَفَعِل الحلقي (العين) فِعْلاً كان كَشَهِدَ أو اسماً كَفَخِذٍ ورجلٍ مَحِكٍ (1) يطرد فيه ثلاث تفريعات اطراداً لا ينكسر، واثنان من هذه الفروع يشاركه فيهما ما ليس عينه حلقياً، فالذي يختص بالحق العين إتباع فأنه لعينه في الكسر، ويشاركه في هذا الفرع فَعِيلٌ الحلقي العين كشهيد وسَعيد ونَحيف ورَغِيف، وإنما جعلوا ما قبل الحلقي تابعاً له في الحركة، مع أن حق الحلقي أن يفتح نَفسَه أو ما قبله - كما في يدعم ويدمع، لثقل الحلقى خفة الفتحة ولمناسبتها له، لما يجئ في تعليل فتح مضارع فَعَل الحلقيّ عَيْنُه أو لامه، وذلك لأنه حُمِل فَعِلٌ الاسمي على فعل الفعلى في التفريع لأن الأصل في التغيير الفعلُ لكثرة تصرفاته، وسيجئ في باب المضارع علة امتناع فتح عين فَعِلَ الحلقي العين، وأما فَعيل فلم يفتح عينه لئلا يؤدِّي إلى مثال مرفوض في كلامهم، وقد يجئ كسر فتح ما بعد الحلقي إتباعاً لكسر الحلقي، كما قيل في خبق (2) على على وزن هِجَفٍّ للطويل: خِبَقّ، هذا وحرفُ الحلق في المثالين فَعِل وَفَعيلٍ ثاني الكلمة، بخلافه إذا كان عين يَفْعل أو لامه، فلم يستثقل الكسر عليه،
مع أن الكسر قريب من الفتح، لقرب مخرج الياء من مخرج الألف (1) فلما لزم كسر العين في المثالين - وقد جرت لحرف الحلق عادة تغيير نفسها أو ما قبلها إلى الفتح، ولم يمكن ههنا تغييرُ نفسها لما ذكرنا ولا تغييرُ ما قبلها إلى الفتح لأنه مفتوح، وقد عدها عيدُ الغرامِ - غَيَّرَتْ حركةَ ما قبلها إلى مثل حركتها، لأن الكسر قريب من الفتح كما ذكرنا، فكأنها غيرت ما قبلها إلى إلى الفتح، ولم يأت في الأسماء فُعِلٌ ولا فُعِيلٌ - مضمومي الفاء - حتى تُتْبَعَ الفاءُ العينَ بناءً على هذه القاعدة، وأما فُعِلَ في الفِعْل نحو شُهِدَ فلم يتبع لئلا يلتبس بالمبني للفاعل المتبع فاؤه عينه، وإنما لم يتبع في نحو الْمُحين والْمُعِين (2) لعروض الكسرة، وأما الْمِغِيرة في الْمُغِيرَة فشاذ شذوذ مِنْتِن في المنتن وأنبؤك وأجؤك في أُنَبِّئُكَ وأجِيئُكَ فلم يقولوا قياساً عليه أَبُوعُكَ وَأُقْرُؤُكَ في أَبِيعُكَ وَأُقْرِئُكَ، وإنما لم يتبع في نحو رؤف ورؤوف لأن كسر ما قبل الحلقيّ في نحو رَحِمَ ورَحِيم إنما كان لمقاربة الكسرة للفتح كما ذكرنا، والضم بعيد من الفتح وأما أهل الحجاز فنظروا إلى أن حق حروف الحلق إما فتحها أو فتح ما قبلها، هب أنه تعذَّر فتحها لما ذكرنا من العلة فَلِمَ غُيِّرَ ما قبلها عن الفتح وهو حقها إلى الكسر؟ وهل هذا إلا عكس ما ينبغي؟ ؟ واللغتان اللتان يشترك فيهما الحلقي وغيره: أولاهما: فَعْل بفتح الفاء وسكون العين، نحو شَهْد في الفِعْل وفَخْذٍ في الاسم، وفي غير الحلقيّ علم في الفعل وكبد
في الاسم، وإنما سكنوا العين كراهة الانتقال من الأخف أي الفتح إلى الأثقل منه أي الكسر في البناء المبني على الخفة أي بناء الثلاثي المجرد، فسكّنوه لأن السكون أخفّ من الفتح، فيكون الانتقال من الفتح إلى أخف منه، ولمثل هذا قالوا في كرم الرجل: كَرْم، وفي عَضُد: عَضُد، بالإسكان، وقولهم لَيسَ مثل عَلْم في علم، وكان قياسه لام كهاب، لكنهم خالفوا به أخواته لمفارقته لها في عدم التصرف، فلم يتصرفوا فيه بقلب الياء ألفاً أيضاً ولم يقولوا لِسْتُ كَهِبْتُ، ولا يجوز أن يكون أصل لَيسَ فتح الياء لأن المفتوح العين لا يخفف، ولاضم الياء لأن الأجوف اليائي لا يجئ من باب فَعُلَ (1) ، والثانية: فِعْل - بكسر الفاء وسكون العين - نحو شِهْدَ وَفِخْذٍ في الحلقي، وكِبْد وكِتْف في غيره، ولم يسمع في غير الحلفى من الفعل نحو عِلْمَ في عَلِم في المبني للفاعل، وحكى قطرب في المبني للمفعول نحو " ضرب زيد " بكسر الضاد وسكون الراء - كما قيل قِيل وَبِيعَ وَرِدَّ، وهو شاذ. فالذي من الحقلى يجوز أن يكون فرع فِعِل المكسور الفاء والعين كما تقول في إِبِلٍ: إبْل، ويجوز أن يكون نقل حركة العين إلى ما قبلها كراهة الانتقال من الأخف إلى الاثقل، وكره حذف أقوى الحركتين، أي: الكسرة، فنقلت إلى الفاء، والذي من غير الحلقي لا يكون إلا على الوجه الثاني، لأنه لا يجوز فيه فِعِل بالاتباع قوله " ونحو عَضُد يجوز فيه عضد " قد ذكرنا أن مثله يجوز عند تميم في الفعل أيضاً، نحو كرم الرجل، ولم يقولوا فيه عضد بنقل الضمة إلى ما قبلها كما نقلوا في نحو كَتِفٍ، لثقل الضمة، وربما نقلها بعضهم فقالوا: عضد، وقد
ذكرنا (1) في فِعْل التعجب أن فَعُل الذي فيه معنى التعجب يقال فيه فُعْلُ، قال: 5 - * وَحُبَّ بِهَا مَقْتُولَةً حِينَ تُقْتَلُ * (2) ولعل ذلك دلالة على نقله إلى معنى التعجب، وأما قولهم في الفعل المبني للمفعول فُعْلَ كما في المثل " لَمْ يُحْرَمْ مَنْ فُصْدَ له " (3) قال أبو النجم وهو تميمي: - 6 - * لَوْ عُصْرَ مِنْهُ المسك والبان انعصر (4) *
وكذا قولهم غُزْيَ بالياء دون الواو غُزِي لعروض سكون الزاي، فليس التخفيف قى مثله لكراهة الانتقال من الأخف إلى الأثْقل كما كان في كِتِفِ وعَضُد، كيف والكسرة أخفُّ من الضمة والفتحة أخف من الكسرة؟ بل إنما سكن كراهة توالى الثقلين في الثلاثي المبني على الخفة، فسكن الثاني لامتناع تسكين الأول، ولأن الثقل من الثاني حصل، لانه لاجل التوالى، ولتوالى الثقلين أيضاً خَفَّفُوا نحو عُنُق وإبل بتسكين الحرف الثاني فيهما، وهذا التخفيف في نحو عُنُق أكثر منه فيى إبل، لأن الضمتين أثقل من الكسرتين حتى جاء في الكتاب العزيز وهو حجازي رُسْلَنَا وَرُسْلَهم، وهو في الجمع أولى منه في المفرد لثقل الجمع معنّى، وجميع هذه التفريعات في لغة تميم كما مر، وإذا توالى الفتحتان لم تحذف الثانية تخفيفاً لخفة الفتحة، وأما قوله: - 7 - وَمَا كُلُّ مُبْتَاعٍ وَلَوْ سَلفَ صَفْقُهُ * * بِرَاجِعِ مَا قَدْ فَاتَهُ بِرَدَادِ (1) فشاذ ضرورة قد شُبه بِفَعِلَ المفتوح الفاء المكسور العين نحو قولهم وَلِيَضْرِب وفَلْتَضْرِب - أعني واو العطف وفاءه مع لام الأمر وحرف المضارعة - وذلك لكثرة الاستعمال، فالواو والفاء كفاء الكلمة لكونهما على حرف فهما كالجزء مما بعدهما، ولام الأمر كعين الكلمة، وحرف المضارعة كلامها، فسكن لام الامر، وقرئ
به في الكتاب العزيز، وشبه به نحو " ثمَّ لْيَفْعَلْ "، وهو أقل، لأن ثُمَّ على ثلاثة أحرف، وليس كالواو والفاء، مع أن ثم الداخلة على لام الأمر أقل استعمالاً من الواو والفاء، وكذا شبه بفَعُل وَفَعِلَ قولهم فَهْوَ وَفَهْيَ وَوَهْوَ وَوَهْيَ وَلَهْوَ وَلَهْيَ لما قلنا في وَلْيَفْعَلْ، وكذا أَهْوَ وَأَهْيَ، لكن التخفيف مع الهمزة أقل منه مع الواو والفاء واللام، لكون الهمزة مع هُوَ وَهِيَ أقل استعمالاً من الواو والفاء واللام معهما، ونحو (انْ يُمِلَّ هْوَ) على ما قرئ في الشواذ أبعدُ، لأن يُمِلَّ كلمة مستقلة، جعل لُهَوَ كَعَضُدٍ، وهذا كما قلَّ نحو قولهم: أراك مُنْتَفِخاً، وقوله: 8 - * فِبَاتَ مُنْتَصْباً وَمَا تَكَرْدَسا (1) * وقولهم: انْطَلْقَ، في انْطَلِقْ، وقوله: 9 - * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ (2) * وإنما قل التخفيف في هذه لانها ليس ثلاثية مجردة مبنية على الخفة فلم يستنكر فيها أدنى ثقل، ويجئ شرحها في أماكنها (3) إن شاء الله تعالى قوله " في إبل وَبِلِزٍ (أي: ضخمة) ولا ثالث لهما " قال سيبويه: ما يعرف
إلا الابل، وزاد الاخفش، وقال السيرافى: الحِبرُ صُفرة الأسنان، وجاء الإطِلُ (1) وَالإِبِطُ، وقيل: الإِقِط (2) لغة في الأَقِط، وأتان إبِدٌ: أي وَلُود قوله " ونحو قُفْل يجوز فيه قُفُل على رأي " يحكى عن الأخفش أن كلَّ فُعْلٍ في الكلام فتثقيله جائز، إلا ما كان صفةً أو معتلَّ العين كحُمْرٍ وَسُوقٍ فإنهما لا يثقلان إلا في ضرورة الشعر، وكذا قال عيسى بن عمر: إن كلَّ فُعْل كان فمن العرب من يخففه ومنهم من يثقله نحو عُسُر وَيُسُر، ولقائل أن يقول: بل الساكنُ العينِ في مثله فرع لمضمومها كما هو كذلك في عُنْق اتفاقاً، فإن قيل: جميع التفاريع المذكورة كانت أقل استعمالاً من أصولها، فإنَّ فَخْذًا وَعُنْقاً ساكني العين أقلُّ منهما متحرِّكَيْها، وبهذا عرف الفرعية، وَعُسْرٌ ويُسْرٌ بالسكون أشهر منهما مضمومى العين، فيكون الضم فيهما فرع السكون كما أشار إليه المصنف، فالجوان أن ثيقل الضمتين أكثر من الثقل الحاصل في سائر الأصول المذكورة، فلا يمتنع أن يَحْمِل تضاعفُ الثقل في بعض الكلمات على قلة استعمالها مع كونها أصلاً، وإذا كان الاستثقال في الأصل يؤدي إلى ترك استعماله أصلاً كما في نحو يَقْوُلُ وَيَبْيعُ وغير ذلك مما لا يحصى فما المنكر من أدائه إلى قلة استعماله؟
[أبنية الخماسي]
هذا، وإن كان عين فَعْل المفتوح الفاء حلقياً ساكناً جاز تحريكه بالفتح نحو الشَّعْرِ وَالشَّعَر والْبَحْر والْبَحَر، ومثلهما لغتان عند البصريين في بعض الكلمات، وليس إحداهما فرعاً للأخرى، وأما الكوفيون فجعلوا المفتوح العين فرعاً لساكنها، ورأوا هذا قياساً في كل فَعْل شأنه ما ذكرنا، وذلك لمناسبة حرف الحلق للفتح كما يجئ في باب المضارع قال: " وَلِلرُّبَاعِيُّ خَمْسَةٌ: جَعْفَرٌ، زبْرَجٌ، برتن، دِرْهَم، قِمَطْرٌ، وَزَادَ الأَخْفَشُ نَحْوَ جُخْدَب، وَأَما جَنَدِلٌ وَعُلَبِطٌ فَتَوَالي الحركات جملهما عَلَى بَابِ جَنَادِلَ وَعُلاَبِطٍ، ولِلْخُمَاسيِّ أَرْبَعَةٌ: سَفَرْجَلٌ، قِرْطَعْبٌ، جَحْمَرِشٌ، قُذَعْمِلٌ، وَلِلْمَزِيدِ فيهِ أَبْنِيَةٌ كَثِيرَةٌ، ولَمْ يجى في الخُمَاسِيِّ إِلاَّ عَضْرَفُوطٌ خُزَعْبِيلٌ قِرْطَبُوسٌ قَبَعْثَرًى خَنْدَرِيس عَلى الأَكْثَرِ " أقول: اعلم أن مذهب سيبويه وجمهور النحاة أن الرباعي والخماسي صنفان غير الثلاثي، وقال الفراء والكسائي: بل أصلهما الثلاثي، قال الفراء: الزائد في الرباعي حرفه الأخير وفي الخماسي الحرفان الأخيران، وقال الكسائي: الزائد في الرباعي الحرف الذي قبل آخره، ولا دليل على ما قالا، وقد ناقضا قولهما باتفاقهما على أن وزن جعفر فعلل ووزن سفرجل فعلل، مع اتفاق الجميع على أن الزائد إذا لم يكن تكريراً يوزن بلفظه، وكان ينبغي أن يكون للرباعي خمسة واربعون بِنَاءً، وذلك بأن تضرب ثلاثَ حَالاَتِ الفاء في أربع حالات العين فيصير اثني عشر تضربها في أربع حالات اللام الأولى يكون ثمانيةً وأربعين، يسقط منها ثلاثة لامتناع اجتماع الساكنين، وكان حقُّ أبنية الخماسي أن تكون مائةً وأحَداً وسبعين، وذلك بأن تضرب أربع حالات اللام الثانية في الثمانية والأربعين المذكورة فيكون مائة واثنين وتسعين يسقط منها أحد وعشرون، وذلك لأنه يسقط بامتناع سكون العين واللام الأولى فقط تسع حالات الفاء واللام
الثانية، وتسقط بامتناع سكون اللام الاولى والثانية فقط تسع حالات الفاء والعين، وتسقط بامتناع سكون العين واللامين معاً ثلاث حالات الفاء، يبقى مائة وأحد وسبعون بناء، اقْتُصِرَ من أبنية الرباعي على خمسة مُتَّفقٍ عليها، وزاد الأخفش فُعْلَلاً بفتح اللام كجخدب، وأجيب بأنه فرع جُخَادِبٍ، بحذف الألف وتسكين الخاء وفتح الدال، وهو تكلف، ومع تسليمه فما يصنع بما حكى الفراء من طُحْلَب وبُرْقَع (1) وإن كان المشهور الضم لكن النقل لا يُرَدُّ مع ثقة الناقل وإن كان المنقول غير مشهور، فالأَوْلى القول بثبوت هذه الوزن مع قلته، فنقول: إن قُعْدَداً (2) ودُخْلَلاً (3) مفتوحي الدال واللام - على ما روي - وَسُؤدَداً (4) وَعُوطَطاً (5) ملحقات بجُخْدَب، ولولا ذلك لوجب الإدغام كما يجئ في موضعه. ويكون بُهْمَى (6) ملحقاً، لقولهم بُهْمَاة على ما حكى ابن الأعرابي، ولا تكون
الألف للتأنيث كما ذهب إليه سيبويه قوله " وأما جَنَدِلٌ وعُلَبِطٌ " يعني أن هذين ليسا بناءين للرباعي، بل هما في الأصل من المزيد فيه، بدليل أنه لا يتوالى في كلامهم أربع متحركات في كلمة، ألا ترى إلى تسكين لام نحو ضَرَبْتُ لما كان التاء كجزء الكلمة، قال سيبويه: الدليل على أن هُدَبِداً (1) وعُلَبِطاً مقصوراً هُدَابِدٍ وعُلاَبِطٍ أنك لا تجد فُعَلِلاً إلا ويروى فيه فعلل كعلايط وهُدَابِد ودُوَادِمٍ (2) في دُوَدِم، وكما أن المذكورين ليسا ببناءين للرباعي، بل فرعان للمزيد فيه، فكذا عرتن - بفتحتين بعد هماضمة - وعَرَتَنٌ - بثلاث فتحات - ليسا بلغتين أصليتن، بل الأول مخفف عَرَنْتُنٍ بحذف النون، والثاني مخفف عرنتين، كما أن عَرْتُناً - بفتح العين وإسكان الراء وضم التاء - فرع عَرَنْتن بحذف النون وإسكان الراء، وعَرَنْتُنٌ: نبت، وفيه ست لغات عَرَنْتُنٌ وعَرَتُنٌ فرعه. وعَرْتُنٌ فرع الفرع، وَعَرَنْتَنٌ، وَعَرَتَنٌ فرعه، وَعَرْتنٌ فرع الفرع وزاد محمد بن السِّرِيّ في الخماسي خامساً وهو الهُنْدَلِعُ لبقلة، والحق الحكم بزيادة النون، لأنه إذا تردد الحرف بين الأصالة والزيادة والوزنان باعتبارهما نادران فالاولى الحكم بالزيادة لكثرة ذي الزيادة كما يجئ، ولو جاز أن يكون هندلع فعللا لجاز أن يكون كَنَهْبُلٌ (3) فَعَللاً، وذلك خَرْق لا يُرْقَع فتكثر الاصلال
قوله " وللمزيد فيه أبنية كثيرة " ترتقي في قول سيبويه إلى ثلثمائة وثمانية أبنية، وزيد عليها بعد سيبويه نيف على الثمانين، منه صحيح وسقيم، شرح جميع ذلك يطول، فالاولى الاقتصار على قانون يعرف به الزائد من الأصل كما يجئ في باب ذي الزيادة إن شاء الله تعالى ولما كان المزيد فيه من الخماسي قليلاً عده المصنف، وإنما قال " على الأكثر " لانه قيل: إن خندريسا فنعليل، فيكون رباعيا مزيداً فيه، والأولى الحكم بأصالة النون، إذ جاء بَرْقَعِيد في بلد، وَدَرْدَبِيس للداهية، وسَلْسَبِيل وَجَعْفَليق وَعَلْطَبِيس (1) فإن قيل: أليس إذا تردَّد حرفٌ بين الزيادة والأصالة وبالتقديرين يندر الوزن فجعله زائداً أولى؟ قلت: لا نسلم أولأً فعليلا نادر، وكيف ذلك وجاء عليه الكلمات المذكورة؟ ولو سلمنا شذوذه قلنا: إنما يكون الحكم بزيادته أولى لكون أبنية المزيد فيه أكثر من أبنية الأصول بكثير، وذلك في الثلاثي والرباعى، وأما في الخماسي فأبنية المزيد فيه منه مقارِبَة لأبنية أصوله، ولو تجاوزنا عن هذا المقام أيضاً قلنا: إن الحكم بزيادة مثل ذلك الحرف (يكون) أولى إذا كانت الكلمة بتقدير أصالة الحرف من الأبنية الأصول، أما إذا كانت بالتقديرين من ذوات الزوائد كمثالنا - أعني خندريسًا - فإن ياءه زائد بلا خِلاف فلا تَفَاوُتَ بين تقديره أصلاً وزائداً، ولو قال المصنف بدل خَنْدَريس بَرْقَعِيد لاستراح من قوله " على الأكثر " لأنه فَعْلَليلٌ بلا خلاف، إذ ليس فيه من حروف " اليوم تنساه "
شئ غير الياء، ويمكن أن يكون إنما لم يذكره لما قيل: إنه أعجمي، ولو ذكر عَلْطَمِيسا (1) وجعفليقا لم يرد شئ، لأن حرف الزيادة غير غالب زيادته في موضعه فيهما قوله " جَعْفَر " هو النهر الصغير، وَ " الزِّبْرِج " الزينة من وَشْي أو جوهر، وقيل: الذهب، وقيل: السخاب الرقيق، و " الْبُرْثُن " للسبع والطير كالأصابع للإنسان، والْمِخْلَبُ: ظفر البرثن، وَ " الْقِمَطْر " ما يصان فيه الكتب ب " والجخدب " الجراد الأخضر الطويل الرجلين، وكذا الجُخَادِب، " وَالْجَنَدِلُ " موضع فيه الحجارة، والْجَنَادِل: جمع الْجَنْدَلِ: أي الصخر، كأنه جعل المكان لكثرة الحجارة فيه كأنه حجارة، كما يقال: مررتُ بقَاعٍ عَرْفَج (2) كُلُّه، وَ " الْعُلَبِطُ " الغليظ من اللبن وغيره، يقال: ما في السماء قِرْطَعْبٌ: أي سحابة، وقال ثعلب: هو دابة، و " الجحمرش " العجوز المسنة، يقال: ما أعطاني قُذَعْمِلاً: أي شيئاً، وَالقُذَعْمِلَة: الناقة الشديدة، وَ " الْعَضْرَفُوط " دويبة، وَ " الْخُزَعْبِيل " الباطل من كلام وَمُزَاح، وَ " الْقَرْطَبُوس " بكسر القاف - الداهية والناقة العظيمة الشديدة، وفيه لغة أخرى بفتح القاف،
والأول هو المراد هنا لئلا يتكرر بناء عَضْرَفُوط، و " الْقَبَعْثَرَى " الجمل الضخم الشديد الوبر، وليست الألف فيه للإلحاق، إذ ليس فوق الخماسي بناء أصلى يلحق به (1) ، وليست أيضاً للتأنيث لأنه يُنَوَّن ويلحقه التاء نحو قَبَعْثَرَاة، بل الألف لزيادة البناء كألف حمار ونحوه، وَ " الْخَنْدَرِيس " اسم من أسماء الخمر. واعلم أن الزيادة قد تكون للإلحاق بأصل، وقد لا تكون ومعنى الألحاق في الاسم والفعل أن تزيد حرفاً أو حرفين على تركيب زيادةً غير مطردة في إفادة معنى، ليصير ذلك التركيب بتلك الزيادة مثل كلمة أخرى في عدد الحروف وحركاتها المعينة والسكنات، كُلُّ وَاحدٍ في مثل مكانه في الملحق بها، وفي تصاريفها: من الماضي والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول إن كان الملحق به فعلاً رباعياً، ومن التصغير والتكسير إن كان المحلق به اسماً رباعيًّا لا خماسيًّا وفائدة الألحاق أنه ربما يحتاج في تلك الكلمة إلى مثل ذلك التركيب في شِعْرٍ أو سجع ولا نحتم بعدم تغير المعنى بزيادة الألحاق على ما يتوهم، كيف وإن معنى حَوْقَلَ مخالف لمعنى حَقِلَ (2) ، وَشَمْلَلَ مخالف لشمل معنى (3) وكذا كوثر
ليس بمعنى (1) كثر، بل يكفي أن لا تكون تلك الزيادة في مثل ذلك الموضع مطردة في إفادة معنى، كما أن زيادة الهمزة في أكبر وأفضل للتفضيل، وزيادة ميم مَفْعَل للمصدر أو الزمان أو المكان، وفي مِفْعَل للآلة، فمن ثمَّةَ لا نقول إن هذه الزيادات للإلحاق وإن صارت الكلم بها كالرباعي في الحركات والسكنات المعينة ومثلة في التصغير والجمع، وذلك لظهور زيادة (هذه) الحروف للمعاني المذكورة، فلا نحيلها على الغرض اللفظي مع إمان إحالتها على الغرض المعنوي، وليس لأحد أن يرتكب كون الحرف المزيد لإفادة معنى للإلحاق أيضاً، لأنه لو كان كذلك لم يدغم نحو أَشَدّ ومَرَدّ، لئلا ينكسر وزن جعفر، ولا نحو مِسَلَّة ولا مِخَدَّة لئلا ينكسر وزن دِرْهَم، كما لم يدغم مهدد وقردد محافظةً على وزن جَعْفَر، وذلك أن ترك الإدغام في نحو قردد ليس لكون أحد الدالين زائدا وإلا لم يدغم نحو قمد (2) لزيادة أحد دالية، ولم يظهر نحو ألندد ويلندد (3)
لأصالة الدالين، بل هو للمحافظة على وزن الملحق به، فكان ينبغي أيضاً أن لا يدغم نحو أشَدّ وَمَردّ ومِسَلَّة لو كانت ملحقة هذا، وربما لا يكون لاصل الملحق معنى في كلامهم، ككوكب (1) وزينب فإنه لا معنى لتركيب ككب وزنب قولنا " أن تزيد حرفاً " نحو كوثر وقُعْدُد، وقولنا " أو حرفين " كألندد ويلندد وحَبَنْطًى (2) فإن الزيادتين في كل واحد منهما للإلحاق وأما أقعنسس واحربني (3) فقالوا: ليس الهمزة والنون فيهما للإلحاق، بل إحدى سينى اقعنس وألف احر نبى للإلحاق فقط، وذلك لأن الهمزة والنون فيهما في مقابلة الهمزة والنون الزائدتين في الملحق به أيضاً ولا يكون الإلحاق إلا يزيادة حرف في موضع الفاء أو العين أو اللام،
هذا ما قالوا، وأنا لا أرى منعاً من أن يزاد للإلحاق لا في مقابلة الحرف الاصلى إذا كان الملحق به ذا زيادة، فنقول: زوائد اقعنسس ألها للالحاق باحرنجم. وقد تلحقل الكلمة بكلمة ثم يزاد على الملحقة ما يزاد على الملحق بها، كما ألحق شَيْطَنَ وَسَلْقَى (1) بدحرج، ثم ألحقا بالزيادة فقيل: تَشَيْطَنَ واسْلَنْقَى كما قيل: تَدَحْرَجَ واحرنجم، فيسمى مثله ذا زيادة الملحق، وليس اقْعَنْسَسَ كذلك، إذ لم يستعمل قعسس وَلا تلحق كلمة بكلمة مزيد فيها إلا بأن يجئ في الملحقات ذلك الزائد بعينه في مثل مكانه، فلا يقال: إن اعْشَوْشَبَ واجْلَوَّذَ (2) ملحقان باحرنجم لأن الواو فيهما في موضع نونه، ولهذا ضعف قول سيبويه في نحو سوود: إنه ملحق بجُنْدَبٍ (3) المزيد نونه، وقوي قول الأخفش: إنه ثبت نحو جُخْدَب، وإن نحو سُوَددٍ ملحق به. وقولنا " والمصدر " يخرج نحو أفْعَلَ وَفَعَّلَ وَفَاعَلَ، فإنها ليس ملحقة بدَحْرَجَ لأن مصادرها إفْعَالٌ وَتَفْعِيلٌ ومُفَاعَلَةٌ، مع أن زياداتها مطردة لمعان سنذكرها، ولا تكفي مساواة إفعال وفيعال وفعال كأخراج إخراجاً وقاتل قِيتَالاً وكَذَّبَ كِذَّاباً لِفِعْلاَلٍ مصدر فَعْلَلَ، لأن المخالفة في شئ من التصاريف تكفي في الدلالة على عدم الإلحاق، لا سيما وأشهر مصدَرَيْ فَعْلَلَ فعللة
وقولنا " في التصغير والتكبير " يخرج عنه حِمَارٍ، وإن كان بوزن قِمَطْر، لأن جمعه قَمَاطر ولا يجمع حمار على حمائر بل حُمُر وَأَحْمِرَة، وأما نحو شَمَائل (1) في جمعِ شِمَال فلا يرد اعتراضاً، لأن فعائلَ غير مطرد في جمعِ فِعَال. وقولنا " لا خماسياً " لأن الملحق به لا يحذف آخره في التصغير والتكسير كما يحذف في الخماسي، بل يحذف الزائد منه أين كان، لأنه لما احتيج إلى حذف حرف فالزائد أولى، وَأَما إذا كان المزيد للإلحاق حرف لين رابعاً في الخماسي فإنه ينقلب ياء نحو كناهير في جمع كنهور (2) قيل: لا يكون حرف الإلحاق في الاولى، فليس أبلم (3) ملحقاً بِبُرْثُنٍ وَلا إئمد بزبْرِج (4) ، ولا أرى منه مانعاً، فإنها تقع أولاً للإلحاق مع مساعد اتفاقاً، كما في ألَنْدَد وَيَلَنْدَدٍ وإدْرَوْنٍ (5) فما المانع أن يقع بلا مساعد؟
قيل: ويقع الف للإلحاق في الاسم حَشْواً، لأنه يلزمها في الحشو الحركة في بعض المواضع، ولا يجوز تحريك ألف في موضع حرف أصلي، وإنما وجب تحريكها لأن الثاني يتحرك في التصغير، وكذا الثالث والرابعُ الوسطُ يتحرك أيضاً في التصغير والتكسير إذا حذف الخامس، وأما الآخر فقد لا يتحرك كسَلْمَى وَبُشْرَى والاعتراض عليه أنه ما المحذور من تحريك ألف في مقابلة الحرف الأصلي؟ ومع التسليم فإنه لا يلزم تحريكها في نحو عُلاَبط لا في التصغير ولا في التكسير، بل تحذف، فلا بأس بأن نقول: هو ملحق بقُذَعْمِلٍ، وقولهم " الرابعُ الوسطُ يتحرَّكُ في التصغير والتكسير إذا حذف الخامس " ليس بمستقيم، لأن الألف تقلب إذن ياءً ساكنة كسر يديح وسراديح في سرداح (1) ، ومع التسليم يلزمهم أن يزاد الألف في الآخر نحو أرْطًى (2) وَمِعْزًى لأنه يتحرك بالحركة الإعرابية بعد قلبه ياء في التصغير والتكسير واحترز بعضهم من هذا فقال: الألف لا تكون للإلحاق أصلاً، وأصلها في نحو أرْطَىً ومِعْزًى ياء، ولا دليل على ما قال، وإنما قلبت في رَأيت أرَيْطِياً وأراطِيَ لكسرة ما قبلها ولما لم يؤد الأمر إلى تحريك الألف وَسَطاً في الفعل حكم الزمخشري وتقبله المصنف بكون ألف نحو تَغَافَلَ للإلحاق بتَدَحْرَجَ، وهو وهم، لأن الألف في مثله غالبة في إفادة معنى كون الفعل بين اثنين فصاعداً، ولو كان للإلحاق لم يدغم نحو تَمَادَّ وَتَرَادَّ، كما لم يدغم نحو مَهْدَدٍ كما بينا، ولو كان الألف في تغافل
للإلحاق لكان في مصدره واسمي فاعله ومفعوله أيضاً، فلم يصح إطلاق قولهم: " إن الألف لا تكون للإلحاق في الإسم وسطاً " وكذا نحو تَكَلَّم ليس التضعيف فيه للإلحاق بِتَدَحْرَجَ كما ادَّعيا، لوضوح كون التضعيف لمعنى، وما غرهما إلا موافقة البناءين لتدحرج في تصاريفه، وإنما جوز حذف الألف للساكنين في نحو أرْطًى وَمِعْزًى مع أن الوزن ينكسر به كما ينكسر بإدغام نحو مَهْدَدٍ وقَرْدَدٍ، لأن هذ الانكسار ليس لازما، إذ التوين في معرض الزوال وترجع الألف مع اللام والإضافة نحو الأرْطَى وَأَرْطى هذا الموضع ولبقاء الوزن تقديراً مع سقوط اللام للتنوين حكم سيبويه بكون جوارٍ وأُعَيْلٍ (1) غير منصرفين هذا، ولما لم يقم دليل على امتناع كون الالف في الوسطل للإلحاق جاز أن يحكم في نحو سَاسَم (2) وخَاتَمٍ وَعَالَمٍ بكونها للإلحاق بجَعْفَرٍ، وبكونها في نحو علابط للالحاق بقذعمل
ثم نقول: الاسم الملحق بالرباعي كثير: فؤعل ككوثر، وفَيْعَل كزينب، وفَعْوَل كجَدْوَل، وفَعْلَل مضعف اللام كمَهْدَد، وَفَعْلىً كأَرْطَى، وَفَعْلَنٌ كَرَعَشَنٍ (1) ، وَفِعَلْنَة كعِرَضْنَة (2) ، وَفِعْلِن كفِرْسِنٍ (3) ، وَفَعْلَتَه كسَنْبَتَة (4) وفَنْعَل كغسل (5) ، وفِعَلّ كَخِدَبٍّ (6) ، وَفُنْعُلُ كَخُنْفُس (7) وعند الأخفش فُعْلُلٌ مضَعَّف اللام ملحق بجخْدَب كسُؤْدَد، ولا يمتنع على ما ذكرنا أن يكون أُفْعُل وإفعل كأبلم وإجرد (8) للالحاق، وأما إفعل كإصبع فلا، لإدغام نحو إوَزّ، وكذا يَفْعَل يكون للإلحاق كيَلْمَع (9) وكذا فاعل كعالم
وكذا الملحق بالخماسي من الثلاثي والرباعي كثير، فمن الثلاثي الملحق بسفرجل نحو صَمَحْمَح (1) وَعَفَنْجَج (2) وكروس (3) وَعَمَلَّس (4) وَعَثَوْثَل (5) وَهَبَيَّخ (6) وَعَقَنْقَل (7) وَخَفَيْدَد وَخَفَيْفَد (8) وَألَنْدَد وَيَلَنْدَد وَحَبَنْطًى، ومن الرباعي جحنفل (9) وحبو كر (10) ، ومن الملحق بِقِرْطَعْب من الثلاثي
إرْدَبّ وفِرْدَوْس وإدْرَوْن وإنْقَحْل (1) ومن الرباعي قِرْشَبّ (2) وَعِلَّكْدٌ (3) وقولهم هَمَّرِشٌ (4) عند سيبويه ملحق بجَحَمْرِش بالتضعيف، وعند الأخفش ليس فيه زائد وأصله هَنْمَرِش، ويجوز على ما ذهبنا إليه أن يكون سِرْدَاح ملحقا بجردحل، وعلا بط ملحقاً بقُذَعْمِل، وكُنَابِيل (5) بقُذَعْمِيل، وإن خالفتهما في التصغير والتكسير، لانا ذكرنا أن ذلك لا يعتبر إلا في الرباعي واعلم أنه لا يكون في الرباعي والخماسي الأصليين تضعيف، لثقلهما وثقل التضعيف: أما إذا كان أحد حروفهما تضعيفاً زائداً فإنه يُحْتَمَل لعروض الزيادة وإن صار العارض لازماً، فعلى هذا أحد المثلين في كلمة مع ثلاثة أصول
وأربعة زائدٌ إذا لم يكن بين المثلين حرف أصلي، كَقِنَّب (1) وزُهْلُول (2) فإن كان بينهما حرف أصلي فليس بزائد كَحَدْرد (3) ودَرْدَبِيس (4) وسَلْسَبيل، وقال بعضهم: هو زائد أيضاً، فخدرد وسلسبيل عنده فَعْلَع وفَعْفَليل، والأولى الحكم بالأصالة، لعدم قيام دليل زيادة كما قام مع عدم الفصل بالأصلي كما سيجئ، وكذا إذا كان حرفان متباينان بعد مثليهما فالاولان أو الأخيران زائدان، بشرط أن يبقى دونهما ثلاثة أصول أو أكثر، فَمَرْمَرِيس فَعْفَعِيل، وصَمَحْمَح فَعَلْعَلٌ، وأما نحو زَلْزَلَ وصَرْصَرَ (5) فليس فيه زائد، إذ لا يبقى بعد الحرفين ثلاثة، ومن قال " سَلْسَبيل فَعْفَليل " قال: زلزل فعفل وقال الكوفيون في نحو زَلْزَلَ وصَرْصَرَ - أي: فيما يبقى بعد سقوط الثالث مناسبٌ للمعنى الذي كان قبل سقوطه مناسبةً قريبة -: إن الثالث زائد، لشهادة الاشتقاق: فَزَلْزَلَ من زَلَّ، وصَرْصَرَ من صَرَّ، ودَمْدَمَ (6) من دَمَّ، وأما ما لم يكن كذلك، كالبَلْبَالِ والْخَلْخَال، فلا يرتكبون ذلك فيه وقال السريّ الرَّفَّاء في كتاب المحب والمحبوب: زلزل منزل كجَلْبَبَ من جَلَب، وكذا نحوه، يعني أنه كرر اللام للإلحاق فصار زَلَّلَ، فالتبس بباب
ذلل يذلل تذليلا، فأبدل اللام الثانية فاء، وهو قريبٌ، لكنه يرد عليه أن فيه إبدال بعض ما ليس من حروف الإبدال كالكاف في كَرْكَرَ بمعنى كَرَّ وقال الفراء في مَرْمَرِيسٍ وصَمَحْمَحٍ: إنه فَعْلَلِيلٌ وفَعَلَّلٌ، قال: لو كان فَعْفعِيلاً وَفَعَلْعَلاً لكان صَرْصَرَ وزَلْزَلَ فَعْفَعَ، وليس ما قال بشئ، لانا لا نحكم بزيادة التضعيف إلا بعد كمال ثلاثة أصول فإذا تقرر جميع ذلك قلنا: إن التضعيف زائد في نحو قِنَّب وعِلَّكْدٍ وقِرْشَبّ وَمَهْدَد وصَمَحْمَح ومَرْمَرِيس وَبَرَهْرَهَة (1) - أي: كل كلمة تبقى فيها بعد زيادة التضعيف ثلاثة أصول أو أربعة - إذ لم يفصل بين المثلين أصلي، وإنما حكمنا بذلك لقيام الدلالة على زيادة كثير من ذلك بالاشتقاق، فطردنا الحكم في الكل، وذلك نحو قَطَّع وقَطَّاع وجَبَّار وسُبُّوحٌ، وكذا في ذُرَحْرَح (2) ، لقولهم ذُرُّوحٌ بمعناه، وفي حِلِبْلاَب (3) لقولهم حُلَّب بمعناه، ومَرْمَرِيس للداهية (من (4)) الممارسة للأمور، وألحق ما جُهِلَ اشتقاقه بمثل هذا المعلوم، ودليل آخر على زيادة تضعيف نحو صَمَحْمَح وَبَرَهْرَهَة جمعُكَ له على صَمَامحَ وبراره، ولو كان كَسَفَرْجَل قلت صَمَاحِم
فإن قيل: هَلاَّ حذفت الميم الثانية أو الحاء الثانية؟ فالجواب أنه لو حذفت الميم الثانية لالتقى مثلان نحو صَمَاحِح، ولو حذفت الحاء الثانية وقلت صماحم لظن أنه كسفرجل: أي أن جميع الحروف أصلية، وأيضاً ليس في كلامهم فَعَالِعُ وفي الكلام فعاعل كثير كَسَلالِم في سُلَّم وقَنَانِبَ في قُِنَّب، وكذا تقول في مرمريس: مَرَاريس، لكثرة فعاعيل كدنانير وقراريط، فجمعا على فعاعل وفعاعيل ليكون أدل على كونهما من ذوات الثلاثة واعلم أن كل كلمة زائدة على ثلاثة في آخرها مثلان متحركان مُظْهِرَان فهي ملحقة، سواء كانا أصليين كما في ألَنْدَدَ، أو أحدهما زائداً كما في مَهْدَد، لأن الكلمة إذن ثقيلة وفك التضعيف ثقيل، فلولا قَصْدُ مماثلها للرباعي والخماسي لأدغم الحرف طلباً للتخفيف، فلهذا قيل: إن مهدداملحق بجعفر دون مَعَدّ، ولهذا قال سيبويه: نحو سُؤْدَد ملحق بجُنْدَب، مع كون النون في جندب زائداً وعدم ثبوت فُعْلَل بفتح اللام عنده (1)
[أحوال الأبنية]
قال: " وَأَحْوَالُ الأَْبْنِيَةِ قَدْ تَكُونُ لِلْحَاجَةِ كَالْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَالأَْمْرِ وَاسْمِ الفاعل وَاسْمِ الْمَفْعُولِ وَالصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ وَأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَالْمَصْدَرِ وَاسْمَيِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالآلَةِ وَالْمُصَغَّرِ وَالْمَنْسُوبِ وَالْجَمْعِ وَالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالابْتِدَاءِ وَالْوَقْفِ، وقدْ تَكُونُ لِلتَّوَسُّع كَالْمقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ وذِي الزيادة، وقد
تَكُونُ لِلْمُجَانَسَةِ كَالإِْمَالَةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلاسْتِثْقَالِ كَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ وَالإِْعْلاَلِ وَالإِْبْدَالِ وَالإِْدْغَامِ وَالْحَذْفِ " أقول: قد مضى الكلام على جعله لهذه الأشياء أحوال الكلمة فلا نكرره (1) قوله " قد تكون للحاجة " أي: يحتاج إلى هذه الأشياء: إما لتغير المعنى باعتبارها كما في الماضي والمضارع، إلى قوله " والجمع " وَإما للاضطرار إلى بعضها بعد الإعلال كالتقاء الساكنين في نحو " لمْ يَقُلْ " أو بعد وصْل بعض الكلم ببعض كالتقائهما في نحو " اذْهَبِ اذْهَبْ " أو عند الشروع في الكلام كالابتداء، وإما لوجه استحساني لا ضروريّ كوجوه الوقف على ما يأتي وفي جعله للمقصور والممدود وذي الزيادة من باب التوسع مطلقاً نظر، لأن القصر والمد إنما صِيرَ إليهما في بعض المواضع بإعلال اقتضاه الاستثقال كاسم المفعول المعتل اللام من غير الثلاثي المجرد، واسمي الزمان والمكان، والمصدر مما قياسه مفعل ومفعل، وسائر ما ذكره في المقصور، وكالمصادر المعتلة اللام من أفعل وفَاعَل وافْتَعَل كالإعطاء والرِّمَاءِ والاشتراء، وسائر ما نذكره في الممدود، وربما صير إليهما للحاجة كمؤنث أفعل التفضيل، ومؤنث أفْعَلَ الصفة، وكذا ذو الزيادة: قد تكون زيادته للحاجة كما في زيادات اسم الفاعل واسم المفعول ومصادر ذي الزيادة ونحو ذلك، وكزيادات الإلحاق، وقد يكون بعضها للتوسع في الكلام كما في سَعِيد وحِمَار وعُصْفور وكُنَابيل ونحو ذلك، ويجوز أن يقال في زيادة الإلحاق: إنها للتوسع في اللغة، حتى لو احتيج إلى مثل ذلك البنا في
[أبنية الماضي المجرد الثلاثي]
الوزن والسجع كان موجوداً، وذهب أحمد بن يحيى إلى أنه لابد لكل زائد من معنى، ولا دليل على ما ادعى قوله " والإعلال " يدخل فيه إبدال حروف العلة، ونقل حركتها إلى ما قبلها، وحذفها، وحذف حركتهالا للجزم ولا للوقف، ويدخل في الإبدال إبدال حرف العلة والهمزة وغيرهما، وكذا الحذف يشمل حذف حرف العلة والهمزة وغيرهما، فقوله " الإبدال والحذف " يدخل فيها بعض وجوه الإعلال، وبعض وجوه تخفيف الهمزة قال: " الماضي: للثوثى المجرد ثلاثة أبنية: فعل، وفعل، وفعل، نحو ضربه وقتله جاس وَقَعَدَ وَشَرِبَهُ وَوَمِقَهُ وَفَرِحَ وَوَثِقَ وَكَرُمَ " أقول: ذكر لفَعَلَ أربعة أمثلة: مثالين للمتعدي: أحدهما من باب فَعَلَ يَفْعِلُ، والثاني من باب فَعَل يَفْعُلُ، ولم يذكر من باب فَعَلَ يَفْعَلُ - بفتحهما - لأنه فرعهما على ما يأتي في المضارع، ومثالين للاَّزم منهما، وذكر أيضاً لفَعَلَ أربعة أمثلة: مثالين للمتعدي: أحدهما من باب فعل يفعل كشرب، والثاني من باب فَعَل يَفْعُلُ كومق، ومثالين للاَّزم منهما، وذكر لفَعُلَ مثالاً واحداً، لأنه ليس مضارعه إلا مضموم العين، وليس إلا لازماً قال: " وَلِلْمَزِيد فِيهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ: ملحق بدرج نَحْوُ شَمْلَلَ وَحَوقْلَ َوبَيْطَرَ وَجَهْوَرَ وقَلْنَسَ وَقَلْسَي، ومُلْحَقٌ بِتَدَحْرَجَ نَحْوُ تَجَلْبَبَ وَتَجَوْرَبَ وَتَشَيْطَنَ وَتَرَهْوَكَ وَتَمَسْكَنَ وَتَغَافَلَ وَتَكَلَّمَ، وَمُلْحَقٌ باحْرَنْجَمَ نَحْوَ اقْعَنْسَسَ وَاسْلَنْقى، وَغَيْرَ مُلْحَقٍ نَحْوٍ أخْرَجَ وَجَرَّبَ وَقَاتَل وانْطَلَقَ وَاقْتَدَرَ وَاسْتَخْرَجَ وَاشْهَابَّ وَاشْهَبَّ واغْدَوْدَنَ وَاعْلَوَّطَ، وَاسْتَكَانَ قيل: افْتَعَلَ مِنَ السّكُونِ فَالْمَدُّ شَاذٌّ، وَقِيلَ: اسْتَفْعَلَ مِن كانَ فَالْمَدُّ قِياسيٌّ " أقول: شملل: أي أسرع، وأيضاً بمعنى أخذ من النخل بعد لِقاطِهِ ما يبقى
من ثمره، وحَوْقَلَ: كبر وعجز عن الجماع، وجَهْوَرَ: رفع صوته، قَلْنَسْتُهُ وَقَلْسَيْتُهُ: ألبسته الْقَلَنْسُوَةَ، تَجَلْبَبَ: لبى الجِلْبَاب، تَجَوْرَب: لبس الْجَوْرَبَ، تَشَيْطَنَ الرجل: صار كالشيطان في تمرده، تَرَهْوَكَ الرجل في المشي: أي كان كأنه يَمُوجُ فيه، تمسكن: تشبه بالمسكين، احرنجم القوم: ازدحموا، اقْعَنْسَسَ: رجع وتأخر، اسْلَنْقَى: مطاوع سَلْقَيَ: أي صَرَعَ، اغْدَوْدَنَ النبتُ: طال، اعْلَوَّطْتُ البعير: تعلقت بعنقه وعلوته، استكان: ذل ومن الملحقات بفعلل شَرِيَف: أي قطع شِرْيَافَ الزرع، وهو ورقه إذا طال وكثر حتى يُخاف فساد الزرع قد تقدم أن نحو تكلَّم وتغافل ليس ملحقاً، وإن كان في جميع تصاريفه كتدحرج، وفى عد النجاة تمدرع وتمندل وتمكن من الملحق نظرا أيضا، وإن وافقت ترحرج في جميع التصاريف، وذلك لأن زيادة الميم فيها ليست لقصد الإلحاق، بل هي من قبيل التوهم والغلط، ظَنُّوا أن ميم منديل ومسكين وَمِدْرَعَة فاءُ الكلمة كقاف قِنْدِيل ودال دِرْهَمْ، والقياس تَدَرَّعَ وتندل وتسكن كما يجئ في باب ذي الزيادة، وهذا كما تُوُهم في ميم مسيل الأصالةُ فجمعوه على مُسْلاَن وَأَمْسِلَة، كقفزان وأقفزة في جمع قفيز، فتمدرع وتمندل وتمسكن - وإن كانت على تمفعل في الحقيقة - لكن في توهمهم على تَفَعْلَلَ وقد جاء من الملحقات بدحرج فَعْأل نحو: بَرْأَلَ الديكُ، إذا نَفشَ بُرَائله (1)
وَفَنْعَلَ نحو: دَنْقَعَ الرجل: اي افتقر ولَزِق بالدَّقْعَاء، وهي الأرض، وكذا فعلن وفمعل (وفعمل) وَفَعْلَمَ وَغَيْرُ ذلك، لكنها لم تُعَدَّ لغرابتها وكونها من الشواذ، وكذا جاء تَهَفْعَلَ وَافْعَنْمَل ونحو ذلك من النوادر (1) قوله " واستكان "، قيل: أصله اسْتَكَنَ فأُشبع الفتح، كما في قوله: -
[معاني: الأبنية في الأفعال]
10 - ينباع من ذفرى غصوب جَسْرَةٍ * * زَيَّافَةٍ مِثْلِ الْفَنِيقِ الْمُكْدَمِ إلا أن الإشباع في اسْتَكَانَ لازمٌ عند هذا القائل، بخلاف يَنْبَاعُ، وقيل: استفعل من الْكَوْنِ، وقيل: من الكين، والسين للانتقال، كما في اسْتَحْجَرَ: أي انتقل إلى كون آخر: أي حالة أخرى: أي من العزة إلى الذلة، أو صار كَالْكَيْن، وهو لحم داخل الفرج: أي في اللين والذلة قال: " ففعل لِمَعَانٍ كَثِيْرَةٍ، وَبَابُ الْمُغَالَبَةِ يُبْنَى عَلى فَعَلْتُهُ أَفْعُلُهُ - بالضم - نَحْوَ كَارَمَنِي فكَرَمْتُهُ أَكْرُمُهُ، إلا باب وَعَدْتُ وَبِعْتُ وَرَمَيْتُ، فَإِنَّهُ أَفْعِلُهُ - بالكسرِ - وَعَنِ الْكِسَائيِّ في نَحْوِ شَاعَرْتُهُ فَشَعَرْتُهُ أَشْعَرُهُ - بالفتح " أقول: اعلم أن باب فَعَل لخفته لم يختص بمعنى من المعاني، بل استعمل في جميعها، لأن اللفظ إذا خف كثر استعماله واتسع التصرف فيه ومما يختص بهذا الباب بضم مضارعه المغالبة، ونعنى بها أن يغلب أحد الأمرين الآخر في معنى المصدر، فلا يكون إذن إلا معتديا. نحو: كارمني فكَرَمْتُهُ اكْرُمُهُ: أي غلبته بالكرم، وخاصمني فَخَصَمْتُهُ أخْصُمُهُ، وغالبني فغلبته أغْلُبُه، وقد يكون الفعل من غير هذا الباب كغَلَبَ وخَصَمَ وَكَرُمَ، فإذا قصدت هذا المعنى نقلته إلى هذا الباب، إلا أن يكون المثَال الواوى كوعد، والاجوف
[معاني: فعل]
والناقص اليائيين كَبَاعَ وَرَمَى، فإنك لا تنقلها عن فَعَلَ يَفْعِلُ، بل تنقلها إليه إن كانت من غيره، لأن هذه الأنواع مضارعها يَفْعِلُ - بالكسر - إذا كان الماضي مفتوح العين قياساً لا ينكسر، كما يجئ وحكي عن الكسائي أنه استثنى أيضاً ما عينه أولامه أحد الحروف الحلقية، وقال: يلزمه الفتح، نحو: شَاعَرْتُهُ فَشَعَرْتُهُ أشْعَرُهُ، والحق ما ذهب إليه غيره، لان ما فيه حرف الحقل لا يلزم طريقة واحدة كالمثال الواوي والأجوف والناقص اليائيين، بل كثير منه يأتي على الأصل نحو بَرَأَ يَبْرُؤُ وهَنَأَ يَهْنِئُ، كما يأتي بيانه في موضعه، وقد حكى أبو زيد شاعَرْتُهُ فشَعَرْتُهُ أشْعُرُهُ - بالضم - وكذا فاخرته أفْخُرُهُ - بالضم - وهذا نص في عدم لزوم الفتح في مثله واعلم (1) أنه ليس باب المغالبة قياساً بحيث يجوز لك نقل كل لغةٍ أردت إلى هذا الباب لهذا المعنى، قال سيبويه: وليس في كل شئ يكون هذا، ألا ترى أنك تقول نَازَعَنِي فَنَزَعْتُهُ انْزَعُهُ، اسْتُغْنِيَ عنه بِغَلَبْتُهُ، وكذا غيره، بل نقول: هذا الباب مسموع كثير قال: " وَفَعِلَ تَكْثُرُ فِيهِ الْعِلَلُ وَالأَحْزَانُ وأَضْدَادُها نَحْوَ سَقِمَ وَمَرِضَ وحزن وفرح، ويجئ الالوان وَالْعُيُوبُ وَالحُلى كُلُّها عَلَيْهِ، وَقَدْ جَاءَ أدِمَ وَسَمُِرٌ وَعَجُِف وَحَمُِقَ وَخَرُقَ وَعَجُِمَ وَرَعُِنَ (2) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ "
أقول: اعلم أن فَعِلَ لازمهُ أكثر من متعديه، والغالب في وضعه أن يكون للإعراض من الْوَجَعِ وما يجري مجراه، كحَزِنَ ورَدِيَ وَشَعِثَ وَسَهِكَ وَنَكِدَ وعَسِرَ وَشَكِسَ وَلَحِزَ ولَحِجَ وَخَزِيَ، ومن الْهَيْجِ كَبَطِرَ وَفَرِحَ (1) وَخَمِطَ خَمَطًا، وهو الرائحة الطيبة، وقم قَنَمَةً، وهي الرائحة المكروهة، وغضب وغار يغار وَحَمِش وَقَلِقَ وحَارَ حَيْرَةً وَبَرِقَ (2) . ومن الهيج ما يدل على الجوع والعطش وضديهما من الشبع وَالرَّيِّ، وقريب منه نَصِفَ القدحُ أي امتلأ نصفه وقرب إذا قارب الامتلاء، ويكثر في هذا الباب الألوان وَالحِلَى، فالألوان نحو كَدِرَ وَشَهِبَ وَصَدِئَ وَقَهِبَ وَكَهِبَ وأدم (3)
والأغلب في الألوان افْعَلَّ وافعَالَّ نحو ازْرَاقَّ وَاخْضَارَّ وَابْيَضَّ وَاحْمَرَّ واصفر، ولا يجئ من هذه الألوان فَعَلَ وَلاَ فَعُلَ، ونعني بالحُلَى العلامات الظاهرة للعيون في أعضاء الحيوان، كَشَتِرَ وَصَلِعَ وَرَسِحَ وَهَضِمَ (1) وقد يشاركه فَعُلَ مضمومَ العين في الألوان والعيوب وَالحُلَى، كالكلمات التي عدها المصنف، وفي الأمراض والأوجاع كَسُقِمَ وَعَسُِرَ، بشرط أن لا يكون لامه ياء، فإن فَعُلَ لا يجئ فيه ذلك، إلا لغةً واحدة، نحو بَهُوَ الرجل (2) وَبَهِيَ أي: صار بَهِيًّا وفَعِلَ في هذه المعاني المذكورة كلها لازم، لأنها لا تتعلق بغير من قامت به، وأما قولهم: فَرِقْتُهُ وَفَزِعْتُهُ فقال سيبويه: هو على حذف الجار، والأصل فرقت منه وفزعت منه، قال: وأما خشيته فأنا خاشٍ، والقياسُ خَشٍ، فالأصل أيضاً خشيت منه، فحمل على رَحِمْتُهُ، حمل الضد على الضد، ولهذا جاء اسم الفاعل منه على خاشٍ والقياس خَشٍ، لأن قياس صفة اللازم من هذا الباب فعل، وكذ كانقياس مصدره خشى فقيل خشْيَة حَمْلاً على رَحْمَة، وكذا حُمِلَ ساخط على راض مع أنه لازم، يقال: سخط منه أو عليه
[معاني: فعل]
قوله " رعن " أي: حمق، والرعونة: الحمق قال: " وَفَعُلَ لأَِفْعَالِ الطَّبَائِعِ وَنَحْوِها كَحَسُنَ وَقَبُحَ وَكَبُرَ وَصَغُرَ فَمِنْ ثَمَّةَ كانَ لازِماً، وشَذَّ رَحُبَتْكَ الدار: أي رحبت بك. وأَما بَابُ سُدْتُهُ فَالصَّحيحُ أَنَّ الضَّمَّ لِبَيَانِ بَنَاتِ الْوَاوِ لاَ لِلنَّقْلِ، وَكَذَا بَابُ بِعْتُهُ. وَرَاعَوْا في بَابِ خَفْتُ بَيَانَ الْبِنْيَةِ " أقول: اعلم أن فعل في الأغلب للغرائز، أي: الأوصاف المخلوقة كالحسن وَالقُبْحِ وَالوَسَامَةِ وَالْقَسَامَة (1) وَالكِبَرِ والصغر وَالطُّول وَالقِصَرِ وَالغِلَظِ وَالسُّهُولَةِ وَالصُّعُوبَةِ والشرعة والبطء والثِّقَلِ والحلم والرِّفق، ونحو ذلك وقد يُجْرَى غير الغريزة مجراها، إذا كان له لُبْث (2) وَمُكْث نحو حَلُمَ وَبَرُع (3) وَكَرُمَ وفَحُشَ قوله " ومن ثمة كان لازماً " لأن الغريزة لازمة لصاحبها، ولا تتعدى إلى غيره هكذا قيل. وأقول: أيْشٍ الْمَانِعُ (4) من كون الفعل المتعدى طبيعة أو كالطبيعة
قوله " رَحُبَتْكَ الدَّارُ "، قال الأزهري: هو من كلام نصر بن سيار وليس بحجة (1) . واولى أن يقال: إنما عَدَّاه لتضمنه معنى وَسِعَ، أي:
وَسِعَتْكُم الدار. وقول المصنف " أي رحبت بك " فيه تعسف لا معنى له (1) . ولا يجئ من هذا الباب أجوف يائي، ولا ناقص يائي، لأن مضارع فَعُلَ يَفْعُلُ بالضم لا غير، فلو أتيا منه لاحتجت إلى قلب الياء ألفاً في الماضي، وفي المضارع واواً، نحو يَبُوعُ يرمو، من البيع والرَّمي، فكنت تنتقل من الأخف إلى الأثقل. وإنما جاء من فَعِل المكسور العين أجوف وناقص: واويان كخاف خوفا وَرَضِيَ وغَبِيَ وَشَقِيَ رِضْوَاناً وَغَبَاوَةً وَشَقَاوَةً، لأنك تنتقل فيه من الأثقل إلى الأخف بقلب الواوفى يخاف أَلفاً وفي رضي ياء، بلى قد جاء في هذا الباب من الأجوف اليائي حرف واحد وهو هَيُؤَ الرَّجُلُ: أي صار ذاهيئة، ولم تقلب الياء في الماضي ألفاً إذ لو قلبت لوجب إعلال المضارع بنقل حركتها إلى ما قبلها واواً، لأن المضارع يتبع الماضي في الإعلال، فكنت تقول: هَاءَ يَهُوءُ، فيحصل الانتقال من الأخف إلى الأثقل، وجاء من الناقص اليائي حرف واحد متصرف (2) وهو بَهُوَ الرجل يَبْهُو، بمعنى بَهِيَ يَبْهَى: أي صار بَهِيًّا، وإنما لم تقلب الضمة كسرة لأجل الياء كما في التَّرَامي بل قلبت الياء واواً لأجل الضمة لأن الأبنية في الأفعال مراعاة لا يُخْلَطُ بعضها ببعض أبداً، لأن الفعلية إنما حصلت بسبب البنية والوزن، إذ أصل الفعل المصدر الذي هو اسم، فطرأ الوزن عليه فصار فعلاً، وقد يجئ على قلة في باب التعجب فَعُلَ من الناقص اليائي ولا يتصرف كنِعْمَ وبئس فلا يكون له مضارع كَقَضُوَ الرجل (3) وَرَمُوَتِ الْيَدُ (يده) ، ولم
يجئ المضاعف من هذا الباب إلا قليلاً لثقل الضمة والتضعيف. وحكى يونس لببت تلب، ولبت تَلَبُّ أكثر، وأما حَبُبْتَ فمنقول إلى هذا الباب للتعجب كقضور وَرَمُو، ومنه قوله -:. - * وَحُبُّ بِهَا مَقْتُولَةً حِينَ تُقْتَلُ (1) * فهو كقوله: - 11 - قصعد لَهُ وَصُحْبَتِي بَيْنَ ضَارِجٍ * * وَبَيْنَ العذيب بعد ما مُتَأَمَّلِي (2) على أحد التأويلين في بَعْدَ (3) والأصل حَبِبْتَ بالكسر (4) أي: صرت حبيباً، ولم يقولوا في القليل قللت كما قالوا في الكثير كَثُرَت، بل قالوا: قل
يَقِلُّ كرَاهةً للثقل، ولم يأت شَرُرْتَ بالضم (1) بل شَرِرتَ بالْفتح والكسر أي صرت شِرِّيراً، وقال بعضهم: عَزَّت الناقة - أي: ضاق إحليلها - تعُزُ بالضم وَشَرَّ وَدَمَّ: أي صار دميماً، وثلاثتها فَعُلَ بالضم. ولم يثبت ما قاله سيبويه " لا يكاد يكون فيه - يعني في المضاعف - فَعُلَ " وقال الجوهري: إن لَبُبْتَ لا نظير له في المضاعف، وإنما غَرَّهم الدَّميم وَالشَّرير والدَّمَامة وَالشَّرَارَة! ! والمستعمل دَمَمْتَ بالفتح تَدُمُّ لا غير، ولم يستعمل من شديد فعل ثلاثي (2) استغناء باشْتَدَّ، كما استُغْنِيَ بافْتَقَرَ عن فقر، وبارتفععن رَفُعَ، فقالوا: افتقر فهو فقير، وارتفع فهو رفيه واشتد فهو شديد، وأما قول علي رضي الله عنه " لَشَدَّ ما تشطرا ضرعيها " (3) فمنوقول إلى فَعُلَ كما قلنا في حَبَّذا وَحَبُبْتَ، فلا يستعمل حَبَّ وَشَدَّ بمعنى صار حبيباً وشديداً إلا في التعجب كما في حبذا وَشَدَّمَا قوله " وأما باب سُدْتَهَ " جواب عن اعتراض وارد على قوله " كان لازماً " أجاب بأن سدته ليس من باب فَعُلَ بالضم في الأصل، ولا هو منقول إليه كما هو ظاهر قول سيبويه وجمهور النحاة، وذلك لأنهم قالوا: نقل قَوَلْتُ إلى قولت
وبيعث إلى بَيِعَتُ لينقلوا بعد ذلك ضمة الواو وكسرة الياء إلى ما قبلها فيبقى بعد حذف الواو والياء ما يدل عليهما، وهو الضمة والكسرة، واعترض المصنف على قولهم بأن الغرض المذكور يحصل بدون النقل من باب إلى باب، وَبَابُ فَعُلَ المضموم العين وَفَعِلَ المكسور العين في الأغلب يختص كل منهما بمعنى مخالف لمعنى فَعَلَ المفتوح العين، ولا ضرورة ملجئة إلى هذا النقل، لا لفظية ولا معنوية، أما المعنى فلأنه لا يدعي أحد أن قُلْتُ وَبِعْتُ تَغَيَّرَا عما كانا عليه من المعنى، وأما اللفظ فلأن الغرض قيام دلالة على أن أحدهما واوي والآخر يائي، ويحصل هذا بضم الفاء قال وكسر فاء باع من أول الأمر بعد إلحاق الضمير المرفوع المتحرك بهما وسقوط ألفهما للساكنين من غير أن يُرْتَكب ضَمُّ العين وكسرها ثم نقل الحركة من العين إلى الفاء. وَأَيْشٍ الْمَحْذُورُ في ذلك (1) ؟ وكيف نخالف أصلاً لنا مقرراً؟ وهو أن كل واو أو ياء في الفعل هي عين تحركت بأي حركة كانت من الضم والفتح والكسر وانفتح ما قبلها فإنها تقلب ألفاً، فَقَوَلْتُ بالفتح يجب قلب واوه ألفاً، وكذا لو حولت الفتحة ضمة، وكذا بَيَعْتُ بالكسر والفتح، وأَيُّ داعٍ لنا إلى إلحاق الضمائر المرفوعة بقَوَلَ وبَيَعَ اللذين هما أصلا قال وباع؟ وهل هي في الفاعلية إلا كالظواهر في نحو " قال زيد "، و " باع عمرو "؟ فالوجه إلحاق هذه الضمائر بقال وباع مقلوبي الواو والياء ألفاً، فنقول: تحركت الواو في قَوَلَ وَطَوُل وَخَوِف والياء في بَيَعَ وَهَيِب وانفتح ما قبلهما ألفاً، وإنما لم تقلب الياء في هَيُؤَ لما تقدم، فصار الجميع قال وطال وخاف وباع وهاب، فلم يمكن مع بقاء الألف التنبيه على بنية هذه الأبواب وأن أصلها فَعَل أو فَعُل أَو فَعِل لأن الألف يجب انفتاح ما قبلها. فلما اتصلت الضمائر المرفوعة المتحركة بها وجب تسكين اللام لما هو معلوم، فسقطت الالف في جميعها للسكانين، فزال ما كان مانعاً من التنبيه
على الوزن - أي الألف - فقصدوا بعد حذفها إلى التنبيه على بِنْيَة كل واحد منها لما ذكرنا من أن بنية الفعل يُبَقَّى عليها وتراعى بقدر ما يمكن، وذلك يحصل بتحريك الفاء بمثل الحركة التي كانت في الأصل على العين، لأن اختلاف أوزان الفعل الثلاثي بحركات العين فقط، ولم يمكن هذا التنبيه في فَعَل المفتوح العين نحو قَوَلَ وَبَيَعَ، لأن حركتي الفاء والعين فيه متماثلتان، فتركوا هذا التنبيه فيه ونَبَّهُوا على البنية في فَعِلَ وَفَعُل فقط، فقالوا في فعل نحو خاف وهاب: خِفْتُ وَهِبْتُ، وَسَوَّوا بين الواوي واليائى لما ذكرنا أن المهم هو التنبيه على البنية، وقالوا في فعل نحو طال فهو طويل: طلت، والضمة لبيان البنية لا لبيان الواو، لما ذكرنا، ولم يجئ في هذا الباب أجوف يائى حتى يسووا بينه وبين الواوى في الضم كما سووا بينهما في فعل خفت وهبت، إلا هيؤ، كما ذكرنا، ولا تقلب ياؤه ألفا لما مر، فلما فرغوا من التنبيه على البنية في بابى فعل وفعل. ولم يكن مثل ذلك في فعل ممكنا، كما ذكرنا، قصدوا فيه التنبيه على الواوي واليائي والفرقَ بينهما، كما قيل: إن لم يكن خَلّ فَخَمْرٌ (1) ، فاجتلبوا ضمة في قال بعد حذف الألف للساكنين، وجعلوها مكان الفتحة، وكذا الكسرة في باع، لتدل الأولى على الواو والثانية على الياء، وأما إذا تحركت الواو والياء عينين وما قبلهما ساكن متحرك الأصل في الأفعال والأسماء المتصلة بها فإنه ينقل حرك العين إليه وإن كانت فتحة رعايةً لِبِنْيَة الفعل والمتصل به، وذلك لأنه يمكن في مثله المحافظة على البنية في المفتوح العين، كما أمكن في مضمومها ومكسورها، بخلاف المفتوحة المفتوح ما قبلها نحو قَالَ وبَاعَ، كما ذكرنا، لأن الفاء ههنا ساكنة، فإذا تحركت
بالفتح وسكن العين علم أن ذلك حركة العين، ولا يراعى هنا الفرق بين الواوى واليائي أصلاً، لأنه إنما يراعى ذلك إذا حصل العجز عن مراعاة البنية كما مر، بلى يراعى ذل ك في اسم المفعول من الثلاثي، نحو مَقُول ومبيع، كما يجئ، فمن الواوي قولهم يَخَاف وَيَقُالُ وأُقِيمَ ونُقِيم ويَقُول ويَطِيح، عند الخليل، وأصله (1) يَطْوِحُ كما يجئ، ويقوم والمقام والمقيم والمعون، فقد رأيت كيف قصدوا في النوعين بيان البنية بنقل الضمة والكسرة والفتحة إى ما قبلها لَمَّا لزمهم إعلال العين بسبب حمل الكلمات المذكورة على أصولها، أعني الماضي الثلاثي كما يجئ في باب الإعلال، ولم يبالوا بالتباس الواويّ واليائى ثم الحركة المنقولة: إن كانت فتحة قلبت الواو والياء ألفاً، كما في يَخَاف ويَهَاب، لأن سكونهما عارض، فكأنهما متحركتان، وما قبلهما كان مفتوح الأصل، وقد تَحَرَّك بفتحة العين، فكأن الواو والياء تحركتا وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفاً، ولا سيما أن تطبيق الفرع بالأصل أولى ما أمكن. وإن كانت ضمة - ولم يجى في الفعل والاسم المتصل به إلا على الواو، نحو يَقْوُلُ - نقلت إلى ما قبلها وسلمت الواو، بلى قد جاءت على الياء أيضاً في اسم
لمفعول، لكنه روعى فيه الفرق بين الواوي واليائي كما يجئ، وقد جاء أيضاً في هَيُؤَ يَهْيُؤ، وقد مر حكمه (1) وإن كانت كسرة: فإن كانت على الياء سلمت بعد النقل نحو يَبْيِعُ، وإن كانت على الواو - نحو يُقِيم، ويَطِيح عند الخليل - قلبت ياء، لتعسر النطق بها ساكنة بعد الكسرة، ولا تقول: إن الضم والكسر في نحو يَقْوُلُ وَيَبْيِعُ نقلاً إلى ما قبلهما للاستثقال، إذ لو كان له لم تنقل الفتحة في نحو يَخَاف وَيَهَاب، وهي أخف الحركات، فلا يستثقل وخاصةًَ بعد السكون، ولا سيما في الوسط، وأيضاً فالضمة والكسرة لا تُسْتَثْقَلانِ على الواو والياء إذا سكن ما قبلهما كما في ظَبْيٍ ودَلْوٍ فان قيل: ذلك لأن الاسم أخف من الفعل، والأصل في الإعلال الفعل كما يجئ في باب الإعلال قلت: نعم، ولكن الواو والياء المذكورين في طرف الاسم، وهما في الفعل في الوسط، والطرف أثقل من الوسط فإن قيل: لم تستثقل في الاسم لكون الحركة الإعرابية عارضةً قلت: نوع الحركة الإعرابية لازم، وإن كانت كل واحدة منهما عارضة، ولو لم يعتد بالحركة الإعرابية في باب الإعلال لم يُعَلَّ نحو قاضٍ وعَصاً، فإذا تبين أن النقل ليس للاستثقال قلنا: إنه وجب إسكان العين تبعاً لأصل الكلمة، وهو الماضي من الثلاثي، إذ الاصل في الاعلال الفعل كما يبين في بابه، وأصل الفعل الماضي، فلما أسكنت نُقلت الحركة إلى ما قبلها لتدل على البنية كما شرحنا وإنما فَرِقَ في اسم المفعول من الثلاثي بين الواوي واليائي نحو مَقُول وَمَبِيع، لأن الأصل في هذا الإعلال - أعني إسكان الواو والياء الساكن ما قبلهما -
هو الفعل كما ذكرنا، ألا ترى أن نحو دَلْو وَظَبْي لم يسكن الواو والياء فيهما مع تطرفهما، ثم حملت الأسماء المتصلة بالأفعال في هذا الإعلال على الفعل إذا وافقته لفظاً بالحركات والسكنات، كما في مَقَام وَمَعِيِشَة وَمُصِيبة، وَاسْمُ المفعول من الثلاثي وإن شابه الفعل معنى واتصل به لفظاً، لاشتقاقهما من أصل واحد، لكن ليس مثله في الحركات والسكنات فأجرِيَ مُجْرَى؟ ؟ ؟ من وجه، وجُعل مخالفاً له من آخر: فالأول بإسكان عينه، والثاني بالفرق بين واويه ويائيه، مع إمكان التنبيه على البنية، فالأولى على هذا أن نقول: حُذِفَت ضمة العين في مَقْوُول ومَبْيُوع إتباعاً للفعل في إسكان العين، وضمت الفاء في الواوي وكسرت في اليائي كما قلنا في قلت وبعد دلالة على الواوى واليائى قال: " وأفعل للتعددية غلبا، نحو أحلسته، ولِلتَّعْرِيضِ نَحْوُ أَبَعْتُهُ، وَلِصَيْرُورَتِهِ ذَا كَذَا نَحْوَ أَغَدَّ الْبَعِيرُ، وَمنْهُ أحْصَدَ الزَّرْعُ، وِلِوُجُوده عَلَى صِفَةٍ نَحْوَ أَحْمَدْتُهُ وَأَنْحَلْتُهُ، وَلِلسَّلْبِ نَحْوَ أشْكَيْتُهُ، وَبِمَعْنَى فَعَلَ نَحْوَ قِلْتُهُ وَأَقَلْتُهُ " أقول: اعلم أن المزيد فيه لغير الالحاق لابد لزيادته من معنى، لأنها إذا لم تكن لغرض لفظي كما كانت في الإلحاق ولا لمعنى كانت عبثا، فذا قيل مثلاً: إن أقال بمعنى قال، فذلك منهم تسامح في العبارة، ذلك عل نحو ما يقال: إن الباء في (كفى بالله) و " من " في (مامن إله) زائدتان لَمَّا لم تفيدا فائدة زائدة في الكلام سوى تقرير المعنى الحاصل وتأكيده، فكذا لابد في الهمزة في " أقالني " من التأكيد والمبالغة والأغلب في هذه الأبواب أن لا تنحصر الزيادة في معنى، بل تجئ لمعان على البدل، كالهمزة في أفعل تفيد النقل، والتعريض، وصيرورة الشئ ذا كذا، وكذا فَعَّل وغيره
وليست هذه الزيادات قياساً مطرداً، فليس لك أن تقول مثلاً في ظَرُف: أَظْرَفَ، وفي نصر: أَنْصَرَ، ولهذا رُدَّ على الأخفش في قياس أظَنَّ وَأَحْسَبَ وأخَالَ على أعْلَمَ وَأرَى، وكذا لا تقول: نَصَّرَ ولا دَخَّلَ، وكذا في غير ذلك من الأبواب، بل يحتاج في كل باب إلى استعمل اللفظ المعين، وكذا استعماله في المعنى المعين (1) ، فكما أن لفظ أذهب وأدخل يحتاج في إلى
السماع فكذا معناه الذي هو النقل مثلاً، فليس لك أن تستعمل أذْهَبَ بمعنى أزال الذهاب أو عَرَّضَ للذهاب أو نحو ذلك والاغلب أن تجئ هذه الأبواب مما جاء منه فعل ثلاثي، وقد تجئ مما لم يأت منه ذلك، كألْجَمَ وَأسْحَمَ وَجَلَّدَ وَقَرَّدَ وَاسْتَحْجَرَ المكان واستنوق (1) الجمل، ونحو ذلك، وهو قليل بالنسبة إلى الاول
فإذا فهم هذا فاعلم أن المعنى الغالب في أفْعَلَ تعديةُ ما كان ثلاثياً، وهي أن يجعل ما كان فاعلاً للازم مفعولاً لمعنى الجعل فاعلاً لأصل الحدث على ماكان، فمعنى " أذهبت زيدا " جعل زيداً ذاهباً، فزيد مفعول لمعنى الجعل الذي استفيد من الهمزة فاعل للذهاب كما كان في ذَهَبَ زيد، فإن كان الفعل الثلاثي غيزإر متعديا إلى واحد فو مفعول لمعنى الهمزة - أي: الجعل والتصيير - كأذهبته، ومنه أعظمت: أي جعلته عظيماً باعتقادي، بمعنى استعظمته، وإن كان متعدياً إلى واحد صار بالهمزة متعدياً إلى اثنين أولهما مفعول الجعل والثاني لأصل الفعل، نحو: أحفرت زيداً النهر: أي جعلته حافراً له، فالأول مجعول، والثاني محفور، ومرتبة المجعول مقدمة على مرتبة معفول أصل الفعل، لأن فيه معنى الفاعلية. وإن كان الثلاثي متعدياً إلى اثنين صار بالهمزة
متعدياً إلى ثلاثة أولها للجعل والثاني والثالث لأصل الفعل، وهو فعلان فقط: أعْلَمَ، وَأَرَى وقد يجئ الثلاثي متعدياً ولازماً في معنى واحد، نحو فَتَنَ الرجلُ: أي صار مُفْتَتِناً، وَفَتَنْتُهُ: أي أدخلت فيه الفتنة، وحزن وحزنته: أي أدخلت فيه الحزن، ثم تقول: أفتنته وأحزنته، فيهما، لنقل فَتَنَ وَحَزِنَ اللازمين لا المتعدين، فأصل معنى أحزنته جعلته حزيناً، كأذهبته وأخرجته، وأصل معنى حَزَنْتُه جعلت في الحزن وأدخلته فيه، ككَحَلْتُهُ وَدَهَنْتُهُ: اي جعلت فيه كحلاً ودهناً، والمغزى من أحزنته وَحَزَنْتُهُ شئ واحد، لأن مَنْ أدخلت فيه الحزن فقد جعلته حزيناً، إلا أن الأول يفيد هذا المعنى على سبيل التقل والتصيير لمعنى فعل آخر - وهو حَزِن - دون الثاني وقولهم أسْرَعَ وَأَبْطَأَ في سَرُعَ وَبَطُؤ، ليس الهمزة فيهما للنقل، بل الثلاثي والمزيد فيه مَعاً غير متعديين، لكنالفرق بينهما أن سرُع وَبَطُؤ أبلغ، لأنهما كأنهما غريزة كصَغُرَ وَكَبُرَ ولو قال المصنف مكان قوله " الغالب في أفْعَلَ أن يكون للتعدية ": " الغالب أن يجعل الشء ذا أصله " لكان أعم، لأنه يدخل فيه ما كان أصله جامداً، نحو أفْحَى قِدْرَهُ: أي جعلها ذات (1) فحا وهو الابرار، وأجداه: أي جعله ذا جَدًى (2) ، وأذْهَبَه: أي جعله ذا ذَهَب وقد يجئ أفعل لجعل الشء نَفْسَ أصْلِهِ إن كان الأصل جامداً، نحو أهديت الشئ: أي جعلته هَدِيََةً أو هَدْياً (3)
قوله " وللتعريض " أي: تفيد الهمزة أنك جعلت ما كان مفعولاً للثلاثي مًعَرَّضاً لأن يكون مفعولاً لاصل الحدث، سواء صار مفعولا له أو لا، نحو أقْتَلْته: أي عرضته لأن يكون مقتولاً قُتِل أولاً، وأبَعْتُ الفرس: أي عرضته للبيع، وكذا أسْقَيْتُهُ: أي جعلت له ماء وسِقْياً شَرِبَ أو لم يشرب، وسَقَيته: أي جعلته يشرب، وأقبرته: أي جعلت له قبرا قبر أو لا قوله " ولصيرورته ذا كذا " أي: لصيرورة ما هو فاعل أفْعَلَ صاحب شئ، وَهو على ضربين: إما أن يصير صاحب ما اشتق منه، نحو الْحَمَ زيد: أي صار ذا لحم، وأطْفَلَتْ: أي صارت طفل، وأعس وأيسر وأقل: أي صار ذا عُسْرٍ ويُسْرٍ وقلة، وأغَدَّ البعير: أي صار (1) ذا غُدَّة، وَأَرَابَ: أي صار ذا ريبة، وإما أن يصير صاحب شئ هو صاحب ما اشتق منه، نحو أجْرَبَ الرجل: أي صار ذا إبل ذات جرب، وأقطف: أي صار صاحب خيل تقطف (2) وأخبث: أي صار ذا أصحاب خبثاء، وألام: أي صار صاحب قوم يلومونه، فإذا صار له لوام قيل: هو مليم، ويجوز أن يكون من الاول: أي صار صاحب لوم، وذلك بأن يلام، كأحصد الزرع: أي صار صاحب الحصاد، وذلك بأن يحصد، فيكون أفعل بمعنى صار ذا أصله الذى هو مصدر الثلاثي، بمعنى أنه فاعله، نحو أجْرَبَ: أي صار ذا جَرَب، أو بمعنى أنه مفعوله، نحو أحْصَدَ الزرعُ، ومنه أكَبَّ: أي صار يُكَبُّ وقولهم " أكَبَّ مطاوع كَبّه " تدريس (3) ، لأن القياس كون أفْعَلَ لتعدية فَعَلَ لا لمطاوعته
قوله " ومنه أحصد الزرع " إنما قال " ومنه " لأن أهل التصريف جعلوا مثله قسما آخر، وذلك أنهم قالوا: يجئ أفعل بمعنى حانَ وقتً يستحق فيه فاعلُ أفعل أن يُوقَع عليه أصل الفعل، كأحصد: أي حان أن يُحْصَد، فقال المصنف: هو في الحقيقة بمعنى صار ذا كذا، أي: صار الزرع ذا حصاد، وذلك
يحينونة حصادة، ونحوه أجد النهل وَأَقْطَع (1) ويجوز أن يكون ألاَمَ مثله: أي حان أن يُلاَم ومن هذ النوع - أي: صيرورته ذا كذا - دخول الفاعل في الوقت المشتق منه أفعل، نحو أصْبَحَ وأمْسَى وأفْجَر وأشْهَرَ: أي دخل في الصباح والمساء والفجر والشهر، وكذا منه دخول الفاعل في وقت ما اشتق منه أفعل، نحو أشْمَلْنَا وأَجْنَبْنَا وَأَصَبَيْنا وَأَدْبِرْنَا: أي دخلنا في أوقات هذه الرياح (2) قال سيبويه: ومنه أدنف، ومنه الدخول في المكان الذي هو أصله، والوصول إليه، كأكدى: أي وصل إلى الكدية (4) وأنجد وأجبل: أي وصل إلى نجد وإلى الجبل، ومنه الوصول إلى العدد الذي هو أصله، كأعْشَرَ وأَتْسَعَ وآلَفَ: اي وصل إلى العشرة والتسعة والالف، فجميع هذا بمعنى صار ذا كذا: أي صار ذا الصبح، وذا المْسَاء، وذا الشَّمال، وذا الجنوب، وذا الْكُدْية، وذا الجبل، وذا العشرة قوله " ولوجوده عليها " أي: لوجودك مفعول أفعل على صفة، وهى كونه
فاعلا لاصل الفعل، نحو أكرمن فاربُطْ: أي وجدت فرساً كريماً، وأسْمَنْتَ: أي وجدت سميناً، وَأَبْخَلْتُهُ: أي وجدته بخيلاً، أو كونه مفعولاً لأصل الفعل، نحو أحْمَدْته: أي وجدته محموداً، وأما قولهم " أفْحَمْتُكَ: أي وجدتك مفحماً " فكأنَّ أفعل فيه منقول من نفس أفعل، كقولك في التعجب: مَا أَعْطاكَ للدنانير، ويقال: أفحمت الرجل: أي أسكتُّه، قال عمرو بن معدي كرب لمُجَاشِع بن مسعود السلمي - وقد سأله فأعطاه -: لله دركم يا بنى سليم، سألنا كم فما أبخلناكم، وقاتلناكم فما أجبناكم، وهاجَيْناكم فما أفحمناكم: أي ما وجدناكم بُخلاء وجُبَناء وَمُفْحَمين (1) قوله " وللسلب " أي: لسلبك عن مفعول أفعل ما اشتق منه، نحو أشكيته: أي أزلت شكواه قوله " وبمعنى فَعَل " نحو قِلْتُ البيعَ وأقلته. وقد ذكرنا أنه لابد للزيادة من معنى، وإن لم يكن إولا التأكيدَ وقد جاء أفعل بمعنى الدعاء، نحو أَسْقَيْتُه: أي دعوت له بالسُّقْيا، قال ذو الرمة: - 12 - وَقَفْتُ عَلى رَبْعٍ لمَيَّةَ نَاقَتِي * * فما زلت أبكى عنده وأخاطبه
[معاني: فعل]
وَأُسْقِيهِ حَتَّى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهُ * * تُكَلِّمُنِي أَحْجَارُهُ وَمَلاعِبُهْ (1) والأكثر في باب الدعاء فَعَّل، نحو جَدَّعَه وعَقَّرَه: أي قال: جدعه الله، وعقره (2) ، وَأَفْعَلَ داخل عليه في هذا المعنى، والأغلب من هذه المعاني المذكورة النقلُ، كما ذكرنا وقد يجئ أفْعَلَ لغير هذه المعاني، وليس له ضابطة كضوابط المعاني المذكورة كأبصره: أي رآه، وأوعزت إليه، وقد يجئ مطاوع فَعَّلَ، كفَطَّرته فَأَفْطَر وبَشَّرْتُهُ فأبشر، وهو قليل قال: " وَفَعَّلَ لِلتَّكثِيرِ غَالِباً، نحو غَلَّقْتُ وَقَطَّعْتُ وَجَوَّلْتُ وَطَوَّفْتُ وَمَوَّتَ الْمَالُ، وَلِلتَّعْدِيَةِ نَحْوُ فَرَّحْتُهُ، وَمِنْهُ فَسَّقْتُهُ، وَلِلسَّلْبِ نَحْوُ جَلَّدْتُهُ وَقَرَّدْتُهُ، وَبِمَعْنَى فَعَّلَ نَحْوُ زِلْتُهُ وَزَيَّلْتُهُ " أقول: الأغلب في فَعَّلَ أن يكون لتكثير فاعله أصلَ الفعل، كما أن الأكثر في أفعل النقل، تقول: ذَبَحْتُ الشاة، ولا تقول ذَبَّحتها، وأغلقت الباب مرة، ولا تقول: غَلَّقْت، لعدم تصور معنى التكثير في مثله، بل تقول: ذَبَّحْتُ الغنم، وغَلَّقْتُ الأبواب، وقولك: جَرَّحْتُه: أي أكثرت جراحاته، وأما جَرَحْتُه - بالتخفيف - فيحتمل التكثير وغيره، قال الفرزدق: -
13 - ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها * * حَتَّى أَتَيْتُ أبَا عَمْرِو بْنِ عَمَّارِ (1) أي: أُفَتِّحُها وأُغَلِقُّها، وَمَوَّتَ المال: أي أقع الْمَوْتان في الإبل فكثر فيها (2) الموت، وَجَوَّلْتُ وَطَوَّفْتُ: أي أكثرت الجَوَلان والطواف، قيل: ولذلك سمي الكتاب العزيز تَنْزِيلاً، لأنه لم يُنَزَّل جملةً واحدة، بل سورةً سورة وآيةً آية، وليس نصافيه، ألا ترى إلى قوله تعالى: (لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً واحدة) وقوله: (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آية) ثم إن التكثير يكون في المتعدي كما في غَلَّق وقَطَّع، وقد يكون في اللازم كما في جَوَّل وَطَوَّفَ ومَوَّتَ قوله " وللتعدية نحو فَرَّحْته " معنى التعدية في هذا الباب كما في باب أفعل على ما شرحنا، والأولى أيضاً ههنا أن يقال في مقام التعدية: (هو) بمعنى جعل الشئ ذا أصله، ليعم نحوَ فَحَّى الْقِدْرَ: أي جعلها ذات فَحَّا، وشسع النعل (3) ، وهذا لا يتعدى إلى ثلاثة كأفعل إلا محمولاً على أفعل كَحَدَّثَ وخَبَّرَ، كما مرَّ في أفعال القلوب
قوله " ومنه فَسَّقْته " إنما قال ذلك لأن أهل التصريف جعلوا هذا النوع قسماً برأسه، فقالوا: يجئ فَعَّل لنسبة المفعول إلى أصل الفعل وتسميته به، نحو فَسَّقْته: أي نسبته إلى الفسق وسميته فاسقاً، وكذا كَفَّرْته، فقال المصنف: يرجع معناه إلى التعدية، أي: جعلته فاسقاً بأن نسبته إلى الفسق ويجئ للدعاء على المفعول بأصل الفعل، نحو جَدَّعْتُه وعَقَّرْته: أي قلت له جَدْعاً لك، وعَقْراً لك، أو الدعاء له، نحو سَقَّيْته: أي قلت له سَقْياً لك قوله " وللسلب " قد مر معهاه، نحو قَرَّدْتُ البعير: أي أزلت قُرَاده، وجَلَّدْته: أي أزلت جِلْدَه بِالسَّلْخ قوله " وبمعنى فَعَل " نحو زَيَّلْته: أي زِلْتُهُ أَزيله زَيْلاً: أي فَرَّقْتُهُ، وهو أجوف (1) يائي، وليس من الزوال، فهما مثل قلته وأقلته
ويجئ أيضاً بمعنى صار ذا أصله، كَوَرَّق: أي أورق: أي صار ذا ورق، وقيح الجرج: أي صار ذا قَيْح (1) وقد يجئ بمعنى صَيْرورة فاعلة أصْلَهُ المشتقَّ منه، كَروَّض المكانُ: أي صار رَوْضاً، وعَجَّزَت المرأة، وثَيَّبَت، وَعوَّنَت: أي صارت عَجُوزاً وَثيِّباً وَعَوَانا (2) ويجئ بمعنى تصيير مفعوله على ما هو عليه، نحو قوله " سبحان الذي ضَوَّأَ الأَْضْوَاء، وكَوَّفَ الكوفة، وبَصَّر الْبَصْرة " أي: جعلها أضواء وكوفة وبصرة ويجئ بمعنى عمل شئ في الوقت المشتق هو منه، كَهَجَّر: أي سار في الهاجرة (3) ، وصَبَّح: أي أتى صباحاً، ومَسَّى وغَلَّسَ (4) : أي فعل في الوقتين شيئاً
[معاني: فاعل]
ويجئ بمعنى المشي إلى الموضع المشتقِّ هو منه، نحو كَوَف: أي مشى إلى الكوفة، وَفَوَّزَ وَغَوَّر: أي مشى إلى المفازة والْغَوْر (1) وقد يجئ لمعان غير ما ذكر غير مضبوطة بمثل الضوابط المذكورة، نحو جرب وكلم قال " وفَاعَلَ لِنِسْبَةِ أَصْلِهِ إِلَى أَحَدِ الأَْمْرَيْنِ متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا فيجئ الْعَكْسُ ضِمْنًا، نَحْوُ ضَارَبْتُهُ وَشَارَكْتُهُ، وَمِنْ ثَمَّ جاءَ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي مُتَعَدِّياً (نَحْوَ كَارَمْتُهُ وشَاعَرْتُهُ) وَالْمُتَعَدِّي إلَى واحِدٍ مُغَايِرٍ لِلْمُفَاعَلِ مُتَعَدِّياً إلى اثْنَيْنِ نَحْوَ جَاذَبْتُهُ الثَّوْبَ، بِخِلاَفِ شَاتَمْتُهُ، وَبِمَعْنَى فَعَّلَ نَحْوُ ضاعفته، وبمعنى فَعَلَ نَحْوَ سَافَرْتُ " أقول " لنسبة أصله " أي: لنسبة المشتق منه فَاعَلَ إلى أحد الأمرين: أي الشيئين، وذلك أنك أسندت في " ضَارَبَ زَيْدٌ عَمْرًا " أصل ضارب - أي الضَّرْبَ - إلى زيد، وهو أحد الأمرين، أعني زيداً وعمراً، وهم يستعملون الامر بمعنى الشئ فيقع على الأشخاص والمعاني قوله " متعلقاً بالآخر " الذي يقتضيه المعنى أنه حال من الضمير المستتر في قوله " لنسبة " وذلك أن ضارب في مثالنا متعلقٌ بالأمر الآخر، وهو عمرو، وَتَعَلُّقُه به لأجل المشاركة التي تضمنها، فانتصب الثاني لأنه مشارك - بفتح الراء - في الضرب لا لأنه مضروب، والمشارَكُ مفعول، كما انتصب في " أذْهَبْتُ عمراً " لانه مجعول
ويَسْمُج جعله حالاً من قوله " أصله " أو من قوله " أحد الأمرين " لأن الظاهر من كلامه أن قوله " لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحاً " مقدمةٌ يريد أن يبني عليها صيرورة الفعل اللازم في فَاعَل متعدياً إلى واحد، والمتعدي إلى واحد غير مشارك متعدياً إلى اثنين، مشيراً إلى قوله في الكافية " المتعدي ما يتوقف فَهْمُهُ على متعلق " فعلى هذا الذي يتوقف فهمه على هذا الأمر الآخر الذي هو المشارك - بفتح الراء - ويتعلق به هو معنى فَاعَل، لكونه متضمناً معنى المشاركة، لا أصْلُه، فإن قولك " كارمت زيداً " ليس فهم الكرم فيه متوقفاً على زيد، إذ هو لازم، وكذا " جاذبت زيداً الثوب " ليس الْجَذْبُ متعلّقاً بزيد، إذ هو ليس بمجذوب، بلى في قولك " ضارب زيد عمراً " الضرب متعلق بعمرو، لأنه مفعول له، لكن انتصابه ليس لكونه مضروباً، بل لكونه مشاركاً، كما في قولك " كارمت زيداً " و " جاذبت زيداً الثوب " وكذا ليس أحد الأمرين متعلقاً بالآخر في " ضاربت زيداً " تعلقاً يقصده المصنف، إذ هو في بيان كون فال متعديا بالنقل، وإنما يكون متعديا إذا كان معنى الفعل متعلقاً بغيره، على ما ذكر في الكافية، ومن ثم قال في الشرح " ومن ثم جاء غير المتعدي متعدياً لتضمنه المعنى المتعلّق " يعني المشاركة، وفي جعله حالاً من المضاف إليه - أعني الضمير المجرور في قوله " أصله " - ما فيه، كما مر في باب (1) الحال، والظاهر أنه قصد جعله حالأً من أحد الأمرين مع سماجته، ولو قال " لتعلق مشاركة أحد الأمرين الآخَرَ في أصل الفعل بذلك الآخر صريحاً
فيحئ العكس ضمناً " لكان أصرح فيما قصد من بناء قوله " ومن ثم كان غير المتعدي " إلخ عليه. قوله " صريحاً " أي: أن أحد الأمرين صريحاً مشارِك والآخر مشارك، فيكون الاولى فاعلاً صريحاً والثاني مفعولاً صريحاً، " ويجئ العكس ضمناً " أي: يكون المنصوب مشاركاً - بكسر الراء - والمرفوع مشارَكَاً ضِمْناً، لأن من شاركته فقد شاركك، فيكون الثاني فاعلاً والأول مفعولاً من حيث الضِّمْنُ والمعنى قوله " ومن ثم " أي: من جهة تضمن فَاعَلَ معنى المشاركة المتعلقة بعدَ أحد الأمرين بالآخر. قوله " والمعتدى إلى واحد مغاير للمفاعَل " بفتح العين: أي إلى واحد هو غيرُ المشارَك في هذا الباب - بفتح الراء - أي: إن كان المشارَك ههنا - بفتح الراء - مفعول أصل الفعل كان المتعى إلى واحد في الثلاثي متعدياً إلى واحد ههنا أيضاً، نحو " ضَارَبْت زيداً " فإن المشارَك في الضرب هو المضروب فمفعول أصل الفعل ومفعول المشاركة شئ واحد، فلم يزد مفعولٌ آخر بالنقل، وإن كان المشارَكُ ههنا غيرَ مفعول أصل الفعل، نحو " نازعت زيداً الحديث " فإن مفعول أصل الفعل هو الحديث إذ هو المنزوع، والمُشارَكُ زيد، صار الفعل إذن متعدياً إلى مفعولين، وكذا " نازعت زيداً عمراً " فاعلم أن المشارك - بفتح الراء - في باب فَاعَل قد يكون هو الذي أُوقِعَ أصل الفعل عليه ك " ضاربت زيداً " في المتعدي ر و " كارمته " في اللازم، وقد يكون غير ذلك نحو " نازعت زيداً الحديث " في المتعدي، و " سايرته في البرية " في اللازم، وقد يكون ما زاد من المفعول في باب المفاعلة هو المعامَلَ - بفتح الميم - بأصل الفعل، لا على وجه المشاركة كما في قول علي رضي الله عنه " كاشَفْتُكَ الْغِطَاءاتِ " وقولك: عاودته، وراجعته.
[معاني: تفاعل]
قوله " بمعنى فعل " يكون للتكثير كَفَعَّلَ، نحو " ضَاعَفْتُ الشئ " أي: كثرت أضعافه كضَعَّفَتْه، و " نَاعَمه الله " كنَعَّمه. أي كثّر نَعْمَتَهُ (1) بفتح النون. قوله " بمعنى فَعَلَ " كسافَرت بمعنى (2) سَفَرْتُ: أي خرجت إلى السفر ولا بدّ في " سافرت " من المبالغة كما ذكرنا، وكذا " ناولته الشئ " أي: نُلْتُه إياه - بضم النون - أي أعطيته، وقرئ (إن الله يَدْفَع) و (يُدَافِع) وقد نجئ بمعنى جعل الشئ ذا أصله كأَفْعَلَ وَفَعَّلَ، نحو " رَاعِنا سَمْعَكَ " أي: اجعله ذا رعاية لنا كأرعِنا، و " صَاعَرَ خَدَّه " أي: جعله ذا صَعَرٍ (3) و " عافاك الله " أي جعلك ذا عافية، و " عاقَبْتُ فلاناً " أي: جعلتُه ذا عقوبة وأكثر ما تجئ هذه الابواب الثلاثة متعدية. قال: " وَتَفَاعَلَ لِمُشَارَكَةِ أَمْرَيْنِ فَصَاعِداً فِي أَصْلِهِ صَرِيحاً نَحْوَ تَشَارَكَا، ومن ثم نقص مفعولاً عن فاعل، وليدل على أن الفاعل أَظْهَرَ أَنَّ أَصْلَهُ حَاصِلٌ لَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْهُ نَحْوُ تَجَاهَلْتُ وتغافلت، وَبِمَعْنَى فَعَل نَحْوُ تَوَانَيْتُ، وَمُطَاوعَ فَاعَلَ نَحْوُ باعدته فتباعد ".
أقول: لا شك أن في قول المصنف قبلُ " لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحاً " وقوله ههنا " لمشاركة أمرين فصاعدا في أصله صريحا " تخليطاً وَمَجْمَجَةً (1) وذلك أن التعلق المذكور في الباب الأول والمشاركة المذكورة ههنا أمران معنويان، لا لفظيان، ومعنى " ضَارَبَ زيد عمراً " و " تضارب زيد وعمرو " شئ واحد، كما يجئ، فمعنى التعلق والمشاركة في كلا البابين ثابت، فكما أن للمضاربة تعلقا بعمر وصريحا في قولك " ضارب زيد عمراً " فكذا للتضارب في " تضارب زيد وعمرو " تعلق صريح به، وكما أن زيداً وعمراً متشاركان صريحاً في " تضارب زيد وعمرو " في الضرب الذي هو الأصل فكذاهما متشاركان فيه صريحا في " ضارب زيد عمرا " فلو كان مطلق تعلق الفعل بشئ صريحاً يقتضي كون المتعلِّق به مفعولاً به لفظاً وجب انتصاب عمرو في " تَضَارَبَ زيد وعمرو " ولو كان مطلق تشارك أمرين فصاعداً صريحاً في أصل الفعل يقتضي ارتفاعهما لارتفع زيد وعمرو في " ضارب زيد عمراً " فظهر أنه لا يصح بناء قوله في الباب الأول " ومن ثم جاء غير المتعدي متعدياً "، ولا بناء قوله في هذا الباب " ومن ثم نقص مفعولاً عن فاعل " على المشاركة، وكان أيضاً من حق اللفظ أن يقول: تفاعل لاشتراك أمرين، لأن المشاركة تضاف إما إلى الفاعل أو إلى المفعول تقول: أعجبتني مشاركة القولا عَمْرَاً، أو مشاركة عمرو القومُ، وأما إذا قصدت بيان كون المضاف إليه فاعلاً ومفعولاً مَعاً فالحق أن تجئ بباب التفاعل أو الافتعال، نحو أعجبني نشاركنا، واشتراكنا، هذا، والأولى ما قال المالكي (2) وهو أن فاعل
لاقسام الفاعلية والمفعولية لفظاً، والاشتراك فيهما معنى، وتفاعل للاشتراك في الفاعلية لفظاً، وفيها وفي المفعولية معنى واعلم أن الأصل المُشْتَرَكَ فيه في بابي المفاعلة والتفاعل يكون معنى، وهو الأكثر، نحو: ضاربته، وتضاربنا، وقد يكون عيناً نحو (1) سَاهَمْتُهُ: أي قارعته وسَايَفْتُهُ، وساجلته، وتقارعنا، وتسابقنا، وَتَسَاجَلْنا (2) ثم اعلم أنه لا فرق من حيثُ المعنى بين فَاعَلَ وَتَفَاعَلَ في إفادة كون الشئ بين اثنين فصاعداً، وليس كما يتوهم من أن المرفوع في باب فَاعَلَ هو السابق بالشروع في أصل الفعل على المنصوب بخلاف باب تَفَاعَلَ، ألا ترى إلى قول الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما لبعض من خاصمه: سَفِيهٌ لم يجد مُسَافِهاً، فإنه رضي الله عنه سمى المقابل له في السفاهة مُسَافِهاً وإن كانت سفاهته لو وجدت بَعْدَ سفاهة الأول، وتقول: إن شتمتني فما أشاتمك، ونحو ذلك، فلا فرق من حيث المغزى والمقصد الحقيقي بين البابين، بل الفرق بينهما من حيث التعبير عن ذلك المقصود، وذلك
أنه قد يعبر عن معنى واحد بعبارتين تخالف مفرداتُ إحداهما مفردات الأخرى معنى من حيث الوضع، وكذا إعراباتها، كما تقول: جاء في القوم إلا زيداً، وجاءني القوم ولم يجئ من بينهم زيد، أو جاءوني وتخلّف زيد، أو لم يوافقهم زيد، ونحو ذلك، والمقصود من الكل واحد، فكذا " ضارب زيد عمرا ": أي شاركه في الضرب، و " تضارب زيد وعمرو " أي: تشاركا فيه، والمقصود من شاركه وتشاركا شئ واحد مع تعدي الأول ولزوم الثاني قوله " ومن ثم نقص " أي: ومن جهة كون تفاعل في الصريح وظاهر اللفظ مسنداً إلى الأمرين المشتركين في أصل الفعل بخلاف فَاعَلَ فإنه لإسناده في اللفظ إلى أحد الأمرين فقط ونصب الاخر لفظ شَارَكَ لمفعوله، فإن كان فَاعَلَ متعدياً إلى اثنين نحو " نازعتك الحديث " كان تفاعل متعديا إلى ثانيهما فقط، ويرتفع الاول داخلا في الفاعلية، نحو " تنازعنا الحديث " و " تنازع زيد وعمرو الحديث " وإن كان فَاعَلَ متعدياً إلى واحد نحو " ضاربتك " لم يتعد تفاعل إلى شئ لدخول الأول في جملة الفاعل، نحو " تضاربنا " و " تضارب زيد وعمرو " قوله " نقص مفعولاً " انتصاب " مفعولاً " على المصدر، وهو بيان النوعي كقولك: ازددت درجة، ونقصت مرتبة، ودنوت إصبعاً، أي: نقص هذا الْقَدْرَ من النقصان، ويجوز أن يكون تمييزاً، إذ هو بمعنى الفاعل: أي نقص مفعول واحد منه قوله " وليدل على أن الفاعل أظْهَرَ إلخ " معنى " تَغَافَلْتُ " أظهرت من نفسي الغفلة التي هي أصل تغافلت، فتغافل على هذا لإبهامك الأمر على من تخالطه وَتُرِيَ من نفسك ما ليس فيه منه شئ أصلاً، وأما تَفَعَّلَ في معنى التكلف نحو: تَحَلَّمَ وَتَمَرَّأَ (1) فعلى غير هذا لأن صاحبه يتكلف أصل ذلك الفعل
ويريد حصوله فيه حقيقة، ولا يقصد إظهار ذلك إيهاماً على غيره أن ذلك فيه وفي تَفَاعَلَ لا يريد ذلك الأصل حقيقة، ولا يقصد حصوله له، بل يوهم الناس أن ذلك فيه لغرض له قوله " وبمعنى فعل " لابد فيه من المبالغة كما تقدم قوله " مطاوع فَاعَلَ " ليس معنى المطاوع هو اللازم كما ظنَّ، بل المطاوعة في اصطلاحهم التأثر وقبول أثر الفعل، - سواء كان التأثر متعدياً، نحو: عَلَّمْتُهُ الفقه فتعلَّمهُ: أي قبل التعليم، فالتعليم تأثير والتعلم تأثر وقبول لذلك الأثر، وهو متعدٍّ كما ترى، أو كان لازما، نحو: كَسَرْتُهُ فانكسر: أي تأثر بالكسر، فلا يقال في " تنازع زيد وعمرو الحديث "، إنه مطاوع " نازع زيد عمر الحديث " ولا في " تضارب زيد وعمرو " إنه مطاوع " ضارب زيد عمراً " لأنهما بمعنى واحد، كما ذكرنا، وليس أحدهما تأثيراً والآخر تأثرأً، وإنما يكون تَفَاعَلَ مطاوع فَاعَل إذا كان فاعل لجعل الشئ ذا أصله، نحو: باعدته: أي بَعَّدْتُهُ، فتباعد: أي بَعُدَ، وإنما قيل لمثله مطاوع لأنه لما قبل الأثر فكأنه طاوعه ولم يمتنع عليه، فالمطاوع في الحقيقة هو المفعول به الذي صار فاعلاً، نحو " بَاعَدْتُ زيداً فتباعد " المطاوع هو زيد، لكنهم سَمَّوا فعله المسند إلى مطاوعا مجازا وقد يجئ تَفَاعَلَ للاتفاق في أصل الفعل لكن لا على معاملة بعضهم بعضا
[معاني: تفعل]
بذلك، كقول علي رضي الله تعالى عنه " تَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ ذَاتِهِ " (1) وقولهم: " بمعنى أفْعَلَ نحو تَخَاطأَ بمعنى أَخْطَأَ " مما لا جدْوَى له، لأنه إنما يقال هذا الباب بمعنى ذلك الباب إذا كان الباب المحال عليه مختصا بمعنى عام مضبوط بضابط فيتطفل الباب الآخر عليه في ذلك المعنى، أما إذا لم يكن كذا فلا فائدة فيه، وكذا في سائر الأبواب، كقولهم: تعاهد بمعنى تَعَهَّدَ، وغير ذلك كقولهم تَعَهَّدَ بمعنى تعاهد (2) قال: " وَتَفَعَّلَ لِمُطَاوَعَةِ فَعَّلَ نَحْوُ كسَّرْتُهُ فَتَكَسَّرَ، وَلِلتَّكَلُّفِ نَحْوُ تَشَجَّعَ وَتَحَلَّمَ، وَلِلاِتِّخَاذِ نَحْوُ تَوَسَّدَ، وَلِلتَّجَنُّبِ نَحْوُ تَأَثَّمَ وَتَحَرَّجَ، وَلِلْعَمَلِ الْمُتَكَرِّرِ في مُهْلَةٍ، نَحْوُ تَجَرَّعْتُهُ، وَمِنْهُ تَفَهَّمَ، وَبِمَعْنَى اسْتَفْعَلَ، نَحْوَ تَكَبَّرَ (وَتَعَظَّمَ) " أقول: قوله " لمطاوعة فَعَّلَ " يريد سواء كان فَعَّلَ للتكثير نحو قَطَّعْتُهُ فَتَقَطَّعَ، أو للنسبة نحو قيسته ونزرته وَتَمَّمْتُهُ: أي نسبته إلى قَيْس وَنِزار وتميم فتقيس وتنزر وَتَتَمَّمَ، او للتعدية نحو عَلَّمْتُهُ فَتَعَلَّمَ والأغلب في مطاوعة فَعَّلَ الذي للتكثير (3) هو الثلاثي الذي أصل فَعَّلَ، نحو عَلَّمْتُهُ فَعَلِمَ، وفَرَّحْتُهُ فَفَرِحَ، فقوله: " وللتكليف " هو من القسم الأول: أي مطاوع فَعَّلَ الذى هو
للنسبة تقديراً، وإن لم يثبت (1) استعماله لها، كأنه قيل: شَجَّعْتُهُ وَحَلَّمْتُهُ: أي نسبته إلى الشجاعة والحلم، فَتَشَجَّعَ وَتَحَلَّمَ: أي انتسب إليهما وتكلفهما وَتَفَعَّلَ الذي للاتخاذ مطاوعُ فَعَّلَ الذي هو لجعل الشئ ذا أصله، إذا كان أصله اسماً لا مصدراً، " فَتردَّى الثوبَ " مطاوعُ " رَدَّيْتُهُ الثوبَ ": أي جعلته ذا رداء، وكذا " تَوَسَّدَ الحجرَ ": أي صار ذا وِسادة هي الحجر مطاوعُ " وسَّدْته الحجر " فهو مطاوع فَعَّلَ المذكور المتعدي إلى مفعولين ثانيهما بيان لأصل الفعل، لأن الثوب بيان الرداء والحجر بيان الوسادة، فلا جرم يتعدى هذا المطاوع إلى مفعول واحد. وَتَفَعَّلَ الذي للتجنب مطاوعُ فَعَّلَ الذي للسلب تقديراً، وإن لم يثبت استعماله (1) كأنه قيل: أئمته وحرجتهه بمعنى جَنَّبْتُهُ عن الحَرَجِ والإثم وأزلتهما عنه كقَرَّدْته، فتأثم وتَحَرَّجَ: أي تجنب الإثم والحرج وَتَفَعَّلَ الذي للعمل المتكرر في مُهْلَةٍ مطاوعُ فَعَّلَ الذي للتكثير، نحو جَرَّعْتُكَ الماءَ فَتَجَرَّعْتَهُ: أي كثَّرْتُ لك جَرْعَ الماء (2) فتقبَّلْت ذلك التكثير وَفَوَّقْتُه اللَّبَنَ فَتَفَوَّقَهُ وَحَسَّيْتُهُ الْمَرَقَ فَتَحَسَّاه: أي كثَّرتُ له فيقه وهو
جنس الفِيقَةِ (1) : أي قدر اللبن المجتمع بين الحلبتين، وكثرت له حَسَاءه (2) قوله " ومنه تَفَهَّمَ " إنما قال " ومنه " لان معنى الفعل المتكرر في مُهْلَة ليس بظاهر فيه، لأن الفهم ليس بمحسوس كما في التجرع والتحسى، فَبَيَّنَ أنه منه، وهو من الأفعال الباطنة المتكررة في مهلة، هذا، والظاهر أن تَفَهَّمَ للتكلف في الْفَهْمِ كالتَّسَمُّعِ والتبصر قوله " وبمعنى استفعل " تفعل يكون بمعنى استفعل في معنيين مختصين باستفعل: احدهما الطلب، نحو تَنَجَّزْتُهُ: أي استنجزته: أي طلبت نجازه: أي حضوره والوفاء به، والآخر الاعتقاد في الشئ أنه على صفة أصلِهِ، نحو اسْتَعْظَمْتُهُ وتعظمته: أي اعتقدت فيه أنه عظيم، واستكبر وَتَكَبَّرَ: أي اعتقد في نفسه أنها كبيرة
والأغلب في تَفَعَّلَ معنى صيرورة الشئ ذا أصله كتأهل وتألم وتأكل وَتَأَسَّفَ وتَأَصَّلَ وتفكَّك وتألَّبَ: أي صار ذا أهل، وألم، وأكلْ: اي صار مأكولاً، وذا أسف، وذا أصل، وذَا فكَكٍ (1) وذا أَلْب (2) فيكون مطاوع فَعَّلَ الذي هو لجعل الشئ ذا أصله، إما حقيقة كما في أَلَّبْتُهُ فَتَأَلَّبَ وأصَّلْتُهُ فتأصل، وإما تقديراً كما في تأهل، إذ لم يستعمل أهَّل بمعنى جعل ذا أهل وقد يجئ تَفَعَّلَ مطاوعَ فَعَّلَ الذي معناه جعل الشئ نفس أصله، إما حقيقة أو تقديراً، نحو تَزَبَّبَ العنب، وتأجَّل الوحش (3) وَتَكَلَّلَ: أي صار إكليلاً (4) : أي محيطا
[معاني انفعل]
قال: " وَانْفَعَلَ لاَزِمٌ مُطَاوعُ فَعَلَ نَحْوُ كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ، وَقَدْ جَاءَ (مُطَاوعَ أَفْعَلَ نَحْوُ) أَسْفَقْتُهُ فأسفق وَأَزْعَجْتُهُ فَانْزَعَجَ، قَلِيلاً، وَيَخْتَصُّ بِالْعِلاَجِ وَالتَّأْثِيرِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ انْعَدَمَ خَطَأ " أقول: باب انفعل لا يكون إلا لازماً، وهو في الأغلب مطاوع فَعَلَ، بشرط أن يكون فَعَلَ عِلاجاً: في من الأفعال الظاهرة، لأن هذا الباب موضوع للمطاوعة، وهي قبول الأثر، وذلك فيما يظهر للعيون كالكسر والقطع والجذب أولى وأوفق، فلا يقال عِلِمْتُهُ فانعلم، ولا فَهِمْتُهُ فانفهم، وأما تَفَعَّلَ فإنه وإن وضع لمطاوعة فَعَّلَ كما ذكرنا، لكنه إنما جاز نحو فَهَّمْتُهُ فَتَفَهَّمَ وَعَلَّمْتُهُ فتعلم، لأن التكرير الذي فيه كأنه أظهره وأبرزه حتى صار كالمحسوس، وليس مطاوعة انفعل لِفَعَلَ مطردةً في كل ما هو علاج، فلا يقال: طردته فانطرد، بل طردته فذهب وقد يجئ مطاوعاً لأفْعَلَ نحو أزعجته فانزعج، وهو قليل، وأما انسفق فيجوز أن يكون مطاوع سَفَقْتُ البابَ: أي أوردته لان سفقت وأسفقت بمعنى قال: " وافْتَعَلَ لِلْمُطاوَعَةِ غَالِباً نَحوُ غَمَمْتُهُ فَاغْتَمَّ، وَللاِتِّخَاذِ نَحْوُ اشْتَوَى وَلِلتَّفَاعُلِ نَحْوُ اجْتَوَرُوا، ولِلتَّصَرُّفِ نَحْوُ اكْتَسَبَ ". أقول: قال سيبويه: الباب في المطاوعة انْفَعَلَ، وَافْتَعَلَ قليلٌ، نَحْو جَمَعْتُهُ فاجتمع، وَمَزَجْتُهُ فامتزج قلت: فلما لم يكن موضوعاً للمطاوعة كانفعل جاز مجيئه لها في غير العلاج، نحو غَمَمْتُهُ فَاغْتَمَّ ولا تقول فَانْغَمَّ (1) ويكثر إغناء افْتَعَلَ عن انْفَعَلَ في مطاعوة ما فاؤه لام أو راء أو واو أو نون
أو ميم، نحو لأََمْت الجرح، أي: أصلحته، فالتأم، ولا تقول انلام، وكذا رميت به فارتمى، ولا تقول انْرَمَى، ووصلته فاتَّصل، لا انوصل، ونفيته فانتفى انَّفَى، وجاء امتحى وامَّحى (1) ، وذلك لأن هذه الحروف مما تدغم النونُ الساكنة فيها، ونون انفعل علامة المطاوعة فكره طَمْسُها، وأما تاء افتعل في نحو ادكروا طلب فلما لم يختص بمعنى من المعاني كنون انفعل صارت كأنها ليست بعلامة، إذ حق العلامة الاختصاص قوله " وللاتخاذ " أي: لاتخاذك الشئ أصْلَهُ، وينبغي أن لا يكون ذلك الأصل مصدرأً، نحو اشْتَوَيْتُ اللحم: أي اتخذته شواء، وَاطَّبَخَ الشئ: أي جعله طبيخاً، واختبز (2) الخبز: أي جعله خُبْزاً، والظاهر أنه لاتخاذك الشئ أصله لنفسك، فاشتوى اللَّحْمَ: اي عمله شواه لنفسه، وامتطاه: أي جعله لنفسه مطية، وكذا اغْتَذَى وَارْتَشَى (3) واعْتَادَ قوله " وللتفاعل " نحو اعْتَوَرُوا: أي تناوبوا، واجتوروا: أي تجاوروا، ولهذا لم يُعَلَّ، لكونه بمعنى ما لا يعمل
[معاني: استفعل]
قوله " وللتصرف " أي: الاجتهاد والاضطراب في تحصيل أصل الفعل، فمعنى كَسَبَ اصاب، ومعنى اكتسب اجتهد في تحصيل الإصابة بأن زاول أسبابها، فلهذا قال الله تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ) أي: اجتهدت في الخير أوْ لاَ فإنه لا يضيع (وَعَلَيْهَا ما اكتسبت) أي: لا تؤاخذ إلا بما اجتهدت في تحصيله وبالغت فيه من المعاصي، وغير سيبويه لم يفرق بين كسب واكتسب وقد يجئ افْتَعَلَ لغير ما ذكرنا مما لا يضبط، نحو ارْتَجَلَ الخُطْبَةَ، ونحوه قال " وَاسْتَفْعَلَ لِلسُّؤَالِ غَالِباً: إِمَّا صَرِيحاً نَحْوُ اسْتَكْتَبْتُهُ، أَوْ تَقْدِيراً نَحْوُ اسْتَخْرَجْتُهُ، ولِلتَّحَوُّلِ نَحْوُ اسْتَحْجَرَ الطِّيْنُ، وَ * إنَّ الْبِغَاثَ بِأَرْضِنَا يَسْتَنْسِرُ * وقد يجئ بِمَعْنَى فَعَلَ نَحْوُ قَرَّ وَاسْتَقَرَّ " أقول: قوله " أو تقديراً نحو استخرجته " تقول: استخرجت الْوَتِدَ، ولا يمكن ههنا طلبٌ في الحقيقة، كما يمكن في " استخرجت زيداً " إلا أنه بمزاولة إخراجه والاجتهاد في تحريكه كأنه طلب منه أن يخرج، فقولك أخرجته لا دليل فيه على أنك أخرجته بمرة واحدة أو مع اجتهاد، بخلاف استخرج، وكذلك " استعجلت زيداً " أي: عجلته، فإذا كان بمعنى عَجَّلْتُ (1) فكأنه طلب العجلة من نفسه، ومن مجاز الطلب قولهم: اسْتَرْفَعَ الخوان، واسترم البناء، واسنرقع الثوب (2)
ويكون للتحول إلى الشى حقيقة، نحو اسْتَحْجَرَ الطين: أي طار حجرا حقيقية، أو مجازا: أي صار كالحجر في الصلابة، وَإِنَّ الْبِغَاثَ بأرضا يَسْتَنْسِرُ (1) أي: يصير كالنسر في القوة، والبغاث - مثيلث الفاء - ضعافُ الطير قوله " بمعنى فَعَلَ " نحو قر واستقر، ولابد في استقر من مبالغة ويجى أيضا كثيرا للاعتقاد في الشئ أنه على صفة أصله، نحو اسْتَكْرَمْتُهُ: أي اعتقدت فيه الكرم، وَاسْتَسْمَنْتُهُ: أي عددته ذا سِمَنٍ، واستعظمته: أي عددته ذا عَظَمة ويكون أيضاً للاتخاذ كما ذكرنا في افتعل، نحو استلام (2)
وقد يجئ لمعان أخر غير مضبوطة وأما افْعَلَّ فالأغلب كونه للَّوْن أو العيب الحسي اللازم (1) وافْعَالَّ في اللون والعيب الحسي العارض، وقد يكون الاول فيما اشتق منه، نحو اعْشَوْشَبَتِ الأرضُ: أي صارت ذات عُشْب (2) كثير، وكذا اغْدَوْدَنَ (3) النبت، وقد يكون متعدياً، نحو اعْرَوْرَيْتُ الفرسَ (4) وافْعَوَّلَ بناءٌ مرتجل ليس منقولاً من فعل (5) ثلاثي، وقد يكون متعدياً كاعْلَوَّطَ: أي علا، ولازماً كاجْلَوَّذَ واخْرَوَّطَ: أي أسرع (6) وكذا افعنلى مرتجل، نحو
[أبنية الرباعي]
اغرندى (1) ، وقد يجئ افعوعل كذلك، نحو إذ لولى: أي استتر (2) ، وكذا افْعَلّ وافْعَالّ يجيئان مرتجلين، نحو اقطر واقطار: اي أخذ في الجفاف وجميع الأبواب المذكورة يجئ متعدياً ولازماً، إلا انْفَعَلَ وافْعَلَّ وافعال واعلم أن المعاني المذكورة للأبواب المتقدمة هي الغالبة فيها، وما يمكن ضبطه، وقد يجئ كل واحد منها لمعان أخر كثيرة لا تضبط كما تكررت الاشارة إليه قال: " وللرباعي المجرد بناء واحد نَحْوُ دَحْرَجْتُهُ وَدَرْبَخَ، وَلِلْمَزِيدِ فِيهِ ثَلاَثَةٌ: تَدَحْرَجَ، وَاحْرَنْجَمَ، وَاقْشَعَرَّ، وَهِيَ لاَزِمَةٌ " أقول: دَرْبَخَ: أي خضع، وفعلل يجئ لازماً ومتعدياً، وَتَفَعْلَلَ مطاوع فعلل المتعدي كَتَفَعَّلَ لفعل، نحو دحرحته فتدحرج، واحر نجم في الرباعي كانْفَعَلَ في الثلاثي، واقْشَعَرَّ واطْمَأَنَّ من الْقُشَعْرِيرَة والطُّمَأْنِينَة، كاحْمَرَّ في الثلاثي، وافْعَنْلَلَ المحلق باحر نجم كاقعنس غير متعد مثل المحلق به، وكذا تَجَوْرَبَ وَتَشَيْطَنَ الملحقان بتدحرج، وكذا احر نبى المحلق باحر نجم، وقد جاء متعدياً في قوله: - 13 - إِنِّي أَرَى النّعَاسَ يَغْرَنْدَيني * * أَطْرُدُهُ عنى ويسر ندينى (3)
[الفعل المضارع وأبوابه]
وكأنه محذوف الجار: أي يغرندى علي، ويسرندى علي: أي يغلب ويتسلط واعلم أن المعاني المذكورة للابنية المذكورة ليس مختصة بمواضيها، لكنه إنما ذكرها في باب الماضي لأنه أصل الافعال قال: " المضارع بزيادة حرف المُضَارِعَةِ عَلَى المَاضِي، فَإِنْ كَانَ مُجَرَّداً عَلَى فَعَل كُسِرَتْ عَيْنُهُ أَوْ ضُمَّتْ أَوْ فُتِحَتْ إِنْ كانَ الْعَيْنُ أوِ اللاَّمُ حَرْفَ حَلْقٍ غَيْرَ واف، وَشَذَّ أبَى يَأْبَى، وَأَمَّا قَلَى يَقْلَى فَعَامِرِيَّةٌ (1) وركن
يَرْكَنُ مِنَ التَّدَاخُلِ (1) ، وَلَزِمُوا الضَّمَّ فِي الأَْجْوَفِ بالواو المنقوص بِهَا، وَالْكَسْرَ فِيهِما بِاليَاءِ، وَمَنْ قَالَ طَوَّحْتُ وَأَطْوَحُ وَتَوَّهْتُ وَأَتْوَهُ فَطَاحَ يَطِيحُ وَتَاهَ يَتِيهُ شاذٌ عِنْدَهُ أَوْ مِنَ التَّدَاخُلِ (2) ، وَلَمْ يَضُمُّوا في المثال، ووجد
يَجِدُ ضَعيفٌ، وَلَزِمُوا الضَّمَّ في الْمُضَاعَفِ الْمُتَعَدِّي نَحْوُ يَشُدُّهُ وَيَمُدُّةُ (1) وجاء في الْكَسْرُ في يَشِدُّهُ وَيَعِلُّهُ (2) وَيَنِمُّهُ وَيَبِتُّهُ، وَلَزِمُوهُ في حَبَّهُ يَحِبُّهُ وهو قليل (3) "
أقول: اعلم أن أهل التصريف قالوا: إن فعلَ يفعَل - بفتح العين فيهما - فرع على فَعَل يفعل أو يفعُل - بضمها أو كسرها في المضارع -، وذلك لأنهم لما رأوا هذا الفتح لا يجئ إلا مع حرف الحلق، ووجدوا في حرف الحلق معنىً مقتضياً لفتح عين مضارع الماضي المفتوح عينه، كما يجئ، غلب على ظنهم أنها علة له، ولما لم يثبت هذا الفتح إلا مع حرف الحلق غلب على ظنهم أنه لا مقتضِيَ له غيرها، إذ لو كان لثبت الفتح بدون حرف الحلق، فغلب على ظنهم أن الفتح ليس شيئاً مطلقاً غير معلل بشئ، كالكسر والضم، إذ لو كان كذلك لجاء مطلقاً بلا حرف حلق أيضا كما يجئ الضم والكسر، وقَوَّى هذا الظن نحو قولهم وَهَبَ يَهَبُ وَوَضَعَ يَضَعُ وَوَقَعَ يَقَعُ، لأنه تمد لهم أن الواو لا تحذف إلا في المضارع المكسور العين، فحكموا أن كل فتح في عين مضارع فعَل المفتوح العين لأجل حرف الحلق، ولولاها لكانت إما مكسورة أو مضمومة فقالوا: قياس مضارع فَعَل المفتوح عينه إما الضم أو الكسر، وتعدَّى بعض النحاة - وهو أبو زيد - هذا، وقال: كلاهما قياس، وليس أحدهما أولى به من الآخر، إلا أنه ربما يكثير أحدهما في عادة ألفاظ الناس حتى يُطْرَح الاخر
ويقبح استعماله، فإن عَرِف الاستعمال فذاك، وإلا اسْتُعْمِلا معاً، وليس على المستعمل شئ، وقال بعضهم: بل القياس الكسر، لأنه أكثر، وأيضاً هو أخف من الضم وبعد، فاعلم أنهم استعملوا اللغتين في ألفاظ كثيرة كعرَش يعرُِشُ، ونفرَ ينفُِرُ، وشتَمَ يَشْتُِمُ، ونَسَلَ يَنْسُِلُ، وعَلُِفَ يعلِفُ، وفَسقَ يفسَِقُ، وحسدَ يَحسُِدُ ويلمُِزِ، ويعتُِلِ، وَيَطمُِثُ، ويقتُِرُ، وغير ذلك مما يطول ذكره وفي الأفعال ما يلزم مضارعه في الاستعمال إما الضم وإما الكسر، وذلك إما سماعي أو قياسي، فالسماعي الضم في قتَل يَقْتُلُ، ونصرَ يَنْصُرُ، وخرجَ يخرُجُ، مما يكثر، والكسر في ضَرَب يضرِبُ، ويعتِب (1) ، وغير ذلك مما لا يحصى، والقياسي كلزوم الضم في الأجوف والناقص الواويين، والكسر فيهما يائيين وفي المثال اليائى (2) كما يجئ، ومن القاسي الضم في باب الغلبة، كما مر. ثم نقول: إنما ناسب حرف الحلق - عينا كان أولاما - أن يكون عين المضارع معها مفتوحاً لأن الحركة في الحقيقة بعض حروف المد بعد الحرف المتحرك بلا فصل، فمعنى فتح الحرف الاتيان ببعض الالف عقيبها، وضمها الاتيان ببعض الواو عقيبها، وكسْرِها الإتيان ببعض الياء بعدها، ومن شدَّة تعقُّب أبعاض هذه الحروف الحرف
المتحرك التبس الأمر على بعض الناس فظنوا أن الحركة على الحرف، وبعضهم تجاوز ذلك وقال: هي قبل الحرف، وكلاهما وهم، وإذا تأملت أحسست بكونها بعده، ألا ترى أنك لا تجد فرقاً في المسموع بين قولك الْغَزْوْ - بإسكان الزاي والواو - وبين قولك الْغَزُ - بحذف الواو وضم الزاي - وكذا قولك الرَّمْيْ - بإسكان الميم والياء - وَالرَّمِ - بحذف الياء وكسر الميم - وذلك لأنك إذا أسكنت حرف العلة بلا مد ولا اعتماد عليه صار بعض ذلك الحرف فيكون عين الحركة إذ هي أيضاً بعض الحرف، كما قلنا، ثم إن حروف الحلق سافلة في الحلق يتعسر النطق بها، فأرادوا أن يكون قبلها إن كانت لاماً الفتحة التي هي جزء الألف التي هي أخف الحروف، فتعدل خفها ثقلها، وأيضاً فالألف من حروف الحلق أيضاً فيكون قبلها جزء من حرف من حَيِّزها، وكذا أرادوا أن يكون بعد حرف الحلق بلا فصل إن كانت عينان الفتحة الجامعد للوصفين، فجعلوا الفتحة قبل الحلقي إن كان لاماً، وبعده إن كان عيناً، ليسهل النطق بحروف الحلق الصعبة، ولم يفعلوا ذلك إذا كان الفاء حلقياً: إما لأن الفاء في المضارع ساكنة فهى ضعيفة بالسكون (ميتة) ، وإما لأن فتحة العين إذن تبعد من الفاء، لأن الفتحة تكون بعد العين التي بعد الفاء، وليس تغيير حرف الحلق من الضم أو الكسر إلى الفتح بِضَرْبَةِ لاَزِبٍ، بل هو أمر استحساني، فلذلك جاء بَرَأَ يَبْرُؤُ (1) ، وَهَنَأَ يَهْنِئُ، وغير ذلك، وهي لا تؤثر في فتح ما يلزمه وزن واحد
مطرد، فلذلك لا تفتح عين مضارع فعُل يفعُل - بضم العين - نحو وضؤ (1) يوضؤ، ولا في ذوات الزوائد مبنية للفاعل أو للمفعول، نحو أَبْرَأَ يبرئ (2) ، واستبرأ يستبرئ (3) وَأُبْرَئَ وَاسْتُبْرِئَ، وذلك لكراهتهم خَرمَ قاعدة مُمَهَّدة، وإنما جاز في مضارع فعل لانه لم يلزم هذا المضارع ضم أو كسر، بل كان يجئ تارة مضموم العين، وتارة مكسورها، فلم يستنكر أيضا أن يجئ شئ منه يخالفهما، وهو الفتح، ولما جاء في مضارع فَعِلَ - بالكسر - مع يفعِل - بالكسر - يفعَل - بالفتح - وهو الاكثر، كما يجئ، جَوَّزوا تغيير بعض المكسور إلى الفتح لأجل حرف الحلق، وذلك في حرفين وَسِعَ يَسَع (4) وَوَطِئَ يطأ، دون ورع يرع يَلِهُ وَوَهِلَ يَهِلُ وَوَغِرَ يَغِرُ وَوَحِرَ يَحِرُ (5) ، وإيما
لم يغير ماضي فَعُلَ يَفْعُلُ، نحو وَضُؤَ يَوْضُؤ، لأنه لو فتح لم يعرف بضم المضارع أن ماضيه كان في الأصل مضموم العين، لأن ماضي مضموم العين يكون مضموم العين ومفتوحها، وكلاهما أصل، بخلاف مضارع فَعَل، فإن الفتح في عين الماضي يرشد إلى أن عين المضارع إما مكسورة أو مضمومة، كما تَقَرَّرَ قبل، فيعلم بفتح عين الماضي فرعية فتح عين المضارع، واما فتحة عين يَسَع ويَطَأ فلا يلتبس بالأصلية في نحو يَحْمَد ويَرهَب، وإن كان فتح عين مضارع فَعِلَ - بكسرها - أكثر من الكسر، لأن سقوط الواو فيهما يرشد إلى كونهما فرعا للكسرة، وإنما لم تغير لحرف الحلق عين فَعِل المكسور العين إلى الفتح نحو سَئِمَ، لأن يَفْعَلُ في مضارع فعل المفتوح العين فرع كما ذكرنا، وفَعُلَ المضموم العين لا يجئ مضارعه مفتوحها، فماضي يَفْعَل المفتوح العين إذن يكون مكسورها مطرداً، وقد ذكرنا أن كل ما اطرد فيه غير الفتح لا يُغَيَّر ذلك كراهةً لخرم القاعدة كما في أُبرئ وَيَسْتَبْرئُ، وأيضاً كان يلتبس بفَعَل يَفْعَل المفتوح الماضي المغير مضارعه لحرف الحلق
ثم إن الحروف التي من مخرج الواو، كالباء والميم، من ضَرَبَ يَضْرِبُ وصَبَرَ يَصْبِرُ ونَسَم (1) يَنْسِمُ وحَمَلَ يَحْمِلُ، لا تُغيِّر كسر العين إلى الضم الذي هو من مخرج الواو، وكذا الحروف التي من مخرج الياء، كالجيم والشين، في شَجَبَ يَشْجُب وَمَجَنَ يَمْجُنُ وَمَشَقَ (2) يَمْشُق، لا تُحَوَّل ضم العين إلى الكسر الذي هو من مخرج الياء، كما فعل حرف الحلق بالضمة والكسرة، على ما تقدم، لأن موضعي الواو والياء بمنزلة حيز واحد، لتقارب ما بينهما واجتماعهما في الارتفاع عن الحلق، فكأن الحروف المرتفعة كلها من حيز واحد، بخلاف المُسْتَفِلة - أي: الحلقية - وأيضاً فتحنا هناك لتعديل ثقل الحلقية بخفة الفتحة
قوله " غير ألف " أي: أن فعل يفعل المفتوح عيهما لا يجئ بكون العين ألفاً، نحو: قال يَقَال، مثلاً، أو يكون اللام ألفاً، نحو: رَمَى يَرْمَى، لأن الألف لا يكون في موضع عين يَفْعَل ولا لامه إلا بعد كون العين مفتوحة، كما في يَهَاب وَيَرْضَى، فإذا كانت الفتحة ثابتة قبل الألف وهي سبب حصول الألف فكيف يكون الألف سبب حصول الفتحة؟ ! ! " وشذ أبى يأبى " قال بعضهم: إنما ذلك لأن الألف حلقية، وليس بشئ لما ذكرنا أن الفتحة سبب الألف فكيف يكون الألف سببها؟ قال سيبويه: " ولا نعلم إلا هذا (1) الحرف "، وذكر أبو عبيدة جَبَوْتُ الخراج (2) أجبى،
وَأَجْبُو هو المشهور، وحكى سيبويه أيضاً قَلَى يَقْلَى، والمشهورُ يَقْلِي بالكسر، وحكى هو وأبو عبيدة عضضت تعض، والمشهور عضضت بالكسر، وحكى غيرُ سيبويه رَكَنَ يَرْكَنُ وزَكَنَ يَزْكَنُ، من الزَّكَن (1) ، وزَكِنَ بالكسر أشهرُ، وحكى أيضاً غَسَا الليلُ - أي: أظلم - يَغْسَى، وشَجَا يَشْجَى، وعَثا (2) يَعْثَى، وسَلاَ يَسْلاَ، وقَنَط يَقْنَط، ويجوز أن يكون غسَا وَشَجَا وَعَثَا وسَلاَ طائيةً كما في قوله: - * ... بُنَتْ عَلَى الكريم (3) *
لأنه جاء عَثِيَ يَعْثَى وَغَسِيَ يَغْسَى وَشَجِيَ يَشْجَى وَسَلِيَ يَسْلَى وأما قلى فلغة ضعيفة عامرية، والمشهور كسر مضارعه، وحكى بعضهم قَلِيَ يَقْلَى - كتعب يتعب - فيمكن أن يكون متداخلاً، وأن يكون طائياً، لأنهم يجوزون قلب الياء ألفاً في كل ما آخره ياء مفتوحة فتحةً غير إعرابية مكسورٌ ما قبلها، نحو بَقَى في بَقِيَ، وَدُعَى في دُعِيَ، ونَاصَاة في ناصِيَةٍ (1) واما زَكَّنَ يَزْكَنُ بالزاي إن ثبت فشاذَّ، وكذا ما قرأ الحسن: (وَيَهْلَكَ الْحَرْثُ) بفتح اللام، وَرَكَنَ يَرْكَنُ كما حكاه أبو عمرو من التداخل، وذلك لأن رَكَنَ يَرْكُنُ - بالفتح في الماضي والضم في المضارع - لغة مشهورة، وقد حكى أبو زيد عن قوم رَكِنَ بالكسر يَرْكَنُ بالفتح، فركب من اللغتين رَكَنَ يَرْكَنُ بفتحهما، وكذا قال الاخفش في قَنَطَ يَقْنط لأن قَنَطَ يقنط كيقعد ويجلس مشهوران، وحكى قَنِطَ يَقْنَط كتعب يتعب قوله " ولزموا الضم في الأجوف بالواو والمنقوص بها "، إنما لزموا الضم فيما ذكر حرصاً على بيان كون الفعل واوياً، لا يائياً، إذ لو قالوا في قال وغزا: يَقُوِلُ ويَغزِوُ، لوجب قلب واو المضارعين ياء لما مر من أن بيان البنية عندهم أهم من الفرق بين الواوي واليائي، فكان يلتبس إذن الواويُّ باليائي في الماضي والمضارع ولهذا بعينه التزموا الكسر في الاجوف والناقص اليائيين، إذ لو قالوا في بَاعَ ورمى:
يبيع ويرمى لوجب قلب الياء واواً لبيان البنية، فكان يلتبس بالواويّ اليائيُّ في الماضي والمضارع فإن قلت: أليس الضمة في قُلْتُ والواو في غَزَوْت وغَزَوَا والكسرة في بِعْتُ والياء في رَمَيْتُ وَرَمَيَا تَفْرِقان في الماضي بين الواوي واليائي؟ ؟ قلت: ذلك في حال التركيب، ونحن نريد الفرق بينهما حال الإفراد فإن قلت: أليس يَلْتَبِسَان في الماضي والمضارع في خَافَ يَخَاف من الخوف وهَابَ يَهَابُ من الْهَيْبَةِ وشَقِيَ يَشْقَى من الشقاوة وَروِي يَرْوَى؟ ؟ قلت: بلى، ولكنهم لم يضمؤا في واويِّ هذا الباب ولم يكسروا في يائيِّه، لأن فَعِل المسكور العين اطرد في الأغلب فتحُ عين مضارعه، ولم ينكسر إلا في لغات قليلة كما يجئ، فلم يقلبه حرفُ العلة عن حاله، بخلاف فَعَلَ بالفتح فإن مضارعه يجئ مضموم العين ومكسورها، فأثر فيه حرف العلة بإلزام عينه حركة يناسبها ذلك الحرف، وهذا كما تقدم من أن حرف الحلق لم يغير كسرة يُنْبئ ويستنبئ لما اطرد فيهما الكسر فأما إن كان لام الأجوف اليائي أو عين الناقص اليائي - حلقياً، نحو شاء يشاء وشاخ يَشِيخُ وَسَعَى يسعى وَبَغَى يَبْغى فلم يلزم كسر عين المضارع فيهِ كما لزم في الصحيح كما رأيت، وكذا إن كان عينُ الناقص الواويِّ حلقيًّا نحو شَأَى يَشْأَى - أي: سبق - ورَغا يرْغُو (1) لم يلزم ضمُّ عين مضارعه كما لزم في الصحيح على ما رأيت، وذلك لأن مراعاة التناسب في نفس الكلمة بفتح العين للحلقي، كما ذكرنا، مساويةٌ للاحتراز من التباس الواوي باليائي، وما عَرَفْتُ أجوفَ واويًّا حلقي اللام من (باب) فَعَلَ يَفْعَلُ بفتحهما، بل الضمُّ في عين المضارع لازم، نحو نَاءَ يَنُوءُ ونَاحَ يَنُوحُ
ولنا أن نعلل لزوم الضم في عين مضارع نحو قَالَ وَغَزَا، ولزومَ الكسر في عين مضارع نحو باع ورَمَى، بأنه لما ثبت الفرق بين الواوي واليائي في مواضي هذه الأفعال أتبعوا المضارعات إياها في ذلك، وذلك أن ضم قلت وكسر فاء بِعْتُ للتنبيه على الواو والياء، ونحو دَعَوْتُ ودَعَوَا يدل على كون اللام واواً، ونحو رَمَيْتُ وَرَمَيَا يدل على كونها ياء، وأما نحو خِفْتَ تَخَاف وَهِبْتَ تهاب وشَقِيَ يشقى ورَوِي يَرْوَى وطاح يَطِيح عند الخليل (1) فإن أصله عنده طَوِحَ يَطْوِح كحَسِبَ يَحْسِبُ فلما لم يثبت في مواضي هذه الأفعال فرقٌ بين الواوي وَاليائي في موضع من المواضع لم يفرق في مضارعاتها قوله " ومن قال طَوَّحْت وأطْوَح وتَوَّهْت وأَتْوَه " اعلم أنهم قالوا: طوحت - أي: أذهب وحيرت - وطَيَّحْت بمعناه، وكذا تَوَّهْت وتيَّهْت بمعناهما، وهو أطوح منك وأطيح، وأتوه وأتيه، فمن قال طَيَّح وتَيَّه فطاح يطيح وتاه يتيه عنده قياس كباع يبيع، ومن قال طَوَّحَ وأطْوَح منك وتَوَّه وأتْوَه منك فالصحيح كما حكى سيبويه عن الخليل أنهما من باب حَسِبَ يَحْسِبُ فلا يكونان أيضاً شاذين ومثله آن يَئِينُ من الأوان: أي حان يحين (2) ، ولو كان طاح فَعَلَ واوياً كقال
لوجب أن يقال: طُحْتُ - بضم الطاء - وَيَطُوح، ولم يسمعا، وكذا لم يسمع تُهْتُ ويَتُوه، وقال المصنف " من قال طَوَّح وَتَوَّه فطاح يطيح وتاه يتيه شاذان " بناء على أن الماضي فعل بفتح العين، ووجه الشذوذ فيه أن الأجوف الواوي من باب فعل المفتوح العين لا يكون مضارعه إلا مضمومها وفي بعض نسخ هذا الكتاب " أو من التداخل " وكأنه ملحق وليس من المصنف، وإنما وهم من ألحقه نظراً إلى ما في الصحاح أنه يقال: طَاحَ يَطُوحُ، فيكون اخْذُهُ من طَاحَ يَطُوح الواوي الماضيَ، ومن طاح يطيح اليائي المضارعَ فصار طاح يطيح، والدى ذكره الجوهري من يَطُوح ليس بمسموع (1) ، ولو ثبت طاح يطوح لم يكن طاح يطيح مركباً (2) ، بل كان يطوح كقال يقول وطاح يطيح كباع يبيع، وليس ما قال المصنف من الشذوذ بشئ، إذ لو كان
طاح كقال لقيل طُحْتُ كقلت بضم الفاء، ولم يُسْمَع، والأولى أن لا تحمل الكلمة على الشذوذ ما أمكن قوله " ولم يضُمُّوا في المثال " يعني معتل الفاء الواوي واليائي، فلم يقولوا وَعَدَ يَوْعُد ويَسَرَ يَيْسُرُ، لأن قياس عين مضارع فَعَلَ المفتوح العين على ما تقدم إما الكسر أو الضم، فتركوا الضم استثقالاً لياء يليها أو واو بعدها ضمة، إذ فيه اجتماع الثقلاء، ألا ترى إلى تخفيف بعضهم واو يَوْجَل وياء يَيْأَس بقلبهما ألفاً نحو يَاجَلُ ويَاءَسُ، وإن كان بعدهما فتحة وهي أخف الحركات، فكيف إذا كانت بعدهما ضمة؟ فإن قلت: أو ليس ما فَرُّوا إليه أيضاً ثقيلاً، بدليل حذف الواو (نحو) يَعِدُ وجوباً وحذفِ ياء (نحو) يَيْسِر عند بعضهم، كما يجئ في الإعلال؟ قلت: بلى، ولكن وَيْلٌ أهْوَنُ من ويلين فإن قلت: فإذا كان منتهى أمرهم إلى الحذف للاستخفاف، فهلا بَنَوْا بعضه على يَفْعُل أيضاً بالضم وحذفوا حرف العلة حتى تخف الكلمة كما فعلوا ذلك بالمكسور العين؟ قلت: الحكمةُ تقتضي إذا لم يكن بد من الثقيل أو أثقل منه أن تختار الثقيل على الأثقل، ثم تخفف الثقيل، لا أن تأخذ الأثقل أولاً وتخففه فإن قلت: أو ليس قد قالوا: يَسُرَ يَيْسُرُ (1) من اليُسْر وَوَسُمَ يَوْسُم؟ قلت: إنما بَنَوْهما على هذا الأثقل إذْ لم يكن لفعل المضموم مضارع
إلا مضموم العين، فكرهوا مخالفة المعتل الفاء لغيره بكسر عنى مضارعة، بخلاف فعل مفتوح العين، فإن قياس مضارعه إما كسر العين أو ضمها على ما تكرر الإشارة إليه، فأثر فيه حرف العلة بإلزام عين مضارعه الكسر. فإن قلت: فلما ألجئوا في فَعُلَ المضموم العين إلى هذا الاءثقل فهو خففوه بحذف الفاء؟ قلت: تطبيا للفظه بالمعنى، وذلك أن معنى فَعُلَ الغريزة الثابتة والطبيعة اللازمة، فلم يغيروا اللفظ أيضاً عن حاله لما كان مستحقُّ التغيير بالحذف فاء الكلمة وهي بعيدة عن موضع التغيير، إذ حق التغيير في آخر الكلمة أو فميا يجاور الآخر، فلذلك غُير في طَالَ يَطُولُ وَسَرُو يَسْرُو (1) ، وإن كانا من باب فعل أيضاً، وأما وَهَبَ يَهَبُ وَوَضَعَ يَضَعُ وَوَقَعَ يَقَعُ وَوَلَغَ يَلَغ فالأصل (2) فيها كسر عين المضارع، وكذا وَسِعَ يَسَعَ وَوَطِئَ يطأ، فحذف الواو، ثم فتح العين لحرف الْحَلْقِ، وكذا وَدَعَ - أي ترك - يدع والماضي لا يستعمل إلا ضرورة (3) ، قال: -
15 - ليت شعري عن خليلي من الَّذِي * غَالَهُ في الْحُبِّ حَتَّى وَدَعَهْ (1) وحمل يَذَرُ على يَدَعُ لكونه بمعناه (2) ، ولم يستعمل ماضيه لا في السعة ولا في الضرورة
فإن قيل: فهلا حذفت الواو من يوعه أوْعَدَ مع أن الضمة أثقل قلت: بل الضمة قبل الواو أخف من الفتحة قبلها للمجانسة التي بينهما وإنما لم تحذف الياء من نحو ييئس إذ هو أخف من الواو، على أن بعض العرب يُجْرِي الياء مجرى الواو في الحذف، وهو قليل، فيقول: يَسَرَ يَسِرُ وَيَئِسَ يئس بحذب الياء قوله " ووَجَدَ يَجُدُ ضعيف " هي لغة بني عامر، قال لُبيدُ بن ربيعة العامريِّ: - 16 - لَوْ شئت قد نقع الفؤاد بشربة * تدع الصوادي لا يجدن غليلا (1)
يجوز أن يكون أيضاً في الأصل عندهم مكسور العين كأخواته، ثم ضم بعد
حذف الواو، ويجوز أن يكون ضمُّه أصلياً حذف منه الواو لكون الكلمة بالضمة بعد الواو أثقل منها بالكسرة بعدها قوله " ولزموا الضم في المضاعف المتعدي " نحو مَدَّ يَمُدُّ، ورَدَّ يَرُدُّ، إلا أحرفا جاءت على يَفْعِلُ أيضاً، حكى المبرد عَلَّهُ يَعِله وهَرَّه يَهُِرُّهُ: أي كرهه، وروى غيره نَمَّ الحديث يَنِمُّه، وَبَتَّهُ يَبِتُّهُ، وشَدَّهُ يَشُِدُّهُ: وجاء في بعض اللغات: حَبَّهُ يَحِبُّه، ولم يجئ في مضارعه الضم وما كان لازماً فإنه يأتي على يَفْعِل بالكسر، نحو عَفَّ يَعِفُّ، وكَلَّ يَكِلُّ - إلا ما شذَّ من عّضَضْتَ تَعَضُّ على ما ذكرنا، وحكى يونس أنهم قالوا: كَعَعْتَ - أي: جبنت - تَكَعُّ بالفتح فيهما (1) وتَكِعُّ بالكسر أشهر، فمن فتح فلأجل حرف الحلق، قال سيبيويه: لما كان العين في الأغلب ساكناً بالإدغام لم يؤثر فيه حرف الحلق كما أثر في صَنَعَ يَصْنَع. ومن فَتَحَ فلأنها قد تتحرك في لغة أهل الحجاز، نحو: لَمْ يَكْعَعْ وفي يَكْعَعْنَ اتفاقاً كيَصْنَعُ ويصنعن قال: " وَأِنْ كَانَ عَلَى فَعِل فُتِحَتْ عَيْنُهُ أوْ كُسِرَتْ إنْ كَانَ مِثَالاً، وَطَيِّئٌ تَقُولُ في باب بَقَى يَبْقَى، وَأَمَّا فَضِلَ يَفْضُلُ وَنَعِمَ يَنْعُمُ فمن التداخل "
أقول: اعلم أن القياس في مضارع فَعِلَ المكسور العين (1) فَتْحُهَا، وجاءت أربعة أفعال من غير المثال الواوي، يجوز فيها الفتح والكسر، والفتح أقيس، وهي حَسِبَ يَحْسَِبُ، ونَعِمَ يَنْعِمُ، ويَئِسَ يَيْئَِسُ، ويَبِسَ يَيْبَِسُ، وقد جاءت أفعال من المثال الواوي لم يرد في مضارعها الفتح، وهي وَرِثَ يرث، ووثيق يَثِقُ، وَوَمِقَ يَمِقُ، وَوَفِقَ يَفِقُ، ووَرِمَ يَرِمُ، وَوَلِيَ يَلِي، وجاء كلمتان رُوِي في مضارعهما الفتح، وهما: وَرَي الزَّند يَرِي، وَوَبِقَ يَبِقُ، وإنما بَنَوْا هذه الأفعال على الكسر ليحصل فيها علة حذف الواو فتسقط، فتخفّ الكلمة، وجاء وَحِر صدره من الغضب، ووغر بمعناه، يَحِر ويَغِر، وَيوْحَر
ويَوْغَر أكثر، وجاء وَرِع يَرِع بالكسر على الأكثر، وجاء يَوْرَع، وجاء وَسِعَ يَسَع وَوَطِئ يَطَأَ، والأصل الكسر بدليل حذف الواو لكنهم ألزموهما بعد حذف الواو فتح عين المضارع، وقالوا: جاء وَهِمْتُ أهِمُ، والظاهِر أن أهم مضارع وَهَمْتُ - بفتح العين - ومضارع وهمت بالكسر أو هم بالفتح، ويجوز أن يكون وَهِمْتُ أهِمُ - بكسرهما - من التداخل، وجاء آن يَئِين من الأوان، وطاح يطيح، وتاه يتيه، كما ذكرنا، وجاءَ وَلِهَ يَلِهُ، وَيَوْلَه أكثر، قالوا: وجاء وَعِمَ يَعِمُ، بمعنى نعم يَنْعَم، ومنه عِمْ صَبَاحاً، وقيل: هو من انْعِمْ بحذف النون تشبيهاً بالواو، فقوله " أَو كسرت إن كان مثالاً " أي: مثالاً واوياً، وليس الكسر بمطرد في كل مثال واوي أيضاً، فما كان ينبغي له هذا الإطلاق، بل ذلك محصور فيما ذكرناه. قوله " وطئ تقول في باب بَقِيَ يَبْقَى " مضى شرحه قوله " وأما فضل يفضل ونعم ينعم فمن التداخل " المشهورُ فَضَل يَفْضَل، كدخل يدخل، وحكى ابن السكيت فَضِلَ يَفْضَل، كحَذِرَ يَحْذَر، ففَضِلَ يَفْضُل يكون مركبا منها، وكذا نَعِمَ يَنْعُم مركب من نَعِمَ ينْعَمُ كحَذِرَ يَحْذَرُ وهو المشهور، ونَعُمَ يَنْعُم كظرف يظرف، وحكى أبو زيد حَضِرَ يَحْضُر، والمشهور حَضَرَ بالفتح وجاء حرفان (1) من المعتل: دِمْتَ تَدُوم ومِتَّ تَمُوت - بكسر الدال والميم في الماضي - والمشهور ضمهما كقُلْت تقول، وهما مركبان، إذ جاء دِمْتَ تَدَام ومِتَّ تَمَات، كخفت تخاف، قال: -
17 - بنيتي سيدة البنات * عيشي ولأ نَأْمَنُ أن تَمَاتِي (1) وحكى أبو عبيدة نَكِلَ يَنْكُل، وأنكره الأصمعي، والمشهور (2) نكل يَنْكُلُ، كقتل يقتل، وحُكِيَ نَجِدَ يَنْجُد (3) : أي عرق، ونَجِدَ يَنْجَد كحذر يحذر هو المشهور قال: " وأن كان على فعل ضمت "
أقول: اعلم أن ضم عين مضارع فَعُل المضموم العين قياسٌ لا ينكسر، إلا في كلمة واحدة، وهي كُدْتَ بالضم تَكَاد، وهو شاذ، والمشهور كدت تكاد خفت تَخَافُ، فإن كَانَ كُدْتَ بالضم كَقُلْتَ فهو شاذ (1) أيضاً، لأن فعل يفعل بفتحهما لابد أن يكون حلقيَّ العين أو اللام قال: " وإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ كُسِرَ مَا قَبْلَ الآخِرِ، مَا لَمْ يَكُنْ أَوَّلُ مَاضِيهِ تَاءً زَائِدَةً نَحْوُ تَعَلَّمَ وَتَجَاهَلَ فَلاَ يُغَيَّر، أَوْ لَمْ تَكُنْ الَّلامُ مكررة،
نحو احمر واحمار فيدعم، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ أَصْلُ مَضَارِع أَفْعَلَ يُؤَفْعِلُ إلا أَنَّهً رُفِضَ لما يَلْزَمُ مِنْ تَوَالِي الْهَمْزَتَيْنِ في الْمُتَكَلِّمِ فَخُفَّفَ في الْجَمِيع، وَقَوْلُهُ: 18 - * قوله أهل لان يؤ كرما * شَاذٌّ، وَالأَْمْرُ واسْمُ الْفَاعِلِ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ وَأَفْعَلُ التفضيل تقدمت "
أقول: يعني وإن كان الماضي غيرَ الثلاثيّ المجرد كَسِرَ ما قبل الآخر، في غير ما أوله التاء، لأنه يتغير أوله فيه، سواء كان رباعيًّا، أو ثلاثيًّا مزيداً فيه، أو رباعيًّا كذلك، نحو دحرج يدحرج، وانكسر ينكسر، واحرنجم يحر نجم، وإنما كسر ما قبل الآخر في غير ما في أوله التاء لأنه يتغيَّر أوله في المضارع عما كان عليه في الماضي: إما بسقوط همزة الوصل فيما كانت فيه، وإما بضم الأول، وذلك في الرباعي نحو يُدَحْرِجُ (ويُدخل) ويُقاتل ويُقَطّع، والتغيير مُجَرّئ على التغيير، وأما ما فيه تاء فلم يتغير أوله إلا بزيادة علامة المضارعة التي لا بدَّ منها قوله " أو لم تكن اللام مكررة " كان أولى أن يقول: أو تكن اللام مدغمة، لأن نحو يَسْحَنْكِكُ مكر اللام ولم يدغم (1) قوله " ومن ثم " إشارة إلى قوله قبلُ: " المضارع بزيادة حرف المضارعة على الماضي " وقد مرّ في شرح الكافية (2) في باب المضارع ما يتعلق بهذا الموضع
واعلم أن جميع العرب، إلا أهل الحجاز، يُجَوِّزُونَ كسر حرف المضارعة سوى الياء في الثلاثي المبني للفاعل، إذا كان الماضي على فِعل بكسر العين، فيقولون: أنا إعْلَم ونحن نِعْلَم وأنت تِعْلَم، وكذا في المثال والأجوف والناقص والمضاعف، نحو إيجل وإدخال وَإِشْقَى وَإِعَضّ، والكسرة في همزة إخال وحده أكثر وأفصح من الفتح، وإنما كسرت حروف المضارعة تنبيهاً على كسر عين الماضي، ولم يكسر الفاء لهذا المعنى، لأن أصله في المضارع السكون، ولم يكسر العين لئلا يلتبس يفعل المفتوح بيفعل المسكور، فلم يبق إلا كسر حروف المضارعة، ولم يكسر والياء استثقالاً، إلا إذا كان الفاء واواً، نحو ييجل، لاستثقالهم الواو والتي بعد الياء المفتوحة وكرهوا قلب الواو ياء من غير كسرة قبلها، فأجازوا الكسر مع الواو في الياء أيضاً لتخف الكلمة بانقلاب الواو ياء، فأما إذا لم يكسر والياء فبعض العرب يقلب الواو ياء، نحو ييجل، وبعضهم يقلبه ألفاً لأنه إذا كان القلب بلا علة ظاهرة فإلى الألف التي هي الأخف أولى، فكسر الياء لينقلب الواو ياء، لغةُ جميع العرب إلا الحجازيين، وقلبها ياء بلا كسر الياء وقلبها ألفاً لغةُ بعضهم في كل مثال واوي، وهي قليلة. وجيع العرب إلا أهل الحجاز اتفقوا على جواز كسر حرف المضارعة في أبى، ياء كان أو غيره، لان كسر أوله شاذ، إذ هو حق ما عين ماضيه مكسور، وأبي مفتوح العين، فجر أهم الشذوذ على شذوذ آخر وهو كسر الياء (1) ، وأيضا فان
الهمزة الثقيلة يجوز انقلابها مع كسر ما قبلها ياء فيصير يِيبَى كيِيْجَل (1) وإنما ارتكبوا الشذوذ في جواز كسر أول تَأبَى وَنَأبَى وَآبَى لأن حق ماضيه الكسر لما كان المضارع مفتوح العين، فكأن عين ماضيه مكسور، ولا يمتنع أن يقال: إن أصل ماضيه كان كسر العين لكنه اتفق فيه جميع العرب على لغة طيِّئ في فتحه، ثم جُوِّز كسر حروف المضارعة دلالة على أصل أبَى وكذا كسروا حروف المضارعة مع الياء في حَبَّ فقالوا: إِحِبُّ نِحِبُّ يِحِبُّ تِحِبُّ، وذلك لأن حَبَّ يَحِبُّ كَعَزَّ يَعِزُّ شاذ قليل الاستعمال، والمشهور أحَبَّ يُحِبُّ، وهو أيضاً شاذ من حيث إن فَعَلَ إذا كان مضاعفاً متعدياً فمضارعه مضموم العين، ويَحِبُّ مكسور العين، ففيه شذوذان، والشذوذ يجرئ على الشذوذ، فكسروا أوائل مضارعه ياء كان أو غيره وإن لم يكن ماضيه فعل، وقال غير سيبويه: إن إحب ونحب ويَحِبُّ وتِحِبُّ بكسر حروف المضارعة مضارعاتُ أحَبَّ، وشذوذه لكسر المضموم، كما قالوا في الْمُغِيرة الْمِغِيرَة، وكذا الْمِصْحَف (2) وَالْمِطْرَف (3) في الْمُصْحَف والْمُطْرَف
المشتقات
وكسر (وا) أيضاً غير الياء من حروف المضارعة فيما أوله همزة الوصل مكسورة، نحو أنت تِسْتَغْفِرُ وَتِحْرَنْجِمُ، تنبيهاً على كون الماضي مكسور الأوِّل، وهو همزة ثم شبهوا ما في أوله تاء زائدة من ذوات الزوائد، نحو تَكَلَّمَ وتغافا وَتَدَحْرَجَ بباب انْفَعَلَ، لكون ذي التاء مطاوعاً في الأغلب كما أن انفعل كذلك، فَتَفَعَّلَ وَتَفَاعَلَ وَتَفَعْلَلَ مطاوع فَعَّلَ وفَاعَلَ وَفَعْلَلَ، فكسروا غير الياء من حروف مضارعاتها، فكل ما أول ماضيه همزة وصل مكسورة أو تاء زائدة يجوز فيه ذلك. وإنما لم يضموا حرف المضارعة فيما ماضيه فَعُلَ مضمومَ العين مَنَبِّهين به على ضمة عين الماضي لاستثقال الضمتين لو قالوا مثلاً: تُظْرَف قوله " من توالى همزتين " إنما حذفت ثانية همزتي نحو أو كرم مع أن قياسها أن تُقْلًب واواً كما في أُويْدِم على ما يجئ في باب تخفيف الهمزة لكثرة استعمال مضارع باب الإِفْعَالِ فاعتمدوا التخفيف البليغ، وإن كان على خلاف القياس قال: " الصفة المشبهة من نجو فَرِحَ عَلَى فَرِح غَالِباً، وَقَد جَاءَ مَعَهُ الضَّمُّ فِي بَعْضِها، نَحْوُ نَدُس وَحَذُر وَعَجُل، وَجَاءَت عَلَى سَلِيم وَشَكْس وَحُرّ وَصِفرٍ وَغَيُورٍ، وَمِنَ الأَْلْوَانِ وَالعُيُوبِ وَالْحُلَى عَلَى أَفْعَلَ " أقول: اعلم (1) أن قياس نعتما ماضيه على فَعِلَ - بالكسر - من الادواء الباطنة كالوَجَع واللَّوَى (2) وما يناسب الأدواء من العيوب الباطنة كالنَّكَدِ
والعسر والحز، ونحو ذلك من الْهَيَجَانَات والخِفَّةِ غير حرارة الباطن والامتلاء كالأَْرَج والْبَطَر وَالأَْشَر وَالْجَذَل وَالْفَرَح والْقَلَق (1) والسَّلَس أن يكون على فَعِلٍ وقياسُ ما كان من الامتلاء كالسُّكْر والرِّيِّ وَالغَرَث (2) والشَّبَع، ومن حرارة الباطن كالْعَطَش وَالْجُوع وَالْغَضَب واللَّهَف وَالثَّكَل (3) - أن يكون على فَعْلاَن وما كان من العيوب الظاهرة كالْعَوَر والْعَمَى، ومن الحلى كالسواد والبياض والزبب والرَّسَح والْجَرَد وَالهَضَم (4) وَالصَّلَع - أن يكون على أفعل، ومؤنثه فعلاء، وجمعهما فعل
فمن ثم قيل في عَمَى القلب عَمٍ لكونه باطناً، وفي عَمَى العين أَعْمَى، وقيل: الأقطع والاجذم، بناء على قط وَجَذِم (1) وإن لم يستعملا، بل المستعمل قَطِع وجُذِمَ - على ما لم يسم فاعله - والقياس مقطوع ومجذوم وقد يدخل أَفْعَلُ على فَعِل قالوا في وَجِرَ - أي خاف - وهو من العيوب الباطنة، فالقياس فَعِلٌ: وَجِرٌ وأوجَرُ، ومثله حَمِقٌ وأحْمَقُ، وكذا يدخل فَعِلٌ على أفْعَلَ في العيوب الظاهرة وَالْحُلَى، نحو شَعِث وَأَشْعَث، وَحَدِبَ وأحدب (2) وكَدِرَ وأكدر، وَقَعِسَ وأقعس (3) وكذا
يدخل أيضاً فَعِل على فَعْلاَنَ في الامتلاء وحرارة الباطن، كَصَدٍ (1) وصَدْيَان وَعَطِشٍ وعطشان ويدخل أيضاً أفْعَل على فَعْلاَن في المعنى المذكور، كأهى وَهَيْمَان، وَأَشْيَمَ (2) وَشَيْمَان وقد ينوب (3) فعلان على فعل، كغضبان، والقياس غضب، إذا الغضب هيحان:
وإنما كان كذلك، لأن الغضب يلزمه في الاغلب حرارة البطن، وقالوا: عَجِل وعَجْلان، فَعَجِلٌ باعتبار الطيش والخفة وعَجْلان باعتبار حرارة الباطن والمقصود أن الثلاثة المذكورة إذا تقاربت فقد تشترك وقد تتناوب وقالوا: قَدَح (1) قَرْبان إذا قارب الامتلاء، ونَصْفَان إذا امتلأ إلى النصف، وإن لم يستعمل قَرِب ونَصِف، بل قارب وَنَاصَفَ، حملاً على المعنى: أي امتلأ. ويجئ فعيل فيما حقه فَعِلٌ، كَسَقِيمٌ وَمَرِيض، وحمل سَليمٌ على مريض. والقياس سالم ومجئ فعيل في المضاعف والمنقوص اليائي أكثر كالطبي وَاللَبيب وَالْخَسيس وَالتَّقِيّ وَالشَّقِيَ، وقد جاء فاعل في معنى الصفة المشبهة - أي: مطلق الاتصاف (2) بالمشتق
منه من غير معنى الحدوث - في هذا الباب وفي غيره، وإن كان أصل فاعل الحدوث، وذلك كخاشِنٍ وسَاخِطٍ وجائع ويعني بالْحَلَى الخلق الظاهرة كالزَّبَب والْغَمَم (1) فيعم الألوان والعيوب قال: " ومِنْ نَحْوِ كَرُمَ عَلَى كريم غَالِباً، وَجَاءَتْ عَلَى خَشِنٍ وحَسَنٍ وَصَعْب وَصُلْب وَجَبَانٍ وشُجَاعٍ وَوَقُورٍ وَجُنُبٍ " أقول: الغالب في باب فعل فعيل، ويجئ فُعَال - بضم الفاء وتخفيف العين - مبالغة فعيل في هذا الباب كثيراً، لكنه غير مطرد، نحو طويل وطوال، وشجيع وشجاع، ويقل في غير هذا الباب كعَجِيب وعجاب، فان شددت العين كا أبلغ كطوال، ويجئ على فَعِل كخَشِن، وعلى أَفْعَلَ كَأَخْشَنَ وخشناء وعلى فاعل كَعَاقِرٍ قال: " وَهِيَ مِنْ فَعَلَ قَلِيلَةٌ وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ حَرِيصٍ وَأَشْيَبَ وضيق وتجئ مِنَ الْجَمِيعِ بِمَعْنَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَضِدَّهِمَا عَلَى فَعْلاَنَ نَحْوَ جَوْعَانَ وَشَبْعَانَ وَعَطْشَانَ وَرَيَّانَ " أقول: إنما يكثر الصفة المشبهة في فَعِلَ لأنه غلب في الأدواء الباطنة والعيوب الظاهرة والحلى، والثلاثة لازمة في الأغلب لصاحبها، والصفة المشبهة كما مر في شرح
الكافية لازمة، وظاهرها الاستمرار، وكذا فَعُلَ للغرائز، وهي غير متعدية ومستمرةٌ، وأما فَعَلَ فليس الأغلب فيه الفعلَ اللازم، وما جاء منه لازماً أيضاً ليس بمستمر، كالدخول والخروج، والقيام والقعود، وأشْيَبُ نادر، وكذا أَمْيَل من مال يميل، وحكى غير سيبويه (1) مَيِل يَمْيَلُ كَجَيِدَ يَجْيَد فهو أجيد (2) ، وفَيْعِل لا يكون إلا في الأجوف، كالسَّيِّد وَالْمَيِّت وَالْجَيِّد وَالْبَيِّن، وَفَيْعَل - بفتح العين - لا يكون إلا في الصحيح العين، اسماً كان أو صفة، كَالشَّيْلَم وَالْغَيْلَم وَالنَّيْرَب وَالصَّيْرَف (3) وقد جاء حرف واحد في المعتل بالفتح، قال:
19 - * ما بال عيني كالشعيب العين (1) *
المصدر
وهو ما فيه عيب وخرق من الأسقية، وقد يُخَفَّف نحو سَيَّد بحذف (1) الثاني وذلك مطرد الجواز، كما يجئ في باب الإعلال قوله " وتجئ من الجميع " أي: من فَعِل، وإنما قال هذا ليدخل فيه نحو جَاعَ يجوع ونَاعَ ينوع (2) ، وما يجئ من غير باب فَعِل - بكسر العين - بمعنى الجوع والعطش قليل، وهو محمول على باب فَعِل، كما حُمِل مَلآْن وَقُرْبَان عليه، على ما مر قال: " الْمَصْدَرُ: أبْنِيَةُ الثُّلاَثِيِّ الْمُجَرَّدِ مِنْهُ كَثِيرَةٌ، نَحْوَ قَتْلِ وَفِسْقٍ وَشُغْلٍ وَرَحْمَةٍ وَنِشْدَةٍ وَكُدْرَةٍ وَدَعْوَى وَذِكْرَى وَبُشْرَى وَلَيَّانٍ وَحِرْمَانٍ وَغُفْرَانٍ وَنَزْوَانٍ وَطَلَبٍ وَخَنِقٍ وَصِغَرٍ وَهُدىً وَغَلَبَةٍ وَسَرِقَةٍ وَذَهَابٍ وَصِرَافٍ وَسُؤَالٍ وَزَهَادَةٍ وَدِرَايَةٍ وَبُغَايَةٍ وَدُخُولٍ وَوَجِيفٍ وَقَبُولٍ وَصُهُوبَةٍ وَمَدْخَلٍ وَمَرْجَعٍ وَمَسْعَاةٍ وَمَحْمِدَةٍ وَكَراهِيَةٍ إلاَّ أنَّ الْغَالِبَ في فَعَلَ اللاَّزِمِ نَحْوُ رَكَعَ، على ركوع، وفي المتعدى، عَلَى ضَرْبٍ، وَفِي الصَّنَائِعِ وَنَحْوِهَا نَحْوُ كَتَبَ عَلَى كِتَابَةٍ، وَفِي الاْضْطِرابِ نَحْوُ خَفَقَ، عَلَى خَفَقَانٍ، وَفِي الأَْصْوَاتِ نَحْوُ صَرَخَ، عَلَى صُرَاخٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا جَاءَكَ فَعَلَ مِمَّا لَمْ يسمع مصدره
فاجعله فعلا للحجاز وفعولا لِنَجْدٍ، وَنَحْوُ هُدًى وَقِرًى مُخْتَصُّ بِالمَنْقُوصِ، وَنَحْوُ طلب مختص ينفعل، إلاَّ جَلَبَ الْجُرْحِ والْغَلَبَ " أقول قوله " وَرَحْمَة ونِشْدَة " ليس الأول للمرة ولا الثاني للهيئة وإن وافقتا في الوزن ما يصاغ لهما والتي ذكرها المصنف من أوزان مصادر الثلاثي هي الكثيرة الغالبة، وقد جاء غير ذلك أيضاً كالفُعْلَل نحو السُّودَد، وَالْفَعْلُوت نحو الْجَبَرُوت (1) وَالتُّفْعَل نحو التُّدْرَأ (2) وَالْفَيْعَلُولَة كالْكَيْنُونَةِ، وأصلها (3) كَيَّنونة، والْفَعْلُولَة كالشيخوخة
والصيرورة والفعلنية (1) كَالْبُلَهْنِيَة، وَالْفَعِيلَةِ كالشَّبِيبَةِ والفضيحة، والْفاعولة كالضَّارورة بمعنى الضرر، والتَّفْعِلَة كالتَّهْلُكةِ، وَالْمَفَاعلة كالْمَسائية، وأصلها (2) مَسَاوِئَة فقلب، وَالْفعُلَّةُ وَالْفُعُلَّى كالْغُلُبَّةِ والْغُلُبَّى (3) وغير ذلك قوله " الغالب في فَعَلَ اللازم على فُعُول " ليس على إطلاقه، بل إذا لم يكن للمعاني التي نذكرها بعد من الأصوات والأدواء والاضطراب، فالأولى بنا أولاً أن لا نعين الأبواب من فعل وفعل، ولا المعتدى واللازم، بل نقول: الغالب في الحِرَف وشبهها من أي باب كانت الْفِعَالَة بالكسر، كالصِّياغة، وَالحِياكة، والخِياطة، والتجارة، والإمارة وفتحوا الأول جوازاً في بعض ذلك، كالوَكالة والدَّلالة والولاية والغالب في الشِّراد وَألْهِيَاجِ وشبهه الْفِعَالُ كالْفِرار (4) والشِّماس والنكاح،
والضِّراب (1) ، والوِداق (2) ، والطِّمَاحِ، والحِرَانُ شبه الشِّماس (3) والشَّراد والجِماح والجامع امتناعه مما يراد منه ويجئ فِعَالٌ بالكسر في الأصوات أيضاً لكن أقل من مجئ فُعَال بالضم وَفَعِيل فيها، وذلك كالزِّمار وَالْعِرَار (4) وَالْفعَال قياس من غير المصادر في وقت حَيْنُونة الحدث، كالقِطاف والصِّرام والجداد والحِصاد (5) والرِّفاع، ويشاركه فَعَالٌ بالفتح والْفِعال بالكسر غالب في السِّمات أيضاً كالْعِلاَط وَالْعِرَاض (6) لوسم على العنق، والجِنَاب على الجنب، والْكِشَاح على الكَشْح والغالب في مصدر الأدواءِ من غير باب فَعِلَ المكسور العين الفعال، كالسعال
والدوار، والعطاس، والصداع، ويشاركه في لفظ لسواف فَعال بالفتح (1) ، لاستثقال الضم قبل الواو. والغالب في الأصوات أيضاً الْفُعال بالضم، كالصُّرَاخ والْبُغَام والْعُوَاء (2) ويشاركه في الْغُوَاث فَعال (3) بالفتح، ويأتي فيها كثيراً فَعِيلٌ أيضاً، كالضجيج والنئيم والنهيب (4) وقد يشتركان، كالنَّهيق والنُّهاق، والنَّبيح (5) والنباح، ويجئ فُعَال من غير المصادر بمعنى المفعول، كالدُّقَاق، والْحُطَام، والفُتَات، والرُّفَات (6) والفعالة للشئ القليل المفصول من الشئ الكثير، كالْقُلامة، والْقُرَاضَةِ، وَالنُّقَاوَة، والنُّفَايَة (7)
والقياس المطرد في مصدر التنقف والتقلب الْفَعْلاَنُ، كالنَّزَوَان، والنَّقَزَان، وَالْعَسَلان والرَّتَكَان (1) ، وربما جاء فيه الفُعَال، كالنُّزَاء وَالْقُمَاص (2) ، وَالشَّنَآن شاذ، لأنه ليس باضطراب. والأغلب في الألوان الْفُعْلَةُ، كالشهبة وَالْكُدْرَة (3) ، وفي الأدواء من باب فَعِل المكسور العين الْفَعَلُ، كالْوَرَم، والمرض وَالْوَجَع. وبعضُ الأوزان المذكورة ليس بمصدر. ثم نقول: الأغلب الأكثر في غير المعاني المذكورة أن يكون المتعدي على فَعْلٍ من أي باب كان، نحو قَتَلَ قَتْلاً، وضَرَبَ ضَرْباً، وَحَمِدَ حَمْداً، وفعل اللازم فُعُولٍ، نحو دَخَلَ دُخُولاً وأمَّا فَعِل اللازم فَفَعَلٌ بالفتح، كتَرِب (4) تَرَباً، وَفَعُل - وهو لازم لا غير - فَعَالَةٌ في الأغلب، نحو كَرُمَ كرامة، كما يجئ
قوله " قال الفراء: إذا جاءك فَعَل َمما لم يسمع مصدره " يعني قياس أهل نجد أن يقولوا في مصدر ما لم يسمع مصدره من فَعَلَ المفتوح العين: فُعُول، متعدياً كان أو لازماً، وقياس الحجازيين فيه فَعْلٌ، متعديا كان أولا، هذا قوله، والمشهور ما قدمنا، وهو أن مصدر المتعدى فَعْلٌ مطلقاً، إذا لم يسمع، وأما مصدر اللازم فَفُعُولٌ من فَعَلَ المفتوح العين وفَعَلٌ من فَعِل المكسور وَفَعَالَة من فَعُل، لأنه الأغلب في السماع فَيُرَدُّ غير المسموع إلى الغالب قوله " ونحو هُدًى وقِرًى " قالوا: ليس في المصادر ما هو على فُعَل إلا الْهُدَى وَالسُّرَى، ولندرته في المصدر يؤنثهما بنو أسد على توهم أنهما جمع هُدْية وَسُرْيَة، وإن لم تسمعا، لكثرة فُعَل في جمع فُعْلَة، وأما تُقىً فقال الزجاج: هو فُعَل والتاء بدل من الواو كما في تَقْوَى، وقال المبرد: وزنة تُعَل والفاء محذوف كما يحذف في الفعل، فيقال في اتَّقَى يَتَّقي: تَقَى يَتْقي (1) على ما يجئ في آخر
الكتاب، ولم يجئ فِعْلٌ في مصدر فَعَلَ المفتوح عيه إلا في المنقوص، نحو الشِّرَى، وَالْقِرَى، والْقِلَى، وهو أيضاً قليل. قوله " ونحو طَلَبٍ مختص بيَفْعُل " يعني لم يجئ في باب فَعَلَ المفتوح مصدر على فَعَلٍ المفتوح العين إلا ومضارعه يَفْعُل بالضم سوى حرفين: جَلَبَ الْجُرْحُ جَلَباً: أي أخذ في الالتئام، والمضارع من جَلَب الجرح يجلب ويجلب معاً، وليس مختصاً بيفْعُل بالضم، وأما الْغَلَبُ فهو من باب غَلَبَ يَغْلِبُ، قال الله تعالى: (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) قال الفراء: يجوز أن يكون في الأصل من بعد غلبتهم بالتاء، فحذف التاء، كما في قوله: - 20 - إن الخيط أَجَدُّوا الْبَيْنَ فَانْجَرَدُوا وَأَخْلَفُوكَ عِدَ الأَْمْرِ الَّذي وعدوا (1) أي: عدة الامر
وأما فَعْلان فنادر، نحو لَوَى ليَّاناً (1) ، قال بعضهم: أصله الكسر ففتح للاستثقال، وقد ذكره أبو زيد بكسر اللام، وجاء أيضاً شَنْآنٌ بالسكون، وقرئ في التنزيل بهما. ولم يأت الْفَعُول - بفتح الفاء - مصدراً إلا خمسة أحرف (2) : توضأت وضوءا
وتطهرت طَهُوراً، وَوَلِعت وَلوعاً، ووقدت النار وَقُوداً، وقَبِلَ قَبُولاً، كما حكى سيبويه قال: " وَفَعِلَ اللاَّزِمُ نَحْوُ فَرِحَ عَلَى فَرَحٍ، وَالْمُتَعَدِّي نَحْوُ جَهِلَ عَلَى جَهْلٍ، وَفِي الأَْلْوَانِ وَالْعُيُوبِ نَحْوُ سَمِرَ وَأَدِمَ عَلَى سُمْرَةٍ وأُدْمَةٍ، وَفَعُلَ نَحْوُ كَرُمَ عَلَى كَرَامَةٍ غَالِباً، وَعِظَمٍ وَكَرَمٍ كَثِيراً " أقول: قوله " وفي الألوان والعيوب " هذا الذي ذكره هو الغالب في الألوان، وإن كانت من فَعُلَ بضم العين أيضاً، وقد جاء شئ منها على فَعَلَ كالصَّدَأ والْعَيَس (1) ، وأما الْعِيَسة - بكسر العين - فأصلها الضم، كسرت
للياء، وقد جاءت الصُهُوبَةُ (1) والْكُدُورَةُ، قال سيبويه: قالوا: الْبَيَاض والسَّوَاد تشبيهاً بالصَّبَاح والمساء لأنهما لونان مثلهما وأما مجئ العيوب على فُعْلَة - بالضم - فقليل، كالأُْدرة والنُّفْخة (2) ، وقد جاء الْفُعْلة وَالْفَعَلَة لموضع الفعل في الأعضاء كثيرا، كالقطعة والقعة (3) لموضع القطع، وكذا الجُذْمَة والْجَذْمة، والصُّلْعَة والصَّلَعَة، والنَّزْعَة والنَّزَعة (4) ويكون الْفُعْلَة - بضم الفاء وسكون العين - للفضلة أيضا، كالقلفة، والغرلة (5)
ويجئ الْفِعْل للمفعول، كالذَّبح والسَّفر (1) والزِّبر ويجئ الْفَعْل - بفتح الفاء والعين - له أيضاً، كالْخَبَط للمخبوط، وَالنَّفَض للمنفوض (2) ، وجاء فُعْلَة: بسكون العين كثيراً بمعنى المفعول كالسُّبَّة والضُّحْكَة واللعْنَةِ، وبفتح العين للفاعل، وكلتاهما للمبالغة ويجئ الْمَفْعَلَة لسبب الفعل، كقوله عليه الصلاة والسلام " الوَلَد مَبْخَلة مَجْبَنة محزنة ". ويجئ الفعول لما يفعل به الشئ كالْوَجُور لما يوجر (به) ، وكذا النَّقُوع والْقَيُوء (3)
قوله " وفَعُلَ نحو كرم على كرامة غالباً " فَعَالَة في مصدر فَعُلَ أغلب من غيره، وقيل: الاغلب فيه ثلاثة: فعل كَجَمَال، وفَعَالة كَكَرَامَة، وفُعْل كَحُسْن، والباقي يحفظ حفظا. قال: " وَالْمَزِيدُ فِيه والرُّبَاعِيُّ قِيَاسٌ، فَنَحْو أَكْرَمَ عَلَى إِكْرَامٍ، وَنَحْوُ كَرَّمَ عَلَى تَكْرِيمٍ وَتَكْرِمَةٍ، وَجَاءَ كِذَّابٌ وَكِذَّاب، وَالْتَزِمُوا الْحَذْفَ وَالتَّعْوِيضَ فِي نَحْوِ تَعْزِيَةٍ وإِجَازَةٍ وَاسْتِجَازَةٍ، وَنَحْوُ ضَارَبَ عَلَى مُضَارَبَةٍ وَضِرَابٍ، وَمِرَّاءٌ شَاذٌّ، وَجَاءَ قِيتَالٌ، وَنَحْوُ تَكَرَّمَ عَلَى تَكَرُّمٍ، وجَاءَ تِمِلاَّقٌ، والْبَاقِي وَاضِحٌ " أقول: يعني بقياس المصادر المنشعبة ما مر في شرح الكافية، من كسر أول الماضي وزيادة ألف قبل الآخر، فيكون للجميع قياسٌ واحد. وذكر المصنف منها ههنا ما جاء غير قياسي، أو جرى فيه تغيير، وترك الباقي وذكر أفْعَلَ أولا، وإن كان مصدره قياسيًّا، تنبيهاً به على كيفية القياس، وخصه بالذكر إذ هو أول الابواب المنشبعة، على ما يذكر في كتاب المصادر، وأيضاً إنما ذكره في مصدره تغيير في الأجوف، نحو إقَامَة، والظاهر أنه أراد بالقياس القياس المختص بكل باب، فإن لكل باب قياساً خاصًّا لا يشاركه فيه غيره، كما مر في شرح الكافية (1)
قوله " تكريم وتَكْرِمَة " تفعيل في غير الناقص مطرد قياسي، وتَفْعِلَة كثيرة، لكنها مسموعة، وكذا في المهموز اللام، نحو تخطيئا وتخطيئة، وتَهْنِيئاً وتَهْنِئَة، هذا عن أبي زيد وسائر النحاة، وظاهرُ كلام سيبويه أن تَفْعِلة لازم في المهموز اللام كما في الناقص، فلا يقال تحطيئا وتَهْنيئا، وهذا كما ألحق أَرَأَيْتَ بأقمت (1) ، وأما إذا كان لام الكلمة حرف علة فإنه على تفعلة لا غير، وذلك
بحذف الياء الأولى، وإبدال الهاء منها، لاستثقال الياء المشددة، وقد جاء التشديد في الضرورة كما في قوله: - 21 - فَهْيَ تُنَزِّي دَلْوَهَا تَنْزِيَّا * كَمَا تَنزِّي شَهْلَةٌ صَبِيَّا (1) وإنما قلنا " إن المحذوف ياء التفعيل " قياساً على تكرمة، لأنه لم يحذف فيها شئ من الأصول، ولأنها مَدَّة لا تتحرك، فلما رأينا الياء في نحو تعزية متحركة عرفنا أن المحذوف هو المدة، فلو حذفت الثانية لزم تحريك المدة لأجل تاء التأنيث وأما إجازة واستجازة فأصلهما إجْوَاز وَاسْتِجْوَاز أُعِلَّ المصدر باعلام الفعل كما يجئ في باب الإعلال، فقلبت العين ألفاً، فاجتمع ألفان، فحذفت الثانية عند الخليل وسيبويه، قياساً على حذف مدة نحو تَعْزِيَة، ولكونها زائدة، وحذفت الأولى عند الأخفش والفراء، لأن الأول يحذف للساكنين إذا كان مداً، كما في قُلْ وبع، ويجئ احتجاجهم في باب الإعلال في نحو مًقُول ومَبِيع، وأجاز سيبويه عدم الإبدال أيضاً، نحو أَقَام إقاما واستجاز استجازاً، استدلالاً بقوله تعالى (وَإِقَامَ الصلاة) وخص الفراء ذلك بحال الإضافة، ليكون المضاف إليه قائما مقام الهاء، وهو أولى، لان السماع لم يثبت إلا مع الإضافة، ولم يجوِّز سيبويه حذف التاء من نحو التَّعْزِيَة على حال، كما جوز في (إقام الصلاة) إذ لم يسمع. قوله " وجاء كِذَّاب " هذا وإن لم يكن مطرداً كالتَّفْعيل لكنه هو القياس كما مرّ في شرح الكافية، قال سيبويه: أصل تفعيل فعال، جعلوا التاء
في أوله عِوَضاً من الحرف الزائد، وجعلو الياء بمنزلة ألف الإفعال، فغيروا آخره كما غيروا أوله، فإن التغيير مُجَرِّئ على التغيير. ولم يجئ فعال في غير المصدر إلا مبدلاً من أول مُضَعَّفِهِ ياء نحو قيراط ودينار وديوان. وأما المصدر فإنه لم يبدل فيه ليكون كالفعل وفِعَّال في مصدر فَعَّل، وفِيعَال وفِعَال في فَاعَلَ، وتِفْعَّال في فعل، وإن كانت قياساً لكنها صارت مسموعة لا يقاس على ما جاء (1) منها، ولا يجئ فِعَال فيما فاؤه ياء الاستثقال، فلا يقال يِسَار في يَاسَرَ، وفِعَالٌ في فَاعَلَ مقصور فِيعَال، والياء في مكان ألف فاعل وأما كِذَاب - بالتخفيف - في مصدر كَذَّب فلم أسمع به، والأولى أن يقال في قوله تعالى: (وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً) في قراءة التخفيف: إنه مصدر كَاذَبَ أقيم مقام مصدر كَذَّب، كما في قوله تعالى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) . قوله " ومِرَّاء شاذ " يعني بالتشديد، والقياس مِرَاء بالتخفيف (2) ، وإنما
زادوا في المصادر على الأفعال شيئاً لأن الأسماء أخف من الأفعال، وأحمل للأثقال. قال: " وَنَحْوُ التَّرْدَادِ والتَّجْوَالِ وَالْحِثِّيثَى والرِّمِّيِّا لِلتَّكْثِير " أقول: يعني أنك إذا قصدت المبالغة في مصدر الثلاثي بنيته على التِّفْعال، وهذا قول سيبويه، كالتِّهذار في الهذر الكثير، والتَّلْعاب والتَّرْداد، وهو مع كثرته ليس بقياس مطرد، وقال الكوفيون: إن التِّفْعال أصله التَّفْعيل الذي يفيد التكثير، قلبت ياؤه ألفاً فأصل التكرار التَّكْرير، ويُرَجَّح قول سيبويه بأنهم قالوا التَّلْعاب، ولم يجئ التلعيب، ولهم أن يقولوا: إن ذلك مما رفض أصله، قال سيبويه: وأما التِّبيان فليس ببناء مبالغة، وإلا انفتح تاؤه، بل هو اسم أقيم مُقام مصدر بيَّن، كما أقيم غارَةٌ وهي اسم مقام إغارة في قولهم: أَغَرْتُ غَارَةً، ونَبَاتٌ موضع إنبات، وعطاءٌ موضع إعطاء، في قولهم: أنبت نباتاً، وأعطى عطاءً قالوا: ولم يجئ تِفْعال - بكسر التاء - إلا ستة عشر اسماً: اثنان بمعنى المصدر، وهما التِّبيان والتِّلقاء، ويقال: مَرَّ تِهْواءٌ من الليل: أي قطعة، وتِبْرَاك وتِعْشَار وتِرْباع: مواضع، وتِمْسَاح معروف، والرجل الْكَذَّاب أيضاً، وتِلْفَاق: ثوبان يُلْفَقَان، وَتِلْقَام: سريع اللقم، وتِمْثَال وتِجْفَاف معروفان، وَتِمْرَاد: بيت الحمام، وأتت الناقة على (1) تِضْرَابها، وتِلْعَابٌ: كثير
[المصدر الميمي]
اللعب، وتقصار: للمحنقة (1) ، وتِنْبَال: للقصير وأما الْفِعِّيلَى فليس أيضاً قياسيًّا، فالحثيثي والرميا والحجزيي مبالغة التَّحَاثّ والترامي والتحاجز: أي لا يكون من واحد، وقد يجئ منه ما يكون مبالغة لمصدر الثلاثي كالدِّلِّيلَى وَالنِّمِّيمَى وَالهِجِّيرَى والخِلِّيفَى: أي كثرة الدلالة، والنميمة، والْهُجْر: أي الهذر، والخلافة، وأجاز بعضهم المد في جميع ذلك، والأولى المنع، وقد حكى الكسائي خصيصاء بالمد، وأنكره الفراء قال: " وَيَجِئُ المَصْدَرُ مَنَ الثُّلاَثِيِّ الْمُجَرَّدِ أَيْضَاً عَلَى مَفْعَلٍ قِيَاساً مُطَّرِداً كَمَقْتَلٍ وَمَضْرَبٍ، وَأَمَّا مَكْرُمٌ وَمَعُونٌ، وَلاَ غَيْرَهُمَا، فَنَادِرَانِ حَتَّى جَعَلَهُمَا الْفَرَّاءُ جَمْعاً لِمَكْرُمَةٍ وَمَعُونَةٍ، وَمِنْ غَيْرِهِ عَلَى زِنَةِ الْمَفْعُول كَمُخْرَج وَمُسْتَخْرَج، وَكَذا البَاقِي، وَأَمَّا مَا جَاءَ عَلَى مَفْعُولٍ كالْمَيْسُورِ والْمَعْسُورِ وَالْمَجْلُودِ وَالْمَفْتُونِ فَقَليلٌ، وفَاعِلَة كَالعَافِيَة وَالعَاقِبَةِ وَالبَاقِيَةِ وَالكَاذِبَةِ أَقَلّ " أقول: قال سيبويه: لم يجئ في كلام العرب مَفْعَلٌ، يعني لا مفرداً ولا جمعاً، قال السيرافي: فقوله: - 22 - بُثَيْنُ، الْزَمِي " لا " إن " لا " إن لزمته * على كثرة الواشين أي معون (2)
أصله مَعُونَة، فحذفت التاء للضرورة، وكذا قوله: - 23 - * لِيَوْمِ رَوْعٍ أوْ فَعالٍ مَكْرُمِ (1) * وذهب الفراء إلى أنهما جمعان، على ما هو مذهبه (2) في نحو تَمْر وَتُفَّاح، فيجيز مَكْرُماً وَمَعُوناً في غير الضرورة، فعند الفراء يجئ مَفْعُل جمعاً، وقد جاء مَهْلُك بمعنى الْهُلْك، ومَأْلُك، وله أن يدعي فيهما أنهما جمعا مَهْلُكة وَمَأْلُكة،
وجاء في بعض القراءات (1) (فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَهِ) قوله " قياساً مطرداً " ليس على إطلاقه، لأن المثال الواوي منه بكسر العين كالمَوْعِدَ وَالْمَوْجِلِ، مصدرا كان أو زمانا أو مكانا، على ما ذكر سيبويه، بلى إن كان المثال معتل اللام كان بفتح العين كالمولى، مصدراً كان أو غيره، قال سيبويه عن يونس: إن ناساً من العرب يقولون من يَوْجَل ونحوه مَوْجَل وَمَوْحَل بالفتح مصدراً كان أو غيره، قال سيبويه: إنما قال الأكثرون مَوْجِل بالكسر لانهم ربما غيروه في توجل ويَوْحَل، فقالوا: ييجَل، ويَاجَل، فلما أعلوه بالقلب شبهوه بواو يَوْعِد المعل بالحذف، فكما قالوا هناك مَوْعِد قالوا ههنا مَوْجِل، ومن قال المؤجل بالفتح فكأنهم الذين يقولون: يَوْجَل، فيسلمونه، والأسماء المتصلة بالأفعال تابعة لها في الإعلال، وإنما قالوا مَوَدَّة بالفتح اتفاقاً لسلامة الواو في الفعل اتفاقا وقد يجئ في الناقص الْمَفْعِل مصدراً بشرط التاء كالْمَعْصِيَة والمحمية (2)
وجاء في الأجوف الْمَعِيشة، قال سيبويه في (حتى مَطْلِعِ الْفَجْرِ) بالكسر: أي طلوعه (1) ، ويجوز أن يقال: إنه اسم زمان: أي وقت طلوعه
وقد جاء بالفتح والكسر مَحْمَِدَة ومذمة ومَعْجَِزة ومَظْلَِمَِة ومَعْتَِبَة ومَحْسِبة وعِلْق مضَِنَّة (1) وبالضم والكسر المعِذُرة (2) ، وبالفتح والضم الميسرة (3)
وجاء في التثليب مَهِْلَكَ ومَهْلُِكَة ومَقْدِرَة ومَأْدِبَة (1) وجاء بالكسر وحده المَكْبِر وَالمَيْسِر وَالمَحِيض وَالمَقِيل وَالمِرْجِع وَالمجِئ والمَبيت وَالمَشِيب والمعيب والمزيد والمصير والمير وَالمَعرِفة وَالمَغْفِرَة وَالمَعْذِرَة وَالمَأوِية والْمَعْصِيَة والمعيشة (2)
فذو التاء المفتوح العين شاذ من جهة، وكذا المكسور العين أو المضمومها بلا تاء، وأما المكسورها أو المضمومها مع التاء فشاذ من وجهين قوله " ومن غيره " أي: من غير الثلاثي المجرد فيصلح للمصدر والمفعول والزمان والمكان كالْمُدَحْرَجِ والمقاتل والمحر نجم كما يجئ الميسور: اليسر، العُسْر، والمجلود: الْجَلَد: أي الصبر، المفتون: الفتنة، قال الله تعالى: (بأيكم المفتون) أي: الفتنة، على قول، وخاللف (1)
سيبويه غيره في مجئ المصدر على وزن المفعول، وجعل الميسور والمعسور صفة للزمان: أي الزمان الذي يَوسَر فيه ويُعْسَر فيه، على حذف الجار، كقولهم: المحصول: أي المحصول عليه، وكذا قال في المرفوع والموضوع، وهما نوعان من السير، قال: هو السير الذى ترفعه الفرس وتضمه: أي تقويه وتضعفه، وكذا جعل المعقول بمعنى المحبوس المشدود: أي العقل المشسدود المقوى، وجعل الباء في (بأيكم المفتون) زيادة، وقيل: بأيكم الجني، وهو المفتون، والمجلود: الصبر الذي يُجْلَد فيه: أي يستعمل الْجَلاَدَة، وأما المكروهة فالظاهر أنها ليست مصدراً، بل هو الشئ المكروه، والهاء دليل الاسمية، وكذا المصدوقة: يقال: بَيَّن لي مَصْدُوقَةَ حاله: أي حقيقتها، من قولهم: صَدَقِنِي (1) سِنَّ بَكْرِهِ: أي بَيَّنَ حاله التي صَدَقَنِيهَا. قوله: " وفاعلة كالعافية " تقول: عافاني الله مُعَافاة وعَافِيَة، وأما العاقبة فالظاهر أنه اسم فاعل لأنه بمعنى الآخر، يقال: عَقَبَ الشئ (الشئ) أي: خَلَفَهُ، والهاء دليل الاسمية، أو يقال: إنها صفة النهاية في (2) الاصل، وأما
الباقية في قوله تعالى (فَهَلْ ترى لَهُم من باقية) فقيل: بمعنى بقاء، ويجوز أن يكون بمعنى نفس باقية، أو شئ باق، والهاء للاسمية، وكذا الفاضلة بمعنى الشئ الفاضل، والهاء للاسمية، أو العطية الفاضلة، والكاذبة في قوله تعالى (ليس لوقعتها كاذبة) قيل: بمعنى الكذب، ويجوز أن يكون بمعنى نفس كاذبة: أي تكون النفوس في ذلك الوقت مؤمنة صادقة، والدالَّة: الدلال والغنج، هذا كله مع التاء، قيل: وقد يوضع اسم الفال مقام المصدر، نحو قُم قائماً: أي قياما، كما يوضع المصدر مقام اسم الفاعل، نحو رَجُلٌ عَدْل وصَوْم، ويجوز أن يكون قائماً حالاً مؤكدة، وكذا في قوله: - 24 - * كَفَى بِالنَّأيِ مِنْ أَسْمَاءَ كَاف (1) * أي: كافيا، كقوله: -
25 - * فَلَوْ أَنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ دَارُهُ (1) * فكما أن اسم المفعول في قوله تعالى: " والنجوم مُسَخَّرَاتٍ " بنَصْبهما حالٌ مؤكدة، لا بمعنى المصدر، فكذا اسم الفاعل فيما نحن فيه. وقوله: - 26 - أَلَمْ تَرَنِي عَاهَدْتُ رَبِّي وَإِنَّنِي * لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِمٌ وَمَقَامِ عَلَى حَلْفَةٍ لا أشتم الدهر مسلما * وَلاَ خَارِجاً مِنْ فِيَّ زُورُ كَلاَمِ (2) قال سيبويه: معناه لا اشتم شما ولا يخرج خروجاً، وقال عيسى بن عمر: هو حال معطوف على الحال الذي هو " لا أشتم " أي غير شاتم ولا خارج، كقوله تعالى: " صافات ويقبضن " ولم يذكر ما عاهد الله عليه لدلالة الكلام، لأنه كجواب القسم يحذف مع القرينة، وعند سيبويه " لا أشتم " جواب " عاهدت " قال: " وَنَحْوُ دَحْرَجَ عَلَى دَحْرَجَةٍ وَدِحْرَاجٍ بِالْكَسْرِ، ونَحْوُ زَلْزَلَ عَلَى زلزال بالفتح والكسر "
[اسم المرة]
أقول: قال سيبويه: الهاء في دحرجة عوض من الألف الذي هو قياس مصادر غير الثلاثي المجرد قبل الآخر، وَالْفَعْلَلَةُ هو المطرد دون الْفِعْلاَل، لا يقال: بَرْقَشَ (1) برقاشاً، وكذا الْفِعْلاَل مسموع في المحلق بدحرج غير مطرد، نحو حِيقَالٍ، وكذا في المضاعف، ولا يجوز في غير المضاعف فتح أول فِعْلاَل، وإنما جاز ذلك في المضاعف - كالْقَلْقَال (2) والزَّلْزَال وَالْخَلْخَال - قصداً للتخفيف، لثقل التضعيف ومصادر ما زيد فيه من الرباعي نحو تدحرج واحرج وَاحْرِنْجَام وَاقْشِعْرَار، وأما اقْشَعَرَّ قُشَعْرِيرَة واطمأن طمأنينة فالمنصور بان فيهما اسمان واقعان مقام المصدر، كما في أَنْبَتَ نَبَاتاً وأعطى عطاء. قال: " وَالْمَرَّةُ مِنَ الثُّلاَثِيَّ الْمُجَرَّدِ الَّذي لا تَاءَ فِيهِ عَلَى فَعْلَة، نَحْوُ ضَرْبَةٍ وَقَتْلَةٍ، وَبِكَسْرِ الْفَاءِ لِلنَّوْعِ، نَحْوُ ضِرْبَةٍ وَقِتْلَةٍ، ومَا عَدَاهُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُسْتَعْمَلِ، نَحْوُ إنَاخَة، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَاءٌ زِدْتَهَا، وَنَحْوُ أَتَيْتُهُ إتْيَانَةً وَلَقِيتُهُ لَقَاءَةً شَاذٌّ " أقول: اعلم أن بناء المرة إما أن يكون من الثلاثي المجرد أو غيره، والثلاثي المجرد إما مجرد عن التاء أولا
فالمجرد عنها تجعلها على فَعْلَة بفتح الفاء وحذف الزوائد إن كانت فيهِ، نحو خرجت خرجت ودخلت دخلة وذو التاء تبقيهِ على حاله، نحو دريت دِرَايَةً ونشدت (1) نشدة ولا تقول دَرْيَةً وَنَشْدَةً، كذا قال المصنف، ولم أعثر في مصنف على ما قاله، بل أطلق المصنفون أن المرة من الثلاثي لمجرد على فَعْلَة، قال سيبويه: إذا أردت الوحدة من الفعل جئت بها أبدا على فَعْلَة على الأصل، لأن أصل المصادر فَعْل، هذا قوله، والذي أرى أنك ترد ذا التاء أيضاً من الثلاثي إلى فَعْلَة، فتقول: نشدت نَشْدَةً بفتح النون وغير الثلاثي المجرد تُخَلِّيهِ على حاله، سواء كان رباعيًّا كَدَحْرَجَة أو ذا زيادة كانْطِلاقٍ وَإِخْرَاج وتَدَحْرُج، فإن لم تكن فيه الاء زدتها، نحو أكرمته إكرامة، وإن كان فيه تاء خليتها، نحو عَزَّيته تعزية: أي واحدة، والأكثر الوصف في مثله بالواحدة رفع اللبس، نحو عَزَّيْتُه تعْزِيَةً واحدة، ولو قلنا بحذف تلك التاء والمجئ بتاء الوحدة فلا بأس واستدل سيبويه على أن أصل مصادر جميع الثلاثي متعدياً كان أو لازما فعل ببناء الوحدة، فال: لا شك أن الجنس من نحو تَمْرَةٍ وَتُفَّاحَة بحذف التاء، فكان القياس أن يكون الجنس في نحو خَرْجَة ودَخْلَة كذلك أيضاً، ونعنى بالجنس المصدر المطلق، نحو خَرْجٍ وَدَخْلٍ، إلا أنهم تصرفوا في مصادر الثلاثي بزيادة الحروف وتغيير التركيب لخفته، دون الرباعي وذي الزيادة ثم اعلم أنه إن جاء للرباعي وذي الزيادة مصدران أحدهما أشهر فالوحدة على
ذلك الأشهر دون الغريب، تقول: دحرج دحْرَجَة واحدة، ولا تقول دِحْراجَة، وكذا لا تقول قاتلت قتالة، ولا كذب كذابة وقد شذ في الثلاثي حرفان لم تحذف منهما الزوائد ولم يردَّا إلى بناء فعلة، بل ألحق بهما التاء كما هما، وهما إتْيَانة ولِقاءة، ويجوز أتْيَة وَلَقْية على القياس، قال أبو الطيب: 27 - لَقِيْتُ بِدَرْبِ الْقُلَّةِ الْفَجرَ لَقْيَةً * شف كَمَدِي وَاللَّيْلُ فيهِ قَتِيلُ (1) قوله " وما عداه " أي: ما عدا الثلاثي المجرد الخالي من التاء، وهو ثلاثة: الرباعي، وذو الزيادة، والثلاثي ذو التاء، على ما ذهب إليه المصنف قوله " فإن لم تكن تاء " أي: فيما عداه وقوله " وبكسر الفاء للنوع نحو ضِرْبَة " أي: ضرباً موصوفاً بصفة، وتلك الصفة إما أن تذكر نحو " حَسَنُ الرِّكبة " و " سيّئ الْمِيْتَة " و " جلست جِلْسَة حسنة " أو تكون معلومة بقرينة الحال، كقوله: - 28 - هَا إِنَّ تَاعِذْرةٌ إنْ لَمْ تَكُنْ نَفَعَتْ * فَإِنَّ صَاحِبَهَا قَد تَاهَ فِي البلد (2)
[أسماء الزمان والمكان]
أي عذر بليغ: وقد لا تكون الْفَعْلَة مرة والْفِعْلَة نوعاً كالرحمة والنشدة قال " أَسْمَاءُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مِمَّا مُضَارِعُهُ مَفْتُوحُ العين أَوْ مَضْمُومُهَا وَمِنَ الْمَنْقُوصِ عَلَى مَفْعَلٍ، نَحْوُ مَشْرَبٍ وَمَقْتَلٍ ومَرْمَى، وَمِنْ مَكْسُورِهَا وَالْمِثَالِ عَلَى مفعل، نحو مضرب وموعد، وجاء المنسك والمعجزر والمنبت والمطلع والمشرق والمغرب والمفرق وَالْمَسْقِطُ وَالْمَسْكِنُ وَالْمَرْفِقُ وَالْمَسْجِدُ وَالْمَنْخِرُ، وأَمَّا مِنْخِرٌ فَفَرْعٌ كَمِنْتِن وَلاَ غَيْرَهُمَا، وَنَحْوُ الْمِظِنَّةِ وَالْمَقْبَرَةِ فَتْحاً وَضَمًّا لَيْسَ بِقياسٍ، وَمَا عَدَاهُ فَعَلَى لَفْظِ الْمَفْعُولِ " أقول: اعلم أنهم (كأنهم) (كانوا) بنوا الزمان والمكان على المضارع، فكسروا العين فيما مضارعه مكسور العين، وفتحوهما فيما مضارعه مفتوحها، وإنما لم يضموها فيما مضارعه مضمومها نحو يَقْتُلُ وَيَنْصُرُ لأنه لم يأت في الكلام في غير هذا الباب مَفْعُلٌ إلا نادراً كمَكْرُم وَمَعُونٍ على ما ذكرنا، فلم يحملوا ما أدَّى إليه قياس كلامهم على بناء نادر في غير هذا الباب، وعُدِلَ إلى أحد اللفظين مَفْعَلٍ وَمَفْعِلٍ، وكان الفتح أخفَّ فحمل عليه وقد جاء من يَفْعُل المضموم العين كلماتٌ على مَفْعِل بالكسر لا غير، وهى: المشرق، والمغرب، والمرفق وهو مَوْصِل الذراع والعضد، وهو أيضاً كل ما يُنْتَفَع به، والارتفاق: الانتفاع، والاتكاء على الْمِرْفَق، ويقال فيهما الْمِرْفَق على وزن الْمِثْقَب أيضاً، لأنهما آلتا الرِّفق الذي هو ضد الْخُرْق، إذ المتكئ على مَرْفَقِه ساكن مطمئن، وكذا ذو المال المنتفع به على الأغلب، ومعنى الموضع فيهما أبعد وذلك بتأويل أنهما مَظِنَّتا الرفق ومحلاه، ومنها المنبت، والمخر، وَالْمَجْزِر، وَالمَسْقِط، وَالمَظِنَّةِ وقد جاء من يَفْعُل المضموم العين أيضاً كلماتٌ سمع في عينها الفتح والكسر، وهي
الْمَفْرَِق، وَالْمَحْشَِر، وَالْمَسْجَِد، وَالْمَنْسَِك (1) ، وَأَما الْمَحَِلُّ بمعنى الْمَنْزِل فلكون مضارعه على الوجهين قرئ قوله تعالى (فيحل عليكم غضبي) على الوجهين وجاء فيما مضارعه يَفْعِل بالكسر لغاتٌ بالفتح والكسر، وهي المدب، (3)
وَمَأْوى الإِْبل، وَالْمَزِلَة، وَمَضْرِبة السيف، وجاء مَقْبُره ومَشْرُقة ومَفْيَأَة ومَفْيُؤَة ومقنأة ومقنؤة (1) فتحا وضما، وكذا الْمَشْرُبَة في الغرفة، لأنهم كانوا يشربون في الْغُرَف، وَالمَشْرُقَة وَالمَفْيَأة من ذوات الزوائد، إذ هما موضعان للتشرُّق والتَّفَيُّؤ فَيَشِذِّان من هذا الوجه أيضاً، ولهذا لم تعل المَفْيَأة، أو لأنه لم يُذْهب بها مَذْهَب الفعل، كما يجئ، والْمَسْرُبَة لشعر الصدر مضمومة العين لاغير، قال سيبويه: لم تذهب بالمسجد مَذْهَبَ الفعل، ولكنك جعلته اسماً لبيت، يعني أنك أخرجته عما يكون اسم الموضع، وذلك لأنك تقول: المَقْتَل في كل موضع يقع فيه القتل، ولا تقصد به مكاناً دون مكان، ولا كذلك المسجد
فإنك جعلته اسماً لما يقع فيه السجود بشرط أن يكون بيتاً على هيئة مخصوصة، فلم يكن مبنياً على الفعل المضارع كما في سائر أسماء المواضع، وذلك أن مطلق الفعل لا اختاص فيه بموضع دون موضع، قيل: ولو أردت موضع السجود وموقع الجبهة من الأرض سواءٌ كان في المسجد أو غيره فتحت العين، لكونه إذن مبنياً على الفعل لكونه مطلقاً كالفعل، وكذا يجوز أن يقال في الْمَنْسَك، إذ هو مكان نسك مخصوص، وكذا الْمَفْرِق، لأنه مفرق الطريق، أو الرأس، وكذا مَضْرَبة السيف مخصوصة برأس السيف قدر شبر، وليس بمعنى موضع الضرب مطلقاً، فلذا جاء فيه الفتح أيضاً: أي لكونه غير مبني على الفعل، ولذا دخلته التاء التي لا تدخل الفعل، وكذا المَقْبُرة، إذ ليست اسماً لكل ما يقبر فيه: أي يدفن، إذ لا يقال لمدفن شخص واحد مقبرة فموضع الفعل إذن مَقْبَر كما هو القياس، وكذا المَشْرُقة اسم لموضع خاص لا لكل موضع يُتَشَرَّق فيه من الأرض من جانب الغرب أو الشرق (1) وكذا الْمَقْنأة والمفيأة، وكذا الْمَنْخِرِ صار اسماً لثَقْب الأنف، ولا يقصد فيه معنى النخر، وكذا المشربة ليس اسماً لكل موضع يشرب فيه الماء ويجري، قال سيبويه: وكذا الْمِطْبَخ والْمِرْبَد بكسر الميم فيهما اسمان لموضعين خاصين لا لموضع الطبخ مطلقاً، ولا لكل موضع الربود: أي الإقامة، بل المِطْبَخ بيت يطبخ فيه الأشياء معمول له، والْمِرْبَد مَحْبس الإبل، أو موضع يجعل فيه التمر، ويجوز أن يقال في الْمِرْفَق بكسر الميم في المعنيين: إن أصله الموضع، فلما اختص غُيِّر بكسر الميم عن وضع الفعل كما قال سيبويه في الْمِطْبَخ والمِرْبَد، فكل ما جاء على مَفْعِل بكسر العين مما مضارعه يَفْعُل بالضم فهو شاذ من
وجه، وكذا مَفْعِلة بالتاء مع فتح العين، (1) ، وكذا مِفْعَلٌ بكسر الميم وفتح العين، ومَفْعِلة كَالْمَظِنة أشذ، ومَفْعُلَة بضم العين كالْمَقْبُرَة أشذ، إذ قياس الموضع إما فتح العين أو كسرها، وكذا كل ما جاء من يَفْعِل المكسور العين على مَفْعَل بالفتح شاذ من وجه، وكذا مفعلة بالتاء معكسر العين، ومَفْعَلةُ بفتحها أشذ، لكن كلُّ ما ثبت اختصاصه ببعض الأشياء دون بعض وخروجه عن طريقة الفعل فهو العذر في خروجه (2) عن القياس كما ذكرنا قوله " ومن المنقوص " يعني نحو الْمَثْوى وإن كان من يَفْعِل بكسر العين وإن كان أيضاً مثالاً واوياً كالْمَوْلَى لموضع الولاية، وذلك لتخفيف الكلمة بقلب اللام ألفاً، وإنما كان المثال الواوي على مَفْعِل بالكسر وإن كان على يفعل كالمؤجل والْمَوْحِل لما ذكرنا في باب المصدر، وذكرنا هناك أن بعض العرب يقولون مَوْجَل ومَوْحَل فيطرد ذلك في الموضع والزمان أيضاً، وحكى الكوفيون الْمَوْضَع، وقد جاء على مَفْعَل بالفتح من المثال بعضُ أسماء ليست بمصادر ولأ امكنة مبنية على الفعل، كَمَوْحَد في العدد، والْمَوْهِبة للغدير من الماء (3) ، وأما مَوْظَب في اسم
[اسم الآلة]
مكان ومَوْهَب وَمَوْأَلة وَمَوْكَل ومَوْرَق في أعلام رجال معينين فمنقولات من المبني على الفعل، وفيها العدل كما ذكرنا في باب مالا ينصرف والمثال اليائي بمنزلة الصحيح عندهم لخفته تقول في يَيْقَظ مَيْقَظ في المصدر والزمان والمكان، ومنه قوله نعالى (فنظرة إلى ميسرة) بفتح العين قوله " ولا غيرهما " قال سيبويه: يقال في مُغِيرة مِغِيرة بكسر الميم للاتباع. قوله " فتحاً وضماً " يعني بهما الْمَقْبُرة، دون المِظنَّة، فإنه لم يأت فيها إلا الكسر، وإنما كان الفتح في المقبة شاذاً لكونها بالتاء، والْمَفْعَل في المكان والزمان والمصدر قياسه التجرد عن التاء قوله " وما عداه فعلى لفظ المفعول " يعني ماعد الثلاثي المجرد، وهو ذو الزيادة والرباعي، فالمصدر بالميم منه والمكان والزمان على وزن مفعوله، قياساً لا ينكسر، كَالْمَخْرَج والْمُسْتَخْرَج والْمُقَاتَل والْمُدَحْرَج والْمُتَدَحْرَج وَالْمُحْرَنْجَم يحتمل كل منها أربعة معان قال: " الآلَةُ عَلَى مِفْعَلٍ وَمِفْعَالٍ وَمِفْعَلَةٍ، كَالْمِحْلَبِ وَالْمِفْتَاحِ وَالْمِكْسَحَةِ، وَنَحْوُ الْمَسْعُطِ وَالْمُنْخُلِ وَالْمُدُقِّ وَالْمُدْهُنِ وَالْمُكْحُلَةِ وَالْمُحْرُضَةِ لِيْسَ بِقِياس ". أقول: اعلم أن الْمِحْلََبَ ليس موضع الحلب، لأن موضعه هو المكان الي يَقعد فيه الحالب للحَلْب، بل هو آلة يحصل بها الحلب، وكذا المسرجة - بكسر الميم - كما قال سيبويه قوله " ونحو المسعط والمنخل " هذا لفظ جار الله، وهو موهم أنه جاء من هذا النوع غير الألفاظ المذكورة أيضاً، وقال سيبويه: جاء خمسة أحرف بضم
الميم: المُكْحُلَة، والْمُسْعُط، وَالْمُنْخُل، والْمُدُقّ، والمدهن، هذر كلامه، وجاء المُنْصًل (1) أيضاً، لكنه ليس بآلة النصل، بل هو بمعنى النصل، وأما المُحْرُضة فذكرها الزمخشري، وفي الصحاح الْمِحْرَضَة بكسر الميم وفتح الراء، وكذا قال ابن يعيش: لا أعرف الضم (2) فيها، قال سيبويه في الأحرف الخمسة: هي مثل المُغْفور والمُغْثُور، وهما ضرب من الصمغ، والْمُغْرود: ضرب من الكمأة، والمُغْلُوق: المغلاق، أربعة أحرف جاءت على مُفْعُول، لا نظير لها في كلام العرب، وقال سيبويه في المكحلة وأخواتها: لم يذهبوا بها مذهب الفعل، ولكنها جعلت أسماء لهذه الأوعية، يعني أن المكحلة ليست لكل ما يكون فيه الكحل، ولكنها اختصت بالآلة المخصوصة، وكذا أخواتها، فلم تكن مثل المِكْسَحَة والمِصْفَاة، فجاز تغييرها عما عليه قياس بناء الآلة كما قلنا في المسجد وأخواته، والْمُسْعُط: ما يسعط به الصبي أو غيره، أي يجعل به السعوط في أنفه، والمُدُق: ما يدق به الشئ كفِهْرِ العطار، والمدهن: ما يجعل فيه الدهن من زجاج ونحوه، ولو قيل إن الْمُكْحُلَة وَالمُدْهُن موضعان
للكحل والدهن، ولم يبنيا على مَفْعِلٍ كما هو بناء المواضع لانهما ليس موضعين لما يفعل فيه الشئ كَالْمَقْتَلِ حتى يبنيا على الفعل، بل هما موضعان لاسم جامد، لم يبعد، فإذا جعلا آلتين فهما بمعنى آلة الحل والدَّهن - بفتح الكاف والدال - كالمِثْقَبِ لآلة الثقب، والمِحْرَضَة: وعاء الحُرْض: أي الأشنان، والظاهر أن مَضْرِبة السيف آلة الضرب، لا موضعه، غُيِّرَت عما هو قياس بناء الآلة لكونها غير مذهوب بها مذهب الفعل وجاء الْفِعَالُ أيضاً للالة، كالخياط والنظام واعلم أن الشئ إذا كثر بالمكان وكان اسمه جامداً فالباب فيه مَفْعَلة بفتح العين، كالْمَأْسَدَة وَالْمَسْبَعَةِ والْمَذْأبة: أي الموضع الكثير الأُسْد والسباع والذئاب، وهو مع كثرته ليس بقياس مطرد، فلا يقال مَضْبَعة وَمَقْرَدَة، ولم يأتوا بمثل هذا في الرباعي فما فوقه، نحو الضِّفْدَع والثعلب، بل استغنوا بقوله: كثير الثعالب، أو تقول: مكان مُثَعْلِب وَمُعَقْرِب وَمُضَفْدَع وَمُطَحْلِب بكسر اللام الأولى على أنها اسم فاعل، قال (لبيد) : - 29 - يَمَّمَنَ أَعْدَاداً يلبنى أوْ أَجَا * مُضْفْدِعَاتٍ كُلُّها مُطَحْلِبَهْ (1)
[باب المصغر]
ولو كانوا يقولون من الرباعي على قياس الثلاثي لقالوا مُثَعْلَبَة وَمُعَقْرَبَة على وزن المفعول، لأن نظير المَفْعَلَ فيما جاوز الثلاثة على وزن مفعوله، نحو مُدَحْرَج وَمُقَاتل وَمُمَزَّق، كما ذكرنا في المكان والزمان والمصدر، ولم يسمع مُثَعْلَبَة وَمُعَقْرَبَة بفتح اللام، فلا تظن أن معنى قول سيبويه " فقالوا على ذلك أرض مُثَعْلَبَة وَمُعَقْرَبَة " أن ذلك مما سمع، بل معنى كلامه أنهم لو استعملوا من الرباعي لقالوا كذا، قال: ومن قال ثعالة قال مَثْعَلة، لأن ثعالة من الثلاثي، قال الجوهري: وجاء مَعْقَرَة بحذف الباء: أي كثيرة العقارب، وهو شاذ (1) قال: " الْمُصَغَّرُ الْمَزِيدُ فيهِ لِيَدُلَّ عَلَى تَقْلِيلٍ، فَالْمُتَمَكِّنُ يُضَمُّ أَولُهُ وَيُفْتَحُ ثَانِيهِ وَبَعْدَهُما يَاءٌ سَاكِنَةٌ، وَيُكْسَرُ مَا بَعْدَهَا في الأَرْبَعَة إلاَّ فِي تَاءِ التَّأْنِيثِ وأَلِفَيْهِ وَالأَْلف والنُّونِ المُشَبَّهَتَيْنِ بِهِما وِأَلِفِ أفعال جمعا "
أقول: يعني المصغر ما زيد فيه شئ حتى يدل على تقليل، فيشمل المهمات كذيَّاكَ واللَّذَيَّا وغيرهما، والتقليل يشمل تقليل العدد كقولك: " عندي دُرَيْهِمَات " أي أعدادها قليلة، وتقليل ذات المصغر بالتحقير حتى لا يتوهم عظيماً نحو كُلَيْب وَرُجَيْل، ومن مجاز تقليل الذات التصغيرُ المفيد للشفقة والتلطف كقولك يا بُنَيَّ وَيا أُخَيَ، وأنت صُدَيِّقي، وذلك لأن الصِّغَار يشفق عليهم ويتلطف بهم، فكني بالتصغير عن عزة المصغر على من أُضيف إليه، ومن ذلك التصغير المفيد للملاحة كقولك هو لطيف مليح ومه قوله: - 3 - يا ما أميلح غزلا ناشدن لَنَا * (1) (مِنْ هؤُلَيَّائِكنَّ الضَّالِ وَالسَّمُرِ) وذلك لأن الصغار في الأغلب لطاف ملاح، فإذا كبرت غَلُظَت وَجَهُمَت، ومن تقليل ذات المصغر تصغير قبل وبعد في نحو قولك خروجي قُبَيْل قيامك، أو بُعَيْده، لأن القبل هو الزمان المتقدم على الشئ، والبعد هو الزمان المتأخر عنه، فمعنى قبيل قيامك أي في زمان متقدم على قيامك صغير المقدار، والمراد أن الزمان الذي أوله مقترن بأخذي في الخروج وآخره متصل بأخذك في القيام صغير المقدار، ومنه تصغير الجهات الست كقولك: دُوَيْن النهر، وفُوَيْق الأرض، على ما ذكرنا من التأويل في قبيل وبعيد، والغرض من تصغير مثل هذا الزمان والمكان
قرب ظروفهما مما أضيفا إليه من ذلك الجانب الذي أفاده الظرفان، فمعي خروجي قُبَيل قيامك قرب الخروج من القيام من جانب القبلية، وكذا ما يماثله وقيل: يجئ التصغير للتغظيم، فيكون من باب الكناية، يكنى بالصغر عن بلوغ الغاية في العظم، لان الشئ إذا جاوز حده جانس ضده، وقريب منه قول الشاعر: - 31 - دَاهِيَةٌ قَدْ صُغِّرَتْ مِنَ الْكِبَرْ * صِلُّ صَفاً مَا تَنْطَوِي مَنَ الْقِصَرْ (1) واستدل لمجئ التصغير للإشارة إلى معنى التعظيم بقوله: - 32 - وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تدْخُلُ بينهم * دويهية تصفر منها الأَْنَامِلُ (2) ورُدَّ بأن تصغيرها على حسب احتقار الناس لها وتهاونهم بها، إذ المراد بها الموت: أي يجيئهم ما يحتقرونه مع أنه عظيم في نفسه تصفر منه الأنامل، واستدل أيضا بقوله:
33 - فويق جبيل شاهق الرأس لم تكن * لبتلغه حتى تكلل وَتَعْمَلاَ (1) ورد بتجويز كون المراد دقة الجبل وإن كان طويلاً، وإذا كان كذا فهو أشد لصعوده واعلم أنه قصدوا بالتصغير والنسبة الاختصار كما في التثنية والجمع وغير ذلك، إذ قولهم رُجَيْل أخف من رجل صغير، وكوفي أخصر من منسوب إلى الكوفة، وفيهما معنى الصفة كما ترى، لكن المنسوب يعلم رفعاً بخلاف المصغر، لما مر في شرح (2) الكافية، ولما كان استعمال الجمع في كلامهم أكثر من استعمال
المصغر، وهم إليه أحوج، كثرو أبنية الجمع ووَسَّعوها ليكون لهم في كل موضع لفظ من الجمع يناسب ذلك الموضع، إذ ربما يحتاج في الشعر أو السجع إلى وزن دون وزن فَقَصْرهم الجموع على أوزان قليقد كالتصغير مَدْعاة إلى الحرج، بخلاف المصغر، ثم لما كان أبنية المصغر قليلة واستعمالها في الكلام أيضاً قليلاً، صاغوها على وزن ثقيل، إذ الثق مع القلة محتمل، فجلبوا لأولها أثقل الحركات، ولثالثها أوسط حروف المد ثقلاً، وهو الباء، لئلا يكون ثقيلا بمرة، وجاءوا بين الثقلين بأخف الحركات، وهو الفتحة، لتقاوم شيئاً من ثقلهما، والأولى أن يقال: إن الضم والفتح في عنيق وجميل وَصُرَيْد غيرهما في عُنُق وَجَمَل وَصُرَد، كما قيل في فُلْك وَهِجَان قوله " فالمتمكن يضم أوله " إنما خص المتمكن لأن المبهمات تصغر على غير هذا النمط، كما يجئ في آخر الباب قوله " في الأربعة " احتراز من الثلاثي، لأن ما بعد الياء فيه حرف الإعراب فلا يجوز أن يلزم الكسر، وكان ينبغي أن يقول " في غير الثلاثي " ليعم نحو عُصَيفِير (1) وَسُفَيْرج، وإذا حصل بعد ياء التصغير مثلان أدغم أحدهما في الآخر فيزول الكسر بالإدغام، نحو أصيم ومديق، ويعد هذا من باب التقاء السكانين على حده، كما يجئ في بابه، وهو أن يكون الساكن الأول حرف مدأى ألفا أو واوا أو ياء ما قبلها من الحركة من جنسها، إذ ما قبل ياء التصغير وإن لم يكن من جنسها لكن لما لزمها السكون أجريت مجرى المدمع أنفي مثل هذا الياء والواو أي الساكن المفتوح ما قبله شيئاً من المد، وإن لم يكن تاماً، ألا ترى أن الشاعر إذا
قال قصيدة قبل رويها ياء أو واو ساكنة مفتوح ما قبلها فهي مردفة ولزمه أن يأتي بها في جميع القصيدة كما في قوله: - 34 - وَمَهْمَهَيْنَ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنْ * ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنْ (2) قوله " إلا في تاء التأنيث " لانها كلمة مركبة مع الأولى وإن صارت كبعض حروف الأولى من حيث دوران الإعراب عليها، وآخر أولى الكلمتين المركبتين مفتوح، فصار حكم التاء في فتح ما قبلها في المصغر والمكبر سواء قوله " وألفي التأنيث " أي المقصورة والممدودة، نحو حُبَيْلَى وحُمَيْرَاء، وإنما لم يكسر ما قبلهما إبقاء عليهما من أن ينقلبا ياء، وهما علامتا التأنيث، والعلامة لا تغير ما أمكن، أما لزوم انقلاب علامة التأنيث ياء في المقصورة فظاهر، وأما في الممدودة فالعلامة وإن كانت هي الهمزة المنقلبة عن ألف التأنيث، والألف التي قبلها للمد كما في حمار، لكن لما كان قلب ألف التأنيث همزة لا واواً ولا ياء للألف التي قبلها، كما ذكرنا في باب التأنيث، استلزم قلب الأولى ياء قلب الثانية ياء أيضاً كما في قوله: - 35 - * لَقَدْ أَغْدُو عَلَى أشقر يغتال الصحاريا (1) *
وقد تغير علامة التأنيث إذا اضطروا إليه، وذلك إذا وقعت قبل ألف التثنية نحو حبليان، أو ألف الجمع نحو حبليات، وإنما جاز تغييرها بلا ضرورة في نحو حمداوان وحَمْرَاوات إجراء لألفي التأنيث الممدودة والمقورة مجرى واحدا في قبلهما قبل ألفي التثنية والجمع. وقد يجئ أسماء في آخرها ألف للعرب فيها مذهبان: منهم من يجعل تلك الألف للتأنيث فلا يقلبها في التصغير ياء، ومنهم من يجعلها لغير التأنيث فيكسر ما قبلها ويقلبها ياء، وذلك نحو علقى وذفرى وتترى، فمن نونهال قال عُلَيْقٍ وَذًفَيْرٍ وتُتَيْرٍ، ومن لم ينونها قال عُلَيْقَى وذُفَيْرَى وتترى (1) وكذا يجئ في الممدودة ما لهم فيه مذهبان كَغَوْغَاء (2) من نوَّنه وجعله فعلالا كزلزال قال في التصغير
غويفى، ومن لم ينونه وجعله كحمراء قال غويغاء، وكذا في قُوبَاء (1) من فتح الواو فالألف للتأنيث لا غير، وتصغيره قُوَيْبَاء، ومن سكنها وجعله ملحقاً بقُرْطاس فتصغيره قُوَيْبِيٌّ. وإنما لم تقلب الألف التي قبل النون الزائدة ياء تشبيهاً لها بألف حمراء، وليس كل ألف ونون زائدتين في آخر الاسم تشبهان بألف التأنيث الممدودة فيمتنعَ قلب ألفه في التصغير ياء، فإذا أرادت تمييز ما يقلب ألفه ياء مما لا تقلب فاعلم أنهما إذا كانا في علم مرتجل نحو عُثْمان وعِمْران وسَعْدان وغَطَفان وَسَلْمَان وَمَرْوَان شابهتاها، لأن تاء التأنيث لا تلحقهما لا قبل العلمية ولا معها، أما قبلها فلفرضنا ارتجالها، وأما معها فلأن العلمية مانعة كما مر فيما لا ينصرف (2) ، فعلى هذا تقول عثيمان
عميران وَسُعَيْدَان وغُطَيْفان وَسُلَيْمَان وَمُرَيَّان، وأما عُثْمانٌ في فرخ الحُبَارى على ما قيل وسَعْدَانٌ في نبت فتصغيرهما عُثَيْمِين وسُعَيْدِين، وليسا أصلين لسَعْدَان وعثمان علمين، بل اتفق العلم المرتجل والجنس، كما اتفق الأعجمي والعربي في يعقوب وآزر، وَسَعْدَان اسم مرتجل من السعادة كسُعَاد منها، وعثمان مرتجل من العثم (1) ، وكذا إن كانتا في صفة ممتنعة من التاء كَجَوْعان وسكران تشابهانها بانتفاء التاء، فتقول: سُكَيْرَان وَجُوَيْعَان، وإن كانتا في صفة لا تمتنع من التاء كالْعُرْيَان وَالنَّدْمَان وَالصَّمَيَان للشجاع وَالْقَطَوان للبطئ شبهتا بالالف والنوف في باب سكران، لكونها صفات مثله وإن لحقتها التاء، فقيل: عُرَيَّان وَنُدَيْمَان وصُمَيَّان وَقُطَيَّان، وإن كانتا في الاسم الصريح غير العلم فإنهما لا تشبهان بالألف والنون في باب سكران مطلقاً، إذ لا يجمعهما الوصف كما جمع عرياناً وسكران، بل ينظر هل الألف رابعة أو فوقها، فإن كانت رابعة نظر، فإن كان الاسم الذي هما في آخره مساويا لاسم آخره لان قبلها ألف زائدة في عدد الحروف والحركات والسكنات وإن لم يساوه وزناً حقيقيًّا قُلِبَ في التصغير ياء تشبيهاً لها بذلك الألف الذي قبل اللام، وذلك في ثلاثة أوزان فقط: فَعْلاَن، وَفُعْلاَن، وَفِعْلاَن، كحومان وسلطان وسرحان، فإن نون حومان موقعها موقع اللام في جَبَّار وزَلْزال، وموقع نون
سلطان كلام قرطاس وَزنَّار (1) وطومار، وموقع نون سِرْحان كلام سِرْبال (1) ومفتاح وإصباح، فتقول: حُوَيمين وَسُلَيْطِين وَسُرَيْحِين، كزليزيل وقريطيس ومفيتيح، وإن لم يكن الاسم المذكور مساوياً لما ذكرنا فيما ذكرنا كالظَّرِبَان وَالسَّبُعَان (3) وفِعْلاَن وفُعُلاَن وفُعَلاَن إن جاءت في كلامهم لم يشبه ألفها بالألف التي قبل اللام، إذ لا يقع موقع الألف والنون فيها ألف زائدة بعدها لام، بل تُشَبَّه الألف والنون فيها بالألف والنون في باب سكران، فلا نقلب الألف ياء، نحو ظُرَيْبَان وسُبَيْعَان في تصغير ظَرْبان وسَبُعان، وإنما جاز تشبيههما بها ههنا في التصغير ولم يجز ذلك في الجمع فلم يَقُل ظرابان بل ظرابين لتمام بنية التصغير قبل الألف والنون، وهي فُعَيْل، بخلاف بنية الجمع الاقصى، وإذا جاز لهم لإقامة بنية الجمع الأقصى قلب ألف التأنيث وهي أصل الألف والنون كما في الدعَاوى والفتاوى والحبالي في المقصورة والصَحَارَى في الممدودة كما يجئ في باب الجمع فكيف بالألف والنون
وكان قياس نحو وَرَشَان وَكَرَوَان (1) أن يكون كظربان، إذ لا يقع موقع نونه لام، كما لم يقع موقع نون ظَرِبَان وسَبُعان، لكنه لما جاءت على هذا الوزن الصفات أيضاً كالصَّمَيَان وَالْقَطَوان (2) وشبهت ألفها بألف سكران فلم تقلب كما مر، قصدوا الفرق بينهما، فقلبت في الاسم فقيل: وُرَيْشين وكُرَيْوِين (3) ، لأن تشبيه الصفة بالصفة أنسب وأولى من تشبيه الاسم بها وإن كانت الألف فوق الرابعة: فإن كانت خامسة كزَعْفَرَان وعُقْرُبَان وأُفْعُوَان (4) لم يجز تشبيهها بالألف التي قبل اللام وقلبها ياء، إذ لا تقلب تلك الألف ياء في التصغير إلا رابعة كمفتاح ومصباح، فلم يبق إلا تشبيهها بألف التأنيث
فقيل: زعيفران وعقيربان وأفيعيان وفي صِلِّيَان (1) صُلَيْلِيَان، وكان القياس أن يقال في أسطوانة أُسَيْطِيَانة، لكنه حذف الواو فيها شاذاً، فصارت الألف رابعة فقيل: أسيطينة، كثعيمين، وكذا قيل في الجمع أسَاطين، كذا قياس إنسان أن يُصَغر على أنيسين كسريحين لكنه لما زيد ياء قبل الألف شاذاً في الأصح كما يجئ في ذي الزيادة صارت الألف خامسة كما في أفعوان وعقربان وإن كانت الألف فوق الخامسة: فإن كان في جملة الأحرف المتقدمة عليها ما يلزمه حذف بحيث تصير الألف بعد حذفه خامسه بقيت بحالها لأنها تصير إذن كما في عقربان، وذلك كما تقول في عَبَوْثَرَان (2) عُبَيْثِرَان، لأن الواو زائدة، وإن لم يكن كذلك حَذَفْتَ الألف والنون كما تقول في قَرَعْبَلاَنة (3) قُرَيْعِبة لأنك تحذف الأصلي قبلهما فكيف تخليهما؟
وأما العلم المنقول عن الشئ فحكمه حكم المنقول عنه، تقول في سِرْحَان (1) وَوَرَشَانَ وسُلْطَان أعلاماً: سريحين ووريشين وسليطين، تكون قبل التصغير غير منصرفة للعلمية والألف والنون، وتنصرف بعد التصغير لزوال الألف بانقلابها ياء، وهذا كما لا ينصرف مِعْزَى علماً لمشابهة ألفها لألف التأنيث فإذا صغرنه صرفته لانقلابها ياءً نحو مُعَيْزٍ، وتقول في ظربان وعقربان وسكران وندمان أعلاماً: ظريبان وعقيربان وسكيران ونديمان كما كانت قبل النقل إلى العلمية، وهذا كما تقول في أجمال علماً: أُجَيْمَال، بالألف على ما ذكره سيبويه هذا، ثم إنَّ النحاة قالوا في تعريف الألف والنون المشبهتين بألف التأنيث: كل ما قلب ألفه في الجمع ياء فاقلبها في التصغير أيضاً ياء، وما لم تقلب في التكسير فلا تقلب في التصغير، وهذا رد إلى الجهالة، ولا يطرد ذلك في نحو ظربان لقولهم ظربيان وظرابين، وما لم يعرف هل قلب ألفه في التكسير أو لا اختلفوا فيه: فقال السيرافي وأبو علي: لا تقلب ألفه حملاً على باب سكران، لأنه هو الأكثر، وقال الأندلسي: يحتمل أن يقال: الأصل عدم التغيير، وأن يقال: الأصل الحمل على الأكثر فتغير والله أعلم، وإنما تغير ألف أفعال إبقاء على علامة ما هو مستغرب في التصغير، أعني الجمع، وذلك لأنهم - كما يجئ - لم يصغروا من (2) صيغ الجمع المكسر إلا الأربعة الأوزان التي للقلة، وهي: أَفْعُلُ وأفعال وأفعلة وفعلة،
فكان تصغير الجمع مستنكراً في الظاهر، فلو لم يُبْقُوا علامته لم يحمل السامع المصغر على أنه مصغر الجمع لتباين بينهما في الظاهر، وأما ألف نحو إخراج وإدخال فهي وإن كانت علامة المصدر إلا أنها تقلب في التصغير ياء، إذ لا يستغرب تصغير المصدر استغراب تصغير الجمع، وإذا سميت بأجمال قلت أيضاً أجيمال كما ذكرنا. قال: " وَلاَ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعةٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجِئْ في غَيْرِهَا إلاَّ فُعَيْلٌ وفُعَيْعِلٌ وَفُعَيْعِيلٌ، وَإِذَا صُغِّرَ الْخُمَاسِيُّ عَلَى ضَعْفِهِ فالأَوْلَى حَذْفُ الْخَامِسِ، وَقِيلَ: مَا أَشْبَهَ الزَّائِدَ، وسمع الاخفش سفير جل " أقول: قوله " ولا يزاد على أربعةٍ " عبارة ركيكة، مراده منها أنه لا يصغر الخماسي، أي: لا يرتقي إلى أكثر من أربعة أحرف أصول في التصغير، لأن للأسماء ثلاث درجات: ثلاثي، ورباعي، وخماسي، فيصغر الثلاثي، ويزاد عليه أن يُرْتَقَى منه إلى الرباعي أيضاً، فيصغر، ولا يزاد على الرباعي: أي لا يزاد الارتقاء عليه، بل يقتصر عليه، فإن صغرته على ضعفه فالحكم ما ذكر من حذف الخامس قوله " ولذلك " أي لأنه لا يرتقي من الرباعي لا تتجاوز أمثلة التصغير عن ثلاثة، وذلك أنه إن كان ثلاثيًّا على أي وزن كان من الأوزان العشرة فتصغيره على فُعَيْل، وإن كان رباعيًّا فإما أن يكون مع الأربعة مدة رابعة أولا، فتصغير الأول فُعَيْعِيل، وتصغير الثاني فُعَيعل، وحكى الأصمعي في عَنكبوتُ عُنَيْكبيت وعَنَاكبيت، وهو شاذ قوله " لم يجئ في غيرها " أي: في غير ذي تاء التأنيث، وذي ألف التأنيث، وذز الالف والنون المشبهتين، وذي ألف أفعال، وأما فيها فيجئ غير الأمثلة الثلاثة ويجئ الأمثلة الثلاثة قبل تاء التأنيث، كقديرة وسليهبة وزنييرة (1)
في زُنْبورة، وكذا قبل ألف التأنيث الممدودة، نحو حُمَيْرَاء وخُنَيْفِسَاء ومُعَييِّرَاء (1) في مَعْيُورَاء، وكذا قبل الألف والنون نحو سُلَيْمَان وجُعَيْفِرَان وعُبَيْثِرَان بإبدال الياء من الواو المحذوفة، ولا يجى قبل ألف الجمع إلا فُعَيْل كأجَيْمال، وكذا قبل ألف التأنيث المقصورة لا يجى فُعَيْعِل وَفُعَيْعِيل، لأنها تحذف خامسة في التصغير كما يجئ. وكان على المصنف أن يذكر ياء النسبة أيضاً نحو بُرَيْدِي في بريدى (1) ومَشَيْهدِي في مَشْهَديّ ومطيليقي في منطلقي، بإبدال الياء من النون، فيقول: لم يجئ في غيرها وغير المنسوب بالياء إلا كذا
فإن قال فُعَيْلِيٌّ هو فعيل، والياء زائدة قلنا: لا شك في زيادتها إلا أنها صارت كجزء الكلمة، مثل تاء التأنيث، بدليل دوران إعراب الكلمة عليها كما على التاء وتصح المعارضة بنحو حُمَيْزَةَ وَحُبَيْلَى وَحُمَيْرَاءَ، فإنها فُعَيْل، والتاء والألفان زوائد. وهلا ذكر المثنى والمجموع نحو العميران والعميرون، فقال: ويكسر ما بعدها إلا في تاء التأنيث وألفيه وياء النسبة وألف المثنى ويائه وواو الجمع وألف جمع المؤنث وألف أفعال والألف والنون المضارعتين وكذا في المركب نحو بعلبك قوله " فالأولى حذف الخامس " لأن الكلمة ثقيلة بالخمسة الأصول، فإذا زدت عليها ياء التصغير زادت ثقلاً، وسبب زيادة الثقل وإن كانت زيادة الياء لكنه لا يمكن حذفها إذ هي علامة التصغير، فحذف ما صارت به الكلمة مؤدية إلى الثقل بزيادة حرف آخر عليها، وذلك هو الخامس، ألا ترى أن الرباعي لا يستثقل بزيادة الياء عليه، فحذف الحرف الخامس مع أصالته فإن قيل: أليس في كلام العرب ما هو زائد على الخماسي نحو قَبَعْثَرًى وسَلْسَبيل (1) وغير ذلك؟ قلت: بلى، لكن تلك الزيادات ليست بقياسية فلا يكثر المزيد فيه بسببها إذ كل واحد كالشاذ في زنته، وأما زيادة ياء التصغير فقياس، فلو سنوا قاعدة زيادتها على الخماسي الأصلي حروفُه لصارت قياساً، فيؤدي إلى الكثرة، إذ يصير لهم قانون يقاس عليه فإن قيل: أليس مثل مستخرج قياسا؟
قلت: بلى، لكنه مبني على الفعل وجار مجراه، وجاز ذلك في العمل كثيراً غالباً قريباً من القياس، نحو اسْتَخْرَجَ واحرنجم، لكونه أقل أصولاً من الاسم إذ لا يجئ منه الخماسي الأصلي حروفه، والثقل بالحروف الأصول لرسوخها وتمكنها أشد وأقوى. قوله " وقيل ما أشبه الزائد " اعلم أن من العرب من يحذف في الخماسي الحرف الذي يكون من حروف " اليوم تنساه " وإن كان أصليًّا لكونه شبيه الزائد، فإذا كان لابد من حذف فحذف شبه الزائد أولى، كما أنه إذا كان في كلمة على خمسة زائدٌ حذف الزائد كان نحو دُحَيْرج في مدحرج، لكن الفرق بين الزائد حقيقية وبين الأصلي المشبه له بكونه من حروف " اليوم تنساه " أن مثل ذلك الأصلي لا يحذف إلا إذا كان قريب الطرف بكونه رابعاً، بخلاف الزائد الصرف، فإنه يحذف أين كان، فلا يقال في جَحْمَرِش جُحَيْرش لبعد الميم من الطرف، كما يقال في مُدَحْرج دحيرج، وقال الزمخشري: إن بعض العرب يحذف شبه الزائد أين كان، وهو وهم على ما نص عليه السيرافي والأندلسي، فإن لم يكن مجاور الطرف شيئاً من حروف " اليوم تنساه " لكن يشابه واحداً منها في المخرج حذف أيضاً، فيقال في فرزدق: فَرَيْزِق، لأن الدال من مخرج التاء قوله " وسمع الأخفش سفيرجل " يعني بإثبات الحروف الخمسة كراهة لحذف حرف أصلي، وبإبقاء فتحة الجيم كما كانت، وحكى سيبويه عن بعض النحاة في التصغير والتكسير سُفَيْرِجَلٌ وسَفَارِجَلُ - بفتح الجيم فيهما - فقال الخليل لو كنت محقراً للخماسي بلا حذف شئ منه لسكنت الحرف الذي قبل الأخير فقلت سُفَيْرِجْلٌ قياسا عى ما ثبت في كلامهم، وهو نحو دُنَيْنِير، لأن الياء ساكنة قال " وَيُرَدُّ نَحْوُ بَابٍ وَنَابٍ وَمِيزَانٍ وَمُوقِظٍ إِلَى أصْلِهِ لِذَهَابِ المُقْتَضِي، بِخِلاَف قَائم وَتُرَاثٍ وَأُدَدٍ، وَقَالُوا عُيَيْدُ لِقَوْلِهِمْ أَعْيَاد "
أقول: اعْلَم أن الاسم إما أن يكون فيه قبل التصغير سبب قلب أو حذف أولا: فإن كان فإما أن يزيل التصغير ذلك السبب، أولا، فما يزيل التصغير سبب القلب الي كان فيه نحو باب وناب، ونحو ميزان ومُوقظ، ونحو طَيٍّ وَليٍّ، ونحو عطاء وكساء، ونحو ذَوَائِب وماءٍ وشاء عند المبرد، وفم، ونحو قائم وبائع، ونحو أرؤر والنّؤر، ونحو مُتَّلج ومُتَّعد (1) ، وما يزيل التصغير سبب الحذف الذي
كان فيه نحو عصًا وفَتًى وعَمٍ (1) والسبب هو اجتماع الساكنين، وقريب منه ما لم يُزِلِ التصغير سبب الحذف لكنه عرض في التصغير ما يمنع من اعتبار ذلك السبب، كالثلاثي المحذوف منه حرفٌ إما لقصد التخفيف على غير قياس نحو سَهٍ وغَدٍ، ونحو ابن واسم وبنت وأخت وحَمٍ، فإن قصد التخفيف بالحذف لا يمكن اعتباره في التصغير، إذ لا يتم الوزن بدون المحذوف، وإما لإعلال قياسي كعِدَة وزنة، وما لا يزيل التصغير سبب القلب الذي كان في مكبره نحو تُرَاث وَأدَد (2) وما لا يزيل التصغير سبب الحذف الذي كان في مكبره كميت
وهارٍ وناسٍ ويَرَى وأرى ونَرَى وترى ويَضَع وتضع وخَيْر وشر (1) وإن لم يكن فيه قبل التصغير سبب قلب ولا حذف فإما أن يعرض في التصغير ذلك كعروض سبب قلب ألف نحو ضارب وحِمَار، وواو جَدْوَل وأسْوَد وعُرْوَة ومِزْوَدٍ وعصفور وعروض (2) ، وكعروض سبب حذف خامس نحو سفرجل، وثالثة يا آت نحو أحْوَى (3) ومعاوية وعطاء، وألف نحو مساجد، وما يحذف من نحو مستخرج واستخراج ومنطلق وانطلاق، وإما أن لا يعرض فيه ذلك كما في تصغير نحو رجل وجعفر
فالقس الذي أزال التصغير سبب القلب الذي كان فيه اختلف في بعضه: هل ينتفي المسبب لزوال السبب أو لا؟ واتفق في بعضه على أنه ينتفي ذلك بانتفاء سببه، فمما اتفقوا فيه على رجوع الأصل الألف المنقلبة عن الواو والياء ثانية لتحركها وانفتاح ما قبلها، تقول في باب وناب: بُوَيْب وينيب، لزوال فتحة ما قبلهما، وبعض العرب يجعل المنقلبة عن الياء في مثله واواً أيضاً حملا على الاكثر، فإن أكثر الالفا في الأجوف منقلبة عن الواو، وهذا مع مناسبة الضمة للواو بعدها، وبعض العرب يكسر أول المصغر في ذوات الياء نحو نِيَيْب وشِيَيْخ، خوفاً على الياء من انقلابها واواً لضمة ما قبلها، وتَفَصِّياً من استثقال ياء بعد ضمة لو بقيتا كذلك، وهذا كما قيل في الجمع بِيُوت وشِيُوخ - بكسر الفاء - وقرئ به في الكتاب العزيز، وإذا كان الألف في نحو باب مجهول الأصل وجب قلبها في التصغير واواً عند سيبويه، لأن الواو على ما مر أقرب، فتقول في تصغير صَابٍ وآءَةٍ (1) - وهما شجران -: صُوَيْب وَأُوَيْأة، والأخفش يحملها على الياء لحفتها فيقول: صُيَيْب وأُيَيأة، وتقول في " رجلٌ خافٌ " أي خائف، و " كبشٌ صافٌ " برفع لاميهما: خُوَيْفٌ وصُوَيْفٌ، بالواو لا غير، لأنه يجوز أن يكون أصله خائفاً وصائفاً فحذفت العين، فتكون
الألف زائدة، فوجب قلبها واواً كما في ضُوَيرب، وأن يكون خَوِفاً وصَوِفاً كقولك: رجل مَالٌ، من مال يمال كفزع يفزع، فترد الألف إلى أصلها كما في بُوَيْب، وكذا تقول: إن الألف في فتًى ترد إلى أصلها لزوال فتحة ما قبلها، وكذا في العصا ترد إلى الواو، لكنها تقلب ياء لعروض علة قلبها في التصغير ياء ومن المتفق عليه رد الياء المنقلبة عن الواو لسكونها وانكسار ما قبلها إلى أصلها نحو مِيقَاتٍ وريح، تقول في تصغيرهما: مُوَيْقيت ورُوَيحة، لزوال الكسر والسكون، وهذا كما تقول في الجمع مَوَاقيت، وحكى بعض الكوفيين أن من العرب من لا يردها في الجمع إلى الواو، قال: - 36 - حِمّى لاَ يُحَلُّ الدَّهْرَ إِلاَّ بِأَمْرِنَا * وَلاَ نَسْأَلُ الأَقْوَامَ عَقْدَ المياثق (1)
وإنما قالوا عُيَيْد في تصغير عيد ليفرقوا بينه وبين تصغير عود، وكذلك فرقوا جمعيهما فقالوا أعياد في جمع عيد وأعواد في جميع عود (1) وكذا اتفقوا على ردّ الأصل في قريريط وذنينير لزوال الكسر الموجب لقلب أول المضعف ياء، كما قيل قَرَاريط ودنانير. وكذا اتفقوا على رد أصل الياء التي كانت أبدلت من الواو لاجتماعها مع الياء وسكون أولاهما، كما تقول في تصغير طَيّ وَلَيّ، لتحرك الأولى في التصغير، وكذا تقول: طُوَيَّان ورُوَيَّان في تصغير طَيَّان (2) ورَيَّان، كما تقول في الجمع: طِوَاء ورِوَاء، وكذا إِذا حقرت قيا (3) وأصله قوى كجبر من الأرض القواء: أي القفر. وكذا اتفقوا على رد أصل الهمزة المبدلة من الواو والياء لتطرفها بعد الألف الزائدة، نحو عطاء وقضاء، فتقول: عُطَيٌّ، تردها إلى الواو، ثم تقلبها ياء لانكسار ما قبلها، ثم تحذفها نسيا لاجتماع ثلاث يا آت كما يجئ، وكذا تقلب همزة الإلْحاق في حِرْباء ياء، فتقول: حُرَيْبي، لأن أصلها ياء كما يجئ في باب الاعلال
وإن كانت الهمزة أصلية خليتها كأُلَيِّئة في تصغير ألاءة (1) ، وإن لم تعرف هل الهمزة صل أو بدل من الواو والياء خليت الهمز في التصغير بحاله ولم تقلبه، إلى أن يقوم دليل على وجوب انقلابه، لأن الهمزة موجودة، ولا دليل على أنها كانت في الأصل شيئاً آخر، وكذلك ترد أصل الياء الثانية في بَرِيَّةٍ (2) وهو الهمزة عند من قال: إنها من برأ أي خلق، لأنها إنما قلب ياء لكون الياء قبلها ساكنة حتى تدغم فيها، ومن جعلها من البرى - وهو التزاب - لم يهمزها في التصغير، وكذا النبي أصله عند سيبويه الهمز، لقولهم تنبأ مسيلمة (3) فخففت بالإدغام كما في برية، فكان قياس التصغير نُبَيِّئ، قال سيبويه: لكنك إذا صغرته أو جمعته على أفعلاء كأنبياء تركت الهمزة لغلبة تخفيف الهمزة في النبي فتقول في التصغير نُبَيٌّ بياءين على حذف الثالث كما في أُخَيّ، وقد جاء النبآء
وكذا اتفقوا على رد الألف في آدم إلى أصلها، وهو الهمزة، في التصغير والجمع، لكنه يعرض للهمزة فيهما ما يوجب قلبها واواً، وذلك اجتماع همزتين متحركتين لا في الآخر غير مكسورة إحداهما، كما يجئ في باب تخفيف الهمزة وكذا اتفقوا على أنك إذا صغرت ذَوَائب اسم رجل قلت: ذؤيئب بهمزتين مكتنفتين للياء، لأن أصل ذَوَائِب ذآئِب بهمزتين، إذ هي جمع ذُؤَابة (1) فكره اكتناف همزتين للألف التي هي لخفتها كلا فصل، فأبدلوا الأولى شاذا لزوماً واواً، وإنما لم يقلبوا الثانية لتعود الأولى إلى القلب في المفرد: أي في ذؤابة، وإنما أبدلت واواً لأنها أبدلت في مفرده ذلك، وليكون كأَوادم وجوامع، هذا، وقال سيبويه في تصغير شاء: شُوَيّ، قال: أصل شاء إما شَوَيٌ أو شَوَوٌ قلبت العين ألفاً واللام همزة وكلاهما (2) شاذ، وفيه جمع بين إعلالين، والقياس قلب اللام
فقط ألفاً، قال: ليس لفظ شاء من شاة لأن أصلها شَوْهَة بدليل شُوَيهة، بل هو بالنسبة إلى شاة كنسوة إلى امرأة، واستدل على كون لامه حرف علة بقولهم في الجمع شَوِيٌّ ككليب، وقال المبرد: شَوِيٌّ من غير لفظ (1) شاء، وأصل شاء شَوَهٌ فهو من شاة كتمر من تمرة، قلبت العين ألفاً على القياس، كما في باب، ثم قلبت الهاء همزة لخفائها بعد الألف الخافي أيضاً، وهذا كما أن أصل ماء مَوَه، قال: فتقول في تصغير شاء: شويه، كما تقول في ماء: مويه، لزوال الألف الخافي في التصغير، فترد اللام إلى أصلها، كما تقول في الجمع: شياه، ومياه وكذا اتفقوا على رد ميم " فم " إلى أصله، وهو الواو، لأنه إنما جعلت مما لئلا تحذف باجتماع الساكنين، فيبقى الاسم على حرف وما اختلف في هذا القسم في رجوع الحرف المقلوب فيه إلى أصله باب قائم ونائم، وباب أدؤر والنؤر، بالهمزة، وباب مُتَّعد، قال سيبويه في الجميع: لا ترد إلى أصولها في التصغير، بل تقول: قويتم، وأديئر، وأدَيْئر، بالهمزة بعد الياء فيهما وكذا نُؤَيِّر، بالهمزة قبل الياء، وَمُتَيْعِد وَمُتَيْزن، ولعل ذلك لأن قلب العين همزة في باب قائل، وقلب الواو في متعد - وإن كانا مطردَيْنِ - إلا أن العلة فيهما ليست بقوية، إذ قلب العين ألفاً في قائم ليس لحصول العلة في جوهره، ألا ترى أن ما قبل العين أي الألف ساكن عريق في السكون، بخلاف سكون
قاف أَقْوَمَ، ومع هذا لم يكن حرف العلة في الطرف الذي هو محل التغيير كما كانت في رِدَاء، فلا جرم ضعف علة القلب فيه ضعفاً تاماً حتى صارت كالعدم، لكنه حمل في الإعلال على الفعل نحو قال، فلما كانت علة القلب ضعيفة لم يُبَالَ بزوال شرطها في التصغير بزوال الألف، وإنما كان الألف شرط علة القلب لأنها قبل العين المتحركة كالفتحة، أو نقول: هي لضعفها كالعدم فكأن واو قَاوِم متحرك مفتوح ما قبلها، وكذا نقول: إن علة قلب الواو في أو تعد تاء ضعيفة، وذلك لأن الحامل عليه كراهة مخالفة الماضي للمضارع لو لم تقلب الواو تاء، لكون الماضي بالياء والمضارع بالواو، مع كون التاء في كثير من المواضع بدلاً من الواو نحو تُرَاث وتُكَلَة وتَقْوَى (1) ، ونحو ذلك، ومخالفة الماضي للمضارع غير عزيزة كما في قال يقول وباع يبيع، فظهر أن قلب الواو تاء وإن كان مطرداً إلا أنه لضرب من الاستحسان، ولقد تخفيف الكلمة بالإدغام ما أمكن، ولضعف العلة لم يقلبه بعض الحجازيين تاء، بل قالوا يتعد يا تعد، كما يجئ في باب الإعلال، فلما ضعفت علتا قلب عين نحو قائم وفاء نحو مُتّعد صار الحرفان كأنهما أبدلا لا لِعِلة، فلم يُبَالَ بزوال العلتين في التصغير، فقيل: قويئم بالهمزة، ومتيعد بالتاء وحذف الافتعال، كما في تصغير نحو مرتفع. وخالف الجرمي في الأول، فقال: قُوَيِّل وبوَيِّع بترك الهمزة لذهاب شرط العلة، وهو قوع العين بعد الألف، وقد اشترط سيبويه أيضاً في كتاب في قلب العين في اسم الفاعل ألفاً ثم همزة وقوعها بعد الألف، واتفق عليه النحاة، فلا
وجه لقول المصنف في الشر إن علة قلب العين ألفاً فيه حاصلة، وهي كونه اسم فاعل من فعل مُعَل، فإن هذه العلة إنما تؤثر بشرط وقوع العين بعد الألف باتفاق مهم وحالف الزجاج في نحو متعد فقال في تصغيره: مُوَيْعد، لذهاب العلة وهي وقوع الواو قبل التاء، ذلك لأن التاء تحذف في التصغير كما في مُرْتَدع وَمُجْتمع كما يجئ. وأما نحو أدؤر ونَؤُر فإن سيبويه لم يبال بزوال علة قلب الواو همزة في التصغير وهي كونها واواً مضمومة، لأنها وإن كانت مطردة في جواز قلب كل واو مضمومة ضمة لازمة همزةً، كما يجئ، لكنها استحسانية غير لازمة، نحو وُجُوه ونحوه، فهي علة كلا علة، وخالفه المبرد فقال: إنما همزت الواو لانضمامها، وقد زالت في التصغير فتقول في أدؤر ونَؤُر المهموزين: أُدَيِّر بالياء المشددة ونُوَيِّر بالواو الصريحة، ولا كلام في نحو تُخمة وتُرَاث وتُهْمة (1) ، لأن قلب الواو تاء لأجل انضمامها في أول الكلمة، فكرهوا الابتداء بحرف ثقيل متحرك بأثقل الحركات، والضمة حاصلة في التصغير، وهذا القلب غير مطرد، بخلافه في نحو اتَّعد قوله " وأُدَد " (2) هو أبو قبيلة من اليمن، وهو أُدد بن زيد بن كهلان بن
سبأ بن حمير، وأدٌّ أبو قبيلة، وهو أد بن طابخة بن الياس بن مضر، يعني أنه في الأصل وُدَد بالواو المضمومة، واستثقل الابتداء بها فقلبت همزة كما في أجوه وأُقِّتَت، وإبدال الواو المضمومة ضمة لازمة همزة في الأول كانت أو في الوسط قياسٌ مطرد لكن على سبيل الجواز لا الوجوب، ولا أدري أي شئ دعاهم إلى دعوى انقلاب همزة أدد عن الواو، وما المانع من كونه من تركيب " أدد " وقد جاء منه الإدُّ بمعنى الأمر العظيم، وغير ذلك قال: " فَإِنْ كَانَتْ مَدَّةٌ ثَانِيَةٌ فَالْوَاوُ لاَزِمَةٌ، نَحْوُ ضُوَيْرِبٍ في ضَارِبٍ وَضُوَيْرِيبٍ في ضِيرَابٍ، وَالاسْمُ عَلَى حَرْفَيْنِ يُرَدُّ مَحْذُوفُهُ، تَقُولُ في عِدَةٍ وَكُلْ اسْماً وَعَيْدَة وَأُكَيْلٌ، وَفِي سه ومذا سما ستيهة ومنيذ، وفي دم وَحِرٍ دُمَيٌّ وَحُرَيْحٌ، وَكَذَلِكَ بَابُ ابْنٍ وَاسْمٍ وَأُخْتٍ وَبِنْتٍ وَهَنْتٍ، بِخِلاَفِ بِابِ مَيْتٍ وَهَارٍ وَنَاسٍ " أقول: قد مر أن نحو ضويرب مما عرض فيه في التصغير علة القلب اعلم أن كل مدة زائدة ثانية غير الواو تقلب في التصغير واواً لانضما ما قبلها، فتقول في ضارب وضيراب وطُومار: ضُوَيرِب وَضُوَيْريب وطُوَيْمِير (1) ، وأما إن لم تكن زائدة نحو الْقِير (2) والنَّاب فلا، بل تقول: قُيَير ونُيَيْب قوله " والاسم على حرفين يرد محذوفه " هذا من باب ما عرض فيه في التصغير مانع منه من اعتبار سبب الحذف الذي كان في المكبر كما ذكرنا اعلم أن كل اسم ثلاثي حذف فاؤه أو عينه أو لامه وجب في التصغير ردها،
لأن أقل أوزان التصغير فُعَيْل، ولا يتم إلا بثلاثة أحرف، فإذا كنت محتاجاً إلى حرف ثالث فَرَدُّ الأصلي المحذوف من الكلمة أولى من اجتلاب الأجنبي، وأما إن كانت الكلمة موضوعة على حرفين أو كُنْتَ لا تعرف أن الذاهب منها أي شئ هو، زدت في آخرها في التصغير ياء، قياساً على الاكثر، لان ما يحذف من الثلاثي اللام دون الفاء والعين، كدمٍ ويدٍ وفم وَحِرٍ، وأكثر ما يحذف من اللام حرف العلة، وهي إما واو، أو ياء، ولو زدت واواً وجب قلبها ياء لاجتماعها مع الياء الساكنة قبلها، فجئت من أول الأمر بالياء، فقلت في تصغير مَنْ وَمِن وأن الناصبة للمضارع وإن الشرطية أعلاماً: مُنَيّ وَأُنَيّ، وأما إذا نسبت إلى مثل هذه فيجيئ حكمها في باب النسب، وتقول في تصغير عدة: وعيدة وهذ التاء وإن كانت كالعوض من الفاء ولذلك لا يتجامعان نحو وَصْلة وَوَعْدَة، لكنه لم يتم بنية تصغير الثلاثي - أي فُعَيْل - بها، لأن أصلها أن تكون كلمة مضمومة إلى كلمة، فلهذا فتح ما قبلها كما فتح في نحو بَعْلَبَك، فالتاء مثل كرب ما قبلها، وأما إذا قامت التاء مقام اللام وصارت عوضاً منه كما في أُخت وبنت فإنها تخرج عما هو حدها من فتح ما قبلها، بل تسكن ويوقف عليها تاء، ولا يعتد بمثل هذه أيضاً في البنية، بل يقال أَخَيَّه برد اللام حفظاً لأصل التاء، وهو الانفصال، وكونُهَا كلمة غير الكلمة الأولى، فإذا لم يعتد بها في البنية في نحو بِنْتٍ مع كونها عوضاً من اللام قائمة مقامها لما فيها من رائحة التأنيث فكيف يعتد بها فيها في نحو عِدَة مع عدم قيامها مقام المعوض منه بدلالة فتح ما قبلها كما هو حقها في الأصل وكذا الوقف عليها هاء، وتقول في كل اسما: أُكَيْل، ترد الهمزة التي هي فاء الكلمة، ولا ترد همزة الوصل، لأنه إنما احتيج إليها لسكون الفاء، وفي المصغر يتحرك ذلك
قوله " وفي مذ " هذا بناء على أن أصله منذ، وقد ذكرنا في شرح (1) الكافية أنه لم يقم دليل عليه قوله " سه " أصله سَتَه وفيه ثلاث لغات إحداها هذه، وهي محذوفة العين، والثانية سَتٌ بحذف اللام مع فتح السين، والثالثة است بحذف اللام وإسكان السين والمجئ بهمزة الوصل فأما إذا سميت بقُمْ وبع فإنك تقول في المكبر: قُومٌ وبيع، كما مر في باب الأَعلام (2) فلا يكون من هذا الباب قوله " وفي دَم وَحِرٍ " لام دم ياء، ولام حِرٍ حاء، حذفت لاستثقال الحاءين بينهما حرف ساكن، وحذفُ العين في سَهٍ ومُذ واللام من حر ودم ليس قياساً بل القياس في نحو عَمٍ وَفَتًى، وحذف الفاء في كُلْ شاذ، وفي عِدَة قياس كما يجئ في موضعه قوله " وكذا باب ابن واسم وبنت وهَنْت " يعني إذا حذفت اللام وأبدلت منها همزة الوصل في أول الكملة أو التاء في موضعه فإنه لا يتم بالبدلين بنية تصغير الثلاثي، بل لابد من رد اللام، وإنما لم يتم بهمزة الوصل لأنها غير لازمة، بل لا تكون إلا في الابتداء، فلو اعتد بها لم تبق البنية في حال الدرج إن سقطت
الهمزة وإن لم تسقط خرجت همزة الوصل عن حقيقتها، لأنها هي التي تسقط في الدرج، وإنما لم يعتد بالتاء في البنية لما فيها من رائحة التأنيث لاختصاص الإبدال بالمؤنث دون المذكر، وإنما قلنا إن الهمزة والتاء بدلان من اللام لأنهما لا تجامعانه، ولم يجئ من الكلمات ما أبدل من لامه تاء فيكون ما قبلها ساكناً ويوقف عليها تاء إلا سبع كلمات: أخت، وبنت، وهَنْت، وَكَيْتَ، وذيْتَ، وثنتان (1)
وكلتا عند سيبويه (1) ، وقولهم مَنْتٌ (2) بسكون النون مثلها، لكنها
ليست بدلاً من اللام، إذ لا لام لمن وضعا، وتقول في تصغيرها: أُخيَّة، وبنية، وبنية، وهُنَيْهَة، لأن لامها ذات وجهين كسنة، وتصغير سنة أيضاً على سُنَيَّةٍ وَسُنَيْهَة، وتقول في منت: مُنَيَّة كما تصغر مَنْ على ما ذكرنا، وتقول في كَيْتَ وَذَيْتَ: كُيَيَّة وذُيَيَّة، لقولهم في المكبر ذَيَّة وكَيَّة أيضاً، ومن قال أصلهما كَوْيَة وَذَوْيَة لكون باب طَوَى أكثر من باب حَيِيَ قال: كُوَيَّة وَذُوَيَّة، وإنما فتحتَ ما قبلها في التصغير ووقفت عليها هاء لانك إذا رددت اللام لم يكن التاء بدلاً منها، وإذا سميت بضَرَبَت قلت: ضَرَبة كما مر في العلم وتصغرها على ضُرَيْبَة، وتقول في تصغير فُل (1) فُلَيْنِ، لأن لامه نون من قولهم
فلان، وتقول في تصغير قَطْ وَرُبَ وَبَخٍ مخففات: قُطَيْط وَرُبَيْبٌ وَبُخَيْخ (1) وتقول في تصغير ذِهْ مسكن الهاء ذُيَيٌّ لأن الهاء بدل من الياء، والأصل ذي كما مرّ في أسماء الإشارة
قوله " بخلاف مَيِّت وهَائر (1) وأناس، حذفتها لا لعلة موجبة، بل للتخفيف، وهذه العلة غير زائلة في حال التصغير، ولا حاجة ضرورية إلى رد المحذوف، كما كانت في القسم المتقدم، إذ يتم بية التصغير بدونها، وكذا لا ترد المحذوف في تصغير يَرَى وترى وأرى ونرى، ويَضع وتضع، وخير وشر، بل تقول: يُرَيٌّ وتُرَيٌّ وَأُرَيّ ونُرَيٌّ وَيُضَيْع وَتُضَيْع وَخُيَيْر وشُرَيْر، وحكى يونس أن أبا عمرو كان يقول في مُرٍ: مُرَئْ كمريع، يهمز ويكسر كمعيط في مُعْطٍ: فألزمه سيبويه أن يقول في مَيْتٍ وَناسٍ مُيَيْتٌ وأنيس، وكان المازني يرد نحو يَضَع وَهَارٍ إلى أصله، نحو يويضع وهو يئر
قال السيرافي: فيلزمهم أن يقولوا: أُخَيِّر وَأُشَيِّر، وقد حكى يونس عن جماعة هُويئر، فقال سيبويه: هذا تصغير هائر لا تصغير هارٍ (1) ، كما قالوا في تصغير بَنُون أُبَيْنُون، وهو تصغير أبْنَى مقدراً كأضحى، وإن لم يستعمل كما مر في شرح الكافية (2) في الجمع، ولو كان تصغير بَنُون على لفظه قلت بُنَيُّونَ
قال " وَإِذَا وَلِيَ يَاءَ التَّصْغِيْرِ وَاوٌ أَوْ ألف منقبلة أَوْ زَائِدَةٌ قُلِبَتْ يَاءً، وَكَذَلِكَ الْهَمْزَةُ الْمُنْقَلِبَةُ بَعْدَهَا نَحْوُ عُرَيَّةٍ وَعُصَيَّةٍ وَرُسَيِّلَةٍ، وَتَصْحِيحُهَا في بَابِ أسيد وجديد قَلِيلٌ، فَإِنِ اتَّفَقَ اجْتِمَاعُ ثَلاَثِ يا آت حُذِفَتِ الأَخِيْرَةُ نَسْياً عَلَى الأَفْصَح، كَقَوْلِكَ في عَطَاء وإدَاوَةٍ وَغَاوِيَةٍ وَمُعَاوِيَة: عُطَيٌّ وَأُدَيَّةٌ وَغُوَيَّةٌ وَمُعَيَّةٌ، وَقِيَاسُ أَحْوَى أُحَيُّ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ، وَعِيْسَى يَصْرِفُهُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: أُحَيّ، وَعَلَى قِيَاسِ أُسَيْوِد أُحَيْوٍ " أقول: قوله " وذا ولي ياء التصغير " إلى قوله " وجديل قليل " من باب ما يعرض فيه للتصغير سبب القلب (1)
قوله " فإن اتفق اجتماع - إلى آخر ما ذكر " من باب ما يزول فيه في التصغير سبب القلب الذي كان في المكبر ويعرض في التصغير سبب الحذف قوله " قلبت ياء " ليس على إطلاقه، بل بشرط أن لا يكون بعد الواو أو الألف حرفان يقعان في التصغير موقع العين واللام من فعيعل، فإنه إن كان بعدهما حرفان كذا وجب حذفهما، وكذا كل ياء في مثل موقعهما، تقول في تصغير مقاتل: مُقَيْتِل، بحذف الألف، إذ مُفَيِّعل - بتشديد الياء - ليس من أبنية التصغير، وكذا تُقَيْتِل في تصغير تُقُوتل علماً بحذف الواو، وكذا حُمَيْرير في تصغير احميرار بحذف الياء مع همزة الوصل، كما يجئ، وإنما تقلب الألف والواو ياء إذا وقعا إما مَوْقِعَ اللام من فُعَيْل، نحو أُذَيّ في تصغير إذا علماً، وعُرَيَّة في تصغير عُرْوَة، أو موقع العين من فُعَيْعِل، كرُسَيِّلة في رسالة، وعُجَيِّز في عَجُوز، وإنما قلبتا ياءين لانهما إذن لابد من تحريكهما، فإذا تحركت الواو وقبلها ياء ساكنة وجب قلبها ياء، وإذا قصدت تحريك الألف فجعلها ياء أولى، لأنها إن جعلتها واواً وجب قلبها ياء لما ذكرنا، وجعلها هنزة بعيد، لأن اعتبار التقارب في الصفة في حروف العلة أكثر من اعتبار التقارب في المخرج، فلذلك لا تقلب الألف همزة إلا في موضع لو قلبت
فيه واواً أو ياءً لانقلبت ألفاً أيضاً، كألف التأنيث في حمراء (1) والألف في نحو الضَّالِّين ودابة (2) ، وأما العألم والبأز فنادران (3)
ثم إن الواو الواقعة بعد ياء التصغير - أعني التي لا تحذف - لا يخلوا إما أن تكون لاماً أو غير لام فاللام تقلب ياء لا غير، تقول: غُزَيّ وعُرَيَّة في غَزْو وعُرْوة، وكذا غُزَيَّان وعُشَيَّاء وغُزَيَّيّة بياءين مشددتين، في تصغير غزوان وعشوا (1) وغَزْويَّة منسوبة إلى الغزو وأما غير اللام فإن كانت ساكنة في المكبر فلابد من قلبها ياء، نحو عُجَيِّز
وجُزَير في عَجوز (1) وجَزور، وإن كانت فيه متحركة أصليةً كانت كأسْوَد ومِزْوَد، أَو زائدة كَجَدْوَل فالأكثر القلب، ويجوز تركه كأسَيْود وجُدَيْوِل (2) ، لقوة الواو المتحركة، وعدم كونها في الآخر هو محل التغيير، وكون ياء التصغير عارضة غير لازمة، وقال بعضهم: إنما جاز ذلك حملاً على التكسير، نحو جداول وأساود، ولو كان حملاً عليه لجاز في مقام ومقال مُقَيْوم ومُقَيْول كما في مقاول ومقاوم قوله " وكذلك الهمزة المنقلبة بعدها " أي: الهمزة المنقلبة عن الألف المنقلبة عن واو أو ياء بعد الألف الزائدة التي تلي ياء التصغير يعرض فيه سببُ قلب الألف ياء كما مر، ويزول سبب قلب اللام ألفاً، إذ من جملته الألف الزائدة والفتحة التي
قبلها، ويعرض سبب آخر لقلب اللام، إن كان واواً، ثم سبب آخر لحذف ذلك اللام، وذلك أنه إذا اجتمع ثلاثُ يا آت والأخيرة متطرفة لفظاً كما في أحَيّ أو تقديراً كما في معينة وثانيتها مكسورة مدغم فيها، ولم يكن ذلك في الفعل كما في أُحَييِّ ويُحَييِّ ولا في الجاري عليه نحو الْمُحَيّى، وجب حذف الثالثة نسيا، كما يجئ في باب الإعلال تحقيقه فإذا حقر نحو عَطَاء قلب ألفه ياء كما في حِمار، فيرجع لام الكلمة إلى أصلها من الواو لزوال الألف قبلها، ثم تنقلب ياء مكسوراً ما قبلها، فتجتمع ثلاث يا آت: الأولى للتصغير، والثانية عوض من الألف الزائدة، والثالثة عوض عن لام الكلمة، فتحذف الثالثة نَسْياً، فيبقى عُطَيّ، ويدور الإعراب على الثانية وكذا إداوة، لا فرق بينهما، إلا أن لام إداوة لم تنقلب ألفاً ثم همزة، لأنها لم تتطرف كما تطرف لام عطاء وأما غاوية فإنك تقلب ألفها واو كما في ضارب، فتجتمع ياء التصغير والواو التي هي عين الكلمة، فتنقلب ياء لسكون الأولى، فيجتمع ثلاث يا آت: ياء التصغير، وبعدها العين، ثم اللام وأما معاوية فإنك تحذف ألفها كما في مُقَاتل، فتزيد ياء التصغير، وتنقلب العين ياء لما ذكرنا، قال 37 - وِقَاءٌ ما مُعَيَّةُ مِنْ أَبِيهِ * لمن أوفى بعقد أو بعهد (1)
وكذا يجتمع في أَحْوَى (1) ثلاثُ يا آت بسبب قلب العين ياء، فبعد حذف
الياء الثالثة كان سيبويه يمنه صرفه، لأنه وإن زال وَزْنُ الفعل لفظاً وتقديراً أيضاً بسبب حذف اللام نَسْياً، لكن الهمزة في الأول ترشد إليه وتنبه عليه، كما منع صرف نحو يعد ويروى اتفاقاً، وإن نقص عن وزن الفعل بحذف الفاء والعين وجوباً، وكان عيسى بن عمر يصرفه، نظراً إلى نقصان الكلمة عن وزن الفعل نقصاناً لازماً، بخلاف نحو أَرَسَ في تخفيف أَرْأس، فإن النقص فيه غير لازم (1) وليس بشئ، لأن الواجب والجائز كما ذكرنا في مثله سواء مع قيام حرف المشابهة وكان أبو عمرو بن العلاء لا يحذف الثالثة نَسْياً، بل إنما يحذفها مع التنوين حَذْفَ ياء قاض ومع اللام والإضافة يردها كالأُحَييِّ، قال الفارسي: إنما فعل ذلك لمشابهته في اللفظ الفعل، فكأنه اسم جار عليه مثل المحيى وكذا يلزمه أن يقول في يصغير يَحْيى يُحَيٍّ، ورد سيبويه على ابن العلاء بقولهم في عَطَاء: عطى، بحذف الثالثة
إجماعاً، ولا يلزمه ذلك على ما اعتذر له أبو علي وقد مر جميع هذا في باب غير المنصرف (1) ومن قال أسَيْود قال في معاوية وغاوية: مُعَيْوِية، وغُوَيْوِيَةُ، وفي أحوي أُحَيْو، إذ لم يجتمع ثلاث يا آت حتى تحذف الثالثة نسياً. والكلام في صرف أحيٍّ عند أبي عمرو ومنع صرفه، وكذا في صرف أحَيْو ومنعه، والبحثُ في أن التنوين فيهما للصرف أو للعوض كما مر في جوار في باب مالا ينصرف سواء (2)
وقول المصنف " حذفت الأخيرة نسياً على الأفصح " يومى إلى أنه لا تحذف غلى غير الأفصح، وليس كذلك، بل الواجب في الياء المقيدة بالقيود المذكورة الحذف اتفاقاً، إلا في نحو أحَيّ مما في أوله شبه حرف المضارعة، فإن أبا عمرو لا يحذفها نَسْياً كما مر، قال السيرافي: تقول في عطاء: عُطَيّ، وفي قضاء قُضَيّ، وفي سِقاية سقية، وفي إداوة أَدَيَّة، ثم قال: فهذا لا يجوز فيه غيره، وقال ابن خروف في مثله: إن القياس إعلاله إعلال قاض، لكن المسموع حذف الثالثة نَسْياً، بل قال الأندلسي والجوهري: إن ترك الحذف مذهب الكوفيين، وأنا أرى ما نسبا إليهم وَهَماً منهما وكذا تحذف الياء المشددة المتطرفة الواقعة بعد ياء مشددة، إذا لم يكن الثانية للنسبة كما إذا صغرت مَرْوِية اسم مفعول من رَوَى قلت: مُرَية، والأصل مُرَيّيّة، وكذا تصغر أرْوِيَّة فيمن قال إنها أفْعُولَةٌ، وأما من قال فُعْلِيَّةٌ والياء
للنسبة فإنه يقول في تصغيرها (1) أريية بيائين مشددتين، كما إذا صغر غَزْوِيٌّ المنسوب إلى الغزو قيل: غزييى، وكذا يصغر عَلَوِي وعَدَوِي على عُلَيِّيّ وعُدَيِّيّ بياءين مشددتين وإنما لم تحذف شيئاً إذا طرأ التصغير على المنسوب كما في الأمثلة المذكورة وحذفْتَ ياء التصغير إذا طرأ النسب على المصغر في نحو أُمَوِيّ وَقُصَوِيّ المنسوبين إلى أمَيَّةُ وقُصَيّ لأن المنسوب في مصغر المنسوب هو العمدة إذ هو الموصوف، ألا ترى أن معنى عُلَيِّيّ عَلَوي مصغر فلم يجز إهدار علامته، وكذا لا يهدر علامة المصغر
إذ هو الطارئ، والطارئ إذا لم يبطل حكم المطرود عليه لمانع فلا أقل من أن لا يبطل حكمه بالمطرو عليه، وأما المنسوب إلى المصغر فليس المصغر فيه عمدة، إذ ليس موصوفاً، بل هو من ذُنَابات المنسوب، إذ معنى قُصَوِيّ منسوب إلى قصي فجاز إهدار علامته إجابة لداعي الاستثقال، وأما النسبة فطارئة فلا تهدر علامتها فعلى هذه القاعدة ينسب إلى جُهَيْنَة جُهَني بحذف الياء، ثم إذا صغرت جُهَنيًّا زدت الياء فقلت جُهَيني قال: " ويُزَادُ فِي الْمُؤَنَّثِ الثُّلاَثِيِّ بِغَيْرِ تَاءٍ كَعُيَيْنَة وَأُذَيْنَة، وَعُرَيْبٌ وَعُرَيْسٌ شَاذٌ، بِخِلاَفِ الرُّبَاعِيِّ كَعقيرب، وقد يديمة ووريئة شاذ، وتحذف أَلِفُ التَّأْنِيثِ الْمَقْصُورَةِ غَيْرُ الرَّابِعَةِ كَجُحَيْجب وَحُوَيْليٍ في جَحْجَبَى وَحَوْلاَيا وَتَثْبُتُ الْمَمْدُودَةُ مُطْلَقَاً ثُبُوتَ الثَّانِي في بَعْلَبَكَّ " أقول: اعلم أن التصغير يورد في الجامد معنى الصفة، ألا ترى أن معنى رُجَيل رجل صغير، فالاسم المصغر بمنزلة الموصوف مع صفته، فكما أنك تقول: قد صغيرة بإلحاق التاء في آخر الوصف، قلت: قُدَيْمَةٌ، بإلحاق التاء في آخر هذا الاسم الذي هو كآخر الوصف، والدليل على عروض معنى الوصف فيه أنك لا تقول رَجُلُون لعدم معنى الوصف وتقول في تصغير رجال: رجيلون، وإن ما لم يرفع المصغر (1) لا ضميراً ولا ظاهراً مع تضمنه معنى الوصف كما ترفع سائر الاوصاف من اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمنسوب لأنها إنما ترفع من الضمير والظاهر أصحابها المخصوصة التي لا تدل ألفاظ الوصف عليها إذ الصفات لم توضع لموصوفات معينة، بل صالحة لكل موصوف، فإن حسناً في قولك " رجل حسن " لا يدل على رجل فرفع ضميره، وكذا لا يدل على وجهه في قولك " رَجُل حَسَنٌ وَجْهُهُ " فرفعه، والموصوف
المخصوص في رُجَيْل مدلول عليه بتركيب هذا اللفظ مع الوصف، فلا يحتاج إلى رفع ما هو موصوفه حقيقية، ولما رأى بعض النحاة أن التصغير يورد في الاسم معنى الوصف ورأوا أن العلم لا معنى للوصف فيه قالوا: تصغير الأعلام ليس بوجه، وليس ما توهموا بشئ، لأنك لا تجعل بالتصغير عين المكبر نعتاً حتى يرد ما قالوا، بل تصف بالتصغير المكبر، إلا أنك تجعل اللفظ الواحد - وهو المصغر - كالموصوف والصفة، ووصف الأعلام غير مستنكر، بل شائع كثير، وإنما لم يحلقوا التاء بآخر ما زاد على ثلاثة من الأسماء في التصغير لأنهم لما قصدوا فيه ذكر الموصوف مع صفته بلفظ واحد تَوَخّوا من الاختصار ما يمكن، ألا ترى إلى حذفهم فيه كل ما زاد على أربعة من الزائد والأصلي، وهذا هو العلة في تخفيفات الملحق به ياء النسب، لأن المنسوب أيضاً كالصفة مع الموصوف مع ثقل الياء المشددة في آخر الاسم الذي هو موضع الخفة، لكنك لم تحذف في النسب الزائد على الأربعة لكون علامة النسبة كالمنفصل من المنسوب، بخلاف علامة التصغير، فالمقصود أنهم اجترؤا في الثلاثي الذي هو أخف الأبنية - لما طرأ فيه معنى الوصف - على زيادة التاء التي تلحق آخر أوصاف المؤنث، فلما وصلوا إلى الرباعي وما فوقه والتاء وإن كانت كلمة برأسها إلا أنها كحرف الكلمة المتصلة هي بها لم يروا زيادة حرف على عدد حروف لو زاد عليها أصلي طرحوه في التصغير، فقدروا الحرف الأخير كالتاء، إذ هي محتاج إليها لكون الاسم وصفاً، فقالوا: عُقَيِّب وَعُقَيْرِب (1)
وإذا كان الاسم المؤنث على أكثر من ثلاثة لكنه يعرض فيه في حال التصغير ما يرجع به إلى الثلاثة وجب زيادة التاء فيه، نحو سُمَيَّة في سَمَاء، لأنه يجتمع فيه ثلاث يا آت فتحذف الأخيرة نَسْياً كما ذكرنا وكذا إذا صغرت الثلاثي المزيد فيه نحو عَنَاق وعُقَاب وزَيْنَب تصغيرَ الترخيم قلت: عُنَيْقَة، وَعُقَيْبَة، وَزُنَيْبَة وإن كان الثلاثي جنساً مذكراً في الأصل وصف به المؤنث - نحو امرأة عدل أو صوم أو رِضًى - فإنك تعتبر الأصل في التصغير، وهو التذكير، ولا تزيد فيه التاء نحو: امرأة رُضَيّ وعُدَيْل وَصُوَيْم، كما أن نحو حائض وطالق لفظ مذكر جعل صفة لمؤنث، وإن كان معناه لا يمكن إلا في المؤنث، فإذا سمي بمثله مذكر صرف، لكونه الآن علم مذكر ليس فيه تاء ظاهرة ولا حرف قائم مقامها: الوضع، كما كان في عقرب إذ وضع نحو لفظ حائض - كما مر في غير المنصرف على التذكير كضارب وقاتل (1) ، فإذا صغرت نحوه تصغير الترخيم لم تزد
التاء، لكونه مذكراً في الأصل، فتقول: حُيَيْض وطليق وإذا سمى مؤنثاً بثلاثي مذكر نحو شَجَر وَحَجَر وَزَيْد ثم صغرته زدت التاء وكذا إذا سميت مؤنثاً بمؤنث ثلاثي لم يكن تدخل التاء في تصغيره قبل العلمية كَحَرْف وَنَاب ودِرْع فإن قلت: فكيف راعيت الأصل في نحو امرأة عدل وصوم، ولم تقل عُدَيْلَة وَصُوَيْمَة ولم تراع ذلك في العلم؟ ؟ قلت: لأن الوصف غير مُخْرَج عن أصله بالكلية، إذ معنى " امرأة عدل " كأنها من كثرة العدل تجسمت عدلاً، ومعنى " امرأة حائض " إنسان حائض، فقد قصدت فيهما المعنى الأصلي الذي وضع اللفظ باعتباره، وأما في العلم فلم تقصد ذلك، لانه منقول ووضع ثان غير الواضح الأول وغرضه الأهم الإبانة عن المسمى، لا معناه الأصلي، فإذا سميت بالحجر فهو كما لو سميت بغَطَفان وغيره من المرتجلات، وقليلاً ما يراعى في العلم معنى المنقول منه وكذا إذا سميت مذكراً بمؤنث مجرد عن التاء كأذُن وعَيْن لم تلحق به التاء في التصغير، لأنه - كما ذكرنا - وضع مستأنف، ويونس يدخل التاء فيه، فيقول: أُذَيْنَة وَعُيَيْنَة، استدلالاً بأُذَينة وعُيَينة علمي رجلين، وهذان عند النحاة إنما سمي المذكران بهما بعد التصغير، فلا حجة فيه وإذا سميت مذكراً بنحو أُخْت وبِنْتٍ وصغرته حذفت التاء، فتقول: أُخَيّ، برد
اللام المحذوفة المبدلة منها التاء، إذ لايتم بنية التصغير بالتاء كما ذكرنا، ولا تأتي بعدها بالتاء لأنه مذكر إذن واعلم أنه قد شذت من الثلاثي أسماء لم تلحقها التاء في التصغير: ذكر سيبويه منها ثلاثة، وهي الناب بمعنى المسنة من الإبل، وإنما قالوا فيها نُيَيْب لأن الناب من الأسنان مذكر (1) ، والمسنة من الإبل قيل لها ناب لطول نابها كمايقال لعظيم البطن بُطَين بتصغير بطن، فروعي أصل ناب في التذكير، وكذا قال في الفرس فُرَيْسٌ لوقوعه على المذكر والمؤنث فغُلِّب (2) وكذا قال في الحرب - وهي (3) مؤنثة -:
حُرَيب، لكونها في الأصل مصدراً، تقول: نحن حَرْب، وأنتم حَرْب، وذكر الجرمي من الشواذ دِرْعَ الحديد (1) ، والْعُرْسَ وهي مؤنثة (2) ، قال: - 38 - إنَّا وَجَدْنَا عُرُسَ الْحَنَّاطِ * لَئِيمَةً مَذْمُومَةَ الْحُوَّاط (3) (1) هذا الذي ذكره المؤلف في الدرع أنها مؤنثة - أحد رأيين لاهل اللغة، والثاني أنها تذكر وتؤنث قال ابن سيده (ح 17 ص 20) : " درع الحديد تذكر وتؤنث، والتأنيث الغالب المعروف والتذكير أقلهما، أولا ترى أن أسماءها وصفاتها الجارية مجرى الاسماء مؤنثة؟ كقولهم: لامة، وفاضة، ومفاضة، وجدلاء، وحدباء، وسابغة، فأما ذائل فقد تكون على التذكير وقد تكون على النسب، وأما دلاص فبمنزلة كناز وضناك - بزنة كتاب - وإن كان قد يجوز أن يكون نعتا غير مؤنث على تذكير الدرع " اه وقوله بمنزلة كناز وضناك يريد به أنه لفظ يقع الى الذكر والانثى من غير تاء، والكناز والضناك كلاهما بمعنى الضخمة الشديدة اللحم، ويوصف بهما النساء والنوق. وقول المؤلف درع الحديد احتراز من درع المرأة: أي قميصها، فانه مذكر ليس غير عند بعض اللغويين ومنهم اللحياني وعند الاخرين أنه يذكر ويؤنث (2) الذي ذهب إليه المؤلف من أن العرس مؤنثة أحد رأيين، وذهب ابن سيده كالجوهري إلى أنه يذكر ويؤنث، قال (ح 17 ص 19) : " العرس يذكر ويؤنث ويصغرونها عريس وعريسة، وجمعها في القبيلين عرسات، وحقيقة العرس طعام الزفاف " اه (3) هذا الرجز لدكين الراجز، وبعده: ندعى مع النساج والخياط * وكل علج شخم الاباط والعرس - كعنق وكقفل - مضى شرحه، والحناط - بائع الحنطة، والصيغة للنسب، والحواط: جمع حائط وهو اسم فاعل من حاط يحوط إذا التف حول الشئ، والمراد هنا الذين يقومون بخدمة الناس في الدعوات، لانه يحيطون بهم، وذكر صاحب اللسان أن الحواط مفرد ومعناه الحظيرة التي يكون الطعام فيها. (*)
والقوس (1) ، وذكر غيرهما العرب والذَّوْد والضُّحَى (2) وقد شذَّ في الرباعي قدام ووراء (3) فألحق بمصغرهما الهاء والقياس تركها، وحكى أبو حاتم أُمَيِّمة في أمام، وقال: ليس بتبت، قال السيرافي: إنما لحقتهما الهاءُ لأنهما ظرفان: لا يخبر عنهما، (ولا يوصفان) ولا يوصف بهما، حتى يتبين تأنيهما بشئ من ذلك، كما تقول: لَسَعَت العقرب، وعقرب لاسعة، وهذه العقرب، فأنثا
تتينا لتأنيهما، وفي وراء قولان: أحدهما (3) أن لامه همزة، قالوا: يقال: وَرَّأت بكذا: أي ساترت به، ومنه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا أراد سفراً وَرَّأَ بغيره " وأصحاب الحديث لم يضبطوا الهمزة فرووا " وَرَّى بغيره "، وقال بعضهم: بل لامه واو أو ياء، مثل كساء ورداء، من وَرَّيْت بكذا، وهو الأشهر، فتصغيره على هذا وريد لا غير، بحذف الياء الثالثة كما في سُمَيَّة تصغير سماء ومذهب أبي عمرو أنه إذا حذف ألف التأنيث المقصورة خامسة فصاعداً كما يجئ أبدل منها تاء، وحو حُبَيِّرَة في حَبَارى ولُغَيْغيزة في لُغَّيْزى (2) ، ولم ير ذلك غيره من النحاة، إلا ابن الأنباري فإنه يحذف الممدودة أيضاً خامسة فصاعداً، ويبدل منها التاء كالمقصورة، ولم يوافقه أحد في حذف الممدودة قوله " ويُحْذف ألف التأنيث المقصورة غير الرابعة " إنما تحذف خامسة
فصاعداً لأنها لازمة للكلمة، وصائرة كالحروف التي زيدت لبنية الكلمة، مثل ألف حمار، مع أنها لا تفيد معنى التأنيث كما تفيده الرابعة نحو سكرى حتى تراعى لكونه علامة، وإذا كانت الحروف الأصلية تحذف خامسة فكيف بالزائدة كالأصلية، فإذا صغرت الْعِرَضْنَى (1) قلت عُرَيْضِنٌ، والنون للإلحاق، فهو بمنزلة أصلي رابع، وكذا إذا صغرت الْعِبِدَّى (2) قلت عُبَيْدّ، بحذف الألف، لأن إحدى الدالين وإن كانت زائدة إلا أنها تضعيف الحرف الأصلي، فتحصنت من الحذف بذلك، وبكونها ليست من حروف " اليوم تنساه " وبكونها ليست في الطرف، بخلاف ألف التأنيث فإنها عارية من الثلاثة، وكذا تقول في لُغَّيْزَى لغيغيز بحذف الألف، دون إحدى الغينين، كما أنك لا تحذف في تصغير عَفَنْجَج (3) غير النون، لأن إحدى الجيمين تضعيف لحرف أصلي، وليست من حروف " اليوم تنساه "، ولا تحذف ياء لُغَّيْزَى في التصغير، لأنها لا تخل ببنيته، بل تصير مداً قبل الآخر كما في عُصَيْفِير، كما أنك لا تحذف من
حَوْلاَيا - وهو اسم رجل - غير ألف التأنيث، ولا تحذف الألف التي بعد اللام لأنها مدة رابعة لا تحذف في التصغير، بل قد تجلب لتكون عوضا من زائد محذوف في موضع آخر، نحو مُطَيْلِيق في منطلق، فالإخلال بالبنية في حَوْلاَيا ولُغَّيْزَى من ألف التأنيث، لا من الألف والياء المتوسطتين، إذ لو حذفتهما وقلت لُغَيْغِزَى وَحُوَيْليا لوقعت ألف التأنيث خامسةً موقع اللام في سفَيْرِجَل، فاحتجت إلى حذفها أيضاً، وأما في نحو حُبَارى فكل واحدة من ألف التأنيث والألف المتوسطة متساويتان في الإخلال ببنية التصغير، وأيتهما حذفت تحصل البنية، إذ لو حذفت المتوسطة لم تكن ألف التأنيث خامسة، بل تقل: حُبَيْرَى كحبيلى، ولو حذفت ألف التأنيث قلت: حُبَيِّرٌ كَحُمَيِّر، فالألفان إذن مستاويتان كالالف والنون في حبنطى، تقول: حُبيْنِطٌ وَحُبَيْطٍ، فإن ترجحت الثانية - بكونها في الأصل علامة التأنيث فلا تحذف - ترجحت الأولى بالتوسط، فمن مم حازفيه حُبيِّر وحُبَيْرَى، وإذا صغرت بَرْدَرَايا (1) حذفت الألفين والياء بينهما، وقلت بُرَيْدِرٌ، لإخلال الجميع بالبنية هذ كله في ألف التأنيث المقصورة، وأما الممدودة في نحو خُنْفُسَاءَ، والألف والنون في نحو زَعْفَرَان وظَرِبَان، وياء النسب في نحو سَلْهَبِيّ (2) ، والنون للمثنى، والواو والنون في جمع المذكر، والألف والتاء في جمع المؤنث، نحو ضاربان وضاربون وضاربات، فجميعها - لكونه على حرفين - وكذا تاء التأنيث لكونها
متحركة صارت كأنها اسم ضم إلى اسم، كما في نحو بَعْلَبَكَّ، تمت بنية التصغير دون هذه الزوائد، ولم تخل بها، بخلاف الألف المقصورة فإنها حرف واحد ساكنة خفية ميتة، لا يصح أن تقدر ككلمة مستقلة، بل هي كبعض الحروف المزيدة في البنية نحو مَدَّات عِمَاد وسعيد وعجوز، فَحُبَيْلَى كسفيرج، كما أن حَبَالَى كسفارج، لولا المحافظة في الموضعين على علامة التأنيث لكسر ما قبلها، فلا تقول: إن بنية التصغير تمت قبل الألف في حبيلى وإنه كطليحة، كما لا نقول: إن بنية الجمع تمت قبلها في حَبَالَى فعلى هذا إذا صغرت (نحو) ظريفان وظريفون وظريفات أجناساً قلت: ظُرَيِّفان وظُرَيِّفُون وظُرَيِّفات، بالياء المشددة قولاً واحداً، وكذا عند المبرد إذا جعلتها أعلاماً، لأن هذه الزيادات وإن لم تكن حال العلمية مفيدةً لمعان غير معاني الكلمات المتصلة هي بها حتى تُعَدُّ كالكلم المستأنفة بل صارت المدَّات بسبب العلمية كمدات عَمُود وَحِمَار وكريم، لكنها كانت قبل العلمية كالكلم المستقلة، مثل تاء التأنيث، فروعي الأصل ولم تُغير، وأما عند سيبويه فحالها أعلاماً خلاف حالها أجناساً: هي في حال العلمية بالنظر إلى أصلها (منفصلة) كالتاء، وبالنظر إلى العلمية كأنها من تمام نبية الكلمة، فلا جرم أنه أبقى هذه الزيادات بحالها في حال العلمية إبقاء ثانية كلمتي بُعَيْلَبَكَّ وَثُنيَّتَا عَشْرَةَ، وَحَذَفَ المدات إن كانت قبلها نحو ياء ظريفان وظريفون وظريفات، وألف نحو جداران ودجَاجات، وواو نحو عجوزات، إذا كانت هذه الأسماء أعلاماً، لجعل الزيادات اللاحقة كبعض حروف بنية الكلمة، فتستثقل معها، ومن ثم قال يونس في ثلاثون جنساً ثُلَيْثُون بحذف الألف، لأن الواو والنون كجزء الكلمة، إذ ليس بجمع ثلاث، وإلا كان أقل عدد يقع عليه تسعة كما مر في أول شرح الكافية، وكذا قال سيبويه في بَرُوكاء وبَرَاكاء
وقَرِيثاء (1) إنه بحذف الواو والألف والياء، لجعل الألف الممدودة كالجزء من وجه وغير الجزء من آخر، على ما بينا. قال: بُرَيْكَاء وَقُرَيْثَاء مخففين، والمبرد يشدد نحوهما، لأنه لا يحذف شيئاً، قال سيبويه: لو جاء في الكلام فعولاء بفتح الواو لا تحذفها حذف واو جَلُولاء (2) ، لأنها تكون إذن للإلحاق بِحَرْمَلاَء (3) فتكون كالأصلية، وأما واو بَرُوكاء وجَلُولاء فمدة ضعيفة فلا مبالاة بحذفها لاقتضاء القياس المذكور ذلك، وإذا صغرت مَعْيُورَاء ومَعْلُوجاء (4) لم يحذف الواو، لأن لمثل هذه المدة حالاً في الثبات ليست لغيرها، كما قلنا في ألف حَوْلايَا التى قبل الواو، وأما مع تاء التأنيث فلا خلاف أن المدة الثالثة لا تحذف، نحو دجاجة ودجاجتنا،
علما كانت أولا، لان أصل تاء التأنيث على الانفصال، تقول: دُجَيِّجَةٌ وَدُجَيِّجَتَان، قولاً واحداً كَبُعَيْلبك. وإذا صغرت نحو حبلوى ومهوى وهو كَسَهْلَبِيّ كَسَرْتَ ما قبل الواو، لأن ما بعد ياء التصغير في الرباعي مكسور لا غير، فتنقلب الواو ياء مكسورة، ولا يجوز فتح ما قبلها كما فتحته في المنسوب إلى ملهژ وَحُبَلى، لما ذكرنا، فلم يبق إلا حذف الياء المنقلبة من الواو، كما حذفت (في) غازيّ وقاضيّ المنسوبين إلى غازٍ وقاضٍ، ولم يمكن حذف ياء النسب لكونها علامة ولتقويها بالتشديد. وإنما كسر ما قبل واو حُبْلَوي في التصغير وإن كان بدلاً من حرف لا يكون ما قبلها في التصغير إلا مفتوحاً - أعني ألف التأنيث - نحو حُبَيْلَى، لتغير صورة الألف، فلم يبق لها الحرمة الأصلية لزوال عين الألف، هذا، وجَحْجَبى: قبيلة من الأنصار، وَحَوْلاَيَا: اسم رجل. قال: " المدة الوَاقِعَةُ بَعْدَ كَسْرَةِ التَّصْغِيرِ تَنْقَلِبُ يَاءً إنْ لَمْ تَكُنْهَا، نَحْوُ مفيتيح وكريديس، وذو الزيادتين غَيْرَهَا مِنَ الثُّلاَثِيِّ يُحْذَفُ أَقَلُّهُمَا فَائِدَةً كَمُطَيْلِقٍ وَمُغَيْلِم وَمُضَيْرِبٍ وَمُقَيْدِمٍ فِي مُنْطَلِقٍ وَمُغْتَلمٍ وَمُضَارِبٍ وَمُقَدِّمٍ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَمُخَيَّرٌ كَقُلَيْسِيَةٍ وَكَقُلَيْنِسَةٍ وَحُبَيْنِط وَحُبَيطٍ، وَذُو الثَّلاَثِ غَيْرَها تُبَقَّى الْفُضْلَى مِنْها كمقيعس، وَيُحْذَفُ زِيَادَاتُ الرُّبَاعِيِّ كُلُّهَا مُطْلَقاً غَيْرَ الْمَدَّةِ كَقُشَيْعِرٍ في مُقْشَعِرٍّ وحريجيم في اخرنجام ويَجُوزُ التَّعْوِيضُ مِنْ حَذْفِ الزِّيَادَةِ بِمدَّةٍ بَعْدَ الكَسْرَةِ فِيمَا لَيْسَتْ فِيهِ كمغَيْلِيم في مُغْتَلِمٍ " أقول: يعني بكسرة التصغير الكسرة التي تحدث في التصغير بعد يائه، والمدة إما واو كما في عصفور وكُرْدُوس - وهو جماعة الخيل - أو ألف كما في مفتاح
ومصباح ولا حاجة إلى التقييد بالمدة، بل كل حرف لين رابعة فإنها في التصغير تصير ياء ساكنة مكسوراً ما قبلها إن لم تكن كذلك، إلا ألف أَفْعَال وفَعْلاَن، وألفي التأنيث، وعلامات المثنى والجمعين، فيدخل فيه نحو جُلَيْلِيز وَفُلَيْلِيق في تصغير جِلَّوْزٍ (2) وَفُلَّيْقٍ وإن لم تكن الواو والياء مداً، وكذا الواو والياء المتحركتان كما في مُسَرْوَل وَمُشَرْيَف، تقول: مسبريل وَمُشَيْرِيف (3) ، وكذا تقول في تَرْقُوَةٍ: تُرَيْقِيَة (4) ، ويجب سكون كل ياء بعد كسر التصغير، إذا لم تكن حرف إعراب كما في رأيت أُرَيْطِيًّا إلا إذا كان
بعدها تاء التأنيث كتُرَيْقية، أو الألف الممدودة كَسُيَيْمِيَاء في سيمياء (1) ، أو الألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث كَعُنَيْفِيَان في عُنْفُوَان (2) قوله " إن لم تكنها " أي: إن لم تكن ياء، لأن الياء لا تقلب ياء قوله " وذو الزيادتين غيرها " أي: غير المدة الرابعة، والأولى أن يقال غير حرف اللين الرابعة، ليكون أعم اعلم أن الثلاثي إذا كان ذا زيادة واحدة لم تحذفها: في الأول كانت كَمَقْتَل وَأسْود، أو في الوسط كَكَوْثَر وجَدْوَل وخاتم وعجوز وكيبر وَحِمَار أو في الآخر كَحُبْلَى وَزَيْدل وإن كان ذا زيادتين غير المدة المذكورة لم يمكن بقاؤهما، إذ الخماسي يحذف حرفه الأصلي، فكيف بذي الزيادة؟ فإذا لم يكن بد من الحذف اقتصر على
حذف إحداهما، إذ هو قدر الضرورة، وتصير الكلمة بذلك على بنية التصغير، فلا يرتكب حذفهما معاً فالزيادتان إما أن تكونا متساويتين، أو تكون إحداهما الفضلى، فإن فضلت إحداهما الأخرى حذفت المفضولة والفضل يكون بأنواع: منها أن تكون الزيادة في الأول كميم مُنْطَلق وَمُقْتَدر وَمُقَدَّم وَمُحْمر وكهمزة أَلَنْدَد (1) وَأَرنْدَج وكياء يَلَنْدَد ويَرَنْدَج، فالأولى بالإبقاء أولى لأن الأواخر محل التغيير لتثاقل الكلمة إذا وصلت إليها، ثم بعد ذلك الأوساط أولى، وأما الأوائل فهي أقوى وأمكن منهما، وهي مصونة عن الحذف إلا في القليل النادر، إذ الكلمة لا تثقل بأول حروفها ولميم نحو منطلق ومقتدر فضيلتان أخريان: كونها ألزم من الزائد المتأخر، إذ هي مطردة في جميع اسمي الفاعل والمفعول من الثلاثي المزيد فيه ومن الرباعي، وكونها طارئة على الزائد المتأخر، والحكم للطارئ. ومن أنواع الفضل أن يكون أحد الزائدين مكرَّرَ الحرف الأصلي دون الآخر، فالمكرر بالإبقاء أولى، لكونه كالحرف الأصلي، فجيم عَفَنْجَج ودال غَدَوْدَن (2) أولى بالإبقاء من الباقيين، وكذا المضعف في خَفَيْدَدٍ وَحَمَّارَّة وصَبَارَّة (3) أفضل
من الباقي، هذا مع أن النون والواو والياء والألف أبعد من الطرف، إلا أنها ضعفت بالسكون، وأما قَطَوْطًى - وهو البطئ المشي - فعند سيبويه فَعَوْعَل كَغَدَوْدَنٍ، فتقول: قُطَيْطٍ، أو قُطَيْطِيٌّ بإبدال الياء من الواو المحذوفة، وقال المبرد: بل هو فعلعل، وأصله قطوطو كَصَمَحْمَح، وقال: فَعَلْعَل أكثر من فَعَوْعَل، فأحد المضعفين - أعني الطاء والواو الأولين أو الثانيين - زائد كما في صَمَحْمَح وَبَرَهْرَهَة (1) ، قال سيبويه: جاء منه اقْطَوطَى إذا أبطأ في مشيه، وهو افعوعل كاغْدَوْدَنَ، وافْعَلْعَلَ لم يأت في كلامهم، ولو كان أيضاً فَعَلْعَلاً كما قال المبرد كان القياس حذف الواو الأولى، على ما ذكرنا في شرح معنى الإلحاق أن صمحمحاً وَبَرَهْرَهَة يُجْمَعَان على صمامح وبَرَارِه وإذا صغرت عَطَوَّداً (2) فعند سيبويه تحذف الواو الأولى، لأنهما وإن كانتا زائدتين لكن الثانية أفضل وأقوى لتحركها وسكون الاولى، فتقول: عُطَيِّد، وبالإبدال عُطَيِّيد، وقال المبرد: لا يجوز حذف إحدى الواوين، لأن عَطَوَّداً كَمُسَرْوَل، والواو الرابعة ساكنة كانت أو متحركة لا تحذف كما ذكرنا، فكما قلت هناك مُسَيْرِيل تقول هنا: عُطَيِّيد، بالمد لا غير وإذا حقر (3) عِثْوَلّ - وهو ملحق بجِرْدَحْل - بزيادة الواو وإحدى اللامين - فمذهب سيبويه، وحكاه عن الخليل، وقال: هو قول العرب، أنك
تحذف آخر اللامين دون الواو، وإن كان تضعيف الحرف الأصلي، لكونه طرفاً مع تحرك الواو، بخلاف ياء خَفَيْدد، وأيضاً للقياس على الخماسي الملحق هو به، وقال المبرد، وحكاه عن المازني: إنك تقول عُثَيْلّ نظراً إلى كون اللام مضعف الحرف الأصلي دون الواو، وإذا كان السماع عن العرب على ما ذكر سيبويه مع أنه يعضده قياسٌ ما فلا وجه لما قال المبرد لمجرد القياس وإذا صغرت ألَنْدَداً فإنك تحذف النون قولاً واحداً، لأن الدالين أصليان، إذ هو من اللَّدَد، والهمزة لتصدرها تحصَّنَتْ من الحذف فإذا حذفتها قال سيبويه أُلَيْدّ بالإدغام كأصَيْمّ، وقال المبرد: بل أُلَيْدِد بفك الإدغام لموافقة أصله، وقول سيبويه أولى، لانه كان ملحقا بالخماسي لا بالرباعي، فلما سقطت النون لم يبق ملحقاً بالخماسي، ولم يقصد في الأصل إلحاقه بالرباعي حتى يقال أليدد كقريدد، فتقول على هذا في عَفَنْجَج عُفَيْجٌّ (1) بالإدغام أيضاً كأصَيْمٍّ وإذا صغرت ألْبُباً وَحَيْوة (2) وفكُّ الإدغام فيهما شاذ، قلت: أليب وَحُيَيَّة بالإدغام فيهما، لأن هذا الشذوذ مسموع في المكبر لا في المصغر، فلا تقيسهما في الشذوذ على مكبريهما، بل يرجعان إلى أصل الاذغام وإن كانت الزيادتان في الثلاثي متساويتين من غير فضل لإحداهما على الأخرى فأنت مخير في حذف أيتهما شئت، كالنون والواو في الْقَلَنْسُوَة، ولو قيل إن حذف الواو لتطرفها أولى لم يبعد
قيل: وكذلك الخيار في حذف النون أو الألف في (1) حَبنَطى، إذ هما للإلحاق وليس أحدهما أفضل، ولو قيل في الموضعين حذف الأخير لتطرفه أولى مع جواز حذف الأول، لكان قولاً وكذا قيل بالتخيير بين ألف عَفَرْنّى (2) ونونه، إذ هما للإلحاق، بدليل عَفَرْنَاة.
وأما الْعِرَضْنَى فالألف فيه للتأنيث، فحذفها واجب، لكونها خامسة في الطرف، دون النون، كما مر وحذف الألف الأولى في مَهَارى (1) علماً أرجح من جهة مشابهة الأخيرة للأصلي، بانقلابها، وحذف الثانية أرجح من جهة كونها أخيرة فتساوتا وأنت مخير في حِنْظَأْوٍ (2) بين حذف الواو والنون، والواو أولى، وأما الهمزة فبعيد زيادتها في الوسط، كما يجئ في باب ذي الزيادة، قال سيبويه: أنت مخير في حذف واو كَوَأْلَل (3) أو إحدى اللامين، وأما الهمزة فأصلية لبعد زيادتها في الوسط، فإن رجحنا حذف اللام بكونها في الطرف ووقوعها كشين جحمرش ترحج حذف الواو بسبب كون اللام مضعف الحرف الأصلي
وكذا كان ينبغي أن يكون مذهبه التخيير في زيادتي عِثْوَلّ (1) ومما أنت مخير فيه نحو جَمَادَى وسُمانَى وحُبَاري (2) كما مر وقال سيبويه: وليس مهارى وصَحارى علمين كَحُبَارى، فإن الألف الأخيرة في حبارى للتأنيث، قصار لها وإن كانت في الآخر ثبات قدم، بخلاف الألف الأخيرة في مَهَارى وصَحارى، فإنها ليست للتأْنيث، بل هي بدل من الياء التي هي بدل من ألف التأنيث كما يجئ في الجمع، فهي بالحذف أولى وفي ثمَانِية وعَلاَنيَة وعُفَارية (3) رجح سيبويه حذف اِلألف لضعفها وقوة الياء، ولكون الياء في مقام الحرف الأصلي في نحو ملائكة وعُذَافرة (4) فهي للإلحاق دون الألف، قال: وبعض العرب يقول: ثُمَيِّنَةٌ وعُفَيِّرةٌ، بحذف الأخير، لكونه في الطرف الذي هو محل التغيير
وأما نحو قبَائل وَعَجَائز علماً فسيبويه والخليل اختارا حذف الألف لضعفها. ويونس اختار حذف الهمزة لقربا من الطرف، فإذا صغرت على هذا مَطايا قلت: مُطَيٌّ، بياء مشددة على القولين: أما الخليل فإنه يحذف الالف التي بعد الطاء فيصير مطيا فتدخل يا التصغير قبل هذه الياء وتكسر هذه الياء فتنقلب الألف لكسرة ما قبلها ياء، فيجتمع ثلاث يا آت كما في تصغير عَطَاء، فتحذف الثالثة نَسْياً، وأما يونس فيحذف الياء التي هي بدل من الهمزة فيبقى ألفان بعد الطاء فتدخل ياء التصغير قبل الأولى، فتنقلب الأولى ياء مكسورة كما في حمار، فتنقلب الثانية أيضاً ياء لكسرة ما قبلها، فيصير مثل تصغير عَطَاء، فيحذف ثالثة الياآت، ولا يقال ههنا مطئ بالهمزة كما قال الخليل في رَسَائل رُسَيئْل، لأن هذه الهمزة لم تثبت قط في الجمع ثبوتَ همزة رسائل، بل تجعل الياء الزائدة همزة وتقلب الهمزة بلا فصل ياءً مفتوحة كما يجئ في موضعه ولو صغرت خطايا قلت: خطئ بالهمزة أخيراً، لأنك إن حذفت الألف التي بعد الطاء على قول الخليل وسيبويه، فعند سيبويه يرجع ياء خطايا إلى أصلها من الهمزة لأنها إنما أبدلت ياءً لكونها في باب مَسَاجد بعد الألف، وترجع في الحال الهمزة إلى أصلها من الياء الزائدة التي كانت بعد الطاء في خطيئة، فترجع الهمزة التي هي لام إلى أصلها (1) ، لأنها إنما انقلبت ياء لاجتماع همزتين مكسورةٍ أولاهما، وعند الخليل
إنما قلبت الهمزة إلى موضع الياء خوفاً من اجتماع همزتين، فإذا لم تنقلب الأولى همزةً بسبب زوال ألف الجمع لم تقلب الهمزة إلى موضع الياء، بل تبقى في موضعها وإن حذفت ياء خَطَايَا على قول يونس رجعت الهمزة أيضاً إلى أصلها، لعدم اجتماع همزتين، فتقول أيضاً: خطئ، كَحُمَيِّر. قوله " وذو الثلاث غيرها " أي: الثلاثي ذو الزوائد الثلاث غير المدة المذكورة تبقى الْفُضْلى من زوائده الثلاث، على ما قلنا في ذي الزيادتين، وتُحذف الثنتان في نحو مقعنسس، قال سيبويه: تحذف النون وإحدى السينين، لكون الميم أفضل منهما، وقال المبرد: بل تحذف الميم كما تحذف في نحو محرنجم، لأن السين للإلحاق بحرف أصلي، وقول سيبويه أولى، لأن السين وإن كانت للإلحاق بالحرف الأصلي وتضعيفَ الحرف الأصلي، لكنها طرف إن كانت الزائدة هي الثانية، أو قريبة من الطرف إن كانت هي (1) الأولى، والميم لها قوة التصدر مع كونها مطردة في
معنًى، كما ذكرنا قبل، وإن حذفت في مُغْدَوْدِنٍ الدال الأولى فلابد من حذف الواو أيضاً فيبقى مُغَيْدن، وإن حذف الثانية وقعت الواو رابعة فلا يحتاج إلى حذفها لأنها تصير مدة نحو مُغَيْدِين، وإن كانت إحدى الزوائد حرف اللين المذكورة - أعني الرابعة - لم تحذفها قطعاً، وتكون المعاملة مع الزائدتين الباقبيتين، وكأن ذلك اللين ليس فيه، تقول في تِمِلاَّق (1) تَمَيْلِيق، بالمد، وإنما حذفت إحدى اللامين وإن كانت من تضعيف الأصلي لأن التاء أفضل منهما بالتصدر، ومجيئها في مصادر كثيرة بلا تضعيف، كالتفعلل والتفاعل والتعفيل والتفوعل، ويسقط جميع همزات الوصل، في الرباعي كانت أو في الثلاثي، تقول في افتقار وانطلاق: فُتَيْقِير ونُطَيْلِيق، وفي احرنجام: حُرَيْجيم لأنك تضم أول حروف الكلمة في التصغير، فلو لم تحذف الهمزة ضممتها، فكانت تسقط في الدرج فتنكسر بنية التصغير، وتقول في الثلاثي ذي أربعة الزوائد مع المد نحو استخراج: تُخَيْريج، وإنما كان سقوط السين أولى من سقوط التاء إذ لا تزاد السين في أول الكلمة إلا مشفوعة بالتاء، فلو قلنا سُخَيْرِيج لكان سفيعيلاً وليس له نظير، وأما تُفَيْعِيل فهو كالتُّجَيْفيف (2) والتاء تزاد في الأول بلا سين، وتقول
في اشْهِيبَاب واغْدِيدَان وَاقْعِنْسَاس: شُهَيبِيب وغُدَيْدِين وقُعَيْسِيس، وحذف الهمزة لابد منه لما ذكرنا، ثم حذف الياء والنون أولى من حذف مضعف الأصلي، وتقول في اعْلِوَّاط عُلَيِّيط (1) ، بحذف الهمزة وإحدى الواوين، وأصله عُلَيْويط، وتقول في اضْطِرَاب: ضُتَيْرِيب، برد الطاء إلى أصلها من التاء، لأن جعلها طاء إنما كان لسكون الضاد، فيكون التجاوز إذن بين المطبقين، أما إذا تحركت الضاد والحركة بعد الحرف، كما ذكرنا، فهي فاصلة بينهما، ألا ترى أنك تقول حَبِطت بالتاء (2) بعد الطاء لا غير، فإذا أسكنت الطاء مع تاء المتكلم جاز عند بعض العرب أن تقلب التاء طاء فيقال: حَبِطُّ كما يجئ في باب الإدغام قوله " وتحذف زيادات الرباعي كلها مطلقاً غير المدة " إنما وجب حذفها إلا المدة ليتم بنية التصغير، وإذا لم يكن من الحذف بد فالزائد (إن وُجد) كان أولى بالحذف من الأصلي، تقول في مدحرج وفيه زائد واحد: دُحَيْرِج، وفي محرنجم وفيه اثنان: حُرَيجم، وفي احرنجام وفيه ثلاثة: حُرَيْجيم، بحذف الجميع، إلا المدة، وتقول في قَمَحْدُوَة وسُلَحْفَاةٍ: قُمَيْحِدَة وسُلَيْحِفَة (3) وفي مَنْجَنيق: مجينيق،
بناء على زيادة النون الأولى بدليل (1) مجانيق، وفي عَنْتَرِيس - وهو الشديد - عُتَيْرِيس بحذف النون، لأنه من (2) الْعَتْرَسَة، وهي الأخذ بشدة، وفي خَنْشَليل: (3) خُنَيْشِيل، لزيادة إحدى اللامين وعدم قيام دليل على زيادة النون، وفي مَنْجَنين: (4) مُنيْجِين، لان إحدى النونين الاخيرتين زائدة
لتكررها، فحذفت الاولى دون الثانية، لأنك لو حذفت الثانية أحوجت إلى حذف الياء أيضاً، وأيضاً المسموع في جمعه مَنَاجِين، وكذلك تحذف الاولى ن طمَأْنِينَة وقُشَعْرِيرَة، فتقول: طُمَيْئِينة وقُشَيْعِيرَة، وتقول في عَنْكَبُوت: عُنَيْكِبٌ، وسمع الأصمعي عُنَيْكِبِيت، وهو شَاذ، وفي عَيْضَمُوز وجَحَنْفَل (1) وعَجَنَّس: عُضَيْمِيز، وَجُحَيْفل، وعُجَيْنِس قال سيبويه في تصغير إسماعيل وإبراهيم: سُمَيْعِيل وَبُرَيْهِيم، بحذف الهمزة، ورد عليه المبرد بأن بعد الهمزة أربعة أصول، فلا تكون الهمزة زائدة كما في إصْطَبل على ما يجئ في باب ذى الزيادة، فإذن هما خماسيان، فتحذف الحرف الأخير، فتقول: أُبَيْرِيه وأُسَيْميع كَشُمَيْرِيخ (2) ، والقياس يقتضي ما قاله المبرد، إلا أن المسموع من العرب ما قاله سيبويه، كما روى أبو زيد وغيره عن العرب، وحكى سيبويه عن العرب في تصغيرهما تصغير الترخيم بُرَيْه وسميع،
وهو دليل على زيادة الميم في إبراهيم واللام في إسماعيل، فتكون الهمزة في الأول وبعدها ثلاثة أصلال كما مر، ولولا السماع في تصغير الترخيم لم نحكم بزيادة الميم واللام، لأنهما ليستا مما يغلب زيادته في الآخر وأما إسْتَبْرَق (1) فأصله أيضاً أعجمي فعرب، وهو بالفارسية إستبر (هـ) ، فلما عرب حمل على ما يناسبه في الأبنية العربية، ولا يناسب من أبنية الاسم شيئاً، بل يناسب نحو اسْتَخْرَجَ، أو تقول: يناسب نحو اسْتِخْرَاج من أبنية الأسماء باجتماع الألف والسين والناء في الأول، فحكمنا بزيادة الأحرف الثلاثة حَمْلاً له على نظيره، ولا بد من حذف اثنتين من الحروف الزائدة، فبقَّيْنَا الهمزة لفضلها بالتصدر، وليس بهمزة وصل كما كانت في استخراج حى تحذف، فحذفْنَا السين والتاء، وكذا تحذف الزيادة في الخماسي مع الخامس الأصلي، تقول في قَرَعْبَلاَنة وَقِرْطَبُوس (2) : قُرَيْعِبَة وَقُرَيْطِب قوله " ويجوز التعويض عن حذف الزائد " قال سيبويه: التعويض قول يونس، فكل ما حذفت في التصغير، سواء كان أصلياً كما في سفرجل أو زائداً كما في مُقَدِّم، يجوز لك التعويض منه بياء ساكنة قبل الا خبر، إن لم يكن في المكبر حرف علة في ذلك الموضع، وإن كان كما في احرنجام فلا تقدر على التعويض، لاشتغال المحل بمثله
قال " وَيُرَدُّ جَمْعُ الْكَثْرَةِ لاَ اسْمُ الْجَمْعِ إِلَى جَمْعِ قِلَّتِهِ، فيُصَغَّرُ نَحْوُ غَلَيْمَةَ في غِلْمَان، أوْ إلى وَاحِدِهِ، فَيُصَغَّرُ ثُمَّ يُجْمَعُ جَمْعُ السَّلاَمَةِ، نَحْوُ غُلَيِّمُونَ وَدُوَيْرَاتٍ " أقول: قوله " لا اسم الجمع " قد عرفت في شرح الكافية معنى اسم الجمع (1) فإذا كان لفظ يفيد الجمعية: فإن كان لفظه مفرداً، كاسم الجمع واسم الجنس، فإنه يصغر على لفظه، سواء جاء من تركيبه واحد كَرَاكِب ورَكْب وَمُسافر وسَفْر وراجل (2) ورجل، يقول: رُكَيْب، ورُجَيْل، وسُفَير، أو لم يجئ، نحو قُوَيْم ونُفَيْر، في تصغير قَوْم ونَفَر. وكذا في الجنس تقول: تمير وتفيفيح.
ومذهب الأخفش - وهو أن ركباً جمع راكب، وسفراً جمع مسافر - يقتضي رد مثلهما إلى الواحد، نحو رُوَيْكبون ومُسَيْفِرون، وكذا يفعل. وإن كان لفظه جمعاً: فإما أن يكون جمع سلامة، فهو يصغر على لفظه، سواء كان للمذكر، نحو ضُوَيْرِبون، أو للمؤنث، نحو ضُوَيْرِبات، إما أن يكون جمع تكسير، وهو إما للقلة، وهو أربعة: أَفْعُل، وأفعال، وَأَفْعِلة، وَفِعْلَة، فتصغر على لفظها، نحو أُكَيْلِب وَأُجَيْمَال وأُقَيْفِزة وغُلَيْمَة، وإما للكثرة، وهو ما عدا الأربعة، ولا يخلو إما أن يكون له من لفظه جمع قلة ككِلاَب وأكْلُب وفُلُوس وَأَفْلُس، أولا كدارهم ودنانير ورجال، فالثاني يرد إلى واحده ويصغر ذلك الواحد، ثم ينظر، فإن كان ذلك الواحد عاقلاً مذكر اللفظ والمعنى جمعته بالواو والنون لحصول العقل فيه أولا وعروض الوصف بالتصغير، كرُجَيْلون في تصغير رجال، وإن لم يكن عاقلاً جمعته بالألف والتاء مذكراً كان ككُتَيِّبَات في كُتُب، أو مؤنثاً كقُدَيْرَات في قُدُور، وكذا إن اتفق أن يكون عاقلاً مؤنث اللفظ مذكر المعنى، أو عاقلاً مذكر اللفظ مؤنث المعنى، فتقل في جَرْحَى وحَمْقى وَحُمْر وعِطَاش في المذكر: جُرَيِّحُون وأحَيْمِقون وأحَيْمِرُون وعطيشانون، وفي المؤنث: جُرَيِّحَات وَحُمَيْقَاوات وَحُمَيْرَاوات وعُطَيْشِيات، بجمع المصغرات جمع السلامة، وإن لم يجز ذلك في المكبرات، وكذا تقول في حوائض جمع حائض: حُوَيِّضَات، وإن لم تجمع حائضاً جمع السلامة. وأما في القسم الأول - أي الذي له جمع قلة مع جمع الكثرة - فلك التخيير بين رد جمع كثرته إلى جميع قلته وتصغيره، كتصغيرك كلاباً وفلوساً على أكيلب وأفيلس، وبين رد جمع كثرته إلى الواحد وتصغير ذلك الواحد ثم جمعه إما بالواو والنون أو بالألف والتاء، كما في ذلك القسم سواء.
وإنما لم يصغر جمع الكثر على لفظه لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد، فمعنى عندي غُلَيْمَة أي عدد منهم قليل، وليس المقصود تقليل ذواتهم، فلم يجمعوا بين تقليل العدد بالتصغير وتكثيره بإبقاء لفظ جمع الكثرة، لكونه تناقضاً، وأما أسماء الجموع فمشتركة بين القلة والكثرة، وكذا جمع السلامة على الصحيح كما مضى (1) في شرح الكافية، فيصغر جميعها نظراً إلى القلة، فلا يلزم التناقض، ولم يصغر شئ من جموه الكثرة على لفظه إلا أُصْلاَن جمع أصيل (2)
تشبيهاً بِعُثْمَان، فيقال: أُصَيْلاَن، وقد يعوض من نونه اللام فيقال أُصَيْلاَل، وهو شاذ على شاذ. وأجاز الكسائي والفراء تصغير نحو شُقْرَان وسُودَان جمع أشْقَر وأسْود على لفظه، نحو شُقَيْرَان وسُوَيْدَان. وإن اتفق جمع كثرة ولم يستعمل واحده كعباديد وعباييد، بمعنى متفرقات، حقرته على واحدة القياسي المقدر ثم جمعته جمع السلامة، نحو عُبَيْدِيدُون، وعُبَيْبِيدون، لأن فعاليل جمع فُعْلُولٍ أو فِعْلِيلٍ أو فعلال (1)
وإن جاء بعض الجموع على واحد مهمل وله واحد مستعمل غير قياسي رد في التصغير إلى المستعمل، لا إلى المهمل القياسي، يقال في مَحَاسن ومَشَابه: حُسَيْنَات وشُبَيْهَات، وفي العاقل المذكر: حُسَيْنُون وشُبَيْهُون، وكان أبو زيد يرده إلى المهمل (1) القياسي، نحو مُحَيْسِنُون وَمُشَيْبِهُون وَمُحَيْسِنَاتٍ ومُشَيْبِهَات، قال يونس: إن من العرب من يقول في تصغير سَرَاويل: سُرَيِّيلات (2) اعتقاداً منه أنها
جمع سِرْوَالة، لأن هذه الصيغة مختصة بالجمع، فجعل كل قطعة منها سِرْوَالَة، قال: 39 - عَلَيْهِ مِن اللُّؤمِ سِرْوَالةٌ (1) ومن جعلها مفرداً - وهو الأولى - قال: سُرَيِّيل أو سُرَيْويل، وقد شذّ عن القياس بعض الجموع، وذلك كما في قوله: - 40 - قَدْ رَوِيَتْ إلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا * قُلَيِّصَاتٍ وَأبَيْكِرِينَا (2) والدَّهَداه صغار الإبل، وجمعه دهاديه، والأبيكر مصغر الا بكر جمع البكر فكان القياس دُهَيْدِهَات وأبيكرات
وإذا حقرت السنين والأرضين قلت: سُنَيِّات وأرَيْضَات، لأن الواو والنون فيهما عوض من اللام الذاهبة في السنة والتاء المقدرة في أرض، فترجعنا في التصغير فلا يبدل منهما، بل يرجع جمعهما إلى القياس، وهو الجمع بالألف والتاء، وإذا جعلت نون سنين معتقب الإعراب من غير علمية صغرته على سُنَيِّن، إذ هو كالواحد في اللفظ، وكان الزجاج يرده إلى الأصل فيقول سُنَيَّات أيضاً، نظراً إلى المعنى، إذ هو مع كون النون معتقب الإعراب جمع من حيث المعنى، ولا يجوز جعل نون أرضين من دون العلمية معتقب الإعراب، لأنهما إنما تجعل كذلك في الشائع، إما في الذهاب اللام، أو في العلم، كما تبين في شرح الكافية في باب الجمع (1) وإذا سميت رجلاً أو امرأة بأرضين فإن جعلت النون معتقب الاعراب فتصغيره
كتصغير حَمَصِيصَة (1) . تقول: أريضين، منصرفاً في المذكر غير منصرف في المؤنث، وإن لم تجعله معتقب الإعراب لم ترده أيضاً في التحقير إلى الواحد، إذ ليس جمعا وإن أعراب بإعرابه، كما أنك إذا صغرت مساجد علماً قلت: مسيجد، ولا ترده إلى الواحد ثم تجمعه، فلا تقول: مُسَيْجِدَات، فتقول: أُرَيْضُون رفعاً، وأريضين نصباً وجراً. وأما إن سميت بسنين رجلاً أو امرأة ولم تجعل النون معتقب الإعراب رددته إلى واحدة، لأن علامة الجمع إذن باقية متصلة باسم ثنائي، ولا يتم بها بنية التصغير كما تمت في أريضون، فترد اللام المحذوفة، ولا تحذف الواو والنون لأنهما وإن كانتا عوضاً من اللام المحذوفة في الأصل إلا أنهما صارتا بالوضع العلمي جزأ من العلم، فتقول: سُنَيُّون رفعاً، وسنيين نصباً وجرا وإن جعلتا مع العلمية معتقب الإعراب قلت سُنَيِّين منصرفاً في المذكر غير منصرف في المؤنث، ولا يخالف الزجاج ههنا كما خالف حين جعلت النون متعقب الإعراب بلا علمية، لأن اللفظ والمعنى في حال العلمية كالمفرد مع جعل النون معتقب الإعراب فكيف يرد إلى الواحد! ؟
[شواذ التصغير]
قوله " إلى جمع قلته "، يعني إن كان له جمع قلة فأنت مخير بين الرد إليه والرد إلى واحده، وإن لم يكن له ذلك تعين الرد إلى واحده قوله " غُلَيِّمون " أي في العاقل، " ودُوَيْرات " أي في غيره، وغليمون تصغير غلمان، ودويرات تصغير دور، وكلاهما مما جاء له جمع قلة وهو غلمة وأدؤر. والمركب يصغر صدره، مضافا كان أولا، نحو أبيّ بَكْر، وأمَيْمَة عمرو، ومُعَيْديكرب، وخميسة عشر، وذهب الفراء في المضاف إذا كان كنية إلى تصغير المضاف إليه، احتاجا بنحو أمّ حُبَيْن وأبي الْحُصَيْن (1) ، وقوله: - 41 - أَعْلاَقَةً أمَّ الْوُلَيِّدِ بَعْدَمَا * أَفْنَانُ رَأْسِكَ كَالثَّغَامِ الْمُخْلِسِ (2) قال: " وَمَا جَاءَ عَلَى غَيْرِ ذلِكَ كأنَيْسِيانٍ وعشيشية وأغيلمة وأصيبية شاذ "
قِيَاسُ إنْسَانٍ أُنَيْسِين كَسُرَيْحِين في سِرْحَان، فَزَادُوا الْيَاء فِي التَّصغيرِ شَاذاً فصار كَعُقَيْرِبَان كما ذكرنا في أول الباب، ومن قال إن إنساناً إفعان من نَسِي - كما يجئ في باب ذي الزيادة - فأنَيْسِيَانٌ قياس عنده (1)
وعُشَيْشِية تصغير عَشِيَّة، والقياس عُشَيَّة، بحذف ثالثة الياآت كما في مُعَيَّة، وكأن مكبر عُشَيْشِية عَشَّاة، تجعل أولى ياءي عشية؟ ؟ ؟ فتدغم الشين في الشين وتنقلب الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وكذا قالوا في تصغير عَشِيّ: عُشَيْشيان، وكأنه تصغير عَشَّيَان، وقد صغروا عَشِيًّا أيضاً على عُشَيَّانَات، كأن كل جزء منها عشي، فعُشَيَّانات جمع عُشَيْشِيان على غير القياس، كما أن عشيشياناً تصغير عشي على غير القياس (1)
وكذا قالوا في تصغير مَغْرب: مُغَيْرِبان، ثم جمعوا فقالوا: مُغَيْرِبَانَات، وهذا جمع قياسي لتصغير غير قياسي، وكأنهم جعلوا كل جزء منه مَغْرِباً، كقولهم: بغير أصْهَب العثانين (1)
وأُصَيْلان شاذ أيضاً، لكونه تصغير جمع الكثرة على لفظه، كما ذكرنا، كأنهم جعلوا كل جزء منه أصيلاً، وأُصَيْلال شاذ على شاذ، والقياس أُصَيِّلاَت وقالوا في بَنُون: أُبَيْنُونَ، والقياس بنيون كم امر في شرح الكافية في باب الجمع (1) وقالوا في تصغير ليلة لُيَيْلِيَة بزيادة الياء كما في أنسيان، وكأنه تصغير لَيْلاَة، قال: 42 - * في كُلِّ يَوْمٍ ما وكل ليلاه (2) * وعلية بنى الليالى
وقالوا في تصغير رَجُل: رُوَيْجِل، قيل: إن رجلاً جاء بمعنى راجل، قال: - 43 - أما أقائل عَنْ دِينِي عَلَى فَرَسِي * وَهَكَذَا رَجُلاً إلاَّ بِأَصْحَاب (1) أي: راجلاً، فرويجل في الأصل تصغير راجل الذي جاء بمعناه رجل، فكأنه تصغير رجل بمعنى راجل، ثم استعمل في تصغير رجل مطلقاً، راجلا كان أولا فإن سميت بشئ من مكبرات هذه الشواذ ثم صغرته جرى على القياس المحض، فتقول في إنسان وليلة ورجل أعلاما: أنيسين ورجيل ولُيَيْلة، إذ العلم وَضْع ثان وأُغَيْلمة وأُصَيْبية في تصغير (2) غِلْمة وَصِبْية شاذَّان أيضاً، والقياس غُلَيْمَة وصُبَيَّة، ومن العرب من يجئ بهما على القياس
قال: " وَقَوْلُهُمْ أُصَيْغِرُ مِنْكَ وَدُوَيْنَ هَذَا وَفُوَيْقَهُ لِتَقْلِيلِ مَا بَيْنَهُمَا " أقول: قوله " أصيغر منك " اعلم أن المقصود من تحقير النعوت ليس تحقير الذات المنعوت غالباً، بل تحقير ما قام بها من الوصف الذي يدل عليه لفظ النعت، فمعنى ضويرب ذو ضرب حقير، وقولهم أُسَيْود وأُحَيْمر وَأُصَيْفر أي ليست هذه الألوان فيه تامة، وكذا بُزَيْزِيز وَعُطَيْطِير (1) أي الصنعتان فيهما ليستا كاملتين، وربما كانا كاملين في أشياء أخرى، وقولك " هو مُثَيْل عمرو " أي المماثلة بينهما قليلة، فعلى هذا معنى " أصيغر منك " أي زيادته في الصغر عليك قليلة، وكذا " أُعَيْلم منك " و " أفيضل منك " ونحوه، لأن أفعل التفضيل ما وضع لموصوف بزيادة على غيره في المعنى المشتق هو منه، وقد تجئ لتحقير الذات كما في قول على " يَا عُدَيَّ نَفْسه " وأما تحقير العلم نحو زيد وعمرو فلمطلق التحقير، وكذا في الجنس الذي ليس بوصف كرجل وفرس، ولا دليل فيه على أن التحقير إلى أي شئ يرجع إلى الذات أو الصفة أو إليهما قوله " وَدُوَيْنَ هذا، وفُوَيْقه "، قد ذكرنا حقيقة مثله في أول باب التحقير قال: " ونَحْوُ مَا أُحَيْسِنَهُ شَاذٌّ، وَالْمُرَادُ الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ " أقول: عند الكوفيين أفعل التعجب اسم، فتصغيره قياس، وعند البصريين هو فِعل كما تقدم في بابه في شرح للكافية، وإنما جَرَّأهم عليه تجرده عن معنى الحدث والزمان اللذين هما من خواص الأفعال، ومشابهته معنىً لأفعل التفضيل، ومن ثم يُبْنَيان من أصل واحد، فصار أفعل التعجب كأنه اسم فيه معنى الصفة
كأسْوَد وأحْمَر، والصفة - كما ذكرنا - إذا صغرت فلتصغير راجع إلى ذلك الوصف المضمون، لا إلى الموصوف، فالتصغير في " ما أحَيْسِنَهُ " راجع إلى الحسن، وهو تصغير التلطف كما ذكرنا في نحو بُنَيَّ وَأُخَيّ، كأنك قلت هو حُسَيْنٌ، وقوله 30 - يَامَا أميْلِحَ غِزْلاَناً (1) أي: هن مُلَيِّحَات، ولما كان أفعل التعجب فعلاً على الصحيح لم يمنعه تصغيره عن العمل، كما يمنع في نحو ضويرب على ما يجئ. قوله " والمراد المتعجب منه " أي: مفعول أُحَيْسِن، فإذا قلت " ما أحيسن زيداً " فالمراد تصغير زيد، لكن لو صغرته لم يعلم أن تصغيره من أي وجه هو، أمن جهة الحسن، أم من جهة غيره؟ فصغرت أحسن تصغير الشفقة والتلطف، لبيان أن تصغير زيد راجع إلى حسنه، لا إلى سائر صفاته. قال: " وَنَحْوُ جُمَيْلٍ وكُعَيْتٍ لِطَائِرَيْنِ وَكُمَيْتٍ لِلْفَرَس مَوْضُوعٌ عَلَى التَّصْغير ". أقول: جميل طائر صغير شبيه بالعصفور (2) ، وأما كُعَيْت فقيل هو البلبل، وقال المبرد: هو شبيه بالبلبل وليس به. وإنما نطقوا بهذه الأشياء مصغرة لأنها مستصغرة عندهم، والصغر من لوازمها فوضعوا الألفاظ على التصغير، ولم تستعمل مكبراتها، وقولهم في جمع جميل
وَكُعَيْت جِمْلاَن وكِعْتَان كصِرْدان (1) ونِغْرَان (2) تكسير لمكبريهما المقدرين وهما الجُمَلُ والْكُعَت، وإنما قدرا على هذا الوزن لأنه أقرب وزن مكبر من صيغة المصغر، فلما لم يسمع مكبراهما قدرا على أقرب الأوزان من وزن المصغر، وإنما قلنا إن جِمْلاَنًا وكِعْتَاناً جمعان للمكبر المقدر لا المصغر لأنه جرت عادتهم أن لا يجمعوا المصغر إلا جمع السلامة إما بالواو والنون وبالالف والتاء، قيل: وذلك لمضارعة التصغير للجمع الأقصى بزيادة حرف لين ثالثة، ولا يجمع الجمع الأقصى إلا جمع السلامة كالصَّرَادين والصَّوَاحبات، ولا منع أن نقول: إن كُعَيْتاً وَجُمَيْلاً لما وضعا على التصغير نظراً إلى استصغارهما في الأصل ثم استعملا بعد ذلك من غير نظر إلى معنى التصغير فيهما لأن الكعيت كالبلبل معنى، ولا يقصد في البلبل معنى التصغير، وإن كان في نفسه صغيراً - انمحى عنهما معنى التصغير في الاستعمال، وإن كانا موضوعين عليه، وصارا كلفظين موضوعين على التكبير، فجمعا كما يجمع المكبر، وأقرب المكبرات إلى هذه الصيغة فُعَل كنُغَر وصُرَد فجمعا جمعهما، فعلى هذا كِعتان وجملان جمعان للفظي كُعَيْت وجُمَيْل، لا لمكبريهما المقدرين وأما كميت فهو تصغيرأ كمت وكَمْتَاء تصغير الترخيم (3) ، وقد ذكرنا
أن المراد بتصغير الصفة تصغير المعنى المضمون، لا تصغير ما قام به ذلك المعنى، والكمتة، لون يلزمه الصغر، إذ هي لون ينقصُ عن سواد الأدهم ويزيد على حمرة الأشقر، فهي بين الحمرة والسواد، فوضعوا كُمَيْتاً على صيغة التصغير لصغر معناه المضمون، وهو يقع على المذكر والمؤنث، وجمعه كُمْت، وهو جمع مكبره المقدر، وهذا يقوي إن جِمْلاَناً وكِعتاناً جمعان للمكبر أيضاً وسُكَيْت بالتخفيف مصغر سُكَّيْت - بالتشديد - تصغير الترخيم (1)
[تصغير الترخيم]
وإذا صغرت مبيطرا وميسطرا كان التصغير بلفظ المكبر، لأنك تحذف الياء كما تحذف النون في منطلق، وتجئ بياء التصغير في مكانه، ولو صغرتهما تصغير الترخيم لقلت: بطير، وسطير قال: " وَتَصْغِيرُ التَّرْخِيمِ أنْ تَحْذِفَ كلَّ الزَّوائِدِ ثُمَّ تُصَغِّرَ كَحُمَيْدِ فِي أَحْمَدَ " أقول: اعلم أن مذهب الفراء أنه لا يصغر تصغير الترخيم إلا العلم، لأن ما أبقى منه دليلٌ على ما ألقى لشهرته، وأجاز البصرية في غير العلم أيضاً، وقد ورد في المثل " عَرَفَ حُمَيْقٌ جَمَله " (1) تصغير أحمق وإذا صغرت مُدَحْرجاً تصغير الترخيم قلت: دُحَيْرج، وما قال بعض العرب في تصغير إبراهيم وإسماعيل - أعني بُرَيْه وسُمَيع - فإما أن يكون جعل الميم واللام زائدتين، وإن لم يكونا من الغوالب في الزيادة في الكلم العربية في مثل مواضعهما، كما يجئ في باب ذي الزيادة، لكنهم جعلوا حكم العجمية غير حكم العربية، أو يكون حذف الحرف الأصلي شاذاً، لأن تصغير الترخيم شاذ، والأعجمي غريب شاذ في كلامهم، فشبهوا الميم واللام لااصليتين، لكونهما من حروف " اليوم تنساه " بحروف الزيادة، وحذفوهما حذفاً شاذاً، لإتباع الشذوذ للشذوذ، فعلى هذا يكون الهمزة أصلاً كما في إصطبل، فيكون تصغيرهما على بُرَيْهيم وسُمَيْعِيل، بحذف الهمزة وهما المشهوران، شاذا أيضا، والقياس
ما قال المبرد: أي أبيريه وأسيميع، وقد مر، وتصغير الترخيم شاذ قليل قال: " وَخُوْلِفَ بِاسْمِ الإِشَارَةِ وَالْمَوْصُولِ فَأُلْحِقَ قَبْلَ آخِرِهِما يَاءٌ، وَزِيدَتْ بَعْدَ آخِرِهما ألِفٌ، فَقِيلَ: ذَيَّا وتيا وأوليا واللذيا واللتيا واللَّذيَّانِ وَاللَّتَيَّانِ وَاللَّذَيُّونَ وَاللَّتَيَّات " أقول: كان حق اسم الإشارة أن لا يصغر، لغلبة شبه الحرف عليه، ولأن أصله وهو " ذا " على حرفين، لكنه لما تصرف تصرف الأسماء المتمكنة فوُصِف (ووُصف) به وثني وجُمِع وأُنث أُجْرِيَ مُجْرَاها في التصغير، وكذا كان حق الموصولات أن لا تصغر، لغلبة شبه الحرف عليها، لكن لما جاء بعضها على ثلاثة أحرف كالَّذي والتَّي وتُصُرف فيه تصرف المتمكنة فوصف به وأنث وثنى وجمع جاز تصغيره وتصغير ما تصرف منه، دون غيرهما من الموصولات، كمن وما قيل: لما كان تصغيرهما على خلاف الأصل خولف بتصغيرهما تصغير الأسماء المتمكنة، فلم تُضم أوائلهما، بل زيد في الآخر ألف بدل الضمة بعد أن كملوا لفظ " ذا " ثلاثة أحرف بزيادة الياء على آخره، كما تقدم أنه يقال في تصغير مَنْ: مُنَيّ، فصار ذايا، فأدخلوا ياء التصغير ثالثة بعد الألف ما هو حقها، فوجب فتح ما قبلها كما في سائر الأسماء المتمكنة، فقلبت الألف ياء، لا واواً، ليخالف بها الألفات التي لا أصل لها في المتمكنة، فإنها تقلب في مثل هذا الموضع واواً، لوقوعها بعد ضمة التصغير كما في ضُوَيْرِب، فصار ذَيَيّا أو تقول: كان أصل " ذا " ذَيَيُ أو ذَوَيُ، قلبت اللام ألفاً، وحذفت العين شاذاً كما في سَهٍ، ورُدَّت في التصغير كما هو الواجب، وزيد ياء التصغير بعد العين، فرجعت الألف إلى أصلها من الياء كما في الْفَتى إذا صغر، فصار ذَيَيًّا، أو ذَوَيًّا، وكون
عينه واواً في الأصل أولى (1) ، لكون باب طوى أكثر من باب حيى، وأما
إمالة ذا فلكون الالف لا ما في ذوي والعين محذوفة، ثم حذفوا العين شاذاً لكون تصغير المبهمات على خلاف الأصل كما مر، فجرأهم الشذوذ على الشذوذ، ألا ترى أنهم لم يحذفوا شيئا من الياآت في حُيَيّ وطُوَيّ تصغيري حَي وطَي، ولا يجوز أن يكون المحذوفة ياء التصغير لكونها علامة، ولا لام الكلمة للزوم تحرك ياء التصغير بحذفها، فصار ذَيًّا. ولم يصغر في المؤنث إلا تا وتي، دون ذي، لئلا يلتبس بالمذكر، وأما ذِهِ، فأصله ذي كما يجئ في باب الوقف (1)
وحذفوا في المثنى الألف المزيد عوضاً من الضمة، اكتفاء بياء التصغير، وذلك لاجتماع ألفي المثنى والعوض، والقياس في اجتماع الساكنين حذف الأول، إذا كان مداً، كما يجئ في بابه وقالوا في " أولى " المقصور وهو مثل هُدًى: أُولَيَّا، والضمة في أُوَليَّا هي التي كانت في أُولَى وليست للتصغير، فلذا زيد الألف بدلاً من الضمة، وأما " أولاء " بالمد فتصغيره أولياء، قال المبرد: زيد أَلف العوض قبل الآخر، إذ لو زيدت في الآخر كما في أخواته لالتبس تصغير أولاء الممدود بتصغير أولى المقصور. وذلك أن أولاء كقَضَاء لما صرفته وجعلته كالأسماء المتمكنة قَدَّرت همزته التي بعد الألف منقلبة عن الواو أو الياء كما في ردَاء وكساء، فكما تقول في تصغير رداء: ردى، بحذف ثالثة الياآت، فكذا كنت تقول أُوليٌّ ثم تزيد الألف على آخره فيصير أوَليَّا فيلتبس بتصغير المقصور، فلذا زدت ألف العوض قبل الهمزة بعد الألف، فانقلبت ألف " أولاء " ياء كالف حمار إذا قلت حُمَيِّر، لكنه لم يكسر الياء كما كسرت في نحو حُمَيِّر لتسلم ألف العوض، فصار أولَيَّاء وأما الزجاج فإنه يزيد ألف العوض في آخر أولاء كما في أخواته، لكنه يقدر همزة " أولاء " في الأصل ألفاً، ولا دليل عليه، قال: فإذا دخلت ياء التصغير اجتمع بعدها ثلاث ألفات: الاولى الذي كان بعد لام أُولاء، والثاني أصل الهمزة على ما ادعى، والثالث ألف العوض، فينقلب الأول ياء كما في حمار
ويبقى الأخيران، فيجعل الأخير همزة كما في حمراء وصفراء، فتكسر كما كانت في المكبر وتقول في الذى والتي: اللَّذيَّا واللَّتَيَّا بزيادة ياء التصغير ثالثة وفتح ما قبلها، وفتح الياء التي بعد ياء التصغير، لتسلم ألف العوض، وقد حكى اللّذَيَّا واللُّتَيَّا بضم الأول جمعاً بين العوض والمعوض منه وتقول في المثنى: اللَّذَيَّان واللَّتَيَّان، واللَّذَيَّيْنِ وَاللَّتَيَّينِ، بحذف ألف العوض قبل علامتي المثنى، لاجتماع الساكنين، فسيبويه يحذفها نَسْياً فيقول في المجموع: اللَّذَيُّون واللَّذيِّينَ، بضم الياء وكسرها، يحذف ألف العوض في المثنى والمجموع نَسْياً، كما حذف ياء الذي في المثنى، والأخفش لا يحذفها نَسْياً، لا في المثنى ولا في المجموع، فيقول في الجمع: اللَّذَيُّونَ وَاللَّذَيِّينَ (بفتح الياء) كالمَصطَفَوْنَ وَالمُصْطَفينَ فيكون الفرق عنده بين المثنى والمجموع في النصب والجر بفتح النون وكسرها، والمسموع في الجمع ضم الياء وكسرها كما هو مذهب سيبويه ونما اطرد في المصغر اللَّذَيُّون رفعاً وَاللَّذَيَّينَ نصباً وحراوشد في المكبر اللَّذُون رفعاً لأنه لما صغر شابه المتمكن فجرى جمعه في الإعراب مجرى جمعه وعند سيبويه استغنوا باللَّتَيَّات جمع سلامة اللَّتَيَّا بحذف ألف العوض للساكنين عن تصغير اللاتي واللائي، وقد صغرهما الأخفش على لفظهما، قياساً لا سماعاً، وكان لا يبالي بالقياس في غير المسموع فقال في تصغير اللاتي: اللَّوَيْتَا، بقلب الألف واواً كما في الجمع: أي اللواتي، وحذف ياء اللاتي لئلا يجتمع مع ألف العوض خمسة أحرف سوى الياء، وقال في تصغير اللائي: اللَّوَيْئَا، بفتح اللام فيهما، وقال المازني: إذا كان لابد من الحذف فحذف الزائد أولى، يعني الألف التي بعد اللام فتصغير اللاتي كتصغير التي سواء، قال بعض البصريين: اللَّوَيْتِيَا (*)
وَاللَّوَيْئِيَا، من غير حذف شئ، وكل لك هَوَسٌ وتجاوز عن المسموع بمجرد القياس، ولا يجوز، هذا ما قيل وأنا أرى أنه لما كان تصغير المبهمات على خلاف الأصل، كما ذكرنا، جُعِلَ عوض الضمة ياء، وأدغم فيها ياء التصغير، لئلا يستثقل الياآن، ولم يدغم في ياء التصغير لئلا يتحرك ياء التصغير التي لم تجر عادتها بالتحرك، فحصل في تصغير جميع المبهمات ياء مشددة: أولاهما ياء التصغير، والثانية عوض من الضمة، فاضطر إلى تحريك ياء العوض، فألزم تحريكها بالفتح، قصداً للخفة، فإن كان الحرف الثاني في الاسم ساكناً كما في " ذا " و " تا " و " ذان " و " تان " جعلت هذه الياء المشددة بعد الحرف الأول، لأنها إن جعلت بعد الثاني - كما هو حق ياء التصغير - لزم التقاء الساكنين، فألف ذياوتيا، على هذا، هي التي كانت في المكبر، وإن كان ثاني الكلمة حرفاً متحركاً كأولى وأولاء جعلت ياء التصغير في موضعها بعد الثاني، فعلى هذا كان حق الذي والتي اللَّذَيَّيْ واللَّتَيَّيْ بياء ساكنة في الآخر بعد ياء مفتوحة مشددة، لكنه خفف ذلك بقلب الثالثة ألفاً كراهة لاجتماع الياآت، ويلحق بذيّا وَتَيّا ومثنييهما وجمعيهما من هاء التنبيه وكاف الخطاف ما لحقها قبل التصغير، نحو هذيا وذيا لك، قال 30 - * من هؤليائكن الضال والسمر * (1) قَالَ: " وَرَفَضُوا تَصْغِيرَ الضَّمَائِرِ، وَنَحْو مَتَى وَأَيْنَ ومن وما وحيت وَمُنْذُ وَمَعَ وَغَيْرِ وَحَسْبُكَ، وَالاسْمِ عَامِلاً عَمَلَ الْفِعْلِ، فَمِنْ ثَمَّ جَازَ ضُوَيْرِبُ زَيْدٍ وَامْتَنَعَ ضُوَيْرِبٌ زَيْداً " أقول: إنما امتنع تصغير الضمائر لغلبة شبه الحرف عليها مع قلة تصرفها، إذ
لا تقع لا صفة ولا موصوفة كما تقع أسماء الإشارة، ولمثل هذه العلة لم تصغر أسماء الاسفتهام والشرط، فانه تشابه الحرف ولا تتصرف بكونها صفات وموصوفات وأما مَنْ ومَا الموصولتان فأوغل في شبه الحرف من " الذي " لكونهما على حرفين ولعدم وقوعهما صفة كالذي وحيث وإذ وإذا ومُنْذُ مثل الضمائر في مشابهة الحرف، وأقلُّ تصرفاً منها، لانها مع كونه لا تقع صفات ولا صفات وَلا موصوفات تلزم في الأغلب نوعاً من الإعراب وأما مع فإنه وإن كان معرباً لكنه غير متصرف في الاعراب، ولا يقع صفة ولا موصوفاً، مع كونه على حرفين وكذا عند لا يتصرف (1) وإن كان معرباً على ثلاثة، وكذا لم يصغر لَدُن لعدم تصرفه وإنما لم يصغر غير كما صغر مثل وإن كانت المغايرة قابلةً للقلة والكثرة كالمماثلة، لقصوره في التمكن، لأنه لا يدخله اللام ولا يثنى ولا يجمع بخلاف مثل ولا يصغر سوى (2) وسواء بمعنى غير أيضاً، ولا يصغر حَسْبُك لتضمنه معنى
الفعل، لأنه بمعنى اكتف، وكذا ما هو بمعناه من شَرْعك (1) وكَفيك ولا يصغر شئ من أسماء الأفعال، وكذا لا يصغر الاسم (2) العامل عمل الفعل، سواء كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة، لأن الاسم إذا صغر صار
موصوفاً بالصغر، كما تكررت الإشارة إليه، فيكون معنى " ضُوَيْرب " مثلاً ضارب صغير، والأسماء العاملة عمل الفعل إذا وصفت انعزلت عن العمل، فلا تقول: " زَيْدٌ ضاربٌ عظيم عمراً ولا أضَارِبٌ عظيم الزَّيْدَانِ، وذلك لبعدها إذَنْ عن مشابهة الفعل، إذ وضعه على أن يسند ولا يسند إليه، والموصوف يسند إليه الصفة، هذا في الصفات، أعني اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، أما المصدر فلا يعزله عن العمل كونه مسندأً إليه، لقوة معنى الفعل فيه، إذ لا يعمل الفعل الذي هو الأصل في الفاعل ولا في المفعول إلا لتضمنه معنى المصدر، كما ذكرنا في شرح الكافية في باب المصدر، فيجوز على هذا أن تقول أعجبني ضَرْبُكَ الشديدُ زَيْداً، وَضُرَيْبُكَ زَيْداً (1) وقيل: إنما لم يصغر الاسم العامل عمل الفعل لغلبة شبه الفعل عليه إذن، فكما لا يصغر الفعل لا يصغر مشبهة، ويلزم منه عدم جواز تصغير المصدر العامل عمل الفعل
ويصغر الزمان المحدود من الجانبين، كالشهر واليوم والليلة والسَّنَة، وإنما تصغر باعتبار اشتمالها على أشياء يستقصر الزمان لأجلها من المسار (1) وأما غير المحدود كالوقت والزمان والحين فقد يصغر لذلك، وقد يصغر لتقليله في نفسه وأما أمس وغد فإنهما لم يصغرا وإن كانا محدودين كيوم وليلة لأن الغرض الأهم منهما كون أحد اليومين قبك يومك بلا فصل والآخر بعد يومك، وهما من هذه الجهة لا يقبلان التحقير، كما يقبله قبل وبعد، كما ذكرنا في أول باب التصغير، ولم يصغرا (أيضاً) باعتبار مظروفيهما وإن أمكن ذلك كما لم يصغرا باعتبار تقليلهما في أنفسهما لما كان الغرض الأهم منهما ما لا يقبل التحقير ومثل أمس وغد عند سيبويه كل زمان يعتبر كونه أولاً وثانياً وثالثاً ونحو ذلك، فلا تصغر عنده أيام الأسابيع كالسبت والأحد والاثنين إلى الجمعة، وكذا أسماء الشهور كالمحرم وصفر إلى ذي الحجة، إذ معناها الشهر الأول والثاني ونحو ذلك، وجوز الجرمي والمازني تصغير أيام الأسبوع وأسماء الشهور، وقال بعض
النحاة: إنك إذا قلت اليوم الجمعة أو السبت بنصب اليوم فلا تصغر الجمعة والسبت إذ هما مصدران بمعنى الاجتماع والراحة، وليس الغرض تصغيرهما، وقال: ولا يجوز تحقير اليوم المنتصب أيضاً لقيامه مقام وقع أو يقع، والفعل لا يصغر، وإذا رفعت اليوم فالجمعة والسبت بمعنى اليوم فيجوز تصغيرهما، وحكى عن بعضهم عكس هذا القول، وهو جواز تصغير الجمعة والسبت مع نصب اليوم وعدم جوازه مع رفعه زيدا، فأن أخرت الشديد جاز، قال الشاعر: إن وجدى بك الشديد أرانى * عاذرا فيك من عهدت عذولا فأخر الشديد عن الجار والمجرور المتعلق بوجدي " (1) المسار: جمع مسرة، ووقع في النسخ التي بين أيدينا كافة " من المساد " بدال مهملة، وهو تحريف (*)
النحاة: إنك إذا قلت اليوم الجمعة أو السبت بنصب اليوم فلا تصغر الجمعة والسبت إذ هما مصدران بمعنى الاجتماع والراحة، وليس الغرض تصغيرهما، وقال: ولا يجوز تحقير اليوم المنتصب أيضاً لقيامه مقام وقع أو يقع، والفعل لا يصغر، وإذا رفعت اليوم فالجمعة والسبت بمعنى اليوم فيجوز تصغيرهما، وحكى عن بعضهم عكس هذا القول، وهو جواز تصغير الجمعة والسبت مع نصب اليوم وعدم جوازه مع رفعه واعلم أنك إذا حقرت كلمة فيها قلب لم ترد الحروف إلى أماكنها نقول في لاثٍ وأصله لائث وشاكٍ واصله شائك وفي قِسِي علماً وأيْنُق وأصلهما قووس وأنوق: لُوَيْثٍ وشُوَيْكٍ - بكسر الثاء والكاف - وقُسَيٌّ بحذف تالثة الياآت نسيا، وأُيَيْنِقٌ، وذلك لأن الحامل على القلب سعة الكلام ولم يزلها التصغير حتى ترد الحروف إلى أماكنها. والحمد لله، وصلى الله على رسوله وآله بحمد الله تعالى وحسن توفيقه قد انتهينا من مراجعة الجزء الاول من شرح شافية ابن الحاجب الذي ألفه العلامة المحقق رضى الدين الاستراباذى، في أثناء سبعد أشهر آخرها يوم الاثنين المبارك الثالث عشر من شهر ذي الحجة أحد شهور عام 1356 ست وخمسين وثلثمائة وألف من الهجرة. ويليه الجزء الثاني مفتتحا بباب " النسب " نسأل الله الذي جلت قدرته أن يعين على إكماله.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، قائد الغر المحجلين، سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين
[باب الاسم المنسوب]
المنسوب قال: " المَنْسُوبُ الْمُلْحَقُ بِآخِرِهِ يَاءٌ مُشَدَّدَة لِيَدُلَّ عَلَى نِسْبتِهِ إِلَى الْمُجَرَّدِ عَنْهَا، وَقِيَاسُهُ حَذْفُ تاء التَّأْنِيثِ مُطْلَقاً، وَزِيَادَةِ التَّثْنِيَة وَالْجَمْعِ إِلاَّ عَلَماً قَدْ أُعْرِبَ بالْحَرَكَاتِ، فَلِذَلِكَ جَاءَ قنسرى وقنسرينى " أَقول: قوله: " على نسبته إِلى المجرد عنها " يخرج ما لحقت آخره ياء مشددة للوحدة كروميّ ورُوم، وزنجيّ وزنجٍ، وما لحقت آخره للمبالغة كأَحمريّ وَدَوَّاريّ (1) ، وما لحقته لا لمعنى كَبرْدِيّ (2) وكرسيّ، فلا يقال لهذه الأسماء: إِنها منسوبة، ولا ليائها: إِنها ياء النسبة (3) ، كما يقال لتمرة والتاء فيه للوحدة،
ولعلاّمة وهي فيه للمبالغة، ولغرفة ولا معنى لتائها: إِنها أَسماء مؤنثة وتاءَها تاءُ التَأنيث، وذلك لجريها مجرى التَأنيث الحقيقي في أَشياء، كتَأنيث ما أَسند إِليها، وكصيرورتها غيرَ منصرفة في نحو طلحة، وانقلاب تائها في الوقف هاء قوله " حذف تاء التأنيث مطلقاً " أَي: سواء كان ذو التاء عَلَمًا كمكة والكوفة، أَو غير علم كالعرفة والصفرة، بخلاف زيادتي التثنية والجمع، فإنهما قدلا يحذفان في العلم كما يجئ، وسواء كانت التاء في مؤنث حقيقي أولا كعَزّة وحمزة، وسواء كانت بعد الألف في جمع المؤنث نحو مسلمات، أَولا، وأَما نحو أَخت وبنت فإِن التاء تحذف فيه، وإِن لم تكن للتَّأْنِيث، بدليل صرف أَخت وبنت إِذا سميَ بهما (1) ، وذلك لما في مثل هذه التاء من رائحة
التَّأْنِيث (1) وإِنما حذفت تاء التأْنيث حذراً من اجتماع التاءين: إِحداهما قبل الياء، والأخرى بعدها، لو لم تحذف، إذ كان المنسوب إِلى ذي التاء مؤنثاً بالتاء (2) إِذ كنت تقول: امرأَة كوفتية، ثم طُرِد حذفها في المنسوب المذكر، نحو رَجل كوفي قيل: إِنما حذفت لأن الياء قد تكون مثل التاء على ما ذكرنا، في إِفادة الوحدة والمبالغة، وفي كونها لا لمعنى، فلو لم تحذف لكان كأَنه اجتمع ياءان أَو تاآن، ويلزمهم على هذا التعليل أَن لا يقلولوا نحو كوفية وبصرية، إذ هذا أيضا جمع بينهما.
ويحذف الألف والتاء في نحو مسلمات (1) لإِفادتهما معاً للتأْنيث كإِفادتهما للجمع، فيلزم من إِبقائهما اجتماع التاءين في نحو عَرَفاتية، ولا ينفصل إِحدى الحرفين من الأخرى ثبوتاً وزوالاً، لكونهما كعلامة واحدة، تقول في أَذرعات وعَانَات: أَذْرَعِيٌّ (2)
وَعَانِيٌّ (1)
ويحذف أَيضاً كل ياء مشددة مزيدة في الآخر (1) ، سواء كانت للنسب أَو للوحدة أَو للمبالغة أو لا لمعنى (2) ، فتقول في المنسوب إِلى بصرى ورومى وأَحمرى وكرسي: بَصْريٌّ ورُوميّ وأَحمرِيّ وكرسيّ، كراهة لاجتماعهما قوله: " وزيادة التثنية والجمع " أَي: جمع السلامة، زيادة التثنية الألف والنون أَو الياء والنون، في نحو مسلمان ومسلمتان ومسلمَيْن ومسلمَتَيْن، وزيادة الجمع الواو والنون أَو الياء والنون، في نحو مسلمون ومسلِمينَ، والألف والتاء في نحو مسلمات.
أما حذف النوف فواضح، لدلالتها على تمام الكلمة، وياء النسبة كجزء من أَجزائها، وأّما حذف الألف والواو والياء المذكورة فلكونها إِعراباً ولا يكون في الوسط إِعراب، وأَيضاً لو لم تحذف لاجتمع العلامتان المتساويتان في نحو مسلمانيان ومسلمونيون، وعلامتا التثنية والجمع في نحو مسلمونيان ومسلمانيون، فيكون للكلمة إِعرابان، فإِن جعلت المثنى والمجموع بالواو والنون علمين فلا يخلو من أَن تُبْقي الإعراب في حال العلمية كما كان، أَولا (1) ، فإن أَبقيته وجب الحذف أَيضاً في النسبة، إِذ المحذور باق، ولهذا إِذا سميت شخصاً بعشرين أَو مسلمين لم يجز أَن تقول عِشْرُونان وعشرونون ومسلمونان ومسلمونون، وإِن أَعربتهما بالحركات وجعلت النون بعد الألف في المثنى والنون بعد الياء في الجمع مُعتَقَبَ الإِعراب كما عرفت في شرح الكافية لم يكن الألف والياء للإِعراب، ولم يفد النون تمام الكلمة، بل كانت الكلمة كسكران وغِسْلين (2) فيجب أَن
ينسب إِليهما بلا حذف شئ، نحو بَحْرَانِيٍّ وقنسريني (1) وأما إذا نسبت
إلى نحو سِنين وكرينَ غير علمين (1) فإِنه يجب رده إِلى الواحد كما سيجئ
من وجوب رد الجموع في النسب إِلى أحادها، سواء جعلت النون معتَقَبَ الإِعراب، أَولا قوله " جاء قِنَّسْرِيّ " يعني في المنسوب إِلى ما لم يجعل نونه مُعْتَقَبَ الإِعراب " وقنسريني " (يعني) في المنسوب إِلى المجعول نونه معتقب الإِعراب. واعلم أَن علامة النسبة ياء مشددة في آخر الاسم المنسوب إِلى المجرد عنها فيدل على ذات غير معينة موصوفة بصفة معينة وهي النسبة إلى المجرد عنها فيكون كسائر الصفات: من اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، فإِن كلاً منها ذات غير معينة موصوفة بصفة معينة، فيحتاج إِلى موصوف يخصص تلك الذات، إِما هو أَو متعلقه نحو: مررت برجل تميمي، وبرجل مصري حماره، فيرفع في الأول ضمير الموصوف وفي الثاني متعلقه، مثل سائر الصفات المذكورة، ولا يعمل في المفعول به، إِذ هو بمعنى اللازم: أَي مُنتَسِب أَو منسوب، ولعدم مشابهته للفعل لفظاً لا يعمل إِلا في مخصِّص تلك الذات المبهمة المدلول عليها إِما ظاهراً كما في " برجل مصريّ حمارُهُ " أَو مضمراً كما في " برجل تميمي " ولا يعمل في غيره إِلا في الظرف الذي يكفيه رائحة الفعل، نحو " أنا قرشي أَبداً " أَو في الحال (1) المشبه له، كما
مضى في بابه، قال عمران بن حِطَّان: 44 - يَوْماً يَمَانٍ إِذَا لاَقَيْتُ ذَا يَمَنٍ * وإِنْ لَقِيتُ معديا فعدناني (1)
أَما سائر الصفات المذكورة فلمشابهتها للفعل لفضا أيضا نتعدى في العمل إِلى غير مخصِّص تلك الذات المدلول عليها من الحال والظرف وغيرهما. فإِن قيل: فاسم الزمان والمكان أَيضاً نحو الْمَضْرِب وَالْمَقْتَل واسم الآلة يدلان على ذات غير معينة موصوفة بصفة معينة، إِذ معنى الْمَضْرب مكان أَو زمان يضرب فيه، ومعنى المِضْرَب آلة يضرب بها، فهلاَّ رفعا ما يخصص تينك الذاتين أَو ضميره. فيقال: صمت يوماً مَعْطَشاً: أَي معطشاً هو، وصمت يوماً مَعْطَشاً نِصْفُه، وسرت فرسخاً مَعْسِفاً: (1) أَي مَعْسِفاً هو، وسرت فرسخاً معسفاً نصْفُه. فالجواب أَن اقتضاء الصفة والمنسوب لمتبوع يخصِّص الذاتَ المبهمة التي يدلاّن عليها وضعيٌّ بخلاف الآلة واسمي الزمان والمكان فإِنها وضعت على أَن تدل على ذات مبهمة متصفة بوصف معين غير مخصصة بمتبوع ولا غيره، فلما لم يكن لها مخصص لم تجر عليه، ولم ترفعه، ولم تنصب أَيضاً شيئاً، لأن النصب
في الفعل الذي هو الأصل في العمل بعد الرفع فكيف في فروعه، فمن ثم أَوَّلُوا قوله: 45 - كأن مجر الرامسات ذيولبا * عليه قضيم نمقته الصوانع (1)
بقولهم: كان أَثر مجر أَو موضع، على حذف المضاف، وعلى أَن مجر بمعنى جر مصدر. وأما المصغر فموضوع لذات مخصوصة بصفة مخصوصة، إِذ معنى رجيل رجل صغير، فليس هناك مخصص غير لفظ المصغر حتى يرفعه، هذا، واعلم أَن المنسوب إِليه يلزمه بسبب ياء النسب تغييرات: بعضها عام في جميع الأسماء، وبعضها مختص ببعضها، فالعام كسر ما قبلها ليناسب الياء، والمختص: إِما حذف الحرف، كحذف تاء التَّأْنيث وعلامتي التثنية والجمعين وياء فعلية وفعيلة وفعيل وفعيل المعتلى اللام وواو فَعُولة، وإِما قلب الحرف كما في رحوى وعَصَوِي وعَمَوِي في عَمٍ، وإِما رد الحرف المحذوف كما في دَمَوِي، وإِما إِبدال بعض الحركات ببعض كما في نَمَرِي وشَقَرِي (1) ، وإِما زيادة الحرف كما في كمِّيّ ولائي، وإِما زيادة الحركة كما في طَوَوِي وحَيَوي، وإِما نقل بنية إِلى أَخرى كما تقول في المساجد مسجدي، وإِما حذف كلمة كمرئي في امرئ القيس، هذا هو القياسي من التغييرات، وأما الشاذ منها فسيجئ في أَماكنه. قال: " وَيُفْتَحُ الثَّانِي مِنْ نَحْوِ نَمِرٍ وَالدُّئِلِ بِخِلاَفِ تغلبي على الافصح "
أَقول: اعلم أَن المنسوب إِليه إِذا كان على ثلاثة أَحرف أَوسطُها مكسورٌ وجب فتحه في النسب، وذلك ثلاثة أَمثلة: نَمر، ودُئِل، وإِبل، تقول: نَمَرِي ودُؤَلي وإِبَلي، وذلك لأنك لو لم تفتحه لصار جميع حروف الكلمة المبنية على الخفة: أَي الثلاثيَّةِ المجردة من الزوائد، أَو أَكثرُها، على غاية من الثقل، بتتابع الأمثال: من الياء والكسرة، إِذ في نحو إِبلِي لم يخلص منها حرف، وفي نحو نمري ودُئِلِيٍّ وخَرِبي (1) لم يخلص منها إِلا أَول الحروف، وأَما نحو عَضُدي وعُنقي فإِنه وإِن استولت الثقلاء أَيضاً على البنية المطلوبة منها الخفة إِلا أَن تغاير الثقلاء هون الأمر، لأن الطبع لا ينفر من توالي المختلفات وإِن كانت كلها مكروهة كما ينفر من توالى المتمائلات المكروهة، إذ مجرد التوالي مكروه حتى في غير المكروهات أَيضاً، وكل كثير عدو للطبيعة. وأَما إِذا لم يكن وضع الكلمة على أَخف الأبنية بأَن تكون زائدة على الثلاثة فلا يستنكر تتالي الثقلاء الأمثالِ فيها، إِذ لم تكن في أَصل الوضع مبنية على الخفة، فمن ثَمَّ تقول تَغْلِبي ومَغْرِبي وَجَنَدِلِيٌّ (2) وغلبطى (3) ومستخرجي ومدحرجى وجحمرشى.
هذا عند الخليل، فتغلَبي بالفتح عند شاذ لا يقاس عليه، واستثنى المبرد من جملة الزائد على الثلاثة ما كان على أَربعة ساكن الثاني نحو تغلِبي ويثربي فأَجاز الفتح فيما حرفه الأخير مع الكسر، قياساً مطرداً، وذلك لأن الثانيَ ساكن والساكنُ كالميت المعدوم، فلحق بالثلاثي. والقول ما قاله الخليل، إِذ لم يسمع الفتح إِلا في تغلِبِيّ (1) . ومن كسر الفاء إِتباعاً للعين الحلقي المكسور في نحو الصّعقِ قال في المنسوب صِعَقِي - بكسر الصاد وفتح العين - قال سيبويه: سمعناهم (2) يقولون صِعقي - بكسر الصاد والعين - وهو شاذ، ولعل ذلك ليبْقى سبب كسر الصاد بحاله أَعني كسر العين.
قال: " وتحذف والوا وَالْيَاءُ مِنْ فَعُولَةَ وَفَعِيلَةَ بِشَرْطِ صِحةِ الْعَيْنِ وَنَفْي التَّضْعِيفِ كَحَنفِيٍّ وَشَنئِيٍّ، وَمِنْ فُعَيْلَة غَيْرَ مُضَاعَفٍ كجهني بخلاف طويلي وشديدي، وسليقي وَسَلِيمِيٌّ فِي الأَزْدِ، وَعَمِيريٌّ فِي كَلْبٍ، شَاذ، وعُبَدِيٌّ وَجُذَمِيٌّ فِي بني عَبِيدَةَ وَجَذِيمَةَ أَشَذ، وَخُريْبيٌّ شَاذٌّ، وثَقَفِيٌّ وَقُرَشِيٌّ وفُقمِيٌّ فِي كِنَانَةَ، ومُلَحِيٌّ في خُزَاعَةَ، شَاذٌّ وتُحْذَفُ الْيَاءُ مِنَ الْمُعْتَلِّ اللاَّمِ مِنَ المُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَتُقْلَبُ الْياءُ الأخِيرَةُ وَاواً كَغَنَوِيٍّ وقصَوِيٍّ وَأُمَوِيٍّ، وَجَاء أميى بخلاف غنوى، وأموى شاذ، وأجرى يحوى فِي تَحِيَّةَ مُجْرَى غَنَوِيٍّ، وَأَمَّا في نَحْوِ عَدُوٍّ فَعَدُوِّيٌّ اتِّفَاقاً، وَفِي نَحْوِ عَدُوَّةَ قَالَ الْمُبَرِّدُ مِثْلُهُ وقال سيبويه عدوى " أَقول: اعلم أَن سبب هذا التغيير قريب من اسبب الأول، وذلك أَن فَعِيلاً وفُعَيلاً قريبان من البناء الثلاثي، ويستولي الكسر مع الياء على أَكثر حروفها لو قلت فَعِيلي وفُعَيْلي، وهو في الثاني أَقل، وأَما إِذا زادت الكلمة على هذه البنية مع الاستيلاء المذكور نحو إِزْمِيليٍّ (1) وسِكِّيتِيٍّ وسُكَّيْتِيٍّ (2) بتشديد الكاف فيهما
فلا يحذف منها حرف المد، سواء كانت مع التاء أولا، إذ وضعها إذن على الثقل فلا يستنكر الثقل العارض في الوضع الثاني، أَعني وضع النسبة، لكن مع قرب بناء فَعِيل وفُعَيْل من البناء الثلاثي ليسا مثله، إذ ذاك موضوع في الأصل على غاية الخفة، دون هذين، فلا جَرَمَ لم يفرق في الثلاثي بين فَعِل وفَعِلة نحو نَمِرٍ ونَمِرَة، وفتح العين في النسب إِليهما، وأَما ههنا فلكون البناءين موضوعين على نوع من الثقل بزيادتهما على الثلاثي لم يستنكر الثقل العارض في النسب غايةَ الاستنكار حتى يُسَوَّى بين المذكر والمؤنث، بل نظر، فلما لم يحذف في المذكر حرف لم يحذف حرف المد أَيضاً، ولما حذف في المؤنث التاء كما هو مطرد في جميع باب النسب صار باب الحذف مفتوحا، فحذف حرف اللين أَيضاً، إِذ الحذف يذكر الحذف، فحصل به مع التخفيف الفرق بين المذكر والمؤنث، وكذا ينبغي أَن يكون: أَي يحذف للفرق بين المذكر والمؤنث، لأن المذكر أَول، وإِنما حصل الالتباس بينهما لما وصلوا إِلى المؤنث، ففصلوا بينهما بتخفيف الثقل الذي كانوا اغتفروه في المذكر وتناسوه هناك، وإِنما ذكروه ههنا بما حصل من حذف التاء مع قصد الفرق، فكان على ما قيل: * ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ ناسيا * (1)
ويذكرون التخفيف أَيضاً بسبب آخر غير حذف التاء، وهو كون لام الفعل في فَعِيل وفُعِيل ياءً نحو عَلي وقُصَي، خففوا لأجل حصول الثقل المفرط لو قيل عَلِيِّيٌّ وقُصَيِّيٌّ في البناء القريب من الثلاثي، ولم يفرقوا في هذا السبب. لقوته بين ذي التاء وغيره، فالنسبة إِلى علي وعلية عَلَوِي، وكذا قصي وأَمية، كما استوى في نَمِر ونَمِرة، خففوا هذا بحذف الياء الساكنة لأن ما قبل ياء النسبة لا يكون إِلا متحركاً بالكسر كما مر، والأولى مَد فلا يتحرك، وتقلب الياء الباقية واواً لئلا يتوالى الأمثال، فإِن الواو وإِن كانت أَثقل من الياء
لو انفردت لكنهم استراحوا إِليها من ثقل تتالي الأمثال كما ذكرنا، ولا تكاد تجد ما قبل ياء النسبة ياء إِلا مع سكون ما قبلها نحو ظبي لأن ذلك السكون يقلل شيئاً من الثقل المذكور، أَلا ترى أَن حركة الياء تستثقل في قاض إِذا كانت ضمة أَو كسرة، بخلاف ظبي، وليس الثقل في نحو أَمِيِّيٍّ لانفتاح ما قبل أَولى الياءين المشددتين كالثقل في نحو عَلِيِّيٍّ، لأن ههنا مع الياءين المشددتين كسرتين، فلهذا كان استعمال نحو أَميي بياءين مشددتين أكثر من استعمال نحو عديي كذلك، وقد جاء نحو أميي وعديي بياءين مشددتين فيهما في كلامهم كما حكى يونس، وإِن كان التخفيف فيهما بحذف أَولى الياءين وقلب الثانية واواً أَكثر. وأَما فَعُول وفَعُولة فسيبويه (1) يجريهما مجرى فَعِيل وفَعِيلة في حذف حرف اللين في المؤنث دون المذكر قياسا مطرداً، تشبيهاً لواو المد بيائه لتساويهما في المد وفي المحل أَعني كونهما بعد العين، ولهذا يكونان رِدْفاً في قصيدة واحدة كما تقول مثلاً في قافية غفور وفي الأخرى كبير، وقال المبرد شنئى في شنوأة شاذ لا يجوز القياس عليه، وقال: بين الواو والياء والضم والكسر في هذا الباب فرق، أَلا ترى أنهم قالوا نَمَرِي بالفتح في نمر ولم يقولوا في سمر سمرى اتفاقا،
وكذا قالوا في المعتل اللام في نحو عَدِيٍّ عَدَوِي وفي عدو عَدُوِّي اتفاقاً، فكيف وافق فَعُولة فَعِيلة ولم يوافق فَعُل فعيلا ولا فَعُول المعتل اللام فَعيلاً، وكذا فعُولة المعتل اللام بالواو أَيضاً، عند المبرد فَعُوليٌّ، وعند سيبويه فَعَلى كما كان في الصحيح. فالمبرد يقول في حَلُوب، وحَلُوبة حَلُوبي، وكذا في عَدُوٍّ وعَدُوَّة عَدُوِّي، ولا يفرق بين المذكر والمؤنث لا في الصحيح اللام ولا في المعتلة، ولا يحذف الواو من أَحدهما، وسيبويه يفرق فيهما بين المذكر والمؤنث، فيقول في حلوب وعَدُوٍّ: حلوبي وعدوي، وفي حلوبة وعدوة: حَلَبي وعَدَوي، قياساً على فعيل وفعيلة، والذي غره شنوءة فإِنهم قالوا فيها شَنَئِيّ، ولولا قياسها على نحو حَنِيفة لم يكن لفتح العين المضمومة بعد حذف الواو وجه، لأن فَعُلِيًا كَعَضُدي وعَجُزي موجود في كلامهم، فسيبويه يشبه فَعُولة مطلقاً قياساً بفَعِيلة في شيئين: حذف اللين، وفتح العين، والمبرد يقصر ذلك على شنوءة فقط، وقد خلط المصنف (1) ههنا في الشرح فاحذر تخليطه، وقول المبرد ههنا متين كما ترى (2) .
قوله: " بشرط صحة العين ونفي التضعيف " يعني إِن كان فَعُولة معتلة العين نحو قووله وبَيُوعة في مبالغة قائل وبائع، أَو كانت مضاعفة نحو كدودة، وكذا إِن كانت فعيلة معتلة العين كحَوِيزة وبَيِيعَة من البيع، أَو مضاعفة كشديدة، لم تحذف حرف المد في شئ منها، إِذ لو حذفته لقلت قَوَليٌّ وَبَيعيٌّ وكَدَدِيٌّ وحَوَزِي (1) وبَيَعِيٌّ وشَدَدِيٌّ، فلو لم تدغم ولم تتقلب الواو ولا الياء ألفا
لكنت كالساعي إِلى مَثْعَبٍ مُوَائلاً من سَبَل (1) الراعد، إِذ المد في مثله ليس في غاية الثقل كما ذكرنا، ولذلك لم يحذف في المجرد عن التاء الصحيح اللام، بل حذفه لأدنى ثقل فيه، حملاً على الثلاثي كما مر، مع قصد الفرق بين المذكر والمؤنث، واجتماع المثلين المتحركين في كلمة (2) وتحرك الواو والياء عينين مع انفتاح
ما قبلهما قليلان متروكان عندهم، ولو أَدغمت وقبلت لبعدت الكلمة جداً عما هو أَصلها لا لموجب قوي. فإِن قلت: لم تقلب الواو والياء أَلفاً في قَوُول وبَيُوع وبَيِيع مع تحركهما وانفتاح ما قبلها، فما المحذور لو لم تقلبا أَيضاً مع حذف المد؟ فالجواب أَنهما لم تقلبا مع المد لعدم موازنة الفعل معه التي هي شرط في القلب كما يجئ في باب الإعلال، ومع حذف المد تحصل الموازنة. قوله: " ومن فُعَيلة غير مضاعف "، إِنما شرط ذلك لأنه لو حذف من مد يدي في مُدَيْدة (1) لجاء المحذور المذكور في شَديدة، ولم يشترط ههنا صحة العين لأن (نحو) قُوَيْمة (2) إِذا حذف ياؤه لم تكن الواو متحركة منفتحاً ما قبلها كما كان يكون في طَوِيلة وقووله لو حذف المد.
قوله " وسيلقى شاذ " السليقة: الطبيعة، والسليقي: الرجل يكون من أَهل السليقة، وهو الذي يتكلم بأَصل طبيعته (ولغته) ويقرأَ القرآن كذلك، بلا تتبع للقراء فيما نقلوه من القراآت، قال: وَلَسْتُ بنحْوِيٍّ يَلُوكُ لسَانَهُ * ولَكِنْ سَلِيقِيٌّ أقول فأعرب (1) قول " وسليمي في الأزد وعميري في الكلب "، يعني إِن كان في العرب سَلِيمة في غير الأزْد وعَمِيرة في غير كَلْب، أَو سميت الآن بسَلِيمة أَو عَمِيرة شخصاً أَو قبيلد أَو غير ذلك قلت: سَلَمِي وعمري في القياس، والذي شذ هو المنسوب إِلى سَلِيمة قبيلةٌ من الأزد، وإِلى عَمِيرة قبيلةٌ من كَلْب، كأَنهم قصدوا الفرق بين هاتين القبيلتين وبين سليمة وعميرة من قوم آخرين. قوله " وعُبَدِي وجُذَمِي " قال سيبويه: تقول في حي من بني عدي يقال: لهم بنو عَبِيدة: عُبَدِيٌّ، وقال: وحدثنا من نثق به أَن بعضهم يقول: في بني جذَيمة جُذمي فيضم الجيم ويجريه مجرى عُبَديٍّ، فرقاً بين هاتين القبيلتين وبين مسمى آخر بعَبِيدة وجَذِيمة، وحذفُ المضاف: أَعني " بنو " في الموضعين، لما يجئ بعد من كيفية النسبة إلى المضاف والمضاف إليه، ولو سميت بعبيدة وجذيمة شيئاً آخر جرى النسبة إِليه على القياس، كما قلنا في عَمِيرة وسَلِيمة. وإِنما كان هذا أَشذ من الأول لأن في الأول تركَ حذف الياء كما في فعيل، وغايته إِبقاء الكلمة على أَصلها، وليس فيه تغيير الكلمة عن أَصلها،
وأما ههنا ففيه ضم الفاء المفتوحة، وهو إِخراج الكلمة عن أَصلها. قوله " وخريبى شاد " كل ما ذكر كان شاذاً في فَعِيلة - بفتح الفاء وكسر العين - وخُرَيْبِي شاذ في فُعَيْلة - بضم الفاء وفتح العين - وخُرَيْبَة قبيلة، والقصد الفرق كما ذكرنا، إِذ جاء خُرَيْبَة اسم مكان أَيضاً، وكذلك شذ رماح رُدَيْنِيّة، ورُدَيْنَة زوجة سَمْهَرٍ المنسوب إِلية الرماح. قوله " وثقفي " هذا شاذ في فَعِيل والقياس إِبقاء الياء قوله " وقُرَشِي وفُقَمِيٌّ ومُلَحِيٌّ " هي شاذة في فُعَيل بضم الفاء، والقياس إِبقاء الياء أَيضاً، وإِنما قال " في كنانة " لأن النسب إِلى فُقَيْم بن جرير بن دارم من بني تميم فُقَيْمِيٌّ على القياس، وقال " ملحي في خزاعة " لأن النسب إِلى مُلَيْح بن الْهُون بن خُزَيمة مُلَيْحِيُّ على القياس، وكذا إِلى مُلَيْح بن عَمْرو بن ربيعة في السّكون، والقصد الفرق في الجميع كما ذكرنا قال السيرافي (1) : أَما ما ذكره سيبويه من أَن النسبة إلى هُذَيل هُذَلِيٌّ فهذا الباب عندي لكثرته كالخارج عن الشذوذ، وذلك خاصَّةٌ في العرب الذين بتهامة وما يقرب منها، لأنهم قالوا قُرَشِيٌّ ومُلَحِيّ وَهُذَلي وفُقَمي، وكذا قالوا في
سُلَيم وخُثَيْم وقرَيْم وحُرَيث وهم من هذيل: سُلَمي وخُثَمي وقُرَميّ وحُرَثيّ، وهؤلاء كلهم متجاورون بتهامة وما يدانيها، والعلة اجتماع ثلاث يا آت مع كسرة في الوسط قوله " وتحذف الياء من المعتل اللام "، لا فرق في ذلك بين المذكر والمؤنث بالتاء، بخلاف الصَّحيح فإِنه لا يحذف المد فيه إِلا من ذي التاء كما ذكرنا قوله " وتقلب الياء الأخيرة واوا " لئلا يجتمع الياآت مع تحرك ما قبلها لما ذكرنا قوله " وجاء أُمَيِّيَ "، يعني جاء في فُعَيْل من المعتل اللام إِبقاء الياء الأولى لقلة الثقل بسبب الفتحة قبلها، ولم يأَت نحو غَنِيِّيٍّ، هذا قوله، وقد ذكرنا قبل أَنه قد يقال غَنِيِّيٌّ، على ما حكى يونس، وقال السيرافي: إِن بعضهم يقول عَدِيِّيٌّ إِلا أَنه أَثقل من أَمييٍّ، لزيادة الكسرة فيه، وقال سيبويه: بعض العرب يقول في النسب إِلى أَمية أَمَوِيٌّ بفتح الهمزة، قال: كأَنه رده إلى مكبره طلبا للخفة (1)
قوله " وأُجري تَحَوِي في تَحِيَّة مجرى غَنَوِي " إِنما ذكر ذلك لأن كلامه كان في فَعِيلة، وتحية في الاصل تفعلة إِلا أَنه لما صار بالإدغام كفعيلة في الحركات والسكنات، فشارك بذلك نحو عَدِي وغَنِي في علة حذف الياء في النسب وقلب الياء واواً (1) فحذفت ياؤه الأولى وقلبت الثانية واواً لمشاركته له في العلة، وإِن خالفه في الوزن وفي كون الياء الساكنة في تحية عَيْناً وفي أَمية (2) للتصغير واعلم أَنك إِذا نسبت إِلى قِسِيٍّ وعِصِيٍّ علمين (3) قلت: قسوى وعصوى
فضممت الفاء لأن أَصله الضم، وإنما كنت كسرته إِتباعاً لكسرة العين، فلما انفتح العين في النسبة رجع الفاء إِلى أَصلها قال: " وَتُحْذَفُ الْيَاءُ الثَّانِيَةُ في نَحْوِ سَيِّدٍ ومَيِّتٍ ومُهَيِّمٍ مِنْ هَيَّمَ، وطَائِيٌّ شَاذ، فإِنْ كَانَ نَحْوُ مُهَيِّمٍ تَصْغِيرَ مُهَوِّمٍ قِيلَ مُهَيِّمِيٌّ بِالتَّعْوِيضِ " أَقول: اعلم أَنه إِذا كان قبل الحرف الأخير الصحيح ياء مشددة مكسورة فأَلحقت ياء النسب به وجب حذف ثانيتهما المكسورة على أَيِّ بنية كان الاسم: على فَيْعِل كمَيِّت، أَو على مُفَعِّل كمُبَيِّن، أَو على أَفَيْعِل كأُسَيِّد، أَو على فُعِيِّل كَحُمَيِّر أَو على غير ذلك، لكراهتهم في آخر الكلمة الذي اللائق به التخفيف اكتناف ياءين مشددتين بحرف واحد مع كسرة الياء الأولى وكسرة الحرف الفاصل، وكان الحرف في الآخر أَولى، إِلا أَنه لم يجز حذف إِحدى ياءي النسب لكونهما معاً علامة، ولا ترك كسرة ما قبلهما لالتزامهم كسره مطرداً، ولا حذف الياء الساكنة لئلا يبقى ياء مكسورة بعدها ياء مشددة، فإِن النطق بذلك أَصعب من النطق بالمشددتين بكثير، وذلك ظاهر في الحس، فلم يبق إِلا حذف المكسورة، فإن كان الأخير حرف علة كما في المُحَيِّي فسيجئ حكمه، فإِن كانت الياء التي قبل الحرف الأخير مفتوحة كمبَيّن ومُهَيَّم اسمي مفعول لم يحذف في النسبة شئ لعدم الثقل قوله " وطأيى شاذ " أَصله طَيْئِيٌّ كميِّتِيٍّ فحذف الياء المكسورة كما هو القياس، فصار طَيْئِيٌ بياء ساكنة، ثم قلبوا الياء الساكنة أَلفاً على غير القياس قصداً للتخفيف لكثرة استعمالهم إِياه، والقياس قلبها أَلفاً إِذا كانت عيناً أَو طرفاً وتحركت وانفتح ما قبلها كم يجئ، ويجوز أَن يكون الشذوذ فيه من جهة حذف
الياء الساكنة فتنقلب الياء التي هي عين أَلفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها على ما هو القايس قوله: " ومهيم من هيم " هو اسم فاعل من هَيَّمَهُ الحب: أَي صيره هائماً متحيراً. قوله " فإِن كان نحو مهيِّم تصغير مهوم اسم فاعل من هوم " أَي نام نوماً خفيفاً، فإِذا صغرته حذفت إِحدى الواوين، كما تحذف في تصغير مقدِّم إِحدى الدالين، وتجئ بياء التصغير، فإِن أَدغمته فيها صار مهيِّماً، وإِن لم تدغمه كما تقول في تصغير أَسْوَد: أُسَيْوِد (1) قلتَ: مُهَيْوم، ثم إِن أَبدلت من المحذوف قلت: مهيم ومُهَيْوِيم، كما تقول: مُقَيْديم، قال جار الله وتبعه المصنف: إِنك إِذا نسبت إِلى هذا المصغر المدغم فالواجب إِبدال الياء من الواو المحذوفة، فتقول: مُهَيْيِّميٌّ لأنك لو جوزت النسب إِلى ما ليس فيه ياء البدل وهو على صورة اسم فاعل من هَيَّمَ فإِن لم تحذف منه شيئاً حصل الثقل المذكور، وإِن حذفت التبس المنسوب إِلى هذا المضر بالمنسوب إِلى اسم الفاعل من هَيَّم، فأَلزمت ياء البدل ليكون الفاصل بين الياءين المشددتين حرفين: الياء الساكنة والميم، فتتباعدان أَكثر من تباعدهما حين كان الفاصل حرفاً، فلا يستثقل اجتماع الياءين المشددتين في كلمة حتى يحصل الثقل بترك حذف شئ منهما أَو الالتباس بحذفه، وكذا ينبغي أَن ينسب على مذهبهما إِلى مصغر مهيم اسم فاعل من هَيَّمَ، أَعني بياء العوض، وهذا الذي ذكرنا في تصغير مهيم ومهوم أعنيي حذف أَحد المثلين مذهب سيبويه في تصغير عَطَوَّد (2) على ما ذكرنا في التصغير، أَما المبرد فلا يحذف منه شيئاً، لأن الثاني وإِن كان متحركاً يصير مدة رابعة فلا يختل به بنية
التصغير كما قال سيبويه في تصغير مُسَرْوَل (1) مُسَيْرِيل، فعلى مذهبه ينبغي أَن لا يجوز في تصغير مهوم ومهيم إلا مهيم بياء ساكنة بعد المشددة كما تقول في تصغير عَطَوَّد: عطييد لا غير، فعلى مذهبه لا يجئ أَنه إِذا نسب إِلى مصغر مهوم أَو مهيم يجب الإبدال من المحذوف لأنه لا يحذف شيئاً حتى يبدل، فلا ينسب هو أَيضاً إِلى المصغر إِلا مُهَيِّيمي، لكن الياء ليس بعوض كما ذكرنا، ومذهب سيبويه وإِن كان على ما ذكرنا من حذف إِحدى الواوين في نحو عطود، إِلا أَنه لم يقل ههنا إِنك لا تنسب إِلى المصغر إِلا مع الإِبدال كما ذكر جار الله، بل قال: إِنك إذا نسبت إلى مهيم الذي فيه ياء ساكنة بعد المشددة لم تحذف منه شيئاً، قال: لأنا إِن حذفنا الياء التي قبل الميم بقي مهيم والنسبة إِلى مهيم توجب حذف إِحدى الياءين فيبقى مهميى، كما يقال في حمير: حميئرى، فيصير ذلك إِخلالاً به، يعني يختل الكلمة بحذف الياءين منها، فاختاروا ما لا يوجب حذف شيئين، يعني إِبقاء الياء التي هي مدة، ليتباعد بها وبالميم الياءان المشددتان أَكثر فيقل استثقال تجاورهما، هذا قوله، ويجوز أَن يكون سيبويه ذهب ههنا مذهب المبرد من أَن النسبة إِلى مثله لا تكون إلا بالمد، إِذ لا يحذف من الكلمة شئ، فلا يكون الياء في مُهَيِّيمي للتعويض ويجوز أَن يكون ذهب ههنا أَيضاً إِلى ما ذهب إِليه في عَطَوَّد، أَعني حذف أَحد المثلين وجواز التعويض منه وتركه إِلا أَنه قصد إِلى أَنك إِن نسبت إِلى ما فيه ياء العوض لم تحذف منه شيئاً خَوْفَ إِجحاف الكلمة بحذف الياءين، وإِن نسبت إِلى المصغر الذي ليس فيه ياء العوض حذفت الياء المكسورة وقلت: مُهَيْمي، كما تقول في المنسوب إِلى اسم الفاعل من هَيَّم وفي المنسوب إِلى حُمَيِّر إِذ لا إجحاف
فيه إِذن، ولا يبالي باللبس، وثاني الاحتمالين في قول سيبويه أَرجح، لئلا يخالف قوله في عَطَوَّد، وعلى كل حال فهو مخالف لما ذكر جار الله والمصنف قال: " وَتُقْلَبُ الأَلِفُ الأخِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ المُنْقَلِبَةُ وَاواً كعَصَوِيٍّ وَرَحَوِيٍّ وَمَلْهَوِيٍّ وَمَرْمَوِيٍّ، وَيُحْذَفُ غَيْرُهُما كَحُبْلِيٍّ وَجَمَزيٍّ وَمُرَامِيٍّ وَقَبَعْثَرِيٍّ، وَقَدْ جَاءَ فِي نَحْوِ حُبْلى حُبْلَوِيٌّ وَحُبْلاَوِيٌّ، بِخِلاَفِ نَحْوِ جَمَزَى " أَقول: اعلم أَن آخر الاسم المسوب إِليه إِما أَن يكون أَلفاً أَو واواً أَو ياء أَو همزة قبلها أَلف أَو همزة ليس قبلها ذلك، أَو حرفاً غير هذه المذكورة، فالقسمان الأخيران لا يُغَيّر حرفُهما الأخير لأجل ياء النسبة، ونذكر الآن ما آخره أَلف فنقول: الذي آخره أَلف إِن كانت أَلفة ثانية: فإِما أَن تكون لامه محذوفة كما إذا سمى بفازيد وذامال وشاةٍ (1) ، ولا رابع لها أَولا لام له وضعاً، كما إِذا سمى
بذا (1) وما ولا، وإِن كانت ثالثة: فإِما أَن تكون منقلبة عن اللام كالعَصَى والفَتَى وهو الأكثر، أَو تكون أَصلية كما في متى وإِذا، وإِن كانت رابعة: فإِما أَن تكون منقلبة عن اللام كالأعلى والأعمى، أَو للإلحاق كالأرطى (2) والذفرى (3) ، أَو للتأَنيث كحبلى وبشرى، أَو أَصلية نحو كَلاَّ وحَتَّى، والخامسةُ قد تكون منقلبة، وللالحاق، وللتأَنيث، كالمصطفى والحَبَنْطى (4) والحُبَارَى (5) ، والسادسةُ قد تكون منقلبة كالمُسْتِسْقَى، وللإِلحاق كالمُسْلنْقى (6) واسْلَنْقَى علما، وقد تكون للتأْنيث كحَولاَيا (7) ، وقد تكون لتكثير البناء فقط كَقَبَعْثرًى (8) .
فالثانية التي لامها محذوفة إِن وقع موقعها قبل النسب حرفٌ صحيح على وجه الإبدال قُلِبَ الألف في النسبة إِليه، فيقال في النسب إِلى فازَيدٍ علما: فَمِيٌّ، بحذف المضاف إِليه كما يجئ، أما قلبها في النسب ميماً فلأن ياء النسب كأَنها الاسم المنسوب، والمجرد عنها هو المنسوب إِليه، فلا جرم لا يلحق هذه الياءُ اسماً إِلا ويمكنه أَن يستقلَّ بنفسه من دون الياء ويعرب، وكذا ينسب إلى فوزيد وفي زَيْدٍ علمين، وإِن لم يقع موقعها حرفٌ صحيح على وجه الإبدال رد اللام كما تقول في المسمّى بذا مال وفي شاة: ذَوَوِيٌّ وَشَاهِيٌّ، (1) وكذا تقول في المسمى بذومال وذي مال، والثانية التي لا لام لها وضعا يزاد عليها مثلها. كما يجئ، لأن الملحق به ياء النسب كما قلنا يجب أَن يمكن كونه اسماً معرباً من دون الياء، فإِذا زدت عليها أَلفاً اجتمع أَلفان، فتجعل ثانيتهما همزة، لأن الهمزة من مخرج الألف ومخرج الفتحة التي قبلها، ولم تقلب الألف واواً وإِن كان إِبدال حروف العلة بَعْضِها من بعض أَكثر من إِبدالها بغيرها، كما تقول في الرحى: رحوى على ما يجئ، لأن وقوع الهمزة طرفا بعد الألف أَكثر من وقوع الواو بعدها، فتقول ذائِيٌّ في ذا للإشارة، وَلاَئِيٌّ وَمَائِيٌّ، فقولهم: مائِيَّة الشئ منسوب إِلى ما المستفهم بها عن حقيقة الشئ كما مر في الموصلات ومن قال ماهِيَّة فقد قلب
الهمزة هاء لتقاربهما، وحالُ الواو والياء ثانيتين لا ثالث لهما كحال الألف سواءً، فتقول في المنسوب إِلى لَوْ: لَوِّيٌّ وفي المنسوب إِلى في: فِيَوِيٌّ، وأَصله فِيِّيٌّ فعمل به ما عمل بالمنسوب إلى حى كما يجئ وإِن كانت الألف ثالثة قلبت واواً مطلقاً، وإِنما لم تحذف الألف للساكنين كما تحذف في نحو الفتى الظريف لأنها لو حذفت وجب بقاء ما قبل الألف على فتحته دِلالةً على الألف المحذوفة، لأن ما حذف لعلة لانسيا تبقى حركة ما قبل المحذوف فيه على حالها كما في قاض وعصا فكنت فكنت تقول في النسبة إِلى عصاً وفتًى: عَصَيٌّ وَفَتَيٌّ بالفتح، إِذ لو كسر ما قبل الياء لا التبس بالمحذوف لامه نسيا كَيدِيٍّ ودَمِيٍّ فكان إِذن ينخرم أَصلهم الممهد، وهو أَن ما قبل ياء النسبة لا يكون إِلا مكسوراً في اللفظ ليناسبها، بخلاف ما قبل ياء الإضافة فإِنه قد لا يكون مكسوراً كمُسْلِمَايَ وفَتَايَ ومسلمي، وذلك لكون يا الاضافة اسما برأيه، بخلاف ياء النسبة، فإنها أَوغَلُ منها في الجزئية وإِن لم تكن جزأ حقيقياً كما مر، وإِنما لم تبدل الألف همزة لأن حروف العلة بعضها أَنسب إِلى بعض وأَما إِبدالهم الألف همزة في نحو صفراء وكساء ورداء دون الواو والياء فلما يجئ من أَنها لو قلبت إِلى أَحدهما لوجب قلبها أَلفاً، فكان يبطل السعي، وإِنما لم تقلب ياء كراهة لاجتماع الياءات، وإِنما لم يقلب واو نحور جوى ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها لعُرُوض حركتها (1) لأن ياء النسب كما مر ليس له اتصال تام بحيث يكون كجزء مما قبله بل هو كالاسم المنسوب، وأَيضاً لئلا يُصار إِلى مافر منه
وأما الالف الرابعة فإن كان منقلبة، أَو للإلحاق، أَو أَصلية، فالأشهر الأجود قلبها واواً دون الحذف، لكونها أَصلاً أَو عوضاً من الأصل أَو ملحقةً بالأصل، وإِن كانت للتأْنيث فالأشهر حذفها لأنه إِذا اضطر إِلى إِزالة عين العلامة فالأولى بها الحذف، فرقاً بين الزائدة الصرفة والأصلية أَو كالأصلية، ويتحتم حذفها إِذا تحرك ثاني الكلمة كَجَمزَى (1) ، لزيادة الاستثقال بسبب الحركة، فصارت الحركة - لكونها بع حروف المد كما ذكرنا غير مرة - كحرف، فإِذا كان الأولى يألف التأْنيث من دون هذا الاستثقال الحذف كما ذكرنا صار معه واجبَ الحذف وكما يتحتم حذف الالف خامسة كما يجئ يتحتم حذفها رابعة مع تحرك ثاني الكلمة، والحركةُ قد تقوم مقام الحرف فيما فيه نوع استثقال كما مر فيما لا ينصرف أَلا ترى أَن قَدَماً يتحتم منع صرفه علماً كعقْرَبٍ دون هند ودعد، (2) وإن
كان ثاني الكلمة ساكناً جاز تشبيه أَلف التأْنيث بالألف المنقلبة، والأصلية والتي للإلحاق، فتقول: حبلوي، وبأَلف التأْنيث الممدودة، فتزيد قبلها أَلفاً آخر، وتَقْلِبُ أَلف التأْنيث واواً فتقول: حُبْلاَوِيٌّ ودُنْيَاوِيٌّ كصَحْرَاوِيٍّ، وكما جاز تشبيه أَلف التأْنيث بالمنقلبة والأصلية والتي للإلحاق جاز تشبيه المنقلبة والأصلية والتي للالحاق بأَلف التأْنيث المقصورة في الحذف، فتقول: مَلْهِيٌّ وحَتِّيٌّ وَأَرْطِيٌّ، وبأَلف التأَنيث الممدودة، تقول: مَلْهَاوِيٌّ وحتَّاوي وأَرْطاوي، وقد شبَّهوا - في الجمع أَيضاً - المنقلبة بأَلف التأْنيث لكن قليلاً، فقالوا: مَدَارَى في جمع مِدْرَى (1) ، كَحَبَالَى في جمع حُبْلَى كما يجئ في بابه (2) وأَما الخامسة فما فوقها فإِنها تحذف في النسب مطلقاً، منقلبة كانت أَو غيرها، بلا خلاف بينهم، للاستثقال، إِلا أَن تكون خامسة منقلبة وقبلها حرف مشدد،
فإِن يونس جعلها كالرابعة في جواز الإِبقاء والحذف، فمغلى عنده كأَعْلَى وأَلزمه سيبويه أَن يجوز في الخامسة للتأْنيث القلبَ أَيضاً نحو عِبِدَّى (1) كما أَجاز في الرابعة للتأْنيث كحبلى، ولا يجيزه يونس ولا غيره، ولا يلزم ذلك يونس، لأن أَصل الرابعة التي للتأْنيث الحذفُ كما تقدم فلزم فيما هو كالرابعة، بخلاف المنقلبة فإِن أَصل الرابعة المنقلبة القلب (2) ، وأَلزمه سيبويه أَيضاً أَنه لو
جاء مؤنث على مثل مَعَدٍّ وخِدَبٍّ (1) ونحو ذلك فسمّي به مذكر يصرف، لأنه يكون إِذن كقَدَمٍ إِذا سمّي به مذكر (2) ولا قائل به قوله: " كحُبْلِيٍّ وَجَمَزِيٍّ " الألف فيهما رابعة للتأْنيث، إِلا أَن جَمَزَى متحرك الثاني بخلاف حُبْلَى، وأَلف مُرَاميً خامسة منقلبة، وفي قبعثرى سادسد لتكثير البنية فقط قال: " وَتُقْلَبُ الْيَاءُ الأَخِيرَةُ الثَّالِثَةُ المكسورة مَا قَبْلَهَا وَاواً وَيُفْتَحُ ما قَبْلَها كَعَمَوِيٍّ وَشَجَوِيٍّ، وَتُحْذَفُ الرَّابِعَةُ عَلَى الأَفْصَحِ كقَاضِيٍّ، وَيُحْذَفُ مَا سَوَاهُما، كَمُشْتَرِيٍّ، وَبَابُ مُحَيٍّ جَاءَ عَلَى مُحَوِيٍّ وَمُحيِّيٍّ كأُمَيِّيٍّ " أَقول: اعلم أَن الياء الأخيرة في المنسوب إِليه لا تخلو من أَن تكون ثانية محذوفة اللام كما إِذا سُمّي بفي زيد وذي مال، أَو ثانيةً لالام لها ضعا كِفي وكَيْ، وقد ذكرنا حكم القسمين، أَو ثانية فاؤها كشية (3) ، ويجئ حكمها،
أَو تكون ثالثة، وهي إِما متحرك ما قبلها ولا تكون الحركة إلا كسرة كالعمى والشجى، أَو ساكن ما قبلها، وهو إِما حرف صحيح كَظَبْي ورُقْيَةٍ (1) وقِنْيَةٍ (2) أَو أَلف كرايً وراية، أَو ياء مدغم فيها كَطيٍّ وحيٍّ، أَو تكون رابعة، وهي إِما أَن ينكسر ما قبلها كالقاضي والغازي، أَو يسكن، والساكن إِما أَلف كسِقَاية أَو ياء مدغم فيها كعليٍّ وقُصَيٍّ، أَو غير ذلك كقرأي (3) ، وكذا الخامسة: إِما أَن ينكسر ما قبلها كَالمُرَامِي، أَو يسكن، والساكن إِما أَلف كدِرحاية (4) وحَوْلاَيَا، أَو ياءٌ مدغمٌ فيها ككرسي ومَرْمِيٍّ، أَو غير ذلك كإِنْقَضْيٍ عَلَى وزن إِنْقَحْلٍ (5) من قضي. والواو الأخيرة إِما أَن تكون ثانية محذوفة اللام كفُو زَيْدٍ وذُو مالٍ، أَو ثانية لا لام لها وضعاً كلَوْ وَأَوْ، وقد ذكرنا حكم هذين القسمين أَيضاً، أَو تكون ثالثةً ساكناً ما قبلها كغَزْوٍ وغَزْوَةٍ ورِشْوَةٍ وعُرْوَةٍ، أو متحركاً ما قبلها بالضم نحو سَرُوَة من سَرُوَ على مثال سَمُرَة من غير طَرَيان التاء، وكذا الرابعة يكون
ما قبلها ساكناً كَشَقَاوَة، أَو مضموماً كعرقُوَة وقَرْنُوَة (1) ، وكذا الخامسة ما قبلها إِما ساكن كحِنْطأْوٍ (2) ومغْزُوٍّ، أَو مضموم كقَلَنْسُوة. ولو انفتح ما قبل الياء والواو طرفين لانقلبتا أَلفاً، ولو انكسر ما قبل الواو الأخيرة لانقلبت ياء، ولو انضم ما قبل الياء طرفاً في الاسم لانقلبت الضمة كسرة كما يجئ في ناب الإعلال. فكل ما ذكرنا أَو نذكر من أَحكام الياءات والواوات المذكورة في باب النسب فهو على ما ذكر، وما لم نَذْكُرْ حكمه منها لا يغير في النسب عن حاله. فنقول: إِن الياء الثالثة المكسور ما قبلها تقلب واواً لاستثقال الياءات مع حركة ما قبل أَولاها، وتجعل الكسرة فتحة، وإِذا فتحوا العين المكسورة في الصحيح اللام فهو في معتلها أَولى، لئلا تتوالى الثقلاء. وإِذا كانت المكسورة ما قبلها رابعة، فإِن كان المنسوب إِليه متحرك الثاني كيَتَقي مخفف يتقى (3) فلابد من حذف الياء، وكذا إِن كان الثاني ساكناً عند سيبويه والخليل كقاضيٍّ ويَرْمِيٍّ لأن الألف المنقلبة والاصلية رابعة جاز
حذفها مع خفتها، كما ذكرنا، فحق الياء مع ثقلها بنفسها وبالكسرة قبلها وجوبُ الحذف إِذا اتصل بها ياء النسبة فإِن قلت: افعلْ به ما فعلتَ بالثلاثي نحو العَمِي مِنْ قَلْب الكسرة فتحة والياء واو، (1) وقد استرحتَ من الثقل، لأنه يصير كالأعلى، قلتُ: ثقل الرباعي في نفسه إِلى غاية التخفيف: أَي الحذف، أَدعى منه إِلى ما دون ذلك (2) ، وهو ما ذكر السائل من القلب، بخلاف الثلاثي، فإِن خفته في نفسه لا تدعو إِلى مثل ذلك، ومن أَجرى في الصحيح نَحْوُ تَغْلِبيٍّ مُجْرى نَمَرِيّ - وهو المبرد - لكون الساكن كالميت المعدوم، يرى أَيضاً في المنقوص نحوَ قاضٍ مُجْرى عَمٍ، فيقول: قاضَوِيٌّ ويَرْمَوِيٌّ، وأما الياء المكسورة ما قبلها إِذا كانت خامسة فصاعداً فلا كلام في حذفها، وحو مستقى ومستسقى، إِذ الألف مع خفتها تحذف وجوباً في هذا المقام كما مر قوله " وباب مُحَيًّ " الياء الأخيرة في مُحِيٍّ خامسة يجب حذفها، كما في مُسْتَق، فيبقى مُحيٍّ بعد حذفها كقُصَيٍّ، وإِن خالف الياءُ الياءَ، فيعامل معاملته، كما قلنا في تحيَّة، وليس مُحَيٍّ مثل مهيم لوجوب حذف الياء الخامسة، فتلتقي الياءان المشددتان، بخلاف نحو مهيم، قال أَبو عَمْروٍ: مُحَوِيٌّ أَجود، وقال المبرد: بل مُحيِّيٌّ بالتشديدين أَجود (3) ، وإِذا وقع الواو ثالثةً أو فوقها مضموما
ما قبلها كَسَرُوَةَ وقَرْنُوَةَ فالواجب في النسب قلب الواو ياءً والضمة كسرةً حتى يَصير كَعَم وقَاضٍ، ثم ينسب إِليه الثلاثي: بفتح العين وقلب الياء واواً، وذلك لانك تحذف التاء للنسبة، وقد ذكرنا أَن ياء النسبة كالاسم المستقل من جهة أَن المنسوب إِليه قبلها ينبغي أَن يكون بحيث يصح أَن يستقل ويعرب فبعد حذف التاء يتطرف الواو والمضموم ما قبلها في الاسم المتمكن، فتقلب ياء كما في الأدْلِي، وتقول فيما واوه رابعة أَو فوقها نحو عَرْقُوَةٍ وقَمَحْدُوَةٍ (1) : عَرْقِيٌّ وقَمَحْدِيٌّ كما تقول قاضِيٌّ ومُشْتَرِيٌّ وبعض العرب يجعل الياء قائماً مقام التاء حافظاً للواو من التطرف لأن في الياء جزئية ما بدليل انتقال الإِعراب إِليها كما في تاء التأْنيث فيقول: قَرْنُوِيٌّ وَقَمَحْدُوِيٌّ، ويقول أَيضاً: سَرُوِيٌّ في سَرُوَةَ، وبعض العرب يقول في الرابعة: عَرْقَوِيٌّ بفتح القاف كَقَاضَوِيٍّ، فأَما في الخامسة وما فوقها: فليس إِلا الحذف كَقَمَحْديٍّ، كما في مشترى ومستسقى قال: " ونحو ظبية وقنية ورقية وغزوة وعروة ورشوة
على القياس عِنْدَ سِيبَويْهِ، وَزِنَوِيٌّ وَقَرَوِيٌّ شَاذٌّ عنْدَهُ، وَقَالَ يُونُسُ ظَبَوِيٌّ وَغَزَوِيٌّ، وَاتَّفَقَا في بَابِ غَزْوٍ وَظَبْيٍ، وَبَدَوِيٌّ شَاذٌّ " أَقول: الذي ذكر قبل هذا حكم الواو والياء لامين إِذا تحرك ما قبلهما، وهذا حكمهما ساكناً ما قبلهما، فنقول: إِذا كان قبل الواو ساكن صحيحاً كان أَولا لم يُغَير الواو في النسب اتفاقاً: ثالثة كانت كغَزْوِي وَدَوِّيٍّ (1) وساوي (2) في سَاوَةَ وقصيدة وَاوِية، أَو رابعة كَشَقَاوِيّ، أَو خامسة كَحِنْطَأْوِيّ ومَغَزُوِّيٍّ، إِذ الواو لا تستثقل قبل الياء إذا سكن (3) ما قبلها، إِذ تغاير حرفي العلة وسكون ما قبل أَولاهما يخففان أَمر الثقل، وإِذا كان يلتجأُ إِلى الواو مع تحرك ما قبلها في نحو عَمَوِيٍّ وقَاضَوِيٍّ عند بعضهم فما ظَنُّكَ بتركها على حالها مع سكون ما قبلها؟ فعلى هذا لا بحث في ذي الواو الساكن ما قبلها إِلا في نحو عُرْوَةَ فإِن في فتح عينه وإسكانها خلافا كما يجئ، وإِنما البحث في ذي الياء الساكن ما قبلها
فنقول: إِن كانت الياء ثالثة والساكن قبلها حرف صحيح فلا يخلو من أَن يكون مع التاء كظبية أَولا كظبي، فالمجرد لا تغيير فيه اتفاقاً لحصُول الخفة بسكون العين وصحتها، ولعدم ما يجرئ على التغيير من حذف التاء، وأما الذى مع التاء فسيبويه والخليل ينسبان إليه أيضا بلا تغيير سوى حذف التاء، فيقولان: ظبي وَقِنْيِيٌّ ورُقْيِيّ، وكذا في الواويّ غَزْوِيٌّ وَعُرْوي وَرِشْوِيٌّ، لسكون عين جميعها، إِذ التخفيف حاصل والأصل عدم التغيير، وكان يونس يحرك عين جميع ذلك واويًّا كان أَو يائياً بالفتح، أَما في اليائى فلتخف الكلمة بقلب الياء واواً، وخص ذلك بالثلاثي ذي التاء، أَما الثلاثي فلأن مبناه على الخفة فطلبت بقدر الممكن، فلا تقول في إِنْقَضيَةَ (1) إِلاَّ إِنْقَضْيِيٌّ، وأَما ذو التاء فلأن التغيير بحذف التاء جَرَّأَ على التغيير بالفتح، مع قصد الفرق بين المذكر والمؤنث كما ذكرنا في فَعيل وفَعيلة، وأَما الفتح في الواوي فحملاً على اليائي، والذي حمل يونس على ارتكاب هذا في اليائي والواوي مع بعده من القياس قولهم في الْقَرْيَة قَرَوِيّ وفي بني زِنْيَةَ وبني البِطْيَةِ - وهما قبيلتان (2) - زِنَوِيّ وَبِطَوِيٌّ، وكان الخليل يعذر يونس في ذوات الياء دون ذوات الواو، لأن ذوات الياء بتحريك عينها تنقلب ياؤها واواً، فتخف شيئاً، وإن كان يحصل بالحركة أَدنى ثقل، لكن ما يحصل بها من الخفة أَكثر مما يحصل من الثقل، وأَما ذوات الواو فيحصل بتحريك عينها ثقل من دون خفة، ولم يرد به أَيضاً سماع كما ورد في اليائي قَرَوِي وزِنَوِي وبِطَوِي، ومع ذلك فاختيار الخليل ما ذكرنا أَولا
قوله " وبَدَوِي شاذٌّ " لأنه منسوب إِلى الْبَدْو، وهو مجرد عن التاء فهو عند الجميع شاذ قال: " وَبَابُ طَيٍّ وَحَيٍّ تُرَدُّ الاولى إِلى أَصْلِهَا وَتُفْتَحُ نَحْوُ طَوَوِيّ وَحَيَوِيٍّ بِخِلاَفِ دَوِّيٍّ وَكُوِّيٍّ وَمَا آخره يا مُشَدَّدَةٌ بَعْدَ ثَلاَثَةٍ إِنْ كَانَ نَحْو مَرْمِيٍّ قِيلَ مَرْمَوِيٌّ وَمَرْميٌّ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً حُذِفَتْ كَكُرْسيٍّ وَبَخَاتِيٍّ في بخاتي اسْمَ رَجُلٍ " أَقول قوله " دَوِّي وكويِّ " (1) إِنما ذكر مثالين لبيان أَن حكم ذى التا والمجرد عنها سواء، بخلاف نحو غَزْوٍ وغَزْوَة كما تقدم في الفصل المتقدم، والذي يتقدم حكم الياء الثالثة إِذا كان قبلها ساكن صحيح، فإِن لم يكن ما قبلها حرفاً صحيحاً فإِما أَن يكون ياء أَو أَلفاً، ولو كان واواً صار ياء كما في طيٍّ لما يجئْ في باب الإِعلال من أَن الواو والياء إِذا اجتمعا وسكن سابقهما قلبت الواو ياء فنقول: إِن كانت ثالثة وما قبلها ياء ساكنة، ولابد أَن تكون مدغمةً (2) فيها فإِذا نسب إِلى مثله وجب فكّ الإِدغام، لئلا يجتمع أَربع ياءات في البناء الموضوع على الخفة فيحرك العين بالفتح الذي هو أَخف الحركات، فيرجع العين
إِن كانت واواً إِلى أَصلها لزوال سبب انقلابها ياء - وهو اجتماعهما مع سكون الأول - فتقول في طي: طووى، ويبقى الياء بحالها نحو حَيَويّ لأنه من حَييَ واتنقلب الياء الثانية في الصورتين واواً: إِما بأَن تنقلب أَولا أَلفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم تقلب واواً كما في عَصَوِي ورَحَوي، أَو تقلب الياء من أَول الأمر واواً لاستثقال ياء متحرك ما قبلها قيل ياء النسب، ولا ينقلب أَلفاً لعروض حركتها وحركة (1) ما قبلها، لأنهما لأجل ياء النسبة التي هي كالاسم المفصل على ما مر، ولم يقلب العين أَلفاً: إِما لعروض حركتها، وإِما لأن العين لا تقلب إِذا كانت اللام حرف علة، سواء قلبت اللام كما في هوى أو لم تقلب كما في طَوِي على ما يجئ في باب الإِعلال قال سيبويه ومن قال أُمَيِّيٌّ قال حَيِّيٌّ وَطيِّيٌّ لأن الاستثقال فيهما واحد، والذى يظهر أن أمييا أوفى من حَيِّيٍّ لأن بناء الثلاثي على الخفة في الأصل يقتضي أَن يُجَنَّب ما يؤدي إِلى الاستثقال أَكثر من تجنيب الزائد على الثلاثة، أَلا ترى إِلى قولهم نمَرى بالفتح دون جَنَدَلِيٍّ
واليا الثالثة إِذا كان قبلها أَلف، ولا تكون تلك الألف زائدة، بل تكون منقلبة عن العين نحو آية وآى وغاية وغاي وراية وراي، (1) فالأقيس ترك الياء بحالها، كما في ظَبْيِيٍّ، ومن فتح هناك في ظبْيَة وقال ظَبَوِي لم يفتح العين ههنا، لأنه لا يمكنه إِلا بقلبها همزة أَو واوا أَو ياء فيزيد الثقل، وإِنما لم يقلب الياء في آيٍ ورايٍ أَلفاً ثم همزة كما في رِدَاءٍ لأن الألف قبلها ليست بزائدة، وهو شرطه كما يجئ في باب الإعلال. ويجوز ههنا في النسبة قلب الياء همزة لأن الياء لم تستثقل قبل المجئ بباء النسب، فلما اتصلت حصل الثقل فقلبت همزة قياساً على سائر الياآت المتطرفة المستثقلة بعد الألف، وإِن كان بين الالفين فرق، فإنها تقلب أَلفاً ثم همزة فقلبت هذه أَيضاً همزة، فقيل: رائي، في راى وراية.
ويجوز قلبها واواً أَيضاً لأن الياء الثالثة المتطرفة المستثقلة لأجل ياء النسب بعدها تقلب واواً كما في عَمَوِي وشَجَوِي. هذا كله إِذا كانت الياء الساكن ما قبلها ثالثة، فإِن كانت رابعة نظرنا: فإِن كانت بعد أَلف منقلبة. ولا تكون إِلا عن الهمزة، نحو قِرَاي في تخفيف قِرَأْي، لأن العين لا تتقلب أَلفاً مع كون اللام حرف علة كما في هَوَى وَطَوِيَ، فلا تغير الياء في النسب عن حالها، لان قلب الهمزة ألفا إذن غير واجب، فالألف في حكم الهمزة، وإِن كانت الألف زائدة - وهو الكثير الغالب كما في سِقَايَةَ (1) ونُقَاية (2) - قلب الياء همزةً في النسب لأن القياس كان قلبها أَلفاً ثم همزة لولا التاء المانعة من التطرف، فلما سقطت التاء للنسبة وياء النسبة في حكم المنفصل كما تقدم صارت الياء كالمتطرفة، ومع ذلك هي محتاجة إِلى التخفيف بمجامعتها لياء النسب، فقلبت أَلفاً ثم همزة كما في رداء، ولم تقلب لمجرد كونها كالمتطرفة كما في رِدَاء وسِقَاء (3) لأن لياء النسب نوع اتصال، بل قلبت لهذا ولاستثقال اجتماع الياآت فمن ثم لم يقلب واو شَقَاوة في شقاوِيٍّ إِذ لا استثقال كما
كان مع الياآت، وبعضهم يقلب يا سِقَاية في النسب واواً لأن الياء المستثقلة قبل ياء النسب تقلب واواً كما في عَمَويٍّ وشَجَويّ إِذا لم تحذف كما في قاضِيٍّ. وكذا يجوز لك في الياء الخامسة التي قبلها أَلف زائدة نحو دِرْحَاية (1) قلبُ الياء همزة وهو الأصل أَو واواً كما في الرابعة. وإِن كان الساكن المتقدم على الياء الرابعة ياء نحو عَلِيٍّ وَقُصَيٍّ فقد تقدم حكمه بقي علينا حكم الياء الخامسة إِذا كان الساكن قبلها ياء، فنقول: ذلك على ضربين، لأنه إِما أَن يكون الياءان زائدتين كما في كرسِيٍّ وبَرْدِي وكُوفي فيجب حذفهما في النسب فيكون المنسوب والمنسوب إِليه بلفظ واحد، وإِما أَن يكون ثانيهما أَصلياً، فإِن سكن ثاني الكلمة نحو مَرْمِيٍّ وكذا يَرْمِيٌّ في النسب إِلى يَرْمي على وزن يَعْضِيد (2) من رمى، فالأَوْلى حذفهما أَيضاً للاستثقال ويجوز حذف الأول فقط وقلب الثاني واواً احتراماً للحرف الأصلي فتقول: مَرْمَوِي ويَرْمَوِي، وإِنما فتحت ما قبل الواو استثقالاً للكسرتين مع اجتماع ثلاثة أَحرف معتلة، فيكون كقَاضَوِيّ عند المبرد، وإِن تحرك ثاني الكلمة فلابد من حذفهما مع أَصالة الثاني، كما تقول في النسب إِلى قَضَوِية (3) على وزن حَمَصِيصة من قضى:
قضوى، لاغير، وهذا بناء على أَن أَول المكرر هو الزائد كما هو مذهب الخليل على ما يجئ في باب ذي الزيادة. وإِن كانت الياء المشددة خامسة وجب حذفها بلا تفصيل، سواء كان الثاني أَصلاً كما في الأحاجِيّ (1) والأَوَارِيّ (2) ، أَو كانا زائدين كما في بخاتِيَّ اسم رجل فهو غير منصرف لكونه في الأصل أَقْصَى الجموع، والمنسوب إِليه يكون منصرفاً لأن ياء النسبة لكونها كالمنفصل لا تعد في بنية أَقْصَى الجموع كما تقدم في باب ما لا ينصرف، أَلا ترى إِلى صرف جمالي وكمالي. قال: " وَمَا آخِرُهُ هَمْزَةٌ بَعْدَ أَلِفِ إِنْ كَانَتْ لِلتَأْنِيثِ قُلِبَتْ وَاواً، وصَنْعَانِيٌّ وبَهْرَانِيٌّ ورَوْحَانيٌّ وجَلُوليٌّ وحَرُورِيٌّ شَاذٌّ، وإِنْ كَانَتْ أَصْلِيَّةً ثَبَتَتْ عَلَى الأكثْرَ كَقُرَّائِيٍّ، وإِلاَّ فالْوَجْهَانِ كَكِسَائِيٍّ وعِلْباوِيٍّ ". أَقول: اعلم أَن الهمزة المتطرفة بعد الألف: إِما أَن تكون بعد أَلف زائدة، أولا، فالتي بعد أَلف زائدة على أَربعة أَقسام، لأنها إِما أَن تكون أصلية
كقُرَّاء (1) ووُضَّاء (2) ، والأكثر بقاؤها قبل ياء النسب بحالها، وإِما أَن تكون زائدة مَحْضَة وهي للتأَنيث، ويجب قلبها في النسب واواً، لأنهم قصدوا الفرق بين الأصلي المحض والزائد المحض، فكان الزائد بالتغيير أَولى، ولولا قصد الفرق لم تقلب، لأن الهمزة لا تستثقل قبل الياء استثقالَ الياء قبلها، لكنهم لما قصدوا الفرق والواو أَنسب إِلى الياء من بين الحروف وأَكثرُ ما يقلب إِليه الحرف المستثقل قبل ياء النسب قُلبت إِليه الهمزةُ، وقد تشبه قليلاً حتى يكاد يلحق بالشذوذ الهمزةُ الأصليةُ بالتي للتأَنيث فتقلب واواً نحو قُرَّاوِيّ ووُضَّاويّ، وإِما أَن لا تكون الهمزة زائدة صرفة ولا أَصلية صرفة، وهي على ضربين: إِما منقلبة عن حرف أَصلي ككساء ورداء، وإِما مُلْحِقة بحرف أَصلي كعِلْبَاء (3) ، وحِرْبَاء (4) ، ويجوز فيهما وجهان: قلْبها واواً، وإِبقاؤها بحالها، لأن لها نسبة إِلى الأصلي من حيث كون إِحداهما منقلبة عن أَصلي والأخرى مُلْحِقة بحرف أصلى،
ولها نسبة إِلى الزائد الصرف من حيث إِن عين الهمزة فيهما ليست لام الكلمة كما كانت في قُرَّاءِ ووُضَّاء، لكن الإِبقاء في المنقلبة لشدة قربها من الأصلي أَولى منه في الملحقة، فنقول: كل ماهى لغير التأْنيث يجوز فيه الوجهان، لكن القلب في الملحِقة أَولى منه في المنقلبة، والقلب في المنقلبة أَولى منه في الأصلية، والقلب في الملحقة أَولى من الابقاء، وفي المنقلبة بالعكس، وهو في الأصلية شاذ. وأَما الهمزة التي بعد أَلف غير زائدة كماء وشاء فإِن الألف فيهما منقلبة عن الواو وهمزتهما بدل من الهاء فحقها أَن لا تغير (1) ، فالنسب إلى ماء مائى بلا
تغيير، وكذا كان القياس أَن ينسب إِلى شاء، لكن العرب قالوا فيه شاوى على غير القياس، فإِن سُمّي بشاء فالأجود شائي على القياس لأنه وَضع ثانٍ، ويجوز شَاوِي كما كان قبل العلمية.
صنعاء: بلد في اليمن، وبهراء: قبيلة من قُضَاعة، ورَوْحَاء: موضع قرب المدينة، وجلولاء: موضع بالعراق، وكذا حَرُورَاء، وقالوا في دَسْتُوَاءَ: دَسْتُوَانِيٌّ (1) ، ووجه قلب الهمزة نوناً وإِن كان شاذاً مشابهةُ أَلفي التأْنيث الألف والنون، وهل قلبت الهمزة نوناً أَو واواً ثم قلبت الواو نوناً؟ مضى الخلاف فيه في باب مالا ينصرف (2) ، وحذف في جلولاء وحرورا لطول الاسم، شبهوا
أَلف التأْنيث بتائه فحذفوها (1) الْحَرُورِيَّة: هلا الخوارج، سماهم بهذا الاسم أَمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه لما نزلوا بحَرُورَاء حين قارقوه. قال: " وبَابُ سِقَايَةَ سِقَائِيٌّ بالْهَمْزَةِ، وبَابُ شَقَاوَةَ شَقَاوِيٌّ بالْوَاوِ، وبَابُ راى وراية رايى ورائي وَرَاويٌّ ". أَقول: يعني بباب سِقَاية وشَقَاوة ما في آخره واو أَو ياء بعد أَلف زائدة، لم تقلب ياؤه وواوه أَلفاً ثم همزة لعدم تطرفهما بسبب التاء غير الطارئة، ويعني بباب
رَايٍ ورَايَة ما في آخره ياء ثالثة بعد أَلف غير زائدة، وقد مضى شرح جميع ذلك قال: " وَمَا كانَ عَلَى حَرْفَيْنِ إِنْ كانَ مُتَحَرِّكَ الأَوْسَطِ أَصْلاً وَالْمَحْذُوفُ هُوَ اللاَّمُ وَلَمْ يُعَوَّضْ هَمْزَةَ الْوَصْلِ أَوْ كانَ المَحْذُوفُ فَاءً وَهُوَ مُعتَلُّ اللاَّمِ وَجَبَ رَدُّهُ كَأَبَوِيٍّ وأَخَوِيٍّ، وَسَتَهِيٍّ في سَتٍ وَوِشَوِيٍّ فِي شِيَةٍ، وقَالَ الاخفش وشي عَلَى الأَصْلِ، وَإِنْ كانَت لاَمُهُ صَحِيحَةً والْمَحْذُوفُ غَيْرُهَا لَمْ يُرَدَّ كَعِدِيٍّ وَزِنِيٍّ وَسَهِيٍّ في سَهٍ وجَاءَ عِدَويٌّ ولَيْسَ بِرَدٍّ، ومَا سِواهُمَا يَجُوزُ فيهِ الأمْرَانِ نَحْوُ غَدِيٍّ وغَدَوِيٍّ وابنِيٍّ وبَنَوِيٍّ وحِرِيٍّ وحِرَحِيٍّ، وأَبو الْحَسَنِ يُسَكِّنُ مَا أَصْلُهُ السُّكُونُ فَيَقولُ غَدْوِيٍّ وحِرْحِيٌّ، وأُخْتٌ وبِنْتٌ كأخ ابن عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَعَلَيْهِ كِلَوِيٌّ، وَقَالَ يُونُسُ أُخْتِيٌّ وَبِنْتِيٌّ وَعَلَيْهِ كِلْتِيٌّ وَكِلْتَويٌّ وَكِلْتَاوِيٌّ " أَقول: اعلم أَن الاسم الذي على حرفين على ضربين: ما لم يكن له ثالث أَصلاً، وما كان له ذلك فحذف، فالقسم الاول لابد أَن يكون في أَصل الوضع مبنياً، لأن المعرب لا يكون على أَقل من ثلاثة في أَصل الوضع، فإِذا نسبت إِليه فإِما أَن تنسب إِليه بعد جعله علماً للفظة، أَو تنسب إِليه بعد جعله علماً لغير لفظه، كما تسمِّي شخصاً بِمَنْ أوكم ففى الاول لابد من تضعيف ثانيه، سواء كان الثاني حرفاً صحيحا أولا، كما تبين في باب الأعلام، فتقول في الصحيح: الكمِّيَّة واللَّمِّيَّة بتشديد الميمين، وفي غيره: المائية، وهو منسوب إِلى ما، ولوِّيٌّ ولوْئي، (1) فيمن يكثر لفظه لو،
وكذا تقول في لا: لائي، لأنك إِذا ضعفت الألف واحتجت إِلى تحريك الثاني فجعله همزة أَولى، كما في صحراء وكساء، وكذا تقول في اللات (1) : لائي، لان التاء للتأْنيث، لأن بعض العرب يقف عليها بالهاء نحو اللاَّه، وتقول في كَيْ وفِي: كَيَوِيّ وَفِيَوِيّ، لأنك تجعلهما كيَّاً وفِيَّاً كَحَيٍّ، ثم تنسب إِليهما كما تنسب إِلى حيّ وطيّ، ومبني ذلك كله أَنَّ ياء النسبة في حكم الكلمة المنفصلة وفي الثاني: أَي المجعول علما لغير لفظه، لا تضعّف ثاني حرفيه الصحيح (2) ، نحو جاءني مَنِيٌّ وكَمِيٌّ، بتخفيف الميم والنون، كما تبين في باب الأعلام، وإِذا كان الثاني حرف علة ضعفته عند جعله علماً قبل النسبة كما مر في باب الأعلام والقسم الثاني الذي كان له ثالث فحذف إِن قصدت تكميله ثلاثة ثم نسبت إلى ردَّ إِليه ذلك الثالث في النسبة، لأن ما كان من أَصل الكلمة أَولى بالرد من المجئ بالأجنبي فنقول: لا يخلو المحذوف من أَن يكون فاء، أَو عينا، أو لاما
فإِن كان فاء، والمطرد منه المصدر الذي كان فاؤه واواً ومضارعه محذوف الفاء، نحو عِدَةٍ ومِقَةٍ ودَعَة وسَعَة وزِنة، فإِن كان لامه صحيحاً لم ترد في النسب فاؤه نحو عِدِيّ وسَعِيّ، لأن الحذف قياسي لعلة، وهي إِتباع المصدر للفعل، فلا يرد المحذوف من غير ضرورة مع قيام العلة الحذفة، وأَيضاً فالفاء ليس موضع التغيير كاللام حتى يتصرف فيه برد المحذوف بلا ضرورة، كما كانت في التصغير، وإِن كان لامه معتلاً كما في شِيَةٍ وجب رد الفاء، لأن ياء النسب كالمنفصل كما تكرر ذكره، واتصاله أَوهن من اتصال المضاف إِليه، أَلا ترى أَنك تقول: ذو مال، وفوزيد، فلا ترد اللام من ذو، ولا تبدل عين فوميما، فإِذا نسبت قلت: ذَوَوِي وفَمِيّ، وأَوهن اتصالاً من التاء أَيضاً، لأنك تقول: عَرْقُوَة وقَلَنْسُوَة وَعَرْقِيٌّ وقلنسى وسقاية بالياء لا غير وسِقَائيّ بالهمزة عند بعضهم، ولولا أَن الواو قبل ياء النسب أَولى من الهمزة وأَكثر لناسب أَن يقال في شقاوة شَقَائيّ أَيضاً بالهمزة، فنقول: جاز حذف الفاء في شية وإِن لم يكن في الكلمات المعربة الثنائية ما ثانيه حرف علة لأن التاء صارت كلام الكلمة فلم يتطرف الياء بسببها وكذا في الشاة والذات واللات، فلما سقطت التاء في شية وخلفتها الياء وهو أَوهن اتصالاً منه كما مر بقيت الكلمة المعربة على حرفين ثانيهما حرف لين كالمتطرف، إِذ الياء كالعدم، ولا يجوز في المعرب تطرف حرف اللين ثانياً، إِذ يسقط بالتقاء الساكنين إِما لأجل التنوين أَو غيره، فيبقى الاسم المعرب على حرف، فلما لم يجز ذلك رددنا الفاء المحذوفة أَعني الواو حتى تصير الكلمة على ثلاثة آخرها لين كَعَصًا وَعَمٍ، فلما رد الفاء لم تزل كسرة العين عند سيبويه، ولم تجعل ساكنة كما كانت في الأصل، لأن الفاء وإِن كانت أَصلاً إِلا أَن ردها ههنا لضرورة كما ذكرنا، وهذه الضرورة عارضة في النسب غير لازمة فلم يعتدَّ بها فلم تحذف كسرة العين اللازمة لها عند
حذف الفاء، فصار وِشِييٌّ كإِبلي، ففتح العين كما في إِبَلِي ونمرى، فانقلبت اليا ألفاء ثم واواً أَو انقلبت من أَول الأمر واواً كما ذكرنا في حيوي، وأَما الأخفش فإِنه رد العين إِلى أَصلها من السكون لما رد الفاء فقال وشى كظبى ولا تستثقل الياآت مع سكون ما قبلها، والفراء يجعل الفاء المحذوفة في هذا الباب من الصحيح اللام كان أَو من المعتلة، بعد اللام، حتى يصير في موضع التغيير: أَي الآخر، فيصح ردها، فيقول: عِدَوِي وزِنَوِي وشِيَوِي، في عدة وزنة وشية، وحمله على ذلك ما رُوِيَ عن ناس من العرب عِدَوي في عدة فقاس عليه غيره وإِن كان المحذوف عيناً، وهو في اسمين فقط (1) : سه اتفاقاً، ومذ عند قوم، لم ترده في النسب، إِذ ليس العين موضع التغيير كاللام، والاسم المعرب يستقل بدون ذلك المحذوف وإِن كان المحذوف لاماً فإِن كان الحذف للساكنين كما في عَصًا وعَمٍ فلا كلام في رده في النسبة، لزوال التنوين قبل ياء النسب فيزول التقاء الساكنين، وإِن كان نَسْياً لا لعلة مطردة نظر: إِن كان العين حرف علة لم يبدل منها قبل النسب حرف صحيح وجب رد اللام كما في شاةٍ وذُو مال، تقول: شاهي، وذووي، وإِن أَبدل منها ذلك لم يرد اللام نحو فمي في " فوزيد "، كما مر قبل، وإِن لم يكن العين حرف علة قال النحاة: نظر، فإِن كان اللام ثبت رده من غير ياء النسبة في موضع من المواضع - وذلك إما في المثنى، أَو في المجموع بالألف والتاء، أَو في حال الإضافة وذلك في الأسماء الستة - ردّ في النسبة وجوباً، لأن النسبة يزاد لها في موضع اللام ما لم يكن في الأصل كما قلنا في كمية ولائي، فكيف
بلام كان في الأصل وثبت عوده في الاستعمال بعد الحذف؟ وقد ذكرنا في باب المثنى ضابط ما يرد لامه في التثنية من هذا النوع، وهو أَبٌ وأَخٌ وحم وهَنٌ، وأَما الجمع بالألف والتاء فلم يذكر لما يرد لامه فيه من هذا النوع ضابط، بلى قد ذكرنا في باب الجمع أَن مضموم الفاء نحو ظُبَة لا يرد لامه نحو ظُبَات، ويرد من المكسورة الفاء قليل نحو عِضَوَات، والمفتوح الفاء يرد كثير منه (1) نحو سَنَوَات وهَنَوَات وضَعَوَات، وبعضه لا يجمع بالألف والتاء استغناء عنه بالمكسر، نحو شفة وأَمة، قالوا: فإِن لم يثبت رد اللام في موضع فأَنت في النسب مخير بين الرد وتركه نحو غَدِي وغَدَوِي وحِرِيّ وحِرَحِيّ وابْني وبَنَوِيٌّ ودَمِيّ ودَمَوِيّ، ولا اعتبار بقوله: 48 - * جَرَى الدَّمَيَان بالخبر اليقين (2) *
وبقوله: 49 - * يَدَيَان بَيْضَاوَانِ عِنْدَ مُحَلِّمٍ (1) * لِشذوذهما، قالوا: فمن قال هَنُكِ وهَنَان وهَنَات جوز هَنِيًّا وهَنَويًّا، ومن قال هنوك وهنوان وهنوات أَوجب هَنَويًّا، وقال المصنف: إِن الرد إِلى المثنى والمجموع إِحالة على جهالة، فأَراد أَن يضبط بغير ذلك، فقال: إِن لم يكن العين حرف علة نظر فإِن كان في الأصل متحرك الأوسط ولم يعوض من اللام المحذوفة همزة وصل وجب ردها لئلا يلزم في النسب الإِجحاف بحذف اللام وحذف حركة العين، مع أَن الحذف في الآخر الذي هو محل التغيير أَولى، فمن ثم لم يجز إِلا أَبوي وأَخوي، وإِن كان في الأصل ساكن العين جاز الرد وتركه، نحو غَدِي وغَدَوِي وحِرِي وحرحى، إِذ لا يلزم الإِجحاف، وكذا إِن عوض الهمزة من اللام جاز رد اللام وحذف الهمزة وجاز الاقتصار على المعوض نحو ابني وبنوي واستي وستهي. قلت: الذي التجأَ إِليه خوفاً من الرد إِلى جهالة ليس في الإِحالة عليها بدون ما قال النحاة، لأن كثيراً من الأسماء الذاهبة اللام مختلف فيها بين النحاة هل
هو فَعْلٌ بالسكون أَو فَعَل كَيَدٍ ودَمٍ، وأَكثر ما على نحو ظُبَة ومِائة وسَنَة (1) مجهول الحال هل هو ساكن العين أَو متحركها. واعلم أَن بعض هذه الاسماء المحذوفة اللام لامها ذو وجهين كسنة لقولهم سانهت وسنوات، وكذا عِضَة لقولهم عُضَيْهة وعِضَوَات، قال السيرافي: من قال سانهت قال سَنَهِيٌّ وسَنِيّ لأن الهاء لا ترجع في الجمع لا يقال سَنَهَات (2) ومن قال سَنَوات يجب أَن يقول سَنَوِي، وكذا من قَالَ عَضَهِيّ وعِضِيّ إِذ لم يأَت عَضَهَات، ومن قال عِضَوَات قال عِضَوِيّ لا غير، قال سيبويه: النسبة إِلى فم فمي وفموي لقولهم في المثنى فَمَان، قال: ومن قال فموان كقوله: 50 - * هُمَا نَفَثَا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِمَا (3) * قال: فَمَوِيٌّ لا غير، قال المبرد: إِن لم تقل فَمِيٌّ فالحق أَن ترده إِلى أَصله وتقول فَوْهِيّ. وعلى أَي ضابط كان فاعلم أَن ما تُرَدٌّ لامه وأَصل عينه السكون نحو دَمَوي ويَدَوِي وغَدَوِي وحِرَحِيّ يفتح عينه عند سيبويه، إِلا أَن يكون مضاعفا،
لمثل ما ذكرنا في تحريك عين شِيَةٍ، وذلك أَن العين كانت لازمة للحركة الإِعرابية، فلما رددت الحرف الذاهب قصدت أن لا تجردها من بعض الحركات تنبها على لزومها للحركات قبل، والفتحةُ أخفها، وأَبو الحسن يسكن ما أَصله السكون رداً إِلى الأصل، كما ذكرنا في شيه، فيقول: يَدْييّ وَدَمْيِيّ وَغَدْوِيّ وَحِرْحِيّ بإسكان عيناتها، وأَما إِذا كان مضاعفاً كما إِذا نسبت إِلى رُبَ المخففة فإِنك تقول: رُبِّيّ بإِسكان العين للإدغام اتفاقاً، تفادياً من ثقل فك الإدغام، وقد نسبوا إِلى قُرَةَ وهم قوم من عبد القيس والأصل قُرَّة فخفف فقالوا قُرِّيّ مشددة الراء واعلم أَن كل ثلاثي محذوف اللام في أَوله همزة الوصل تعاقب اللام فهي كالعوض منها، فإِن رددت اللام حذفت الهمزة، وإِنْ أَثبتَّ الهمزة حذفت اللام، نحو ابني وبنوى، واسمى وسموى بكسر السين أَو ضمه لقولهم سِمٌ وَسُمٌ وجاء سموي بفتح السين أَيضاً، وأَما امرؤ فلامه موجودة، فلا يكون الهمزة عوضاً من اللام فلذا قال سيبويه لا يجور فيه إِلا امرئِي قال وأَما مَرَئيّ في " امرئ القيس " فشاذ، قال السيرافي: هذا قياس منه، وإِلا فالمسموع مرئي في امرئ القيس، لا امرئي، واعلم أَن الراء في مَرَئِي المنسوب إِلى امرئ مفتوح، وذلك لأنك لما حذفت همزة الوصل على غير القياس بقي حركة الراء بحالها، وهي تابعة لحركة الهمزة التي هي اللام، والهمزة لزمها الكسر لأجل ياء النسب، فكسرت الراء أَيضاً، فصارَ مِرئي كَنِمِري، ثم فتحت كما في نمري، وحكى الفراء في امرئ فتح الراء على كل حال وضمها على كل حال، وأما اينم فكأَن الهمزة مع الميم عوضان من اللام، فإِذا رددت اللام حذفتهما، قال الخليل: ولك أَن تقول ابنمي، قال سيبويه: ابنمي قياس من الخليل لم تتكلم به العرب فإِن أَبدل من اللام في الثلاثي التاءُ، وذلك في الأسماء المعدودة المذكورة في
باب التصغير نحو أَخت (1) وبنت وهَنْت وَثِنْتَانِ وَكَيْتَ وَذَيْتَ، فعند سيبويه تحذف التاء وترد اللام، وذلك لأن التاء وإِن كانت بدلاً من اللام إِلا أَن فيها رائحة من التأْنيث لاختصاصها بالمؤنث في هذه الأسماء، والدليل على أَنها لا تقوم مقام اللام من كل وجه حذفهم إِياها في التصغير نحو بنية وأخية، وكذا وكذا في الجمع نحو بنات وأَخوات وهنات، فإِذا حذفت التاء رجع إِلى صيغة المذكر، لأن جميع ذلك كان مذكراً في الأصل، فلما أَبدلت التاء من اللام غيرت الصيغة بضم الفاء من أُخت وكسرها من بِنْتٍ وثِنْتَان، وإِسكان العين في الجميع تنبيهاً على أَن هذا التأْنيث ليس بقياسي كما كان في ضارب وضاربة وأَن التاء ليست لمحض التأْنيث بل فيها منه رائحة، ولذا ينصرف أَخت علماً، فتقول في أَخت: أُخَوي كما قلت في أَخ، وفي بنت وثنتان بَنَوِي وَثَنَويّ، والدليل على أَن مذكر بنت فَعَلٌ في الأصل بفتح الفاء والعين قولهم بَنُونَ في جمعه السالم وأَبناء في التكسير (2) وكذا قالوا في جمع الاثنين أَثناء، قال سيبويه (3) : إِن قيل إِن بنات لم يرد اللام
فيه فكان القياس أَن يجوز في النسب بَنِي وبَنَويّ لما أصلتم من أَن النظر في الرد في النسبة إِلى المثنى والمجموع بالألف والتاء. فالجواب أَنهم وإِن لم يردوا في بنات ردوا في بنون، والغرض رجوع اللام في غير النسب في بعض تصاريف الكلمة، وكان يونس يجيز في بنت وأَخت مع بَنَوي وأَخَوي بِنْتِيّ وأُخْتِيّ أَيضاً، نظراً إلى أن التاء ليس للتأنيث، وهي بدل من اللام، فأَلزمه الخليل أَن يقول مَنِتي (1) وَهَنْتِي أَيضاً، ولا يقوله أَحد وتقول في كَيْتَ وذَيْتَ: كَيَوِيّ وَذَيَوِي، لأنك إِذا رددت اللام صارت كَيَّةَ وذيَّةَ كحيَّة، فتقول: كيوي كحيوي
والتاء في " كلتا " (1) عند سيبويه مثلها في أَخت، لما لم تكن لصريح التأْنيث بل كانت بدلاً من اللام ولذا سكن ما قبلها وجاز الإِتيان بأَلف التأْنيث بعدها وتوسيط التاء ولم يكن ذلك جمعاً بين علامتي التأْنيث لأن التاء كما ذكرنا ليست لمحض التأْنيث بل فيها رائحة منه، فلكتا عنده كحُبْلَى الألف للتأْنيث فهي لا تنصرف لا معرفة ولانكرة، فإِذا نسبت إِليه رددت اللام، ورددت الكلمة إِلى صيغة المذكر، كما في أخت وبنت، فيصير كِلَوَى بفتح العين فيجب حذف أَلف التأْنيث كما مر في جَمَزَى، وفتح عين مذكره ظاهر، قال السيرافي: من ذهب إِلى أَن التاء ليس فيه معنى التأْنيث بل هو بدل من الواو كما في سِتٍّ وأَصله سِدْسٌ وكما في تُكلة وتُرَاث قال كِلْتي، فيجئ على ما قال السيرافي كِلْتَوِي وكِلْتَاوِي أَيضاً كحبلوي وحبلاوي، وعند الجرمي أَن أَلف كلتا لام الكلمة، وليس التاء بدلا من اللام ولا فيه معنى التأْنيث، فيقول: كِلْتَوِي كأَعْلَوِي وقوله مردود لعدم فِعْتَلٍ في كلامهم، وليس ليونس في كلتا قول، ولم يقل إِنه ينسب إِليه مع وجود التاء كما نسب إِلى أَخت وبنت، وليس ماجوز من النسب مع وجود التاء فيهما مطردا عنده في كل ما أَبدل من لامه تاء حتى يقال إِنه يلزمه كلِتي وكلتوي وكلتاوي كحبليّ وحُبْلَوِي وحبلاوي،، ولو كان ذلك عنده مطردًا لقال مَنْتي وهَنْتي أيضاً ولم يلزمه الخليل ما ألزمه، فقول المصنف " وعليه كلتوي وكلتي وكلتاوي " فيه نظر، إِلا أَن يريد أَنك لو نسبت إِليه تقديراً على قياس ما نسب يونس إِلى أَخت وبنت لجاز الأوجه الثلاثة قوله " متحرك الأوسط أصلاً " أَي في أَصل الوضع قوله " والمحذوف هو اللام ولم يعوض همزة الوصل " شرط لوجوب الرد
ثلاثة شروط: تحرك الأوسط، إِذ لو سكن لجاز الرد وتركه نحو غَدِي وغَدَوي، وكون اللام هو المحذوف، إِذ لو كان المحذوف هو العين نحو سه لم يحز رده، وعدم تعويض همزة الوصل، إِذ لو عوضت جاز الرد وتركه نحو ابني وبَنَوي قوله " أَو كان المحذوف فاء " هذا موضع آخر يجب فيه رد المحذوف مشروط بشرطين: كون المحذوف فاء، إِذ لو كان لاماً مع كونه معتل اللام لم يلزم رده كما في غدي، وكونه معتل اللام، إِذ لو كان صحيحاً لم يجب رده كما في عِدِيٍّ قوله " أَبوي وأَخوي وسَتَهِيّ " ثلاثة أَمثلة للصورة الأولى، وإِنما قال في سَتٍ لئلا يلتبس بالمنسوب إِلى سه بحذف العين فإِنه لا يجوز فيه رد المحذوف، وفي است لغتان أَخريان: سَتٌ بحذف اللام من غير همزة الوصل، وسَهٌ بحذف العين. قوله " وِوشَوِيّ في شية " مثال للصورة الثانية قوله " وإن كانت لامه " أي: لان الاسم الذي على حرفين قوله " غيرها " أَي: غير اللام، وهو إِما عين كما في سه ر أَو فاء كعدة وزنة قوله " وليس برد " إِذ لو كان ردا لكان موضعه، بل هذا قلب قوله " وما سواهما " أَي: ما سوى الواجب الرد، وهو الصورتان الأوليان، والممتنع الرد، وهو الصورة الثالثة، يجوز فيه الأمران: أَي الرد، وتركه قال: " وَالمُرَكَّبُ يُنْسَبُ إِلى صَدْرِهِ كَبَعْلِيٍّ وَتأَبَّطِيّ وَخَمْسِيّ في خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَمَاً، وَلاَ يُنسَبُ إِلَيْهِ عَدَداً، وَالمُضَافُ إِنْ كانَ الثَّانِي مَقْصُوداً أصلا كابن الزبير وبى عمر وقيل: زبيري وعمري، وَإِنْ كانَ كَعَبْدِ مَنَافٍ وَامْرِئ الْقَيْسِ قِيلَ: عَبْدِيّ وَمَرَئِيّ " أَقول: اعلم أَن جميع أَقسام المركبات ينسب إِلى صدرها، سواء كانت جملة محكية كتَأَبط شراً، أَو غير جملة، وسواء كان الثاني في غير الجملة متضمناً
للحرف كخَمْسَةَ عشر وبَيْت بَيْتَ (1) ، أَولا كبعلبك، وكذا ينسب إلى صدر المركب من المضاف والمضاف إِليه على تفصيل يأَتي فيه خاصة، وإِنما حذف من جميع المركبات أَحد الجزءين في النسب كراهة استثقال زيادة حرف النسب مع ثقلة على ما هو ثقيل بسبب التركيب فإِن قلت: فقد ينسب إِلى قَرَعْبَلانَة (2) واشهيباب وعيضموز (3) مع ثقلها قلت: لا مَفْصِل في الكلمة الواحدة يحسن فكه، بخلاف المركب فإِن له مفصلاً حديث الالتحام متعرضاً للانفكاك متى حَزَب حازب وإِنما حذف الثاني دون الأول لأن الثقل منه نشأَ، وموضع التغيير الآخر، والمتصدر محترم وأَجاز الجرمي النسبة إِلى الأول أَو إِلى الثاني أَيهما شئت في الجملة أَو في غيرها، فتقول في بعلبك: بَعْلِي أَو بَكّي، وفي تأَبط شراً: تأبَّطِيُّ أَو شري وقد جاء النسب إِلى كل واحد من الجزءين، قال: 51 - تَزَوَّجْتُهَا رَامِيَّةً هُرْمُزِيَّةً * بِفَضْلِ الَّذِي أَعْطى الأمير من الرزق (4)
نسبها إِلى " رَامَهُرْمُز " وقد ينسب إِلى المركب من غير حذف إِذا خَفَّ اللفظ، نحو بَعْلَبَكِّي وإِذا نسبت إِلى " اثني عشر " حذفت عشر كما هو القياس ثم ينسب إِلى اثنان اثْنِيّ أَو ثَنَوِيّ، كما ينسب إِلى اسم اسْمي أَو سِمَوِيّ، ولا يجوز النسب إِلى العدد المركب غير علم، لأن النسب إِلى المركب بلا حذف شئ منه مؤدٍّ إِلى الاستثقال كما مر، ولا يجوز حذف أَحد جزأَي المركب المقصود منه العدد، إِذ هما في المعنى معطوف ومعطوف عليه، إِذ معنى خمسة عشر خمسة وعشر، ولا يقوم واحد من المعطوف والمعطوف عليه مقام الآخر، وإِنما جاز النسب إِلى كل واحد من المضاف والمضاف إليه كما يجئ وإن كان في الاصل لكل واحد منهما معنى لأنه لا ينسب إِلى المركب الإِضافي إِلا مع العلمية كابن الزبير وامرئ القيس، والعلم المركب لا معنى لأجزائه أَي تركيب كان، ولو لم ينمح أَيضاً معناهما بالعلمية لجاز النسب إِليهما لأنك إِن نسبت إِلى المضاف فقلت في غلام زيد غلامي فقد نسبت إِلى ما هو المنسوب إِليه في الحقيقة لأن المضاف إِليه في الحقيقة كالوصف للمضاف، إِذ معنى غلام زيد غلام لزيد، وإ نسبت إِلى المضاف إِليه فإِنه وإِن لم يكن هو المنسوب إليه في الحقيق لكنه يقوم مقام المضاف في غير باب النسب كثيراً، حتى مع الالتباس أَيضاً، كقوله: 52 - * طَبِيبٌ بما أعيا النطاسى حذيما * (1)
أَي ابن حذيم، فكيف لا يجوز في النسب وأنت لا تنسب إِلى المضاف إِليه إِلا لدفع الالتباس، كما يجئ بإِقامة المضاف إِليه مقام المضاف، وأَما إِذا نسبت إِلى خمسة عشر عاما بحذف أَحدهما فلا يلزم منه فساد، إِذ لا دلالة لأحد الجزأين مع العلمية على معنى، وقد أحاز أَبو حاتم السجستاني في العدد المركب غير علم إِلحاق ياء النسب بكل واحد من جزأيه نحو ثوب أَحَدِي عشري نحو قوله " رامية هرمزية " وفي المؤنث إِحْدِى - أَوْ إِحْدَوِيّ - عَشرِيٌّ - بسكون شين عشرة - أَي ثوب طوله أَحد عشر ذراعاً، وعلى لغة من يكسر شين عشرة في المركب إِحْدِي عَشَرِيّ - بفتح الشين كَنَمَرِي - وكذا تقول في اثني عشر: اثني عشري، أَو ثَنَوِيّ عشري، إِلى آخر المركبات وإِذا نسبت إلى المركب الاضافي فلابد من حذف أَحد الجزأَين للاستثقال ولأنك إِن أَبقيتهما فإِن أَلحقت ياء النسبة بالمضاف إِليه فإِن انتقف إِعراب الإسم المنسوب إِليه إِلى ياء النسب، كما في نحو كوفي وبصري وغير ذلك من المنسوبات، لزم تأَثر الياء بالعوامل الداخلة على المضاف وعدم تأَثره بها للحاقه بآخر المضاف إِليه اللازم جره، وإِن لم ينتقل التبس باسم غير منسوب مضاف إِلى اسم منسوب نحو غلامُ بَصْرِيٍّ، وإِن أَلحقتها بالمضاف نحو عَبْدِيّ القيس تُوُهم أَن المنسوب مضاف إِلى ذلك المجرور، مع أَن قصدك نسبة شئ إِلى الاسم المركب من المضاف والمضاف إِليه، فإِذا ثبت أَن حذف أَحدهما واجب فالأولى حذف الثاني لما ذكرنا
فتقول في عبد القيس: عَبْدِي، وفي امرئ القيس: مَرَئي، وأَيضاً فإِنَّك لو نسبت إِلى المركب الإِضافي قبل العلمية فالمنسوب إِليه في الحقيقة هو المضاف كما ذكرنا فالأولى بعد العلمية أَن ينسب إِليه دون المضاف إِليه فان كثر الالتباس بالنسبد إلى المضاف وذلك بأن يجئ أَسماء مطردة والمضاف في جميعها واحد والمضاف إِليه مختلف كقولهم في الكنى: أَبو زيد، وأَبو علي، وأَبو الحسن، وأُم زيد، وأُم علي، وأُم الحسن، وكذا ابن الزبير، وابن عباس، فالواجب النسبة إِلى المضاف إِليه نحو زبيري في ابن لزبير، وبكري في أبى بكر، إذا الكنى مطرد تصديرها بأَب وأُم، وكذا تصدير الأعلام بابن كالمطرد، فلو قلت في الجميع: أَبوي، وأمى، وابنى، لاطرد اللبس، وإِن لم يطرد ذلك بل كثر كعبد الدار وعبد مناف وعبد القيس فالقياس النسب إِلى المضاف كما ذكرنا نحو عَبْدِي في عبد القيس، وقد ينسب للالتباس إِلى المضاف إِليه في هذا أَيضاً نحو منافي في عبد مناف وهذا الذي ذكرنا تقرير كلام سيويه، وهو الحق، وقال المبرد: بل الوجه أَن يقال: إِن كان المضاف يعرف بالمضاف إِليه والمضاف إِليه معروف بنفسه كابن الزبير وابن عباس فالقياس حذف الأول والنسبة إِلى الثاني، وإِن كان المضاف إِليه غير معروف فالقياس النسبة إِلى الأول كعبد القيس وامرئ القيس، لأن القيس ليس شيئا معروفا يتعرف به عبد وامرؤ، وللخصم أن يمنع ويقول: بم علمت أن القيس ليس شيئاً معروفاً مع جواز أَن يكون شيئاً معروفاً أما قبيلة أَو رجلاً أَو غير ذلك أَضيف إِليه امرؤ وعبد في الأصل للتخصيص والتعريف كما في عبد المطلب وعبد شمس وعبد العزى وعبد اللات قال السيرافي: ويلزم المبرد أَن ينسب إِلى الأول في الكنى لانه يَكْنُون الصبيان بنحو أَبي مسلم وأَبي جعفر مثلاً قبل أَن يوجد لهم ولد اسمه مسلم أَو جعفر وقبل أَن يمكن ذلك منهم فليس المضاف إِليه إِذن في مثله معروفا إذ هو اسم على
معدوم مع أَنه ينسب إِليه، فكأَن المصنف أَجاب السيرافي نيابة عن المبرد، وقال: الثاني في أَمثال هذه الكنى في الأصل مقصود، وذلك أَن هذه الكنى على سبيل التفاؤل فكأَنه عاش إِلى أَن ولد له مولود اسمه ذلك، فالثاني وإِن لم يكن مقصوداً الآن ولا معرِّفاً للأول إِلا أَنه مقصود في الأصل: أَي الأصل أَن لا يقال أيو زيد مثلاً إِلا لمن له ولد اسمه زيد، وللسيرافي أَن يقول: إِن الأصل أَن لا يقال عبد القيس إِلا في شخص هو عبد لمن اسمه قيس، فقول المصنف " وإِن لم يكن الثاني مقصوداً في الأصل كما في عبد القيس وامرئ القيس فالنسبة إِلى الأول " مردود بما مر من الاعتراض على قول المبرد هذا، وقد جاء شاذاً مسموعاً في " عَبْدِ " مضافاً إِلى اسم آخر أَن يركب من حروف المضاف والمضاف إليه اسم على فَعْلَلٍ بأَن يؤخذ من ل واحد منهما الفاء والعين، نحو عَبْشَمِي في عبد شمس، وإِن كان عين الثاني معتلاً كمل البناء بلامه نحو عَبْقَسِي وَعَبْدَرِي في عبد القيس وعبد الدار، وجاء مَرْقسِي في امرئ القيس (1) من كِنْدَة وكل من اسمه امرؤ القيس من العرب غيره يقال فيه مَرَئي، والعذر في هذا التركيب مع شذوذ أنهم إن نسبوا إلى المضاف بدون المضاف إِليه التبس، وإِن نسبوا إِلى المضاف إِليه نسبوا إِلى ما لا يقوم مقام المضاف ولا يطلق اسمه عليه مجازاً، بخلاف ابن الزبير فإِن إِطلاق اسم أَحد الأبوين على الأولاد كثير، نحو قريش وهاشم وخِنْدِفَ (2) وكذا إِطلاق اسم الإبن على الأب غير مبتدع
قال سيبويه: وسمعنا من العرب من يقول في النسب إِلى كنت كونِيّ، وذلك لأنه أَضاف إِلى المُصَدَّر، فحذف الفاعل وهو التاء، فانكسر اللام لأجل ياء النسب فرجع العين الساقطة للساكنين، وهذ الكسرة وإِن كانت لأجل الياء التي هي كالكلمة المنفصلة إِلا أَنه إِنما رد العين لأن أَصل اللام الحركة وسكونها عارض، وكان الوجه أَن يقال كانيّ، لأنا قد بينا قبل في شرح قوله " وأَما باب سُدْته فالصحيح أَن الضم كذا " أَن الضمائر في نحو قُلْت وقُلْنا تتصل بِقَالَ فتحذف الألف للساكنين، لكنه أبقى الفاء ف ي كُونيّ على أَصل ضمه قبل النسبة، تنبيهاً على المنسوب إِليه، قال الْجَرْمِيُّ: يقال رجلٌ كُنتيّ لكون الضمير المرفوع كجزء الفعل فكأَنهما كلمة واحدة وربما قالوا كُنْتُنِيٌّ بنون الوقاية ليسلم لفظ كُنْتُ بضم تائه، قال: 53 - وَمَا أنا كنتي وما أنا عاجن * وَشَرُّ الرِّجالِ الْكُنْتُنِيُّ وَعَاجنُ (1) الكنتي: الشيخ الذي يقول كنت في شبابي كذا وكذا، والعاجن: الذي لا يقدر على النهوض من الكبر إِلا بعد أَن يعتمد على يديه اعتماداً تاماً كأَنه يعجن قال: " وَالْجَمْعُ يُرَدُّ إِلَى الْوَاحِدِ، يُقَالُ فِي كُتُبِ وَصُحُفٍ وَمَسَاجِدِ وَفَرَائِضَ: كِتَابِيٌّ وَصَحَفِيٌّ وَمَسْجِدِيٌّ وَفَرَضِيٌّ، وَأَمَا بَابُ مَسَاجدَ عَلَماً فَمَسَاجِدِيّ كَكِلابِيٌّ وأنصاري "
أَقول: اعلم أَنك إِذا نسبت إِلى ما يدل على الجمع فإِن كان اللفظ جنساً كتمْر وضَرْب أَو اسم جمع كنَفَرٍ ورَهْطٍ (1) وإِبل نسبت إِلى لفظه نحو تَمْرِي وإِبلي، سواء كان اسم الجمع مما جاء من لفظه ما يطلق على واحده كواكب (2) في ركب أَو لم يجئ كغنم وإِبل، وكذا إِن كان الاسم جمعاً في اللفظ والمعنى لكنه لم يستعمل واحده لا قياسياً ولا غير قياسي كعَبَادِيد (3) ، تقول: عَبَادِ يدي، قال سيبويه: كون النسب إِليه على لفظه أَقوى من أَن أَحدث شيئاً لم يتكلم به العرب وإِن كان قياسياً نحو عُبْدُودي أَو عِبْدِيدي أَو عِبْدَادي، وكذا قولهم أَعرابي لان أعرابا جمع لا واحد له من لفظه، وأما العرب فليس بواحدة الان، لان الاعراب ساكنة البدو، والعرب يقع على أَهل البدو والحضر، بل الظاهر أَن الأعراب في أَصل اللغة كان جمعا العرب ثم اختص وإِن كان الاسم جمعاً له واحد لكنه غير قياسي، قال أَبو زيد: ينسب إِلى لفظه كَمَحَاسِنيّ وَمَشَابهيّ ومذاكيريّ وبعضهم إِلى واحده الذي هو غير قياسي نحو حُسْنِي وَشَبَهِي وذَكَرِيّ وإِن كان جمعاً له واحد قياسي نسبت إِلى ذلك الواحد، ككتابي في كُتُب وأَما قولهم ربى ورباني في رِبَاب، وهم خمس قبائل تحَالَفوا فصاروا يداً واحدة: ضَبَّة وَثَوْر وَعُكْل وتَيْمٌ وَعَدِي، واحدهم ربة كقبة وقباب، والربة
الفرقة من الناس، فإِنما جاز النسب إِلى لفظ الجمع أَعني رِبَاباً لكونه بوزن الواحد لفظاً، ولغلبته من بين ما يصح وقوعه عليه لغة على جماعة معينين فصار كالعلم نحو مَدَائني (1) وأَما أَبْنَاوي في النسب إِلى أبناء، وهم بنو سعد بن زيد مناة، وأَنصاري في النسبة إِلى الأنصار، فللغلبة المذكورة ولمشابهة لفظ أَفعال للمفرد حتى قال سيبويه إِن لفظه مفرد، ولقوة شبهه بالمفرد كثر وصف المفرد به نحو بُرْمَة أَعْشَار (2) ، وثوب أسمال (3) ونطفة أمشاج (4) ورجع ضمير المفرد المذكر إِليه في نحو قوله تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا في بطونه) ولا منع أَن يقال: إِن الياء في أَنصاري وأَبناوي وربابي للوحدة لا للنسبةِ كما في رومى وزنجي وزنج فلذا جاز إِلحاقها بالجمع، فلو قلت بَعْدُ مثلاً: ثوب أَنصاري وشئ ربابژ أَو أَبناوي كان منسوباً إِلى هذه المفردات بحذف ياء الوحدة كما ينسب إِلى كرسي بحذف الياء فيكون لفظ المنسوب والمنسوب إِليه واحداً ولقائل أَن يقول: ياء الوحدة أَيضاً في الأصل للنسبة لأن معنى زنجي شخص منسوب إِلى هذه الجماعة بكونه واحداً منهم، فهو غير خارج عن حقيقة النسبة، إِلا أَنه طرأَ عليه معنى الوحدة، فعلى هذا يكون العذر في لحاق الياء بهذه الأسماء ما تقدم أولا، وقالوا في النسبة إِلى أَبناء فارس، وهم الذين استصحبهم سيف بن
ذي يزن إِلى اليمن: بنوي، على القياس، مع أَنهم جماعة مخصوصة كبني سعد بن زيد مناة، وقالوا في النسبة إِلى الْعَبَلاَت: عَبْلي، بسكون الباء وهم من بني عبد شمس: أُمية الأصغر، وعبد أُمية، ونوفل، لأَن كل واحد منهم سُمّي باسم أُمه، ثم جمع، وهي عَبْلَة بنت عُبَيْد، من بني تميم، وإِنما قالوا في المهالبة وَالمَسَامعة مُهَلَّبِي ومِسْمَعِيّ، لأنك رددتهما إِلى واحدهما وحذفت ياء النسبة التي كانت في الواحد ثم نسبت إِليه، ويجوز أَن يقال سُمّي كل واحد منهم مُهَلَّباً ومِسْمَعاً أَي باسم الاب ثم مع كما سُمّي كل واحد في العَبَلاَت باسم الأم ثم جمع، فيكون مهلبي منسوباً إِلى الواحد الذي هو مهلب، لا إِلى مهلّبي وإِن كان اللفظ جمعاً واحده اسم جمع نسبت أَيضاً إِلى ذلك الواحد، كما تقول في النسبة إِلى نساء: نِسْوِي، لأن واحده نسْوَة، وهو اسم جمع، وكذا تقول في أَنفار وأَنباط: نَفَرِي ونَبَطِيٌّ وإِن كان جمعاً واحده جمع له واحد نسبت إِلى واحد واحده، كما تقول في النسبة إِلى أَكالب: كَلْبي وإِنما يرد الجمع في النسبة إِلى الواحد لأن أَصل المنسوب إِليه والأغلب فيه أَن يكون واحداً، وهو الوالد أَو المولد أَو الصنعة، فحمل على الأغلب، وقيل: إِنما رد إِلى الواحد ليعلم أَن لفظ الجمع ليس علما لشئ، إِذ لفظ الجمع المُسمّى به ينسب إِليه، نحو مَدَائني وكِلابي، كما يجئ ولو سيمت بالجمع فإِن كان جمع التكسير نسبت إِلى ذلك اللفظ نحو مدائني وأَنماري وكلابي وضِبَابي، وأَنمار: اسم رجل، وكذا ضباب وكلاب وإن كان جمع السلامة فقد ذكرنا أَن جمع المؤنث بالالف والتاء يحذف منه الألف والتاء، تقول في رجل اسمه ضربات: ضَرَبي، بفتح العين لأنك لم ترده إِلى واحده، بل حذفت منه الألف والتاء فقط، بخلاف عَبْلي في المنسوب إِلى
العَبَلات، فإِنه بسكون الباء لأنه بسب إِلى الواحد كما ذكرنا، وكذا يحذف من المجموع بالواو والنون علماً الحرفان، إِن لم يجعل النون مُعْتَقَبٌ الإِعراب، ولا يرد إِلى الواحد، فلهذا قيل في المسمى بأَرَضِين: أَرَضِيٌّ، بفتح الراء، وإِن جعل النون معتقب الإعراب لم يحذف منه شئ، كما مر في أَول الباب (1) قال: " وَمَا جَاءَ عَلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ فشَاذٌّ " أَقول: اعلم أَنه قد جاءت أَلفاظ كثيرة على غير ما هو قياس النسب، بعضها مضى نحو جُذَمي وقُرَشي وحَرُورِي، ولنذكر الباقي، قالوا في العالية - وهو موضع بقرب المدينة - عُلْوِيّ، كأَنه منسوب إِلى الْعُلو، وهو المكان العالي ضد السفل، لأن العالية المذكورة مكان مرتفع، والقيسا عَالِيّ أَو عالَوِي، فهو منسوب إِليها على المعنى، وقالوا في البَصْرة: بِصْرِي، بكسر الباء، لأن البصرة في اللغة حجارة بيض وبها سميت الْبَصرة، والْبِصْر بكسر الباء من غير تاء بمعنى الْبَصْرة، فلما كان قبل العلمية بكسر الباء مع حذف التاء ومع النسبة بحذف التاء كسرت الباء في النسب، وقيل: كُسِر الباء في النسب إِتباعاً لكسر الراء،
ويجوز بَصْرِي بفتح الباء على القياس، وقالوا: بَدَوِيّ، والقياس إِسكان العين لكونه منسوباً إِلى البدو، وإِنما فتح ليكون كالحضَري لأنه قرينه، وقالوا: دُهْري بضم الدال للرجل المسن فرقاً بينه وبين الدَّهْرِي الذي هو من أَهل الإلحاد، وقالوا في النسب إِلى السهل وهو ضد الحزن: سُهْلِي، بضم السين فرقاً بينه وبين المنسوب إِلى سَهْل اسم رجل، وقيل في بني الْحُبْلَى حي من الأنصار: حُبَلي، بفتح الباء فرقاً بينه وبين المنسوب إِلى المرأة الحبلى، وإنما قيل لأبيهم حُبْلي لعظم بطنه، وقالوا في الشتاء: شتوى، بسكون التاء، قال المبرد: شتاء جمع شتوة كصحاف جمع صحف فعلى هذا شَتْوي قياس، لأن الجمع في النسب يرد إِلى واحده، وإِطلاقُ الشتاء على ما يطلق عليه الشتوة يضعف (1) قوله، وقالوا في الخريف: خَرَفيٌّ بفتح العين كما قالوا في تثقيف: ثَقَفَي، وقالوا: خَرْفي أَيضاً بسكون العين بالنسبة إِلى المصدر، والْخَرُْفُ: قطع الشئ، وقالوا: بحراني، في النسبة إلى البحرين المجعول نونه معتقب الاعراب، والقياس بَحْرَيْنِيٌّ ووجهه أَن نون البحرين بالياء تجعل معتقب الإِعراب، وقياس المُثَنَّى المجعول نونه معتقب الإِعراب أَن يكون في الأحوال بالألف كم مر في باب العلم، فإِلزام البحرين الياء شاذ إذن
وإِذا جعل نون المثنى معتقب الإِعراب لم يحذف في النسب لاهو ولا الألف فقيل: بحراني، على أَنه منسوب إِلى البحران المجعول نونه معتقب الإِعراب لكونه هو القياس في المثنى المجعول نونه كذلك، وإن قل استعماله كما مر في باب العلم، وقيل: أَفَقِيٌّ بفتحتين، في النسبة إِلى الأُفُق، لأنهم قالوا فيه أُفْقٌ بضم الهمزة وسكون الفاء وهو مخفف الأُفُق كعُنُق وعُنْق، ثم جوزوا فيه الأَفَقِي لاشتراك الفُعْل والفَعَل في كثير من الأسماء كالعُجْم والعَجَم والعَرَب والسُّقْم والسَّقَم، وقالوا: خُرَاسي، تشبيهاً للألف والنون بأَلف التأْنيث التي قد تشبه بتاء التأْنيث فتحذف وإِن كان شاذاً كما في جلولِيٌّ وحَرُوري، ومن قال خُرْسِي بحذف الألف وسكون الراء فقد خفف، وقالوا: صلاحية، بضم الطاء، للإِبل التي ترعى الطَّلْح، وإِنما بنى على فُعَال لأنه بناء المبالغة في النسب كأُنَافي للعظيم الأنف كما يجئ ويروي طِلاَحِيَّة بكسر الطاء بالنسب إِلى الجمع كما قالوا عِضَاهي منسوب إِلى عِضَاه جمع عِضَه، وقيل: هو منسوب إِلى عِضَاهَة بمعنى عِضَه وهو قليل الاستعمال، أعنى عضاهة، والجنس كقتادة وقتاد، وقيل: إِبل حَمَضِية بفتح الميم، قال المبرد يقال حَمْض وحَمَضٌ، فعلى هذا ليس بشاذ، وقالوا: يَمَانٍ وشَآم وتَهامٍ، ولا رابع لها، والأصل يمني وشأْمي وتَهَمي، والتَّهَمُ تِهَامَة، فحذف في الثلاثة إحدى ياءى النسبد وأَبدل منها الألف، وجاء يَمَنيٌّ وشأْمي على الأصل وجاء تِهامِيٌّ بكسر التاء وتشديد الياء منسوباً إلى تهامة، وجاء يمانى وشَآميُّ وكأَنهما منسوبان إِلى يمَانٍ وشآم المنسوبين بحذف ياء النسبة دون أَلفها إِذ لا استثقال فيه كما استثقل النسبة إِلى ذي الياء المشددة لو لم تحذف، والمراد بيمان وشآم في هذا موضعٌ منسوب إِلى الشأْم واليمن فينسب الشئ إِلى هذا المكان المنسوب، ويجوز أن يكون يماني وشآمي جمعاً بين العوض والمعوض منه، وأَن
يكون الالف في يمانى للإشباع كما في قوله: * يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ * (1) وشآمي محمول عليه، وقيل في طَهَيَّة: طُهْوي، بسكون الهاء على الشذوذ، وطُهَوِيٌّ على القياس، وقيل: طهوى، بفتح الطاء وسكون الهاء وهو أشذ، وقالوا في زبينة قبيلة من باهلة: زبانى، والقياس زَبَني كحنفي في حنيفة، وقالوا في مَرْو: مَرْوَزِيّ وفي الرَّيْ رَازِي واعلم أَنك إِذا نسبت إِلى الأسماء المذكورة بعد أَن تجعلها أَعلاماً إِن لم تكن كدَهْر وطَلْحٍ أَو جعلتها أَعلاماً لغير ما كانت له في الأول كما إِذا سميت بزَبينة ابناً لك، فإِنك تجري جميعها على القياس نحو دَهْرِي وطَلْحِي وزَبَني، لأن هذه الأسماء شذت في المواضع المذكورة، وجعلها أَعلاماً لما يقصد وضع لها ثان، فيرجع في هذا الوضع إِلى القياس وقد يلحق ياء النسب أسماء أبعض الجسد لدلالة على عظمها: إِما مبنية على فعَال كأَنافي للعظيم الأنف، أَو مزيداً في آخرها أَلف ونون كلِحْيَاني ورَقَباني وَجُمَّاني للطويل الْجُمَّةِ، وليس البناءان بالقياس، بل هما مسموعان، وإِذا سميت بهذه الأسماء ثم نسبت إليه رجعت إِلى القياس، إِذ لا تقصد المبالغة إِذن، فتقول جُمِّي ولِحْييٌّ على قول الخليل ولِحَوِيّ على قول يونس قال: " وكثر مجئ فَعَّالٍ فِي الْحِرَفِ كَبَتَّاتٍ وَعَوَّاج وَثَوَّاب وَجَمَّالٍ، وَجَاءَ فَاعِلٌ أَيْضاً بِمَعْنَى ذِي كَذَا كَتَامِرٍ وَلاَبِنٍ وَدَارع وَنَابِلٍ، وَمِنْهُ عِيشَة رَاضِيَة وَطَاعِمٌ كَاسٍ ". أَقول: اعلم أَنه يجئ بعض ما هو على فَعَّال وفال بمعنى ذى كذا، من
غير أَن يكون اسم فاعل أَو مبالغة فيه، كما كان اسم الفاعل نحو غافر، وبناء المبالغة فيه نحو غَفَّار، بمعنى ذي كذا، إِلا أَن فَعَّالاً لما كان في الأصل لمبالغة الفاعل ففَعَّال الذي بمعنى ذي كذا لا يجئ إلا في صاحب شئ يزاول ذلك الشئ ويعالجه ويلازمه بوجه من الوجوه، إِما من جهة البيع كالبَقَّالٍ (1) ، أَو من جهة القيام بحاله كالجمال والبغال، أَو باستعماله كالسَّيَّاف، أغير ذلك، وفاعل يكون لصاحب الشئ من غير مبالغة، وكلاهما محمولان على اسم الفاعل وبناء مبالغته، يقال لابِن لصاحب اللبن، ولَبَّان لمن يزاوله في البيع أَو غيره، وقد يستعمل في الشئ الواحد اللفظان جميعا كالسياف وسَائِف، وقد يستعمل أَحدهما دون صاحبه كقَوَّاس (2) وتَرَّاس (3) وفَعَّال في المعنى المذكور أَكثر استعمالاً من فاعل، وهما مع ذلك مسموعان ليسا بمطردين، فلا يقال لصاحب البر: بَرَّار، ولا لصاحب الفاكهة: فكاه، قال النحاة: إِنهما في المعنى المذكور بمعنى النسبة، لان ذا الشئ منسوب إلى ذلك الشئ، وَأَيضاً جاء فَعَّال والمنسوب بالياء بمعنى واحد كبتي وبَتَّات لبائع البت، وهو الكساء، ويعرف أَنه ليس باسم فاعل ولا للمبالغة فيه: إِما بأَن لا يكون له فعل ولا مصدر كنابل وبَغَّال، ومكان آهل: أَي ذو أَهل، أَو بأَن يكون له فعل ومصدر لكنه إِما بمعنى المفعول: كما دافق وعيشة راضية، وإِما مؤنث مجرد عن التاء: كحائض
وطالق، وقالوا في نحو مُرضِع (1) ومطفل (2) والسماء منفطر (3) به: إنه على
معنى النسبة لهذا أَيضاً، وهذا يقدح في قولهم: إن ما هو بمعنى النسبة من المجرد عن الياء إِما على فَعَّال أَو فَاعِل فقط، وإِما جار (1) على ما تضمنه على وجه المبالغة نحو: عِزٌّ عَزِيزٌ، وذُلٌّ ذليلٌ، وشعر شاعرٌ، وموت مائت، وهمٌّ ناصب، فإِن جميع ذلك معنى أَطلق عليه اسم صاحب ذلك المعنى مبالغة، إِذ العزيز والذليل والشاعر والمائت والهامّ (2) صاحب العز والذل والشعر والموت والنصب، كما يطلق على صاحب المعنى اسم ذلك المعنى مبالغة نحو رجل صَوْم وعَدْل وماء غَوْر: جعل الشعر كأَنه صاحب شعر آخر، كما قال المتنبي: وَمَا أَنَا وَحْدِي قُلْتُ ذا الشِّعْرَ كله * ولكن لشعري فيك من نفسه شعر (3)
والموت كأَنه يستصحب موتاً آخر، والنصب كأَنه يستلزم نصباً آخر: أَي ليس هو شعراً واحداً، ولا الموت موتاً واحداً، ولا الهم همَّاً واحداً، بل كل منها مضاعف مكرر، وقد يستعمل الفعل أَيضاً بهذا المعنى نحو قولهم: جَدَّ جِدُّه، وتمَّ تمَامُه، وأَما قولهم: شغل شاغل، فليس من هذا، بل هو اسم فاعل على الحقيقة: أَي شغل يشغل المشتغل به عن كل شغل آخر لعظمه فلا يتفرغ صاحبه لشئ آخر وكما استعملوا فَعَّالاً لما كان في الأصل للمبالغة في اسم الفاعل في معنى ذي الشئ الملازم له استعملوا فَعِلاً أَيضاً، وهو بناء مبالغة اسم الفاعل، نحو عمل للكثير العمل، وطعن وليس ولَسِنٍ في معنى النسبة، فاستعملوه في الجوامد نحو رجل نَهِرٌ لصاحب العمل بالنهار، ورجل حَرِح وسَتِه بمعنى حِرِيّ واسْتِيٍّ: أَي الملازم لذلك الشغل، فعلى هذا ليس معنى النسب مقصوراً على فاعل وفعال، بل يجئ عليه اسم الفاعل من الثلاثي وغيره نحو مرضع ومنفطر، ويجئ من أَبنية مبالغة اسم الفاعل فَعَّال وفَعِل، قال الخليل: وقالوا طاعم كاسٍ على ذا: أَي على النسبة: أَي هو ذو كسوة وذو طعام، وهو مما يذم به، أَي ليس له فضل غير أَن يَأْكل ويلبس، قال: دَعِ الْمَكَارِمَ لاَ تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا * وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أنْتَ الطّاعِمُ الكاسى (1)
[باب الاسم المجموع]
ولا ضرورة لنا إِلى جعل طاعم بمعنى النسبة، بل الأولى أن تقول: هو اسم فاعل من طعِم يطعم مَسْلوباً منه معنى الحدوث، وأَما كاسٍ فيجوز أَن يقال فيه ذلك، لأنه بمعنى مفعول: كماء دافق، ويجوز أَن يقال: المراد الكاسي نَفْسه، والأظهر هو الأول، لأن اسم الفاعل المتعديّ إِذا أَطلق فالأغلب أَن فعله واقع على غيره * قال: " الْجَمْعُ، الثُّلاَثِيُّ: الْغَالِبُ فِي نَحْوِ فَلْسٍ عَلَى أَفْلُسٍ وفُلُوسٍ، وَبَابُ ثَوْبٍ عَلَى أَثْوَاب، وَجَاءَ زِنَادٌ فِي غَيْر بَابِ سَيْلِ، وَرِئْلاَنٌ وَبُطْنَانٌ وَغِرَدَة وسُقُفٌ وأَنْجِدَةٌ شاذ ". أَقول " اعلم أَن جموع التكسير أَكثرها محتاج إِلى السماع، وقد يغلب بعضها في بعض أَوزان المفرد، فالمصنف يذكر أَولاً ما هو الغالب، ويذكر بعد ذلك غير الغالب الذي هو كالشاذ. قوله: " الجمع " لا إِعراب له، ولا لقوله: " الثلاثي "، لأنهما اسمان غير مركبين. كما تقول: باب، فصل، ويجوز أَن يرتفعا على أَن كل واحد منهما خبر
المبتدأ. أَي: هذا باب الجمع، وهذا باب الثلائى كيف يجمع، ثم ابتدأَ وقال: " الغالب في نحو فلس أَن يجمع على أفلس " اعلم أَن الغالب أَن يجمع فَعْل المفتوح الفاء الساكن العين في القلة على أَفْعُل، إِلا أَن يكون أجوف واوياً أَو يائياً، فإِن الغالب في قلته أَفعال: كثَوْب وأَثواب وسوط وأَسْوَاط وبَيْت وأَبْيَات وشيخ وأشياخ، وذلك لانه لو قالوا فيه أَيضاً أَفْعُل نحو أَسْوُط وأَبْيُتٍ لثقلت الضمة على حرف العلة وإِن كان قبلها ساكن، لأن الجمع ثقيل لفظاً ومعنى فيستثقل فيه أَدنى ثقل، وقد جاء فيه أَفْعُل قليلاً نحو أَقْوُس وأَثْوُب وآيُر وأعين، وقد يجئ غير الأجوف في القلة على أَفعال أَيَضاً قليلاً كفَرْخ وأَفراخ وفَرْد وأَفْرَاد، لكن الأغلب في الأجوف وفيما سواه ما ذكرناه أَولاً، والغالب في كثرة فَعْل أَن يكون على فُعُول وفِعَال ككُعُوب (1) وكِعَاب وقد ينفرد أَحدهما عن صاحبه كبَطْن وبُطُون وبَغْل وبغَال، وكذا المضاعف نحو صَكّ وَصُكوك (2) وصِكَاك، والناقص: كدَلْوٍ وَدُلِيٍّ ودِلاء، وثُدْي وثُدِي (3) وظبي وظباء، وأَما الأجوف فإِن كان واوياً ففُعُول فيه قليل، والأكثر الْفِعَالَ لاستثقال الضمد على الواو في الجمع وبعده الواو، ولا يستثقل ذلك في المصدر
كالغؤور (1) والسؤور (2) ، وقد يجئ في الجمع كالْفُؤُوج في جمع الْفَوْج، فأَما إِذا جمعته على فِعَال فإِن الكلمة تخف بانقلاب الواو ياء، ولما استبد الواوي بأَحد الجمعين المذكورين استبد اليائي بالآخر، أَعني فُعولاً، فلم يجئ فيه فِعَال، وأَيضاً لو قيل فيه بِيَات كحِيَاض لالتبس الواوي باليائي (وشَذَّ ضِيَافٌ في جمع ضَيْفٍ) وقد يزاد التاء على فُعُول وفِعَال لتأْكيد معنى الجمعية كعُمُومة وخُؤُولة وخُيُوطة وعُيُورة وفِحَالة. فالوجه على ما قررنا أَن يقال: الغالب في قلة فَعْل أَفعُل في غير باب بيت وثوب، فإِنهما على أَثواب وأَبيات، وفي كثرته فُعُول، في غير باب ثَوْب، فإِنه على ثِياب، وفِعَالٌ، في غير باب سَيْل، فإِنه على سُيُول قال سيبويه: القياس في فعل ما ذكرناه، وما سوى ذلك يعلم بالسمع، فلو اضطر شاعر أَو ساجع في جمع فعل إلى شئ مما ذكرنا أَنه قياسه فلا عليه أَن يجمعه عليه، وإِن لم يسمع فالمسموع في قلة فَعْل في غير الأجوف أَفْعال كأَنْفٍ وآنافٍ، وفي كثرته فِعْلان كجحشان ورِئْلاَن (3) وفُعْلاَن كظَهْرَان وَبُطْنان (4) . قال سيبويه: وَفِعْلانِ - بالكسر - أَقلهما، وفِعَلَة كغِرَدَة في غَرْد، وهو الكمأَة، وكذا جبأة وفقعة في جبء وفَقْع للكمأَة أَيضاً، وفُعُلٌ بضمتين كسُقُفٍ ودُهُنٍ (5)
ويجوز أَن يخفف عند بني تميم كما في عنق، وهو في الجمع لثقلة أَولى، وأَفْعِلة في جمع فَعْل شاذ كأنْجِدَة في نَجْد، وهو المكان المرتفع، قال الجوهري: هو جمع نُجُود جمع نَجْد، جمع فُعْول على أَفْعِلة تشبيهاً له بفَعُول بفتح الفاء فإِنه يجمع عليه كعَمُود وأَعْمِدة، وأَما نحو الْكَليب والمعيز فهو عند سيبويه جمع، وعند غيره اسم الجمع، فَفعيلَ في فعل أقل من فِعَلة. وفِعَلة أَقل من فِعْلان، بالكسر، وهو أَقل من فَعْلان بالضم وربما اقتصر في فَعْل على أَفْعل وأَفْعال في القلة والكثرة. كالاكف والارآد (1) واعلم أَن جمع القلة ليس بأَصل في الجمع، لأنه لا يذكر إِلا حيث يراد بيان القلة، ولا يستعمل لمجرد الجمعية والجنسية كما يستعمل له جمع الكثرة. يقال فلان حَسَن الثياب، في معنى حسن الثوب، ولا يحسن حسن الأثواب، وكم عندك من الثوب والثياب، ولا يحسن من الأثواب، وتقول: هو أَنبلَ الفتيان، ولا تقل أَنْبَلُ الفتية، مع قصد بيان الجنس قال: " ونحْوُ حِمْلٍ (2) عَلَى أَحْمَالٍ وحُمُول، وجاءَ علَى قِدَاحٍ (3) وأرجل
وصِنْوَانٍ وذُؤْبَانٍ وقِرَدَةٍ " أَقول: اعلم أَن ما كان على فِعْل فإِنه يجمع في القلة على أَفْعَال، في الصحيح كان أَو في الأجوف أَو في غيرهما، وربما كان أَفْعال لقلة وكثرة كأَخْمَاسٍ (1) وأَشْبَارٍ، قال سيبويه: وفي الكثرد على فُعُول وفِعَال، والفُعول أَكثر، وربما اقتصروا على واحد منهما في القليل والكثير معاً، فإِن كان أَجوف يائياً لزمه الْفُعُول كالفُيُول والْجُيُود، ولا يجوز الْفِعَال كما مر في فَعْل، وإِن كان واوياً لزمه الْفِعال ولا يجوز الْفُعول كريح ورِيَاح، كما ذكرنا في فَعْل، هذا الذي ذكرناهُ في فِعْل هو الغالب، وقد يجئ على أَفْعُل كأَرْجُل، وعلى فِعلان كصِنْوَان (2) وقِنْوَان (3) وبعضهم يضم فاءهما، وعلى فُعْلان كذُؤْبان وصُرْمان في صِرْم وهو القليل من الإبل، وعلى فعلة كقردة، وجاء فيه فعيل كضريس (4) قال: " ونحو قرة عَلَى أَقْرَاءِ وقُرُوءِ (5) ، وجَاء على قِرَطَة وَخِفَاف وفُلْكٍ، وبَابُ عُودٍ على عيدان "
أَقول: اعلم أَن فُعْلاً يكسر في القلة على أَفعال، في الأجوف كان أَو في غيره، وقد يجئ للقليل والكثير، نحو أَركان وأَجزاء، وقد شذ في قلته أَفعل كأَنْ؟ ؟ كُن، ويكسر في الكثرة على فِعَال وفعُول، وفُعول أَكثر كبروج وبرود وجنود، وفِعَال في المضاعف كثير كقِفَافٍ (1) وخِفافٍ وعِشَاشٍ (2) ، هذا هو الغالب في فُعْل. وقد يجئ فيه فعلة كقِرَطَة (3) وجِحَرة (4) وخِرَجة (5) ، وفُعْلٌ كفُلْك في فُلْك، قال تعَالى في الواحد: (فِي الفلك المشحون) وفي الجمع: (حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وجرين بهم) وذلك لأن فُعْلاً وَفَعَلاً يشتركان في أَنهما جُمعا على أَفْعال كصُلْب وأَصلاب وجمَل وأَجمال، وفَعَل يجمع في فعل كأسد وأسد، ففُعْل جمع عليه أَيضاً، وفُعْل وفَعَل يشتركان في كثير من المصادر، كالسُّقْم والسَّقَم والبُخْل والبَخَل، وفَعْل وفِعْل بفتح الفاء وكسرها وسكون عينهما كثيران في كلامهم فتصرف في تكسيرهما أَكثر من التصرف في باقي جموع الثلاثي، وفُعْل بالضم قريب منهما في الكثرة قوله " وباب عود على عيدان " يعني أَن فُعْلاً إذا كان أَجوف لا يجمع في الكثرة إِلا على فِعْلاَن كعيدان وحيتان، وأَما في القلة فعلى أَفعال كما هو قياس
الباب كأَكوَاز وأَكواب، ويشارك الأجوفَ في فِعْلان غيرهُ أَيضاً كحُشّ - وهو البستان - وحِشَّان، ويجمع حُشّان (1) بالضم على حَشَاشين كما جمع مُصْرَان وهو جمع مَصير على مَصَارِين، ولا يمتنع أَن يكون حِشَّان جمع حَشّ بالفتح، لأنه لغة في الحش بالضم كثور وثيران، والأول قول سيبويه. قال: " ونَحْوُ جَمَلٍ عَلَى أَجْمَالٍ، وَبَابُ تَاجٍ عَلَى تِيجَانٍ، وَجَاءَ عَلَى ذُكُورٍ وَأَزْمُنٍ وَخِربَانٍ وَحُمْلاَنٍ وجِيرَةٍ وَحِجْلَى " أَقول: أَعلم أَن ما كان على فَعَل فإِنك تقول في قلته أَفْعَال، في الأجوف أَو في غيره، نحو أَجْمَالٍ (2) وأَتْوَاجٍ وأَقْوَاعٍ (3) وأَنياب، وجاء قلته على أَفْعُل نادراً كأَزْمُن وأَجْبلُ وأَعْصٍ في عَصاً، ويجوز أَن يكون أَزمن جمع زَمَان كأَمْكُن في مَكَان، وذلك لحمل فَعَال المذكر على فَعَال المؤنث، فإِن أَفعُلَ فيه قياس، على ما يجئ، نحو عَنَاق (4) وأَعْنُق، وجاء في الأجوف اليائي أَنْيُب، وفي الواوي أَدْؤُر وأَنْؤُر (وأَسْوُق، قال يونس: إِذا كان فَعَل مونثا بغير تاء فجمعه على أَفعل هو القياس) (5) كما أَن فِعَالاً وفعيلاً إِن كانت مؤنثة
فقياسها أفعل كما يجئ، قال سيبويه: بل أَفْعُل فيه شاذ، وإِن كان مؤنثاً، ولو كان قياساً لما قيل روحي وأَرْحَاء وقَدَم وأَقدام وغَنَم وأَغْنَام، وتقول في كثرته فعلا وفُعُول في غير الأجوف، والْفِعَال أَكثر، وقد تزاد التاء كالحِجَارة والذِّكَارة والذُّكُورة لتأْكيد الجمعية، وأَما الأجوف فالقياس فيه الفِعْلاَن كالتِّيجَان والجيرَان والقِيعَان والسِّيجان (1) وقد جاء في الصحيح أَيضاً قليلا كالشِّبْثَان (2) وقد جاء في الأجوف فُعْل أَيضاً كالدُّور والسُّوق والنِّيب، كأَنهم أَرادوا أَن يُكسِّرُوا على فُعُول فاستثقلوا ضم حرف العلة في الجمع وبعدها الواو فَبَنَوْه على فُعْل، وجاء سُؤُوق أَيضاً على الأصل، لكنه همز الواو للاستثقال، وكل واو مضمومة ضمة غير إعرابية ولا للساكنين جاز همزها. فألزمت ههنا للاستثقال، وكذا جاء نُيُوب، وليس فُعُول فيه مستمراً، بل بابه فُعْل كما مر، وجاء في غير الأجوف فُعْل أَيضاً كأُسْد ووُثْن، وقال بعضهم: لفظ الجمع لابد أَن يَكون أَثقل من لفظ الواحد، فأُسْد أَصله أُسُود ثم أُسُد ثم أُسْد فخفف، والحق أن لا منه من كونه أَخف من الواحد كاحمر وحُمْر، وحِمَار (وحمُر) وغير ذلك، وأَصلُ نيبٍ فُعْل كالسُّوق قلبت الضمة كسرة لتصح الياء، وليس فعل من أبنية الجمع، ولم يَأْت في أَجوف هذا الباب فِعَال، كأَنه جعلَ فِعْلاَن عوض فِعَال وفُعْل عوض فُعُول، هذا الذي ذكرت قياس هذا الباب، ثم جاء في غير الأجوف فُعْلاَن أَيضاً كحُمْلاَن (3) وسُلْقَان في سَلَق وهو المطمئن من الأرض
وفعلان كخربان (1) وبرقان (2) وشبثان، وفعلة كجبيرة وقيعة وإِخْوَة، وفِعْلَى كحِجْلى (3) وهو شاذٌّ لم يَأْتِ منه إِلا هذا (4) ، وقال الأصمعي. بل هو لغة في الحَجَل، والصحيح أَنه جمع، ولم يَأْتِ في قلة المضاعف ولا كثرته إِلا أَفعال كأَمْدَاد (5) وأَفْنَان (6) ، وأَلْبَاب (7) ، كما لم يجاوزوا في بعض الصحيح ذلك كالأقْلاَم والأرسَانْ (8) والأغْلاَق (9) ، قال سيبويه: فإِن بنى المضاعف على فعل أَو فُعُول أَو فِعْلاَنَ (أَو فُعْلاَنَ) فهو القياس، ولم يذكر فيه شيئاً عن العرب، فلزوم فعل مفتوح العين لافعالى أكثر من
لزوم فَعْل ساكن العين لأفعُل، وذلك لخفة فَعْل وكثرته فتوسعوا فيه أكثر من توصعهم في فَعَل، ولذلك كان الشاذ في جمع فَعَل مفتوح العين اَقلَّ من الشاذ في جمع فَعْل ساكنه قال: " وَنَحْوُ فَخِذٍ عَلَى أفخاذ فِيهِمَا، وَجَاءَ عَلَى نُمُورٍ وَنُمُرٍ " أَقول: يعني أَن فَعِلاً المكسور العين يكسر في الكثرة والقلة على أَفْعَال، وذلك لأنه أَقل من باب فَعَل مفتوح العين بكثير، كما أَن فَعَلاً مفتوح العين أَقل من فَعْل ساكنه، والبناء إذ اكثر تُوُسع في جموعه، فلهذا جاء لمضاعف فَعْل ساكن العين بناء قلة وكثرة نحو صَكّ وأَصُكّ وصِكَاك وصُكوك، ولم يأْت لمضاعف فَعَل مفتوح العين إلا أَفعال في القلة والكثرة كأَمْدَاد وأَفنان وفَعِل بكسر العين أَقل من فَعَل بفتحها فَنقص تصرفه عنه بأَن لزم في جمعه أَفعال في قلة الصحيح وغيره وكثرتهما، وجاء نمور على التشبيه بباب الأسود، ونمر مخفف منه. قال: " ونحو عَلَى أَعْجَاز، وَجَاء سِبَاعٌ، وَلَيْسَ رَجْلَةٌ بتكسير " أَقول: اعلم أَن فَعُلاً بضم العين أَقل من فَعِل بكسرها، فهو أَولى بأَن يكون قلته وكثرته على لفظ واحد، وهو أَفعال، وقد يجئ على فعال كسباع ورجال، وذلك لتشبيهه بفَعَل مفتوح العين. قوله " رَجْلة " بفتح الراء وسكون الجيم " ليس بتكسير " بل هو اسم جمع، لأن فَعْلَة ليس من أَوزان الجموع وقياسه أَرْجَال كأَعجاز، رَجْلة للقليل، ورجال للكثير. قال: " وَنَحْو عِنَبٍ عَلَى أَعْنَابٍ، وَجَاءَ أَضْلُعٌ وضُلوعٌ "
أَقول: قال سيبويه: باب عنب أَكثر من باب عجز، وباب كَبِد أَكثر من باب عِنَب، وباب جبَل أَكثر من باب كبد، وباب بَحْر أَكثر من باب جَبَل، فباب عنَب على أَفعَال في القلة والكثرة، وقد يجئ في القلة على أَفْعُل كأَضْلُع، قال سيبويه: شبه بالأزمن في جمع الزَّمن، وقد يجئ في الكثرة الفعول كالضلوع والأرُوم (1) قال: " وَنَحْو إِبِلِ عَلَى آبَالٍ فيهما " أَقول: أَي في القليل والكثير، لِقلَّة فِعِل، وهو لغات معدودة كما ذكرنا. قال: " وَنَحْو صُرَد عَلَى صِرْدَانٍ فِيهمَا، وَجَاءَ أَرْطَابٌ وَرِبَاع فِيهِما " أَقول: أَي في القلة والكثرة، لما اختص قعلبنوع من المسميات، وهو الحيوان كالنُّغَرِ والصُّرَد (2) ، خَصُّوه بجمع، وأَيضاً كأَنه منقوصٌ من فُعَال كغُرَاب وغِرْبان. أَو مشبه به، وشذ منه رُبَع (وأرباع) (3) تشيها بجَمَل وأَجْمَال وجِمَال، لأنه منه، وأَمّا رُطَب وأرطاب ورطاب فليس رطب في الحقيقة من باب فعل الموضوع لواحد، لأنه جنس لرطبة، وأنه جَمْعها، ومثله مُصَع ومُصَعة لجَني الْعَوْسج (4) قال: " وَنَحْو عُنُقٍ عَلَى أعناق فيهما "
أَقول: قال سيبويه باب عُنق كباب عَضُد في القلة، وجمعه أَفعال في القلة والكثرة قال: " وامْتَنَعُوا مِن أَفْعُل في الْمُعْتلِّ الْعيْنِ، وأَقْوُسٌ وأَثْوَبٌ وأَعْيُنٌ وأَنْيَبٌ شاذٌّ، وامْتَنَعُوا مِنْ فِعَالٍ في الْيَاء دُونَ الْوَاوِ، كفُعُولٍ في الواو دون الياء، وفؤوج وشؤوق شَاذٌّ " أَقول: يعني أَن أَفْعُل لا يجئ في الأجوف من هذه الأمثلة العشرة المذكورة واوياً كان أَو يائيا، وفعالا لا يجئ في الأجوف اليائي من جميع الأمثلة المذكورة، وقد يجئ في الواوي كَحِيَاض وثِياب، وفُعُولاً يجئ في اليائي دون الواوي، كفُيُوح (1) وسُيُول، وقد ذكرنا ذلك في شرح جمع فَعْلٍ لما فرغ من جموع أَبنية الثلاثي المجرد إِذا كان اسماً مذكراً شرع في جموعها إِذا كانت مؤنثة بالتاء، فقال: " الْمُؤَنَّثُ: نحو قصْعَةٍ عَلَى قِصَاع وبُدُورٍ وبِدَرٍ وَنُوَبٍ، وَنَحْوُ لِقْحَةٍ عَلَى لِقَحٍ غَالِبَاً، وَجَاءَ عَلَى لِقَاحٍ وَأَنْعُمٍ، ونحْوُ بُرْقَةٍ عَلَى بُرَقٍ غَالِباً، وَجَاءَ عَلَى حُجُوز وبِرَامِ " أَقول: اعلم أَن فَعْلة تكسر في فِعالٍ غالباً في الصحيح وغيره، كقصاع
وركاء (1) ودِبَاب (2) ، وجاء على فِعَل وكأَنه مقصور فِعَالٍ نحو هَضبْةَ (3) وهِضَبٍ وحَلْقَةٍ (4) وحِلَقٍ، وقد جاء فيه فُعُول أَيضاً لأن فُعُولاً وفِعَالاً إِخوان في جمع فَعْلٍ مذكر فَعْلة إِلا أَن فُعُولاً ههنا قليل كمأَنة (5) ومُؤُون وبَدْرَةٍ (6) وبُدُور، وفي جمع فَعْلٍ كثير، لأن فَعْلاً أَخف من فَعْلة وأَكثر استعمالاً، فكان أَكثر تصرفاً، وإِنما غلب في فَعْلة فِعْالٌ دون فُعُول لأنه أَخف البناءين. وإِذا كان فَعْلة أَجوف واوياً فقد يجمع على فُعَلٍ كَدُوَلٍ ونُوَب (7)
وجُوَبٍ (1) وليس هذا قياسَ فَعْلة - بفتْح الفاء - بل هو محمول في ذلك على فُعْلة - بضمها - نحو بُرْقة وبُرَق ودُوْلَة ودُوَل، وقد جاء في ناقصه فُعَلٌ أَيضاً شاذاً كقَرْيَة وقُرًى، قال أَبو علي: وبَرْوَةٍ (2) وَبُرًى، قال: وهو الذي يجعل في أَنف البعير، والمعروف في هذا المعنى البرَة، وفي كتاب سيبويه نَزْوَةٌ (3) وَنُزًى - بالنون والزاي - ولا شك أَن أحدهما تصحيف الاخر
وإِذا كان أَجوف يائياً لم يجز ضم فائه في الجمع، بل يكسر كَحِيَم (1) وضِيَع (2) كما قيل في الصحيح هِضَب، وليس هذا بقياس، لا في الصحيح ولا في غيره، وأَما فِعْلة فإِنه يكسر على فِعَل، في الصحيح كان أو في غيره، ككِسَر وقِدَد (3) ولِحًى ورِشًى (4) وذكر غير سيبويه فُعَلاً بضم الفاء كلُحًى وحُلًى، والكسر فيهما أَجود، قال سيبويه: الجمع بالألف والتاء قليل في فِعْلة، في الصحيح كان أو في غيره، لأن إِتباع العين للفاء فيما يجمع هذا الجمع هو القياس، وفعل كإبل بناء عزيز، بخلاف فُعُلات كخُطُوات، إِذ نحو عُنُقٍ وطُنُب (5) كثير، فَلهذا كان استعمال فِعَل في القلة أَكثر وأَحسن من استعمال فُعَل فيها، فَثلاثُ كسَر أَقوى من ثلاث غُرَف، بل الأولى ثلاث غُرُفات مع جواز ثلاث غُرَف أَيضاً، قال سيبويه: ولا يكادون يجمعون بالألف والتاء في الناقص واوياً كان أَو يائياً، يعني مع الاتباع، فلو قلت
في رِشْوَة رِشوَات لانقلبت الواو ياء فاجتزءوا بِفعَل في القلة والكثرة، وقد عرفت أَن الكسر في الصحيح قليل، فكيف في المعتل، قال السيرافي: وأَما نحو فِرْيَة ولِحْية فيجوز كسر العين في جمعهما بالألف والتاء، لأنه لا ينقلب حرف إلى حرف. قلت: قال سيبويه أَولى لاستثقال الكسرتين مع الياء، وأَما المعتل العين فيجوز جمعه بالألف والتاء، إِذ يجب إِسكان عينه ولا يجتمع كسرتان نحو قِيمات ودِيمات (1) وقد جاء في فِعْلة فِعال كلِقاح (2) وحِقاق (3) ، كذا ذكره سيبويه، لكنه في غاية القلة، وذكر الجوهري أَن لِقاحاً جمع لَقُوح ومي الحَلُوب كقلاص وقلُوص (4) واللقحة بمعنى اللقوح، قال سيبويه: قد يجمع فِعْلة على أَفعل كأنْعُم وأَشُد في نِعْمة وشدَّة، وذلك قليل عزيز ليس بالأصل، وقيل: إِن أَشُدًّا جمع شَدّ في التقدير ككَلْب وأَكْلب أَو جمع شِدّ كذئْب وأَذْؤُب، ولم يستعمل شدٌّ ولاشد فيكون كأَبابيل (5) جمعاً لم يستعمل واحده، وقال المبرد: أَنعُم جمع نُعم على القياس، يقال: يوم بُؤْس ويوم نُعْم والجمع أَبَؤْسٌ وأَنْعُمٌ
وأَما فُعَلة - بضم الفاء - فعلى فُعَل غالباً، وقد يستعمل في القليل أَيضاً نحو ثلاث غُرَف، وهو قليل كما ذكرنا، وربما كسر على فِعَال في غير الأجوف كبِرَام وبِرَاق وجفار (1) وهو كثير في المضاعف كخِلال (2) وقِلال (3) وجِباب (4) وقِباب (5) ، ويقتصر في الأجوف على فُعَل كسُوَر ودُوَل، وأَما الحُجُوز في جمع حُجْزة (6) السراويل: أي معقدها، فشاذ
قال: " ونَحْوُ رَقبَةٍ عَلَى رِقَابٍ، وجَاءَ عَلَى أَيْنُقٍ وتِيَرٍ وبُدْنٍ، ونحْوُ معِدةٍ عَلَى مِعَدٍ، ونحوَ تُخَمَةٍ عَلَى تُخَمٍ " أَقول: أَعلم أَن فعَلةً كرقبة قياسه فِعال كرقاب ونِياق وإِماء، وجاء على أَفْعُل كآكُمٍ (1) في الصحيح وأَيْنُق (2) في الأجوف وآمٍ (3) في الناقص
وعلى فِعَل كتِيَر (1) وَقِيَم، وكأَن أَصله فِعال لقلبهم الواو ياء، وإِنما يكون ذلك قبل الألف كما يجئ في باب الإعلال، وجاء على فُعْل كبُدْن (2) وخُشْب (3) ونُوق ولُوب (4) وسُوح (5) ، وليس بالكثير، ويجوز في الصحيح ضم العين: إِما على أَنه فرع الإسكان، أَو أَصله، كما ذكرنا في أول هذا الكتاب وفعلة من الناقص كثير كقناة (6) وحصاة، وأكثر ما يستعمل في معنى الجمع منه محذوف التاء كالحصا والحصا والقنا والاضا (7) ، أو بالالف والتاء، وقد يجمع
على فعول كدوى (1) وصفي (2) في دواة وصفاة، وعلى فعال أيضا كإضاء وإماء، وجاء الاموال كالاخوان (3) وأَما الْفِعَلة - بفتح الفاء وكسر العين - كالمعدة، فيجمع بكسر الفاء وفتح العين، كالمِعَد والنِّقَم، قال السيرافي: ومثله قليل غير مستمر، لا يقال في كَلمة وخَلِفة (4) كِلَم وخِلَف، وإِنما جمع مَعِدة ونَقِمة على فِعل بكسر الفاء وفتح العين لأنهم يقولون فيهما عند بني تميم وغيرهم مِعدَة ونِقْمة ككِسْرة نحو كتِفْ في كتف، فجمعا على ذلك، فمِعَد ونِقَم في الحقيقة جمع فِعْلَة لا جمع فَعِلة، وأَما غيرهما نحو كلمة وخلفة فلا يجئ على وزن كِسْرة إِلا عند بني تميم وأَما فُعَلة نحو تخمة فعلى تُخم، شبهوا فُعَلة بضم الفاء وفتح العين بفعْلة بضم الفاء وسكون العين، فجمع على فُعَلٍ، وليس ذلك مما يكون الفرق بين جمعه وواحده بالتاء كالرُّطَبة والرُّطَب، لأن الرطب مذكر كالبر والتمر، ونحو
التُّخَم والتُّهَم مؤنث كالغُرف، وتصغير رُطَب رُطَيْب، وتصغير تُخَم وتهم لا يكون إِلا على تُخَيْمَات وتهيمات، بالرد إلى الواحد، فليسا إِذن كالرطب والمُصَع (1) إِذ هما جنسان كالتمر والتفاح (2) * قال: " وَإِذَا صَحَّ بَابُ تَمْرَةٍ قِيلَ تَمَرَاتٌ بالْفَتْحِ، والإِسْكانُ فيهِ ضَرُورَةٌ، والمُعْتلُ الْعَيْنِ سَاكِنٌ، وَهُذَيْلٌ تُسَوِّي، وَبَابُ كِسْرَةٍ عَلَى كِسَرَاتٍ بالْفَتْحِ والكسر، والعتل الْعَيْنِ والْمُعْتَلُّ الَّلام بالْواوِ يُسْكَنُ ويُفْتَحُ، وَنَحْوُ حَجْرَةٍ عَلَى حُجُرَاتٍ بالضَّمِّ والْفَتْحِ، والْمُعْتَلُّ الْعَيْنِ والْمُعْتَلُّ الّلام بالْيَاءِ يُسَكَّنُ وَيُفْتَحُ وقَدْ يُسَكَّنُ في تمِيم نَحوُ حُجُرَاتٍ وكِسِرَات، والْمُضَاعَفُ سَاكِنٌ في الْجَمِيع، وأما الصفات فَبِالإِسكانِ وقالوُا لَجَبَاتٌ ورَبَعاتٌ لِلمْحِ اسْمِيَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وحُكمُ أَرْضٍ وأَهْلٍ وعرس (3)
وعِيْرٍ (1) كَذلِكَ، وَبَابُ سَنَة جَاءَ فيهِ سِنُونَ وقلون وثبؤن وجَاءَ قُلُونَ وسَنَواتٌ وعِضَواتٌ وثُبَاتٌ وهنات. وجاء آم كآكُم " أَقول: قد مضى شرح جميع هذا في شرح الكافية *، فنقتصر على حل أَلفاظه
قوله " والمعتل ساكن " كَجَوْزَات وبَيْضات (1) ، لاستثقال الحركة
على الواو والياء المفتوح ما قبلهما. قوله " وهذيل تُسوِّي " أَي: تفتح في الأجوف كما تفتح في الصحيح، استخفافاً للفتحة، ولا تقلب الواو والياء ألفا، لعروض الحركة عليهما قوله " والمعتل العين والمعتل اللام بالواو يسكن ويفتح " أَما المعتل العين فنحو قِيمَات وريمات، ولا يكسر العين استثقالاً للكسرة على الياء المكسورة ما قبلها، وأَما الناقص الواوي فنحو رِشْوَات، ولا يكسر العين لئلا ينقلب الواو ياء فيلتبس، ولو خليت واواً لاستثقلت. قوله " والمعتل العين والمعتل اللام بالياء يكسن ويتفح " أما المتعل العين فنحو دُولات (1) ولا يضم العين للاستثقال، وأَما الناقص اليائي فلا يضم عينه، لاستثقال الياء المضموم ما قبلها لاماً، وإِن قلبت واوا اعتدادا بالحركة العارضة لالتبس بالواوي. قوله " وقد يسكن في تميم نحو حجرات وكسرات " بخلاف نحو تَمَرات، استثقالاً للضمتين والكسرتين اللتين هما أَكثر وأَظهر في هذين البابين. قوله " والمضاعف ساكن في الجميع " نحو شَدَّات وغُدَّات (2) ورِدَّات. وأَما الصفات فنحو صعبات وخلوات وعلجات (3) تسكن للفرق، وتسكينها
أولى من تكسين الأسماء، لأن الصفات أَثقل. قوله " لَجَبَات " (1) ورَبَعَات (2) لِلمْحِ اسْمِيَّةٍ أَصلية " لم أَر في موضع أَن لَجْبَة في الأصل اسم، بلى قيل ذل في ربعة.
قوله " وحكم أَرض " أَي أَن المؤنث بتاء مقدرة كالمؤنث بتاء ظاهرة، يجوز فيها الأوجه المذكورة. قوله " وباب سنة " أَي: إِذا كان فعَلة محذوف اللام يجمع بالواو والنون، جَبْراً لما حذف منها، وقد تغير أَوائلها بكسر ما انضم منها أَو انفتح. قوله " وسنوات وعِصَوَات (1) " أَي: قد يجمع بالألف والتاء مع رد اللام. قوله " ثبات (2)
[جمع التكسير للثلاثي الصفة]
وهنات (1) " أي: قد يجمع بالاف والتاء من غير رد اللام. قوله " وجاءآم كإِكم " هو أَفْعُل، وأَصله أَأْموُ، قلبت الواو ياء والضمة كسرة كما في أَدْلٍ (2) وحذفت الياء كما في قاضٍ، وقلبت الهمزة الثانية ألفاً كما في آمن. قال: " الصِّفَّة، نَحْوُ صَعْب عَلَى صِعَاب غَالِباً، وبَابُ شَيْخٍ عَلَى أَشْيَاخٍ، وجَاءَ ضِيفَانٌ ووُغْدَانٌ وكُهُولٌ ورِطَلَةٌ وشِيخَةٌ ووُرْدٌ وسُحُلٌ وسُمَحَاءُ، ونَحْوُ جِلْفٍ عَلَى أَجْلاَفٍ كَثِيراً، وأَجْلُفٌ نَادِرٌ، ونَحْوُ حُرّ عَلَى أَحْرارٍ " أَقول: اعلم أَن الأصل في الصفات أَن لا تكسر، لمشابهتها الأفعال وعملها عملها، فيلحق للجمع بأَواخرها ما يلحق بأَواخر الفعل، وهو الواو والنون، فيتبعه الألف والتاء، لأنه فرعه، وأَيضاً تتصل الضمائر المستكنة بها، والأصل أَن يكون في لفظها ما يدل على تلك الضمائر، وليس في التكسير ذلك، فالأولى أَن تجمع: بالواو والنون ليدل على استكنان ضمير العقلاء الذكور، وبالألف والتاء ليدل على جماعة غيرهم، ثم إِنهم مع هذا كله كَسَّروا بعض الصفات لكونها أَسماء كالجوامد وإن شابهت
الفعل، وتكسير الصفات المشبهة أَكثر من تكسير اسم الفاعل في الثلاثي، إِذ شبهها بالفعل أَقل من شبهة، وتكسير اسم الفاعل في الثلاثي أَكثر من تكسير اسم المفعول منه واسْمِ الفاعل والمفعول من غير الثلاثي، لأن الأخيرين أَكثر مشابهة لمضارعهما لفظاً من اسم الفاعل الثلاثي لمضارعه، وأَما اسم المفعول من الثلاثي فأُجْرِيَ لأجل الميم في أَوله مُجْرى اسمي الفاعل والمفعول من غير الثلاثي في قلة التكسير. ثم نقول: فَعْلٌ يُكسَّر في الغالب على فِعَال، ولا يكسر على أَفْعُلٍ، لأن للوصف في الأغلب موصوفاً يبين القلة والكثرة، والأصل في الجموع جمع الكثرة كما مر، والغالب في الأجوف اليائي أفعال كأَشْيَاخ، وقد جاء فعْلاَن بكسر الفاء في الأجوف وغيره كِضِيفَانٍ ووِغْدَان بكسر الواو، كما جاء في الاسم ئلان، وقد جاء فعلان كوغدان (1) ، كما جاء في الاسم ظُهْرَان، ويجوز أَن يكون نحو ضِيفَان وشيخَان في الأصل فُعْلاَن مضموم الفاء فكسِرَت لتسلم الياء، وجاء فيه ضُيُوف وشيوخ، دخل هنا فُعُول على فِعَال كما دخل في الأسماء نحو كِعَاب وكعوب، إلا أَن الاسم أَقعد في التكسير فكان التوسع فيه أَكثر، ففُعُول فيه أَكثر منه في الصفة، وقد جاء فيه فِعَلَة كرِطَلة في رَطْل، وهو الشابُّ الناعم، وجاء قعلة بسكون العين كشيخة، وجاء فعل نحو كث (2) وثط (3)
وجُون (1) وخِيلٍ (2) ووُردٍ (3) ، وجاء فُعُل بضمتين، والظاهر أَن أَحد البناءين فرع الآخر، نحو سُحْل وسُحُل (4) وصدُقُ اللقاء (5) ، وربما لا يستعمل إِلا أَحدهما، وقالوا سُمَحَاء تشبيهاً لفَعْل وهو الصفة المشبهة باسم الفاعل بفاعل، فسَمْح وسُمَحاء كعالم وعُلَماء، أَو شُبِّهَ فَعْل بفَعيل فكأنه جمع سميح ككريم وكرماء، وإِذا استعمل بعضها استعمال الأسماء نحو عَبْد جمع على أَفعْل في القلة فقالوا أَعبْدُ، فإِن سمي بفَعْل أَو بغيره من الصفات جمعت جمع الأسماء وأَما فِعْلٌ فإِنه يكسر على أَفْعَال نحو أَجْلاَف في جِلْف، وهو الشاة المسلوخة بلا رأَس ولا قوائم (6) ، وأَنْقَاض (7) وأَنْضَاء (8) ، وجاء أَجْلُف تشبيهاً بالأسماء كأَذْؤُب، وهو نادر في الصفات وأَما فُعْل فإِنه أَقل في الصفات من فِعْل، كما كان كذلك في الأسماء، ويجمع على ما جمع عليه فِعْل بالكسر كأَمْرَار وأَحْرَار، وفعل بالكسر أَقل من فَعْل بالفتح كما في الأسماء
قال: " ونحْوُ بَطَلٍ عَلَى أَبْطَالٍ وَحِسَانٍ وَإِخْوَانٍ وَذُكْرَان ونُصُفٍ، وَنَحْوُ نَكِدٍ عَلَى أَنْكَادٍ ووِجَاعٍ وَخُشُنٍ، وَجَاءَ وَجَاعَى وَحَبَاطَي وحَذَارَى، وَنَحْوُ يَقُظٍ عَلَى أَيْقَاظٍ، وَبَابُهُ التَّصْحِيحُ، وَنَحْوُ جُنُبٍ عَلَى أَجْنَابٍ " أقول: ظاهر كلام سيبويه أَن الغالب في تكسير فعل في الصفات فِعَال، قال: وكسَّروا عليه كما يكسر فَعْل عليه، فقد اتفقا فيه كما اتفقا في الأسماء نحو كَلْبِ وَكِلاَب وجَمَل وجِمال، قال: وربما كسروه على أَفعال، لأنه مما يكسر عليه فَعْل فاستغنوا به عن فِعَال، وأَما فِعْلاَن وفُعْلان كإِخْوَان وذُكْرَان فلاستعمال أَخ وذَكر استعمال الأسماء فهما كخِرْبَان (1) وحُمْلاَن (2) ، وكذا نُصُفٌ (3) بضمتين ونُصْف بسكون العين لكونه كالأسماء، وعده سيبويه في الأسماء، فهو كأَسَد وأُسد عنده، وما كان للمصنف أَن يعد الثلاثة في الصفات، لأنها إِنما كسرت عليها لاستعمالها كالأسماء من دون الموصوف، وفَعَل بفتح العين أَقل في الصفات من فَعْل بسكونها وأَما فَعِل فإِنه يكسر على أَفعال كأَنْكاد (4) ، فهو كأكباد في الأسماء واعلم أَن الأسماء أَشد تمكناً في التكسير، والصفات محمولة عليها، فإِذا اشتبه. عليك تكسير شئ من الصفات، فإِن كنت في الشعر فاحملها على الأسماء وكسِّرها تكسيرها، وإِن كنت في غير الشعر فلا تجمع الا جمع السلامة.
وأَما وِجَاع (1) فلحمل فَعِل بالكسر على فَعَل بالفتح كَحِسان، وقلَّ فيه فُعُل بضمتين كخُشُن، وهو محمول على الاسم كنُمُر. قوله " وجاء وَجَاعَى " فَعَالى كثير في جمع فَعُلاَن، وفي مؤنثه الذي هو فعلى نحو سكارى في سكران وسَكْرى، وليس بغالب، بل الغالب فيه فِعَال كغِرَاث (2) وجِياع في غَرْثان وغَرْثَى وجَوْعَان وجَوْعى، لكن لما شابه الألف والنون أَلف التأْنيث الممدودة نحو صحراء وقيامه في التكسير فعالى كما يجئ جُمع جمعه فحمل فَعل على فَعْلان المحمول على فَعْلاَء، وإِنما حمل فَعِل على فَعْلاَن لتشاركهما في باب فَعِل يَفْعَل في كثير من المواضع، نحو عَجِل وَعَجْلاَن وفَرِح وَفَرْحَان وَعَطِش وَعَطْشَان، وَالْحِبط: المنتفخ البطن من كثرة أَكل الربيع، وقالوا وَجْعَى أَيضاً في جمع وَجِع، مع أَن قياس فَعْلى أَن يكون جمع فعليل بمعنى مفعول كَقَتْلَى وَجَرْحَى، لكنه حمل وجع وميت وهالك وأَجرب ومريض وأَشباه ذلك عليه، لأن هذا أَمر يُبْتَلَوْن به إِذ دخلوا فيه وهم له كارهون، وفعيل بمعنى مفعول غالب في هذا المعنى كما يجئ، فلما كان معنى هذه الأمثلة معنى فعيل بمعنى مفعول كسرت تكسيره كما يجئ في موضعه، مثل وَجِع ووَجْعَى وهَرِم وهَرْمَى وضمن (3)
وَضَمْنَى وزَمِن وَزَمْنى (1) . قوله " ونحو يَقُظ (2) على أَيقاظ " ومثله نَجُد: أَي شجاع، وأَنجاد، قيل: لم يجئ في هذا الباب مكسر إِلا هاتان اللفظتان، والباقي منه مجموع جمع السلامة، وإِنما جمعا على أَفعال حملا لفَعُل على فَعِل لاشتراكهما كيقظ وندس (3)
وفطن (1) ، وقد جاء أَفعال في جمع فَعُل اسماً أَيضاً كعَضُد وأَعضاد وعَجُز وأَعجاز، وحكى أَبو عمرو الشيباني يقظ ويقاظ كما في الاسم نحو سَبُع وسِبَاع، وهو في فَعُل الاسمي قليل كما ذكرنا فكيف بالصفة التي هي أَقل تمكناً منه في التكسير؟ والحق أَن يقاظاً جمع يَقْظان لكون فِعَال غالباً في فعلان كعِطاش وَجِيَاع في عَطْشان وجَوْعان. قوله " ونحو جُنُب على أَجناب " فُعُل في الصفات في غاية القلة، فلا يكسر إِلا على أَفعال، وإِنما اختاروه لخفته، وحكى جِنَاب وَجُنْبَان. فأَوزان الثلاثي من الصفات التي جاء لها تكسير سبعة، وأَعم جموعها أفعال، فانه يجئ لجميعها كما ذكرنا، نحو أَشْيَاخ وأَجْلاَف وأَحْرَار وأَبْطَال وأَيْقَاظ وأَنْكَاد وأَجناب، ثم فِعَالُ لمجيئه لثلاثة منها، نحو صِعَاب وحِسَان ووِجَاع، وبواقي جموعها متساوية: أَما الأمثلة الثلاثة الباقية من الصفات ففُعَل كَحُطَمٍ (2) وخُتَع (3) وفِعِل كأَتان إِبِدٍ: أي ولود، وامرأة باز: أي ضخمة، ولا غيرهما (4)
وفِعَل كِسوًى (1) وعِدًى، (2) ولا غيرهما، (3) فلم يسمع فيها تكسير، وقولهم أَعداء جمع عَدُوّ كأَفْلاَء جمع (4) فلو، لا جمع عدى.
قال: " ويجمع الجميع جمع السَّلاَمَةِ لِلْعُقَلاَءِ الذكُورِ، وأَمَّا مُؤنَّثُهُ فَبِالأَلِفِ وَالتَّاءِ لاَ غَيْرُ، نَحْوُ عَبْلاَتٍ وَحُلْوَاتٍ وَحَذِراتٍ، ويَقُظَاتٍ، إِلاَّ نَحْوُ عَبْلَةٍ وَكَمْشَة فَإِنَّهُ جَاءَ عَلَى عِبَالٍ وَكِمَاشٍ، وقَالُوا عِلَجٌ في جَمْعِ عِلْجَةٍ " أَقول: قال سيبويه: يجمع فَعَلةُ نحو حَسَنَة على حسان، ولا يجمع على فِعَال إِلا ما جمع مذكره عليه، كما تقول في جمع حَسَن وحَسَنَة: حِسَان، ولما لم يُقَل في جمع بَطَل بِطال لم يقل في جمع بطلد أَيضاً، فكل صفة على فَعَل جمعت على فِعَال يجمع مؤنثها أَيضاً عليه، فهذا الذي قاله سيبويه مخالف قول المصنف. قوله " إِلا نحو عَبْلَة (1) " قال سيبويه: كل ما هو على فَعْلَة من الأوصاف يكسر على فِعَال نحو كَمْشَة وكِماشٍ، والكمش: السريع الماضي، وجَعْدَة وجِعَادٍ، (2) وذلك لكثرة مجئ هذا البناء، فتصرفوا في جمعه، وأَما عِلَج
[عود إلى جمع التكسير]
في جمع عِلْجَة فلجريه مجرى الأسماء نحو كِسْرَة وكِسَر، والْعِلْجُ: العظيم من حمر الوحش. قال: " وَمَا زيَادَتُهُ مَدَّةٌ ثالِثَةٌ في الاسْمِ نَحْوُ زَمَان عَلَى أَزْمِنَةٍ غَالِباً، وجاء قُذُلٌ وغِزْلانٌ وعُنُوقٌ، ونَحْوُ حِمَارٍ على أَحْمِرَةٍ وحُمُرٍ غالباً، وَجَاء صِيرَانٌ وَشَمَائلُ، ونَحْوُ غُرَاب عَلَى أَغْربَةً، وجَاءَ قرد وغربان وزقان، وَغِلْمَةٌ قَليل، وذُبُّ نَادِرٌ، وجَاءَ في مؤنَّثِ الثَّلاَثَةِ أَعْنُقٌ وَأَذْرُعٌ وأعقب، وأمكن شاذ " أَقول: اعلم أَن أَفْعِلة مطرد في قلة فَعَال، كأَزمنة وأَمكنة وأَفْدِنةٍ (1) وأقْذِلة (2) ، وقد يكون في بعض الأسماء للكثرة أَيضاً، كأَزمنة وأَمكنة، والغالب في كثرته فُعُل كقُذُل وفُدُن، وإِن شئت خففته في لغة تميم بإِسكان العين، وما كان منقوصاً كسماء وأَسمية، وهو المطر، ودواء وأَدوية، اقتصر في قلته وكثرته على أَفْعِلة كراهة التغير الذي يتأَدى الأمر إِليه لو جمع على فُعُل، إِذ كانوا يقولون سُم ودُوٍ، كأَدلٍ، فيكون الجمع الكثير على حرفين، فإِن قيل: فهلا خففوا بإِسكان العين كما في عنق، حتى لا يؤدي إِلى ما ذكرت، قيل: التخفيف ليس في كلام جميع العرب، وليس بلازم أَيضاً في كلام من يخفف، وأيضا فالمخفف
في حكم المثقل، إِلا ترى إِلى قولهم قَضْوَ الرَّجُل، بالواو التي كانت بدلاً من الياء للضمة، كيف بقيت مع حذف الضمة. قوله: " وغِزْلاَن " جاء فِعْلاَن في فَعَال، وليس من بابه، لكنه لتشبيه فَعَال بفُعَال كغِربْان وحيرَان، في غُرَاب وحُوَار (1) . قوله " وعُنُوق " ليس هذا موضعه، لأن الْعَنَاق مؤنث، وهو الأنثى من ولد المعز، يقال في المثل: " العنوق بعد النوق (2) " في الى يفتقر بعد الغنى، وقد أَورده سيبويه على الصحة في جمع فَعَال المؤنث، قال: حق فعال في المؤنث أَفعُل كعَنَاق وأَعنق، لكن فُعُولاً لما كان مؤاخياً لأفُعل في كثير من المواضع، إِذ هو في الكثير كأَفْعُل في القليل، جمعوه في الكثير على عنوق، وكذا قالوا في سماء بمعنى المطر: سُمِيٌّ، لأنه يذكر ويؤنث، يقال: أَصابتنا سماء: أَي مطر. قوله " ونحو حِمَار على أَحمرة " فِعَال وفَعَال يتساويان في القليل والكثير، إِذ لا فرق بينهما إِلا بالفتحة والكسرة المتقاربتين، فأَحْمِرَة للقلة، وحُمُر للكثرة وقد يخفف فُعُل في تميم، وقد يستغنى بجمع الكثرة عن جمع القلة، نحو ثلاثة جُدُر وأَربعة كُتُب، ولا يقال: أَجْدِرَة، ولا أكتبة، والمضاعف منه
لا يجئ إلا على أَفعِلَة في القلة والكثرة، نحو خِلاَل (1) وأَخِلَّة، وعِنَان (2) وأَعِنَّة، لاستثقالهم التضعيف المفكوك، ولا يجوز الادغام لما يجئ في بابه، وكذا الناقص واوياً كان أو يائيا، لا يجئ إلا على أفعلة كما ذكرنا في فَعَال بفتح الفاء، قال سيبويه: وَفَعَال بفتح الفاء في جميع الاشياء بمنزلة فعال بالكسر، والاجوف الواو منه مسكن العين: كأَخْوِنَة (3) وخون، وأَبْوِنة (4) وبُون، استثقلت الضمة على الواو، وقد يضطر الشاعر فيردها إِلى أَصله من الضم قال: 56 - عَنْ مبرقات بالبرين وتب * - دو بِالأَكُفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ (5) وإن كان الأجوف يائياً بقيت الياء مضمومة، إِذ الضمة عليها ليست في ثقل الضمة على الواو، فيقال في جمع عِيَان، وهو حديدة الْفَدَان: " عُيُن " كما قالوا في
بَيُوض: بُيُضٌ (1) ومن خفف من بني تميم كسر الضم لتسلم الياءُ، فتقول: عينٌ، كما قالوا بيضٌ في جميع أَبيض، وجاء فيه فِعْلان كصيرَانٍ في صِوَار، وهو القطيع من بقر الوحش، حملاً على فُعَال، لأن فِعْلاَن بابه فُعَال بالضم، وما حمل عليه من فُعَل كصِرْدان ونِغْرَان (2) كما ذكرنا قوله " وَشمَائل " ليس هذا موضع ذكره كما قلنا في عُنٌوق، لأن شمالاً مؤنث بمعنى اليد، والقياس أَشْمُل كأَذرع، وفعائل في جمع فِعَال جمع لم يحذف من مفرده شئ، فشمال وشَمَائل كقِمَطْر (3) وقَمَاطر، وهو جمع ما لحقته التاء من هذا المثال كرسالة ورسائل، ولما كان شِمَال في تقدير التاء جعل كأن التاء فيه ظاهرة فجمع جمعه قوله " ونحو غُرَاب على أَغربة " وهو يساوي في القلة أخويه (4) : أي
يجمع على أَفعلة كأَغْرِبَة وأَخْرِجَة (1) وأَبْغثَة (2) وبابه في الكثير فِعْلاَن كغِلْمان وخِرْجَان وغِرْبَان وذِبَّان (3) وجاء على فُعْلاَن مضموم الفاء لغتان فقط وهما حُوران وزُقَان، في حوار وزقاق، والباقي مكسورها، وقد يقتصر في بعض ذلك على أفعلة للقلة والكثرة كأَفئِدَة، وقد يحمل فُعَال بالضم على فِعال بالكسر لتناسب الحركتين، فيقال قُرُد في قُرَاد كَجُدُر في جِدَار، وهو قليل نادر، ومثله ذُبٌّ وأَصله ذُبُبٌ، والإدغام بناء على مذهب بني تميم في تخفيف نحو عنق وإِلا فحق فُعُل أَن لا يدغم كما يجئ في باب الإدغام، وأَما عِلْمة فنائب عن أَغلمة لتشابههما في كونهما للقلة في اللفظ، والدليل على نيابته عنه أَنك إِذا صغرت غِلْمة رجعت إِلى القياس نحو أُغَيْلِمة، وجاء في فعال فواعل شاذا، كدواخن وعواثن، في دُخَان وعُثَان، بمعناه، وليس لهما ثالث قوله " وجاء في مؤنث الثلاثة أَفْعُل " فرقوا بين مذكرها ومؤنثها، ولما كان تاء التأْنيث فيها مقدراً كما في العدد القليل نحو ثَلاَث وأَربع جمعوها جمع القلة غالباً، وأَثبتوا التاء في جمع قلة المذكر فقالوا أَفعلة، وحذفوها في جمع قلة المؤنث فقالوا أَفْعل، كما في العدد، وإِذا ظهر التاء في الأمثلة الثلاثة كجمالة (4)
وذؤابة (1) وصَلاَية (2) لم يكسر جَمْعَ (القلة) إِذ لا يشابه العدد القليل في تقدير التاء، بل يجمع: إِما بالألف والتاء، أَو يكسر على فعائل أفعل كما يجئ قوله " وأمكن شاذ " ويجوز أَن يكون أَزمن مثله مع زَمَان لا جمع زمن، وإِنما جاز جمعهما على أَفْعُل لحملهما على فَعَال المؤنث مع تذكيرهما، كما حمل شِمَال المؤنث المجرد عن التاء على ذي التاء نحو رِسَالة فقيل شَمَائل كرَسَائل، وحمل أَيضاً على فِعَال المذكر فقيل شُمُل، قال: 57 - * في أَقْوُسٍ نَازَعَتْها أَيْمُنٌ شُمُلاَ (3) وكذا حُمل فُعَال المؤنث كعقاب على المذكر نحو غُرَاب فقيل: عِقْبَان كغِرْبَان
ومؤنث فَعِيل المجرد عن التاء كمؤنث الثلاثة المذكورة، نحو يَمين وأَيْمُن، وقد كسر على أَيمان أَيضاً، لاشتراك أَفْعُل وأَفْعَال في كثير من أَبواب الثلاثي كأَفرخ وأَفراخ قال: " وَنَحْوُ رَغِيفٍ عَلَى أَرْغِفَةٍ وَرُغُفٍ وَرُغْفَانٍ غَالِباً، وَجَاءَ أَنْصِبَاءُ وَفِصَالٌ (1) وأَفَائِلُ، وَظِلْمَانٌ قَلِيلٌ، وَرُبَّمَا جَاءَ مُضَاعفُهُ عَلَى سُرُرٍ، وَنَحْوُ عَمُودٍ عَلَى أَعْمِدَةٍ وعمد، وَجَاءَ قِعْدَانٌ (2) وَأَفْلاَءٌ وَذَنَائِبُ " أَقول: اعلم أَن فعيلاً مثل فَعَال في أَن الزيادة فيه مدة ثالثة، وفي عدد الحروف، فقلْته كقلتها، نحو أجربة (3) وأقفزة (4) وأَرْغِفَة، وأَما صِبْيَة فنائب عن أَصْبِيَة كما قلنا في أَغْلِمة، ولهذا يصغر (صِبيَةٌ) على أصيبيد ويكسَّر في الكثرة على فُعُل كما يكسر فَعَال بفتح الفاء وكسرها عليه، نحو قُذُل وحُمُر، وذلك نحو قُضُب (5) وعُسُب (6) ورُغُف وسُرُر، ويكسر على فُعْلاَن أَيضاً
وهو في الغلبة كفُعُل سواء، نحو رُغْفَان وكُثْبان (1) وقُلْبان (2) وربما كسر على أَفْعِلاء كأَنْصِبَاء (3) وأخمساء، وعلى فِعَال أَيضاً كإِفالٍ (4) تشبيهاً بفَعِيل في الوصف نحو ظِرَاف ورام، وأَما أَفائل (5) ونظائره فلحمل فعيل المذكر على فَعِيلة ذي التاء كما حمل عيلة على فعيل المذكر في نحو صُحُف وسفُن جمع صحيفة وسفينة قوله " وظِلْمَان (6) قليل " حكى أَحمد بن يحيى ظَلِيم وظلْمان وعَرِيض - وهو التيس - وعِرْضَان، وجاء صبي وصِبْيَان، وقال بعضهم في ضَرِير (7) : ضِرَّان، والضم فيه أَشهر قوله " وربما جاء مضاعه " يعني أَن الأصل أَن يكسر على فعل - بضمتين، ولكن حكى أَبو زيد وأَبو عبيدة ن ناسا فتحوا عين سرر فقالوا: سُرَر، والأشهر الضم وجاء شاذاً في فعيل المذكر أَفعُل حملاً على المؤنث، قال: 58 - * حَتَّى رَمَتْ مَجْهُولَهُ بالأَجْنُنِ (8) *
قوله " ونحو عَمُود " فَعُول يكسر في القلة على أَفْعِلة كفَعيل سواء، والغالب في كثرته فُعُل وفُعْلان في غير الناقص الواوي، كما في فَعيل، وأَما الناقص فبابه أَفْعال كأَفْلاء وأَعْداء، وجاء فيه فُعُول قليلاً، نحو فُلِيٌّ بضم الفاء وكسرها، وإِنما لم يقولوا فيه فُعُل بضمتين لما ذكرنا في باب سماء ورداء، ولم يجئ أَيضاً فُعْلان كُفلْوان للاستثقال، وحق باب عَدُوّ أَن يجمع بالواو والنون، لكنه لما استعمل الأسماء كسر تكسيرها، والمؤنث منه فعائل كذَنُوب (1) وَذَنَائب، ويجمع على فُعُل، فصار فَعُول في المؤنث مخالفا لفعال وفعيل
مؤنثات، وذلك لأنه أُلحق بذي التاء، أَعني فعولة، في الجمع لكونه أَثقل من أَخواته بسبب الواو، فكأَن مؤنثه المجرد عن التاء ذو تاء نحو تَنُوفة وتَنَائف (1) ، بخلاف الأربعة المذكورة، وقيل في قَدُوم وهو مذكر: قَدَائم (2) ، تشبيهاً بالمؤنث نحو ذَنُوب، والأصل الْقُدُم، كما جاء في نظير نَظَائر، وهو شاذ، قال علي رضي الله تعالى عنه: حتى صرتُ أُقْرَنُ إِلى هذه النظائر، وإِن اتفقت التاء في الأمثلة المذكورة، نحو رِسَالة وتَنُوفة وجُفالة (3) وكَتِيبة (4) وكَفَالة، فلا يكسر إِلا على فعائل، ولم يذكره المصنف، وإذا سمى بشئ من هذه الأبنية ولم يعلم تكسيرها كسرت على القياس، كما تقول مثلاً في بَهَاء وَنِدَاء علمين: أَبهية وأَندية، وقس عليه قال: " الصفد. نحو جَبَانٍ عَلَى جُبَنَاء وَصُنُع وجِيَاد، ونَحْوُ كناز على
كنز وهجان، ونَحْوُ شُجَاع عَلَى شُجَعَاءَ وشُجْعَانٍ وشِجْعَةٍ، وَنَحْوُ كريم على رماء وكِرَامٍ وَنُذُرٍ وَثُنْيَانٍ وَخِصْيَانٍ وَأَشْرَافٍ وَأَصْدِقَاءٍ وَأَشِحَّةٍ وظُرُوفَ، ونَحْوُ صَبُورٍ عَلَى صُبُرٍ غَالِباً، وَعَلَى وُدَدَاءَ وَأَعْدَاء " أَقول: جعل سيبويه فُعُلاً هو الأصل في جمع فَعَال الصفة، قال: فَعَالٌ بمنزلة فعول، قالوا: جَمَاد وجُمُد كصَبُور وصُبر، وجاء في بنات الواو فُعْل بسكون العين نحو نَوَار (1) ونُور وَعَوَان (2) وعُون، سكن والأصل الضم، ثم قال سيبويه: رجل جَبَان وقوم جُبَنَاء، شبهوه بفَعِيل لكونه مثله في الصفة والزنة والزيادة، وأَيضاً يمتنع مثلهُ من التاء، وقال بعضهم: امرأَة جبانة، فعلى هذا لا يمتنع جمعه بالواو والنون، فجبناء كظُرَفاء، وجاء على فِعَال قليلاً كَجَواد للفرس وحِيَاد قوله " ونحو كِنَاز " هو المكتنز اللحم، يستوي فيه المذكر والمؤنث، نحو ناقة كِنَاز وجمل كِنَاز، وكذا رجُل لكَاك: أَي قليل اللحم، وامرأَة لِكَاك، وجمل دِلاَث، وهو السريع السير، وناقة دلان، وجمعه كجمع فَعَال بالفتح على فُعُل في الغالب قوله " وهِجَان " هذا هو مذهب الخليل وسيبويه، تقول: هذا هجان: أَي كريم خالص، وهذان هجانان، وهؤلاء هجان، شبهوا هجاناً الواحد بفَعيل، فكما يجمع فَعيل على فِعَال ككريم على كِرَام جمعوا فِعالاً على فِعَال، ففعال في المفرد ككتاب وفي الجمع كرجال، وذكر الجرمي هذا هِجان وهذان هجان
وهؤلاء هجان، المفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد، لجريه مجرى المصدر، وفي دِلاَص ما في هجان من المذهبين، وكذا شِمَال في الأسماء بمعنى الطَّبْع واحد وجمع، كما قال أَبو الخطاب (1) ومنه قوله 59 - وما لومي أخي من شماليا (2) أي: من شمائلي، ويجمع شِمَال على شمائل، كجمع هِجَان على هَجَائن، حملاً للمذكر على المؤنث، ويجوز أن يكونا جمعين لمفردين وللجمعين قوله " ونحو شُجَاع على شجَعَاء وشُجْعَان " قال سيبويه: فُعَال بمنزلة فَعِيل، لأنهما أَخوان في بعض المواضع، نحو طُوَال وطَوِيل وبُعاد وبَعِيد وخُفاف وخَفيف، ويدخل في مؤنثه التاء كما يدخل في مؤنث فعيل، نحو امرأَة طَويلة وطُوَالة، فلما كان بمعناه وعديله جمععلى فعلان وفعلاء كما يجمع فعليل عليهما هذا قوله، والظاهر أَن فُعَالاً مبالغة فَعيل في المعنى، فطول أَبلغ من طُوِيل، وإِذا أَردت زيادة المبالغة شَدَّدْتَ العين فقلت طوال
قوله " ونحو كريم على كُرَمَاء وكرام " هذا غالبان فيه، والمضاعف من فَعِيل يكسر على أَفْعِلاَء بدلَ فُعَلاء نحو شَدِيد وَشِدَاد وأَشِدَّاء وشَحِيح وشِحَاح وأَشِحَّاء استثقالاً لفك الإدغام لو قالوا شُحَحَاء، وأَفْعِلاء في الصحيح قليل كأصدقاء، وقد يكسر المضاعف على أَفْعِلَة أَيضاً، إِذ هو نظير أَفْعِلاَء، إِلا أَن بدل أَجْربة وأَكْثِبة، وكذا عدلوا في الناقص الواوي واليائي من فُعلاَء إِلى أَفعلاء كأَغْنِياء وأَشْقِياء وأَقْوِياء، استثقالاً لفُعَلاء في مثله، قالوا: وشذ تقي وتُقَوَاء، ولما شذ غيروا الياء فيه إِلى الواو، وحكى الفراء سَرِيّ وسُرَوَاء وأَسْرِياء (1) ، وما كان في هذا البناء من الأجوف، واوياً كان أَو يائياً، فلا يبنى على فُعَلاَء وعلى أَفْعِلاء، بل عَلى فِعَال كطِوَال وقِوَام، في طويل وقويم (2) وكسر فَعِيلٌ على فُعُل تشبيهاً بفَعيل الاسمي، وذلك نحو نُذُر وجدد (3) وسدس (4)
كما قيل في الاسم: كُثُب، وكذا قيل في المضاعف: لذُذٌ ولُذٌّ (1) ، على حد رُسُل ورُسْل، ومثل ذلك في الناقص اليائي ثَنيٌّ وثُنٍ (2) والأصل ثُنُيٌ كسُدُس، وقد يخفف فيقال ثُنْي كسُدْس وكسر على فُعْلاَن كثُنْيان وشُجْعَان، تشبيها بالاسم كجريان (3) ورُغْفَان وعلى فِعْلاَن كخِصْيَان تشبيهاً بظِلمان وجاء فيه أَفعال كَشرِيف وأَشْرَاف وأَبِيل وآبال (4) تشبيهاً بشَاهد وأَشْهَاد وصاحب وأَصحاب، لأن فعيلاً وفاعلا متساويان في العِدَّة والزيادتين مع اختلاف موضعيهما في البناءين وأَما ظُرُوف فقد قال الخليل: هو جمع ظَرْف بمعنى ظريف، وَإِن لم يستعمل ظرف بمعنى ظريف، إِلا أَن هذا قياسه، كما أَن مذَاكير جمع مِذكار بمعنى ذكَرٍ، وإِن لم يستعمل، وقال الجرمي: ظُرُوف جمع ظَريف، وإِن كان غير قياسي، قال: والدليل على أنه جمعه أنك إذا صغرته قلت: ظريفون. أقول: ولا
دليل فيما قال، لما ذكرنا في بابَ التصغير أَن مَشَابه (1) يصغر على شُبَيْه، وإِن كان خالف فيه أَبو زيد وقالوا في سَريّ: سَرَاة، والظاهر أَنه اسم جمع لا جمع، كما يأتي وقد جاء شى من فعيل بمعنى فاعل مستوياً فيه المذكر والمؤنث، حملاً على نعيل بمعنى مفعول، نحو جدَيد، وسَدِيس، وريح خَرِيق (2) ، ورحمة الله قريب، ويلزم ذلك في سَدِيس وخريق. قوله " ونحو صبور على صُبُر غالباً " سواء كان للمذكر أَو للمؤنث، ويستوي في هذا البناء المذكر والمؤنث، والتاء في فَرُوقه (3) وملولة (4) للمبالغة، فمن يقال فروقة قال فَرُوقات، ومن قال فروق قال في جمعه فُرُق، كما ذكرنا في شرح الكافية في باب الجمع. وقد يجمع مؤنث فعول المجرد على فَعَائل كعجُوز وعَجَائز وقلوص وقلائص ونجدود وجَدَائد (5) وذلك لأن علامة التأْنيث فيه مقدرة، فكأَنه فعولة كما ذكرنا في فَعِيل الاسمي، وفَعَائل أَكثر فيه من فُعُل، ولا سيما فيما اختص بالمؤنث
كقلوص وجَدُود، ولا يجمع فَعُول جمع السلامة كما ذكرنا في شرح الكافية وقالو: صَفِيٌ، للناقة الغزيرة وصفَايا، فيجوز أَن يكون فَعُولاً جمع عَلَى فعائل كقلوس وقَلاَئص، وأَن يكون فعيلاً حمل على فعيل لكونه مؤنثاً وقالوا: وُدَدَاء، في جمع وَدُود، وهو شاذ من وجهين: أَحدهما أَن فَعُولاً لا يجمع على فُعَلاء بل هو قياس فعيل، لكنه شبه به لموافقته له حركة وسكوناً، والثاني أَن المضاعف لا يأْتي فيه فُعَلاَء في فعيل أَيضاً، بل أَفعلاء نحو شديد وأَشِدَّاء، لكنه لما شذ الشذوذ الأول احتملوا الثاني، فصاروا وُدَدَاء كَخُشَشَاء (1) في الاسم المفرد، وإِنما أَدخلوا التاء عَدُوَّة وإِن كان يستوي المذكر والمؤنث في هذا البناء حملاً له على صديقة، وقالوا في الجمع عَدُوٌّ وصَدِيق، قال تعالى: " فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لى) وقال الشاعر: 60 - * ودعها فما النجوى مِنْ صَدِيقِها (2) * وجمع عَدُوَّ على أعداء، وإن لم يكن بابه، لاستعماله استعمال الأسماء كما مر قبل
قال: " وَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ بَابُهُ فَعْلَى كَجَرْحَى وَأَسْرَى وَقَتْلَى، وَجَاءَ أُسارَى، وشذَّ قُتَلاَء وَأُسَرَاء، وَلاَ يُجْمَعُ جَمْعَ الصَّحِيح، فَلاَ يُقَالُ جَرِيحُونَ وَلا جَرِيحَات لِيَتَمَيَّزَ عَنْ فعيا الأَصْلِ، وَنَحْوُ مَرْضَى مَحْمُولٌ عَلَى جَرْحَى، وَإِذَا حملُوا عَلَيْهِ هَلْكَى وَمَوْتَى وجَرْبَى فِهذَا أَجْدَرُ كَمَا حملوا أيامى ويتامى على وجاعى وَحَبَاطَى " أقول: اعلم أن فَعيلاً إذا كان بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، إلا إذا لم تجر على صاحبها، كما مضى في شرح الكافية (1) ، وليس يجمع كل
فَعِيل بمعنى مفعول على فَعْلَى، بل إنما يجمع عليه من ذلك ما كان متضمناً للآفات والمكاره التي يُصَاب بها الحي، كالقتل وغيره، حتى صار هذا الجمع يأتي أيضاً لغير فَعِيل المذكور إذا شاركه في المعنى المذكور كما يتبين، فإن أتى شئ منه بغير هذا المعنى لم يجمع هذا الجمع، نحو رجل حَميد، ومنه سَعِيد في لغة من قال سُعِدَ - بضم السين على بناء ما لم يسم فاعله (1) فلا - يقال: حَمْدَى ولا سَعْدَى، وكذلك لا يقال فَعْلَى في جمع ما انتقل إلى الاسمية من هذا الباب وهو ما دخله التاء، كالذَّبيحة والأكيلة والضَّحية والنَّطيحة، وإنما قلنا انتقلت إلى الاسمية لأن الذبيحة ليست بمعنى المذبوح فقط حتى يقع على كل مذبوح كالمضروب الذي
يقع على كل من يقع عليه الضرب، بل الذبيحة مختص بما يصلح للذبح ويُعَدّلة من النعم، وكذا الأكيلة ليس بمعنى المأكول، إذ لو كان كذا لكان يسمى الخبز والبقل أكيلة إذا أكل، بل الأكيلة مختص بالشاة، وكذا الضحية مختص بالنعم، والرَّميَّة بالصيد، والنطيحة بالشاة الميتة بالنطح، وليس كل منطوح أو كل شاة منطوحة نطيحة، فهذه هي العلة في خروجها عن مذهب الأفعال إلى حيز الأسماء بسبب اختصاصها ببعض ما وقعت عليه في الأصل وغلبتها فيه، كما قلنا في الآلة نحو المُنْخُل وَالْمُدْهُن والْمُسْعُط، والموضع كالمَسْجِد، والدليل عليه أن نحو الذبيحة والأكيلة ليس بمعنى اسم المفعول، لأن حقيقة اسم المفعول هو ما وقع عليه الفعل وأما ما لم يقع ويقع بعد عليه فالظاهر أن اسم المفعول فيه مجاز (1) ، فالمضروب ظاهر فيمن وقع عليه الضرب لا فيمن سيضرب أو يصلح للضرب، والأكيلة ما يعد للاكل وإن لم يؤكل، والضحية كالمنخل والمدهن والمسجد، ونحوه مما ذكرنا قبل، وأيضاً اسم المفعول في الحقيقة هو ما وقع عليه الفعل (1) والذبيحة
والأكيلة والنطيحة ما سيذبح وسيؤكل، وكذا الضحية ما يصلح للتضحي وإن لم يضح به بعد، ومثله الْقَتُوبَة (1) والحلوبة لما يصلح للقَتَب والْحَلْب، فلما خرجت الكلمات المذكورة من حير الصفات إلى حيز الأسماء لم تجمع على فَعلى، وما لم يخرج منه من هذه الأسماء جاز جمعه على فَعْلى، كما حكى سيبويه شاة ذَبِيح وغَنَم ذَبْحى، فيما ذُبح فإذا تقرر هذا قلنا: أصل فَعْلَى أن يكون جمعاً لِفَعيل في معنى مفعول بمعنى مصاب بمصيبة، ثم حمل عليه ما وافقه في هذا المعنى، فأقرب ما يحمل عليه فَعِيل بمعنى الفاعل، نحو مَرِيض ومَرْضَى، لمشابهته له لفظاً ومعنى، ويحمل عليه فَعِل كَزَمِنٍ وَزَمْنَى، وَفَيْعِل كميِّت ومَوْتَى، وأفْعَلُ كحَمْقَى وجَرْبى، وفاعل كهلكى، وفلان كرجل سكران وقوم سَكْرى ورجل رَوْبَان (2) ، وهو الذي أثخنه
السفر، وقوم رَوْبَى، ولا يبعد أن يكون سَكْرى ورَوْبى في مثل هذا الموضع مفرداً مؤنثاً لِفعَلان، وذلك لأن مؤنث فَعْلاَن الصفة من باب فَعِلَ يَفْعَلُ قياسه فَعْلَى وصفة المفرد المؤنث تصلح للجمع المؤنث والقوم يؤنث كقوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ) وأما قولهم كَيْسَى (1) فمحمول على الحمقى، بالضدية، وليس هذا الحمل مطرداً، فلا يقال بَخْلَى ولا سَقْمَى قوله " كما حملوا أيامى ويتامى على وجَاعى وحَبَاطى " اعلم أن أصل فَعَالَى في جمع المذكر أن يكون جمع فَعْلاَن فعلى كما يجئ، نحو سكران وسكارى، وفَعْلاَن كما مر في باب الصفة المشبهة بابه فَعِلَ يَفْعَلُ مما يدل على حرارة الباطن والامتلاء، وفَعِلٌ من هذا الباب فيما يدل على الهيجانات والعيوب الباطنة، فلما تقارب معناهما واتّحد مبناهما، أعني باب فعِلَ يَفْعَل، تشاركا في كثير من
المواضع، نحو عَطِشَ وعَطْشَان وصَدٍ وَصَدْيَان وعَجِلٍ وعَجْلاَن، ثم حمل فَعِل في بعض المواضع في الجمع على فعلان، فقيل في جمع وَجِعٍ وحَبِطٍ: وَجَاعَى وَحَبَاطَى، حملاً على نحو سكران وسكارى وعرثان وغراثى، ثم شارك أيِّم ويتِيمٌ باب فَعِلَ من حيث المعنى لان الايمة واليتم لابد فيهما من الحزن والوجع، ويقربان أيضاً منه من حيث اللفظ، فجمع على أيَامَى وَيَتَامى، فهما محمولان على فَعِلٍ المحمول على فَعْلاَن، وفي الكشاف: أصل أيَامَى ويَتَامى يتائم وأيائم فقلب (1) ، وليس بوجه، لأن إبدال الياء ألفاً في مثله نحو
مَعَايا (1) جمع مُعْيٍ شاذ كما يجئ في هذا الباب، وأيضاً جَمْع فعيل المدكر
صفة على فَعَائل شاذ (1) كنظائر قوله " وإذا حمل نحو هالك وميِّت وأجرب على نحو قتيل " أي: إذا حملت عليه مع أن وزنها خلاف وزنه لمجرد المشاركة في المعنى فَلأَنْ يحمل عليه مريض مع مشاركته له في اللفظ والمعنى أجدر قوله " ليتميز عن فَعِيل الأصلِ " يعني أن الأصل فَعِيل بمعنى فاعل لكونه أكثر من فَعِيل بمعنى مفعول، ولأن الفاعل مقدم على المفعول، والذي بمعنى الفاعل يجمع جمع السلامة نحو رَحيمون ورَحِيمات وكَريمون وكريمات، فلم يجمع الذي بمعنى المفعول جمع السلامة فرقاً بينهما (2) قوله: " شذ قُتلاء وأسراء " وجه ذلك مع شذوذهما أن فَعِيلاً بمعنى المفعول حمل على فَعِيل بمعنى الفاعل، نحو كريم وكرماء
قوله " وجاء أُسارى " اعلم أن أصل فَعَالَى في المذكر كما ذكرنا أن يكون جمع فَعْلاَن، وقد يضم فاء فَعَالَى الذي هو جمع فَعْلاَن فَعْلى خاصة كما يجئ، نحو سُكارى وكُسالى، دون المحمول عليه، إلا أُسارى، وذلك لأنه لما حمل أسير على حَرّان ولهفان لانه لا يخلو من حرارة الجوف ضموا أوله كما يُضَم أول فَعَالَى جمع فَعْلان، والتزموا الضم في هذا المحمول واعلم أنه قد يجئ الفَعِِيلَة بمعنى الآلة كالْوَسِيلَة لما يُتَوَسَّلُ به: أي يُقَرَّب، والذريعة لما يُتَذَرَّع به، والدَّرِيئة للبعير (1) وشبهه يُدْرَى به الصيد: أي يختل قال: " المُؤَنَّث، نَحْوُ صَبِيحَة عَلَى صِبَاحٍ وَصَبَائِحَ، وَجَاءَ خُلَفَاءُ، وجعلته جَمْعَ خَلِيفٍ أَوْلَى، وَنَحْوُ عَجُوزٍ عَلَى عَجَائِزَ " أقول: إذا لحقت التاء فَعيلاً في الوصف فإنه يجمع على فِعَال، كما جمع قبل لحاقه، فيقال: صِبَاح وظِرَاف، في جمع صبيح وصبيحة وظريف وظريفة،
ويختص ذو التاء - سواء كان بمعنى المفعول كالذبيحة أولاً كالكبيرة - بفَعَائِل، دون المذكر المجرد، وقد شذ نَظَائِرُ في نظير، وكَرَائه في كريه، بمعنى مكروه، وهو جمع من غير حذف شئ من واحده، فهو في الصفة نظير صحيفة وصحائف في الاسم، وقد يستغنى عن فَعَائل بفِعَال كصِغَار وَكِبَار وسمان، في صغيرة وكبيرة وسمينة، ولم يقولوا نسوة كَبَائر وصغائر وسَمَائنْ، وجاء فيه حرفان فقط على فُعْلاَء، نحو نسوة فُقَرَاء وسُفَهَاء، قالوا: وإنما جاء خُلَفَاء في جمع خليفة، لأنه وإن كان فيه التاء إلا أنه للمذكر، فهو بمعنى المجرد ككريم وكرماء، فكأنهم جمعوا خليفاً على خلفاء، وقد جاء خليفٌ، أيضاً، فيجوز أن يكون الخلفاء جمعه، إلا أنه اشتهر الجمع دون مفرده، قال: 61 - إن من القوم موجودا خليفته * وما خليف أبي وهب بموجود (1)
[جمع فاعل الاسم]
وقياس جمع فُعَالة كامرأة طُوَالة، أن يكون كجمع فَعِيلة، لمساواة مذكره مذكرَهُ كما ذكرنا. قوله " ونحو عجوز " فَعُول لا يدخله التاء كما مر، والذي هو بمعنى المؤنث من هذا الوزن يجمع على فعائل، حملاً على فعيلة، نحو عجوز وعجائز (1) ، ونَخُوصٍ ونخائص (2) ، وإذا دخله التاء للمبالغة كفَرُوقة جمع بالألف والتاء واعلم أنه قد جاء في فِعَال المؤنث من غير تاء فَعَائل، وهو قليل، كَهَجَائِن في جمع ناقة هِجَان، حملاً على فِعَالة، ولم يثبت جمع فَعَال المؤنث المجرد كامرأة جَبَان على فَعَائل، بل مذكره ومؤنثه في الجمع سواء قال: " وَفَاعِلٌ الاسْمُ، نَحْوُ كِاهِلٍ عَلَى كَوَاهِلَ، وَجَاء حُجْرَانٌ وَجِنَّانٌ، والْمُؤَنَّثُ نَحْوُ كَاثِبَة عَلَى كَوَاثِبَ، وَقَدْ نَزَّلُوا فَاعِلاَء مَنْزِلَتَهُ فَقَالُوا قَوَاصِعُ وَنَوَافِق وَدَوَامُّ وَسَوَابٍ " أقول: قياس فَاعِلَ - بفتح العين وكسرها - في الاسم، فواعل، قياساً لا ينكسر، وقد جاء فَوَاعِيل بإشباع الكسر كطوابيق (3) ودوانيق (4) وخواتيم،
وليس بمطرد، وقيل: خواتيم جمع خاتام، قال: 62 - * أخَذْتِ خَاتَامِي بِغَيْرِ حق (1) * فخواتم على هذا قياس، قال الفراء: قد جاء في كلام المولدين بَوَاطيل في جمع باطل وقد جاء فُعْلاَن كحُجْران (2) وَفِعْلاَن كجِنَّان (3) ، والأول أكثر: أي مضموم الفاء، ويجوز أن يكون حِيطان من الأول قلبت الضمة كسرة لتسلم الياء وإذا انتقل فاعل من الصفة إلى الاسم، كراكب الذي هو مختص براكب البعير كما قلنا في أَكِيلة ونطيحة وَقَتُوبة وحَلُوبة، وفَارِس المختص براكب الفرس، ورَاعٍ المختص برعي نوع مخصوص، ليست كما ترى على طريق الفعل من العموم، فإنه يجمع في الغالب على فُعْلان كحُجْرَان في الاسم الصريح، وقد يكسر هذا الغالب على فِعَال أيضاً كرِعَاء وصِحَابٍ، وذلك لأن فاعِلاً
شبه بِفَعِيل حين جمع على فُعْلان كجريب وجربان، وفَعِيل يجمع على فِعَال كأفيل وإفال، فأجيز ذل في فاعل أيضاً، قال سيبويه: ولا يجوز في هذا الوصف الغالب فَوَاعل، كما كان في الاسم الصريح، لأن له مؤنثاً يجمع على فوعل، ففرقوا بين جمع المذكر وجمع المؤنث، قال: وقد شذ فَوَارس، وقال غيره: جاء هَوَالِك أيضاً، يقال: فلان هالك في الهَوَالِك، قال السيرافي: وجاء في الشعر 63 - وَمِثْلي في غَوَائِبِكُمْ قَلِيلُ (1) وذكر المبرد أن فَوَاعل في فاعل الغالب أصل، وأنه في الشعر سائغ حسن قال: 64 - وَإِذَا الرِّجَالُ رَأوْا يزيد رأيتهم * خضع الرقاب نواكس الابصار (2)
قلت: لا دليل في جمع ما ذكروا، إِذ يجوز أن يكون الْهَوَالِك جمع هالكة: أي طائفة هالكة، وكذا غيره كقولهم " الخوارج " أي الفرق الخوارج، كقوله تعالى: (والصافات صفا) أي: طوائف الملائكة وإذا سمي بفاعل الوصف كضارب فقياسه فواعل كالاسم الصريح، إذ لا مؤنث له يشتبه جمعاهما، وقد كسر فاعل الاسم على أفْعِلَة كواد وأوْدِيَة، كأنهم استثقلوا الواوين في أول الكلمة لو جمعوه على فواعل، وانضمام الواو وانكسارها لو جمع على فُِعْلاَن قوله " والْمُؤَنَّثُ نَحْوُ كَاثِبَة عَلَى كَوَاثِبَ (1) " لم يخافوا في الاسم التباس جمع المذكر بجمع المؤنث مع كون كل منهما على فواعل، كما خافوا في الصفة ذلك، فلم يجمعوهما معاً على فواعل، لأن لفظ المذكر والمؤنث في الصفة لا فرق بينهما إلا التاء، فإذا حذفتها وجمعتَ حصل الالتاس، وأما الاسم فلا يتلاقى مذكره ومؤنثه، ألا ترى أنك لا تقول (للمذكر) كاثب وللمؤنث كاثبة، حتى يلتبسا في كواثب
[جمع فاعل الصفة]
قوله " قد نزلوا فاعلاء منزلته " وذلك لإجرائهم ألف التأْنيث مجرى تائه لكونها علامة التأنيث مثله كما يجئ بعد: النَّافِقَاء وَالْقَاصِعَاءُ وَالدَّامَّاءُ جحرة من جحر اليربوع (1) ، والسابياء: الجلدة التي تخرج مع الولد، وعلى ذلك قالوا في خُنْفُسَاء: خَنَافِس، كما قالوا في قُنْبُرَة: قَنَابِر (2) قال: " الصفة، نحو جَاهِلٍ عَلَى جُهَّلٍ وَجُهَّالٍ غَالِباً، وَفَسَقَةٍ كَثِيراً، وَعَلَى قَضَاةٍ في الْمُعْتَلِّ اللاَّمِ، وَعَلَى بُزُلٍ وشُعَرَاءَ وصُحْبَان وتِجَار وَقُعُودٍ، وأمَّا فَوَارِس فَشَاذٌّ، وَالمُؤَنَّثُ نَحْوُ نَائِمَةٍ عَلَى نَوَائِمَ ونُوَّمٍ، وَكَذَلِكَ حَوَائِضُ وَحُيَّضٌ " أقول: اعلم أن الغالب في فاعِل الوصف فُعَّلٌ، كشُهَّد وغُيَّب ونُزَّل وصُوَّم وقوم، وقيل: صميم وقيم، كما يجئ في باب الإعلال، وقيل: صِيَّم وقِيَّم. وليس بخارج عن فُعَّل بضم الفاء، وكسرها لأجل الياء، كشُِيُوخ وشِيَيْخ وتقول في الناقص: غز وغزى
ويكسر أيضاً كثيراً على فُعَّال، كزُوَّار وغُيَّاب، وهما أصل في جمع فاعل الوصف، أعني فُعَّلاً وفعالا ويجئ على فعلة أيضا كثيرا، لكن لا كالأولين، نحو عَجَزَة وفَسَقَة وكَفَرة وبَرَرَة وخَوَنَة وحَوَكَة، ويقال: حَاكَةٌ وباعة أيضا، كما يجئ في الإعلال وإذا كسر على فَعَلَة في المعتل اللام يضُمُّ الفاء، لتعتدل الكلمة بالثقل في أولها والخفة بالقلب في الأخير، وقال الفراء: أصله فعل بشديد العين فاستثقل ذلك، فأبدل الهاء من أحد المثلين، وذهب المبرد إلى أنه اسم جمع كفُرْهَة (1) وغَزِيّ (2) وليس بجمع، وذلك لعدم فُعَلَة جمعاً في غير هذا النوع
ويجمع كثيراً على فُعُل بضمتين، كَبُزُل (1) وشُرُف (2) ، تشبيهاً بِفَعول لمناسبته له في عدد الحروف ثم يخفف عند بني تميم بإسكان العين، وأما الأجوف نحو عُوطٍ (3) وحُولٍ (4) ، جمع عائط وحائل فيحب عند الجميع إسكان واوه للاستثقال، وأما عِيطٌ بمعنى عُوطٍ فإنه من اليائي، كسر الفاء لتسلم الياء كما في بيض جمع أبْيَض ويكسر على فُعَلاَء كجهلاء وشُعَرَاء، تشبيهاً له بِفَعِيل نحو كريم وكرما، ففُعُل وفُعَلاَء ليسا بمتمكنين في هذا الباب، بل هما للتشبيه بباب آخر كما مر وأكثر ما يجئ فُعَلاء في هذا الباب وغيره إذا دلَّ على سجية مدح أو ذم
[جمع ما آخره ألف التأنيث]
كجهلاء وجبناء وشجعاء، ويجئ أيضاً فُعَلاَء كثيراً جمعاً لفعيل بمعنى مُفَاعل كجُلَسَاء وحُلَفَاء وجاء فاعل على فُعْلان أيضاً كشُبَّان ورُعْيَان، تشبيهاً بفاعل الاسم كحُجْرَان وجاء على فِعَال كَجِيَاع ونِيَام ورِعَاء وصِحَاب، وعلى فُعُول كِشُهُود وَحُضُور ورُكُوع، وذلك فيما جاء مصدره على فُعُول أيضاً قوله " وأما فوارس فشاذ " قد ذكرنا أن ذلك لغلبته وإذا كان فاعل وصفاً لغير العقلاء جاز جمعه على فَوَاعل قياساً، لإلحاقهم غير العقلاء بالمؤنث في الجمع، كما مر في شرح الكافية في باب التذكير والتأنيث، فيقال جِمَال بَوَازِل، وأيام مَوَاضٍ وإذا كان في فاعل الوصف تاء ظاهرة كضاربة أو مقدرة كحائض فقياسه فَوَاعل وفُعَّل بحذف التاء. قال " المؤنَّثُ بِالأَلِفِ رَابِعَةً: نَحْوُ أُنْثَى عَلَى إِنَاثٍ، وَنَحْو صَحْرَاء عَلَى صَحَارى، والصِّفَةُ نَحْوُ عَطْشَى عَلَى عِطَاشٍ، وَنَحْوُ حَرْمَى عَلَى حَرَامَى، وَنَحْوُ بَطْحَاء عَلَى بِطَاحٍ، وَنَحْوُ عُشَرَاء على عِشَارٍ، وفُعْلَى أَفْعل كالصُّغْرَى على الصُّغَرِ، وبالأَلِفْ خَامِسَةً نَحْوُ حُبَارَى على حُبَارَياَتٍ " أقول: اعلم أن ألف التأنيث الممدودة أو المقصورة إما أن تكون رابعة، أو فوقها، فما ألفه رابعة: إذا لم يكن فُعْلَى أفعل، ولا فَعْلاَء أفعل، يَطَّرِد جمعه بالألف والتاء، ويجوز أيضاً جمعه مُكَسَّراً، لكن غير مطرد، وتكسيره على ضربين: الأول أن يجمع الجمع الأقصى، وذلك إذا اعتد بالألف لكون وضعها على اللزوم، فيقال في المقصورة فَعَالٍ وفَعَالَى في الاسم كَدَعَاوٍ ودَعَاوَى، وفي الصفة فَعَالَى بالألف لا غير كحبالى وخنائي، والألف في فعالى مبدلة من الياء على ما يجئ،
ويقال في الممدودة فَعَالَى بالألف المبدلة وفَعَالٍ كجوارٍ في الأحوال الثلاث، ويجوز فَعَالِيٌّ قليلاً، وهو الاصل كما يجئ بيانه، والثاني: أن يجمع على فِعَالٍ كإناث وعِطَاش، وبِطَاح وعِشَار، في أُنْثَى وَعَطْشَى وبَطْحَاء وعُشْرَاء (1) ، وإنما يجئ هذا الجمع فيما لا يجئ فيه الجمع الأقصى، فلما قالوا إناث لم يقولو أناثى، ولما قالوا خنائى لم يقولوا خِنَاث (2) ، وكان الأصل في هذا الباب الجمعَ الأقصى اعتداداً بألف التأنيث للزومها، فتجعل كلام الكلمة، وأما حذفها في الجمع على فِعَال فنظراً إلى كون الألف علامة للتأنيث فيكون كالتاء فيجمع الكلمة بعد إسقاطه كما في التاء، فيجعل نحو عَطْشَى وبطحاء (3) وأُنْثَى كَقَصْعَة وبُرْمَة، فيكون عِطَاش وبِطَاح وإناث كقَصَاع وبرام، وإنما اختير هذا من بين سائر جموع فَعْلَة وفُعْلة لكونه أشبه بفَعَالى الذي هو الأصل كما تقرر، وحمل نحو نُفَساء وعُشَرَاء على فُعْلَى فجمعا على فِعَال وإن لم يكسر فُعَلة بضم الفاء وفتح العين على فِعَال، لما قلنا من مناسبته لَفَعَالى التي هي الأصل في مثله لما ذكرنا، ولم يجمع نحو نفساء الجمعَ الأقصى كما جمع الساكن العين لكون الألف كالخامسة بسبب حركة العين. كما عرفت في النسب في نحو حبارى (4) وجمزى (5)
ولم يسمع بجمع فُعَلَى كأُرَبَى (1) وشُعَبَى (2) ولا فَعَلى كالمَرَطَى (3) وَالدَّقَرى (4) ولا فَعْلاَء كالثأدَاء (5) ، لا على صيغة الأقصى ولا على فِعَال، ولو كسرت فالقياس فِعَال كما ذكرنا في نحو نُفَسَاء، مع أن الأولى جمع الجميع بالألف والتاء، وإنما وجب في الوصف الذي ألفه مقصورة قلب الياء في الجمع ألفاً دون الاسم كما ذكرنا لأن الوصف أثقل من الاسم من حيث المعنى فالتخفيف به أنسب، والألف في الاسم أيضاً أكثر من الياء (6) ، والدليل على أن ألف فَعَالَى في الأصل ياء أنا لو سمينا بحَبَالى وصغرناه لم نفعل به ما فعلنا بحُبَارى، وذلك أنا جوزنا هناك حُبَيْرى وحُبَيِّرا، كما بين في باب التصغير، بل يجب ههنا أن نقول: " حُبَيْلٍ " بحذف الألف المتوسطة كما نقول في تصغير جوار ومساجد علمين: جوير ومُسَيْجِد، وإنما فروا في هذه الجموع من الياء إلى الألف بخلاف نحو جَوَاءٍ في جائية، تطبيقاً للجمع بالواحد في الموضعين، أعني حَبَالَى وَجَوَاءٍ، فرقاً بين ألف التأنيث وغيره: من الألف المنقلبة كما في مهلى، وألف الالحاق كما في
أرطى (1) ، وهذا كما يجئ في باب الإعلال من تطبيق الجمع بالمفرد، نحو شَائِيَةٍ وَشَوَاءٍ وإدَاوَةٍ (2) وأدَاوَى، بخلاف بَريَّة وَبَرَايَا، لما كان الألف في شائِية وإداوة ثابتة كما في الجمع بخلاف بَرِيَّة، هذا، وقد جاء في بعض ما آخره ألف منقلبة ما جاء في ألف التأْنيث من قلب الياء ألفاً تشبيهاً له به، وذلك نحو مِدْرًى وَمَدَارٍ (3) وَمَدَارَى، بالألف، وذلك ليس بمطرد، وقال السيرافي: هو مطرد، سواء كان الألف في المفرد منقلبة أو للإِلحاق، وإن كان الأصل إبقاء الياء، فتقول على هذا في مَلْهًى: مَلاَهٍ ومَلاهَى، وفي أرْطًى: أرَاطٍ وأرَاطَى، وقال: إنه لا يقع فيه إشكال، والأولى الوقوف على ما سمع وأما ذو الممدودة الرابعة فإنه جاء فيه ثلاثة أوجه مع أن الأكثر فيه فَعَالَى بالألف، وذلك لأنك تقلب في الجمع الأقصى ألفه التي قبل الهمزة ياء لأجل كسرة ما قبلها كما في مَصَابيح فترجع الهمزة إلى أصلها من الألف، وذلك لأنها في الأصل ألف تأنيث عند سيبويه كما في حبلى زيدت قبلها ألف إذ صارت باللزوم كلام الكلمة كما زيدت في كِتَاب وحِمَار فاجتمع ألفان فحركت الثانية دون الأولى، لأنها للمد كما في حمار، ولم تحذف الأولى للساكنين خوفاً من نقض الغرض، ولم تقلب الثانية عند الاحتياج إلى تحريكها واواً ولا ياء مع أن انقلاب حروف العلة بعضها إلى بعض أكثر، لشدة تناسبها بالوصف مع تباينها في المخارج، وذلك لأن الواو والياء في مثل هذا الموضع تقلبان ألفا كما في كِسَاء وردَاء، فلم يبق بعد الواو والياء حرف أنسب إلى الألف من الهمزة لكونهما من الحلق، فلما انقلبت الألف قبلها ياء رجعت الهمزة إلى أصلها من الألف لزوال موجب انقلابها همزة،
أعني الألف، ثم انقلبت ياء لأن انقلاب حروف العلة بعضها إلى بعض أولى كما يجئ في باب الاغلال ثم أدغمت الياء في الياء، فيجوز على قلة استعمال هذا الأصل، قال: * لَقَدْ أغْدُو على أشْقَ * رَ يَغْتَالُ الصَّحَارِيَّا * (1) والأكثر أن يحذف الياء الأولى لاستثقال الياء المشددة في آخر الجمع الأقصى، ولا سيما إذا لم تكن في الواحد حتى تحتمل في الجمع للمطابقة كما في كرسِي وكراسيّ، وأيضاً الحذف في مثله تَسَبُّب إِلى جعل الياء ألفا كما كان، وإذا كانوا يحذفون المد من نحو الكَرَابيس (2) والْقَرَاقِير (3) فيقولون: الكرابِسُ والْقَرَاقر فما ظنك به مع الياءين؟ ألا ترى إلى قولهم أثَافٍ (4) وعَوَارٍ وكَرَاسٍ
في أثافيّ وعَوَارِيّ وكراسيّ، فيبقى إذن صحارٍ كجوارٍ سواء في جميع أحوالها، والأَوْلَى بعد الانتقال إلى هذا الحال الانتقال إلى درجة ثالثة، وهي قلب الياء ألفاً لصيرورته كَدَعَاوٍ، بسقوط المد الذي كان قبل ألف التأنيث، فتقول: صَحَارَى وعَذَارَى وصَلاَفَى (1) ، ولا يجوز هذا في ألف الألحاق، لا تقول في حرباء: حَرَابَى (2) ، بل يب في مثله حرابيُّ، مشدداً أو مخففاً، وذلك لأن جعلها ألفاً إنما كان لتصير الياء ألفاً كما كان، وألف التأنيث أولى بالمحافظة عليها لكونه علامة، من ألف الإلحاق، وأناسي جمع إنسيٍّ ككراسي جمع كرسي، وقيل: هو جمع إنسان، قلبت نونه يا كَظَرابيّ جمع ظربان وقد ألحق بباب صحارى وإن لم يكن في المفرد ألف التأنيث لفظان، وهما
بَخَاتَى (1) وَمَهَارَى (2) ، فجوز فيهما الأوجه الثلاثة، والتشديد أولى، ولا يقاس عليهما، فلا يقال في أُثفِيَّة وعَارِيَّة: أثَافَى وعَوَارَى (3) بالألف، وألحق
بنحو فَتَاوٍ وفَتَاوَى لفظ واحد من المنقوص، وهو قولهم: جمل معى وناقة معيية وجِمَالٌ أو نوق مَعَايٍ (1) ومَعَايا وإنما أبقيت المقصورة الرابعة في التصغير بحالها نحو حُبَيْلى وقلبت في الجمع الأقصى ياء ثم ألفاً، لان بنية التصغير تم قبل الألف بخلاف بنية الجمع الأقصى، ولذلك قيل في التصغير: أُنَيعَام، وفي التكسير: أنَاعيم، لأن بعض أبنية التصغير تم قبل الألف وهو فُعَيْل، فجاز المحافظة على الألف التي هي علامة الجمع، بخلاف بناء الجمع الأقصى فلم يكن بد من قلب الألف فيه وإن كانت ألف التأنيث خامسةً فالممدودة يجوز جمع ما هي فيه بالألف والتاء، ويجوز أن تحذف ويجمع الاسم أقصى الجموع، كَقَواصع وخَنَافس في قَاصِعَاء (2) وخُنْفُساء، وكذا قرائث وبرائك وجلائل في قربثاء (3) وبراكاء (4) وجلولاء (5) وأما المقصورة كحُبَارى فقال سيبويه: لا يجمع ما هي فيه إلا بالألف والتاء، إذ لو قالوا حَبَائر وحَبَارَى كما قيل في التصغير حُبَيِّر وحُبَيْرَى، لالتبس حبائر بجمع فَعالة ونحوها، وَحَبَارَى بجمع فُعْلى وفُعْلاَء، وفي التعليل نظر، لأن حُبَيِّرا في التصغير يلتبس بنحو حُمَيِّر. وقواصَع في الجمع يلتبس بجمع فاعله، ولم يُبَال
في الوضعين، فنقول: السماع كما ذهب إليه سيبويه، لكن لايمنع القياس - كما ذكر المالكي - أن يقال في نحو حُبَارى حَبَائر وحَبَارَى، كما في التصغير، وكذا لا يمنع القياس أن يقال في جمع عرضى (1) عَرَاضِن، وإنما لم يجز في نحو قريثاء وبراكاء وجلولاء حذفُ المد المتوسط كما جاز مع المقصورة لأن المقصورة أشد اتصالاً بالكلمة لكونها ساكنة على حرف واحد، والممدودة على حرفين ثانيهما متحرك، وذلك قيل عَرَيْضِن في تصغير عِرَضْنَى بحذف الألف لكونها كاللام، وخنيفساء لكون الالف كالكلمة المنفصلة كما في نحو بَعْلَبَك، وإنما لم يجز خُنَافِسَاء وَزَعَافِرَان كما جاز خُنَيْفِسَاء وزُعَيْفِران للثقل المعنوي في الجمع، فصار التخفيف اللفظي به أليق، فلا يكاد يجئ بعد بنية أقصى الجموع إلا ما هو ظاهر الانفكاك، كتاء التأنيث في نحو مَلاَئكة وإن كانت الألف فوق الخامسة كما في حَوْلايَا (2) فالحذف لا غير، نحو حَوَالٍ وأما فُعْلى أفعل وفَعْلاَء أفعل فلم يجمعا أقصى الجموع، فرقا بينهما وبين نحو أنثى وصحراء. ولما كانا أكثر من غيرهما طلب تخفيفهما فاقتصر في فَعْلاَء على فُعَل إتباعاً لمذكره، نحو أحمر وحمراء وحُمْر، وفي الْفُعْلَى على الْفُعْل تشبيهاً لألفه بالتاء، فالكُبْرَ في الْكُبْرَى كالْغُرَف في الْغُرْفَة، والْفُعَل في الفُعْلى غيرِ فُعْلَى أفعل شاذ، كالرُّؤَى في الرؤيا، خلافاً للفراء وكان حق رُبَّى (3) أن يجمع على رِبَاب - بكسر الراء - لكنه قيل: رباب
بالضم، وليس بجمع، بل هو اسم جمع كرُخَال (1) وتُؤَام (2) وأرى أن صَحْرَاء (في الأصل فَعْلاَء أفْعَل، كان أصله أرض صَحْرَاء: أي في أولها صُحْرَة، كما تقول: حمار أصحر، وأتان صحراء) (3) فتوغل في باب الاسمية، فلم يجمع على فُعْل، بل على فعال، وكذا البطحاء أصله باب حَمْراء، ألا ترى إلى قولهم: الأبطح، فغلبت الاسمية عليهما حتى لا يعتبر الوصف الأصلي في أبطح، كما اعتبر في أسْوَد وأرْقَم (4) ، بل يُصْرَف، وحتى لم يجمعا على الْبُطْح، بل جمع الأبطح على الأباطح والبطحاء على البِطَاح، وكذا حَرْمَى في الأصل من باب عَطْشَى، أعني فَعْلَى فَعْلاَن، من " حَرِمت النعجة " إذا اشتهت البضاع، فلو لم يمنع المعنى مجئ فَعْلاَن منه لكنت تقول حَرْمَان وحَرْمَى وإنما جمع فعلان كسَكْرَان على فَعَالى، تشبيهاً للألف والنون بالألف الممدودة، فسكران وسكارى كصحراء وصحارى
[جمع أفعل: اسما وصفة]
قال: " وأفْعَلُ: الاسْمُ كَيْفَ تَصَرَّفَ نحو أحدل وإصْبَع وَأحْوَصٍ، عَلَى أجَادِلَ وأصَابِعَ وَأحَاوِصَ، وَقَوْلُهُمْ حُوصٌ لِلَمْح الْوَصْفِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ، وَالصِّفة نَحْوُ أحْمَرَ عَلَى حُمْرَانٍ وَحُمْرٍ، وَلاَ يُقَالُ أحْمَرُونَ لِتُمَيِّزَهُ عَنْ أفْعَلِ التَّفْضِيلِ، وَلاَ حَمْرَاوَاتٌ لأنه فَرْعُهُ، وجَاءَ الْخَضْرَاوَاتُ لِغَلَبَتِهِ اسْماً، وَنَحْوُ الأَفْضَلِ عَلَى الأَفَاضِلِ وَالأَفْضَلِينَ " أقول: قوله " كيف تصرف " أي: تصرف حركة همزته وعينه قوله " أحاوص (1) " جمع أحْوَصَ، وأحوصُ في الأصل من باب أحمر حمراء، فجمعه فُعْلٌ، ولكن لما جعل أفعل فعلاء اسماً جاز جمعه على أفاعل كأفعل الاسمي، وجاز جمعه على فُعْلٍ نظراً إلى الأصل، وعلى أفْعَلُون إذا كان علماً للعاقل، وعلى أفْعَلاَت إذا كان علماً للمؤنث قوله " والصفة نحو أحمر على حُمْران وحُمْر " الوصف إما أن يكون (على) أفعل فَعْلاَء، وأفْعَل فُعْلى، والأول أظهر في باب الوصف، لصحة تقديره بالفعل، نحو " مررت برجل أحمر " أي برجل أحر، وليس لأفعل التفضيل فعل منه بمعناه، كما مر في بابه، ولهذا لا يرفع الظاهر إلا بشروط، ولضعف معنى الوصفية في أفعل التفضيل لا خلاف في صرفه إذا نكر بعد التسمية، كما اختلف في نحو أحْمَرَ إذا نكر
بعد العلمية (1) والمطرد في تكسير أفعل فعلاء وفي مؤنثه فُعْل، ولا يضم عينه إلا
لضرورة الشعر، ويجئ فُعْلاَن أيضاً كثيراً كسُودَانٍ وبيضان قوله: " ولا يقال أحمرون لتميزه عن أفعل التفضيل " قد ذكرنا علة امتناعه من جمع التصحيح في شرح الكافية (1) ويجوز أفْعَلُون وفَعْلاَوَات لضرورة الشعر. قال:
64 - فما وجدت بنات بني نزار * خلائل أسودين وأحمرينا (1)
[جمع فعلان: اسما وصفة]
وأجاز ذلك ابن كيسان اختياراً قوله " وجاء الْخَضْرَاوَات لغلبته اسماً " غلب الْخَضْرَاوَات في النباتات التي تؤكل رطبة، فكما يجوز جمع فَعْلاَء بالألف والتاء مع العلمية لزوال الوصف جاز مع الغلبة لأن الغلبة تقلل معنى الوصفية أيضاً، ويجوز في نحو أرْمَل (1) وأرْمَلَة أرملون وأرْمَلاَت، لأنه مثل ضاربون وضاربات قال: " وَنَحْوُ شَيْطَانٍ وَسُلْطَانٍ وَسِرْحَانٍ عَلَى شَيَاطِينَ وَسَلاَطِينَ وسَرَاحِينَ، وَجَاءَ سِرَاحٌ، الصِّفَةُ نَحْوُ غَضْبَان عَلَى غِضَابٍ وسَكَارَى، وَقَدْ ضُمَّتْ أرْبَعَة كُسَالَى وسُكَارَى وعُجَالَى وغُيَارى ". أقول: كل اسم على فَِعْلاَن مثلث الفاء ساكن العين كان أو متحركة، كَوَرَشَان (2) والسَّبُعَان (3) والظَّرِبان (4) ، يجمع على فَعَالين، إلا أن يكون علماً مرتجلاً، كسَلْمَان وَعُثْمَان وَعَفَّان وحمدان وعطفان، وذلك لان التكسير في المترتجل مستغرب، بخلافه في المنقول، إذ له عهد بالتكسير، ولا سيما إذا كان في المرتجل ما ينبغي أن يحافظ عليه من الألف والنون لشبهه بألف التأنيث. كما مر في التصغير، وإنما تصرف في ألف نحو صحراء بالقلب حين قالوا " صَحَارٍ " مع كونها أصلاً للألف والنون للضرورة الملجئة إليه لما قصدوا بناء الجمع الأقصى لخلوه من الاستغراب المذكور، ألا ترى أنه قيل في التصغير " صحيراء " لما لم
يكن مثل تلك الضرورة لتمام بناء فُعَيْل الألف، فلهذا قالوا " ظُرَيْبَان " في التصغير، و " ظرابين " في الجمع، وللمحافظة على االالف والنون في المرتجل قالوا في تصغير سلمان " سليمان " وفي تصغير سلطان " سليطين ". واعلم أنهم قالوا في جمع ظربان " ظِرْبَى " أيضاً كحِجْلَى في جمع حَجَل، ولم يأت في كلامهم مكسر على هذا الوزن غيرهما، وإنما جاء في سَرْحَان (1) وضِبْعَان (2) سِرَاح وضِبَاع تشبيهاً بغَرْثَان وغِرَاث. قوله " الصفة " اعلم أن الوصف إذا كان على فَعْلاَن بفتح الفاء سواء كان له فَعْلى، كسكران وسكرى، أو لم يكن، كندمان وندمامة، جاز جمعه وجمع مؤنثه على فَعَالى، وكذا فِعَال، لمشابهة فَعْلاَن لفَعْلاَء بالزيادتين والوصف، وليس شئ من الجمعين مطردا، لا في فَعْلاَن فَعْلَى ولا في فَعْلاَن فَعْلانة، وقد يجمع في فعلان فعلانة بينهما كنَدَامى ونِدَام، ومع ألف التأنيث لم يجمع بينهما كما ذكرنا فقيل بَطَاح دون بَطَاحَى، وصَحَارَى دون صِحَارٍ، بالكسر. وإذا كان صفة على فعلان بالضم كعريان وخُمْصَان (3) ، لم تجمع على فَعَالى، لأن فُعْلاَء بسكون العين لم يجئ مؤنثاً حتى يشبه فُعْلاَن به، فقالوا في خُمْصَان وخُمْصَانَة " خِمَاصٌ " تشبيهاً بغَرْثَان وغِرَاث (4) ، وقال بعض العرب
" خُمْصَانُونَ وخمصانات " نظراً إلى أنه لا يستوي مذكره ومؤنثه، وكذا قالوا " نَدْمَانون ونَدْمَانات ". وأما فَعْلاَن فَعْلَى فلا يجمع جمع السلامة إلا لضرورة الشعر، كما قلنا في أفعل فعلاء، وقد مضى هذا كله في شرح الكافية (1) . ولم يجئ في عُرْيَان عِرَاء، اكتفاء بعُرَاة جمع عَارٍ، لأن العُرْيَان والْعَاري بمعنى واحد، فاكتفى أحدهما عن جمع الآخر. وجاء الضم في جمع بعض فَعْلاَن الذي مؤنثه على فَعْلى خاصة، وهو في كُسَالى وسُكَارى أرجح من الفتح، وإنما ضم في جمع فَعْلاَن خاصةً لكون تكسيره على أقصى الجموع خلاف الأصل، وذلك لأنه إنما كسر عليه لمشابهة الألف والنون فيه لألف التأنيث، فغير أول الجمع غير القياسي عما كان ينبغي أن يكون عليه، لينبه من أول الأمر على أنه مخالف للقياس، وأنبع جمع المؤنث جمعَ المذكر في ضم الأول وإن لم يكن مخالفا للقياس، وأوجب الضم في قُدَامَى الطير: أي قَوَادم (2) ريشه، وفي أُسَارى، جمع قَادِمَة وأسِير، وإلزام الضم فيهما دلالة على شدة مخالفتهما لما كان ينبغي أن يكسرا عليه، ولا يجوز الضم في غير ما ذكرنا،
وقال بعض النحاة - لما رأى مخالفته لأقصى الجموع بضم الأول -: إنه اسم جمع كَرُبَاب وَقَوْم ورَهْط ونَفَر، وليس بجمع، وقال آخرون: إن نحو عُجَالى ليس جمع فَعْلى على توفية حروفه، وعَجَالى بالفتح جمعه على توفية حروفه، فالأول: كقِلاَص في قَلُوص، والثاني كقَلاَئص، حذف الزائد في عَجْلَى فبقي عَجل فجمع، وجعل ألف الجمع في الوسط وألف التأنيث في الأخير، وأما ألف عَجَالى بالفتح فليست للتأنيث بل منقلبة عن ياء هي ياء منقلبة عن ألف التأنيث كما تقدم، فالألف في عُجَالى بالضم مجلوبة للتأْنيث كما في ضَمْنَى وَزَمْنَى (1) جمع ضمِن وَزَمنٍ، قال السيرافي: هذا أقوى القولين، أقول: وأول الأقوال أرجح عندي قوله " وقد ضمت أربعة " لم أر أحداً حصر المضموم الأول في أربعة، بلى في المُفَصَّل أن بعض الرب يقول: كُسَالى، وسُكَارى، (وعُجَالى) وغُيَارى، بالضم، ولا تصريح فيه أيضاً بالحصر، وقد ذكر في الكشاف في قوله تعالى: (ذرية ضعاف) أنه قرئ ضعافي كسكارى وسكارى (2) قال: " وفَيْعِلٌ نَحْوُ مَيِّتٍ عَلَى أمْوَاتٍ وَجِيَادٍ وَأَبْيِنَاء، وَنَحْوُ شَرَّابُونَ وَحُسَّانُونَ وفِسِّيقُون وَمَضْرُوبُونَ وَمُكْرِمُونَ ومُكْرَمُونَ، اسْتُغْنِيَ فِيهَا بِالصَّحِيحِ، وَجَاءَ عَوَاوِيرُ وَمَلاَعِينُ (ومَيَامِينُ) وَمَشَائِيمُ وَمَيَاسِيرُ وَمَفَاطِيرُ ومَنَاكِيرُ وَمَطَافِل وَمَشَادِن " أقول: اعلم أن فيعلا بكسر العين لا يجئ إلا في المعتل العين كسَّيِّد، وبفتحها لا يجئ إلا في الصحيح كَصَيْقَلٍ وَحَيْدَرٍ، إلا حرفاً واحدا، قال:
* ما بال عينى كالشيعيب العين * (1) وهذا مذهب سيبويه، قال: ويختص بعض الأوزان ببعض الانواع كاختصاص فعلة المضمون وفاؤه بجمع الناقص، كَقُضَاة، وفَعَلة بفتح الفاء في غيره ككَفَرَة وَبَرَرَة، ومذهب الفراء أن وزن مَيِّتٍ فعليل ككريم، والأصل مَوِيت، أعلت عينه كما أعلت في الماضي والمضارع، فقدم وأخر، ثم قلبت الواو ياء لاجتماعهما وسكون الاولى، وطَوِيل عنده شاذ، قال: وأما ما ليس مبنياً على فِعْلٍ معل فانه لا يُعَل بالقلب، نحو سَوِيق (2) وعَوِيل (3) وحَويل (4) وسيجئ الكلام فيه في باب الإعلال، وكذا قال الفراء في قضاة: إنه في الأصل مضعف العين نحو كُفَّر، وأصله قُضًّى، فحذف التضعيف وعوض عنه التاء كما مر قل (5) ، واستدل الفراء على كون ميت في الأصل فِعْيلاً بنحو أهْوَنَاء وأبْيناء، في هين وبين، والمشهور في أفعلاء أن يكون جمع فعيل، وقال سيبويه: إنما جُمعا على أفْعِلاء لمناسبة فيعل لفعيل في عدد الحروف، كما حمل في سادة وجياد على فاعل نحو بَرَرَة وصيام، وفي أموات وأكياس وأقوال جمع قَيْلٍ (6) مخفف قَيِّلٍ على فعل كحوض وأحواض، إذ كثيرا ما
يخفف فَيْعِل بحذف العين فيصير كفَعْل في الحركة والسكون، وكذا نحو مَيْتٍ وسَيْد وَلَيْن وَهَيْن، ومن قال في جمع قَيْل أقيال فقد حمله على لفظه، والأول أكثر. وأصل فَيْعِل أن يجمع جمع السلامة: في المذكر بالواو والنون، وفي المؤنث بالألف والتاء، وكذا إذا خفف بحذف العين، نحو الميتون والميتات، ويجمع المذكر والمؤنث منه على أفْعَال كأموات في جمع مَيْت ومَيْتة، كما قيل أحياء في جمع حَيّ وحَيَّة، وهذا كما يقال: أنقاض في جمع نِقْض (1) ونِقْضَة، وأنضاء في جمع نضوة (2) ونِضْوة. وجاء رَيِّض (3) للمذكر والمؤنث سواء، حملاً عَلَى فَعِيل بمعنى مفعول، لأنها في معنى مَرُوضة.
قوله " شَرَّابون وحُسَّانون " (1) بضم الفاء وفتحها، وفِسِّيْقُون، أبنية للمبالغة لا يستوي فيها المذكر والمؤنث، فيجمع الجميع جمع الصحة: المذكر بالواو والنون. والمؤنث بالألف والتاء، وإنما دخلتها الهاء لمشابهتها مُفَعِّلاً: لفظاً بالتضعيف، ومعنى بالمبالغة، فهذه الأوزان الثلاثة لا تكسر، وإنما قالوا في عُوَّار (2) وهو الجبان: عَوَاوير، لجريه مجرى الأسماء، لأنهم لا يقولون للمرأة: عُوَّارة، لأن الشجاعة والجبن في الأغلب مما يوصف به الرجال الذين يحضرون في القتال، فشبهوا عوارا
وعواوير بكُلاَّب (1) وكلاليب، وكذا فُعَّل كزُمَّل (2) وجُبَّأ (3) وفُعَّيْل كزُمَّيْل وسُكَّيْت (4) ، مثالاً مبالغة تدخلهما التاء للمؤنث، ولا يجمعان إلا جمع التصحيح بالواو والنون وبالألف والتاء، وأما بناء المبالغة الذي على مِفْعَال كمِهْدَاء (5) ومِهْذار (6) ، أو على مِفْعِيل كمِحْضير (7) ومِعْطِير (8) ، أو على مِفْعَل كَمِدْعَس (9) ومِطْعَن، أو على فَعَال كصنَاع (10) وحَصَان (11) ، أو على
فِعَال كهِجَان (1) ، أو على فَعُول كصَبُور، فيستوي في جميعها المذكر والمؤنث، ولا يجمع شئ منها جمع السلامة، إلا في ضرورة الشعر، وقد ذكرنا تكسير فِعَال وفَعَال وفَعُول صفات، وأما تكسير مِفْعَال ومِفْعِيل فعلى مفاعيل كمقاليت ومآشير في مِقْلاَت (2) ومِئْشير (3) ، وجمع مفعل كمداعس في جمع مِدْعَس، وأما قولهم: مسكينون ومسكينات، فلقولهم: مسكين ومسكينة، تشبيهاً بفقير وفقيرة. قوله " مَضروبون ومكرِمون ومكرَمون " أي: كل ما جرى على الفعل من اسمي الفاعل والمفعول وأوله ميم فبابه التصحيح لمشابهة الفعل لفظاً ومعنى، وجاء
في اسم المفعول من الثلاثي نحو ملعون ومشئوم وميمون مَلاَعين ومشائيم (1) ومَيَامين (2) ، تشبيهاً، بمُغْرُود (3) ومُلْمُول (4) ، وكذا قالوا في مَكْسُور: مكاسير، وفي مَسْلوخة: مساليخ، وقالوا أيضاً في مُفْعِل المذكر كمُوسِر ومُفْطِر، وفي مُفْعَل كمُنْكَر: مَيَاسير (5) ومَفَاطير ومناكير، وإنما أوجبوا الياء فيهما مع
[تكسير الرباعي والمشبه به]
ضعفها في نحو معاليم جمع مُعْلَم ليتبين أن تكسيرهما خلاف الأصل، والقياسُ التصحيح، والأغلب في الْمُفْعِل المختص بالمؤنث التجرد عن التاء، فلا يصحح، بل يجمع على مَفَاعل كالْمَطَافل والْمَشَادن (1) والْمَرَاضع، لما مر في شرح الكافية في باب المذكر والمؤنث، وقد يجئ هذا الباب بالتاء أيضاً، نحو ناقة مُتْلٍ ومُتْلِيهْ للتي يتلوها ولدها، وكلبة مُجْرٍ ومُجْرِية للتي لها جَرْو، وإنما أثبتوا الهاء في الناقص خوف الإجحاف بحذف علم التأنيث ولام الكلمة في المنون، وجوزوا في جمع هذا المؤنث زيادة الياء أيضاً ليكون كالعوض من الهاء المقدرة فتقول: مطافيل، ومراضيع، ومشادين، ويجوز تركه، قال تعالى: (وَحَرَّمْنَا عليه المراضع) وقال: - 65 - * حى النحل في ألبان عوذ مطافل * (2) قال " وَالرُّبَاعِيُّ نَحْوُ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ عَلَى جَعَافِرَ قِيَاساً، وَنَحْوُ قِرْطَاسٍ عَلَى قَرَاطِيسَ، وَمَا كَانَ عَلَى زِنَتِهِ مُلْحَقاً أوْ غَيْرَ مُلْحَقٍ بِغَيْرِ مَدَّةٍ أوْ مَعَهَا يَجْرِي مَجْرَاهُ نَحْوُ كَوْكَبٍ وجَدْوَلٍ وَعِثْيَرٍ وتنضب ومدعس وقرواح
وقرطاط ومصباح، ونحو جواربة وأشاعة في الأَعْجَمِيِّ وَالْمَنْسُوبِ " أقول " قوله جعفر وغيره " أي: غير هذا الوزن من أوزان الرباعي كدِرْهَم وزِبْرِج وبُرْثُن وَقِمَطْر وَبُرْقَع (1) ، على قول الأخفش، جميعُه على فَعَالل، سواء كان للقلة أو للكثرة، إذ لا يُحْذَف من حروفه الاصلية شئ حتى يرد بسببه إلى جمع القلة، وأما ذو التاء من الرباعي فقيل: يكسر في الكثرة على ما كسر عليه المذكر، وفي القلة يجمع جمع السلامة بالألف والتاء، نحو جَمَاجِم وجُمْجُمَات في جُمْجُمَة، وكذا ما هو على عدد حروفه من ذي زيادة الثلاثي غير المذكور قبل، كَمَكْرُمَة ومَكْرُمَات ومكارم وأُنْمُلَة وأنملات وأنامل قوله " ونحو قرطاس على قراطيس " أي: كل رباعي قبل آخره حرف مد كعُصْفُور وَقِرْطَاس وقنديل، فإنك تجمعه على فعاليل قوله " وما كان على زنته " أي: زنة الرباعي، أعني عدد حروفه، سواء كان مثله في الحركات المعينة والسكنات كجدول وكَوْثَر، أو لا كتَنْضُب (2) ، وهذا القول منه تَجُوُّز، لأنه يعتبر في الوزن الحركات المعينة والسكنات، فلا يقال: تَنْضُب على زنة جَعْفَر نظراً إلى مطلق الحركات إلا على مجاز بعيد، وكذا يعتبر في الزنة زيادة الحروف وأصالتها، كما مر في صدر الكتاب (3) ، لكن يتجوز تجوزا قريباً في الملحق فيقال: إنه على زنة الملحق به، فيقال
جَدْوَل وكَوْثَر على زنة جعفر، ولا يقال إن حِمَاراً على زنة قمطر، لما لم يكن ملحقاً به قوله " ملحَقَاً " يعني نحو كوثر وجَدْوَل وعِثْير (1) قوله " أو عير ملحق " يعني نحو تَنْضُب ومِدْعَس قوله " بغير مدة " من تمام قوله: أو غير ملحق، لأن المدة عندهم لا تكون للإلحاق كما مر في موضعه: أي لا يكون ملحقاً بالرباعي، لكن يساويه في عدد الحروف، بشرط أن لا تكون المساواة بسبب زيادة المدة، احترازاً عن مثل فَاعَل وفَعَال وَفَعُول وفَعِيل، فإن هذه تساوي الرباعي بسبب زيادة المدة، وليست للإلحاق، وإنما احترز عن مثل هذه الأمثلة لأن تسكيرها قد لا يكون كتكسير الرباعي، بل لها جموع معينة كما مرّ قوله " وقِرْوَاح (2) وَقُرْطَاط (3) ومصباح " يعني هذه الأمثلة تكسيرها كتكسير الرباعي الذي قبل آخره مدة، نحو قِرْطَاس، وإن لم تكن رباعية، وكذا غير ما ذكره المصنف من الثلاثي المزيد فيه حرفان أحَدُهما حرف لين رابعة مدة كانت نحو كلُّوب وكُلاَّب (4) وَإصْبَاح وإِجْفِيل (5) وأملود (6) ،
أو غير مدة كسِنَّوْر (1) وَسُكَّيْت، وعلى ما قاله سيبويه في تصغير مُسَرْوَل (2) مسيريل ينبغي أن يكسر إذا كسر على مَسَارِيل، وكذا في كَنَهْوَر كناهير (3) كما يقال في تصغيره: كُنَيْهِير، ولو قال " ونحو قِروَاح وقُرْطَاط ومصباح كقِرْطَاس " لكان أوضح، لكنه أراد وما كان على زنة الرباعي بلا مدة رابعة كجَعْفَر أو معها كقِرْطَاس يجري مجراه، ثم مثل من قوله نحو كَوْكَب إلى قوله مِدْعَس بما يوازن الرباعي بلا مدة رابعة، ومن قوله قِرْواح إلى مِصْباح بما يوازن الرباعي مع مدة رابعة قوله " ونحو جواربة (4) وأشاعثة (5) في الأعجمي والمنسوب " اعلم أن كل جمع أقصى واحدُه مُعَرَّب كجَوْرَب (4) أو منسوب كأَشْعَثي (5) فإنهم يلحقونه الهاء، أما الأول فعلى الأغلب، وأما الثاني فوجوباً، وذلك نحو مَوَازجة (6)
وصوالجة (1) وطيالسد (2) وَجَوَاربة في المعرب، وقد جاء كَيَالج (3) وَجَوَارِب تشبيهاً بالجمع العربي كالمساجد، ونحو أشَاعِثة ومَهَالِبة (4) ومشاهدة (5) في المنسوب، واحدها أشْعَثِيّ ومُهَلَّبِي وَمَشْهَدِي، وقد اجتمع العجمة والنسبة في بَرَابرة جمع بَرْبَريّ، وسَيَابِجَةٍ جمع سَيْبَجِيّ، على وزن دَيْلَمِيّ، وهم قوم من الهند يبذقون المراكب (6) في البحر، وقد يقال " سَابَج " بألف كخاتم،
والتاء عند سيبويه في جمع المنسوب عوض من ياء النسبة المحذوفة في الجمع حذفاً لازماً، وإنما حذفت فيه لكون أقصى الجموع ثقيلاً لفظاً ومعنى فلا يركب إذا
ركب وجعل مع شئ كاسم واحد، إلا مع ما هو خفيف، والتاء أخف من الياء المشددة وبينهما مناسبة كما مر في أول باب النسبة، فلذا اختيرت للعوض، وأما جمع الأعجمي فليست التاء عوضاً من شياء، فلذا لم تلزم كما لزمت في جمع المنسوب، بل هي فيه دليل على كون واحده معرباً، وقد يبدل التاء في أقصى الجموع من ياء غير ياء النسبة، نحو جحا جحة في (1) جَحْجَاح، والأصل جحاجيح، والتاء في زَنَادقة (2)
وفرازنة (1) يجوز أن يكون بدلامن الياء، إذ يقال: زناديق، وفرازين،
وزنادقة، وفرازنة، وأن تكون دليل العجمة. وقد تكون التاء في أقصى الجموع لتأكيد الجمعية، نحو مَلاَئكة وصَيَاقلة (1) وقَشَاعمة (2) ، كما تكون في غيره من الجموع نحو حِجَارة وعُمُومة، والتاء في " أنَاسِيَة "، قيل: عوض من إحدى (3) ياءَيْ أناسيّ، قال تعالى: (وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً) وقيل: لتأكيد الجمعية كما في ملائكة، على أنه جمع إنسان وأصله إنْسِيَان، فحذفت الألف والنون في الجمع، كما يقال في زَعْفَرَان: زعافر، وقيل في جمع المنسوب نحو أشَاعِثَة: إن التاء ليست عوضاً من الياء، إذ ليست في واحدة الياء، بل التاء في الجمع دليل على أنك سميت كل واحد من المنسوب باسم المنسوب إليه، فهو جمع أشْعَثَ على تسمية كل واحد من الحي باسم الأب (الأكبر) كما قيل في إلْيَاسين (4)
والأشعرون (1) : إن الاسم المنسوب إليه أطلق على كل واحد من الجماعة المنسوبة،
[جمع الخماسي]
وفي هذا الوجه ضعف، لأنه لا يطرد ذلك في المنسوب إلى المكان، نحو الْمَشَاهِدة والْبَغَادِدة (1) ، إذ الشخص لا يسمى باسم بلده كما يسمى باسم أبيه، مع قلة ذلك أيضاً واعلم أنك تحذف من الثلاثي المزيد فيه نحو مُنْطَلِق ومُسْتَخْرِج ومُقْعَنْسِس وقَلَنْسُوَة (2) وحَبَنْطىً واسْتِخْرَاج وغير ذلك، ومن الرباعي المزيد فيه نحو مُدَحْرَج ومُحْرَنْجم واحْرِنْجَام، ما حذفت في التصغير سواء: بأن تخلى الفُضْلَى من الزوائد وتحذف غيرها مما يخلُّ وجوده ببناء مَفَاعل وَمَفَاعيل، وإن لم يكن لإحداها الفضل كنت مُخَيَّراً كما في أرْطًى (3) وحَبَنْطًى، كما فعلت في التصغير سواء، ولك بعد الحذف زيادة الياء رابعة عوضاً من المحذوف كما مر في التصغير. قال " وَتَكْسِيرُ الْخُمَاسِيِّ مُسْتَكْرَهٌ كَتَصْغِيرِهِ بِحَذْفِ خَامِسِهِ ". أقول: إنما استكره تصغير الخماسي وتكسيره لأنك تحتاج فيهما إلى حذف حرف أصلي منه، ولا شك في كراهته، فلا تصغره العرب ولا تكسره في سعة
كلامهم، لكن إذا سُئِلُوا: كيف قياس كلامكم لو صغرتموه أو كسرتموه؟ قالوا: كذا وكذا، ولك زيادة ياء العوض كما في التصغير. قال " نحو تمر وحنظل وبطيخ مما يتمير واحده بالتاء ليس بمجمع عَلَى الأَصَحِّ، وَهُوَ غَالِبٌ فِي غير الْمَصْنُوعِ، وَنَحْوُ سَفِينٍ وَلَبَنٍ وَقَلَنْسٍ لَيْسَ بِقِيَاسٍ، وكمأة وكمء وجبأة وجبء عَكْسُ تَمْرَةٍ وَتَمْر ". أقول: اعلم أن الاسم الذي يقع على القليل والكثير بلفظ المفرد فإذا قصد التنصيص على المفرد جئ فيه بالتاء، يسمى باسم الجنس، وقد ذكرنا في شرح الكافية حاله (1) .
وهو عند الكوفيين جمعٌ مكسَّر واحده ذو التاء، وقولهم فاسد من حيث
اللفظ والمعنى: وأما للفظ فلتصغير مثل هذا الاسم على لفظه، فلو كان جمعاً وليس على صيغة جمع القلة لكان يجب رده إلى واحده، وأيضاً لغلبة التذكير على المجرد من التاء فيها، نحو: تمر طيب، ونخل منقعر (1) ، ولا يجوز رِجَالٌ فاضل، وأما المعنى فلوقوع المجرد من التاء منه على الواحد والمثنى أيضاً، إذ يجوز لك أن تقول: أكلت عنباً أو تفاحاً، مع أنك لم تأكل إلا واحدة أو اثنتين، بلى قد يجئ شئ منه لا يطلق إلا على الجمع، وذلك من حيث الاستعمال لا من حيث الوضع، كالْكَلِم والاكم (2) ، وهو قليل.
فنقول: مثل هذا الاسم إذا قصدت إلى جمع قلته جمعته بالألف والتاء، وإذا قصدت الكثرة جردته من التاء، فيكون المجرد بمعنى الجمع الكثير، نحو نَمْلَة ونمل، ونَمَلاَت. ثم هذه الأسماء في الثلاثي: إما فَعْل كتَمْر وطَلْح وَنَخْل وَنَمْل وَبَهْم (1) ، وقد يكسر ذوالتاء منه على فِعَال، نحو بَهْمَة وبِهَام وطَلْحَة وطِلاّح، تشبيهاً بقَصْعَة وقِصَاع، وقد قال بعضهم: صَخْرَة وصُخُور، تشبيهاً بمأتة ومُؤُون وبَدْرَةٍ وبُدُور (2) ، وكذا الأجوف منه قد يجمع على فِعَال كخِيَام (3) ورِيَاض (4) ، وكذا الناقص، نحو صِعَاء في جمع صَعْوَة (5) ، وليس التكسير فيه ولا في غيره من هذا الباب بمطرد. وإما فِعْلَة بكسر الفاء، وحكمه حكم فَعْلَة بفتحها: في أن المجرد للكثرة والألف والتاء للقلة، وقد يكسر ذوالتاء منه على فِعَلٍ كَسِدْرَةٍ وسِدَرٍ، تشبيهاً بكِسْرة وكِسَر، وتقول في الأجوف: تينٌ وتِينَة وتِينَات. وإما فُعْلَةَ كدُخْنَة (6) ودُرَّة وبُرَّة، وقد يجئ في ذي تائه فُعَل كدُرَر وثُوَم، تشبيهاً بغرف.
وإما فَعَلة كبَقَرَة وشَجَرَة وقد يكسر ذو التاء منه على فِعَال، كإكَام وثِمَار وحِدَاث (1) ، تشبيهاً بالرَّحَبَة والرِّحَاب (2) وعلى أفْعُل كآكُم، وعلى أفْعَال كآجَامٍ (3) وأشجَار، والتكسير في ناقصه قليل نادر، كحَصَاة وقذاة (4) ، قد جاء في أَضاة (5) ، إضَاء، قال سيبويه: قد جاء ذو التاء فَعْلَة بسكون العين والمجرد بفتحها، نحو حَلْقَة (6) وفَلْكَة (7) ، والجنس حَلَق وفَلَكَ، قال: خففوا الواحد بتسكين العين لما ألحقوه الزيادة: أي التاء، كما غيروا نحو نَمَرِيّ
لما لحقه ياء النسب، إذ التاء تناسب الياء كما ذكرنا في أول باب النسب، وحكي عن أبي عمرو في ذي التاء حَلَقَة بفتح العين فليس إذن بشاذ، ومن العرب من يقول حَلْقَة بسكون العين وحِلَق بكسر الفاء في المجرد وهو جمع تكسير، فيكون كبَدْرَة وبدَر، وتقول في الأجوف: هامة وهامات (1) وهام وراحة وراحات وراح، وإنما جعلنا المكسر في جميع هذا الباب لذي التاء لا للمجرد عنها، لأن المجرد في معنى الجمع الكثير، فالأولى أن لا يجمع. وإما فَعِلَة كنَبِقَة وكَلِمَة، وإما فِعلة كعِنبة وحِدَأة، وإما فَعُلَة كسَمُرَة، وهو أقل من باب كَلِمَة وعِنَبَة، وإما فُعُلة بضمتين كهُدُبَة (2) وبُسُرة (3) ، وهو أيضاً قليل، وإما فُعَلة كعُشَرة (4) ورُطَبة، ومن الناقص مُهَاة، وهو ماء الفحل في رحم الناقة ومُهاً، والقياس في قلة جيمع هذه الأوزان كما ذكرنا أولاً أن تكون بالألف والتاء، وكثرته بحذف التاء وفي غير الثلاثي نحو نَعَام ونَعَامة، وسَفَرْجَل وسَفَرْجَلَة، وقد يكون اسم مفرد في آخره ألف تأنيث مقصورة أو ممدودة يقع على الجمع نحو حلفاء (5)
وَطَرْفَاء (1) وبُهْمَى (2) ، فإذا قصدت الوحدة وصفته بالواحد نحو طَرْفَاء واحدة، وحَلْفَاء واحدة، وبُهْمَى واحدة، ولم يلحق التاء للوحدة إذ لا يجتمع علامتا تأنيث، وحُكي بُهْمَاة، وهو عند سيبويه شاذ، لأن الألف فيه عنده للتأنيث، والألف عند الأخفش للإلحاق ببرقَع، فَبُهْمًى عنده منون منصرف، وبُهْمَاة ليس بشاذ عنده، وقد ذكر أهل اللغة للطرفاء والحلفاء والقصباء واحدة على غير هذا اللفظ، فقالوا: طَرَفَة وقَصَبة بتحريك العين، واختلفوا في الْحَلْفَاء فقال الأصمعي: حَلِفَة بكسر العين، وقال أبو زيد: بفتحها كطَرَفة، وقد كسر حلفاء كصحراء على حَلاَفِي وحَلاَفَى، وإنما قالوا في أرْطًى وَعَلْقًى: أرطأة وعلقاة (3) لأن الفهما للإلحاق لا للتأنيث، ومن العرب من لا ينون علقى ويجعل الألف للتأنيث، فيقول: عَلْقى واحدة كقصباء واحدة والأغلب في الاسم الذي يكون التنصيص على الواحد فيه بالتاء أن يكون في المخلوقات دون المصنوعات، قالوا: لأن المخلوقات كثيراً ما يخلقها الله سجية، يعني جملة، كالتمر والتفاح، فيوضع للجنس اسم، ثم إن احتيج إلى تمييز الفرد أدخل فيه التاء، وأما المصنوعات ففردها يتقدم على مجموعها، ففي اللفظ أيضاً يُقدم فردها على جمعها، وفيه نظر، لأن المجرد من التاء من الأسماء المذكورة ليس موضوعاً للجمع كما توهموا، حتى يستقيم تعليلهم، بل هو لمجرد الماهية، سواء كان مع القلة أو مع الكثرة
وقد جاء شئ يسير منها في المصنوعات، كسفينة وسَفِين ولَبِنَة ولَبن وقَلَنْسُوَة وَقَلَنْس وبُرَة (1) وبُرَىً وليس أسماء الأجناس التى واحدها بالتاء فياسا، إلا في المصادر، نحو ضَرْبَة وضَرْب، ونصْرَة ونصر، لما مر والمشهور في كَمْأَةٍ (2) وَفِقَعَة (3) وجَبْأَة (4) أن ذا التاء للجمع والمجرد عنها
للمفرد، وقد قيل عكس ذلك، كما مر في شرح الكافية قال " ونحو ركب وحاق وَجَامِلٍ وسَرَاةٍ وَفُرْهَةٍ وَغَزِيٍّ وَتُؤَامٍ لَيْسَ بِجَمْع " أقول: الذي مضى في الفصل المتقدم كان اسم الجنس، والذي يذكره هي هذا الفصل اسم الجمع، والفرق بينهما من حيث المعنى أن المجرد من التاء من القسم الأول يقع على
الواحد والمثنى والمجموع، لأنه في الأصل موضوع للماهية، سواء كانت مشخصاتها قليلة أو كثيرة، فالقلة والكثيرة فيه غير داخلتين في نظر الواضع، بل إنما وضعه صالحاً لهما، بخلاف اسم الجمع، فإنه اسم مفرد موضوع لمعنى الجمع فقط، ولا فرق بينه وبين الجمع إلا من حيث اللفظ، وذلك لأن لفظ هذا مفرد بخلاف لفظ الجمع، والدليل على إفراده جواز تذكير ضميره، قال: 66 - * مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ (1) * وأيضاً تصغيره على لفظه كقوله: 67 - * أخْشَى رُكَيْباً أوْ رُجَيْلاً عاديا (2) *
وقال الاخفش: كل ما يفيد معنى الجمع على وزن فَعْل وواحده اسم فَاعِل كصَحْب وشَرْب في صاحب وشارب فهو جمع تكسير واحدُهُ ذلك الفاعل، فعلى هذا القول تصغّر لفظ الواحد ثم جمع السلامة كما في رجال ودُورٍ، فتقول في تصغير رَكْب وسَفْر: رُوَيْكبون وسُوَيْفِرُون، كما يقال: رجيلون ودُوَيْرَات، في تصغير رجال ودور، وقول الشاعر: * أخْشَى رُكَيْباً أوْ رُجَيْلاً عَادِيَا * رَدٌّ عليه. واعلم أن فَعْلاً في فاعل ليس بقياس، فلا يقال جَلْس وكَتْب في جالس وكاتب، وقال الخليل - ونعم ما قال -: إن الكمأة اسم للجمع، فهو بالنسبة إلى كمء كركب إلى راكب، فعلى هذا لا يقع كمأة على القليل والكثير كتَمْر، بل هو مثل رجال في المعنى، ومثله فِقَعَة وَفَقْع وجَبْأَة وجبء (1) ومقتضى مذهب الأخفش - وإن لم يصرح به - أن يكون مثل صُحْبَةٍ في صاحب وظُؤَار في ظئر (2) وجامل في جمل (3)
[شواذ الجمع]
وسَرَاة في سَرِيّ (1) وفُرْهة في فاره وغَزِيٍّ في غاز وتُؤَام في تَوْأم (2) وغيب وخدَم وأهَب في خادم وغائب وإهاب، وبَعَد في بعيد، ومَشْيُوخاء ومَعْيُورَاء ومَاتُوناء في شَيْخ وعَيْر وأتانٍ، ومَعيز وكلِيب في مَعْز وكَلب، ومَشْيَخَة في شيخ، وعَمَد في عَمُود، كل ذلك جمع سكسر؟ ؟، إذ هي مثل ركب وسفر ونحوهما، لأن للجميع من تركيبه لفظاً يقع على مفرده. هذا، وإنما يعرف هذا النوع بأن لا يقع ذوالتاء منه على الواحد، ولا يكون من أبنية الجمع المذكورة، ولا يفيد إلا معنى الجمع، واستدل سيبويه على أنها ليست بجمع بتذكيرها في الأغلب، نحو رَكْب مشرع، وبمجئ التصغير على لفظها، وأما ما لا يجئ من تركيبه لفظ يقع على المفرد كالغَنَم والإبل والخيل والنفر والرهط والقوم، فلا خلاف في أنها اسم جمع، وليست بجمع، وفي الأصل في القائم كالركب في الراكب، إذ الرجال قَوَّامُون على النساء، وأكثر هذا النوع: أي الذي لم يأت له من لفظه واحد، مؤنث قال: " وَنَحْوُ أرَاهِطَ وأَبَاطِيلَ وأَحَادِيثَ وَأَعارِيضَ وأَقَاطِيعَ وَأَهَال ولَيَالٍ وحَمِيرٍ وَأَمْكُنٍ عَلَى غَيْرِ الْوَاحِدِ مِنْهَا " أقول: " أعلم أن هذه جموع لفظاً ومعنى، ولها آحاد من لفظها، إلا أنها
جاءت على خلاف القياس الذي ينبغي أن يجئ عليه الجموع فأراهط جمع رَهْط، وكان ينبغي أن يكون جمع أرْهُطٍ، قيل: وجاء أرهط، قال: 86 - * وفَاضِح مُفْتَضِحٍ في أرْهُطِهْ (1) فهو إذن قياس وأباطيل: جمع باطل، والقياس (2) بواطل، وأحاديث: جمع حديث (3) ،
وأعاريض: جمع عروض (1) ، وأقاطيع: جمع قطيع، وأهَالٍ: جمع أهل، وقياسه أن يكون جمع أهْلاَة، وكذا قياس لَيَال أن يكون جمع لَيْلاة، ومثله في التصغير لُيَيْلِيَة، قيل: وقد جاء في الشعر: * فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا وَكُلِّ لَيْلاَهْ (2) * وهو غريب وكذا قياس الارضي (3) أن يكون جمع أرضَاة، وأما حمير فهو عند سيبويه من صيغ الجموع، لكن كان القياس أن يكون جمع فَعْل ككَلِيب ومَعِيز وضَئِين، وقال غير سيبويه: إنه ليس من أبنية الجموع، فهو اسم جمع كرَكْب وفُرْهة (4) . وعند سيبويه أيضاً فُعَال من أبنية الجموع، خلافاً لغيره، لكن قياسه عنده أن يكون جمع فِعْل كظُؤَار (5) في ظئر، وفَعِل كرُخَال في رخل (6) ، قال
" وتؤام في توأم شاذ " وعند غيره هو اسم الجمع. وأمْكُن وأزْمُن في جمع مكان وزمان شاذان، كما تقدم، وكذا مَحَاسن ومَشَابه جمع حُسْن وشَبَه، وكذا أكارع (1) في كُرَاع، وكذا دَوَانيق وخَوَاتيم (2) وزواريق في دَانَق وخَاتَم وزَوْرَق (3) ، والقياس ترك الياء، فالشذوذ في هذا إشباع الكسر، وقريب من هذا الباب ما يجمع بالألف والتاء من المذكرات التي لم تجمع جمع التكسير، كجِمَال (4) سِبَحْلاَت وربَحْلاَت (5) وحَمَّامَات وسُرَادِقَات، ولما قالوا فَرَاسن (6) وجَوَاليق (7) لم يقولوا فرسنات
[جمع الجمع]
ولا جُوَالِقَات، وقد جاء في بعض الأسماء المذكوة ذلك مع الكسير، نحو بوانات في بُِوان، وهو عمود (1) الخيمة. مع قولهم بون، وإنا جمع بالألف والتاء في مثله مع أنه ليس قياسه لاضطرارهم إليه، لعدم مجئ التكسير، وامتناع الجمع بالواو والنون لعدم شرطه. وقريبٌ من ذلك نحو الأرضين والْعِزين والثُّبِين (2) ، ونحو ذلك من المؤنثات المجموعة بالواو والنون وقد يجئ جمع لا واحد له أصلاً، لا قياسي ولا غير قياسي، كَعَبَادِيد وعَبَابيد (3) ، وقد مضى القول في أكثر ذلك مبسوطاً في شرح الكافية في باب الجمع، فليرجع إليه. " قَالَ وَقَدْ يُجْمَعُ الْجَمْعُ نَحْوُ أكاليب وَأَنَاعِيمَ وجَمَائِلَ وَجِمَالاَتٍ وَكلاَبَاتٍ وَبُيُوتَاتٍ وَحُمُرَاتٍ وَجُزُرَاتٍ " أقول: اعلم أن جمع الجمع ليس بقياس مطرد، كما قال سيبويه وغيره، سواء كسَّرته أو صححته، كأكالب وبُيُوتات، بل يقال فيما قالوا ولا يُتَجَاوَز، فلو قلت أفْلُسَات وأدْلِيَات في أفلس وأدل لم يجز، وكذلك أسماء الأجناس كالتمر والشعير لا تجمع قياساً، وكذا المصدر لأنه أيضاً اسم جنس، فلا يقال الشُّتُوم والنُّصُور في الشتم والنصر، بل يقتصر على ما سمع كالأشغال والحلوم والعقول، وكذا لا يقال الابار في جمع الْبُرّ، بل يقتصر في جميع ذلك على المسموع، إلا أن يضطر شاعر فيجمع الجمع، قال:
69 - * بأعْيُنَاتٍ لَمْ يُخَالِطْهَا الْقَذَى * (1) وقد سمع في أفعل وأفْعِلَة كثيراً، كالأَيْدي والأيادي والأوطب والأواطب (2) والأسقية والأساقي (3) ، مشبه بالأجدل والأجادل (4) والأنملة والأنامل، وقالوا: الأقوال والأقاويل، والأسورة والأساورة، (5) والأنعام والأناعيم (6) وقالوا في الصحيح: أعطيت (7) وأسقيات كأنملات، وجمعوا
[التقاء الساكنين]
أيضاً فِعَالاً على فَعَائِل كجمال وجمائل وشَمَائل، وصححوه ككِلاَبات ورجالات وجِمَالات، وقالوا في فُعُول نحو بُيُوتات، وفي فُعُل نحو جَزُرَات (1) وحُمُرَات وطُرُقَات، وفي فُعْل نحو عُوذَات (2) ودُورَات جمع عائذ ودار، وإنما جمع الجمع بالألف والتاء لأن المكسر مؤنث، وقالوا في فعلان كَمَصارين وحَشَاشين جمع مُصْرَان جمع مَصِير وجمع حَشَّان جمع (3) حُشّ، فهو كسلطان وسلاطين، ولا يقاس على شئ من ذلك قال: " التاء السَّاكِنَيْنِ يُغْتَفَرُ في الْوَقْفِ مُطْلقاً، وَفِي الْمُدْغَمِ قَبْلَهُ لِينٌ فِي كَلِمَةٍ نَحْوُ خُوَيْصَّة وَالضَّالِّينَ وَتُمُوَدَّ الثَّوْبُ، وفي نَحْوِ مِيْمْ وَقَافْ وَعَيْنْ مِمَّا بُنِيَ لِعَدَم التَّرْكِيبِ، وَقْفاً وَوَصْلاً، وَفِي نَحْوِ الْحَسَنُ عندك وآيمن الله بمينك، للالتباس، وفي نحو لا ها اللهِ وَإي الله جَائِزٌ، وَحَلْقَتَا الْبِطَانِ شَاذٌّ " أقول: اعلم أن الحرفين الساكنين إذا كان أولهما (حرفاً) صحيحاً لا يمكن التقاؤهما إلا مع إتيانك بكسره مُخْتَلَسة غير مُشْبَعَة على الاول منهما، فيحسب المستمعأن الساكنين التقيا، ويشاركه في هذا الوهم المتكلم أيضاً، فإذا تفطَّن كل منهما علم أن على الأول منهما كسرة خفيفة، نحو بَكْرَ بِشْرْ بُسْرْ، حركت عين الثلاثة بكسرة خفيفة، وإلا استحال أن تأتي بعدها بالراء الساكنة، وإنما تحس بذلك وتتفطنه بعد تثبتك وتأنُّقِكَ فيما تتكلم به، وإذا
خلَّيْتَ نفسك وسجيتها وجدت منها منها أنها لا تلتجئ في النطق بالساكن الثاني المستحيل مجيئه بعد الساكن الأول من بين الحركات إلا إلى الكسرة، وإن حصل لها هذا المقصود بالضمة والفتحة أيضاً، وكذلك إذا فرضت أول كلمة تريد النطق بها ساكنا، وذلك مما لا يجئ في العربية في اتبداء الكلام إلا مع همزة الوصل، ويوجد في الفارسية كقولهم شْتَاب وسْطَام، وجدت من نفسك أنك تتوصل إلى النطق بذلك الساكن بهمزة مكسورة في غاية الخفاء، حتى كأنها من جملة حديث النفس، فلا يدركها السامع، ثم تجهز بالحرف الساكن في أول الكلمة، فيتحقق لك أن إزالة كلفة النطق بالساكن بالكسرة، سواء كان ذلك الساكن في أول الكلمة أو في آخرها أو في وسطها، من طبيعة النفس وسجيتها إذا خليتها وشأنها فظهر لك أنهم لأيِّ سبب كسروا همزة الوصل، ولِمَ اجتلبوها دون غيرها، ولِمَ كسروا أول الساكنين في نحو اضْرِبِ اضْرِبِ، و (لَمْ يَكُنِ الذين) وأما إذا كان أولهما حرف لين فإنه يمكن التقاؤهما لكن مع ثقل ما، وإنما أمكن ذلك مع حروف العلة لأن هذه الحروف هي الروابط بين حروف الكلمة بعضها ببعض، وذلك أنك تأخذ أبعاضها، أعني الحركات، فتنظم بها بن الحروف، ولولاها لم تَتَّسِق، فإذا كانت أبعاضها هي الروابط وكانت إحداها وهي ساكنة قبل ساكن آخر مددتها ومكنت صوتك منها حتى تصير ذات أجزاء، فتتوصل بجزئها الأخير إلى ربطها بالساكن الذي بعدها، ولذلك وجب المد التام في أول مثل هذين الساكنين، ويَقلُّ المد في حروف كان ما قبلها من الحركات من جنسها، نحو قَوْل وبِيعَ، وذلك لأن في نحو قولَ المضموم قافه تتهيأ بعد النطق بالقاف للواو، وذلك لأن الضمة بعض
الواو، فيسهل عليك المجئ بعد الضمة بالواو كاملة لأنه لم يخالطها إذن نوع آخر في المد كما خالطها في نحو قَوْل المفتوح قافه، فإنك إذن تهيأت فيه بعد القاف للمد الألفي: أي الفتحة، ثم انتقلت في الحال إلى المد الواوي شائباً شيئاً من المد الأول بالمد الثاني، وميل كل واحد من المدين إلى جانب الآخر، فلا جرم لم تتمكن من إشباع المد الواوى تمام التمكن فإذا تقرر هذا فاعلم ن أول مثل هذين الساكنين إذا كان ألفاً فالأمر أخف لكثرة المد الذي في الألف، إذ هو مد فقط، فلذلك كان نحو مَادَّ وَسَادَّ أكثر من نحو تُمُودَّ الثوب، ثم بعد ذلك إذا كان أولهما واواً أو ياء ما قبلهما من الحركات من جنسهما، ولم يأت مثل ذلك في الياء في كلامهم نحو سِيْر، والدرجة الأخيرة أن يكون أول الساكنين واواً أو ياء قبلها فتحة لقلة المد الذي في مثل ذلك، ولم يأت مثل ذلك إلا في المصغر نحو خُوَيْصَّة، فلا تقول في الأفعل من الْيَلَل (1) والود: أيْلّ وأوْدّ، بحذف حركة اللام الأولى كما في أُصَيْمّ، بل تنقل حركة أول الساكنين عند قصد الإدغام إلى الواو والياء، نحو أيَلُّ وأوَدُّ (1) ، لقلة المد الذي فيهما، كما فعلت في نحو أشد وأمر، وإنما اختص ياء التصغير بعدم جواز نقل حركة ما بعده إليه عند قصد الإدغام لوضعهم له ساكناً ولزومه للسكون هذا، ومع المد الذي في حروف اللين يشترط في الساكن الثاني أحد الشرطين: أحدهما: أن يكون مدغماً بشرط أن يكون المدغم والمدغم فيه معاً من كلمة حرف المد، وذلك أنه إذا كان مدغماً في متحرك فهو في حكم المتحرك، وذلك لشدة التصاقه به فإن اللسان يرتفع بالمدغم فيه ارتفاعةً واحدة، فيصيران كأنهما حرف واحد متحرك، وإنما اشترطنا أن يكون المدغم من كلمة
حرف المد احترازاً من نحو خَافَا الله وخَافُوا الله وخَافِي الله فإنه يحذف حرف المد للساكنين، وذلك لأن في التقائهما مطلقاً وإن حصل جميع الشرائط كلفةً ما، كما ذكرنا، فإذا كان أولهما في مكان يليق به الحذف وهو آخر الكلمة كان تخفيف الكلمة بحذفه أولى، وإنما حذف الأول دون الثاني لضعفه، واشترطنا كون المدغم فيه من كلمة حرف المد إذ لو لم يكن منها لكان الإدغام الذي هو شرط اغتفار اجتمع الساكنين بِمَعْرِض الزوال فلا يعتد به، فلهذا لا تقول في النون المخففة في المثنى (1) اضْرِبَانْ نُعمان، بإدغام نون اضربانْ في نون نُعمان، وجاز في " ها الله " في أحد الوجوه اجتماعُ الساكنين وإن لم يكن المدغم من كلمة حرف المد لما مر في شرح (2) الكافية، الشرط الثاني
من الشرطين المعتبر واحد منهما في الساكن الثاني: أن يكون موقوفاً عليه بالسكون، أو مُجْرًى محرى الموقوف عليه، وذلك لأن الوقف لقصد
الاستراحة، ومشارفة الراحة تهون عليك أمر الثقل الذي كنت فيه (1) والوقف على ضربين: إما أن يكون في نظر الواضع، أولا فالأول في أسماء حروف الهجاء، وإنما كانت هذه الأسماء كذلك لأن الواضع وضعها لتُعَلَّم بها الصبيان أو من يجري مجراهم من الجهال صوَر مفردات حروف الهجاء، فسمى كل واحد منها باسم أوله ذلك الحرف، حتى يقول الصبي: ألِفْ مثلاً، ويقف هنيهة قدر ما يميزها عن غيرها، ثم يقول: بَا، وهكذا إلى الآخر، فلا ترى ساكنين ملتقيين في هذه الأسماء إلا وأولهما حرف لين، نحو جِيمْ
دَالْ نُونْ، وكذا الأصوات، نحو قُوسْ (1) ، وطِيخْ (2) ، الوقف فيها وضعي، لأنها لم توضع لقصد التركيب كما مضى في بابها (3)
والثاني أن لا يكون الوقف بنظر الواضع، بل يطرأ ذلك في حال الاستعمال
في غير أسماء حروف الهجاء والأصوات، نحو المؤمنُونْ، والمؤمناتْ، والفوْتُ، والميْتُ، وكذا الأسماء المعدودة نحو زَيْدْ ثَمُودْ سَعِيدْ عِمَادْ، وذلك أن الواضع وضعها لينطق بها مركبة تركيب إعراب فيقف عليها المستعمل إما مع تركيبها مع عاملها نحو جاءني المؤمنونْ أولا مع تركيبها معه نحو ثمودْ وزيْدْ والأسماء التي وضعها الواضع لتستعمل مركبة في الكلام على ضربين: أحدهما ما علم الواضع أنه يلزمه سبب البناء في التركيب، أعني مشابهة المبني، والثاني ما علم نه لا يلزمه ذلك
ففي الأول جوز وضع بناء بعضُهُ على أقل مِنْ ثلاثة نحو من وماوذا، وفي الثاني لم يجوز ذلك: إذ الثلاثة أقل أبنية المعرب، وأما أسماء حروف الهجاء والأصوات فمما لم يقصد بوضعها وقوعها مركبة، فلهذا جوز أيضاً وضع بعضها على أقل من ثلاثة، نحو بَا تَا ثَا وصَهْ وسَأْ (1) ، إذ ليست في نظره مركبة، فلا تكون في نظره معربة، وأما إن كان أول الساكنين من غير حروف اللين، ولا يكون إذن سكون ثانيهما إلا للوقف في حال الاستعمال لا بنظر الواضع، فلابد من تحريك الأول منهما بكسرة مختلسة خفيفة كما ذكرنا، حتى يمكن النطق بالثاني ساكناً، نحو عمرو وَبَكْرْ وَبِشْرْ، وإنما جوَّز هذا الشبيهُ بالتقاء الساكنين لما قلنا إن الوقف لطلب استراحة، فيحتمل معه أدنى ثقل، ولما استحال اجتماعهما إلا مع تحريك الاول وإن كان بحركة خفيفة اختار بعض العرب نَقْلَ حركة الحرف الموقوف عليه إلى الساكن الأول على التحريك بالكسرة الخفيفة التي اقتضاها الطبع كما ذكرنا، لفائدتين: إحداهما: دفع الضرورة من غير اجتلاب حركة أجنبية، والثانية إبقاء دليل الإعراب لكن فيما اختاره ضعفاً من جهة دوران الإعراب على وسط الكلمة فلذلك اجتنبه أكثر العرب قوله " يغتفر في الوقف مطلقاً " أي: سواء كان أولهما حرف لين كالمؤمنون والمؤمنين والمؤمنات، أولا نحو بكر عمرو، وقد عرفت أن الثاني ليس فيه التقاء الساكنين حقيقة، إذ هو مستحيل فيما أولهما فيه حرف صحيح قوله " وفي المدغم قبله لين في كلمة " احتراز من نحو (قالوا اطيرنا) وخافى الله، وخافا الله
قوله " خويْصَّة " تصغير خاصة قوله " تمودّ الثوب " فعل ما لم يسم فاعله من " تمد دنا الثوب " أي: مده بعضنا من بعض قوله " نحو ميم قاف عين " يعني به التقاء ساكنين ثانيهما لعدم موجب الإعراب، سواء كانت الكلمة من أسماء حروف التهجي كقاف لام ميم، أو من غيرها، كمرْصَاد ثَمُودْ عَمِيدْ، وسواء كان الحرف الأول حرف لين كما ذكرنا، أولا كعَمْرو بكر، وقد ذكرنا أن هذا الأخير شبيه بالتقاء الساكنين وليس به في التحقيق، وإنما جاز التقاء الساكنين في مثل هذ لكون الكلمات مُجْرَاة مجرى الموقوف عليه كما يجئ وإن لم تكن موقوفاً عليها قوله " وصلا " كما تصل عين بصاد في هذه الفاتحة، فسكون أواخرها ليس لأنها كانت متحركة ثم قطعت حركتها لأجل الوقف، بل لكونها مبنية على السكون، وقال جار الله (1) : هي مُعَرَّبة، لكنها لم تعرب لعريها عن سبب
الإعراب، وهذا منه عجيب، كيف يكون الاسم معرباً بلا مقتضٍ للاعراب؟
وإنما قلنا إنها لم تكن متحركة بحركة لأن الحركة إما إعرابية وكيف تثبت الحركة الإعرابية من دون سبب الإعراب الذي هو التركيب مع العامل؟ وإما بنائية، ولا يجوز، لأن بناء ما لم يثبت فيه سبب الإعراب أقوى من بناء ما عرض فيه مانع من الإعراب، فينبغي أن يكون أقوى وجهي البناء على أصل البناء، وهو السكون، لأن أصل الإعراب الحركة، وأصل البناء السكون، ثم نقول: إن (مثل) هذه الكلمات سواء كانت من أسماء حروف الهجاء أو من أسماء العدد كواحد اثنان ثلاثة، أو من غيرهما كزيد عمرو بكر، وإن اتصل بعضها ببعض في اللفظ، إلا أن آخر كل واحد منها في حكم الموقوف عليه، وإنما وجب ذلك فيها لأن كل كلمة منها مقطوعة عما بعدها من حيث المعنى، وإن كانت في اللفظ متصلة به، والدليل على كون كل واحدة في حكم الموقوف عليه إثبات ألف الوصل في اثنان إذا عددت ألفاظ العدد، وقلبُ تاء أربعة وثلاثة هاء، نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة، اتفاقاً منهم، وألف الوصل تسقط في الدرج ولا ينقلب التاء هاء إلا في الوقف، فهذه أسماء مبنية على السكون أجْرَيْتَ عليها حكم الوقف، كما يوقف على كَمْ ومَنْ وسائر الكلم المبنية على السكون، فيجري في آخر كل واحدة منها حكم الوقف، لعدم تعلق شئ منها بما بعده، كما أنه لما لم يتعلق نحو قوله تعالى: (بِسمِ الله الرحمن الرحيم) بما بعده من أول السورة كقوله تعالى: (قُلْ هُوَ الله أحد) وقفت على الرحيم، لكن لا تسكت على كل واحدة كما هو حق الوقف في آخر الكلام التام، لأن ذلك إنما هو للاستراحة بعد التعب، ولا تعب ههنا بالتلفظ بكل كلمة، فمن حيث تُجْرِي أواخرها مجرى
الموقوف عليه قلبت التاء في ثلاثة أربعة هاء، ومن حيث وصلتها بما بعدها ولم تقف عليها نقلت حركة همزة أربعة إلى الهاء، على ما حكى سيبويه، كما ينقل في نحو مَسْأَلة، وقَدْ أفلح، ومثله قول الشاعر: 70 - أقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ زِيَادٍ كَالْخَرِفْ * تَخُطُّ رِجْلاَيَ بِخَطٍ مُخْتَلِفْ * تُكَتِّبَان فِي الطَّرِيقِ لامَ الِفْ (1) بنقل حركة همزة ألف إلى ميم، ونقل المبرد عن المازني منع نقل حركة الهمزة في ثلاثة أربعة إلى الهاء، وسيبويه أوثق من أن تُرَدَّ روايته (2) عن العرب، ولا سيما إذا لم يمنعها القياس، وفرق سيبويه بين ما سكونه بنظر الواضع كأسماء حروف التهجي وبين ما سكونه يعرض ند قصد التعديد نحو واحد اثنان ثلاثة، وزيد عمرو بكر، فقال: ما أصله الإعراب جاز أن يُشَمَّ فيه الرفع، فيقال واحد اثنان، بإشمام الرفع (وإنما أشم الرفع) دون غيره لأنه أقوى الاعراب
وأسبقه، وأما ألف لام ميم فلا يُشَمُّ شئ منها حركة لكونها أعرقَ في السكون من الأول، إذ سكون مثلها بنظر الواضع، ومنع الأخفش من الإشمام، ولا وجه لمنعه مع وجه الاستحسان المذكور، وعلى ما قاله سيبويه لا بأس بإشمام الرفع في المضاف في نحو غلام زيد إذا لم تركبه مع عامله قوله " وفي نحو الْحَسَن عندك، وآيْمُنُ الله يمينك، للالتباس " يعني إذا دخلت همزة الاستفهام على ما أوله همزة وصل مفتوحة لم يجز حذف همزة الوصل، وإن وقعت في الدرج، لئلا يلتبس الاستخبار بالخبر، لأن حركتي الهمزتين متفقتان، إذ هما مفتوحتان، وللعرب في ذلك طريقان: أكثرهما قلب الثانية ألفاً محضاً، والثاني تسهيل الثانية بين الهمزة والألف، والأول أولى، لأن حق الهمزة الثانية كان هو الحذف، لوقوعها في الدرج، والقلب أقرب إلى الحذف من التسهيل، فإذا قلبت الثانية ألفاً التقى ساكنان لا على حدهما، لأن الثاني ليس بمدغم في نحو الْحَسَن ولا موقوف عليه كما شرطنا، وفي قولك " آلله " وإن كان مدغماً إلا أن المدغم ليس من كلمة حرف المد، ولا المدغم فيه، وإنما لم يحذف الالف المنقلبة من الهمزة لئلا يلزمهم ما فروا منه من التباس الاستخبار بالخبر، وهَوَّن ذلك كون الألف أمكن في المد من أخويه قوله " وحلقتا البطان " يقال في المثل: التقت حلقتا البطان، (1) إذا
تفاقم الشر، وذلك لأنهما لا يلتقيان إلا عند غاية هزال البعير أو فرط شد البطان قال: " فإنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ وَأوَّلُهُمَا مَدَّةٌ حُذِفَت، نَحْوُ خَفْ وَقُلْ وَبِعْ وَتَخْشَيْنَ وَاغْزُوا وَارْمِي واغزن وارمن ويخشى الْقَوم ويغزو الْجَيْشُ وَيَرْمِي الْغَرَضُ " أقول: كان حق قوله " وحَلْقَتَا البطان شاذ " أو يكون بعد قوله " وَيَرْمِي الغرض " لأن حق الألف الحذف كما في " يخشى القوم " ولم تحذف قوله " فإن كان غير ذلك " أي: إن كان التقاء الساكنين غيرَ ذلك المذكور، وذلك على ضربين: إما أن يكون أولهما مدة أولا، ونعني بالمدة حرفَ لين ساكناً، حركةُ ما قبله من جنسه، فإن كان فلا يخلو من أن يكون حذفُ المدة يؤدّي إلى لبس، أولا، فإن أدى إليه حرك الثاني، إذ المد لا يحرك كما في مسلمون ومسلمان، فإن النون في الأصل (1) ساكن، فلو حذفت الألف والواو للساكنين لالتبسا بالمفرد المنصوب والمرفوع المنونين، وكذا في يسلمان
ويُسْلِمون وتُسلمين لو حذفت المدّات لالتبس الفعل بالمؤكد بالنون الخفيفة في بدء النظر، وإن لم يؤدّ الحذف إلى اللبس حُذِفَ المدُّ، سواء كان الساكن الثاني من كلمة الأول كما في خَفْ وقُلْ وبِعْ، أو كان كالجزء منها، وذلك بكونه ضميراً مرفوعاً متصلاً، نحو تَخْشَيْن وتَغْزُونَ وتَرْمِينَ، كان أصلها تَخْشَى وتَغْزُو وتَرْمِي، (1) فلما اتصلت الضمائر الساكنة بها سقطت اللامات للساكنين، أو بكونه أول نوني التأكيد المدغم أحدهما في الآخر، نحو اغزن وارْمِنَّ، فإنه سقط فيهما الضميران لاتصال النون الساكنة بهما، أو كان الساكن الثاني أول كلمة منفصلة كما في يَخْشَى الْقَوم، ويغزو الجيش، ويرمي الغرضَ (2) وإنما حذف الأول إذا كان مدة مع عدم اللبس، وحرك هو إذا كان غيرَهَا نحو اضرِب اضْرِب إلا مع مانع كما في لَمْ يَلْدَهُ (3) على ما يجئ، ولم
يحذف الثاني ولم يحرك هو في جميع المواضع لأن الثاني من الساكنين هو الذي يمتنع التلفظ به إذا كان الأول صحيحاً، والذي يستثقل فيه ذلك إذا كان الاول حرف لين، وسبب الامتناع أو الاستثقال هو سكون الأول فَيُزَال ذلك المانع: إما بحذف الأول إذا استثقل عليه الحركة، وذلك إذا كان مداً، أو بتحريكه إذا لم يكن كذلك، وأما أول الساكنين فإنك تبتدئ به قبل مجئ الثاني فلا يمتنع سكونه ولا يستثقل، وإنما استثقل تحريك المد الذي هو الواو والياء لأن المطلوب من المد التخفيف وذلك بأن سكن حرف اللين وجعل ما قبله من جنسه ليسهل النطق به، وتحريكه نقض لهذا الغرض، وأما الالف فلا يجئ فيه ذلك، لأن تحريكه مستحيل، إذ لا يبقى إذن ألفاً، وإنما حذف الواو من اغْزُنَّ والياء من ارْمِنَّ وإن كان نون التأكيد كجزء الكلمة الأولى فيكون لو خُلِّي مثل الضَّالين وتمودَّ الثوب لأنها كلمة أخرى على كل حال، وليست بلازمة، فتعطي من جهة اللزوم حكم بعض الكلمة فإن قيل: فلم عد في نحو اضربانّ كجزء الكلمة فلم يحذف الألف؟ قلت: الغرض الفرق بين الواحد والمثنى، كما مر في شرح الكافية فنقول: النون من حيث لا يستثقل يمكن أن يكون له حكم جزء الكلمة، ومن حيث هو على حرفين وليس بلازم للكلمة ليس كجزئها، فحيث كان لهم غرض في إعطائه حكم الجزء أعطوه ذلك، أعني في نحو اضْرِبَانّ، وحيث لم يكن لهم غرض لم يعطوه ذلك كما في اغْزُنَّ وارْمِنَّ، وفي تمثيل المصنف باغْزُوا وارْمِي - نظراً إلى أن أصلهما اغْزُوُوا وارْمِيِي فسكنت اللام استثقالاً ثم حذفت لالتقاء الساكنين - نظر، لأن الواو والياء فاعلان يتصلان بالفعل بعد الإعلال، كما ذكرنا أول الكتاب (1) في تعليل ضمة قُلْتُ وكسرةِ بِعْتُ، فالحق أن يقال: الواو
والياء في اغزوا وارمي إنما اتصلا باغْزُ وارم محذوفي اللام، لا أنهما ثابتا اللام اعلم أن الضمائر المرفوعة المتصلة بالمجزوم والموقوف (1) نحو اغْزُوَا ولم يَغْزُوَا واغْزُوا ولَمْ تَغْزُوا واغْزِي ولم تَغْزِي وارْمِيَا ولم تَرْمِيَا وارْمُوا ولم تَرْمُوا وارْمِي ولم تَرْمِي وارْضَيَا ولم تَرْضَيَا وارْضَوْا ولم تَرْضَوْا وارْضَيْ ولم تَرْضَيْ، إنما تلحق الفعل بعد حذف اللام للجزم أو الوقف، كمل لحقت في اضْرِبَا وقُولُوا ولم يَضْرِبَا ولم يقولوا بعد الجزم والوقف، ثم تعود اللامات لحقوقها، لأن الجزم والوقف معها ليسا على اللام، ثم تسقط اللامات مع الواو والياء لاجتماع الساكنين بعد حذف حركاتها، ولا تسقط مع الألف نحو اغْزُوَا وارْمِيَا وارْضَيَا ولم يغزوا ولم تَرْمِيَا ولم تَرْضَيَا، لعدم الساكنين، ولم يقلب اللام ألفاً في ارْضَيَا وَاخْشَيَا حملاً على ترضيان وتخشيان، على ما يجئ في باب الإعلال قال: " وَالْحَرَكَةُ فِي نَحْوِ خف الله واخْشَوُا الله واخْشَى الله وَاخْشَوُنَّ وَاخْشَيِن غَيْرُ مُعْتَدّ بِهَا، بِخِلاَفِ نحو خَافَا وخَافَنَّ " أقول: يعني أن حركة الواو في اخْشَوُا الله وحركة اللام في خَفِ الله عرضتا لأجل كلمة منفصلة، وهي الله، فلم يعتد بها، فلم ترجع الألف المحذوفة لأجل سكون الواو واللام، وكذلك حركة واو اخشون ويا اخْشَينَّ لأن النون المتصلة بالضمير كالكلمة المفصلة، على ما قرر المصنف في آخر الكافية فإن قيل: هب أن النون كالكلمة المنفصلة عن الفعل بسبب توسط الضمير بيهما، أليست كالمتصلة بالضمير اتصالها باللام في خَافَنَّ؟ فلما كان حركة اللام في خَافَنَّ كالأصلية بسبب ما اتصل به: أي النون، فلذا رجع الألف المحذوفة في خف، فكذا كان ينبغي أن يكون حركة الواو والياء في اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ، فكان ينبغي أن ترجع اللام المحذوفة فيهما لسكون الواو والياء المتصلين بهما
قلنا: بين اتصال النون بلام الكلمة وبين اتصالها بالضمير فرق، وذلك لأن النون إذا اتصلت لفظاً بالضمير فهي غير متصلة به معنى، لأنها لتأكيد الفعل لا لتأكيد الضمير، وأيضاً فإن لام الكلمة عريق في الحركة فاعتدَّ بحركته العارضة، بخلاف واو الضمير ويائه، فانها عريقان في السكون فإن قلت: أليس النون في نحو اضْرِبَانَّ بعد الضمير؟ فهلا حذفت الألف كما في اضْرِبَا الرَّجل؟ قلت: خوفاً من التباس المثنى بالمفرد كما مر، وأما حركة اللام في خافا وخافوا وخافي وخَافَنَّ فإنها مع عروضها صارت كالأصلية، بسبب اتصال الضمير المرفوع المتصل الذي هو كجزء الفعل، واتصالُ نون التأكيد بنفس الفعل، وكذا في لِيَخَافَا ولْيَخَافُوا ولْيَخَافَنَّ، مع أن حركات اللام في الكلمات المذكورة وإن كانت عارضة بسبب إلحاق الضمائر والنون، لكنها ثابتة الأقدام لأجل خروج اللام عن كونه في تقدير السكون، كما كان في قُمِ الليل ولم يَقُمِ الليل، إذ الجزم والوقف مع نون التأكيد المتصلة بلام الكلمة زالا بالكلية لصيرورتها معها مبنية على الحركة على (1) الأصح، كما مر في شرح الكافية، ومع اتصال
الضمائر البارزة في نحو قولا ولم يقولا وقولوا ولم يقولوا وقولي ولم تقولي بلا نون تأكيد ينتقل الجزم والوقف عن اللام إلى النون التي بعد اللام، ففي الحالتين لم يبق اللام في تقدير السكون، فلا جرم رجعت العينات، ولزوال الجزم والوقف تثبت اللامات في اغْزُوَن وليَغْزُوَنَّ واغْزُوَا هذا، وإنما لم يحذف أول الساكنين، أعني الألف في رمى وغزا، عند اتصال ألف المثنى في غَزَوَا وَرَمَيَا وأَعْلَيَانِ وحُبْلَيَان، بل قلبت واواً أو ياء كما رأيت، وحرك، خوفاً من التباس المثنى بالمفرد، أعنى رمى وغزا وأَعْلَى زيدٍ وحُبْلَى عمرو وإنما لم ترد اللام المحذوفة في مثل رَمَتْ وَغَزَتْ وإن تحركت التاء في غَزَتَا وَرَمَتَا لأن حركتهما وإن كانت لأجل الألف التي هي كالجزء، لكن تاء التأنيث الفعلية عريقة السكون، بخلاف لام قُوَما، كما مر، وأيضاً حق التاء أن تكون بعد الفاعل، لأنها علامة تأنيثه لا علامة تأنيث الفعل، فهي مانعة للألف من الاتصال التام كما قُلْنا في اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ، على أن بعضهم جوز رَدَّ الألف في مثله، مستشهداً بقوله 71 - لَهَا مَتْنَتَانِ خَظاتَا كَمَا * أكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النمر (1)
" قال: فَإنْ لَمْ يَكُنْ مَدَّةً حُرِّكَ، نَحْوُ اذْهَبِ اذْهَبْ ولم أيله وألم الله واخْشَوُا الله وَاخْشَيِ الله، وَمِنْ ثَمَّ قِيْلَ اخْشَوُنَّ وَاخْشَيِنَّ لأَنَّهُ كالْمُنْفَصِلِ " أقول: اعلم أن أول الساكنين إن لم يكن مدةً وجب تحريكه، إلا إذا أدَّى تحريكه إلى نقض الغرض كما في لم يَلْدَهُ وانْطَلْق، كما يجئ، وإنما وجب تحريك الأول من دون هذا المانع لأن سكونه كما ذكرنا هو المانع
من التلفظ بالساكن الثاني، فيزال ذلك المانع بتحريكه، إذ لا يؤدي التحريك إلى استثقال كما أدى إليه تحريك حرف المد على ما ذكرنا ويستثنى من هذا الباب نون التأكيد الخفيفة في نحو قوله: 72 - لا تُهِينَ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ * تَرْكَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ (1) فإنه يحذف كما ذكرنا في شرح الكافية فرقا بينها وبين التنوين (2)
ويستثنى أيضاً نون لَدُن، وحذفه شاذ، ووجهه مع الشذوذ أنه كان في معرض السقوط من دون التقاء الساكنين، نحو: 73 - مِنْ لَدُ لَحْيَيْهِ إِلَى مَنْحُورِهِ * يَسْتَوْعِبُ الْبَوْعَيْنِ مِنْ جَرِيرِهِ (1) فيجوز حذفه إذا وقع موقعاً يحسن حذف حرف المد فيه، وذلك لأجل مشابهته للواو، ولا يقاس عليه نون لم يكن، وإن شاركه فيما قلنا: من مشابهة
الواو، وجواز حذفه لغير الساكنين، لأن حذف نون لدن للساكنين شاذ، وما ذكرناه وجه استحسانه، وليس بعلة موجبة ويستثنى أيضاً تنوين العلم الموصوف بابن مضافاً إلى علم كما مر في موضعه (1) وأما حذف التنوين للساكنين في قوله: 74 - وَحَاتِمُ الطَّائِيُّ وَهَّابُ المى (2)
وفيما قرئ من قوله تعالى (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد) فشاذ والأصل في تحريك الساكن الأول الكسر، لما ذكرنا أنه من سجية النفس إذا لم تُسْتَكْرَه على حركة أخرى، وقيل: إنما كان أصل كل ساكن احتيج إلى تحريكه من هذا الذي نحن فيه ومن همزة الوصل الكسر لأن السكون في الفعل: أي الجزم، أقيم مقام الكسر في الاسم: أي الجر، فلما احتيج إلى حركة قائمة مقام السكون مزيلة له أقيم الكسر مقامه على سبيل التقاص، وقيل: إنما كسر أول الساكنين وقت الاحتياج إلى تحريكه لأنه لم يقع إلا في آخر الكلمة فاستحب أن يحرك بحركة لا تلتبس بالحركة الإعرابية، فكان الكسر أولى، لأنه لا يكون إعراباً إلا مع تنوين بعده أو ما يقوم مقامها من لام وإضافة، فإذا لم يوجد بعده تنوين ولا قائم مقامها علم أنه ليس بإعراب، وأما الضم والفتح فقد يكونان إعرابا بلا تنوين، ولا شئ قائم مقامه، نحو جاءني أحمد، ورأيت أحمد، ويضرب ولن يضرب، فلو حرك بإحدى الحركتين لالتبست بالحركة الإعرابية قوله " ولم أبَلِهْ " أصله أبَالِي، سقطت الياء بدخول الجازم، فكثر استعمال " لم أُبَالِ " فطلب التخفيف، فجُوِّز جزم الكلمة بالجازم مرة أخرى، تشبيهاً لها بما لم يحذف منه شئ كيقول ويخاف، لتحرك آخرها، فأسْقط حركة اللام، فسقط الألف للساكنين، فألحق هاء السكت لأن اللام في تقدير الحركة، إذ هي إنما حذفت على خلاف القياس، فكأنها ثابتة كما في " لم يَرَهْ " و " لم يَخْشه " فالتقى ساكنان فكسر الأول كما هو القياس، وأيضاً فإن الكسر حركته الأصلية وأما قوله (الم الله) فمن وقف على (ألم) وعدها آية وابتدأ بالله محركا لهمزته
بالفتح فلا كلام فيه، وأما من وصل ألم بالله فإنه يحرك ميم ميم بالفتح لا غير، وهو مذهب سيبويه، والمسموع من كلامهم، واختلف في هذه الفتحة، والأقرب كما قال جار الله أنها فتحة همزة الله نقلت إلى ميم، كما قلنا في ثَلاثَهَرْبَعَة. وقال بعضهم: هي لإزالة الساكنين، وإنما كان الأول هو المختار لما تقدم أن أسماء حروف الهجاء إذا ركبت غير تركيب الاعراب جزى كل واحد منها مجرى الكلمة الموقوف عليها، لعدم اتصال بعضها ببعض من حيث المعنى، وإن اتصلت من حيث اللفظ، ومن ثم قلبت تاآت نحو ثلاثة أربعة هاء، فلما كانت ميم كالموقوف عليها ثبتت همزة الوصل في الله، لأنها كالمبتدأ بها، وإن كان متصلة في اللفظ بميم، فلما نقل حركة همزة القطع إلى ما قبلها وحذفت في ثَلاَثَهَرْبَعَة وفي قوله " لام الف " كذلك حذفت همزة الوصل بعد نقل حركتها إلى ما قبلها لأنها صارت كهمزة القطع من حيث بقاؤها مع الوصل، إلا أن حذفها مع نقل الحركة في (ألم الله) أولى من إثباتها، كراهة لبقاء همزة الوصل في الدرج، بخلاف الهمزة في ثَلاَثَهَرْبَعَة ولام ألف، فإن حذفها لا يترجح على إثباتها لكونها همزة قطع، واختار المصنف جعل حركة ميم للساكنين، بناء على أن الكلمات معدودة ليست أواخرهها كأواخر الكلم الموقوف عليها، فيسقط إذن همزة الوصل لكونها في الدرج، فيلتقي ساكنان: الميم، واللام الاولى، فلم يكسر الميم كأخواته لأن قبله ياء وكسرة، فلو كسرت لتوالت الأمثال، وأيضاً فيما فعلوا حصول التفخيم في لام الله، إذ هي تفخم بعد الفتح والضم وترقق بعد الكسر، والذي حمله على هذا بناؤه كما مر على أن سكون أواخر الكلمات المعدودة ليس للوقف، لأنه إنما يسكن المتحرك، ولا حركة أصلاً لهذه الكلمات، وذهب عنه أنه يوقف على الساكن أيضاً، والحق أنها مبنية على السكون، فجرى آخر كل واحدة منها مجرى الموقوف عليه، كما يوقف على مَنْ وكَمْ ونحوهما، وقلبُ التاء هاء وثبوت همزة الوصل في نحو واحد اثنان دليل الوقف، وأجاز الأخفش الكسر أيضاً في (ألم الله) قياساً
لا سماعاً، كما هو عادته في التجرد بقياساته على كلام العرب الذي أكثره مبني على السماع (وهذا هو من الأخفش) بناء على أن الحركة للساكنين وليست للنقل، وبه قرأ عمرو بن عبيد قوله " واخْشَوُا الله، واخْشَيِ الله " إنما لم يحذف الواو والياء لأن الأصل أن يتوصل إلى النطق بالساكن الثاني بتحريك الساكن الأول لا بحذفه، لأن سكونه هو المانع من النطق به، فيرفع ذلك المانع فقط، وذلك بالتحريك، وإنما ينتقل إلى حذفه إذا كان مدة كما ذكرنا، والواو والياء إذا انفتح ما قبلهما ليستا بمدتين فلا يستثقل تحريكهما، مع أنه لو حذف الواو والياء ههنا - وهما كلمتان برأسهما - لم يكن عليهما دليل، لأن قبلهما فتحة، بخلاف " اغزوا القوم " و " اغزي الجيش " فإن الضمة قبل الواو والسكرة قبل الياء دليلان عليهما بعد حذفهما قوله " ومن ثم قيل اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ لأنه كالمنفصل " لا وجه لا يراد هذا الكلام ههنا أصلاً، لأن الساكن الأول يحرك إذا لم يكن مدة، وإن كان الثاني متصلاً مثل الهاء في " لم أبله " أو مفصلا كاخشوا واخْشَيِ الله أو كالمنفصل كاخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ، فأي فائدة لقوله " لأنه كالمنفصل " وحكم المتصل أيضاً كذلك؟ وهذا مثل ما قال في آخر الكافية " وهما في غيرهما مع الضمير البار كالمنفصل " كأنه توهم ههنا أن حق الواو والياء في مثله الحذف كما في اغْزُنَّ، لكن لما كان النون المؤكدة التي بعد الضمة كالكلمة المنفصلة لم يحذفا، كما لم يحذفا في نحو اخْشَوُا الله واخْشِي الله، وقد ذكرنا الكلام عليه هناك، وتحريك لام التعريف الداخلة على همزة الوصل، نحو الاِبن والاِسم والاِنطلاق والاستخراج، من باب تحريك أول الساكنين بالكسر ليمكن النطق بالثاني في نحو قَدِ اسْتَخْرَج وهَلِ احتقر، لأن همزة الوصل حركتها تسقط في الدرج فيلتقي ساكنان: لام التعريف،
والساكن الذي كان بعد همزة الوصل، وروى الكسائي عن بعض العرب جواز نقل حركة الهمزة إذا أردت حذفه في الدرج إلى ما قبله، فروى (بسم الله الرحمن الرحيمَ الحمد لله) بفتح ميم الرحيم إذا وصلته بأول الحمد، وكذا قرئ في الشواذ (قُمَ اللَّيْل) بفتح الميم، فعلى هذا يجوز أن يكون كسرة اللام في الابن والاِنطلاق منقولة عن همزة الوصل، وكذا الضم في نحو (قَدُ استهزئ) و (قالتُ اخرج) وهو ضعيف، ولو جاز هذا لجاز (لَمْ يَكُنَ الَّذِينَ) وَعَنَ الَّذِينَ، بفتح النونين قال " إلا فِي نحو انطلق وَلَمْ يَلْدَهُ، وَفِي نَحْوِ رُدَّ وَلَمْ يَرُدَّ فِي تَمِيمٍ مِمَّا فُرَّ مِنْ تَحْرِيكِهِ لِلتَّخفِيفِ فَحُرِّكَ الثاني، وقراءة حفص وَيَتَّقْهِ لَيْسَتْ مِنْهُ عَلَى الأَصَحِّ " أقول: يعني إذا لم يكن الأول مدة حرك الاول، إلا إذا حصل من تحريك الأول نقض الغرض، وهذا في الفعل فقط، نحو انْطَلْقِ، وأصله انْطَلِقْ أمر من الانطلاق، فشبه طَلِق بكَتِفٍ في لغة تميم، فسكن اللام، فالتقى ساكنان، فلو حرك الأول على ما هو حق التقاء الساكنين لكان نقضاً للغرض وكذا الكلام في لَمْ يَلْدَهُ، قال: عَجِبْتُ لِمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ ابٌ * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ (1) واختير فتح ثاني الساكنين على الكسر الذي هو الأصل في تحريك الساكنين لتنزيه الفعل عنه، ومن ثم توقى منه بنون العماد، وأما الضم فلا يصار إليه في دفع الساكنين لثقله، إلا للإتباع كما في مُنْذُ، أو لكونه واو الجمع كما في اخْشَوُنَّ، وقيل: إنما فتح اتباعاً لحركة ما قبل الساكن الأول مع كون الفتح أخف قوله " وفي نحو رُدَّ ولم يرُدَّ في تميم " اعلم أن أهل الحجاز لا يدغمون في
المضاعف الساكن لامه للجزم أو للوقف، نحو ارْدُدْ ولم يَرْدُدْ، لأن شرط الإدغام تحريك الثاني، وبنو تميم وكثير من غيرهم لما رأوا أن هذا الإسكان عارض للوقف أو للجزم وقد يتحرك وإن كانت الحركة عارضة في نحو " أرْدُد القوم " لم يعتدوا بهذا الإسكان، وجعلوا الثاني كالمتحرك، فسكنوا الأول ليدغم، فتخف الكلمة بالإدغام، فالتقى ساكنان، فلو حرك الأول لكان نقضاً للغرض، وقد جاء به الكتاب العزيز أيضاً، قال تعالى: (وَلاَ يُضَآرَّ كاتب) وإذا ثبت أن بعض العرب يدغم الأول في الثاني في نحو يرددن مع أن تحريك الثاني مع وجود النون ممتنع فما ظنك بجواز إدغام نحو أردد ولم يردد مع جوز تحريك الثاني للساكنين؟ واتفق الجمع على ترك إدغام أفْعِل تعجباً نحو أحْبِبْ، لكونه غير متصرف، وقد يحرك الثاني أيضاً إذا كان آخِرَ الكلمة المبنية، إذ لو حرك الأول والساكنان متلازمان على هذا التقدير لالتبس وزن بوزن، كما في امْسِ وَمُنْذ، فكان يشتبه فَعْل وفُعْل الساكنا العين بالمتحركيها، ويجوز أن يعلل أين وكيف وَحَيْثُ بمثله، وباستثقال الحركة على حرف العلة إن لم يقلب، ولو قلب لكان تصرفاً في غير متمكن قوله: " وقراءة حفص - إلخ " رد على الزمخشري (1) ، فإنه قال: أصله
يَتَّقِ ألحقت به هاء السكت فصار تَقِه ككَتِف فخفف بحذف حركة القاف كما هو لغة تميم، فالتقى ساكنان، فحرك الثاني: أي هاء السكت، لئلا يلزم تقض الغرض لو حرك الأول وفيما قال ارتكاب تحريك هاء السكت، وهو بعيد، وقال المصنف - وهو الحق -: بل الهاء فيه ضمير راجع إليه تعالى في قوله (ويَخْشَ الله) وكان تَقِه ككتف، فخفف بحذف كسر القف، ثم حذف الصلة التي بعدها الضمير: أي الياء، لأنها تحذف إذا كان الهاء بعد الساكن نحو منه وعنه وعليه، كما مر في باب المضمرات قال: " والكسر الاصل فإن خولف فلعارض: كوجوب الضم في ميم الجمع ومذ، وكاختيار الفتح في ألم الله " أقول: قد ذكرنا لم كان الكسر أصلاً في هذا الباب قوله: " كوجوب الضم في ميم الجمع " ليس على الإطلاق، وذلك أن ميم
الجمع إذا كانت بعد هاء مكسورة فالأشهر في الميم الكسر، كقراء، أبي عمرو (عليهم الذِّلَّة) و (بِهِمِ الأَسْبَابُ) وذلك لاتباع الهاء وإحراء الميم مُجْرَى سائر ما حرك للساكنين، وباقي القراء على خلافَ المشهور، نحو (بِهِمُ الأسباب) و (عليهمُ القتال) بضم الميم، تحريكا لها بحركتها الأصلية لما احتيج إليها: أي الضم كما مر في باب المضمرات (1) ، وإن كانت الميم بعد ضمة، سواء كانت على الهاء كما في قوله تعالى: (هم المؤمنون) وفي قراءة حمزة (علَيْهُمُ القتال) أو على غيرها نحو (أنْتُمُ الْفُقَرَاء) و " لَكُمُ الْمُلْك اليوم " و " لمْ يَأْتِ بِكُمُ الله " فالمشهور ضم الميم تحريكا لها بحركتها الأصلية وإتباعاً لما قبلها، وجاء في بعض اللغات كسرها للساكنين كما في سائر أخواتها من ساكن قبل آخر قوله " ومذ " لا يجب ضم ذال مذ كما ذكر المصنف، بل ضمها للساكنين أكثر من الكسر: إما لأن أصلها الضم على ما قيل من كونها في الاصل منذ،
وإما لاتباع الذال للميم، وإما لكونه كالغايات كما مر في بابه، والتزموا الضم في " نحن " ليدل على الجمعية كما في هُمُو وأنْتُمُو قوله " وكاختيار الفتح " " في ألم " قد ذكرنا ما فيه، والفتح في نحو اضْرِبَنَّ وليضْرِبَنَّ للساكنين عند الزجاج والسيرافي، كما مر في شرح الكافية قال: " وَكَجَوَازِ الضَّمِّ إذَا كَانَ بَعْدَ الثَّانِي مِنْهُمَا ضَمَّةٌ أصْلِيَّة في كَلِمَتِهِ نحو وقالت اخرج وَقَالَتُ اغْزِي، بِخِلاَفِ إِن امرؤ وقالت ارموا وإن الحكم " أقول: يعني إذا كان بعد الساكن الثاني من الساكنين ضمة قوله " أصلية " ليدخل نحو " وقَالَتُ اغْزِي " لأن أصل الزاي الضمة، إذ الياء لحقت باغْزُ بضم الزاي، وليخرج نحو " وَقَالَتِ ارْمُوا " لأن أصل الميم الكسر، إذ الواو لحقت بارْمِ بكسر الميم، وليخرج نحو (إِن امرؤ هَلَكَ) لأن ضمة الراء تابعة لضمة الإعراب العارضة وتابع العارض عارض قوله " في كلمته " صفة بعد صفة لضمة: أي ضمة ثابتة في كلمة الساكن الثاني، ليخرج نحو " إن الْحُكْم " لأن ضمة الحاء وإن كانت لازمة للحاء لكن الحاء المضمومة ليست لازمة للساكن الثاني، إذ تقول: إن الحكم، وإن الفَرس، والمطلوب من كونها في كلمته لزومها له حتى يستحق أن تَتْبع حَرَكَتَهَا حركةُ الساكن الأول، وكان المبرد لا يستحسن ضم الساكن الأول إذا كان بعد كسرة، لاستثقال الخروج من الكسرة إلى الضمة نحو (عذاب اركض) وربما ضم أول الساكنين وإن لم يكن بعد ثانيهما ضمة أصلية، إتباعاً لضمة ما قبله، نحو قل اضرب، وقرئ في الشواذ (قمُ الليل) وقاس بعضهم عليه فتح المسبوق بفتحة، نحو " اصْنَعَ الْخَيْرَ " قال: " وَاخْتِيَارِهِ في نَحْوِ اخْشَوُا الْقَوْمَ عَكْسَ لَوْ اسْتَطَعْنَا "
أقول: قوله " واختياره " أي: اختيار الضم في واو الجمع المفتوح ما قبلها نحو اخْشُوا القوم واخْشَوُنَّ، لتماثل حركات ما قبل النون في جمع المذكر في جميع الأبواب نحو اضْرِبُنَّ واغْزُنَّ وارْمُنَّ واخشَوُنَّ، ويجوز أن يقال: قصدوا الفرق بى واو الجمع وغيره، نحو لَوِ اسْتَطَعْنَا، وكان واو الجمع بالضم أولى، جعلا لما قبل نون التأكيد في جمع المذكر على حركة واحدة في جميع الأبواب كما ذكرنا، وكذا واو الجمع في الاسم نحو " مُصْطَفَوُ الله " ليجانس نحو " ضَارِبُو القوم " واختير في واو " لو استطعنا " الكسر على الأصل، لانتفاء داعي الضم كما كان في واو الجمع، وقد يشبه واو الجمع بواو نحو " لَوِ استطعنا " فيكسر، وكذا قد يشبه واو نحو لَوْ بواو الجمع فيضم، وكلاهما قليل، واختاروا الضم في حَيْثُ لكونه كالغايات كما مر في بابه قال " وَكَجَوَازِ الضَّمِّ وَالفَتْحِ في نَحْوُ رُدُّ وَلَمْ يَرُدُّ بِخِلاَفِ رُدِّ الْقَوْمَ عَلَى الأَكْثَرِ، وَكَوُجُوبِ الْفَتْحِ فِي نَحْوِ رُدَّهَا، وَالضَّمِّ فِي نَحْوِ رُدُّهُ عَلَى الأَفْصَحِ، وَالكَسْرِ لُغَيَّةٌ، وغُلِّط ثَعْلَبٌ في جَوَازِ الْفَتْحِ " أقول: اعلم أن بني تميم ومن تبعهم إذا أدغموا مثل هذا الموقوف والمجزوم كما ذكرنا ذهبوا فيه مذاهب: منهم من يفتحه كما في نحو انْطَلْق وَلَمْ يَلْدَهُ، نظراً إلى كونه فعلاً فتجنيبه الكسرة اللازمة أولى، وأما في ارْدُدِ الْقَوْمَ فعروضها سهل أمرها، فيقول: مُدَّ وعَضَّ وعِزَّ، وفتح عَضَّ عنده ليس للإتباع، وإلا قال مُدُّ بالضم وعِزِّ بالكسر، ومنهم من يفر من الكسر إلى الإتباع كما في مُنْذُ، فيقول: مُدُّ وعِزِّ وعَضَّ، والكسر في عِزِّ ليس عنده لأن الساكن يحرك بالكسر، وإلا كسر عَضَّ ومُدُّ أيضاً، ومنهم من يبقي الجميع على الكسر الذي هو الأصل في إزالة الساكنين، وهم كعب وغَنِيٌّ، فيقول: مُدِّ وعَضِّ وعِزِّ، والكسر في عز عنده ليس للاتباع، وإلا أتبع في مد وعض أيضاً
وقد اجتمعت العرب حجازيُّهم وغيرهم على الإدغام في " هَلُمَّ " مع الفتح، لتركبه مع " ها " فخففوه بوجوب الإدغام ووجوب الفتح (1) وإن اتصل هذا المجزوم أو الموقوف بساكن بعده، نحو رُدِّ ابْنَكَ ولم تَرُدِّ القوم، اتفق الأكثر ممن كان يدغم على أنه يكسر قياساً على سائر ما يكون ساكناً قبل مثل هذا الساكن، نحو اضْرِب القوم، ومن العرب من تركه مفتوحاً مع هذا الساكن ايضاً، ذكر يونس أنه سمعهم ينشدون: 75 - فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيرٍ * فَلاَ كَعْباً بَلَغْتَ وَلاَ كلابا (2)
بفتح الضاد، كأنهم حركوه بالفتح قبل دخول اللام، فلما جاء اللام لم يغيروه، ولم يسمع من أحد منهم الضم قبل الساكن، وقد أجازه المصنف في الشرح، وهو وهم (1) واتفقت العرب كلهم على وجوب الفتح إذا اتصلت به هاء بعدها ألف، نحو رُدَّها وعَضَّها واسْتَعِدَّهَا، وذلك لأن الهاء خفية فكأن الألف ولي المدغم فيه، ولا يكون قبلها إلا الفتحة، وإذا كانت الهاء مضمومة للواحد المذكر ضموا كلهم نحو رُدُّه وعَضُّه واسْتَعِدُّه، لأن الواو كأنها وليت المدغم فيه لخفاء الهاء، فكأنك قلت رودا وعَضُّوا واسْتَعِدُّوا، وليس الضم في رُدُّهُ لإتباع ما قبله،
وإلا لم يضم في عَضُّه واسْتَعِدُّه، وورد في بعض اللغات كسر المدغم فيه، وذلك لأنه إذا كسر انكسر الهاء أيضاً تبعاً له كما هو عادته في بِهِ وغلامِهِ، فينقلب الواو ياء، فلو بقيت الهاء على أصلها لاستكره، لأن الواو الساكنة كأنها بعد الضمة بلا فصل، لخفاء الهاء، وجوز ثعلب في الفصيح من غير سماعٍ فتحَ المدغم فيه مع مجئ هاء الغائب بعده، نحو رُدَّه وعَضَّه، وقد غلطه جماعة، والقياس لا يمنعه، لان مجئ الواو الساكنة بعد الفتحة غير قيل كقَوْل وطَوْل واعلم أنه إذا اتصل النون وتاء الضمير بالمضاعف، نحو رَدَدْتُ ورَدَدْنَا ورَدَدْنَ وغيرها، فإن بني تميم وافقوا فيه الحجازيين في فك الإدغام للزوم سكون الثاني، وزعم الخليل وغيره أن أناساً من بني بكر بن وائل وغيرهم يدغمون نحو رَدَّن ويَرُدَّنَ ورُدَّنَ في المضارع والماضي والأمر، وكذا رَدَّتُ، نظراً إلى عروض اتصال الضمائر، فيحركون الثاني بالفتح للساكنين، قال السيرافي: هذه لغة رديئة فاشية في عوام أهل بغداد قال: " وَالْفَتْحِ في نونمن مَعَ اللاَّمِ نَحْوُ مِنَ الرَّجُلِ وَالْكَسْرُ ضَعِيفٌ، عَكْسُ مِنِ ابْنِكَ، وعَنْ عَلَى الأَصْلِ، وَعَنُ الرَّجُلِ بِالضَّمِّ ضَعِيفٌ " أقول: أي وكوجوب الفتح في نون " من " اعلم أن نون " من " إذا اتصل به لام التعريف فالأشهر فتحه، وذلك لكثرة مجئ لام التعريف بعد من، فاستثقل توالي الكسرتين مع كثرته، وليس ذلك لنقل حركة الهمزة، وإلا جاز هَلَ الرَّجُل، قال الكسائي: وإنما فتحوا في نحو مِنَ الرَّجُل، لأن أصل من مِنَا، ولم يأت فيه بحجة، وهذا كما قال أصل كَمْ كَمَا، وأما إذا ولي نون " مِنْ " ساكن آخر غير لام التعريف فالمشهور كسر النون على الأصل، نحو مِنِ ابْنِكِ، ولم يبال بالكسرتين لقلة الاستعمال، قال سيبويه: وقد فتحه
جماعة من الفصحاء فرارا من الكسرتين، وقد كسر أيضاً بعض العرب - وليس بمشهور - نُونَ مِنْ مع لام التعريف على الاصل، ولم يبال بالكسرتين لعروض الثانية والتزموا أيضاً الفتح في الساكن الثاني إذا كان الأول ياء نحو أيْنَ وكَيْفَ، فراراً من اجتماع المتماثلين، أعني الياء والكسرة، لو كسروا على الأصل، واستثقالاً للضمة بعد الياء لو ضموا، وقد شذ من ذلك حَيْثُ فإنهم جوزوا ضمه في الأفصح الأشهر وفتحه على القياس المذكور وكسره على ضعف، والأخيران قليلان، ووجه الضم قد تقدم، وأما الكسر فعلى الأصل وإن كان مخالفاً للقياس المذكور، لأن الأول ياء، لكن مجئ الضم مخالفاً للقياس المذكور جوز المخالفة بالكسر أيضاً قوله " وعَنْ على الاصل " أي: يكسر نونه مع أي ساكن كان، إذ لا يجتمع معه كسرتان كما في من، وحكى الأخفش " عَنُ الرَّجُل " بالضم، قال: وهي خبيثة شبه بقولهم: قُلُ انْظُرُوا، يعني أنه حرك النون بالضم إتباعاً لضمة الجيم، ولم يعتد بالراء المدغمة، وفيه ضعف، لعدم جواز الضم في " إنِ الْحُكم " مع أن الضمة بعد الساكن الثاني بلا فصل، فكيف بهذا؟ فلو صح هذه الحكاية فالوجه أن لا يقاس عليه غيره، ولو قيس أيضاً لم يجز القياس إلا في مثله مما بعد الساكن فيه ضم، نحو عن الحكم، أو بينهما حرف نحو عَنُ الْعَضُد. قال: " وَجَاءَ في المغتفر ومن النقر واضربه ودأبة وشأنة (وجَأنٌّ) ، بِخِلاَفِ تَأْمُرُونِّي " أقول: يعني جاء في نوعين مغتفرين من التقاء السَّاكنين تحريك أولهما، وذلك لكراهتهم مطلق التقاء الساكنين: أحدهما ما يكون سكون الثاني فيه
للوقف وأولهما غير حرف اللين، نحو جاءني عَمْرو ومررت بعمرو، فتحرك الأول بحركة الثاني، وذلك لأنه لم يكن بد من الحركة الخفية، كما ذكرنا في أول هذا الباب فتحريكه بحركة كانت ثابتة فقصد حذفها دالةٍ على معنى أولى، كما يجئ في باب الوقف، فإن كان الساكن الثاني هاء المذكر، نحو اضْرِبْه ومِنْه وضَرَبَتْهُ، جاز نقل حركة الهاء إلى الساكن الذي قبله، فتقول اضْرِبُهْ ومِنُهْ وضَرَبَتُهْ، وبعض بني تميم من بني عدى يحذفون حركة الهاء ويحركون الأول بالكسر فيقولون: ضَرَبَتِه وأخَذَتِهْ، كما تقول: ضربت المرأة، على ما يجئ في باب الوقف، وثاني النوعين ما يكون الساكن الثاني فيه مدغماً والأول ألف نحو الضَّالِّين، فتقلب الألف همزة مفتوحة، كما يجئ عن أيوب السخستياني في الشواذ (ولا الضَّأَلِّين) وحكى أبو زيد عنه دَأَبَّة وشَأَبَّة، وأنشد: 76 - يَا عجبا لقد رأيت عجبا * حمار قبان يسوق أرنبا خاطمها رأمها أنْ تَذْهَبَا * فَقُلْتُ أرْدِفْنِي فَقَالَ مَرْحَبَا (1) أي: رامها، فقلبها همزة مفتوحة، إذ لا يستقيم هنا وزن الشعر باجتماع
الساكنين، وروى أبو زيد عن عمرو بن عبيد (عن ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جَأَنٌّ) قال المبرد: قلت للمازني: أتقيس ذلك؟ قال: لا، ولا أقبله (1) ، وذهب الزمخشري والمصنف إلى أن جعل الألف همزة مفتوحة للفرار من الساكنين. فإن قيل: فالتقاء الساكنين في نحو دَأَبة أسهل من نحو تُمُودَّ الثوب، لأن الألف أقعد في المد من أخويه، فلم لم يفر من الساكنين في تمود؟ فالجوان أنه وإن كان أثقل إلا أنه أقل في كلامهم من نحو دَابَّة وشَابَّة، وإنما قلبت الألف همزة دون الواو والياء لاستثقالهما متحركين مفتوحاً ما قبلهما، كما يجئ في باب الإعلال، ولانه يلزم قبلهما ألفين في مثل هذا الحال، ويجوز
أن يقال: إن قلب اللف في نحو دابة همزة ليس للفرار من الساكنين، بل هو كمال في العالم والبأز، كما يجئ في باب الإبدال، فلما قلبوها همزة ساكنة لم يمكن مجئ الساكن بعدها كما أمكن بعد الالف، فحزك أول الساكنين كما هو الأصل، إلا أنه فتح لأن الفتحة من نخرج البدل والمبدل منه: أي الهمزة والألف، لأنهما من الحلق، وإن كان للألف أصل متحرك بحركة حركت الهمزة بتلك الحركة، قال: 77 - يَا دارمي بدَ كاكِيكِ الْبُرَقْ * صَبْراً فَقَدْ هيحت شَوْقَ الْمُشْتَئِقِ (1) قوله " بخلاف تأمرونّي " يعني أول الساكنين إذا كان ألفاً في هذا الباب فُرَّ من الساكنين بقلبه همزة متحركة وأما إذا كان واواً كتمودَّ وتأمروني، أو ماء كدويبَّة وخُوَيْصَّة، فلا، لكثرة الساكنين كذلك، وأولهما ألف دون الواو والياء قال: " الابْتِدَاءُ: لاَ يُبْتَدَأُ إلاَّ يمتحرك كما بِمُتَحَرِّكٍ كما لا يُوقَفُ إلاَّ عَلَى سَاكِنٍ، فَإنْ كَانَ الأَوَّلُ سَاكِناً - وَذلِكَ في عَشَرَةِ أسْمَاءٍ مَحْفُوظَةٍ، وَهِيَ ابْنٌ، وَابْنَةٌ، وابْنُمٌ واسْمٌ، واسْتٌ، واثْنَان، وَاثْنَتَانِ، وامْرُؤٌ، وامرأة وايمن الله، وفى كل
مَصْدَرٍ بَعْدَ ألِفِ فِعْلِهِ المَاضِي أرْبَعَةٌ فَصَاعِداً، كالاِقْتِدَارِ وَالاسْتِخْرَاجِ، وَفِي أَفْعَالِ تِلْكَ الْمَصَادِرِ مِنْ مَاضٍ وَأمْرٍ، وَفِي صِيغَةِ أمْرِ الثُّلاَثِيِّ، وَفِي لام التَّعْرِيفِ وَمِيمِهِ - أُلْحِقَ في الابْتِدَاءِ خَاصَّةً هَمْزَةُ وَصْلٍ مَكْسُورَةٌ، إلاَّ فِيمَا بَعْدَ سَاكِنِهِ ضَمَّةٌ أصْلِيَّةٌ فَإِنَّهَا تُضَمُّ، نَحْوُ اقْتُلْ، اغْزُ، اغْزِي، بِخِلاَفِ أرْمُوا، وَإلاَّ في لاَمِ التَّعْرِيفِ وَايْمُنٍ فَإِنَّهَا تُفْتَحُ) أقول: الأكثرون على أن الابتداء بالسكن متعذر، وذهب ابن جني إلى أنه متعسر لامتعذر، وقال: يجئ ذلك في الفارسية نحو شْتَرْ وَسْطَام، والظاهر أنه مستحيل ولابد من الابتداء بمتحرك، ولما كان ذلك في شْتَرْ وَسْطَام في غاية الخفاء كما ذكرنا ظُنَّ أنه ابتدئ بالساكن، بل هو معتمد قبل ذلك الساكن على حرف قريب من الهمزة مكسور، كما يُحَسُّ في نحو عمرو، وقْفاً، بتحريك الساكن الأول بكسرة خفية، وللطف الاعتماد لا يتبين، وأما الوقف على متحرك فليس بمستحيل، ولا يريد بالوقف الصناعي، فإنه ليس إلا على الساكن أو شبهه مما يرام حركته، بل يريد به السكوت والانتهاء واعلم أن الأصل أن يكون أول حروف الكلمة متحركاً، ولايكون أولها ساكناً على وجه القياس، إلا في الأفعال وما يتصل بها من المصادر على ما سيأتي، وذلك لكثرة تصرف الأفعال وكونها أصلاً في الإعلال من القلب والحذف ونقل الحركة، على ما سيأتي، فجُوِّز فيها تسكين الحرف الأول، ولم يأت ذلك في الاسم الصَّرْف إلا في أسماء معدودة غير قياسية، وهي العشرة المذكورة في المتن، ولا في الحرف إلا في لام التعريف وميمه، والهمزة في الأسماء العشرة عوض مما أصابها من الوهن: إذ هي ثلاثية فتكون ضعيفة الخِلْقة، وقد حذف لاماتها نسياً، أو هي في حكم المحذوف، وهو وهن على وَهْن، لأن المحذوف نسياً كالعدم، وليس يجب في جميع الثلاثي المحذوف اللام إبدال الهمزة منها، ألا ترى إلى غد ويد وحر،
فنقول: لما نُهِكَت هذه الأسماء بالإعلال الذي حقه أن يكون في الفعل شابهت الاعفال، فلحقها همزة الوصل عوضاً من لمحذوف، بدلالة عدم اجتماعهما، نحو ابى وَبَنَوِيّ، وقولك: ابْنُم وامْرُؤٌ وايْمُن ليست بمحذوفة الأواخر، وميم ابْنِمٍ بدل من اللام: أي الواو، لكن لما كانت النون والراء في ابنم وامرئ تتبع حركتهما حركة الإعراب بعدهما صارتا كحرف الإعراب، على أنه قيل: إن مبم ابم زائدة (1) كميم زرقم (2) وستهم (3) واللام محذوفة،
وأما ايمن الله (1) فإن نونه لما كانت تحذف كثيراً نحو ايم الله، والقسم موضع التخفيف صار النون الثابت كالمعدوم.
وأصل ابن بَنَو - بفتح الفاء والعين (1) - لأن جمعه أبناء والأفعال قياس
فَعَلٍ مفتوح العين كأجبال وقياس فَعْل ساكن العين إذا كان اجوف
كأثواب وأبيات ولا يجوز أن يكون أبناء كاقفال في جمع قُفْل ولا كأجذاع في جمع جِذْعٍ لدلالة بَنُونَ على فتح باء واحدة وابنة في الأصل بَنَوة لكونه مؤنث ابن ولام ابن واو لقولهم في المؤنث بنت وإبدال التاء من الواو أكثر منه من الياء وأيضاً البنوة يدل عليه وأما الفتوة في الفتى فعلى غير القيام (1) .
واسم في الأصل سِمْوٌ أو سُمْوٌ كحِبْرٍ وقفل بدليل قولهم سُِمٌ أيضاً من غير همزة وصل قال: 78 - * بِاسْم الَّذِي فِي كُلِّ سُورَةٍ سِمُهْ * وروى غير سيبويه اسم - بضم همزة الوصل - وهو مشتق من سَما لأنه يسمو بمسماه ويَشْهَرُه ولولا الاسم لكان خاملاً وقال الكوفيون: أصله وسْمٌ لكون الاسم كالعلامة على المسمى فخذف الفاء وبقى العين ساكنا
فجئ بهمزة الوصل ولا نظير له على ما قالوا إذ لا يحذف الفاء ويؤتى بهمزة الوصل والذي قالوا وإن كان أقرب من قول البصريين من حيث المعنى لأن الاسم بالعلامة أشبه لكن تصرفاته - من التصغير والتكسير كسُمَيّ وأسماء وغير ذلك كالسَّميِّ على وزن الحليف ونحو قولهم تسَمَّيت وسميت - تدفع ذلك إلا أن يقولوا: إنه قلب الاسم بأن جعل الفاء في موضع اللام لما قصدوا تخفيفه بالحذف إذ موضع الحذف اللام ثم حذف نسياً ورد في تصرفاته في موضع اللام إذ حُذِفَ في ذلك المكان وأصل است سَتَه - كجبل - بدليل أستاه ولا يجوز أن يكون كأقفال وأجذاع لقولهم في النسب إلى است: سَتَهيّ وفيه ثلاث لغات: است وسَتٌ وسَهٌ كما ذكرنا في النسبة وأصل اثنان ثَنَيان (1) - كفتيان - لقولهم في النسب إليه: ثَنوِي وكذا اثنتان كما مر في باب النسب وقد ذكرنا ايمن الله والخلاف فيه في شرح الكافية (2) . قوله (في كل مصدر بعد الف الماضي أربعة) احتراز من نحو أكرم فإن بعد ألف فعله الماضي ثلاثة فالهمزة في ماضية وأمره ومصدره همزة قطع وإنما جاز تسكين أوائل الأفعال لما ذكرنا من قوة تصرفاتها فجوزوا تصريفها على الوجه المستبعد أيضاً أعني سكون الأوائل وخصوا ذلك بما ماضيه على أربعة أو أكثر دون الثلاثي لأن الخفة بالثقيل أولى وأما في فاء الأمر من الثلاثي نحو اخرج فلكونه مأخوذاً من المضارع الواجب تسكين فائه لئلا يجتمع أربع متحركات في كلمة وإنما لم يسكن عينه لأنها لمعرفة الأوزان وأما اللام فللإعراب ولم يسكن حرف المضارعة لانه
زاد على الماضي بحرف المضارعة فلو سكنت اوله لا حتجت الى همزة الوصل فيزداد الثقل فلما حذف حرف المضارعة في أمر المخاطب للتخفيف - لكونه أكثر استعمالاً من أمر الغائب - احتيج في الابتداء إلى همزة الوصل وألحقوا بالأفعال التي في أوائلها همزة وصل مصادرَها وإن كانت المصادر أصول الأفعال في الاشتقاق على الصحيح لأنها في التصرف والاعتلال فروع الأفعال كما يبين في باب الإعلال نحو لاذلياذا ولا وذلو إذا وأما أسماء الفاعل والمفعول فإنما سقطت من أوائلهما همزة الوصل وإن كانا أيضاً من الأسماء التابعة للفعل في الإعلال للميم المتقدمة على الساكن كما سقطت في المضارع لتقدم حرف المضارعة قوله (وفي أفعال تلك المصادر من ماض وأمر) وإنما لم يكن في المضارع لما ذكرناه وهذه الأفعال أحد عشر مشهورة: تسعة من الثلاثي المزيد فيه كانطَلَقَ واحْمَرَّ واحْمَارَّ واقْتَدَر واستخرج واقعنسس واسلنقى واجلوذ واعشوشب واثنان من الرباعي المزيد فيه نحو احر نجم واقشعر وقد يجئ في تفعَّل وتفاعل إذا أدغم تاؤهما في الفاء نحو اطّيَّر واثاقل قوله (وفي صيغة أمر الثلاثي) أي: إذا لم يتحرك الفاء في المضارع احترازاً عن نحو قُلْ وبعْ وخَفْ وشِدَّ وعُدَّ من تقول وتبيع وتشد وتخاف وتعد قوله (وفي لام التعريف وميمه) قد مر ذلك في باب المعرفة والنكرة (1)
قوله (في الابتداء خاصة) لأن مجيئها لتعذر الابتداء بالساكن فإذا لم يبتدأ به لوقوع شئ قبله لم يحتج إلى الهمزة بل إن كان آخر الشئ - إن كان أكثر من حرف كغلام الرجل أو ذلك الشئ إن كان على حرف واحد - متحركاً نحو والله اكتفى به وإن كان ساكناً حرك نحو قُلِ الله والاستغفار قوله (مكسورةٌ) الكوفيون على ان أصل الهمزة السكون لأن زيادتها ساكنة أقرب إلى الأصل لما فيها من تقليل الزيادة ثم حركت بالكسر كما هو حكم أول الساكنين إذا لم يكن مدا المحتاج إلى حركته وظاهر كلام سيبويه
يدل على تحركها في الأصل لقوله: فَقَدَّمْتَ الزيادة متحركة لتصل إلى التكلم بها وهو الأولى لانك انما تجلبها لا حتياجك إلى متحرك فالأولى أن تجلبها متصفة بما يحتاج إليه: أي الحركة وأيضاً فقد تقدم أن التوصل إلى الابتداء بالساكن بهمزة خفية مكسورة من طبيعة النفس قوله: (ضمة أصلية) ليدخل نحو اغْزِي ويخرج نحو ارْمُوا وامْرُؤ وابْنُمٌ وإنما ضموا ذلك لكراهية الانتقال من الكسرة إلى الضمة وبينهما حرف ساكن وليس في الكلام مثله كما ليس فيه فِعُلٌ فإذا كرهوا مثله والضمة عارضة للإعراب كما قالوا في اجيئك: اجوءك فما ظنك بالكسر والضم اللازمين؟ وكذا قالوا في أنْبِئُك وهو مُنْحَدِر من الجبل: أُنْبُؤُكَ ومُنْحَدُرٌ على ما حكى الخليل قال: 79 - وَقَدْ أَضْرِبُ السَّاقَيْنِ إمُّكَ هَابِلٌ (1) *
بكسر ضم الهمزة إتباعاً لكسر نون الساقين كما انبعوا الأول الثاني في أُنْبُؤُكَ ومثله قوله تعالى (في امها) (1) بكسر الهمزة في بعض القراءات وقولهم: وَيْلِمِّها (2) بكسر اللام أصله: وَيْ لأُمِّها حذفت الهمزة شاذاً:
إما بعد إتباع حركتها حركة اللام أو قبله وأما قولهم: ويلمها - بضم اللام
فيجوز أن يكون أصله وَيْ لامها فخذفت الهمزة بعد نقل ضمتها على لام الجر وهو شاذ عَلَى شاذ ويجوز أن يكون الأصل ويل امها فخذفت الهمزة شاذاً. ويدخل في قوله (إلاَّ فِيمَا بَعْدَ سَاكِنِهِ ضَمَّةٌ أصلية) كل ماض لم يسم فاعله من الأفعال المذكورة نحو اقْتُدِر عليه وانطُلِق به قيل: وقد تكسر همزة الوصل قبل الضمة نحو اِنْصُر واِقْتُدِر عليه وليس بمشهور وإذا جاءت همزة مضمومة قبل ضمة مشمة كما في اخْتِير وانقِيد أُشِمَّت ضمتُها أيضاً كسرة وإنما فتحت مع لام التعريف وميمه لكثرة استعمالها فطلب التخفيف بفتحها وفُتِحَتْ في ايْمُن لمناسبة التخفيف لأن الجملة القَسَمِيَّة يناسبها التخفيف إذ هي مع جوابها في حكم جملة واحدة ألا ترى إلى حذف الخبر في (ايمن) و (لَعَمْرك) وجوباً وحذف النون من ايْمُنُ؟ وحكى يونس عن بعض العرب كسر همزة ايْمُنُ وَايْم قال: (وَإثْبَاتُهَا وَصْلاً لَحْنٌ وَشَذ فِي الضَّرُورَةِ وَالْتَزَمُوا جَعْلَهَا ألِفاً لاَ بَيْنَ بَيْنَ عَلَى الأَفْصَحِ في نحو الحسن وآيْمُنُ الله يَمِينُك؟ لِلَّبْسِ) أقول: قوله (شذ في الضرورة) كقوله: 80 - إِذَا جَاوزَ الإِثْنَيْنِ سِرٌّ فإنه بنث وتكثير الوشاة قمين (1)
فإذا كان قبلها مالا يحسن الوقف عليه وجب في السعة حذفها إلا أن تقطع كلامك الأول وإن لم تقف مراعياً حكم الوقف بل لعذر من انقطاع النفَس وشبهه وقد فعل الشعراء ذلك في أنصاف الابيات لانها مواضع الفصل وانما يبتدؤن بعد قطع نحو قوله: 81 - وَلاَ تُبَادِرُ في الشتاء وليدنا القدر تنزلها بغير جعال (1)
قوله (وقد التزموا جعلها ألفاً لا بين بين) قد مر في باب التقاء الساكنين
أن للعرب في مثله مذهبين: الأفصح جعل همزة الوصل ألفاً والثاني جعلها بين بين كقوله: 82 - أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أنَا أبْتَغِيهِ * أمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي (1) قوله (للبس) يعني التزموا احد الشئيئن ولم يحذفوا للبس إذ لو حذفوا التبس الاستخبار بالخبر إذ همزة الوصل في الموضعين مفتوحة كهمزة الاستفهام بخلاف نحو (أَصْطَفَى البنات) ؟ وقوله: 83 - أسْتَحْدَثَ الرَّكْبُ مِنْ أشْيَاعِهِمْ خبرا (2)
فإن اختلاف حركتي الهمزتين رافع للبس بعد حذف همزة الوصل قال: (وَأَمَّا سُكُونُ هَاءٍ وَهْوَ ووهى وَفَهْوَ وَفَهْيَ [ولَهْوَ وَلَهْيَ] فَعَارِضٌ فَصِيحٌ وَكَذَلِكَ لاَمُ الأَمْرِ نَحْوُ وَلْيُوفُوا وشبِّهَ بِهِ أهْوَ وأهْيَ وثُمَّ لْيَقْضُوا. وَنَحْوُ أن يُمِلَّ هْوَ قَلِيلٌ) . أقول: قد ذكرنا جميع هذا الفصل في فصل رد الأبنية بعضها إلى بعض في أول الكتاب (1) يعني المصنف أن أوائل هُوَ وهِيَ مع واو العطف وفائه وهمزةِ الاستفهام وكذا لام الأمر التي قبلها واو أو فاء تسكن فكان القياس أن يجتلب لها همزة الوصل لكنها انما لم تحتلب لعروض السكون وليس هذا بجواب مَرْضيّ لأن هذا الإسكان بناء على تشبيه أوائل هذه الكلم بالأوساط فنحو وهُوَ وَفَهْوَ مشبه بعَضُد ونحو وَهْيَ وَفَهْيَ مشبه بكَتِف وكذا القول في (وَلْيُوفُواْ) فلم يسكنوها الا لجعلهم اياها كوسط الكلمة فكيف تجتلب لما هو كوسط الكلمة همزة وصل؟ وهب أنه ليس كالوسط أليس غير مبتدأ به؟ وأليس السكون العارض أيضاً في أول الكلمة يجتلب له همزة الوصل إذ ابتدئ بها؟ ألا ترى أنك تقول: اسم مع أنه جاء سُمٌ وكذا است وسَت؟ فكان عليه أن يقول: لم تجتلب الهمزة لأنها انما تجتلب إذا ابتدئ بتلك الكلمة كما ذكرنا وهذا السكون في هذه الكلمات إنما يكون إذا تقدمها شئ ووجه تشبيههم
لا وائلها بالوسط عدم استقلال ما قبلها واستحالة الوقف عليه وقولك أهُوَ وأهِيَ؟ أقل استعمالاً من وَهُوَ وفَهُوَ ووَهِيَ وفَهِيَ فلهذا كان التخفيف فيه أقل وقولك: لَهُوَ وَلَهِيَ مثل فَهُوَ وَفَهِيَ يجوز تخفيف الهاء فيه على ما قرئ به في الكتاب العزيز وأما نحو لِيَفْعَلَ - بلام كي - فلم يجز فيه التخفيف لقلة استعمالها وتحريك هاء وهي بعد اللام وبعد الواو والفاء وكذا تحريك لام الأمر بعدهما هو الأصل قال سيبويه: وهو جيد بالغ وقرأ الكسائي وغيره (ثم ليقضوا تفثهم) بإسكان لام الأمر على تشبيه ثم بالواو والفاء لكونها حرف عطف مثلهما واستقبح ذلك البصريون لأن ثم مستقلة يوقف عليها وقرئ في الشواذ (أنْ يُمِلَّ هْوَ) بإسكان الهاء يُجعل (لهو) كعَضُد وهو قبيح لأن يمل كلمة مستقلة ولا يمكن تشبيهها بحرف العطف كما شبه به ثم وقوله: * فَبَات مُنْتَصْبًا وَمَا تَكَرْدَسَا (1) * أولى من مثله لكونه في كلمة واحدة. قوله (فصيح) أي: يستعمله الفصحاء بخلاف (أن يُمِلِّ هْوَ) ونحو قوله (باتَ مُنْتَصْبًا) وذلك لكثرة الاستعمال في الأول قوله (وشبه به أهو) لكون الهمزة على حرف وإن لم يكثر استعمالها مع هو وهي كاستعمال الواو والفاء معهما فلهذا كان التخفيف في أهُوَ وأهِيَ اقل
[الوقف]
قال: (الْوَقْفُ: قَطْعُ الْكَلِمَةِ عَمَّا بَعْدَهَا وَفِيهِ وُجُوهٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي الحسن (الوقف) والمحل فالاسكان المُجَرَّدُ فِي المُتَحَرِّكِ وَالرَّوْمُ فِي المُتَحَرِّكِ وَهُوَ أنْ تَأْتِي بِالْحَرَكَةِ خَفِيَّةً وَهُوَ فِي المَفْتُوحِ قَلِيلٌ وَالإشْمَامُ في الْمَضْمُومِ وَهُوَ أن تَضُمَّ الشفتين بعد الاسكان) أقول: قوله (قطع الكلمة عما بعدها) أي: ان تسكت على آخرها قاصداً لذلك مختارا لجعلها آخر الكلام سواء كان بعدها كلمة أو كانت آخر الكلام فيدخل فيه الرَّوْم والإشمام والتضعيف وغير ذلك من وجوه الوقف ولو وقفت عليها ولم تراع أحكام الوقف التي نذكرها كما تقف على آخر زيد مثلاً بالتنوين لكنت واقفاً لكنك مخطئ في ترك حكم الوقف فالوقف ليس مجرد إسكان الحرف الأخير وإلا لم يكن الرَّوْم وقفاً وكان لفظ مَنْ في مَنْ زَيد موقوفاً عليه مع وصلك إياه بزيد قوله (عما بعدها) يوهم أنه لا يكون الوقف على كلامة الا وبعدها شئ ولو قال: السكوت على آخر الكلمة اختياراً لجعلها آخر الكلام - لكان أعم قوله (وفيه وجوه مختلفة في الحسن) أي: في الوقف وجوه يعني بها أنواع أحكام الوقف وهي: الإسكان والرَّوْم والإشمام والتضعيف وقلب التنوين ألفاً أو واواً أو ياء وقلب الألف واواً أو ياء أو همزة وقلب التاء هاء وإلحاق هاء السكت وحذف الواو والياء وإبدال الهمزة حرف حركتها ونقل الحركة فإن هذه المذكورات أحكام الوقف: أي السكوت على آخر الكلمة مختاراً لتمام الكلام ونعني بالحكم ما يوجبه الشئ فإن الوقف في لغة العرب يوجب أحد هذه الأشياء قوله (وجوه مختلفة في الحسن) أي: هذه الوجوه متفاوتة في الحسن فبعضها أحسن من بعض كما يجئ من أن قلب الألف واواً أو ياء أو همزة ضعيف وكذا نقل الحركة والتضعيف وقد يتفق وجهان أو أكثر في الحسن كالإسكان وقلب تاء التأنيث هاء
قوله (والمحل) يعني به محالَّ الوجوه المذكورة وهي ما يذكره المصنف بعد ذكر كل وجه مصدرا بفى كقوله: الإسكان المجردُ في المتحرك والرَّوْمُ في المتحرك فقوله (الإسكان المجرد والروم) وجهان للوقف وقوله (المتحرك) محل هذين الوجهين إذ يكونان فيه دون الساكن وكذا قوله (إبدال الألف في المنصوب المنون) إبدال الألف وجه والمنصوب المنون محله وهلم جَرًّا إلى آخر الباب فهذه الوجوه مختلفة في المحل: أي لكل وجه منها محل آخر ثبت فيه وقد يشترك الوجهان أو أكثر في محل: واحد كاشتراك الإسكان والرَّوْم في المتحرك قوله (فالإسكان المجرد) أي: الإسكان المحض بلا رَوْم ولا إشمام ولا تضعيف والإسكان في الوقف أكثر في كلامهم من الرَّوْم والإشمام والتضعيف والنقل ويجوز في كل متحرك إلا في المنصوب المنون فإن اللغة الفاشية فيه قلب التنوين ألفاً وربيعة يجيزون إجراءه مجرى المرفوع والمجرور قال 84 - وآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍ عُصُمْ (2) وإن كان آخر الكلمة ساكناً فقد كفيت مؤونة الإسكان نحو كم
ومَنْ فلا يكون معه وجه من وجوه الوقف بل تقف بالسكون فقط بالسكون فقط ولو قيل إن سكون الوقف غير سكون الوصل لم يبعد كما قيل في نحو هِجَانٍ (1) وفُلْكِ (2) وإذا كان آخر الكلمة تنويناً لم يعتد بسكونه ولم يكتف به في
الوقف بل يحذف في الرفع والجر حتى يصير الحرف الذي قبله آخر الكلمة فيحذف حركته وإنما حذف التنوين في الرفع والجر لانك قصدت كون لكلمة في الوقف أخف منها في الوصل لأن الوقف للاستراحة ومحل التخفيف الأواخر لأن الكلمة تتثاقل إذا وصلت إلى آخرها والتنوين كحرف الكلمة الاخير من حيث كونها على حرفٍ ساكن مفيد للمعنى في الكلمة المتلوة وإن كانت في الأصل كلمة برأسها فهي: أي التنوين: إما أن تخفف بالقلب كما هو لغة أزْد السَّراة وهو قلبهم المضمومَ ما قبلها واواً والمكسورَ ما قبلها ياء وهو مكروه لأن الواو ثقيل على الجملة ولا؟ ؟ ؟ المضموم ما قبلها في الآخر وكذا الياء وإما أن تحذف فاختير الحذف على القلب وسهله كون التنوين فضلة على جوهر الكلمة في الحقيقة وإذا كان يحذف الياء المكسور ما قبلها في نحو القاضي للوقف وهي من جوهر الكلمة فما ظنك بالتنوين؟ فلما خففت الكلمة بحذف حرف كجزئها كان تخفيفها بحذف ما هو أشد اتصالاً بها منه - أعني الضم والكسر اللذين هما جزءا الحرفين أعني الواو والياء - أولى وأما في المنصوب المنون فتخفيف الكلمة غاية التخفيف يحصل من دون حذف التنوين وذلك بقلبها ألفاً إذ الألف اخف الحروف وكذلك في المثنى وجمع سلامة المذكر يحصل التخفيف فيهما بحذف حركة النون فقط
واعلم أن علامة اِلإسكان في الخط الخاء فوق الحرف الموقوف عليه. وهي حرفٌ أولُ لفظ الخفيف لأن الإسكان تخفيف قوله (والرَّوْم في المتحرك) الرَّوْم الإتيان بالحركة خفية حرصاً على بيان الحركة التي تحرك بها آخر الكلمة في الوصل وذلك: إما حركات الإعراب وهم بشأنها أعْنَى لدلالتها على المعاني في الأصل وإما حركات البناء كأين وأمْسِ وقبل وعلامةُ الرَّوْم خط بين يدي الحرف هكذا: زيد - وسمي روْماً لأنك تروم الحركة وتريدها حين لم تسقطها بالكلية ويدرك الروْم الأعمى الصحيح السمع إذا استمع لأن في آخر الكلمة صُوَيتاً خفيفاً وإن كان آخر الكلمة حرفاً ساكناً قد يحذف في الوصل ويبقى ما قبله على حركته نحو يسري والقاضي فإذا وقفت على مثله جاز لك روْمُهُ تلكَ الحركة وإن كان لا يبقى ما قبله على حركته في الوصل بعد حذفه نحو عليكُمُو وعليهِمِي لم يجز الروم على ما يجئ قوله (وهو في المفتوح قليل) إذا كان المفتوح منوناً نحو زيداً ورجُلاً فلا خلاف أنه لا يجوز فيه الرَّوْم إلا على لغة ربيعة القليلة أعني حذف نوين نحو قوله: * وآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍ عُصُمْ * (1) وإذا لم يكن منوناً نحو رأيت الرجل وأحمد فمذهب الفراء من النحاة أنه لا يجوز روم الفتح فيه لأن الفتح لا جزء له لخفته. وجزؤه كله وعند سيبويه وغيره من النحاة يجوز فيه الروم كما في المرفوع والمجرور قوله (والاشمام) الاشمام: تصوير الفم عند حذف الحركة بالصورة التي تعرض عند التلفُّظ بتلك الحركة بلا حركة ظاهرة ولا خفية وعلامته نُقْطة بين يدي الحرف لأنه أضعف من الرَّوْم إذ لا ينطق فيه بشئ من الحركة بخلاف الروم والنقطة أقل من الخط وعزا بعضهم إلى الكوفيين تجويز الإشمام في
المجرور والمكسور أيضاً والظاهر أنه وَهَم لم يجوزه أحد من النحاة إلا في المرفوع والمضموم لأن آلة الضمة الشفة وقصدك بالإشمام تصوير مخرج الحركة للناظر بالصورة التي يتصور ذلك المخرج بها عند النطق بتلك الحركة ليَسْتَدل بذلك على أن تلك الحركة هي الساقطة دون غيرها والشفتان بارزتان لعينه فيدرك نظره ضمهما وأما الكسرة فهي جزء الياء التي مخرجها وسطُ اللسان والفتحة جزء الألف التي مخرجها الحلق وهما محجوبان بالشفتين والسِّنِّ فلا يمكن المخاطب إدراك تهيئة المخرجين للحركتين قال: والأَكْثَرُ عَلَى أنْ لاَ رَوْمَ وَلاَ إشْمَامَ فِي هَاء التَّأْنِيثِ ومِيمِ الْجَمْعِ وَالْحَرَكَةِ العارضة) اقول: لم اراحدا: لا من القراء ولا من النحاة ذكر أنه يجوز الروْم والإشمام في أحد الثلاثة المذكورة بل كلهم منعوهما فيها مطلقاً وأرى أن الذي أوهم المصنف أنه يجوز الرَّوْم والاشمام فيها قول الشاطبي - رحمه الله تعالى - بعد قوله: 85 - وَفِي هَاءِ تَأْنِيثٍ وَميم الجميع قل وَعَارِض شَكَلٍ لَمْ يَكُونَا لِيَدْخُلاَ وَفِي الْهَاءِ للإضمار قوم أبوهما * ومن قبله ضم أو الكسر مثلا أو اماهما واو وياء وبعضهم * يرى لهما في كل حال محللا (1)
فظن أنه أراد بقوله (في كل حال) في هاء التأنيث وميم الجمع وعارضِ الشكل وهاء المذكر كما وهم بعض شراح كلامه أيضاً وإنما عنى الشَاطبي في كل حال من أحوال هاء المذكر فقط كما يجئ فنقول: إنما لم يجز في هاء التأنيث الروم والإشمام لأنه لم يكن على الهاء حركة فيُنَبَّه عليها بالروْم أو بالإشمام وإنما كانت على التاء التي هي بدل منها فمن ثم جازا عند من يقف على التاء بلا قلب كقوله: 86 - * بَلْ جوز تيهاء كظهر الحجف (1) *
وأما ميم الجمع فالأكثر على إسكانه في الوصل نحو عليكم وعليهمْ والروْم والإشمام لا يكونان في الساكن وأما من حركها في الوصل ووصلها بواو اوياء فإنما لم يرُمْ ولم يُشِمَّ أيضاً بعد حذف الواو والياء كما رام الكسرة في القاضي بعد حذف يائه لأن تلك الكسرة قد تكون في آخر الكلمة في الوصل كقوله تعالى (يوم يدع الداع) ولم يأت عليكُمُ وإليهِمِ إذا وصلتهما بمتحرك بعدهما متحركي الميمين محذوفَيْ الصلة فكيف تُرام أو تُشَم حركةٌ لم تكن آخراً قط واما نحو (عليكم الكتاب) و (إليهم الملائكة) فإن آخر الكلمة فيها الواو والياء المحذوفتان للساكنين وما حذف للساكنين فهو في حكم الثابت هذا إن قلنا: إنهما كانا قبل اتصالهما بالساكنِ عليكُمُو وإليهِمي على ما هو قراءة ابن كثير وإن قلنا: إنهما كانا قبل ذلك عليكم واليهم - سكون الميم فيهما - فالكسر والضم إذن عارضان لأجل الساكنين والعارض لا يرام ولا يشم كما في قوله تعالى (مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ) ولقد استهزئ) لأن الروم والإشمام إنما يكونان
للحركة المقدرة في الوقف والحركة العارضة للمساكنين لا تكون إلا في الوصل فإذا لم تقدر في الوقف فكيف ينبه عليها؟ قال: (وَإِبْدَالُ الأَلِفِ في الْمَنْصُوبِ الْمُنَوَّنِ وَفي إذَنْ وَفِي نَحْوِ اضْرِبَنْ بِخِلاَف الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ عَلَى الأَفْصَحِ) أقول: المنصوب المنون تقلب نونه ألفاً لأنه لا يستثقل الألف بل تخف به الكلمة بخلاف الواو والياء لو قلبت النون إليهما في الرفع والجر والخفة مطلوبة في الوقف كما تقدم وقد ذكرنا أن ربيعة يحذفون التنوين في النصب مع الفتحة فيقفون على المنصوب كما يقفون على المرفوع والمجرور قال شاعرهم: * وآخذُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ عُصُمْ * وذلك لأن حذفها مع حذف الفتحة قبلها أخف من بقائها مقلوبةٌ ألفاً معها وأما (إذن) فالأكثر قلب نونها الفا في الوقف لأنها تنوين في الأصل كما ذكرنا في بابه (1) ومنع المازني ذلك وقال: لا يوقف عليه الا بالنون لكونه كلن
وأن من نفس الكلمة وأجاز المبرد الوجهين فمن قلبها ألفاً كتبها به وإلا فبالنون وذلك لأن مبنى الخط على الابتداء والوقف كما يجئ قوله (وفي نحو اضربن) يعني به نون التأكيد المخففة ما قبلها وعلة قلبها ألفاً إذا انفتح ما قبلها وحذفها إذا انضم أو انكسر ما قلنا في التنوين سواء قوله (بخلاف المرفوع والمجرور في الواو والياء) عبارة ركيكة ولو قال بخلاف الواو والياء في المرفوع والمجرور لكان أوضح يعني لا يقلب تنوين المرفوع واواً وتنوين المجرور ياء كما قلبت تنوين المنصوب ألفاً لأداء ذلك إلى الثقل في موضع الاستخفاف وإذا كانوا لا يجيزون مثل الأَدْلُو مطلقاً ويجيزون حذف ياء مثل القاضي في الوصل والواو والياء فيهما أصلان فكيف يفعلون في الوقف الذي هو موضع التخفيف شيئاً يؤدي إلى حدوث واو وياء قبلهما ضمة وكسرة؟ وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون: هذا زيدُو ومررت بزيدي كما يقال: رأيت زيدَا حرصًا على بيان الاعراب قال: (ويُوقَفُ على الألف في بَابِ عَصاً ورَحًى باتِّفَاقٍ) أقول: اختلف النحاة في هذا الألف في الوقف فنُسب إلى سيبويه أنها في حال الرفع والجر لام الكلمة وفي حال النصب ألف التنوين قياساً على الصحيح وليس ما عزى إليه مفهوماً من كلامه لأنه قال (1) : (وأما الألِفات التى
تذهب في الوصل فانها لا تحذف في الوقف لأن الفتحة والألف أخف ألا ترى أنهم يفرون من الواو والياء المفتوح ما قبلهما إلى الألف؟ وقد يفر إليه في الياء المكسور ما قبلها نحو دُعَا وَرُضَا) . وقال أيضاً: (إنهم يخففون عَضُداً وَفَخِذاً بحذف حركتي عينيهما ولا يحذفون حركة عين جَمَلٍ) قال السيرافي - وهو الحق -: (هذا الموضع يدل على أن مذهب سيبويه أن الألف التي تثبت في الوقف هي التي كانت في الوصل محذوفة) أقول: معنى كلام سيبويه أنك إذا قلت (هذا قَاضْ) و (مررت بقَاضْ) فإنك تحذف في الوقف الياء التي حذفتها في الوصل للساكنين وإن زال أحد الساكنين وهو التنوين وذلك لعروض زواله إذ لو لم يحذف الياء والكسرة في الوقف
لبقيت الكلمة في حال الوقف على وجه مستثقل عندهم مع كونها اخف مما كانت في الوصل لأن الياء على كل حال أخف من التنوين
وأما الألف المحذوفة في المقصور في الأحوال الثلاث للساكنين فإنك تردها في حال الوقف في الأحوال الثلاث لزوال الساكن الأخير: أي التنوين لأن الألف أخف من كل خفيف فاعتبرت زوال التنوين في المقصور مع عروضه لأن اعتباره كان يؤدي إلى كون حال الوقف على وجه مستثقل وقد رأيت كيف عَمَّم سيبويه علة رد الألف التي هي اللام حالات الرفع والنصب والجر لأنها كانت محذوفة في الحالات الثلاث للساكنين ولا يعطى كلام سيبويه ما نُسب إليه لا تصريحاً ولا تلويحاً وما نسب إليه مذهب أبي علي في التكملة وأقصى ما يقال في تمشيته أن يقال: إن فتى في قولك في الوقف (جاءني فتى) و (مررت بفتى) و (رأيت فتى) كان في الأصل فَتَيٌ وفَتَي وَفَتياً حذف التنوين في الرفع والجر كما يحذف في الصحيح وسكن اللام للوقف ثم قلبت ألفاً لعروض السكون فكأنها متحركة مفتوح ما قبلها وأما في حالة النصب فقد قلبت التنوين ألفاً للوقف ثم قلبت اللام ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الألف الأولى للساكنين كما هو حق الساكنين إذا التقيا وأولهما مد وهذا كله خبط لأنك وقفت على الكلمة ثم أعللتها ونحن نعرف أن الوقف عارض للوصل والكلمة في حال الوصل مُعَلَّة بقلب لامها ألفاً وحذفها للساكنين فلم يبق في المقصور إذن في الوقف إلا مذهبان: أحدهما أنك إذا حذفت التنوين رددت اللام الذي حذفته لأجله مع عروض حذف التنوين وذلك لاستخفاف الألف والفتحة كما ذكر سيبويه واستدل السيرافي على كون الألف لام الكلمة في الأحوال بمجيئها رويا في النصب قال: 87 - وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الْحَيِّ سرى صادف زادا وحديثا ما اشتهى
* إنَّ الْحَدِيثَ جَانِبٌ مِنَ الْقِرَى (1) * ولايجوز (زَيْداً) مع (مَحْيَى) لما ثبت في علم القوافي وأيضاً فإنها تمال في حال النصب كقوله تعالى (واتحذوا من مقام ابراهيم مصلى) وامالة الف التنوين فليلة كما يجئ في بابها وأيضاً تكتب ياء وألف التنوين تكتب ألفاً والمذهب الثاني انك لاترد الالف المحذوفة لانك التنوين الموجب لحذفها بل تقلبها في الأحوال الثلاث الفاً لوقوعها في الأحوال بعد الفتحة كما قلبتها ألفاً في (زيداً) المنصوب لأن موقعها في الأحوال الثلاث مثل موقع تنوين زيداً المنصوب بل هنا القلب أولى لأن فتحة (زيداً) عارضة إعرابية والفتحة في المقصور لازمة. وهذا المذهب لابن بُرْهَان ويُنْسَب إلى أبي عمرو بن الْعَلاَء والكسائي أيضاً. والأول أولى لما استدل به السيرافي. وأما المقصور المجرد من التنوين فالألف الذي في الوقف هو الذى هو الذي كان فيه في الوصل بلا خلاف كأعلى والفتى وقد يحذف ألف المقصور اضطراراً قال:
88 - وقبيل من لكثير شاهد * رهط مرجوم ورهط ابن الْمُعَلْ (1) قال: (وَقَلْبُهَا وَقَلْبُ كُلِّ ألِفٍ هَمْزَةً ضَعِيفٌ) أقول: يعني قلب ألف المقصور وقلبَ غيرها من الألفات سواء كانت للتأنيث كحبلى أو للإلحاق كمِعْزَى أو لغيرهما نحو يضربها فإن بعض العرب يقلبها همزة وذلك لأن مخرج الألف متسع وفيه المد البالغ فإذا وقفت عليه خليت سبيله ولم تضمه بشفة ولا لسان ولا حلق كضم غيره فيهوي الصوت إذا وجد متسعاً حتى ينقطع آخره في موضع الهمزة وإذا تفطنت وجدت ذلك كذلك فإذا وصلوا لم يمتد الألف إلى مخرج الهمزة لأنك تأخذ بعد الالف في حرف آخر وفي الواو والياء أيضاً مد ينتهي آخره إلى مخرج الهمزة قال الخليل: ولذلك كتبوا نحو (ضربوا) بهمزة بعد الواو لكن مدهما أقل من مد الألف وقال الأخفش: زادوا الألف خطاً في نحو (كفروا) للفصل بين واو العطف وواو الجمع وقال غيرهما: بل ليفصلوا بين ضمير المفعول نحو (ضربوهم) وبين ضمير التأكيد نحو (ضربواهم) ثم طردوا في الجميع وإن لم يكن هناك ضمير قال: (وكَذَلِكَ قَلْبُ ألِفٍ نَحْوُ حُبْلَى هَمْزَةً أوْ وَاواً أوْ يَاءً) أقول: قوله (همزة) لم يكن محتاجاً إليه مع قوله قبل (قلب كل ألف همزة)
قوله (أو واواً أو ياء) اعلم أن فَزَارة وناساً من قَيْس يقلبون كل ألف في الآخر ياء سواء كان للتأنيث كحُبْلى اولا كمُثَنَّى كذا قال النحاة وخص المصنف ذلك بألف نحو حُبْلَى اولا كمُثَنَّى كذا قال النحاة وخص المصنف ذلك بألف نحو حُبْلَى وليس بوجه وإنما قلبوها ياء لأن الألف خفية وإنما تبين إذا جئت بعدها بحرف آخر وذلك في حالة الوصل لأن أخذك في جَرْس حرف آخر يُبين جرس الأول وإن كان خفياً وأما إذا وقفت عليها فتخفى غاية الخفاء حتى تُظَن معدومة ومن ثم يقال: هؤلاه ويارباه بهاء السكت بعدها فيبدلونها إذن في الوقف حرفاً من جنسها أظهر منها وهي الياء وإنما احتملوا ثقل الياء التي هي أثقل من الألف في حالة الوقف التي حقها أن تكون أخف من حالة الوصل للغرض المذكور من البيان مع فتح ما قبلها فإنه يخفف شيئاً من ثقلها وهذا عذر من قلبها همزة أيضاً وإن كانت أثقل من الألف وطيئ يَدَعُونها في الوصل على حالها في الوقف فيقولون: أفْعَى بالياء في الحالين وبعض طيئ يقلبونها واواً لأن الواو أبين من الياء والقصد البيان وذلك لأن الألف أدخل في الفم لكونه من الحلق وبعده الياء لكونه من وسط اللسان وبعده الواو لكونه من الشفتين والياء أكثر من الواو في لغة طيئ في مثله لأنه ينبغي أن يراعى الخفة اللائقة بالوقف مع مراعاة البيان والذين يقلبونها واواً يَدَعُون الواو في الوصل بحالها في الوقف وكل ذلك لإجراء الوصل مجرى الوقف وإنما قلبت واواً أو ياء لتشابه الثلاثة في المد وَسَعة المخرج وقريب من ذلك ابدال بنى تميم ياء (هذى) في الوقف هاء فيقولون: هذه بسكون الهاء وإنما أبدلت هاء لخفاء الياء بعد الكسرة في الوقف التي هي أخت الياء في المد فإذا وصل هؤلاء ردوها ياء فقالوا: هذى هند لأن ما بعد الياء يبينها وقيس وأهل الحجاز يجعلون الوقف والوصل سواء بالهاء كما جعلت طيئ الوقف والوصل
سواء في أفْعَىْ إلا أن قلب الهاء من الياء لا يطرد في كل ياء كما اطرد قلب الياء من كل ألف عند طيئ في الوقف والأغلب بعد قلب ياء هذى هاء تشبيه الهاء بهاء المذكر المكسور ما قبلها نحو بِهِي وَغُلاَمِهِي فتُوصَل بياء في الوصل ويحذف الياء في الوقف كما يجئ بعد ويجوز هذه بسكون الهاء وصلاً ووقفاً لكنه قليل ويبدل ناس من بنى تميم الجيم مكان الياء في الوقف شديدةً كانت الياء أو خفيفة لخفاء الياء كما ذكرنا وقرب الجيم منها في المخرج مع ونه أظهر من الياء فيقول: تميمجّ وعلج [في تميمي وعلي] وقوله: 89 - خَالِي عُوَيْفٌ وَأبُو عَلِجِّ * المطعمان اللحم بالعشج (1) وبالغداة فلق البرنج * يُقْلَعُ بِالْوَدِّ وَبِالصِّيصِجِّ من باب إجراء الوصل مجرى الوقف عند النحاة ويجئ الكلام عليه وأنشد أبو زيد في الياء الخفيفة: 90 - يَا رَبِّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ فلا يزال شاحج يأتيك بج * أقمر نهات ينزى وفرتج (2) *
قال: (وَإبْدَالُ تَاءِ التَّأْنِيثِ الاسْمِيَّةِ هَاءً فِي نَحْوِ رَحْمَةٍ عَلَى الأَكْثَرِ وَتَشْبِيهُ تَاءِ هَيْهَاتَ بِهِ قليل وفى الضار بات ضَعِيفٌ وَعِرْقَاتٌ إنْ فُتِحَتْ تَاؤُهُ فِي النَّصْبِ فبِالهَاءِ وَإلاَّ فَبِالتَّاءِ وَأَمَّا ثَلاَثَةَ ارْبَعَةَ فِيمَنْ حَرَّكَ فَلأَنَّهُ نَقَلَ حَرَكَةَ هَمْزَةِ الْقَطْعِ لَمَّا وصل بخلاف الم الله فَإِنَّهُ لَمَّا وُصِلَ الْتَقَى سَاكِنَانِ) . أقول: لا خلاف في تاء التأنيث الفعلية أنها في الوقف تاء وفي أن أصلها تاء أيضاً وأما الاسمية فاختلف في أصلها فمذهب سيبويه والفراء وابن كَيْسَان وأكثر النحاة أنها أصل كما في الفعل لكنها تقلب في الوقف هاء ليكون فرقاً بين التاءين: الاسمية والفعلية أو بين الاسمية التي للتأنيث كعِفْرِيَة (1) والتي لغيره كما في عِفْرِيت وَعَنْكَبُوت وإنما قلبت هاء لان في الهاء همسا
وليناً أكثر مما في التاء فهو بحال الوقف الذي هو موضع الاستراحة أولى ولذلك تزاد الهاء في الوقف فيما ليس فيه - أعني هاء السكت - نحو: أنَهْ وهؤلاه وإنما تصرف في الاسمية بالقلب دون الفعلية لأصالة الاسمية لأنها لاحقة بما هي علامة تأنيثه بخلاف الفعلية فإنها لحقت الفعل دلالة على تأنيث فاعله والتغيير بما هو الأصل أولى لتمكنه. وقال ثعلب: إن الهاء في تأنيث الاسم هو الأصل وإنما قلبت تاء في الوصل إذ لو خليت بحالها هاء لقيل: رأيت شَجَرَهاً بالتنوين وكان التنوين يُقلب في الوقف ألفاً كما في (زَيْداً) فيلتبس في الوقف بهاء المؤنث فقلبت في الوصل تاء لذلك ثم لما جئ إلى الوقف رجعت إلى أصلها وهو الهاء وإنما لم يقلب التنوين عند سيبويه ألفاً بعد قلب التاء هاء خوفاً من اللبس أيضاً كما قلنا وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقفون على الاسمية أيضاً [بالتاء] قال: 91 - الله نَجَّاكَ بِكَفَّيْ مَسْلَمَتْ * مِنْ بَعْدِ مَا وَبَعْدِ ما وبعدمت (1)
صارت نفوس القوم عند الغلصمت * وكادت الحرة أنْ تُدْعَى أَمَتْ والظاهر أن هؤلاء لا يقولون في النصب (رأيت امتا) كزيد بألف بل (رأيت أمَتْ) كما في قوله (وكادت الحرة أن تدعى أمت) وذلك لحمله على (أمَهْ) بالهاء فإنه هو الأَصل في الوقف قوله (وتشبيهُ تاء هيهات به قليل) قد ذكرنا حكمه في اسماء الافعال (1)
وأن بعض النحاة قال: إنك إذا كسرت تاءه فهو في التقدير جمع هَيْهيَة وأصله هَيْهَيَاتٌ فحذف الياء شاذاً لكونه غير متمكن كما حذفت في اللَّذَان والقياس اللذَيَان وإذا ضممت تاءه أو فتحتها جاز أن يكون مفرداً وأصله هَيْهَية فيوقف عليه بالهاء وأن يكون مجموعاً فيوقف عليه بالتاء وقد ذكرنا هناك أنه يجوز أن يكون أصله هَيْهيَة سواء كان مضموم التاء أو مفتوحها أو مكسورها لكنه انما قل الوقف عليها بالهاء لالتحاقه بالأفعال لكونه اسم فعل فكان تاؤه كتاء قامَتْ وَقَعدَتْ وذكرنا أيضاً أنه يجوز ان يجوز أن يكون الألف والتاء زائدتين وتركيبه من هَيْهَي ككوكب وأما تجويز قلب تائه هاء على هذا فلتشبيهه لفظاً بنحو قَوْقَاة (1) ودَوْدَاة (2) قوله (وفي الضاربات ضعيف) يعني أن بعضهم يقلب تاء الجمع أيضاً في الوقف
هاء لكونها مفيدة معنى التأنيث كإفادتها معنى الجمع فيشبه بتاء المفرد حكى قُطْرُب (كيف الْبَنُون والبناه) والأكثر أن لا تقلب هاء لأنها لم تتخلص للتأنيث بل فيها معنى الجمعية فلا تقلب هاء وأما تاء نحو (أخت) فلا خلاف في أنها يوقف عليها تاء لأنها وإن كان فيها رائحة التأنيث لاختصاص هذا البدل بالمؤنث إلا أنها من حيث اللفظ مخالفة لتاء التأنيث لسكون ما قبلها وبكونها كلام الكلمة بسبب كونها بدلاً منها بخلاف تاء الجمع فإن ما قبلها ألف فكأن ما قبلها مفتوح كتاء المفرد وليست بدلاً من اللام بل هي زائدة محضة كتاء المفرد فلهذا جوز بعضهم إجراءها مُجْرَاها قوله (وعِرْقَات (1) إن فتحت تاؤه في النصب فبالهاء) لأنه يكون مفرداً كما ذكرنا في شرح الكافية ويكون ملحقاً بِدِرْهَم كمِعْزَى وإن كسرت تاؤه في النصب دل على أنه جمع عِرْق إذ قد يؤنث جمع المذكر بالألف والتاء مع مجئ التكسير فيه: أي العروق كما قيل البُوَِانَات مع الْبُون في الْبُوَان على ما مر في شرح الكافية في باب الجمع فالأولى الوقف عليه بالتاء كما في مسلمات
قوله (وأما ثلاثة أربعة) هذا اعتراض على قوله (وإبدال تاء التأنيث الاسمية هاء) يعني أنك قلت: إن التاء تبدل هاء في الوقف و (ثلاثة) في قولك (ثَلْثَهَرْبَعَة) ليس موقوفاً عليه لكونه موصولاً بأربعة وإلا لم ينقل حركة الهمزة إلى الهاء فأجاب بأن الوصل أجري مجرى الوقف وذلك أنه وصل ثلاثة بأربعة ومع ذلك قُلب تاؤه هاء قال: وأما (ألم الله) فلا يجوز أن يكون فتحة الميم فيه منقولة إليها من همزة أل كما في ثَلَثَهَرْبَعَة لأن هذه الكلمات - أعني أسماء حروف التهجي - عند المصنف ليس موقوفاً عليها بخلاف ثلثهربعة فإن ثلاثة موصولة مُجْرَاة مجرى الموقوف عليها بسبب قلب التاء هاء فإذا لم يكن ألم موقوفاً عليه ولا موصولاً مجرى مجراه بل كان موصولاً بالله فلا بد من سقوط ألف الله في الدرج والهمزة إذا سقطت في الدرج سقطت مع حركتها ولا ينقل حركتها إلى ما قبلها إلا على الشذوذ كما روى الكسائي في (بسم الله الرحمن الرحيمَ الحمد لله) بفتح ميم الرحيمَ فإذا سقطت همزة الوصل مع حركتها التقى ساكنان: ميم الم ولام الله فحرك الميم بالفتح للساكنين وإنما فتحت إبقاء على تفخيم الله تعالى وفراراً من الكسرة بعد الياء والكسرة كما مر في بابه وهذا من المصنف عجيب وذلك لان ألم كلمات معدودة كواحد اثنان ثلاثة لا فرق بينهما وقد ثبت رعاية حكم الوقف في كل واحدة من كلمات ألفاظ العدد بدليل قلب تائها هاء وإثبات همزة الوصل في اثنان وذلك لعدم الاتصال المعنوي بين الكلمات وإن اتصلت لفظاً فهلا كان نحو ألم أيضاً هكذا؟ ولو كان في أسماء حروف التهجي همزات الوصل في الأوائل وتاءات التأنيث في الأواخر لثبتت تلك وانقلبت هذه وجوباً كما في ألفاظ العدد وكذلك إذا عَدَّدْتَ نحو رجل امرأة ناقة بغلة فإنك تثبت همزة الوصل وتقلب التاء هاء وهما من دلائل كون كل كلمة كالموقوف عليه لكن قلب التاء هاء لازم وحذف همزة الوصل مع نقل حركتها إلى ما قبلها مختار كما مر في التقاء الساكنين قلما ثبت أن كل كلمة
من أسماء حروف الهجاء في حكم الموقوف عليه قلنا: ثبت همزة الوصل في الله إذ هو في حكم المبتدأ به ثم لما وصلها لفظاً بميم نقل حركتها إلى الساكن كما نقل حركة همزة القطع في ثلاثة أربعة (قوله ثلاثةَ أربعة فيمن حرك) يعني من لم يحرك الهاء وقال ثلاثةْ أربعة فإن ثلاثةْ موقوف عليه غير موصول باربعة فلا اعتراض عليه بأنه كيف قلب التاء هاء في الوصل وهو أيضاً وهم لأن من لم ينقل حركة الهمزة إلى الهاء أيضاً لا يسكت على الهاء بل يصله بأربعة مع إسكان الهاء وليس كل إسكان وقفاً لأنه لابد للوقف من سكتة بعد الاسكان ولو كانت خفيفة وإلا لم يعد المسكن واقفاً لأنك إذا قلت (من انت) ووصلت من بأنت لا تسمى واقفاً مع إسكانك نون من فعلى هذا يجب في الأسماء المعدودة - سواء كانت من أسماء العدد أو أسماء حروف التهجي أو غيرهما - ان يراعمى فيها أحكام الأسماء الموقوف عليها مع أنك لا تقف على كل منها. قال: (وَزِيَادَةُ الأَلِفِ فِي أَنَا وَمِنْ ثَمَّ وقف على لكناهو اللهُ بِالأَلِفِ وَمَهْ وَأَنَهْ قَليلٌ) أقول: قال سيبويه: إنهم كما يبينون حركة البناء بهاء السكت ببينونها في حرفين فقط بالألف وهما أنَا وَحَيَّهَلاَ. قلت: أما (حَيَّهلا) فيجوز أن يكون الألف فيه بدلاً من التنوين في حَيَّهَلاً لأن كل نون ساكنة زائدة متطرفة قبلها فتحة وإن لم يكن تنوين تمكن فإنها تقلب في الوقف ألفاً كما في اضْرِبَنْ وقد بينا في باب المضمرات أن الألف في (أَنَا) عند الكوفيين من نفس الكلمة وبعض طيئ يقف عليه بالهاء مكان الألف فيقول: أنَهْ وهو قليل قال حاتم: هكَذَا فَزْدِي انه (1) وبعض
العرب يصل أنا بالألف في الوصل أيضاً في السعة والأكثر أنهم لا يصلونه بها في الوصل إلا ضرورة قال: 92 - أنَا سَيْفُ الْعَشِيْرَةِ فاعْرِفَونِي * حَمِيداً قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنَامَا (1) وقرأ نافع بإثباتها قبل الهمزة المضمومة والمفتوحة دون المكسورة ودون غير الهمزة من الحروف وقال أبو علي: لا أعرف الوجه في تخصيص ذلك بما ذكر قوله (ومن ثم وقف) أي: من جهة زيادة الألف في آخر (أنا) وقفاً وُقف على (لكنا) بالألف لأنه (أنا) في الأصل جاءت بعد (لكن) ثم نقلت حركة همزة أنا إلى النون وحذفت كما في نحو (قَدَ افلح) ثم أدغمت النون في النون وابن عامر يثبت الألف في (لكنا هو الله) وصلاً أيضاً ليؤذن من أول الأمر بأنه ليس لكن المشددة بل أصله لكنْ أنا قوله (مَهْ وأنهْ قليل) أما أنا فقد مر ان بعض طيئ يقفون عليها بالهاء مكان الألف وأما (مَهْ) فيريد أن الوقف عليها بالهاء إذا لم تكن مجرورة
قليل وأما إذا كان مجرورة فيجئ حكمها بعيد فنقول: إنه أجاز بعضهم حذف ألف ما والوقف عليه بالهاء وإن لم يكن مجروراً كما في حديث أبي ذؤيب: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام فقلت: مَهْ فقيل: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لأنك إذا حذفت الألف منها شابهت الفعل المحذوف آخره جزماً أو وقفاً نحو رَهُ واغزه ولْيَرْمِهْ فيلحق بها هاء السكت بعد حذف الألف والأولى أن يوقف عليها بالألف التي كانت لها أعني على ما الاستفهامية غير المجرورة ومذهب الزمخشري أن الهاء بدل من الألف وحملها على المجرورة في نحو: مثلُ مه ومجئ مَهْ أولى أعني جعله هاء السكت جئ بها بعد حذف الألف كالعوض منه قال: (وَإلْحَاقُ هَاءِ السَّكْتِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ رَهْ وقه ومجئ مه ومثل مه [في مجئ مَ جِئْتَ وَمِثْلُ مَ أنْتَ] (1) وَجَائِزٌ فِي مِثْلِ لَمْ يَخْشَهْ وَلَمْ يَغْزُهْ وَلَمْ يَرْمِهْ وَغُلاَمِيَةْ [وَعَلَى مَهْ] (1) وَحَتَّامَهْ وإلاَمَهْ مِمَّا حَرَكَتُهُ غَيْرُ إعْرَابِيَّةٍ وَلاَ مُشَبَّهَةٌ بِهَا كالْمَاضِي وَبَاب يَا زَيْدُ ولا رجل وفى نحو ههناه وهؤلاه) أقول: قد ذكرنا أحكام هاء السكت في آخر شرح الكافية ونذكر ههنا ما ينحل به لفظه قوله (في نحو ره وقه) أي: فيما بقي بالحذف على حرف واحد ولم يكن كجزء مما قبله لا يلزم الهاء إلا ههنا وإنما لزم فيه لأن الوقف لا يكون إلا على ساكن أو شبهه والابتداء لا يكون إلا بمتحرك فلا بدّ من حرف بعد الابتداء يوقف عليه فجئ بالهاء لسهولة السكوت عليه و (مه) في قولك (مثل مه) [و (مجئ مَهْ) مثلُ] (1) رَهْ وقِهْ من وجه لأن الكلمة
التي قبل ما مستقلة لكونها اسماً بخلاف الجار في حَتَّام وليس مثلهما من وجه آخر وذلك لأن المضاف إليه كالجزء من المضاف لكن سقوط الألف بلا علة ظاهرة ألزمه التعويض بهاء السكت ألا ترى أنه لم يلزم مع الكاف والياء في تحو غُلاَمي وغُلاَمَك وإن كانا أيضاً على حرف لما لم يحذف منهما شئ وأما عَلاَمَهْ وإلامه وحَتَّامه فما فيها أشد اتصالاً بما قبلها منها بالمضاف في نحو مِثْلُ مه لان ما قبلها حروف فلا تستقل بوجه فيجوز لك الوقف عليها بالهاء كما ذكر وبسكون الميم أيضاً لكون عَلاَمْ مثلاً كغلام قال: 93 - يا أبا الأسود لم خليتني * لهموم طارقات وَذِكَرْ (1) فأجري الوصل مجرى الوقف وبعض العرب لا يحذف الألف من (ما) الاستفهامية المجرورة كقوله 94 - على ما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في رماد (2)
فهذا لا يقول (عَلاَمَهْ) وقفاً بل يقف بالألف التي كانت في الوصل والأولى حذف ألف (ما) الاستفهامية المجرورة لما ذكرنا في الموصولات وكل ما لحقه هاء السكت على سبيل الجواز فان كان محذوفا منه شئ نحو لم يَخْشَ ولم يَغْزُ ولم يَرْمِ وَعَلاَمَ وإلاَمَ وحَتَّامَ فالهاء به أولى منها بما لحقته ولم يحذف منه شئ نحو غُلاَمِيه وضَرَبْتُكهْ وإنَّهْ وهي بما حذف منه حرفان نحو إن تَعِ أعِهْ أولى منها بما حذف منه حرف نحو اخْشَهْ واغْزُهْ وأما ما صار بالحذف إلى حرف واحد فالهاء له لازم إن لم يتصل بما قبله اتصالاً تاماً كما اتصل في عَلاَم وإلام وفيم وذلك نحو رَهْ وقِهْ ومثل مه ومجئ مه على ما مر وإن لم يحذف منه شئ فإنه بما قبل آخره ساكن نحو إنَّهْ ولَيْتَهْ وكيفهْ أولى منه بما قبل آخره متحرك نحو هُوَهْ وَهِيَهْ وَغُلاَمِيَهْ وَضَرَبْتُكَهْ لأنك ان لم تلحقه في القسم الأول سكنت المتحرك الأخير فيلتقي ساكنان وعدم التقائهما أولى وإن كان ذلك مغتفراً في الوقف. قوله (لم يخشه ولم يرمه ولم يغزه) أمثلة المحذوف اللام وحكى أبو الخطاب عن ناس من العرب: ادعِهْ واغزِه من دَعَوْت وغَزَوْت كأنهم سكنوا العين المتحركة بعد حذف اللام للوقف توهماً منهم أنهم لم يحذفوا شيئاً للوقف كما قلنا في (لَمْ أُبَلِهْ) في الجزم قال: 95 - قَالَتْ سُلَيْمَى اشتر لنا دقيقا (1)
وقال الآخر في الجزم: 96 - وَمَنْ يَتَّقْ فإنَّ الله مَعْهُ * وَرِزْقُ الله مُؤْتَابٌ وَغَادِ (1) ثم ألحقوا هاء السكت لكون العين في تقدير الحركة ثم كسروا أول الساكنين (2) كما هو حقه على ما ذكرنا في (لم أُبَلِهْ) قوله (حَتَّامَهْ وإلاَمه) مثال للمحذوف الآخر لا للجزم
قوله (غُلاَمِيَهْ) مثال لغير المحذوف الآخر قوله (كالماضي) مثال لما حركته مشابهة للإعرابية لأنه إنما بني الماضي على الحركة وحق البناء السكون لمشابهته المعرب إذ معنى (زيد ضرب) زيد ضارب ومعنى (إن ضربتَ ضربتُ) إن تضرب أضرب قوله (وباب يا زيد) لأن الضمة تحدث بحدوث حرف النداء وتزول بزواله كحدوث الإعراب بحدوث العامل وزواله بزواله وكذا باب (لا رجل) قوله (وفى نحو ههناه وهؤلاه) يعني كل حرف أو اسم عريق في البناء آخره ألف مثل ذا وما يجوز إلحاق هاء السكت به وقفاً ولا يجب وذلك ليتبين الألف في الوقف إذ هو خاف إذا لم يتلفظ بعده بشئ كما مر وامانحو فَتًى وحُبْلَى فإنك لا تبين ألفاتها في الوقف بالهاء كما مر في آخر شرح الكافية قال: (وَحَذْفُ الْيَاءِ في نحو الْقَاضِي وَغُلاَمِي حُرِّكَتْ أوْ سُكِّنَتْ وإِثْبَاتُهَا أكْثَرُ عَكْسَ قَاضٍ وإثْبَاتُهَا في نحو يَامُرِي اتِّفَاقٌ) أقول: اعلم أن المنقوص المنصوب غير المنون كرأيت القاضيَ وَجَوَارِيَ لا كلام في أنه لا يجوز حذف يائه بل يجب إسكانه وكذا في غُلاَمِيَ وغلامَايَ وغلامَيِّ وإِنِّيَ بفتح الياء فيها بل إنما تسكن ياؤها أو تلحقها هاء السكت كما مر قال سيبويه: إنما لم تحذف الياءات لأنها إذا تحركت قويت كالحروف الصحيحة وأما المنقوص ذو اللام رفعاً وجراً فالأكثر بقاء يائه في الوقف إذ المطلوب وجود الحرف الساكن ليوقف عليه وهو حاصل وبعض العرب يحذف الياء في الوقف لكونه موضع استراحة والياء المكسور ما قبلها ثقيل ومن حذف الياء في الوصل نحو (الكبير المتعال سواء منكم) أوجب حذفها وقفاً بإسكان ما قبلها وأما ياء المتكلم الساكنة فإن كانت في الفعل فالحذف حسن لأن قبلها نون عماد مشعراً بها كقوله تعالى (ربي اكرمن) (ربى اهانن) وإن كانت
في اسم فبعض النحاة لم يجوز حذفها والوقف على الحرف الذي قبلها بالإسكان نحو (غلامْ) كما جاز في المنقوص حذراً من الالتباس وأجازه سيبويه اعتماداً في إزالة اللبس على حال الوصل فعلى هذا قول المصنف (حُرِّكَتْ أو سكنتْ) وَهَمٌ لأنها إذا تحركت لم يوقف عليها بالحذف بل بالإسكان كما نص عليه سيبويه وغيره وإذا كان المنقوص منادى مفرداً نحو (يا قاضي) فاختار الخليل والمبرد إثباتَ الياء كما في (جاءني القاضي) سواء لانه لامدخل للتنوين فيها حتى يحذف الياء لتقديره كما حذف في (جاءني قَاضْ) وقفاً واختار يونس وقَوَّاه سيبويه حذف الياء لأن المنادى موضع التخفيف ألا ترى إلى الترخيم وقلبهم الياء ألفاً في نحو (يا غُلاَمَا) وحذفهم الياء في نحو (يا غُلاَم) أكثر من حذفهم إياها في غير النداء وأجمعوا كلهم على امتناع حذفها في نحو (يامرى) لأنهم حذفوا الهمزة فلو حذفوا الياء أيضاً لأجحفوا بالكلمة بحذف بعد حذف بلا علة موجبة وإذا كان المنقوص محذوف الياء للتنوين - أعني في حالتي الرفع والجر - فالأكثر حذف الياء لأن حذف التنوين عارض فكأنه ثابت وتقديره ههنا أولى لئلا يعود الياء فيكون حال الوقف ظاهر الثقل وحكى أبو الخطاب ويونس عن الموثوق بعربيتهم رد الياء اعتداداً بزوال التنوين وأما حال النصب نحو (رأيت قاضياً) فالواجب قلب تنوينه للوقف ألفاً إلا على لغة ربيعة كما مرّ قال: (وإثْبَاتُ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَحَذْفُهُمَا فِي الْفَوَاصِلِ وَالْقَوَافِي فَصِيحٌ وَحَذْفُهُمَا فِيهِمَا فِي نَحْوِ لَمْ يَغْزُوا وَلَمْ تَرْمِي وَصَنَعُوا قَلِيلٌ) . أقول: قال سيبويه: جميع مالا يحذف في الكلام وما يختار فيه ترك الحذف يجوز حذفه في الفواصل والقوافي يعني بالكلام مالا وقف فيه وبالفواصل
رءوس الآي ومقاطع الكلام يعني أن الواو والياء الساكنين في الفعل الناقص نحو يَغْزُو وَيَرْمِي لا يحذفان وقفاً لأنه لم يثبت حذفهما في الوصل لئلا يلتبس بالمجزوم إلا للضرورة أو شاذًّا كقولهم (لا ادْرِ) وقوله تعالى (ما كنا نبغ) و (يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ) ولا يقولون (لاارم) وهذا كما قالوا (لم يك زيد) ولم يقولوا (لم يه) بمعنى يَهُنْ فإذا وقع الواو والياء المذكوران في الفواصل وصلاجاز حذفهما والاجتزاء بحركة ما قبلهما كقوله تعالى (والليل إذا يسر) وذلك لمراعاة التجانس والازدواج فيجب إذن بناء على ذلك حذفهما إذا وقفت على تلك الفواصل المحذوفة اللامات في الوصل وكذا القوافي يحذف فيها كثيراً مثل ذلك للازدواج لا للوقف وإلا حذف للوقف في غير القوافي أيضاً فثبت انه يحذف فيهما مالا يحذف في غيرهما قال: 97 - وَلأَنْتَ تَفْرِي مَا خلقت وَبَعْ * ضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لايفر (1)
هكذا أنشد بإسكان الراء وتقييد القافية قوله (وما يختار فيه ترك الحذف) يعني الاسم المنقوص نحو (القاضي) فإنه قد يحذف ياؤه غير الفواصل والقوافي في الوصل قليلا كقوله تعالى (يَوْمَ التناد يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) وقوله تعالى (وَجِفَانٍ كالجواب وَقُدُورٍ راسيات) وذلك لعدم التباسه بالمجزوم وأما في الفواصل في الوصل فحذف لامه أحسن من حذف ياء [نحو] (يرمي) فيها لأن لام نحو (الرامي) يحذف في الوصل في غير الفواصل من غير شذوذ كقوله تعالى (يوم التلاقي يوم هم بارزون) ولا يحذف ياء نحو (يرمي) في مثله إلا شاذًّا كما ذكرنا فإذا وقف على الاسم المنقوص [المحذوف اللام وجب حذف اللام في الوقف فإذا وقفت على الفعل الناقص والاسم المنقوص] الثابت لامهما في الوصل فحذف لامهما جائز لا واجب قال سيبويه: إثبات الواوات والياءات في مثله أقيس الكلامين هذا وأما الألف فلا يحذف: لا في الفواصل ولا في القوافي إلا للضرورة كما قال: * رَهْطُ مَرْجُومٍ ورهط ابن المعل * وذلك لخفد الألف وثقل الواو والياء قال سيبويه ما معناه: إنك تحذف في القوافي الواو والياء الأصليتين تبعاً للواو والياء الزائدتين التابعتين للضمة والكسرة المشابهتين للواو والياء في وقف أزْدِ السَّراة يعني إنك تحذف الياء من (يَفْرِي) تبعاً لحذف الياء في البيت الذي قبله وهو 98 - وَلأنْتَ أَشْجَعُ مِنْ أُسَامَةَ إِذْ دُعِيَتْ نزال ولج في الذعر (1)
فلما جُوِّز حذف ياء (الذعر) لأنه مثل وقف أزد السراة نحو (مررت بعَمْرِي) تبعه في حذف الياء الأصلي إذ القوافي يجب جريها على نمط واحد وكذا في الواو نحو قوله: 99 - وَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَلْمَى سِنِينَ ثمانيا * على صير أمر ما يُمرُّ وَمَا يَحْلْ (1) وإنما جوزت ههنا حذف الواو - وإن كان أصلاً - لأنك حذفت الواو الزائد الناشئ للاطلاق في (الثقل) قبل هذا البيت لما قصدت التقييد في قوله: 100 - صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وَقَدْ كَادَ لاَ يَسْلُو وَأَقْفَرَ مِنْ سَلْمَى التَّعَانِيقُ والثِّقْلْ (2)
وإنما حذف هذا الواو الزائد تشبيهاً له بالواو الزائد في لغة أزد السراة في (جاءني زيدُ) وأما الألف فلا تحذف في القوافي نحو قوله: 101 - دَايَنْتُ أرْوَى وَالدُّيُونُ تُقْضَى فمطلت بعضا وادت بعضا (1) لان الالف الموقف عليه لا يحذف في الأشهر في نحو (زيداً) كما يحذف جمهور العرب الواو والياء الحادثتين في الوقف في لغة أزد السراة قال سيبويه: وقد دعاهم حذف ياء نحو (يقضي) وواو نحو (يدعو) في القوافي إلى أن حذف ناس كثير من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما ضميران ولم يكثر حذفهما كثرة حذف نحو ياء (يرمي) وواو (يدعو) لأنهما كلمتان وليستا حرفين وينشد:
102 - لا يبعد الله إخوانا تركتهم لَمْ أدْرِ بَعْدَ غَدَاةِ الْبَيْنِ مَا صَنَعْ (1) بحذف الواو وإسكان العين وانشد أيضا: 103 - ياد ار عبلة بالجواء تكلم * وعمي صباحا دَارَ عَبَلَةَ واسْلَمْ (2) بإسكان الميم ولا يحذف ألف الضمير في نحو قوله 104 - خَلِيْلَيَّ طِيرَا بِالتَّفَرُّقِ أوْقَعَا (3) لما ذكرنا قبيل قوله (وحذفهما فيهما قليل) أي حذف الواو والياء في الفواصل والقوافي
وأنا لا أعرف حذف واو الضمير في شئ من الفواصل كما كان في القوافي وحذف ياء الضمير في الفواصل نحو: (فَإِيَّايَ فاعبدون) قال: (وَحَذْفُ الْوَاوِ في ضَرَبَهُ وَضَرَبَهُمْ فيمَنْ ألحَقَ) أقول: قد بَيَّنَّا في باب المضمرات أن غائب الضمير المتصل منصوبِهِ أو مجرورهِ مختصرٌ من غائب المرفوع المنفصل بحذف حركة واو هو لكنهم لما قصدوا التخفيف في المتصل لكونه كجزء الكلمة المتقدمة نظروا فإن كان قبل الهاء ساكن نحو مِنْهُ وَعَلَيْهِ لم يأتوا في الوصل بالواو والياء الساكنين فلا يقولون على الأكثر: منهو وعليهي لثقل الواو والياء ولكون الهاء لخفائها كلاعدم فكأنه يلتقى ساكنان إن قالوا ذلك ولم يحذفوا من عَلَيْهَا وَمِنْهَا - وإن كان كاجتماع ساكنين أيضاً - لخفة الألف فهذا نظير تركهم في الأكثر قلب التنوين في المرفوع والمجرور حرف لين في الوقف وقلبهم له ألفاً في المنصوب وقد اختار سيبويه إثبات الصِّلة بعد الهاء إذا كان الساكن الذي قبلها حرفاً صحيحاً نحو مِنْهُو وأصَابَتْهُو وحذْفَها إذا كان الساكن حرف علة نحو ذُوقُوه وعَصَاه وَلَدَيْه وفيه ولم يفرق المبرد بين الصحيح وحرف العلة الساكنين قبل الهاء وهو الحق إذ شبه التقاء الساكنين في الكل حاصل وعليه جمهور القراء نحو (منه آيات) و (فيه آيات) ولو عكس سيبويه لكان أنسب لأن التقاء الساكنين إذا كان أولهما ليناً أهون منه إذا كان أولهما صحيحاً وإن كان قبل الهاء متحرك نحوبه وغلامه فلا بد من الصلة إلا أن يضطر شاعر فيحذفها كقوله: 105 - وَأَيْقَنَ أنَّ الْخَيْلَ إنْ تَلْتَبِسْ بِهِ يَكُنْ لِفَسِيلِ النَّخْلِ بَعْدَهُ آبر (1)
وقال المتنيي: 106 - تعثرت به في الأفواه ألسنها والبرد في الطُّرْقِ وَالأَقْلاَمُ فِي الْكُتُبِ (1) فحذف الصلة في مثله كحذف الألف في قوله * رَهْطُ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابْنِ الْمُعَلْ * وذهب الزجاج إلى أن الصلة بعد الهاء ليست من أصل الكلمة وهو ظاهر
مذهب سيبويه واستدل الزجاج عليه بحذفها في الوقف ولبس بقوي لأن ما هو من نفس الكلمة من حروف اللين قد يحذف كما في الْقَاضِي. وأما وجوب حذف الصلة في الوقف دون ياء القاضي فلكونها مما له حظ في السقوط في حال الوصل نحو منه وفيه هذا الذي ذكرنا كله حال الضمير الغائب المفرد المذكر في الوصل فإذا وقفت عليه فلا بد من ترك الصلة سواء كانت ثابتة في الوصل نحو بهي ولهو اتفاقاً ومنهو وعليهي عند بعضهم اولا نحو منه وعليه عند الأكثرين وذلك لأن من كلامهم أن يحذفوا في الوقف مالا يذهب في الوصل نحو ضربني وغلامي فالتزموا حذف هذا الحرف الذى ثبت حذفه في الوصل كثيراً نحو عليه ومنه ولا بد من إسكان الهاء في الوقف سكن ما قبله أو تحرك قوله (وضربهم فيمن ألحق) أي: فيمن ألحق الواو في ميم الجمع أو الياء في الوصل كما بينا في المضمرات من أن بعضهم يقول: عليكمو أنفسكم وعليهمي مال فمن لم يلحق الصلة في ميم الجمع وصلاً فلا كلام في الوقف عليها بالإسكان ومَنْ ألحقها وصلاً أوجب حذفها في الوقف أيضاً لأن ما كثر حذفه في الوصل من الواو والياء وجب حذفه في الوقف نحو منه وعليه قال: (وَحَذْفُ الْيَاءِ فِي تِهِ وهذه) أقول: اعلم أن الهاء في (هذه) و (ته) بدل من الياء في هذي وتي كما تقدم والياء بعد الهاء بعد الهاء في الأغلب لأجل تشبيه الهاء المذكر المكسور ما قبلها نحو بهي وغلامهي كما تبين قبل إلا أن هاء الضمير قد يوصل - عند أهل الحجاز مع كون ما قبلها مكسوراً أو ياء - بالواو نحو بُهو وعَلَيْهُو وذلك لكون الضمير المجرور في الأصل هو المرفوع المنفصل كما مر في بابه ولا يوصل هاء (ذهي) و (تهي) بواو أصلاً وبعض العرب يبقيها على سكونها كميم الجمع فلا يأتي بالصلة وهو الأصل ولكنه قليل الاستعمال يقول: هذه
وصلاً ووقفاً وبعضهم يحذف الياء منها في الوصل ويبقي كسرتها فإذا وقفت عليها فلا خلاف في إسكان الهاء وترك الصلة كما ذكرنا في منه ولديه واعلم أن بعض الناس مَنَعَ من الرَّوْم والإشمام في هاء الضمير إذا كان قبله ضم أو كسر نحو يَعْلَمُه وبغُلاَمِهِ وكذا إذا كان قبله واو أو ياء نحو عَقَلُوه وبأبِيهِ وذلك لأن الهاء الساكنة في غاية الخفة حتى صارت كالعدم فإذا كانت في الوقف بعد الضمة والواو فكأنك ضممت الحرف الأخير الموقوف عليه أو جئت في الآخر بواو إذ الهاء كالعدم للخفاء فلو رمت عقيبها بلا فصل: أي أتيت ببعض الضمة أو أشممت: أي ضممت الشفتين لم يتبينا إذ يحسب السامع والناظر أن ذلك البعض من تمام الضم الأول وضَمَّ شفتيك للإشمام من تمام الضم الاول إذ الشئ لا يتبين عقيب مثله كما يتبين عقيب مخالفه وكذلك الكلام في الرَّوْم بعد الهاء المكسور ما قبلها أو الهاء التي قبلها ياء وأيضاً فإن الرَّوْم والإشمام لبيان حركة الهاء وعلى التقديرات المذكورة لا يحتاج إلى ذلك البيان لأن الهاء التي قبلها ضمة أو واو لا تكون إلا مضمومة والتي قبلها كسرة أو ياء لا تكون إلا مكسورة في الأغلب وأما إذا كانت الهاء المضمومه بعد الفتحة نحو إن غُلاَمَه أو بعد الساكن الصحيح نحو مِنْهُ فإنه يجوز الرَّوْم والإشمام بلا خلاف وبعضهم أجازهما بعد هاء الضمير مطلقاً سواء كان بعد واو أو ياء أو غيرهما من الحروف وسواء كان بعد فتح أو ضم أو كسر وإن لم يتبينا حق التبين كما مر. قال: (وَإِبْدَالُ الهمزة حرفا من حبس حَرَكَتِهَا عِنْدَ قَوْمٍ مِثْل هَذَا الْكَلُوْ وَالْخَبُو والْبُطُوْ وَالرِّدُوْ ورأيت الْكَلاَ والْخَبَا والْبُطَا والرِّدَا ومرَرْتُ بالكَلَيْ والخَبِي وَالْبُطِي وَالرِّدِي ومنهم من يقول: هَذَا الرِّدِي ومِنَ الْبُطُوْ فَيُتْبعُ) .
أقول: اعلم أن الهمزة هي أبعد الحروف وأخفاها لأنها من أقصى الحلق فإذا وقفوا عليها - وبالوقف يصير الجرف الموقوف عليه أخفى مما كان في الوصل وذلك لأن الحرف أو الحركة التي تلي الحرف تبين جَرْسَه ولذلك يقلب بعضهم الألف في الوقف واواً أو ياء لأنهما أبين منها - احتاجوا إلى بيانها فنقول: الهمزة الموقوف عليها إما أن تخففها بالقلب أو الحذف كما هو مذهب أهل الحجاز على ما يجئ أو تحققها كما هو غيرهم والمحققة تحتاج إلى ما يبيِّنها لأنها تبقى فتخفى بخلاف المخففة فالمحققة لا تخلو من أن يكون قبلها ساكن أو متحرك فإن سكن ما قبلها سكن ما قبلها وقفت عليها بحذف حركتها في الرفع والجر كما تقف على نحو عَمْرو وبكر فيجرى فيها مع الإسكان الروم والإشمام لا التضعيف كما يجئ وناس كثير من العرب يلقون حركتها على الساكن الذي قبلها أكثر مما يلقون الحركة في غير الهمزة وذلك لأنها إذا كانت بعد الساكن كانت أخفى لأن الساكن خاف فيكون خاف بعد خاف فإذا حركت ما قبلها كان أبين لها فلما كانت أحوج إلى تحريك ما قبلها من سائر الحروف لفرط خفائها ألقوا حركاتها على ما قبلها فتحة كانت أو ضمة أو كسرة ولم ينقلوا في غير الهمزة الفتحة إلى ما قبل الحرف كما يجئ وأيضاً ألقوا ضم الهمزة إلى ما قبلها في الثلاثي المكسور الفاء نحو هذا الرِّدُءْ وكسرها إلى ما قبلها في الثلاثي المضموم القاء نحو من البطئ وإن انتقل اللفظان بهذا النقل إلى وزن مرفوض ولم يبالوا بذلك لعروض ذلك الوزن في الوقف وكونه غير موضوع عليه الكلمة ولم يفعلوا ذلك في غير الهمزة فلم يقولوا: هذا عِدُل ولا من البُسِرْ كل ذلك لكراههم كونَ الهمزة ساكنة ساكناً ما قبلها ولا يجئ في المنقول إعرابها إلى ما قبلها الرومُ والإشمام لأنهما لبيان الحركة وقد حصل ذلك بالنقل
وبعض بنى يتفادى من الوزنين المرفرضين في الهمزة أيضاً مع عروضهما فيترك نقل الحركة فيما يؤدي إليهما: أي الثلاثي المكسور القاء والمضموفها بل يتبع العين فيهما الفاء في الأحوال الثلاث فيقول: هذا الْبُطُؤ ومررت بالْبُطُؤ وهذا الرِّدِئْ ومَرَرْتُ بالرِّدِئْ ورأيت الرِّدِئْ وذلك أنهم لما رأوا أنه يؤدي النقل في البطء في حال الجر وفى الردء في حال الرفع إلى الوزنين المرفوضين أتبعوا العين الفاء في حال الجر في البطؤ وفي حال الرفع في الردء فتساوى الرفع والجر فيهما فكرهوا مخالفة النصب إياهما فأتبعوا العين الفاء في الأحوال الثلاث فيجري في هذين المتبع عينُهما فاءَهُما في الإسكان الروم والإشمام لأنهما لبيان حركة الآخر وهي نقلت إلى ما قبله لكنها أزيلت بإتباع العين للفاء فاحتيج إلى بيانها وبعض العرب لا يقنع من بيان الهمزة بما ذكرناه بل يطلب أكثر من الى حرف علية يجانس حركة الهمزة فيقول: هذا الوثو (1) ولابطو وَالرِّدْوْ ومررت بالْوَثْيْ (1) وَالْبَطْيْ والرِّدْيْ بسكون العين في الجميع وأما في حالة النصب فلا يمكنه تسكين ما قبل الألف إذ الالف لا يجئ إلا بعد فتحة فيقول: رأيتُ الْوَثَا (1) والبُطَا والرِّدَا بالنقل والقلب فههنا بين الهمزة بقلبها ألفاً كما بين بعضهم الألف في نحو حبلى بقلها همزة لأن الألف المفتوح ما قبلها ههنا أبْيَن من الهمزة الساكن ما قبلها كما أن الهمزة المتحرك ما قبلها كانت أبين من الألف هناك وبعضهم ينقل الحركات إلى العين في الجميع ثم يدبر الهمزة في القلب بحركة ما قبلها فيقول: هذا الْبُطُوْ: والوثو والرد وومررت بالبطى والوثى والردى.
ورأيت الْبُطَا والْوَثَا والرِّدَا وليس هذا القلب تخفيفاً للهمزة كما في بيرٍ ورَاسٍ ومُومِن لأنهم ليسوا من أهل التخفيف بل هذا القلب للحرص على بيان الحرف الموقوف عليه ثم إن الذين تفادوا مع الهمزة من الوزن المرفوص مع عروضه من الناقلين للحركة يتفادَوْن من ذلك مع قلب الهمزة أيضاً فيقولون: هذا الْبُطو ومررت بالْبُطُو ورأيت الْبُطُو وهذا الرِّدِي ومررت بالرِّدِي ورأيت الرِّدِي فألزموا الواو في الأول والياء في الثاني وفي هذا المقلوب لامُه حرفَ لين لا يكون رَوْم ولا إشمام لأن الحركة كانت على الهمزة لا على حرف اللين كما مر في تاء التأنيث. هذا لكه إذا كان ما قبل الهمزة ساكناً فإن كان متحركاً نحو الرشأ واكمؤ واهنئ فإنك تقف عليه كما تقف عليه كما تقف على الْجَمَل والرَّجُل والْكَبِد من غير قلب الهمزة لأن حركة ما قبلها تبينها فيجرى فيه جميع وجوه الوقف الا التضعيف كما يجئ وإلا النقل لتحرك ما قبلها وبعض العرب - أعني من أهل التحقيق - يدبرون المفتوح ما قبلها بحركة نفسها حرصاً على البيان لعدهم الفتحة لخفتها كالعدم فلا تقوم بالبيان حق القيام فيقولون: هذا الْكَلَوْ ورأيت الْكَلاَ. ومررت بالْكَلَيْ يقلبون المضمومة واواً والمفتوحة ألفاً والمكسورة ياء لأن الفتحة لا يستثقل بعدها حروف العلة ساكنة وأما المضموم ما قبلها والمكسورةُ نحو اكمؤ واهنئ فلا يمكن تدبيرهما بحركة أنفسهما لأن الألف لا تجئ بعد الضمة والكسرة والياء الساكنة لا تجئ بعد الضم ولا الواو الساكنة بعد الكسر وأيضاً فالضمة والكسرة تقومان بالبيان حق القيام فَبَقَّوْا الهمزتين على؟ ؟ ؟ ولم يقلبوهما كما قلبوا المفتوح ما قبلها هذا كله على مذهب الذين مذهبهم تحقيق الهمزة فاما؟ ؟ ؟ التخفيف فإنهم
يخففونها كما هو حق التخفيف فإن كان ما قبلها ساكناً نقلوا حركتها إلى ما قبلها وحذفوها ثم حذفوا الحركة للوقف نحو الخب والرد والبط فيجئ فيه الإسكان والروم والإشمام والتضعيف وفي المنصوب المنون يقلب التنوين الفا لاغير نحو رأيت بُطَا ورِدَا وخَبَا وإن كان ما قبلها متحركاً دبرت بحركة ما قبلها فالْخَطَا ألف في الأحوال الثلاث وأكمؤ واو واهنئ ياء فلا يكون فيها إلا الإسكان دون الروم والإشمام كما قلنا في تاء التأنيث ولا يمكن فيها التضعيف لأنه لا يكون إلا في الصحيح كما يجئ ويجئ تمام البحث على مذهب أهل التخفيف في باب تخفيف الهمزة فنقول: قول المصنف (إبدال الهمزة حرفا من جنس حركتها نحو هذا الْكَلَوْ) هذه هي المفتوح ما قبلها وكذا في بالْكَلَيْ ورأيت الْكَلاَ قوله: (الخبو والبطو والردو والخبا والبطا والردا والخبي والبطي والردي) هذه أمثلة الهمزة المدبرة بحركة ما قبلها المنقولة من الهمزة إليه قوله (ومنهم من يقول هذا الردي ومن البطو فيتبع) الإتباع في الأحوال الثلاث كما ذكرنا لا في الرفع والجر فقط وكلُّ ما ذكر في هذا الفصل فهو وقف غير أهل التخفيف قال: (وَالتَّضْعِيفُ فِي الْمُتَحَرِّكِ الصَّحِيح غَيْرِ الْهَمْزَةِ الْمُتَحَرِّكِ مَا قَبْلَهُ نَحْوُ جَعْفَر وَهُوَ قَلِيلٌ ونحو القصبا شاد ضَرُورَة) أقول اعلم أن المقصود بالرَّوْم والإشمام والتضعيف ثلاثتها شئ واحد وهو بيان أن الحرف الموقوف عليه كان متحركاً في الوصل بحركة إعرابية أو بنائية. فالذي اشم نبه عليه بهيتة الحركة والذي رام نبه عليه بصُوَيت ضعيف فهو أقوى في التنبيه على تحرك الحرف من الإشمام والذي ضعف فهو أقوى تبييناً لتحرك الحرف في الوصل ممن رام لأنه عليه بالحرف وذاك ببعض الحركة وإنما قلنا إنه نبه بتضعيف الحرف على كونه متحركاً في الوصل
لأن الحرف المضعف في الوصل لا يكون الا متحركا إذ لا يجمع بين ساكنين هذا ما قيل والذي أرى أن الرَّوْم أشد تبييناً لأن التضعيف يستدل به على مطلق الحركة وبالروم على الحركة وخصوصها وأيضاً فإن الروم الذي هو بعض الحركة أدل على الحركة من التضعيف الذي يلازم الحركة في حال دون حال: أي في حال الوصل دون حال الوقف والتضعيف أقل استعمالا من الروم والإشمام لأنه إتيان بالحرف في موضع يحذف فيه الحركة فهو الحركة فهو تثقيل في موضع التخفيف وعلامة التضعيف الشين على الحرف وهو أول [حرف] (شديد) وشرط التضعيف أن يكون الحرف المضعف متحركاً في الوصل لأن التضعيف كما تقدم لبيان ذلك وأن يكون صحيحاً إذ يستثقل تضعيف حرف العلة وأن لا يكون همزة إذ هي وحدها مستثقلة حتى إن أهل الحجاز يوجبون تخفيفها مفردة إذا كانت غير اول كما يجئ في باب تخفيف الهمزة وإذا ضعفتها صار النطق بها كالتهوع وإنما اشترط أن يتحرك ما قبل الآخر لأن المقصود بالتضعيف بيان كون الحرف الأخير متحركاً في الوصل وإذا كان ما قبله ساكناً لم يكن هو إلا متحركاً في الوصل لئلا يلتقى ساكنان فلا يحتاج إلى التنبيه على ذلك فإن قيل: أليس الأسماء المعدودة التي قبل آخرها حرف لين كلام ميم زيد اثنان يجوز فيها التقاء الساكنين في الوصل لجريه مجرى الوقف؟ فهلا نبه في نحو (جاءني زيد) و (أتاني اثنان) بالتضعيف على أنه ليس من تلك الأسماء الساكن أواخرها في الوصل بل هي متحركة الأواخر فيه قلت: تلك الأسماء لا تكون مركبة مع عاملها وزيد في قوله (جاءني زيد) مركب مع عامله فلا يلتبس بها وأجاز عبد القاهر تضعيف الحرف إذا كان قبله مدة كسعيد ونمود نظراً إلى إمكان الجمع بين اللين والمضعف الساكن بعده ويدفعه السماع والقياس والتضعيف يكون في المرفوع والمجرور مطلقاً وأما المنصوب فإن كان منوناً
فليس فيه إلا قلب التنوين ألفاً إلا على لغة ربيعة فإنهم يجوزون حذف التنوين فلا منع إذن عندهم من التضعيف وإن لم يكن منوناً نحو رايت الرجل ولن نجعل ورأيت أحمد فلا كلام في جواز تضعيفه كما في الرفع والجر قوله (ونحو القَصَبَّا شاذ ضرورة) اعلم ان حق التضعيف أن يلحق المرفوع والمضموم والمجرور والمكسور والمنصوب غير المنون كما ذكرنا والمفتوح وأما المنصوب المنون فيكتفى فيه كما قلنا بقلب التنوين الفا وينبغى أن يكون الحرف المضعف ساكناً لأنك إنما تضعفه لبيان حركة الوصل فإذا صار متحركاً فأنت مستغن عن الدلالة على الحركة إذ هي محسوسة لكنهم جوزوا في القوافي خاصة بعد تضعيف الحرف الساكن أن يحركوا المضعف لقصد الإتيان بحرف الإطلاق لأن الشعر موضع الترنم والغناء وترجيع الصوت ولا سيما في أواخر الأبيات وحروفُ الإطلاق: أي الألف والواو والياء هي المتعينة من بين الحروف للترديد والترجيع الصالحة لها فمن ثم تلحق في الشعر لقصد الإطلاق كلماتٍ لا تلحقها في غير الشعر نحو قوله: 107 - * قفانبك من ذكرى حبيب ومنزلي (1) *
ولا تقول (مررت بعمري) إلا على لغة أزد السراة ونحو قوله 108 - * آذنتنا ببينها اسماء و (1) * ولا تقول (جاءتني اسماء و) وتقول في الشعر: الرجُلُو والرَّجُلِي والرجُلاَ ولا يجوز ذلك في غير الشعر في شئ من اللغات وكذا قوله: 109 - وَمُسْتَلْئِمٍ كِشَّفْتُ بِالرُّمْحِ ذَيْلَهُ أقَمْتُ بَعَضْبٍ ذِي شَقَاشِقَ مَيْلَهُ (2) فجاء بالصلة بعد هاء الضمير ولا يجوز ذلك إذا وقفت عليه في الشعر نحو (جاءني غلامه) فلما جاز لهم في الشعر أن يحركوا لاجل المجئ بحرف الإطلاق ما حقُّه في غير الشعر السكونُ جوزوا تحريك اللام المضعف في نحو قوله
110 - * بِبَازِلٍ وَجْنَاءَ أوْ عَيْهَلْ (1) * مع أن حقه السكون لأجل حرف الإطلاق وكذا الباء المضعف في قوله 111 - * أو الْحَرِيقُ وَافَقَ الْقَصَبَّا (2) * أصله السكون فحرك لأجل حرف الإطلاق كما أن حق نون الأندريْن في قوله: 112 - * وَلاَ تُبْقي خمور الاندرينا (3) *
السكون كما في قولك (مررت بالمسلمين) والقوافي كلها موقوف عليها وإن لم يتم الكلام دون ما يليها من الأبيات ولهذا قلما تجد في الشعر القديم نحو الشجرتي بالتاء وبعدها الصلة بل لا يجئ إلا بالهاء الساكنة وإنما كثر ذلك في أشعار المولدين فعلى هذا التقرير ليس قوله (الْقَصَبَّا) بشاذ ضرورة كما ليس تحريك نون (الا ندرينا) وتحريك الراء في قوله: 113 - لَعِبَ الرِّيَاحُ بِهَا وغيرها * بعدى سوا في المُورِ وَالْقَطْرِ (1) لأجل حرف الإطلاق بشاذين أتفاقاً مع أن حق الحرفين السكون لو لم يكونا في الشعر ولعدم كونه شاذاً ترى تحريك المضعف للإطلاق في كلامهم كثيراً قال رؤبة: لَقَد خشيت ان ارى جديا * في عَامِنَا ذَا بَعْدَ أنْ اخصبا (2)
إنَّ الدَّبَا فَوْقَ الْمُتُونِ دَبَّا * وهبت الريح بمور هبا تترك مَا أبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * كَأَنَّهُ السيل إذا اسلحبا أو الحريق وافق القصبا * والتبن وَالْحَلْفَاء فَالتَهَبَّا وليس في كلام سيبويه ما يدل على كون مثله شاذا أو ضرورة بلى إنما لم يكثر مثله غاية الكثرة لقلة تضعيفهم في الوقف لما ذكرنا أن الوقف حقه التخفيف لا التثقيل فقلة مثل القصبَّا وَعَيْهَلِّ مثل قلة نحو جاءني جعفر ويجعلّ وكان الواجب أن لا يلحق التضعيف المنصوب المنون في نحو قوله: * تَتْرُكُ مَا أَبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * لأن حقه أن يتحرك حرف إعرابه في الوقف ويقلب تنوينه ألفاً لا غير ومع تحرك حرف الإعراب في الوقف لا لأجل الإتيان بحرف الإطلاق لا يضعف لكن الشاعر حمل النصب على الرفع والجر وقاسه عليهما كما في لغة ربيعة واعلم أن النحاة قالوا: إن الشاعر في نحو قوله عيهلِّ والقصبَّا أجرى الوصل مجرى الوقف يعنون أن حرف الإطلاق هو الموقوف عليه إذ لا يؤتى به إلا للوقف عليه فإذا كان هو الموقوف عليه لم يكن ما قبله موقوفاً عليه بل في درج الكلام وهذا إجراء الوصل مجرى الوقف هذا وقال سيبويه: حدثني من أثق به أنه سمع أعرابيًّا يقول: أعطني أبيضَّهْ يريد أبْيَضٌ والهاء للسكت وهو
أقبح الشذوذ لأن هاء السكت لا يلحق إلا ما حركته غير إعرابية وأيضاً حرك المضعف لا لأجل حرف الإطلاق كما ذكرنا قال: (وَنَقْلُ الْحَرَكَةِ فِيمَا قَبْلَهُ سَاكِنٌ صَحِيحٌ إلا الْفَتْحَةَ إلاَّ فِي الْهَمْزَةِ وَهُوَ أيْضاً قَلِيلٌ مِثْلُ هذا بَكُرْ وخَبُؤْ ومَرَرْتُ بِبَكْر وَخَبِئْ وَرَأَيْتُ الْخَبَأْ وَلاَ يُقَالُ رَأَيْتُ الْبَكَرْ ولاَ هذا حبر ولا من قفل وَيُقَالُ: هّذَا الرِّدُؤْ وَمِنَ الْبُطِئُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَفِرُّ فَيُتْبِعُ) أقول: قوله (ونقل الحركة) هذا وجه آخر من وجوه الوقف وهو قليل كقلة التضعيف إلا في الهمزة كما ذكرنا وذلك لغرض لهم ذكرناه في نقل حركة الهمزة وإنما قلَّ هذا لتغير بناء الكلمة في الظاهر بتحرك العين الساكن مرة بالضم ومرة بالفتح ومرة بالكسر وإن كانت الحركات عارضة وأيضاً لاستكراه انتقال الإعراب الذي حقه أن يكون على الأخير إلى الوسط وإنما سهل لهم ذلك الفرار من الساكنين والضن بالحركة الإعرابية الدالة على المعنى ولو ثبت ذلك في نحو مُنْذُ من المبنيات فالمسهل الفرار من الساكنين فقط وهذا النقل ثابت في الرفع والجر اتفاقاً وأما في النصب: فإن كان الاسم منوناً فلا يثبت إلا في لغة ربيعة لحذفهم الفتحة أيضاً وإن لم يكن منونا فقد منعه سيبويه وقال: لا يقال رأيت الْبَكَرْ بناء على ان اللام عارضة والاصل التنوين فالمعرف باللام في حكم المنون وغير سيبويه جوزه لكونه مثل مهموز الآخر فقد ثبت النقل فيه اتفاقاً لما ذكرنا قبل من خفاء الهمزة ساكنة بعد الساكن ولكراهتهم ذلك في الهمزة جوزوا فيها النقل مع الأداء الى الوزن المرفوض نحو هذا الرِّدُؤُ ومن الْبُطِئْ ولم يجوزوا ذلك في غيرها فلم يقولوا: هذا عِدُلْ ولا من قُفِلْ بل من كان ينقل في نحو بكر إذا اتفق له مثل عدل وقفل (ج 2 - 21)
اتبع العين الفاء في الرفع والنصب والجر فيقول: هذا العِدلِ والقُفُل ورأيت العِدلِ والقُفُل ومررت بالعِدِل وَالقُفُل لأنه لما لزمة تسوية الرفع والجر فيهما لئلا يؤدي إلى الوزن المرفوض أتبعهما المنصوب وجعل الأحوال الثلاث متساوية قوله (ومنهم من يفر فيتبع) يعني في المهموز في الأحوال الثلاث وكذا غير المهموز وإن لم يذكره المصنف والفرق بين المهموز وغيره أن المهموز يغتفر فيه الأداء إلى الوزن المرفوض فيجور ذلك كما يجوز الإتباع وأما غير المهموز فلا يجوز فيه إلا الإتباع ولم يذكر المصنف في هذا الفصل أيضاً وقف أهل الحجاز هذا وقد ذكرنا قبل أن هاء الضمير كالهمز في الخفاء فإذا سكن ما قبلها وهو صحيح جاز نقل ضمتها لبيانها إلى ذلك الساكن نحو مِنُهْ وعَنُهْ قال: 114 - عَجِبْتُ والدهر كثير عجبه * من عنزي سَبَّنِي لَمْ أضْرِبُهْ (1) وبعض بني عدي من بني تميم يحركون ما قبل الهاء للساكنين بالكسر
فيقولون: ضَرَبَتِهْ وقَالَتِهْ والأول هو الأكثر ولا ينقل الحركة إلى الساكن إذا كان مدغماً لئلا يلزم انفكاك الإدغام نحو الرَّدِّ والشَّدِّ قوله (صحيح) وإنما اشترط ذلك لأن حرف العلة لا تنقل الحركة إليه لثقلها عليه وذلك نحو زَيْد وَحَوْض واعلم أنه يجوز أن يوقف على حرف واحد كحرف المضارعة فيوصل بهمزة بعدها ألف وقد يقتصر على الألف قال: 115 - بالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإِنْ شَرًّافَا * وَلاَ أُرِيدُ الشَّرَّ إلاَّ أنْ تَا (1) أي: إن شرا فشر ولا أريد الشر إلا أن تشاء ويروى (فأا) و (تأا) كأنه زيد على الألف ألف آخر كإشباع الفتحة ثم حركت الأولى للساكنين فقلبت همزة كما ذكرنا في دأبَّة
[المقصور والممدود]
وقد يجري الوصل مجرى الوقف والغالب منه في الشعر للضرورة الداعية إليه قال: 116 - لَمَّا رأَى أنْ لاَدَعَه وَلاَ شَبَعْ * مَالَ إلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فَالْطَجَعْ (1) وربما جاء في غير الشعر نحو ثلاثه اربع وكذا جميع الاسماء المعددة تعديداً كما ذكرنا وذلك واجب فيها كما مر وقوله تعالى: (لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي) في قراءة ابن عامر وقوله تعالى (كتابيه) و (حسابيه) وصلاً كما في بعض القراءات وقوله تعالى: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) بإثبات ألف (أنا) المقصور والممدود قال: (المقصور: ما آخره الف مفردة كَالْعَصَا والرَّحَى والْمَمْدُودُ مَا كَان بَعْدَهَا فيه هَمْزَة كالكِسَاءِ وَالرِّدَاءِ والْقِيَاسِيُّ مِنَ الْمَقْصُورِ ما يكونُ قَبْلَ آخِرِ نَظِيرِهِ مِنَ الصَّحِيحِ فَتْحَةٌ وَمِنَ الْمَمْدُودِ ما يكُونُ ما قَبْلَه ألِفاً فَالْمُعْتَلُّ اللاَّمِ مِنْ أسْمَاءِ الْمَفَاعِيلِ مِنْ غَيْرِ الثَّلاَثِيِّ الْمُجَرَّدِ مَقْصُورٌ كمُعْطًى ومُشْتَرًى
لأَنَّ نَظَائِرَهُمَا مُكْرَمٌ وَمُشْتَرَكٌ وَأَسْمَاءِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ والمصدر مما قياسه مفعل ومفعل كمَغْزًى ومُلهًى لأَنَّ نَظَائِرَهُمَا مَقْتَلٌ وَمُخْرَجٌ وَالْمَصْدَرُ مِنْ فَعِلَ فَهْوَ أفْعَلُ أوْ فَعْلاَنُ أوْ فِعْلٌ كالْعَشَى وَالطَّوَى وَالصَّدَى لأن نَظَائِرَهَا الحول وَالْعَطَشُ والْفَزَعُ وَالْغَرَاءُ شَاذٌّ والأَصْمَعِيُّ يَقْصُرُهُ وجَمْعِ فُعْلَة وَفِعْلَة كَعُرًى وَجِزًى لأنَّ نَظَائِرَهَمَا قُرَبٌ وَقِرَبٌ) أقول: قوله (ألف مفردة) احتراز عن الممدودة لأنها في الأصل ألفان قلبت الثانية همزة ولا حاجة إلى هذا فإن آخر قولك كساء وحمراء ليس ألفاً بلى قد كان ذلك في الأصل ولو نظر إلى الأصل لم يكن نحو الفتى والعصا مقصوراً. قوله (بعدها فيه) أي: بعد الألف في الآخر فتخلو الصلة عن العائد الى الموصول وإن قلنا إن الضمير في (فيه) لم فسد الحد بنحو جاء وجائية والأولى أن يقال: الممدود ما كان آخره همزة بعد الألف الزائدة لأن نحو مَاءٍ وشاءٍ لا يسمى في الاصطلاح ممدوداً والمقصور القياسي: مقصور يكون له وزن قياسي كما تقول مثلاً: ان كل اسم مفعول من باب الإفعال على وزن مُفْعَل فهذا وزن قياسي فإذا كان اللام حرف علة - أعني الواو والياء - انقلبت ألفاً قوله (ومن الممدود) يعني أن القياسي من الممدود أن يكون ما قبله: أي ما قبل آخر نظيره من الصحيح ألفاً والأولى أن يقال: الممدود القياسي ممدود يكون له وزن قياسي فإذا عرفنا المقصور والممدود اولا كفى في حد المقصور والممدود القياسيين أن نقول: هما مقصور وممدود لهما وزن قياسي والحدان اللذان ذكرهما المصنف لا يدخل فيهما نحو الْكُبْرَى تأنيث الأكبر وحمراء تأنيث الأحمر مع أنهما قياسيان لأن كل مؤنث لأفعل التفضيل مقصور وكل مؤنث لأفعل الذي للألوان والْحُلَى ممدود
والاولى في تسمية المقصورا انه لكونه لامد في آخره وذلك لأنه في مقابلة الممدود يقال: يجوز في الشعر قصر الممدود: أي الإتيان بالألف فقط وقال بعضهم: سمي مقصوراً لكونه محبوساً ممنوعاً من الحركات من قولهم: (قصرته) أي حبسته ولا يسمى بالمقصور والممدود في الاصطلاح إلا الاسم المتمكن فلا يقال: ان حبسته ولا يسمى بالمقصور والممدود في الاصطلاح إلا الاسم المتمكن فلا يقال: إن إذا ومتى وما ولا مقصورة وأما قولهم: هؤلاء مقصوراً أو ممدوداً فَتَجَوَّز وفصد للفرق بين لغتي هذه اللفظة قوله (من غير الثلاثي المجرد) فمن أفْعَلَ نحو مُعْطًى ومن فَعَّل نحو: مُسَمَّى ومن فاعل نحو مُرَامًى ومن افتعل نحو مشترى ومن انفعل نحو منجلى عنه ومن استفعل نحو مستدعى ومن تفعل نحو مُتَسَلًّى عَنْهُ ومن تفاعل نحو مُتَقَاضًى منه ومن افْعلَّ وافعال مرعوى عنه ومحو اوى له ومن فعلل مُقَوْقًى فيه وكذا كل موضع وزمان من فَعْلَى وافعنلى كسَلْقَى (1) واغْرَنْدَى (2) قوله (وأسماء الزمان والمكان والمصدر) يعني من المعتل اللام وكذا كل ما يذكر بعده من قياسات المقصور والممدود فالزمان والمكان والمصدر من ناقص الثلاثي المجرد مَفْعَل بفتح العين سواء كان من يَفْعُل أو يفعل أو يفْعَلُ كما مر في أسماء الزمان والمكان وأما من غير الثلاثي المجرد فالثلاثة على وزن مفعوله كما مضى في الباب المذكور سواء كان المفعول مُفْعَلاً أو مُفْتَعَلاً أو مستفعلا أو غير ذلك ولم يذكر المصنف إلا مُفْعَلاً قوله (والمصدر من فَعِلَ) أي المصدر المعتل اللام وليس كل مصدر من فَعِلَ الناقص الذي نعته على أحد الثلاثة الأوجه بمقصور ألا ترى إلى قولهم خَزِي يَخْزَى خِزْياً فهو خَزْيَان وَرَوِي يَرْوَى ريا فهو رَيَّان بل يجب أن
يكون مقصوراً إذا كان مفتوح الفاء والعين وإنما شرط أن يكون النعت من المصدر المقصور على الأوزان المذكورة احترازاً عن نحو فَنِيَ يَفْنَى فَنَاء قوله (والْغَرَاءُ شاذ) حكى سيبويه غَرِيَ يَغْرَى (1) غَرَاء وَظَمِيَ يَظْمَى ظماء وقال الأصمعي: هو غَرًى على القياس قوله: (جمع فُعْلَة وَفِعْلَة) أي: إذا كان معتل اللام وذلك لما ذكرنا أن جمع فُعْلَة فُعَل وجمع فِعْلة فِعَل. ومن المقصور القياسي: كل مؤنث لأفعل التفضيل وكل مؤنث بغير هاء لفَعْلاَن الصفة وكل جمع لفعيل بمعنى مفعول إذا تضمن معنى البلاء والآفة وكل مذكر لفعلاء المعتل لامه من الألوان والحِلى والخلق كأحْوَى وحَوَّاء وكل مؤنث بالألف من أنواع المشي كالْقَهْقَرَى (2) والْخَوْزَلَى (3) والْبَشَكَى (4) والْمَرَطى (5) وكل ما يدل على مبالغة المصدر من المكسور فاؤه المشدد عينه
كالرميا (1) ، والخليفى (2) ، وروى الكسائي المدفى الخِصَّيصى (3) كما مر في باب المصدر ومما الغالب فيه القصر كل مفرد معتل اللام يجمع على أفعال: كنَدًى وأنداء وقَفاً وأقفاء وجاء غُثاء (4) وأغثاء وروي قَفَاء بالمد مع أن جمعه أقفاء قال: (وَنَحْوُ الإِعْطَاءِ وَالرِّمَاءِ وَالاِشْتِرَاءِ وَالاِحْبِنْطَاء مَمْدُودٌ لأنَّ نَظَائِرَهَا الإِكْرَامُ وَالطِّلاَبُ والافتتاح والاحر بحام وأسماء الأصوات المضموم أولها كالعواء والثغاء (5) لأن نظائرهما النباح حِمَارٌ وَقَذَالٌ وأنْدِيَةٌ شاذ والسَّمَاعِيُّ نَحْوُ: الْعَصَا وَالرَّحَى وَالْخَفَاءِ وَالأَبَاءِ (7) مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ يُحْمَلُ عليه)
أقول: قوله (ونحو الإعطاء والرِّمَاء) يعني كل مصدر لأفعل وفاعل ناقص غير مُصَدَّر بميم زائدة احترازاً عن نحو المُعْطَى والْمُرَامَى وكل مصدر لافتعل وانفعل واستفعل وافعلَّ وافعالَّ ناقص فهو ممدود كالإعطاء والرماء والاشتراء والانجلاء والاستلقاء والارْعِوَاء والاحْوِيواء وكذا كل مصدر معتل اللام لفعلل على غير فَعْلَلَة نحو: قوقي قِيقَاء وكل مصدر لافعنلى كاحْبَنْطَى وكذا كل صوت معتل اللام مضموم الفاء احترازاً عن نحو الدَّوِيّ وقد ذكرنا في المصادر أن الأصوات على فُعَال أو فَعيل وكذا كل مفرد لأفْعِلة معتل اللام مفتوح الفاء والعين احترازاً عن نحو نَدِيّ وأندية وشذ رَحىً وأرْحِية وقفا المقصور وأقفية وأما قفاء بالمد وأقفية فقياس وشذ أيضاً نَدًى وأندية قال: 117 - فِي لَيْلَةٍ من جمادى ذات أندية لا يُبْصِرُ الْكَلْبُ مِنْ ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا (1)
[حروف الزيادة]
وكذا كل مؤنث بغير التاء لافعل الذي للألوان والحلى كأحمر وحمراء قوله (مما ليس له نظير) أي: من ناقص ليس له نظير من الصحيح والحق أن يقال: مما ليس له ضابط ليدخل فيه نحو الْقَرَنبَى (1) والْكُمَّثْرَى والسِّيَرَاء (2) والْخُشَّاء (3) ونحوها (ذو الزيادة) قال: (ذو الزِّيَادَة: حُرُوفُهَا الْيَوْمَ تَنْسَاهُ أوْ سَأَلْتُمُونِيهَا أو السِّمَانَ هَوِيتُ: أي الَّتِي لاَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ لِغَيْرِ الإِلْحَاقِ والتَّضْعِيفِ إلاَّ مِنْهَا وَمَعْنَى الإِلْحَاقِ أنَّهَا إنَّمَا زِيْدَتْ لِغَرَضِ جَعْلِ مِثَالٍ عَلَى مِثَالٍ أزْيَدَ مِنْهُ ليعامل معاملته فنحو قَرْدَدٍ مُلْحَقٌ وَنَحْوُ مَقْتَلٍ غَيْرُ مُلْحَقٍ لِمَا ثَبَتَ مِنْ قِيَاسِهَا لِغَيْرِهِ وَنَحْوُ أفْعَلَ وَفَعَّلَ وَفَاعَلَ كذلك لذلك ولمجئ مَصَادِرِهَا مُخَالِفَةً وَلاَ يَقَعُ الأَلِفُ لِلإِلْحَاقِ فِي الاسْمِ حَشْواً لِمَا يلزم من تحريكها)
أقول: قيل: سأل تلميذ شيخَه عن حروف الزيادة فقال: سألتمونيها فظن أنه لم يجبه إحالة على ما أجابهم به قبل هذا فقال: ما سألتك إلا هذه النوبة فقال الشيخ: اليوم تنساه فقال: والله لا أنساه فقال: قد أجبتك يا أحمق مرتين وقيل: إن المبرد سأل المازني عنها فأنشد المازني: هَوِيتُ السِّمَانَ فَشَيَّبْنَنِي * وَقَدْ كُنْتُ قِدْماً هَوِيتُ السِّمَانَا فقال: أنا أسألك عن حروف الزيادة وأنت تنشدني الشعر فقال: قد أجبتك مرتين وقد جمع ابن خروف منها نَيِّفاً وعشرين تركيباً محكيًّا وغير محكي قال: وأحسنها لفظاً ومعنى قوله سَأَلْتُ الْحُرُوفَ الزَّائِدَاتِ عَنِ اسْمَهَا فَقَالَتْ وَلَمْ تَبْخَلْ: أمَانٌ وَتَسْهِيلُ وقيل: هم يتساءلون وما سألتَ يهون والْتَمَسْنَ هواي وسألتم هواني وغير ذلك قوله (أي التي لا تكون الزيادة ألخ) يعني ليس معنى كونها حروف الزيادة أنها لا تكون إلا زائدة إذ ما منها حرف إلا ويكون أصلاً في كثير من المواضع بل المعنى أنه إذا زيد حرف على الكلمة لا يكون ذلك المزيد إلا من هذه الحروف إلا أن يكون المزيد تضعيفاً سواء كان التضعيف للإلحاق أو لغيره كقردد (1) وعبَّرَ فإن الدال والباء ليستا منها فالحرف المضعف به - مع زيادته - يكون من جميع حروف الهجاء: من حروف الزيادة كعلّم وجمَّع ومن غيرها كقطع وسرح وقد يكون ذلك التضعيف الزائد للالحاق كقردد (1) وجلبب ولغيره كعلَّم والذي للإلحاق لا للتضعيف لا يكون إلا من حروف
اليوم تنساه كجدْوَلٍ وَزُرْقُم (1) وَعَنْسَلٍ (2) فلا وجه لقول المصنف (لغير الإلحاق والتضعيف) فإنه يوهم أن يكون الإلحاق بغير التضعيف من غير هذه الحروف وكان يكفي أن يقول: لا تكون الزيادة بغير التضعيف إلا منها فأما الزيادة بالتضعيف سواء كان التضعيف للإلحاق أو لغيره فقد تكون منها وقد لا تكون قوله (ومعنى الإلحاق إلخ) قد تقدم لنا في أبنية الخماسي بيان حقيقة الإلحاق والغرض منه قوله (ونحو مقتل غير ملحق) قد ذكرنا هناك أن ما اطرد زيادته لمعنى لا يجعل زيادته للإلحاق ولو كان نحو مَقْتَلٍ للإلحاق لم يدغم نحو مَرَدّ ومَشَدّ كما لم يدغم نحو أَلَنْدَدٍ وَمَهْدَدٍ (3) قوله (لما ثبت من قياسها لغيره) أي: من قياس زيادة الميم في مثل هذه المواضع لغير الإلحاق قوله (كذلك لذلك) أي: ليست للإلحاق لكون الزيادة لمعنى غير الإلحاق قوله (ولمجئ مصادرها مخالفة) أما كون إفْعَالٍ وفِعَال وفِيعَال كد حراج فليس بدليل على الإلحاق لأن مخالفة الشئ للشئ في بعض التصرفات تكفي في الدلالة على عدم إلحاقه به ولأن فِعْلالاً في الرباعي ليس بمطرد كما مر في باب المصادر ولو كان أفْعَل وفَاعَل ملحقين بد حرج لم يدغم نحو أعَدَّ وحادّ قوله (ولا يقع الألف للإلحاق في الاسم حشواً) إنما قال: في الاسم احترازا
عن تفاعل فإنه عنده ملحق بثفعلل كما ذكر قبل وهو ممنوع كما ذكرنا لكون الزيادة مطردة في معنى أعني لكون الفعل بين أكثر من واحد ولثبوت الإدغام في نحو تسارّا وتمادّا قوله (لما يلزم من تحريكها) مضى شرحه في أول الكتاب (1) قال: (وَيُعْرَفُ الزَّائِدُ بالاشْتِقَاقِ وَعَدَم النَّظِيرِ وَغَلَبَةِ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالتَّرْجِيحُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالاشْتِقَاقُ الْمُحَقَّقُ مُقَدَّمٌ فلذلك حكم بثلاثية (ادلة الزيادة) عنسل وشامل وشمال ولئدل وَرَعْشَنٍ وَفِرْسَنٍ وَبِلَغْنٍ وَحُطَائِطٍ وَدُلاَمِصٍ وَقُمَارِصٍ وَهِرْمَاسٍ وزرقم وقنعاس وفرناس وَتَرْنَمُوتٍ) أقول: العَنْسل: الناقة السريعة مشتق من العَسَلان وهو السرعة وقال بعضهم: هو كَزَيْدَل من الْعَنْس وهو بعيد لمخالفة معنى عنسل معنى عَنْس وهي الناقة الصلبة ولقلة زيادة اللام الشأمَلُ والشَّمَل والشَّمأل بمعنى الشَّمال يقال: شَمَلَتِ الريح: أي هبت شمالاً. النِّئْدِلُ - بكسر النون والدال وسكون الهمز - والنَّيْدَلاَن بفتحهما مع الياء والنَّيْدُلاَن بضم العين: الكابوس من النَّدْل وهو الاختلاس كأنه يندل الشخص: أي يختلسه ويأخذه بغتة والهمزة في نِئْدِل زائدة لكونه بمعنى النَّيْدَلان والياء فيه زائدة لكونها مع ثلاثة أصول الرَّعْشَنُ كجعفر: بمعنى المرتعش الفِرْسِنُ: مقدم خف البعير لأنه يفرس: أي يدق البِلَغْن: البلاغة. الْحُطَائِط: الصغير كأنه حط عن مرتبة العظيم
الدلامص: الدرع البراقة اللينة بمعنى الدَّليص والدِّلاص وقد دَلَصَتِ الدرع: أي لانت الْقُمَارِص: بمعنى القارص الهِرْمَاسُ والفِرْنَاس: الأسد الشديد من الْهَرْس والْفَرْس الزرقم: الأزرق القِنْعَاس: البعير العظيم من الْقَعَس وهو الثبات يقال: عزة قَعْسَاء: أي ثابتة لأن العظيم يثبت ويقل بَرَاحه والْقَعُوس: الشيخ الكبير الهرم التَّرْنَمُوت: تَرَنُّم القوس عند النزع قال 118 - تُجَاوِبُ الْقَوْسَ بِتَرْنُمُوتِهَا (1) (الاشتقاق من أدلة الزيادة) فقد عرفنا زيادة الأحرف بالاشتقاق المحقق: أي الظاهر القريب على ما ذكرنا في كل واحد ونعني بالاشتقاق كونَ إحدى الكلمتين مأخوذة من الأخرى أو كونهما مأخوذتين من أصل واحد ولم يعرف زيادتها بغلبة
الزيادة لأنها ليست من الغوالب في مواضعها المذكورة على ما يجئ ولا بعدم النظير لأن تقدير أصالة الحروف المذكورة لا يوجب ارتكاب وزن نادر فلما ثبت الاشتقاق المحقق لم ينظر إلى غلبة الزيادة وعدم النظير وحكمنا بالاشتقاق قال: (وكَانَ ألَنْدَدٌ أفَنْعَلاً ومعد فعلا لمجئ تَمَعْدَدَ وَلَمْ يُعْتَدَّ بِتَمَسْكَنَ وَتَمَدْرَعَ وَتَمَنْدَلَ لِوُضُوحِ شُذُوذِهِ وَمَرَاجِلُ فَعَالِلَ لِقَوْلِهِمْ: ثَوْبٌ مُمَرْجَلٌ وضَهْيأٌ فَعْلأً لمجئ ضهياء وفينان فيعالا لمجئ فنن وجرائض فعائلا لمجئ جرواض ومعزى فعلى لِقَوْلِهِمْ مَعْز وَسَنْبَتَةٌ فَعْلَتَةَ لِقَوْلِهِمْ سَنْبٌ وَبُلَهْنِيَة فُعَلْنِيَة مِنْ قَوْلِهِمْ عَيْشٌ أَبْلَهُ وَالْعِرَضْنَةُ فِعَلْنَةَ لأَنَّهُ من الاعتراض واول افعل لمجئ الأَوْلَى وَالأُوَلِ والصَّحِيحُ أنَّهُ مِنْ وول لا من وأل ولا من أول وإنْقَحْلٌ إنْفَعْلاً لأَنَّهُ مِنْ قَحِلَ: أيْ يَبِسَ وأفْعُوَانُ أُفْعُلاَناً لمجئ أفْعًى وَإضْحِيَانٌ إفْعِلاَن مِنَ الضُّحَى وَخَنْفَقِيقٌ فَنْعَلِيلاً مِنْ خَفَقَ وَعَفَرْنًى فَعَلْنًى مِنَ الْعَفَرِ) أقول: إنما كان الندد افنعلا لأن ألَنْدَدا ويَلَنْدَدا بمعنى الألدّ وهن مشتقات من اللدَدِ وهو شدة الخصومة ولولا ذلك لقلنا: إن فيه ثلاثة أحرف غالبة زيادتها في مواضعها: الهمزة في الأول مع ثلاثة أصول والنون الثالثة الساكنة والتضعيف فلنا أن نحكم بزيادة اثنين منها: إما الهمزة والنون فهو من لدد وإما النون وأحد الدالين فهو من ألد وإما الهمزة وإحدى الدالين فهو من لند لكنا اخترنا الوجه الأول لما ذكرنا من الاشتقاق الواضح قوله (مَعَدٌّ فَعَلاًّ) هذا مذهب سيبويه واستدل بقول عمر رضي الله تعالى عنه: اخْشَوْشِنُوا وَتَمَعْدَدُوا: أي تشهوا بمعد وهو معد بن عدنان
أبو العرب: أي دعوا التنعم وزي العجم كما ورد في حديث آخر (عليكم باللبسة المَعَدِّية) وقيل: معناه كونوا غلاظاً في أنفسكم بحيث لا يطمع أحد فيكم قال 119 - * رَبَّيْتُهُ حَتَّى إِذَا تَمَعْدَدَا (1) * أي: غلظ قال سيبويه: لو لم يكن الميم أصلياً لكان تمعدد تمفعل ولم يجئ في كلامهم وخولف سيبويه فقيل: معد مفعل لأنه كثير وَفَعَلٌّ في غاية القلة كالشَّرَبة في اسم موضع والْهَبَيِّ الصغير والْجَرَبَّة العانة من الحمير وأما قوله تمفعل لم يثبت فممنوع لقولهم: تَمَسْكَنَ وَتَمَنْدَلَ وَتَمَدْرَعَ وَتَمَغْفَرَ وهي تمفعل بلا خلاف فكما توهموا في مسكين ومنديل أنهما فِعْلِيل وفي مِدْرَعَة أنها فِعْلَلَة وفي مُغْفُور أنه فُعْلُول للزوم الميم في أوائلها كذلك توهموا في معد أنه فَعَلّ فقيل: تمندل وتمسكن وتدرع وتمغفر [وتمعدد] على أنها تفعلل كتدحرج وهذا كما توهموا أصالة ميم مسيل فجمعوه على مُسْلاَن كما جمع قَفيز على قُفْزَان ولو سلم أنهم لم يتوهموا ذلك وبنوا تمدرع وأخواته على أنها تمفعل قلنا: فَعَلٌّ غريب غرابة تمفعل
فبجعل مَعَدّ فَعَلاًّ يلزم ارتكاب الوزن الغريب كما يلزم بجعله مَفْعَلاً ارتكاب تمفعل الغريب فلا يترجح أحدهما على الآخر فالأولى تجويز الأمرين ولسيبويه أن يرجح كونه فَعَلاًّ بكون تمدرع وتمسكن وتمندل وتمغفر قليلة الاستعمال رديئة والمشهور الفصيح تَدَرَّع وتسكن وتندل وتغفر بخلاف شَرَبَّة وَجَرَبَّة وَهَبَيٍّ فإنها لَيْسَتْ برديئة قوله (وَمَراجل فَعَالل) كان ينبغي نظراً إلى غلبة الزيادة أن يحكم بزيادة الميم لكونه في الأول وبعده ثلاثة أصول لكن سيبويه حكم بأصالتها لقول العجَّاج 120 - * بِشِيَةٍ كَشِيَةِ الممرجل (1) *
والْمُمَرْجَل: الثوب الذي فيه نقوش على صور الْمَرَاجِل كالْمُرَجَّلِ: أي الذي فيه كصور الرجال قال 121 - * عَلَى إثْرِنَا أذْيَالَ مِرْطٍ مُرَجَّلٍ (1) * ولا يبعد أن يقال: إن الْمِرْجَلَ مِفْعَل (2) ولزوم الميم أوهم أصالتها كما في مسكين فقيل: مُمَرْجَلٌ كما قيل: مُمَسْكَنٌ وأيضاً إنما قال ممرجل خوف اللبس إذ لو قال مرجل لم يعرف اشتقاقه من الْمِرْجَل قوله (ضَهْيَأ فَعْلأَ) هذا مذهب سيبويه وقال الزجاج: هو فَعْيَل لا فعلأ من قولهم: ضاهات بمعنى ضاهيت وقرئ (يضاهئون) (3) و (يضاهون)
قال: ولم يجئُ في الكلام فَعْيَل إلا هذا وقولهم ضَهْيَد (1) مصنوع والضِّهْيَأ: التي لا تحيض فإنها تضاهي الرجال وكذلك قيل للرملة التي لا تنبت وفَعْلأ وفَعْيَل كلاهما نادران لكن يترجح مذهب سيبويه لشيئين: احدهما ان ضاهيت بالباء أشهر من ضاهأت والثاني أن ضهيأ. وهو فعلاء بلا خلاف لكونه غير منصرف فالهمزة فيه زائدة وكذا الأول الذي بمعناه قوله (فَيْنَان) يقال: رجل فَيْنَان: أي حسن الشعر طويله وهو منصرف وفيه غالبان في الزيادة غير الألف فإنه لا كلام مع إمكان ثلاثة أصول غيره في زيادته: أحدهما النون إما لأنه تضعيف مع ثلاثة أصول وإما لكون الالف والنون في الآخر مع ثلاثة أصول والثاني الياء مع ثلاثة أصول والواجب الحكم بزيادة الياء بشهادة الاشتقاق لأن الفنن الغصن والشعر كالغصن فقد رجحت بالاشتقاق زيادة الياء وقال الجوهري: هو فَعْلان من الْفَيْن (2) وهو مدفوع بما ذكرناه قوله (وجُرَائض) لو عملنا بالغلبة أو عدم النظير لم نحكم بزيادة الهمزة لأن الهمزة غير أول فلا تكون زيادته غالبة وفُعَالِل موجود كعلا بط لكن جرواضا بمعنى جُرَائض وهو العظيم الضخم من الإبل وليس في جرواض همز فيكون ايضاً همز جرائض زائداً وهما من تركيب جَرِض بريقه: أي غَصَّ [به] لأن الْغَصَص ممّا ينتفخ له
وكذلك معزى فيه غالبان لأن الألف مع ثلاثة أصول والميم كذلك ولو حكمنا بعدم النظير لم نحكم بزيادة واحد منهما لكونه بوزن دِرْهَم لكنه ثبت مَعْز بمعناه فثبت زيادة الألف دون الميم وكذا سَنْبَتَة - وهي حين من الدهر - يقال: مضى سَنْبٌ من الدهر وسنبة وسنبتة ولا منع من الحكم بزيادة نون سنبتة لأن السبْت أيضاً هو الحين من الدهر قوله (بُلَهْنية) لولا الاشتقاق وغلبة الزيادة لم نحكم بزيادة الياء ولولا الاشتقاق لم نحكم بزيادة النون ولكان ملحقا بخبعثن (1) بزيادة اليا فقط لكنه مشتق من قولهم: عيش أبله: أي غاقل عن الرزايا كالرجل الأبله فإنه غافل عن المصائب ولا يبالي بها فيصفو عيشه وبُلَهْنية العيش: خَفْضُه قوله (العِرَضْنَة) العِرَضْنَة والعِرَضْنَى: مشية في اعتراض: أي أخْذٍ على عرض الطريق من النشاط ولولا الاشتقاق لكان كقِمَطْرٍ من غير زيادة قوله (وأولُ أفْعَل) لأن تصريفه على أُولَى وأُول دليل على أنه أفعل التفضيل وليس بفوعل كما قال الكوفيون والصحيح أنه أفعل من تركيب (وَوَل) وإن لم يستعمل في غير هذا اللفظ لامن (أوَلَ) ولا من (وَألَ) لئلا يلزم قلب الهمزة شاذًّا كما ذكرنا في أفعل التفضيل (2)
قوله (إنْقَحْل) هو الشيخ القَحِل: أي اليابس وهو انفعل ولولا الاشتقاق لكان كجرد دحل لأن النون فيه ليس من الغوالب والهمزة في أول الرباعي اصل كالصطبل قوله (وأفْعُوَان أُفْعُلاَنَ) (1) إنما ذلك لمجئ فَعْوَة السم وأرض مَفْعَاة ولولا
ذلك لجاز ان يكون فعلو ان كعنفوان لان فيه ثلاثة غوالب غير الألف فإنه لا كلام في زيادة إذا امكن ثلاثة أصول غَيْرهُ: النون مع ثلاثة أصول وكذا الواو والهمزة فإن حكمت بزيادة الهمزة مع الواو فهو أفْعُوَال ولم يأت في الأوزان وإن حكمت بزيادة الهمزة مع النون فهو أُفْعُلاَن كأُسْتُقَان (1) وأقْحُوَان (2) وأُسْحُوَان (3) وإن حكمت بزيادة الواو والنون فهو فُعْلُوان كعنفوان فقد تردد بين الأُفعلان والفُعْلُوان فحكمنا بأنه أُفْعُلان لشهادة الْفَعْوَة
والْمَفْعَاة ولا دليل في أفْعى سواء صرفته اولا على أنه أفْعَل إذ يجوز أن يكون المنون ملحقاً بجعفر كعَلْقًى وغير المنون بنحو سَلْمى فقوله (لمجئ أفعى) فيه نظر قوله (إضْحِيَان) يقال: يوم إضحيان: أي مضئ وليلة إضْحِيانة من (ضَحِيَ) أي: ظهر وبرز ولولا الاشتقاق هنا أيضاً لعرفنا بعدم النظير أنه إفْعِلاَن كإسْحِمَان لجبل وإرْبِيَان لنوع من السمك معروف بالروبيان لأن فِعْليَان وإفعيالاً لم يثبتا قوله (خَنْفَقِيق) هو الداهيةُ من الخَفْق وهو الاضطراب لأن فيها اضطراباً وقلقاً لمن وقع فيها وهي أيضاً مضطربة متزلزلة ولولا الاشتقاق لجاز أن يكون التضعيف هو الزائد فقط لكونه غالباً في الزيادة وتكون النون أصلية لأنها ليست من الغوالب فيكون خنفقيق مُلْحَقاً بسلسبيل بزيادة النون والتضعيف قوله (عَفَرْنًى) هو الأسد القوي المعفِّر لفريسته والْعَفَر [بالتحريك] التراب ولولا الاشتقاق لم نحكم إلا بزيادة الألف لأن النون ليست من الغوالب في موضعها وهو ملحق بسفر جل ويقال للناقة: عَفَرْناة قال: (فإنْ رَجَعَ إلَى اشْتِقَاقَيْنِ وَاضِحَيْن كأرْطًى وأوْلَقٍ حَيْثُ قِيلَ: بَعِيرٌ آرِطٌ وراط واديم ماروط وَمَرْطيّ وَرَجُلٌ مَأْلُوقٌ وَمَوْلُوقٌ جَازَ الأَمْرَانِ وكَحَسَّانٍ وَحِمَارِ قبَّانَ حَيْثُ صُرِفَ وَمُنِعَ) أقول: يجوز ان يكون ارطى فعلى لاشتقاق آرط ومأر وط منه والألف للإلحاق لقولهم أرطاة وأن يكون أفعَل بدليل راطٍ ومَرْطِيّ والأَرَطى: من شجر البَرِّ يدبغ بورقه والاونق: الجنون يجوز أن يكون فوعلاً بدليل مألوق وأن يكون أفعل بدليل مولوق وقوله (جاز الامر ان) أي: زيادة أول الحرفين وأصالة الأخير والعكس
قوله (وكحسان وحمار قَبَّان (1)) فإن الأول يرجع إلى الحسن أو إلى الحِسِّ وهما اشتقاقان واضحان لجواز صرفه ومنع صرفه وكذا الثاني يرجع إلى الْقَببِ وهو الضُّمُور أو إلى القَبْن وهو الذهاب في الأرض وهما أيضاً فيه واضحان لجواز صرفه ومنع صرفه فجواز صرف الكلمتين وترك صرفهما دليل على رجوعهما إلى اشتقاقين واضحين قال: (وَإلاَّ الاكثر التَّرْجِيحُ كَمَلأَكٍ قِيلَ: مَفْعَلٌ مِنَ الأَلُوكَةِ ابْنُ كَيْسَانَ: فَعْألٌ مِنَ الْملْكِ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَفْعَلٌ مِنْ لأَكَ: أي أرْسَلَ ومُوسًى مُفْعَلٌ مِنْ أوْسَيْتُ: أيْ حَلَقْتُ والْكُوفِيُّونَ فَعْلَى مِنْ مَاسَ. وَإنْسَانٌ فِعْلاَنٌ مِنْ الأُنْسِ وَقِيلَ: إفْعَانٌ مِنْ نسي لمجئ أُنَيْسِيَان وَتَرَبُوتٌ فَعَلُوتٌ مِنَ التُّرَابِ عِنْدَ سِيْبَويه لأَنَّهُ الذَّلُولُ وَقَالَ في سُبْرُوتٍ: فعْلُولٍ وَقِيلَ: مِنَ السَّبْرِ وقَالَ في تِنْبَالَةٍ: فِعْلاَلَة وَقِيلَ: مِنَ النَّبَلِ للِصِّغَارِ لأنه الْقَصِير وَسُرِّيَّةٌ قِيلَ: مِنْ السِّرِّ وقيل: من السراة ومئونة قِيلَ: مِنْ مَانَ يَمُونُ وَقِيلَ: مِنَ الأَوْنِ لأَنَّهَا ثِقَلٌ وَقَالَ الفراء: من الاين وَأَمَّا مَنْجَنِيقٌ فإن اعْتُدَّ بِجَنْقُونَا فَمَنْفَعِيلٌ وَإلاَّ فإنِ اعْتُدَّ بَمَجَانِيقَ فَفَنْعَلِيلٌ وَإلاَّ فإنِ اعْتُدَّ بِسَلْسَبِيلٍ على الاكثر ففعلليل والا ففعلنيل وَمَجَانِيقُ يَحْتَمِلُ الثًَّلاَثَة وَمَنْجَنُونٌ مِثْلُهُ لمجئ مَنْجَنِينٍ إلاَّ في مَنْفَعِيلٍ ولولا مَنْجَنِينٌ لكَانَ فعللولا كعضر فوط وخندريس كمنجنين) اقول ل: قوله (والا) أي: ان لم يكن في الكلمة اشتقاق واضح بل فيها اشتقاق غير واضح كما في تِنْبَالة وتَرَبُوت وسبروت أو فيها اشتقاقان
أحدهما أوضح من الآخر كما في مَلَك وموسًى وسُريِّة فالأكثر أن في كلا الموضعين الترجيح ففي الأول: أي الذي فيه اشتقاق واحد غير واضح يرجّح بعضهم غلبة الزيادة أو عدم النظير على ذلك الاشتقاق إن عارضه واحد منهما وبعضهم يعكس ولا منع من تجويز الأمرين وإن لم يعارضه أحدهما فاعتباره أولى فمثال تعارض الاشتقاق البعيد وقلة النظير تِنْبَالَة قال سيبويه: هو فِعْلاَلة فإن فِعْلاَلاً كثير كسرداح (1) وَتِفْعَالٌ قليل كتِلْقَاءٍ وتِهْوَاءٍ كما ذكرنا في المصادر ورجح بعضهم الاشتقاق البعيد فقال: هو تِفْعَالة من النَّبَل وهو الصغار لأن القصير صغير وكذا في سُبْرُوت (2) رجَّح سيبويه عدم النظير على الاشتقاق فقال هو فعلول كعصفور وليس بفعلوت لندرته والأولى ههنا كما ذهب إليه بعضهم ترجيح الاشتقاق والحكم بكونه فعلوتا ملحقاً بعصفور - وإنْ بدر - بشهادة الاشتقاق الظاهر لأن السبروت الدليل الحاذق الذي سَبَر الطرق وخبرها وهذا اشتقاق واضح غير بعيد حتى يرجح عليه غيره ولم يحضرني مثال تعارض الاشتقاق البعيد وغلبة الزيادة ومثال مالا تعارض لشئ منهما لا لعدم
النظير ولا للغلبة تَرَبُوت فسيبويه اعتبر الغلبة والاشتقاق البعيد وقال: هو من التراب لأن التَّرَبُوت الذَّلُول وفي التراب معنى الذلة قال تعالى (أَوْ مِسْكِيناً ذَا متربة) وقال بعضهم: التاء بدل من الدال. وهو من الدرْبَة وهو قريب لو ثبت الإبدال ولو ترك اعتبار الاشتقاق أيضاً لم يكن فَعَلولاً كقَرَبُوس (1) لأن التاء من الغوالب وفي الثاني: أي الذي فيه اشتقاقان أحدهما أوضح من الآخر. الأَكْثَرُ ترجيح الأوضح وجوّز بعضهم الأمرين وذلك نحو مَلَكٍ وأصله مَلأَكٌ بدليل قوله: 121 - فَلَسْتَ لإنْسِيّ وَلكِنْ لِمَلأَكٍ تَنَزّلَ مِنْ جو السماء يصوب (2)
وأيضاً بدليل قولهم في الجمع مَلاَئكة ألزموا الواحد التخفيف لكثرة استعماله كما ألزموا يَرَى وأرى فقال الكسائي: هو مَفْعَل من الألوكة وهي الرسالة فالمَلَك رسولٌ من قبله تعالى إلى العباد وكذا ينبغي أن يقول في قولهم (ألِكْنِي إليه) أي كن رسولي إليه: إن أصله أأْلِكْنِي ثم الئِكني ثم خفف بالنقل والحذف لزوماً وقال أبو عبيدة: ملأك مَفْعَل من لأكه أي أرسله فكأنه مَفْعَل بمعنى المصدر جعل بمعنى المفعول لأن المصادر كثيراً ما تجعل بمعنى المفعول قال 122 - * دَارٌ لِسُعْدَى إذْهِ مِنْ هَوَاكَا (1) * أي: مَهْوِيِّكَ و (ألِكْنِي) عنده ليس بمقلوب وَمَلأَك عند الكسائي بمعنى الصفة المشبهة ومذهب أبي عبيدة أولى لسلامته من ارتكاب القلب وقال ابن كيسان: هو فعأل من المِلْك لأنه مالك للامور التي جعلها الله إليه وهو اشتقاق بعيد وفَعْأل قليل لا يرتكب مثله إلا لظهور الاشتقاق كما في شمأل قوله: (موسًى) موسى التي هي موسى الحديد عند البصريين من (أوسيت) أي حلقت وهذا اشتقاق ظاهر وهو مؤنث سماعي كالقِدْرِ والنار والدار قال:
123 - فإن تكن الموسى جرت فوق بظرها فما خُتِنَتْ إلاَّ ومَصَّانُ قَاعِدُ (1) وهي منصرفة قبل العلمية غير منصرفة معها كعقرب ثم تنصرف بعد التنكير وقال أبو سعيد الاموى: هو مذكر لكونه مُفْعَلاً قال أبو عبيدة: لم يسمع التذكير فيه إلا من الأُمَوي وجوز السيرافي اشتقاقه من (أسْوْت الجرح) أي أصلحته فأصله مؤْسَى بهمز الفاء وقال الفراء: هي فُعْلَى فلا تنصرف في كل حال لكونه كالبشرى وهو عنده من الْمَيْسِ لأن المزين يتبختر وهو اشتقاق بعيد قلبت عنده الياء واواً لانضمام ما قبلها على ما هو مذهب الأخفش (2) في مثله كما يجئ في باب الإعلال وأما موسى اسم رجل فقال أبو عمرو بن العلاء: هو أيضاً مُفْعَل بدليل انصرافه بعد التنكير وفُعْلَى لا ينصرف على كل حال وقال أيضاً: إنَّ مُفْعَلاً أكثر من فُعْلَى فحمل الأعجمي على الأكثر أولى وهو ممنوع لان فعلى يجئ مؤنثا لكل افعل تفضيل ومفعل لا يجئ إلا من باب أفْعَل يُفْعِل فهو عنده لا ينصرف [علماً للعجمة والعلمية وينصرف (3) ] بعد التنكير كعيسى وقال الكسائي:
هو فُعْلىً فينبغي أن يكون ألفه للإلحاق بجخدب وإلا وجب منع صرفه بعد التنكير قوله (إنسان) الأولى أن يقال: فعلان وانيسيان شاذ كعُشَيْشِيَان على ما مر في التصغير فهو مشتق من الأنس لأنه يأنس بخلاف الوحش وقيل: هو من الإيناس: إي الابصار كقوله تعالى: (آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً) لانه يؤنس: أي يبصر ولايجتن بخلاف الجن وقيل: إنسيان كإضْحيَان من النسيان إذ أصل الإنسان آدم وقد قال تعالى فيه: (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ويقويه تصغيره على أنيسيان والاشتقاق من النسيان في غاية البعد وارتكاب شذوذ التصغير كما في لُيَيلية أهون من ادعاء مثل ذلك الاشتقاق قوله (وسُرِّيَّة) الظاهر أنها مشتقة من السِّر وضم السين من تغييرات النسب الشاذة كدهري وسهلي وهو إما من السِّر بمعنى الخفية لأنها أمة تُخْفَى من الحرة وهذا قول أبي بكر بن السرِيّ وإما من السِّرِّ بمعنى الجماع لأنها لذلك لا للخدمة وهذا قول السيرافي يقال: تَسَرَّرْت جارية وتَسَرَّيْت كتظنيت وقال الأخفش: هي من السرور لأنه يسر بها وقيل: هو من السَّرِيِّ: أي المختار لأنها مختارة على سائر الجواري وقيل: من السَّرَاة وهى اعلى الشئ لأنها تركب سراتها فهي على هذين القولين فُعِّيلة كمُرِّيق وهو الْعُصْفُر وهذا وزن نادر وأيضاً قولهم: (تسرَّرت) براءين - يمنعهما وإن كان تسريت يوافقهما قوله (ومئونة) يقال: هو [من] (مَانَه يَمُونه) إذا احتمل مئونته وقام بكفايته وهذا الشتقاق ظاهر واصله مَوُونة بالواو قلبت الواو المضمومة همزة وقيل: هو من الأوْن وهو أحد العِدْلَين لأن المئونة ثقل فهمزته أصلية وأصله مَأْوُنة
كمَكْرُمَة وهو أبعد من الاشتقاق الأول لأن الثقل لازم المئونة في الأغلب وقال الفراء: هو من الأيْن وهو الاغياء وهو أبعد من الاشتقاق الثاني وأصله مأيُنَة نقلت الضمة إلى ما قبلها وقلبت الياء واواً على ما هو أصل الأخفش قوله (فإن اعتد بجَنَقُونا) حكى الفراء (جَنَقْنَاهم) وزعم أن المنجنيق مُوَلَّدة: أي أعجمية وهم إذا اشتقوا من الأعجمي خلَّطوا فيه لأنه ليس من كلامهم فقولهم (جنقونا) وقول الأعرابي (كانت بيننا حروب عُونٌ تفقأ فيها العيون مرة نُجْنَق وأخرى نُرْشَق) (1) من معنى منجنيق لا من لفظه كدَمِث ودِمَثْرٍ (2) وثَرَّة وثَرْثَار وإنما تجنبوا من كونه من تركيب جنق لأن زيادة حرفين في أول اسم غير جارٍ على الفعل كمنطلق قليل نادر عندهم وذلك كإنْقَحْل وكون منجنيق منفعيلاً لشبهة جَنَقُونا مذهبُ المتقدمين قوله (وإلا) أي: وإن لم يعتد بحنقونا كما ذكرنا فإن اعتد بمجانيق فهو فَنْعَلِيل لأن سقوط النون في الجمع دليل زيادته فإذا ثبت زيادة النون فالميم أصل لئلا يلزم زيادة حرفين في أول اسم غير جار على الفعل قوله (وإلا) أي: وإن لم يعتد بمجانيق فيه نظر وذلك لأنه جمع منجنيق عند عامة العرب فكيف لا يعتد به؟ وفي الجمع لا يحذف من حروف
مفرده الأصول إلا الخامس منها فحذفهم النون بعد الميم دليل على زيادتها وليس مجانيق كجَنَقُونا حتى لا يعتدَّ به لأن ذلك حكاية عن بعض الأعراب ومجانيق متفق عليه وكونه فنعليلاً مذهب سيبويه وإنما حكم بذلك لأنه ثبت له بجمعه على مجانيق زيادة النون وأصالة الميم كما ذَكَرنا ولم يحكم بزيادة النون الثانية أيضاً لوجهين: أحدهما نُدور فنعنيل بخلاف فَنْعَلِيل كَعَنْتَرِيس وهي الناقة الشديدة من الْعتْرَسَة وهي الشدة والثانى أن الأصل أصالة الحروف إلا أن يقوم على زيادتها دليل قاهر قوله (فإنِ اعتُدَّ بِسَلْسَبِيلٍ عَلَى الأَكْثَرِ) يعني إن ثبت في كلامهم فَعْلَلِيل بزيادة الياء فقط وذلك أن أكثر النحاة على أن سلسبيلاً فعلليل وقال الفراء: بل هو فعفليل وكذا قال في درد بيس وذلك لتجويزه تكرير حرف أصلي مع توسط حرف [أصلي] بينهما كما مر وفي قول المصنف هذا أيضاً نظر وذلك لأن فعلليلاً ثابت وإن لم يثبت أن سلسبيلاً فعلليل وذلك بنحو برقعيد لقصبة في ديار بيعة وَعَلْطَميس (1) للشابة. ولو لم يجمع منجنيق على مجانيق لكان فعلليلاً سواء ثبت بنحو بَرْقَعيد فعلليل اولا وذلك لأن جَنَقُونا كما قلنا غير معتد به والأصل أن لانحكم بزيادة حرف إلا إذا اضطررنا إليه: إما بالاشتقاق أو بعدم النظير أو بغلبة الزيادة فإن قيل: إذا لزم من الحكم بزيادة حرف وزنٌ غريب ومن الحكم بأصالته وزن [آخر] غريب فالحكم بزيادته أولى لأن ذوات الزوائد أكثر من أبنية الأصول قلت: ذاك ان لم يكن في اللفظ زائد متفق عليه والياء في نحو منجنيق
مقطوع بزيادته فمثل هذا البناء على أي تقدير كان من ذوات الزائد فلو لم يثبت مجانيق لكنا نجمع منجنيقا على مناجن بحذف الحرف الاخير كسفارج قوله (وإلا ففعلنيل) يعني إن لم يثبت أن سلسبيلا فَعْلَلِيل بل كان فعفليلاً كما قال الفراء فمنجنيق فعلنيل وفي هذا كما تقدم نظر لأنه وإن لم يثبت كون سلسبيل فعلليلاً بنحو بَرْقَعيد وعَلْطَميس فهو وزن ثابت على كل حال قوله (ففعلنيل) لأن الوجوه العقلية المحتملة سبعة وذلك لأن الميم إما أصلية أو زائدة فإن كانت أصلية فإن كان النونان أيضاً كذلك فهو فعلليل وإن كانا زائدين فهو فنعنيل من مَجَقَ وإن كان الأول أصلاً دون الثاني فهو فَعْلَنيل من مَنْجَقَ وإن كان العكس فهو فنعليل من مَجْنَقَ وإن كان الميم زائداً فإن كان النونان أصليين فهو مَفْعَلِيل من نَجْنَقَ وإن كان الأول أصلاً دون الثاني فهو مفعنيل من نجق وان كان العكس فهو منفعيل من جنق ومع زيادة الميم لا يجوز ان يكون النونان ايضا زائدين لبقاء الكلمة على اصلين وهما الجيم والقاف والياء زائدة على كل تقدير إذ أمكن اعتبار ثلاثة أصول دونها فمن هذه السبعة الأوجه لا يثبت فعلليل إن لم يثبت سلسبيل على الأكثر على ما ادعى المصنف وقد ذكرنا ما عليه ومنفعيل إذ لا يزاد الميم في الأول مع أربعة أصول بعدها كما يجئ إلا في الجاري على الفعل مع غرابة الوزنين أعني منفعيلاً ومفعليلاً فيبقى بعد الثلاثة: فَنْعَنيل وفَعْلنيل ومَفْعنيل وفَنْعليل والكل نادر إلا فنعليلاً كَعَنْتَرِيس قوله (ومجانِيقُ يحتمل الثلاثة) لأنه إن كانت الميم زائدة فهو مفاعيل لاغير وإن كانت أصلية فهو إما فعاليل أو فعانيل (1) والثاني لم يثبت فهو إما مفاعيل
على ما اختاره بعضهم في منجنيق أنه من جنق وإما فَعَاليل على ما اختار سيبويه في منجنيق وأظن أن هذا اللفظ - أعني (ومجانيق يحتمل الثلاثة) - ليس من المتن إذ لا فائدة فيه لأن الجمع يعتبر وزنه بوزن واحده ويتبعه في أصالة الحروف وعدم أصالتها ولا يكون له حكم برأسه ولم يتعرض المصنف في الشرح لهذا اللفظ ولو كان من المتن لشرحه قوله (ومنجنون مثله) [أي مثل] منجنيق في احتمال الأوجه المذكورة وذلك لكون منجنين وهو لغة في منجنون يحتمل الأوجه المذكورة لكونه كمنجنيق إلا ان احدى اللامين فيه لابد من الحكم بزيادتها إذا حكمت بأصالة الميم والنون الأولى معاً أو بأصالة أحداهما لأن التضعيف لا يكون أصلاً مع ثلاثة أصول دونه أو أربعة كما مر في أول الكتاب ويسقط من الأوجه السبعة فنعنيل وفعلنيل ومفعنيل ويجئ فعلليل وفنعليل ومفعليل ومنفعيل ويستبعد منفعيل كما ذكرنا في منجنيق ولم يجئ جن في منجنين كما جاء جنق في منجنيق حتى يرتكب هذا الوزن المستبعد ومَفْعَليل غريب وفعلليل ثابت
كبر قعيد فمنجنين إما فَعْلَليل ملحق ببرقعيد بتكرير اللام والنونُ الأولى أصلية فيكون كعَرْطَليل والْعَرْطَل والْعَرْطَلِيل: الطويل وإما فَنْعَلِيل ملحق به أيضاً بزيادة النون وتكرير اللام فهو كَخَنْشَلِيل (1) وقد ذكر سيبويه في منجنون أيضاً مثل هذين الوجهين فقال مرة: هو ملحق بعضر فوط (2) بتكرير النون فيكون رباعيًّا ملحقاً بالخماسي وقال مرة: إنه ملحق بعضر فوط بزيادة النون الأولى وإحدى النونين الأخيرين فهو إذن ثلاثي ملحق بخماسي والأولى الحكم عليه بفَعْلَلُول وعلى منجنيق بفَعْلَلِيل لعدم الدليل على زيادة النون الأولى والأولى الحكم بأصالة الحرف ما لم يمنع منه مانع وأما إحدى النونين الأخيرين فالغلبة دالة على زيادتها وجمع مَنْجَنُون ومنجنين على مناجين كذا يجمعهما عامة العرب سواء كان فنعلولا اوفعللولا لأن حذف إحدى النونين الأخيرين لكونها طرفاً أو قريبة من الطرف أولى من حذف النون التي بعد الميم والظاهر أن الزائد من المكرر هو الثاني كما يجئ إذ لو كان الاول لجاز مناجن ومناجين بالتعويض من المحذوف وترك التعويض (3) كما في سفارج وسفاريج
قوله (ولولا منجنين لكان فعللولاً) يعني منجنين كمنجنيق فيحتمل جميع ما احتمله منجنيق من الأوزان فلذلك يحتمل منجنون ما احتمله منجنين ولولا منجنين لكان منجنون كعضر فوط وهذا قول فيه ما فيه وذلك أنا بينا أن منجنيناً لا يحتمل إلا فَعْلَليلاً على الصحيح وفنعليلاً على زيادة النون الأولى كما أجاز سيبويه وقد ضعفناه وكذ منجنون فَعْلَلُول على الصحيح وفنعلول على ما اجازه سيبويه وعلى كلا التقديرين هو ملحق بعضر فوط فما معنى قوله (ولولا منجنين لكان فعللولاً) وهو مع وجوده فعللول أيضاً؟ قوله (وخندريس (1) كمنجنين) لا شك في زيادة إحدى النونين الأخيرين في مَنْجَنين وليس ذلك في خندريس ونون خندريس أصل على الصحيح لعدم قيام الدليل على زيادتها ومن قال في منجنين إنه فَنْعَلِيل كعنتريس لم يمتنع أن يقوله في خندريس أيضاً هذا آخر ما ذكره المصنف من حكم الاشتقاق وتقسيمه أن يقال: إن كان في الاسم اشتقاق فهو إما واحد اولا والواحد اما ظاهر اولا والذي فوق الواحد إما أن يكون الجميع ظاهراً أو الجميع غير ظاهر أو بعضه ظاهراً دون الآخر فالواحد الظاهر يحكم به كما في رَعْشَنٍ (2) وبِلَغْنٍ
والواحد غير الظاهر إن عارضه مرجح آخر من الغلبة أو خروج الكلمة عن الأصول اخْتُلف فيه: هل يحكم به أو بالمرجح [الآخر] ؟ وإن لم يعارضه فهل يحكم بالاشتقاق أو بكون الأصل أصالة الحروف؟ فيه تردد وما فوق الواحد إن كانا ظاهرين احتملهما كأوْلَقٍ وإن كان أحدهما ظاهراً دون الآخر فالأولى ترجيح الظاهر كما في مَؤُونة وسُرِّيَّة وإن كانا خفيين وفيه مرجح آخر فهل يحكم بأحدهما أو بالمرجح الآخر؟ فيه التردد المذكور فإن حكم بهما: فإن استويا احتملهما وإن كان أحدهما أظهر حكم به وإن لم يكن فيه مرجح آخر حكم بهما على الوجه المذكور وإنما قدم الاشتقاق المحقق على الغلبة وعدم النظير وكون الأصل أصالة الحروف لأن المراد بالاشتقاق كما ذكرنا اتصال إحدى الكلمتين بالأخرى كضارب بالضرب أو اتصالهما بأصل كضارب ومضروب بالضرب وهذا الاتصال أمر معنوي محقق لا مَحِيدَ عنه بخلاف الخروج عن الأوزان فإنه ربما تخرج الكلمة عن الأوزان بنظر جماعة من المستقرئين ولا تخرج في نفس الأمر إذ ربما لم يصل إليهم بعض الأوزان وبتقدير الخروج عن جميع الأوزان يجوز أن تكون الكلمة شاذة الوزن وكذا مخالفة غلبة الزيادة لا تؤدي إلى مستحيل بل غاية أمرها الشذوذ ومخالفة الأكثر وكذا مخالفة كون أصل الحروف الأصالة ثم إن فقدنا الاشتقاق ظاهراً أو خفيًّا نظرنا: فإن كان حرف الكلمة الذي هو من حروف (سألتمونيها) من الغوالب في الزيادة كما سيجئ أو كان الحكم بأصالة ذلك الحرف يزيد بناءً في أبنية الرباعي أو الخماسي الأصول أعني المجردة عن الزائد أيُّ الأمرين كان حكمنا بزيادة ذلك الحرف ولا نقول: إن الأصل أصالة الحرف لأن الأمرين المذكورين مانعان من ذلك الأصل
ولو تعارض الغلبة وعدم النظير رجَّحنا الغلبة كما لو كان الحكم بزيادة الغالب يؤدي إلى وزن مجهول والحكم بأصالته لا يؤدي إلى ذلك حكمنا بزيادة الغالب كما نقول في سُلَحْفِية (1) فُعَلِّية وهو وزن غريب وفُعَلِّلَة كقذ علمة غير (2) غريب وذلك لأنا نقول إذن: هذا الغريب ملحق بسبب هذه الزيادة بذلك الذي هو غير غريب فنقول: إن كان الحكم بأصالة الغالب يؤدي إلى وزن غريب في الرباعي أو الخماسي المجردين عن الزائد والحكم بزيادته يؤدي إلى غريب آخر في ذى الزيادة كتتفل (3) فإن فَعْلُلاً بضم اللام وتَفْعُلاً نادران وكذا قُنْفَخْر (4) فإن فُعْلَلاًّ وَفُنْعَلاًّ غريبان حكمنا بزيادة الغالب لأن الأوزان المزيد فيها أكثر من المجرد إلا المزيد فيه من الخماسي فإنه لا يزيد زيادةً بيِّنة على المجرد من أبنية الخماسي كما تبيَّن قبل لكن المزيد فيه منه لا يلتبس بالمجرد من الزيادة إذ الاسم المجرد لم يأت فوق الخماسي وإن كان الحكمان لا يزيد واحد منهما بناءً غريباً فالحكم بزيادة الغالب واجب لبقاء مرجح الغلبة سليماً من المعارض
وان كان الحكم باصالته يزيد بناءً نادراً دون الحكم بزيادته تعيَّن الحكم بالزيادة أيضاً لتطابق المرجحين على شئ واحد وإن كان الأمر بالعكس: أي الحكم بزيادته يؤدي إلى زيادة بناء غريب دون الحكم بأصالته حكم بزيادة الغالب اللالحاق كما ذكرنا في سلحفية لأنه كأنه فُعَلِّلة لكونه ملحقاً به وإن كان الحكم بأصالة الغالب والحكم بزيادته يزيد كل واحد منهما وزناً نادراً في ذي الزيادة لا في المجرد عنها حكمنا بزيادة الغالب أيضاً لثبوت المرجح بلا معارض فإن كان الحكمان لا يزيد شئ منهما بناءً غريباً في المزيد فيه أو يزيد فيه أحدهما دون الآخر حكمنا بزيادة الغالب لما ذكرنا الآن سواء وأمثلة التقديرات المذكورة لم تحضرني في حال التحرير فعلى ما ذكرنا إذا تعارض الغلبة وعدم انظير يرجح الغلبة كما يجئ في سُلَحْفية ففي تقديم المصنف عدم النظير كما يجئ من كلامه على الغلبة نظر هذا وإن كان الحرف من حروف (سألتمونيها) ليس من الغوالب ولا يؤدي أصالته إلى عدم النظير فلا بدّ من الحكم بأصالته بلا خلاف كما حكمت بأصالة الهاء والميم من درهم ولام سفر جل وميم عَلْطَميس وسينه وهذا الذي ذكرنا كله إذا لم يتعدد الغالب فان تعدد فيجئ حكمه قال: (فإنْ فُقِدَ فَبِخُرُوجِهَا عَنِ الأُصُولِ كَتَاءِ تَتْفُل وتَرْتُبٍ وَنُونِ (الخروج عن الأوزان المشهورة من أدلة الزيادة) كُنْتَأْلٍ وَكَنَهْبُلٍ بِخِلاَفِ كَنَهْوَرٍ وَنُونِ خُنْفَسَاءَ وقُنْفَخْرٍ أوْ بِخُرُوجِ زِنَةٍ اخرى لها: كتاء تتفل وَتُرْتُبٍ مَعَ تَتْفُلٍ وَتَرْتُبٍ ونُونِ قِنْفَخْرٍ وَخُنْفُسَاءَ مَعَ قُنْفَخْرٍ وَخُنْفَسَاءَ وَهَمْزَةِ أَلَنْجَجٍ مَعَ أَلَنْجُوجٍ) أقول: التتفل ولد انثعلب يقال: أمر تَرْتُب: أي راتب ثابت من رَتَبَ
رتوباً: أي ثبت وما كان له أن يعده في المفقود اشتقاقه إذ اشتقاقه ظاهر كما قلنا الكُنْتَأْل بالهمز: القصير الْكَنَهْبُلُ: من أشجار البادية الكَنَهْوَر: العظيم من السحاب القُنْفَخْر: الفائق في نوعه الألْنَجَجُ والألْنْجُوج (1) واليَلَنْجُوج: العود قوله (فإن فقد) أي: الاشتقاق الظاهر والخفي قوله (فبخروجها عن الأصول) أي: يعرف زيادة الحرف بخروج زنة الكلمة بتقدير أصالة الحرف لا بتقدير زيادته عن الأصول: أي الأوزان المشهورة المعروفة هذا وليس مراده بالأصول أوزان الرباعي والخماسي المجردة عن الزوائد بدليل عده ألَنْجُوجاً وخُنْفَسَاء - بفتح الفاء - في الأوزان الأصول وهذه الكلمات التي ذكرها لم يعارض عدم النظير فيها بالغلبة لأن الحروف المذكورة ليس شئ منها من الغوالب إلا همزة ألنجوج ولا تَعَارُض في ألنجوج بين الغلبة وعدم النظير لأن عدم النظير لا يرجح إذا كان يلزم بكلا التقديرين زيادة وزن في المزيد فيه إذ لا يمكن الخلاص من عدم النظير أيضاً في المزيد فيه: حكمت بزيادة الحرف أو بأصالته فالترجيح في هذه الكلمات بعدم النظير على كون الأصل أصالة الحرف
وكان ينبغي أن لا يذكر المصنف ههنا إلا ما يخرج عن الأصول بأحد التقديرين دون الآخر لأنه يذكر بعد هذا ما يخرج عن الأصول بالتقديرين معاً وهو قوله (فإن خرجتا معا) وتتفل وتَرْتُب يخرج عن الأصول بكلا التقديرين إذ ليس في الأوزان الاسمية تَفْعُل وَفَعْلُل وكذا نادران وكذا خُنْفَسَاء لأن فُعْلَلاَء وفنعلاء غريبان وكذا ألنجوج لأن فَعَنْلُولاً وأفَنْعُولاً شاذان قوله (بخلاف كَنَهْور) يعني لو جعلنا نون كُنْتَأْل أصلاً لكان فُعْلَلاًّ وهو نادر بخلاف نون كَنَهْوَر فإنا إذا جعلناه أصلاً كان فَعَلْوَلا ملحقاً - بزيادة الواو - بسفر جل فلا يكون نادراً فلذا جعلنا نونه أصلاً دون نون كنتأل قوله (أو بخروج زنة أخرى لها) أي: إذا كان في كلمة لغتان وبتقدير أصالة حرف من حروف سألتمونيها في إحدى الزنتين لا تخرج تلك الزنة عن الأصول لكن الزنة الأخرى التي لتلك الزنة تخرج عن الأصول بأصالة ذلك الحرف حكمنا بزيادة ذلك الحرف في الزنتين معاً فإن تُتْفَلا بضم التاء الأولى كان يجوز أن يكون كبرثن فلا يخرج عن الأصول بتقدير أصالة التاء لكن لما خرجت تَتْفُل بفتح التاء عن الأصول بتقدير أصالتها حكمنا بزيادة التاء في تُتْفُل - بضم التاء أيضاً تبعاً للحكم بزيادتها في تَتْفُل - بفتحها وكذا تاء تُرْتُب وكذا نون قِنْفَخْر - بكسر القاف وإن كان يجوز أن يكون فعللا كجرد حل وكذا نون خُنْفُسَاء - بضم الفاء وإن لم يمتنع لولا اللغة الأخرى أن يكون كقُرْفُصاء وكذا همزة أَلَنْجَج وإن جاز أن يكون فَعَنْلَلاً حكمنا بزيادة الحروف المذكورة لثبوت زيادتها في اللغات الأُخَر وألحق الحكم بأصالة نون خنفساء في اللغتين لأن وزن الكلمة على التقديرين من أبنية المزيد فيه إذ الألف
والهمزة من الزيادات اتفاقاً وقد تقدم أن عدم النظير المزيد فيه بالتقديرين معاً ليس لمرجح فعلى هذا لم يعرف زيادة همزة ألَنْجُوج بعدم النظير لأنه مزيد فيه بالاتفاق إذ الواو فيه زائد من غير تردد بل عرفنا زيادة همزته وهمزة ألَنْجَج بشبهة الاشتقاق والغلبة إذ فيهما ثلاثة غوالب: الهمزة والنون والتضعيف ولا يجوز الحكم بزيادتها معاً لئلا يبقي الكلمة على حرفين فحكمنا بزيادة اثنين منها ولا يجوز الحكم بزيادة النون والتضعيف ولا بزيادة الهمزة والتضعيف لأن ألَجَ ولَنَجَ مهملان فحكمنا بزيادة الهمزة والنون فهو من لجَّ كأنه يلج في نشر الرائحة والنجج: ملحق بسفر جل بزيادة الهمزة والنون قال: (فإنْ خَرَجَتَا مَعاً فَزَائِدٌ أيضاً كَنُونِ نَرْجِسٍ وَحِنْطَأْوٍ وَنُونِ جُنْدَبٍ إذَا لَمْ يَثْبُتْ جُخْدَبٌ إلاَّ أن تَشِذَّ الزِّيَادَةُ كَمِيم مَرْزَنْجُوشٍ دُونَ نُونِهَا إذْ لَمْ تُزَدِ الْمِيمُ أوَّلاً خَامِسَةً وَنُونِ بَرْنَاسَاءَ وَأَمَّا كُنَابِيلُ فَمِثْلُ خُزَعْبِيل) أقول: الحِنْطَأو: العظيم البطن والْبَرْنَاساء والبرْنساء: الإنسان يقال: ما أدري أي البرناساء هو والجندَب: ضرب من الجراد وهو من الجدب واشتقاقه ظاهر فلم يكن لإيراده فيما لا اشتقاق فيه وجه والجخدب: الجراد الأخضر الطويل الرجلين وكُنَابيل: أرض معروفة وهو غير منصرف قوله: (فإن خرجتا معاً) أي: خرجت الزنتان معاً بتقدير أصالة الحرف وزيادته عن الأوزان الأصول حكمنا بالزيادة أيضاً: لما قلنا من كثرة المزيد فيها وقلة المجرد عن الزائد فنقول في نرجس نَفْعِلٌ وإن لم يأت في الأسماء نَفْعَلٌ كما لم يأت فَعْلِلٌ - بكسر اللام - وأما حنطأ فقال السيرافي: الأولى أن يحكم
باصالة جميع جروفه فيكون كجرد حل ومثله كنتأو (1) وسندأو (2) وقند أو (3) وقال الفراء في مثلها: الزائد إما النون وَحْدَها فهو فِنْعَلٌّ وإما النون مع الواو فهو فِنْعَلْوٌ وإما النون مع الهمزة فهو فِنْعَأْلٌ وجَعَلَ النون زائدة على كل حال وقال سيبويه: الواو مع ثلاثة أصول من الغوالب فيحكم بزيادتها وكل واحدة من النون والهمزة رَسِيلَتُهَا (4) فِي الأمثلة المذكورة فيجعل حكمُ إحداهما في الزيادة حكم الواو وإن لم يكونا من الغوالب والحكم بزيادة النون أولى من الحكم بزيادة الهمزة لكون زيادة النون في الوسط أكثر من زيادة الهمزة قال: وإنما لزم الواو الزائدة في الأمثلة المذكورة بعد الهمزة لأن الهمزة تخفى عند الوقف والواو تظهرها فوزنه عند سيبويه فِنْعَلْوٌ وإليه ذهب المصنف إذ لو ذهب إلى ما ذهب إليه السيرافي من أصالة الواو لم يكن يزيد في الأبنية المجردة وزنٌ بتقدير أصالة النون إذ يصير فعللا كجرد حل فعلى ما ذهب إليه ليس عدم النظير بمرجح في هذا الوزن لأنه من ذوات الزوائد بالتقديرين كما قلنا في ألَنْجُوج وخُنْفُسَاء قوله (ونون جُنْدَب إذا لم يثبت جُخْدَب) يعني إذا ثبت جخدب - بفتح الدال - فلا يخرج جندب بأصالة النون عن الأصول والأولى أن جُنْدَباً فُنْعل ثبت جخدب اولا للاشتقاق لأن الجراد يكون سبب الْجَدْب ولهذا سمي جراداً لجَرْدِهِ وجه الأرض من النبات
قوله (إلا أن تشذ الزيادة) يعني لو أدى الحكم بزيادة الحرف إلى شذوذ الزيادة لم نحكم بزيادته ولو خرجت الكلمة بأصالته عن الأوزان أيضاً فلا يحكم بزيادة ميم مَرْزَنْجُوش (1) لأن الميم تشذ زيادتها في أول اسم غير جاز إذا كان بعده أربعة أحرف أصول أما في الجاري كَمُدَحْرِج فثابت قوله (دون نونها) أي: النون لا تشذ زيادتها فلما ثبت اصالة الميم وجب زيادة النون لأن الإسم لا يكون فوق الخماسي فهي فَعْلَنْلُولٌ قوله (ونون بَرْنَاساء) أي: أن وزنه فَعْنَالاء وإن كان غريباً غرابة فَعْلاَلاَء إذ عدم النظير لا يرجح في المزيد فيه بالتقديرين كما مر في خنفساء ونحوه. وما يوجد في النسخ (وأما كُنَأبيل (2) فمثل خَزَعْبِيل (3)) الظن أنه وهم: إما من المصنف أو من الناسخ لأن كنابيل بالألف لا بالهمزة والألف في الوسط عنده لا يكون للإلحاق كما تقدم قال: (فإنْ لَمْ تَخْرُجْ فَبِالْغَلَبَةِ كَالتَّضْعِيفِ فِي مَوْضِعٍ أوْ مَوْضِعَيْنِ مع (الغلبة من ادلة الزيادة) ثَلاَثَةِ أُصُولٍ للإِلْحَاقِ وَغَيْرِهِ كَقَرْدَدٍ ومر مريس وعصبصب وهمرش وعند
الاخفش اصله هنمرش كجحمرش لِعَدَمِ فَعَّلِلٍ قَالَ: وَلِذَلِكَ لَمْ يُظْهِرُوا) أقول: اعلم أنهم [إنما] حكموا بزيادة جميع الحروف الغالبة في غير المعلوم اشتقاقه لأنه علم بالاشتقاق زيادة كثير من كل واحد منها فحمل ما جهل اشتقاقه على ما علم فيه ذلك إلحاقاً للفرد المجهول حاله بالأعم الأغلب وقد ذكرنا الكلام على تقديم المصنف المعرفةَ بعدم النظير على المعرفةَ بغلبة الزيادة فلا نعيده القَرْدَد: الأرض المستوية المرمريس: الداهية وهو من الممارسة لأنها تمارس الرجال ففيه معنى الاشتقاق وان كان خفيا والمرمريس ايضا: الاملس والعصبصب: الشديد وفيه اشتقاق ظاهر لأنه بمعنى عصيب والْهَمَّرِش: العجوز المسنة وهو عند الخيل وسيبويه ملحق بجَحْمَرِش بتضعيف الميم وقال الأخفش: بل هو فَعْلَلِلٌ والأصل هَنْمَرِش وليس فيه حرف زائد قال: النون الساكنة إنما وجب إدغامها في الميم إذا كانتا في كلمتين نحو من مالك وأما في كلمة واحدة نحو أنملة فلا تدغم وكذا لو بنيت من عَمِلَ مثل قِرْطَعْبٍ بزيادة النون قبل الميم قلت: عِنْمَلٌّ بالإظهار لئلا يلتبس بِفِعَّلٍّ لكنه أدغم في هَنْمَرِشٍ لأنه لا يلتبس بِفَعَّلِلٍ لأن فَعَّلِلاً لم يثبت في كلامهم قال: والدليل على أنه ليس مضعف العين للالحاق انا لم بجد من بنات الأربعة شيئاً ملحقاً بجَحْمَرِشٍ قال السيرافي: بل جاء في كلامهم جرو نَخْوَرِشٌ (1) : أي يخرش لكونه قد كبر
[تعيين الزائد من حرفي التضعيف]
وأما هُمَّقِع (1) فلم يختلف فيه أنه مضعف العين لا هُنْمَقِعٌ لعدم فُعْلَلِلٍ فإذا صغرت همَّرِشاً عند الأخفش قلت: هُنَيْمِر وعند سيبويه: هُمَيْرِشٌ. قوله (لعدم فَعَّلِلٍ) الاخفش لا يخص فَعَّلِلاً بل يقول: لم يلحق من الرباعي بجحمرش شئ لا على فَعَّلِلٍ ولا على غيره. قوله (ولذلك لم يظهروا) أي: لعدم التباسه بغعلل إذ لم يوجد. قال: (وَالزَّائِدُ في نَحْوِ كَرَّمَ الثَّانِي وَقَالَ الْخَلِيلُ: الأَوَّلُ وَجَوَّزَ (تعيين الزائد من حرفي التضعيف) سِيْبَوَيْهِ الأَمْرَيْنِ) . أقول: قال سيبويه: سألت الخليل عن الزائد في نحو سُلَّمٍ فقال: الأول لأن الواو والياء والألف يَقَعْنَ زوائد ثانية كَفَوْعَل وفَاعِل وفَيْعل وكذا قال في نحو جَلْبَبَ وَخِدَبٍّ لوقوع الواو والياء والألف زائدة ثالثة كجَدْوَل وعِثْيَر وشَمالٍ وكذا في نحو عَدَبَّس (2) لكونه كَفَدَوْكَس (3) وَعَمَيْثَل (4) وكذا قَفَعْدَدٌ (5) لكونه ككَنَهْوَر وغير الخليل جعل الزوائد هي الأخيرة في
[بيان ما يضعف, وما لا يضعف من الأصول]
المضعف فجعل السُّلَّم كجَدْول (1) وعِثْيَر ونحو مَهْدَد (2) كتَتْرًى (3) وخِدْبًّا (4) كخِلَفْنَة (5) وَقَفَعْدَداً كحَبْركًى (6) وقِرْشَبأ (7) كقِنْدَأوٍ (8) وصوب سيبويه كلا الوجهين وقال المصنف: لما ثبت في نحو قَرْدَدٍ (9) أن الزائد هو الثاني لأنه جعل في مقابلة لام جعفر وأما الأول فقد كان في مقابلة العين فلم يحتج إلى الزيادة لها وحكم سائر المضعفات حكم سائر المكرر للإلحاق - حكمنا في الكل أن الزائد هو الثاني وفيه نظر لأن سائر المكررات لا يشارك المكرر للإلحاق في كون المزيد مقابلة الأصلي حتى تجعل مثلة في كون الزائد هو الثاني فالأولى الحكم بزيادة الثاني في المكرر للالحاق والحكم بزيادة أحدهما لا على التعيين في غيره وأما استدلال الخليل ومعارضيه فليس بقطعي كما رأيت. قال: (وَلاَ تَضَاعَفُ الفَاء وَحْدَهَا وَنَحْوُ زَلْزَلَ وصيصية وقوقيت (بيان ما يضعف ومالا يضعف من الاصول) وضو ضيت رباعى وليس بتكرير لفاء ولا عين للفصل ولابذى زِيَادَةٍ لأَحَدٍ حَرْفَي لِينٍ لِدَفْعِ التَّحَكُّمِ وَكَذَلِكَ سَلْسَبِيلٌ خُمَاسِيٌّ عَلَى الأَكْثَرِ. وقال الكوفيون: زَلْزَلَ مِنْ زل وصرصر من صر ودمدم من دم لاتفاق المعنى) .
أقول: قوله (ولا تضاعف الفاء وحدها) أي: لا يقال مثلاً في ضرب: ضَضْرَبَ وذلك لعلمهم أنه لا يدغم لامتناع الابتداء بالساكن فيبقى الابتداء بالمستثقل ولهذا قلَّ الفاء والعين مثلين نحو بَبْرٍ ودَدَن (1) ويقل الكراهة شيئاً إذا حصل هناك موجب الإدغام كما في أوَّل أو فصل بينهما بحرف زائد نحو كَوْكَب وقَيْقَبَان (2) [و] ليس أحد المثلين فيه زائدا بل هما أصلان وقد أجاز بعضهم تكرير الفاء وحدها مع الفصل بحرف اصلى كما يجئ بل يضاعف الفاء والعين معاً كما في مرمر يس (3) كما مر في أول الكتاب. وقال الكوفيون في نحو زَلْزَل (4) وصَرْصَرَ (5) مما يفهم المعنى بسقوط ثالثه: إنه مكرر الفاء وحدها بشهادة الاشتقاق وهو أقوى ما يعرف به الزائد من الأصلي واستدل المصنف على أنه ليس بتكرير الفاء بأنه لا يفصل بين الحرف وما كرر منه بحرف أصلي وهذا استدلال بعين ما ينازع فيه الخصم فيكون مصادرةً لأن معنى قول الخصم إن زلزل من زل أنه فصل بين الحرف ومكرره الزائد بحرف أصلي ولم يقل أحد: إن العين مكرر مزيد في نحو زلزل وصيصية (6) لكن المصنف أراد ذكر دليل يبطل به ما قيل من تكرير الفاء وحدها وما لعله [يقال] في تكرير العين وحدها وبعض النحاة يجوز تكرير الفاء وحدها سواء كان العين مكرراً كما في زَلزَل وصيصية أو لم يكن كما في
سلسبيل (1) إذا فصل بين المثلين حرف أصلي ولم يجوز أحد تكرير الفاء من غير فصل بحرف أصلي بين المثلين. هذا وإن كان ثاني الكلمة ياء والثالث والرابع كالأول والثانِي نحو صيصية لم يُقل: إن إحدى الياءين من الغلبة وتكون زائدةً لأن معها ثلاثة أصول وذلك لأن هذا القول يؤدي إلى التحكم إذ ليس إحدى الياءين أولى من الأخرى وأيضاً لو قلنا إن الأولى زائدة لكان الكلمة من باب يَيْنٍ (2) وبَبْرٍ ولو قلنا بزيادة الثانية لكانت من باب قَلَقٍ وكلاهما قليل ولا يمكن الحكم بزيادتهما معاً لئلا تبقى الكلمة على حرفين وكذا لا نحكم في نحو قَوْقَيْتُ بزيادة إحدى حرفي العلة لدفع التحكم وكذا في عاعيت (3)
وحاحيت (1) والأولى أن يقال في ياء قوقيت: إنها كانت واواً قلبت ياء كما في اغزيت وغازيت على ما يجئ في باب الإعلال فيكون في قوقيت في الأصل واوان كما أن في صيصية ياءين. وقال الخليل: أصل دَهْدَيْت دَهْدَهت (2) لاستعمالهم دهدهت بمعناه ولا منع أن يقال: ياء نحو قوقيت أصلية وإنها ليست ببدل من الواو وأما نحو حَاحَى يُحَاحِي فهو عند سيبويه فَعْلَلَ يُفَعْلِل بدليل أن مصدره حَاحَاة وحيحَاء كزلزلة وزلزال وقال بعضهم: هو فَاعَل يُفَاعِل بدليل قولهم: محاحاة معاعاة وقال سيبويه: بل هو مُفَعْلَلَة للمرة كَزَلْزَلَ يزلزل مُزَلْزَلَة والأصل مُحَاحَيَة قلبت الياء ألفاً والألف الأولى عند البصريين في حَاحَى وعَاعَى ياء قلبت ألفاً وإن كانت ساكنة لانفتاح ما قبلها كما قالوا في يَيْأَس ويوجل: يَاءَسَ وياجل قالوا: وإنما اطرد قلب الياء الأولى ألفاً مع شذوذ ذلك في ياءس وطائي لانه استكره
اجتماع ياءين بعد مثلين لو قيل: عَيْعَيت وأما في نحو صِيصيَة فاحتمل فيه ذلك لكونه اسماً وهو أخف من الفعل كما يجئ في باب الإعلال وانما جاز مجئ الواوين بعد المثلين في قَوْقَيْتُ وَضَوْضَيْت لوجوب قلب الثانية ياء كما في اغزيت وإنما قالوا في دَهْدَهْت الحجر: دَهْديته تشبيهاً للهاء لرخاوتها بالياء وأما نحو صَلْصَلْت وَزَلْزَلْت فجاز ذلك لأن الثاني حرف صحيح وهم لاجتماع حروف العلة المتماثلة أكره وإن كانت أخف من الحروف الصحيحة. وقال بعضهم: الألفان في حاحى وعاعى وها هي (1) أصلان وليسا بمنقلبين لا عن واو ولا عن ياء لأن الأصل في جميعها الصوت الذي لا أصل لألفاته قلبت الألف الثانية ياء بعد اتصال ضمير الفاعل المتحرك كما قلبت في حبليان وذلك للقياس على سائر الألفات المنقلبة الرابعة في نحو أغْزَيْت واستغزيت وألف الإلحاق نحو سَلْقَيْت (2) لأن ضمير الفاعل أعني النون والتاء لا يلي الألف في الماضي في نحو رَمَيْتُ وَدَعَوْتُ لأن بقاءها ألفاً دليل على كونها في تقدير الحركة إذ الواو والياء قلبتا ألفين لتحركهما وانفتاح ما قبلهما وما قبل الضمائر في الماضي يلزم سكونها فردت ألفاً أغزيت واستغزيت إلى الأصل أعني الواو ثم قلبت الواو ياء لاستثقالها رابعة فصاعداً مفتوحاً ما قبلها كما يجئ في باب الإعلال وقد جاء في بعض اللغات نحو أعْطَاتُه وأرْضَاتُه بالألف في معنى أعطيته وأرضيته ومنه قراءة الحسن (وَلا أدْرأتكُمْ به (3))
قوله (قوقيت) من قوقى الديك قوْقاةً: أي صاح وضَوْضَيْت من الضوضاء وهو الجلبة والصياح ومن صرف الغوغاء (1) فهو مثل الْقَمْقَام (2) ومن لم يصرفه فالألف للتأنيث كما في الْعَوْرَاء والألف في الفيفاء (3) زائدة لقولهم: فيف
بمعناه وكذل الزِّيزَاء (1) والصِّيْصَاء (2) إذ ليس في الكلام فِعْلاَل إلا مصدراً كزلزال وقولهم الْمَرَوْراة (3) وِالشَّجَوْجَاة (4) نحو صَمَحْمَح (5) وَبَرَهْرَهَة (6) وليس كعَثْوَثَل (7) لأن الأول أكثر. قال: (وَكَالْهَمْزَةِ أوَّلاً مَعَ ثَلاَثَةِ أصول فَقَطْ فَأَفْكَلَ أفْعَلَ والمخالف مخطئ وَإصْطَبْلٌ فِعْلَلٌّ كَقِرْطَعْبٍ وَالْمِيمُ كَذَلِكَ وَمُطَّرِدَةٌ في الْجَارِي عَلَى الْفِعْلِ وَالْيَاءِ زِيدَتْ مَعَ ثَلاَثَةِ أُصُول فصاعداً إلا في أوَّلِ الرُّبَاعِيِّ إلاَّ فِيمَا يَجْرِي عَلى الْفِعْلِ وَلِذَلِكَ كَانَ يَسْتَعُور كعضر فوط وَسُلَحْفِيَة فُعَلِّيَة والأَلِفُ وَالْوَاوُ زِيدَتَا مَعَ ثَلاَثَةٍ فَصَاعِدَاً إلا في الأَوَّلِ وَلِذَلِكَ كَانَ وَرَنْتلٌ كَجَحَنْفَلٍ) أقول: لما ثبت لنا بالاشتقاق غلبة زيادة الهمزة اولا إذا كان بعدها ثلاثة أصول في نحو أحْمَرَ وَأصْغَرَ وأعَلَمَ رددنا إليه ما لم نعلم منه ذلك بالاشتقاق
كأرْنَبٍ وَأَيْدَعٍ (1) وهو قليل بالنسبة إلى الأول وبعض المتقدمين خالفوا ذلك وقالوا: ما لم نعلم بالاشتقاق زيادة همزته المصدرة حكمنا بأصالتها فقالوا: أفْكَل (2) كَجَعْفَر ورد عليهم سيبويه بوجوب ترك صرف أفْكَل لو سمي به ولو كان فَعْلَلاً لصرف وأيضاً لو كان فَعْلَلاً لجاء في باب فعلل يفعلل فعللة ما أوله همزة قوله (إصطبل فِعْلَلٌ) لأن بعده أربعة أصول ولم يثبت بالاشتقاق غلبة زيادة الهمزة في مثله حتى يحمل عليه ما جهل اشتقاقه قوله (والميم كذلك) أي: يغلب زيادتها في الأول مع ثلاثة أصول بعدها ولا تزاد مع أربعة فصاعداً فمنبج (3) محول في الزيادة على نحو مَقْتَل ومَضْرِب حُمِل المجهول على المعلوم واما معد معزى فقد مضى حكمهما ومخالفتهما لهذا
الأصل فإذا تقدم على أربعة أصول فصاعداً كما في مَرْزَنْجُوش (1) حكم بأصالتها إلا إذا كان ما هي في أوله من الأسماء المتصلة بالافعال كلامدحرج اسم فاعل من دَحْرَجَ وَالْمُدَحْرَج اسم مفعول ومكاناً وزماناً ومصدراً وكذا الهمزة الزائدة يكون بعدها أربعة أصول في الاسم المتصل بالفعل وهي همزة وصل نحو اقشعرار واحر نجام والهمزة والميم غير الأولين لا يحكم بزيادتهما إلا بدليل ظاهر كَشَمْأَل ودُلاَمِص (2) وضَهْيَأ (3) وَزرْقُمٍ (4) ، بلى غلب زيادة الهمزة آخرا بعد الألف الزائدة إذا كان معها ثلاثة أصول فصاعدَاً، كَعِلْبَاء (5) وَسَوْدَاء وحِرْبَاء (6) وَحَمْرَاء، وأصلها الألف كما تقدم، ولو قال في موضع (الجاري على الفعل) : المتصلِ بالفعل، لكان أعم، إذا لا يقال للموضع والزمان هما جاريان على الفعل. قوله (والياء زيدت مع ثلاثة) أي: إذا ثبت ثلاثة أُصول غير الياء فالياء زائدة، سواء كانت في الأول كيَلمع (7) ويَضْرِب، أو في الوسط كرَحيم وَفُلَّيْق (8) أو في الآخر كاللَّيَالِي، وكذا إذا كانت الياء غير المصدرة مع أربعة
أصول فصاعداً كَخَيْتَعُور (1) وسَلْسَبِيل وسُلَحْفِية وأما إذا كانت مصدرة مع أربعة أصول بعدها: فإن كانت الكلمة فعلا كيد حرج فهي زائدة أيضاً وإلا فهي أصل كيستعور وهو الباطل يقال: ذهب في اليستعور وهو أيضاً بلد بالحجاز. قوله (إلا فيما يجري على الفعل) وَهَمَ وحقه إلا في الفعل كيد حرج لأن الاسم الجاري على الفعل لا يوجد في أوله ياء والواو والألف مع ثلاثة أصول فصاعدا لا يكونان إلا زائدين في غير الأول فالواو نحو عَرُوض وعُصْفُور وقَرْطَبوس (2) وحنطاو (3) والالف كَحمار وَسِردَاح (4) وَأرْطًى (5) وَقَبَعْثَرًى (6) وأما في الأول فالألف لا يمكن وقوعها فيه والواو لا تزاد فيه مطلقاً ولذلك كان ورَنْتَل (7) كجحنفل يقال: وقع الناس في ورَنْتَل: أي في شر والجحنفل: العظيم الجحفلة (8)
قال: (وَالنُّونُ كَثْرَتْ بَعْدَ الأَلِفِ آخِراً وَثَالِثَةً ساكنة نحو شرنبث وَعُرُنْدٍ واطَّرَدَتْ فِي الْمُضَارِع وَالمُطَاوِع وَالتَّاءِ فِي التَّفْعِيلِ وَنَحْوُهُ وَفِي نَحْوِ رَغَبُوتٍ وَالسِّينُ اطَّرَدَتْ في اسْتَفْعَلَ وَشَذَّتْ فِي أَسْطَاعَ قال سيبويه: هُوَ أطَاعَ فَمُضَارِعُهُ يُسْطِيعُ بالضَّمِّ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الشَّاذُّ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَحَذْفُ التَّاءِ فَمُضَارِعُهُ بالْفَتْحِ وَعَدُّ سِينَ الْكَسْكَسَةِ غَلَطٌ لاسْتِلْزَامِهِ شينَ الْكَشْكَشَةِ) . أقول: أي أن النون كثرت زيادتها إذا كانت أخيرة بعد ألف زائدة وقد حصل من دونها ثلاثة أحرف أصول أو أكثر كسكْرَان ونَدْمَان وزَعْفَرَان أما فَيْنَان (1) فبالاشتقاق علمنا أنه لم يحصل في الكلمة دونها ثلاثة اصول إذ هو من الفنن وكذا قولهم حَسَّان وحمار قَبَّان (2) منصرفين فبالصرف عرفنا أن النون أحد الأصول الثلاثة قوله (واطردت في المضارع) يعني نَفْعَل قوله (والمطاوع) يعني انْفَعَل وافْعَنْلَل وفروعهما من المصدر والأمر والمضارع وعندي أن حروف المضارعة حروف معنىً لا حروف مَبْنًى (3) كنوني التثنية والجمع
والتنوين على ما تقدم في أول شرح الكافية قوله (وثَالِثَةً ساكنة) كان ينبغي أن يضم إليه قيداً آخر بأن يقول: ويكون بعد النون حرفان كَشَرَنْبَثٍ (1) وقلنسوة (2)
وَحَبَنْطًى (1) أو أكثر من حرفين كحعنطار (2) وأما ما ذكر من (عُرُنْدٍ (3)) فليس النون فيه من الغوالب بل إنما عرفنا زيادته بالاشتقاق لانه بمعنى العرند دو العرد: اي الصلب وأيضاً بأنا لو جعلنا النون في عرند أصلية لزم زيادة بناء في أبنية الرباعي المجرد وأما زيادة النون في عَنْسَل (4) وَرَعْشن (5) فلم يعرف بالغلبة بل بالاشتقاق وكذا ذُرْنُوح في معنى ذروح (6) الشر نبث: الغليظ الكفين والرجلين ومثله الشُّرَابث - بضم الشين قوله (والتاء في التفْعيل ونَحْوِه) يعني بنحوه التَّفْعَال والتَّفَعُّل والتَّفَاعُل والتَّفَعْلُل والافتعال والاستفعال وفروعهن واعلم أن المصنف كثيراً ما يورد في هذه الغوالب ما يعلم زيادته بالاشتقاق فإن بنى جميع ذلك على قوله قبل (فإن فقد) أي: الاشتقاق فهو غلظ وان
قصد ترك ذلك وبيان الغوالب سواء عرف زيادتها بمجرد الغلبة أو بها وبشئ آخر من الاشتقاق وعدم النظير فصحيح قوله (وفي نحو رَغَبُوت) يعني إذا كانت التاء في آخر الكلمة بعد الواو الزائدة وقبلهما ثلاثة أصول فصاعداً وسيبويه لم يجعل ذلك من الغوالب فلهذا قال في سُبْرُوت (1) فُعْلُول بل جعل الزيادة في مثله إنما تعرف بالاشتقاق كما في جَبَرُوت ومَلَكوت لأنهما من الجبر والملك وكذا الرغبوت والرحموت والرهبوت وكذا لم يجعل سيبويه التاء في الآخر بعد الياء - إذا كان قبلها ثلاثة أصول كعِفْرِيت (2) - من الغوالب فعفريت عنده عرف زيادة تائه باشتقاقه من العِفْر - بكسر العين - وهو الخبيث الداهي فهو كما عرفت زيادة التاء في التّحْلِئ (3) باشتقاقه من حَلأَتُ وفى التتفل (4) بالخروج من الأوزان وأما تاء التأنيث فحرف مَعْنًى لا حرف مبنى قوله (والسين اطردت) أي: في باب استفعل كاستكره واستحجر قوله (وشذت في أسْطَاعَ) اعلم أنه قد جاء في كلامهم أسْطَاع - بفتح الهمزة وقطعها - واختلفوا في توجيهه: فقال سيبويه: هو من باب الإفعال وأصله أطْوَعَ كأقوم أعلت الواو وقلبت ألفاً بعد نقل حركتها إلى ما قبلها ثم جعل السين عوضاً من تحرك العين الذي فاته كما جُعل الهاء في أهْرَاق - بسكون الهاء - عواضا من مثل ذلك كما يجئ ولا شك أن تحرك العين فات بسبب تحرك الفاء بحركته ومع هذا كله فإن التعويض بالسين والهاء شاذان فمضارع
أسطاع عند سيبويه يُسْطِيع - بالضم - ورد ذلك المبرد ظناً منه أن سيبويه يقول: السين عوض من الحركة فقال: كيف يعوض من الشئ والمعوض منه باق؟ يعني الفتحة المنقولة إلى الفاء وليس مراد سيبويه ما ظنه بل مراده أنه عوض من تحرك العين ولا شك أن تحرك العين فات بسبب تحرك الفاء بحركته وقال القراء: أصل أسْطَاع اسْتَطَاع من باب استفعل فحذفت التاء لما يجئ في باب الإدغام (1) فبقي إسْطَاع - بكسر الهمزة - ففتحت وقطعت شاذاً فالمضارع عنده يَسْطِيع بفتح حرف المضارعة واللغة المشهورة إذا حذفت التاء من استطاع لتعذُّر الإدغام بقاء الهمزة مكسورة موصولة كما كانت قال تعالى (فما اسطاعوا) قوله (وعدسين الكسكسة غلط) رد على جار الله فإنه عده من حروف الزيادة وقال المصنف: هو حرف معنى لا حرف مبنى وأيضاً لو عد للزم شين
الكشكشة (1) إذ لا فرق بينهما فيلزم كون الشين من حروف الزيادة وليس منها بالاتفاق قال: (وأمَّا اللاَّمُ فَقَلِيْلَةٌ كَزَيْدَلٍ وَعَبْدَلٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ فِي فَيْشَلَةٍ: فَيْعَلَةٍ مَعَ فَيْشَةٍ وَفِي هَيْقَلٍ مَعَ هَيْقٍ وَفِي طَيْسَلٍ مَعَ طَيْسٍ لِلْكَثِير وَفِي فَحْجَلٍ - كَجَعْفَرٍ - مَعَ أفْحَجَ) أقول: اعلم أن الجرمي أنكر كون اللام من حروف الزيادة ولا يرد عليه لام البعد في نحو ذلك وهنا لك لكونه حرف معنى كالتنوين فذهب إلى أن فَيْشَلَة (2) وَهَيْقَلاً وطَيْسَلاً فَيْعَلٌ والهيقل: الذكر من النعام ومثله الْهَيْقَمُ والهَيْقُ والْهِقْلُ: الفتيُّ من النعام والأنثى هِقَلَة وقال: إنه قد يكون لفظان بمعنى يظن بهما أنهما متلاقيان اشتقاقاً للتقارب في اللفظ ويكون كل واحد من
تركيب آخر كما في ثَرَّة وثَرْثَار ودَمْثٍ ودمثر (1) كما يجئ وكذا يقول في فَحْجَل: إنه فَعْلَل كجعفر وهو بمعنى الأفحج: أي الذي يتدانى صدرا قدميه ويتباعد عِقْبَاهما والطيْسَل والطَيْسُ: الكثير من كل شئ وكل ذلك تكلف منه والظاهر زيادة اللام في جميع ذلك فإن زيادتها ثابتة مع قلتها كما في زَيْدَل وعَبْدَل بمعنى زيد وعبد وليس كذا نحو دَمْثٍ ودَمَثْر إذ زيادة الراء لم تثبت فألجئنا إلى الحكم بأصالتها قال: (وأمَّا الْهَاء فَكَانَ الْمُبَرِّدُ لاَ يَعُدُّهَا وَلاَ يَلْزَمُهُ نَحْوُ اخْشَهْ فُإِنَّهَا حَرْفُ مَعْنًى كالتَّنْوِينِ وَبَاء الْجَرِّ وَلاَمِهِ وَإنَّمَا يَلْزَمُهُ [نحو] أُمَّهَاتٍ وَنَحْوُ * أُمَّهَتِي خِنْدِفُ وَالْيَاسُ أَبِي (2) * وَأمٌّ فُعْلٌ بدليل الأمومة وأجيب بجواز
أصَالَتِهَا بِدَلِيلِ تَأَمَّهْتُ فَتَكُونُ أُمَّهَةٌ كأبهة ثم حذفت الهاء أوهما أصْلاَنِ كَدَمْثٍ وَدِمَثْرٍ وَثَرَّةٍ وَثَرْثَارٍ وَلُؤْلُؤٍ وَلألٍ وَيَلْزَمُهُ نَحْوِ أَهْرَاقَ إهْرَاقَة وأبُو الْحَسَنٍ يَقُولُ: هِجْرَعٌ لِلطَّوِيلِ مِنَ الْجَرَعِ لِلْمَكَانِ السَّهْلِ وَهِبلَعٌ لِلأَكُول مِنَ الْبَلْعِ وَخُولِفَ وقال الخليل: الهر كولة لِلضَّخْمَةِ هِفْعَوْلَةٌ لأَنَّهَا تَرْكُلُ فِي مَشْيِهَا وَخُولِفَ) أقول: (والياس أبي) يريد (إلياس) فوصل الهمزة المقطوعة ضرورة قالوا: الأغلب استعمال الأمات في البهائم والأمهات في الإنسان وقد يجئ العكس قال: 124 - إذَا الأُمَّهاتُ قَبَحْنَ الْوُجُوهَ * فَرَجْتَ الظَّلاَمَ بِأُماتِكَا (1) وقال: 125 - قوَّالِ مَعْرُوفٍ وَفَعَّالِهِ * عَقَّارِ مثنى أمهات الرباع (2)
حكى صاحب كتاب العين (تأمَّهْتُ فلانةَ) : أي اتخذتها أمًّا والمشهور: تأمَّمْتها بالميم أشار المصنف بقوله (أجيب بجواز أصالتها) إلى أن أصل الأم يجوز أن يكون أُمَّهَة فحذف الهاء التي هي لام وقدر تاء التأنيث كما في قِدْرٍ ونار ولا يتمشى مثل هذا العذر في لفظ الأمومة إذ هو فُعُولة بلا خلاف ولا يجوز أن يكون فُعُوعة بحذف الهاء التي هي لام والأصل أُمُومَهَة إذ فُعوعَلَة غير موجود فهذا الجواب منه غير تام بلى قوله (أوهما أصلان) جواب آخر أقرب من الأول مع بعده لأن نحو دَمْثٍ ودِمَثْرٍ ولؤلؤ ولأل من الشاذ النادر والمتنازع فيه لا يحمل على الشاذ فالأولى القول بزيادة الهاء في الأمهة والأمهات والدَّمْث والدِّمَثْر: المكان اللين ذو الرمل وعين ثَرَّة وثَرْثَارَة: أي كثيرة الماء وعند الكوفيين الثاء الثانية في (ثرثارة) زيادة كما قلنا في زلزل وصَرْصَرَ وَدَمْدَمَ فثرة وثرثارة على قولهم من أصل واحد قوله (ويلزمه نحو أهْرَاق) ليس هاهنا شئ آخر حتى يقول المصنف نحو أهْرَاقَ اعلم أن اللغة المشهورة أرَاق يُريق وفيها لغتان أُخريان: هَرَاق بإبدال الهمزة هاء يَهَرِيقُ - بإبقاء الهاء مفتوحة لأن الأصل يُؤَرِيق: حذفت الهمزة لاجتماع الهمزتين في الحكاية عن النفس فلما أبدلت الهمزة هاء لم يجتمع الهمزتان فقلت: يُهَرِيق مُهَرِيق مُهَرَاق والمصدر هِرَاقة هَرِقْ لا تُهَرِق
الهاء في كلها متحركة وقد جاء أهْرَاق - بالهمزة ثم بالهاء الساكنة - وكذا يُهْرِيق أهْرَاقة مُهْرِيق مُهْرَاقٌ أهْرِقْ لا تُهْرِق - بسكون الهاء في كلها - قال سيبويه: الهاء الساكنة عوض من تحريك العين الذي فاتها كما قلنا في أسطاع وللمبرد أن يقول: بل هذه الهاء الساكنة هي التي كانت بدلاً من الهمزة ولما تغيَّر صورة الهمزة - واللغة من باب أفْعَل وهذا الباب يلزم أولَه الهمزةُ - استنكروا خلو أوله من الهمزة فأدخلوها ذهولاً عن كون الهاء بدلاً من الهمزة ثم لما تقرر عندهم أن ما بعد همزة الإفعال ساكن لا غير أسكنوا الهاء فصار أهْرَاق وتوهُّمَات العرب غيرُ عزيزة كما قالوا في مصيبة: مصائب - بالهمزة - وفي مَسِيلٍ: مُسْلاَنُ (1) الجرَع - بفتح الراء -: المكان السهل المنقاد وهو يناسب معنى الطول ولاشك أن هذا اشتقاق خفي وهِبْلَعٌ للأكول من البلع أظهر اشتقاقاً وكذا سَلْهَبٌ بمعنى السَّلِب وهما بمعنى الطويل والهِرْكَوْلة: الضخمة الأوراك وجاء في الهركولة الهر كلة - بكسر الهاء وضمها وتشديد الراء وسكون الكاف - والضخامة تناسب الركل لأنها لضخامتها لا تقدر أن تمشي مشياً خفيفاً بل تركل الأرض برجلها وأكثر الناس على ما قال ابن جني وهو أن الهجرع والهبلع فِعْلَلٌ وَهِرْكَوْلة فِعْلَولَة لقلة زيادة الهاء
قال: (فإنْ تَعَدَّدَ الْغَالِبُ مَعَ ثَلاَثَةِ أُصُولٍ حُكِمَ بِالزِّيَادَةِ فِيهَا أو فيهما كحبنطى فإن تعين أحدهما رجح أحَدُهُمَا رُجِّحَ بخُرُوجِهَا كَمِيم مَرْيَمَ وَمَدْيَنَ وَهَمْزَةِ أيْدَعَ وَيَاءِ تَيَّحَانَ وتاء عزويت وطاء فطوطى ولام إذ لولي دون أَلفهما لِوُجُودِ فَعْوْعَلٍ وَافْعَوْعَلَ وعدم افعؤلى وافعولي وواو حولا يا دون يائها وأوَّلِ يَهْيَرٍّ والتَّضْعِيفِ دُونَ الثَّانِيَةِ وهَمْزَةِ أرْوَنَانِ دُونَ وَاوِهَا وَإنْ لَمْ يَأْتِ إلاَّ أنْبَجَانُ فَإنْ خَرَجَتَا رُجِّحَ بِأَكْثَرِهِمَا كالتَّضْعِيفِ فِي تَئِفَّانَ وَالْوَاوِ فِي كَوَأْلَلِ وَنُونِ حِنْطَأْوٍ وَوَاوِهَا فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فِيهمَا رُجِّحَ بالإِظْهَارِ الشَّاذِّ وقِيلَ: بِشُبْهَةِ الاشْتِقَاقِ وَمِنْ ثَمَّ اخْتُلِفَ في يَأْجَجَ وَمَأْجَجَ ونحو محبب علما يُقَوِّي الضَّعِيفَ وَأُجِيبَ بِوُضُوحِ اشْتِقَاقِهِ فإنْ ثَبَتَتْ فِيهِمَا فَبِالإِظْهَارِ اتِّفَاقاً كدال مهْدَدَ فَإنْ لَمْ يَكُنْ إظْهَارٌ فَبِشُبْهَةِ الاشْتقَاقِ كَمِيم مَوْظَبَ وَمَعْلًى وَفِي تَقْدِيم أَغْلَبِهِمَا عَلَيْهَا نَظَرٌ ولِذَلِكَ قِيلَ رُمَّانٌ فُعَّالٌ لِغَلَبَتِهَا فِي نَحْوِهِ فَإِنْ ثَبَتَتْ فيهما رجح بأغلب الوزنين وقيل: بأقيسهما ومن ثم فُقِدَتْ شُبْهَةُ الاشْتِقَاقِ فِيهِمَا فَبِالأَغْلَبِ كَهَمْزَةِ أفْعًى وأوْتَكَانَ وَمِيم إمَّعَةٍ فإن ندرا احْتَمَلَهُمَا كَأسْطُوَانَةٍ إنْ ثَبَتَتْ أُفْعُوَالَةُ وَإِلا ففُعْلُوَانَة لا أفعلانة لمجئ أسَاطِينَ) . أقول: اعلم أن الحرف الغالب زيادتهُ إذا تعدد مع عدم الاشتقاق: فإما أن يمكنَ الحكم بزيادة الجميع وذلك أن يبقى دونها ثلاثة أصول فصاعداً أولا يمكن فإن امكن حكم بزيادة الجميع. اثنين كانا حكبنطى أو أكثر كقيقبان وهو شجر وإن لم يمكن الحكم بزيادة الجميع لبقاء الكلمة بعدها على أقل من ثلاثة فإما أن لا يخرج وزن الكلمة عن الاوزان المشهورة بتقدير زيادة شئ من تلك الغوالب أو يخرج عنها بتقدير زيادة كل واحد منها أو
يخرج بزيادة بعض دون الآخر فإن لم يخرج بتقدير زيادة منها: فإن أن يكون في الكلمة إظهار شاذ بتقدير زيادة بعضها أو لا يكون فإن كان فإما ان يعارضه شبهة الاشتقاق اولا وأعني بالمعارضة أن الاجتناب عن الإظهار الشاذِّ يقتضي زيادة أحدهما وشبهةَ الاشتقاق تقتضي زيادةَ الآخر كما في يأجَجَ ومأجَجَ فإن التجنب عن الإظهار الشاذ يقتضي أن يكون فَعْلَلاً فيكون التضعيف للإلحاق فيكون الإظهار قياساً كما في قردد ولو كانا يَفْعَلَ ومَفْعَلاً وجب الإدغام لأن هذين الاوزنين لا يكونان للإلحاق لما ذكرنا أن الميم والياء مطرد زيادتهما في أول الكلام لمعنى وما اطرد زيادته لمعنًى لم يكن للإلحاق وشبهة الاشتقاق تقتضي أن يكونا يَفْعَل وَمَفْعَلاً لأن يَأَجَ ومَأجَ مهملان في تراكيب كلام العرب بخلاف أجَجَ (1) فنقول: إن عارضت الإظهار الشاذَّ شبهة الاشتقاق كما في المثال المذكور قيل: إن الترجيح للإظهار الشاذ فنحكم بأن يأجَجَ فَعْلَلٌ حتى لا يكونَ الإظهارُ شاذاً وقيل: الترجيح لشبهة الاشتقاق فنحكم بأنه يَفْعَلُ وهو الأقوى عندي لأن إثبات تركيب مرفوض في كلام العرب أصعب من إثبات إظهار شاذ إذ الشاذ كثير ولا سيما في الأعلام فإن مخالفة القياس فيها غير عزيزة كَمَوْرَقٍ وَمَحْبَبٍ وحَيْوَةَ وإن لم تعارضه شبهة الاشتقاق - وذلك بأن تكون الشبهة فيهما معاً كمَهْدَدَ فإن مَهْداً وهَدًّا مستعملان. أو لا تكون في شئ منهما أو تكون [وتكون] حاكمة بزيادة عَيْن ما يحكم بزيادة الإظهار الشاذ لو اتفق هذا التقدير ان في كلامهم - حكم بالإظهار الشاذ اتفاقاً وإن لم يكن في الكلمة
إظهار شاذ: فإما أن تثبت في أحد الوزنين شبهة الاشتقاق دون الآخر أو فيهما معاً أو لا تثبت في شئ منهما فإن ثبتت في أحدهما فإما أن يعارضها أغلب الوزنين اولا فإن عارضها بمعنى أن أغلبهما يقتضي زيادة أحدهما وشبهةَ الاشتقاق تقتضي زيادة الآخر فالأولى الحكم بالشبهة لأن ارتكاب إثبات تركيب مهمل أصعب وقيل: الأَوْلى الحكم بأغلب لاوزنين وذلك كما في رُمَّان قال الأخفش: هو فُعَّالٌ وإن كان تركيب (رمان) مهملا (1) لان فعلا أكثر من فُعْلاَن وإن لم يعارضها - وذلك بتساوي الوزنين إن اتفق ذلك أو بِكَوْن الأغْلَبِيَّة مساعدةً للشبهة في الحكم بزيادة حرف كَمَوْظبَ ومَعْلًى فإن مَفْعَلاً أكثرُ من فَوْعَلٍ وفَعْلًى وبجعلهما فَوْعَلاً وفَعْلًى يلزم إثبات تركيب مهمل - حكم بشبهة الاشتقاق اتفاقاً فإن ثبتت شبهة الاشتقاق فيهما: فإما أن يكون أحدهما أغلب الوزنين اولا فإن تساويا احتملهما كأُرْجُوَانٍ (2) فإن أُفْعُلان في القلة كأسْحُوَانٍ وأُقْحُوَان (3) مثل فعْلُوَانَ كَعُنْفُوَانٍ (4) وعُنْظُوَانِ (5) وإن كان أحدهما أغلب فإما أن يعارضه اقيس الوزنين اولا فإن عارضه اختلف كما في مَوْرَق وترجيح الأغلب أوْلى وخاصةً في الأعلام لأن خلاف الأقيسة
فيها كثير وإن لم يعارضه رُجِّحَ بأغلبهما كما في حَوْمَان فإن فَعْلاَن أكثَرُ من فَوْعَالٍ كَتَوْرَابٍ (1) فإن فقدت شبهة الاشتقاق فيهما فإن كان أحدهما أغلب الوزنين رجح به كميم إمَّعَةٍ فان فعلة كدنبة وقنية (2) أكثرُ من إفْعَلَة كإوَزَّة وإن تساويا في القلة احتملهما كأسْطُوَانَة (3) وإن خرجت عن الأوزانِ بتقدير زيادة كل واحد منهما ولا يكون إذن في الكلمة إظهار شاذ بأحد التقديرين لأنه إنما يكون ذلك في الأغلب إذا كان شاذاً بأحدهما قياسياً بالآخر لكونه ملحقاً بوزن ثابت وفَرْضُنَا أنه خارج عن الأوزان على كل تقدير بلى قد جاءنا الإظهار شاذاً في كليهما في بعض ذلك: رَوى الرواة يأجِجَ - بكسر الجيم - فيكون الإظهار في فَعْلِل شاذاً أيضاً كما هو شاذ في يَفْعِلَ إذ لم يجئْ مثل جَعْفِرٍ - بكسر الفاء - حتى يكون يأجِجُ ملحقاً به. وقال سيبويه: نحو قعدد ودخلل - بفتح لا مهما الأولى - ملحق بجُنْدَب وإن كان جُنْدَب عنده فُنْعلاً، لأنه جعل النون كالاصل كما يجئ في المضاعف لقلة زيادته بين الفاء والعين. فإذا خرجت الكلمة عن الأوزان بتقدير زيادة كل واحد من الغوالب - ولم يكن في الكلمة إظهار شاذ - نظر: فإن ثبتت في أحدهما شبهة الاشتقاق دون الآخر رجح بها كتَئِفَّانَ لأن الأَفَفَ (4) مستعمل دون تَأفٍ وإن
لم تثبت في شئ منهما كما في كَوَأْلَلٍ أو ثبتت فيهما إن اتفق ذلك كالسِّيْرِ (1) - بكسر السين - مثلاً فإن كانت إحدى الزيادتين اغلب رجح بها كحولا يا فان فوعالا وفعلا يا خارجان عن الأوزان المشهورة إلا أنَّ زيادة الواو الساكنة أغلب من زيادة الياء المتحركة وإلا احتملهما فإن خرجت عن الأوزان بتقدير زيادة بعض دون البعض الآخر - ولا يمكن أيضاً أن يكون فيه إظهار شاذ باعتبار الوزن الذي لا يخرج به عن الأوزان المشهورة حتى يتعارض هو والخروج عن الأوزان إذ لو كان باعتباره الإظهار شاذاً لكان باعتبار الوزن الذي يخرج به عنها قياسياً: أي للإلحاق كتِلْبِبٍ (2) مثلاً وكيف يلحق بما لم يثبت؟ - فينظر: هل عارضَتْ الخروج عن الأوزان شبهةُ الاشتقاق اولا؟ فإن عارضته - وذلك بأن تكون في الوزن الذي يخرج به عن الأوزان شبهةُ الاشتقاق ولا تكون فيما لا يخرج به عنها نحو مَسْيَكٍ (3) فإنك إن جعلته فَعْيَلاً كان الوزن معدوماً لكن التركيب أعني (م س ك) موجود وإن جعلته مَفْعَلاً فالوزن موجود لكن تركيب (س ى ك) مهمل - فههنا يحتمل الوجهين، إذ يلزم من كل واحد منهما محذور ولا يجوز أن يقال: لا نحكم بزيادة أحدهما فيكون فَعْلَلاً، إذ داعي الغلبة يستحق ان
يجاب ولا سيما إذا لزم من جعل الجميع أصولاً تركيب مهمل أيضاً فإن لم يعارض شبهةُ الاشتقاق الخروجَ عن الأوزان: بأن تكون شبهة الاشتقاق فيهما معاً كما في مَدْيَن (1) أو في الوزن الثابت كمَرْيَم (2) ، رجح بالخروج اتفاقاً فيقال: هما على وزن مَفْعَل. قوله (بالزيادة فيها) أي: في الغوالب كما في قَيْقَبَان (3) وسَيْسَبَان (4) قوله (أو فيهما) أي: الغالبين كما في حبنطى وقد عرفت زيادة النون والألف فيه بالاشتقاق أيضاً لأنه العظيم البطن من حَبِطَتِ الماشية حَبَطاً وهو أن ينتفخ بطنها من أكل الذرق (5) قوله (فإن تعين احدهما) أي: تعين احدهما للزيادة ولم يجز الحكم بزيادتهما معا لبقاء الكلمة على اقل من ثلاثة احرف قوله (رُجِّح بخروجها) الفعل مسند إلى الجار والمجرور: أي يكون ترجيح أصالة أحدهما بخروج الزنة عن الأوزان المشهورة بتقدير زيادته فيحكم بزيادة مالا يُخْرِج الزنة عن الأوزان المشهورة إذَا قُدِّر زائداً كميم مريم فإنك لو حكمت بزيادتها بقي الزنة مَفْعَلاً وليست بخارجة عن الأوزان ولو قدرت الياء زائدا
بقيت الزنة فَعْيَلاً وهي خارجة عن الأوزان (1) قوله (وهمزة أيدع) ليس بوجه لأن فيعلاً - بفتح العين - ليس بخارج عن الأوزان في الصحيح العين كصيرف وضيغم بلى ذلك خارج في المعتل العين لم يجئ إلا عين قال: * ما بال عَيْنِي كالشَّعِيبِ الْعَيَّنِ (2) * وفَيْعِلٌ - بكسر العين - كثيرٌ فيه كسَيِّد ومَيِّت وبَيِّنٍ مفقودٌ في الصحيح العَيْن قوله (وياء تَيَّحانَ) هو بفتح الياء كما قال سيبويه وقال ابن يعيشَ: يجوز كسر الياء في تَيَّحَان (3) وهيَّبان (4) فتَفْعَلانُ غير موجود وفَعَّلانُ موجودٌ كهَيَّبان فلذا حكمنا بزيادة ياء تَيَّحَانَ وهذا مما يثبت فيه الاشتقاق الظاهر وعُرفت الزيادة به إذ يقال في معناه: مِتْيَحٌ وتَيَّاحٌ ويجوز أن يكون تَيَّحَانُ وتيَّهَانُ وهَيَّبَانُ فَيْعَلانَ لا فعلان كقيقبان وسَيْسَبَانَ قوله (وتاء عزويت) ليس التاء في نحو عِفْرِيتٍ من الغوالب كما ذكرنا
فلم يكن للمصنف عدها منها فنحن انما عرفنا زيادة تاء عِزوِيت (1) دون واوه بثبوت فِعْلِيتٍ كعفريت دون فِعْوِيل قوله (وطاء قَطَوْطًى) لأن فَعْوَعَلاً موجود كعثوثل وهو المسترخي ونحن قد عرفنا زياد طاء قطوطًى بالاشتقاق لأنه بمعنى الْقَطَوَانِ: أي الذي يتبختر في مشيه وكذا اذْلَوْلَى افعوعل كاعشوشب وفَعَوْلًى وافْعَوْلى غير موجودين قوله (وواو حَوْلايا دون يائها) قد ذكرنا أن فَوْعَالاَ وَفَعْلايَا لم يثبتا إلا أن الحكم بزيادة الواو أولى لكون زيادة الواو الساكنة أكثر من زيادة الياء المتحركة وأيضاً فَوْعَالٌ كَتَوْرَاب ثابت وإن لم يثبت فَوْعَالاَ بالألف وأما فَعْلايٌ وفَعْلاَيَا فلم يثبتا قوله (وأول يَهْيَرٍّ والتضعيف) في يهير ثلاثة غوالب: التضعيفُ والياء ان فهو إما يَفْعَلُّ أو فَعْيَلٌّ أو يَفْيَعْلٌ والثلاثة نوادر ففي عدّ المصنف له فيما يخرج بأحدهما عن الأوزان دون الآخر نظر بلى إنه يقبله سيبويه فانه لم يبال بتشديد الراء وجَعلَه كالمخفف اللام وقال: يَفْعَلُ موجود كيَرْمَعٍ ويَلْمَعٍ (2) وفَعْيَلٌ معدوم والحق أن يقال: إنه يفعَلُّ من الأوزان الثلائة المذكورة إذ لو جعلناه فَعْيلاًّ لم يكن فيه شبهة الاشتقاق إذ تركيب (ي هـ ر) غير مستعمل فهو إما يفعَلُّ من الْهَيْرِ أوْ يَفْيَعْلٌ من الْهَرِّ والتضعيفُ في الأسماء أغلب زيادةً من الياء المتحركة في الأول وأيضاً يفْعَلُّ قريب من الوزن الموجود وهو يَرْمَعُ ويلمعُ وأيضاً فإن يفعلَّ ثابت وإن كان في الأفعال كيحْمَرُّ بخلاف يَفْيَعْلٍ قوله (وهمزة أرْوَنَان) لأن أفْعَلاَن جاء ولو لم يكن إلا أنْبَجَان وفَعْوَلاَنُ لم يثبت
قوله (كوألل) فيه غالبان: الواوُ والتضعيفُ فجعلناهما زائدين فوزنه فَوَعْلَلٌ ملحق بسَفَرْجَل وليست الهمزة غالبة ففي عدها من الغوالب نظر وفي حِنْطَأوٍ غالب واحد وهو الواو وأما النون والهمزة فليستا بغالبتين إلا أن النون مساو للهمزة في متل هذا المثال نحو كِنْتَأو (1) وَسِنْدَأْوٍ فجعل كالغالب قوله (فإن لم تخرج الزنة في التقديرين) أي: في تقدير زيادة كل واحد من الغالبين رجح بالإظهار الشاذ: أي يكون ترجيح أصالة أحدهما بحصول الإظهار الشاذ بزيادته ويحكم بزيادة ما لم يثبت بزيادته إظهار شاذ فيحكم في مهدد بزيادة الدال فيكون ملحقا بجعفر فلا يكون الاظهار شاذا ولو جعلته مَفْعلاً من هَدَدَ لكن الإظهار شاذاً لأن مَفْعَلاً لا يكون ملحقاً كما ذكرنا قوله (وقيل بشبهة الاشتقاق) فقيل: يأجِجُ ومأجج يفْعَلُ ومَفْعَلٌ لأن في هذين الوزنين شبهة الاشتقاق لأن (اج ج) مستعمل في كلامهم وقبل: هما فَعْلَلٌ لئلا يلزم إظهارٌ شاذ وقد رَوى الرواة يأجِجَ - بكسر الجيم - فإن صحت فإنه مما يخرج بأحدهما دون الآخر إذ فَعْلِل - بكسر اللام - لم يثبت والمشهورُ الفتح في يأجَجَ ومأجَجُ وَيأجَجُ غير منصرفين: إما للوزن والعلمية والتأنيت وإما للعلمية والتأنيث وهي اسم أرض قوله (ونحوُ مَحْبَبٍ يقوي الوجه الضعيف) يعني أن محبباً من الحب مع أن فيه إظهاراً شاذاً قوله (وأجيب بوضوح اشتقاقه) وللخصم أيضاً أن يقول: يأجَجُ أيضاً واضح الاشتقاق من أجَّ مثل مَحْبَب من حَبَّ قوله (وفي تقديم أغلبهما عليها) أي ترجيح أغلب الوزنين على شبهه الاشتقاق
فإن مَوْظَبَ ومَعْلَى إن جعلتهما مَفْعلاً ففيهما شبهة الاشتقاق وإن جعلتهما فوعلاً لم تكن فيهما فشبهة الاشتقاق وأغلب الوزنين يرجحان زيادة الميم وأما رمان فإن جعلته فُعْلاَن ففيه شبهة الاشتقاق لكن ليس أغلب الوزنين وإن جعلته فُعَّالاً فليس فيه شبهة الاشتقاق إذ (ر م ن) غير مستعمل ورَمَّ مستعمل لكنه اغلب الوزنين قوله (لغلبتها في نحوه) أي لغلبة زنة فُعَّال في نحو معنى رُمَّان وهو ما ينبت من الأرض كالْقُلاَّم (1) والْجُمَّار (2) والْكُرَّاثِ والسُّلاَّء (3) والقُرَّاص (4) وفُعْلاَنُ قليل في مثل هذا المعنى قوله (فإن ثبتت فيهما) أي: ثبتت شبهة الاشتقاق في الوزنين قوله (مَوْرَقٌ) إن جعلته فوعلاً فليس بأغلب الوزنين لكنه لا يستلزم مخالفة القياس وإن جعلته مَفْعَلاً فهو أغلب الوزنين لكن فيه مخالفة القياس لان المثال الواوى لا يجئ إلا مَفْعِلاً - بكسر العين - كالموْعِد أما حومان فليس فيه خلاف الأقيسة وفَعْلاَن أكثر من فَوْعَال فجعله من (ح وم) أولى قوله (فإن نَدَرَا) أي: الوزنان (احتملهما) : أي احتمل اللفظ ذينك الوزنين وفي قوله ندرا نظر أما أولا فلأنه في اقسام ما لا يخرج الوزنان فيه عن الأوزان المشهورة فكيف يندران؟ وأما ثانياً فلأن أُفْعُلاَن قد جاء فيه اُسْحُمَان وهو جبل والعبان في اللَّعَّاب وكذا أُقْحُوان بدليل قولك: دواء مَقْحُوّ، وَأُفْعُوَانٌ لقولهم مَفْعَاة وفَعْوة السم (5) وفُعْلُوَانُ جاء فيه عنفوان وعنظوان (6) ولعله
أراد كون الوزنين لقلتهما في حد الندرة وفي أرْجُوَانٍ ثلاثة غوالب: النونُ والهمزة والواوُ فيحكم بزيادة اثنين منها فهو اما افعلان كأسْحُمَانٍ أو فعْلُوَانُ كَعُنْفُوَانٍ أو افعوال ولم يثبت فبقي الأولان واحتملهما وفيهما أيضاً شبهة الاشتقاق قوله (وهمزةِ أفعىً) إذا جعلته أفْعَلَ ففيه الاشتقاق الظاهر فضلاً عن شبهته لقولهم: فَعْوَةُ السم وأرضٌ مَفْعاة فكيف أورده فيما ليس في وزنيه شبهة الاشتقاق؟ قوله (وأوتكان) الألف والنون لا كلام في زيادتهما بقي التعارض بين الواو والهمزة ووَتَك وأتَك مهملان وأفْعَلاَنُ ثابت وإن كان قليلاً كَأَنْبَجَانُ وَفَوْعَلاَنُ غير موجود فكان يجب أن يورد هذا المثال فيما تعين فيه أحدهما قوله (ومِيم إمَّعَةٍ) لأن أمَعَ وَمَمَعَ مُهْمَلاَنِ لكنَّ فِعَّلَةَ أكثر كدِنَّبَةٍ للقصير وَالقِنَّبَةِ وَالإِمَّرَة وَإفْعَلَةُ كإوَزَّةٍ قليل وكأنه كلمة مركبة من حروف كلمتين وهما (أنا معك) كما أن الإمَّرة مركبة من (أنا مأمورك) قوله (فان ندرا احتملها) الكلامُ فيه كالكلام في قوله قبل (فإن ندرا) والعذر كالعذر قوله (إن ثبتت أفْعُوَالة) يعني إن ثبت ذلك احتمل أسْطُوَانَة الوزنين: أفعوالَةَ وفعلوانَةَ وهما الوزنان اللذان لا شبهةُ اشتقاق في الكلمة باعتبارهما وإنما قلنا: إن هذين الوزنين هما المحتملان لا أُفْعُلاَنَةُ كأسْحُمَانَ مع أن فيه شبهة الاشتقاق لثبوت السطو لأن جمعه على أساطين يمنعه إذ لو كان أفْعُلاَنَة فالطاءُ عينُ الكلمة والواوُ لامُها وفي الجمع لا يحذف لام الثلاثي فلا يجوز إذن أن يقال: حذف الواو وقلب الالف ياء حتى يكون وزن اساطين افاعين ولا يجوز ان يقال: حذف الالف وقلب الواو التي هي لام ياء فوزنه أفَاعِلْنُ، إذ هو وزن مفقود
في الجموع والأفراد فلم يبق إلا أن يقال: هو فَعَالِينُ من تركيب (أس ط) المهمل فَأُسْطُوَانَة فُعْلُوَانَة كعُنْفُوَان من اعْتَنَفْتُ الشئ: أي استأنفته أو هو أفاعِيل من تركيب سَطَنَ المهمل أيضاً فهي أفْعُوَالَة لكن أفْعُوَالَةُ لم تثبت فلم يبق إلا أن يكون فعلوانة واساطين فعالين الحبنطى: العظيم البطن يهمز ولا يهمز. القطوطَى والقطوان: المتبختر. اذلو لى: انطلق في استخفاء. حَوْلايا: اسم رجل. الْيَهْيَرُّ وَالْيَهْيَرَّى: السراب والباطل. يوم أرْوَنَانٌ: أي شديد ويقال: ليلة أرونَانةٌ. عجينٌ أَنْبَجَانٌ: أي سقي ماءً كثيراً وأُحكم عجنه وبقي زماناً فارسي من النَّبْجِ وهو الجدرى وكل ما ما يتنفط ويمتلئ ماء، يقال: جاء على تِئفَّانِ ذلك وَتَئِفَّتِه وتفئته أي أوله الكوألل: القصير الْحِنْطَأو: القصير وقيل: العظيم البطن. يأجَجُ ومَأجَجُ: موضعان
في الجموع والأفراد فلم يبق إلا أن يقال: هو فَعَالِينُ من تركيب (أس ط) المهمل فَأُسْطُوَانَة فُعْلُوَانَة كعُنْفُوَان من اعْتَنَفْتُ الشئ: أي استأنفته أو هو أفاعِيل من تركيب سَطَنَ المهمل أيضاً فهي أفْعُوَالَة لكن أفْعُوَالَةُ لم تثبت فلم يبق إلا أن يكون فعلوانة واساطين فعالين الحبنطى: العظيم البطن يهمز ولا يهمز. القطوطَى والقطوان: المتبختر. اذلو لى: انطلق في استخفاء. حَوْلايا: اسم رجل. الْيَهْيَرُّ وَالْيَهْيَرَّى: السراب والباطل. يوم أرْوَنَانٌ: أي شديد ويقال: ليلة أرونَانةٌ. عجينٌ أَنْبَجَانٌ: أي سقي ماءً كثيراً وأُحكم عجنه وبقي زماناً فارسي من النَّبْجِ وهو الجدرى وكل ما ما يتنفط ويمتلئ ماء، يقال: جاء على تِئفَّانِ ذلك وَتَئِفَّتِه وتفئته أي أوله الكوألل: القصير الْحِنْطَأو: القصير وقيل: العظيم البطن. يأجَجُ ومَأجَجُ: موضعان وأصحاب الحديت يروون يأجج بكسر الحيم وقد تقدم ذلك. محببٌ: اسم رجل مَهْدَدُ: اسم امرأة. مَوْظَب: اسم أرض وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث مَعْلَى: اسم رجل وكدا مَوْرَقٌ. الْحَوْمَانُ: الأرض الغليظة. الإمَّعة: الذي يكون مع كل أحد
قد تم بعون الله تعالى وحسن توفيقه - مراجعة الجزء الثاني من كتاب (شرج شافية ابن الحاجب) للعلامة رضى الدين الاستراباذى وتحقيقه والتعليق عليه في خمسة اشهر آخرها الثامن من شهر المحرم الحرام مستهل شهور عام 1358 ثمان وخمسين وثلاثمائة والف ويليه - ان شاء الله تعالى - الجزء الثالث ممفتتحه باب (الإمالة) . نسأل الله جلت قدرته ان يعين على اكماله بمنه وفضله وحسن تيسيره. آمين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، قائد الغر المحجلين، سيدنا محمد بن عبد الله، وآله وصحبه أجمعين.
الإمالة
قال: " الإمالة: أنْ يُنْحَى بِالْفَتْحَةِ نَحْوُ الْكَسْرَةِ، وَسَبَبُهَا قَصْدُ الْمُنَاسَبَةِ لكَسْرَةٍ أَوْ يَاءٍ، أَوْ لِكَوْنِ الأَلِفِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ مَكْسُورٍ أَوْ يَاءٍ، أَوْ صَائِرَةً يَاءً مَفْتُوحَةً، وَلِلْفَوَاصِلِ أَوْ لإِمَالَةٍ قَبْلَهَا عَلَى وجه. فلكسرة قَبْلَ الأَلِفِ فِي نَحْوِ عِمَادٍ وَشمْلاَلٍ، وَنَحْوُ در همان سَوَّغَهُ خَفَاءُ الْهَاءِ مَعَ شُذُوذِهِ، وتعدها فِي نَحْوِ عَالِم، وَنَحْوِ مِنَ الْكَلاَمِ قَلِيلٌ، لعرضوها، بِخِلاَفِ نَحْو مِنْ دَارٍ، لِلرَّاءِ، وليس مقدارها الأصلى كملفظها عَلَى الأَفْصَحِ كَجَادِّ وَجَوَادِّ، بِخِلاَفِ سُكُونِ الْوَقْفِ ". أقول: " ينحى بالفتحة " أي: تمال الفتحة نحو الكسرة: أي جانب الكسرة، ونحو الشئ: ناحيته وجهته، " ينحى " مسند إلى " نحو " ومعناه يقصد، والباء في " بالفتحة " لتعدية ينحى إلى ثاني المفعولين، وهو المقدم على الأول ههنا، وإنما لم يقل " ينحى بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء ". لأن الإمامة على ثلاثة أنواع: وإمالة فتحة قبل الألف إلى الكسرة، فيميل الألف نحو الياء، وإمالة فتحة قبل الهاء إلى الكسرة، كما في رحمة، وإمالة فتحة قبل الراء إليها، نحو الكبر، فإمالة الفتحة نحو الكسرة شاملة للأنواع الثلاثة، ويلزم من إمالة فتحة الألف نحو الكسرة إمالة الألف نحو الياء، لأن الألف المحض لا يكون إلا بعد الفتح المحض، ويميل إلى جانب الياء بقدر إمالة الفتحة إلى جانب الكسرة ضرورة، فلما لزمتها لم يحتج إلى ذكرها. وليست الإمالة لغة جميع العرب، وأهل الحجاز لا يميلون، وأشدهم حرصاً عليها بنو تميم، وإنما إمالة إذا بالغت في إذا بلغت في إمالة الفتحة نحو الكسرة، وما لم تبالغ فيه يسمى " بين اللفظين " و " ترقيقاً ". والترقيق إنما يكون في الفتحة التي قبل الألف فقط.
وسبب الإمالة إما قصد مناسبة صَوْت نطقك بالفتحة لصوت نطقك بالكسرة التي قبلها كعماد، أو بعدها كعالم، أو لصوت نطقك بياء قبلها كسَيَال (1) وشَيْبَان، أو قصدُ مناسبة صوت نطقك بالألف بصوت نطقك بأصل تلك الألف، وذلك إذا كانت منقلبة عن ياء أو واو مكسورة كباع وخاف، أو لصوت ما يصير إليه الألف في بعض المواضع كما في حُبْلَى ومِعْزًى، لقولك حبليان ومِعْزَيان، والأولى أن تقول في إمالة نحو خاف وباع: إنها للتنبيه على أصل الألف، وما كان عليه قبل، وفي نحو حبلى ومعزى: إنها للتنبيه على الحالة التي تصير إليها الألف بعدُ في بعض الأحوال. قوله " أو لكون الألف منقلبة عن مكسور " عبارة ركيكة، لأن تقدير الكلام قصد المناسبة لِكَوْنِ الأَلِفِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ مَكْسُورٍ، إذ هو عطف على قوله " للكسرة " فيكون المعنى أنك تقصد مناسبة صوتك بالفتحة والألف الممالتين لكون الألف عن ياء أو لكون الألف صائرة ياء. قوله " أو لإمالة قبلها على وجه " يجئ في موضعه. اعلم أن أسباب الإمالة ليست بموجبة لها، بل هي المجوزة لها عند مَنْ هي في لغته، وكل موضع يحصل فيه سبب الإمالة جاز لك الفتح، فأحد الأسباب الكسرة، وهي إما قبل الألف أو بعدها، والحرف المتحرك بالكسر لا يجوز أن يكون هو الحرف الذى يليه الألف، لأنها لا تلي إلا الفتحة، فالحرف المتحرك بالكسرة إما أن يكون بينه وبين الألف حرف أو حرفان، والأول أقوى في اقتضاء الإمالة لقربها، وإذا تتابع كسرتان كحِلبْلاَب (2) ، أو كسرة وياء نحو
كِيزَان، كان المقتضي أقوى، والتي بينها وبين الألف حزفان لا تقضى الإمالة إلا إذا كان الحرف الذي بينها وبين الألف سا كنا نحو شِمْلاَل (1) ، فإن كان متحركاً نحو عِنَباً، أو كان بين الكسرة والألف ثلاثة أحرف لم يجز الإمالة وإن أحد الأحرف سا كنا، نحو ابنتا زيد وفَتَلْت قِنَّباً (2) ، بلى إن كان الحرف المتحرك أو حرف الألف في الأول هاء نحو يريد أن يُسَفِّهَنَا، وينزعها، فإن ناساً من العرب كثيرا يميلها، لخفاء الهاء، فكأنها معدومة، فكأنه يسفنا وينزعا، وإذا كان ما قبل الهاء التي هي حرف الألف في مثله مضموماً لم يُجْز فيه الإمالة أحَدٌ، نحو هو يضربها، لأن الهاء نع الضمة لا يجوز أن تكون كالعدم، إذاما قبل الألف لا يكون مضموما، ولخفة الهاء أجازوا في نحو مَهَارَى مِهِارَى، بإمالة الهاء والميم، لأنك كأنك قلت: مَارَى، وكذلك إن كان في الثاني أحد الثلاثة الأحرف التي بين الكسرة والألف هاء جازت الإمالة لكن على ضعف وشذوذ، نحو: درهَمَا زيد، ودرهمان، وحِبْرَها. فإن كانت الكسرة المتقدمة من كلمة أخرى نظر: فإن كانت إحدى الكلمتين غير مستقلة أكلاهما كانت الإمالة أحسن منها إذا كانتا مستقلتين، فالإمالة في بنابؤسى وبنَّا ومنَّا أحسن منها في لزيد مال، وبعبد الله. واعلم أن الإمالة في بعبد الله أكثر من إمالة نحو لزيد مال، لكثرة لفظ الله في كلامهم. إذا كان سبب الإمالة ضعيفاً - لكون الكسرة بعيدة كما في نحو أن ينزعا، أو في كلمة أخرى نحو منّا وأنا ومنها - وكانت والألف موقوفا عليها كان إمالتها
أحسن منها إذا كانت موصولة بما بعدها، لما ذكرنا في باب الوقففي قلبهم ألف أفعى في الوقف ياء دون الوصل، وهو كون الألف في الوصل يظهر جوهرها، بخلاف الوقف، فتقلب إلى حرف أظهر منها، فلذا كان ناس ممن يميل نحو أن يضربها ومنّا وبنا ومنها إذا وصلوها لم يميلوها، نحو أن يضربها زيد، ومنا ذلك، لازمة نحو عابد وعالم ومفاتيح وهابيل، قيل: والمضصل في هذا كالمتصل نحو ثلثا درهم، وغلاماً بشر، والظاهر أنها أضعف لعدم لزومها للألف، فهي كالكسرة العارضة للإعراب في كلمة الألف، نحو على بابه، ومن ماله، فإنه يجوز الإمالة لأجلها، لكنه أضعف من جواز إمالة نحو عابد وعالم، ويجوز في نحو بباب أن تكون الإمالة للكسرة المتقدمة أو للمتأخرة أو لكلتيهما، وأما إن كانت الكسرة الإعرابية على الراء فهي كالكسرة اللازمة في كلمة الألف، نحو عالم، وذلك لأنها وإن ضعفت بالعروض لكن تكرار الراء جَبَر وهنا فكأن الكسرة عليها كسرتان، وذلك نحو: مِنَ الدَّارِ، وفي الدار، وإن كان بين الألف والكسرة المتأخرة عنها حرف، نحو: على آخِر، وعَلَى قَاتِل، فإن الكسرة لا تؤثر، وإنما أثرت المنفضلة عن الألف قبلُ ولم تؤثر بعد لأن الصعود بعد الهويّ أشق من العكس، فإن رالت الكسرة التي بعد الألف لأجل الإغدام نحو جَادّ وجَوَادّ فالأفصح أن لا يعد بها، فلا تميل الألف لأنها ساقطة في اللفظ لزوماً، وقد اعتبرها قوم ظرا إلى الأصل، كما أميل نحو " خافَ " نظراً إلى كسرتها الأصلية، كما يجئ، فأمالوا نحو جَادّ وجَوادَّ، رفعاً ونصباً وجرّاً، وبعضهم أمالها إذا كانت المدغم فيها مكسورة فقط لصيرورة الحرفين بالإدغام كحرف واحد. فيكون " مِنْ جادّ " مثل " مِنْ مَال " وإن ذهبت الكسرة لأجل الوقف - نحو راعْ، وماشْ - اختلف أيضاً في الإمالة
وتركها، والأكثر يميلونه، والفرق بينه وبين الأول أن سكون الوقف عارض يزول في الوصل، بخلاف سكون الحرف المدغم، وإن كانت الكسرة المقدرة في الوقف في الراء - نحو من النار، ومِنْ دار - فجواز الإمالة فيه أقوى لقوة الكسرة على الراء كما ذكرنا، فصارت لفرط القوة تؤثر مقدرةً تأثيرَها ظاهرة. قال: " وَلا تُؤثِّرُ الْكَسْرَةُ فِي منقلبة عَنْ وَاوٍ، وَنَحْوُ مِن بَابِهِ وَمَالِهِ وَالْكِبَا شّاذ، كَمَا شَذَّ العشا والمكاو باب وَمَالٌ وَالحَجَّاجُ وَالنَّاسُ لِغَيْرِ سَبَبٍ. وَأَمَّا إمَالَةُ الرِّبَا وَمِنْ دَارٍ فَلأَجْلِ الرَّاءِ " أقول أظن قوله: " ولا تؤثر الكسرة في المنقلبة عن واو " وَهَماً نشأ له من قول صاحب المفضل " إنَّ إمالة الكِبَأ شاذ " قال: أي الزمخشري: " أما إمالة الربا فلأجل الراء " هذا قوله، وقال سيبويه: " ومما يميلون ألفه قولهم: مررت ببابه وأخذت من ماله في موضع الجر، شبهوه بكاتب وساجد، قال: وإمالة في هذا أضعف، لأن الكسرة لا تلزم، فضعفها سيبوته لأجل ضعف الكسرة لا لأجل أن الألف عن واو، وَلو تؤثر الكسرة في إمالة الألف منقلبةً عن واو لم يَقُل إن الإمالة ضعيفة لضعف الكسرة، بل قال: ممتنعة، لكون اللام بعدها، فتبين أنه لم يفرق في تأثير الكسرة بين الألف المنقلبة عن واو وبين غيرها، ولم أر أحداً فرق بينهما إلا الزمخشري والمصنف. والْعَشَا: مصدر الأعشى والعشواء، والْكِبَا: الْكُنَاسة، وهو واوي لتثنيته على كِبَوَان، والمكا - بوزن العصا -: حجر الضب، (1) وبمعناه المكو
وأما باب ومال فإنما تشذ إمالتهما في غير حال جر لا ميهما، قال سيبويه: قال ناس يُوثَقُ بعر بيتهم: هذا باب، وهذا مال، ورد المبرد ذلك، قال السيرافي: حكاية سيبويه عن العرب لا ترد، ويمال الحجَّاج علماً، على الشذوذ، وأما إن كان صفة فلا، وأما إمالة الحجاج علماً والناسِ أكثر من إمالة نحو " هذا باب، ومال " وأما إمالة نحو " بالناس " فليست بشاذة لأجل الكسرة. قال: " وَالْيَاءُ إِنَّمَا تُؤَثِّر قَبْلَهَا فِي نَحْوِ سَيَالٍ وَشَيْبَانَ " أقول: الياء: إما أن تكون قبل الألف، أو بعدها: فالتي قبلها إنما تؤثر إذا اتصلت بالألف كسَيَال، وهو شجر ذو شوك، لأن الحركة بعد الحرف، فالفتحة بعد الياء، فصارت الياء المفتوحة كالكسرة قبل الفتحة في نحو عماد، تؤثر أيضاً إذا اتصلت بحرف الألف: إما ساكنةً [نحو شَيْبَانَ] (1) أو متحركة كالْحَيَوان وَالْحَيَدَان، وإذا كانت قبل الياء التي هي حرف الألف الكائنة بعد فتحة كشوك السَّيَال، أو بعد ضمة كالْهُيَام، ودونها الياء الساكنة المتصلة بحرف الألف كَشَيْبَان، ودونها المتصلة بها المتحركة كالْحَيَدَان، وإنما كان نحو الْحَيَدان في الإمالة دون شيبان - وإن كانت الفتحة متعقبة للياء - لأن الحركة بعد الحرف، كما تكرر ذكره، ففتحة ياء حَيَدَأن فاصلة بين الياء وفتحة الياء، وإنما أثرت الكسرة في نحو شِمْلاَل مع أن بينها وبين حرف الألف حرفاً، ولم تؤثر الياء كذلك في نحو دَيْدَبان (2) وكَيْذُبَان (3) ، لأن ذلك الحرف
الفاصل بين الكسرة وحرف الألف يشترط سونه كما مر به، فلم يَفْصِل إذن بي الكسرة والفتحة الممالة ما يضاد الياء من الفتحة والضمة، وأما في نحو ديدبان وَكَيْذُبَان فالفتحة والضمة فاصلتان بين الياء والفتحة المراد إمالتها، وإذا أضْعَفَتِ الفتحةُ (1) حركَةَ الياء فكيف إذا كانت على حرف فاصل؟ وأمال بعضهم " يَدَهَأ " لخفاء الهاء كما ذكرنا في درهمان. وإن تأخرت الياء عن الألف، فإن كانت مكسورة كمبايع (2) فالمقتضى للإماله في أقوى من المقتضي في نحو عابد، وإن كانت مفتوحة أو مضمومة كالْمُبَايَع وَالتَّبَايُع فلا تأثر، لأن الحركة لشدة ازومها للحرف وإن كانت متعقبة لها تفُتُّ في عَضُدها، وتُشْرِبها شيئاً من جوهر نفسها، وتميلها إلى مخرجها شيئا. قال: " وَالْمُنْقَلِبَةُ عَنْ مَكْسُورٍ نَحْوُ خَافَ، وَعَنْ يَاءٍ نَحْوُ نابٍ وَالرَّحَى وَسَالَ وَرَمَى " أقول: قوله " عن مكسور " أي واو مكسور، ليس ذلك على الإطلاق، بل ينبغي أن يقال: عن مكسور في الفعل، لأن نحو رجل مَالٌ وَنالٌ (3) وكبش (4) صَافٌ أصلها مول ونول، ومع هذا لايمان
قياساً، بل إمالة بعضها لو أميلت محفوظة، وذلك [لأن الكسرة] قد زالت بحيث لا تعود أصلاً: أما في الفعل نحو خاف فإن الكسرة لما كانت في بعض المواضع تنقل إلى ما قبل الألف نحو خِفْت وخفتا أجيز إمالة ما قبل الألف، والألف المنقلبة عن واو مكسورة في الاسم والفعل لا تَقع إلا عينا، أما المنقلبة عن الياء فتمال، سواء كانت الياء مفتوحة أو غيرها في الاسم أوفى الفعل: عيناً أو لاماً، كناب وغَاب وطَابَ وَبَاعَ وَهَابَ وَرَحًى وَرَمَى، وهي إذا كانت عين فَعَلَ - في الأفعال - أولى بالإمالة منها عين فَعَل في الاسماء، لأنه ينضم إلى انقلابها عن الياء انكسار ما قبلها في بعض التصاريف كِهبتُ وَبِعْتُ، وإذا كانت لاماً انت أولى بالإمالة منها عيناً، لأن التغيير في الأواخر أولى، قال سيبويه: وكره بعض العرب إمالة نحو رَمَى لكراهة أن يصيروا إلى ما فروا منه: يعني أنهم قبلوا الياء ألفا أولا فلم يقبلوا الألف بعد ذلك ياء، قلت: وينبغي على هذا أن يكرهوا إمالة نحو باب وعابٍ وباع وهاب، لحصول العلة المذكورة. قال: " وَالصَّائِرَةُ يَاءً مَفْتُوحَةً، نَحْوُ دَعَا وحُبْلَى وَالْعُلَى، بِخِلاَفِ جَالَ وَحَالَ " أقول: اعلم أن الألف إذا كانت في الآخر، فإما أن تكون في آخر الفعل، أو آخر الاسم فالأولى جاز إمالتها مطلقاً، لأنها إن كانت عن ياء فلها أصل في الياء وتصير ياء عند اتصال الضمائر بها، نحو رميت ويرميان، وإن كانت عن واو فإن تلك الألف تصير ياء مكسوراً ما قبلها قياساً، وذلك فيما لم يسم فاعله، نحو دُعى في دَعَا، فهو كالألف الممالة مع كون الألف في الآخر، والآخر محل التغيير، ولذلك لم يمل في قالَ وحالَ مع قولهم: قِيل وحِيل
والثانية: أي التي في آخر الاسم إن كانت عن ياء نحو الفتى والرحى جاز إمالتها، لكونها عن ياء وصيرورتها ياء في التثنية، وإن كانت عن واو: فإن كانت رابعة فما فوقها جاز إمالتها، لصيرورتها في المثنى ياء كالاعيان والمصطفيان، وكذا الألف الزائدة، كالْحُبْلى، والذِّفْرى (1) ، والأَرْطَى (2) ، والكمَّثْرَى، والقَبْعْثَرَى (3) ، لأنها تنقب ياء في المثنى، على ما مضى في باب المثنى، وكذا ألف سُكارَى وحبَالَى وصَحَارَى، لأنك لو سميت بها (4) وثنيتها قلبت ألفاتها ياء، وإن كانت ثالثة لم تمل قياساً، بل شاذاً، كالمَكَا والعَشَا، لأنها لا تصير ياء كما في الفعل، بل تصير في التصغير ياء قياساً كعُصَيَّة (ولا تؤثر) ، لكون سكون ما قبلها يبعدها عن صورة الألف الممالة، بخلاف نحو دُعِي وأعْلَيان، وأما نحو القُوَى والعُلَى والضُّحَى - في القرآن - فإنما جاز إمالتها لكونها رءوس الاى، فتناسب سائر الكلام التى هي رءوس الآي، وفيها سبب الإمالة. وقال بعضهم: كل ما كان على فُعَلٍ - بضم الفاء - جاز إمالة ألفه، إذ لو منعت لكان الثلاثي المطلوب في وضعه الخفة أولُه وآخرهُ ثقيلين، إذ يكون أوله ضمةً وآخره ألفاً غير ممالة، وترك إمالتها صريح في أنها عن واو، فيكون كأن في أوله وآخره واوٌ، ولهذا يكتب الكوفيون كل ثلاثي مقصور مضموم
الأول بالياء، ويثنيه بعض العرب بالياء، كما مر في باب المثنى، فتقول: العُلَيَان، فعلى هذا لا يختص إمالة مثل هذه الكَلِم برؤوس الآي، ولا يحتاج في إمالة العُلى إلى أن يعلل بكون واحدة العليا، بل يجوز إمالة العُلى الذي هو مصدر أيضاً، وقال بعضهم: طلبْنا وطَلَبَنا زيدٌ، تشبيهاً لألفها بألف نحو حُبْلى حيث كانت أخيراً، وجوزوا على هذا رأيت عبداً وأكلت عنباً " قوله والصائرةُ ياءً مفتوحة " احتراز عن نحو قيل وحيل، قال المصنف: لأن هذا صار ياء ساكنة والساكنة ضعيفة، فهي كالمعدوم، ولقائل أن يقول: لو كان ضعفها لأجل انقلابها ياء ساكنة لوجب إمالة نحو العصا، لأنها تنقلب ياء متحركة قوية بسبب الإدغام فيها نحو العِصِيّ في الجمع والعُصَيَّة في التصغير. قوله " دَعَأ وحُبْلَى والْعُلى " لقولك: دُعِي وحُبْليان وَالْعُلَيَان قال: " والْفَوَاصِلُ نَحْوُ وَالضُّحَى، وَالإِمَالَةُ قَبْلَهَا نَحْوُ رَأَيْتُ عِمَادَا " أقول: اعلم أن الإمالة في الفواصل هي في الحقيقة إمالة للإمالة أيضاً، وذلك لأنه يمال الضُّحى لإمالة قَلَى، لتناسب رءوس الآي، فالإمالة للإمالة على ضربين: أحدهما أن تمال فتحةٌ في كلمة لإمالة فتحة في تلك الكلمة أو فيما هو كالجزء لتلك الكلمة، فالأول على ضربين: إما أن يمال الثاني لإمالة الأول، نحو عماداً، أميلت فتحة الدال وقفاً، لإمالة فتحة الميم، وجاز ذلك وإن كان الألف ألف تنوين، لأن الأواخر محل التغيير، ولبيان الألف وقفا كما في أفْعَىْ على ما مر في بابه، أو يمال الأول لإمالة الثاني، وذلك إذا كان الثاني فتحةً على الهمزة نحو رأى ونأى، أمال بضعهم فتحتي الراء والنون لإمالة فتحة الهمزة، وذلك لأن الهمزة حرف مستثقل فطُلب التخفيف معها أكثر بتعديل الصوت في مجموع الكلمة. وأما مهارَى فإمالة الميم لأجل خفاء الهاء لا للإمالة، والثاني: أي إمالة فتحة في كلمة لإمالة فتحة فيما هو كجزء تلك الكلمة نحو قولك: مِعْزانا،
أملت فتحة نون " نا " لإمالة فتحة الزاي، وجاز ذلك وإن كانت " نا " كلمة برأسها لكونها ضميراً متصلاً، ولكون الألف في الآخر وهو محل التغيير، ولم يُمَلْ ألف مال في ذا مال، لكونه وسطاً، ولكون مال كلمة منفصلة لا كجزء الأول بخلاف " نا " في مِعْزَانا. وثانيهما أن تمال فتحةٌ في كلمة لامالة مثل تلك الفتحة في نظير تلك الكلمة في الفواصل، كقوله تعالى (والضحى) ، أميل ليزاوج (قلى) ، وسهل ذلك كونه في أواخر الكلام ومواضع الوقف كما ذكرنا في نحو أفعى قال: " وَقَدْ تُمَالُ ألِفُ التَّنْوِينِ فِي نَحْوِ رَأَيْتُ زَيْدا " أقول: قال سيبويه: يقال: رأيت زيداً، كما يقال: رأيت شيبان، لكن الإمالة في نحو رأيت زيداً أضعف، لأن الألف ليست بلازمة لزوم ألف شيبان، وسهل ذلك كون الألف موقوفاً عليها، فيقصد بيانها بأن تمال إلى جانب الياء كما في حُبْلَى، ولا يقال: رأيت عَبْداً إلا عند بعضهم - كما مر - تشبيهاً بنحو حبلى، إذ لا ياء قبل الألف ولا كسرة قال: " وَالاسْتِعْلاَءُ في عير بَاب خَافَ وَغَابَ وَصَغَا مَانِعٌ قَبْلَهَا يَلِيهَا فِي كَلِمَتِهَا، وَبِحَرْفَيْنِ عَلَى رَأْي، وَبَعْدَهَا يَلِيهَا فِي كَلِمَتِهَا، وَبِحَرْفٍ وَبِحَرْفَيْنِ عَلَى الأَكْثَرِ " أقول: يعني أن حروف الاستعلاء، وهي ما يرتفع بها اللسان، ويجمعها قِظْ خُصَّ ضَغْطٍ (1) تمنع الامالة على الشرائط التى تجئ، وذلك لمناقضتها
للامالة، لان اللسان ينخفض بالامالة ويرتفع بهذه الحروف، فلا جرم لا تؤثر أسباب الامالة المذكورة معها، لأن أسباب الإمالة تقتضي خروج الفتحة عن حالها وحروف الاستعلاء تقتضي بقاءها على أصلها، فترجح الأصل، ولا تغلب حروف الاستعلاء أسبابَ الإمالة في باب خَافَ وَغَابَ وصَغَا، يعني في الألفات التي ينكسر ما قبلها في بعض التصرفات، وهي ألفات الفعل إذا كانت عيناً في الماضي الثلاثي، وهي منقلبة عن واو مكسورة كخاف أو ياء: سواء كانت في الأصل مكسورة كهاب، أولاً كغاب، وكذا إذا كانت لاماً في ماضي الفعل الثلاثي: سواء كانت واو كغَزَاً، أو ياء كبغي، وذلك لأنك تقول: خِفْتُ وَغِبْتُ وغُزِيَ وَبْغِيَ، فأجيزت الإمالة مع حروف الاستعلاء لقوة السبب: أي انكسار ما قبل الألف في بعض التصرفات، مع كون ذلك في الفعل الذي هو أحمل للتصرفات من أخويه، وكذا الألفات التي تنقلب في بعض التصرفات ياء، وهي الألفات الأخيرة: الرابعة فما فوقها: في الفعل كانت كأعْطَى ويُعْطَى، أو في الاسم كالمُعْطَى والْوُسْطَى، لقولك: أعْطَيَا ويُعْطَيَان والْمُعْطَيَان والْوُسْطَيان، فتنقلب الألف في البنية التي فيها الألف من غير تغيير تلك البنية، وأما الياء في نحو الْعُصَيَّة والْعِصيّ فلا تعتبر، لأنها عرضت في بناء آخر، فجميع الألفات المذكورة تمال، ولا تنظر إلى حروف الاستعلاء، لأن انقلاب الألف ياء لغير الامالة مطردا والبينة باقية سببٌ قوي للإمالة، فتجري عليها مع حروف الاستعلاء أيضاً قوله " قبلها يليها في كلمتها " كقاعد وخامد (1) وصاعد وغائب
وطائف (1) وضامر وظالم، وكذا إذا كان بعدها يليها في كلمتها كنا قد وعاطِس وعاصِم وعاضد وعاطل وباخل (2) وواغل (3) ، وإذا كانت حروف الاستعلاء قبل حرف الألف فإن كانت مكسورة كالقفاف (4) والغِلاب والطِّباب (5) والضِّباب (6) والصِّحاب والخِداع والظِّماء (7) ، فلا أثر لحرف الاستعلاء، (بل تمال الفتحة والألف، لأن الكسرة المقتضية لإمالة الفتحة والألف بعد حرف الاستعلاء) على
ما سبق من كون الحركة بعد الحرف، ولم يذكر سيبويه في مثله ترك الإمالة، وذكر غيره أنه ذهب بعضهم إلى امتناع الإمالة، لأجل حروف الاستعلاء، وإن كانت مكسورة، قالوا: وهو قليل، والإمالة أكثر، وكذا الإمالة في نحو " قِزْحاً " (1) كثيرة، وأما إن كانت حروف الاستعلاء متحركة بغير الكسرة كَغَوالب وصُمات (2) وخُفاف (3) فإنها تمنع الإمالة، لأنك إنما تتلفظ بالفتحة والألف بعد ثبوت حرف الاستعلاء الطالب للفتح بلا كسر بينها وبين الفتح، كما كان في قفاف، وفى تلك الحال طالب الامالة - أعنى الكسر - معدوم متوقع، ومناسبة الصوت لصوت داخل في الوجود أولى من مناسبته للمتوقع وجوده، وأما إن كانت حروف الاستعلاء ساكنة قبل حرف الألف بعد الكسرة، نحو: مصباح ومِقلاع ومِخْدام ومِطْعان، فبعض العرب لا يعتد بحرف الاستعلاء لكونه بالسكون كالميت المعدوم فيميل، وبعضهم يعتد به، لكونه أقرب إلى الالف من
الكسرة الطالبة للإمالة، قال سيبويه: كلاهما عربي له مذهب، وهذا معنى قول المصنف " وبحرفين على رأى " جعل في نحو مصباح حرف الاستعلاء قبل الألف بحرفين: أحدهما حرف الاستعلاء، والآخر الباء، والأظهر أن لا يقال: هذا الحرف قبل ذلك الحرف بحرفين، إلا إذا كان بينهما حرفان، كما قال سيبويه في نحو مناشيط (1) ومعَاليق (2) : إن حرف الاستعلاء، بعد الألف بحرفين، وإن كان حرف الاستعلاء بعد الألف وبينهما حرف كنافخ ونابغ ونافِق (3) وشاحِط (4) وناهِض وغائِظ منع من الإمالة، ولم تؤثر الكسرة، لأن الحرف أقوى من
الحركة، فتصير قوية قائمة مقام قرب الكسرة من الألف، فلو أملت الألف لكان هناك استفال ظاهر بإمالة الفتحة والألف والكسرة الصريحة بعده إصعاد، وذلك صعب، وأما نحو غالِب وطالِب ففيه إصعاد ظاهر بعده اسْتِفال، وهذا أسهل، ألاَ ترى أنهم قالوا: صبقت، وَصُقْتُ، وَصَوِيق، بقلب السين صاداً لئلا يصعدوا بعد استفال، ولم يقولوا: قَصَوْت، وقِصْت، في قسوت قست وإن كان بين حرف الاستعلاء المتأخر عن الألف وبينها حرفان كمناشيط ومعاريض (1) ومعاليق ومنافيخ (2) ومباليغ (3) منع أيضاً عن الإمالة، وقال سيبويه: قد قال بعضهم المناشيط بالإمالة حين تراخت وهي قليلة. قوله: " وبحرفين على الأكثر " إن أراد نحو مناشيط فهو مخالف لقوله " وبحرفين على رأي " في نحو مصباح، وإن أراد نحو نافخ وفاسق كما صرح به في الشرح فغلط، لأنه لا خلاف في منعه إذن للإمالة. قوله: " قبلها يليها في كلمتها " إنما قال " في كلمتها " لأن المستعلي إن كان في كلمة أخرى قبل لم يؤثر نحو ضبط عالم فتميل، لأن المستعلي لما انفصل صار كالعدم مع أن الاستفال بعد الإصعاد سهل. قوله: " وبعدها يليها في كلمتها " اعلم أنه إذا كان المستعلي في كلمة بعد أخرى نحو عماد قاسم وعال قاسِم فبعضهم لا يجعلون للمستعلي المنفصل أثراً وبعضهم
يجعل له تأثيراً، فلا يميل نحو أن يضربها قاسم، لجعله مثل فاقد، وكذا لا يميل نحو بمالِ قاسمٍ، لجعله مثل فالق، وكذا لا يميل نحو أن يضربها مَلِق (1) ، لكونه مثل مناشيط، وأبعد من هذا إمالة نحو بمالِ مَلِقٍ، وإنما جعلوا للمنفصل المتأخر أثراً دون المتقدم المنفصل، لما ذكرنا من أن الإصعاد بعد الاستفال أصعبُ من العكس، وإذا كان سبب الإمالة قوياً، وذلك لكون الكسرة لازمة لم يَعْزِله المستعلي المنفصلُ عَزْلَه للسبب الضعيف، أعني الكسرة العارضة، فيعزل في " على مالِ قاسم " أكثر من عزله في " عمادِ قاسم "، لان الكسرة لام " على مال " وهي السبب - ضعيفةٌ لعروضها، فالمانع الضعيف: أي المستعلي المنفصل، يستولي عليها لضعفها، وأما في نحو " عمادِ قاسم " و " عالِم قاسم " فالسبب - وهو كسرة العين في الأول واللام في الثاني - قويٌّ للزومه، فلا يستولي عليه المانع الضعيف. هذا، وبعضهم يقول: رأيت عِرْقاً، فيميل مع القاف تشبيهاً له بفُعْلى، فهو كالوُسْطى، وهذا كما أميل نحو عِنَبَا وعَبْدَا، تشبيهاً بألف التأنيث، وذلك في حيز الشذوذ، لأن ألف التنوين إمالتها قليلة، فكيف مع المستعلي في عِرْقَا؟ قال: " والرَّاءُ غَيْرُ الْمُكْسُورَةِ إِذَا وَلِيَتِ الأَلفَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا مَنَعَتْ مَنْعَ الْمُسْتَعْلِيَةِ، وَتَغْلِبُ الْمَكْسُورَةُ بَعْدَهَا الْمُسْتَعْلِيَةَ وَغَيْرَ الْمَكْسُورَةِ، فَيُمَالُ طَارِدٌ وَغَارِمٌ وَمِنْ قَرَارِكَ، فإِذَا تباعدت فكالعدم في للمنع وَالْغَلَب عِنْدَ الأَكْثَرِ، فَيُمَالُ: هَذَا كَافِرٌ، وَيُفْتَحُ مَرَرْتُ بِقَادِرٍ، وَبَعْضُهُمْ يَعْكِسُ، وَقِيلَ: هُوَ الأَكْثَرُ " أقول: اعلم أن الراء حرف مكرر، فضمتها كضمتين، وفتحتها كفتحتين، وكسرتها ككسرتين، فصارت غير المكسورة كحرف الاستعلاء، لان
تكرر الضم والفتح خلاف الإمالة، فتقول: هذا راشد، وهذا فِرَاش، وهذا حمار، ورأيت حماراً، فيغلب غيرُ المكسورة سببَ الإمالة: أي الكسرة المتقدمة والمتأخرة، وكسرةُ الراء في اقتضاء الإمالة أقوى من كسرة غيرها، لأنها ككسرتين، فتمنع المستعلي المتقدم في نحو طَارِدٍ وغارم، ولا تمنعه كسرة نحو طالِبٍ وَغَالِبٍ، وتمنع الراء غير المكسورة أيضاً كما في " من قَرَارِك " لكونها أضعف من المستعلي، كما يجئ، ولا تمنع الراء المكسورة المستعلي المتأخر عنها في نحو فارِق، لما ذكرنا من صعوبة الإصعاد بعد الاستفال الظاهر، فقول المصنف إذن " وتغلب المكسورة بعدها المستعلية " ليس على إطلاقه، والراء غير المكسورة أضعف سبباً من المستعلية، فلهذا كان الإمالة في " لن يَضْربها راشد " أقوى من الإمالة في " لن يَضربها قاسم " وكان إمالة " عفراً (1) " تشبيهاً بحبلى أولى من إمالة " علقا (2) " ومن ثم أجاز بعضهم إمالة " عمران " دون " برقان (3) " واعلم أن إمالة " في الدار " أقوى من إمالة " في دار قاسم " وإمالة " جَارم (4) " أولى من إمالة " جَارم قاسم " لوجود المستعلى في الموضعين،
وإن كان منفصلاً، وإمالة " في دار قاسم " أقوى من إمالة " في مال قاسم "، لما ذكرنا من أن كسرة الراء أقوى من كسرة غيرها، وإمالة " جارم قاسم " أقوى من إمالة " في دار قاسم " للزوم كسرة الراء في الأول مع تباعد المستعلي كما كان إمالة " عابد قاسم " أولى بسبب لزوم الكسر وبعد المستعلي من إمالة " في مال قاسم " وكسرة راء نحو " حَضَارِ (1) " ككسرة راء نحو " في الدار " وإن كانت الأولى بنائية، لأنها تزول بجعله علماً لمذكر، وكسرة راء نحو " بفارّ قبل (2) " ككسرة راء نحو " في الدار قبل " لأن الحرف المشدد كحرف واحد، ومَنْ أمال نحو جادّ وجوادّ اعتباراً بكسر الدال المقدرة لم يمل نحو " هذا جار " و " جوار " لما ذكرنا من قوة ضمة الراء وفتحتها فتمنعان الكسرة المقدرة لضعفها. قوله: " قبلها " كراشد وفراش، ولا تكون إلا مفتوحة. قوله: " أو بعدها " قد تكون مفتوحة ومضمومة، نحو: هذا حمار، ورأيت حماراً. قوله " فإذا تباعدت " قد مضى حكم الراء التي تلي الألف قبلها أو بعدها، وهذا حكم الراء المتباعدة عن الألف، فنقول: إن كانت الراء بعد الألف، وبينها وبين الألف حرف كانت كالعدم في المنع، إن كانت غير مكسورة، نحو: هذا كافر، ورأيت كافراً: أي لا تمنع منع المستعلي في نحو نافق ودافق، لأنها ملحقة بالمستعلي، كما ذكرنا، فلا يكون لها قوة المستعلي، ومن ثم كان إمالة " لن
يضربها راشد " أقوى من إمالة " لن يضربها قاسم " وبعضهم عكس وجعلها مانعة مع بعدها من الإمالة في نحو " هذا كافر " كما منع المستعلي البعيدُ في نحو نافق، وكذا إذا تباعدت المكسورة بعدها، فالأولى أنها كالعدم في الغلبة على المستعلي، فلا تغلب الراء المكسورة القاف في " بقادر " بل القاف تعمل عملها في منع كسرة الدال من اقتضاء الإمالة، وذلك لأن الراء المكسورة بَعُدَت عن الألف، بخلاف نحو " الغارب (1) " فإن الراء غلبت المستعلي لقربها من الألف، وبعضهم عكس ههنا أيضاً، وجعلها غالبة للمستعلى: أي مجوزة للامامة، فيكون كأن بعد الألف ثلاث كسرات وقبلها مستعل واحد، وإن كانت الراء قبل الألف متباعدة مفتوحة أو مضمومة، نحو رَوَاقد وبُرُقات (2) ، فيجوز أن تجعل كالمستعلي، فلا تمال كما في " قوافل " ويجوز أن لا تجعل مثله، لكونها أضعف منه، فيمال نحو " رواقد "، وأما إن كانت مكسورة فإنها لاتغلب المستعلي قبل الألف كان المستعلي كرِقَاب أو بعدها كرِوَاق، أما في الأول فلأن المستعلي أقرب إلى الألف، وأما في الثاني فلما ذكرنا من أن المستعلي بعد الألف في غاية القوة، حتى غلب على الراء المكسورة التي هي أقرب إلى الألف منه في نحو فارض، فكيف بالمكسورة التي هي أبعد منه؟ فإمالة نحو عِفْراً وعِشْراً (3) أولى من إمالة نحو عمران، لأن الآخر محل التغيير.
[إمالة الفتحة قبل هاء التأنيث في الوقف]
قال: " وَقَدْ يُمَالُ مَا قَبْلِ هَاءِ التَّأنِيثِ فِي الْوَقْفِ، وَتَحْسُنُ فِي نَحْوِ رَحْمَةٍ، وَتَقْبُحُ فِي الرَّاءِ نَحْوُ كُدْرَةٍ، وَتَتَوَسَّطُ فِي الاسْتِعْلاءِ نَحْو حقَّةٍ " أقول: لما كان هاء التأنيث يشابه الألف في المخرج والْخَفَاء ومن حيث المعنى لكون الألف أيضاً كثيراً للتأنيث أُميل ما قبل هاء التأنيث، كما يمال ما قبل الألف، لأن ما قبل ألف التأنيث مطرد جواز إمالته لا يمنعه شئ: لا المستعلي كما في الْوُسَطى، ولا الراء المفتوحة كالذِّكْرَى، والألفُ في الوقف أقبل للإمالة لقصد البيان، كما قلنا في باب الوقف على نحو أفْعى، فأميل ما قبل هاء التأنيث، إذ لا يكون إلا في الوقف، تشبيهاً للهاء بالألف الموقوف عليها، وأيضاً الهاء خفية، فكأن الفتحة في الآخر، والآخر محل التغيير، فباجتماع هذه الأشياء حسن إمالة ما قبل هاء التأنيث، قال سيبويه: إمالة ما قبل هاء التأنيث لغة فاشية بالبصرة والكوفة وما قرب منهما قوله " وتحسن في نحو رحمة " أي: إذا لم يكن ما قبل الهاء لا راء ولا حرف استعلاء، وتقبح في الراء لأن إمالة فتحتها كإمالة فتحتين، لتكرر الراء، فالعمل في إمالتها أكثر قوله " وتتوسط في الاستعلاء " لأنه لما أجرى الهاء مجرى الألف لم يكن كالمشبه به مطلقاً، فلم يمنع المستعلي الإمالة ههنا بالكلية كما منعها هناك، بل
توسطت الإمالة معه في الحسن والقبح، ولم تقبح قبح إمالة فتحة الراء، لان سب قبحها - كما قلنا - كون إمالة فتحتها كإمالة فتحتين، وليست إمالة فتحة المستعلي كذلك، وليس استقباح إمالة فتحة الراء وتوسط إمالة فتحة المستعلي لكون الراء أقوى في الاستعلاء من المستعلي، لأنا قد ذكرنا أن المستعلي أقوى منها، وهي ملحقة بالمستعلي ومشبهة به، فلا تبلغ درجته، والمرويّ عن الكسائي إمالة ما قبل هاء التأنيث مطلقاً، سواء كان من حروف الاستعلاء أو لا، إلا إذا كان ألفاً كالصلاة، واختار له أهل الأداء طريقاً آخر، وهو إمالة ما قبل الهاء، إلا إذا كان أحد الحروف العشرة، وهي قولك " حق ضغاط عص خظا " كالنطيحة والحاقة وقبضة وبالغة والصلاة وبسطة والقارعة وخصاصة والصاخة (1) والموعظة، وذلك لأن " قظ خص ضغط " من هذه العشرة حروف الاستعلاء، والحاء والعين شبهتا بالخاء والغين، لكونهما حلقيين مثلهما، وأما الألف فلو أميلت لأميل ما قبلها، فكان يظن أن الامالة للالف لا للهاء، أو كان أحد حروف أكهر (2) ، فإنه إذا جاءت قبل الهاء وقبلها إما ياء ساكنة أو كسرة كالأيكة (3) والخاطئة والآلهة والحافرة، أميلت فتحتها، وكذا إن كان
بين الكسرة وحروف أكهر حرف ساكن كعِبْرة ووِجْهَة، أما إذا كان قبل حروف أكهر ضمة أو فتحة كالتَّهْلُكة والْمَيْسَرة لم تمل (1) ، وكذا إن جاء قبلها ألف كالسفاهة، وإنما ألحقوا حروف أكهر بحروف الاستعلاء لمشابهة الهمزة والهاء للغين والخاء المستعليين في كونها حلقية وكون الكاف قريبة من مخرج القاف الذي هو مستعلٍ، وكذا الراء، لأن فتحتها كفتحتين كما ذكرنا، وإنما ألحقوها بالمستعلية إذا لم يكن قبلها ياء ولا كسرة لأن ذلك ينقص من مشابهتها للمستعلية، وأما الألف قبل أكهر فإنما منعت لكونها ضد الامالة قال " وَالْحُرُوف لاَ تُمَالُ، فإِنْ سُمِّيَ بِهَا فَكَالأَسْماءِ، وَأُمِيلَ بَلَى وَيا وَلاَ في إمَّا لِتَضَمُّنِهَا الْجُمْلَةَ، وَغَيرُ الْمُتَمَكِّنِ كَالْحَرْفِ، وذا وأتى ومتى كبلى، وأميل عسى لمجئ عَسَيْتُ " أقول: يعني لا تمال الحروف لعدم تصرفها، والإمالة تصرف، فنحو إمّا وإلاَّ وإن كان فيه كسرة لا يمال، كما لا يمال حَتَّى وألاَّ وهَلاَّ، فإن سميت بمثل هذه الحروف كانت الاسماء: إن كان فيها سبب الإمالة أميلت، كألف حَتَّى وألاّ وهَلاَّ، لأنها طرف رابعة كألف حُبْلَى، فتثنيتها على حَتَّيَان وألَّيَان وهَلَّيَان، وكذا إن سميت بإلى، لأن الكسرة سبب الإمالة، مع أن الألف طرف، ويثنى بالواو نحو إلَوَان، كما ذكرنا في باب المثنى، وعلى ما ذكره المصنف - وهو أن الكسرة لا تأثير لها مع الألف التي عن الواو - ينبغي أن لا تمال، ولو سميت بعَلَى وعَدَا وَخَلاَ الحرفيتين وبأمَا وألاَ لم تُمَلْ، إذ لا سبب للإمالة، وإنما أميل بَلَى لجواز السكوت
عليها وتضمنها معنى الجملة، إذ تقول في جواب من قال أما قام زيد " بلى " أي: بلى قام، فصار كالفعل المضمر فاعلة نحو غزا ورمى في الاستعلاء، فأميل لمشابهته الفعل، وكذا أميل يا لتضمنها معنى الفعل، وهو دعوت وناديت، فصارت كالفعل، مع أنه يحذف المنادَى ويقدر في نحو (ياليت) و (ألا يَا اسْجُدُوا) فيصير كالفعل المضمر فاعله، وكذا " لا " أي في " إمالا " إذ يحذف الشرط بعدها، تقول لشخص: افعل كذا، فيأبى، فتقول له: افعل هذا إمالا: أي إمالا تفعل ذاك، وإذا انفردت لا عن إما لم تمل وإن كانت كبلى في الإغناء عن الجملة، لكونها على حرفين، وأمايا فلان معها الياء وهو سبب الإمالة، وحكى قطرب إمالة لا من دون إمَّا نحو لا أفعل، لإفادتها معنى الجملة في بعض الأحوال كبلى. قوله: " وغير المتمكن كالحرف " لأن غير المتمكنة لعدم تصرفها تكون كالحرف، فإن سميت بها كانت الحروف المسمى بها: إن كان فيها سبب الإمالة أميلت، كإذا، للكسرة، وإنما أميل " ذا " في الإشارة لتصرفها، إذ توصف وتصغر ويوصف بها، بخلاف ما الاستفهامية فإنها لا تصغر، وأما أنَّى ومَتَى فإنما تمالان - وإن لم يسم بهما أيضاً - لإغنائهما عن الجملة، وذلك لأنك تحذف معهما الفعل، كما تقول: متى؟ لمن قال سار القوم، وكذا قوله: 126 - * أنَّى وَمِنْ أيْنَ آبَكَ الطَّرَبُ (1) *
فلا تمالان إذن، إلا في الاستفهام، لأنه إنما يحذف الفعل بعدهما فيه بخلاف ما إذا كانتا للشرط. قوله: " وأُمِيل عَسَى " إنما ذكر ذلك وإن كان فعلاً لئلا يظن به أن عدم تصرفه ألحقه بالأسماء غير المتمكنة في عدم جواز الإمالة، فقال: الفعل وإن كان غير متصرف فتصرفه أقوى من تصرف الاسم غير المتمكن والحرف، لأنه ينقلب ألفه ياء أو واواً إذا كان يائياً أو واوياً عند لحوق الضمائر بها، وإنما أميل أسماء حروف التهجي - نحو با، تا، ثا - لأنها وإن كانت أسماء مبنية كإذا وما لكن وضعها على أن تكون موقوفاً عليها، بخلاف إذا وما، فأميلت لبيان ألفاتها، كما قلبت ألف نحو أفْعَيْ في الوقف ياء، كما مر في باب الوقف، والدليل عليه أنها لاتمال إذا كملت بالمد نحو باء وتاء، وذلك لأنها لا تكون إذن موقوفاً عليها، ولقوة الداعي إلى إمالتها أميلت مع حرف الاستعلاء، نحو طا، ظا، بخلاف طالب وظالم. قال: " وَقَدْ تُمَالُ الْفَتْحَةُ مُنْفَرِدَةً نَحْوُ مِنَ الضرر ومن الْكِبَرِ وَمِنَ الْمُحَاذَرِ " أقول: الراء المكسورة قد تمال لها الفتحة التي قبلها بلا فصل، سواء كانت على الراء كالضَّرَرِ أو على حرف الاستعلاء كالْمَطَر أو على غيرهما كالْكِبَر والْمُحَاذر، وتمال أيضاً الضمة التي قبلها نحو من السمُر ومن المنقر، وهو الركية الكثيرة الماء، ومن السرُر (1) ، وإذا أملت فتحة الذال في المحاذَر لم تُمِل الألف التي قبلها، لأن الراء لا قوة لها على إمالة فتحة ما قبلها مع إمالة الألف
التي قبل تلك الفتحة، بل لا تقوى إلا على إمالة حركة قبلها: متصلة بها كما ذكرنا، أو منفصلة عنها بحرف ساكن، كما تميل فتحةَ مِنْ عَمْرٍ وضمةَ مِنْ عُمْرٍ وكذا إذا كان الساكن واواً نحو ابن أم مَذْعُور وابن نور، قال سيبويه: " تميل الضمة وتشمها شيئاً من الكسرة، فتصير الواو مشمة شيئاً من الياء وتتبع الواو حركة ما قبلها في الإشمام كما تبعت الألف ما قبلها في الإمالة، فإن هذا الإشمام هو الإمالة " وقال الأخفش: " الالف لابد لها من كونها تابعة لما قبلها، وليس الواو كذا، فإنها قد لا يكون ما قبلها مضموما " فعلى قوله تجئ بالواو صريحة غير مشمة شيئاً من الياء بعد الضمة المشمة كسرة، وما ارتكبه الأخفش يتعذر اللفظ به ولا يتحقق، وأما قوله " قد لا يكون ما قبلها مضموماً " فنقول: أما الفتح فمسلم أنه يجئ الواو الصريح بعده، كقول، وأما الكسر والضم المشم كسرا فلا يجئ بعدهما الواو الساكنة إلا مَشُمَّة ياء، وعليك بالاختبار، وإن كان قبل الراء المكسورة ياء ساكنة قبلها فتحة نحو بِغَيْرٍ وبخَيْرٍ فلا يجوز إشمام الفتح شيئاً من الكسر، لأن إشمام الكسرَ لا يبين إذا كان بعده ياء كما يبين إشمام الضم الكسر إذا كان بعده واو، نحو مِنْ نُور، وقد يمال أيضاً لكسرة الراء فتحةُ ما قبلها وضمته - وإن كانتا منفصلتين في كلمة أخرى - نحو إن خَبَطَ رِيَاحٍ (1) وهذا خَبَطُ رِيَاحٍ، كالمطَر والْمُنقُر، فهو كإمالة الألف والفتحةِ في قَفَا رياحِ، ونحو خَبَطَ الرِّيحُ أبعد، لكون ساكن بين فتحة الطاء وكسرة الراء، ونحو خَبَطَ فَرِيدٌ أَبعد، لكون حرفٍ متحرك بينهما. واعلم أن المستعلي بعد الراء المكسورة يَمْنَع إمالة ما قبل الراء، فلا يمَال سين السَّرِق (2) للقاف كما مَنَعَ في نحو فارض وفارط، على ما تقدم، وأما قبل
الراء المكسورة فلا يمنع، ألا ترى إلى إمالة بالمطر ومِنَ الْمُنْقُر؟ وذلك لما تكرر من كون الاستفال بعد الإصعاد أسهلَ من العكس، وأما غلبة المستعلي قبل الألف الراءَ المكسورة بعدها، نحو طاردٍ وقارِب وغارِب، فلأن أسباب الإمالة إنما تميل الحركة أولاً، ثم إن كان بعدها ألف أو واو، كما في عالم ومِنْ نُورٍ، يتبعها في الإمالة، ففي نحو طارد الفتحة إلى المستعلي أقرب منها إلى الراء المكسورة، فلا جرم استولى عليها المستعلي ولم يُخَلِّهَا تؤثر فيها الراء، وأما نحو بالمطر وطِربَ، ومن الْمُنْقُر، فالراء قريبة من الحركة المراد إمالتها، لأن الألف ليست بفاصلة بينهما فاستولت عليها وغلبت المستعلِي لقوتها، لأن كسرتها ككسرتين. واعلم أن الفتحة من دون الألف لا تمال إلا لهاء التأنيث كما مر، أو للراء المكسورة من بين أسباب الإمالة، لقوتها من بينها بتكررها، كما مر غير مرة. قال: " تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ، يَجْمَعُهُ الإبْدَالُ وَالْحَذْفُ وَبَيْنَ بَيْنَ: أيْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرْفِ حَرَكَتِهَا، وَقِيلَ: أوْ حَرْفِ حَرَكَةٍ مَا قَبْلَها وَشَرْطُهُ أنْ لا تَكُونَ مُبْتَدَأً بِهَا، وَهِيَ سَاكِنَةٌ وَمُتَحَرِّكَةٌ، فَالسَّاكِنَةُ تُبْدَلُ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا: كَرَاسٍ، وَبِيْرٍ، وَسُوت، وَإِلَى الْهُدَاتِنَا، وَالَّذِيتُمِنَ، وَيَقُولُو ذَنْ لِي " أقول: قوله " يجمعه الإبْدَالُ والحذف وبيْنَ بَيْنَ " أي لا يخرج من هذه الثلاثة، لأن المجموع لا يخرج عن جامعة، ولو قال يجمع الإبدالَ والحذفَ وبينَ بينَ لم يفهم منه أنه لا ينقسم إلى غير هذه الثلاثة، لأن الشئ ربما يجمع الشئ ويجمع غيره، كما أن الاسم يجمع المنصرِف وغيرَ المنصرِف ويجمع أيضاً المبنى قوله " بينها وبين حرفِ حركتها " أي: بين الهمزة والواو إن كانت مضمومة،
وبينها وبين الألف إن كانت مفتوحة، وبينها وبين الياء إن كانت مكسورة قوله " أو حَرْفِ حَرَكةِ ما قبلها " يعني قال بعضهم: بَيْنَ بَيْنَ على ضربين: أحدهما ما ذكر، والثاني أن يكون بينها وبين حرفِ حركة ما قبلها، وهذا الثاني على قول هذا القائل أيضاً لا يكون في كل موضع، بل في المواضع المعينة، كما في سُئِل ومُسْتَهْزئُون، على ما يجئ قوله " وشرطه أن لا تكون مُبْتَدَأَ بها " أي: شرط تخفيف الهمزة، ولا يريد بكونها مبتدأ بها أن تكون في ابتداء الكلمة، لأنها تخفف أيضاً في ابتداء الكلمة بالحذف في نحو (قَدَ افْلَحَ) والقلب في (الْهُدَى اتِنا) ونحوه، بل المراد أن تكون في ابتداء الكلام، وإنما لم تخفف إذن لأن إبدالها بتدبير حركة ما قبلها كما يجئ، وكذا حذفها بعد نقل حركتها إلى ما قبلها، وكذا المجعولة بين بين البعيدَ تُدَبَّر بحركة ما قبلها، وإذا كانت في ابتداء الكلام لم يكن قبلها شئ، وأما بين بين المشهور فيقر بها من الساكن، كما يجئ، والمبتدأ به لا يكون ساكناً ولا قريباً منه، ولم تُخَفَّف في الابتداء نوعاً آخر من التخفيف غير الثلاثة الأنواع المذكورة، لأن المبتدأ به خفيف، إذ الثقل يكون في الأواخر، على أنه قد قلبت الهمزة في بعض المواضع في الابتداء هاء، كهَرحْتُ وهَرَقْتُ وهِيَّاك، ولكن ذلك قلب شاذ ثم اعلم أن الهمزة لما كانت أدخل الحروف في الحلق ولها نبرة (1) كريهة تجزى مجرى التهوع (2) ثقلت بذلك على لسان المتلفظ بها، فخففها قوم، وهم أكثر
أهل الحجاز، ولا سيما قريش، روى عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه: نزل القرآن بلسان قريش، وليسوا بأصحاب نبر (1) ، ولولا أن جبرائيل عليه السلام نزل بالهمزة على النبي صلى الله عليه وسلم ما همزنا، وحققها غيرهم، والتحقيق هو الأصل كسائر الحروف، والتخفيف استحسان. فنقول: إذا خففت فإما أن تكون ساكنة أو متحركة، وهذه قسمة حاصِرة، فالساكنة تبدل بحرف حرَكةِ ما قبلها، إذ حرف العلة أخف منها، وخاصة حرفَ علةٍ ما قبل الهمزة من جنسه، وحركة ما قبلها إما أن تكون في كلمة الهمزة أولاً، وفي الأول إما أن تكون الهمزة في الوسط كرأس وبئر ومؤمن، أو في الآخر كلم يقرأ ولم يردُؤْ ولم يُقْرِئ، وفي الثاني في نحو (الْهُدَى ائْتِنَا) و (الَّذِي اؤْتُمِنَ) و (يَقُولُ ائْذَنْ) وإنما لم تُجعل بَيْنَ بَيْنَ إذ لا حركة لها حتى تجعل بينها وبين حرف حركتها، ولم تحذف لأنها إنما تحذف بعد إلقاء حركتها على ما قبلها لتكون دليلاً عليها، والحركة إنما تلقى على الساكن، لا على المتحرك. قال: " وَالْمُتَحَرِّكَةُ إنْ كَانَ قَبْلَهَا سَاكِنٌ وَهُوَ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ زَائِدَتَانِ لِغَيْرِ الإِلْحَاقِ قُلِبَتْ إليْهَا وَأُدْغِمَتْ فِيهَا، كَخَطِيَّةٍ وَمَقْرُوَّةٍ وَأُفَيِّسٍ، وَقَوْلُهُمُ الْتَزِمَ فِي نَبِيّ وَبَرِيَّةٍ، غَيْرُ صَحِيح، وَلَكِنَّهُ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ ألِفاً فَبَيْنَ بَيْنَ الْمَشْهُورُ، وَإِن كَانَ حَرْفاً صَحِيحاً أَوْ مُعْتلاً غَيْرَ ذَلِكَ نُقِلَتْ حَرَكتُهَا إِلَيْهِ وَحُذِفَتْ، نَحْوُ مَسَلَة، وَخَبٍ، وَشَي، وسو، وجيل، وحوبة، وأبو يوب، وذو مرهم، واتَّبِعِيَ مْرَهُ، وَقَاضُوَبِيكَ، وَقَدْ جَاءَ باب شئ وسوء مدغما أيضا،
والتزم ذلك في باب يرى، وَأَرَى يُرِي، لِلْكَثْرَةِ، بِخِلاَفِ يَنْأى، وَأَنْأى يُنْئِي، وَكَثُر فِي سَلْ، لِلْهَمْزَتَيْنِ، وَإذَا وُقِفَ عَلَى الْمُتَطَرِّفَةِ وُقِفَ بِمُقْتَضَى الْوَقْفِ بَعْدَ التَّخْفِيفِ، فيجئ فِي هَذَا الْخَبُ وَبَريٌّ وَمَقْرُوٌّ السُّكُونُ وَالرَّوْمُ والاشمام، وكذلك شئ وَسَوٌّ، نَقَلْت أوْ أدْغَمْتَ إلاَّ أنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا ألِفاً إذَا وُقِفَ بالسُّكونِ وجَبَ قَلْبُهَا ألِفاً، إذْ لاَ نَقْلَ، وَتَعَذَّرَ التَّسْهِيلُ، فَيَجُوزُ الْقَصْرُ والتَّطْوِيلُ وَإنْ وُقِفَ بالرَّوْمِ فَالتَّسْهِيل كَالْوَصْلِ " أقول: قد مضى حكم الهمزة الساكنة، وهي قسم واحد، إذ لا يكون ما قبلها إلا متحركاً، لأنه لا يلتقي ساكنان، بلى إن سُكِّنَتْ للوقف وقبلها ساكن - وذلك مما يجوز كما مضى في باب التقاء الساكنين - فقد يجئ حكمها، وأما المتحركة فعلى قسمين، وذلك لأن ما قبلها: إما ساكن، أو متحرك، فإن سكن ما قبلها فلا يخلو ذلك الساكن من أن يكون مما يجوز تحريكه، أو لا يجوز، فما لا يجوز تحريكه الألف والواو والياء الزائدتان في بِنْية الكلمة إذا كانتا مدتين: أي يكون ما قبلها من الحركة من جنسهما، وكذا ياء التصغير، نحو سائل ومقروء وخطيئة وأُفَيْئِس، وإنما قلنا " الزائدتان في بنية الكلمة " لأنهما إن كانتا أصليتين كالسُّوءِ (1) والسئ (2) قَبِلَتَا الحركة، لأن فاء الكلمة وعينها ولامها مما لا يمتنع من قبول الحركة وكذا يقبلان الحركة إذا لم يكونا من بنية الكلمة، نحو اتبعوا أمرهم، واتبعي أمرهم، إذ الواو والياء كلمتان مستقلتان تحتملان الحركة نحو اخْشَوُنَّ وَاخْشَيِنَّ، وأُجريَ مجراهما واو نحو: مُسْلِمُو أبيك وياء المسمى أبيك، لأنهما في الحقيقة ليستا زائدتين في بنية الكلمة، لكونهما لمعنى كالتنوين،
فيحتملان الحركَة نحو مُصْطَفَوُ القوم، وَمُصْطَفَي القوم، وكذا إذا لم يكونا مدتين مع كونهما في بنية الكلمة، نحو حوأبة (1) وَجَيْألٍ (2) ، فإنهما للإلحاق في مقابلة حرف أصلي، وأما ياء التصغير فإنها وإن لم تكن مدة لكنها موضوعة على السكون، ولهذا جاز نحو أصَيْم كما مضى في باب التقاء الساكنين، والذي يجوز تحريكه ما عدا ما ذكرناه: صحيحاً كان كَمَسْأَلَةٍ، أو حرف علة كالواو والياء للإلحاق نحو حوأبة، وجَيْأَلٍ، أو الواوِ والياءِ للضمير نحو اتّبِعُوا أمره، واتبعي أمره، وكذا إن كانتا علامتي المثني والمجموع، كقاتلوا أبيك، وكقاتلي أبيك، أو كانتا من أصل الكلمة سواء كان حركة ما قبلهما من جنسهما كالسوء والسئ وذو إبل، وبذي إبل، وَضَرَبَ هُوَ أُمَّهُ، وتَضرب هِيَ أباه، وفي أبيه، وفي أمه، أو لم تكن كسوأة (3) وجَيْئَةٍ، فالواو والياء اللتان لا تقبلان الحركة إذا وليهما الهمزة وقصد التخفيف قلبت الهمزة إلى الحرف الذي قبلها وأدغم فيها، نحو مَقْرُوٍّ وَنَبِيٍّ وأُفَيِّس وهو تصغير أفْؤُس جمع فأس وقول المصنف " زائدتان لغير الإلحاق " يعني زائدتين في بنية الكلمة حتى يخرج قاضوا أبيك، واتبعوا أمره، وإنما لم تحذف إذا كان قبلها حرف علة لا يقبل الحركة، لأن قياس حذفها - كما مر - أن تنقل أولاً حركتها إلى ما قبلها لتدل عليها، وكذا لم تجعل بَيْنَ بَيْنَ، لئلا يلزم شبه ساكنين، فلما
امتنعا قصد التخفيف بالإدغام وإن لم يقرب مخرج الهمزة من مخرج الواو والياء، لكنهم اقتنعوا في الإدغام بأدنى مناسبة، وهو إشتراك الجميع في صفة الجهر، لاستكراههم الهمزة وانسداد سائر أبواب التخفيف كما مر، ولهذا قلبوا الثانية للإدغام إلى الأولى، مع أن القياس في إدغام المتماثلين - كما يجئ في بابه - قلب الأولى إلى الثانية، لأن حاملهم على الإدغام مع تباعد المخرجين قصد تخفيف الهمزة المستكرهة والفرار منها، فلو قلبوا الأولى إلى الثانية لوقعوا في أكثر مما فروا منه. قوله " في نبي وبرية " قال سيبويه: " الزمهما أهل التحقيق البدل، قال: وقد بلغنا أن قوماً من أهل التحقيق يقولون: نبئ، وبريئة، وذلك قليل ردئ " يعني قليل في كلام العرب ردئ فيه، لا أنه ردئ في القياس، وهى ثابتة في القراءات السبع، ومذهب سيبويه أن النبئ مهموز اللام، وهو الحق، خلافاً لمن قال: إنه من النباوة: أي الرفعة، وذلك لأن جمعه نُبَآءُ، وإنما جمع على أنبياء - وإن كان أَفْعِلاَءُ جَمْع فَعيل المعتل اللام كصفي وأصفياء وَفُعَلاَءُ جَمْع الصحيح اللام ككرماء وظرفاء - لأنهم لما ألزموا واحدة التخفيف صار كالمعتل اللام، نحو سخيّ، وكذا ألزم التخفيف في مصدره كالنبُوَّة، وجاء في السبع النبُوءَة - بالهمز، ولما رأى المصنف ثبوت النبئ والبريئة مهموزين في السبع حكم بأن تخفيفهما ليس بلازم، وكذا ورد في السبع النبوءة بالهمز، ومذهب سيبويه - كما ذكرناه - أن ذلك ردئ مع أنه قرئ به، ولعل القراءات السبع عنده ليست متواترة، وإلا لم يحكم برداءة ما ثبت أنه من القرآن الكريم، تعالى عنها وأما القسم الثاني: أي الواو والياء القابلتان للحركة، فالقياس فيه نقل حركة الهمزة إليهما وحذفها، وإنما لم تستثقل الضمة والكسرة على الواو والياء في قاتِلُوُ
امك، وجازرو ابلك، وبقاتليُ أمِّك، وأَحْلِبْنِي اِبِلَكَ، لأن الحركتين ليستا في الأصل لحرفي العلة، بخلاف نحو قاضِيٌ وقاضي، فإن حركات الإعراب وإن كانت عارضة على الحرف لكنها حركاتها، وليست بمنقولة إليها فهي ألزم من الحركات المنقولة، قال سيبويه: بعض العرب يدغم آخر الكلمة في الواو والياء المبدلتين عن الهمزة المفتوحة الكائنة في صدر كلمة بعدها، نحو أونت وأبو يوب وأرمى باك، في: أو أنت، وَأبُو أَيُّوبَ، وَأَرْمِي أَبَاكَ، وكذا جميع المنفصلة بشرط كونها مفتوحة، قال: وإن كانت في كلمة واحدة حذفوا، نحو سَوَة وحَوَب، قال: وقد قال بعض هؤلاء في المتصلة أيضاً سَوَّةٌ وضَوٌّ، وَجَيَّلٌ وَمَسُوَّةٌ، وَمُسِيٌّ، جعلوا الواوات والياءات كحروف المد الزائدة في مقرُوِّ ونَبِيٍّ، وإنما لزم الإدغام في مَشِيَّةٍ لكثرة استعمالها، وأما الهمزة المكسورة والمضمومة ضمةً وكسرةً لازمتين أو كلازمتين فلا يدغم فيها في هذا الباب، لثقله، فلا يقال في أبو أمك وأبى أمك: أبو مك وأبِيُّ أمِّكَ، ولا في ذو إبل وذي إبل: ذُوِّ بِل وذِيّ بِل ولا في سوءوا، وأسِيئِي: سُوُّوا، وأَسيِّي، لأن الضمة والكسرة كاللازمتين، وأما مسوء وبمسئ فإن الضمة والكسرة للإعراب، وهو غير ثابت، قال: وبعض العرب ينقل فتحة الهمزة أخيراً على الواو والياء قبلها يحذف، كما هو القياس، نحو لن يَجِيَك، ولَنْ يَسُوَك، وإذا كانت مضمومة أو مكسورة حذفت الهمزة لاستثقال الضمة والكسرة على الياء والواو، فيقول: هو يَجِيكَ ويَسُوك، وقد يحذف الهمزة المفتوحة نحو لن يَجِيَك ولَنْ يَسُوَك، قال: وكذا يحذف الهمزة مطلقاً بأي حركة كانت إذا كانت قبلها ألف، لامتناع نقل الحركة إليها، فيقول: هو يَشَا، فعلى هذا يقول في الجزم والوقف، لَمْ يَجِ، ولم يَسُ، ولم يَشَ، وجِه وسُه وشَه، فيقع الجزم والوقف على العين، وعلى هذا يقول في المنفصلة: يَرْمِ اخْوانه، بحذف الهمزة المكسورة مع كسرتها، لاستثقال الكسرة على الياء قبلها، ثم يحذف ياء برمى للساكنين، قال السيرافي: ومما جاء
من الشاذ نقل بعضهم حركة الهمزة المنفصلة إلى آخر الكلمة المتحركة بحركة بنائية، نحو قَالِ اسحق، وقَالُ اسَامَةُ، وإن كانت الحركة إعرابية لم ينقل، فلا يقول: يقول اسحق، ولَنْ يقولُ اسَامَةُ، احتراماً لحركة الإعراب، قال: وبعضهم يحذف الهمزة من غير نقل الحركة إلى آخر الكلمة، فيقول: قال اسحق، وقالَ اسَامَةُ، والأول أجود، وقال بعضهم: تحذف الهمزة المنفصلة: أي التي في أول الكلمة إذا وقعت بعد الألف في آخر الكلمة، فإن كان بعد الهمزة ساكن سقطت الألف للساكنين، نحو مَا احْسَنَ زيداً، ومَا امْرُكَ، وإن كان بعدها متحرك بقي الألف نحو مَا شَدَّ: أي ما أشد، قال: 127 - مَا شَدَّ أنفسهم وأعلمهم بما * يحمي الذمار بِهِ الْكَرِيمُ الْمُسْلِمُ (1) وربما حذف بلا علة ولا ضابط، نحو ناسٍ، في " أناس " ومع ألف الاستفهام في رأيت، فَيقال في أرَأيْتَ: أريت، وهو قراءة الكسائي في جميع ما أوله همزة الاستفهام من رأى المتصل به التاء والنون، قال أبو الأسود: 128 - أرَيْت امْرَأً كُنْتُ لم أبله * أتانى فقال أتخذنى خليلا (2)
وإنما كثر ذلك في رأيت وأخواته لكثرة الاستعمال، ألا ترى إلى وجوب الحذف في يَرَى، وأرى يرى - كما يجئ - وعدم وجوبه في أخواته من يَسْأَل ويَنْأَى؟ فإذا دخلت على رأيت همزة الاستفهام شبهت بهمزة الافعال، فتحذف الهمزة جوازاً، وربما حذفت مع هل أيضاً تشبيهاً لها بهمزة الاستفهام، قال: 129 - صَاحِ هَلْ رَيْتَ أو سمعت براع * رد في الضرع ما قرى في العلاب (1)
وربما قدمت الهمزة التي لو بقيت بحالها لكان تخفيفها بالحذف، استكراها للحذف، فيقال في يَسْألون: يأْسَلُونَ، لأن تخفيفها إذن بالقلب لا بالحذف، قال: 130 - إذَا قَامَ قَوْمٌ يَأْسَلُونَ مَلِيكَهُمْ * عَطَاءً فَدَهْمَاءُ الَّذِي أنَا سَائِلْهُ (1) ومثله في يَيأَسُ يَاءَسُ. رَجَعْنا إلى ما أصَّلْنَا، فنقول: وإن كانت الهمزة بعد الألف وقصدت التخفيف لم يجز الحذف إلا على اللغة القليلة التي ذكرنا، نحو يَشَا في يشاء، لأن
الحذف حقه أن يكون بعد نقل حركة الهمزة إلى ما قبلها، ونقلُ الحركة إلى ما قبلها محال، وكذا لا يجوز قلبُها واواً أو ياء ساكنة، للساكنين (ولا متحركة) (1) والإدغامُ، لأن الالف لا يدغم كما يجئ في بابه، فلم يبق إلا جعله بَيْنَ بَيْنَ المشهور، لأنه وإن كان قريباً من الساكن إلا أنه على كل حال متحرك، وهذا أمر مضطر إليه عند قصد التخفيف، لانسداد سائر أبواب وجوه التخفيف، ولم يكن بَيْنَ بَيْنَ البعيدَ، إذ لا حركة لما قبلها. قوله " وإن كان صحيحاً أو مُعْتَلاًّ غير ذلك " أي: غير حروف العلة التي تقدم أنها لا تحتمل الحركة، نقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها وحذفت، وإنما لم تجعل بَيْنَ بَيْنَ لئلا يلزم شبه الساكنين، فلا تجعل الهمزة بين بين إلا في موضع لو كان مكانها فيه ساكن لجاز، إلا مع الألف وحدها، نحو قائل وكساء كما ذكرنا، للضرورة، ولم يبدلوها حرف علة بلا نقل حركة ولا بعد نقلها، قال سيبويه: لأنهم كرهوا أن يدخلوها في بنات الواو والياء وجوز الكوفيون وبعض البصريين - كأبى زيد - قلب الهمزة حرف علة من دون نقل الحركة على وجوه مختلفة من غير قياس وضبط، فقالوا في رفء مصدر (2) رفأت: رفو،
وفى خبء (1) : خَبْو، وهذا كما قالوا في الهمز الساكن المتحرك ما قبله نحو رَفَأْت وَنَشأْتُ: رَفَوْتُ وَنَشَوْتُ، وفى خبأت وقرأت: خبيت وقريب، وهذا عند سيبويه ردئ كله، وأجاز الكوفيون قياساً قلبَ الهمزة المفتوحة خاصة ألفاً بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها نحو المرَأةِ والكَمَأةِ وحكى سيبويه ذلك، وقال: هو قليل، ولا يجوز نقل الحركة في باب انْأَطَرَ (2) لإلزامهم نون انْفَعَل السكون قوله " والتزم ذلك في باب يَرَى وَأرَى يُري " كل ما كان من تركيب رأى سواء كان من الرؤية أو من الرأي أو الرؤيا إذا زدت عليه حرفاً آخر لبناء صيغة وسكن راؤُه وجب حذف همزته بعد نقل حركتها، إلا مَرأًى، ومِرْآة، وذلك لكثرة الاستعمال، وقد جاء إثباتها في الشعر نحو قوله: 131 - أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ ترأياه كلانا عالم بالترهات (3)
ويكثر حذف الهمزة مع تحرك ما قبلها مع همزة الاستفهام في نحو أرأيت كما ذكرنا. قوله: " وكثر في سل للهمزتين " استعمال اسأل أكثر من استعمال اجْأرْ (1) ونحوه، فصار تخفيفه بنقل حركةِ همزته إلى ما قبلها وحذفِهَا، كثيراً، بخلاف نحو اجْأَر، ولو كان كثرة التخفيف للهمزتين فقط لكان اجْأر مثله، وبعد نقل حركة الهمزة إلى السين وحذفها قال المصنف: يلزم حذف همزة الوصل وإن كان حركة السين عارضة، لان مقتضى كثرة التخفيف فيه اجتماع الهمزتين، ولو كانت الهمزة باقية لما بقيت حركتها على السين، فحذفت همزة الوصل وجوباً، وقال السيرافي: حكى بعض النحاة - يعني الأخفش - إسَلْ نحو الْحَمَرِ، قال: ويفسد
ما حكاه أنه ليس أحد يقول: أُقُلْ ولا أُرُدّ، وفُرِقَ بين الْحَمَرِ وإسَل بأن أصل السين الحركة، كما في سَألَ، ولام التعريف أصلها السكون، وقال سيبويه: الفرق بينهما أن همزة لام التعريف: تشبه همزة القطع في احمر بانفتاحها مبتدأة وبثباتها في الاستفهام نحو الله، وفي يا ألله أيضاً قوله " وإذا وُقِفَ على المتطرفة " اعلم أنه إذا وقف على المتحركة المتطرفة فإما أن يوقف على مذهب أهل التحقيق أو على مذهب أهل التخفيف، فالأول مضى حكمه مستوفي في باب الوقف، وأما على مذهب أهل التخفيف، فإنه تخفف الهمزة أولاً، لأن حالة الوصل متقدمة على حالة الوقف، ونَقْل الهمزة حاصل حالة الوصل، فتخفف على ما هو حق التخفيف من النقل والحذف، في نحو الخبء، والقلب والادغام في نحو برئ ومقروء، فيبقى الخبُ بتحريك الباء كالدم، ثم يوقف عليه بالسكون المحض، أو الروم، أو الإشمام، أو التضعيف، ويبقى بريّ ومقروّ مشددتين فيوقف عليهما بالإسكان والروم والإشمام، ويخفف نحو شئ وسَوْءٍ في حال الوصل بالنقل والحذف، وهو الأصل، والقلب والإدغام على قول بعضهم، كما ذكرنا، ويجوز السكون والروم والإشمام والتضعيف في الأول، ويجوز السكون والروم والإشمام ولا يجوز التضعيف في الثاني هذا إذا لم يكن ما قبل الهمزة فيه الألف، فإن كان قبل الهمزة المتطرفة ألف، وقد ذكرنا أن تخفيف مثلها بجعلها بين بين المشهور، فإذا خففتها كذلك ثم أرَدْت الوقف عليها فإن راعيت في الوقف التخفيف الذي كان في الوصل وأبقيته وهو بين بين لم يجز لك إلا الوقف بالروم، لأن تضعيف الهمزة لا يجوز، ومع الإسكان المحض والإشمام - وهو الإسكان أيضاً - لا يجوز بين بين، لأن بين بين لا يكون إلا بشئ من الحركة، وإن لم تراع في الوقف تخفيف الوصل وأردت الوجه المشهورَ من وجوه الوقف وهو الإسكان أسكنت الهمزة المجعولة بين بين، وجاز التقاء الساكنين، لأنه في الوقف، فبطل تخفيف بين بين
بإسكانها، فقصدت تخفيفاً آخر، ولم يتأت الحذف، إذ ذلك إنما يكون بنقل الحركة إلى ما قبل الهمزة، ولا تنقل الحركة إلا الألف، فلم يبق إلا قلب الهمزة الساكنة ألفاً، لكون الألف قبلها بمنزلة الفتحة، فصار نحو لم يقرأ، ولا يكون مع الإسكان روم ولا إشمام، لأن الحركة كانت على الحرف الذي هذه الألف بدل منه، لا على الألف حتى ترام أو تشم، كما قلنا في الوقف على هاء التأنيث، وأيضاً فالروم بإبقاء بعض الحركة، والألفُ الصريحةُ لا تحتمل ذلك، وهذا الوجه - أعني الوقف بالإسكان وقلبَ الهمزة ألفاً - أكثرُ في هذا الباب من الوقف بالروم، والهمزةُ بَيْنَ بَيْنَ، فإذا قلبتها ألفاً وقبلها ألف جاز لك إبقاء الألفين، لأن الوقف يحتمل فيه الساكنان، فيمد مدة طويلة في تقدير ألفين، ويجوز حذف أحدهما، لاجتماع المثلين، فيمد مدة قصيرة بتقدير ألف واحدة، وإن كانت الهمزة منصوبة منونة فليست متطرفة، فلا يجئ فيها هذه الفروع، بل يقلب التنوين ألفاً نحو دعاءَا، وعشاءَا قال: " وإذَا كَانَ قَبْلَها مُتَحَرْكُ فَتِسْعٌ: مَفْتُوحَةٌ وَقَبْلَهَا الثَّلاَث، وَمَكْسُورَةٌ كَذَلِكَ، وَمَضْمُومَةً كَذَلِكَ، نَحْوُ سَألَ وَمِائَةِ وَمُؤجَّلٍ وَسَئِمَ وَمُسْتَهْزِئينَ وسُئِلَ وَرَؤُوفٍ وَمُسْتَهزِئونَ ورُؤوسٍ، فَنَحْوُ مُؤَجَّلٍ وَاوٌ، ونَحْوُ مِائَةٍ يَاءٌ، وَنَحْوُ مُسْتَهْزِئونَ وَسْئِلَ بَيْنَ بَيْنَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: الْبَعيِدُ، والْبَاقِي بَيْنَ بَيْنَ الْمَشْهُورُ، وَجَاءَ مِنْسَاةٌ وَسَالَ، وَنَحْوُ الْوَاجِي وَصْلاً، وأما: * يشجج رَأْسَهُ بِالْفَهْرَوَاجِي * فعَلَى الْقِيَاسِ، خِلاَفاً لِسِيبَوَيِهِ " أقول: اعمل أن الحكم المذكور في المتصل جار في المنفصل سواء، وأمثلته قال هذا (غلام) أحمد، وبغلام أبيك، وإن غلام أبيك، وقال إبراهيم، وبغلام إبراهيم، وهذا مال إبراهيم، وإن غلام أختك،
وبغلام أختك، وهذا مال أختك، إذا قصدت تخفيفها متصلة كانت أو منفصلة قلبتَ المفتوحة المكسور ما قبلها كمائة ياءً مَحْضَة، لتعذر حذفها، إذ لا تحذف إلا بعد نقل الحركة، ولا تنقل الحركة إلى متحرك، ويتعذر التسهيل أيضاً، إذ تصير بين الهمزة والألف، فلما استحال مجئ الألف بعد الكسرة لم يُجَوّزوا مجئ شبه الألف أيضاً بعدها، وكذا تقلب المفتوحة المضموم ما قبلها واواً مَحْضَة كَمُوَجَّل، لمثل ما ذكرنا في مائة، فبقي بعد المثالين سبعة أمثلة، وتُسَهَّل كلها بين بين المشهور عند سيبويه، وإنما لم تخفف بالحذف لتحرك ما قبلها، ولم تخفف بالقلب كما في المثالين، لأن القصد التخفيف، وقد حصل بتسهيلها بين بين، والأصل عدم إخراج الحرف عن جوهره، وأما في المثالين فالقلب كالمضطر إليه كما ذكرنا، ومعنى التسهيل أن تأتي بها بين الهمزة وبين حرف حركتها، وتجعل الحركة التي عليها مُخْتَلَسة سَهْلة بحيث تكون كالساكنة وإن لم تَكُنْهَا، فلهذا لم تُسَهَّل الساكنُ ما قبلها لئلا يكون كالجمع بين الساكنين، بلى يجوز ذلك إذا اضطر إليه، وذلك إذا كان قبلها ألف، لتعذر سائر أنواع التخفيف كما ذكرنا، ولكون المد في الألف أكثر منه في سائر حروف اللين فيصح الاعتماد عليه كالمتحرك، كما مر في باب التقاء الساكنين، وذهب الكوفية إلى أن المسهلة ساكنة، واحْتَجَّ على تحريكها سيبويه بحجة لا مدفع لها، وهي أنها تُسَهَّل في الشعر وبعدها ساكن في الموضع الذي لو اجتمع فيه ساكنان لانكسر البيت، كقول الأعشى: 132 - أَأَنْ رَأتْ رَجُلاً أَعْشَى أَضَرَّبِهِ * رَيْبُ الْمَنُونِ وَدَهْرٌ متبل خبل (1)
وعند الأخفش تُسهل السبعة بين بين المشهور، إلا اثنتين منها: المضمومة المكسورَ ما قبلها كالمستهزئون، والمكسورة المضموم ما قبلها كسُئِلَ، قال: تقلب الأولى ياء محضة والثانية واواً محضة، إذ لو سُهِّلتَا لكانت الأولى كالواو الساكنة، ولا تجئ بعد الكسرة، والثانية كالياء الساكنة، ولا تجئ بعد الضمة، كما لا تجئ الألف بعد الضمة والكسرة، وهذا الذي ذهب إليه قياساً على مُؤَجَّل ومائة وإن كان قريباً لكن لسيبويه أن يفرق ويقول: المُسهَّلَة المفتوحة لم يستحل مجيئها بعد الضم والكسْر لكن لما استحال مجئ الالف الصريح بعدهما منع مجئ شبه الألف أيضاً بعدهما، وأما الواو الساكنة فلا يستحيل مجيئها بعد الكسرة، بل يستثقل، وكذا الياء الساكنة بعد الضمة، فلم يمنع مجئ شبه الواو الساكنة بعد الكسرة وشبه الياء الساكنة بعد الضمة وذهب بعضهم في نحو مستهزِئون وسُئِل إلى بين بين البعيد، ونسب بعضهم هذا القول أيضاً إلى الأخفش، وإنما ارتكب هذا الوجه من التسهيل ههنا مَن ارتكبه وإن كان بعيداً نادراً فراراً مما لزم سيبويه في بين بين المشهور من مجئ شبه الواو الساكنة بعد الكسر وشبه الياء الساكنة بعد الضم، كما مر، ومما لزم الأخفش من مجئ الواو الصريحة متحركة بالكسر بعد الضم في سول، ومن مجئ الياء الصريحة متحركة بالضم بعد الكسر في مستهزيون، وذلك
مرفوض في كلامهم، وليس بشئ، لأنه لا يلزم سيبويه على ما ذكرنا محذور في مجئ شبه الواو الساكنة بعد الكسر وشبه الياء الساكنة بعد الضم، وكذا لا يلزم الأخفش فيما ذهب إليه أمر شنيع، لأن تخفيف الهمزة عارض غير لازم، فهو مثل رُويا (1) ، بلا إدغام. ولا خلاف في الخمسة الباقية أن فيها بين بين المشهور. وقد تبدل الهمزة المفتوحة ألفاً إذا انفتح ما قبلها، مثل سال، وواواً ساكنة إذا انضمت وانضم ما قبلها كرووس، وياء ساكنة إذا انكسرت وانكسر ما قبلها نحو المستهزيين، قال سيبويه: وليس ذا بقياس مُتْلَئِبٍّ، بل هو سماعي، كما قالوا: أتْلجْتُ، في أوْلَجت، فلا تقول: أتلغت (2) ، في أولغت، قال: وإذا كان في ضرورة الشعر كان قياساً، قال: 133 - رَاحَتْ بِمَسْلَمَةَ الْبِغَالُ عَشِيَّةً * فَارْعَيْ فزارة لا هناك المرتع (3)
وقال: 134 - سَالتَانِي الطَّلاَقَ إذْ رَأَتَانِي * قَلَّ مَالِي، قَدْ جِئْتُمَانِي بِنُكْرٍ (1) وقال: 135 - سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللهِ فَاحِشَةً * ضلت هذيل بما قالت ولم تصب (2)
وأنشد سيبويه فيما لا يجوز في غير الشعر إلا سماعاً قول الشاعر: 135 - وَكُنْتَ أَذَلَّ مِن وتد بقاع * يشجج رأسه بالفهر وَاجِي (1) قال المصنف - وهو الحق -: إن هذا القياس ليس من ذلك، لان " واج "
[تخفيف الهمزتين المجتمعتين]
آخر البيت، وهو موقوف عليه، فكأن آخر الكلمة همزة ساكنة قبلها كسرة كما في " لم يُقْرِئ " وقياسه التخفيف بجعلها ياء في الشعر وفي غيره، بلى إذا كان نحو الواجي في الوصل كما تقول: مررت بالواجي يا فتى، بجعل الهمزة ياء ساكنة، فهو من هذا الباب وقد أطلق سيبويه وقال: تقلب الهمزة التي تجعل عند أهل التخفيف بين بين ألفاً إذا انفتح ما قبلها، وياء إذا انكسر ما قبلها، وواواً إذا انضم ما قبلها، والحق أن يُقَيَّد - كما قال ابن يعيش - فيقال: الهمزة المفتوحة المفتوح ما قبلها تقلب ألفاً، والمكسورة المكسور ما قبلها تقلب ياء، والمضمومة المضموم ما قبلها تقلب واواً، ولم يقيد ابن يعيش الواو والياء المقلوب إليهما بالسكون، والأولى أن يقال ياءً ساكنة، وواواً ساكنة، كما قدمنا، فعلى هذا لا يقلب نحو لَؤُم وَسَئِمَ، ألفاً، لا في الضرورة ولا في غيرها، وكذا لا يقلب نحو مستهزئون ومِائَة ياءً ساكنة، ونحو سُئِل ومُؤَجل واواً ساكنة قال: " وَالْتَزَمُوا خُذْ وَكُلْ عَلَى غَيْر قِيَاسٍ لِلْكَثْرَةِ، وَقَالُوا مر، وهو أفصح من أومر، وَأَمَّا وَأْمُرْ فَأَفْصَحُ مِنْ وَمُرْ " أقول: هذا كان حقه أن يذكر بعد قوله " والهمزتان في كلمة إن سكنت الثانية وجب قلبها "، لأن أصل خذ وكل ومر أؤخذ وأُؤكل وأؤْمر، وكان القياس قلب الثانية واواً لانضمام ما قبلها، فخففت بغير القلب، وذلك بأن حذفت الثانية لكثرة استعمالها، وعلى كل حال فالحذف أوغل في التخفيف من قلبها واواً، والتزموا هذا الحذف في خذ وكل، دون مُر، فإن الحذف فيه أفصح من القلب، وليس بلازم، هذا إذا كان مبتدأ به، وذلك لكونه أقل استعمالاً من خذ وكل، وأما إذا وقع في الدرج نحو " وأْمر " و " فأْمر " و " قلت لك اؤْمر " فإن إبقاء الهمزة فيه أكثر من الحذف، لأن علة الحذف اجتماع الهمزتين، ولا تجتمعان
في الدرج، وجاز نحو " ومر " و " فمر " أيضاً، على قلة، لأن أصل الكلمة أن تكون مبتدأ بها، فكأنه حذفت الهمزة (في الابتداء) أولاً، ثم وقعت تلك الكلمة المحذوفة الهمزة في الدرج، فبقيت على حالها قال: " وَإِذَا خُفِّفَ بَابُ الأَحْمَرِ فَبَقَاءُ هَمْزَةِ اللاَّمِ أَكْثَرُ، فَيُقَالُ: الَحْمَر وَلَحْمَر، وَعَلَى الأَكْثَرِ قِيلَ: مِنْ لَحْمَرِ، بِفَتْحِ النُّونِ وَفِلَحْمَرِ، بِحَذْفِ الْيَاء، وَعَلَى الأَقَلِّ جَاء (عَادَلُّولَى) وَلَمْ يَقُولُوا: اِسَلْ وَلاَ أُقُلْ لاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ " أقول: يعني إذا نقل حركة الهمزة التي في أول الكلمة إلى لام التعريف قبلها، فتلك اللام في تقدير السكون، لوجوه: أحدها: أن أصل اللام السكون، بخلاف نحو قاف قُلْ، والثاني: كون اللام كلمة أخرى غير التي في أولها الهمزة، فهي على شَرَف الزوال، فكأنها زالت وانتقلت حركة الهمزة التي نقلت إليها إلى الهمزة، وبقيت اللام ساكنة، بخلاف قاف قُلْ، فإنها من كلمة الواو، والثالث: أن نقل حركة الهمزة إلى ما قبلها غير لازم، فكأنها لم تنقل، بخلاف نقل حركة واو قُلْ إلى ما قبلها، وأما سَلْ فحركة السين فيه ليست بلازمة لزومَ حركةِ قاف قُلْ، ولا بزائلة زوال حركة لام الأحمر، لأنه مثل قل في جميع الوجوه، إلا الثالث، فإن نقل الحركة فيه ليس لازماً لزومَ نقل حركة واو أقول، لكنه - وإنلم يلزم لزومه - أكثر من نقل حركة همزة الأحمر، ففي الأحمر بقاء الهمزة أكثر، وفي قُلْ حذف الهمزة واجب، وفي سَلْ وقع الخلاف: أوجبه المصنف كما ترى، وهو مذهب سيبويه، وأجاز الأخفش اِسَلْ، كما تقدم، وهذا كله في قُلْ مبني على أن أصله أقْوُل المأخوذ من تُقْوُلُ قبل نقل حركة الواو إلى القاف، فأما إن قلنا:
إن قل مأخوذ من تَقُول المضموم القاف، فليس هناك همزة وصل حتى تحذف الحركة أو تبقى لعروضها قوله " وعلى الأكثر قيل مِنَ لَحْمَرِ " يعني على جعل اللام في حكم الساكن حركوا النون لالتقاء الساكنين، وحذف ياء " في " لأجله أيضاً، ولو اعْتُدَّ بحركة اللام سكن النون، كما في " مَنْ زيد " ولم تحذف ياء في كما في " في دارك " وحكى الكسائي والفراء أن من العرب من يقلب الهمزة لاماً في مثل هذا، فيقول في الأحمر والأرض: اللَّحْمر، واللَّرْض، ولا ينقل الحركة، محافظة على سكون اللام المعرفة. قوله " وعلى الأقل " أي: على جعل حركة اللام كاللازم ادغموا تنوين " عَادَا " الساكن في لام " الأولى " كما تقول: مَن لك، ولو جعلت اللام في تقدير السكون لحركت النون فقلت: عَادَنِ لُولَى، ولم يجز الإدغام، إذ لا يدغم الساكن في الساكن، وإنما اعتد بحركة اللام - وإن كان على الوجه الأقل - لغرض التخفيف بالإدغام، بخلاف قوله (سِيَرتَهَا الاولى) فان التخفيف يحصل ههنا لعدم الاعتداد بحركة اللام، وهو بحذف ألف (سِيرتَها) للساكنين. قوله " لاتحاد الكلمة " كما ذكرنا في الوجه الثاني. قال: " وَالْهَمْزَتَانِ فِي كَلِمَةٍ إِنْ سَكَنَتِ الثَّانِيَةُ وَجَبَ قَلْبُهَا كآدَمَ وايت وأوتمن، وَلَيْسَ آجَرَ مِنْهُ، لأَنَّهُ فَاعَلَ، لاَ أَفْعَلَ، لِثُبُوتِ يُؤَاجِرُ، ومِمَّا قُلْتُهُ فِيهِ: دَلَلْتُ ثَلاَثاً عَلَى أن يوجر * لاَ يَسْتَقِيمُ مُضَارِعَ آجَرْ فِعَالَةُ جاء الافعال عَزَّ * وَصِحَّةُ آجَرَ تَمْنَعُ آجَرْ وَإنْ تَحَرَّكَتْ وَسَكَنَ مَا قَبْلَهَا كَسَئّالٍ تَثْبُتُ، وَإِنْ تَحَرَّكَتْ وَتَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا قَالُوا: وَجَبَ قَلْبُ الثَّانِيَةِ يَاءً إنِ انْكَسَرَ مَا قَبْلَهَا أَوِ انْكَسَرَتْ،
وَوَاواً فِي غَيْرِهِ نَحْوُ جَاءٍ وَأَيِمَّةٍ وأُوَيْدِمٍ وَأَوَادِمَ، وَمِنْهُ خَطَايَا فِي التَّقْدِير الأَصْلِيِّ، خِلاَفاً لِلْخَلِيل، وَقَدْ صَحَّ التَّسْهِيلُ وَالتَّحْقِيقُ فِي نَحْوَ أيمَّةٍ، وَالْتُزِمَ فِي بَابِ أُكْرِمُ حَذْفُ الثَّانِيَةِ، وحُمِلَ عَلَيْهِ أخَوَاتُهُ، وَقَدِ الْتَزَمُوا قَلْبَهَا مُفْرَدَةً ياء مَفْتُوحَةً فِي بَاب مَطَايَا، وَمِنْهُ خَطَايَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَفِي كلمتين يجوز تحقيقهما، وتخفيفهما، وَتَخْفِيفُ إِحْدَاهُمَا عَلَى قِيَاسِهَا، وَجَاءَ فِي نَحْو يَشَاءُ إلَى الْوَاوُ أيْضاً فِي الثَّانِيَةِ، وَجَاء فِي المتفقتين حذف إحداهما، وقلب الثانية كَالسَّاكِنَةِ " أقول: اعلم أن الهمزتين إذا اجتمعتا، فإما أن يكون اجتماعهما في كلمة أو في كلمتين. فإن كان في كلمة فإما أن تتحرك الأولى فقط، أو تتحرك الثانية فقط، أو تتحركا معاً، وسكونهما معاً لا يجوز. فإن تحركت الأولى فقط دُبّرَتِ الثانية بحركة الأولى: أي قلبَت واواً إن انضمت الأولى كأُوتُمِنَ، وياء إن انكسرت كايِتِ، وألفاً إن انفتحت كآمن، وإنما قلبت الثانية لأن الثقل منها حصل، وإنما دبرت بحركة ما قبلها لتناسب الحركةُ الحرف الذي بعدها، فتخف الكلمة، وإذا دبرت بحركة ما قبلها وليس المتحرك همزة كما في راس وبير وسوت فهو مع كونه همزة أولى. قوله " وليس آجر منه " أي: مما اجتمع فيه همزتان والثانية ساكنة، قال: لأنه من باب فاعَل، لا أفْعَل، واستدل على ذلك بأن مضارعه يؤاجر، لا يؤجر والذي أنشده مِن قِبَلهِ - مع ركاكة لفظه - ليس فيه دليل على مدعاه، أعني أن يُؤجر لا يستعمل في مضارع آجر: قال " فِعَالة جاء " يعني أن مصدر آجر فِعَالة، وفِعَالة مصدر فَاعَل ككاتب كتاباً وقاتل قتالاً، والتاء في إجارة للوحدة، وليس بشئ، لوجهين: أحدهما أنا بينا في باب المصادر أن المرأة إنما تبني في ذوات الزيادة على المصدر المشهور المطرد، فيقال: قاتلت مقاتلة واحدة، ولا يقال: قاتلت قتالة
لأن فِعَالاً ليس بمطرد في فَاعَلَ، وثانيهما أن إجارة لو كان مصدر فَاعَلَ للمرة لجاز آجر لغير المرة، ولم يستعمل إجاراً أصلاً، وأيضاً لم يكن استعمال إجارة إلا للمرة كما لا يستعمل نحو تسبيحة وتقديسه إلا لها. قوله: " والاِفْعَالُ عز " يعني لا يستعمل إيجاراً، وذلك ممنوع، لأن في كتاب العين " آجرت مملوكي أوجره إيجاراً فهو مُؤجَر " وفي أساس اللغة " آجرني داره إيجاراً فهو مُؤْجِر، ولا تقل: مؤاجر، فإنه خطأ قبيح " قال: " وليس آجر هذا فاعَلَ، بل هو أفعل، وإنما الذي هو فاعَلَ آجر الأجير مؤاجرة، كقولك: شاهره وعاومه " وفي باب أفعل من جامع الغوري " آجره الله تعالى: لغة في أجَرَه مقصوراً " وفي باب فاعل منه " آجره الدار " وهكذا في ديوان الأدب، قلت: فآجره الدار من فاعل ممنوع عند صاحب الأساس جائز عند الغوري، والحق ما في أساس اللغة، لأن فاعَلَ لا يعدى إلى مفعولين إلا الذي كان يعدى في الثلاثي إلى مفعول، كنَزَعْتُ الحديث ونازعته الحديث، فآجر المتعدي إلى مفعولين إذن من باب الإفعال، فآجرتك الدار إيجاراً، مثل أكريتك الدار، وآجرت الأجير مؤاجرة: أي عقدت معه عقد الإجارة، يتعدى إلى مفعول واحد، وكأن الإجارة مصدر أجَرَ يأجُر إجارة نحو كتب يكتب كتابة: أي كان أجيراً، قال تعالى: (على أن تأجرني ثمانى حجج) ، فالإجارة كالزراعة والكتابة، كأنها صنعة، إلا أنها تستعمل في الأغلب في مصدر آجر أفعَل، كما يقام بعض المصادر مقام بعض نحو (تبتل إليه تبتيلا) والأجير من أجر يأجُر قوله: " وصحة آجر تمنع آجر " أي: صحة آجر فاعل تمنع آجر أفْعَلِ، قال في الشرح: " أي أن آجر فاعل ثابت بالاتفاق، وفاعل ذو الزيادة لابد أن يكون مبنياً من أجَرَ الثلاثي لا آجر الذي هو أفعل، فيثبت أَجَرَ الثلاثي، ولا يثبت آجر أفعل " هذا كلامه، يا سبحان الله! ! كيف يلزم من عدم بناء فاعل
من أفعل أن لا يكون أفعل ثابتاً؟ وهل يجوز أن يقال: أكرم غير ثابت، لأن كارم غير مبنى بل من كَرُمَ؟ وإذا تقرر ما ذكرنا ثبت أن أفعل وفاعل من تركيب (أج ر) ثابتان، وكل واحد منهما بمعنى آخر، فأفعل بمعنى أكرى، وفاعل بمعنى عقد الإجارة هذا، وإن سكنت الأولى وتحركت الثانية، فإن كان ذلك في صيغة موضوعة على التضعيف، كَسَئَّال وسُؤَّال، وجب الإدغام محافظة على وضع الصيغة، ولا يكون ذلك إلا إذا اتصلت الأولى بالفاء، وذلك أن الهمزة ثقيلة، ولا سيما ما ضعف منها، فإذا وليت الأولى أول الكلمة خفت، وأما في غير ذلك فلا يجوز، فلا يبني من قرأ نحو قُمَدِّ (1) ولا فِلِزٍّ (2) ، ويجوز اجتماعهما مع سكون الأولى وتحرك الثانية في صيغة غير موضوعة على التضعيف، وعند ذلك تقلب الثانية ياء، ولا تدغم، نحو قِرَأْيٍ، على وزن سِبَطْرٍ (3) من قرأ، ولا يخفف بنقل حركة الثانية إلى الأولى وحذفها كما في مَسَلة، لأن تلك في حكم الثانية فإن تحركتا قلبت الثانية وجوباً، ثم إن كانت الثانية لاماً قلبت ياء مطلقاً، بأي حركة تحركتا، لأن الآخر محل التخفيف، والياء أخف من الواو، وأيضاً فمخرج الياء أقرب إلى مخرج الهمز من مخرج الواو، فتقول في مثل جعفر من قرأ: قَرْأَى، قَرْأَيَان، قَرْأَوْن. وقَرْآة، وقَرْآتان، وقَرْأيات. وإن لم تكن الثانية لاماً
فإن كانت مكسورة قلبت ياءً أيضاً، بأي حركة تحركت الأولى: بالفتحة نحو أيِمة أيِنُّ، أو بالكسر كما إذا بنيت من الأنين مثل إجْرِد (1) قلت: إِيِنُّ، وكذا لو بنيت مثل أُكْرِمَ منه قلت: أُيِنَّ، مراعاة لحركتها، ألا ترى أنك تجعلها بين الهمزة والياء في مثل هذه المواضع، إذا قصدت تخفيفها وليس قبلها همزة كما في سَئِم وسُئِل ومُسْتَهْزِئين، وتقول عند الأخفش في أُيِنَّ: أُوِن، كما ذكرنا من الخلاف في نحو سُئِل، وإن كانت مضمومة جعلتها واواً صريحة مطلقاً قياساً على التسهيل، فتقول في حكاية النفس من يَؤُبُّ: أوُبّ، ومن يَؤُم: أوُم، بواو خالصة، وفي مثل أُبْلُم (2) من أمّ: أُوُمّ، ولا يوجد مضمومة مكسور ما قبلها في كلامهم، ولو جاء إفْعُل - بكسر الهمزة وضم العين - لقلت من أم: إوُمّ عند سيبويه بالواو، وإيُم بالياء عند الأخفش كما ذكرنا في مستهزئون، وإن كانت مفتوحة فإن كانت بعد كسرة جعلتها ياء كما في نحو بئر (3) ، فتقول في نحو إصبع من أم: إيم، وإن كانت بعد ضمة جعلتها واوا، كما في جون (4) ، فتقول في تصغير آدم: أُوَيْدِم، وإن كانت بعد فتحة قلبتها واواً أيضاً عند غير المازني، فتقول في أفْعَل منك مِن الأَم، أوَم، وكذا أوَرُّ، من (8) الأر، وعند المازني: أيَمّ وأَيَرُّ، ولعله نظر إلى أن القياس على
تسهيلها محال ههنا، إذ الهمزة في مثله تُسَهَّل بين الهمزة والألف، وقلب المتحركة ألفاً متحركة محال، فوجب قلبها لاجتماع همزتين: إما إلى الياء، أو إلى الواو، والياء أخف فقلبت إليه، وغيره نظر إلى حال التسهيل فقلبها ألفاً، ثم لما كان الألف إذا وجب تحريكها ولم تجعل همزة كما جعلت في قائل ورداء قلبت واواً كما في خَوَاتم وخَوَيْتِم قلبت الألف المنقلبة عن الهمزة واواً، فقال: أوَمّ، وأما نحو أوَادِمَ في جميع آدَمَ فلا يخالفهم فيه (1) المازني، لأن الهمزة الثانية وجب قلبها في المفرد ألفاً وهو آدم، فصار كألف عالم وخاتم وحائط، والهمزة المقلوبة واواً أو ياء وجوباً حكمُهَا حكم الواو والياء، كما ذكرنا في أول الكتاب، ويقول المازني في تصغير أيمة: أيَيْمَّة، وفى جمعه أيَامُّ، بالياء فيهما، وكذا يقول هو في تصغير أيَمّ أفعل التفضيل عنده من أم: أُيَيْمّ، بالياء، وكل ذلك مراعاة للمكبر فيهما والمفرد في أيامّ، ويوافقهم في تصغير آدم على أوَيْدم، وغيره لا يراعى حال الأصل إذا زال علة القلب في الفرع، فيقول: أوَيْمَّة وأوامّ، في تصغير أيمة وتكسيره، وإن
كانت المفتوحة بعد كسرة قلبت ياء كما في مائة، فتقول: إيَنٌّ على مثال إصْبَعٍِ من الأنين وجاء في الهمزتين المتحركتين في كلمة وجهان آخران: أحدهما ما ذكره أبو زيد عن بعض العرب أنهم يحققون الهمزتين معاً، قال: سمعت من يقول: اللهم اغفر لي خطائئي، كخطاياي بمعنى، وكذا دريئة (1) ودَرَأئئي، وقرأ جماعة من القراء - وهم أهل الكوفة وابن عامر - (أئمة) بهمزتين، وثانيهما تخفيف الثانية كتخفيف الهمزة المتحركة المتحرك ما قبلها إذا لم يكن همزة سواء، فيقول في " أئمة ": أيمة، يجعلها بين الهمزة والياء كما في سَئم، وكذا في نحو أؤمُّكَ، وغير ذلك وفي هذين الوجهين - أعني تحقيقهما وتسهيل الثانية - زاد بعضهم ألفاً بين الأولى والثانية، إذا كانت الأولى مبتدأ بها، لكراهة اجتماع الهمزتين أو شبه الهمزتين في أول الكلمة، واجتماع المثلين في أول الكلمة مكروه، ألا ترى إلى قولهم: أواصل وأوايصل؟ وإذا اجتمع في كلمة همزتان وبينهما ألف لا تقلب واحدة منهما اعتداداً بالفاصل، ألا ترى إلى مذهب من أراد الجمع بينهما بلا تخفيف كيف يزيد بعضهم ألف الفصل، فيقول أائِمَّة، حتى لا يكون اجتماع همزتين، فكيف لا يعتد بالألف الموجودة فاصلا؟ وأما قلب همزة ذوائب واواً على سبيل الوجوب فلكونه أقصى الجموع، ولكون واحده - أي ذؤابة (2) - مقلوباً همزته في الأغلب واواً
كما هو قياس التخفيف في مثله، ومع هذا كله التزام القلب في هذا الجمع على غير قياس، ورآه الأخفش قياساً، تقلب الهمزة الأولى عنده في مثله واواً وجوباً، لاجتماع الهمزتين، والفاصل ضعيف، وليس بوجه، لأن القياس مع اجتماع الهمزتين تخفيف الثانية لا الأولى قوله " جاء وأيمة " قد مضى شرحهما في أول الكتاب قوله " أويدم وأوَادم " أي: في تصغير آدم وجمعه، إذا سميت به، فإن لم تسم به فجمعة أُدْمٌ قوله " وقد صح التسهيل والتحقيق في أئمة " أي: في القراءة، ولم يجئ في القراءة قلب الهمزة الثانية في أئمة ياء صريحة، كما هو الأشهر من مذهب النحاة، بل لم يأت فيها إلا التحقيق أو تسهيل الثانية، وقد ذكرنا أن هذين الحكمين لا يختصان عند بعضهم بأئمة، بل يجريان في كل متحركتين، لكن الأشهر عند النحاة قلب الثانية ياء صريحة قوله " ومنه خطايا في التقدير الأصلي " أي: من اجتماع الهمزتين في كلمة، وذلك أنه جمع خَطِيئة، وياء فعيلة تقلب في الجمع الأقصى همزةً، كما يجئ في باب الإعلال، نحو كبيرة وكبائر، فصار خطائئ عند سيبويه، فقلبت الثانية ياء، لما ذكرنا أن قياس همزتين في كلمة قلبُ الثانية ياء إذا تطرفت، فصار خطائي، وليس غرضه ههنا إلا اجتماع همزتين في خطايا في الأصل عند سيبويه، فقلبت ثانيتهما ياء، وأما قلب الأولى ياء مفتوحة فسيجئ عن قريب، وأما الخليل فإنه يقول أيضاً: أصله خطايئ بياء بعدها الهمزة، لكنه يقلب فيجعل الياء موضع الهمزة والهمزة موضع الياء، كما مر في أول الكتاب في نحو جاءٍ قوله " والتزم في باب أُكرِمُ حذف الثانية " القياس فيه قلب الثانية واواً
كما في أُوَيْدم، لكنه خففت الكلمة بحذف الثانية، لكثرة الاستعمال، كما خففت في خُذْ وكُلْ بالحذف، والقياس قلبها واواً، ثم حُمِل أخواته من تُؤَكرم وَيُؤَكرم عليه، وإن لم يجتمع الهمزتان قوله " وقد التزموا قلبها مفردة ياء مفتوحة في باب مَطَايا " أعلم أن الجمع الأقصى إذا كان آخره ياء ما قبلها همزة لا يخلو من أن يكون في مفرده ألف ثانية بعدها همزة أصلية كشائية من شَأَوْت، أو منقلبة كشَائِية من شِئت أو واو كشَاوية من شَوَيْت، أو ألف ثالثة بعدها واو كإِدَاوَة وهِرَاوة، أو ياء كَدَوَاية وَسِقَاية، أو لم يكن مفرده على شئ من هذه الأوجه: سواء كان لامه همزة كخطيئة، أو لم يكن كَبَلِيَّة فالأصل في جميع جُموع هذه المفردات تخفيف الثقيلين وجوباً، أعني الياء المكسور ما قبلها والهمزة، وذلك لكون الوزن وزن أقصى الجموع، وكون هذين الثقيلين في آخره الذي هو موضع التخفيف، وتخفيفهما بأن تقلب الياء ألفاً، والكسرة قبلها فتحة، وتقلب الهمزة ياء، وإذا قلبت الياء ألفاً جوازاً في نحو مَدارَى، مع أن ما قبل الياء ليس همزة، فالوجه وجوب القلب ههنا، لثقل الهمزة، وإنما قلبت الهمزة ياء دون الواو لكونها أخف منها وأقرب مخرجاً إلى مخرج الهمزة منها، وإنما قلبت في نحو " حَمْرَاوَانِ " واواً في الأغلب، لا ياء، طلباً للاعتدال، لأن الياء قريبة من الألف، فكأن إيقاع الياء بين الألفين جمعٌ بين ثلاث ألفات، فاستريح من توالي الأمثال إلى الواو مع ثقلها، لخفة البناء، أو لعدم لزوم اكتناف الألفين للواو في المثنى، إذ ألف التثنية غير لازمة، فلا يلزم الواو العارضة بسببها، ولما لزمت ألف التثنية في ثِنَايَان (1) بقيت الياء بحالها، وأما في الجمع الأقصى فلا
تقلب واواً، لثقل البناء، ولزوم اكتناف الألفين، فيلزم الواو لو قلبت إليها، وقد جاء في جمع هَدِيَّة هَدَاوى كما في حَمْرَاوَان، وهذا شاذ، إلا عند الأخفش، فإنه رآه قياساً كما في حمراوان وخولف الأصل المذكور في موضعين: أحدهما إذا كان في مفرده ألف بعده همزة نحو شائية من شَأَوْت أو من شِئْت، فتركت الهمزة والياء بحالهما، فقيل: هؤلاء الشَّوَائِي، مراعاة في الجمع للمفرد، كما روعي في نحو حَبَالي وخَنَاثي، كما مر في باب الجمع، وثانيهما إذا كان في مفرده ألف ثالثة بعدها واو، نحو أَدَاوَى وعلاوى فقلبت الهمزة، لكن إلى الواو لا إلى الياء، لمراعاة المفرد أيضاً، وكان على هذا حق ما في مفرده ألف ثانية بعدها واو، كَشوَايا جمع شاوية، أن يراعي مفرده فيقال: شَوَاوِي، لكن لما كان أصله شَوَاوِي، فقلبت الواو التي بعد الألف همزة كما في أواول، لا كتناف حرفي العلة لألف الجمع، لم يقلب الهمزة بعده واواً، لئلا يكون عَوْداً إلى ما فر منه، فرجع فيه من مراعاة المفرد إلى الجري على الأصل من قلب الهمزة ياء، فقيل: شَوَايَا، في جمع شاوية، وكذا في الجمع الذي في مفرده ألف بعده الياء كالدَّوَاية وَالسِّقَاية لو جمعتا هذا الجمع قيل: دَوَايا وسَقَايا، والياء في هذا أولى لوجهين: لمراعاة المفرد، وللجري على الأصل، وكذا تقول في الجمع الذي ليس في مفرده ألف بعده همزة أو ياء أو واو فقلبت الهمزة ياء والياء ألفاً، كَخَطَايَا وَبَلاَيَا وَبَرَايَا في جمع خطيئة وَبَلِيَّة وبَرِيَّة، وقد جاء فيه هدية وَهَدَاوَى، كما ذكرنا فإذا تقرر هذا فاعلم أن الألف في هذه الجموع كلها مجتلبة للجمع، ولم تكن في المفرد، والهمزة بعد الألف في شَوَاءٍ جمع شائية من شأوت هي الأصلية التي
كانت في المفرد، وفي شوَاء من شِئْتُ عارضة في الجمع عروضها في المفرد، والألف التي كانت في مفرديهما قلبت في الجمع واواً، وكذا ألف شاوية قلبت في الجمع واواً، أعني شَوَايَا، وقلبت واو المفرد التي كانت بعد الالف شاوية همزة كما في أوائل، ثم قلبت الهمزة ياء مفتوحة كما ذكرنا، والألف التي كانت في إداوة قلبت في الجمع همزة كما في رسائل وقلبت واوه ياء لانكسار ما قبلها، ثم قلبت الهمزة ياء (1) مفتوحة والياء ألفاً، كما في سِقَأيَة لو قيل: سَقَايَا، والياء في خطيئة تقلب همزة عند سيبويه: كما في صحائف، فيجتمع همزتان، فتقلب الثانية ياء، وتقلب الأولى ياء مفتوحة، كما في بَلاَيَا ونحوها، وتقلب الياء التي بعدها ألفاً، لأن الياء المنقلبة عن همزة على وجه الوجوب حكمها حكم الياء الأصلية، والهمزة الثانية ههنا واجبة القلب إلى الياء، لكونها متطرفة، كما سبق تحقيقه في هذا الباب، فَخَطَايَا كهَدَايَا، قلبت ياؤها - أي الحرف الأخير - ألفاً، وقال الخليل: أصله خطايئ بالهمزة بعد الياء التي كانت في الواحد، فجعلت الياء في موضع الهمزة والهمزة في موضع الياء، ثم قلبت الهمزة التي كانت لام الكلمة ياءً مفتوحةً، فوزنه (2) فوَالِع، فقول المصنف " ومنه خطايا على القولين " أي: من باب قلب الهمزة المفتوحة ياء مفتوحة على قول الخليل وسيبويه واعلم أنه إذا توالى في كلمة أكثر من همزتين أخذت في التخفيف من الاول
فخففت الهمزة الثانية، ولم تبتدئ في التخفيف من الآخر، كما فعلت ذلك في حروف العلة في نحو طَوى وَنَوَى، وذلك لفرط استثقالهم لتكرار الهمزة، فيخففون كل ثانية إذ نشأ منها الثقل، إلى أن يصلوا إلى آخر الكلمة فإن بنيت من قَرَأَ مثل سفرجل قلت: قَرَأْيَأ، حقَّقْت الأولى، وقلبت الثانية التي منها نشأ الثقل، وإنما قلبتها ياء، لا واواً، لكونها أقرب مخرجاً إلى الهمزة من الواو، وصححت الأخيرة لعدم مجامعتها إذن للهمزة وإن بنيت مثل سَفَرْجَل من الهمزات قلت: أَوَأْيأ، على قول النحاة، وأَيَأْيَأ، على قول المازني، كما ذكرنا في قولك: هو أيَمّ منك، فتحقيق الأولى هو القياس، إذ الهمزة الأولى لا تخفف، كما مر، وأما تحقيق الثالثة فلأنك لما قلبت الثانية صارت الثالثة أولى الهمزات، ثم صارت الرابعة كالثانية مجامعة للهمزة التي قبلها، فخففت بقلبها ياء، كما ذكرنا في قرأيأ، ثم صارت الخامسة كالأولى ولو بنيت منها مثل قرطعب (1) قلت: إيئاء، قلبت الثانية ياء كما في إيت، والرابعة ألفا كما في آمن، وتبقى الخامسة بحالها كما في راء وشاء ولو بنيت منها مثل جَحْمَرِش قلت: أاأَيِئ، قُلبت الثانية كما في آمن، والرابعة كما في أيمة، وتبقى الخامسة بحالها، لعدم مجامعتها الهمزة ولو بنيت مثل قُذَعْمِلٍ قلت: أُوَأْيِئ، قلبت الثانية كما في أُوَيْدم، والرابعة كما في قِرَأى، وتبقى الخامسة بحالها فإن اجتمعت الهمزتان في كلمتين والثانية لا محالة متحركة، إذ هي أول الكلمة، فإن كانت الأولى مبتدأ بها، كهمزة الاستفهام، فحكمها حكم الهمزتين
في كلمة إذا كانت الأولى مبتدأ بها كأيمة وايتمن، فلا تخفف الأولى إجماعاً، وتخفف الثانية كما ذكرنا من حالها في كلمة سواء، إلا أن تحقيق الثانية ههنا أكثر منه إذا كانتا في كلمة، لأن همزة الاستفهام كلمة برأسها، وإن كانت من حيث كونُها على حرف كجزء مما بعدها، فَمَن فَصَل هناك بالألف بين الهمزتين المتحركتين: المحققتين، أو المسهلة ثانيتهما نحو أيِمّة، فصَل ههنا أيضاً، ومن لم يفصل هناك لم يفصل ههنا أيضاً. قال: 136 - أيَا ظَبْيَةَ الْوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلاَجِلٍ * وَبَيْنَ النَّقَا آآنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِم (1) وقال: 137 - حُزُقٌّ إِذَا ما الناس أبدوا فكاهة * تفكرا إياه يَعْنُونَ أَمْ قِرْدَا (2) وإذا كانت الأولى همزة استفهام والثانية همزة وصل، فإن كانت مكسورة أو مضمومة حذفت، نحو أصْطَفَى وأَصْطُفيَ، وإلا قلبت الثانية ألفاً، أو سهلت كما
تقدم، وإن لم تكن الأولى ابتداء - وذلك في غير همزة الاستفهام، ولا تكون الثانية إلا متحركة كما قلنا - فالأولى: إما أن تكون ساكنة أو متحركة، وفي كلا الوجهين قال سيبويه: إن أهل التحقيق - يعني غير أهل الحجاز - يخففون إحداهما ويستثقلون التحقيق فيهما، كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة، قال: ليس من كلام العرب أن تلتقي الهمزتان فتحققا، فإن كانتا متحركتين فمنهم من يخفف الأولى دون الثانية، لكونها آخر الكلمة والأواخر محل التغيير، وهو قول أبي عمرو، ومنهم من يخفف الثانية دون الأولى، لأن الاستثقال منها جاء، كما فعلوا في الهمزتين في كلمة، وهو قول الخليل، وقد اختار جماعة وهم قُرّاء الكوفة وابنُ عامر التحقيقَ فيهما معاً، كما فعلوا ذلك بالهمزتين في كلمة، وهو ههنا أولى، لافتراق الهمزتين تقديراً، وأما أهل الحجاز فيستعملون التخفيف فيهما معاً كما فعلوا ذلك في الهمزة الواحدة، فمن خفف الأولى وحدها فكيفيته ما مر من الحذف أو القلب أو التسهيل، كما مر في الهمزة المفردة فليرجع إليه، ومن خفف الثانية وحدها كانت كالهمزة المتحركة بعد متحرك، فيجئ الأوجه التسعة المذكورة، فليرجع إلى أحكامها، فهي هل بعينها، فيجئ في " يشاء إلى " المذاهب الثلاثة في الثانية: بين بينَ المشهورُ، والبعيدُ، وقلبها واواً، وفي نحو هذا ءأمك (1) : التسهيل المشهورُ، والبعيدُ، وقلبُها ياء. ونقل عن أبي عمرو حذفُ أولى المتفقتين، نحو أَوْلِياءُ أولئك، و (جاء أشراطها) ، ومن السَّماء إنْ. ونقل عن ورش وقُنْبل (2) في ثانية
الإعلال
المتفقتين قلبها حرف مد صريحاً: أي ألفاً إن انفتحت الأولى، وواواً إن انضمت وياء إن انكسرت، وهذا معنى قوله " وجاء في المتفقتين حذف إحداهما، وقلب الثانية كالساكنة " ومن خففها معاً - وهم أهل الحجاز - جمع بين وجهي التخفيف المذكورين الآن. وأما إن كانت الأولى ساكنة نحو اقرأ آية، وأقْرِئْ أباك السلام، ولم يردُؤ أبوك، ففيه أيضا أربعة مذاهب: أهلُ الحجاز يخففونهما معاً، وغيرهم يحققون: إمّا الأولى وحدها، أو الثانية وحدها، وجماعة يحققونها معاً - كما ذكرنا في المتحركتين - وهم الكوفيون، وحكى أبو زيد عن العرب مذهباً خامساً، وهو إدغام الأولى في الثانية كما في سائر الحروف، فمن خفف الأولى وحدها قلبها ألفاً إن انفتح ما قبلها، وواواً إن انضم، وياء إن انكسر، ومن خفف الثانية فقط نقل حركتها إلى الأولى الساكنة وحذَفها، وأهل الحجاز المخففون لهما معاً قلبوا الأولى ألفاً أو ياء أو واواً، وسهلوا الثانية بينَ بينَ إذا وليت الالف، لامتناع النقل إلى الالف، وحذفوها بعد نقل الحركة إلى ما قبلها إذا وليت الواو والياء، لإمكان ذلك، فيقولون: اقْرَا آية، بالألف في الأولى والتسهيل في الثانية، وأقْرِيَ أباك، بالياء المفتوحة بفتحة الهمزة المحذوفة، ولم يردوا أبوك، بالواو المفتوحة، وعليه قس نحو لم تَردُوُ امُّك، ولم تَرْدُوِ ابِلُكَ، وغير ذلك، وكذا إذا كانت الثانية وحدها ساكنة، نحو من شاءَ ائْتُمِنَ، فلا بد من تحريك أولاهما فيصير من هذا القسم الاخير. قال: " الإِعْلاَلُ: تَغْييرُ حَرْفِ الْعِلَّةِ لِلتَّخْفِيفِ، وَيَجْمَعُهْ الْقَلْبُ، وَالْحَذْفُ، وَالإْسْكانُ. وَحُرُوفُةُ الأَلفُ، وَالْوَاوُ، وَالْيَاءُ. وَلاَ تكون الالف أصلا في الْمُتَمَكِّن وَلاَ فِي فِعْلٍ، وَلَكِنْ عَنْ وَاو أَوْ يَاءِ " أقول: اعلم أن لفظ الإعلال في اصطلاحهم مختص بتغيير حرف العلة: أي
الألف والواو والياء، بالقلب أو الحذف، أو الإسكان. ولا يقال لتغيير الهمزة بأحد الثلاثة: إعلال، نحو رَاسٍ ومَسَلَةٍ والمِرَاةِ، بل يقال: إنه تخفيف للهمزة، ولا يقال أيضاً لإبدال غير حروف العلة والهمزة، نحو هِيَّاك وعَلِجِّ (1) في إيّاكَ وعَلِيٍّ. ولا لحذفها نحو حرفي حِرْح، ولا لإسكانها نحو إبْلٍ في إبِل، ولفظ القلب مختص في اصطلاحهم بإبدال حروف العلة والهمزة بعضها مكان بعض، والمشهور في غير الأربعة لفظ الإبدال، وكذا يستعمل في الهمزة أيضاً قوله: " للتخفيف " احتراز عن تغيير حرف العلة في الأسماء الستة نحو أبوك وأباك وأبيك، وفي المثنى وجمع السلامة المذكر نحو مُسلمان وَمُسلِمَيْن، ومَسلِمُون ومسْلِمِين، فإن ذلك للإعراب لا للتخفيف، وقد اشتهر في اصطلاحهم الحذف الإعلالي للحذف الذي يكون لعلة موجبة على سبيل الإطراد، كحذف ألف عصاً وياء قاضٍ، والحذف الترخيميُّ والحذفُ لا لعلة غير المطرد، كحذف لام يدودم وإن كان أيضاً حذفا للتخفيف قوله " ويجمعه القلبُ، والحذفُ، والإسكانُ " تفسيره كما ذكرنا في تخفيف الهمزة في قوله " يجمعه الإبدال، والحذف، وبين وبين " قوله: " وحروفه الألف، والواو، والياء " أي: حروف الاعلال، تسمى
الثلاثة حروف العلة، لأنها تتغير ولا تبقى على حال، كالعليل المنحرف المزاج المتغير حال بحال، وتغيير هذه الحروف لطلب الخفة ليس لغاية ثقلها بل لغاية خفتها، بحيث لا تحتمل أدنى ثقل، وأيضاً لكثرتها في الكلام، لأنه إن خلت كلمة من أحدها فخلوها من أبعاضها - أعني الحركات - محال، وكلُّ كثير مستثقلٌ وإن خف قوله " ولا تكون الالف أصلا في المتمكن ": أما في الثلاثي فلأن الابتداء بالألف محال والآخر مورد الحركات الإعرابية، والوسط يتحرك في التصغير، فلم يمكن وضعها ألفاً، وأما في الرباعي فالأول والثاني والرابع لما مر في الثلاثي، والثالث لتحركه في التصغير، وأما في الخماسي فالأول والثاني والثالث لما مر في الثلاثيِّ والرباعيِّ، والخامسُ لأنه مورد الإعراب، والرابعُ لكونه معتقب الإعراب في التصغير والتكسير، وأما في الفعل الثلاثي فلتحرك ثلاثتها في الماضي، وأما في الرباعي فلاتباعه الثلاثيّ وقد ذكر بعضهم أن الألف في نحو حاحيت وعاعيت غير منقلبة كما مر في باب ذى الزيادة (1)
[ ... ]
[ ... ]
قال: " وقد اتفقتا فاءين كوعد وَيُسْر، وَعَيْنَينِ كَقُوْل وَبَيْع، وَلاَمَيْنِ كَغَزو وَرَمْيٍ، وعينا وَلاَماً كَقُوَّةٍ وَحَيَّةٍ، وَتَقَدَّمَتْ كُلُّ واحدة عَلَى الأُخْرَى: فَاءً وَعَيْناً كَيَوْم وَوَيْلٍ، وَاخْتَلَفَتَا فِي أَنَّ الْوَاوَ تَقَدَّمَتْ عَيْناً عَلَى الْيَاءِ لاَماً، بِخِلاَفِ الْعَكْسِ، وَوَاوُ حَيَوَانٍ بَدِّلٌ مِنَ الْيَاء، وَأَنَّ الْيَاءَ وَقَعَتْ فَاءً وَعَيْناً فِي يين،
وَفَاءً وَلاَماً فِي يَدَيْتُ، بِخِلافِ الْوَاوِ، إلاَّ فِي أَوَّلَ عَلَى الأَصَحِّ، وَإلاَّ فِي الْوَاوِ عَلَى وَجْهٍ، وَأَنّ الْيَاءِ وَقَعَتْ فَاءً وَعَيْناً ولاما في يبيت، بِخِلاَفِ الْوَاوِ إلاَّ فِي الْوَاوِ عَلَى وَجْهٍ " أقول: اعلم أن كون الفاء ياء والعين واواً لم يسمع إلا في يَوْم ويُوح (1) ، ولم يسمع العكس إلا في نحو وَيْل (2) وَوَيْح (3) وَوَيْس (4) ووَيْب (5) ، واتفقتا أيضاً في كونهما عيناً ولاماً كَقَوٍّ (6) وَبَوِّ (7) وَحَيٍّ وَعِيٍّ (8) ، وكلاهما قليلان قلة كون العين واللام حلقيين كلحِحَ (9) وَبَعَّ (10) وبخ (11) ، وأهمل كونهما
همزتين، وندر كونهما هاءين، نحو قَةَ (1) وَكَهَّ (2) في وجهي، وكون الواو عيناً والياء لاماً نحو طويت أكثر من كون العين واللام واوين كَقُوَّة، فالحمل على الأول عند خفاء الأصل أولى، فيقال: إن ذا في اسم الإشارة أصله ذَوَى لا ذَوَو (3) قوله " الواو تقدمت عيناً على الياء لاماً " هو كثير: (نحو) طَوَيْت وَنَوَيْت وَغَوِيتُ، بخلاف العكس: أي لم يأت العين ياء واللام واواً، لأن الوجه أن يكون الحرف الأخير أخف مما قبله، لتثاقل الكلمة كلما ازدادت حروفها، والحرف الأخير معْتقَب الإعراب قوله " وواو حيوان بدل من ياء " عند سيبويه وأصحابه، أبدلت منها لتوالى الياءين، وأبدلت الثانية، لأن استكراه التتالي إنما حصل لأجلها، وأيضاً لو أبدلت العين واواً لحمل على باب طَوَيْت الكثيرِ، وظن أنها أصل في موضعها، لكثرة هذا الباب، فلما قلبت الثانية واواً صارت مستنكرة في موضعها، فيتنبه بذلك على كونها غير أصل، وقال المازني: واو حَيَوان أصل، وليس في حَيِيتُ دليل على كون الثانية ياء، لجواز أن يكون كشقيت ورضيت، قلبت ياء لانكسار ما قبلها، لكن سيبويه حكم بما حكم لعدم نظيره في كلامهم لو جعل الواو أصلاً. قوله " وأن الياء وقعت فاء وعينا في يين " هو وادٍ ولا أعلم له نظيرا
قوله " إلا في أوَّل على الأصح " يعني أن فاءه وعينه واوان أيضاً على الأصح، كما مر (1) فالحق أن الواو والياء متفقتان ههنا في كون كل واحدة منهما فاء وعيناً، كل واحدة منهما في كلمة واحدة فقط (2) ، وكون الفاء والعين من جنس واحد قليل نادر في غير حروف العلة أيضاً نحو بير (3) لا لتقاء مثلين مع تعذر إدغام أولهما في الثاني، وتقل الكراهة شيئاً بوقوع فصل نحو كَوْكَب، وبحصول موجب الإدغام كما في أوَّل قوله " وفاء ولاما في يَدَيْت " أي: أصبت يده، وأنعمت قوله " إلا في الواو على وجه " ذهب أبو علي إلى أن أصل واو وَيَو لكراهة بناء الكلمة عن الواوات، ولم يجئ ذلك في الحرف الصحيح إلا لفظة بَبِّه (4) ، وذلك لكونها صوتاً، وذهب الأخفش إلى أن أصله وَوَو، لعدم تقدم الياء عيناً على الواو لاما، فتقول على مذهب أبي علي: وَيَّيْتُ واواً، قلبت الواو الأخيرة ياء كما في أعْلَيْت، وتقول في مذهب الأخفش: أوَّيْتُ، وقال ثعلب: وَوَّيْتُ، ورده ابن جني، وهو الحق، وذلك لأن الاستثقال في وَوَّيْت أكثر منه في وَوَاصل، لاجتماع ثلاث واوات واعلم أن تماثل الفاء واللام في الثلاثي قليل، وإن كانا صحيحين أيضاً كَقَلًق وَسَلَس. قوله " وأن الياء وقعت فاء وعينا ولاما في يَيَّيْتُ " مذهب أبي علي أن
أصل الياء يَوَى، فتقول: يَوَّيْت ياء حسنة: أي كتبت ياء، وعند غيره أصله يَيَي، وكذا الخلاف بينهم في جميع ما هو على حرفين من أسماء حروف المعجم ثانية ألف، نحو باتا ثا را، فهم يقولون: بَيَّيْت وتييت وثييت، إلى آخرها، وقال أبو علي: بَوَّيْتُ إلى آخرها، وعند أبي على جمعها: أَبْوَاء وأَتْوَاء وعند غيره: أَبْيَاء وَأَتْيَاء، وإنما حكموا بذلك لورود الإمالة في جميعها، وليس بشئ، لأنه إنما تمال هذه الأسماء وهي غير متمكنة فألفاتها في ذلك الوقت أصل، كألف ماولا، وإنما يحكم على ألفاتها بكونها منقلبة إذا زيد على آخرها ألف أخرى وصيرت همزة، قياساً على نحو رداء وكساء، وذلك عند وقوعها مركبة معربة، فألحقوا إذن ألفاتها بألفات سائر المعربات في كونها منقلبة، وهي لا تمال ألفها إذن، كما مر في باب الإمالة (1) ، فلا دلالة إذن في إمالتها قبل التركيب على كون ألفاتها بعد التركيب في الأصل ياء، وإنما حكم أبو علي بكونها واواً وبأن لامها ياء لكثرة باب طَوَيْت ولويت، وكونه أغلب من باب قُوَّة وَحَييت، وأما حيوان فواوه ياء على الأصح، كما مر، وما ثانية ألف من هذه الأسماء وبعده حرف صحيح نحو دال ذال صاد ضاد كاف لام فقبل إعرابها وتكريبها لا أصل لألفاتها، لكونها غير متمكنة في الأصل، كما مر، وأما بعد إعرابها فجعلها في الأصل واواً أولى من جعلها ياء، لأن باب دار ونار أكثر من باب ناب وغاب، فتقول: ضَوَّدْتُ ضاداً، وكَوَّفت كافاً، وَدَوَّلت دالاً، والجمع أضواد وأكواف وأدوال، وأما جيم وشين وعَيْن فعينها ياء نحو بَيْت ودِيك، إذ الياء موجودة، ولا دليل على كونها عن الواو، ويجوز عند سيبويه أن يكون أصل جيم فُعْلاً - بضم الفاء، وفِعْلاً - بكسرها - خلافا للاخفش (2)
قال: " الفاء: تُقْلَبُ الْوَاوُ هَمْزَةً لُزُوماً فِي نَحْوِ أَوَاصِلَ وَأُوَيْصِلٍ، وَالأُوَلِ، إِذَا تَحَرَّكَتِ الثَّانِيَةُ، بِخِلاَفِ وُورِيَ، وَجَوَازاً فِي نَحْوِ أجُوهٍ وَأُورِيَ، وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: وَفِي نَحْوِ إشَاحٍ، وَالْتَزَمُوهُ فِي الأَولَى حَمْلاً عَلَى الأَوَلِ، وأما أُنَاةٌ وَأَحَدٌ وَأَسْمَاءُ فَعَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ ". أقول: اعلم أنهم استثقلوا اجتماع المثلين في أول الكلمة، فلذلك قل نحو ببر وددن، فالواوان إذا وقعتا في الصدر - والواو أثقل حروف العلة - قلبت أولاهما همزة وجوباً، إلا إذا كانت الثانية مدة منقلبة عن حرف زائد، نحو وُورِيَ في وَارَى، فإنه لا يجب قلب الأولى همزة، لعروض الثانية من جهتين: من جهة الزيادة، ومن جهة انقلابها عن الألف، ولكون المد مخففاً لبعض الثقل، وإن لم تكن الثانية مدة: سواء كانت منقلبة عن حرف زائد كأواصل وَأُوَيْصل، أو غير منقلبة عنه كأوْعَد على جَوْرَبٍ من وعد، وكذا إن كانت مدة لكنها غير منقلبة عن شئ كما تقول من وعد على وزن طُومَار (1) : أو عاد، وجب قلبُ الأولى همزة، وكذا إذا كانت الثانية منقلبة عن حرف أصلي، كما قال الخليل في فُعْل من وَأَيْتُ مخففاً: أُويٌ (2) ومن ذلك مذهب الكوفية في أُولى، فإن أصله عندهم وؤلى، ثم وولى
ثم أولى، وعليه قراءة قالون (عَادَ لُؤلَى) (1) بالهمزة عند نقل حركة همزة أولى إلى لام التعريف، ورد المازني على الخليل بأن الواو في مثله عارضة غير لازمة، إذ تخفيف الهمزة في مثله غير واجب، فقال: يجوز أُويٌ ووُويٌ، لضمة الواو، لا لاجتماع الواوين، كما في وجوه وأجوه وإن كانت الثانية أصلية غير منقلبة عن شئ وجب قلب الأولى همزة: سواء كانت الثانية مدة كما في الأولى عند البصرية وأصله وولى، أو غير مدة كالأول عندهم. وقول المصنف " إذا تحركت الثانية " هذا شرط لم يشترطه الفحول من النحاة كما رأيت من قول الخليل: أوى، في وُوى، وقال الفارسي أيضاً إذا اجتمع الواوان أبدلت الأولى منهما همزة كأويصل، ثم قال: ومن هذا قولهم الأولى في تأنيث الأول، ثم قال: وإن كانت الثانية غير لازمة لم يلزم إبدال الأولى منهما همزة كما في ووُرِي، وقال سيبويه: إذا بنيت من وعد مثل كوكب قلت: أوعد، فقد رأيت كيف خالفوا قول المصنف، وبنى المصنف على مذهبه أن قلب الأولى في أوى (2)
- كما يجئ في مسائل التمرين - غَيْرُ واجب، وأن واواً أولى قلبت همزةً وجوباً، حملاً للواحد على الجمع هذا، وإنما قلبت الواو المستثقلة همزة لاياء لفرط التقارب بين الواو والياء، والهمزة أبعد شيئاً، فلو قلت ياء لكان كأن اجتماع الواوين المستثقل باق. قوله " وجواز في نحو أُجُوه وأورِي " كل واو مخففة غير ما ذكرنا مضمومة ضمة لازمة: سواء كانت في أول الكلمة كوُجُوه، ووُعِد، وووري، أو في حشوها كأدْؤُر وأنْؤُر والنُّؤُور (1) فقلبها همزة جائز جوازاً مطرداً لا ينكسر، وذلك لأن الضمة بعض الواو، فكأنه اجتمع واوان، وكان قياس الواوين المجتمعين غير أول نحو طَوَوِيّ جواز قلب الأولى همزة، لكن لما كان ذلك الاجتماع بياء النسبة وهي عارضة كالعدم - كما تقرر في باب النسبة - صار الاجتماع كلا اجتماع. هذا، وإن كان الضم على الواو للإعراب نحو هذه دَلْوُك أو للساكنين نحو اخْشَوُا القوم، لم تقلب همزة، لعروض الضمة، وإن كانت الواو المضمومة مشددة كالتقوُّل لم تقلب أيضاً همزة، لقوتها بالتشديد وصيرورتها كالحرف الصحيح قوله " وقال المازني وفي نحو إشاح " يعني أن المازني يرى قلب الواو المكسورة المصدرة همزة قياساً أيضاً، والأولى كونه سماعياً، نحو إشاح (2) وإعاء وإلْدَة (3) وإفادة (4) في ولدة ووفادة، وإنما جاء القلب في المكسورة
أيضاً لأن الكسرة فيها ثقل أيضاً، وإن كان أقل من ثقل الضمة، فاستثقل ذلك في أول الكلمة دون وسطها، نحو طَوِيل وعَوِيل (1) ، لأن الابتداء بالمستثقل أشنع وأما الواو المفتوحة المصدرة فليس قلبها همزة قياساً بالاتفاق، بل جاء ذلك في أحرف، نحو أناة (2) في وَنَاةٍ، وأجَمَ في وَجَم (3) ، وأحدٍ في وَحَد، وأسْمَاء في اسم امرأة فَعْلاَء من الوسامة عند الأكثرين، وليس بجمع، لأن التسمية بالصفة أكثر من التسمية بالجمع، وقال بعض النحاة: أصل أخَذَ وخذ، بدلالة اتخذ كاتَّصَل (4)
[قلب الواو والياء تاء إذا كانتا فاءين]
ولم يأت في كلام العرب كلمة أولها ياء مكسورة كما جاء ما أوله واو مضمومة إلا يِسار لغة في يَسَار لليد اليسرى، ويِقَاظ جمع يَقْظَان. وربما فروا من اجتماع الواوين في أول الكلمة بقلب أولاهما تاء كما في تَوْرَاة وتَوْلج (1) ، وهو قليل، كما يفر من واو واحدة في أول الكلمة بقلبها تاء نحو تراث (2) وتقوى * قال " وتُقْلَبَانِ تَاءً فِي نَحْوِ اتَّعَدَ وَاتَّسَرَ، بِخَلاَفِ اِيتَزَرَ " أقول: اعلم أن التاء قريبة من الواو في المخرج، لكون التاء من أصول الثنايا، والواو من الشفتين، ويجمعهما (3) الهَمْسُ، فتقع التاء بدلا منها كثيرا،
لكنه مع ذلك غير مطرد، إلا في باب افْتَعَل، لما يجئ، نحو تُراث وتَجاه وتَوْلج وتَتْرَى (1) من المواترة، والتُّلَج (2) والتُّكأة (3) وتَقْوَى من وَقَيْت، وَتَوْرَاة (4) عند البصريين فَوْعلة من وَرَى الزند، كَتوْلج، فإن كتاب الله نور
وعند الكوفيين هما تَفْعله وتَفْعَلٌ، والاول أولى، لكون فَوْعَل أكثر من تَفْعل والتاء أقل مناسبة للياء منها للواو، فلذلك قل إبدالها منها، وذلك في ثِنْتَان وكِلْتا على قول (1) وإبدال التاء من الواو (في الأول) أكثر منه في غيره، نحو أحت وبنت، ولولا أداؤها لشئ من معنى التأنيث لم تبدل من الواو في الآخر، فلما كثر إبدال التاء من الواو في الأول واجتمع معه في نحو أو تعد واو تصل داعٍ إلى قلبها مطلقاً، صار قلبها تاء لازماً مطرداً، وذلك الداعي إلى مطلق القلب حصولُ التخالف في تصاريفه بالواو والياء لو لم يقلب، إذ كنت تقول: ايتَصَل، وفيما لم يسم فاعله أو تُصِل، وفي المضارع واسم الفاعل والمفعول يَوْتَصِل مُوتَصَل مُوتَصَل، وفي الأمر ايتَصِل، فلما حصل هذا الداعي إلى مطلق قلبها إلى حرف جَلْد لا يتغير في الاحوال - وللواو
[قلب الواو ياء، والياء واو]
بانقلابها عهدٌ قديم - كان انقلابها تاء ههنا أولى، ولا سيما (و) بعدها تاء الافتعال، وبانقلابها إليها يحصل التخفيف بالإدغام فيها، والياء وإن كانت أبعد عن التاء (من الواو) وإبدالها منها أقل، كما ذكرنا، لكن شاركت الواو ههنا في لزوم التخالف لو لم تقلب، إذ كنت تقول ايتسر، وفي المبنى للمفعول أو تسر، وفي المضارع يَيْتَسِر، وفيما لم يسم فاعله يُوتَسَر، وفي الفاعل والمفعول مُوتَسِر ومُوتَسَر، فأتبعت الياء الواو في وجوب القلب والإدغام فقيل: اتَّسَر، وأما افتعل من المهموز الفاء - نحو ائتزر وائتمن - فلا تقلب ياؤه تاء، لأنه وإن وجب قلب همزته مع همزة الوصل المكسورة ياء، وحكم حروف العلاة المنقلبة عن الهمزة انقلاباً واجباً حكم حروف العلة، لا حكم الهمزة، كما تبين في موضعه، لكن لما كانت همزة الوصل لا تلزم، إذ كنت تقول نحو " قال ائتزر " فترجع الهمزة إلى أصلها، روعى أصل الهمزة، وبعض البغاددة جَوِّز قلب يائها تاء فقال: اتز واتَّسَرَ، وقرئ شاذاً (الَّذِي اتُّمِنَ أمَانَتَهُ) وبعض أهل الحجاز لا يلتفت إلى تخالف أبنية الفعل ياء وواوا، فيقول: ايتعد وايتسر، ويقول في المضارع: يا تعد ويا تسر، ولا يقول يوتعد وييتسر، استثقالاً للواو والياء بين الياء المفتوحة والفتحة، كما في ياجل وياءَسُ، واسم الفاعل موتعد وموتسر، والأمر ايتَعِدْ وايتَسِرْ، هذا عندهم قياس مطرد قال: " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً إذَا انْكَسَرَ مَا قبلها، والياء واو إذَا انْضَمَّ مَا قَبْلَها، نَحْوُ مِيزَانٍ وَمِيقَاتٍ، وَمُوقِظِ وَمُوسِر " أقول: اعلم أن الواو إذا كانت ساكنة غير مدغمة وقبلها كسرة، فلا بد من قلبها ياء، سواء كانت فاء كمِيقَاتٍ أو عيناً نحو قيل (1) ، وأما إذا كانت
لاماً فتقلب ياء وإن تحركت كالداعِي، لأن اللام محل التغيير، وإن كانت فاء متحركة مكسوراً ما قبلها لم تقلب ياء، نحو إوزَّه، وأصله إوْزَزَة، وكذا العين نحو عوَض، إلا أن تكون عين مصدرٍ معلٍّ فعلُه، نحو قام قِياماً، أو عين جمع معل واحده كديم (1) ، كما يجئ بعد، وإنما لم تقلب المتحركة التي ليست لاماً ياء لكسرة ما قبلها لقوتها بالحركة، فلا تجذبها حركة ما قبلها إلى
ناحيتها، مع كونها في غير موضع التغيير، وكذا إذا كانت مدغمة، نحو اجلوذا (1) ، لأنها إذن قوية فصارت كالحرف الصحيح، وقد تقلب المدغمة ياء، نحو اجْلِيواذ، ودِيوَان، كما تقلب الحروف الصحيحة المدغمة ياء،، نحو دينار قوله " والياء واواً إذا انضم ما قبلها " إذا انضم ما قبل الياء فإن كانت ساكنة متوسطة فلا يخلو: إما أن تكون قريبة من الطرف، أو بعيدة منه. فإن كانت بعيدة منه بأن يكون بعدها حرفان قلبت الياء واواً، سواء كانت زائدة كما في بُوطِر (2) أو أصلية كما في كُولَلٍ، على وزن سُوددٍ من الكَيْل، وكذا فُعْلِلَ يفعلل منه، نحوكولل يُكَيْلل، وسواء كانت الياء فاء كمُوقِن وأُوقِنُ، أو عيناً نحو كُولَل، إلا في فُعْلَى صفة نحو كيصى (3) وضيزى (4) وفى فعلان جمعا نحو بيضان، كما يجئ حكمهما، ولا تقلب الضمة لأجل الياء كسرة، وذلك لأن الياء بعيدة من الطرف، فلا يطلب التخفيف بتبقيتها بحالها، بل تقلب واواً إبقاءً على الضمة، إذ الحركات إذا غيرت تغير الوزن، وبإبدال
الحرف لا يتغير، والإبقاء على الوزن أولى إذا لم يعارض ذلك موجب لإبقاء الياء على حالها مثل قربها من الطرف الذي هو محل التخفيف، كما في بيض، وإذا كانت الضم التي قبلها من كلمة والياء الساكنة من كلمة أخرى، نحو يَا زَيْدُ اوْأَس، قال سيبويه: يقول بعض العرب: يا زيدُ ايْأس، بالياء، تشبيهاً بقيل مُشَمًّا، واستضعفه سيبويه، وقال: يلزم أن يقال: يا غُلاَمِ اوْجَلْ، بالواو، مع كسرة ما قبلها، ولهم أن يفرقوا باستثقال الواو في أول الكلمة مع كسرة ما قبلها، بخلاف الياء المضموم ما قبلها، إذ ثبت له نظير نحو قيلَ، وإن كانت قريبة من الطرف بأن يكون بعدها حرف، فإن كان جمع أفْعَلَ كبِيضٍ وجب قلب الضمة كسرة إجماعاً، لاستثقالهم الجمع مع قرب الواو من الطرف الذي هو محل التخفيف، وحُمِل فُعْلاَنُ عليه، لكونه بمعناه، مع أن فُعْلاً أكثر كبِيض وبِيضان، وجعل ياء فُعْلَى صفة كحِيكى (1) وضيزى كالقريبة من الطرف، لخفة الألف مع قصد الفرق بين فُعْلَى اسماً وبينها صفة والصفة أثقل والتخفيف بها أولى، فقيل طوبى في الاسم وضيزى في الصفة، وأما بِيع فأصله بُيع، حذفت كسرته ثم قلبت الضمة كسرة، وبعضهم يقول بُوع بتغيير الحرف دون الحركة حملاً على قُولَ، وإن لم تكن القريبةُ من الطرف شيئاً من هذه الأشياء كفُعْل من البَيْع وتُفْعُل منه فقد يجئ الخلاف فيها، وإن كانت الياء المضموم ما قبلها لاماً فإنه يكسر الضم نحو الترامي، وإن كانت متحركة أيضاً، ولا تقلب واواً، لأن آخر الكلمة ينبغي أن يكون خفيفاً، حتى لو كان واواً قبلها ضمة قلبت ياء والضمة كسرة كالتغازى
[حذف الواو والياء فاءين]
وإن كانت الياء المضموم ما قبلها خفيفة متحركة، فإن كانت فاء أو عيناً سلمت: سواء كانت مفتوحة كمَيسَّر وهيام (1) وعُيَبَة (2) أو مضمومة نحو تُيُسِّر وعُيُن في جمع عِيان (3) وبُيُض في جمع بَيُوض (4) كما ذكرنا في باب الجمع، وإن كانت لاماً كسرت الضمة كما ذكرنا، لأن الآخر محل التخفيف وإن كانت الياء المضموم ما قبلها مشددة سلمت نحو سُيَّل (5) ومُيَّل (6) وإن كانت أخيراً: فإن كانت الكلمة على فُعْل كلُيٍّ في جمع ألْوَى (7) جاز إبقاء الضمة وجعلها كسرة، وإن لم يكن كذلك وجب قلب الضمة كسرة، لثقل الكلمة مع قرب الضمة من الآخر نحو سلى قال: " وَتُحْذَفُ الْوَاوُ مِنْ (نحو) يَعِدُ وَيَلِدُ، لِوُقُوعِها بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ أَصْلِيَّةٍ، ومِنْ ثَمَّ لَمْ يُبْنَ مِثْلُ وَدَدْتُ - بالفتحُ - لِمَا يَلْزَمُ منْ إعْلاَلَيْن فِي يَدُّ، وَحُمِلَ أَخْوَاتُهُ نحوُ تَعِدُ وَنَعِدُ وَأَعِدُ وَصِيغَةُ أَمْرِهِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ حُمِلَتْ فَتْحَةُ يَسَعُ وَيَضَعُ عَلَى الْعُرُوضِ، وَيوْجَلُ عَلَى الأَصْلِ، وَشُبِّهَتا
بالتجاري والتحارب، بِخِلاَفِ اليَاءِ فِي نَحْو يَيْسِرُ وييئس، وَقَدْ جَاءَ يَئِسُ، وَجَاءَ يَاءَسُ كَمَا جَاءَ يا تعد، وَعَلَيْهِ جَاءَ مُوتَعِدٌ وَمُوتَسِرٌ فِي لُغَةِ الشَّافِعِيِّ، وَشَذِّ فِي مُضَارِع وَجِلَ يَيْجَلُ وَيَاجَلُ وَيَيجَلُ، وَتُحْذَفُ الْوَاوُ مِنْ نَحْوِ الْعِدَةِ وَالْمِقَةِ، وَنَحْوَ وِجْهَةٍ قَلِيلٌ " أقول: اعلم أن الفعل فرع على الاسم في اللفظ كما في المعنى، لأنه يحصل بسبب تغيير حركات حروف المصدر، فالمصدر كالمادة والفعل كالمركب من الصورة والمادة، وكذا اسم الفاعل والمفعول والموضع والآلة، وجميع ما هو مشتق من المصدر، وعادتهم جارية بتخفيف الفروع كما ظهر لك فيما لا ينصرف، لأنها لاحتياجها إلى الأصول فيها ثقل معنوي، فخففوا ألفاظها تنبيهاً عليه، وفي الفعل ثقل من وجه آخر وهو أن ثلاثيه - وهو أكثره - لا يجئ ساكن العين، وأنه يجر عِيالاً كالفاعل ضرورة، والمفعول والحال والتمييز كثيراً، وأيضاً يتصل بآخر الفعل كثيراً ما يكون الفعل معه كالكلمة الواحدة - أعني الضمائر المتصلة المرفوعة - والمضارع فرع الماضي بزيادة حرف المضارعة عليه، فلذا يتبع الماضي في الإعلال كما سنبين، والأمر فرع المضارع، لأنه أخذ منه على ما تقدم، فعلى هذا صار الفعل أصلاً في باب الإعلال، لكونه فرعاً ولثقله، ثم تبعه المصدر الذي هو أصله في الاشتقاق كالعدة والإقامة والاستقامة والقيام، وسائِرُ الأسماء المتصلة بالفعل كاسم الفاعل والمفعول والموضع كقائم وَمُقيم ومُقَام على ما سيتبين بعد، وخفف المضارع لأدنى ثقل فيه، وذلك كوقوع الواو فيه بين ياء مفتوحة وكسرة: ظاهرة كما في يعد، أو مقدرة كما في يضع ويسع، فحذف الواو لمجامعتها للياء على وجه لم يمكن معه إدغام إحداهما في الأخرى كما أمكن في طيٍّ، ولا سيما مع كون الكسرة بعد الواو، والكسرة بعض الياء، ومع كون حركة ما قبل الواو غيرَ موافقة له كما وافقت في يُوعِد مضارعِ أوعد، وإنما حذفت الواو دون الياء لكونها أثقلهما، مع أن الياء علامة المضارعة، وأن
الثقل حصل من الواو، لكونها الثانية ثم تحذف الواو مع سائر حروف المضارعة من تعد وأعد ونعد، طرداً للباب، والأمر مأخوذ من المضارع المحذوف الواو نحو تعد، ولو أخذناه أيضاً من تَوْعِد الذي هو الأصل لحذفناها أيضاً، لكونه فرعه. وأما المصدر فلما كان أصلَ الفعل في الاشتقاق لم يجب إعلاله بإعلال الفعل، إلا إذا كان جزء مُقْتَضِي الإعلالِ فيه ثابتاً كالكسرة في قيام، أو كان مناسباً للفعل في الزيادة المصدرة كإقامة واستقامة، فلهذا جاز حذف الواو من مصدر يعد وَإثباتُهَا نحو عِدة ووَعْد: إذ ليس فيه شئ من علة الحذف ولا المناسبة المذكورة، وإذا حذفت منه شيئاً بالإعلال لم تذهَل عن المحذوف رأساً، بل تعوض منه هاء التأنيث في الآخر كما في عدة واستقامة، وذلك لأن الإعلال فيه ليس على الأصل، إذ هو إتباع الأصل للفرع، وإنما كسر العين في عدة وأصله وَعْدٌ لأن الساكن إذا حرك فالأصل الكسر، وأيضاً ليكون كعين الفعل الذي أُجري هو مجراه (1) ، فلهذا لم يجتلب همزة الوصل بعد حذف الفاء، وإذا فتحت العين في المضارع لحرف الحلق جاز أن يفتح في المصدر أيضاً، نحو يسَع سَعةً، وجاز في بعضها أن لا يفتح نحو يهب هِبة، وقولهم في الصِّلة صُلة بالضم شاذ، وقد يجري مصدر فعُل يفعُل - بضم عينهما - إذا كان اللام حلقياً مجرى مصدر يسَع، نحو ودُع (2)
يودعُ دَعة، ووطُؤَ (1) يوطؤ طِئة وطأة، وذلك للتنبيه على أن حق واو مضارعه أن تكون محذوفة، لاستثقال وقوعها بين ياء مفتوحة وضمة، ولكنها لم تحذف تطبيقاً للفظ بالمعنى، إذ معنى فَعُل للطبائع اللازمة المستمرة على حال، وكذا كان حق عين مضارعة أن تكون مفتوحة، لكون اللام حلقية، وقولهم لِدَة أصله المصدر (2) ، جُعل اسماً للمولود: كقولهم ضرب الأمير: أي مضروبه، وأما الجهة (3) والرِّقَة (4) فشاذان، لأنهما ليسا بمصدرين، فليس تأوهما بدلاً من الواو، وإنما لم يحذف الواو في نحو يَوْعِيدٍ على مثال (5) يقْطِينٍ من الوعد لضعف
علة الحذف، وحذفها في الفعل نحو إنما كان لكونه الأصل في باب الإعلال كما مر، وحذف في يَذَر حملاً على يَدَع، لكونه بمعناه، ويدع مثل يسَع لكنه أميت (1) ماضيه، ويَجُدُ بالضم عند بني عامر (2) شاذ، وحذفُ الواو منه: إما لأن أصله يجد - بالكسر - أو لاستثقال الواو بين الياء المفتوحة والضمة في غير باب فَعُل يفعُل - بضم العين فيهما - وإنما حذفت من يَضَع مضارع وضع - بفتح العين - لكونه مكسور العين في الأصل، إذ جميع باب فعَل يفعَل بفتح العين فيهما: إما فعَل يفعُل - بضم عين المضارع - أو فعَل يفعِل - بكسر عينه - كما ذكرنا في أول الكتاب، ومضارع فَعَل من المثال الواوي لا يجئ مضموم العين كما مر هناك، فتبين أنه كان يفعل بالكسر، وأما وَسعَ يَسَعُ ووَطِئَ يَطأ فقد تبين لنا بحذف الواو أن عينهما كان مكسوراً ففتح، لحرف الحلق كما مر، ولا ثالث لهذين اللفظين، ففَتْح نحو يؤجل أصل، بدليل بقاء الواو، وإذا وقع الياء في المضارع بين ياء مفتوحة وكسرة لم تحذف كالواو، لأن اجتماع الياءين ليس في الثقل كاجتماع الواو والياء وحكى سيبويه حذف الياء في لفظين يَسَرَ البعير يَسِرُهُ (3) - من اليَسْرِ - ويَئِس يَئِس، وهما شاذان، وبعضهم يقلب الواو الواقعة بين الياء المفتوحة والفتحة ألفاً، لأن فيه ثقلاً، لكن ليس بحيث يحذف الواو له، فيقول
في يوجل: ياجل، وبعضهم يقلبها ياء، لأن الياء أخف من الواو، وبعضهم يستشنع قلب الواو ياء لا لعلة ظاهرة، فيكسر ياء المضارع ليكون انقلاب الواو ياء لوقوعها بعد كسرة، وليس الكسر فيه كالكسر في نِعْلَمُ وتِعْلَمُ، لأن من كسر ذلك لا يكسر الياء، فلا يقول: يِعْلَمُ وظاهر كلام السيرافي وأبي عليّ يدل على أن قلب واو نحو يَوْجل ألفاً أو ياء قياس، وإن قل، قال السيرافي: يقلبون الواو ألفاً في نحو يوجَلِ ويوحَل وما أشبه ذلك، فيقولون: يا جل وياحل، وقال أبو علي: أما فَعِلَ يَفْعَل نحو وَجِلَ يوْجل ووَحِلَ يوْحَلُ ففيه أربع لغات، وهذا خلاف ظاهر قول المصنف - أعني قوله " وشذ في مضارع وجِل كذا وكذا " - فإنه مفيد خصوصية الوجوه المذكورة بهذا اللفظ. وبعضهم يقلب الياء الواقعة في المضارع بين الياء المفتوحة والفتحة ألفاً نحو يابس وياءَس، حملاً للياء على الواو، كما حملت في اتَّسَر من اليُسْرِ، على ما مر، ولا يكون ذلك إلا في المفتوح العين، كما أن نحو يا حل وياجَلَ كان فيه، قال سيبويه: وليس ذلك بمطرد، ولا يكسر الياء ههنا كما كسرت في يِيجَل، لأن ذلك في الواو لقصد عروض علة قلب الواو ياء، كما مر قوله " وكَسْرَةٍ أصْلِيةٍ " ليشمل نحو يَعِدُ ويقع، فإن أصله يَوْقِع، قال الكوفيون: إنما حذف الواو في يعد فرقاً بين المتعدي واللازم، وذلك لأنك تقول في اللازم: يَوْجَل ويَوْحَل، من غير حذف، وليس ما قالوا بشئ، إذ لو كان كذلك لم يحذف من وحَدَ يَحِدُ (1) ووجِدَ: أي حزن - يجد، وونَمَ (2) الذبابَ ينم، ووكف البيت يكف.
قوله " ومن ثم لم يبن مثل ودَدْتُ " يعني ومن جهة وجوب حذف الواو الواقعة بين الياء المفتوحة والكسرة الأصلية لم يبن فَعَل - بفتح العين - من المضاعف المعتل فاؤه بالواو، إذ كان يلزم إذن أن يكون مضارعه مكسور العين كما ذكرنا في أول الكتاب، من أن مضارع فعل مفتوح العين إذا كان مثالاً واوياً يفعِل بالكسر لا غير، فكان يجب إذن حذف الواو والإدغام، فكان يجتمع إعلالان في كلمة واحدة. وقولهم لا يجمع بين إعلالين في كلمة واحدة فيه نظر، لأنهم يجمعون بين أكثر من إعلالين في كلمة، وذلك نحو قولهم من أوَيتُ مثل إجرد (1) إيٌّ (2) ، وذلك ثلاث إعلالات، كما يتبين في مسائل التمرين، وكذا في قولهم إيَّاه (3) - مثل إوَزّة - من أويت، وفي قولهم: إيئاة (4) - مثل إوَزَّة - من وأيت جمع بين إعلالين، وكذا قولهم: حَيَّى على (5) فَيْعَل من حويت، وغير ذلك مما يكثر
تعداده، ولعلهم قالوا ذلك في الثلاثي من الاسم والفعل، لأنه لخفته لا يحتمل إعلالاً كثيراً، على أنهم أعلوا نحو ماءٍ (1) وشاءٍ بإعلالين، لكنه قليل، واضطرب في هذا المقام كلامهم، فقال السيرافي: الإعلال الذي منعنا من جمعه في العين واللام هو أن يسكن العين واللام جميعاً من جهة الإعلال، وقال أبو علي: المكروه منه أن يكون الإعلالان على التوالي، أما إذا لم يكن كذلك كما تقول في أيمن الله: مُنُ الله، بحذف الفاء، ثم تقول بعد استعمالك مُنُ الله كثيراً: مُ الله، فليس ذلك بمكروه. ومثل ما منع المصنف من الإعلالين في يَدُّ لا يتجنبون منه، ألا ترى أنك تقول في أفْعَل منك مِن الأَم: هو أوام أو أَيَمُّ، على المذهبين (2) تقلب الفاء وتدغم العين وهما إعلالان، وكذا في أيمة قلبوا وأدغموا، وأما نحو قِهْ وشِهْ فليس فيهما إلا إعلال واحد، لأنه مأخوذ من تقي وتشي، فحذفت اللام للوقف قوله " ولذلك حمل " يعني لأن الواو تحذف بين الياء والكسرة قوله " بخلاف الياء نحو يَيْسِر " أي: بخلاف الياء الواقعة بين الياء المفتوحة والكسرة الأصلية أو الفتحة قوله " وقد جاء يئس " أي: بحذف الياء بين الياء المفتوحة والكسرة
قال: " الْعَيْنُ تُقْلَبَانِ ألِفاً إذَا تَحَرَّكَتَا مَفُتْوحاً مَا قَبْلَهُمَا أَوْ فِي حٌكْمِهِ، فِي اسْم ثُلاثِيِّ، أَوْ فِعْلٍ ثُلاَثِيٍّ، أوْ مَحْمُولٍ عَلَيْهِ، أوِ اسْم مَحْمُولٍ عَلَيْهِمَا، نَحْوُ بَابٍ وَنَابٍ وَقَامَ وَبَاعَ وَأَقَامَ وَأَبَاعَ وَاسْتَقَامَ، وَاسْتَبَانَ، وَاسْتَكَانَ مِنْهُ، خِلافَاً لِلأْكَثَرِ، لِبُعْدِ الزِّيَادَةِ وَلِقَوْلِهِمْ اسْتِكَانَةٌ، وَنَحْوُ الإِقَامَةِ وَالاسْتِقَامَةِ، ومقام وَمَقَامٍ، بِخِلاَفِ قَوْلٍ وَبَيْعٍ، وَطَائِيٌّ وَيَاجَلُ شَاذّ، وَبِخِلاَفِ قَاوَلَ وَبَايَعَ وَقَوَّمَ وبيع وتقوم وتبيع وتقاول وَتَبَايَعَ، وَنَحْوُ الْقَوَدِ وَالصَّيَدِ وَأَخْيَلَتْ وَأغَيْلَتْ وَأَغْيَمَتْ شَاذّ " أقول: اعلم أن علة قلب الواو والياء المتحركتين المفتوح ما قبلهما ألفاً ليست في غاية المتانة، لأنهما قلبتا ألفاً للاستثقال، على ما يجئ، والواو والياء إذا انفتح ما قبلهما خفَّ ثقلهما، وإن كانتا أيضاً متحركتين، والفتحة لا تقتضي مجئ الألف بعدها اقتضاء الضمة للواو والكسرة للياء، ألا ترى إلى كثرة نحو قَوْل وَبَيْع، وعدم نحو قُيْل وبُيْع، بضم الفاء، وقِوْل وبِوْع بكسرها، لكنهما قلبتا ألفاً - مع هذا - لأنهما وإن كانتا أخف من سائر الحروف الصحيحة لكنَّ كثرة دوران حروف العلة، وهما أثقلها، جوزت قلبهما إلى ما هو أخف منهما من حروف العلة: أي الألف، ولا سيما مع تثاقلهما بالحركة وتهيؤ سبب تخفيفهما بقلبهما ألفاً، وذلك بانفتاح ما قبلهما، لكون الفتحة مناسبة للألف، ولِوَهْنِ هذه العلة لم تقلبا ألفاً إلا إذا كانا في الطرف: أي لامين، أو قريبين منه: أي عينين، ولم يقلبا فاءين نحو أوَدُّ وأَيَلّ، وإن كانت الحركة لازمة بعد العروض، لأن التخفيف بالاخر أولى، ولو هنها تقف عن التأثير لأدنى عارض، كما يكون هناك حرف آخر هو أولى بالقلب، لكن لم يقلب لاختلال بعض شروط إعلاله، فلا يقلب إذن الحرف الذي ثبت علة قلبه لعدم قلب ما هو أولى منه بالقلب لولا اختلال شرطه، وذلك نحو طَوِيَ
وَحيِيَ، كان اللام أولى بالقلب لو انفتح ما قبلها كما في رَوَى ونَوَى، فلما انكسر ما قبلها لم تعل، فلم تقلب العين ألفاً أيضاً، وإن اجتمع شرائط قلبها. فإذا تقرر ضعف هذه العلة قلنا: الأصل في تأثير هذه العلة أن يكون في الفعل، لما ذكرنا من ثقله، فتليق به الخفة أكثر، أو يكون في آخر الكلمة: إما لفظاً كرِباً، أو تقديراً كغُزَاة، وذلك بأن يكون بعد الأخير حرف أصله عدم اللزوم: اسماً كانت الكلمة، أولاً، لأن الكلمة تتثاقل إذا انتهت إلى الأخير، فتليق به الخفة، وإن كانت علتها ضعيفة. فنقول: الفعل في هذا الإعلال على ضربين: أصل، ومحمول عليه، والأصل ما يتحرك واوه أو ياؤه وينفتح ما قبلهما، نحو قَوَلَ وبَيَعَ وغَزَوَ ورَمَىَ والمحمول عليه ما ينفتح الواو والياء فيه بعد حرف كان مفتوحاً في الماضي الثلاثي، وذلك: إما في المضارع، المبني للفاعل كيَخَافُ ويَهَاب، أو المبني للمفعول كيُخَاف ويُهَاب ويُقَال ويُبَاع، أو الماضي مما بني من ذي الزيادة: أفْعَل نحو أقَام وأبَان، واستفعل نحو استقام واستبان، أو ما بني للمفعول من مضارعهما، نحو يقام ويستبان، وشذ أعْوَلَ (1) وأَغْيَلَتِ المرأة واسْتَحْوَذَ (2) وأجود (3)
وأطْوَلَ (1) واسْتَرْوَحَ: أي شم الريح، وأطْيَبَ (2) وأخْيَلَتِ السماء وأغْيَمَتْ (3) ، وأبو زيد جَوَّز تصحيح باب الإفعال والاستفعال مطلقاً قياساً، إذا لم يكن لهما فعل ثلاثي، قال سيبويه: سمعنا جميع الشواذ جميع الشواذ المذكورة مُعَلَّة أيضاً على القياس، إلا استحوذ واستروح الريح وأغيلت، قال: ولا منع من من إعلالها، وإن لم يسمع، لأن الإعلال هو الكثير المطرد، وإنما لم تعل هذه الأفعال دلالة على أن الإعلال في مثلها غير أصل، بل هو للحمل على ما أعل، وإنما لم يحمل باب فعل التعجب على الثلاثي، نحو ما أقْوَمَه ومَا أبْيَعَه، لكونه بعدم التصرف لاحقاً بأفْعَلَ الأسمى كأبْيَضَ وأسْوَد، أو لجرْيِهِ مَجْرَى أفعل التفضيل لمشابهته له مَعْنًى، وإنما لم يحمل باب قَاوَلَ وتَقَاوَلَ وبَايَع وتَبَايَع وقَوَّم وتَقَوَّم وبَيَّن وتَبَيَّن على الثلاثي كما حمل أقْوَمَ وأبْيَنَ واسْتَقْوَمَ واسْتَبْيَنَ عليه لأنا شرطنا كون الساكن الذي قبل الواو والياء المتحركتين منفتحاً في الماضي الثلاثي فإن قلت: أليس قد أعللت اسم الفاعل في قائل وبائع بقلب الواو والياء ألفاً، مع أن ما قبل الواو والياء ألف، ومع أنه في الاسم الذي إعلاله على خلاف الأصل، والأول في الفعل
قلت: هو كذلك، إلا أن قائلاً وبائعاً بمعنى الثلاثي، ويعمل عمله، وهو من بابه، بخلاف قاوَلَ وبايَعَ. فإن قلت: فأقوم واستقوم من باب آخر غير الثلاثي قلت: بلى، إلا أن ما قبل حرف العلة هو الذي كان مفتوحاً في الثلاثي، فالمقصود أن الفرع إذا كان من غير باب الأصل يحتاج في الإعلال إلى كون الساكن قبل حرف العلة هو الحرف المفتوح في الأصل قبلها، وإن كان الفرع من باب الأصل أُعِلَّ، وإن لم يكن الساكن ذاك المفتوح، بشرط أن يكون الساكن ألفا لفرط خفته وأما إعلال قوَّم وَبَيَّن وَتَقَوَّمَ وَتَبَيَّنَ فأبعد من إعلال تَقَاوَل وَتَبَايَع وَقَاوَلَ وَبَايَعَ، لأن إدغام العين في البابين واجب وإنما لم يعمل نحو عَوِرَ وحَوِلَ لأن الأصل في الألوان والعيوب الظاهرة باب افْعَلَّ وافْعالّ، كما ذكرنا في صدر الكتاب، فالثلاثي - وإن كان أصلاً لذوات الزيادة في اللفظ - لكن لما كان هذا البابان أصلين في المعنى عُكس الأمر، فأجرى الثلاثي مجرى ذي الزيادة في التصحيح تنبيهاً على أصالته في المعنى المذكور. ولم يعل (1) في اسْوَدَّ وَاعْوَرَّ وَاصْيَدَّ (2) لأن إعلال نحو أقْوَمَ وَاسْتَقْوَمَ
مع كونه خلاف الأصل إنما كان حملاً على الثلاثي المعل، ولا ثلاثى معلا ههنا، كما بينا، ومثله في إتباع لفظ لفظاً آخر في التصحيح تنبيهاً على كونه تابعاً له في معناه قولهم: اجْتَوَرُوا واعْتَوَرُوا (1) واعْتَوَنُوا، بمعنى تجاوروا وتعاوروا وتعاونوا، وإن لم يقصد في افْتَعَلَ معنى تَفَاعَلَ أعللته، نحو ارْتَادَ (2) واختان (3) ولما لم يُعَلَّ عَوِر وحَوِل لما ذكرنا لم يعل فرعاه أيضاً نحو أَعْوَرَ واسْتَعْوَرَ، وقد يعل باب فَعِلَ من العيوب نحو قوله: - 138 - * أَعَارَتْ عَيْنُهُ أَمْ لَمْ تَعَارَا * (4)
فيعل فرعاه أيضاً، نحو أعَارَ واستعار وإنما حمل على الماضي الثلاثي في هذا القلب ما انفتح واوه وياؤه ولم يحمل عليه ما انضما فيه أو انكسرا كَيَقُومُ ويَبيع ويُقِيم، لأن الحامل على النقل في جميع ذلك مفتوحاً كان العين أو مضموماً أو مكسوراً إتباع الفرع للأصل في تسكين العين مع الدلالة على البنية، كما مر في أول الكتاب (1) ، ولا يمكن ذلك بقلب الجميع ألفاً. وأما إذا كانت الواو والياء المتحركتان المفتوح ما قبلهما في آخر الكلمة فإنهما تقلبان ألفاً، وإن كان ذلك في اسم لا يشابه بوجه، نحو (2) ربا وربا فانهما لا يوازنان الفعل، فإن وزانه كفَتًى وعَصاً فإنهما كضَرَب، وكمِرْدًى (3) ومِبْرًى (4) فإنهما كَاعْلَم، فلا كلام في القلب وإنما لم يعل نحو النزوان والغليان للزوم اللالف والنون، فأخرجت
اللام من التطرف، فصارت الواو والياء كما في الْجَوَلان والطيران فإن قيل: هلا منع التاء اللازم في نحو غُزَاة وتُقَاة من إعلال اللام (ومن التطرف) (1) كما منعت التاء اللازمة في (نحو) عَنْصُوَة (2) وقَمَحْدُوة (3) من قلب الواو ياء. قلت: لأن الواو المضموم ما قبلها لم تقلب ياء في موضع إلا متطرفة، بخلاف قلب الواو والياء ألفاً فإنه ثبت في المتوسطة أيضاً كثيراً، كَقال ومَقَال، فلم يعتد بالتاء التى أصلها عدم اللزوم، بخلاف الألف والنون فإنهما على اللزوم هذا، ولمناسبة القلب آخر الكلمة أعل الواو والياء أخيراً هذا الإعلال، وإن كان قبلهما ألف، بشرط كون الالف زائدة، لانهما إذن في حكم العدم، وذلك نحو كساء ورداء، وأما إذا كانت أصلاً كراي وآي فلا تعلان لكون الفاصل قوياً بالأصالة، وقد تقلب الواو والياء أيضاً قريبين من الطرف وقبلهما ألف زائدة ألفاً، بشرط أن ينضم إلى العلة المقتضية للانقلاب مقتض آخر، وذلك لضعف العلة إذن بسبب فصل الألف بين الواو والياء وبين الفتحة، وبعدم كونهما في الطرف، وذلك المقتضي: إما مشابهة الفعل المعل كما يجئ وأداؤه معناه وعمله عمله كما في قائم وبائع، وإما اكتناف حرف العلة لألف الجمع الأقصى فيستثقل لاجل حرفي العلة وكون الجمع أقصى الجموع، وذلك كما في بَوائع وأَوَائل وعَيَائل، في جمع بائعة وأوَّل وعيل (4) وإما كون الواو
والياء في الجمع الأقصى الذي هما في واحدة مدتان زائدتان كعجائز وكبائر، وذلك لقصد الفرق بين المدتين الزائدتين وبين الواو والياء اللتين كان لهما في الواحد حركة، سواء كانتا أصليتين كمَقَاوِمَ ومَعَايش، في جمع مَقَامة (1) ومعيشة، أو زائدتين ملحقتين بالأصل كعَثَايرَ وجَدَاوِلَ في جمع عِثْير (2) وجَدْوَل، فإن ماله حركة أصلية أجلد وأقوى، فلا ينقلب فإذا بعدت الواو والياء من الطرف نحو طَوِاوِيسَ (3) لم ينقلبا ألفاً، كما يجئ فعلى هذا تبين كذلك أن الهمزة في نحو رِدَاء وكساء وقائل وبائع وأوائل وبوائع وعجائز وكبائر أصلها الألف المنقلبة عن الواو والياء، فلما احتيج إلى تحريك الألف وامتنع قلبها إلى الواو والياء لأنه إنما فر منهما قلبت إلى حرف يكون أنسب بها بعد الواو والياء، وهو الهمزة، لانهما حلقيتان، وإنما لم تحذف الألف الأولى للساكنين، كما هو الواجب في مثله، لكون ألف نحو قائل علامة الفاعل وألف نحو أوائل وعجائز علامة الجمع، ولو حذفت في نحو رداء لا لتبس بالمقصور، وأما الهمزة في نحو رسائل فبدل من الألف التي في الواحد لا من الألف المنقلبة عن الواو والياء.
هذا، وإن لم يكن الواو والياء في الفعل ولا في آخر الكلمة، وذلك إذا كانتا في الأسماء في غير الطرف، فههنا نقول: لا يعل من الاسماء هذا الإعلال إلا أربعة أنواع: نوعان منها مشابهان للفعل، وإنما اعتبر ذلك لما ذكرنا من أن الأصل في الإعلال الفعل، وأن هذه العلة ليست بقوية، فهي بالفعل أولى. أحد النوعين: ما وازن الفعل نحو باب وناب، والأصل بَوَب وَنَيَب، ورجل ومال وَنَالٌ، والأصل مَوِل (1) وَنَوِل، بكسر العين، وكذا كبش (2) صَافٌ، وقولهم الروح (3) والغيب (4) والخول (5) والقود شاذ، وكذا رجل حَوِل: أي كثير الحيلة، ورَوع: أي خائف، ولم يجئ فَعُلٌ بضم العين أجوف في الاسم لثقل الضمة، ونريد بموازنة الفعل ههنا مساواته له في عدد الحروف والحركات المعينة، وإن باينه في تعيين الزيادات وأمكنتها، فمَفْعَل على وزن يَفْعَل، وإن كانت زيادته غير زيادته، وفَاعِل موازن لِيَفْعل وزيادته غير زيادته ومكانها غير مكانها، فالاسم الثلاثي: إما أن يكون مجرداً (كما ذكرنا) ، أو مزيداً فيه، وأما الرباعي والخماسي فإنه لا يوازن الفعل منهما إلا باب جعفر
نحو جَهْوَرٍ (1) ، والواو والياء لا يكونان فيه إلا للإلحاق، لما تبين أن الواو والياء مع ثلاثة أصول لا يكونان إلا مزيدتين، فلا تعل إذن، محافظة على بناء الإلحاق، فالثلاثي المزيد فيه يشترط فيه أن يكون مع موازنته للفعل مبايناً له بوجه، وذلك كالحرف الزائد الذي لا يُزاد في الفعل كميم مَقَام ومُقَام وَمُسْتَقَام، فإنها في الأصل كيَحْمد ويُحْمَد ويُسْتَخْرَج، لكن الميم لا تزاد في أول الفعل، أو كالحروف التي تزاد في الفعل لكن تكون متحركة بحركة لا تحرك في الفعل بمثلها نحو تِبَاع على وزن تِفْعَل بكسر التاء وفتح العين، فإنه يوازن أعْلَم، لكنه ليس في الفعل تاء مزيدة في الأول مكسورة، وأما نحو تِعْلَم فهي لغة قوم، ومع ذلك فليست بأصل، بل للدلالة على كسر العين في الماضي كما تقدم (2) ، وقد يعل لمباينة غير المذكورتين، نحو قائم وبائع، فإنه يوازن يَفْعِل، لكن ليس الزائد في مكان الزائد، ولا هو إياه، وكان القياس أن يعل نحو مِقْوَل (3) وَمِخْيَط إذ هما بوزن اعْلَم، لكن الخليل قال: لم يعلا لكونهما مقصوري مِفْعَال، وهو غير موازن للفعل، والدليل على أن مِفْعَالاً أصل مِفْعَل اشتراكهما في كثير نحو مِخْيَط وَمِخْيَاط ومِنْحَت وَمِنْحَات. وقد شذ مما وجب إعلاله قياساً الْمَشْورة والْمَصْيَدَة بفتح الميم، وقولهم:
الفكاهة مَقْوَدة إلى الأذى، وَأَمَا مَرْيَم وَمَدْيَن (1) فإن جعلتهما فَعْيَلاً فلا شذوذ، إذ الياء للإلحاق، وإن جعلتهما مَفْعَلاً فشاذان، وَمَكوَزَةٌ شاذ في الأعلام. وقال المبرد: المزيد فيه الموازن للفعل إنما يعل إذا أفاد معنى الفعل كالْمَقَام، فإنه موضع يقام فيه، وكذا الْمُقَامُ، بضم الميم، موضع يفعل فيه الإقامة، فعلى ما ذهب إليه مريم ومدين ليسا بشساذين، وإن كانا مَفعَلا، لعريهما عن معنى الفعل، وكذا نحو تفعل من البيع بكسر التاء ينبغي أن لا يعل، بل يقال: تَبِيْع. وإنما لم يشترط التباين في الثلاثي واشترط في ذي الزيادة لأن ذلك في المزيد فيه لئلا يشتبه بالفعل لو سُمي به مُعَلاًّ، فإنه لو أعل لكان يلتبس بعد التسمية به بالفعل، بسبب سقوط الكسر والتنوين، وأما الثلاثي فكسره وتنوينه وإن كان عَلَماً يفصله عن الفعل. وإن لم يكن ذو الزيادة الاسمي مبايناً للفعل بوجه نحو أبيض وأسود وأدون منك وأَبْيَع، ونحو إبْيَع على وزن إصْبَع من البيع ونحو تُبْيَع على وزن تُرْتَب منه، فلا يعل شئ منها ليكون فرقاً بين الأسماء والأفعال، والأفعال بالإعلال أولى، لأصالتها فيه، وأما إعلال نحو أبَانَ على قول من لم يصرفه فلكونه منقولاً عن فعل مُعَلٍّ إلى الاسم، ومن صرفه فهو فَعَال، وليس مما نحن فيه. وإن لم يوازن الاسم الثلاثي المزيد فيه الفعل لم يعل هذا الإعلال، فعند سيبويه لم يعل هذا الإعلال نحو الطَّوَفَان وَالْحَيَدَان والنَّزَوَان والغليان وحمار حَيَدَى (2) والصَّوَرَى (3) لخروج الاسم بهذه الزيادة اللازمة للكلمة عن وزن
الفعل، بخلاف نحو الْغَارَة (1) والْقَارة (2) وَالْغَابة (3) فإنّ التاء وإن أخرجت الكلمة عن وزن الفعل لكن لما كان وضعها على العروض وإن كانت لازمة ههنا لم تكن كجزء الكلمة، فَحَوَكَةٌ (4) وَخَوَنَةٌ شاذان، ووجهه الاعتداد بالتاء، مع أن الواو ليست في الطرف، وبعض العرب يعل فَعَلان الذي عينه واو أو ياء، فيقول: دَارَان من دار يدور، وهَامَان من هام يهيم، وَدَالاَن من دَالَ يدول، وَحَالاَن من حال يحول، وهو شاذ قليل، وعند المبرد هو قياس، لجعله الألف والنون كالتاء غير مُخْرِج للكلمة عن وزن الفعل. فإن قيل: كيف أخرج التاء الاسم عن وزن الفعل في يعمله (5) حتى انصرف ولم تخرجه في نحو غَارَة فأعل.
قلت: لأنه لو لم يعتد بالمخرج في نحو يعمله يظهر أثر الموازنة على المخرج عن الموازنة: أي على التاء، وذلك الأثر سقوط الجر والتنوين، بخلاف أثر الإعلال. ونحو جَوَلاَن وَحَيَدَان عند المبرد شاذ خارج عن القياس، فإن أورد عليه نَزَوَان وَغلَيَان، وقيل: إن اللام بالتغيير أولى، أجاب بأنه لو قلب لزم الحذف، فيلتبس فَعَلانَ بفَعَال، إد يبقى نزَان وَغَلاَن، وكذا قال الأخفش في حمار حَيَدَى والصَّوَرَى: إنهما شاذان وجعل ألف التأنيث كالتاء غير مخرجة للكلمة عن وزن الفعل، والأولى قول سيبويه، لما ذكرنا. فإن قيل: كيف أعل نحو الْعِيَاذ وَاللَّيَاذ بإعلال فعله، وَلم يُعَلَّ نحو الطَّيَران والدَّوَرَان والتَّقْوَال والتَّسْيَار بإعلال أفعالها، وكلاهما لا يوازن فعليهما، فإن كان جَرْيُ المصدر على الفعل وعمله عمله في نحو عِيَاذٍ كافياً في إعلاله فليكن كذلك في طَيَرَان وَغَلَيَان. قلت: طلب الكسرة لقلب الواو التي بعدها ياء أشدُّ من طلب الفتحة تقلب الواو والياء التي بعدها ألفاً ألا ترى إلى كثرة نحو قَوْلٍ وبَيْع، وقلة نحو بُيْع، وعدم نحو قوْل بكسر الفاء وسكون الواو، فبأدنى مشابهة بين المصدر وفعله يعل المصدر بقلب واوه ياء لانكسار ما قبلها لقوة الداعي إليه، وإذا بنيت من غزا ورمى مثل جَبَرُوت (1) فالقياس غزوت ورَمَيُوت، لخروج الاسم بهذه الزيادة عن
موازنة الفعل، وبعضهم يقلبهما ألفين ويحذفهما للساكنين، وذلك لعدم الاعتداد بالواو والتاء ولم يعل نحل النَّوَال والسَّيَال (1) والطويل والْغَيْور والْقَوُول والتَّقْوَال والتَّسْيَار والمواعيد والمياسير لعدم موازنة الفعل، وقيل: للالتباس لو أعل، إذ يلزم الحذف، ورد بأنه كان ينبغي الإعلال إن كان سببه حاصلاً كما في قائل وبائع وكساء ورداء، ثم التحريك وجعله كما في الأمثلة المذكورة. وثاني النوعين المذكورين: الاسم الذي فيه واو أو ياء مفتوح، إذا كان مصدراً قياسياً جارياً على نمط فعله في ثبوت زيادات المصدر في مثل مواضعها من الفعل، كأقْوَام واسْتِقْوَام، فلمناسبته التامة مع فعله أعل إعلاله بنقل حركتهما إلى ما قبلهما وقلبهما ألفاً، ولم يعل نحو الطيران الدوران والنزوان والغليان علة فعله مع تحرك حرُوف العلة فيه وانفتاح ما قبلها لضعف مناسبتهما. والنوعان الآخران من الأنواع الأربعة من باب الجمع الأقصى، وهما باب بَوائع وَعجَائز، وإنما أعلا الإعلال المذكور وإن لم يشابها الفعل لألف الجمع في أحدهما وقصد الفرق في الآخر كما تقدم شرحهما هذا، ولضعف هذه العلة - أعني تحرك الواو والياء وانفتاح ما قبلهما - في إيجاب القلب ترد الألف إلى أصلها من الواو والياء، ويحتمل تحركهما وانفتاح ما قبلها إذا أدَّى ترك الرد إلى اللبس: في الفعل كان، أو في الاسم، وذلك إذا لقي الألف حرف ساكن بعدها لو أبقى الألف معه على حالها سقطت والتبس، فالفعل نحو غَزَوَا ورميا، فإن ألف الضمير اتصل بغزا ورمى معلين، ولو لم يردوا الألف إلى أصلها لسقطت للساكنين والتبس المسند إلى ضمير المثنى بالمسند إلى ضمير
المفرد أو إلى الظاهر، وكذا يَرْضَيَانَ، لأنه كان يسقط النون جزماً (1) ، وأما في ارْضَيَا فلكونه فرع يَرْضَيَان، والاسم نحو الصَّلَوَات والْفَتَيَات، لو حذفت الألف للساكنين لا لتبس الجمع بالواحد، ونحو الفَتَيان والرَّحَيَان إذ لو لم يرد لا لتبس المثنى بالمفرد عند الإضافة، وأما نحو الْفَتَيَيْن والرحيين فلكونهما فرعي الفتيان والرحيان، كما تبين في أول شرح الكافية، ومع ياء النسب ترد الألف المحذوفة في نحو عصى ورجى المنونين، لزوال الساكنين: أي الألف والتنوين، وبعد ردها تقلبها واواً لأجل ياء النسب، كما قلبتها في العصا والرحى لما نسبت إليهما، ولا نقول: إن الألف المحذوفة ترد إلى أصلها من الواو والياء، وإنما لم تحذف الألف للياء الساكنة اللاحقة بها لما ذكرنا في باب النسب، وبعد رد جميع الحروف المذكورة وتحريكها لم تقلها ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها، لعروض الحركة عليها، ولأنه إنما فر من الألف حتى لا يلتبس بعد الحذف، فكيف يعاد إلى ما فر منه؟ وأما رد الألف إلى أصلها في نحو هل تَرَيَنَّ وَتَرْضَيَنَّ، والأصل هل ترى وترضى، فليس لخوف الالتباس، بل للقياس على هل تغزون وَتَرْمِيَنَّ، وإنما رد اللام في نحو ارْضَيَنَّ ولا تَرْضَيَنَّ وكذا في نحو اغْزُوَنَّ وَارْمِيَنَّ ولا تغزون ولا تَرْمِيَنَّ لأن الفعل مع النون
ليس موقوفاً ولا مجزوماً، وحذف اللام إنما كان للجزم أو الوقف، ولم تقلب الياء في ارْضَيَنَّ ولا تَرْضَيَنَّ ألفاً بعد الرد لكون حركتها عارضة لأجل النون التي هي كلمة مستقلة، وأيضاً لئلا يلزم منه حذف الألف فيؤدي إلى ما فر منه، وكذا في نحو ارْضَوُنَّ وارْضَيِنَّ يا امرأة، لم تقلبا لعروض الحركة لما ذكرنا في باب التقاء الساكنين، ولكون الواو والياء اسمين مستقلين، فلا يغيران، ولأن الواو والياء لا تقلبان ألفاً إلا إذا كان ما قبلهما من حروف كلمتها مفتوحا، وههنا الواو كلمة أخرى، وأيضاً لو غيرا بالقلب لحذفا بلا دليل عليهما، كما كان في اغْزُنَّ واغْزِنَّ وإن لم يؤد حذف الألف للساكنين إلى اللبس لم يرد نحو يَرْضَوْن وتُغْزَين وترضين والمصطفون والْمُصْطَفَيْنَ وغَزَوْا ورَمَوْا وغَزَتْ وَرَمَتْ قوله " تحركتا " أي: في الأصل فيخرج نحو ضَوٍ وشَيٍ مخففتين، حركة لازمة، ليخرج نحو غَزَوَأ وَرَمَيَا وَعَصَوَان وارْضَيَنَّ وجَوَزَات وبَيَضَات، عند بني تميم، وإنما قلبا في نحو الْعَصَا والرَّحَى وإن كانت الحركة الإعرابية عارضة، لأن نوعها وإن كان عارضاً لكن جنسها لازم، إذ لابد لكل معرب بالحركات من حركة ما رفعا أو نصبا أو جرا قوله " أو في حكمه " أي: في حكم الفتح، نحو أقْوَل وأبْيَع ومُقْوَم ومُبْيَع قوله " في فعل ثلاثي " كقال وطال وخاف وباع وهاب قوله " أو محمول عليه " كأقام وأبان واستقام واستبان، وقد يكون الفعل الثلاثي محمولاً على الثلاثي، كيَخَاف ويُقَال ويَهَاب، لأن الأصل في الإعلال الماضي، والمضارع فرعه فيعتل باعتلاله، وذلك لأنه هو الماضي بزيادة حرف المضارعة عليه قوله " أو اسم محمول عليهما " أي: على الفعل الثلاثي كباب ودار وكبش
صَافٍ، وعلى الفعل المحمول عليه كمُقَام والاستقامة قوله " بخلاف قول وبَيْع " أي: بخلاف ما كان الواو والياء فيه ساكنين مفتوحاً ما قبلهما قوله " وطائي وياجل شاذ " قد ذكرنا حكم طائي في باب النسب، وكذا ذكرنا أن نحو يَاجَل مطرد، وإن كان ضعيفاً، وكذا ذكرنا أن بعض الحجازيين يقلب الواو الساكنة ألفاً قياساً في مضارع نحو ايتعد وايتسر، وبعض بني تميم يقلبون واو نحو أوْلاد: أي جمع ما فاؤه واو، ألفاً قياساً، فيقول: آلاد، وطئ يفتحون ما قبل الياء إذا تحركت بفتحة غير إعرابية وكانت طرفاً وانكسر ما قبلها، لتنقلب الياء ألفاً، وذلك لكون الطرف محل التغيير والتخفيف، وشرط فتحة الياء لتنقل إلى ما قبلها، وشرط كونها غير إعرابية، لئلا تكون عارضة فيعتد بها، وشرط انكسار ما قبلها لأن الكسر أخو السكون، على ما تبين في باب التقاء الساكنين، فتكون كأنك نقلت الفتح إلى الساكن، كما في أقْوَم، قال نَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحضيض * ونصطاد نُفُوساً بُنَتْ عَلَى الْكَرَمِ (1) وإن توسطت الياء بسبب التاء اللازمة نحو نَاصَاة في نَاصِِية فقليل غير مطرد قوله " بخلاف قاولَ وبَايَعَ " أي: بخلاف الثاني المزيد فيه، إذا كان ما قبل الواو والياء ساكناً، ولم يكن ذلك للساكن حرفاً كان مفتوحاً في الثلاثي قوله " أخْيَلَتِ السماء " أي: صارت خليقة بالمطر، وأغيلت المرأة: أي أرضعت على الحبل، ومثله اسْتَصْوَب واسْتَرْوَح الريح، وعند أبي زيد التصحيح
[تصحيح العين إذا اعتلت اللام]
قياس في مثله، إذا لم يكن له فعل ثلاثي كاسْتَنْوَقَ (1) ، وعند سيبويه نحو اسْتَنْوَقَ أيضاً شاذ، والقياس إعلاله طرداً للباب كما أعل سائف (2) وخائل (3) في النسبة، وإن لم يأت منه فعل معل، طردا لباب فاعِلٍ في إعلاله علة واحدة، وإذا طرد باب تَعِد ونَعِد وأعِد فهذا أولى قال: " وَصَحَّ بَابُ قَوِيَ وَهَوَى لِلإِعْلاَلَيْنِ، وَبَابُ طَوِيَ وَحَيِيَ لأنه فَرْعُهُ أوْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ يَقَايُ وَيَطَايُ وَيَحَاي، وَكَثُرَ الإِدْغَامُ فِي بَابِ حَيِيَ لِلْمِثْلَيْنِ، وَقَدْ يُكْسَرُ الْفَاءُ، بخِلاَفِ بَابِ قَوِيَ، لان الاعلال قَبْلَ الإِدْغَامِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا يَحْيَى وَيَقْوَى وَاحْوَاوَى يَحْوَاوِي وَارْعَوَى يَرْعَوي، فلم يدغموا، وجاء احو يواء واحوياء، ومن قال اشهباب قال احوواه كَاقْتِتَالٍ، وَمَنْ أدْغَمَ اقْتِتَالاً قَالَ: حِوَّاء، وَجَازَ الإِدْغَامُ فِي أُحْيِيَ وَاسْتُحِيِيَ بِخِلاَفِ أَحْيَى وَاسْتَحْيَى، وَأَمَّا امْتِنَاعُهُمْ فِي يُحْيِي وَيَسْتَحْيِي فَلِئَلاً يَنْضَمُّ مَا رُفِضَ ضَمَّهُ، وَلَمْ يَبْنُوا مِنْ بَابِ قَوِيَ مِثْلَ ضَرَبَ وَلاَ شَرْفَ كَرَاهَةَ قَوَوْتُ وَقَوُوتُ، وَنَحْوُ الْقُوَّةِ وَالْصُّوَّةِ وَالْبَوِّ وَالْجَوِّ مُحْتَمَلٌ لِلإِدْغَامِ " أقول: قوله " باب قوي " أي: فَعِل بالكسر مما عينه ولامه واو، ولابد من
قلب الواو ياء، لانكسار ما قبلها، كما يجئ بعد أن كل واو في آخر الكلمة مكسور ما قبلها: متحركة كانت أو ساكنة، قلبت ياء للاستثقال، والاشتغال بإعلال الأطراف أسبق من الاشتغال بإعلال الوسط: إما بالقلب، أو بالإدغام، لما عرفت، فبعد قلب الثانية ياء لو قلبت الأولى ألفاً لاجتمع إعلالان على ثلاثي ولا يجوز، كما مر، وأما هَوَى فقد أعللت اللام أيضاً بقلبها ألفاً، فلم يكن لك سبيل إلى إعلال العين، حذَراً من الإعلالين، و " قَوِي " من المضاعف بالواو بدليل القوة، " وحيى " من المضاعف بالياء، إلا عند المازنى، وهوى مما عينه واو ولامه ياء، وكذا طَوِيَ، بدليل طَيَّان (1) ، ولم يُعَلَّ في حَيِيَ بقلب العين عند المازني، لأن أصله حَيِوَ عنده، أو لأنه مثل طَوِيَ كما يجئ قوله " وباب طَوِيَ وَحَيِيَ " يعني لم يعلا وإن لم يلزم إعلالان، لانهما فرعا هوى، وَذلك لأن فَعَلَ - بفتح العين - في الأفعال أكثر من أخَوَيْه، لكونه أخف، والخفة مطلوبة في الفعل، وهو أيضاً أكثر تصرفاً، لأن مضارعه يأتي على ثلاثة أوجه، دون مضارعها ثم ذكر علة أخرى لتركهم إعلال عين ثلاثة من الأفعال المذكورة، وهي ما على فَعِلَ - بكسر العين - وذلك أن كل أجوف من باب فَعِلَ قلبت عينه في الماضي ألفاً تقلب عينه في المضارع أيضاً، نحو خاف يخاف، وهاب يهاب، فلو قالوا في الماضي: قايَ وَطَايَ وَحَايَ لقالوا في المضارع: يَقَايُ ويطاى ويحاي، وضم لام
المضارع إذا كان ياء مرفوض مع سكون ما قبله أيضاً، بخلاف الاسم، نحو ظَبْي وآي ورَاي، وذلك لثقل الفعل كما ذكرنا، ويجوز أن يقال في هوى أيضاً مثله، وهو أن كل أجوف من باب فَعَلَ تسكن عينه بقلبها ألفاً وجب تسكين عين مضارعة ونقل حركته إلى ما قبله، نحو قال يَقُول وبَاع يبيع وَطاح يَطِيح (1) والأصل يَطْوِح فكان يجب أن يقال يَهِيُّ مشدداً في مضارع هاي، ولا يجئ في آخر الفعل المضارع ياء مشددة، لأنه مورد الإعراب مع ثقل الفعل، وأما في الاسم فذلك جائز لخفته، نحو حَيٍّ، ويجوز كما قدمنا أن نعلل ترك إعلالهم عين طَوِيَ وَحَيِيَ بامتناع إعلال لامهما الذي كان أولى بالإعلال لو انفتح ما قبله، لكونه آخر الكلمة. قوله " وكثر الإدغام في باب حَيِيَ " قال سيبويه: الإدغام أكثر والأُخرى عربية كثيرة (2) ، وإنما كان أكثر لأن اجتماع المثلين المتحركين مستثقل، ويشترط في جواز الإدغام في مثله: أي فيما تحرك حرف العلة فيه، لزومُ حركة الثاني، نحو حَيَّ، حَيَّا، حَيُّوا، حَيَّتْ، حَيَّتَا، قال: 139 - عَيُّوا بأَمرِهِمُ كَمَا * عَيَّتْ ببيضتها الحمامه جعلت لها عودين من * نشم وآخر من ثمامة (3)
وإن كانت حركة الثاني لاجل حرف عارض غير لازم لم يدغم، كما في محيية ومحييان، فان الحركة لاجل التاء التى هي في الصفة ولالف المثنى، وهما عارضان لا يلزمان الكلمة، وكذا الحركات الاعرابية، نحو قوله تعالى: (أن يحيى الموتى) وقولك: رأيت مُعْيياً وإن كانت الحركة لازمة في نفس الأمر كما في حَيِيَ، أو لأجل حرف عارض لازم كما في تَحْيِيَة وَأَحْيِيَة جمع حَيَاء (1) جاز الإدغام والإظهار، إذ التاء في مثله لازمة، بخلاف تاء الصفة، وكذا يجوز في جمع عَيِيٍّ أعيياء وأعِيَّاء، للزوم الألف، والإدغام في هذا النوع أيضاً أولى، كما كان في حَيَّ وأَحِيَّ وإنما اشترط للإدغام في هذا الباب لزوم حركة الثاني بخلاف باب يَرُدُّ وَيَمَسُّ، لأن مطلق الحركة في الصحيح يلزم الحرف الثاني، إلا أن يدخله ما يوجب سكونه، كلم يَرْدُدْ ويَرْدُدْن، وأما في المعتل نحو مُعْيِية ورأيت
مُعْيِياً فيسكن الثاني بلا دخول شئ، نحو مُعْي، فلم يروا إدغام حرف فيما هو كالساكن، وحيث أظهرت الياء سواء كانت واجبة الإظهار كما في مُحْيِيَة أو جائزته كما في حَيِيَ، وانكسرت، فإخفاء كسرها أحسن من إظهاره، ليكون كالإدغام، فإن الكسر مستثقل، وإن انفتحت الأولى، كما تقول في تثنية الْحَيَا: (1) حَيَيَان، جاز الإخفاء والتبيين، والتبيين أولى، لعدم الاستثقال، ولا يجوز هاهنا الإدغام، لعدم لزوم ألف التثنية، ومَنْ أظهر في حَيِيَ قال في الجمع حَيُوا مخففاً كخَشُوا، قال: 140 - وكنا حسبناهم فوارس كهمس * حيوا بَعْدَ مَا مَاتُوا مِنَ الدَّهْرِ أَعْصُرَا (2) قوله " وقد تكسر الفاء " يعنى في حى المبنى للفاعل، والظاهر أنه غلط نقله من المفصل (3) ، وإنما أورد سيبويه في المبنى للمفعول حُيَّ وحى،
كقولهم في الاسم في جمع قَرْن أَلْوَى: قُرُونٌ لِيٌّ - بالضم والكسر - (1) فإن قيل: كيف وجب كسر الضم في غير فُعْلٍ نحو مُسْلِمِيّ وَعُتِيّ وَجُثِيّ وغُزْوِيّ على مثال عُصْفُورٍ من الغزو، وجاز الوجهان في فُعْل؟ قيل: لأن فُعْلاً يلتبس بفِعْل فجاز إبقاء الضم فيه دلالة على أصل البنية وفي غيره لا يلتبس بِنْية ببنية، أو يقال: المجوز لضم فُعْل قبل الياء خفة البناء، وقال السيرافي: يجوز أن يقال لِيٌّ: بالكسر في جمع أَلْوَى، كبيض في جمع أبْيَضَ، جعل الياء الساكنة المدغمة كغير المدغمة، وَحِيَّ في حُيَّ كَقِيلَ وبيع
وقالوا في الاسم: حياة ودواة وَنَوَاة، وشذ غَايَة وغَاي، وَرَاية ورَاي، وآية وثاية، (1) والقياس غوَاة أو غيَاة، والأول أولى، لأن باب طَوَيْت أكثر من باب حَييَ، وإنما قلنا بشذوذ ذلك لأن الأولى إعلال الآخر كما في هَوَى ونَوَى وقال الفراء وجماعة من المتقدمين في آية: إنه ساكن العين، والأصل أيّة وأى قلبت العين الساكنة ألفا، لفتح ما قبلها كما في طائى وياجل (2) وعاب، وهو ههنا أولى، لاجتماع الياءين وقال الكسائي: آيية، على وزن فاعلة، فكرهوا اجتماع الياءين مع انكسار أولاهما، فحذفت الاولى وعلى جميع الوجوه لا يخلو من شذوذ في الحذف (3) والقلب
ويمكن أن يقال: الوجهان أيضا في غاية وثاية وراية واعلم أن في استحيا لغتين: لغة أهل الحجاز استحيا يستحيي - بياءين - مستحى مستحيا منه، على وزن استرعى يسترعى سواء، ولغة بنى تميم استحى يستحى، بتحريك الحاء وحذف إحدى الياءين فمذهب الخليل أنه مبنى على حيى معلا إعلال هاب وباع، فكأنه قيل: حاى، فكما تقول في باع: استبعت، تقول في حاى: استحيت، وإنما بنى على حاى المرفوض، لان حق حيى إعلال عينه لما امتنع إعلال لامه، فاستحى على هذا في الاصل استحاى كاستباع، حذفت حركة الياء، إذ لم يوجد في كلامهم لام الماضي ياء متحركة ساكنا ما قبلها، فالتقى ساكنان، فحذفت أولاهما، ثم قلبت الياء الساكنة ألفاً لانفتاح ما قبلها كما في ياجل وطائى، وكذا تقول في المضارع: إن حقه يَسْتَحيِيُ كيستبيع، حذفت حركة الياء، إذ لا نظير له في الأفعال، ثم حذفت الياء الأولى للساكنين، والأمر منه اسْتَحِ، وحق مصدره على هذا اسْتِحَاءة كاستباعة، ولا يستعمل، واسم الفاعل مُسْتَحٍ، والأصل مُسْتَحْيِيٌ فأعل إعلال المضارع، والمفعول مُسْتَحًى منه، وأصله مُسْتَحَايٌ حذفت حركة الياء كما في يستحاى، وأعل إعلال استحاي، وقد مر، وفيما ذهب إليه الخليل ضعف لا يخفي للارتكابات المكروهة وقال غيره - واختاره المازني -: إن الياء الأولى في جميع هذه التصرفات حذفت كما في أحَسْت وظِلْتُ ومِسْتُ، لأن حقّ المثلين الإدغام، فلما امتنع حذفت الأولى، لكونه أشبه شئ بالإدغام، وقال المازني: لو حذفت للساكنين لم تحذف في المثنى نحو اسْتَحَيَا ولقالوا: اسْتَحَايا كاستباعا قوله " بخلاف باب قوي " يعني أن قَوِيَ من مضاعف الواو، بدليل القوة كما أن حييَ من مضاعف الياء، لكنه إنما جاز إدغام حيي بخلاف قوي فلم
يُقَل قَوَّ كما قيل حَيَّ، لأن قلب الواو ياء إعلال في الطرف، وإدغام العين في اللام إعلال في الوسط، والأول أولى لما ذكرنا غير مرة، ولذلك ابتدئ بإدغام أيمّة قبل قلب همزة الساكن ألفاً، لانفتاح ما قبله كما ذكرنا في أول الكتاب، (1) وأيضاً قويَ بقلب الواو ياء أخف منه بإدغام الواو في الواو، والطريق المؤدي إلى زيادة الخفة أولى بالسلوك مما ليس كذلك قوله " ولذلك قالوا يَحْيَا " أي: لم يقولوا يَحيُّ مع أنهم أدغموا في الماضي، لأن الإعلال قبل الإدغام، وأيضاً الكلمة بالإعلال أخف منها بالإدغام، ولذلك قيل: يَقَْوَى، لا يَقَوُّ، وأيضاً لا يجوز الإدغام في يَحْيَى ويَقْوَى، لعدم لزوم حركة الثاني، وهو شرط الإدغام في مثله كما تقدم قوله " احْوَاوَى " هو افْعَالَلَ من الْحوَّة (2) وأصله احْوَاوَوَ، ولم يدغم، بل أعل، لسبق الإعلال على الإدغام، ولكون الكلمة به أخف، وكذا يَحْوَاوِي في مضارعه، والحركة في آخره عارضة، وكذا ارْعَوَى، وهو من باب افْعَلَ كاحْمَرَّ، وأصله ارْعَوَوَ كاحْمَرَرَ، ومصدر احْوَاوَى احْوِيوَاء كاحْمِيرَار، واحْوِيّاء، ولم يذكر سيبويه إلا هذا، فمن قال: احْوِيوَاء بلا قلب وإدغام فلكون الياء عارضاً في المصدر للكسرة وأصلها الألف في احْوَاوَى، فصارت لعروضها لا يعتد بها كما لا يعتد بواو سُويرَ وقُووِلَ، لكونها بدلاً من الألف في ساير (3) وقاول، وسيبويه نظر إلى كون المصدر أصلاً للفعل، فلا يكون الياء بدلاً من الألف، بل الالف في الفعل بدل من الياء في المصدر
قوله " ومن قال اشهباب " يعني أن باب افْعِلاَل مقصور افْعِيلاَل في بعض الكلمات،: يقال احميرار واحمرار، واشهيباب واشهباب (1) ، فيقال على ذلك في احويواء، احْوِوَاء، فيجتمع الواوان كما يجتمع التاءان في اقتتال، وإن لم يكن احوواء من باب اقتتال، وسيجئ في باب الإدغام أنه قد يدغم نحو اقْتَتَل يقتتل اقتتالاً فيقال: قِتَّال، فيقال أيضاً هنا: حِوَّاء، والواوان المدغم إحداهما في الأخرى لا يستثقلان في الوسط كما يستثقلان في الطرف، فيقال حَوَّى يَحَوِّي، بفتح الحاء فيهما، أو حِوَّى يَحِوِّي، بكسر الحاءَين (2) ، حِوَّاء نحو قتل يقتل قتالاً
وإذا بنيت من حَيِيَ ورَمَى مثل احْمَرَّ قلت: احْيَيَا وارْمَيَا، والإعلال قبل الإدغام. وإذا بنيت مثل احْمَارَّ منهما قلت: احْيَايَا وارْمايَا، وفي المثنى احْيَيَيَا وارْمَيَيَا واحْيَايَيَا وَارْمَايَيَا، ولا يجوز الإدغام لعروض الحركة في الأخيرة، لأجل ألف المثنى، وتقول في الجمع: احييوا، واحيايوا، فإذا لزمت الحركة - وذلك فيما لم يسم فاعله نحو احْيُيِيَ وارْمُيِيَ وَاحْيُويِيَ وَارْمُويِيَ واحْيُيِيَا واحيييوا وَاحْيُوييَا واحْيُوييُو - جاز الإدغام، فتقول: أُحْيِيَّ وأصله أُحْيُيَّ كسرت الياء المضمومة كما في مُسْلِمِيَّ، واحْيِيَّا واحْيِيُّوا واحْيُويَّ وَاحْيُويَّا واحْيُويُّوا، وفي المضارع: يُحْيَيى ويَرْمَيى ويَحْيَايى ويَرْمَايى، ولا يجوز إدغام الواو في احْيُويِيَ كما لم يدغم في سُوير، كما ذكرنا، وتقول في اسم الفاعل: مُحْيَيِيَةٌ وَمُحْيَايِيَة، ولا يجوز الإدغام، لعروض الحركة، بل إخفاء الكسر أولى من الإظهار كما بينا وتقول في مصدر احْيَيا: احْيِيَاء، وفي مصدر احْيَايَا احْيِيَّاء بالإدغام، ومن لم يدغم في احْويَواء لكون الياء بدلاً من الألف ينبغي أن لا يدغم أيضا ههنا، لكنه مستثقل، ومن أدغم في اقتتل يقتتل اقتتالا قال ههنا: حَيَّا يَحَيِّى حِيَّاء. قوله " وجاز الإدغام في أُحْيِيَ واسْتُحْييَ " من أدغم قال: أحِيَّ أُحِيَّا أُحِيُّوا وَاسْتُحِيَّ اسْتُحِيّاً اسْتُحِيُّوا، وذلك للزوم الحركة، ومن لم يدغم قال أُحْيِيَ أُحْيِيا أُحْيُوا، نحو أُرْمِيَ أُرْمِيَا، أُرْمُوا، وفي اسْتُحْيِيَ ثلاث لغات، هذه أصلها، وثانيتها الإدغام، وثالثتها حذف الياء الأولى كما في اسْتَحَى عند بني تميم، وتقول في مضارع أحيَا واسْتَحْيا: يُحْيِي ويَسْتَحْيِي، من غير إدغام، لعدم لزوم الحركة. قوله " ومن ثم لم يُبنَ من باب قَوِي " أي: من مضاعف الواو " فَعَلَ " (*)
[بعض ما لا يعل من الصيغ وسبب ذلك]
بالفتح كراهة اجتماع الواوين إذا اتصل بالماضي الضمير المرفوع، وأما فَعُلَ - بالضم - فلو بنى منه لحصلت الواوان من دون اتصال الضمير، إذ لم يكن تقلب الواو التي هي عين لما لم تكن علة القلب في اللام حاصلة، كما ذكرنا في حَيِي وطَوِيَ، ولم تكن تقلب الثانية ياء لضمة ما قبلها كما في الأدْلِي، لأن ذلك في الاسم كما يأتي، ألا ترى إلى نحو سَرُوَ؟ قوله " ونحو الْقُوَّة والصُّوَّة (1) " جواب سؤال، كأنه قيل: فإذا لم ينوا من باب قَوِيَ مخافة الواوين، فلم احتملوا ذلك في القوة؟ فقال: لأن الإدغام ههنا حاصل، فخفت الكلمة به، ولو كان الإدغام مقدماً على الإعلال أيضاً لم يجز ذلك في الفعل كما جاز في الاسم، لثقل الواوين في الفعل الذي هو ثقيل قال " وَصَحَّ بَابُ مَا أَفْعَلَهُ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ، وَأَفْعَلُ مِنْهُ مُحْمُولٌ عَلَيْهِ أَوْ لِلَّبْسِ بِالْفِعْلِ، وَازْدَوَجُوا وَاجْتَوَرُوا، لأَنَّهُ بِمَعْنَى تَفَاعَلُوا، وَبَابُ اعْوَارَّ وَاسْوَادَّ لِلَّبْس، وَعَوِرَ وَسَوِد، لأنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وما تَصَرَّفَ مِمَّا صَحَّ صَحِيحُ أيْضاً كَأَعْوَرْتُهُ وَاسْتَعْوَرْتُهُ وَمُقَاوِلٍ وَمُبَايعٍ وَعَاوِرٍ وَأَسْوَدَ، وَمَنْ قَالَ: عَارَ قَالَ: أَعَارَ واسْتَعَارَ وَعَائِرٌ، وَصَحَّ تَقْوَالٌ وَتَسْيَارٌ لِلَّبْسِ، ومقوال ومخياط للبس، ومقول ومخيط مَحْذُوفانِ مِنْهُمَا، أَوْ (لأَنَّهُمَا) بِمَعْنَاهُمَا، وأُعِلَّ نَحْوُ يَقُومُ وَيَبِيعُ وَمَقُومٍ وَمَبِيع بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِلَّبْس وَنَحْوُ جَوَادٍ وَطَويلٍ وَغَيُورٍ لٍِلإلْبَاسِ بِفَاعِلٍ أَوْ بِفَعَلَ أَوْ لأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى الْفِعْلِ وَلاَ مُوَافِقٍ، وَنَحْوُ الْجَوَلاَنِ وَالْحَيَوَانِ وَالصَّوَرَى وَالْحَيَدَى، للتنبيه
بِحَرَكَتِهِ عَلَى حَرَكَةِ مُسَمَّاهُ، وَالْمَوَتَانُ، لأنَّهُ نَقِيضهُ، أَوْ لأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ وَلاَ مُوَافِقٍ، وَنَحْوُ أَدْوُرٍ وَأَعْيُنٍ لِلإِلْبَاس، أَوْ لأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ وَلاَ مُخَالِفٍ، وَنَحْوُ جَدْوِلٍ وَخِرْوَعٍ وَعُلَيْبٍ، لِمُحَافَظَةِ الإِلْحَاقِ أَوْ للسكون المحض " أقول: قد تبين بما قدمت في أول هذا الباب علة تركهم إعلال الاشياء المذكورة، ولنفسر ألفاظ المصنف قوله " لعدم تصرفه " يعنى أن الأصل في الإعلال الفعل، لما ذكرنا من ثقله، ولم يعل باب التعجب نحو ما أقوله وأقول به - وإن كانا فعلين على الاصح - لمشابهتهما بعدم التصرف للاسماء، فصارا كأفعل التفضيل وأفعل الصفة قوله " وأفعل منه " أي: أفعل التفضيل محمول عليه: أي مشابه لافعل التعجب، لان التعجب من الشئ لكونه أفضل في معنى من المعاني من غيره، ولذلك تساويا في كثير من الاحكام كما تبين في بابيهما، ولا وجه لقوله " محمول عليه " لانه اسم، وأصل الاسم أن لا يعل هذا الاعلال كما ذكرنا، وقد يعل من جملة الاسماء الاقسام المذكورة كما مر، وشرط القسم المزيد فيه الموازن للفعل إذا قصدنا إعلال عينه أن يكون مخالفا للفعل بوجه كما تقدم، وهذا لا يخالف الفعل بشئ، فكان يكفى قوله " أو للبس بالفعل " قوله " وباب اعوار واسواد للبس " أي: لو قلبت الواو ألفاً ونقلت حركتها إلى ما قبلها لكان يسقط همزة الوصل وإحدى الألفين، فيبقى سادّ وعارّ فيلتبس بفاعل المضاعف، ولا وجه لقوله " للبس " لأنه إنما يُعْتذر لعدم الإعلال إذا حصل هناك علته ولم يعل، وعلة الإعلال فيما سكن ما قبل واوه أو يائه كونه فرعاً لما ثبت إعلاله، كما في أقام واستقام، ولم يعل عَوِرَ وسَوِدَ حتى يحمل اعْوارّ واسوادّ عليهما، بل الأمر بالعكس، بلى لو سئل كيف لم يعل اعوار واسواد
وظاهرهما أنهما مثل أقوم، فالجواب أن بينهما فرقا، وذلك أن العلة حاصلة في أقوم دون اعوَارَّ قوله " وما تصرف..إلى آخره " أي: لم يعل نحو استعَوْر وأَعْوَر وإن كانا في الظاهر كاستقوم وأقوم، لأن أصلهما ليس معلاً حتى يحملا في الإعلال عليه، وكذلك عاوِرٌ ومُقَاوِل ومُبَايعٌ لم يعل إعلال نحو قائل وبائع، لأن إعلال نحو قائل للحمل على فعله المعل، وأفعال هذه الأشياء غير معلة قوله " وتَقْوَال وتسيار للبس " يعني أن نحوه وإن كان مصدراً لفعل معل لم يعل ولم يجر مجراه كما أجرى إقامة واستقامة مجرى أقام واستقام، لئلا يلتبس بعد الإعلال بفَعَال، هذا قوله، والوجه ما تقدم من أن المصدر لا يعل عينه هذا الإعلال إلا أن يكون مصدراً مطرداً مساوياً لفعله في ثبوت الزيادة فيه في مثل موضعها من الفعل، كإقامة واستقامة، وليس نحو تقوال وتسيار كذا، وأما إعلال نحو قيام وعياذ بقلب الواو ياء وإن لم يساو الفعل بأحد الوجهين فلما ذكرنا من أن علة قلب الواو ياء لكسرة ما قبلها أمتن من علة قلب الواو ألفاً لفتحة ما قبلها. قوله " ومقوالٌ ومخياطٌ للبس " يعني أنه آلة جارية على الفعل فكان سبيله في الإعلال سبيل الفعل، لكنه لم يعل للبس بِفِعَال، والحق أن يقال: لم يثبت فيه علة الإعلال، وهي موازنة الفعل، فكيف يعل؟ وليس كل اسم متصل بالفعل يعل هذا الإعلال. قوله " ومِقْوَلٌ وَمِخْيَطٌ " هذا يحتاج إلى العذر، لأنه موازن للأمر نحو اذهب وأحمد، وفيه المخالفة بالميم المزيدة في الأول، فكان الوجه الإعلال، فالعذر أنه مقصور من مفعال، فأجرى مجرى أصله، ولنا أن لا نقول: إنه فرعه، بل نقول: هما أصلان، ومفعل محمول على مفعال في ترك الإعلال، لكونه بمعناه، وهذا
أولى، إذا موافقته لمعناه لا تدل على أنه فرعه. قوله " بغير ذلك " أي: لم تقلب عينها ألفاً كما قلبت في أصولها لئلا يلتبس وزن بوزن كما تكرر ذكرنا له قوله " للإلباس بفاعِل " أي: لو حركت الألف الثانية بعد الإعلال كما في قائل لا لتبس فَعَالٌ وَفَعُول وفَعِيل بفاعِل، ولو حذفت الألف بعد قلبها لا لتبس بفَعَل - المفتوح العين والفاء - والحق أن يقال: إنها لم تعل، لأنها ليست مما ذكرنا من أقسام الاسم التي تعل قوله " ونحو الجَوَلان " هذا عجيب، فإن حركة اللفظ لا تناسب حركة المعنى إلا بالاشتراك اللفظي، إذ معنى حركة اللفظ أن تجئ بعد الحرف بشئ من الواو والياء والألف كما هو مشهور، وحركة المعنى على فراسخ من هذا، فكيف ينبه بإحداهما على الأخرى؟ فالوجه قوله " أو لأنه ليس بجِار " أي كإقامة واستقامة كما ذكرنا من مناسبته للفعل، ولا موافق: أي موازن له موازنة مَقام ومُقام وباب ودار. قوله " للإلباس " أي: بالفعل. قوله " ولا مخالف " لأن شرط الموازن الموازنة المذكورة مخالفته بوجه حتى لا يلتبس بالفعل. قوله " لمحافظة الالحاق " فإن الملحق لا يعل بحذف حركة ولا نقلها ولا حذف حرف لئلا يخالف الملحق به، فيبطل غرض الالحاق إلا إذا كان الاعلال في الاخر فإنه يعل لان الأواخر محل التغيير، ولأن سقوط حركة الآخر كالْمِعْزَى لا يخل بالوزن كما ذكرنا في أول الكتاب (1) ، وسقوط الحرف الأخير لأجل التنوين كلا سقوط كمعزًى لأن التنوين غير لازم للكلمة.
[إعلال الياء والواو عينين بقلبهما همزة]
قوله " عُلْيَب " (1) وَهو عند الأخفش ملحق بجُخْدَب، وعند سيبويه للإلحاق أيضاً كسودَد، وإن لم يأت عنده فعلل كما يجئ بعد. قوله " أو للسكون المحض " هذا هو الحق لا الأول، لأن الواو والياء الساكن ما قبلهما إنما تقلبان ألفاً لكون ذلك الساكن مفتوحاً في أصل تلك الكلمة، ولم يثبت فيما نحن فيه حركة في الأصل. قال: " وتُقْلَبَانِ هَمْزَةً فِي نَحْوِ قَائِم وَبَائِعٍ الْمُعْتَلِّ فِعْلُهُ بِخِلاَفِ نحو عَاوِرِ، وَنَحْوُ شَاكِ وَشَاكٌ شاذ، في نَحْو جَاءٍ قَوْلاَنِ، قَالَ الْخَلِيلُ: مَقْلُوبٌ كالشَّاكِي وَقِيلَ: عَلَى الْقِيَاسِ، وَفِي نحْوِ أَوَائِلَ وَبَوَائِعَ مِمَّا وَقَعَتَا فيهِ بَعْدَ ألِفِ بَابِ مَسَاجِدَ وَقَبْلَهَا وَاوٌ أَوْ يَاءٌ، بِخِلاَفِ عَوَاوِيرَ وَطَوَاوِيسَ، وَضَيَاوِنُ شَاذّ، وصَحَّ عَوَاوِرُ، وَأُعِلَّ عيَائِيلٌ لأنَّ الأَصْلَ عَوَاوِيرُ فَحُذِفَتْ وَعَيَائِلُ فَأُشْبِعَ، وَلَمْ يَفْعَلُوهُ في باب معايش ومقاوم للفرق بينه بين بَابِ رَسَائِلَ وَعَجَائِزَ وَصَحَائِفَ، وَجَاءَ مَعَائِشُ بِالْهَمْزِ عَلَى ضَعْفٍ، وَالْتُزٍمَ هَمْزُ مَصَائِبَ. " أقول: كل ما في هذا الفصل قد تقدم ذكره بتعليله، وقول النحاة في هذا الباب: تقلب الواو والياء همزة، ليس بمحمول على الحقيقة، وذلك لأنه قلبت العين ألفاً ثم قلبت الألف همزة، فكأنه قلبت الواو والياء همزة.
قوله " بخلاف نحو عاوِرِ " يعني ان اسم الفاعل محمول على الفعل في الإعلال كما تقدم، فلما صح فعله هو أيضاً قوله " ونحو شَاكٍ وشاكٌ شاذ " يعني أن بعض العرب يقلب العين إلى موضع اللام في بعض أسماء الفاعلين من الأجوف، فيعله إعلال قاض، قال: 141 - * لاَثٍ بِهِ الأَشَاءُ وَالْعُبْرِيُّ * (1) وقال: 142 - فتعرفوني، إنني أنا ذاكم * شاك سلاحي في الحوادث معلم (4)
وهذا هو الذي غر الخليل حتى ارتكب في جميع اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللام القلبَ، فقال: إذا كانوا يقلبون في الصحيح اللام خوفاً من الهمزة الواحدة بعد الألف فهم من اجتماع همزتين أفر، وهكذا لما رآهم قالوا في جمع شائع: شَوَاعٍ (1) بالقلب، قال: فهو في نحو خَطَايا ومَطَايا وجَوَاءٍ وشَوَاءٍ أولى، والجواب أنهم إنما التجئوا إلى القلب في لاثٍ وشاكٍ خوفاً من الهمزة بعد الألف، وأما في نحو جاءٍ فيلزم همزة واحدة بعد الألف، سواء قلبت اللام إلى موضع العين أولاً، قال سيبويه: وأكثر العرب يقولون: لاثٌ وشاكٌ - بحذف العين - فكأنهم قلبوا العين ألفاً ثم حذفوا العين للساكنين، ولم يحركوها فراراً من الهمزة، والظاهر أن المحذوفة هي الثانية، لأن الأولى علامة الفاعلية، ويجوز أن يكون أصل لاثٍ وشاكٍ لَوِث وشَوِك مبالغة لائث كعَمِل في عامل ولبث في لابث،
فيكونان ككبش صَافٍ ويوم راحٍ، وقد مضى البحث في جاءٍ في أول الكتاب (1) قوله " وفي نحو أوائل " يعني إذا اكتنف حرفا علة ألفَ باب مساجد قلبت الثانية ألفاً، للقرب من الطرف واجتماع حرفي علة بينهما فاصل ضعيف، ثم تقلب الثانية همزة كما في قائل وبائع، على ما تقدم، سواء كان كلاهما واواً كما في أواول، أو كلاهما ياء كما في بيع وبيايع، أو الأول واواً والثاني ياء كما في بَوَايع جمع بَوْيَعة فَوْعَلة من البيع، أو بالعكس نحو عَيَايل جمع عَيِّل، وأصله عَيْوِل، لأنه من عال يَعُول، وكان قياس ضَيَاوِن (2) ضَيَائن، بالهمز، لكنه شذ في الجمع كما شذ في المفرد، وليس ذلك بمطرد، ألا ترى أنك تقول: بنات ألْبَبِه (3) بفك الإدغام، فإذا جمعت قلت بَنَات ألاَبِّه مدغماً، والمسموع من جميع ذلك
ما اكتنف ألف الجمع فيه واوان، وقاس سيبويه الثلاثة الباقية عليه، لاستثقال الياءين والياء والواو كاستثقال الواوين، وقال الأخفش: القياس أن لا يهمز في الياءين، ولا في الياء والواو، لأن اجتماعهما ليس كاجتماع الواوين، وأما رائع جمع بائعة، فإنما همز لكونه جمع ما همز عينه، فإذا بنيت اسم الفاعل من حَيِيَ وشَوَى قلت حَايٍ بالياء وشاوٍ كقاضٍ، وتقول في جمعهما لغير العقلاء: حَوَايَا وشَوَايَا عند سيبويه، لوقوع ألف الجمع بين واو وياء في جمع حَايٍ وبين واوين في جمع شاوٍ، ولا تتبع جمع شاوٍ واحده (1) كما فعلت في جمع إدَاوَة إذ لو اتبعت لقلت شوَاوَى، فكان فراراً إلى ما فر منه، على ما ذكرناه في تخفيف الهمزة، وتقول على مذهب الأخفش: حَوَايٍ بالياء، وأما شَوَايا فلا خلاف فيه لاجتماع الواوين قوله " بخلاف عواوير وطواويس " يعني إذا بَعُدت حروف العلة التي بعد ألف الجمع عن الطرف لم تقلبها ألفاً، سواء كان المكتنفان واوين كطواويس، أو ياءين كبياييع جمع بَيَّاع، أو مختلفين كقياويم جمع قيَّام وبوابيع جمع بياع على وزن تَوْرَاب من باع، لو جمعت الاسماء المذكورة هذه الجموع، وأما عَوَاوِر جمع عُوَّار وهو الْقَذَى فلأن أصله عواوير فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة، قال: 143 - وَكَحَّلَ العينين بالعواور (2)
وعيائيل بالهمز لأن أصله عيائل: إذ هو حمع عَيِّل كسيد، وهو الفقير، فأشبع الكسرة، قال 144 - فِيهَا عَيَائِيلُ أُسُودٌ ونمر (1)
روعي الأصل في الجمعين هذا كله في الجمع، وأما إن وقع مثل ذلك في غير الجمع فإن سيبويه يقلب الثاني أيضا ألفاً ثم همزة، فيقول: عُوَائر وقُوَائم، على وزن فُوَاعل من عَوِر وقَامَ، وكذا يقول في مُطَاء ورُمَاء وحُيَاء وشُوَاء من مَطَا ورَمَى وحَيِيَ وشَوَى، فيصير ثاني المكتنفين في الجميع (1) همزة، لأنه وإن فات ثقل الجمع إلا أن ضم أوله ألحقه ثقلاما، قال: لا تقلب الهمزة ههنا ياء مفتوحة، وَالياء بعدها ألفا، كما فعل في الجمع، فلا يقال مُطَايا ورُمَايا وحُيَايا وشُوايا، لئلا يلتبس ببناء شُكَاعى (2) وحُبارى، ويجوز أن يقال: إن ثقل
الضمة ليس كثقل الجمعية، فلم يطلب معها غاية التخفيف كما طلبت مع الجمع الأقصى، بل اقتصر على شئ منه، وذلك بقلب ثاني المكتنفين ألفاً، ثم همزة، قال سيبويه: فإن جمعت مُطَاءٍ قلت: مطاءٍ لا مَطَايَا، لأن الهمزة كانت في المفرد ولم تعرض في الجمع، فهو مثل شَوَاءٍ جمع شائية كما تقدم في تخفيف الهمزة، والأخفش والزجاج لا يغيران ثاني المكتنفين في غير الجمع، فيقولان: عُوَاوِر وقُوَاوم ومُطَاوٍ ورُمَايٍ وحُيَاي وشُوَايٍ، لخفة المفرد قوله " ولم يفعلوه في باب مَعَايش " أي: فيما وقع بعد ألف الجمع فيه واو أو ياء ليست بمدة زائدة، سواء كانت أصلية كما في مُقِيمة ومَقَاوِم ومُرِيبة ومَرَايب، أو زائدة كما في جَدَاول وعَثَاير، فتبقى على حالها: أما الأصلية فلأصالتها، وأما الزائدة المتحركة فلقوتها بالحركة وكونها للإلحاق بحرف أصلي، وإن كانت الواو والياء مدة زائدة في المفرد قلبت ألفاً ثم همزة، كما في تَنَائِف وكبائر، وقد يهمز معايش، تشبيهاً لمعيشة بفَعِيلة، والأكثر ترك الهمز، وكذا قد يهمز المنائر في جمع مَنَارة، تشبيهاً لها بفَعَالَة، والفصيح المناور، والتزم الهمز في المصائب تشبيهاً لمصيبة بفعيلة، كما جمع مَسِيل على مُسْلاَن تشبيهاً له بفعيل أو توهما، وهي - أعني مصائب ومنائر ومعائش - بالهمز شاذة قال: " وَتُقْلبُ يَاءُ فُعْلَى اسْماً وَاوَاً فِي نحو طوى وَكوسَى، وَلا تُقْلَبُ فِي الصِّفَةِ، وَلَكِنْ يُكْسَرُ مَا قَبْلَهَا لِتْسَلَمَ الْيَاءُ، نَحْوُ مِشْيَةٍ حِيكى وَقِسْمَة ضِيزَى، وَكَذَلِكَ بَابُ بِيضٍ، وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ ذلك، فَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الْقِيَاسُ الثَّانِي: فَنَحْوُ مَضُوْفَةٍ شَاذّ عِنْدَهُ، وَنَحْوُ مَعِيشَةٍ يَجُوزُ أنْ يَكُون مَفْعِلَةَ وَمَفْعُلَة، وَقَالَ الأَخْفَشُ: الْقِيَاسُ الأَوَّلُ، فَمَضُوفَةُ قِيَاسٌ عِنْدَهُ، وَمَعِيشَةٌ مَفْعِلَةٌ، وَإلاَّ لَزِمَ مَعُوشَة وَعَلَيْهِمَا لَوْ بُنِيَ مِنَ الْبَيْعِ مِثْلُ تُرْتُب لَقِيلَ: تُبِيعٌ وَتُبُوعٌ "
أقول: قوله " طوبى " أما أن يكون مصدراً كالرُّجْعَى، قال تعالى: (طوبى لهم) أي: طيباً لهم، كقوله تعالى (تعسا لهم) ، وإما أن يكون مؤنثاً للأطيب، فحقه الطُّوبَى، باللام، وحكمه حكم الأسماء، كما قال سيبويه: هذا باب ما تقلب فيه الياء واواً، وذلك إذا كان اسماً كالطوبى والكوسى، قال: لأنها لا تكون وصفاً بغير الألف واللام، فأجري مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً بغير الألف واللام، لأنها لا تستعمل مع " مِنْ " كما هو معلوم، وأما مع الإضافة فإن المضاف إليه يبين الموصوف، لأن أفعل التفضيل بعضُ ما يضاف إليه، فلا تقول: عندي جارية حُسْنَى الجواري، لأن الجواري تدل على الموصوف، فلما لم تكن فُعْلَى بغير لام صفةً ولم تتصرف في الوصفية تصرف سائر الصفات جرت مجرى الأسماء، ولقلة معنى الوصف في أفعل التفضيل انصرف المجرد منه من " من " إذا نكر بعد العلمية اتفاقاً، بخلاف باب أحمر، فإن فيه خلافا كما مر في بابه (1) يقال: مِشْيَةٌ حِيكَى، إذا كان فيها حَيَكَان: أي تبختر، قال سيبويه: هو فُعْلَى بالضم لا فِعْلَى بالكسر، لأن فِعْلَى لا تكون صفة، وإما عزهاة (2)
فهو بالتاء، وقد أثبت بعضهم رَجِلٌ كِيصَى للذي يأكل وحده، ويجوز أن يكون فُعْلَى بالضم فيكون ملحقاً بجُخْدَب، كما في سُودَد وعُوطَط (1) ، ولا يضر تغيير الضمة بالإلحاق، لأن المقصود من الإلحاق - وهو استقامة الوزن والسجع ونحو ذلك - لا يتفاوت به، وإنما قلبت في الاسم دون الصفة فرقاً بينهما، وكانت الصفة أولى بالياء لثقلها قوله " وكذلك باب بِيض " يعني جمع أفْعَلَ وفَعْلاَء، وذلك لثقل الجمع وقد يترك في باب بِيض جمع أبْيَضَ الضمةُ بحالها فتقلب الياء واواً، وذلك لخفة الوزن قوله " واختلف في غير ذلك " أي: في غير فُعْلٍ وفُعْلَى الجمع والصفة، سواء كان على فُعْلٍ كما إذا بنيت على وزن بُرْدٍ من البيع، أو على غير وزن فُعْل فسيبويه يقلب الضمة كسرة، لتسلم الياء، ولا تقلب الياء واواً، لأن الأول أقل تغييراً، والأخفشُ يعكس الأمر، مستدلاً باتفاقهم على قلب الياء - إذا كانت فاء - واواً لضمة ما قبلهما، نحو مُوسِرٍ، وأجيب بأن ذلك للبعد من الطرف، بخلاف ما إذا كانت الياء قريبة من الآخر، كما فيما نحن فيه قوله " فمضوفة (2) شاذ " لأن المضوفة الشدة، وهي من الضيافة، لأنها تحتاج في دفعها إلى انضياف بعض إلى بعض، وهو يائي، لقولهم: ضَيَّفَهُ
[حكم الواو المكسورة ما قبلها وهي عين]
قال: " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ الْمَكْسُورُ مَا قَبْلَهَا فِي الْمَصَادِرِ يَاءً نَحْوُ قِيَاماً وَعِيَاذاً وَقِيَماً، لإِعْلاَلِ أًفْعَالِهَا، وَحَالَ حِوَلاً شَاذٌّ كَالْقَوَدِ، بِخِلاَفِ مَصْدَرِ نَحْوِ لاَوَذَ، وَفِي نَحْوِ جِيَادٍ وَدِيَارٍ وَرِيَاحٍ وَتِيَرٍ وَدِيمٍ، لإِعْلاَلِ الْمُفْرَدِ، وَشَذَّ طِيَالٌ، وَصَحَّ رَوَاءٌ جَمْعُ رَيَّانَ، كَرَاهَةَ إِعْلاَلَيْنِ، وَنِوَاءٌ جَمْعُ نَاوٍ، وَفِي نَحْوِ رِيَاضٍ وَثِيَابٍ، لِسُكُونِهَا فِي الْوَاحِدِ مَعَ الأَلِفِ بَعْدَهِا، بِخِلاَفِ كِوَزَةٍ وَعِوَدَةٍ، وَأَمَّا ثِيرَةَ فَشَاذّ " أقول: كان حق الواو المتحركة المكسور ما قبلها أن لا تقلب ياء، إلا في آخر الكلمة، نحو رأيت الَغَازِيَ، كما أن الياء المتحركة المضموم ما قبلها لا تقلب واواً كالتَّرَامِي والْهُيَام والْعُيَبَة، وذلك لأن اقتضاء الكسرة للياء بعدها كاقتضاء الضمة للواو بعدها، والواو والياء يتقَوَّيَان بالحركة، فلا يَقْدِر كسرةُ ما قبل أحدهما وضم ما قبل الآخر على قلبها، وإذا كانا مضعفين فهما أشد قوة نحو اجْلِوَّاذ وَبُيَّع، واجْلِيوَاذٌ ودِيوَانٌ شاذان، لكنه قد يعرض للواو المتحركة غير المتطرفة المكسور ما قبلها ما يقتضي قلبها ياء، وهو الحمل على غيره كما في قام قياما، لم يثبت ذلك في الياء المتحركة غير المتطرفة المضموم ما قبلها، فبقيت على الأصل، فنقول: قلبت الواو المذكورة ياء لثلاثة أشياء: أحدها: أن تكون الكلمة مصدرا لفعل مُعَل نحو عاذ عِيَاذاً واقْتَادَ اقْتِيَاداً، ولا نريد كون الفعل مُعَلاًّ بهذا الإعلال، بل كون الفعل أعِلَّ إعلالاً ما، كما أن الواو في عِيَاذٍ قلبت ياء لإعلال عَاذَ بقلب الواو ألفاً، وتصحيح الواو في حَالَ حِوَلا شاذ كشذوذ تصحيح الواو في الْقَوَد، بخلاف مصدر نحو لاَوَذَ، لأن فعله مصحح، ولم يقلب نحو عِوَض، لأنه ليس بمصدر، وقوله تعالى (دِيناً (1) قِيَماً) في الاصل مصدر
وثانيها: أن تكون الكلمة جمعاً لواحد أعلت عينه بقلبها ألفاً كما في تَارَة وتِيَرٍ، أو ياء كما في دِيمَةٍ ودِيَم ورِيحٍ ورِيَاحٍ، وشذ طِيَالٌ جمع طويل، إذ لم تعل عين واحده، وصح رِوَاء مع أن واحدهً مُعَلِ العين، أعني رَيَّان، كما صح هَوَى وطَوَى، كراهة الإعلالين، وصح نِوَاء جمع ناو: أي سمين (1) ، لأنه لم يعل واو واحدة، ولو أعل أيضاً لم يجز إعلال الجمع، لاجتماع إعلالين وثالثها - وهو أضعفها، ومن ثم احتاج إلى شرط آخر، هو كون الألف بعد الواو الواقعة بعد الكسر - كون الكلمة جمعاً لواحد ساكن عينه، كَحِيَاض وثِيَابٍ ورِيَاض، وإنما احتيج إلى شرط آخر لأن واو الواحد لم تعل، بل فيها شَبَهُ الإعلال، وهو كونها ساكنة، لأن السكون يجعلها ميتة فكأنها معلة، وإنما أثر الشرط المذكور لأن كون الواو بين الكسرة والألف كأنه جمع بين حروف العلة الثلاثة، فيقلب أثقلها: أي الواو، إلى ما يجانس حركة ما قبلها: أي الياء، وهذا الشرط - وإن لم يكن شرطا في الأولين نحو قيم وتير وديم - لكنه يقويهما، فلهذا جُوِّز تصحيح حِوَلا، وإن كان مصدر فعل فعل معل، وجاز ثيرة
[قلب الواو ياء لاجتماعها والياء]
مع ثِوَرَة لحمله على ثيران، وصح خِوَان (1) وصِوَان (2) ، لأنه ليس بجمع قال " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ عَيْناً أَوْ لاَماً أَوْ غَيْرَهُمَا يَاءً إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ يَاءٍ وَسَكَنَ السَّابِقُ، وَتُدْغَمُ وَيُكْسَرُ مَا قَبْلَهَا إن كَانَ ضَمَّةً، كَسَيِّدٍ وَأَيَّام وَدَيَّار وَقَيَّام وَقَيُّوم وَدُلَيَّةٍ وَطَيٍّ وَمَرْمِيٍّ ونحو مُسْلِمِيَّ رَفْعاً، وَجَاءَ لُيٌّ فِي جَمْعِ أَلْوَى - بَالْكَسْرِ وَالضَّمِّ - وَأَمًّا نَحْوُ ضيون وَحَيْوَة وَنَهُوٍّ فَشَاذٌ، وَصُيَّم وَقُيَّم شَاذ، وقَوْلُهُ * فَمَا أرَّقَ النُّيَّام إلاَّ سَلاَمُهَا * أشَذُّ " أقول: قوله " عيناً " كما في طيٍّ وسَيِّد وأيَّام ودَيَّار وقَيَّام وقَيُّوم، إذ أصلها أيْوَام وقَيْوَام وقَيْوُوم، على فَيْعال وفَيْعُول، ولو كانا فَعَّالاً وفَعُّولاً لقيل قوَّام وقَوُّوم قوله " لاما " كما في دُلَيَّة، وأصله دُلَيْوَة قوله " أو غيرهما " كما في مَرْمِيّ ومُسْلمِيّ، إذ الواو في الأول للمفعول، والثاني واو الجمع اعلم أن الواو والياء - وإن لم يتقاربا في المخرج (3) حتى يدغم أحدهما في الآخر كما في ادّكر (4) واتَّعَد (5) - لكن لما استثقل اجتماعهما اكتفى
لتخفيفهما بالإدغام بأدنى مناسبة بينهما، وهي كونهما من حروف المد واللين، وجَرَّأهم على التخفيف الإدغامي فيهما كون أولهما ساكناً، فإن شرط الادغام سكون الاولى، فقلبت الواو إلى الياء، سواء تقدمت الواو أو تأخرت، وإن كان القياس في إدغام المتقاربين قلب الأول إلى الثاني، وإنما فعل ذلك ليحصل التخفيف المقصود، لأن الواو والياء ليستا بأثقل من الواو المضعفة، وإنما لم يدغم في سُوير وتُبُويع، قال الخليل: لأن الواو ليست بلازمة، بل حكمها حكم الألف التي هي بدل منها، لأن الأصل ساير وتبايع، فكما أن الألف التي هي أصل هذه الواو لا تدغم في شئ، فكذلك الواو التي هي بدل منها، ولذلك لم يدغم نحو قوول وتقوول، وأيضاً لو أدغم نحو سِوير وتُسُوِير وقُووِل وتقوول لا لتبس بفُعِّل وتُفُعِّل، وليس ترك الإدغام فيه لمجرد المد، إذ المد إنما يمنع من الإدغام إذا كان في آخر كلمة، نحو قوله (قالوا وأقبلوا) و (في يوم) أما في الكلمة الواحدة فلا، نحو مَغْزُوّ ومَرْمِيّ، وذلك لأن الكلمتين بعرض الزوال، فاجتمع مع خوف زوال المد عدم الاتصال التام، ولا تدغِمْ أيضاً في نحو ديوان واجْلِيواذ، لأن القلب عارض على غير القياس، وبزول ذلك في جمع ديوان وتصغيره نحو دَوَاوين ودُوَيْوِين، وتقول في اجليواذ: اجلوذ (على الأكثر) ولو كان ديوان فِيعَالاً لوجب قلب الواو ياء وإدغام الياء فيها كما في أيام، لكنه فِعَّال، قلبت الواو ياء على غير القياس كما قلب في قِيَراط، وجمعه قَرَاريط، وكذا لا تدغِم إذا خففت في نحو رُؤْيا ورُؤْيَة بقلب الهمزة واواً، بل تقول: رُويَا ورُويةَ، وبعض العرب يقلب ويدغم فيقول: رُيَّا ورُيَّة، ولا يجوز ذلك في سوير وبويع على حال، لحصول الالتباس بباب فُعِّل، بخلاف نحو رُيَّا ورُيَّة، ويقيس عليه بعض النحاة فيقول في تخفيف قوي: قَيَّ، وإذا خففت نحو رؤية ونُؤْى وأدغمت جاز الضم والكسر، كما في ليّ جمع ألوى، كما ذكرنا، وكذا إذا بنيت مثل فُعْلٍ
من وايت وخففت الهمزة بالقلب قلت: وِيّ (1) وَوُيّ، وكذا فُعْل من شَوَيْت شُيّ وشِيّ، وأما حَيْوَة فقلبت الياء الثانية واواً في العلم خاصة، لأن الأعلام كثيراً ما تغير إلى خلاف ما يجب أن تكون الكلمة عليه، تنبيهاً على خروجها عن وضعها الأصلي كموهب (2) وموظب (3)
ومَكْوَزَة (1) وشُمْس (2) ، ونحو ذلك، وعند المازني واو حَيْوَة أصل، كما ذكرنا في الْحَيَوان، وأما نهُوٌّ فأصله نَهْويٌ لأنه فَعُول من النهي، يقال: فلان نَهُوّ عن المنكر: أي مبالغ في النهي عنه، وقياسه نهى
[الإعلال بالنقل]
قوله " وصُيَّم وقًَيَّم شاذ " يعني أن حق الواو إذا جامعت الياء وأولاهما ساكنة قلبها ياء، وههنا اجتمعت الواوان وأولاهما ساكنة فقلبتا ياءين، فلذا شذ، والأولى أن يذكر شذوذ مثله بعد ذكر فصل دُلِيٍّ ومَرْضِيٍّ، وذلك لأن الواو المشددة - وإن قربت من الحرف الصحيح - لكنها تقلب ياء إذا وقعت في الجمع طرفاً، لثقل الجمع، وكون الطرف محل التخفيف، فهي في قُوَّم وصُوَّم لم تقع طرفاً، ومع ذلك قلبت ياء، فهو شاذ، ووجه القلب فيه - مع ذلك - قربه من الطرف في الجمع، ويجئ بعدُ أن القلب في مثله قياسي، وإنما كان النُّيَّام أشذ لكونه أبعد من الطرف، قال 145 - أَلاَ طَرَقَتْنَامَيَّةُ ابْنَهُ مُنْذِرٍ * فَمَا أَرَّقَ النيام إلا سلامها (1) قال: " وَتُسْكَّنَانِ وَتُنْقَلُ حَرَكَتُهُمَا فِي نَحْوِ يَقُومُ وَيَبِيعُ: لِلَبْسِهِ بِبَابِ يَخَافُ، وَمَفْعُلٌ وَمَفْعِلٌ كَذَلِكَ، وَمَفْعُولٌ نَحْوُ مَقُولٍ وَمَبِيعٍ كَذَلِكَ، وَالمَحْذُوفُ عِنْدَ سِيبَوَيْه وَاوُ مَفْعُولٍ، وَعِنْدَ الأَخْفَشِ الْعَيْنُ، وَانْقَلَبَتْ وَاوُ مَفْعُولٍ
عِنْدَهُ يَاءً لِلْكَسْرَة فَخَالَفَا أصْلَيْهِمَا، وَشَذَّ مَشِيبٌ وَمَهُوبٌ، وَكَثُرَ نَحْوُ مبيوع، وقل نحو مصوون، وَإعْلاَلُ تَلْوُونَ وَيَسْتَحْيي قَلِيلٌ، وَتُحْذَفَانِ فِي نَحْو قُلْتُ وَبِعْتُ وَقُلْنَ وَبِعْنَ، وَيُكْسَرُ الأَوَّلُ إنْ كَانَتِ الْعَيْنُ يَاءً أَوْ مَكْسُورَةً، وَيُضَمُّ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَفْعَلُوهُ فِي لَسْتُ، لِشَبَهِ الحرْفِ، وَمَنْ ثَمَّ سَكَّنُوا اليَاء، وَفِي قُلْ وَبعْ، لأنهُ عَنْ تَقُولُ وَتَبِيعُ، وَفِي الإِقَامَةِ والاسْتِقَامَةِ، وَيَجُوزُ الحذْفُ فِي نحو سيد وميت وكينونة وَقَيَّلُولَةٍ " أقول: إذا تحرك الواو والياء وسكن ما قبلهما فالقياس أن لا يعلا بنقل ولا بقلب، لأن ذلك خفيف، لكن إن اتفق أن يكون ذلك في فعل قد أعل أصله بإسكان العين، أو في اسم محمول عليه سُكّن عين ذلك الفعل والمحمول عليه، إتباعاً لأصله، وبعد الإسكان تنقل الحركة إلى ذلك الساكن المتقدم، تنبيهاً على البنية، لأن أوزان الفعل إنما تختلف بحركات العين، وإنما كان الأصل في هذا الإسكان الفعل دون الاسم لكونه أثقل، على ما مر في أول الباب، ويشترط أن يكون الساكن الذي ينقل الحركة إليه له عِرْقٌ في التحرك: أي يكون متحركاً في ذلك الأصل، فلذا لم ينقل في نحو قاول وبايع وقَوَّل وبَيّع، ونقل في أقام ويُقيم، فإن لم يسكن في الأصل لم يسكن في الفرع أيضاً، فلذا صح العين في يَعْوَر وأعْوَر ويُعْوِر واسْتَعْوَر ويَسْتَعْور، فإذا نقلت الحركات إلى ما قبل الواو والياء نظر: فإن كانت الحركة فتحة قلبت الواو والياء ألفاً، لأنه إذا أمكن إعلال الفرع بعين ما أعل به الأصل فهو أولى، وإن كانت كسرة أو ضمة لم يمكن قلبهما ألفاً، لأن الألف لا تلى إلى الفتح فيبقيان بحالهما، إلا الواو التي كانت مكسورة فانه تقلب ياء، لصيرورتها ساكنة مكسوراً ما قبلها، نحو يَطِيح وأصله يطوح (1) ويُقِيم وأصله يقوم،
فعلى هذا تقول: يَخَاف ويَهَاب ويَقُوم ويَبيع ويَطيح ويُقيم قوله " للبسه بباب يخاف " يعني أنه لم يعلا بإعلال ما ضيهما مع أن الماضي أصل المضارع، وذلك بأن يقال: إن الواو والياء متحركان وما قبلهما في تقدير الفتح بالنظر إلى الأصل الذي هو الماضي، فيقلبان ألفاً، فيقال: يَقَأم ويَبَاع، وذلك لأنه لو أعلا كذلك لا لتبسا بباب يخاف واعلم أن الاسم الذي يحمل على الفعل في هذا النقل نوعان: أحدهما: الثلاثي المزيد فيه الموازن للفعل الموازنة المذكورة قبل في قلب الواو والياء ألفاً، مع مباينته للفعل: إما بحرف زائد لا يزاد في الفعل كميم مَقَام ومُقَام ومُقْوُم، على وزن مُدْهُن من قام ومقم، فإنها على وزن يَفْعَل وَيُفْعَل وافْعُل أمراً ويُفْعِلُ، أو بحرف يزاد مثله في الفعل متحرك بحركة لا يُحَرِّك في الفعل بمثلها، نحو تِبَاع وتِبِيع، فإن التاء المكسورة لا تكون في أول الفعل، إلا على لغة، وقد ذكرنا الوجه فيه، وعند المبرد يشترط مع الموازنة والمخالفة المذكورتين شرطٌ آخر، وهو أن يكون من الأسماء المتصلة بالأفعال، فلذا لم يعل مَرْيَمُ وَمَدْيَنُ، وليسا عنده بشاذين، فلا يعل عنده تِقْوَل وتِبْيَع المبنيان من القول والبيع وغير ذلك، إذ ليس فيهما معنى الفعل، فإن لم يكن مخالفاً بما ذكرنا نحو أَطْوَلَ منك وأَسْوَد وتَقْوُلٍ وتَقْولٍ وأَقْوُل على وزن تَنْصُر وتَضْرِب واقْتُل، وكذا أَعْيُن وأدْوُر، لم يعلّ الإعلال المذكور لئلا يلتبس بالفعل عند التسمية، كما مر قبل، إنما لم ينقل في نحو أخْوِنَة وأصْوِنة وإن صيره التاء مبايناً للفعل كالميم في الأول لأن التاء وإن كانت ههنا لازمة فوضعها على عدم اللزوم، فهى ههنا كما في أسْوَدَة تأنيث أسود في الحية، فكأن التاء معدوم، ولم ينقل في نحو أهْوناء وأبيناء لان الالف التأنيث للزومه وكونه كجزء الكلمة أخرجها عن موازنة الفعل المذكور كإخراج الألف في الصَّوَرَى والْحَيَدَى، والألف والنون في
الطيران والجولان، كما ذكرنا قيل، ومن العرب من ينقل كسرة الياء في أَبْيِنَاء، فيقول: أبِينَاء، لا لمشابهة الفعل، وإلا نَقَلَ في أهْوِناء أيضاً، بل لكراهة الكسر على الياء، وهما مثلان، كما حذفت الضمة في نُورٍ جمع نَوَارٍ استثقالاً للضمة على الواو، فأعل بالنقل: في نحو أبيناء خاصة مع عدم الموازنة المذكورة، لشدة الاستثقال، وعَدَمُ الإعلال في نحو أبيناء أكثر، بل النقل شاذ، بخلاف نحو نُور في جمع نَوَار فإن الإسكان فيه أكثر لكون الواو المضمومة أثقل من الياء المكسورة حتى عد شاذا في نحو قوله: * بِالأَكُفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ (1) * وهو جمع سِوَار، وأصل مَفْعُول أن يكون مُفْعَلاً فيوازن يُفْعَل، زيدت الواو لما ذكرنا في بابه (2) ،
فلما كان أصله الموازنة أعل بإسكان العين، ولولا ذلك لم يعل، وأما سائر أسماء المفعولين فتوازن أفعالها المبنية للمفعول مع المباينة بالميم المصدرة واعلم أن أصل مَقُول مَقُوُول، نقلت حركة العين إلى ما قبلها، فاجْتمع ساكنان، فسيبويه يحذف الثانية دون الأولى، وإن كان القياس حذف الأولى إذا اجتمع ساكنان والأولى مدة، وإنما حكم بذلك لأنه رأى الياء في اسم المفعول اليائي ثابتاً بعد الإعلال نحو مَبِيع، فحدَسَ أن الواو هي الساقطة عنه، ثم طرد هذا الحكم في الأجوف الواوي، وإنما خولف عنده باب التقاء الساكنين ههنا بحذف الثاني لأن الكلمة تصير به أخَفّ منها بحذف الأول، وأيضاً يحصل الفرق بين المفعولين الواوي واليائي، ولو حذف الأول لا لتبسا، فلما حذف واو مَبْيُوع كسرت الضمة لتسلم الياء كما هو قياس قول سيبويه في نحو تُبِيع من البيع، وأما الأخفش فإنه يحذف الساكن الأول في الواوي واليائي، كما هو قياس التقاء الساكنين، فقيل له: فينبغي أن يبقى عندك مَبُوع، فما هذه الياء في مبيع؟ فقال: لما نقلت الضمة إلى ما قبلها كسرت الضمة لأجل الياء قبل حذف الياء، ثم حذفت الياء للساكنين، ثم قلبت الواو ياء للكسرة، وفيه نظر، لأن الياء إنما تستحق قلب ضمة ما قبلها كسرة إذا كانت مما يبقى، لا مما يحذف، فالأولى أن يقال على مذهبه: حذفت الياء أولاً، ثم قلبت الضمة كسرة، فانقلبت الواو ياء، وذلك للفرق بين الواوي واليائي، قوله " فخالفا أصليهما " أما مخالفة سيبويه فلأنه حذف ثاني الساكنين، وأصله وأصلُ غيره حذفُ أولهما (1) وأما مخالفة الأخفش أصله فلان أصله
أن الياء الساكنة تقلب واواً لانضمام ما قبلها، وإن كانت الياء مما يبقى، وقد كسر ههنا ضم ما قبل الياء مع أن الياء مما يحذف قوله " وشذ مَشِيب " في مَشُوب من شَاب يَشُوب (1) ومَنِيل في مَنُول (2) من نَال ينول: أي أعطى، ومَلِيم في مَلُوم (3) ، كأنها بنيت على شيب ونيل
ولِيمَ، كما شذ مَهُوب (1) من الهيبة، كأنه بنى على هُوبَ قوله " وكثر نحو مَبْيُوع ومخيوط " قال: 116 - قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّداً * وَإخَالُ أنَّكَ سَيِّدٌ مَغْيُونُ (2) وهي لغةُ تميمية قوله " وقَلَّ نحو مَصْوُون " لكون الواوين أثقل من الواو والياء، ومنع سيبويه ذلك (3) وقال: لا نعلمهم أتموا الواوات، وحكى الكسائي خاتم
مَصْوُوغ، وأجاز فيه كله أن يأتي على الأصل قياساً قوله " وتحذفان في قُلْت وبِعْت " إلى قوله " ويضم في غيره " مضى شرحه في أول الكتاب قوله " ولم يفعلوه في لَسْتُ " أي: لم يكسروا اللام مع أنه يائي من باب فَعِل المكسور العين، وأحدهما يكفي للكسر كبِعت وخِفت، فكيف بهما جميعاً؟ وذلك لأنه لما لم يَتَصَرَّف حذفت الكسرة نسياً ولم تنقل إلى ما قبل الياء، فصار ليس كليت قوله " ومن ثم سكنوا الياء " أي: لم يقلبوا الياء ألفاً لأن ذلك تصرف، كما أن نقل حركة الياء إلى ما قبلها تصرف، فلما كان الفعل غير متصرف لم يتصرف فيه بقلب ولا نقل، بل حذفت الحركة نسياً، والدليل على أن العين كانت مكسورة أن فتحة العين لا تحذف، فلا يقال في ضرب: ضَرَب، كما يقال في عَلِم: عَلْم، وباب فُعل - بالضم - لا يجئ فيه الأجوف اليائي إلا هَيُؤ، وهو شاذ قوله " وفي قل وبع " عطف على نحو قلت وبعت قوله " لأنه عَنْ تقول وتبيع " يعني إنما أعل قُلْ وبعْ بالنقل (1) لكونهما عن تقول وتبيع
قوله " وفي الإقامة والاستقامة " هذا هو النوع الثاني مما تنقل حركة عينه إلى ما قبله، وضابطه ما ذكرنا قبل من كونه مصدراً قياسياً مساوياً لفعله في ثبوت زيادات المصدر بعينها في مثل مواضعها من الفعل، والذي ذكره المصنف من حذف الألف المنقلبة عن الواو والياء في نحو الإقامة والإبانة مذهب الأخفش، وعند الخليل وسيبويه أن المحذوفة هي الزائدة، كما قالا في واو مفعول، وقول الأخفش أولى (1) قياساً على غيره مما التقى فيه ساكنان
قوله " ويجوز الحذف في نحو سيِّد وميّت وكَيَّنُونة وقيَّلولة " فيه نظر، وذلك لأن الحذف جائز في نحو سيِّد وميّت، واجب في كيَّنونة، إلا في ضرورة الشعر، قال: 147 - ياليت أنَّا ضَمَّنَا سَفِينَهْ * حَتَّى يَعُودَ الْوَصْلُ كَيَّنُونَهْ (1) اعلم أن نحو سيِّد وميّت عند سيبويه فَيْعل - بكسر العين - وكَيْنونة وقَيْلولة - عنده كيَّنُونة وقيَّلولة - بفتح العين - على وزن عيضموز (3) إلا أن اللام مكررة في كَيّنونة والتاء لازمة، ولما لم يوجد في غير الاجوف بناء فَيْعِلٍ - بكسر العين - ولا فيعَلُولة في المصادر حكم بعضهم بأن أصل سيد وميت فَيْعَل - بفتح العين - كصيرف
فكسر كما في بِصرى - بكسر الفاء - ودهري - بالضم - على غير القياس قال سيبويه (1) : لو كان مفتوح العين لم يغير هيبان (2) وتيحان (3)
ولجاز الاستعمال شائعاً، ولم يسمع من الأجوف فَيْعل إلاّ عَيَّنٌ قال: مَا بَالُ عَيْنِي كَالشَّعِيبِ الْعَيَّنِ (1) وقال الفراء - تجنباً أيضاً من بناء فيِعِلٍ - بكسر العين -: أصل نحو جيد جَوِيد كطوِيل، فقلبت الواو إلى موضع الياء والياء إلى موضع الواو، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت كما في طيٍّ، وقال في طويل: إنه شاذ، قال: وإنما صار هذا الإعلال قياساً في الصفة المشبهة لكونها كالفعل وعملها عمله، فإن لم يكن صفة كعويل لم يعل هذا الإعلال، وقال في كيْنُونة ونحوها: أصلها كُونونة كبُهْلول (2) وصندوق، ففتحوا الفاء لان أكثر ما يجئ من هذه المصادر ذوات الياء نحو صارَ صيرورة، وسار سيرورة، ففتحوه حتى تسلم الياء، لأن الباب للياء، ثم حملوا ذوات الواو على ذوات الياء، فقلبوا الواو ياء في كينونة حملاً على صيرورة، وهذا كما قال في قضاة: إن أصله قُضًّى كَغُزًّى، فاستثقلوا التشديد على العين، فخففوا وعوضوا من الحرف المحذوف التاء، وقول سيبويه في ذلك كله هو الاولى، وهو أن بعض الأبواب قد يختص ببعض الأحكام فلا محذور من اختصاص الأجوف ببناء فَيْعِل - بكسر العين - وغير الاجوف ببناء فيعَل - بفتحها - وإذا جاز عند الفراء اختصاص فعِيل الأجوف بتقديم الياء على العين، وعند ذلك الاخر ببناء فَيْعَل، - بالفتح - إلى فيعِلٍ بالكسر فما المانع من اختصاصه ببناء فيعِل، وكذا لا محذور من اختصاص مصدر الاجوف بفيعلولة وحمع الناقص بفُعَلة - بضم الفاء -، وقول الفراء: إنهم حملوا الواو على الياء لأن الباب للياء، ليس بشئ، لأن المصادر على هذا الوزن قليلة، وما جاء منها
فذوات الواو منها قريبة في العدد من ذوات الياء أو مثلها، نحو كينونة، وقيدودة (1) ، وحال حيلولة، وإنما لزم الحذف في نحو كينونة وسيدودة (2) دون سيّد وميّت لأن نهاية الاسم أن يكون على سبعة أحرف بالزيادة، وهذه على ستة، وقد لزمها تاء التأنيث، فلما جاز التخفيف فيما هو أقل منها نحو سيد لزم التخفيف فيما كثر حروفه، أعني نحو كينونة، ويقل الحذف في نحو فَيْعَلان، قالوا: رَيْحان وأصله رَيَّحَان، وأصله رَيْوَحان من الرَّوْح قال: " وَفِي بَابِ قِيلَ وَبِيع ثَلاَثُ لُغَاتٍ: الْيَاءُ، والإِشْمَامُ، وَالْوَاوُ، فإنِ اتَّصَلَ بِهِ مَا يُسَكِّنُ لاَمَهُ نَحْوُ بُِعْتَ يَا عَبْدُ وَقُِلْتَ يا قَوْلُ، فَالْكَسْرُ وَالإِشْمَامُ وَالضَّمُّ، وَبَابُ اخْتِيرَ وانْقِيدَ مِثْلُهُ فِيهَا، بخلاف أُقِيمَ واستقيم " أقول: قد مضى شرح هذا في شرح الكافية (3) قوله " ما يسكن لامه " أي: تاء الضمير ونونه، فإذا اتصل به ذلك حذفت العين، ويبقى الفاء مكسوراً كسراً صريحاً، وهو الأشهر، كما هو كذلك قبل الحذف، ويجوز إشمام الكسرة شيئاً من الضم، كما جاز قبل الحذف، وضمه
صريحاً كما كان قبل الحذف، وإذا قامت قرينة على أن المراد به المعلوم أو المجهول نحو قُلْتَ يا قَوْلُ، وبُعْتَ يا عَبْدُ، وخُفْتَ يا هَوْلُ، جاز الضم الصريح في الأول والكسر الصريح في الأخيرين بناء على القرينة، وإن لم تقم قرينة فالأولى الكسر أو الإشمام في الأول والضم أو الإشمام في الأخيرين قوله " وباب اختير وانقيد " يعني باب افْتُعِل وانْفُعِل من الأجوف مثل فُعِل في جواز الأوجه الثلاثة، لأن الضم والإشمام إنما جاء من ضم ما قبل الواو والياء، وأما في أقيم واسْتُقِيم وأصلهما أقْوِم واسْتُقْوِم فليس ما قبل حرف العلة مضموماً، فلا يجوز إلا الكسر الصريح قال " وَشَرْطُ إعْلاَلِ الْعَيْنِ فِي الاسْمِ غَيْرِ الثُّلاَثِيِّ وَالْجَارِي عَلَى الْفِعَلِ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ مُوَافَقَهُ الْفِعْل حَرَكَةً وسُكُوناً مَعَ مُخَالَفَةٍ بِزِيَادَةِ أَوْ بِنْيَةٍ مَخْصُوصَتَيْنِ فَلِذَلِكَ لَوْ بَنَيْتَ مِنَ الْبَيْعِ مِثْلَ مَضْرِبٍ وَتَحْلِئ قُلْتَ مَبِيعٌ وتِبِيعٌ مُعَلاًّ وَمِثْلَ تَضْربُ قُلْتَ تَبْيعٌ مُصَحَّحاً " أقول: قوله " غير الثلاثي " لأن الثلاثي لا يشترط فيه مع موازنة الفعل المذكورة مخالفته قوله " والجاري على الفعل " أي: وغير الجاري، ونعني بالجاري المصدر نحو الإقامة والاستقامة، واسمي الفاعل والمفعول من الثلاثي وغيره، ويجوز أن يقال فيهما بالموازنة: أما فاعل فعلى وزني يَفْعِل، باعتبار الحركات والسكنات، وأما مفعول كمقتول فإن الواو فيه على خلاف الأصل، والأصل فيه مُفْعَل كيُفْعَل على ما ذكرنا قوله " مما لم يذكر " لم يحتج إليه، لانه لابد لكل اسم قلب عينه ألفاً، سواء كان مما ذكر أو لم يذكر، من الموافقة المذكورة في الثلاثي والمزيد فيه، مع المخالفة المذكورة في المزيد فيه، وكذا في نقل حركة العين المزيد فيه إلى
[إعلال اللام]
الساكن الذي قبله، كما ذكرنا، إلا في نحو الإقامة والاستقامة، فإن فيه قلباً ونقلاً مع عدم الموافقة المذكورة، وذلك لما ذكرنا قبل من المناسبة التامة لفعله، وإلا في باب بَوَائع، فإن فيه قلباً مع عدمها أيضاً، وذلك للثقل البالغ كما مر (1) قال " اللاَّمُ، تُقْلَبَانِ ألِفاً إذَا تَحَرَّكَتَا وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهُمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُمَأ مُوجِبٌ لِلْفَتْحٍ، كَغَزَا وَرَمَى وَيَقْوَى وَيَحْيَى وَعَصاً ورَحًى (2) بِخِلاَفِ غَزَوْتُ وَرَمَيْتُ وَغَزَوْنَا وَرَمَيْنَا وَيَخْشَيْنَ وَيَأبَيْنَ وَغَزْوٍ وَرَمْي، وَبِخِلاَفِ غَزَوْا ورَمَيَا وَعَصَوَانِ وَرَحَيَانِ لِلإِلْبَاسِ، واخْشَيَا نَحْوُهُ، لأنَّهُ مِنْ بَابِ لَنْ يَخْشَيَا، وَاخشَيَنَّ لِشَبهِهِ بِذَلِكَ، بِخِلاَفِ اخْشَوْا وَاخْشَوَنَّ وَاخْشَيْ وَاخْشَينَّ " أقول: اعلم أن الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما وهما لامان قلبتا ألفين، وإن لم تكونا في الاسم الجاري على الفعل، ولا الموازن له، كرِباً وزِنًى، أو كانا فيما يوازن الفعل بلا مخالفة له، كما في أحْوَى وأشْقَى، وإنما اشترط الجريان أو المشابهة المذكورة في العين دون اللام لأن اللام محل التغيير فيؤثر في قلبها العلة الضعيفة: أي تحركها وانفتاح ما قبلها قوله " إن لم يكن بعدهمأ موجب للفتح " احتراز عن نحو غَزَوَا ورَمَيَا في الماضي وتَرْضَيَان وتُغْزَوَان في المضارع، وعَصَوَان وَرَحَيان في الاسم، فإن ألف الضمير في غَزَوَا وَيَرْضَيان وألف التثنية في عَصَوَان وَرَحَيَان إنما ألحقتا بالألف المنقلبة عن الواو والياء فردت الألف التي هي لام إلى أصلها من الواو والياء، إذ لو لم ترد لالتبس المثنى في الماضي بالمفرد ومثنى المضارع ومثنى الاسم
بالمفرد، عند سقوط النون، فلو قلبت الواو والياء إلى الألف بعد رد الألف إليهما لحصل الوقوع فيما فُر منه، أعني الالتباس، وإنما لم يقلب في اخْشَيَا لكونه فرع يَخْشَيَان المؤدي إلى اللبس لو قلبت لامه، وإنما لم يقلب في اخْشَيَنَّ لعروض حركة الياء لأجل النون على ما تقدم، فالحق أن يقال: لم تقلب حروف العلة المتحركة لأجل إلحاق ألف الضمير في غَزَوَا ورَمَيَا، وألف المثنى والجمع في نحو عَصَوَان وصَلَوات، ونون التأكيد في نحو ارْضَيَنَّ، ألفاً، لعروض حركاتها لأجل هذه اللواحق، فإنها وإن كانت أصلها الحركة إلا أنها لولا هذه اللواحق لم تتحرك، فحركتها إذن عارضة، ولا يقلب الواو والياء ألفاً إذا تحركتا بحركة عارضة، ويَرْضَيَان ويُغْزَوَان وعَصَوَان ورحيان هذه اللواحق كما ذكرنا أوجبت رجوع الألفات إلى أصولها لئلا يلتبس، ولم يقلب الواو والياء ألفاً بعد الرد إلى الأصل لئلا يكون رجوعاً إلى ما فر منه. قوله " لشبهه بذلك " يعني أن النون اللاحق بالفعل من غير توسط ضمير بينهما مثل الألف، فقولك اخْشَيَنَّ مثل اخْشَيَا، وقد ذكرنا ما على هذا الكلام في آخر شرح (1) الكافية، فالأولى أن عدم القلب في اخْشَيَنَّ لأن اللام قد
رد كما ذكرنا هناك (1) فلو قلب لوجب حذفه فلم يتبين رده، وفي اخْشَيا لكونه فرع يخشيان، ولا نقول بعروض الحركة، إذ لو لم يعتد بالحركة في مثله لم يرد العين في خَافَا وخَافَنَّ قوله " كغزا ورمى ويقوى ويحيى وعصا ورحَى " أمثله لما تحرك الواو والياء فيه وانفتح ما قبلهما ولم يكن بعدهما موجب للفتح فقلبا ألفين قوله " بخلاف غزوت ورميت وغزونا ورمينا ويخشين ويأبين " أمثلة لما انفتح ما قبل الواو والياء فيه وسكنا فلم يقلبا قوله " وغَزْوٍ ورَمْي " مثالان لما تحرك واوه وياؤه وسكن ما قبلهما فلم يقلبا ولم يكن كأقْوَم أي مفتوح حرف العلة فرعاً لما انفتح ما قبلها حتى يحمل عليه قوله " وبخلاف غَزَوَا وَرَمَيَا " إلى قوله " لشبهة بذلك " أمثلة لما تحرك واوه وياؤه وانفتح ما قبلهما وكان بعدهما موجب لبقائهما بلا قلب قوله " بخلاف اخشَوْا واخشَوُنَّ واخْشَيْ واخشَيِنَّ " يعني أن أصلها اخْشَيُوا وَاخْشيُونَّ واخشيي واخْشَيِينَّ فقلبت الياء ألفاً وحذفت، لأن حذف اللام ههنا لا يلبس كما كان يلبس في يخشَيَان لو حذفت، فلم يحذف، وحمل اخشيا عليه، لأنه فرعه وإن لم يلبس، وحمل اخشَيَنَّ على اخشَيَا لمشابهة النون في مثله للألف، ولمانع أن يمنع أن أصل اخشَوْا اخشَيْوا، وأصل اخشَيْ اخشَيِي، وذلك لأن الواو
[قلب الواو ياء وهي لام]
والألف والياء كل واحد منها فاعل يلحق الفعل كما يلحق زيد من رمي زيد لا فرق بينهما، إلا أن اتصال الضمير أشد، ولا يلزم أن يلحق الفاعل أصل الفعل، بل يلحقه بعد الإعلال، لأنه ما لم ينقَّح أصل الكلمة ولم تعط مطلوبَها في ذاتها لم يلحق بها مطلوبُها الخارجي فإن قيل: فلم لم يقل غَزَاتُ وَرَمَاتُ، في غَزَوْتُ وَرَمَيْت قلت: تنبيهاً على عدم تقدير الحركة في حرف العلة، كما ذكرنا في ذي الزيادة (1) والدليل على أن الضمائر تلحق الكلمات بعد تخفيفها قولهم: رُضْيُوا وَغُزْيُوا بإسكان العين للتخفيف، كما قيل في عُصِرَ: عُصْر، ولو لحق الواو رضي ورمي مكسور العين وجب حذف الياء للساكنين، لأن الضمة على الياء بعد الكسرة تحذف، فيلتقى ساكنان: الياء، والواو، فإذا كان الضمير يلحق الفعل بعد التخفيف النادر القليل فما ظنك بالتخفيف الواجب المطرد؟ ولو سلم أيضاً أن الأصل اخشيوا واخشيي فإن الحركة عارضة لأجل الضمير فلا تقلب لأجلها الياء ألفاً (كما مر مراراً) والحق أن يقال: إن أصل اخَشَوْا وَاخشَيْ اخشَ لحقته الواو والياء، وأصل اخشَوُنّ خشين اخشَوْا واخشَيْ لحقته النون فحركت الواو والياء للساكنين، ولم يحذفا، لأنهما ليسا بمدتين كما في اغزُنّ وارمِنّ، ولا يجوز حذف كلمة تامة، أعني الضميرين بلا دليل عليهما، ولم يقلب الواو والياء ألفاً في اخشَوُنّ واخْشَيِنّ، لأن كل واحد منهما كلمة برأسها فلا يغيران بالكلية، وأيضاً حركتهما عارضة للساكنين كما ذكرنا قال: " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً إذَا وَقَعَتْ مَكْسُوراً مَا قَبْلَهَا، أَوْ رَابِعَةً فَصَاعِداً وَلَمْ يَنْضَمَّ مَا قَبْلَهَا، كَدُعِيَ وَرُضِيَ وَالغَازِي، وَأغْزَيْتُ وَتَغَزَّيْتُ واستغزيت
وَيُغْزَيَان ويَرْضَيَانِ، بِخِلاَفِ يَدْعُو وَيَغْزُو، وَقِنْيَةٌ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي دِنْيَا شَاذٌّ، وطيِّئٌ تَقْلِبُ الْيَاءَ فِي بَابِ رَضِيَ وَبَقِيَ وَدُعِيَ أَلِفاً وتقلب الواو طرفاً بَعْدَ ضَمَّةِ فِي كُلِّ مُتَمَكِّنٍ يَاءً فَتَنْقَلِبُ الضَّمَّةُ كَسْرَةً كَمَا انْقَلَبَتْ فِي التَّرَامِي وَالتَّجَارِي - فَيَصِيرُ مِنْ بَابِ قاض، نحو أدل وَقَلَنْسٍ، بخِلاَفِ قَلَنْسُوَةٍ وَقَمَحْدُوَةٍ، وَبِخِلاَفِ الْعَيْنِ كَالْقُوَبَاءِ وَالْخُيَلاَءِ، وَلا أَثَرَ لِلْمَدَّةِ الْفَاصِلَةِ فِي الجَمْعِ إلاَّ فِي الإِعْرَابِ، نَحْوَ عُتِيٍّ وُجُثِيٍّ، بِخِلاَفِ الْمُفْرَدِ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ لِلإتْبَاعِ فَيُقَالُ: عِتيٌّ وَجِثِيٌّ، وَنَحْوُ نُحُوٍّ شَاذّ، وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ مَعْدِيٍّ وَمَغْزِيٍّ كَثِيراً، وَالْقِيَاسُ الْوَاوُ " أقول: اعلم أن الواو المتحركة المكسور ما قبلها لا تقلب ياء لتقويها بالحركة إلا بشرطين: أحدهما أن تكون لاماً، لأن الآخر محل التغيير، فهي إذن تقلب ياء، سواء كانت في اسم كرأيت الْغَازِيَ، أو فعل: مبنياً للفاعل كان كَرَضِيَ من الرضوان، أو للمفعول كدُعِيَ، وسواء صارت في حكم الوسط بمجئ حرف لازم للكلمة بعدها نحو غَزِيَانِ على فَعِلاَنَ من الغزو، وغَزِيَة على فَعِلَةَ منه، مع لزوم التاء كما في عَنْصُوَةَ، أو لم تَصِر كما في غازية، وقولهم مَقَاتِوَة في جمع مقتوى شاذ (1) ووجه تصحيحه
[ ... ]
[ ... ]
إجراؤه مجرى مَقْتَوِين كما ذكرنا في جمع السلامة، وقالوا: خِنْذَوَةُ (1) بالواو، لئلا يلتبس فِعْلِوَة القليل بفعلية الكثير كعفرية (2) ونفرية (3)
وهِبْرِية (1) ونحوها، ولو خففت رَضِيَ وغُزِي قلت: رَضْيَ وغُزْي، كما تقول في عَلِم وعُصِر: عَلْمَ وعُصْرَ، ولا تُرد الياء إلى أصلها من الواو مع زوال الكسرة في التخفيف، لعروض زوالها، وقالوا: رَضْيُوا وغُزْيُوا، فاعتد بالكسرة المقدرة من جهة قلب الواو ياء، ولم يعتدوا بها من جهة إثبات ضمة الياء، ولو اعتدوا بها من كل جهة لقيل: رضوا وغزوا، استثقالاً لضمة الياء بعد الكسرة، فلم يتبين كون الواو لاحقاً برضى وغزى المخففين، وثانيهما: أن تكون عيناً في اسم محمول على غيره، كما في قِيَام ودِيَار ورِيَاض، على ما مضى وأما الياء المتحركة المضموم ما قبلها فإن لم تقع لاماً ولم تنكسر كما في هُيَام وعُيَبَة وعُيُن (2) جمع عِيان لم تقلب واواً، لتقويها بالحركة مع توسطها، وإن انكسرت كما في بِيعَ فقد مضى حكمها (3) وإن وقعت لاماً فإن كان يلزمها الفتح قلبت الياء واواً لانضمام، ما قبلها، لأن الاخر محل التغيير، وبلزوم الفتح لا يستثقل في الأخير واو مضموم ما قبلها، كما لم يستثقل في هُوَ، وذلك إما في الفعل كرمو الرجل زيد، من الرمي، وإن خففت ضمة العين لم تتغير الواو، لعروض التخفيف تقول: رَمْوَ الرجلُ، كما تقول في ظَرُف ظَرْفَ، أو في الاسم، وإنما يكون ذلك فيه إذا جاء بعدها زائد لازم موجب لفتح ما قبله كأُرْمُوَان، من الرمي على وزن أُسْحُمان (4) فلم يستثقل، كما لم يستثقل في عُنْفُوَان وأقْحُوَان وَقَمَحْدُوَة لكون الواو كأنها ليست لاماً، وكُرمُوَة على وزن فُعُلة من رَمَيْت، إذا لزم التاء، وإن لم تلزم قلت رُمِية ورُم، بقلب الواو ياء والضمة كسرة لكونها
في حكم المتطرفة، وكذا إذا كانت ضمة ما قبل الياء المتحركة على واو وجب قلب الضمة كسرة، وإن لزم الحرف الذى يلى الياء، نحو طويان بكسر الواو على وزن فَعُلان - بضم العين - من طوى ومطوية على وزن مسربة منه (1) ، لان نحو قوونا تقلب واوه الاخيرة ياء كما يجئ، فكيف تقلب ياء طويان واوا؟ وإن لم يلزمها الفتح كالتجاري والتمارى قلبت الضمة كسرة، ولم تقلب الياء واواً، لاستثقال كون أثقل حروف العلة: أي الواو، وقبلها أثقلُ الحركات: أي الضمة، مَوْرِداً للإعراب، وأما بَهُوَ الرجل يَبْهُو بمعنى بَهِيَ يَبْهَى أي صار بَهيًّا كما ذكرنا في أول الكتاب، فإنما قلبت ياء بَهُوَ واواً مع كونه مَوْرداً للإعراب، لما ذكرنا هناك فليرجع (2) إليه، وكذا تقلب الضمة كسرة إذا كانت الياء التي هي مورد للإعراب مشدَّدة نحو رُمِيّ، على وزن قُمُدّ (3) من الرمي قوله " أو رابعة فصاعداً " تقلب الواو الرابعة فصاعداً المفتوح ما قبلها المتطرفة ياء بشرطين: أحدهما أن لا يجوز قلبها ألفاً إما لسكون الواو كما في أغْزَيْت واسْتَغْزَيت، أو للإلباس كما في يُغْزَيَان وَيَرْضَيَان وَأَعْلَيَان، على ما تقدم، وذلك أن قصدهم التخفيف، فما دام يمكنهم قلبها ألفاً لم تقلب ياء، إذ الألف أخف، وثانيهما: أن لا يجئ بعدها حرف لازم يجعلها في حكم المتوسط، كما جاء في مِذْرَوَان (4) وإنما قلبت الواو المذكورة ياء لوقوعها موضعاً يليق به الخفة، لكونها
رابعة ومتطرفة وتعذُّرِ غاية التخفيف، أعني قلبها ألفاً، (لسكونها لفظاً أو تقديراً) كما ذكرنا، فقلبت إلى حرف أخف من الواو، وهو الياء، وقيل: إنما قلبت الواو المذكورة ياء لانقلابها ياء في بعض التصرفات، نحو أغْزَيْتُ وغَازَيْتُ، فإن مضارعهما أُغْزِي وأُغَازِي، وأما في تَغَزَّيْت وَتَغَأزَيْت فإنه وإن لم تقلب الواو ياء في مضارعيهما: أعنى أتغزى وأتعازى، لكن تعزيت وَتَغَازَيْتُ فرعاً أغْزَيْت وغازيت المقلوب واوهما ياء، وهذه علة ضعيفة كما ترى لا تطرد في نحو الأَعْلَيَان، ولو كان قلب الواو ياء في المضارع يوجب قلبها في الماضي ياء لكان قلبها يا في نفس الماضي أولى بالإيجاب، فكان ينبغي أن يقال غَزَيْتُ، لقولهم غُزِي، وأيضاً المضارع فرع الماضي لفظاً فكيف انعكس الأمر؟ فكان على المصنف أن يقول: ولم يضم ما قبلها ولم يجز قبلها ألفاً، ليخرج نحو أَغْزَى، وليس أيضاً قوله " ولم ينضم ما قبلها " على الإطلاق، بل الشرط أن لا ينضم ما قبلها في الفعل نحو يَغْزُو ويَدْعُو، وأما في الاسم فيقلب ياء نحو الأدْلى جمع الدَّلْو والتغازي، وكان الأولى به أن يقول مكان قوله ولم ينضم ما قبلها: وانفتح ما قبلها، وأن يؤخر ذكر نحو يدعو إلى قوله " وتقلب الواو طرفاً بعد ضمة " كما نذكر، وقوله " وقِنْيَة (1) وهو ابنُ عمي دِنْيَا (2) شاذ " وذلك لانك قلبت الواو
التي هي لام ياءً مع فصل الساكن بينها وبين الكسرة (قبلها) ، ووجه ذلك مع شذوذه كون الواو لاماً وكون الساكن كالعدم، وقِنْيَة من الواوي، لقولك: قَنَوْت، والأولى أن يقال: هو من قَنَيْت، لأن لامه ذات وجهين، ومنه قُنْيَان بضم القاف. قوله " وطيئ تقلب " قد مضى شرحه في هذا الباب، وهذا حكم مطرد عندهم: سواء كان أصل الياء الواو، كما في رَضِي ودُعي، أولاً، نحو بَقي. قوله " وتقلب الواو طرفاً بعد ضمة " إلى قوله " كالقوباء والخيلاء " إذا وقعت الواو لاماً بعد ضمة أصلية طرفاً كما في الأدْلُو، أو في حكم الطرف: بأن يأتي بعدها حرف غير لازم، كتاء التأنيث غير لازمة نحو التَّغَازية أو ألف تثنية كالتَّغَازِيان في مثنى التغازي، وكان ذلك في اسم متمكن، وجب قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة، لأن الواو المضموم ما قبلها ثقيل على ثقيل، ولا سيما إذا تطرفت، وخاصة في الاسم المتمكن، فإنه إذن مَوْطِئ أقدام حركات الإعراب المختلفة، فتقلب الواو ياء ثم تقلب الضمة كسرة، ولا يبتدأ بقلب الضمة كسرة لأن تخفيف الآخر أولى، فإذا لم تكن لاماً وانفتحت نحو الْقُوبَاء لم تقلب ياء، وكذا إذا انضمت فإن سكن ما بعدها نحو الْحُوُول جاز إبقاؤها وجاز قلبها همزة، وإن تحرك جب إسكانها كالنُّور في جمع نَوَار، وإن انكسرت بقيت بحالها نحو أُوِدُّ على وزن أُكْرِم من الود، وأما قيل - وأصله قُوِل - فلما مر في شرح الكافية (1) وكذا إذا كانت لاماً لكن بعدها حرف لازم كتاء التأنيث في نحو عَنْصُوَة وقمحدوة، والألف والنون لغير المثنى كأفْعُوَان وَأُقْحَوان، لم تقلب ياء، إلا أن تكون الضمة قبل الواو على واو أيضاً، فإنه تقلب الواو ياء لفرط الثقل، وإن وليها حرف لازم نحو قَوِيَة وَقَوِيَان على وزن سَمُرَة وسَبُعَان، ولا يدغم، لأن الاعلال قبل
الإدغام، وكذا لا تقلب الواو ياء إذا لم تكن الضمة لازمة نحو أبوك وفوك وأخوك، وكذا خُطُوات فإن الألف والتاء غير لازمة كتا تغازية، لكن ضمة الطاء عارضة في الجمع، ويجوز إسكانها، وكذا لا تقلب إذا كانت في الفعل كسَرُوَ وَيَسْرُو ويَدْعُو، وذلك لأن الفعل وإن كان أثقل من الاسم فالتخفيف به أولى وأليق، كما تكرره ذكره، ولكن صيرورة الكلمة فعلاً ليست إلا بالوزن، كما تقدم، لأن أصله المصدر كما تقرر، وهو ينتقل إلى الفعلية بالبنية فقط، فالمصدر كالمادة والفعل كالمركب من المادة والصورة، فلما كانت الفعلية تحدث بالبنية فقط واختلاف أبنية الأفعال الثلاثية وتمايز بعضها عن بعض بحركة العين فقط، احتاطوا في حفظ تلك الحركة، ولذلك لا تحذف إذا لم يتميز بالنقل إلى ما قبلها كما في قُلْتُ وبعت، بخلاف هِبْتُ وخفْت وطُلْتُ ويَقُول وَيخَاف، على ما تبين في أول الكتاب، ولذلك قالوا رَمُو الرجل، بخلاف نحو الترامي، فثبت أنه لا يجوز كسر ضمة سَرُو ويَدْعُو لئلا يلتبس بناء ببناء، وكذا لا تقلب ياء إذا كانت في اسم وتلزمها الفتحة، نحو هُوَ، لم يأت إلا هذا، وإنما اغتفر ذلك فيه لقلة الثقل، بكونه على حرفين، ولزوم الفتح لواوه، والتباسه بالمؤنث لو قلبت. وإنما ذكر الْخُيَلاَء مع الْقُوبَاء - مع أن كلامه في الواو المضموم ما قبلها دون الياء المضموم ما قبلها - لأن الياء المضموم ما قبلها في حكم الواو المضموم ما قبلها، في وجوب قلب الضمة معها كسرة، حيث يجب قلب ضمة ما قبل الواو كالترامي والترامية، على ما قدمنا، وعدم وجوب قلبها حيث لا يجب قلبها مع الواو، وقال الفراء: سِيَرَاء (1) في الأصل فُعَلاَء، بالضم، فكسر لأجل الياء،
كما تقول بيوت وعيون وبييت وعِيَيْن، في الجمع والتصغير، قال السيرافي: الذي قاله ليس ببعيد لأنا لم نر اسماً على فِعَلاَء - بكسر الفاء - إلا الْعِنَبَاءِ بمعنى العنب والسِّيَرَاء والْحِوَلاَء (1) بمعنى الحُوَلاء - بضم الحاء - قوله " ولا أثر للمدة الفاصلة في الجمع " أعلم أن الواو المتطرفة المضموم ما قبلها في الاسم المتمكن، إن كانت مشددة قوية بعض القوة، ثم: إما أن يجب القلب مع ذاك، أو يكون أولى، أو يكون تركه أولى. فما يجب فيه قلبها شيئان: أحدهما: ما تكون الضمة فيه على الواو أيضاً كما تقول غُزْوِيّ على وزن عُصْفور من الغزو، ومنه مَقْوِيّ مفعول من القوة،
والثاني جمع على فُعُول كجاثٍ وَجُثِيّ (1) وعَصاً وعُصِيِّ، ومنه قِسِيّ بعد القلب، وقد شذ نُحُوٌّ جمع نَحْو، يقال: إنه لينظر في نُحُوّ كثيرة: أي جهات، وكذا نُجُوٌّ جمع نجو، وهو السحاب، وبُهُوّ، جمع بَهْو وهو الصدر، وأبُوٌّ وأخُوٌّ، جمع أب وأخ، ولا يقاس عليه، خلافاً للفراء. وما كان القلب فيه أولى ويجوز تركه: فهو كل مَفْعُول ليس الضمة فيه على الواو، لكنه من باب فَعِل بالكسر، نحو مَرْضِيٍّ، فإنه أكثر من مَرْضو، إتباعاً للفعل الماضي. وما كان ترك القلب فيه أولى كل مصدر على فُعُول كَجُثُوّ وَعتُوُ، ومن قلب فلإعلال الفعل، فإن لم تتطرف الواو لم تقلب كالأخوة والأبوة وندر القلب في أفْعُول وأفعولة كأُغْزُوٍّ وأُغْزُوَّة، وقد جاء أُدْعُوَّةَ وأدْعِيَّة (2) ومنه الأُدْحِيّ (3) وكذا في الْفَعُول والفَعُولة، ويجوز أن يكون الألِيَّة بمعنى القسم فَعُولةً وفَعِيلة، وهو واوي (4) ، لقولهم الأَلْوَة بمعناه، وكذا في اسم مفعول
ليس الضمة فيه على الواو، ولا هو من باب فَعِلَ بالكسر، كَمَغْزُو، ويقال: أرض مَسْنُوَّةٍ (1) ومَسْنِيَّة، قال: 148 - * أَنَا اللَّيْثُ مَعْدِيًّا عَلَيْهِ وعاديا (2) * وقد يعل الإعلال الذي لامه همزة، وذلك بعد تخفيف الهمزة، كقولهم.
[قلب الواو والياء همزة طرفا]
مَخْبيٌّ (1) ، والأصل مَخْبُوّ وقد جاء في جمع فَتًى مع كونه يائياً فُتُوٌّ شاذاً (2) ، كما شذ نُحُوٌّ لعدم قلب الواو ياء. ويجوز لك في فاء مفعول: جمعاً كان، أو غيره، بعد قلب الواو ياء، أن تُتْبعه العينَ، وأن لا تتبعه، نحو عنى وَدُلِيٍّ. ويجوز لك في عين فُعَّل جمعاً من الأجوف الواوي نحو صُوَّم وقُوَّل قلبُهَا ياء، نحو صُيَّم وَقُيَّل، والتصحيح أولى، وإنما جاز لك لكونه جمعاً، ولقرب الواو من الطرف. ولا يجوز في حُوَّل حُيَّل (3) لكونه مفرداً، وحكم المصنف قبل هذا بشذوذ قلب واو نحو صُوَّم ياء هذا القلب، وكلام سيبويه يشعر بكونه قياساً، وأما قوله: * فَمَا أَرَّقَ النُّيَّامَ إلاَّ سَلاَمُهَا (4) * فشاذ، للبعد من الطرف. قال: " وَتُقْلَبَانِ هَمْزَةً إذَا وَقَعَتَا طَرَفاً بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ نَحْوُ كِسَاءٍ وَرِدَاءٍ بِخِلاَفِ رَايٍ وثَايٍ، وَيُعْتَدُّ بِتَاءِ التَّأنِيثِ قِيَاساً نَحْوُ شَقَاوَةٍ وَسِقَايَةٍ، ونَحْوُ صَلاَءَةٍ وعَظَاءَةٍ وَعَبَاءَةٍ شَاذٌّ " أقول: إنما تقلب الواو والياء المذكورتان ألفاً ثم همزة لما ذكرنا قبل في قلب الواو والياء (ألفاً) لتحركهما وانفتاح ما قبلها، ثم يجتمع الساكنان، فلا يحذف
الأول مع كونه مدة، لئلا يلتبس بناء ببناء، بل يقلب الثاني إلى حرف قابل للحركة مناسب للألف، وهو الهمزة، لكونهما حلقيين، إذ الأول مدة لاحظ لها في الحركة، ولا سبيل إلى قلب الثاني واواً أو ياء، لأنه إنما فُرَّ منهما، ولكون تحرك الواو والياء وانفتاح ما قبلهما سبباً ضعيفاً في قلبهما ألفاً، ولا سيما إذا فصل بينهما وبين حة ألف يمنعه عن التأثير وقوع حرف لازم بعد الواو والياء، لأن قلبهما ألفاً مع ضعف العلة إنما كان لتطرفها، إذ الآخر محل التغيير، وذلك الحرف نحو تاء التأنيث إذا لزمت الكلمة كالنّقاوة (1) والنِّهاية، وألف التثنية إذا كان لازماً كالثِّنَايَان (2) إذ لم يأت ثِناء للواحد، والألف والنون لغير التثنية كغَزوان ورمَايَان على وزن سَلاَمان (3) من الغزو والرمي، فإن كانت التاء غير لازمة - وهي التاء الفارقة بين المذكر والمؤنث في الصفات - كَسَقَّاءة وغَزَّاءة لقولهم: سقاء وغزاء، وتاء الوحدة القياسية نحو اسْتِقَاءَةَ واصْطِفَاءَة، أو ألف المثنى غير اللازمة نحو كساءان ورد امان، قلبتا، لكونهما كالمتطرفتين، وإنما جاز عَظَاءة وعَظَايَة (4)
[ ... ]
وعَبَاءة (1) وعَبَاية وصَلاَءَة وَصَلاَية (2) بالهمز والياء - وإن كانت التاء فيها أيضاً للوحدة كما في استقاءة واصطفاءة - لكون تاء الوحدة في المصدر قياسية كثيرة، فعروضها ظاهر، بخلاف اسم العين، فإن ما يكون الفرق بين مفرده وجنسه بالتاء (منه) سماعي قليل: من المخلوقات كان أو من غيرها، كَتَمْرَة وتُفَّاحة وسَفِينة ولَبِنة، فجاز الهمزة في الاسماء الثلاثة نظر إلى عدم لزوم التاء، إذ يقال: عَبَاء، وعَظاء، وصَلاء، في الجنس، وجاز الياء لأن الأصل لزوم التاء، إذ ليست قياسية كما قلنا، فصارت كتاء النَّقَاوة والنِّهاية، ولكون تاء الوحدة في اسم العين كاللازمة جاز قَلَنْسُوَة (3) وعَرْقُوَة، (4) ، وإن كان اسم الجنس منهما قَلَنْسِياً وَعَرْقِياً، وليس شَقَاوَة وشَقَاء كَعَظَاية وعَظَاء، إذ ليس شقاوة للواحد وشقاء للجنس، بل كل منهما للجنس، وقياس الوحدة الشَّقْوّة، فليس أصل شَقَاوة شقاء ثم زيدت التاء، فلهذا ألزمته الواو دون عباءة وعباية نحو غَبَاوَة، وإنما منع وقوعُ حرف لازم عن القلب في باب شقاوة وخزاية (5) وباب قمحدوة (6) ولم يمنع في باب غَزِيان وغَزِية فَعِلان وَفَعِلَة - بكسر العين - وإن جعلنا الألف والتاء فيه لازمين أيضاً، لقوة علة القلب في الأخير دون الأولين، ولذلك قلبت الواو مع فصل حرف صحيح بين الكسرة وبينها في نحو دِنْيَا. قوله " بعد ألف زائدة " لأنها تكون إذن كالعدم، فيكون الواو والياء
[قلب الياء واوا والواو ياء في الناقص]
المتحركتان كأنهما وقعتا بعد فتحة، وأما رَاي (1) وثَاي (2) فالألف - لانقلابها عن حرف أصلي - معتد بها قوله " ونحو عَظَاءة وصَلاءة وعَباءة شاذ " قد ذكرنا ما يُخْرِجها عن الشذوذ، ولو اتفق غير هذه الثلاثة في مثل حالها من غير المصادر المزيد فيها لجاز فيه أيضاً الوجهان قياساً، والهمزة في نحو عِلْبَاء (3) وَحِرْبَاء (4) من الملحقات أصلها الألف المنقلبة عن الياء الزائدة للإلحاق، بدليل تأنيثهم لمثلها كَدِرْحَايَة (5) وَدِعْكَاية (6) والتاء لازمة كما في خَزَاية، فلذا لم تقلب الياء، بخلاف حرباءة (4) قال: " وَتُقْلَبُ الْيَاءُ وَاواً فِي فَعْلَى اسْماً كتقوى ويقوى، بِخِلاَفِ الصِّفَةِ، نَحْوُ صَدْيَا وَرَيَّا، وَتُقْلَبُ الْوَاوُ فِي فُعْلَى اسْماً كالدُّنْيَا وَالْعُلْيَا، وَشَذ نَحْوُ الْقُصْوَى وحُرْوَى، بِخِلاَفِ الصِّفَةِ كالْغُزْوَى، وَلَمْ يُفْرَقْ فِي فَعْلَى مِنَ الْوَاوِ نَحْوُ دَعْوَى وَشَهْوَى، وَلاَ فِي فُعْلَى مِنَ الْيَاء نَحْوُ الْفُتْيَا وَالْقُضَيَا " أقول: الناقص إن كان على فَعْلَى - بفتح الفاء -: فإما أن يكون واوياً، أو يائياً، والواوي لا تقلب واوه ياء، لا في الاسم كالدَّعْوَى والْفَتْوَى، ولا في الصفة نحو شَهْوَى مؤنث شَهْوَان، لاعتدال أول الكلمة وآخرها بالفتحة والواو، فلو قلبت ياء لصار طرفا الكلمة خفيفين، وأما اليائي منه فقصد فيه التعديل أولاً
فعدّل الاسم الذي هو أسبق من الصفة بقلب يائه واواً، فلما وُصل إلى الصفة خلّيت بلا قلب، للفرق قوله " البَقْوى " من الإبقاء، وهو الرحمة والرعاية، ولا استدلال في رَيَّا، لجواز أن يكون قلب واوه ياء لاجتماع الواو والياء وسكون أسبقهما (1) وإذا كان الناقص على فُعْلَى - بضم الفاء - فلا يخلو: إما أن يكون واوياً، أو يائياً، وكل واحد منهما إما اسم، أو صفة، فالثاني لا تقلب لامه: اسماً كان أو صفة، لحصول الاعتدال في الكلمة بثقل الضمة في أولها وخفة الياء في آخرها، فلو قلبت واواً لكان طرفا الكلمة ثقيلين، وأما الواوي فحصل فيه نوع ثقل بكون الضمة في أول الكلمة والواو قرب الآخر، فقُصِد فيه مع التخفيف الفرقُ بين الاسم والصفة، فقلبت الواو ياء في الاسم، دون الصفة، لكون الاسم أسبق من الصفة فعدّل بقلب واوه ياء، فلما صل إلى الصفة خلّيت، لأجل الفرق بينهما. وذكر سيبويه من فُعْلَى الاسمية الدُّنْيا والْعُلْيَا والْقُصْيَا، وإن كانت تأنيث الأدنى والأعلى والأقصى أفعل التفضيل، إذ الفُعْلى الذي هو مؤنث الأفعل حكمه عند سيبويه حكم الأسماء، لأنها لا تكون وصفاً بغير الألف واللام، فأجريت مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً (بغير الألف واللام) ، كما تقدم في هذا الباب، فعلى هذا في جعل المصنف الْقُصْوَى اسماً والْغُزْوى (والْقُضْيَا تأنيثي الأغزى والأقضى صفةً نظرٌ، لأن القصوى (أيضاً) تأنيث الأقصى، قال سيبويه: وقد قالوا الْقُصْوَى فلم يقلبوا واوها ياء، لأنها قد تكون صفة بالألف واللام، فعلى مذهب
[قلب الياء ألفا والهمزة ياء في مفاعل وشبهه]
سيبويه الْغُزْوى وكل مؤنث لأفعل التفضيل لامه واو قياسه الياء، لجريه مجرى الأسماء، قال السيرافي: لم أجد سيبويه ذكر صفة على فُعْلَى بالضم مما لامه واو إلا ما يستعمل بالألف واللام، نحو الدّنْيَا والْعُلْيَا، وما أشبه ذلك، وهذه عند سيبويه كالأسماء، قال: وإنما أراد أن فُعْلَى من ذوات الواو إذا كانت صفة تكون على أصلها، وإن كان لا يحفظ من كلامهم شئ من ذلك على فُعْلَى، لأن القياس حمل الشئ على أصله حتى يتبين أنه خارج عن أصله شاذ عن بابه، وحُزْوَى: اسم موضع وأما فِعْلَى بكسر الفاء من الناقص فلا تقلب واوه ياء، ولا ياؤه واواً، سواء كان اسماً أو صفة، لا ن الكسرة ليست في ثقل الضمة، ولا في خفة الفتحة، بل هي تتوسط بينهما، فيحصل لها اعتدال مع الياء ومع الواو، والأصل في قلب ياء فعلى - بالفتح - وواو فُعْلَى - بالضم - إنما كان طلب الاعتدال، لا الفرق بين الوصف والاسم، ألا ترى إلى عدم الفرق بينهما في فَعْلَى الواوي المفتوح فاؤه وفُعْلَى اليائي المضموم فاؤه لما كان الاعتدال فيهما حاصلاً؟ وأما أمثلة فعلى الواوى بسكر الفاء اسماً وصفة واليائي كذلك فعزيزة قال: " وَتُقْلَبُ الْيَاءُ إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ هَمْزَةٍ بَعْدَ أَلفٍ فِي بَابِ مَسَاجِدِ وَلَيْسَ مُفْرَدُهَا كَذَلِكَ ألِفاً، وَالْهَمْزَةُ يَاءً، نَحْوُ مَطَايَا وَرَكَايَا، وخطايا على القولين، وصلا يا جمع المهموز وغيره، وشوا يا جَمْعِ شَاوِيَةٍ، بِخِلاَفِ شَوَاءٍ جَمْعِ شَائِيَةٍ مِنْ شَأَوْتُ، وَبِخِلاَفِ شَوَاءٍ وَجَوَاءٍ جَمْعَيْ شَائِيَةٍ وَجَائِيَةٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا، وَقَدْ جَاءَ أَدَاوَى وَعَلاَوَى وَهَرَاوَى مُرَاعَاةً لِلْمُفْرَدِ " أقول: قد مر في باب تخفيف الهمزة شرح جميع هذا (1) ، فلنشرح ههنا ألفاظ المصنف
قول " في باب مساجد " أي: في باب الجمع الأقصى الذي بعد ألفه حرفان قوله " وليس مفردها كذلك " أي: ليس بعد ألف مفرده همزة بعدها ياء، احتراز عن نحو شَائِيَةٍ وَشَوَاءٍ من شَأَوْتُ أو شِئْتُ، وإنما شرط في قلب همزة الجمع ياءً ويائه ألفاً أن لا يكون المفرد كذلك، إذ لو كان كذلك لترك في الجمع بلا قلب، ليطابق الجمع مفرده، ألا ترى إلى قولهم في جمع حُبْلَى: حَبَالَى، وفي جمع إدَاوَة: أدَاوَى (1) ، وفي جمع شائيه: شَوَاءٍ، تطبيقاً للجمع بالمفرد؟ وسيبويه لا يشترط في القلب المذكور أن لا يكون المفرد كذلك، بل يشترط فيه كون الهمزة في الجمع عارضة، فقال بناء على هذا: إن من ذهب مذهب الخليل في قلب الهمزة في هذا الباب كما في شَوَاعٍ (2) ينبغي أن يقول في فعاعل من جَاءَ وساء جَيَاءٍ وَسَواءٍ جمعى جئ وسئ كَسَيِّد، لأن الهمزة على مذهب الخليل هي التي في الواحد، وليست عارضة وإنما جعلت العين التي أصلها الواو والياء طرفاً، هذا كلامه، ومن لم يذهب مذهب الخليل من قلب الهمزة إلى موضع اللام يقول: جَيَايَا وَسَوَايَا فإن قيل: يلزم سيبويه أن يقول في جمع شائية من شئت: شوايا، لأن الهمزة في الجمع عارضة عنده، كما هي عارضة في المفرد قلنا: إنه أراد بعروضها في الجمع أنها لم تكن في المفرد همزة، وهمزة شَوَاءٍ من شئت كانت في المفرد أيضاً همزة، فلم تكن عارضة في الجمع بهذا التأويل ويلزم الخليل أن يقول في جمع خطيئة: خَطَاءٍ، بناء على شرط سيبويه، إذ الهمزة على مذهب الخليل غير عارضة في الجمع، ولم يقل به أحد، فظهر أن الأولى أن يقال: الشرط أن لا يكون المفرد كذلك، حتى يطرد على مذهب الخليل
وغيره، فلا يقال: خَطَاءٍ وَجَيَاءٍ وَسَوَاءٍ، على شئ من المذاهب، لأن آحادها ليست كذلك قوله " مطايا وركايا " جمع مطيَّة (1) وركيَّة فَعِيلة من الناقص، وهما مثالان لشئ واحد، وأما خطايا فهو جمع خطيئة فعيلة من مهموز اللام، ففي مَطَايا كان بعد الألف همزة بعدها ياء، لأن ياء فَعِيلة في الجمع الأقصى همزة، وكذا في خَطَايا على المذهبين: أما على مذهب سيبويه فلأنك تقلب ياء فعيلة في الجمع همزة، فيجتمع همزتان متحركتان أولاهما مكسورة، فتقلب الثانية ياء وجوباً، وأما على مذهب الخليل فلأن أصله خطايئ بياء بعدها همزة، ثم قلبت الهمزة إلى موضع الياء، فقوله خطايا " على القولين " أي: غلى قولي الخليل وسيبويه، فتقلب على المذهبين الهمزة ياء، والياء ألفاً، لأن واحده: أي خطيئة، لم يكن فيه ألف بعده همزة بعدها ياء، حتى يطابق به الجمع قوله " وصَلاَيا جمع المهموز وغيره " أي: صلاية وصلاءة، لأن جمع فعالة فَعَائل بالهمز (3) كَحَمَائل، فيصير جمع صلاءة بهمزتين كجمع خطيئة عند غير الخليل، فتقلب الثانية ياء مثلها، وجمع صلاية صلائي بهمزة بعدها ياء قوله " فيهما " أي: في شَوَاءٍ جمع شائية من شِئْتُ مشيئةً، وفي جَوَاء جمع جائية من جئت مجيئاً، وكلاهما من باب واحد، إذ هما أجوفان
مهموز اللام، فلم يحتج إلى قوله " فيهما " وليس القولان في شَوَاءِ جمع شائية من شأوت، إذ لا قلب فيه عند الخليل، لأنه إنما يقلب خوفاً من اجتماع الهمزتين قوله " وقد جاء أدَاوَى " كل ما كان في واحده ألف ثالثة بعدها واو وجمعته الجمع الأقصى قلبت ألفه همزة، كما تقلب في جمع رسالة، وقلبت الواو ياء، ثم قلبت الهمزة واواً، تطبيقاً للجمع بالمفرد، وقد قالوا: هداوى في جمع هَدِيَّة، قلبوا الهمزة واواً لوقوعها بين الألفين كما في حَمْرَاوَان، وهو عند الأخفش قياسي، وعند غيره شاذ قال: " وَتُسَكَّنَأن فِي بَابِ يَغُزُو وَيَرْمِي مَرْفُوعَيْنِ، وَالْغَازِي والرَّامِي مَرْفُوعاً وَمَجْرُوراً، وَالتَّحْرِيكُ فِي الرَّفْعِ وَالْجَرِّ فِي الْيَاءِ شَاذٌّ، كالسُّكُونِ فِي النَّصْبِ وَالإِثْبَاتِ فِيهِمَا وَفِي الأَلِفِ فِي الْجَزْمِ " أقول: إنما سكن الواو في نحو يغزو، وهذا مختص بالفعل، لا يكون في الاسم، كما ذكرنا، لاستثقال الواو المضمومة بعد الضمة، إذ يجتمع الثقلاء في آخر الفعل مع ثقله، فخفف الأخير، وهو الضمة، لأن الحركة بعد الحرف، وكذا تسكن الياء المضمومة بعد الكسرة، وهذا أقل ثقلاً من الأول، ويكون في الاسم والفعل، نحو هو يَرْمي، وجاء الرَّامِي، وإنما ذكر الغازي والرامي ليبين أن الياء التي أصلها الواو كالأصلية، وكذا تسكن الياء المكسورة بعد الكسرة، لاجتماع الأمثال، كما في الواو المضمومة بعد الضمة، والأول أثقل، وهذا يكون في الاسم نحو بالرَّامي، وفي الفعل كارِمي، وأصله أرميى قوله: " والتحريك في الرفع في الياء شاذ " أما الرفع فكقول الشاعر: 149 - * مَوَالِيٌ كَكِبَاشِ الْعُوسِ سحاح (1) *
وقوم من العرب يجرون الواو والياء مجرى الصحيح في الاختيار، فيحركون ياء الرامي رفعاً وجراً، وياء يرمي رفعاً، وكذا واو يغزو رفعاً، قال: 150 - * كَجَوَاريٍ يَلْعَبْنَ بالصَّحْرَاءِ * (1) قوله " كالسكون في النصب " أما في الواو فكقوله: 151 - فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ * أبى الله أن أسمو بأم وَلاَ أَبِ (2) وأما في الياء فكقوله: فَلَوْ أنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ داره * وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا (3)
وقوله: 152 - كَأَنَّ أَيْدِيهِنَّ بِالْقَاعِ الْقَرِقْ * أَيْدِي جَوَارٍ يَتَعَاطَيْنَ الْوَرِقْ (1) قوله " والإثبات فيهما " أما في الواو فكقوله: 153 - هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِراً * من هجو زبان لم تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ (2) وأما في الياء فكقوله: 154 - أَلَمْ يَأتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تنمي * بما لاقت لبون بني زياد (3)
حذف الواو والياء لامين
فتقدر لأجل الضرورة الضمةُ في الواو والياء ليحذفها الجازم، لأن الجازم لابد له من عمل، وتقديرها في الياء أكثر وأولى، لان الضمة على الواو أثقل منها على الياء. قوله " وفي الألف في الجزم " أي: إثبات الألف في الجزم كإثبات الواو والياء في الجزم كقوله: 155 - * وَلاَ تَرَضَّاهَا وَلاَ تَمَلَّقِ (1) * وتقدير الضم في الألف أبعد، لأنها لا تحتمل الحركة قال: " وَتُحْذَفَانِ فِي نَحْوِ يَغْزُونَ وَيَرْمُونَ وَاغْزُنَّ وَاغْزِنَّ وَارْمُنَّ وَارْمِنَّ " أقول: أصل يَغْزُونَ يغزو، لحقه واو الجمع، فحذف الواو الأولى للساكنين وأصل يَرْمُونَ يرمي، لحقه واو الجمع فحذف الياء للساكنين، ثم ضمت الميم لتسلم الواو، إذ هي كلمة تامة لا تتغير، أصل اغْزُنَّ اغزوا، لحقه النون المشدَّدة، فسقطت الواو للساكنين، وكذا اغْزِنَّ وارمن، لان الاصل
ارمو وارْمِي، ولا تقول: إن الأصل ارْمِيُوا وارْمِيي، لأن الفاعل يدخل على الفعل بعد إعلاله، كما تقدم. قال: " وَنَحْوُ يَدٍ وَدَمٍ وَاسْمٍ وَابْنٍ وَأَخٍ وأخْتٍ لَيْسَ بِقِيَاسٍ " أقول: يعني حذف اللام في هذه الأسماء ليس لعلة قياسية، بل لمجرد التخفيف، فلهذا دار الإعراب على آخر ما بقي، وأما أخت فليس بمحذوف اللام، بل التاء بدل من لامه هذا آخر باب الإعلال، ولنضف إليه ما يليق به، فنقول: إذا اجتمع ياءان، فإن لم تكن الأخيرة لاماً، فإن سكنت الأولى أدغمت كَبَيِّع وَبَيَّاع، وإن سكنت الثانية أو تحركتا فحكم كل واحدة منهما حكمُها مفردة كَبُيَيْت، وكما إذا بنيت من يَيْنٍ مثلَ باع قلت: يَانَ، وإن بنيت مثلَ هَيَام (1) قلت: يَيَانٍ وإن كانت الأخيرة لاماً، فإن سكنت أولاهما أدغمت في الثانية كحيّ، وإن سكنت الأخيرة سلمتا كحييت، وإن تحركتا: فإن جاز قلب الثانية ألفاً قلبت نحو حَيَاة، وإن لم يجز: فإما أن تلزمَ حركةُ الثانية، أولا، فإن لزمت فإن لم يجز إدغام الأولى في الثانية فالأولى قلب الثانية واواً كما في حَيَوان، وإنما لم يجز الإدغام لأن فَعَلان من المضاعف نحو ردَدَان لا يدغم، كما يجئ في باب الإدغام، وإنما لم يجز قلب الثانية ألفا لعدم مُوازنة الفِعْل كما مر، وإنما قلبت واواً لاستثقال اجتماع الياءين المتحركتين وامتناع تغيير ذلك الاستثقال بالوجه الأخف من الإدغام أو قلب الثاني ألفاً، وإنما قلبت الثانية دون الأولى لأن استثقال الاجتماع بها حصل، وإنما جاز قلب اللام واواً مع أن الأخير ينبغي أن يكون حرفا خفيفا
لأن لزوم الألف والنون جعلها متوسطة، كما قالوا في عُنْفُوَان (1) وعُنْصُوَة (2) كما مر، وقال سيبويه: القياس حَيَيَان، فلم يَقْلِب الثانية، وحيَوَان عنده شاذ، وكذا قال في فَعَلان من الْقُوّة قَوَوَان، كما يجئ، وكذا تقول: حَيَوى كَجَفَلَى (3) وقياس سيبويه حَيَيى، وكذا تقول على وزن السُبعان من حَيَّ حَيُوَان، وإنما لم تدغم كما أدغمت في رَدُدَان فقلت: رَدَّان على ما يجئ في باب الإدغام، لأن الإعلال قبل الإدغام، وقياس سيبويه حيَّانٌ - بالإدغام - لأنه لا يقلب في مثله، وإن جاز الإدغام فلك الإدغام وتركه كَحِييَ وَحَيَّ وَحَيِيَان - بالكسر - وَحَيّان، والإدغام أكثر كما مر (4) ، إذ هو أخف، وإن لم تلزم حركة الثاني نحو لَنْ يُحْيِيَ وجب تصحيحهما مُظْهَرَيْن، وإخفاء كسرة الأولى أَوْلَى وإن اجتمع ثلاث ياءات: فإما أن تكون الاخيرة لاما، أولا فإن كانت لاماً: فإما أن تكون الأولى مدغمة في الثانية، أو الثانية في الثالثة، أو لا يكون شئ منهما مدغما في شئ فإن كانت الأولى مدغمة في الثانية: فإما أن يكون ذلك في الفعل أو الجاري
عليه، أولاً، فإن كان في أحدهما جعلت الثانية كأنها لم تسبقها ياء، نحو حَيَّا وحيَّيْت وَيُحَيِّي، وَالْمُحَيِّي، وَالْمُحَيَّي. هو مثل عَزَّى، يعزى، المعزى، الْمُعَزِّي، وإنما لم تحذف الثالثة المكسور ما قبلها في الفعل نَسياً نحو يُحَيِّي مع استثقال ذلك كما حذفت في مُعَيِّية إبقاء على حركة العين في الفعل، إذ بها تختلف أوزان الفِعْل، ووزن الفعل تجب مراعاته، كما مرّ في تعليل امتناع قلب واو نحو يَدْعُو ياء، ثم أُجرى الجاري على الفعل كالْمُحَيِّي مُجْرَى الفعل في ترك حذف الياءِ الثالثة نَسْياً، وإن لم يكن ذلك في الفعل ولا في الجاري عليه فإن جاز قلب الثالثة ألفاً - وذلك إذا كانت المشددة مفتوحة والأخيرة طرفاً - قلبت، كما في إيَّاة على وزن إوَزَّة من أوَيْتُ، والأصل إئْوَيَةٌ، ثم إيوَية، ثم إيية، وإن لم يجز ذلك، وهو لأمرين: أحدهما أن تتوسط الأخيرة مع انفتاح المشددة لمجئ حرف موضوع على اللزوم في كل موضع، كالألف والنون التي لغير المثنى، فإذا كان كذا قلبت الثالثة واواً كما تقول إذا بنيت على فَيْعَلاَن من حَيِي: حَيَّوَان، لأنه أثقل من حَيَوَان مخففاً، وعند سيبويه حَيَّيَان كما مر، وثانيهما أن تنضم المشددة أو تنكسر، فإذا كان كذا كُسِرَت المضمومة وحذفت الثالثة نسياً، لاستثقال الياءات في الطرف مع انكسار المشددة منها نحو مُعَيَّة، والأصل مُعَيِّية، ونحو حَنَيٍّ على وزن كَنَهْبُل (1) من حَيِيَ، والأصل حَنَيُّيٌ ثم حَنَيِّيٌ، وكذا تحذف الأخيرة نَسْياً وإن جاء بعدها حرف لازم، كما تقول في تصغير أشْوَيَان: على وزن أنْبَجَانٍ (2) من الشتى أشيويان، ثم أشييان، ثم أُشَيَّان، وخالف أبو عمرو فيما وازن الفعل، وأوله زيادة كزيادته، فلم يحذف
الثالثة نَسْياً، فقال أحَيٍّ في نصغيرا أحْوَى كما مر في التصغير (1) . وإن كانت الثانية مدغمة في الثالثة: فإن كان ما قبل الاولى ساكنا لم يغير شئ منها نحو ظَبْيِيٍّ وَقَرَأْيِيٍّ في النسب، وَرِمْيِيٍّ على وزن بِرْطِيلِ (2) من الرَّمْي، وإن كان ما قبل الأولى متحركاً: فإن كانت الأولى ثانية الكلمة سلمت الياءات، نحو حِيَيِّ كهِجَفٍّ (3) وَحُيِيّ كقُمُدٍّ، (4) والأصل حُيُيٌّ - بضم العين - وَحَيِيٍّ من الحياء، لخفة الكلمة، وإن كانت ثالثتها جعلت واو، سواء كان ما قبلها مفتوحاً، كما إذا بنيت من الرمي مثل حَمَصِيصَة، (5) تقول: رَموِيَّة، مثل رَحَوِيَّة في النسب، ولم تقلب الياء الأولى ألفاً، أمَّا في النسب فلعروض الحركة، وأما في غير النسب فلعدم موازنته للفعل، وكما إذا بنيت من الرمي على وزن حَلَكُوك (6) قلت رَمَوِيّ، والأصل رَمَيُوي ثم رَمَيِيّ، ثم رَمَوِيّ، أو كان ما قبلها مكسوراً نحو عَمَوِيّ فإنك تفتح الكسر لتسلم الواو، وإنما قلبت إحدى الياءات في هذه الأمثلة لاستثقال الياءات، وإنما لم تقلب الأخيرة كما في حَيَوان وإن كان التغيير بالأخير أولى لقوتها بالتشديد، ولهذا لم تحذف الثالثة (نسياً) كما حذفت معيية، والحذف والقلب قبل ياء النسب أبعد لكونها علامة، وإن كانت الأولى رابعة الكلمة: فإن كانت قبل ياء النسب حذفت، على الأصح، كما في قَاضِيٍّ، لاجتماع الياءات مع تثاقل الكلمة وكون
الأولى آخر الكلمة، إذ ياء النسب عارضة، ويجوز قَاضَوِي، كما مر في النسب (1) ، وإن لم تكن قبل ياء النسب لم تحذف، لأنها ليست آخر الكلمة، بل تقلب واواً، كما قلبت وهي ثالثة الكلمة، تقول على وزن خَيْتَعُور (2) من الرمي: رَيْمَويّ، والأصل رَيْمَيُوي، قلبت الواو ياء، وأدغمتها في الأخيرة، ثم كسرت الضمة، وقلبت الياء واواً، وكذا إذا بنيت مثل خَنْفِقَيق (3) من بكى قلت: بَنْكَوِيّ وإن لم يكن شئ منهما مدغما في شئ، فإن كانت الثالثة تستحق قلبها ألفاً قلبت، كما إذا بنى من حَيِيَ مثل احْمَرَّ، قلبتها ألفاً نحو احْيَيَى، ثم إن أدغمت كما في اقْتَتَلَ قلت: حَيّى، وإن لم تدغم قلبت الثانية واوا، نحو احْيَوَى، كما في حَيَوَان، وإن لم تستحق كما إذا بنى من حيى مثل هدبد (4) وجندل (5) جاز لك حذف الثالة نَسْياً، لكون الثقل أكثر مما في مُعَيِّية فتقول: حُياً وَحَياً، بقلب الثانية ألفاً لتحركها طرفاً وانفتاح ما قبلها، وجاز لك قلب الثانية واواً كما في حَيَوان، فتسلم الثالثة (6) لزوال اجتماع الياءات، فيصير حيويا
وَحَيَوياً، وكما إذا بنيت من قضى مثل جَحْمَرِش (1) قلت: قَضْياً بحذف الأخيرة نسياً، وقلب الثانية ألفاً، وقَضْيَوٍ، بقلب (2) الثانية واواً، وإنما لم تقلب الثالثة واواً لأن آخر الكلمة بالتخفيف أولى، وأيضاً لو قلبتها إياها لبقي اجتماع الياءين الأوليين بحاله، وأما الأولى فلم تقلب، لأن الثقل إنما حصل من الثانية والثالثة، ولم تقلب الأولى في حَيَيٍ كَجَندَل، لأنها لم يقلب مثلها ألفاً في الفعل نحو حَيِيَ كما مر فكيف تقلب في اسم لم يوازن الفعل وإن لم تكن الياء الأخيرة لاماً بقيت الياءات على حالها بلا قلب، ولا حذف، كما تقول في تصغير أُسْوَار (3) أُسَيِّير وإن اجتمع أربع ياءات كما إذا بنى من حَيِيَ على وزن جَحْمَرِش قلت: حَيَّيِيٌ، أدغمت الأولى في الثانية فيصيران كياء واحدة وقلبت الثالثة واواً كما قلنا في المبنى على وزن جَنَدِل، فتسلم الرابعة نحو حَيَّوٍ، ويجوز لك حذف الأخيرة نسياً لكونها أثقل منها في نحو مُعَيِّية، فتقلب الثالثة ألفا لترحكها وانفتاح ما قبلها نحو حَيًّا، كما قلنا قبل. وإذا بنيت مثل (4) سَلْسَبيل قلت: حَيَّوِيّ، وإذا
بنيت مثل قِرْطَعْب (1) قلت: حِيَّيّ، لم تقلب ثانية المشددتين واواً كما في حَيَوَان، لأنها آخر الكلمة فلا تبدل حرفاً أثقل مما كان، ولم تحذف كما في مُعَيِّية، لأن حذفها حذف حرفين، واحتمل اجتماعهما، لان تشديدهما قوَّاهما، وإذا جاز نحو طَيِّيّ وأُمَيِّيّ - على قول - مع أن الأولين آخر الكلمة إذ ياء النسب عارضة فهذا أجوز، وإذا بنيت مثل قَذَعْمِل (2) قلت: حُيَيّ، أدغمت الثانية في الثالثة، وحذفت الرابعة كما في مُعَيِّية، وهو ههنا أولى، ولم تقلب المضعفة واو لصيرورتها بالتضعيف قَوِيَّة كالحرف الصحيح، فيبقى حُيَيّ وتقول على وزن قذ عميلة من قَضَى: قُضَيِّيَّة، والمازني لم يُجَوِّزْ من قَضَى إلا قُضَوِية، كما في النسب، وغيرُه جَوَّز مع قضوية قُضَيِّيَّةٌ بتشديدين أكثر من تجويز أمَيِّيّ، والذي أرى أنه لا يجوز إلا فضيية، بياءين مشددتين، إذ الأخيرتان قويتاً بالتضعيف، فلم تحذفا كما حذفت الثالثة في مُعَيِّيَة، والأوليان ليستا في آخر الكلمة حتى يحذف أضعفهما: أي أولهما الساكن، كما حذفت في أُمَوِيّ، فإذا بنيت من شَوَى على وزن عصفور قلت: شُويُويٌ، ثم قلبت الواوين ياءين وأدغمتهما في الياءين فصار شُيِّيٌّ - بكسر ضمة المشددة الأولى - فيجوز كسر الفاء أيضاً، كما في عُتِي، وقال سيبويه: شُوِويّ، قياساً على طَوَوِيّ وحَيَوِيّ في النسب إلى حَيٍّ وَطَيٍّ أَوْ شُيِّيٌّ، كما قيل طَيِّيّ، وكذا إذا بنيت من طوى
على وزن بَيْقُورٍ (1) قلت: طَيْوُويٌ، ثم قلبتَ الواو الأولى ياء، وأدغمتَ الياء الساكنة فيها، ثم قلبتَ الواو الثانية ياء وأدغمتَها في الأخيرة، ثم كسرت الياء المضمومة فتقول: طَيِّيّ، وعند سيبويه طَيْوِيّ أيضاً كالمنسوب إلى حيّ، هذا كله في الأربع ياءات إذا لم تكن الأخيرتان للنسبة، فإن كانتا لها كالمنسوب إلى حَيّ، وَطَيّ، وَعَلِيّ، وقُصَيّ، وتحيّة، وَمُحَيّ فقد مضى في باب النسب حكمها (2) وقد مضى أيضاً أن ياء التصغير تحذف كما في أمَويّ إن دخلت النسبة على التصغير، وأما إن دخل التصغير على النسبة لم تحذفها أُرَيِّيَّةَ (3) - بياءين مشددتين - هذا كله حكم الياءات فأما حكم الواوات فنقول: إن اجتمع واوان فإن سكنت ثانيتهما: فإن كانت طرفاً لم يمكن أن تكون الأولى مفتوحة ولا مضمومة إلا والثانية منفصلة، نحو لم يَرْوَوْا ومُرْوُو زيدٍ، لأنهم يستثقلون الواوين بلا إدغام في آخر الكلمة الذي هو محل التخفيف، فلذلك لم يبنوا مثل قَوَوْتُ وقَوُوتُ، فلا بد لو كانا في كلمة من انكسار الأولى لتنقلب الثانية ياء، نحو قَوِيتُ، وإن كانت الأخيرة وسطا جاز اجتماعهما، نحو قَوُولٍ، وإن تحركتا: فإن كان ذلك في أول الكلمة قلبت الأولى همزة كما في أواصل، وإن كان ذلك في الوسط فإن جاز الإدغام أدغمت، كما إذا بنيت من القُوّة على فَعُلاَن - بضم العين - قلتَ:
قَوَّانٌ عند المبرد، والأولى أن لا تدغم بل تقلب الثانية ياء كما يجئ في باب الإدغام، ومن لم يدغم في حَيِيَ جاز أن لا يدغم في نحو قَوُوَان، بل يقلب الثانية ياء. ويقلب ضمة ما قبلها كسرة، كما مر في هذا الباب، لأن الإعلال قبل الإدغام، وهذا قول الجرمي، وإن لم يجز الإدغام كما إذا بنيت على فَعَلاَن - بفتح العين - من القوة، قال سيبويه: تقول: قَوَوَان، كما قال من حَيِيَ: حَيَيَان، والأولى أن يقال: قَوَيَان، لاستثقال الواوين، فلما لم يجز التخفيف بالإدغام خفف بقلب إحداهما ياء، وإذا قلبت الياء واواً في حيوان لكراهة اجتماع الياءَين فقلب الثانية ياء في قَوَوَان لكون الواو أثقل أولى، ولو بنيت على فَعِلان - بكسر العين - انقلبت الثانية ياء للكسرة، لأن الإعلال قبل الإدغام كما تقدم، وإن كان ذلك في الطرف: فإن انفتحت الأولى لزوماً قلبت الثانية ألفاً كما في الْقُوَى والصُّوَى (1) وَيَقْوَى وَأقْوَى، وأما في طَوَوِيّ منسوباً إلى طَيّ فلعروض فتحة الأولى، وأما في قُوَوِيٍّ منسوباً إلى قُوّى علماً (2) فلعروض حركة الثانية، وإن كانت الأولى مكسورة أو مضمومة قلبت الثانية ياء، كقَوْيٍ وقَوِيٍ - على وزن عضُد وفخِذ - من القُوّة، وإن سكنت أولى الواوين فإن كانتا في الوسط سلمتا من القلب كقُووِلَ إلا في نحو قُوّل على ما تقدم، وإن كانتا في الطرف: فإن كانت الكلمة ثلاثية لم تقلب إلا إذا
انكسر ما قبلها، نحو قَوٍّ وقُوٍّ، وتقول على وزن حِبْرٍ: قِيّ، وإن كانت الكلمة على أكثر من ثلاثة صحت المفتوح ما قبلها نحو غَزَوٍّ، وانقلبت المكسور ما قبلها ياء وجوباً كغِزِيّ - على وزن فِلِز (1) - والمضموم ما قبلها جازا في المذكر المفرد نحو غُزُوّ، وغُزِيّ، كعُتُوّ وَعُتِيّ، ووجوباً في الجمع كُدِلِيِّ وإن اجتمع ثلاث واوات فإن كانت الأخيرة لاماً: فإما أن تكون الأولى مدغمة في الثانية أو الثانية في الثالثة أو ليس شئ منها مدغما في شئ، ففي الأول تقلب الثالثة ألفاً إن انفتح ما قبلها كقَوٍّي والْمُقَوَّى، وياءً إن انكسر كيُقَوِّي وَالْمُقَوِّي، أو انضم كقُوٍّ على وزن بُرْثُن (2) من القوة، وفي الثاني تقلب المشددة ياء مشددة: انفتح ما قبلها كقِوَيٍّ - على وزن هجف (3) أو قمطر - أو انكسر كقِوِيّ - على وزن فِلِزٍّ - أو انضم كقُويٍّ - على وزن قُمُدَّ - بكسر ذلك الضم، فيجوز كسر الفاء إتباعاً كعِتِيٍّ وذلك لثقل الواوات المتحرك ما قبلها بخلاف نحو حُيِيّ فإن الياء أخف، وكذا إذا كانت أولى الواوات ثالثة الكلمة وتحرك ما قبلها نحو غَزَويٍّ - على وزن حَلكُوك - فإن سكن ما قبلها: فإن انفتحت الأولى سلم الجميع، نحو غِزْوَوٍّ - على وزن قِرْشَبٍّ (5) أو قِرْطَعْبٍ - وإن انضمت أو انكسرت قلبت
المشددة ياء وكسرت الضمة. كَمَقْوِيٍّ وَغُزْوِيٍّ - كعُصْفور - من الغزو، وإن لم تكن إحداهما مدغمة في الأخرى قلبت الأخيرة ألفاً: إن انفتح ما قبلها، وياء إن انكسر نحو اقَوَوَى على وزن احمرر - فإن أدغمت قلت قَوي، وإن لم تدغم قلبتَ الثانية ياء على قياس قويان، وهو ههنا أولى، فتقول: اقوَيَا يَقْويِي وتقول في نحو هُدَبِد وَجَنَدِل من القوة: قُوَوٍ، وقَوَوٍ - بقلب الثالثة ياء - لكسرة ما قبلها، ولا تدغم الأولى في الثانية مع لزوم حركة الثانية، محافظة على بناء الإلحاق، وأيضاً لعدم مشابهة الفعل هذا والأولى أن لا يبنى من الأسماء المزيد فيها غير المتصلة بالفعل ما يؤدي إلى مثل هذا الثقل كما يجئ في أول باب الإدغام وإن اجتمعت الثلاث الواوات في الوسط بقيت على حالها نحو قُوُّولٍ على وزن سُبُّوح وَاقْوَوَّلَ كاغْدَوْدَن (1) ، والأخفش يقلب الأخيرة في اقوَوَّل ياء، فتنقلب الثانية ياء أيضاً، وسيبويه لم يبال بذلك، لتوسطها، وينبغي للأخفش أن يقول في قُووِل: قُويل، إلا أن يعتذر بخفة واو المد، وإنما لم يقلب الاخفش في نحو اقووول لكون الوسطى كالألف، لأنها بدل منه، ألا ترى أنه لم يقلب أوَّل وَاوَيْ وُورِيَ همزةً وجوباً لمثل ذلك؟ وإذا اجتمع أربع واوات فالواجب قلب الثالثة والرابعة ياء إن كانت الثالثة مدغمة في الرابعة نحو قوَّيٌ - على وزن قِرْطَعْبٍ - من القوة، لأنه أثقل من نحو غِزْوَوٍّ، وإن لم تكن مدغمة فيها قلبت الأخيرة ألفاً إن انفتح ما قبلها، وياء إن انكسر، وتبقى الثالثة بحالها عند سيبويه نحو قَوَّوٍ - على وزن جحمرش -، لأنه إذن كاقْوَوَّلَ وتقول على وزن قُذَعْمِلٍ: قُوَوٍّ، وعلى وزن اغدَوْدَن اقْووَّى، والأخفش يقلب الثالثة ياء فتقول قوى - كجحمرش -
[الإبدال]
وقُوَيٍّ كقذعمل - واقْوَيَّا - كاغدودن - لاستثقال الواوات، فتنقلب القريبة من الطرف ياء، ولا تقلب الواو الثالثة في قَوَّوٍ - كجحمرش - ألفاً، كما لم تقلب واو قَوِيَ كما مر، والله أعلم بالصواب قال: " الإِبْدالُ: جَعْلُ حَرْفٍ مَكَانَ حَرفٍ غَيْرِهِ، وَيُعْرَفُ بِأمْثِلَةِ اشْتِقَاقِهِ كَتُرَاثٍ وَأجُوهٍ، وَبِقلَّةِ اسْتِعْمَالِهِ كالثَّعَالِي، وبكونه فرعا والحرف زائد كضويوب، وَبِكَونِهِ فَرْعاً وَهُوَ أَصْلٌ كَمُوَيْهٍ، وَبِلُزُوم بِنَاءٍ مَجْهُولٍ نَحْوُ هَرَاقَ وَاصْطَبَرَ وادَّارَكَ " أقول: الإبدال في اصطلاحهم أعم من قلب الهمزة، ومن قلب الواو، والياء، والألف، لكنه ذكر قلب الهمزة في تخفيف الهمزة مشروحاً، وذكر قلب الواو والياء، والألف في الإعلال مبسوطاً، فهو يشير في هذا الباب إلى كل واحد منها مجملاً، ويذكر فيه إبدال غيرها مفصلاً، ويعنى بأمثلة اشتقاقه الأمثلة التي اشتقت مما اشتق منه الكلمة التي فيها الابدال، كترات (1) فإن أمثلة اشتقاقه في وَرِثَ يرث وارثٍ موروثٍ، وجميعها مشتق من الوِرَاثة، كما أن تراثاً مشتق منها، وكذا تَوَجّه ومُواجهة ووَجِيه مشتقة من الوجه الذي أُجُوه مشتق منه، فإذا كان في جميع أمثلة اشتقاقه مكان حرف واحد منه حرفٌ آخَرُ عرفت أن الحرف الذي فيه بدل مما هو ثابت في مكانه في أمثلة اشتقاقه. قوله " وبقلة استعماله " أي: بقلة استعمال اللفظ الذي فيه البدل، يعني إذا كان لفظان بمعنى واحد ولا فرق بينهما لفظاً إلا بحرف في أحدهما يمكن أن يكون بدلاً من الحرف الذي في الآخر فإن كان أحدهما أقل استعمالاً من الآخر فذلك الحرف في ذلك الأقل استعمالاً بدل من الحرف الذي في مثل ذلك الموضع
من الأكثر استعمالاً، كما ذكرنا في أول الكتاب (1) في معرفة القلب، والثعالِي والثعالب بمعنى واحد، والأول أقل استعمالاً من الثاني قوله " وبكونه فرعاً والحرف زائد " أي بكون لفظٍ فرعاً للفظ، كما أن المصغر فرع المكبر، وفي مكان حرفٍ في الأصل حرفٌ في الفرع يمكن أن يكون بدلاً منه كما أن واو ضويرب بدل من ألف ضارب، أو يكونَ حرفُ الأصل بدلاً من حرفِ الفرع، كما أن ألف ماء وهمزته بدلان من الواو والهاء اللذين في مُوَيْه، فأنت بفرعية لفظ للفظ ومخالفة حرفِ أحدهما لحرف الآخر لا تعرف إلا أن أحدهما بدل من الآخر ولا تعرف أيُّهما بدل من الآخر، بل معرفة ذلك موقوفة على شئ آخر، وهو أن يُنْظر في الفرع، فإن زال فيه موجب الإبدال الذي في الأصل كما زال في مُوَيْه علة قلب الواو ألفاً بانضمام ما قبلها، وعلة قلب الهاء همزة - وهي وقوع الهاء التي هي كحرف العلة بعد الألف التي كالزائدة - عرفت أن حرف الفرع أصل، وإن عرض في الفرع علة الإبدال التي لم تكن في الأصل كما عرض بضم فاء ضُوَيْرِب علة قلب ألف ضارب واواً عرفت أن حرف الفرع فرع قوله " وبكونه فرعاً " أي: بكون لفظه فرعاً " والحرف زائد ": أي الحرف الذي هو مبدل منه زائد كألف ضارب قوله " وهو أصل " أي: الحرف المبدل منه أصل كواو مويه وهائه، ولا شك في انغلاق ألفاظه ههنا قوله " وبلزوم بناء مجهول " أي: يعرف الإبدال بأنك لو لم تحكم في كلمة بكون حرف فيها بدلاً من الآخر لَزِمَ بناء مجهول، كما أنك لو لم تحكم بأن هاء
[حروف الإبدال]
هَرَاق (1) بدل وكذا طاء اصْطَبر والدال الأولى من ادَّارك لزم بناء هَفْعَل وافْطَعَل وافَّاعَلَ وهي أبنية مجهولة، ولقائل أن يمنع ذلك في افْطَعَل وافَّاعل، وذلك أن كل ما هو من هذين البناءين افتعل وتفاعل، وفاء الأول حرف إطباق وفاء الثاني دال أو تاء أو ثاء أو غير ذلك مما يجئ في بابه، فإن بعد فاء الأول طاء وجوبا وقبل فاء الثاني حرفاً مدغماً فيه جوازاً فهما بناءان مطردان لا مجهولان، بلى يعرف كون الحرفين في البناءين بدلين بأن الطاء لا تجئ في مكان تاء الافتعال إلا إذا كان قبلها حرف إطباق، وهي مناسبة للتاء في المخرج ولما قبلها من حروف الإطباق بالإطباق فيغلب على الظن إبدال التاء طاء لاستثقالها بعد حرف الإطباق ومناسبة الطاء لحرف الإطباق والتاء، وكذا الكلام في الحرف المدغم في نحو ادَّكر واثاقل. قال: " وحروفه أنصت يوم جد طَاهٍ زَلَّ، وقول بعضهم: اسْتَنْجَدَهُ يَوْمَ طَالَ وَهُمٌ في نَقْص الصَّادِ والزَّاي لِثُبُوتِ صِرَاطٍ وَزَقَرَ، وَفِي زِيَادَة السِّينِ، وَلَوْ أَوْرَدَ اسَّمَعَ وَرَدَ اذَّكَرَ وَاظَّلَمَ " أقول: يعني بحروف الإبدال الحروف التي قد تكون بدلاً من حروف أخر، فأما الحروف التي هذه الحروف بدل منها فتجئ عند التفصيل. قوله: " وقولهم استنجده يوم طال " قوْل صاحب المفصل، ولم يعد سيبويه في باب البدل الصاد والزاي، وعدهما السيرافي في آخر الباب، وعد معهما شين الكشكشة التي هي بدل من كاف المؤنث قال: 156 - تَضْحَكُ مِنِّي أنْ رَأَتْنِي أحْتَرِشْ * وَلَوْ حَرَشْتِ لَكَشَفْتِ عن حرش (2)
وأما التي تزاد بعد كاف المؤنث نحو أكر متِكش فليست من هذا، ولم يعد سيبويه السين كما عدها الزمخشري، ولا وجه له، قالوا: وجاء الثاء بدلاً من الفاء، حكى أبو على عن يعقوب ثروغ (1) الدلو، وفروغها، وهو من التفريغ، وكذا الباء من الميم، حكى أبو علي عن الأصمعي: ما اسْبُك: أي ما اسْمُك؟ وقد جاء الحاء في الشعر بدلاً من الخاء شاذاً، قال: 157 - يَنْفُحْنَ مِنْهُ لَهَباً مَنْفُوحاً * لمعا يرى لا ذاكيا مقدوحا (4) قال رؤبة: 158 - غَمْرُ الأَجَارِي كَرِيمُ السِّنْحِ * أبْلَجُ لَمْ يُولَدْ بِنَجْمِ الشح (2)
وجاء الراء بدلاً من اللام شاذاً، كقولهم في الدِّرع: نَثْرَةٌ (1) وَنَثْلَةٌ (2) وذلك لأنهم قالوا: نَثَلَ عليه دِرْعَه، ولم يقولوا: نَثَرَهَا، فاللام أعم تصرفاً، فهي الأصل، والفاء تكون بدلاً من الثاء، حكى أبو علي عن يعقوب: قام زيد فُمَّ عَمْرو، وقالوا: جَدَث وجَدَف (3) والفاءُ بدل، لقولهم: أجداث، ولم يقولوا: أجداف، وجاء الكاف بدلاً عن القاف، يقال: عربي كُحٌّ (4) وقُحٌّ وجاء في
الجمع أقْحَاح، ولم يقولوا: أكحاح، وجاء الكاف بدل من التاء، قال: 159 - يا ابن الزبير طالما عصيكا * وطالما عنيتنا إِلَيْكَا * لَنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكا (1) * ويجوز أن يكون وضَعَ الضمير المنصوب مقام المرفوع، وتكون العين في تميم بدلاً من الهمزة في أن وهي عنعنة تميم، قال:
[مواطن إبدال الهمزة]
160 - أعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً * مَاءُ الصَّبَابَةِ مِنْ عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ (1) وإنما لم يعدّ المصنف هذه الأشياء لقلتها وكونها شواذ قوله " وزيادة السين " قالوا: السين بدل من الشين في السِّدَّة وَالشِّدَّة ورجل مَشْدُود وَمَسْدُود، والشين أصل، لكونها أكثر تصرفاً، وقالوا في اسْتَخَذ: إن أصله اتخذ من التخذ، فهي بدل من التاء، وقيل أيضاً: أصلها اسْتَخَذ فأذن لا حجة فيه، وبمثله تمسّك الزمخشري، لا باسَّمَعَ كما قال المصنف، وإنما لم يعدّ سين نحو اسَّمَع والذال والظاء في اذَّكَر وَاظَّلَم في حروف البدل لأن البدل في هذه الأشياء ليس مقصودا بذاته، بل لما كان السين والذال والظاء مقاربة للتاء في المخرج وقصد الإدغام ولم يمكن في المتقاربين إلا بجلعهما متماثلين قلبت التاء سيناً وذالاً وظاء، لما سيجئ في باب الإدغام، فلما كان البدل لأجل الإدغام لم يعتد به. قال: " فَالْهَمْزَةُ تُبَدَل مِنْ حُرُوفِ اللِّينِ وَالْعَيْنِ وَالْهَاءِ، فَمِنَ اللِّينِ إعْلاَلٌ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ كِسَاءٍ وَرِدَاءٍ وَقَائِلٍ وَبَائِعٍ وَأَوَاصِلَ، وَجَائِزٌ فِي أجُوهٍ وَأُورِيَ، وَأَمَّا نَحْوُ دَأَبَّةٍ وَشَأَبَّةٍ وَالْعَأْلَمِ وَبَأْزٍ وَشِئْمَةٌ وَمُؤقِدٍ فَشَاذَ، وأَبَابُ بَحْرٍ أَشَذُّ، وَمَاءٌ شَاذ " أقول: قوله " في نحو كساء ورداء " ضابطه كل واو وياء متطرفتين، أصليتين كانتا ككساء ورداء، أولاً كَعِلْبَاءٍ (2) ورِدَاء، في ترخيم رداوى،
واقعتين بعد ألف زائدة، فإنهما تقلبان ألفين، ثم تقلب الألف همزة، كما تقدم. قوله " وقائل وبائع " ضابطه كل واو وياء هي عين فاعِلٍ الْمُعَلّ فعله أو فاعِلٍ الكائن للنسب كسائف (1) ، لكونه كاسم الفاعل من ساف يسيف، فإنه تقلب الواو والياء ألفاً ثم تقلب الألف همزة، كما تبين قبل. قوله " وأواصل " ضابطه كل واوين في أول الكلمة ليست ثانيتهما زائدة منقلبة عن حرف آخر، نحو أَوَاصِلَ وأواعد من وعد على وزن جَوْرَب وأوعاد على وزن طُومار (2) فإنه تقلب أولاهما همزة قوله " أُجوه وأُورِيَ " ضابطه كل واو مضمومة ضمة لازمة: في الأول كانت، أو في الوسط، والتي في الأول سواء كانت بعدها واو زائدة منقلبة عن حرف كأُورِي، أولا كأجُوه، قولنا " ضمة لازمة " احتراز عن ضمة الإعراب، والضمة للساكنين، وعند المازني هذا القلب مطرد في الواو المتصدرة المكسورة أيضاً نحو إفَادَة وَإشَاح قوله " نحو دَأبَّة " ذكرنا حاله في التقاء الساكنين، وكذا حال الْمُشْتئِقِ في قوله: * صَبْراً فَقَدْ هَيَّجْتِ شَوْقَ الْمُشْتَئِقِ (3) * فقد حرك الشاعر الألف بعد قلبها همزة للضرورة، وحكى الفراء في غير الضرورة رجل مَئِل: أي كثير المال، وقالوا: لبَّأَ الرجل بالحج، وعن العجاج أنه كان يهمز العالم والخاتم، وليس ذلك فراراً من الساكنين، ولكن لتقارب مخرجي الألف والهمزة، وأنشد قوله:
161 - يادار سلمى يا سلمى ثم اسلمي * فخندف هامة هذا العألم (1) بالهمز، وذلك لان ألف عام تأسيس لا يجوز معها إلا مثل السَّاحِم (2) اللاَّزِم، فلما قال: اسْلَمِي همز العألم، ليجري القيافة على منهاج واحد في عدم التأسيس، وحكى اللحياني عنهم بَأُزٌ وأصل ألفه واو، بدليل أبواز، وقالوا: الشِّئْمة (3) ، أصلها الياء، كما قالوا: قطع الله أدْيَه: أي يَدْيَه فردوا اللام (4)
وأبدلوا الياء الأولى همزة، كذا قال ابن جني، ويقال: في أسنانه ألل: أي يلل. قوله " مؤقد " أنشد أبو علي 162 - * لَحَبُّ الْمُؤْقِدِيْنِ إليَّ مُؤْسَى (1) * بهمز واو الموقدين وموسى، وقرئ (بِالسُّؤْقِ وَالأَعْنَاقِ) مهموزاً، قيل: وجه ذلك أن الواو لما جاورت الضمة صارت كأنها مضمومة، والواو المضمومة تهمز، نحو نَؤُور وَغُؤُور
قوله " وأباب بحر أشذ " إنما كان أشذ إذ لم يثبت قلبت العين همزة في موضع بخلاف قلب الواو والياء والألف، فإنها تقلب همزة، أنشد الأصمعي 163 - * أُبَابُ بَحْرٍ ضَاحِكٍ هَزُوقِ (1) * الهزوق: المستغرق في الضحك، قال ابن جني: أباب من أبَّ إذا تهيأ، قال: 164 - * وَكَانَ طَوَى كَشْحاً وَأبَّ لِيَذْهَبَا (2) * وذلك لأن البحر يتهيأ للموج، قال: وإن قلت: هو بدل من العين فهو
وجه، لكنه غير قوي، ومن قال: إنه بدل منه، فلقرب مخرجيهما، ولذا أبدّل منه العين، نحو قوله * أعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً (1) ... البيت * قوله " وماء شاذ " هو شاذ لكنه لازم، وأصله مَوَه، قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم شبه الهاء بحرف اللين لخفائها، فكأنها واوا أو ياء واقعة طرفاً بعد الألف الزائدة، فقلبت ألفاً، ثم همزة، وقالوا أيضاً في أمْوَاه: أمواء، لمثل هذا، قال: 165 - وَبَلْدَةٍ قَالِصَةٍ أَمْوَاؤُهَا يَسْتَنُّ فِي رَأْدِ الضُّحَى أَفْيَاؤُهَا (2) قيل: آل أصله أهل ثم أَألْ - بقلب الهاء همزة - ثم آل - بقلب الهمزة ألفاً - وذلك لأنه لم يثبت قلب الهاء ألفا وثبت قلبها همزة، فالحمل على ما ثبت مثله أولى، وقال الكسائي: أصله أوَل، لأنهم يؤولون إلى أصل، وحكى أبو عبيدة في هَلْ فَعَّلْتَ؟: أَلْ فَعَلْتَ؟ وقيل: إن أصل ألاّ في التحضيض هلا قال: " وَالأَلِفُ مِنْ أُخْتَيْهَا وَالْهَمْزَةِ، فَمِنْ أُخْتَيْهَا لازم في نحو قال وباع
وَآلٍ عَلَى رَأْي، وَنَحْوُ يَاجَلُ ضَعِيفٌ، وَطَائِيٌّ شاذٌّ لاَزِمٌ، وَمِنْ الْهَمْزَةِ فِي نَحْوِ رَأْسٍ، وَمِنَ الْهَاءِ فِي آلٍ عَلَى رَأْي " أقول: قوله " قال وباع " ضابطه كل واو وياء تحركتا وانفتح ما قبلهما، على الشروط المذكورة في باب الإعلال، قوله " ونحو يَاجَلُ ضعيف " أي: وإن كان مطردا في بعض اللغات، كما ذكرنا في باب الإعلال، وضعفه لقلب الواو الساكنة المفتوح ما قبلها ألفاً قوله " وطائي شاذ " وذلك لما ذكرنا، لكنه واجب قوله " في نحو رأس " مطرد لكنه غير لازم إلا عند أهل الحجاز، وضابطه كل همزة ساكنة مفتوح ما قبلها، وفي نحو آدم لازم ويبدل من النون والتنوين وقفاً في نحو رأيت زيدَا وَلَنَسْفَعَا قال: " والياء مع أختيها وَمِنْ الْهَمْزَةِ وَمِنْ أَحَدِ حَرْفِي الْمُضَاعَفِ وَالنُّونِ وَالْعَيْنِ وَالْبَاءِ وَالسِّينِ وَالثَّاءِ، فَمِنْ أُخْتَيْهَا لاَزِمٌ فِي نَحْوِ مِيقَّاتٍ وَغَازٍ وَأَدْل وَقِيَامٍ وَحِيَاضٍ وَمَفَاتِيحَ وَمْفَيْتِيح وَدِيمَ وَسَيِّد، وَشَاذٌّ فِي نَحْوِ حُبْلَى وَصُيَّم وَصِبْيَةٍ وَيَيْجَلُ، وَمِنَ الْهَمْزَةِ فِي نَحْوِ ذِيبٍ، وَمِنَ الْبَاقِي مَسْمُوعٌ كَثِيرٌ فِي نحو أمليت وَقَصَّيْت وَفِي نَحْوِ أَنَاسِيَّ، وَأَمَّا الضَّفَادِي وَالثّعَالِي وَالسَّادِي وَالثَّالِي فَضَعِيفٌ " أقول: قوله " في نحو ميقات " ضابطه أن يسكن الواو وقبله كسرة، وضابط نحو غازٍ أن يتطرف الواو وقبله كسرة، وضابط نحو أدْلٍ أن يتطرف الواو المضموم ما قبلها على الشرط المذكور، وضابط نحو قِيَام أن تكون العين واواً مكسوراً ما قبلها في مصدر أعِلَّ فعله، وضابط نحو حِياضٍ أن تكون العين واواً في جمع قد سكن عين مفرده، وقبل الواو كسرة، وبعده ألف، وضابط نحو دِيَم أن تكون الواو عيناً قبلها كسرة في جمع ما قد قلبت عينه، وضابط نحو سيِّد أن (*)
يجتمع الواو والياء وتسكن أولاهما، وضابط نحو أغزيت أن تقع الواو رابعة فصاعداً متطرفة مفتوحاً ما قبلها على الشرط المذكور قوله " شاذ في نحو حُبْلَى وَصُيَّم " قد ذكرنا في باب الوقف أن حُبْلَى بالياء مطرد عند فزارة، فكان الأولى أن يقول ضعيف لا شاذ، وكذا ذكرنا أن نحو صُيَّم مطرد وإن كان ضعيفاً، وكذا نحو يَيْجَل، قال أبو علي: هو قياس عند قوم وإن كان ضعيفاً، وحكم الزمخشري بشذوذه، وصِبْيَة وَثِيرَةٌ شاذّ كما ذكرنا قوله " ومن الهمزة " هو واجب في نحو إيت، ومطرد غير لازم في نحو ذيب، وتبدل الياء مكان الواو والألف في نحو مُسْلِمَان وَمُسْلِمُونَ، وفي نحو (قراطيس) وقريطيس لكسر ما قبل الألف، وكذا الألف التي بعد ياء التصغير، نحو حُمَيِّر قوله " كثير في نحو أمليت وَقَصَّيْت " يعني بنحوه ثلاثياً مزيدا فيه يجتمع فيه مثلان ولا يمكن الإدغام لسكون الثاني، نحو أمْلَلْتُ، أو ثلاثة أمثال أولها مدغم في الثاني، فلا يمكن الإدغام في الثالث نحو قَصَّيْت وَتَقَضِّيَ البازي (2) ، فيكره اجتماع الأمثال، ولا طريق لهم إلى الإدغام فيستريحون إلى قلب الثاني ياء لزيادة الاستثقال، وإن كان ثلاثياً مجرداً لم يقلب الثاني، فلا يقال في مددت مديت، أما قولهم " فَلاَ وَرَبْيِك " أي رَبِّك فشاذ، وأبدلوا أيضاً من أول حرفي التضعيف في وزن فِعَّال، إذا كان اسماً، لا مصدراً، ياء، نحو ديماس (3)
وديباج (1) ودينار وقيراط وشيراز، فيمن قال: دَمَاميس وَدَبَابيج ودنانير وقراريط وشراريز، وهذا الإبدال قياس، إذ لا يجئ فِعَّال غير المصدر إلا وأول حرفي تضعيفه مبدل ياء، فرقاً بين الاسم والمصدر، ولا يبدل في المصدر نحو كذّب كذَّاباً، فإن كان الاسم بالهاء كالصِّنَّارة (2) وَالدِّنَّامَةِ (3) لم يبدل، للأمن من الالتباس، وأما من قال دياميس وديابيج فيجوز أن يكون لم يردهما إلى الأصل وإن زالت الكسرة للزوم الياء في آحادهما ويجوز أن يكون آحادهما على وزن فِيعَال في الأصل من غير أن يكون الياء بدلاً من حرف التضعيف، وأما قولهم شواريز بالواو في شيراز فمبنى على أن أصله شِوْرَاز، وإن لم يكن فوعال في كلامهم، ويجوز أن يكون شواريز أصلها شياريز فأبدلت الياء واواً تشبيهاً للياء بالألف في نحو خَاتمٍ وَخَوَاتم فيكون أصله شيراز، وجاز اجْلِيوَاذ (4) واخْريَواط (5) في مصدر اجْلَوَّذ واخْرَوَّط قوله " أناسيّ " يجوز أن يكون جمع إنسى فلا تكون الياء بدلا من النون، كذا قال المبرد، وأن يكون جمع إنسان، والاصل أناسين، وقد
يستعمل أيضا. فيكون كالظرابى في جمع الظربان (1) وأما العين والباء والسين والثاء، فكقوله: 166 - وَمَنْهَلٍ لَيْسَ لَهُ حَوَازِقُ * وَلِضَفَادِي جمه نقانق (2) وقوله: 167 - لها أشارير من لحم تتمره * من الثعالي ووخز من أرانيها (3)
[مواطن إبدال الواو]
وقوله: 168 - إِذَا مَا عُدَّ أَرْبَعَةٌ فِسَالٌ * فَزَوْجُكِ خَامِسٌ وَأَبُوكِ سَادِي (1) وقوله: 169 - يفديك يازرع أبي وخالي * قد مر يومان وهذا الثالي (2) * وأنت بالهجران لا تبالي * وقد يبدل الياء من الجيم، يقال: شيرة وشييرة في شجرة وشجيرة. قال: " وَالْوَاوُ مِنْ أُخْتَيْهَا وَمِنَ الْهَمْزَةِ، فَمنْ أُخْتَيْهَا لاَزِمٌ فِي نَحْوِ ضَوَارِبَ وَضُوَيْرِبٍ وَرَحَوِيٍّ وَعَصَوِيٍّ وَمُوقِنٍ وَطُوبَى وَبُوطِرَ وَبَقْوَى، وشَاذّ ضَعيفٌ فِي هَذَا أَمْرٌ مَمْضُوّ عَلَيْهِ وَنَهُوٌّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَجِبَاوَةٍ، وَمِنَ الْهَمْزِ فِي نَحْوِ جُؤَنَةٍ وَجُؤْنٍ " أقول: قوله " ضَوَارب وضُوَيْرب " ضابطه الجمع الأقصى لفاعِلٍ أو فاعَلٍ كحائِطٍ وخَاتَمٍ، أو مصغرهما، وإنما قلبت واواً في فوَاعل حملاً على فُوَيْعل، لأن التصغير والتكسير من واد واحد، وبينهما تناسب في أشياء، كما مر في بابيهما، وكذا تقلب الألف واواً في ضورب وتضورب.
قوله " عَصَويّ وَرَحَويّ " ضابطه الألف الثالثة أو الرابعة إذا لحقها ياء النسب، فإنك تقلب الألف واواً، سواء كانت عن واو أو عن ياء، لمجئ الياء المشددة بعدها، وقد مر (1) في باب النسب وباب الإعلال وَجْهُ قلبها واواً، ووجه عدم قلبها ألفا مع تحريكها وانفتاح ما قبلها. قوله: " موقن وطُوبَى وبوطر " ضابطه كل ياء ساكنة غير مدغمة مضموم ما قبلها بعدها حرفان أو أكثر، إلا في نحو بِيضَان (2) وحِيكَى وضِيزى (3) ، وقولنا " حرفان أو أكثر " احتراز عن نحو بيض. قوله " وبقوى " ضابطه كل ياء هي لام لفَعْلى اسماً، وكذا يقلب الياء واواً في نحو عَمَوِيّ قياساً. قوله " أمر مَمْضُوٌّ عليه " أصله مَمْضُويٌ، لأنه من مضى يمضي، وكذا نَهُوّ عن المنكر أصله نَهُويٌ، كأنه قلب الياء واواً ليكون موافقاً لأَمُور، لأنهم يقولون: هو أَمُورٌ بالمعروف ونهو عن المنكر، ولو قلبوا الواو ياء على القياس لكُسِرَت الضمة فصار نَهِيّاً، فلم يطابق أمُوراً، وقالوا: الْفُتُوَّة (4) والندُوَّة (5) والأصل الْفُتُويَة والنُّدُويَة، وشربت مَشُوًَّا ومَشِيًّا، وهو الدواء
[مواطن إبدال الميم]
الذي يُمْشي البطن، وقالوا: جَبَيْتُ الخراج جِبَاية وَجِبَاوَة، والكل شاذ قوله " ومن الهمزة ": وجوباً في نحو أو من، وجوازاً في نحو جُونَة وجون (1) كما مر في تخفيف الهمز، ويجب أيضا في نحو حَمْرَاوان على الأعرف، وحَمْرَاوات وحَمْرَاوِيّ، وضعف أفعو في أَفْعَيِ كما مر في باب الوقف (2) قال: " وَالْمِيمُ مِنَ الْوَاوِ وَاللاَّمِ وَالنُّونِ وَالْبَاءِ، فَمِنَ الْوَاوِ لاَزِمٌ فِي فَمٍ وَحْدَهُ وضَعِيفٌ فِي لاَم التَّعْريفِ، وَهِي طَائِيَّةٌ، وَمِنَ النُّونِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ عَنْبَرِ وشَنْبَاءَ، وَضَعِيفٌ فِي الْبَنَامِ وَطَامَهُ اللهُ عَلَى الْخَيْرِ، وَمِنَ الْبَاءِ في بنات مخر وَمَا زِلْتُ رَاتِماً وَمِنْ كَثَمٍ " أقول: لم يبدل الميم من الواو إلا في فَم، وهذا بدل لازم، وقد ذكرنا في باب الاضافة أن أصله فَوْهٌ، بدليل أَفْوَاهٍ وأفوه وَفُوَيْهَة وتَفَوَّهْتُ، حذفت الهاء لخفائها، ثم أبدلت الواو ميما لئلا تسقط فيبقى المعرب على حرف، وقال الأخفش: الميم فيه بدل من الهاء، وذلك أن أصله فوْه، ثم قلب فصار فَهْو، ثم حذفت الواو وجعلت الهاء ميماً، واستدل على ذلك بقول الشاعر: * هُمَا نَفَثَا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِمَا (3) * فهو عنده كقوله: 170 - * لا تقلواها وادلواها دلوا * إن مع اليوم أخاه غدوا (4)
في رد المحذوف للضرورة، والميم والواو شفويتان، والميم تناسب اللام والنون لكونهما مجهورتين وبين الشديدة والرخوة قوله " وضعيف في لام التعريف " قال عليه السلام: " لَيْسَ مِنْ امْبرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَر " قوله " ومن النون لازم " ضابطه كل نون ساكنة قبل الباء: في كلمة كَعَنْبَرٍ، أو كلمتين نحو سَمِيعٌ بَصِير وذلك أنه يتعسر التصريح بالنون الساكنة قبل الباء، لأن النون الساكنة يجب إخفاؤها مع غير حروف الحلق كما يجئ في الإدغام، والنون الخفية ليست إلا في الغنة التي مُعْتَمَدُها الأنف فقط، والباء معتمدها الشفة، ويتعسر اعتمادان متواليان على مَخْرَجي النفس المتباعدين فطلبت حرف تقلب النون إليها متوسطة بين النون والباء، فوجدت هي الميم، لأن فيه الغنة كالنون، وهو شفوي كالباء، وأما إذا تحركت النون نحو شنب (1) ونحوه فليست النون مجرد الغنة، بل أكثر معتمدها الفم بسبب تحركها، فلا جرم انقلب ميماً، وضعف إبدالها من النون المتحركة، كما قال رؤبة: 171 - ياهال ذات المنطق التمتام * وكفك المخضب البنام (2)
ويقال: طَامَه الله على الخير: أي طانه، من الطينة (1) : أي جبله، قال: 172 - * ألاَ تِلْكَ نَفْسٌ طِينَ مِنْهَا حَيَاؤُهَا (2) * ولم يسمع لطام تصرف، بنات بَخر وَبَنَات مخر: سحائب يأتين قُبُلَ الصيف بيض منتصبات في السماء، وقال ابن السري: هو مشتق من البخار، وقال ابن جني: لو قيل إن بنات مخر من المخر بمعنى الشق من قوله تعالى: (وَتَرَى الفلك فِيهِ مواخر) لم يبعد. قال أبو عمرو الشيباني: يقال: ما زلت رَاتِماً على هذا، وراتباً: أي مقيماً، فالميم بدل من الباء، لأنه يقال: رَتَمَ مثل رَتَبَ، قال ابن جني: يحتمل أن تكون الميم أصلاً من الرَّتَمَة، وهى خيط يشد على الإصبع لتستذكر به الحاجة، وهو أيضاً ضرب من الشجر، قال:
[مواطن إبدال النون]
173 - هل ينفعنك اليوم إن همت بهم * كثرة مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمْ (1) وذلك أنه كان الرجل منهم إذا أراد سفراً عمد إلى غُصْنَين من شجرتين يقرب أحدهما من الآخر ويعقد أحدهما بصاحبه، فإن عاد ورأى الغصنين معقودين بحالهما قال: إن امرأته لم تَخُنه، وإلا قال: إنها خانته. وقال يعقوب: يقال: رأيناه من كَثَم: أي كثب أي قرب، ويتصرف في كثب يقال: أكْثَبَ الأمر: أي قرب قال: " وَالنُّونُ مِنَ الْوَاوِ وَاللاَّمِ شَاذٌّ فِي صَنْعَانِيٍّ وَبَهْرَانِيٍّ وَضَعِيفٌ فِي لَعَنَّ " أقول: قوله " في صنعاني وبهراني " منسوبان إلى صَنْعَاء وبَهْرَاء، فعند سيبويه النون بدل من الواو، لأن القياس صَنْعَاوِي، كما تقول في حمراء: حَمْرَاوِي، وهما متقاربان بما فيهما من الغنة، وأيضاً هما بين الشديدة والرخوة وهما مجهروتان، وقال المبرد: بل أصل همزة فَعْلاَء النون، واستدل عليه برجوعها إلى الأصل في صنعاني وبهراني، كما ذكرنا في باب مالا ينصرف، (2)
[مواطن إبدال التاء]
والأولى مذهب سيبويه، إذ لا مناسبة بين الهمزة والنون قوله " وضعيف في لَعَنَّ " قيل: النون بدل من اللام، لأن لعل أكثر تصرفاً، وقيل: هما أصلان لأن الحرف قليل التصرف قال: " وَالتَّاءُ مِنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَالسِّين وَالْبَاءِ والصَّادِ، فَمِنَ الْوَاوِ والْيَاءِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ اتَّعَدَ وَاتَّسَرَ عَلَى الأَفْصَحِ، وشَاذّ فِي نَحْوِ أَتْلَجَهُ وَفِي طَسْتِ وَحْدَهُ وَفِي الذَّعَالِتِ ولَصْت ضَعِيفٌ " أقول: قوله " نحو اتعد واتسر " أي: كل واو أو ياء هو فاء افتعل كما مر في باب الإعلال قوله " أتلجه " قال: 174 - رُبَّ رَامٍ مِنْ بَنِي ثُعَلٍ * مُتْلِجٍ كَفَّيْهِ فِي قُتَرِه (1) وضربه حتى أَتْكَأَه (2) ، ومنه تُجَاه (3) وتُكَلة (4) وتيقور (5)
من الوقار، وتُخَمة (1) وتهمة (2) وتقوى (3) وَتُقَاة وَتَتْرَى (4) من المواترة وتَوْراة من الْوَرْي (5) وهو فَوْعَلة لندور تفعلة، وكذا تولج (6) وتوأم (7) وأُخْت وبنت (8) وَهَنْتٌ وأَسْنَتُوا (9) من السَّنة قوله " طست " لان جمعه طُسُوس لا طُسُوت قوله " وحده " إنما قال ذلك مع قولهم سِتّ لأن الإبدال فيه لاجل
الادغام، وهى تركيب التسديس، وقال: 175 - يَا قَاتَلَ اللهُ بَنِي السِّعْلاَة * عَمْرِو بْنِ يِرْبُوع شِرَارَ النَّاتِ * غيْرِ أعفاء ولا أكيات (1) * وهو نادر قوله " ذعالت " قال: 176 - صَفْقَةَ ذِي ذَعَالِتٍ سُمُولِ * بَيْعَ امْرِئٍ لَيْسَ بِمُسْتَقِيل (2) أي: ذعالب، قال ابن جني: ينبغي أن تكونا لغتين، قال: وَغَيْرُ بعيد أن تبدل التاء من الباء، إذ قد أبدلت من الواو، وهى شريكة الباء من الشفة،
[مواطن إبدال الهاء]
هذا كلامه، والأولى أن أصلها الباء، لأن الذعالب أكثر استعمالاً، وهو بمعنى الذعاليب، واحدها ذُعْلُوب، وهي قطع الخرق الأخلاق وقالوا في لص: لَصْت: وجمعوه على اللُّصُوت أيضاً، قال: 177 - فَتَرَكْنَ نَهْداً عُيّلاً أبْنَاؤُهَا * وَبَنِي كِنَانَة كَاللُّصُوتِ الْمُرَّدِ (1) وجاء بدلاً من الطاء، قالوا: فُسْتَاطٌ في فسطاط (2) قال: " وَالْهَاءُ مِنَ الْهَمْزَةِ وَالأَلِفِ وَالْيَاءِ وَالتَّاءِ، فَمِنَ الْهَمْزَةِ مَسْمُوعٌ فِي هَرَقْتُ وَهَرَحْتُ وَهِيَّاكَ وَلَهِنَّكَ وَهِنْ فَعَلْتَ، في طيئ، وَهَذَا الَّذِي فِي أذَا الَّذِي، وَمِنَ الأَلِفِ شَاذٌّ في أَنَهُ وَحَيَّهلهْ وفى مه مستف؟ ؟ وَفِي يَاهَنَاهْ عَلَى رَأي، وَمِنَ الْيَاءِ فِي هذِهِ، وَمِنَ التَّاءِ في باب رحمة؟ قفا " أقول: يقال هَنَرتُ الثوب: أي أنرته (3) وَهَرَحْتُ الدابة: أي أرَحْتَها،
وحكى اللحيانى: هردت الشئ: أي أردته، أُهَريدَه، بفتح الهاء، كهرقته أُهَريقه، وقال: 178 - فَهِيَّاكَ وَالأَمْرَ الَّذِي إنْ تَوَسَّعَتْ * مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عليك المصادر (1) والهاء بدل، لان إياك أكثر، وقد مضى الكلام في لهنك في الحروف المشبهة بالفعل (2) وطيئ تقلب همزة إن الشرطية هاء، وحكى قطرب: هزيد
منطلق، في ألف الاستفهام، أنشد الاخفش: 179 - وأتت صواحبها فقلن هذا الذي * مَنَحَ الْمَوَدَّةَ غَيْرَنَا وَجَفَانَا (1) أي: أذا الذي، ويقال في أيا في النداء: هَيَا، وفي أما والله: هَمَا قوله " أَنهْ " قيل: الهاء بدل من الألف في الوقف، لأن الألف في الوقف، أكثر استعمالاً من الهاء، وقد ذكر في الوقف أن الهاء للسكت كما في قِهْ ورَهْ، وكذا في حَيَّهَلهْ، وأما قولهم " مَهْ " فالأولى كون هائها بدلاً من الألف، كما في قوله: 180 - قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ * من ههنا وَمنْ هُنَهْ (2) ويجوز أن يقال: حذف الألف من ما الاستفهامية غير المجرورة كما يحذف من ما المجرورة. نحو فِيمَ وإلاَمَ، ثم دُعِمَ بهاء السكت كما في رَهْ وقِهْ
قوله " في ياهناه " قد ذكرنا الخلاف (1) فيه وأن الهاء فيه للسكت عند أبي زيد والأخفش والكوفيين، وبدل من الواو عند البصريين، وأصله عندهم هَنَاوٌ لقولهم هَنَوَات، وقيل: الهاء أصل، وهو ضعيف لقلة باب سَلَس وقَلَق، وهاءُ هذه بدل من الياء كما ذكرنا في الوقف عند بني تميم، فليرجع إليه في معرفته (2) ولا يطرد هذا في كل ياء، فلا يقال في الذي: الذهْ قوله " ومن التاء في رحمة وقفا " مضى في الوقف (3)
[إبدال اللام]
قال: " واللَّامُ مِنَ النُّونِ وَالضَّادِ فِي أُصْيَلاَلٍ قَلِيلٌ، وفِي الْطَجَعَ ردئ " أقول: أصل أُصَيْلاَل أُصَيْلاَن، وهو إن كان جمع أصيل كرغيف ورغفان، وهو الظاهر، فهو شاذ من وجهين: أحدهما إبدال اللام من النون، والثاني تصغير جمع الكثرة على لفظه، وإن كان أُصْلاَنٌ واحداً كرُمَّان وقُرْبَان، - مع أنه لم يستعمل - فشذوذه من جهة واحدة، وهي قلب النون لاماً، قال الأخفش: لو سميت به لم ينصرف، لأن النون كالثابتة، يدل على ذلك ثبات الألف في التصغير كما في سُكَيْرَان، وكذا هَرَاق إذا سميت به غَيْرُ منصرف، لأن الهمزة في حكم الثابت قوله " الْطَجع " من قوله: لَمَّا رأَى أنْ لاَدَعَه وَلاَ شَبَعْ * مَالَ إلى أرطاة حقف فالطجع (1) قال: " والطَّاءُ مِنَ التَّاءِ لاَزِمٌ فِي اصْطَبَرَ، وشاذٌّ فِي فَحَصْطُ " أقول: قوله " في اصْطَبر " يعني إذا كان فاء افتعل أحد الحروف المطبقة المستعلية، وَهِيَ الصَّادُ والضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ، وذلك لأن التاء مهموسة لا إطباق فيها، وهذه الحروف مجهورة مطبقة، فاختاروا حرفاً مستعلياً من مخرج التاء، وهو الطاء، فجعلوه مكان التاء، لأنه مناسب للتاء في المخرج والصادِ والضاد والظاء في الاطباق قوله " وشذ في فَحَصْطُ " هذه لغة بني تميم، وليست بالكثيرة، أعني جعل الضمير طاء إذا كان لام الكلمة صادا أو ضاداً، وكذا بعد الطاء والظاء، نحو فحصط برجلي، (2)
[إبدال الدال]
وحِصْط عنه (1) : أي حِدْتُ وَأَحَطّ (2) وحفط (3) وإنما قلَّ ذلك لأن تاء الضمير كلمة تامة، فلا تغير، وأيضاً هو كلمة برأسها، فكان القياس أن لا تؤثر حروف الإطباق فيها، ومَنْ قلبَه فلكونه على حرف واحد كالجزء مما قبله، بدليل تسكين ما قبله، فهو مثل تاء افتعل قال: " وَالدَّالُ مِنَ التَّاءِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ ازْدَجَرَ وَادَّكَرَ، وشَاذٌّ فِي نَحْوِ فُزْدُ واجْدَمَعُوا واجدز وَدَوْلج " أقول: إذا كان فاء افتعل أحلا ثلاثة أحرف: الزاي، والدال، والذال، قلبت تاء الافتعال دالاً، وأدغمت الدال والذال فيها، نحو أدَّانَ وادكر، كما يجئ، وقد يجوز أن لا يدغم الذال نحو إذ دكر، والقلب الذي للإدغام ليس مما نحن فيه، كما ذكرنا في أول هذا الباب، والحروف الثلاثة مجهورة، والتاء مهموسة، فقلبت التاء دالاً، لأن الدال مناسبة للذال والزاي في الجهر، وللتاء في المخرج، فتوسط بين التاء وبينهما، وإنما أدغمت الذال في الدال دون الزاي لقرب مخرجها من مخرج الدال وبُعْدِ مخرج الزاي منها قوله " وادّكر " قلبُ التاء دالاً بعد الذال المعجمة لازم، وبعد القلب الإدغامُ أكثر من تركه، فإن أدغمت فإما أن تقلب الأولى إلى الثانية، أو بالعكس، كما يجئ في باب الإدغام
قوله " وشاذ في فُزْدُ " حاله كحال فَحَصْطُ، وقد ذكرناه، وكذا شذ قلبه بعد الدال، نحو جُدْدُ في جُدْتُ، وقد شذ قلب تاء الافتعال بعد الجيم، لأن الجيم وإن كانت مجهورة والتاء مهموسة إلا أنها أقرب إلى التاء من الزاي والذال، فيسهل النطق بالتاء بعد الجيم، ويصعب بعد الزاي والذال، قال: 181 - فَقُلْتُ لِصَاحِبي لاَ تَحْبِسَانَا * بِنَزْعِ أصُولِهِ وَاجْدَزَّ شِيحَا (1) ولا يقاس على المسموع منه، فلا يقال اجْدَرَأَ (2) واجْدَرَحَ (3) ، والدولج:
[إبدال الجيم]
الكناس، من الولوج، قلبت الواو تاء، ثم قلبت التاء دالاً، وذلك لأن التولج أكثر استعمالاً من دولج، وقلبت التاء دالاً في ازدجر واجد مع لتناسب الصوت، كما في صَوِيق، بخلاف دَوْلج. قوله: " وَالْجِيمُ مِنَ الْيَاءِ الْمُشدَّدَةِ فِي الْوَقْفِ، فِي نَحْوِ فُقَيْمِجٍّ، وَهُوَ شَاذٌّ ومِنْ غَيْرِ الْمُشَدَّدَةِ فِي نَحْوِ * لاَهُمَّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ * أشذ، ومِنَ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ * حَتَّى إذَا مَا أَمْسَجَتْ وَأَمْسَجَا * أشَذُّ " الجيم والياء أختان في الجهر، إلا أن الجيم شديدة، فإذا شُدّدت الياء صارت قريبة غاية القرب منها، وهما من وسط اللسان، والجيم أبين في الوقف من الياء، فطلب البيان في الوقف، إذ عنده يخفي الحرف الموقوف عليه، ولهذا يقال في حُبْلَيْ - بالياء -: حُبْلَوْ بالواو - وقد تقلب الياء المشددة لا للوقف جيما، قال: 182 - كأن في أذنا بهن الشُّوَّلِ * مِنْ عَبَسِ الصَّيْفِ قُرُونَ الاجل (1)
[إبدال الصاد]
وقد جاء في المخففة في الوقف، لكنه أقل من المشددة، وذلك أيضاً لبيان الياء في الوقف، وقد جاء من الياء في غير الوقف، قال: 183 - * حَتَّى إذَا مَا أمْسَجَتْ وَأَمْسَجَا (1) * أي: أمْسَيَتْ وأمْسَى، فلما أبدلت جيماً لم ينقلب ألفاً، ولم يسقط للساكنين، كالياء في أَمْسَتْ وأَمْسَى، وفي قوله " في الياء المخففة أشذ " دلالة على أن ذلك في المشددة شاذ، وإنما كان في المخففة أقل لأن الجيم أنسب بالياء المشددة، كما قلنا، وإنما كان في نحو أمْسَجَتْ أشذَّ لأن الأصل أن يبدل في الوقف لبيان الياء، والياء في مثله ليس بموقوف عليه. قال: " والصَّادُ مِنَ السِّينِ الَّتِي بَعْدَهَا غَيْنٌ أو خَاءٌ أَوْ قَافٌ أَوْ طَاءٌ جَوَازاً، نَحْوُ أصْبَغَ، وصَلَخَ، وَمَسَّ صَقَرَ، وصِرَاطٍ " أقول: أعلم أن هذه الحروف مجهورة مستعلية، والسين مهموس مُسْتَفِل، فكرهوا الخروج منه إلى هذه الحروف، لثقله فأبدلوا من السين صاداً، لأنها توافق السين في الهمس والصفير، وتوافق هذه الحروف في الاستعلاء، فتجانس الصوت بعد القلب، وهذا العمل شبيه بالإمالة في تقريب الصوت بعضه من بعض، فإن تأخرت السين عن هذه الحروف لم يسغ فيها من الإبدال ما ساغ وهي متقدمة، لأنها إذا تأخرت كان المتكلم منحدراً بالصوت من عال، ولا يثقل ذلك ثقَلَ التصعُّد من مُنْخَفِضٍ، فلا تقول في قست: قِصْت، وهذه الحروف تجوِّز القلب: متصلةً بالسين كانت كصَقَر، أو منفصلة بحرف نحو صَلَخَ، أو بحرفين أو ثلاثة
[إبدال الزاي]
نحو صَمْلَقٍ (1) وصِرَاطٍ، وَصَمَالِيقَ (2) ، وهذا القلب قياس، لكنه غير واجب، ولا يجوز قلب السين في مثلها زاياً خالصة، إلا فيما سمع نحو الزِّرَاط، وذلك لأن الطاء تشابه الدال قوله: " وَالزَّايُ مِنَ السِّينِ وَالصَّادِ الْوَاقِعَتَيْنِ قَبْلَ الدَّالِ سَاكِنَتَيْنِ، نَحْوُ يَزْدُلُ، وَهَكَذَا فَزْدِي أنَهْ " السين حرف مهموس، والدال مجهور، فكرهوا الخروج من حرف إلى حرف ينافيه، ولا سيما إذا كانت الأولى ساكنة، لأن الحركة بعد الحرف، وهي جزءُ حرفِ لينٍ حائلٌ بين الحرفين، فقربوا السين من الدال، بأن قلبوها زاياً، لان الزاي من مخرج السين ومثلها في الصفير، وتوافق الدالَ في الجهر، فيتجانس الصوتان، ولا يجوز ههنا أن تُشْرَبَ السينُ صوتَ الزاي، كما يفعل ذلك في الصاد، نحو يَصْدُرُ، لأن في الصاد إطباقاً، فضارعوا لئلا يذهب الإطباق بالقلب، وليست السين كذلك، ويجوز في الصاد الساكنة الواقعة قبل الدال قبلها زايا صريحة وإشرابها صَوْتَ الزاي، أما الإبدال فلأن الصاد مطبقة مهموسة رِخْوَة وقد جاورَت الدال بلا حائل من حركة وغيرها، والدال مجهورة شديدة غير مطبقة، ولم يبدلوا الدال كما في تاء افْتَعَلَ نحو اصْطَبَرَ لأنها ليست بزائدة كالتاء، فتكون أولى بالتغيير، فغيروا الأولى لضعفها بالسكون، بأن قَرَّبوها من الدال، بأن قلبوها زاياً خالصة، فتناسبت الاصوات، لان الزاى
من مخرج الصاد وأختها في الصفير، وهي تناسب الدال في الجهر وعدم الإطباق، وَمَنْ ضارع: أن نحى بالصاد نحو الزاي، ولم يقلبها زاياً خالصة، فللمحافظة على فضيلة الأطباق، كما ذكرنا. قوله " فزدِي أنه " قول حاتم الطائي لما وقع في أسر قوم فغزا رِجَالُهُمْ وبقي مع النسوة فأمَرْنه بالفصد فنحر، وقال: هكذا فزدى (1) أَنَهْ، وأنه تأكيد للياء قال: " وَقَدْ ضُورِعَ بالصَّادِ الزَّايُ دُونَهَا وَضُورِعَ بِهَا مُتَحَرِّكَةً أَيْضاً، نَحْوُ صَدَرَ وَصَدَقَ، وَالْبَيَانُ أَكْثَرُ فِيهِمَا، وَنَحْوُ مسَّ زَقَرَ كَلْبِيَّةٌ، وَأَجْدَرُ وَأَشْدَقُ بِالْمُضَارَعَةِ قَلِيلٌ " أقول: قوله " ضورع بالصاد الزاي " أي: جعل الصاد مضارعاً للزاي، بأن يُنْحَى بالصاد نحو الزاي، فقولك " ضارع " كان يتعدى إلى المشابَه - بفتح الباء - بنفسه، فجعل متعدياً إلى المشابِه - بكسر الباء - بحرف الجر قوله " دونها " أي: دون السين: أي لم تُشَمَّ السين صوت الزاي، بل قلبت زاياً صريحة، لما ذكرنا من أنه لا إطباق فيه حتى يحافظ عليه قوله " وضورع بها " أي: بالصاد الزايُ متحركةً أيضاً: أي إذا تحركت الصاد وبعدها دال أشِمَّ الصادُ صوتَ الزاي، ولا يجوز قلبها زاياً صريحة، لوقوع الحركة فاصلةً بينهما، وأيضاً فإن لحرف يَقْوَى بالحركة، فلم يقلب، فلم يبق إلا المضارعة للمجاورة، والإشمامُ وفيها أقل منه في الساكنة، إذ هي محمولة فيه على الساكنة التي إنما غيرت لضعفها بالسكون، فإن فصل بينهما أكثر من حركة كالحرف والحرفين لم تستمر المضارعة، بل يقتصر على ما سمع من العرب، كلفظ الصاد والمصادر والصراط، لأن الطاء كالدال قوله " والبيان أكثر فيهما " أي: في السين الساكنة الواقعة قبل الدال،
الإدغام
والصاد الواقعة قبلها: سكنت الدال أو تحركت، ولو روى " منهما " لكان الْمَعْنَى من المضارعة والقلب، ويعني بالبيان الإتيان بالصاد والسين صريحين بلا قلب ولا إشراب صوت، ففي الصاد الساكنة قبل الدال البيان أكثر، ثم المضارعة، ثم قلبها زاياً قوله " وَمَسَّ زَقَرَ كَلْبِيَّة " أي: قبيلة كلب تقلب السين الواقعة قبل القاف زاياً، كما يقلبها غيرهم صاداً، وذلك لأنه لما تباين السين والقاف لكون السين مهموسة والقاف مجهورة أبدلوها زاياً، لمناسبة الزاي للسين في المخرج والصفير، وللقاف في الجهر قوله " وَأَجْدَرَ وَأَشْدَقُ (1) " يعني إشرابُ الجيم والشين المعجمتين الواقعتين قبل الدال صوتَ الزاي قليلٌ، وهذا خلاف ما قاله سيبويه، فإنه قال في إشراب مثل هذا الشين صوتَ الزاي: " إن البيان أكثر وأعرف، وهذا عربي كثير " وإنما بضارع بالشين الزايُ إذا كانت ساكنة قبل الدال، لأنها تشابه الصاد والسين اللَّذَين يقلبان إلى الزاي، وذلك بكونها مهموسةً رخوةً مثلهما، وإذا أجريت في الشين الصوتَ رأيت ذلك بين طرف لسانك وأعلى الثَّّنِيَّتين موضع الصاد والسين، ثم إن الجيم حملت على الشين وإن لم يكن في الجيم من مشابهة الصاد السين مثْلُ ما بينهما وبين الشين، وذلك لأن الجيم من مخرج الشين، فعمل بها ما عمل بالشين، ولا يجوز أن يجعل الشين والجيم زاياً خالصة كالصاد والسين، لأنهما ليستا من مخرجهما قال: " الإِدْغَامُ: أنْ تَأْتِي بِحَرْفَيْن سَاكِنٍ فَمُتَحَرِّك مِنْ مُخْرَجٍ وَاحِدٍ
[إدغام المثلين]
مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَيَكُونُ فِي الْمِثْلَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ، فَالْمِثْلاَنِ وَاجِبٌ عِنْدَ سُكُونِ الأَوَّلِ إلاَّ فِي الْهَمْزَتَيْنِ إلا في نحو السأال والدأاث، وإلا في الالفين لتعذره، وإلا فِي نَحْو قُوِولَ لِلإِلْبَاسِ وَفِي نَحْو تُووِي وَرِيياً - عَلَى الْمُخْتَارِ - إِذَا خَفَّفْتَ، وَفِي نَحْوِ قَالُوا وَمَا، وَفِي يَوْم، وَعِنْدَ تَحَرُّكِهِمَا فِي كَلِمَةٍ وَلاَ إِلْحَاقَ وَلاَ لَبْس نَحْوُ رَدَّ يَرُدُّ، إلاَّ فِي نَحْوُ حَيِيَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِلاَّ فِي نَحْوِ اقْتَتَلَ وَتَتَنَزَّلُ وَتَتَبَاعَدُ، وَسَيَأْتِي، وَتُنْقَلُ حَرَكَتُهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ سَاكِنٌ غَيْرُ لِينٍ نَحْوُ يَرُدُّ، وَسُكُونُ الْوَقْفِ كَالْحَرَكَةِ، وَنَحْوُ مَكَّنَنِي وَيُمَكِّنُنِي وَمَنَاسِكُكُمْ وَمَا سَلَكَكُمْ مِنْ بَابِ كلمتين، وَمُمْتَنِعٌ فِي الْهَمْزَةِ عَلَى الأَكْثَرِ وَفِي الأَلِف وَعِنْدَ سُكُونِ الثَّانِي لِغَيْرِ الْوَقْفِ نَحْوِ ظَلِلْتُ وَرَسُولُ الْحَسَنِ، وَتِمِيمٌ تًدْغِمُ فِي نَحْوِ رُدَّ وَلَمْ يَرُدَّ، وَعِنْدَ الإِلْحَاقِ وَاللَّبْسِ بِزْنَةٍ أُخْرَى نَحْو قَرْدَدٍ وَسُرُر، وعِنْدَ سَاكِنٍ صَحْيحٍ قَبْلَهُمَا في كلمتين نَحْوُ قَرْمُ مَالِكٍ، وَحُمِلَ قَوْلُ القُرَّاءِ عَلَى الإِخْفَاء، وَجَائِزٌ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ " أقول: قوله " الإدغام أن تأتي بحرفين ساكن فمتحرك " يعني أن المتحرك يكون بعد الساكن (1) وإلا فليس بُدٌّ من الفصل: أي فك أحد الحرفين من الآخر، لأن الحركة بعد الحرف قوله " من غير فصل " أي: فكّ، احتراز عن نحو رييا (2) فإنك تأتى
بياء ساكنة فياء متحركة، وهما من مخرج واحد، وليس بإدغام، لأنك فككت إحداهما عن الأخرى، وإنما الإدغام وصل حرف ساكن بحرف مثله متحرك بلا سكتة على الأول، بحيث يعتمد بهما على المخرج اعتمادةً واحدة قوية، ولا يحترز به عن الحرف الفاصل أو الحركة الفاصلة بين المثلين، لخروجه بقوله " ساكن فمتحرك " والادغام في اللغة: إدخال الشئ في الشئ، يقال: أدغمت اللجام في فم الدابة: أي أدخلته فيه، وليس إدغام الحرف في الحرف إدخاله فيه على الحقيقة، بل هو إيصاله به من غير أن يفك بينهما قوله " في المثماثلين والمتقاربين " لا يمكن إدغام المتقاربين إلا بعد جعلهما متماثلين، لأن الإدغام إخراج الحرفين من مخرج واحد دفعة واحدة باعتماد تام، ولا يمكن إخراج المتقاربين من مخرج واحد، لأن لكل حرف مخرجاً على حدة، والذي أرى أنه ليس الإدغام الإتيان بحرفين، بل هو الإتيان بحرف واحد مع اعتماد على مخرجه قويّ: سواء كان ذلك الحرف متحركاً نحو يمدُّ زيد، أو ساكناً نحو يمدّ، وقفاً، فعلى هذا ليس قوله " ساكن فمتحرك " أيضاً بوجه، لأنه يجوز تسكين المدغم فيه اتفاقاً: إما لأنه يجوز في الوقف الجمع بين الساكنين عند من قال هما حرفان، وإما لأنه حرف واحد على ما اخترنا، وإن كان كالحرفين الساكن أولهما من حيث الاعتماد التام، وقوله " ساكن فمتحرك " وقوله " من غير فصل " كالمتناقضين، لأنه لا يمكن مجئ حرفين أحدهما عقيب الآخر إلا مع الفك بينهما، وإن لم تفك بينهما فليس أحدهما عقيب الآخر قوله " فالمثلان واجب عند سكون الأول " جعل الإدغام ثلاثة أقسام: واجباً، وممتنعاً، وجائزاً، فذكر الواجب والممتنع، وما بقي فجائز، فالواجب من
قوله " واجب " إلى قوله " من باب كلمتين " والممتنع من قوله " وممتنع " إلى قوله " على الإخفاء " قوله " عند سكون الأول " أي يجب الإدغام إذا سكن أول المثلين: كانا في كلمة كالشدّ والمدّ، أو في كلمتين متصلتين نحو اسْمَعْ عِلماً قوله " إلا في الهمزتين " ليس الإطلاق بوجه، بل الوجه أن يقال: الهمز الساكن الذى بعده همز متحرك: إما أن يكونا في كلمة، أو في كلمتين، فإن كانا في كلمة أدغم الأول إذا كانا في صيغة موضوعة على التضعيف، كما ذكرنا في تخفيف الهمزة (1) ، وفي غير ذلك لا يدغم، نحو قِرَأْيٍ على وزن قِمَطَرٍ (من قرأ) وإن كانا في كلمتين نحو اقْرَأَ آية، وأَقْرِئ أباك، وَلْيَقْرَأ أبوك، فعند أكثر العرب على ما ذهب إليه يونس والخليل يجب تخفيف الهمزة، فلا يلتقي همزتان، وزعموا أن ابن أبي إسحق كان يحقق الهمزتين، وأناس معه، قال سيبويه: وهي رَدِيئة، وقال: فيجب الإدغام في قول هؤلاء مع سكون الأولى، ويجوز ذلك إذا تحركتا نحو قَرَأَ أبُوكَ، قال السيرافي: توهم بعض القراء أن سيبويه أنكر إدغام الهمزة، وليس الامر على ما توهموا، بل إنما أنكره على على مذهب من يخفف الهمزة، كما هو المختار عنده، وقد بين سيبويه ذلك بقوله: ويجوز الادغام في قول هؤلاء (2) ، يعني على تلك اللغة الرديئة قوله: " الدأاث " (3) اسم واد، الصَّغَاني مخفف الهمز على وزن كَلاَم وسَلاَم.
قوله: " وإلا في الألف " لما قال: " واجب عند سكون الأول " ولم يقل: مع تحرك الثاني، أوهم أن الألف يدغم في مثله، لأنه قد يلتقي ألفان، وذلك إذا وقفت على نحو السماء، والبناء، بالإسكان كما مر في تخفيف الهمزة (1) فإنك تجمع فيه بين ألفين، ولا يجوز الإدغام، لأن الإدغام اتّصال الحرف الساكن بالمتحرك، كما مر، والألف لا يكون متحركاً، والحق أنه لم يحتج إلى هذا الاستثناء، لأنه ذكر في حد الإدغام أنه الإتيان بحرفين: ساكن فمتحرك، والألف لا يكون متحركاً. قوله: " وإلا في نحو قُووِل " اعلم أن الواو والياء الساكنين إذا وليهما مثلهما متحركاً، فلا يخلو من أن يكون الواو والياء مدتين، أولا، فإن لم يكونا مدتين وجب إدغام أولهما في الثاني: في كلمة كانا كَقَوَّل وسيَّر، أو في كلمتين نحو (تولوا واستغنى الله) واخْشَيْ يَاسِراً، وإن كانا مدتين: فإما أن يكون أصلهما حرفاً آخر قلب إليهما، أولاً، فإن لم يكن فإن كانا في كلمة وجب الإدغام، سواء كان أصل الثاني حرفاً آخر، كَمَقْرُوٍّ وَبَرِيٍّ وعليٍّ، أولاً، كمغزُوٍّ ومرميٍّ، وإنما وجب الإدغام في الأول: أعني مقروّاً وبريّاً وعليّاً - وإن لم يكن القلب في الثاني واجباً - لأن الغرض من قلب الثاني إلى الأول في مثله طلب التخفيف بالإدغام، فلو لم يدغموا لكان نقضاً للغرض، ووجب الإدغام في الثاني: أعني نحو مغزوٍّ ومرميٍّ، لأن مدة الواو والياء الأوَّلين لم تثبت في اللفظ قط، فلم يكن إدغامهما يزيل عنهما شيئاً وجب لهما، بل لم يقع الكلمتان في أول الوضع إلا مع إدغام الواو والياء في مثلهما، وإن كانا في كلمتين، نحو قالوا وما، وفي يوم، وظلموا وافداً، واظلمي ياسراً، لم يجز الإدغام، لأنه يثبت للواو والياء إذن في الكلمتين مد، وإدغامهما فيما عرض انضمامه إليهما من الواو والياء في أول الكلمتين مزيل
لفضيلة المد التي ثبتت لهما قبل انضمام الكلمة الثانية إلى الأولى، وإن كان أصل الواو والياء حرفاً آخر قلب إلى الواو والياء، فإن كان القلب لأجل الإدغام وجب الإدغام نحو مرميٍّ، وأصله مَرْمُوي، لئلا يبطل الغرض من القلب، فإن لم يكن القلب لأجل الإدغام فإن كان لازماً نظر، فإن كانت الكلمة التي فيها المثلان وزناً قياسياً يلتبس بسبب الإدغام بوزن آخر قياسي لم يدغم، نحو قُووِل فإنه فِعْلُ ما لم يسم فاعله قياساً، ولو أدغم الواو فيه في الواو لا لتبس بفُعِّل الذي: هو فِعْل ما لم يسم فاعله قياساً لفَعَّل، وإن لم يلزم التباس وزن قياسي بوزن قياسي أدغم نحو إيَّنَةٍ على وزن أفْعَلَة من الأين، وأُوَّلٍ على وزن أُبْلُم (1) من الأوْل، وذلك لأن القلب لما كان لازماً صار الواو والياء كالأصليتين، والالتباس في مثله وإن وقع في بعض الصور لا يبالى به، لان الوزن ليس بقياسي، فيستمر اللبس، وإن لم يكن القلب لازماً نحو رييا وتووى فالأصل الإظهار، لأن الواو والياء عارضان غير لازمين كما في بِيرٍ وسُوتُ، فهما كالهمزتين، والهمز لا يدغم في الواو والياء ما دام همزاً، وأجاز بعضهم الادغام نظر إلى ظاهر اجتماع المثلين، وعليه قولهم: ريا ورية، في رُؤْيَا ورُؤْية، وعند سيبويه والخليل أن سُويِرَ وقُووِلَ لم يدغما لكون الواوين عارضين، وقول المصنف أولى، وهو أنهما لم يدغما لخوف الالتباس، لأن العارض إذا كان لازماً فهو كالأصلي، ومن ثم يدغم إيَّنَةٌ وأُوَّلٌ مع عروض الواو والياء. قوله " وعند تحركهما " عطف على قوله " عند سكون الأول ": أي يجب الإدغام إذا تحرك المثلان في كلمة اعلم أنهم يستثقلون التضعيف غاية الاستثقال إذ على اللسان كلفة شديدة في الرجوع إلى المخرج بعد انتقاله عنه، ولهذا الثقل لم يصوغوا من الأسماء ولا الافعال
رباعياً أو خماسياً فيه حرفان أصليان متماثلان متصلان، لثقل البناءين، وثقل التقاء المثلين، ولا سيما مع أصالتهما، فلا ترى رباعياً من الأسماء والأفعال ولا خماسياً من الأسماء فيه حرفان كذلك إلا واحدهما زائد: إما للالحقاق أو لغيره، كما مر في ذي الزيادة، (1) ولم يبنوا ثلاثياً فاؤه وعينه متماثلان إلا نادراً نحو دَدَن (2) وببر (3) بل إنما ضعفوا حيث يمكنهم الإدغام، وذلك بتماثل العين واللام، إذ الفاء لو أدغم في العين وجب إسكانه، ولا يبتدأ بالساكن، وليس في الأسماء، التى لا توازن الأفعال ذو زيادة في أوله أو وسطه مثلان متحركان، إذ لا موجب في مثله للإدغام، لأن الإدغام إنما يكون في الاسم مع تحرك الحرفين إذا شابه الفعل الثقيل وزناً كما يجئ، وإلا بقي المتماثلان بلا إدغام، فتصير الكلمة ثقيلة بترك إدغام المثلين، وبكونها مَزيداً فيها، فلم يبن من الأسماء المزيد فيها غير الموازنة للفعل ما يؤدي إلى مثل هذا الثقل، بل يجئ فيما زيد فيه من الأفعال والأسماء الموازنة لها ما في أوله أو وسطه مثلان مقترنان، وذلك لكثرة التصرف في الفعل قياساً، فربما اتفق فيه بسببه مثل ذلك، فنقول: لا يخلو مثله من أن يكون من ذي زيادة الثلاثي أو من ذي زيادة الرباعي، فمن ذي زيادة الثلاثي بابان يتفق في أولهما مثلان متحركان، نحو تَتَرَّس (4) ، وتَتارَك (5) وباب يتففق في وسطه مثلان متحركان نحو اقْتَتَلَ، ومن ذي زيادة الرباعي باب يتفق في أوله ذلك نحو تَتَدَحْرَجُ، فأما ذو زيادة الرباعي فلا يخفف بالادغام،
إذ لو أدغمتَ لاحتجت إلى همزة الوصل فيؤدي إلى الثقل عند القصد إلى التخفيف، بل الاولى إبقاؤهما، ويجوز حذف أحدهما، كما يجئ، وأما ذو زيادة الثلاثي: فإن كان المثلان في أوله فأما أن يكون ماضياً كتَتَرَّس وَتَتَارك، أو مضارعاً كَتتنَزَّل وَتَتَثَاقَلُ، فالأولى في الماضي الإظهار، ويجوز الإدغام مع اجتلاب همزة الوصل في الابتداء، وكذا إذا كان فاءُ تَفَعَّلَ وتفاعل مقارباً للتاء في المخرج نحو اطير واثاقل على ما يجئ، فإذا أدغمت في الماضي أدغمت في المضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل والمفعول وكل اسم أو فعل هو من متصرفاته، نحو يتَّرَّسُ، وَمُتَّرِّس، وَيتَّارك، وَمُتَّارِكٍ، ويَطَّيَّرُ، وَيَثَّاقَلَ ومُطَّيِّرٍ وَمُثَّاقِل، وإن كان مضارعاً جاز الإظهار والحذف والإدغام نحو تَتَنَزَّلُ وَتَنَزَّلُ، وإذا أدغم لم يجتلب له همزة الوصل كما في الماضي، لثقل المضارع، بخلاف الماضي، بلا لا يدغم إلا في الدرج ليكتفي بحركة ما قبله، نحو قَال تَّنزَّلُ، وإن كان المثلان في وسط ذي الزيادة الثلاثي فلك الإظهار والإدغام نحو اقتتل وقتل كما يجئ هذا، وإنما جاز الإدغام في مصادر الأبواب المذكورة وإن لم توازن الفعل لشدة مشابهتها لأفعالها، كما ذكرنا في تعليل قلب نحو إقامة واستقامة (1) هذا حكم اجتماع المثلين في أول الكلمة وفي وسطها، وأما إن كان المثلان في آخر الكلمة وهو الكثير الشائع في كلامهم ومما يجئ في الثلاثي وفي المزيد فيه في الأسماء وفي الأفعال فهو على ثلاثة أقسام: إما أن يتحركا، أو يسكن أولهما، أو يسكن ثانيهما، فإن تحركا: فإن كان أولهما مدغماً فيه امتنع الإدغام، نحو ردَّدَ، لأنهم لو أدغموا الثاني في الثالث فلابد من نقل حركته إلى الأول، فيبقى ردَدَّ، ولا يجوز، إذ التغيير إذن لا يخرجه إلى حال أخف من الأولى، وكذا إن كان التضعيف للإلحاق امتنع الإدغام: في الاسم كان كقردَدٍ (2) ، أو
في الفعل كجلبَب، لأن الغرض بالإلحاق الوزن، فلا يكسر ذلك الوزن بالإدغام، وأما سقوط الألف في نحو أرطّى فإنه غير لازم، بل هو للتنوين العارض الذي يزول باللام أو الإضافة، وإن لم يكن التضعيف أحد المذكورين: فإن كان الأول حرف علة نحو حَيِيَ وَقَوِيَ فقد مضى حكمه، وإن لم يكن: فإما أن يكون في الفعل، أو في الاسم، فإن كان في الفعل وجب الإدغام: لكونه في الفعل الثقيل، وفي الآخِر الذي هو محل التغيير، وقد شذ نحو قوله: 184 - مَهْلاً أعاذلَ قَدْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقِي * أنِّي أجُودُ لأَقْوَامٍ وَإِنْ ضَنِنُوا (1) وهو ضرورة، وإن كان في الاسم: فإما أن يكون في ثلاثي مجرد من الزيادة، أو في ثلاثي مزيد فيه، ولا يدغم في القسمين إلا إذا شابها الفعل، لما ذكرنا في باب الإعلال (2) من ثقل الفعل، فالتخفيف به أليق، فالثلاثي المجرد إنما يدغم إذا وازن الفعل نحو رجل صَبٌّ (3) ، قال الخليل: هو فَعِلٌ - بكسر العين -، لأن صَبِبْتُ صَبَابَةً فأنا صَبٌّ كَقَنِعْتُ قناعة فأنا قَنِع، وكذا طَبٌّ (4) طبب، وشذ رجل ضَفِفٌ (5) والوجه ضَفٌّ، ولو بنيت مثل
نَدُسٍ (1) من رَدَّ قلت: رَدٌّ بالإدغام، وكان القياس أن يدغم ما هو على فَعَل كَشَررٍ وَقَصَصٍ وَعَدَدٍ، لموازنته الفعل، لكنه لما كان الإدغام لمشابهة الفعل الثقيل، وكان مثل هذا الاسم في غاية الخفة، لكونه مفتوح الفاء والعين، ألا ترى إلى تخفيفهم نحو كبِدٍ وعَضُدٍ دون نحو جَمَل؟ تركوا الإدغام فيه، وأيضاً لو أدغم فَعَلٌ مع خفته لا لتبس بفَعْلٍ - ساكن العين -، فيكثر الالتباس، بخلاف فَعِلٍ وفَعُل - بكسر العين وضمها - فإنهما قليلان في المضاعف، فلم يكترث بالالتباس القليل، وإنما اطرد قلب العين في فَعَلٍ نحو دار وباب ونار وناب، ولم يجز فيه الإدغام مع أن الخفة حاصلة قبل القلب كما هي حاصلة قبل الإدغام، لان القلب لا يوجب التباس فَعَلٍ بِفَعْلٍ، إذ بالألف يعرف أنه كان متحرك العين لا ساكنها، بخلاف الإدغام وقد جاء لأجل الخفة كثير من المعتل على فَعَل غير معل نحو قرد (2) ومَيَلٍ (3) وغَيَبٍ (4) وصَيَدٍ (5) وخَوَنَةٍ وحَوَكَةٍ (6) ، ولم يدغم نحو سُرُرٍ (7) وسُرَر (8)
وقِدَد (1) وكذا رِدِدٌ على وزن إبل من رَدّ، لعدم موازنة الفعل، وأما قولهم: عَمِيمة وعُمٌّ (2) فمخفف كما يخفف غير المضاعف نحو عُنْق ورُسْل وبُونٌ في جمع بِوَانٍ (3) والقياس بُوُن كعِيَان وعُيُن (4) ، فإذا اتصل بآخر الاسم الثلاثي الرازن للفعل حرف لازم كألف التأنيث أو الألف والنون لم يمنع ذلك من الإدغام كما منع من الإعلال في نحو الطَّيَران والْحَيَدَى (5) ، لأن ثقل إظهار المثلين أكثر من ثقل ترك قلب الواو ألفاً، فصار الحرف اللازم مع لزومه كالعدم، فنقول: من رَدّ على فَعَلاَنَ: رَدَدَان، كشَرَرٍ، وعلى فَعِلان وفَعُلاَن بكسر العين وضمها: رَدّان، بالإدغام، وعلى فُعُلان - بضمتين - وفعلان - بكسرتين -: رُدُدَان ورِدِدَان، وعلى فُعَلاَن - بضم الفاء وفتح العين -: رُدَدان، كله بالإظهار، وكذا الاسم الثلاثي المزيد فيه يدغم أيضاً إذا وازن الفعل، نحو مُسْتَعِدّ ومُسْتَعَدّ ومَرَدّ، وهو على وزن يَفْعَل، ومُدُقّ، وهو على وزن انْصُر، وَرَادٍّ، وهو كيضرب، ولا يشترط في الإدغام مع الموازنة المخالفة بحركة أو حرف في الاولى ليس في الفعل،، كما اشترط ذلك في الإعلال، فيدغم نحو أدَقّ وَأشَدَّ، وإن لم يخالف
الفعل، ولا يعل نحو أقْوَل وأطْوَل، وذلك لما ذكرنا من أن ثقل إظهار التضعيف أكثر من ثقل ترك الإعلال، وقوله 185 - * تَشْكُو الْوَجَى مِنْ أَظْلَلٍ وأظْلَلِ (1) * شاذ ضرورة وإن كان الساكن هو الأول فقد مر حكمه وإن كان الساكن هو الثاني فهو على ضربين: أحدهما أن تحذف الحركة لموجب، ولا يجوز أن يحرك بحركة أخرى، ما دام ذلك الموجب باقياً، وذلك هو الفعل إذا اتصل به تاء الضمير أو نونه، نحو رددت ورددنا ورددن ويرددان وَارْدُدْنَ، والثاني: أن تحذف الحركة لموجب، ثم قد تعرض ضرورةٌ يُحَرَّك الحرف لأجلها بغير الحركة المحذوفة، مع وجود ذلك الموجب، وذلك الفعل المجزومُ أو الموقوف، نحو لم يَرْدُدْ وارْدُدْ، فإنه حذف منه الحركة الإعرابية، ثم إنه قد يتحرك ثاني المثلين فيهما لالتقاء الساكنين، نحو ارْدُدِ الْقَوْم، ولم يَرْدُدِ الْقَوْمَ فالقسم الأول - أعني رَدَدْت ورَدَدْنا وَيَرْدُدْنَ وارْدُدْنَ - المشهور فيه إثبات الحرفين بلا إدغام، وجاء في لغة بكر بن وائل وغيرهم الإدغام أيضا، نحو
رُدَّنَ ويَرُدَّنَ، بفتح الثاني، وهو شاذ قليل، وبعضهم يزيد ألفاً بعد الإدغام، نحو رَدَّاتُ ورَدَّانَ، ليبقى ما قبل هذه الضمائر ساكناً كما في غير المدغم، نحو ضربت وضربن، وجاء في لغة سليم قليلاً - وربما استعمله غيرهم - حَذْفُ العين أيضاً في مثله، وذلك لكراهتهم اجتماع المثلين، فحذفوا ما حقه الإدغام: أعني أول المثلين، لما تعذر الإدغام، فإن كان ما قبل الأول ساكناً أوجبوا نقل حركة الأول إليه، نحو أحَسْنَ وَيُحِسْنَ، ومنه قوله تعالى: (وَقَرْنَ (1) فِي بيوتكن) على أحد الوجوه، وإن كان ما قبل الأول متحركاً جاز حذف حركة الأول ونقلها إلى ما قبله إن كانت كسرة أو ضمة، قالوا: ظَلْتُ - بفتح الفاء وكسرها - وكذا في لَبُبْت لَبْتُ ولُبْتُ - بفتح الفاء وضمها - وذلك لبيان وزن الفعل كما بينا في ضمة قُلْت وكسرة بِعْتُ، وهذا الحذف عندهم في الماضي أكثر منه في المضارع والأمر، وقد جاء الحذف في مثله والحرفان في كلمتين إذا كان الثاني لام التعريف، نحو عَلْمَاءِ: أي على الماء، وأما قولهم عَلَّرْضٍ فقياس، لأنه نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف، ثم اعتد بالحركة المنقولة
فأدغم لام عَلَى فيها، وكذا قالوا في جَلاَ الأمْرَ وَسلاَ الإِقامة: جَلَّمْرَ وسَلِّقَامة، وفيه اعتداد بحركة اللام من حيث الإدغام، وترك الاعتداد بها من حيث حذف ألف عَلَى وَجَلاَ. وجاء الحذف في المتقاربين في كلمتين إذا كان الثاني لام التعريف نحو بَلْعَنْبَرِ، وبَلْحَارِث وَبَلْكَعْب، وليس بقياس والقسم الثاني: أعني نحو رُدّ ولم يرُدَّ، لغة أهل الحجاز فيه ترك الإدغام، وأجاز غيرهم الإدغام أيضاً، لأن أصل الحرف الثاني الحركة، وهى إن انتفت بالعارض: أعني الجزم والوقف، لكن لا يمتنع دخول الحركة الأخرى عليه: أعني الحركة: لالتقاء الساكنين، فجوز الإدغام فيما لم يعرض فيه تلك الحركة أيضاً، نحو رُدَّ زيداً، ولم يُردّ زيداً، فإذا أدغم حرك الثاني بما ذكرناه في باب التقاء الساكنين (1) ، وقد جاء في التنزيل أيضاً ذلك، قال تعالى (لاَ تضار والدة) ، وإن سكن الحرف المدغم فيه للوقف فبقاء الإدغام فيه أكثر وأشهر، لعروض السكون، وعدم لزومه، إذ قد تثبت تلك الحركة المحذوفة فيه بعينها، وذلك في الوصل، فيكون جمعاً بين الساكنين، وهو مغتفر في الوقف، وقد يجوز حذف أحد المثلين أيضاً نحو هو يفر، وقفاً - بالتشديد والتخفيف - فهذه أحكام اجتماع المثلين في كلمة واحدة فإن كان ما قبل أول المثلين فيما قصد الإدغام فيه ساكناً: سواء تحرك المثلان كيردد، أو سكن ثانيهما كلم يردد، فإن كان الساكن حرف مد: أي الألف والواو والياء الساكنين اللذين ما قبلهما من الحركة من جنسهما، وجب حذف الحركة، نحو مادَّ وَتُمُودَّ الثوب، وكذا ياء التصغير، إذ هو لازم السكون، فلا يحتمل الحركة نحو أُصَيْمَ (2) ومُدَيْقٍ (3) وجاز التقاء الساكنين في جميع ذلك
كله، لأنه على حده كما مر في بابه (1) ، وإن كان الساكن غير ذلك نقل حركة أول المثلين إليه سواء كان حرف لين كإوَزَّةَ (2) وَأَوَدُّ (3) وَأَيَلُّ (4) ، أولا، نحو مستعدو ومستَعَدَّ هذا. وإن كان المثلان في كلمتين: فإن كان أولهما ساكناً فقط وليس بمد وجب الإدغام كما ذكرنا، سواء كان همزاً نحو اقرَأْ آية، إذا لم تخفف، أو غير همز، نحو قلْ لِزيد، وإن كان ثاني المثلين ساكناً فقط وجب إثباتهما إلا فيما إذا كان الثاني لام التعريف فقط، فإنه قد جاء في الشذوذ حذف أولهما أيضاً كما مر، نحو عَلْمَاءِ، وذلك لكثرة لام التعريف في كلامهم، فطُلِب التخفيف بالحذف لَمَّا تعذر الإدغام، وكذا جاء الحذف في بعض المتقاربين نحو بَلْحَارِث وَبَلْعَنْبَر، وقال سيبويه: وكذا يفعلون بكل قبيلة يظهر فيها لام التعريف، فلا يحذفون في بَني النَّجَّار، لإدغام اللام في نون النجار، وإن كانا متحركين: فإن كان ما قبل أول المثلين متحركاً نحو مكنني ويُمَكِّنُنِي وطُبع قلوبهم، أو كان ساكناً هو حرف مد نحو قالَ لَهُم، وقيلَ لَهم، وعمود داود، وتظلمونني، وتظلمينني، أولين غير مد نحو ثوب بَّكر، وجيب بَّكر وجاز الإدغام، وإن كان ذلك في الهمز أيضا نحو رداء أبَّيك، وقرأ أبَّوك، فيمن يحقق الهمزتين، وإن كان الساكن حرفاً صحيحاً لم يجز الإدغام، وأما ما نسب إلى أبي عمرو من الإدغام في نحو (خُذِ العفو وأمر) و (شهر رمضان) فليس بإدغام حقيقي، بَل هو إخفاء أول المثلين إخفاء يشبه الإدغام، فتجوز بإطلاق اسم الإدغام على الإخفاء لما كان الإخفاء قريباً منه، والدليل على أنه إخفاء لا إدغام أنه روي عنه الاشمام والروم
في نحو (شهر رمضان) و (الخلد جزاء) إجراء للوصل مجرى الوقف، والرَّوْم: هو الإتيان ببعض الحركة، وتحريك الحرف المدغم محال، فلك في كل مثلين في كلمتين قبلهما حرف صحيح إخفاء الأول منهما واعلم أن أحسن ما يكون الإدغام فيما جاز لك فيه الإدغام من كلمتين أن يتوالى خمسة أحرف فصاعداً متحركة مع المثلين المتحركين، نحو جَعَلْ لَكَ، وذهبْ بِمالك، ونحو نَزَعْ عُمْرُ، وَنَزَعْ عُلَبْطٌ، والإظهار فيما قبل أول المثلين فيه حرف مدّ أحسن من الإظهار فيما قبل أول المثلين فيه حرف متحرك، والإظهار في الواو والياء اللتين ليستا بمد نحو ثَوْبٍ بَكْر وجيب بَكر أحسن منه في الألف والواو والياء المدتين، لأن المد يقوم مقام الحركة، وإنما جاز الإدغام في نحو ثوب بكر وجيب بكر ولم يجز في نحو (خُذِ العفو وأمر) لأن الواو والياء الساكنين فيهما مد على الجملة وإن لم تكن حركة ما قبلهما من جنسهما، إلا أن مدهما أقل من مدهما إذا كان حركة ما قبلهما من جنسهما، ولوجود المد فيهما مطلقاً يمد وَرْش نحو سوءة وشئ، كما يمد نحو سئ والسُّوءِ، وإنما لم يجز نقل حركة أول المثلين في كلمتين إلى الساكن قبله للإدغام في نحو (العفو وأمر) ، وجاز ذلك في كلمة واحدة نحو مُدُقٍّ ومستعِدٍّ وأوَدُّ وأيَلُّ لأن اجتماع المثلين لازم إذا كان في كلمة، فجاز لذلك اللازم الثقيل تغيير بنية الكلمة وأما إذا كانا في كلمتين فإنه لا يجوز تغيير بنية الكلمة لشئ عارض غير لازم قوله " مكَّنني ويمكِّنني من باب كلمتين " يعني يجوز فيه إدغام الكلمة وتركه، لأنه من باب كلمتين، وإن كان الثاني كجزء الكلمة قوله " إلا في الهمزتين " قد ذكرنا أن الإدغام فيهما واجب عند من يحقق الهمزتين
قوله " في نحو السَّئَّال " قد مضى شرحه في باب تخفيف الهمزة (1) قوله " وفي نحو تُووِي وَرِيْياً " يعني إذا كانت الأولى منقلبة من الهمز على سبيل الجواز لا الوجوب قوله " وفي نحو قالوا وما " يعني إذا كان الأول مداً، وهما في كلمتين قوله " ولا إلحاق " احتراز عن نحو قَرْدَدٍ وَجَلْبَبَ قوله " ولا لبس " احتراز عن نحو طَلَلٍ وَسُرُرٍ قوله " وفي نحو حَيِيَ " أي: فيما المثلان فيه ياءان ولا علة لقلب ثانيهما ألفاً وحركته لازمة قوله " في نحو اقتتل " أي: فيما المثلان فيه في الوسط قوله " تتنزل وتتباعد " أي: فيما المثلان فيه في الأول قوله " فتنقل حركته " أي: إذا كانا في كلمة قوله " غير لين " احتراز عن نحو رادّ وَتُمُودّ وأُصَيْمّ، وليس له هذا الإطلاق، بل الواجب أن يقول: غير مد ولا ياء تصغير، لأن نحو أود وأيل تقل فيه الحركة إلى الساكن مع أنه حرف لين قوله " وسكون الوقف " لا يريد بالوقف البناء في نحو رُدَّ، أمراً، بل الوقف في نحو جاءني زَيْدْ - بالإسكان - دون الروم والإشمام قوله " في الهمز على الأكثر " قد ذكرنا أنه لا يمتنع عند أهل التحقيق، بل الإدغام واجب عند سكون الأول، وجائز عند تحركهما في كلمتين، نحو قرأ أّبوك قوله " تدغم في نحو رُدّ ولم يَرُدّ " أي: تدغم إذا كان الثاني ساكناً للجزم أو لكون الكلمة مبنية على السكون
[الإدغام الجائز]
قوله " وعند الإلحاق " عطف على قوله في الهمز: أي يمتنع عند الإلحاق قوله " في كلمتين " لأن ذك لا يمتنع في كلمة نحو أُصَيْمّ وَمُدَيْقّ قوله " وجائز فيما سوى ذلك " أي: سوى الواجب والممتنع، وذلك إذا تحركا في كلمتين وليس قبل الأول ساكن صحيح نحو " طبع على " يجوز لك فيه الإدغام وتركه قال: " الْمُتِقَارِبَانِ، وَنَعْنِي بِهِمَا مَا تَقَارَبَا فِي المخرح أوْ فِي صِفَةٍ تَقُومُ مَقَامَهُ، وَمَخَارِجُ الْحُرُوفِ سِتَّةَ عَشَرَ تَقْرِيباً، وَإلاَّ فَلِكُلٍّ مَخْرَجٌ، فَلِلْهَمْزَة وَالْهَاءِ والألف أقصى الحلق، وللعين والحاء وَسَطُهُ، وَلِلْغَيْنِ وَالْخَاءِ أدْنَاهُ، وَلِلْقَافِ أقْصَى اللِّسَانِ وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْحَنَكِ، وَلِلْكَافِ مِنْهُمَا مَا يَلِيهِمَا، وللجيم والشين والياء وسط اللسان وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْحَنَكِ، وَلِلضَّادِ أوَّلُ أُحْدَى حَافَتَيْهِ وَمَا يَلِيهِمَا مِنَ الأَضْرَاسِ، وَلِلاَّمِ مَا دُونَ طَرَفِ اللِّسَانِ إلَى مُنْتَهَاهُ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَلِلرَّاءِ مِنْهُمَا مَا يَلِيهِمَا، وَلِلنُّونِ مِنْهُمَا مَا يَلِيِهِمَا، وَلِلطَّاءِ وَالدَّالِ وَالتَّاءِ طَرَفُ اللِّسَانِ وَأصُولُ الثَّنَايَا، وَلِلصَّادِ وَالزَّاي وَالسِّينِ طََرَفُ اللِّسَانِ وَالثَّنَايَا، وَلِلظَّاءِ وَالذَّالِ وَالثَّاءِ طَرَفُ اللِّسَانِ وَطَرَفُ الثَّنَايَا، وَلِلْفَاءِ بَاطِنُ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَطَرَفُ الثَّنَايَا الْعُلْيَا، وَلِلبَاءِ وَالمِيمِ وَالوَاوِ مَا بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ " أقول: قوله " أو في صفة تقوم مقامه " يعني بها نحو الشدة والرخاو والجهر وَالْهَمْس والإطباق والاستعلاء وغير ذلك مما يذكر بعد قوله " وَإلاَّ فلكل مخرج " لأن الصوتَ السَّاذَجَ الذي هو محل الحروف - والحروف هيئة عارضة له - غَيرُ مخالف بعضُه بعضاً في الحقيقة، بل إنما تختلف بالجهارة واللين والغلظ والرقة، ولا أثر لمثلها في اختلاف الحروف، لأن الحرف الواحد قد يكون مجهوراً وخفياً، فإذا كان ساذجُ الصوت الذي هو مادة الحرف ليس
بأنواع مختلفة، فلولا اختلاف أوضاع آلة الحروف - وأعني بآلتها مواضعَ تكونها في اللسان والحلق والسن والنِّطع (1) والشفة، وهي المسماة بالمخارج - لم تختلف الحروف، إذ لا شئ هناك يمكن اختلاف الحروف بِسببه إلا مادتها وآلتها، ويمكن أن يقال: إن اختلافها قد يحصل مع اتحاد المخرج بسبب اختلاف وضع الآلة من شدة الاعتماد وسهولته وغير ذلك، فلا يلزم أن يكون لكل حرف مخرج قوله " فللهمزة والهاء والألف أقصى الحلق، وللعين والحاء وسطه، وللغين والخاء أدناه " أي: أدناه إلى الفم، وهو رأس الحلق، هذا ترتيب سيبويه ابتدأ من حروف المعجم بما يكون من أقصى الحلق، وَتَدَرَّج إلى أن ختم بما مخرجه الشفه، والظاهر من ترتيبه أن الهاء في أقصى الحلق أرفع من الهمزة، والالف أرفع من الهاء، ومذهب الأخفش أن الألف مع الهاء، لاقدامها ولا خلفها، قال ابن جني: لو كانا من مخرج لكان ينقلب الألف هاء لا همزة إذا حركتها. ولمانع أن يمنع من انقلاب الألف همزة بالتحريك، والحاء في وسط الحلق أرفع من العين، والخاء في أدنى الحلق أعلى من الغين، وكان الخليل يقول: الألف اللينة والواو والياء والهمزة هوائية: أي أنها من هواء الفم لا تقع على مَدْرَجَة من مدارج الحلق ولا مدارج اللسان، قال: وأقصى الحروف كلها في الحلق العين، وأرفع منها الحاء، وبعدها الهاء، ثم بعدهما إلى الفم الغين والخاء، والخاء أرفع من الغين
قوله " وللكاف منهما " أي: من أقصى اللسان وما فوقه " ما يليهما " أي ما يقرب منهما إلى خارج الفم قوله " وللجيم والشين والياء وسط اللسان وما فوقه من الحنك " الجيم أقرب إلى أصل اللسان، وبعده إلى خارج الفم الشين، وبعده إلى خارجه الياء، قال سيبويه: بين وسط اللسان وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء قوله " وللضاد أول إحدى حافتيه " الحافة: الجانب، وللسان حافتان من أصله إلى رأسه كحافتي الوادي، ويريد بأول الحافة ما يلي أصل اللسان، وبآخر الحافة ما يلي رأسه قوله " وما يليهما من الأضراس " اعلم أن الأسنان اثنتان وثلاثون سنا: ست عشرة في الفك الأعلى، ومثلها في الفك الأسفل، فمنها الثنايا، وهي أربع من قدام: ثنتان من فوق، ومثلهما من أسفل، ثم الرّبَاعِيَات، وهي أربع أيضاً: رباعيتان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلفهما الأنياب الأربع: نابان ضاحتكان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلف الأنياب الضواحكُ، وهي أربع: ضاحكتان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلف الضواحِكِ الأضراسُ، وهي ست عشرة: ثمان من فوق: أربع يمنة وأربع يسرة، ومثلها من أسفل. ومن الناس من ينبت له خلف الأضراس النواجذُ، وهي أربع من كل جانب: ثنتان فوق، وثنتان أسفل، فيصير ستاً وثلاثين سنا، فأنت تخرج الضد من أقصى إحدى حافتي اللسان إلى قريب من رأس اللسان، ومنتهاه أول مخرج اللام، هذا الذي ذكرناه مخرج الضاد من اللسان إلى قريب من رأس اللسان، وموضعها من الأسنان نفس الأضراس العليا، فيكون مخرجها بين الأضراس وبين أقصى إحدى حافتي اللسان، وأكثر ما تخرج من الجانب الأيمن، على ما يؤذن به كلام سيبويه وصرح به السيرافي، ويقال للضاد: طويل،
لأنه من أقصى الحافة إلى أدنى الحافة: أي إلى أول مخرج اللام، فاستغرق أكثر الحافة قوله " واللام ما دون طرف اللسان " يريد بما دون طرفه ما يقارب رأس اللسان من جانب ظهره إلى منتهاه: أي إلى رأس اللسان قوله " وما فوق ذلك " أي: ما فوق ما دون طرف اللسان إلى رأسه، وهو من الحنك ما فوق الثنية، وعبارة سيبويه (1) " من بين أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه، وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية "، واللام ابتداؤه - على ما قال سيبويه - من الضاحك إلى الثنية، لأن الضاد يخرج من بين الأضراس وحافة اللسان، واللام يخرج من فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية، لا من نفس الأسنان وحافة اللسان، وجميع علماء هذا الفن على ذكر سيبويه، والمصنف خالفهم كما ترى، وليس بصواب قوله " وللراء منهما " أي: ما دون طرف اللسان إلى منتهاه وما فوق ذلك قوله " ما يليهما " أي: ما يقرب الموضعين إلى جانب ظهر اللسان، فالنون أقرب إلى رأس اللسان من الراء، وقال سيبويه: مخرج النون بين طرف اللسان إلى رأسه، وبين فويق الثنايا، ومخرجُ الراء هو مخرج النون، غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً، لا نحرافه إلى اللام: أي الراء مائل إلى اللام قوله " وللصاد والزاي والسين طرف اللسان والثنايا " كذا قال ابن جني والزمخشري، يعنون أنها تخرج من بين رأس اللسان والثنايا من غير أن يتصل طرف اللسان بالثنايا كما اتصل بأصولها لإخراج الطاء والدال، بل يحاذيها
[مخارج الحروف الفرعية]
ويسامتها وعبارة سيبويه " مما بين طرف اللسان وطرف الثنايا مخرج الزاي والسين والصاد " فعلى ما قال مخرج هذه الحروف هو مخرج النون قوله " طرف اللسان وطرف الثنايا " أي: رءوس الثنايا العليا، وقال الخليل: العين والحاء والهاء والغين والخاء حلقية، لأن مبتدأها من الحلق، والقاف والكاف لَهَوِيَّتَان، إذ هما من اللَّهَاة، والجيم والشين والضاد شَجْرِية، لأن مبدأها من شَجْر الفم: أي مَفْرَجه، والصاد والزاي والسين أسَلِية، وَأسَلَة اللسان: مُسْتَدَقّ طرفه، والطاء والدال والتاء نِطَعِيَّة: لأن مبدأها من نِطَع الغار الأعلى، والظاء والذال والثاء لِثَوِيَّة، والراء واللام والنون ذلقية، وذلق كل شئ: تحديد طرفه، والفاء والباء والميم شَفَوية، أو شفهية، والواو والياء والألف والهمزة هَوَائية، إذ هي من الهواء لا يتعلق بها شئ، وخالف الفراء سيبويه في موضعين: أحدهما أنه جعل مخرج الياء والواو واحداً، والآخر أنه جعل الفاء والميم بين الشفتين، وأحسن الأقوال ما ذكره سيبويه، وعليه العلماء بعده. قال: " وَمَخْرَج الْمُتَفَرِّع وَاضِحْ، وَالْفَصِيحُ ثَمَانِيَةٌ: هَمْزَةُ بَيْنَ بَيْنَ (وَهِيَ) ثَلاَثَةٌ، وَالنُّونُ الْخَفِيَّةُ نَحْوُ عَنْكَ، وَأَلِفُ الإِمَالَةِ، وَلاَمُ التَّفْخِيم، وَالصَّادُ كالزَّاي وَالشِّينُ كالْجِيم. وَأَمَّا الصَّادُ كالسِّينِ والطَّاءُ كالتَّاء وَالْفَاءُ كالْبَاءِ وَالضَّادُ الضَّعِيفَةُ وَالْكَافُ كَالْجِيم فَمُسْتَهْجَنَةٌ. وَأَمَّا الْجِيمُ كالكاف والجيم كالشَّين فَلاَ يَتَحَقَّقُ " أقول: يعني بالمتفرع حرفاً يتفرع عن هذه الحروف المذكورة قبل بإشرابها صَوْتاً من غيرها، فهمزة بين بين ثلاثة ذكرناها في تخفيف الهمزة (1) : ما بين الهمزة والألف، وما بينها وبين الواو، وما بينها وبين الياء. قوله " النون الخفية " قيل: إن الرواية عن سيبويه " الخفيفة " قال السيرافي يجب أن يقال " الخفية " لان التفسير يدل عليه، إذ هي نون ساكنة غير
ظاهرة مخرجها من الخيشوم فقط، وإنما تجئ قبل الحروف الخمسة عشر التي تذكر عند ذكر أحوال النون، قال السيرافي: ولو تكلف متكلف إخراجها من الفم مع هذه الخمسة عشر لأمكن بعلاج وعسر. قوله: " وألف الإمالة " يسميها سيبويه ألف الترخيم، لأن الترخيم تليين الصوت، قال: لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الْحَرِيرِ وَمَنْطِقٌ * رخيم الحواشى لاهراء وَلاَ نَزْرُ قوله " ولام التفخيم " يعني بها اللام التي تلي الصاد أو الضاد أو الطاء، إذا كانت هذه الحروف مفتوحة أو ساكنة، كالصلوة وَيَصْلَوْن، فإن بعضهم يفخمها، وكذا لام " الله " إذا كان قبلها ضمة أو فتحة. ولم يذكر المصنف ألف التفخيم، وذكرها سيبويه في الحروف المستحسنة، وهي الألف التي يُنْحَى بها نحو الواو، كالصلوة والزكوة والحيوة، وهي لغة أهل الحجاز، وزعموا أن كَتْبَهُم لهذه الكلمات بالواو على هذه اللغة. قوله " الصاد كالزاي " قد ذكرنا في نحو يَصْدُق وَصَدَق. قوله " والشين كالجيم " ذكرها سيبويه في الحروف المستحسنة، وذكر الجيم التي كالشين في المستهجنة، وكلتاهما شئ واحد، لكنه إنما استحسن الشين المشربة صوت الجيم لأنه إنما يفعل ذلك بها إذا كانت الشين ساكنة قبل الدَّال، والدَّال مجهورة شديدة والشين مهموسة رخوة تنافي جوهر الدال، ولا سيما إذا كانت
ساكنة، لأن الحركة تُخْرج الحرف عن جوهرة فتُشْرَب الشين صوت الجيم التي هي مجهورة شديدة كالدال لتناسب الصوت، فلا جرم استحسن، وإنما استهجن الجيم التي كالشين لأنها إنما يفعل ذلك بها إذا سكنت وبعدها دال أو تاء، نحو اجتمعوا وأجْدَر، وليس بين الجيم والدال، ولا بينها وبين التاء تباين، بل هما شديدتان، لكن الطبع ربما يميل لاجتماع الشديدين إلى السلاسة واللين فيشرب الجيم ما يقاربه في المخرج، وهو الشين، فالفرار من المتنافيين مستحسن، والفرار من المثلين مستهجن، فصار الحرف الواحد مستحسناً في موضع، ومستهجناً في موضع آخر، بحسب موقعه قوله " وأما الصاد كالسين " قربها بعضهم من السين لكونهما من مخرج واحد، والطاء التى كالتاء تكون في كلام عجم أهل المشرق كثيراً، لأن الطاء في أصل لغتهم معدومة فإذا نطقوا بها تكلفوا ما ليس في لغتهم، فنطقوا بشئ بين الطاء والتاء قوله " والفاء كالباء " قال السيرافي: هي كثيرة في لغة العجم وهي على ضربين: أحدهما لفظ الباء أغلب عليه من الفاء، والآخر لفظ الفاء أغلب عليه من الباء، وقد جعلا حرفين من حروفهم سوى الباء والفاء المخلصين، قال: وأظن أن العرب إنما أخذوا ذلك من العجم لمخالطتهم إياهم قوله " الضاد الضعيفة " قال السيرافي: إنها لغة قوم ليس في لغتهم ضاد، فإذا احتاجوا إلى التكلم بها في العربية اعْتَضَلَت عليهم، فربما أخرجوها ظاء، لإخراجهم إياها من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وربما تكلفوا إخراجها من مخرج الضاد فلم يتأتَّ لهم فخرجت بين الضاد والظاء، وفى حاشية كتاب ابن مبرمان: الضاد الضعيفة كما يقال في اثْرُدْ له: اضْرُدْ له، يقربون التاء من الضاد، قال سيبويه: تكلف الضاد الضعيفة من الجانب الأيسر أخف، قال
[صفات الحروف]
السيرافي: لأن الجانب الأيمن قد اعتاد الضاد الصحيحة، وإخراج الضعيفة من موضع اعتاد الصحيحة أصعب من إخراجها من موضع لم يعتد الصحيحة قوله " والكاف كالجيم " نحو جافر في كافر، وكذا الجيم التي كالكاف، يقولون في جَمَل: كَمَل، وفي رَجُل: ركُل، وهي فاشية في أهل البحرين، وهما جميعا شئ واحد، إلا أن أصل أحدهما الجيم وأصل الآخر الكاف، كما ذكرنا في الجيم كالشين والشينِ كالجيم، إلا أن الشين كالجيم مستحسنة وعكسَه مستهجن، والكاف كالجيم وعكسهُ مستهجنان، فقوله " لا يتحقق " فيه نظر، وكأنه ظن أن مرادهم بالجيم كالشين حرف آخر غير الشين كالجيم، وكذا ظن أن مرادهم بالجيم كالكاف غير مرادهم بالكاف كالجيم، وهو وهم ومن المتفرعة القاف بين القاف والكاف، قال السيرافي: هو مثل الكاف التي كالجيم والجيم التي كالكاف ومنها أيضاً الجيم التي كالزاي والشين التي كالزاي، على ما ذكرنا في أَجْدَر وأشدق ومنها أيضاً الياء كالواو في قُيِل وبُيع - بالإشمام، والواو كالياء في مذعور وابن نور، كما ذكرنا في باب الامالة قال: " وَمِنْهَا الْمَجْهُورَةُ وَالْمَهْمْوسَة، وَمِنْها الشَّدِيدَةُ وَالرِّخْوَةُ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِنْهَا المطبقة والمنفتحة، ومنها المستعلية وَالْمُنْخَِفضَةُ، وَمِنْهَا حُرُوفُ الذَّلاَقَةِ وَالْمُصْمَتَهُ، وَمِنْهَا حُرُوفُ الْقَلْقَلَةِ وَالضَّفِيرِ وَاللَّيِّنةُ وَالْمْنْحَرِفُ وَالْمُكَرَّرُ وَالْهَاوِي وَالْمَهْتُوت. فَالْمَجْهُورَة مَا يَنْحَصِرُ جَرْيُ النَّفَس مَعَ تَحَرُّكِه وَهِيَ مَا عَدَا حُرُوفِ (سَتَشْحَثُكَ خَصَفَهْ) ، وَالْمَهْمُوسَةِ بِخِلاَفِهَا وَمُثلاً بققق وككك، وخالف بعضهم فجعل الضاد والظاء والذال والزاي والعين والغين والياء من المهموسة، والكاف
وَالتَّاءَ مِنَ الْمَجْهُورَةِ، وَرَأى أَنَّ الشِّدَّةَ تُؤكِّدُ الْجَهْرَ، وَالشَّدِيدَةُ: مَا يَنْحَصِرُ جَرْيُ صَوْتِهِ عِنْدَ إِسْكَانِهِ فِي مَخْرَجِهِ فَلاَ يَجْرِي، وَيَجْمَعُهَا (أجِدُكَ قَطَبْتَ) وَالرِّخْوَةُ بِخِلافِهَا، وَمَا بَيْنَهُمَا مَا لاَ يَتِمُّ لَهُ الانْحِصَارُ وَلاَ الْجَرْيُ، وَيَجْمَعُهَا (لِمَ يَرُوعُنَا) ، وَمَثِّلَتْ بِالْحَجِّ وَالطَّشِّ وَالْخَلِّ، وَالْمُطْبَقَةُ مَا يُنْطَبَقُ عَلَى مَخْرَجِهِ الْحَنَكُ، وَهِيَ الصَّادُ والضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ، وَالْمُنْفَتِحَةُ بِخِلاَفِهَا، وَالْمُسْتَعْلِيَةُ مَا يَرْتَفِعُ اللِّسَانُ بِهَا إلَى الْحَنَكِ وَهِيَ الْمُطْبَقَةُ وَالْخَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْقَافُ، وَالْمُنْخَفِضَةُ بِخِلاَفِهَا، وَحُرُوفُ الذَّلاقَةِ مَا لا ينفعك رباعى أو خماسى عن شئ مِنْهَا لِسُهُولَتِهَا، وَيَجْمعُهَا (مُرْ بِنَفَل) والمصمتة بِخِلاَفِهَا لأَنَّهُ صُمِتَ عَنْهَا فِي بِنَاءِ رُبَاعِيٍّ أَوْ خُمَاسِيٍّ مِنْهَا، وحروف القلقلة ما ينضم إلى الشدة فيها ضغط في الوقف، (ويجمعها قد طبج) ، وَحُرُوفُ الصَّفيِرِ مَا يُصْفَرُ بِهَا، وَهِيَ الصَّادُ وَالزَّايُ وَالسِّينَ، وَاللَّيِّنَةُ حُرُوفُ اللِّينِ، وَالْمُنْحَرِفُ اللاَّمُ، لأَنَّ اللِّسَانَ يَنْحَرِفُ بِهِ، وَالْمُكَرَّرُ الرَّاءُ، لِتَعَثرِ اللسَانِ بِهِ، وَالْهَاوِي الأَلِفُ، لاتِّسَاعِ هَوَاءِ الصَّوْتِ بِهِ، وَالْمَهْتُوتُ التَّاءُ، لِخِفَائِهَا " أقول: إنما سميت الحروف المذكورة مجهورة لانه لابد في بيانه وإخراجها من جَهْرٍ ما، ولا يتهيأ النطق بها إلا كذلك، كالقاف والعين، بخلاف المهموس، فإنه يتهيأ لك أن تنطق به ويسمع منك خفياً كما يمكنك أن تجهر به، والجهر: رفع الصوت، والهمس: إخفاؤه، وإنما يكون مجهوراً لأنك تشبع الاعتماد في موضعه، فمن إشباع الاعتماد ارتفاع الصوت، ومن ضعف الاعتماد يحصل الهمس والإخفاء، فإذا أشبعت الاعتماد فإن جرى الصوت كما في الضاد والظاء والزاي والعين والغين والياء فهي مجهورة رخوة، وإن اشبعته ولم يجر الصوت كالقاف والجيم والطاء والدال فهي مجهورة شديدة، قيل: والمجهورة تخرج أصواتها من الصدر، والمهموسة تخرج أصواتها من مخارجها في الفم، وذلك مما
يرخى الصوت فيخرج الصوت من الفم ضعيفاً، ثم إن أردت الجهر بها وإسماعها أتبعت صوتها بصوت من الصدر ليفهم، وتَمتحن المجهورة بأن تكررها مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة: رفعت صوتك بها أو أخفيته: سواء أشبعت الحركات حتى تتولّد الحروف، نحو قاقاقا، وقوقوقو، وقى قي قي، أو لم تشبعها نحو قَقَقَ، فإنك ترى الصوت يجرى ولا ينقطع، ولا يجري النفس إلا بعد انقضاء الاعتماد وسكون الصوت، وأما مع الصوت فلا يجري ذلك، لأن النفس الخارج من الصدر - وهو مركب الصوت - يحتبس إذا اشتدَّ اعتماد الناطق على مخرج الحرف، إذ الاعتماد على موضع من الحلق والفم يحبس النفس وإن لم يكن هناك صوت، وإنما يجري النفس إذا ضعف الاعتماد، وإنما كررت الحرف في الامتحان لأنك لو نطقت بواحد من المجهورة غير مكرر فعقيب فراغك منه يجري النفس بلا فصل، فيظن أن النفس إنما خرج مع المجهورة لا بعده، فإذا تكرر وطال زمان الحرف ولم يخرج مع تلك الحروف المكررة نَفَس عرفت أن النطق بالحروف هو الحابس للنفس، وإنما حُرِّكت الحروف لأن التكرير من دون الحركة محال، وإنما جاز إشباع الحركات لأن الواو والالف والياء مجهورة فلا يجري مع صوتها النفس، وأما المهموسة فإنك إذا كررتها مع إشباع الحركة أو بدونه فإن جوهرها لضعف الاعتماد على مخارجها لا يحبس النفس، فيخرج النفس ويجري كما يجري الصوت بها، نحو كَكَكَ، فالقاف والكاف قريباً المخرج، ورأيت كيف كان أحدهما مجهوراً والآخر مهموساً، وقس على القاف والكاف سائر المجهورة والمهموسة فنقول جميع حروف الهجاء على ضربين: مهموسة وهي حروف (سَتَشْحَثكَ خَصَفَه) بالهاء في خصفه للوقف، ومعنى الكلام ستشحذ عليك: أي تَتَكَدَّى، والشحاذ والشحاث: المُتَكَدِّي، وخصفة: اسم امرأة، وما بقي من الحروف مجهورة، وهي قولك: ظِلُّ قَوٍّ رَبَضَ إِذْ غَزَا جُنْدٌ مُطِيع
ثم تنقسم جميع حروف التهجي قسمة مستأنفة ثلاثة أقسام: شديدة، ورخوة، وما بينهما، والحروف الشديدة (أجدك قطبت) ونعنى بالشديدة ما إذا أسكنته ونطقت به لم يجر الصوت، والرخوة: ما يجري الصوت عند النطق بها، والفرق بين الشديدة والمجهورة أن الشديدة لا يجري الصوت عند النطق بها، بل إنك تسمع به في آن ثم ينقطع، والمجهورة لا اعتبار فيها بعدم جري الصوت، بل الاعتبار فيها بعدم جري النفس عند التصويت بها، وبعضهم أخرج من المجهورة: أي من حروف (ظِلُّ قَوٍّ) السَّبعة الأحرف التي من الرخوة: أي الضاد والظاء والذال والزاي والعين والغين والياء، فيبقى منها الحروف الشديدة: (أي أجدك قطبت) وأربعة أحرفٍ مما بين الشديدة والرخوة: أي من حروف (لِمَ يَرُوعُنَا) وهي اللام والميم والواو والنون، فيكون مجموع المجهورة عنده أثني عشر، وهي حروف (وَلِمَنْ أجِدُكَ قَطَبْتَ) ، وهذا القائل ظن أن الرخاوة تنافي الجهر، وليس بشئ، لان الرخاوة أن يجري الصوت بالحرف عند إسكانه كالنَّبْر، والجهر: رفع الصوت بالحرف: سواء جرى الصوت، أو لم يجر، وعلامته عدم حرى النَّفَس. وإنما اعتبر في امتحان الشديدة والرخوة إسكان الحروف لأنك لو حركتها والحركات أبعاض الواو والالف والياء فيها رخاوة ما لَجَرَت الحركات لشدة اتصالها بالحروف الشديدة إلى شئ من الرخاوة، فلم تتبين شدتها. وقوله في الشديدة " ما ينحصر جري صوته عند إسكانه في مخرجه " متعلق بينحصر: أي ينحصر في مخرجه عند إسكانه، وإنما جعل حروف (لِمَ يَرُوعُنَا) بين الشديدة والرخوة لان الشديدة هي التى ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف، وهذه الأحرف الثمانية ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف، لكن تعرض لها أعراض توجب خروج الصوت من غير مواضعها، أما العين فينحصر الصوت عند مخرجه، لكن لقربه من الحاء التي هي مهموسة ينسَلّ
صوته شيئاً قليلاً، فكأنك وقفت على الحاء، وأما اللام فمخرحها - أعني طرف اللسان - لا يتجافى عن موضعه من الحنك عند النطق به، فلا يجري منه صوت، لكنه لما لم يسدّ طريق بالكلية كالدال والتاء بل انحرف طرف اللسان عند النطق به خرج الصوت عند النطق به من مُسْتَدَقّ اللسان فويق مخرجه، وأما الميم والنون فإن الصوت لا يخرج من موضعيهما من الفم، لكن لما كان لهما مخرجان في الفم وفي الخيشوم جرى به الصوت من الأنف دون الفم، لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر الصوت بهما، وأما الراء فلم يجر الصوت في ابتداء النطق به، لكنه جرى شيئاً لانحرافه وميله إلى اللام، كما قلنا في العين المائلة إلى الحاء، وأيضاً الراء مكرر، فإذا تكرر جرى الصوت معه في أثناء التكرر، وكذلك الواو والياء والألف لا يجري الصوت معها كثيراً، لكن لما كانت مخارجها تتسع لهواء الصوت أشد من اتساع غيرها من المجهورة كان الصوت معها يكثر فيجرى منه شئ، واتساع مخرج الألف لهواء صوته أكثر من اتساع مخرجي الواو والياء لهواء صوتهما، فلذلك سمي الهاوي: أي ذات الهواء، كالناشب (1) والنابل (2) ، وإنما كان الاتساع للألف أكثر لأنك تضم شفتيك للواو فيتضيق المخرج وترفع لسانك قبل الحنك للياء، وأما الألف فلا تعمل له شيئاً من هذا، بل تفرج المخرج، فأوسعهن مخارجا الألف، ثم الياء، ثم الواو، وهذه الحروف أخْفَى الحروف، لاتساع مخارجها، وأخفاهن الألف، لأن سعة مخرجها أكثر
قوله " المطبقة ما ينطبق معه الحنك على اللسان " لأنك ترفع اللسان إليه فيصير الحنك كالطبق على اللسان، فتكون الحروف التي تخرج بينهما مطبقاً عليها قوله " على مخرجه " ليس بمطرد، لأن مخرج الضاد حافة اللسان، وحافة اللسان تنطبق على الأضراس كما ذكرنا، وباقي اللسان ينطبق عليه الحنك، قال سيبويه: لولا الإطباق في الصاد لكان سيناً، وفي الظاء كان ذالاً، وفي الطاء كان دالاً، ولخرجت الضاد من الكلام، لانه ليس شئ من الحروف من موضعها غيرها قوله " والمنفتحة بخلافها " لأنه ينفتح ما بين اللسان والحنك عند النطق بها، والمستعلية: ما يرتفع بسببها اللسان، وهي المطبقة والخاء والغين المعجتمان والقاف، لأنه يرتفع اللسان بهذه الثلاثة أيضاً، لكن لا إلى حد انطباق الحنك عليها، والمنخفضة: ما ينخفض معه اللسان ولا يرتفع، وهي كل ما عدا المستعلية قوله " حروف الذلاقة " الذَّلاَقة: الفصاحة والخفة في الكلام، وهذه الحروف أخفّ الحروف، ولا ينفك رباعي ولا خماسي من حرف منها إلا شاذّاً، كالْعَسْجَد (1) وَالدَّهْدَقة (2) وَالزَّهْزَقَة (3) وَالْعَسَطُوس (4) ، وذلك لأن الرباعي والخماسي ثقيلان، فلم يخليا من حرف سهل على اللسان خفيف، والمصمتة: ضد حروف الذلاقة، والشئ الْمُصْمَت هو الذي لا جوف له، فيكون ثقيلاً، سميت بذلك لثقلها على اللسان، بخلاف حروف الذلاقة، وقيل: إنما سميت بذلك لأنها أُصْمِتَتْ عن أن يبني منها وحدها رباعي أو خماسى،
والأول أولى، لأنها ضد حروف الذلاقة في المعنى، فمضادَّتُهَا لها في الاسم أنسب قوله " وحروف القلقلة " إنما سميت حروف القلقلة لأنها يصحبها ضغط اللسان في مخرجها في الوقف مع شدة الصوت المتصعد من الصدر، وهذا الضغط التام يمنع خروج ذلك الصوت، فإذا أردت بيانها للمخاطب احْتَجْتَ إلى قلقلة اللسان وتحريكه عن موضعه حتى يخرج صوتها فيسمع، وبعض العرب أشدّ صوتاً كأنهم الذين يرومون الحركة في الوقف، وبعض الحروف إذا وقفت عليها خرج معها مثل النفخة ولم تنضغط ضغط الأول، وهي الظاء والذال والضاد والزاي، فإن الضاد تجد المنفذ بين الأضراس، والظاء والذال والزاي تجد منفذاً من بين الثنايا وأما الحروف المهموسة فكلها تقف عليها مع نفخ لأنهن يجرين مع النفس، وبعض العرب أشد نفخاً، كأنهم الذين يرومون الحركة في الوقف وبعض الحروف لا يصحبها في الوقف لا صوت كما في القلقلة، ولا نفخ كما في المهموسة، ولا شبه نفخ كما في الحروف الأربعة، وهو اللام والنون والميم والعين والغين والهمزة، أما عدم الصوت فلأنه لم يتصعّد من الصدر صوت يحتاج إلى إخراجه، وأيضاً لم يحصل ضغط تام، وأما عدم النفخ فلأن اللام والنون لا يجدان منفذاً كما وجدت الحروف الأربعة بين الأسنان وذلك لأنهما ارتفعتا عن الثنايا، وكذلك الميم، لأنك تضم الشفتين بها، وأما العين والغين والهمزة فإنك لو أردت النفخ من مواضعها لم يمكن، ولا يكون شئ من النفخ والصوت في الوصل نحو أذْهِبْ زيداً، وخذهما، واحرسهما، وذلك لاتصال الحرف الثاني به فلا يبقى لا صوت ولا نفخ قوله " قد طبج " الطَّبْجُ: ضرب اليد على مجوف، وإنما سمي اللام منحرفاً لأن اللسان ينحرف عن النطق به، ومخرجه من اللسان - أعني طرفه - لا يتجافى عن موضعه من الحنك، وليس يخرج الصوت من ذلك المخرج،
[طريق إدغام المتقاربين]
بل يتجافى ناحيتها مستدقُّ اللسان، ولا تعترضان الصوت، بل تخليان طريقه، ويخرج الصوت من تينك الناحيتين، وإنما سمي الراء مكرراً لأن طرف اللسان إذا تكلم به كأنه يتعثر: أي يقوم فيعثر، للتكرير الذي فيه، ولذلك كانت حركته كحركتين، كما تبين في باب الإمالة (1) ، ومعنى الهاوي ذُو الْهَوَاء كما ذكرنا، وإنما سُمّيَ التاء مهتوتاً لأن الهتّ سَرْدُ الكلام على سرعة، فهو حرف خفيف لا يصعب التكلم به على سرعة. قال: " وَمَتَى قُصِد إِدْغَامُ أَحَدِ الْمُتَقَارِبَيْنِ فَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَلَبِ، وَالْقِيَاسُ قَلْبُ الأَوَّلِ إلاَّ لِعَارِضٍ في نحو إذ بحتودا واذبحاذه، في جُمْلَةٍ مِنْ تَاءِ الافْتِعَالِ لِنَحْوِهِ وَلِكَثْرَةِ تَغَيُّرِهَا، وَمَحُّمْ فِي مَعَهُمْ ضَعِيفٌ، وَسِتٌّ أصْلُهُ سِدْسٌ شَاذٌّ لاَزِمٌ " أقول: شرع في بيان إدغام المتقاربة بعضها في بعض، وقدم مقدمة يعرف بها كيفية إدغامها، ثم ذكر مقدمة أخرى يعرف بها ما لم يجز إدغامه منها في مقاربه، وهي قوله " ولا يدغم منها في كلمة " إلى قوله " فالهاء في الحاء " إنما كان القياس قلب الأول إلى الثاني دون العكس لأن الإدغام تغيير الحرف الأول بإيصاله إلى الثاني وجعله معه كحرف واحد. فلما كان لابد للأول من التغيير بعد صيرورة المتقاربين مثلين ابتدأتَ بتغييره بالقلب قوله " إلا لعارض " اعلم انه قد يعرض ما يمنع من القياس المذكور، وهو شيئان: أحدهما: كون الأول أخف من الثاني، وهو إما في حرفين حلقيين أولهما أعلى من الثاني، وذلك إذا قصد إدغام الحاء إما في العين أو في الهاء فقط، ولا يدغم حلقيٌّ في حلقي آخر أدخل كما يجئ لو إنما أدغمت الحاء في أحد الحرفين مع أن حروف الحلق يقل فيها الإدغام - كما يجئ - لثقلها، فلهذا قلّ المضاعف منها كما
يجئ، فلم يدغم بعضها في بعض في كلمتين أيضاً في الأغلب، لئلا يكون شبه مضاعف مصوغ منها، وإنما أدغمت الحاء في أحدهما لشدة مقاربة الحاء لهما، وإنما قلبت الثاني إلى الأول في نحو اذْبَحْ عَتُوداً (1) واذبح هذه، مع أن القياس العكس، لأن أنزلها في الحلق أثقلها، فأثقلها الهمزة ثم الهاء، ثم العين ثم الغين ثم الحاء ثم الخاء، فالحاء أخف من الغين والخاء، والمقصود من الإدغام التخفيف، فلو قلبت الأولى التي هي أخف إلى الثانية التي هي أثقل لمشت خفة الإدغام بثقل الحرف المقلوب إليه فكأنه لم يدغم شئ في شئ، وأما في الواو والياء في نحو سيد وأصله سَيْوِد وذلك لثقل الواو كما مر في باب الإعلال وثانيهما كون الحرف الأول ذا فضيلة ليست في الثاني، فيُبْقى عليها بترك قلبه إلى الثاني، ولا يدغم في مثل هذا كما يجئ، إلا أن يكون الثاني زائداً فلا يبالي بقلبه وتغييره على خلاف القياس، نحو اسَّمَع وَازَّان ومعنى قوله " لنحوه ولكثرة تغيرها " أي: لكون الالف أخف من الثاني ولكثرة تغير التاء لغير الإدغام كما في اضطراب واصطبر قوله " ومحمُّ معه ضعيف " كان القياس الأوَّلُ: أي قلب الأول إلى الثاني، أن يقال مَهُّم، بقلب العين هاء، وقياس العارض، وهو كون الثاني: أي الهاءِ أدخَلَ في الحلق وأثقل، أن يقلب الثاني إلى الأول فيقال مَعُّمْ، فاستثقل كلاهما، ولهذا كان تضعيف الهاء نحو قَةَ (2) وَكَهَّ (3) السكرانُ، والعين نحو دَعَّ (4) وكَعَّ (5) قليلاً جداً، واستثقل أيضاً ترك الإدغام لأن كل واحدة منهما
[امتناع إدغام المتقاربين للبس, أو ثقل]
مستثقلة لنزولها في الحلق فكيف بهما مجتمعين مع تنافرهما؟ إذ العين مجهورة والهاء مهموسة، فطلبوا حرفاً مناسباً لهما أخف منهما، وهو الحاء: أما كونه أخف فلأنه أعلى منهما في الحلق، ولذلك كثر نحو مَحَّ (1) وَدَحَّ (2) وَزَحَّ (3) بخلاف دَعّ وَكَعَّ وَكَهَّ وَقَهَّ، وأما مناسبته للعين فلانهما من وسط الحلق، وأما الهاء فبالهمس والرخاوة، فلذا قلب بعض بني تميم العين والهاء حاءين وأدغم أحدهما في الآخر نحو مَحُّم ومحَّاؤلاء، في معهم ومع هؤلاء، والأكثر ترك القلب والإدغام لعروض اجتماعهما، وكذا قولك سِتّ أصله سِدْس، بدلالة التسديس وبين الدال والسين تقارب في المخرج، لأن كليهما من طرف اللسان، فلو قلب، الدال سيناً كما هو القياس اجتمع ثلاث سينات، ولا يجوز قلب السين دالاً خوفاً من زوال فضيلة الصفير، ومع تقارب الدال والسين في المخرج بينهما تنافر في الصفة، لأن الدال مجهورة شديدة والسين مهموسة رخوة، فتقاربهما داع إلى ترك اجتماعهما مُظهرين، وكذا تنافرهما وقلب أحدهما إلى الآخر ممتنع، كما مر، فلم يبق إلا قلبهما إلى حرف يناسبها، وهو التاء، لأنها من مخرج الدال ومثل السين في الهمس قال: " وَلاَ يُدْغَمُ مِنْهَا فِي كَلِمَةٍ مَا يُؤَدِّي إلَى لَبْسٍ بِتَرْكِيبٍ آخَرَ، نَحْوُ وَطَدَ وَشَاةٍ زَنْمَاءَ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُولُوا: وَطْداً وَلاَ وَتْداً، بل قَالُوا: طِدَةٌ وتِدَةً لِمَا يَلْزَمُ مِنْ ثِقَلٍ أَوْ لَبْسٍ، بِخِلاَفِ نَحْوِ امَّحَى واطَّيَّرَ وَجَاءَ وَدٌّ فِي وَتِدٍ فِي تميم "
أقول: إذا اجتمع من المتقاربة شيئان: فإن كانا في كلمتين نحو مَنْ مِثْلك فإنه يدغم أحدُهما في الآخر، ولا يُباليَ باللبس لو عرض، لأنهما في معرض الانفكاك، فإذا انفكا يعرف أصل كل واحد منهما، ثم إن تحركا لم يجب الإدغام ولم يتأكد، وإن سكن الأول فقد يجب كالنون في حروف (يرملون) ، وكلام التعريف فيما سنذكر، ولا يجب في غيرهما، بل يتأكد ولا سيما إذا اشتد التقارب، وإن كانا في كلمة: فإن تحركا وألبس الإدغامُ مثالاً بمثال لم يدغم، كما في وَطَدَ (1) : أي أحكم، ووتَدَ: أي ضرب الوَتِد، وكذا في الاسم، نحو وَتِدٍ، وإن لم يُلْبس جاز الإدغام نحو ازَّمَّلَ (2) فِي تَزَمَّلَ، لأن افَّعَّل - بتضعيف الفاء والعين - ليس من أبنيتهم، بل لا يجئ إلا وقد أُدغم في فائه تاء تَفَعَّلَ كاتَّرَّك وازَّمَّلَ، ومن ثم لا تقول: اقَّطَعَ واضَّرَبَ، وإن كان أولهما ساكناً: فإن ألبس ولم يكن تقاربها كاملا بقى الاول عير مدغم، نحو قِنْوَانٍ (3) وَصِنْوَانٍ (4) وبُنْيَانٍ وَقِنْيَةٍ (5) وبِنْية وكُنْيَة ومُنْيَةٍ وقَنْوَاءَ (6)
وشاةٍ زَنَماءَ (1) وَغَنَم زُنْم، وإن كان تقاربهما كاملاً جاز الإظهار نظر إلى الالتباس بالإدغام وجاز الإدغام نظراً إلى شدة التقارب، وذلك نحو وتَدَ يتِدُ وتْداً وَوَطَدَ يَطِدُ وَطْداً وعِتْدَانٍ في جمع عَتُودٍ ومنهم من يدغم التاء في الدال فيقول وتَدَ يتِدُ ودّاً وعَتُوداً وعِدَّانا، قال الأخطل: 191 - واذكر غدانة عدانا مزنمة * من الْحَبَلَّقِ تُبْنَى حَوْلَها الصِّيَرُ (2) ومنه قولهم ودٌّ في وَتدٍ، خففه بنو تميم بحذف كسرة التاء نحو كَبْدٍ وفَخْذٍ كما مر في أول الكتاب (3) فقالوا بعد الإسكان: ودّ، ولم يجز في لغتهم وتْدٌ - بسكون التاء مظهرة - كما قيل عِتْدَان، لكثرة استعمال هذه اللفظة فيستثقل، وجمعه على أوتاد يزيل اللبس، ولم يجز الإدغام في نحو وَطْدٍ لئلا تزول فضيلة الإطباق، ومن العرب من يلتزم تِدَةً وَطِدَةً في مصدر ووطَد خوفاً من الاستثقال لو قيل: وَتْداً ووَطْداً غير مدغمتين، ومن الالتباس لو قيل: ودّاً، وكذا يلتزم في وتد الحجازية: أعنى كسر التاء، ما ذكرنا
[امتناع إدغام المتقاربين؛ للمحافظة على صفة الحرف]
وإنما لم يبنوا صيغة تقع فيها النون الساكنة قبل الراء واللام نحو قَنرٍ وعَنْلٍ، لأن الإدغام لا يجوز فيه كما جاز في عِتْدَانٍ، لأن التاء والدال أشد تقارباً من النون واللام والراء، بدليل إدغام كل واحد من الدال والتاء في الآخر، بخلاف الراء واللام فإنهما لا يدغمان في النون كما يدغم النون فيهما في كلمتين نحو من ربك وَمَنْ لك، لأن الإدغام إذن عارض غير لازم، فعلى هذا لو قيل نحو قَنْرٍ وعَنْلٍ لم يجز الإدغام لما ذكرنا، فلم يبق إلا الإظهار وهو مستثقل، لأن النون قريبة المخرج من اللام والراء، فكأنهما مثلان، وعتدان ووتدا وتدا بفك الإدغام ضعيف قليل لا يقاس عليه، وأما زَنْمَاء وصِنْوان ونحوهما بالإظهار فإنما جاز لعدم كمال التقارب بين الحرفين وإن لم يلبس إدغام أحد المتقاربين في الآخر في كلمة أدغم نحو امَّحَى، لأن افَّعَلَ ليس سن أبنيتهم بتكرير الفاء إلا مدغماً فيه نون انْفَعَل كامَّحى، أو مدغماً في تاء افْتَعل كادَّكَر، على ما يجئ، ومن ثم لم يُقَل: اضَّرَب واقَّطَع، قال الخليل: وتقول في انفعل من وجلت: اوَّجَل ومن اليسر ايَّسَر * قوله " أو لَبْسٍ " أي: لو أدغم * قوله " وفي تميم " أي: في لغة تميم وهي إسكان كسرة عين فَعِل نحو كبد في كبد قال: " ولم تدغم حُرُوفُ (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) فيما يُقارِبُهَا لِزِيَادَةِ صِفَتِهَا، وَنَحْوُ سَيِّد وَلَيَّةٍ إنَّمَا أُدْغِمَا لأَنَّ الإعْلاَلَ صَيَّرَهُمَا مِثْلَيْنِ، وَأُدْغِمَتِ النُّونُ فِي اللاّمِ والرَّاءِ لِكَرَاهَةِ نَبْرَتِهَا، وَفِي الْمِيمِ - وَإنْ لَمْ يَتَقَارَبَا - لغنتها، وَفِي الْوَاو وَالْيَاءِ لإِمْكَانِ بَقَائِهَا، وَقَدْ جَاءَ لِبَعْض شَّأنهِمْ وَاغْفِر لي، ونَخْسِف بِّهِمْ، وَلاَ حُرُوفُ الصَّفِيرِ فِي غَيْرِهَا، لِفَوَاتِ (صِفَتِهَا) ، وَلا الْمُطْبَقَةُ فِي غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ إِطْبَاقٍ عَلَى الأَفْصَح، وَلا حَرْفُ حَلْقٍ فِي أَدْخَلَ مِنْهُ إلاَّ الْحَاءُ فِي الْعَيْنِ وَالْهَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قالُوا فِيهِمَا اذْبَحَّتُوداً وابحاذه " (*)
أقول: اعلم أن إدغام أحد المتقاربين في الآخر في كلمة إذا لم يلبس ليس إلا في أبواب يسيرة، نحو انْفَعل وَافْتَعل وَتَفَعَّل وتفاعل وَفَنْعلِلٍ، نحو امَّحى واسمَع وازَّمَّل وادَّارَك وَهَمَّرِشٍ (1) وأما غير ذلك فَمُلْبِس لا يجوز إلا مع شدة التقارب وسكون الأول نحو وَدّ وَعِدّان، ومع ذلك فهو قليل، والغالب في إدغام أحد المتقاربين في الآخر إنما يكون في كلمتين وفي انفعل وافتعل وتَفَعَّل وتفاعل وفنعلل. فنقول: المانع من إدغام أحد المتقاربين في الآخر شيئان: أحدهما اتصاف الأول بصفة ليست في الثاني، فلا يدغم الأول في الثاني إبقاء على تلك الصفة، فمن ثم لم تدغم حروف (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) (2) فيما ليس فيه صفة المدغم، وجاز إدغام الواو والياء من هذه الحروف أحَدِهما في الآخر، لأن فضيلة اللين التى في أحدهما لا تذهب بإدغامه في الآخر، إذ المدغم فيه أيضاً متصف باللين، ولم تدغم حروف الصفير فيما ليس فيه صفير إلا في باب افتعل كاسَّمَع وازَّانَ، ولا حروف الإطباق في غيرها بلا إطباق إلا في باب الافتعال نحو اطَّرب، وذلك لزوال المانع فيه بقلب الثاني إلى حروف الصفير وإلى حروف الإطباق، وذلك لكون الثاني زائداً فلا يستنكر تغيره، وفضيلة الضاد الاستطالة، وفضيلة الواو والياء اللِّينُ، وفضيلة الميم الغنة، وفضيلة الشين التفشي والرخاوة، فلا تُدغم في الجيم مع تقاربهما في المخرج، وفضيلة الفاء التأفيف وهو صوت يخرج من الفم مع النطق بالفاء، وفضيلة الراء التكرير، وأيضاً لو أدغم لكان كمضعف أُدغم في غيره نحو ردَّدَ، ولا يجوز قوله " ونحو سَيِّد وَلَيِّة " اعتراض على نفسه، وذلك أنه قرر أن الواو والياء
لا يدغم أحدهما في مقاربه، فكأنه قال: كيف أدغِمَ أحدهما في الآخر في سيّد وليّ؟ ثم أجاب بأن قلب الواو إلى الياء لو كان للإدغام لورد ذلك، لكنه إنما قلبت ياء لاستثقال اجتماعهما لا للادغام، ولهذا تقلب الواو ياء: سواء كانت أولى أو ثانية، ولو كان القلب لإدغام أحد المتقاربين في الآخر لقلبت الأولى إلى الثانية فقط، كما هو القياس، ثم بعد القلب اجتمع ياءان أولاهما ساكنة فوجب الإدغام، فهذا من باب إدغام المتماثلين لامن إدغام المتقاربين، وفي هذا الجواب نظر، لأن القلب لو كان لمجرد استثقال اجتماعهما لقلب الواو ياء، وأولاهما متحركة كطويل وطَوَيْت، فعرفنا أن القلب من أول الأمر لأجل الإدغام وذلك لأن الواو والياء تقاربتا في الصفة، وهى كونهما لينتين ومجهورتين وبين الشديدة والرخوة وإن لم يتقاربا في المخرج، فأدعمت إحداهما في الأخرى وقلبت الواو، وإن كانت ثانية، لأن القصد التخفيف بالإدغام، والواو المشددة ليست بأخف من الواو والياء كما قلنا في اذْبَحَّتوداً واذَبَحَّاذِهِ، فجعل التقارب في الصفة كالتقارب في المخرج، وجرّأهم على الإدغام أيضاً سكون الأول وكونه بذاك عرضة للإدغام، وأما فضيلة اللين فلا تذهب - كما قلنا - لأن كل واحدة منهما متصفة بتلك الصفة. قوله " وأدغمت النون في اللام " اعتراض آخر على نفسه، وذلك أن فضيلة الغُنَّة تذهب بالإدغام، وأجلب المصنف بأنها وإن كانت تذهب بالإدغام لكنهم اغتفروا ذلك، لأن النون نبرة: أي رفع صوت، وهذا جواب فيه نظر أيضاً، لأنه إن كان الموجب للإدغام النيرة فَلْتُخْفَ بلا إدغام كما تخفى مع القاف والكاف والدال والتاء وغيرهما، كما يجئ والحق أن يقال: إن للنون مخرجين: أحدهما في الفم، والآخر في الخيشوم إذ لابد فيها من الغنة، وإذا أردت إخراجها في حالة واحدة من المخرجين، فلا
بد فيها من اعتماد قوي وعلاج شديد، إذ الاعتماد على المخرجين في حالة واحدة أقوى من الاعتماد على مخرج واحد والحروف التي هي غير النون على ضربين: أحدهما يحتاج إلى اعتماد قوي وهي حروف الحلق، والآخر لا يحتاج إلى ذلك، وهي حروف الفم والشفة، فالنون وحروف الحلق متساويان في الاحتياج إلى فضل اعتماد وإعمال لالة الصوت، وهى: أي النون إما أن تكون ساكنة أو متحركة، فإذا كانت ساكنة وبعدها غير حرف الحلق فهناك داعيان إلى إخفائها أحدهما سكونها، لأن الاعتماد على الحرف الساكن أقل من الاعتماد على الحرف المتحرك، والآخر كون الحرف الذي لا يحتاج في إخراجه إلى فضل اعتماد عقيب النون بلا فصل، ليجري الاعتمادان على نسق واحد، فأخفيت النون الساكنة قبل غير حروف الحلق فإن حصل للنون الساكنة مع الحروف التي بعدها من غير حروف الحلق قرب مخرج كاللام والراء، أو قرب صفة كالميم، لأن فيه أيضاً غنة، وكالواو والياء، لأن النون معهما من المجهورة وما بين الشديدة والرخوة وجب إدغام النون في تلك الحروف، لأن القصد الإخفاء، والتقارب داع إلى غاية الأخفاء التي هي الإدغام وإن لم يكن هناك قرب لا في المخرج ولا في الصفة أخفي النون بقلة الاعتماد، وذلك بأن يقتصر على أحد مخرجيه ولا يمكن أن يكون ذلك إلا الخيشوم، وذلك لان الاعتماد فيها على مخرجها من الفم يستلزم الاعتماد على الخيشوم بخلاف العكس، فيقتصر على مخرج الخيشوم فيحصل النون الخفية، ثم بعد ذلك إن تنافرت هي والحرف الذى يجئ بعدها، وَهي الباء فقط، كما في عَنْبَرٍ قلبت تلك النون الخفية إلى حرف متوسط بين النون وذلك الحرف، وهي الميم، كما ذكرنا
في باب الإبدال، (1) وإن لم يتنافرا بقيت خفية كما في غير الباء من سِوَى حروف الحلق، أما مع الحلقية فلا تخفى، لأن حرف الحلق يحتاج إلى فضل اعتماد فتجري النون على أصلها من فضل الاعتماد، ليجري الاعتماد على نسق واحد، ومن الناس من يخفي النون قبل الغين والخاء المعجمتين، لكونهما قريبتين من حروف الفم، وكذلك النون الساكنة الموقوف عليها يخرجها من المخرجين، لأن الحرف الموقوف عليه يحتاج إلى فضل بيان كما مر في باب الوقف (2) ومن ثم يقال: أفعَيْ وأَفْعَوْ، وكذلك النون المتحركة - قبل أي حرف كانت - تُخْرَجُ من المخرجين، لاحتياجها إلى فصل اعتماد، فإذا أدغمتَ النون في حروف يرمُلُون نَظَرْت: فإن كان المدغمُ فيه اللامَ والراء فالأولى ترك الغنة، لأن النون تقاربهما في المخرج وفي الصفة أيضاً، لأن الثلاثة مجهورة وبين الشديدة والرخوة، فاغتفر ذهاب الغنة مع كونها فضيلة للنون، للقرب في المخرج والصفة وإن كان المدغم فيه واواً أو ياء فالأولى الغنة لوجهين: أحدهما أن مقاربة النون إياهما بالصفة لا بالمخرج، فالأولى أن لا يغتفر ذهاب فضيلة النون: أي الغنة رأساً لمثل هذا القرب غير الكامل، بل ينبغي أن يكون للنون معهما حالة بين الإخفاء والإدغام، وهي الحالة التي فوق الإخفاء ودون الادغام التام، فيبقى شئ من الغنة وإن كان المدغم فيه ميماً أدغم إدغاماً تاماً، لان فضيلة الغنة حاصلة في المدغم فيه، إذ في الميم غنة وإن كانت أقل من غنة النون، وبعض العرب يدغمها في اللام والراء مع الغنة أيضاً ضناً بفضيلة النون، فلا يكون الإدغام إذا إدغاما تاما،
وبعضهم ترك الغنة مع الواو والياء اقتصارا في الإدغام التام على التقارب في المخرج أو الصفة هذا، ومذهب سيبويه وسائر النحاة أن إدغام النون في اللام والراءِ والواوِ والياءِ مع الغنة أيضاً إدغام تام، والغنة ليست من النون، لأن النون مقلوبة إلى الحرف الذي بعدها، بل إنما أُشْرِبَ صَوْتُ الفم غنة، قال سيبويه: " لا تدغم النون في شئ من الحروف حتى تحول إلى جنس ذلك الحرف، فإذا أدغمت في حرف فمخرجها مخرج ذلك الحرف، فلا يمكن إدغامها في هذه الحروف حتى تكون مثلهن سواء في كل شئ، وهذه الحروف لاحظ لها في الخيشوم وإنما يشرب صوت الفم غنة " هذا كلامه قوله " وفي الميم وإن لم يتقاربا " ليس باعتراض لكنه شئ عرض في أثناء الاعتراض قوله " وفي الواو والياء لإمكان بقائها " اعتراض وجواب: أي لإمكان بقاء الغنة: أما على ما اخترناه فالغنة للنون التي هي كالمدغمة، وأما على ما قال النحاة فلا شراب الواو والياء المضعفين غنة قوله " وقد جاء لبعض شأنهم واغفر لي ونَخْسِف بِّهم " نقل عن بعض القراء الإدغام في مثله، وحذاق أهل الاداء على أن المراد بالإدغام في مثله الإخفاء، وتعبيرهم عنه بلفظ الإدغام تجوز لأن الإخفاء قريب من الإدغام، ولو كان ذلك إدغاماً لا لتقى ساكنان لا على حدِّه في نحو لبَعْض شَّأنهم، وأجاز الكسائي والفراء إدغامَ الراء في اللام قياساً كراهة لتكرير اللام، وأبو عمرو يأتي بالميم المتحركة المتحرك ما قبلها خفيَّة إذا كان بعدها باء نحو (بأعلم بالشاكرين) وأصحابه يسمون ذلك إدغاماً مجازاً وهو إخفاء قوله " ولا حروف الصفير في غيرها " لئلا تذهب فضيلة الصفير، وإنما يدغم بعضها في بعض كما يجئ
قوله " ولا المطبقة في غيرها " تقول: احفظ ذّلِك، واحفَظ ثَّابتاً، بالإدغام مع الإطباق وتركه، وإبقاؤه أفصح كما يجئ قوله " ولا حرْفُ حلق في أدخل منه " اعلم أن الإدغام في حروف الحلق غير قوي، فإن المضاعف من الهاء قليل، نحو كَهَّ الرجلُ ورجل فَهٌّ (1) ، وأما الالف والهمزة فلم يجئ منهما مضاعف، وكذا المضاعف من العين قليل، نحو دعّ وكعّ، وكان حق الحاء أن تكون أقل في باب التضعيف من الغين والخاء، لأنه أنزل منهما في الحلق، لكنه إنما كثر نحو بَحَّ (2) وزَحّ (3) وصحّ (4) وفحّ (5) ، وغير ذلك لكونه مهموساً رخواً، والهمس والرخاوة أسهل على الناطق من الشدة والجهر، والغين لا تجئ عيناً ولاماً معاً إلا مع حاجز (6) كالضَّغِيغَة (7) ،
[إدغام حروف الحلق]
وهي اللبن المحْقُون حتى تشتد حموضته، والخاء أكثر منه، لأنه أقرب إلى الفم، وأيضاً هي مهموسة رخوة كالحاء نحو المخ والفخ ورخّ: أي نكح، والغين مجهورة كالعين، وإنما قل تضعيفها لصعوبتها وتكلف إخراجها مخففة فكيف بها مضعفة، فعلى هذا ثبت قلة إدغام المتقاربين من حروف الحلق، وسيجئ، فإن اتفق أدغم الأنزل في الأعلى نحو اجْبَه حَّاتماً (1) كما يجئ بعد، فإن اتفق كون الثاني أنزل لم يدغم إلا أن يكون بينهما قرب قريب، ويدغم إذ ذاك بمخالفة شرط إدغام المتقاربين، وذلك بأن يقلب الثاني إلى الأول، وذلك كالحاء التي بعدها العين أو الهاء، نحو اذبَحَّتُودا واذبَحَّاذه إذ لو قلب الأول إلى الثاني لم يكن أخف منه قبل الإدغام قوله " ومن ثم قالوا إذ بحتودا " أي: ومن أجل أن إدغام حرف الحلق في أدخل منه لا يجوز لأجل الثقل قلبوا الثاني لما اتفق مثل ذلك إلى الأول حتى لا يكون ثقل قال: " فَالْهَاءُ فِي الْحَاءِ وَالْعَيْنُ فِي الْحَاءِ وَالْحَاءُ فِي الْهَاءِ وَالْعَيْنِ بِقَلْبِهِمَا حَاءَيْنِ، وَجَاءَ (فَمَنْ زُحْزِع عَّنِ النَّارِ) وَالْغَيْنُ فِي الْخَاءِ وَالْخَاءُ فِي الَغَيْنِ " أقول: أخذ في التفصيل بعد ما أجمل، فالهمزة والألف لا يدغمان كما ذكر، وأما الهاء فتدغم في الحاء فقط، نحو اجْبَه حَّاتماً (1) ، والبيان أحسن، لأن حروف الحلق ليست بأصل في التضعيف في كلمة كما ذكرنا، وقل ذلك في كلمتين أيضاً، والإدغام عربي حسن، لقرب المخرجين، ولأنهما مهموسان رخوان، ولا تدغم الهاء في الغين وإن كانت الغين أقرب مخرجاً إلى الهاء من الحاء، لأن الهاء مهموسة رخوة كالحاء، والغين مجهورة بين الشديدة والرخوة وأما العين فتدغم في الحاء، وذلك لقرب المخرج نحو ارْفَع حَّاتماً، قال
سيبويه: الإدغام والبيان حسنان، لأنهما من مخرج واحد، وتدغم العين في الهاء أيضاً ولكن بعد قلبهما حاءين نحو مَحُّمْ ومَحَّاؤلاء، والبيان أكثر، ولا يجوز ههنا - كما ذكرنا قبل - قلبُ الأول إلى الثاني ولا قلبُ الثاني إلى الأول، فقلبا حاء لما مر، ولم يفعلوا مثل ذلك إذا تقدم الهاء على العين نحو اجْبَهْ عَلِيّاً، فلم يقولوا: اجْبَه هَّلِيّاً، لأن قياس إدغام الأنزل في الأعلى بقلب الأول إلى الثاني قياس مطرد غير منكسر، وقد تعذر عليهم ذلك لثقل تضعيف العين فتركوا الإدغام رأساً وأما الحاء فلا تدغم فيما فوقها لأن الغين التي هي أقرب مخرجاً إليها من الخاء مجهورة، والحاء مهموسة والخاء المعجمة - وإن كانت مثلها مهموسة - لكن مخرجها بعيد من مخرج الحاء فالحاء المهملة تدغم في أدخل منها، وهو شيئان الهاء والعين بأن تقلبا حاءين كاذبحَّتُودا واذبَحَّاذه كما مر قوله " وجاء فمن زحزع عَّن النَّارِ " قرأ أبو عمرو بالإدغام بقلب الحاء عيناً وأما الغين فإنه يدغم في الخاء، لأن الخاء أعلى منه نحو ادْمَغ خَّلَفاً، (1) قال سيبويه: البيان أحسن والإدغام حسن وأما الخاء فتدغم في الغين نحو اسْلُخ غَّنمك، والبيان أحسن والإدغام حسن ولكن لا كحسن إدغام الغين في الخاء معجمتين، وذلك لأن الخاء أعلى من الغين ولأن تضعيف الخاء كثير وتضعيف الغين لم يأت إلا مع الفصل كما ذكرنا، وإنما جاز إدغام الخاء في الغين معجمتين بقلب الأول إلى الثاني مع أن الأول أعلى من الثاني لأن مخرجهما أدنى مخارج الحلق إلى اللسان، ألا ترى إلى قول بعض
العرب منخُل ومُنغَل (1) بإخفاء النون قبلهما كما تخفى قبل حروف الفم، ولم يجز مثل ذلك الإدغامِ في الحاء والعين فلم يقولوا إذبعتودا لبعدهما من الفم قال: " وَالْقَافُ فِي الْكَافِ وَالْكَافُ فِي الْقَافِ وَالْجِيمُ فِي الشَّينِ " أقول: أما القاف فيدغم في الكاف بقلب الأول إلى الثاني نحو الْحَق كَّلَدَة (2) ، قال سيبويه: البيان أحسن والإدغام حسن، لقرب المخرجين وتقاربهما في الشدة وأما الكاف فإنما يدغم في القاف نحو انْهَك قَّطَناً (3) بقلب الأول إلى الثاني، والإدغام حسن والبيان أحسن، لأن القاف أدخل، قال سيبويه: إنما كان البيان أحسن لأن مخرجها أقرب مخارج اللسان إلى الحلق فشبهت بالخاء مع الغين كما شبه أقرب مخارج الحلق إلى اللسان بحروف اللسان فيما ذكرنا من البيان والإدغام وأما الجيم فإنما يدغم في الشين نحو ابْعج شَبَثاً، فالإدغام والبيان حسنان لأنهما من مخرج واحد، وقد أدغمها أبو عمرو في التاء في قوله تعالى (ذى المعارج تعرج) ، وهو نادر، والشين لا يدغم في شئ مما يقاربه كما ذكرنا، وقد روى عن أبي عمرو إدغامُها في السين في قوله تعالى (ذِي العرش سَبِيلاً) ، وكذا يدغم أبو عمرو السين فيها في قوله تعالى (الرأس شيبا) مع أنها من حروف الصفير، لكونهما من حروف التفشي والصوت، فكأنهما من مخرج واحد - وإن تباعد مخرجاهما - كما ذكرنا في إدغام الواو والياء أحدهما في الآخر ونحاة البصرة يمنعون إدغام الشين في السين والعكس
قال: " وَالَّلامُ الْمُعَرِّفَةُ تُدْغَمُ وُجُوباً فِي مِثْلِهَا وَفِي ثَلاَثَةَ عَشَر حرفا، وغير الْمُعَرِّفَةِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ (بَلْ ران، وَجَائِزٌ فِي الْبَوَاقِي) أقول: يريد بالثلاثةَ عشر النونَ والراء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والطاء والظاء والثاء والذال والضاد والشين، وإنما أدغمت في هذه الحروف وجوبا لكثرة لام المَعْرِفة في الكلام وفرط موافقتها لهذه الحروف، لأن جميع هذه الحروف من طرف اللسان كاللام إلا الضاد والشين، وهما يخالطان حروف طرف اللسان أيضاً أما الضاد فلأنها استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام كما مر، وكذا الشين حتى اتصلت بمخرج الطاء، وإذا كانت اللام الساكنة غيرَ المعرفة نحو لام هل وبل وقل فهي في إدغامها في الحروف المذكورة على أقسام: أحدُها: أن يكون الإدغام أحسن من الإظهار، وذلك مع الراء لقرب مخرجيهما، ولك أن لا تدغم نحو هَلْ رَأيت، قال سيبويه: ترك الإدغام هو لغة أهل الحجاز، وهي عربية جائزة، ففي قول المصنف " لازم في نحو (بَلْ ران) " نظر، بلى لزم ذلك في لام هل وبل وقل خاصة مع الراء في القرآن، والقرآن أثر يتبع ويليه في الحسن إدغام اللام الساكنة في الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين، وذلك لأنهن تراخين عن اللام إلى الثنايا وليس فيهن انحراف نحو اللام كما كان في الراء، ووجه جواز الإدغام فيها أن آخر مخرج اللام قريب من مخرجها، واللام معها من حروف طرف اللسان ويليه في الحسن إدغامها في الظاء والثاء والذال، لأنهن من أطراف الثنايا وقارَبْن مخرج الفاء، وإنما كان الإدغام مع الطاء والدال والتاء والزاي والسين أقوى منه مع هذه الثلاثة لأن اللام لم تنزل إلى أطراف الثنايا كما لم تنزل الطاء وأخواتها إليها، بخلاف الثلاثة
[إدغام النون]
ويليه إدغامها في الضاد والشين، لأنهما ليسا من طرف اللسان كالمذكورة، لكنه جاز الإدغام فيهما لا تصال مخرجهما بطرف اللسان كما مر، وإدغام اللام الساكنة في النون أقبح من جميع ما مر، قال سيبويه: لأن النون تدغم في الواو والياء والراء والميم كما تدغم في اللام، فكما لا تدغم هذه الحروف في النون كان ينبغي أن لا تدغم اللام فيها أيضا قال: " وَالنُّونُ السَّاكِنَةُ تُدْغَمُ وَجُوباً فِي حُرُوف (يَرْمُلُون) وَالأَفْصَحُ إبْقَاءُ غُنَّتها فِي الَْوَاوِ والْيَاءِ وَإِذْهَابُهَا فِي اللاَّمِ وَالرَّاءِ، وَتُقْلَبُ مِيماً قَبْلَ الْبَاءِ، وَتُخْفَى فِي غَيْرِ حُرُوف الْحَلْقِ، فَيَكُونُ لَهَا خَمْسُ أحْوَالٍ، وَالْمُتَحَرِّكَةُ تُدْغَمُ جَوازاً " أقول: قد مر بيان هذه كلها قوله " والمتحركة تدغم جوازاً " يعني تدعم جوازاً في حروف يرمُلُون بعد إسكانها، قال سيبويه: لم نسمعهم أسكنوا النون المتحركة مع الحروف التي تُخْفَى النون الساكنة قبلها، كالسين والقاف والكاف وسائر حروف الفم، نحو خَتَنَ سُليمان، قال: وإن قيل ذلك لم يستنكر واعلم أن مجاورة الساكن للحرف بعده أشد من مجاورة المتحرك، لأن الحركة بعد المتحرك، وهي جزء من حروف اللين، فهي فاصلة بين المتحرك وبين ما يليه قال: " وَالتَّاءُ والدال والذال وَالظَّاءُ وَالطَّاءُ وَالثَاءُ يُدْغَمُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَفِي الصَّادِ وَالزَّاي وَالسِّين، وَالإِطْبَاقُ فِي نَحْوِ فَرَّطْتُ إنْ كَانَ مَعَ إدْغَام فَهُوَ إتْيَانٌ بِطَاءٍ أُخْرَى، وَجَمْعٌ بَيْنَ ساكنين، بِخِلاَفِ غُنَّةِ النُّونِ فِي مَنَ يَّقُولُ، وَالصَّادُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ يُدْغَمُ بعضها بَعْضٍ، وَالْبَاءُ فِي الْمِيمِ - وَالْفَاءِ "
أقول: اعلم أن كل واحد من الستة المذكورة أولاً يدغم في الخمسة الباقية، وفي الثلاثة المذكورة أخيراً، فإدغام الطاء فَرَط دَّارِمٌ (1) أو ذابل أو ظالم أو تاجر أو ثامر (2) أو صابر أو زاجر أو سامر وإدغام الدال جرد طَّارد أو ذابل أو ظالم أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر وإدغام الذال نبذ طَّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر. وإدغام الظاء غلظ طَّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر. وإدغام التاء سكت طَّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر. وإدغام الثاء عبث طَّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر. فإذا أدغمت حروف الإطباق فيما لا إطباق فيه فالأفصح إبقاء الإطباق لئلا تذهب فضيلة الحرف، وبعض العرب يذهب الإطباق بالكلية، قال سيبويه: ومما أخلصت فيه الطاء تاء سماعاً من العرب حُتُّهُمْ أي حُطْتهم، وقال: ذهاب
إطباق الطاء مع الدال أمثل قليلاً من ذهاب إطباقها مع التاء، لأن الدال كالطاء في الجهر والتاء مهموسة، ومع بقاء الإطباق تردد المصنف في أنه هل هناك إدغام صريح أو إخفاء لحرف الاطباق مسمى بالادغام لتقاربهما، فقال: إن كان الاطباق مع الادغام الصريح فذلك لا يكون إلا بأن يقلب حرف الإطباق - كالطاء مثلاً في فرَّطْتُ - تاء وتدغمها في التاء إدغاماً صريحاً، ثم تأتي بطاء أخرى ساكنة قبل الحرف المدغم، وذلك لأن الإطباق من دون حرف الإطباق متعذر فيلزم الجمع بين ساكنين، قال: وليس كذلك إبقاء الغنة مع النون المدغمة في الواو والياء إدغاماً صريحاً، لأن الغنة قد تكون لا مع حرف الغنة، وذلك بأن تُشْرِبَ الواوَ والياءَ المضعفين غنة في الخيشوم، ولا تقدر على إشراب التاء المضعفة إطباقاً، إذ الإطباق لا يكون إلا مع حرف الإطباق، قال: والحق أنه ليس مع الإطباق إدغام صريح بل هو إخفاء يسمى بالإدغام لشبهه به كما يسمى الإخفاء في نحو (لِبَعْض شَّأْنِهِمْ) و (الْعَفْو وَّأْمُرُ) إدغاماً واعلم أنه إذا كان أول المتقاربين ساكناً والثاني ضمير مرفوع متصل فكأنهما في الكلمة الواحدة التي لا يلبس الإدغام فيها، وذلك لشدة اتصال الضمير. ثم إن اشتد تقارب الحرفين لزم الإدغام كما في عدت وزدت، بخلاف الكلمتين المستقلتين نحو أعد تَّمرك فإنه يجوز ترك الإدغام إذن، والإدغام أحسن، وبخلاف ما لم يشتد فيه التقارب نحو عُذْتُ واعلم أن الأحرف الستة المذكورة أعني الطاء والظاء والدال والذال والتاء والثاء تدغم في الضاد والشين المعجمتين أيضاً، لكن إدغامها فيهما أقل من إدغام بعضها في بعض، ومن إدغامها في الصاد والزاي والسين، لأن الضاد والشين ليستا من طرف اللسان كالتسعة الأحرف المذكورة، وإنما جاز ذلك لأن الضاد والشين كما ذكرنا استطالتا حتى قربتا من حروف طرف اللسان، وإدغام هذه
[إدغام تاء الافتعال والإدغام فيها]
الحروف في الضاد أقوى من إدغامها في الشين، لأن الضاد قريب من التثنية باستطالتها، وهذه الحروف من الثنايا، بخلاف الشين وأيضاً الضاد مطبقة والإطباق فضيلة تقصد أكثر مما يقصد إلى التفشي، وأيضاً لم تتجاف الضاد عن الموضع الذي قربت فيه من الظاء تجافى الشين، بل لزمت ذلك الموضع وقد جاء في القراءة إدغام التاء في الجيم نحو (وَجَبَتْ جنوبها) قوله " والصاد والزاي والسين يدغم بعضها في بعض " فإن أدغمت الصاد في أختيها فالأولى إبقاء الإطباق كما مر، قال سيبويه: إدغام حروف الصفير بعضها في بعض أكثر من إدغام الظاء والثاء والذال بعضها من بعض، لأن الثلاثة الأخيرة إذا وقفت عليها رأيها طرف اللسان خارجاً عن أطراف الثنايا، بخلاف حروف الصفير، والاعتماد بالإدغام على الحرف المنحصر بالأسنان أسهل منه على الحرف الرخو الخارج عن رءوس الأسنان قوله " والباء في الميم والفاء " هو نحو اضرب مَّالكاً أو فاجرا قال: " وَقَدْ تُدْغَمُ تَاءُ افْتَعَلَ فِي مِثْلِهَا فَيُقَالُ: قَتَّلَ وَقِتَّلَ، وعليهما مقتلون ومقتلون، وَقَدْ جَاءَ مُرُدفِينَ إتْبَاعاً، وَتُدْغَمُ الثاء فِيهَا وُجُوباً عَلَى الْوِجْهَيْنِ نَحْوُ اثَّأرَ وَاتَّأرَ، وَتُدْغَمُ فِيهَا السِّين شَاذًّا عَلَى الشَّاذِّ نَحْوُ اسَّمَعَ، لامْتِنَاع اتَّمَعَ، وَتُقْلَبُ بَعْدَ حُرُوفِ الإِطْبَاقِ طَاءً، فَتُدْغَمُ فِيهَا وُجُوباً في اطَّلَبَ وَجَوَازَاً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اظْطَلَمَ، وَجَاءَتِ الثَّلاَثُ فِي * ويُظْلَمُ أحيانا فيضطلم * وَشَاذّاً عَلَى الشَّاذِّ فِي اصَّبَرَ وَاضَّرَبَ، لامْتِنَاعِ اطَّبَرَ واطَّرَبَ، وَتُقْلَبُ مَعَ الدَّالِ والذَّال وَالزَّاي دَالاً فتدغم وجوبا في ادَّانَ، وَقَويّاً في ادَّكَرَ، وَجَاءَ اذكر واذ دكر، وضعيفا في ازَّانَ، لامْتِنَاعِ ادَّانَ، وَنَحْوُ خَبَطُّ وحِصْطُ وَفُزْدُ وَعُدُّ فِي خَبَطْتُ وحصت وَفُزْتُ وعُدْتُ شَاذٌّ " أقول: اعلم أنه إذا كان فاء افتعل تاء وجب إدغامها في التاء، لما قدمنا أن
المثلين إذا التقيا وأولهما ساكن وجب الإدغام: في كلمة كانا، أو في كلمتين، وذلك نحو اتَّرَكَ واتَّرَسَ، وإذا كان عينه تاء جاز الإدغام وتركه، لما قدمنا أن المثلين المتحركين إذا لم يكونا في الأخير لم يجب الادغام، فتقول: اقْتَتَلَ وقَتَّل، وقال سيبويه: إنما لم يلزم الإدغام في نحو اقْتَتَل لأن التاء الثانية لا تلزم الأُولى، ألا ترى إلى نحو اجتمع وازتدع؟ فالمثلان فيه كأنهما في كلمتين من حيث عدم التلازم، فإذا أدغمت فإما أن تنقل حركة أولهما إلى فاء الكلمة كما هو الرسم في نحو يمُد ويَعض ويفِر فتستغني عن همزة الوصل، وإنما وجب حذف الهمزة ههنا ولم يجب في باب ألحمرلان أصل لام التعريف السكون وأصل فاء الكلمة الحركة كما قلنا في سَلْ (1) ، وإما أن تحذف حركة أولهما فيلتقي ساكنان: فاء الفعل، وتاء افتعل، فتكسر الفاء، لأن الساكن إذا حرك فالكسر أولى، فتسقط همزة الوصل بتحرك ما بعدها، وإنما لم يجز حذف حركة أول المثلين في نحو يرُدُّ ويعَض ويفِرُّ لما ذكرنا في باب الإعلال (2) من أنه يجب المحافظة على حركة العين في الفعل، إذ بها يتميز بعض أبوابه عن بعض، وقال سيبويه: إنما جاز حذف الحركة ههنا دون نحو يرد ويعض لأنه يجوز في نحوه الإظهار والإخفاء والإدغام: أي في نحو اقتتل، بخلاف نحو يردّ ويُعَضّ ويفرّ، فإنه يجب فيه الإدغام، وكذا في رُدّ وعضَّ وفِرَّ عند بني تميم، فلما تصرفوا في الأول بالأوجه الثلاثة أجازوا التصرف فيه بحذف حركة أول المثلين أيضاً، قال الفراء: بل لابد من نقل حركة أولهما إلى الفاء، فأما كسرة قِتَّل فهي الفتحة ليكون دليلاً على همزة الوصل المكسورة المحذوفة، وإنما قال ذلك لأنه رأى امتناع حذف الحركة في باب يُردّ ويعَضّ، والجواب عنه ما مضى
وتقول في مضارع اقتتل المدغم يَقَتَّل - بنقل الفتحة إلى القاف - كما في الماضي، ويَقِتِّل - بكسر القاف - كما في الماضي سواء، وأجاز بعضهم حذف حركة أولهما من غير أن يحرك القاف بحركة، فيجمع بين ساكنين، وهو وجه ضعيف ينكره أكثر الناس، والأولى أن ما روي من مثله من العرب اختلاس حركة، لا إسكان تام، ويجوز في نحو يَقِتِّل - بكسر القاف - أن تُكسر الياء إتباعاً للقاف، فتقول: يِقِتِّل كما في مِنْخِرٍ ومِنْتِنٍ، ومنه القراءة (أَمْ مَنْ لاَ يِهِدِّي) بكسر الياء والهاء وتقول في اسم الفاعل: مُقِتَلِّ - بكسر القاف وفتحها - ولا يجوز كسر الميم اتباعاً كما جاز كسر حرف المضارع، لأن حرف المضارع متعوِّد للكسر لغير الاتباع أيضاً نحو إعْلَمُ ونِعْلَمُ، لكن لا يكسر الياء إلا لداع آخر كما في يِيجَل ويِقِتِّل، وأما نحو مِنْتِنٍ في مُنْتِنٍ فشاذ، وقد قرأ أهل مكة (مُرُدِّفِينَ) بإتباع الثاني للأول كما في رُدُّ ولم يرُدُّ، وذلك بحذف حركة أول المتقاربين وتحريك ما قبله بحركة الاتباع لإزالة الساكنين وإذا كان عين افتعل مقاربا للتاء لم تدغم التاء فيه إلا قليلاً، لأن الإدغام في غير الآخر خلاف الأصل كما ذكرنا، ولا سيما إذا أدى إلى تحريك الساكن بعد تسكين المتحرك، وأما الإدغام في نحو ادّكر فإنه وإن كان في غير الآخر لكنه لم يؤد إلى تحريك ولا تسكين، وفي نحو ازَّمَّلَ أدى إلى تسكين فقط، وإذا جاز إظهار المثلين في مثل اقتَتَل وكان هو الأكثر فكيف بالمتقاربين، وإنما جاز الإدغام إذا كان العين دالاً كَيَهِدِّي ومُرَدِّفِينَ، أو صاداً كيخِصِّمُون، ولا يمنع القياس من إدغام تاء افتعل فيما يدغم فيه التاء من التسعة الأحرف المذكورة كالزاي في ارتزق، والسين في اقْتَسَر، (1) والثاء في اعتَثَر، (2) والطاء في
ارتطم، (1) والظاء في اعتَظَل، (2) والذال في اعتذر، والصاد والدال في اختصم واهتدى، والضاد في اختضر (3) وإذا كان فاء افتعل مقارباً في المخرج لتائه وذلك إذا كانت الفاء أحد ثمانية الأحرف التي ذكرنا أن التاء تدغم فيها لكونها من طرف اللسان كالتاء، وهي الدال والذال والطاء والظاء والثاء والصاد والسين والزاي، وتضم إلى الثمانية الضاد، لما ذكرنا من أنها باستطالتها قربت من حروف طرف اللسان، وأما الشين فبعيدة منها كما ذكرنا، فإذا كان كذا جاز لك إدغام فاء افتعل في تائه أكثر من جواز إدغام تائه في عينه، تقول في الدال: ادَّانَ، وفي الذال: اذَّكَرَ، وفي الطاء: اطَّلَبَ، وفي الظاء: اظَّلم، وفي الثاء: اثَّرد (4) ، وفي الصاد: اصَّبَر، وفي السين: اسَّمَع، وفي الزاي: ازان، وفى الضاد: اصجع، وإنما قلبت التاء في هذه الأمثلة إلى الفاء خلافاً لما هو حق إدغام أحد المتقاربين من قلب الأول إلى الثاني، لأن الثاني زائد دون الأول، وفي الطاء والظاء والصاد والضاد والسين والزاي لا يجوز قلب الأول إلى الثاني، لئلا تذهب فضيلة الإطباق والصفير. ويجوز مع الثاء المثلثة قلب الأول إلى الثاني كما هو حق الإدغام، تقول: اثأر (5) ، واترد
ومع الحروف المذكورة يجوز أن لا تخفف الكلمة بالادغام، لكون المتقاربين في وسط الكلمة، والغالب في الإدغام آخر الكلمة، كما مر، فتخففها بقلب التاء إلى حرف يكون أقرب إلى فاء الكلمة من التاء فتقربها إلى حروف الإطباق الثلاثة: أي الصاد والضاد والظاء المعجمة، بأت تجعل في التاء إطباقاً فتصير طاء، لأن الطاء هو التاء بالإطباق، وتقربها إلى الزاي والذال المعجمة بأن تجعل التاء دالاً، لأن الدال مجهورة شديدة كالزاي والذال، والتاء مهموسة، والدال أقرب حروف طرف اللسان إلى التاء، فتقول: ازدان واذ دكر - على ما روى أبو عمرو - ومنع سيبويه إذ دكر وأوجب الإدغام، وقال: إنما منعهم أن يقولوا مذدكر كما قالوا: مزدان، أن كل واحد من الدال والذال قد يدغم في صاحبه في الانفصال فلم يجز في الكلمة الواحدة إلا الإدغام ويجوز مع السين والثاء أن تبقى تاء الافتعال بحالها، لأن السين والثاء مهموستان كالتاء، فتقول: اثْتَأَرَ واسْتَمع، فليسا بمتباعدين حتى يُقَرَّب أحدهما من الآخر وإنما وجب تخفيف الكلمات مع غير الثاء والسين إما بالإدغام أو بغيره كما مضى لكثرة استعمال افتعل، فيستثقل فيه أدنى ثقل، ويجوز - بعد قلب التاء التي بعد الظاء المعجمة طاء وقلب التي بعد الذال المعجمة دالاً نحو اظْطَلم واذْدَكر - أن تدغم الظاء في الطاء والذال في الدال بقلب الأول إلى الثاني في الموضعين كما هو حق إدغام المتقاربين، فتقول: اطَّلم وادَّكر - بالطاء والدال المهملتين - قال سيبويه: وقد قال بعضهم: مُطَّجِع في مُضْطَجع، يدغم الضاد في الطاء مع أنها من حروف (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) وقال: قد شبه بعض العرب ممن ترضى عربيته الصاد والضاد والطاء والظاء مع تاء الضمير بهن في افتعل، لشدة اتصال، تاء الضمير بالفعل كاتصال تاء الافتعال بما
قبلها، فتقول: فَحَصْطُ برجلي، وحِصْط عنه، وخبطُّهُ، وحفطه، فتقلب في جميعها تاء الضمير طاء مهملة قال: وكذا يقول بعضهم: عُدُّه - بقلب التاء دالاً - كما في ادَّان، قال السيرافي: وقياس هذه اللغة أن تقلب تاء الضمير دالاً إذا كان قبلها دال أو ذال أو زاي كما في افتعل، لكن سيبويه لم يحكه عنهم إلا في الدال المهملة ولشدة اتصال تاء الضمير بما قبله كان الإدغام في نحو أخذت وبعثت وحفظت أولى وأكثر منه في نحو احفظ تلك، وخذ تلك، وابعث تلك، وقلب ما قبل تاء الافتعال أكثر من قلب ما قبل تاء الضمير طاء أو دالاً نحو فحصط وحفط وفُزْدُ وَعُدَّ، لأنها على كل حال كلمة وإن كانت كالجزء واعلم أنه لم يدغم التاء في استطاع واستَدَانَ لأن الإدغام يقتضي تحريك السين التي لا تتحرك ولاحظ لها في الحركة، وأيضاً فإن الثاني في حكم السكون، لأن حركته عارضة منقولة إليه مما بعده، وقراءة حمزة اسْطَاعَ بالإدغام شاذ قوله " وتدغم التاء فيها وجوباً " فيه نظر، لأن سيبويه ذكر أنه يقال: مثْتَرِدٌ، ومُتَّرِدٌ، ونحوه قوله " على الوجهين " أي: على قلب الأول إلى الثاني وقلب الثاني إلى الأول قوله " تدغم فيها السين شاذاً على الشاذ " أي: أن إدغام السين في غير حروف الصفير شاذ، وقلب ثاني المتقاربين إلى الأول شاذ، وإنما ارتكب قلب الثاني لامتناع اتَّمَعَ، فإنه تذهب إذن فضيلة الصفير، وقد زال كراهة الشذوذ الأول لسبب الشذوذ الثاني، لأنك إذا قلبت الثاني سيناً لم تدغم السين إلا في حروف الصفير قوله " وجاءت الثلاث " أي: الطاء والظاء المشددتان، والظاء المعجمة قبل الطاء المهملة، وأول البيت:
192 - * هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيكَ نَائِلَهُ * عَفْواً (1) قوله " وشاذاً على الشاذ في اصَّبَرَ واضَّرَبَ " عطف على قوله " وجوباً في اطَّلَبَ " يعني يقال: اصَّبَرَ واضَّرَبَ - بصاد وضاد مشددتين - والشذوذ الأول إدغام الصاد الذي هو حرف الصفير في غير الصفير أي الطاء، وكذا إدغام الضاد المعجمة، والشذوذ الثاني قلب الثاني إلى الأول، وقد مر أن الشذوذ الثاني يدفع مضرة الأول، والأولى أن يقول: إن تاء الافتعال قلبت صاداً أو ضاداً من أول الأمر، وأدغمت الصاد والضاد فيها كما ذكر قبل، إذ لا دليل على قلبه طاء أولاً ثم قلب الطاءِ صاداً أو ضاداً قوله " لامتناع اطبر واطرب " يعني: إنما قلب الثاني إلى الأول لامتناع قلب الأول إلى الثاني، لئلا يذهب الصفير والاستطالة قوله " وقويا في ادكر " بالدال المشددة المهملة قوله " وجاء اذَّكرَ " أي: بالذال المشددة المعجمة اعلم أنه لما كان الإدغام بقلب الثاني إلى الأول على خلاف القياس كان
[إدغام تاء مضارع تفعل وتفاعل]
الأغلب مع الصاد والضاد والظاء المعجمة قلب تاء الافتعال طاء بلا إدغام، لأن قلب الأول إلى الثاني فيها ممتنع، واظطلم واضطرب واصطبر أولى من غيرها، وكذا ازْدَان - بالدال - أولى من ازَّان - بالزاي - وادَّكر - بالدال المهملة - أولى من اذَّكر - بالذال المعجمة، وكذا اتَّغَرَ - بالتاء - أولى من اثَّغر - بالثاء المثلثة - وإبقاء التاء بحالها في استمع أولى من اسَّمَعَ، ولا منع من إدغام اللام في التاء، وإن لم يسمع نحو اتَّمَع في الْتَمَعَ، لأن اللام يدغم في التاء كما تقدم قال: " وَقَدْ تُدْغَمُ تَاءُ نَحْوَ تَتَنَزَّلُ وَتَتَنَابَزُوا وَصْلاً وَلَيْسَ قَبْلَهَا سَاكِنٌ صَحِيحٌ، وَتَاءُ تَفَعَّلَ وَتَفَاعَلَ فِيمَا تُدْغَمُ فِيهِ التَّاءُ، فَتُجْلَبُ هَمْزَةُ الْوَصْل ابْتِدَاءً نحْوَ اطَّيَّرُوا وازَّيَّنُوا واثَّاقَلُوا وادَّارَأُوا، وَنَحْوُ اسطَّاعَ مُدْغَماً مَعَ بَقَاءِ صَوْتِ السِّينِ نَادِرٌ " أقول: إذا كان في أول مضارع تَفَعَّلَ وتَفَاعَل تاء فيجتمع تاءان جاز لك أن تخففهما وأن لا تخففهما، والتخفيف بشيئين: حذف أحدهما، والإدغام، والحذفُ أكثر، فإذا حذفت فمذهب سيبويه أن المحذوفة هي الثانية، لأن الثقل منها نشأ، ولأن حروف المضارعة زيدت على تاء تَفَعَّل لتكون علامة، والطارئ يزيل الثابت إذا كره اجتماعهما، وقال سيبويه: لأنها هي التي تدغم في تترَّس، وتطيَّر، وقال الكوفيون: المحذوفة هي الأولى، وجوز بعضهم الأمرين، وإذا حذفت لم تدغم التاء الباقية فيما بعدها وإن ما ثلها، نحو تَتَارَكُ، أو قاربها نحو تَذَكَّرُون، لئلا يجمع في أول الكلمة بين حذف وإدغام مع أن قياسهما أن يكونا في الآخر، وإذا أدغمت فإنك لا تدغم إلا إذا كان قبلها ما آخره متحرك نحو قَال تنَزَّل، وقَال تَّنَابَزُوا، أو آخره مد نحو قالوا تَّنَزَّلُ قَالا تَّنَابزُوا، وقُولي تَّابع، ويزاد في تمكين حرف المد، فإن لم يكن قبلها شئ
لم يدغموا، إذ لو أدغم لاجتلب لها همزة الوصل، وحروف المضارع لابد لها من التصدر لقوة دلالتها، وأيضاً تتثاقل الكلمة، بخلاف الماضي، فإنك إذا قلت: اتَّابَع واتَّبَعَ، لم يستثقل استثقال اتَّنَزَّلُ، واتَّنَابَزُون، وكذا لا يدغم إذا كان قبله ساكن غير مد: سواء كان ليناً نحو لو تتنابزون، أو غيره نحو هل تتنابزون، إذ يحتاج إذن إلى تحريك ذلك الساكن، ولا تفي الخفة الحاصلة من الإدغام بالثقل الحاصل من تحريك ذلك الساكن، وظهر بما شرحنا أن الاولى أن يقول المصنف: وليس قبلها ساكن غير مدة، وقراءة البزى (كُنْتُم تَّمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) و (ألْفِ شَهْر تَّنَزَّلُ) - بالإدغام فيهما والجمع بين ساكنين - ليست بتلك القوة وإذا كان الفعل المضارع مبنياً للمفعول نحو تُتَدارك وتُتَحَمَّل لم يجز الحذف ولا الإدغام، لاختلاف الحركتين، فلا تستثقلان كما تستثقل الحركتان المتفقتان، وأيضا يقع لبس بين تتفعل وتفعل من التَّفْعِيل لو حذفت التاء الثانية وبين تُتَفَعَّلُ وتَتفَعَّل لو حذفت الأولى قوله " وتاء تَفَعَّل وَتَفَاعَل فيما تُدْغَمُ فيه التاءُ " أي: تاء الماضي من البابين تدغم في الفاء إذا كانت إحدى الحروف الاثني عشر التي ذكرنا أن التاء تدغم فيها، وهي التاء نحو اتَّرَّسَ، والطاء نحو اطَّيَّر، والدال نحو ادَّارَأْتم، والظاء نحو اظَّالموا، والذال نحو إذا كروا، والثاء نحو اثّاقَلْتُم، والصاد نحو اصَّابَرْتم، والزاي نحو ازَّيَّن، والسين نحو اسمع واسَّاقَطَ، والضاد نحو اضَّاربوا واضَّرَع، والشين نحو اشَّاجَروا، والجيم نحو اجَّاءَرُوا (1) ، وهذا الإدغام مطرد في الماضي والمضارع والأمر والمصدر وأسمى الفاعل والمفعول
[الحذف]
قوله " ونحو اسْطَاع " قراءة حمزة (فَمَا اسْطَّاعُوا أَنْ يَظْهَرُوه) وخطَّأَه النحاة، قال أبو علي: لما لم يمكن إلقاء حركة التاء على السين التي لا تتحرك أبداً جمع بين الساكنين قال: " الْحَذْفُ الاْعْلاَلِيُّ وَالتَّرْخِيمِيُّ قَدْ تقدم، وَجَاءَ غَيْرُهُ فِي تَفَعَّلُ وتَفَاعَلُ، وَفِي نَحْوِ مِسْتُ وَأَحَسْتُ، وَظِلْتُ وَإسْطَاعَ يَسْطِيع، وَجَاءَ يَسْتِيعُ، وَقَالُوا بَلْعَنْبَرِ وَعَلْمَاءِ ومِلْمَاءِ فِي بَنِي الْعَنْبَرِ وَعَلَى الْمَاءِ وَمِنَ الْمَاءِ، وَأمَّا نَحْو يَتَسِعُ وَيَتَقِي فَشَاذٌّ، وَعَلَيْهِ جَاءَ * تَق اللهِ فِينَا وَالْكِتَابَ الَّذِي تَتْلُو * بِخِلافِ تَخِذَ يتخذ فَإِنَّهُ أَصْلٌ وَاسْتَخَذَ مِنَ اسْتَتْخَذَ، وَقِيلَ: أبْدِلَ مِنْ تَاءِ اتَّخَذَ وَهُوَ أشَذُّ وَنَحْوُ تُبَشِّرُونِي وَإنِّي قد تقدم " أقول: يعني بالحذف الإعلالي ما حذف مطرداً لعلة، كعَصاً وقَاضٍ، وبالترخيمي ما حذف غير مطرد كما في يَدٍ وَدَمٍ قوله في نحو " تَفَعَّلُ وَتَفَاعَلُ " يعني في مضارع تَفَعَّلَ وَتَفَاعَل مع تاء المضارعة، كما تقدم قوله " وفي نحو مِسْت وَأَحَسْتُ وظِلْتُ " تقَدَّم حكمه في أول باب (2) الإدغام قوله " وَاسْطَاعَ يَسْطِيع " بكسر الهمزة في الماضي وفتح حرف المضارعة، وأصله استطاع يستطيع، وهي أشهر اللغات، أعني ترك حذف شئ منه وترك الإدغام، وبعدها اِسْطَاع بسطيع، بكسر الهمزة في الماضي وفتح حرف المضارعة وحذف تاء استفعل حين تعذر الإدغام مع اجتماع المتقاربين، وإنما تعذر الإدغام لأنه لو نقل حركة التاء إلى ما قبلها لتحركت السين التي لاحظ لها في الحركة، ولو لم ينقل لالتقى الساكنان، كما في قراءة حمزة، فلما كثر استعمال هذه اللفظة - بخلاف اسْتَدَانَ - وقُصِد التخفيف وتعذر الإدغام حذف الأول كما في ظلت
وأحست، والحذف ههنا أولى، لأن الأول - وهو التاء - زائد، قال تعالى (فما اسطاعوا أن يظهروه) وأما من قال يُسْطِيع - بضم حرف المضارعة - فماضيه اسْطَأع بفتح همزة القطع، وهو من باب الإفعال، كما مر في باب ذي الزيادة (1) ، وجاء في كلامهم اسْتَاعَ - بكسر همزة الوصل - يَسْتِيع - بفتح حرف المضارعة، قال سيبويه: إن شئت قلت: حُذِفَت التاء، لأنه في مقام الحرف المدغم، ثم جعل مكان الطاء تاء، ليكون ما بعد السين مهموساً مثلها، كما قالوا ازْدَانَ ليكون ما بعد الزاي مجهوراً مثله، وإن شئت قلت: حذفت الطاء، لأن التكرير منها نشأ، وتركت الزيادة كما تركت في تَقَيْتُ، وأصله اتَّقَيْتُ كما يأتي قوله " وقالوا بَلْعَنْبَر " قد ذكرنا حكمه في أول باب (2) الإدغام، وإن سيبويه قال: مثل هذا الحذف قياس في كل قبيلة يظهر فيها لام المعرفة في اللفظ بخلاف نحو بني النجار قوله " وأما نحو يَتَسِع ويَتَقِي " قد حذفت التاء الأولى من ثلاث كلمات يَتَّسِع ويَتَّقِي ويَتَّخِذ، فقيل: يَتَسِع ويَتَقِي ويَتَخِذ، وذلك لكثرة الاستعمال، وهو مع هذا شاذ، وتقول في اسم الفاعل: مُتَقٍ، سماعاً، وكذا قياس متَّخِذ ومتَّسِع، ولم يجئْ الحذف في مواضي الثلاثة إلا في ماضي يَتَقِي، يقال: تَقَى، وأصله اتَّقَى، فحذفت الهمزة بسبب حذف الساكن الذي بعدها، ولو كان تَقَى فَعَل كَرَمى لقلت في المضارع يَتْقِي كَيْرمِي، بسكون التاء، وفي الأمر اتْقِ كارْمِ (3) ، وقال الزجاج: أصل اتَّخذ حذفت التاء منه كما في تَقَى، ولو كان كما قال لما قَيل تَخَذ - بفتح الحاء - بل تخذ يتخذ تخذا كجهل
يجْهَل جهلاً بمعنى أخذ يأخذ أخذاً، وليس من تركيبه، وفي تَقَى خلافٌ، قال المبرد: فاؤه محذوف والتاء زائدة، فوزنه تَعَلَ، وقال الزجاج: التاء: بدل من الواو كما في تُكَأَة وتُرَاثٍ، وهو الأولى قوله " اسْتَخَذَ " قال سيبويه عن بعض العرب: اسْتَخَذَ فلان أرضاً بمعنى اتَّخَذ، قال: ويجوز أن يكون أصله اسْتَتْخَذ من تَخِذَ يَتْخَذُ تَخْذاً فحذفت التاء الثانية كما قيل في اسْتَاع: إنه حذف الطاء، وذلك لأن التكرير من الثاني، قال: ويجوز أن يكون السين بدلاً من تاء اتَّخَذَ الأولى، لكونهما مهموستين، ومثله الْطَجَع بإبدال اللام مكان الضاد لمشابهتها لها في الانحراف، لأنهم كرهوا حَرْفَيْ إطباق كما كرهوا في الأول التضعيف، وإنما كان هذا الوجه أشذ لان العادة الفرار من المتقاربين إلى الإدغام، والأمر ههنا بالعكس، ولا نظير له قوله " تُبَشِّرُونِي وَإنِّي قد تقدم " أي في الكافية في باب الضمير في نون الوقايه. (1) قال: " وهذه مسائل التمرين. مَعْنَى قَوْلِهِمْ: كَيْفَ تبنى مِنْ كَذَا مِثْلَ كَذَا: أيْ إذَا رَكَّبْتَ مِنْهَا زِنَتَهَا وَعَمِلْتَ مَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ فَكَيْفَ تَنْطِقُ بِهِ، وَقِيَاسُ قَوْل أبِي عَلِيٌّ أَنْ تَزِيدَ وَتَحْذِفَ مَا حَذَفْتَ في الاصل
قِيَاساً، وَقِيَاسُ آخَرِين أنْ تَحْذِفَ المحذوف قِيَاساً أَوْ غَيْرَ قِيَاسِ، فَمِثْلُ محوى ممن ضَرَبَ مُضَرِبِيٌّ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: مُضَرِيٌّ وَمِثْلُ اسْمٍ وَغَدٍ مِنْ دَعَا دِعْوٌ وَدَعْوٌ لا إدغ وَلاَ دَعٌ خِلاَفاً لِلآخَرِين، وَمِثْلُ صَحَائِفَ مِنْ دَعَا دَعَايَأ باتّفَاقٍ إذ لاحذف فِي الأَصْلِ " أقول: اعلم أن هذه المسائل لأبواب التصريف كباب الإخبار لأبواب النحو قوله " منها " الضمير راجع إلى " كذا " في قوله " من كذا " لأنه بمعنى الكلمة واللفظة، وفي قوله " زنتها " راجع إلى كذا في قوله: مثل كذا، لأنه بمعنى الصيغة أو البنية، وفي قوله " تنطق به " إلى " مثل ": أي كيف تنطق بهذا المبنى بعد العمل المذكور فيه قوله " وعملت ما يقتضيه القياس " أي: عملت في هذه الزنة المركبة ما يقتضيه القياس التصريفي من القلب أو الحذف أو الإدغام إن كان في هذه الزنة أسبابُ هذه الأحكام، وعند الجرمي لا يجوز بناء ما لم تبنه العرب لمعنًى كضرْبَبٍ ونحوه، وليس بوجه، لأن بناء مثله ليس ليستعمل في الكلام لِمَعْنًى حتى يكون إثباتاً لوضع غير ثابت بل هو للامتحان والتدريب (1) ، وقال سيبويه: يجوز صوغ وزن ثبت في كلام العرب مثله، فتقول: ضربب وضرنبب على وزن جعفر وشرنبث، بخلاف ما لم يثبت مثله في كلامهم، فلا يبنى من ضرب وغيره مثل جالينوس، لان فاعيلولا وفاعينولا لم يثبتا في كلامهم، وأجاز الأخفش صوغ وزن لم يثبت في كلامهم أيضاً، للامتحان والتدريب، بأن يقال: لو ثبت مثل هذا الوزن في كلامهم كيف كان ينطق به، فيمكن أن يكون في مثل هذا الصوغ فائدة التدريب والتجريب
فنقول: إذا بنيت من كلمة ما يوازن كلمة حذف منها شئ ففيه بعد البناء ثلاثة مذاهب: مذهب الجمهور أنك لا تحذف في الصيغة المبنية إلا ما يقتضيه قياسها، ولا ينظر إلى حذف الثابت في الصيغة الْمُمَثَّل بها: سواء كان الحذف فيها قياسياً كحذف ياءين في مُحَويٌّ، أو غيرَ قياسي كحذف اللام من اسم، فتقو مُضَرِبِيٌّ من ضرب على وزن مُحَوِيٍّ، ودِعْوٌ من دَعَا على وزن اسم، ولا تقول: مُضَرِيّ وإدْعٌ، إذ ليس في الصيغتين المبنيتين علة الحذف، وهذا الذي قالوا هو الحق، إذ لا تعل الكلمة بعلة ثابتة في غيرها إلا إذا كان ذلك الغير أصلها، كما في أقامَ وقِيامٍ وقال أبو علي: تَحذِف وتَزيد في الصيغة المبنية ما زيد أو حذف في الصيغة الممثل بها قياساً، فتقول في مُضَرِبِيّ: مُضَرِيٌّ، لأن حذف الياءين في مُحَوِيّ قياسٌ كما مر في باب النسب، (1) وأما إن كان الحذف في الممثل بها غير قياس لم تَحْذِف ولم تَزِد في المبنية، فيقال: دِعْوٌ، في المبنى من دَعَا على وزن اسْمٍ، لأن حذف اللام من اسم غير قياس وقال الباقون: إنه يحذف في الفرع ما حذف في الأصل ويزاد فيه ما زيد في الأصل، قياساً أو غير قياس، فيقولون مضرى وإدع ودع كاسم وسِمٍ، لأن القصد تمثيل الفرع بالأصل هذا الخلاف كله في الحذف، وأما الزيادة فلا خلاف في أنه يزاد في الفرع كما زيد في الاصل إلا إذا كان المزيد عوضاً من المحذوف، فيكون فيه الخلاف كهمزة الوصل في اسم، وكذا لا خلاف في أنه يقلب في الفرع كما يقلب في الأصل، فيقال على وزن أيسَ من الضرب: رَضِبَ: وتقول في دَعَا على وزن صحائف:
دَعَايَا، وأصله دعائِوُ، فلما لم يكن في صحائف الذي هو الأصل حذف لم يختلف في دَعَايَا، بل أعل علة اقتضاها هو، وهي قلب الهمزة ياء مفتوحة والياء بعدها ألفا كما مر في بابه (1) قوله " أن تزيد وتحذف " أي: في الفرع، وهو الصيغة المبنية قوله " في الأصل " أي: في الكلمة الممثل بها قوله " أو غير قياس " أي: أن تزيد وتحذف في الفرع ما حذفت وزدت في الأصل: قياساً كان أو غير قياس قوله " مَحَوِيٌّ " مثال للأصل المحذوف منه شئ قياسا قوله " اسم وغد " لما حذف منه شئ غير قياس، ففي " اسم " حذف اللام وريد همزة الوصل عوضاً منه حذفاً غير قياسي، وفي " غَدٍ " حذف اللام غير قياس وأصل غد غدْوٌ - بسكون العين - قال: لاَ تَقْلُوَاهَا وادلواها دلوا * إن مع الْيَوْمِ أَخَاهُ غَدْوَا (2) وأما إن كانت في الأصل علةُ قلبِ حرف ليست في الفرع فلا خلاف في أنه لا يقلب في الفرع، فيقال على وزن أوائِلَ من القتل أقَاتِلَ، وكذا الإدغام قال: " وَمِثْلُ عَنْسَلٍ مِنْ عَمِلَ عَنْمَلٌ، وَمِنْ باع وقال بنيع وقنول بِإِظْهَارِ النُّونِ فِيهِنّ لِلإِلْبَاس بفَعَّل، وَمِثْلُ قَنْفَخْرٍ مِنْ عَمِلَ عِنْمَلٌّ، وَمِنْ بَاعَ وَقَالَ بِنْيَعٌّ وَقِنْوَلٌّ بالإظْهَارِ، لِلإِلْبَاسِ بِعَلَّكْدٍ فِيهِنَّ، وَلا يُبْنَى مِثْلُ جَحنْفَلٍ مِنْ كَسَرتُ أو جَعَلْتُ، لِرَفْضِهِمْ مِثْلَهُ، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ ثِقَلٍ أوْ لَبْس " أقول: قد ذكرنا أنه لا يدغم أحد المتقاربين في الآخر في كلمة إذا أدى إلى اللبس، فلو قيل بَيَّعَ وَقَوَّل بالإدغام لا لتبس بفعل، وهو إن كان
مختصا بالافعال لكنه يُظن أنه عَلَمٌ مُنَكَّر، فلذا يدخله الكسر والتنوين، وَالْعِلَّكْدُ: الغليظ قوله " لما يَلْزَمُ مِنْ ثِقَل " لأن إدغام النون الساكنة في الراء واللام واجب، لتقارب المخرجين، وأما الواو والياء والميم فليس قربها من النون الساكنة كقرب الراء واللام منها، فلذا جاء صِنْوَانٌ وبُنْيَانٌ وزَنْمَاءُ ولم يجئ نحو قَنْرٍ وقَنْلٍ كما تقدم قوله " أو لبس " يعني يلتبس بنحو شَفَلَّحٍ وهو ثَمَرُ الْكَبَر وإذا بنيت من كسر مثل احر نجم فللمبرد فيه قولان: أحدهما أنه لا يجوز لانه لابد من الإدغام فيبطل لفظ الحرف الذي به ألحق الكلمة بغيرها، والآخر الجواز، إذ ليس في الكلام افْعَلَّلَ فيعلم أنه افْعَنْلَلَ، ولا يجوز أن تلقى حركة الراء الأولى إلى الراء التي هي بدل من النون، لئلا يبطل وزن الإلحاق ولئلا يلتبس بباب اقشَعَرَّ وإذا بنيت من ضرب مثل اقشعر - وأصله اقشَعْرَرَ - فعند المازني، وحكاه عن النحويين -: إدغام الباء الأولى الساكنة في الثانية نحو اضْرَبَّبَ، بباء مشددة بعدها باء مخففة، وعند الأخفش اضربَبَّ، بباء مخففة بعدها باء مشددة، ليكون كالملحق به: أعني اقْشَعَرَّ، فاكسَرَّر على هذا يلتبس باضْرَبَّبَ على قول المازني، فلا يصح إذن قول المبرد، إذ ليس في الكلام افْعَلَّل، والحق أنه ليس المراد بمثل هذا البناء الالحاق كما يجئ قال: " وَمِثْلُ أُبْلُمٍ مِنْ وَأَيْتً أُوءٍ، وَمِنَ أَوَيْتُ أُوٍّ مُدْغَماً، لِوُجُوبِ الْوَاوِ، بِخِلاَفِ تُووِي، وَمِثْلُ إجرد من أويت إئ، وَمِنْ أَوَيْتُ إيٌّ فِيمَنْ قَالَ: أُحَيٌّ، وَمَنْ قَالَ أُحَيٍّ قَالَ: إيٍّ " أقول: قوله " أُوءٍ " أصله أُوْؤُيٌ فأعل إعلال تَجَارٍ مصدر تَجَارَيْنَا: أي
قلبت ضمة ما قبلها الياء كسرة، ثم أعل إعلال قاضٍ، وأُوٍّ أصله أُؤْوُيٌ، قلبت الهمزة الثانية واواً وجوباً كما في أو من، فوجب إدغام الواو كما تقدم في أول بالكتاب (1) أن الواو والياء المنقلبتين عن الهمزة وجوباً كأنهما غير منقلبتين عنها، وإن كان الانقلاب جائزاً فحكمها في الأظهر حكم الهمزة كرِيياً وتُووِي، فصار أُوُّياً فأعل إعلال تَجَارٍ قوله " إجْرد " هو نبت يَخْرج عند الكمأة يستدل به عليها قوله " إئ " أصله إوْئِيٌ، قلبت الواو ياء كما في ميزان وأعل إعلال قاض قوله " إيٌّ " أصله ائْوِيٌ، قلبت الهمزة ياء وجوباً كما في إيت فصار إيوياً أعل إعلال معيِّيَة، بحذف الياء الثالثة نسيا، فتدر حركات الإعراب على الياء المشدَّدة، وعلى ما نسب الأندلسي إلى الكوفيين - كما ذكرنا في باب التصغير - وهو إعلالهم مثلَه إعلال قاض، تقول جاءني أيٌّ ومررت بإيٌّ ورأيت إيّاً قال: " ومثله إوَزَّة مِنْ وَأَيْتُ إيِئَاةٌ وَمِنْ أَوَيْتُ إيَّاةُ مُدْغَماً " أقول: أصل إوَزَّة إوْزَزَةٌ كإصبع، لأن أفَعْلة ليست بموجودة، والهمزة زائدة دون التضعيف، لقولهم وَزٌّ أيضاً بمعناها، فأصل إيئاة أو أية، قلبت الواو ياء كما في ميزان، والياء ألفاً كما في مَرْماة، وأصل إيَّاةٍ إئْوَيَةٌ، قلبت الياء ألفاً كما ذكرنا، وقلبت الهمزة ياء وجوباً كما في إيت صار إيواةً، أعل إعلال سيِّد صار إياة قال: " وَمِثْلُ اطْلَخَمَّ مِنْ وَأَيْتُ إِيأَيّا، وَمِنْ أوَيْتُ إيوَيّاً " أقول: اطلخم واطْرَخَمَّ أي تكبر، أصله اطْلَخْمَمَ بدليل اطْلَخْمَمْتُ، وفي الأمر اطْلَخْمِمْ - بسكون الخاء في الموضعين - فأصل إيأَيَّا إوْ أَيَّيَ، أدغمت الياء الساكنة في المتحرك وقلبت الياء الأخيرة ألفاً وقلبت الواو ياء كما في ميزان، صار إيأيَّا، فقد اجتمع في الكلمة ثلاث إعلالات كما ترى، وهم
يمنعون من اثنين، وأصل إيوَيَّا إئْوَيَّيَ، قلبت الياء ألفاً وأدغمت الياء في الياء وقلبت الهمزة ياء كما في إيت ولم يعل إعلال سيّد، لأن قلب الهمزة ياء وإن كان واجباً مع الهمزة الأولى لكنها غير لازمة للكلمة، لكونها همزة وصل تسقط في الدرج نحو قال ائْوَيَّا، فحكم الياء إذن حكم الهمزة قال: " وَسُئِلَ أُبُو عَلِيٍّ عَنْ مِثْلِ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ أَوْلَقٍ فَقَالَ: مَا أَلِقَ الأْلاَقُ عَلَى الأَصْلِ واللاَّقُ عَلَى اللَّفْظِ، والأَلِقُ عَلَى وَجْهٍ، بَنَى عَلَى أَنَّهُ فَوْعَلٌ " أقول: يعني أن أبا علي جعل الواو من أَوْلَقٍ زائدة والهمزة أصلية، فإذا جعلته على وزن شَاءَ وهو فَعِلَ قلت: ألِقَ، وأصل الله الإلاه عند سيبويه، فتقول منه: الالاق، وحذفت الهمزة من الالاه قيسا كما في الأرض والأسماء، لكن غلبة الحذف كما في الإلاه شاذة، وكذا إدغام اللام في اللام، لأنهما متحركان في أول الكلمة، وخاصة مع عروض التقائهما، لكن جرأهم على ذلك كون اللام كجزء ما دخلته، وكونها في حكم السكون، إذ الحركة التي عليها للهمزة وأيضاً كثرة استعمال هذه اللفظة جوزت فيها من التخفيف في الأغلب ما لم يكن في غيرها، ويجوز عند أبي على أن يقال: مَا أَلِقَ الإِلاقُ، من غير تخفيف الهمزة، بنقل حركتها وحذفها، وذلك لأن مثل هذا الحذف وإن كان قياساً في الأصل والفرع، لتحرك الهمزة وسكون ما قبلهما، إلا أن مثل هذا الحذف إذا كانت الهمزة في أول الكلمة نحو قَدْ أَفْلَحَ أَقَلُّ منه في غير الأول، لأن الساكن إذن غير لازم، إذ ليس جزءَ كلمةِ الهمزة كما كان في غير الأول، واللام كلمة على كل حال، وإن كانت كجزء الداخلة هي فيها، فتخفيف الارض والسماء أقل من تخفيف نحو مسألة وخبء، ويجوز عنده أيضاً أن تنقل حركتها إلى ما قبلها، لأن ذلك قياس في الفرع وإن قل، مع كون اللام كالجزء وهو مطرد غالب في الأصل، فقوله " ما أَلِقَ الإِلاَق " يجوز أن يكون مخففاً وغير مخفف، لأن كتابتهما سواء
قوله " واللاَّقُ عَلَى اللفظ " أي: بإدغام اللام في اللام كما في لفظة الله، لكن سهل أمر الادغام في لفظة الله كثرة استعماله، بخلاف الإلاق قوله " والأَلِقُ على وجه " يعني به أحد مذهبي سيبويه، وهو أن أصل الله اللِّيِهُ، من لاَهَ: أي تستر، لتستر ما هيته عن البصائر وذاته عن الأبصار، فيكن وزنه فَعِلاً، فالأَلق عليه، وليس في " الأَلِق " علة قلب العين ألفاً كما كانت في الله قال: " وَأَجَابَ فِي بِاسْمٍ بِالْقٍ أَوْ بُالْق عَلَى ذَلِكَ " أقول: أي على أن أَوْلَقا فَوْعل قيل له: كيف تقول مثل باسم من أَوْلِقٍ، قال: بِالق أو بُالق، لأن أصل اسم سموا أو سمو، حذفت اللام شاذا وجئ بهمزة الوصل، وأبو علي لا يحذف في الفرع ما حذف في الأصل غير قياس قال: " وسأل أبو على ابن خَالَوَيهِ عَنْ مِثْلِ مُسْطَارٍ من آءَةٍ فَظَنَّه مُفْعَالاً، وَتَحَيَّرَ فَقَالَ أبو عل مُسْئَاءٌ فَأَجَابَ عَلَى أَصْلِهِ وَعَلَى الأَكْثَرِ مُسْتَئَاءٌ " أقول: المْسْطار: الخمر، قيل: هو معرب، وإذا كان عربياً فكأنه مصدر مثل المْسْتَخرِج، بمعنى اسم الفاعل من اسْتَطاره: أي طيَّره قال: 193 - مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ * رَوادِفُ ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا (1) ويجوز أن يكون اسم مفعول، قيل: ذلك لهديرها وغليانها، وأصله
مستطارٌ، والحق أن الحذف في مثله ليس بمطرد، فلا يقال: اسْطَالَ يَسْطِيل واسْطَاب يَسْطِيب، وآءة في الأصل أَوَأَةٌ، لأن سيبويه قال: إذا أشكل عليك الالف في موضع العين فاحْمِلهُ على الواو، لأن الأجوف الواوي أكثر فتصغيرها أُوَيْأة، فقوله: مستئاءٌ في الأصل مُسْتأْوَوٌ قوله " على أصله " يعني حذفه في الفرع ما حذف في الأصل قياساً وإن لم يثبت في الفرع علة الحذف، فَحُذِفت التاء في مُسْئَاءٍ كما حذفت في مُسْطَار، لاجتماع التاء والطاء، والأوْلى - كما قلنا - أن حذف التاء في مُسْطاع ليس بقياس، فلا يحذف في مستطاب ولا مستطيل ونحوهما، وآءَة نبت على وزن عَاعَة، وهو من باب سَلَسٍ وقَلَقٍ، وهو باب قليل وخاصة إذا كان الأول والآخر همزة مع ثقلها، ومثلها أجاء والاءةً وأشاءة عند سيبويه، وحمل على ذلك أنه لم يُسْمَعْ أَلاَيَة وأشَايَة، وقلَّ ألاوة وأشاوة كعباية وسقاوة، وقالوا في أباءة، وهي الأجمة: إن أصلها أباية وإن لم يسمع، لأن فيها معنى الإباء لامتناعها بما يَنْبُت فيها من القصب وغيره من السلُوك، وليس في إشاءة وألاءة مثل هذا الاشتقاق قوله " وعلى الأكثر " أي على القول الأكثر، وهو أنه لا يُحذف ولا يُزاد في الفرع إلا إذا ثبتت علته، ولو كان مُسْطار مُفْعالاً من السَّطر لقلت من آءة مُؤْوَاءٌ قال: " وَسَأَلَ ابْنُ جِنِّي ابْنَ خَالَوَيْهِ عَنْ مِثْلِ كَوْكَبٍ مِنْ وَأيْتُ مَخَفَّفاً مَجْمُوعاً جَمْع السَّلاَمَةِ مُضَافاً إلى يَاءِ الْمُتَكَلِّم فَتَحَيَّرَ أيْضاً فَقَالَ ابْنُ جِنّي: أوى "
أقول: إذا بنيت من وأيت مثل كوكب قلت: وَوْأَيٌ، أعلت الياء كما في فتى، فقلت: ووأى فإذا خففت همزته بنقل حركتها إلى ما قبلها وحذفها قلت: وَوًى، قلبت الواو الأولى همزة كما في أَوَاصِلَ صار أَوًى قال المصنف: الواو الثانية في تقدير السكون، فلو قلت وَوًى من غير قلب جاز قلت: لو كانت الواو الثانية ساكنة أيضاً نحو وَوْأًى وجب الإعلال كما مر تحقيقه في باب الإعلال (1) ، فإذا جمع أوًى وهو كفَتًى جمع السلامة بالواو والنون صار أَوَوْن، فإذا أضفته إلى ياء المتكلم سَقَطت النون وبقي أوَوْيَ، تقلب الواو وتدغم كما في مُسْلِمِيَّ قال: " وَمِثْلُ عَنْكَبُوتِ من بعت ببععوت " أقول: لا إشكال فيه، لأنك جعلت العين وهو لام الكلمة ككاف العنكبوت مكرراً وجعلت مكان الواو والتاء الزائدتين مثلهما في الفرع كما مر في أول الكتاب (2) قال: " وَمِثْلُ اطْمَأنَّ ابْيَعَّعَ مُصَحَّحاً " أقول: أصل اطمأن اطمأْنَنَ بدليل اطمأننت واطمأنِنِ في الأمر قوله " مصححاً " فيه نظر، لأن نحو اسْوَدّ وابْيَضَّ إنما امتنع من الاعلال لان ثلاثية ليس مُعلاً حتى يحمل عليه كما حمل أقام على قام، أولانا لو أعللناهما لصار ساد وباضَّ فالتبسا بفَاعَلَ، وليس الوجهان حاصلين في ابيَعَّعَ، إذ ثلاثية معل، ولا يلتبس لو قيل باعَّعَ، وأما سكون ما بعد الياء فليس بمانع، إذ مثل هذين الساكنين جائز اجتماعهما، نحو الضالين، والأخفش يقول في مثله: ابْيَعَعَّ
بتشديد العين الثانية كما ذكرنا في أول مسائل التمرين قال: " وَمِثْلُ اغْدوْدَنَ منْ قُلْتُ اقْوَوَّلَ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اقْوَيَّلَ، لِلْوَاوَاتِ، وَمِثْلُ اغْدُودِنَ مِنْ قُلْتُ وَبِعْتُ اقْوَووِلَ وَابْيُويعَ مَظْهَراً " أقول: قد ذكرنا الخلاف في نحو اقوَوَّلَ في آخر باب الإعلال (1) ، وإنما لم يدغم نحو أقوُوول وابْيُويعَ، لأن الواو في حكم الألف التي هي أصلها في المبْنِيِّ للفاعل كما ذكرنا من قول الخليل في قُووِلَ وبُويعَ، ولو عللنا بما علل المصنف هناك وهو خوف الالتباس كما مر في باب الإعلال (2) لجاز إدغام اقْوُوول وابْيُوِيع إذ لا يلتبسان بشئ إلا أن تذهب في نحو اضْرَبَّبَ على وزن اقْشَعَرَّ مذهب المازني من تشديد الباء الأولى، فإنه يقع اللبس إذن بالمبني للمفعول منه. قال: " وَمِثْلُ مَضْرُوبٍ مِنَ الْقُوَّةِ مَقْوِيٌّ، ومِثْلُ عَصْفُورٍ قُوِّيٌّ، وَمِنَ الْغَزْوِ غزْوِيٌّ، وَمِثْلُ عَضُدٍ مِنْ قَضَيْتُ قَضٍ، وَمِثْلُ قُذَعْمِلَةٍ قُضَيَّةٌ كَمُعيَّة في التصغير، ومثل قذعميلة قُضَوِيَّةٌ، وَمِثْلُ حَمَصِيصَةٍ قَضَوِيَّةٌ فَتَقْلِبُ كَرَحَوِيَّةٍ، وَمِثْلُ مَلَكُوتٍ قَضَوُوتٌ، ومَثْلُ جَحْمَرِشٍ قَضْيَيٍ، وَمِنْ حَيِيتُ حَيَّوٍ ". أقول: قد ذكرنا في آخر باب الإعلال من أحكام الياءات المجتمعة والواوات المجتمعة ما ينحل به مثل هذه العقود. أصل مقوى مقووو، وكذا أصل غروى غزووو، أدغمت الثانية في الثالثة وقلبت المشددة ياء، لاجتماع الواوات كما ذكرنا أنك تقول من قَوِي على وزن قُمُدٍّ: قُوِيٌّ وكذا في قُووُووٍ على وزن عصفور، وهو أولى لاجتماع أربع
واوات، وقد مر حكمها، وأصْلُ قضٍ قَضُيٌ، أعل إعلال تَرَامٍ مصدر ترامينا. قوله " قُضَيَّة كمُعَيَّة " أصلها قُضَيِّيَة، وقد ذكرنا قبلُ أن الأولى في المبنى على وزن قُذْعْمِيلة من قَضَى قُضَيِّيَّة - بياءين مشددتين - قوله " قَضَويَّة " في المبنى على وزن حَمَصِيصَة قد ذكرناه هناك (1) قوله " ومثلُ مَلَكُوتٍ قَضَوُوتٌ " قد ذكرنا في باب الإعلال أن الأصل أن يقال: غَزَوُوت ورَمَيُوتٌ ورَضَيُوت كَجَبَرُوتٍ من غَزَوْتُ ورَمَيْتُ، لِخروج الاسم بهذه الزيادة عن موازنة الفعل، فلا يقلب الواو والياء كما لا يقلب في الصَّوَرَي وَالْحَيَدى، وأن بعضهم يقلبهما ألفين ويحذفهما للساكنين، لعدم الاعتداد بالواو والياء. قوله " ومثل جَحْمَرِشٍ قَضْيَي " يعني تعلة إعلال قاض والأولى كما ذكرنا في آخر باب الإعلال: حذف الثالثة نسياً، ثم قلب الثانية ألفاً، أو قلب الثانية واو فتسلم الثالثة. قوله " حَيَّوٍ " قد ذكرنا هناك أنه يجوز حَيَّو وحَيّاً. قال: " وَمِثْلُ حِلِبْلاَبٍ قِضِيضَاءٌ، وَمِثْلُ دَحْرَجْتُ من قَرَأَ قَرَأَيْتُ، وَمِثْلُ سِبَطْرٍ قِرَأيٌ، وَمِثْلُ اطْمَأْنَنْتُ اقرأيأت، ومضارعه يقرئيئ كَيَقْرَعِيعُ " أقول: العين واللام في حِلِبْلاَبٍ مكررتان على الصحيح، كما ذكرنا في صَمْحْمَحٍ، فكررتهما مثله في قِضِيضَاءٍ، وكذا تقول من الغزو: غِزِيزَاءٍ بقلب الواو والياء المتطرفين ألفاً ثم همزة كما في رداء وكساء، وكذا تقول على وزن صمحمح: قَضَيْضًى وغَزَوْزًى، وأصل قرأيت قرأ أت بهمزتين، قلبت الثانية ألفاً كما في آمن، ولا يكون قبل تاء الضمير ونونه في كلامهم، بل
يكون قبلهما إما واو أو ياء نحو دعوت ورميت وأغزيت، ولا يجوز الواو هنا، لكونها رابعة ساكنة وقبلها فتحة، فيجب قبلها ياء كما في أغزيت، فقلبت الألف من أول الأمر ياء. قوله " قرَأْيٌ " قد ذكرنا في تخفيف الهمزة أن الهمزتين إذا التقتا وسكنت أولاهما والثانية طرف قلبت ياء. قوله " اقْرَأْيَأْت " هذا على مذهب المازني كما ذكرنا في باب تخفيف الهمزة عند ذكر اجتماع أكثر من همزتين (1) وعند النحاة اقرأ وأت، وإنما قال في المضارع يَقْرئِيئُ لكونه ملحقاً بيطمئنُّ بقلب حركة الهمزة الثانية إلى الأولى كما في الأصل، ثم قلبت الثانية ياء لكسر الأولى، ولو أعللناه بما فيه من العلة لقلنا يَقْرَأْيِئُ عند المازني، وَيَقْرَأْوِئُ عند غيره، ولم تُنقَل حركة الياء أو الواو إلى ما قبلها كما قلنا في يُقِيم ويَبيع ويُبين، لأن ذلك لإتباعه للماضي في الإعلال بالإسكان كما مر في باب الإعلال (2) ولم تسكن ههنا الياء في الماضي. والحق أن بناءهم لامثال الابنية المذكورة ليس مرادهم به الالحاق، بل المراد به أنه لو اتفق مثلها في كلامهم كيف كانت تعل، ومن ثم قال المازنى في نحو اقشعر من الضرب: اضربب - بتشديد الباء الاولى - ولو كان ملحقا لم يجز ذلك، فالاولى على هذا في مضارع اقرأيأت أو اقرأ وأت يقرأيئ أو يقرأوئ. هذا آخر ما ذكره المصنف من مسائل التمرين، ولنضم إليه شيئاً آخر فنقول: إذا بنيت من قَوِي مثل بَيْقُور (3) قلت: قَيُّوٌ، والأصل قَيْوُووٌ، قلبتَ الواو
الأولى ياء وأدغمتَ الياء فيها كما في سيد، وأدغمت الواو الثانية في الثالثة ولم تقلبهما ياءين لكونهما في المفرد، كما لم يُقلب في مغزوٍّ، ولم تَنقل حركة العين إلى ما قبلها كما فعلت ذلك في مَقْوُول ومَبْيُوعِ، لأن العين واللام إذا كانا حرفي علة لم تعل العين: سواء أعلت اللام كما في قَوِي وثَوَى (1) أو لم تعل كما في هَوِي على ما مضى في باب الإعلال (2) وإذا بنيت على وزن صَيْرَف من حَوَى وقَوِيَ قلت حَيًّا وقَيّاً، والأصل حَيْوَيٌ وقَيْوَوٌ، أدغمت الياء في الواو بعد قلبها ياء كما في سيِّد، وقلبت الواو ألفاً لحصول علته، قال السيرافي: اجتمع ههنا إعلالان، لكن الذي مَنَعْنَا من اجتماع الإعلالين أن تسكن العين واللام جميعاً من جهة الإعلال، وفَيْعَل - بفتح العين - في الأجوف نادر، كقوله: * مَا بَالُ عَيْنِي كَالشَّعِيبِ الْعَيَّنِ (3) * فالوجه أن يبنى من حَوَى وقَوِيَ على فَيْعِل - بالكسر - فيصير حَيٌّ وقيٌّ، فتحذف الياءُ الثالثة نسياً كما في مُعَيَّة، وتقول على وزن نَزَوانٍ (4) من قَوِيَ: قَوَوَانٌ، لا يدغم، لما ذكرنا في باب الإدغام من عدم إدغام نحو رَدَدَانٍ (5) ولم يقلب آخر الواوين ألفاً لعدم موازنة الفعل كما ذكرنا في باب الإعلال، (6) هذا قول سيبويه، والأولى أن يقال: قَوَيَان بقلب الثانية ياء كما ذكرنا في آخر باب الاعلال (7) .
وتقول على وزن فَعُلان - بضم العين - من قَوِي وحَيِيَ: قَوِيانٌ وحَيَّانٌ، بقلب الواو الثانية ياء والضمة قبلها كسرة، والأصل قَوُوَانُ، والألف والنون وإن كانتا لازمتين كتاء عَنْصُوَةٍ (1) وَقَرْنُوَة (2) إلا أن كون الضمة على الواو هو الذي أوجب القلب كما تقول: غَزْوُيَة على وزن قرنوة، وقال سيبويه: تقول: قَووَان، وقد غلط فيه، لموافقته على أنه تقول: غَزْوُيَةٌ على وزن قَرْنُوَةٍ وتقول في فَعِلاَنَ - بكسر العين - من حيي: حَيَّان بالإدغام، لأن رَدَدَانا واجب الإدغام، وحَيِيَان أيضاً، لأن الأصل في باب الإدغام أعني الفعل في مثله يجوز فكه، نحو حَيِي وحى، تقل من قَوِي: قَوِيَانٌ، بقلب الثانية ياء، لتقدم الإعلال على الإدغام كما مر (3) ولكون الكلمة بالإعلال أخف منها بالإدغام، ومن خفف نحو كبد باسكان العين وقال في قَوِيانٍ: قَوْيَانٌ - بسكون الواو - ولا يُعله إعلال طَيٍّ ولَيَّةٍ، لعروض سكون الواو، ومن قال في رُؤْيا المخففة: رُيَّا فاعتد بالعارض، قال ههنا: قَيَّان، وتقول من قوى وشوى وحَيِيَ على وزن فَيْعِلانَ - بكسر العين -: قَيَّان وشَيَّان وحَيَّان، والأصل في الأولين قَيْوِيان وشَيْوِيَان، أُعلاَّ إعلال سيد وحذفت الياء الثالثة من الثلاثة نسياً، كما في معيية، وتقول في تصغير أشْوِيَانٍ: أُشِّيَيان وتقول من أوَيْت على وزن فَيْعِلانَ - بكسر العين -: أيِّيَان، والأصل أيْوِيَانٌ وإذا بنيت فَعْلُلَةً من رَمَيْتُ قلت: رَمْيُوَة، قلبت الياء الأخيرة واواً لانضمام ما قبلها، ومثلَ أُسْحمان (4) منه: أُرْمُوان، ومن حَيِيَ: أحيوان، ولا تدغم،
لأن الإعلال قبل الإدغام، ولا تُستثقل الواو في مثله للزوم الحروف الذي بعدها: أي التاء، والألف والنون، كما مر في باب الإعلال (1) وتقول في فَوْعَلَّة - مشددة اللام - من غَزَوْت: غَوْزَوَّةٌ، وفي أُفْعُلَّة: اغْزُوَّة، وفي فُعَلٍّ: غُزُوٌّ، لا تُقلب الواو المشددة المضموم ما قبلها في أُفْعُلَّة وَفُعُلٍّ ياء، كما لم تقلب في مدعو، بل ترك القلب ههنا أولى، لأن اسم المفعول قد يتبع الفعل الذي هو بمعناه، نحو غُزِي (2) ، وأما نحو أُدْعِيَّةٍ (3) في أُدْعُوَّةٍ فقليل نادر، فإن اعتُدّ به قيل في أُغزُوّة: أُغْزِيَّة. وتقول في أُفْعُلَّةٍ من رميت: أُرْمِيَّة - بكسر الميم - كما في مُضِيٍّ، والأصل مُضُويٌ وتقول في فوعلة من الرمي: رَوْمَية، وليست في الأصل فَوْعَلَلَة، وإلا قيل: رَوْمَيَاة. وتقول في فَعَلٍّ: رَمَيٌّ، وليس أصله رَمْيَياً، وإلا قيل: رَمْياً (4) ، وكذلك نحو هيى وهَبَيَّةٍ للصبي والصبية. وتقول على وزن كَوَأْلَلٍ (5) والواو إحدى اللامين زائدتان من القوة:
قَوَوًّى عند سيبويه، وَقَوَيَّا عند الأخفش كما مر (1) ، وعلى وزن (2) عِتْوَلٍ من قَوِيَ: قِيّاً، والأصل قَوْوَوٌ، قلبت الواو الأخيرة ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، والواو الأولى ياء كما في ميزان، والواو الثانية ياء أدغم فيها الياء كما في سيد. وإذا بنيت مثل عِفْرِيَة من غَزَوْت قلت: غزوية، والاصل غزوة، ومن الرَّمي رِمْيِيَةٌ، ولا يجوز الإدغام كما في أَحْيِيَة، مع لزوم التاء في الموضعين، لأن رِمْيِيَة كعِفْرية، وهو ملحق بزِبْرجَةٍ، وأَحْيِيَة ليس ملحقاً، كذا قيل، والأولى أن هذا البناء ليس للإلحاق كما مر، ولو جمعت هَبَيّاً على فَعَالِلَ قلت: هبايّ كدَوَابّ، ولو بنيت على فعاليل من رميت قلت: رمايِيَّ، ويجوز رَمَاوِيّ، لاجتماع الياءات كما في سِقَاوِيّ، ولا يجوز بالهمز، لعدم تطرف الياء. وكذا فَعَالِيلُ وَمَفَاعيلُ من حَيِيَ نحو حَيَايِيَّ، وَمَحَاييَّ وَحَيَاوِيَّ، ومَحَاوِيَّ، قال سيبويه: ولو حُذفت إحدى الياءات في جميعها لم يبعد، لأنه قد يستثقل الياءان في نحو أثافِيَّ (3) فيخفف بحذف إحداهما، فيقال: أثَافٍ، فما ظنك بالثلاث؟ وحذف ياء مفاعيل ثابت وإن لم يجتمع ياءان نحو قراقير وقراقر (4)
وجراميز وجرامز (1) ، قال سيبويه: إلا أن من يحذف في هذه الأمثلة التي اجتمعت (فيها) (2) ثلاث ياءات يلتزم الحذف، لكونها أثقل من أثافى وعوارى (3) حتى يكون فرقا بين الياءات والياءين، وتقول في فعاليل من غَزَوْت: غَزَاوِيّ فلا تغير الواو لعدم اجتماع الأمثال كما في رمياني وهذا آخر ما أردناه إيراده، ولك أن تقس على هذا ما ماثله بعد إتقانك الأصول المتقدمة في باب الإعلال وغيره والله الموفق للصواب تمت مقدمة التصريف، والحمد لله رب العالمين
[الخط]
قال: " الْخَط تَصْوِيرُ اللَّفْظِ بِحُرُوفِ هِجَائِهِ إلاّ أسْمَاءَ الْحُرُوفِ إذَا قُصِدَ بِهَا الْمُسَمَّى، نَحْوُ قَوْلِكَ: اكْتُبْ جِيم، عَيْن، فا، رَا، فَإِنَّكَ تَكْتُبُ هَذِهِ الصُّورَةَ (جَعْفَر) لأَنَّهَا مُسَمَّاهَا خَطُّا وَلْفظاً، وَلِذَلِكَ قَالَ الْخَلِيلُ لَمَّا سَأَلَهُمْ كَيْفَ تَنْطِقُونَ بِالْجِيم مِنْ جَعْفَرٍ فقالوا: جِيمٌ، فقال: إنَّمَا نَطَقْتُمْ بالاسْم ولم تنطقوا بالمسئول عَنْهُ، وَالْجَوَابُ جَهْ، لأنه الْمُسَمَّى، فَإنْ سُمِّيَ بِهَا مُسَمَّى آخَرُ كُتِبَتْ كَغَيْرِها نحو ياسِين وحَامِيم، وَفِي الْمُصْحَفِ عَلَى أصْلِهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، نَحْوُ يس وحَم " أقول: حق كل لفظ أن يكتب بحروف هجائه: أي بحروف الهجاء التي ركب ذلك اللفظ منها إن كان مركباً، وإلا فبحرف هجائه: سواء كان المراد باللفظ ما يصح كتابته كأسماء حروف التهجي نحو ألف باتا ثا جيم، وكلفظ الشعر والقرآن ونحو ذلك، أو مالا يصح كتابته كزيد والرجل والضرب واليوم وغيرها، وكذا كان حق حروف أسماء التهجي في فواتح السور، لكنها لا تكتب بحروف هجائها، بل تكتب كذا (ن والقلم، ق والقرآن) ولا يكتب (نون والقلم) ولعل ذلك لما توهم السفَرَة (1) الأول للمصاحف أن هذه الأسماء عبارة عن الأعداد كما روى عن بعضهم أن هذه الأسماء كنايات عن أعمار قوم وآجال آخرين، وذلك أن أسماء حروف التهجي قد تُصَوَّر مسمياتها إذا قصد التخفيف في الكتابة، نحو قولهم: كُلُّ جَ بَ، وكذا كتابتهم نحو قولهم: الكلمات ثلاث: االاسم، ب الفعل، ج الحروف، فعلى هذا في قوله " إلا أسماء الحروف إذا قصد المسمى " نظر، لأن تلك الأسماء مع قصد المسمى تكتب بحروف هجائها أيضاً، ألا ترى أنه تكتب هكذا: اكتب جيم عين فاء راء، ولا تكتب
هكذا: اكتب جَ عَ فَ رَ، والذي يختلف فيه الحال أنك إذا نسبت الكتابة إلى لفظ على جهة المفعولية فإنه ينظر: هل يمكن كتابة مسماه، أولاً، فإن لم يمكن نحو كتبت زيد ورجل، فالمراد أنك كتبت هذا اللفظ بحروف هجائه، وإن أمكن كتابة مسماه نحو كتبت الشعر والقرآن وجيم وعين وفاء وراء، فالظاهر أن المراد به مسمى اللفظ، فتريد بقولك: كتبت الشعر والبيت، أنك كتبت مثلا: * قفانبك مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ * البيت (1) وبقولك: كتبت القرآن، أنك كتبت مثلاً بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، السورة، وبقولك: كتبت جيم عين فاء راء أنك كتبت جعفر، ويجوز مع القرينة أن تريد بقولك: كتبت الشعر والبيت والقرآن، أنك كتبت صورة حروف تهجي هذه الألفاظ والبحث في أن المراد باللفظ هو الاسم أو المسمى غيرُ البحث في أن ذلك اللفظ كيف يصور في الكتابة، والمراد بقوله " الخط تصوير اللفظ بحروف هجائه " هو الثاني دون الأول قوله " إذا قصد بها المسمى " أي: حروف التهجي قوله " جيم عين فا را " لا تُعْرب شيئاً من هذه الأسماء وإن كانت مركبة مع العامل كما في قولك: كتبت ماء، وأبصرت جيماً، لئلا يظن أنك كتبت كل واحدة من هذه الأحرف الأربعة منفصلة من البواقي، ولم تكتب حروف كل واحدة، فلم تُعرب الأسماء ولم تأت بواو العطف نحو اكتب جيم، وعين، وفاء، وراء، بل وصلت في اللفظ بعضها ببعض تنبيهاً على اتصال مسمياتها بعضها ببعض، لكونها حروف كلمة واحدة
قوله " مسماها خطاً " ظاهر، لأن المسمى جيم مثلاً هذه الصورة جَ، لأنك إذا أمرت بكتابة جيم كتبت هكذا جَ، وكذا هو مسماة لفظاً، لأنك إذا أمرت بأن تتلفظ بجيم قلت: جَهْ قوله " ولذلك قال الخليل " أي: لكون جعفر مسمى جيم عين فار را لفظاً رد الخليل على أصحابه لما سألهم عن جيم جعفر كيف تنطقون به: أي كيف تتلفظون بمسمى هذا اللفظ وهو جيم؟ وذلك لأن المراد بكل لفظ مسماه إذا أمكن إرادته نحو ضربت زيداً: أي مسمى هذا اللفظ، وأما إذا لم يمكن نحو قرأت زيداً وكتبت زيداً فالمراد بأولهما اللفظ وبالثاني حروف هجاء اللفظ قوله " إنما نطقتم بالاسم " لأن جيم الذي هو على وزن فِعْل اسم لهذا المسمى، وهو جَهْ قوله " فإن فإن سمي بها مسمى آخر " أي: سمي بأسماء حروف التهجي، كما لو سمي بدال مثلاً شخص قوله " كتبت كغيرها " أي: كتبت ألفاظها بحروف هجائها، فإذا قيل: اكتب دال يكتب هكذا " دال " كما يكتب: زيد قوله " وفي المصحف على أصلها " أي: يكتب مسمى أسماء حروف التهجي، ولا تكتب تلك الأسماء بحروف هجائها قوله " على الوجهين " أي: سواء كانت هذه الفواتح أسماءً لحروف التهجي كما قال الزمخشري: " إن المراد بها التنبيه على أن القرآن مركب من هذه الحروف كألفاظكم التي تتلفظون بها فعارِضوه إن قدرتم " فهي إذن تَحَدٍّ لهم، أو لم تكن، وذلك بأن تكون أسماء السور كما قال بعضهم، أو أسماء أشخاص كما قيل: إن يس وطه اسمان للنبي صلى الله عليه وسلم، وق اسم جبل، ون اسم للدواة، وغير ذلك أو تكون أبعاض الكلم كما نسب إلى ابن عباس رضي الله
عنه أنه قال في ألم: إن معناه أنا الله أعلم، وغير ذلك مما قيل فيها قال: " وَالأَصْلُ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ أَنْ تُكْتَبَ بِصُورَةِ لَفْظَها بِتَقْدِيرِ الابْتِدَاءِ بِهَا وَالْوَقْفِ عَلَيْهَا، فَمِنْ ثم كتب نحو ره زيداً، وقِهْ زَيْداً بِالْهَاءِ، ومِثْلُ مَهْ أَنْتَ، ومجئ، مَهْ جِئْتَ، بِالْهَاءِ أيْضاً، بخِلافِ الْجَارِّ، نَحْوَ حَتَّامَ وَإلاَمَ وَعَلاَمَ، لِشِدَّة الاتِّصَالِ بِالْحَرْفِ، وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَتْ مَعَهَا بألِفَاتٍ وكُتِبَ مِمَّ وَعَمَّ بِغَيْرِ نُونٍ، فإِنْ قَصَدْتَ إلى الْهَاءِ كَتَبْتها وَرَدَدْتَ الْيَاءَ وَغَيْرَهَا إنْ شِئْتَ " أقول: أصل كل كلمة في الكتابة أن ينظر إليها مفردةً مستقلة عما قبلها وما بعدها، فلا جرم تكتب بصورتها مبتدأ بها وموقوفاً عليها، فكتب مَنِ " ابْنُك " بهمزة الوصل، لأنك لو ابتدأت بها فلا بد من همزة الوصل، وكتب " ره زيداً " و " قه زيداً " بالهاء، لأنك إذا وقفت على ره فلا بد من الهاء قوله " ومِثْلُ مَهْ أَنْتَ؟ ومجئ مَهْ جِئْتَ؟ " قد ذكرنا في باب الوقف أن ما الاستفهامية المجرورة بالاسم يجب أن تقف عليها بالهاء، وفي المجرورة بالحرف يجوز إلحاق الهاء وتركه، وذلك لأن " ما " شديدة الاتصال بالحرف، لعدم استقلال الحرف دون ما يتصل به قله " ومِن ثَمَّ كتبت " أي: من شدة اتصال " ما " بالحرف كتبت حتى وإلى وعلى بألفات، ولم تكتب بالياء، وذلك لأن كتابتها بالياء إنما كانت لانقلاب ألف على وإلى الياء مع الضمير، نحو عليك وإليه، ومع ما الاستفهامية التي هي كالجزء صارتا نحْوَ غُلام وكَلام، فلا يدخلون الضمير، ولأن حتى تمال اسماً لكون الألف رابعة طرفاً ومع ما الاستفهامية لا تكون طرفاً، وكذا إلى اسماً أميلت، لكون ألفها طرفاً مع الكسرة قبلها وانقلابها ياء مع الضمير ومع " ما " لا تكون طرفاً
قوله " وكتب مِمَّ وعَمَّ بغير نون " أي: من جهة اتصال " ما " بالحرف لم يكتب عَنْ مَهْ ومِنْ مَهْ - بالنون - بل حذفت النون المدغمة خطًّا كما يحذف كل حرف مدغم في الآخَرِ في كلمة واحدة، نحو هَمَّرشٍ وأصله هَنْمَرشٌ (1) وامَّحَى أصله انْمَحَى قوله " فإن قَصَدْتَ إلى الهاء " يعني أنك إذا قلت: ممَّ جئت؟ وعمَّ يتساءلون؟ وقصدت أنك لو وقفت على مِمَّ وعمَّ ألحقتهما هاء السكت وجب عليك إلحاق هاء السكت في الكتابة، لأنك تكون إذا معتبراً لما الاستفهامية مستقلة بنفسها، فتردّ نون من وعن، ويكتب هكذا: من مه جئت؟ وعن مه يتساءلون؟ قوله " ورددت الياء " يعني في " عَلَى مَهْ " و " حتَّى مه " قوله " وغيرها " يعنى النون في " مِنْ مَهْ جئت " قوله " إن شئت " يرجع إلى رد الياء وغيرها لا إلى كتابة الهاء، لأن كتابتها إذن واجبة، لكن أنت مخير مع كَتْبَةِ الهاء بين رد النون والياء، وترك ردهما، فإن رددتهما فنظرا إلى الهاء، لأنها إنما اتصلت نظراً إلى استقلال " ما " بنفسها، وإن لم ترد فنظرا إلى عدم استقلال حروف الجر دون ما، فيكون " علامه " مثل كيفه، وأينه، كأن الهاء لحقت آخر كلمة واحدة محركة بحركة غير إعرابية ولا مُشْبِهة لها قال: " وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَ أنَا زَيْدٌ بِالأَلِفِ، وَمِنْهُ لكِنَّا هُوَ اللهُ، وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَتْ تاءِ التَأْنِيثِ في نَحْو رَحْمَةٍ وَتُخَمَةٍ هَاء، وَفِيمَنْ وَقَفَ بِالتَّاءِ تَاءً، بِخِلاَفِ أُخْتٍ وَبِنْتٍ وَبَابِ قَائِمَاتٍ وباب قامت هند "
أقول: يعني ومن جهة أن مبني الكتابة على الوقف قوله " ومنه لَكِنَّا " يعني إذا لم يقرأ بالألف، فإنه يكتب بالألف في تلك القراءة أيضاً، لأن أصله لَكِن أنا (1) قوله " وفيمَنْ وقف " مر في باب الوقف أن بعضهم يقف عليها بالتاء نحو كظ الجحفَتْ (2) قوله " بخلاف أخت " أي: ولا يوقف على تاء أخت وبنت بالهاء لأنها بدل من لام الكلمة وليست بتاء التأنيث، بل فيها رائحة من التأنيث، بكونها بدلاً من اللام في المؤنث دون المذكر، وكذا تاء قائما ليست للتأنيث صرفا، بل علامة الجمع، لكن خصت بجمع المؤنث لكون التاء مناسبة للتأنيث، ومن قال كيف البنون والبناة - بالهاء - وجب أن يكتبها بالهاء، وهو قليل، ويعني بباب قائمات جمعَ سلامة المؤنث، وبباب قامت الفعلَ الماضي المتصلَ به تاء التأنيث قال: " وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَ الْمُنَوَّنُ الْمَنْصُوبُ بالأَلِفِ، وَغَيْرُهُ بِالْحَذْفِ وَإذَنْ بِالأَلِفِ عَلَى الأَكْثَر، وَكَذَا اضْرِبَنْ، وَكَانَ قِيَاسُ اضْرِبُنْ بِوَاوٍ وَألِفٍ، واضْرِبِنْ بِيَاءٍ، وَهَلْ تَضْرِبُنْ بِوَاوٍ وَنُونٍ، وَهَلْ تَضْرِبِن بِيَاءٍ وَنُونٍ، وَلَكِنَّهُمْ كَتَبُوهُ عَلَى لَفْظِهِ لِعُسْرِ تَبَيُّنِهِ أَوْ لِعَدَمِ تَبَيُّنِ قَصْدِهَا، وَقَدْ يُجْرَى اضْرِبَنْ مُجْرَاهُ " أقول: قوله " وغيره " أي: غير المنصوب المنون، وهو إما المرفوع والمجرور
المنونان كجاءني زيد ومررت بزيد، أو غير المنون: مرفوعاً كان أو منصوباً أو مجروراً، كجاءني الرجل ورأيت الرجل ومررت بالرجل، أو مَبْنياً قوله " وإذن بالألف على الأكثر " وذلك لما تبين في الوقف أن الأكثر في إذن الوقف عليه بالألف، فلذا كان أكثر ما يكتب بالألف، والمازني يقف عليه بالنون فيكتبه بالنون، وأما اضْرِبَنْ فلا كلام في أن الوقف عليه بالألف، فالأكثر يكتبونه بالألف، ومن كتبه بالنون فلحمله على أخويه: أي اضربن واضربن، كما يجئ، وإنما كان قياس اضربُنْ بالواو والألف لما تقدم في شرح الكافية أنك إذا وقفت على النون الخفيفة المضموم ما قبلها أو المكسور هو ردَدْتَ ما حذف لأجل النون: من الواو والياء في نحو اضربوا واضربي، ومن الواو والنون في هل تضربونَ، ومن الياء والنون في هل تضربين، فكان الحق أن يكتب كذلك بناء للكتابة على الوقف، لكن لم يكتب في الحالين إلا بالنون، لعسر تبيّنه: أي لأنه يعسر معرفة أن الموقوف عليه من اضربُنْ واضْربِنْ وهل تضربُنْ وهل تضرِبنْ كذلك: أي ترجع في الوقف الحروف المحذوفة، فإنه لا يَعْرَف ذلك إلا حاذق بعلم الإعراب، فلما تعسر معرفة ذلك على الكُتَّاب كتبوه على الظاهر، وأما معرفة أن الوقف على اضْرِبَنْ - بفتح الباء - بالألف فليست بمتعسرة، إذ هو في اللفظ كزيداً ورجلاً قوله " أو لعدم تبين قصدها " أي: لو كتبت بالواو والياء، والواو والنون، والياء والنون، لم يتبين: أي لم يعلم هل هو مما لحقه نون التوكيد أو مما لم يلحقه ذلك، وأما المفرد المذكر نحو اضربَا فلم يلتبس، لأن المفرد المذكر لا يلحقه ألف، وبعضهم خاف التباسه بالمثنى فكتبه بالنون، أو يقول: كتبه كذلك حملا على اضربُنْ واضربِنْ، لأنه من نوعهما، وهذا معنى قوله " وقد يُجْرى اضربن مجراه "
قوله " تَبَيُّنِ قَصْدِها " أي: المقصود منها: أي من الكلمات المكتوبة، فهو مصدر بمعنى المفعول، أو بمعنى تَبَيُّنِ أنك قصدتها: أي قصدت النون، فيكون المصدر بمعناه قال: " وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَ بَابُ قَاضٍ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَبَابُ الْقَاضِي بِالْيَاءِ عَلَى الأَفْصَحِ فِيهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَ نَحْوُ بَزَيْدٍ وَلِزَيْدٍ وَكَزَيْدٍ مُتَّصِلاً، لأَنًّهُ لا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَكُتِبَ نَحْوُ مِنْكَ وَمِنْكُمْ وَضَرَبَكُمْ متَّصِلاً، لأنَّهُ لا يُبْتَدَأُ بِهِ " أقول: إنما لم تكتب الباء واللام والكاف غير متصلة لكونها على حرف ولا يوقف عليه، ولو كان لعدم الوقوف عليها لكتب نحو من زيد على زيد متصلاً، وإنما لم يبتدأ بالمضمرات المذكورة لكونها متصلة، وأما نحو بكم وبك فقد اجتمع فيه الامران قال: " وَالنَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا لاَ صُورَةَ لَهُ تَخُصُّهُ، وَفِيمَا خُولِفَ بِوَصْلٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ بَدَلٍ، فَالأَوَّلُ الْهَمْزَةُ وَهُوَ أَوَّلٌ وَوَسَطٌ وَآخِرٌ الأَوَّلُ أَلِفٌ مُطْلَقاً نَحْوُ أحَدٍ وَأُحَدٍ وَإبِل، وَالْوَسَطُ: إمَّا سَاكِنٌ فَيُكْتَبُ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ مِثْلُ يَأكُلُ وَيُؤْمِنُ وَبِئْسَ، وَإمَّا مُتَحَرِّكٌ قَبْلَهُ سَاكِنٌ فَيُكْتَبُ بِحَرْفِ حَرَكَتِهِ مثل يسأل ويلؤم ويسم، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُهَا إنْ كَانَ تَخْفِيفُهَا بِالنَّقْلِ أَوِ الإِدْغَام، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُ الْمَفْتُوحَةَ فَقَطْ، وَالأَكْثَرُ عَلَى حَذْفِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَ الأَلِفِ، نَحْوُ سَاءَلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفَهَا فِي الْجَمِيعِ، وَإمَّا مُتَحَرِّكٌ وَقَبْلَهُ متحرك فيكتب عَلَى نَحْوِ مَا يُسَهَّلُ، فَلِذَلِكَ كُتِبَ نَحْوُ مُؤَجَّلٍ بِالْوَاوِ وَنَحْوُ فِئَةٍ بِالْيَاءِ، وَكُتِبَ نَحْوُ سَألَ وَلَؤُمَ وَيَئِسَ وَمِنْ مُقْرِئِكَ ورُؤُوسِ بِحَرْفِ حَرَكَتِهِ، وَجَاءَ فِي سُئِلَ وَيُقْرِئُكَ الْقَوْلاَنِ، وَالآخِرُ إنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ سَاكِناًَ حُذِفَ،
نحو خبء وخبء وخبئا، وإن كان متحركا كاكتب بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ كيْفَ كَانَ، نَحْوُ قَرَأَ وَيُقْرِئُ وَرَدُؤَ وَلَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُقْرِئْ وَلَمْ يَرْدُؤْ، وَالطَّرَفُ الَّذِي لاَ يُوقَفُ على لاتِّصَالِ غَيْرِهِ كَالْوَسَطِ نَحْوُ جُزْؤُكَ وَجُزْأَكَ وَجُزْئِك، وَنَحْوُ رِدْؤُكَ وَرِدْأََكَ وَردْئِكَ، وَنَحْوُ يَقْرَؤُهُ وَيُقْرِئُكَ، إلا فِي نَحْوِ مَقْرُوءَة وَبَرِيئَة، بِخِلافِ الأَوَّلِ الْمُتَّصِلِ بِهِ غَيْرُهُ، نَحْوُ بِأحَدٍ وَكَأَحَدٍ وَلأَحَدٍ، بِخِلاَفِ لِئَلاَّ، لِكَثْرَتِهِ، أَوْ لِكَرَاهَةِ صُورَتِهِ، وَبِخِلاَفِ لَئِنْ، لِكَثْرَتِهِ، وَكُلُّ هَمْزَةٍ بَعْدَهَا حَرْفُ مَدٍّ كصُورَتِهَا تُحْذَفُ نَحْوَ خَطَئَا في النَّصْبِ وَمُسْتَهْزِؤُونَ ومستهزءين، وَقَدْ تُكْتَبُ بِالْيَاءِ، بِخِلاَفِ قَرَأَا ويقرأ ان لِلَّبْسِ، وَبِخِلاَفِ نَحْوِ مُسْتَهْزِئَيْنِ فِي الْمُثَنَّى لِعَدَمِ الْمَدِّ، وَبِخِلاَفِ نَحْوِ ردَائِي وَنَحْوِهِ فِي الأَكْثَرِ، لِمُغَايَرَةِ الصُّورَةِ، أوْ لِلْفَتْحِ الأَصْلِيِّ، وَبِخِلاَفِ نَحْوِ حِنَّائِيٍّ فِي الأَكْثَرِ، لِلْمُغَايَرَةِ وَالتَّشْدِيدِ، وَبِخِلاَفِ لَمْ تَقْرَئِي لِلْمُغَايَرَةِ وَاللَّبْسِ " أقول: قدم للكتابة أصلاً، وهو كونها مبنية على الابتداء والوقف، ثم شرع في التفصيل، فذكر أولاً حال، لحرف الذي ليس له صورة مخصوصة، بل له صورة مشتركة، وتستعار له صورة غيره، وهو الهمزة، وذلك أن صورة الألف: أعني هذه (أ) لمّأ كانت مشتركة في الاصل بين الألف والهمزة - ولفظة الألف كانت مختصة بالهمزة، لأن أول الألف همزة، وقياس حروف التهجي أن تكون أولَ حرف من أسمائها كالتاء والجيم وغيرها، ثم كثر تخفيف الهمزة، ولا سيما في لغة أهل الحجاز، فإنهم لا يحققونها ما أمكن التخفيف - استعير للهمزة في الخط وإن لم تخفف صورة ما يقلب إليه إذا خففت، وهي صورة الواو والياء ثم يعلّم على تلك الصورة المستعارة بصورة العين البتراء هكذا (ء) ليتعين كونها همزة، وإنما جعلت العين علامة الهمزة لتقارب مخرجيهما، فإن لم تكن الهمزة في موضع التخفيف
وذلك إذا كانت مبتدأ بها كتبت بصورتها الأصلية المشتركة أعني هذه (ا) نحو إبل وأحد وأَحَد، وكذلك تكتب بهذه الصورة إذا خففت بقلبها ألفاً، نحو راس ثم نقول: إذا كانت الهمزة وسطاً ساكنة متحركاً ما قبلها كتبت بمقتضى حركة ما قبلها نحو يُؤمن ويأكل وبِئْس، لأنها تخفف هكذا (ا) إذا خففت وتكتب الوسط المتحركة المتحرك ما قبلها نحو مؤجَّل بالواو وفئة بالياء والخمسة بحرف حركته نحو سأل ولؤُم ويئس ومِن مقرئِك ورؤُوس، وأما الاثنان الباقيان نحو سُئِل ويُقْرئُك فعلى مذهب سيبويه بحرف حركته، وعلى مذهب الأخفش بحرف حركة ما قبله، كل ذلك بناء على التخفيف، كما تقدم في باب تخفيف الهمزة وكذا يكتب الوسط الذي قبله ألف باعتبار حركته، لأن تخفيفه باعتبارها فيكتب نحو سأل بالألف والتساؤل بالواو وسائل بالياء، والأكثرون على ترك صورة الهمزة المفتوحة بعد الألف استثقالاً للألفين، فيكتبون ساءَل بألف واحدة وكذا المقروء والنبئ، وكذا يتركون صورة الهمزة التي بعدها الواو إذا كان حق الهمزة أن تكتب واواً لولا ذلك الواو نحو رءوس، وكذا في نحو سئامة ومستهزءين، إلا إذا أدى إلى اللبس، نحو قرأا ويقرأ ان ومستهزئين كما يجئ، ويكتب الأخير المتحرك ما قبله بحرف حركة ما قبله سواء كان متحركاً كما في يقرأ ويردُؤ ويُقْرِئ، أو ساكناً كما في لَمْ يَقْرَأْ ولم يردُؤْ ولم يُقْرِئْ، وذلك لأن الحركة تسقط في الوقف، ومبنى الخط على الوقف فتدبر الهمزةُ بحركة ما قبلها وأما إن كانت الأخيرة في حكم الوسط وهو إذا اتصل بها غير مستقل فهي في حكم المتوسطة، نحو يقرَؤُه ويقرئُه ونحو ذلك، وكان قياس نحو السماء والبناء أن تكتب همزته بالألف لأن الأكثر قلب مثلها ألفاً في الوقف كما مر في باب
تخفيف الهمزة (1) ، لكنه استكره صورة ألفين، ولذا لم تكتب في نحو قولك: علمت نبئاً، صورة للهمزة هذا كله حكم كتابتها إذا كانت مما تخفف بالقلب بلا إدغام، فإن كانت تخفف بالحذف، فإن كانت أخيراً فإنها تحذف في الخط أيضا نحو خبء، وجزء ودفء، وذلك لأن الآخِر محل التخفيف بالحذف خطا كما هو محل التخفيف لفظاً، وإن كان في الوسط كيسأل ويُسْئِم ويَلْؤُم، أو في حكم الوسط باتصال غير مستقل بها نحو جُزْأَكَ وجُزْؤُكَ وجُزْئِكَ، فالأكثر أنها لا تحذف خطّاً وإن كان التخفيف بحذفها، وذلك لأن حذفك في الخط لما هو ثابت لفظاً خلاف القياس اغتفر ذلك في الآخر الذي هو محل التخفيف، فيبقى الوسط ثابتاً على أصله فلما لم يحذف ولم تبن كتابتها على التخفيف أعيرت صورةَ حرفِ حركتها، لأن حركتها أقرب الأشياء إليها فكتبت مسألة وَيَلْؤُم ويسم وسَوْءة وجُزْأَكَ وجُزْؤُك وجُزْئِكَ بتدبير حركة الهمزات، وإن كانت تخفف بالقلب مع الإدغام حذفت في الخط سواء كانت في الطرف كالمقروء والنبئ، أو في الوسط كالقَرُوآء على وزن البَروكاء (2) أو في حكم الوسط كالبريّة والمقروَّة، وذلك لأنك في اللفظ تقلبها إلى الحرف الذي قبلها وتجعلها مع ذلك الحرف بالإدغام كحرف واحد، فكذا جعلت في الخط هذا، وبعضهم يبني الكتابة في الوسط أيضاً على التخفيف فيحذفها خطاً في كل ما يخفف فيه لفظاً بالحذف أو الإدغام، وبعضهم يحذف المفتوحة فقط لكثرة مجيئها نحو مَسَلَة، ويَسَلُ، وإنما لم تكتب الهمزة في أول الكلمة إلا بالألف وإن كانت قد تخفف بالحذف كما في الأرْض وقَدَ أفْلح لأن مبنى الخط على الوقف
والابتداء، وإذا كانت الكلمة التي في أولها الهمزة مبتدأ بها لم تخفف همزتها فتكتب بالصورة التي كانت لها في الأصل وإن كانت مشتركة فإن قيل: إذا اتصل بآخر الكلمة غير مستقل نحو جزؤه ويجزئه تجعل الهمزة التي حقها الحذف كالمتوسطة فهلا تجعل المصدرة التي حقها هذه الصورة (ا) إذا اتصل بها غير مستقل نحو الأرْض وبأحُد ولأحَد كالمتوسطة قلت: لأني إذا جعلت الهمز الذي حقه الحذف ذا صورة فقد رددته من الحذف الذي هو أبعد الأشياء من أصله أعني كونه على هذه الصورة (ا) إلى ما هو قريب من أصله وهو تصورة بصورة ما وإن لم تكن صورته الأصلية، وإذا غيرت ما حقه هذه الصورة أي المصورة بالحذف أو بإعارتها صورة الواو والياء فقد أخرجت الشئ عن أصله إلى غيره، فلهذا لم تجعل المصدرة في الخط كالمتوسطة إلا في لِئَلاَّ كما يجئ قوله " فيما لا صورة له تخصه " إنما قال ذلك لأن هذه الصورة (ا) مشتركة في أصل الوضع بين الهمزة والألف كما مضى قوله " فيما خولف ": أي خولف به عن أصل الكتابة الذي كان حق الخط أن يكون عليه قوله " الأول الألف مطلقاً ": أي مضمومة كانت أو مفتوحة أو مكسورة، وذلك لما قلنا قوله " يكتب بحرف حركته " إلا أن يكون تخفيفه بالادغام كسؤال على وزن طومَارٍ (1) فإنه يحذف كما ذكرنا قوله " ومنهم من يحذف المفتوحة " أي: يحذف من جملة ما يخفف بالنقل
المفتوحة فقط نحو يسئل ومسألة، ولا يحذف نحو يلؤُم ويُسْئِم قوله " والأكثر على حذف المفتوحة " أي: أن الأكثرين يحذفون المفتوحة فقط بعد الألف نحو ساءَلَ، ولا يحذفونها بعد ساكن آخر، ولا يحذفون غير المفتوحة بعد ساكن قوله " ومنهم من يحذفها في الجميع " أي: يحذف الهمزة المتوسطة الساكن ما قبلها، سواء خففت بالقلب أو بالحذف أو بالإدغام قوله " كيف كان " أي: متحركاً أو ساكناً قوله " إلا في نحو مقروة وبرية " إذ حقها الإدغام كما ذكرنا قوله " لئلا لكثرته " أي لكثرة استعماله صار لام لئلا متصلاً بالهمزة وإن كان متصلاً بلا، فصارت الثلاثة ككلمة واحدة نحو فئة قوله " أو لكراهة صورته " أي لو كتب هكذا (لا لا) قوله " وكل همزة بعدها حرف مد " في الوسط كانت كرءوف ونئيم وسئال أو في الطرف نحو خَطئاً في النصب ومستهزؤون ومستهزءين، حذفت إذا لم يلتبس لاجتماع المثلين، والأكثر على أن الياء لا تحذف، لأن صورتها ليست مستقلة كنئيم ومستهزئين، وهذا معنى قوله " وقد يكتب الياء " وأما في الطرف فقد يكتب الياءان لاختلاف صورتيهما نحو ردائي قوله " بخلاف قرأا ويقرأ ان " فإنهما لو كتبا بألف واحدة لا لتبس قرأا بالمسند إلى ضمير الواحد ويقرأ ان بالمسند إلى ضمير جمع المؤنث قوله " بخلاف مستهزئَين في المثنى لعدم المد " ليس بتعليل جيّد، لأن المد لا تأثير له في الخط، بل إنما كان الحذف لاجتماع المثلين خطا، وهو حاصل: سواء كان الثاني مداً أو غير مد، بل الوجه الصحيح أن يقال: إن الأصل أن لا تحذف الياء كما ذكرنا لخفة كتابتها على الواو كما ذكرنا، بخلاف الواوين والألفين مع
أن أصل مستهزئين وهو مستهزئان ثبت فيه للهمز صورة، فحمل الفرع عليه في ثوبتها، وأما أصل مستهزئين في الجمع فلم يكن للهمز فيه صورة نحو مستهزءون لاجتماع الواوين فحمل الفرع عليه قوله " أو للفتح الأصلي " يعني لم يكن في الأصل مداً، وقد ذكرنا ما عليه، وكذا قوله " للتشديد " أي: لم يكن مداً قوله " واللبسِ " أي: يلتبس بلم تقرى من القرى قال: " وَأَمَّا الْوَصْلُ فَقَدْ وَصَلُوا الْحُرُوفِ وَشِبْهَهَا بِمَا الْحَرْفِيَّةِ، نَحْوَ إنما إلهكم إله وَأَيْنَمَا تَكُنْ أَكُنْ وَكُلَّمَا أَتَيْتَنِي أَكرَمْتُك، بِخِلاَفِ إن ما عِنْدِي حَسْنٌ وَأَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي وَكُلُّ مَا عِنْدِي حَسَنٌ، وَكَذَلِكَ عَنْ مَا وَمِنْ مَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ تُكْتَبَانِ مُتَّصِلَتَيْنِ مُطْلَقاً لِوُجُوبِ الإدْغَام، وَلَمْ يَصِلُوا مَتَى، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَغْيِيرِ الْيَاءِ، وَوَصَلُوا أَنِ النَّاصِبَةِ لِلْفِعْل مَعَ لاَ بِخِلاَفِ الْمُخَفَّفَةِ نَحْوُ عَلِمْتُ أَنْ لا يَقُومُ، وَوَصَلُوا إنِ الشَّرْطِيَّةَ بِلاَ وَمَا، نَحْوُ إِلاَّ تفعلوه وإما تخافن، وَحُذِفَتِ النُّونُ فِي الْجَمِيعِ، لِتَأكِيدِ الاتصال، ووصلوا نَحْوَ يَوْمَئِذٍ وَحِينَئِذٍ فِي مَذْهَبِ الْبِنَاءِ فَمِنْ ثَم كُتِبَتِ الْهَمْزَةُ يَاءً، وَكَتَبُوا نَحْوَ الرَّجُل عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مُتَّصِلاً، لأنَّ الْهَمْزَةَ كَالْعَدَمِ، أَوِ اخْتِصَاراً لِلْكَثْرَةِ ". أقول: قوله " الحروف وشِبْهَهَا " أي: الأسماء التي فيها معنى الشرط أو الاستفهام نحو أينما وحيثما وكلما، وكان ينبغي أن يقول: بما الحرفية غير المصدرية، لأن " ما " المصدرية حرفيية على الأكثر ومع هذا تكتب منفصلة نحو إن ما صنعت عجب: أي صنعك عجب، وإنما كتب المصدرية منفصلة مع كونها حرفية غير مستقلة أيضاً تنبيهاً على كونها مع ما بعدها كاسم واحد، فهي من تمام ما بعدها لا ما قبلها قوله " في الوجهين " أي: إن كان " ما " حرفا نحو عما قليل ومما خطيئاتهم
وصلت، لأن الأولى والثانية حرفان ولهما اتصال آخر من حيث وجوب إدغام آخر الأولى في أول الثانية، وإن كانت " ما " اسمية نحو بعدت عن ما رأيت، وأخذت من ما أخذت، فصلت لانفصال الاسمية لسبب استقلالها، وقد تكتب الاسمية أيضاً متصلة، لكونها كالحرفية لفظاً على حرفين، ولمشابهتها لها معنى، ولكثرة الاستعمال، ولاتصالها اللفظي بالإدغام، وهو معنى قوله " لوجوب الإدغام " وقوله " مطلقاً " أي: اسمية كانت أو حرفية قوله " متى " يعني في قولهم: متى ما تركَبْ أركب قوله " لما يلزم من تغيير الياء " يعني لو وصلتَ كتبت الياء ألفاً فيكتب متى ما كعلام وإلام وحتام، ولا أدري أي فساد يلزم من كتب ياء متى ألفاً كما كتبت في عَلاَمَ وإلام؟ والظاهر أنها لم توصل لقلة استعمالها معها، بخلاف عَلاَمَ وإلام قوله " أنِ الناصبة للفعل " في لئلا، المخففة، لأن الناصبة متصلة بما بعدها معنى من حيث كونها مصدرية ولفظاً من حيث الإدغام، والمخففة وإن كانت كذلك إلا أنها منفصلة تقديرا بدخلوها على ضمير شأن مقدر بخلاف الناصبة. قوله " ووصلوا إن الشرطية بلا وما دون المخففة والزائدة " نحو أنْ لا أظنك من الكاذبين، وأنْ ما قلتُ حَسَن، لكثرة استعمال إن الشرطية وتأثيرها في الشرط بخلافهما قوله " وحذفت النون في الجميع " أي: لم يكتب هكذا: منْما وعنْما ولئنْلا وإنْلاَ وإنْما، بنون ظاهرة، بل أدغم مع الاتصال المذكور لتأكيد الاتصال، وإنما ذكر هذه لأنه لم يَذكر قبلُ إلا الاتصالَ، والاتصال غير الإدغام كما صورنا. قوله " في مذهبِ البناء " أي: إذا بنى الظرف المقدم على إذ، لأن البناء دليل شدة اتصال الظرف بإذ، والأكثر كتابتهما متصلين على مذهب الإعراب
أيضاً، حملاً على البناء، لأنه أكثر من الإعراب قوله " فمن ثم " أي: من جهة اتصال الظرف بإذ وكون الهمزة متوسطة كتبت ياء كما في سَئِم، وإلا فالهمزة في الأوّل، فكان حقها أن تكتب ألفاً كما في بأحد ولإبل قوله " على المذهبين " أي: مذهب الخليل وسيبويه: أما على مذهب سيبويه فظاهر، لأن اللام وحدها هي المعرفة، فهي لا تستقل حتى تكتب منفصلة، وأما على مذهب الخليل وهو كونها كبَلْ وهَل، فإنما كتبت متصلة أيضاً لأن الهمزة وإن لم تكن للوصل عنده لكنها تحذف في الدرج فصارت كالعدم، أو يقال: الألف واللام كثيرة الاستعمال فخفف خطَّا بخلاف هل وبل قال: " وَأَمَّا الزَّيَادَةُ فَإِنَّهُمْ زَادُوا بَعْدَ وَاوِ الْجَمْعِ الْمُتَطَرِّفَةِ فِي الْفِعْلِ ألِفاً نَحْوُ أكَلُوا وَشَرِبُوا فرقا بينها فِي التَّأْكِيدِ بِأَلِفٍ، وَفِي الْمَفْعُولِ بِغَيْرِ ألِفٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا فِي نَحْوِ شَارِبُوا الْمَاء، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحذِفُهَا فِي الْجَمِيعِ، وَزَادُوا فِي مَائَةِ أَلِفاً فَرْقاً بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِنْهُ، وَأَلْحَقُوا الْمُثَنَّى بِهِ، بِخِلافِ الْجَمْعِ وَزَادُوا فِي عَمْرٍو وَاواً فَرْقاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ مَعَ الْكَثْرَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَزِيدُوهُ فِي النَّصْبِ، وَزَادُوا فِي أُولئِكَ وَاواً فَرْقاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِلَيْكَ، وَأُجْرِي أُولاَءِ عَلَيْهِ، وَزَادُوا فِي أولِي وَاواً فَرْقاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ إلَى، وَأَجْرِيَ أُولُو عَلَيْهِ ". أقول: قوله " المتطرفة " احتراز عن نحو ضربوهم وضربوك وضربوه، والأصل أن لا تكتب الألف إلا في واو الجمع المنفصلة، نحو مَرُّوا، وعَبَروا إذ المتصلة لا تلتبس بواو العطف، إذ هي لا تكتب إلا منفصلة، لكنه طرد الحكم في الجميع، كما أنه كتب في نحو عبروا وإن لم يأت بعده ما يمكن أن يكون
معطوفاً، لما كان يلبس في بضع المواضع، نحو إن عبروا ضربتهم قوله " بخلاف يدعو ويغزو " لأن الواو التي هي اللام لا تنفصل عن الكلمة كواو الجمع حتى لا تلتبس بواو العطف، وهي من تمام الكلمة: متصلة كانت في الخط كيدعو، أو منفصلة كيغزو قوله " في التأكيد بألف " لأن الواو إذن متطرفة، بخلاف واو ضربوهم، إذا كان " هم " مفعولاً، والأكثرون لا يكتبون الألف في واو الجمع الاسمي نحو شاربو الماء، لكونه أقلَّ استعمالاً من الفعل المتصل به واو الجمع، فلم يبال اللبس فيه إن وقع لقلته، ومنهم من يحذف الألف في الفعل والاسم لندور الالتباس فيهما، وإنما ألحق مائتان بمائة في إلحاق الألف دون مئات ومئين وإن لم يحصل اللبس لا في المثنى ولا في المجموع، لأن لفظ المفرد باق في المثنى، بخلاف الجمع، إذ تاء المفرد تسقط فيه قال: " وأما النقص فَإِنَّهُمْ كَتَبُوا كُلَّ مُشَدَّدٍ مِنْ كَلِمَةٍ حَرْفاً وَاحِداً نَحْوُ شَدَّ وَمَدَّ وَادّكَرَ، وَأُجْرِي، نَحْوُ قَتَتُّ مُجْرَاهُ، بِخِلاَفِ نَحْوُ وَعَدْتُ وَاجْبَهْهُ، وَبِخِلاَفِ لاَم التَّعْرِيفِ مُطْلَقاً نَحْوُ اللَّحْمِ وَالرَّجُلِ، لِكَوْنِهِمَا كَلِمَتَيْنِ، وَلِكَثْرَةِ اللَّبْسِ، بِخِلاَفِ الَّذِي وَالَّتي وَالَّذِينَ لِكَوْنِهَا لاَ تَنْفَصِلُ، وَنَحْوُ اللذَيْنِ فِي التَّثْنِيَةِ بِلاَمَيْنِ لِلْفَرْقِ، وَحُمِلَ اللتين عليه، وكذا اللاءون وَأخَوَاتُهُ، وَنَحْوُ عَمَّ وَمِمَّ وَإمَّا وَإلاَّ لَيْسَ بِقِيَاسٍ، وَنَقَصُوا مِنْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الألِفَ لَكَثْرَتِهِ بِخِلاَفِ بِاسْمِ اللهِ وَباسْم رَبِّكَ وَنَحْوهِ، وَكَذَلِكَ الألفُ مِنَ اسم الله والرحمن مُطْلَقاً، وَنَقَصُوا مِنْ نَحْوِ لِلرَّجُلِ وَلَلرَّجُلُ وَلِلْدَّارِ وَلَلدَّارُ جَرّاً وَابْتِدَاءً الأَلِفَ لِئَلاَّ يَلْتَبِسَ بالنَّفِي، بِخِلاَفِ بِالرَّجُلِ وَنَحْوِهِ، وَنَقَصُوا مَعَ الألفِ واللاَّمِ مِمَّا فِي أَوَّلِهِ لامٌ نَحْوُ لِلَّحْمِ ولِلَّبَنِ كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ ثَلاثِ لامَاتٍ، وَنَقَصُوا مِنْ نَحْوِ أَبْنُكَ بَارٍّ في الاسْتِفْهَامِ وَأصْطَفَى البنات ألَفَ الْوَصْلِ، وجَاءَ
فِي الرَّجُلُ الأمْرَانِ، وَنَقَصُوا مِنِ ابْنٍ إِذَا وَقَعَ صِفَةً بَيْنَ عَلَمَيْنِ أَلِفَهُ مِثْلُ هَذَا زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، بِخِلاَفِ زَيْدٌ ابْنُ عَمْرٍو، وَبِخِلاَفِ الْمُثَنَّى، وَنَقُصُوا أَلِفَ هَا مَعَ اسْم الإِشَارَةِ نَحْوُ هَذَا وَهَذِهِ وَهَذَانِ وهؤلاءِ، بِخِلاَفِ هَاتَا وَهَاتِي لِقِلْتِهِ، فَإِنْ جَاءَتِ الْكَافُ رُدَّتْ، نَحْوُ هاذاك وهاذانك، لاتِّصَالِ الْكَافِ وَنَقصُوا الأَلِفِ مِنْ ذَلِكَ وأولئك، ومن الثلث والثلثين، وَمِنْ لَكِنْ وَلَكِنَّ، وَنَقَصَ كَثِيرٌ الْوَاوَ مِنْ داوَدُ وَالألَفَ مِنْ إبراهيم وإسماعيل وإسحق وَبَعْضُهُمْ الألِفَ مِنْ عُثْمَان وسُلَيْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ " أقول: قوله " كل مشدد من كلمة " احتراز من نحو شكر رَبَّكَ قوله " شد ومد " مثال لمثلين في كلمة قوله " ادكر " مثال المتقاربين في كلمة وإنما كتب المشدَّد حرفاً في كلمة للزوم جعلهما في اللفظ كحرف بالتشديد، فجعلا في الخط حرفاً، وأما إذا كانا في كلمتين فلا يلزم جعلهما كحرف في اللفظ فلم يجعلا أيضا حرف في الخط، وأيضاً فإن مبنى الكتابة على الوقف والابتداء، وإذا كان كذا فلا يلتقي إذن مثلان ولا متقاربان حتى يكتبا حرفاً قوله " وأجري قََتَتُّ " وذلك لكون التاء بكونه فاعلاً وضميراً متصلاً كجزء الفعل، فجعلا في الخط حرفاً، لوجوب الإدغام بسبب تماثلهما، وأما في وعدت فلم يكتبا حرفاً لعدم لزوم الإدغام وعدم تماثلهما في الخط، ولا اجْبَهْهُ، لأنهما وإن كانا مثلين والثاني ضمير متصل لكنه ليس كالجزء من الفعل، لكونه فضله، إذ هو مفعول قوله " وبخلاف لام التعريف مطلقاً " أي: سواء كان بعدها لام كاللحم، أو غيرها مما تدغم فيه كالرجل، فإنها لا تنقص في الخط في الموضعين، لكون لام التعريف وما دخلته كلمتين، وقد احترز عنه بقوله " في كلمة " وأما
اتصال تاء قَتَتّ فهو أشد من اتصال كل اسم متصل باسم، لما ذكرنا من الوجهين، مع أنه قد يكتب قَتَتُّ بثلاث تاءات قوله " ولكثرة اللبس " يعني لو كتب هكذا الحم وارجل لا لتبس بالمجرد عن اللام إذا دخل عليه همزة الاستفهام أو حرف النداء، وأما الذى التى واللذين في الجمع فإنه لا لَبْسَ فيها، إذ اللام لازمة لها، فلا يلتبس بالمجرد الداخل عليه الهمزة، وإنما يكتب اللَّذيْن في التثنية بلام وإن كانت في الأصل لام التعريف أيضاً فرقاً بين المثنى والمجموع، وحمل اللذان رفعا عليه، وكذا اللتان واللَّتَيْنِ، وإن لم يكن ليس، إجراءً لباب المثنى مجرى واحداً، وكان إثبات اللام في المثنى أولى منه في الجمع، لكون المثنى أخف معنى من الجمع، فخفف الجمع لفظاً دلالة على ثقل معناه قوله " وكذا الاءون وأخواته " أي اللاتي، واللائي، واللواتي، واللواءِ، وذلك لانها أجريت مجرى اللاء الذي لو كتب بلام واحدة لا لتبس بألاَ قوله " ليس بقياس " لأنهما كلمتان، وكذا لئلا، وكان حق المشدد أن يكتب حرفين، وهذا وإن كان على خلاف القياس إلا أن وجه كتابتهما حرفاً واحداً ما تقدم في ذكر الوصل من شدة الاتصال وكثرة الاستعمال قوله " لكثرته " أي حذف ألف اسْمٍ إذا كان في البسملة لكثرة استعمالها بخلاف نحو باسم ربك، فإنها ليست كثيرة الاستعمال، وكذا إذا اقتصرت على باسم الله، نحو: باسم الله أصول قوله " الله والرحمن مطلقاً " أي: سواء كانا في البسلمة أولاً قوله " جراً وابتداء " أي: سواء كانت اللام جارة أو لام الابتداء قوله " لئلا يلتبس بالنفي " إذ لو كتب هكذا لا لرجل التبس بلا لرجل ولا للنفي، وأما نحو بالرجل وكالرجل فلا يلتبس بشئ
قوله " كراهية اجتماع ثلاث لامات " يعني لو كتب هكذا اللَّحْم، وفيما قال نظر، لأن الأحوط في مثله أن يكتب بثلاث لامات، لئلا يلتبس المعرف بالمنكر قوله " أبْنُكَ بار، وأصطفى البنات " يعني إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة وصل مكسورة أو مضمومة فإنهم يحذفون همزة الوصل خطاً كراهة اجتماع ألفين، ودلالة على وجوب حذفهما لفظاً، بخلاف نحو الرجل فإنه يجوز فيه الحذف كراهة اجتماعهما خطاً، ويجوز الإثبات دلالة على إثباتهما لفظاً قوله " إذا وقع صفة " احتراز من كونه خبر المبتدأ نحو: زَيْدٌ ابْنُ عَمْرٍو، وقوله " بين علمين " احتراز من مثل جاءني زيد ابن أخينا، والرجل ابن زيد، والعالم ابن الفاضل، وذلك لأن الابن الجامع للوصفين كثير الاستعمال فحذف ألف ابن خطا كما حذف تنوين موصوفه لفظاً. على ما ذكرنا في باب النداء، ونقص التنوين خطاً من كل منون فرقاً بين النون الأصلي والنون العارض غير اللازم، وأما نون اضْرِبَنْ فانما كتبت لعسر تبيها، عن ما تقدم، بخلاف التنوين، فإنه لازم لكل معرب لا مانع فيه منه، فيعرف إذن ثبوته بعدم المانع، وإن لم يثبت خطاً قوله " ونقصوا ألف ها مع اسم الاشارة " لكثرة استعمالها معه وأما هاتا وهاتي فقليلان، فإن جاءت الكاف ردت ألف " ها " فيما حذفت منه لقلة استعمال اسم الإشارة المصدر بحرف التنبيه المكسوع بحرف الخطاب قوله " لاتصال الكاف " يعني أن الكاف لكونها حرفاً وجب اتصالها بالكلمة لفظاً، إذ صارت كجزئها فتثاقلت الكلمة فخففت بحذف ألف ها، وفيما قال بعد، لأن الكلمة لم تتثاقل خطا، إذ الألف منفصلة، فلم يحصل بكون الكاف حرفاً امتزاج في الخط بين ثلاث كلمات، وكلامنا في الخط لا في اللفظ إلا أن يقول: نقصوا في الخط تنبيهاً على الامتزاج المعنوي.
قوله " نقصوا الألف من ذلك وأولئك ومن الثلث والثلثين " وذلك لكثرة الاستعمال، ونقص كثير من الكتاب الواو من داود، لاجتماع الواوين، وبعضهم يكتبها، ونقص بعضهم الألف من عثمان وسليمان ومعاوية، والقدماء من وراقي الكوفة (كانوا) ينقصون على الإطراد الألف المتوسطة إذا كانت متصلة بما قبلها نحو الكفرون والناصرون وسلطن ونحوه. قال: " وَأَمَّا الْبَدَلْ فَإِنَّهُمْ كَتَبُوا كُلَّ ألِفٍ رَابِعَةٍ فَصَاعِداً فِي اسْمِ أَوْ فِعْلٍ يَاءً إلاَّ فِيمَا قَبْلَهَا يَاءٌ إلاَّ فِي نَحْوَ يَحْيَى وَرَيَّى عَلَمَيْنِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِن كَانَتْ عَنْ يَاءٍ كُتِبَتْ يَاءً وَإِلاَّ فَبِالألِفِ، ومنهم من يكتب الباب كله بالاف وَعَلَى كُتْبِهِ بِالْيَاءِ فإِنْ كَانَ مُنَوَّناً فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَهُوَ قِيَاسُ الْمُبَرِّدِ، وَقَيِاسُ الْمَازِنِيِّ بِالألِفِ، وَقِيَاسُ سِيبَوَيْهِ: الْمَنْصُوبُ بِالأَلِفِ وَمَا سِوَاهُ بِالْيَاءِ، وَيُتَعَرَّفُ الْوَاوُ مِنْ الْيَاءِ بِالتَّثْنِيَةِ نَحْوُ فَتَيَانِ وَعَصَوَانِ وَبِالْجَمْعِ نَحْوُ الْفَتَيَاتِ وَالْقَنَوَاتِ وَبِالْمَرَّةِ نَحْوُ رَمْيَةٍ وَغَزْوةٍ وَبِالنَّوْعِ نَحْوُ رِمْيَةٍ وَغِزْوَةٍ، وَبِرَدِّ الْفِعْلِ إلى نَفْسِكَ نَحْوُ رَمَيْتُ وَغَزَوْتُ: وَبالمُضَارَع نَحْوُ يَرْمِي وَيَغْزُو، وَبِكَوْنِ الْفَاءِ وَاواً نَحْوُ وَعَى، وَبِكَوْنِ الْعَيْنِ وَاواً نَحْوُ شَوَى إلاَّ مَا شَذَّ نَحْوُ الْقُوى وَالصُّوَا، فإِنْ جُهِلَتْ: فَإنْ أمِيلَتْ فَالْيَاءُ نَحْوُ مَتَى، وَإلاَّ فَالأَلِفُ وَإِنَّمَا كَتَبُوا لَدَى بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِم لَدَيْكَ وَكِلاَ كُتِبَتْ عَلَى الْوَجْهَيْن لاحْتِمَالِهَا، وَأمَّا الْحُرُوفُ فَلَمْ يُكْتَبْ مِنْهَا بِالْيَاءِ غَيْرُ بَلَى وَإلَى وَعَلَى وَحَتَّى، وَالله أعلم بالصواب ". أقول: إنما كتبت الألف الرابعة المذكورة ياء دلالة على الإمالة، وعلى انقلابها ياءً، نحو يُغْزَيَان وَيَرْضَيَان وأغْزَيْت وأَعْلَيَان ومُصْطَفَيَانَ ونحوها، وإن كان قبلها ياء كتبت ألفاً، وإن كانت على الصفة المذكورة أيضاً نحو أحْيَا وَاسْتَحْيا، كراهة لاجتماع يَاءَيْنِ، وإن اختلفا صورة، إلا فِي نَحْوَ يَحْيَى ورَيَّى عَلَمَيْنِ،
وكذا ما أشبههما، فإنه يكتب بالياء، فرقاً بين العلم وغيره، والعلم بالياء أولى، لكونه أقل فيحتمل فيه الثقل. قوله " وأما الثالثة " أي: الألف الثالثة. قوله " ومنهم من يكتب الباب كله " أي: جميع باب المقصورة: ثالثة كانت، أو رابعة، أو فوقها، عن الياء كانت أو عن غيرها، بالألف على الأصل، وقد كتبت الصلاة والزكاة بالواو، دلالة على ألف التفخيم، كما مر قوله " فإن كان منوناً " أي: اسماً مقصوراً منوناً، لأن الذي في آخره ألف وهو منون لا يكون إلا اسماً مقصوراً قوله " ويتعرف الياء من الواو " لما ذكر في الثلاثي أنه يكتب بياء إن كانت ألفه عن ياء وإلا فبالألف ذكر ما يعرف به الثلاثي الواوي من اليائي قوله " بالتثنية " أي: إن سمعت، وكذا إن سمع الجمع، وغير ذلك قوله " وبالمضارع " كما مر في باب المضارع من أن الناقص الواوي مضموم العين، واليائي مكسورها قوله " وبكون الفاء واواً " كما مر في أول باب الإعلال قوله " وإنما كتبوا لدى " وإن لم تمل بالياء لقولهم لَدَيْك قوله " لاحتمالها " لأن قلبها في كلتا تاءً مشعرٌ بكون اللام واو كما في أخت، قال المصنف: وإمالتها تدل على الياء، لأن الكسرة لاتمال لها ألف ثالثة عن واو، وقد مر الكلام عليه في باب الإمالة قوله " غير بلى " وذلك لإمالتها قوله " وإلى وعلى " وذلك لقولهم: إليك، وعليك، وأما حَتَّى فللحمل على إلى والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي العربي وآله الأطياب، وسَلَّم تسليماً كثيراً
قد اعتمدنا في تصحيح هذا الكتاب - سوى جميع النسخ المطبوعة - على نسخة خطية فرغ ناسخها من كتابتها في شهر صفر الخير من عام سبع وخمسين وسبعمائة، وقد وجد بآخر هذه النسخة ما نصه: " والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد وعترته الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا، وفق الله تعالى لاتمام تصنيفه في ربيع الاول سنة ثمان وثمانين وستمائة بالحضرة الشريفة المقدسة الغروية على مشرفها أفضل التحية والسلام ". فنهاية تأليف هذا الشرح هي سنة وفاة الشارح رحمه الله، وبين كتابة النسخة التى اعتمدنا عليها في تصحيح الكتاب ووفاة المؤلف تسعة وستون عاما. والله الموفق والمستعان، وهو وحده الذى يجزى المحسنين
قد تم - بعون الله تعالى، وحسن توفيقه - مراجعة الجزء الثالث من كتاب " شرح شافية ابن الحاجب " للعلامة رضى الدين الاسترابادي، وتحقيقه، والتعليق عليه، في ستة أشهر آخرها ليلة الاثنين المبارك الموافق 24 من شهر رمضان قوله " وإلى وعلى " وذلك لقولهم: إليك، وعليك، وأما حَتَّى فللحمل على إلى والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي العربي وآله الأطياب، وسَلَّم تسليما كثيرا
قد اعتمدنا في تصحيح هذا الكتاب - سوى جميع النسخ المطبوعة - على نسخة خطية فرغ ناسخها من كتابتها في شهر صفر الخير من عام سبع وخمسين وسبعمائة، وقد وجد بآخر هذه النسخة ما نصه: " والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد وعترته الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا، وفق الله تعالى لاتمام تصنيفه في ربيع الاول سنة ثمان وثمانين وستمائة بالحضرة الشريفة المقدسة الغروية على مشرفها أفضل التحية والسلام ". فنهاية تأليف هذا الشرح هي سنة وفاة الشارح رحمه الله، وبين كتابة النسخة التى اعتمدنا عليها في تصحيح الكتاب ووفاة المؤلف تسعة وستون عاما. والله الموفق والمستعان، وهو وحده الذى يجزى المحسنين
قد تم - بعون الله تعالى، وحسن توفيقه - مراجعة الجزء الثالث من كتاب " شرح شافية ابن الحاجب " للعلامة رضى الدين الاسترابادي، وتحقيقه، والتعليق عليه، في ستة أشهر آخرها ليلة الاثنين المبارك الموافق 24 من شهر رمضان المبارك عام ثمان وخمسين بعد الثلثمائة والالف من هجرة الرسول الاكرم سيدنا محمد ابن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبه ينتهى هذا الكتاب، وسنلحقه - إن شاء الله تعالى - بشرح شواهده للعلامة عبد القادر البغدادي المتوفى في عام 1093 من الهجرة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه الْعَوْنُ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد أفضل المرسلين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين وبعد، فلما فَرَغْتُ بتوفيق الله من شرح شواهد الكافية لنجم الأئمة الشيخ الرَّضي الأستراباذي (1) ، رحمه الله وتجاوز عنه، رأيتُ أن ألحق به شرح أبيات شواهد الشافية له أيضاً، وهي مائة وستة وتسعون بيتاً (2) ، لكونهما ككتاب واحد مَتْناً وشَرْحاً، فكذلك ينبغي أن يكون شرح أبياتهما وأشار إليَّ بعض الأفاضل بأن أضم إليها أبيات شرح المحقق العلامة أحمد ابن الحسن الجاربردي التي انفرد بها، لمسيس الحاجة إليها لكثرة تداولها تدريساً ومراجعة، حتى يعم النفع، وهي اثنان وخمسون بيتاً، فأجبته إلى ذلك وشرعت مسعينا بالله ذي الطَّوْل والإعانة، في يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الآخرة من سنة تسع وسبعين وألف، أسأل الله إتمامه، والنفع به، آمين
أبنية الاسم أنشد الجاربردي (ص 19) (من الرجز) 1 - فهو ذا، فَقَدْ رَجَا النَّاسُ الْغِيَرْ * مِنْ أمْرِهِمْ عَلَى يَدَيْكَ وَالثُّؤَرْ (1) مِنْ آلِ صَعْفُوقٍ وَأتْبَاعٍ أُخَرْ * الطَّامِعِينَ لا يبالون الغمر (2) على أن صَعْفُوقاً على فَعْلُول بالفتح نادر، وهو الذي قَلَّ وجوده وإن كان على القياس، والشاذ: هو الذي على خلاف القياس، وإن كان كثيراً، والضعيف: هو الذي في ثبوته كلام قال الإمام أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي في كتاب المعربات: صعفوق اسم أعجمي، وقد تكلمت به العرب، يقال: بنو صعفوق خَوَلٌ باليمامة، وقال العجاج: * فهو ذا لقد رجا الناس الغير * إلى آخر الأبيات، وقال يخاطب عمر بن عبيد الله بن معمر " هوذا " أي الأمر هو الذي ذكرته من مدحى لعمر، " والغير ": أي رجوا أن يتغير أمرهم من فساد إلى صلاح بإمارتك ونظرك في أمرهم وَدَفْعَ الخوارج عنهم، والثؤر: جمع ثُؤْرَةٍ، وهو الثأر، أي أمّلوا أن تثأر بمن قتلت الخوارج من المسلمين انتهى، ونقله الجاربردى وعمر بن عبيد الله هذا كان عبد الملك بن مروان وَلاَّه حَرْبَ أبي فُدَيْكٍ الحروري، فأوقع به، وأراد العجاج تحقير أمر الخوارج، فوصفهم بأنهم سوقة
وعبيد، وأتباع، اجْتمعوا إلى (أبي) فُديك، وليسوا ممن يقاتل على حسب ويرجع إلى دين صحيح ومنصب، والرواية هنا " فهو ذا فقد رجا " بسكون هاء (1) فهو، ومعناه خذا أبا فديك، فهو هذا قد أمكنك، والناس قد رجوا أن يغير الله هذه الحال على يديك، ويثأر لهم من الخوارج، والثؤرة بالهمزة كعُقْدة، وجمعها ثؤر كعُقَد، بمعنى الثأر أيضاً بالهمز، ويسهل، وَهو الحقد، يقال: ثأرت القتيل، وثأرت به، من باب نفع، إذا قتلت قاتله، وقد جمعهما الشاعر فقال (من الطويل) : طَلَبْتُ بِهِ ثَأْري فَأدْرَكْتُ ثؤرثى * بَني عَامِرٍ هَلْ كُنْتُ فِي ثُؤْرَتِي نِكْسا (2) والنكس - بالكسر -: الضعيف العاجز، والغير - بكسر ففتح - اسم من قولك: غيرت الشئ تغييراً، ويأتي جمع غِيرَةٍ أيضاً، بمعنى الدية، وليس هذا بمراد هنا، يقال: غارنى الرجل يغيرني: أي أعطاني الدية، والاسم الْغِيَرة بالكسر وجمعها غِير، قال هُدْبَةُ بن الْخَشْرَم (من البسيط) : لَنَجْدَعَنَّ بِأَيْدِينَا أُنُوفَكُمُ * بَنِي أمَيَّةَ إنْ لَمْ تَقْبَلُوا الْغِيرَا قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: بنو صَعْفوق كانوا يخدمون السلطان باليمامة، كان معاوية بن أبي سفيان قد صَيَّرَهُمْ بها، وقال الأصمعي: صعفوق قرية باليمامة، كان ينزلها خَوَلُ السلطان، وقال ابن الأعرابي: يقال هو صَعْفَقِي فيهم، والصعافقة: قوم من بقايا الأمم الخالية باليمامة ضلت أنسابهم، وقيل: هم الذين يشهدون الأسواق ولا بضائع لهم فيشترون ويبيعون ويأخذون الأرباح، انتهى *
وفي العباب قال الليث: الصعافقة خَوَلٌ لبني مروان أنزلهم اليمامة (1) ، ومروان بن أبي حَفْصَةَ منهم، ولا يجئ في الكلام فَعْلُول إلا صعفوق، والصعافقة قوم يشهدون السوق للتجارة وليس لهم رءوس أموال، فإذا اشترى التجار شيئاً دخلوا معهم، الواحد منهم صَعْفَقِي وصَعْفَق، وجمعهم صعافقة وصعافيق. قال: والصَّعْفوق: اللئيم من الرجال، وهم الصعافقة، كان آباؤهم عبيداً فاستعربوا، قال العجاج: * من الصَّعَافيق وأتباع أخر * (و) قال أعرابي: ما هؤلاء الصعافقة حَوْلَكَ؟ ويقال: هم بالحجاز مسكنهم، وهم رُذَالَةُ الناس، انتهى ما قاله الليث، وقال غيره: صَعْفُوق: قرية باليمامة قد شُقَّ فيها قناة يجرى منا نهر كبير، وبعضهم يقول صعفوق بالهاء، وصعفوق لا ينصرف للعجمة والمعرفة ووزنه نادر، انتهى كلام العباب. واعلم أن العرب إذا عربت كلمة أعجمية لا تلتزم إلحاقها بأوزانهم، بل قد تلحقها وهو الأكثر، وقد تتركها على حالها فلا تلحقها، قال سيبويه في الاسم المعرب من العجم وهم ما عدا العرب: ربما ألحقوه بأبنية كلامهم، وربما لم يلحقوه، وذكر مما ألحق بأبنيتهم قولهم درهم بهرج، وما لم يلحق نحو آجُرّ وفِرند وإبريسم، وتحقيقه أن تلك الكلمة المعربة لا تخلو من أن تكون مغيرة بنوع تصرف من تبديل وتغيير حركة، أولا تكون مغيرة أصلاً، وعلى كل من التقديرين لا تخلو من أن تكون ملحقة بأبنيتهم، أولا، فالأقسام أربعة: أحدها ما لم تتغير ولم تكن ملحقة كخراسان، وثانيها ما لم تتغير ولكن كانت ملحقة كَخُرَّم، وثالثها ما تغيرت ولكن لم تكن ملحقة بها كآجُرٍّ، ورابعها ما تغيرت وكانت ملحقة بها كدِرْهَم وَصَعْفوق من القسم الثالث، وليست بكلمة فارسية إذ الصاد والقاف مهجوران في لغة الفرس، إلا إن كانا في كلمة دخيلة في لغتهم. وفي قوله " من آل صعفوق " إشكال من جهة إضافة " آل " فإنهم قالوا:
إنها لا تضاف إلا لمن له شرف وخطر، وصعفوق قد عرفت حاله، ولا يرد هذا عَلَى الرواية الأخرى، وهي * من الصعافيق وأتباع أخر * وأبو فُدَيْك المذكور بضم الفاء وفتح الدال، وهو أبو فديك عبد الله بن ثور من بني قيس بن ثعلبة الخارجي، كان أولاً من أتباع نافع بن الأزرق رئيس الخوارج، ثم صار أميراً عليهم في مدة ابن الزبير، وكان الخوارج متغلبين عَلَى البحرين وما والاها، فلما كانت سنة اثنتين وسبعين من الهجرة بعث خالد بن عبد الله أمير البصرة أخاه أمية بن عبد الله في جند كثيف على أبي فديك إلى البحرين، فهزمه أبو فديك، فكتب إلى عبد الملك بن مروان بذلك، فأمر عبد الملك عمر بن عبيد الله ابن معمر أن يندب الناس مع أهل الكوفة والبصرة ويسير إلى قتاله، فانتدب معه عشرةُ آلاف، وسار بهم حتى انتهوا إلى البحرين، فالتقوا، واصطفوا للقتال، فحمل أبو فديك وأصحابه حَمْلة رجل واحد فكشفوا الميسرة، ثم رجع أهل الميسرة وقاتلوا واشتد قتالهم حتى دخلوا عسكر الخوارج، وحمل أهل الميمنة حتى استباحوا عسكر الخوارج، وقتلوا أبا فديك وستة آلاف من أصحابه، وأسروا ثمانمائة، وذلك في سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، كذا في تاريخ النويري والعجاج: شاعر راجز إسلامي قد ترجمناه في الشاهد الواحد والعشرين من شواهد شرح الكافية وأنشد الشارح، وهو الشاهد الثاني، للحماسي (من البسيط) (1) : 2 - نَحْوَ الأُمَيْلِحِ مِنْ سَمْنَان مُبْتَكِراً * بِفِتْيَةٍ فيهِم الْمَرَّارُ وَالحَكَمُ على أنه لا دليل في منع صرف سَمْنَان فيه على كونه فَعْلاَن، لجواز كونه فعلالاً، وامتناع صرفه لكونه علم أرض، وفيه رد على الجار بردى في زعمه أن
منع الصرف للتعريف والزيادة، وإنما يدل على كونه فعلان ما سيجئ من أن التضعيف في الرباعي والخماسي لا يكون إلا زائداً، إلا أن يُفْصَل أحد المثلين بحرف أصلى كزلزال. والحماسي: منسوب إلى كتاب الحماسة، وهو مجموعة أشعار من شعر الجاهلية والإسلام انتقاها واختارها أبو تمَّام حبيب بن أوس الطائي الشاعر المشهور، وقد وقع الإجماع من النقاد على أنه لم يتفق في اختيار المقطعات أنْقَى (1) مما جمعه أبو تمام في كتاب الحماسة، وَلا في اختيار المقصدات أو في مما دوَّنه المفضل في المفضليات، وقد رتب أبو تمام ما اختاره على ثمانية أبواب: أولها باب الحماسة، وآخرها باب الملح، وقد اشتهر تسميته بالجزء الأول منه، والحماسة: الشجاعة، وقد جرت عادة المصنفين إذا استشهدوا بشئ مما فيه أن يقولوا قال الحماسي، ونحوه، والمراد الشاعر المذكور في كتاب الحماسة، تنويهاً برفعة ما فيه من الأشعار، فإن جميع ما فيه مما يصح به الاستشهاد، ولأنه قد يتعذر أولا يحضر معرفة قائله فينسب إليه. والبيت المذكور من قصيدة طويلة في الحماسة لزياد بن منقذ العدوي (2) التميمي، ولم يقل غير هذه القصيدة، ولم يقل أحد مثلها في جودة جميع أبياتها، وكان قد نزل بصنعاء (اليمن) فاجتواها ولم توافقه فَذَمَّها في هذه القصيدة، ومدح بلاده وأهله، وذكر اشتياقهُ إلى قومه وأهله وإلى وطنه ببطن الرُّمَّةِ (3) وهو واد بنجد، وقبل البيت:
ياليت شعرى متى أغدوا تُعَارِضُنِي * جَرْدَاءُ سابِحَةٌ أوْ سَابِحٌ قُدُمُ (1) تمنى أن يكون في بلاده راكباً ذاهباً إلى الأُمَيْلح مع أخويه وأصحابه، وَالْجَرْدَاءُ: الفرس القصيرة الشعر، وقصر الشعر في الخيل محمود، لأنه إنما يكون في كرائمها، والفرس السابحة: اللينة الْجَري لا تتعب راكبها كأنها تسبح في سيرها وجريها، وَالْقُدُم - بضمتي القاف والدال - بمعنى المتقدم يوصف به المذكر والمؤنث. ومعارضة الخيل: أن تخرج عن جادّة الطريق فتذهب في عرضها لنشاطها، وقوله " نَحْوَ الأُمَيْلِح إلخ " نحو بمعنى جهة وجانب، وهو ظرف متعلق بأغدو، والأميلح على وزن مصغر الأملَح. قال ياقوت في معجم البلدان وتبعه الصاغاني في العباب: هو ماء لبني ربيعة الجوع (2) ، وأنشد هذين البيتين لزياد بن منقذ المذكور، وقالا: (و) المرَّار والحكم أخواه (3) وَسَمْنان من ديار الشاعر بنجد، وقال الشراح: هو ماء لبني ربيعة، وليس كما قالوا، بل الماء هو الأُمَيْلِح، وفي القاموس: سَمْنَان بالفتح موضع، وبالكسر بلد، وبالضم حبل، وليست هذه الكلمة في الصحاح، وقال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: سَمْنَان كَسَكْران مدينة بين الري ونيسابور، وسُمْنان بالضم جبل في ديار بني أسد، وقال أبو حاتم: في ديار بني تميم، انتهى. وهذا الضبط مخالف لشراح الحماسة فإنهم ضبطوه بالفتح كما هنا، ومُبْتكراً: حال من فاعل أغدو: أي ذاهباً في بُكرة النهار، وهي أوله، وصلته محذوفة: أي نحو
الأميلح، ويجوز أن يكون من " ابتكرت إلى الشئ " أي أسرعت إليه، كما يقال: بكَّرْت إليه تبكيراً، وبَكَرْت إليه بُكوراً، من باب قعد، والباء في قوله " بفتية " بمعنى (مع) متعلقة بمتبكرا. والفتية: جمع فتيّ، على وزن غَنِيٍّ، وهو الشاب القوي، كصبية جمع صبيّ وعِلْيه جمع علي، ويجوز أن يكون جمع فَتىً كعصاً، وهو الشاب، والمَرَّار بفتح الميم وتشديد الراء، والْحَكَمُ بفتحتين. و" من سمنان " حال من الأميلح، وقد نسب جماعة هذه القصيدة إلى المرَّار، وهذا البيت يَرُدُّ عليهم، وبطن الرمة قال أبو العلاء المعري: يُروى بتشديد الميم وتخفيفها، وهو واد بنجد، وقال ياقوت: الرمة بالتخفيف ذكره أبو منصور في باب ورم وخففه ولم يذكر التشديد، وقال: بطن الرمة واد معروف بعالية نجد وقال السكوني: هو منزل لاهل البصرة إذا أرداوا المدينة، بها يجتمع أهل الكوفة والبصرة، وقد أطال عليه وأطاب وزياد بن منقذ شاعر إسلامي من معاصري الفرزدق وجرير، وقد ترجمناه مع أخيه المرار، وشرحنا أبياتاً من هذه القصيدة في الشاهد التاسع والسبعين بعد الثلاثمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث (من الطويل) : 3 - جرئ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ * سَرِيعاً، وَإِنْ لاَ يُبْد بِالظُّلْمِ يَظْلِمِ على أن " يُبْدَ " أصله يبدأ بالهمز، فقلبت الهمزة ألفاً لانفتاح ما قبلها، ثم حذفت للجازم، وهو إن، قال أبو جعفر النحوي في شرح معلقة زهير بن أبي سُلْمَى ونقله الخطيب التبريزي في شرحه: قوله " وإن لايبد بالظلم " الأصل فيه الهمزة، من بدأ يبدأ، إلا أنه لما اضطر أبدل من الهمزة ألفاً، ثم حذفت (1) الالف للجزم
وهذا من أقبح الضرورات، وحكى (عن) سيبويه أن أبا زيد قال له: من العرب من يقول قرَيتُ في قرأتُ، فقال سيبويه: فكيف أقول في المستقبل؟ قال: تقول اقرأ، فقال سيبويه: كان يجب أن تقول أقْرِي، حتى يكون مثل رميت أرمي، وإنما أنكر سيبويه هذا لأنه إنما يجئ فَعَلْت أفْعَلُ إذا كانت لام الفعل أو عينه من حروف الحلق، ولا يكاد يكون هذا في الألف، إلا أنهم قد حكوا أبي يأبى، فجاء على فَعَلَ يَفعَل، قال أبو إسحق (قال إسماعيل بن إسحاق) (1) إنما جاء هذا في الألف لمضارعتها حروف الحلق، فشبهت بالهمزة، يعني فشبهت بقولهم قرأ يقرأ انتهى و " جرئ " بالجر صفة لأسد في بيت (2) قبله، المراد به حُصَيْن بن ضَمْضم، ويجوز رفعه ونصبه على القطع، و " يُظْلَمْ " و " يُبْدَ " كلاهما بالبناء للمفعول، و " يعاقب " و " يظلم " كلاهما بالبناء للفاعل، والجرئ، ذو الجراءة والشجاعة، يقول: هو شجاع متى ظُلم عاقب الظالم بظلمه سريعاً، وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهاراً لعزة نفسه وجراءته، وسريعاً حال أو صفة مصدر: أي يعاقب عقاباً سريعاً وهذا البيت من معلقة زهير المذكور، وقد شرح ما قبله وما بعده وسبب نظمها في الشاهد السادس والخمسين بعد المائة، وفي الشاهد الثاني بعد الخمسمائة وزهير شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته في الشاهد الثامن (والثلاثين بعد المائة) من شرح شواهد شرح الكافية
وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع من (الطويل) 4 - رَأَيْتُ الْولِيدَ بْنَ اليزيد مباركا * شديدا بأعباء الخلافة كَاهِلُهْ على أن دخول اللام في الدُّئل علماً منقولاً من فعل مبني للمفعول، كدخولها على يزيد من قوله " الوليد بن اليزيد " وقد تكلم الشارح المحقق على لام اليزيد في باب المنادى وفي باب العلم من شرح الكافية والبيت من قصيدة لابن مَيَّادة مدح بها الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي وترجمة ابن ميادة تقدمت في الشاهد التاسع عشر من أوائل شرح أبيات شرح الكافية وأعباء: جمع عبء كالحمل وزناً ومعنى، والكاهل: ما بين الكتفين وتقدم شرحه مفصلاً في الشاهد التاسع عشر من شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس (من المنسرح) : 5 - جاءوا بجيش لو قيس معرسه * ما كَانَ إلاَّ كَمُعْرَسِ الدّئِلِ على أن الدُّئل فيه اسم جنس لدويبه شبيهة بابن عُرْس، قال الصاغاني في العباب: دَأَل يَدْألُ دَأْلاً وَدَأَلاَناً ودَأَلَى: أي ختل، قال: * وأنا أمشي الدألى حوالكا (1) *
وقال أبو زيد: هي مشية شبيهة بالختل ومشي المثقل. وذكر الأصمعي في صفة مشي الخيل الدأَلاَن مشي يقارب فيه الخطو ويُبْطَأ (1) فيه كأنه مثقل، والدئل: دويبة شبيهةٌ بابن عرس، قال كعب بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه في جيش أبي سفيان الذين وردوا المدينة في غزوة السويق وأحرقوا النخيل ثم انصرفوا (من المنسرح) : جاءوا بجيش لوفيس معرسه * ما كان إلا كمعرس الدئل عار مِنَ النَّسْلِ والثَّرَاءِ وَمِنْ * أَبْطَالِ أَهْلِ الْبَطْحَاءِ والأسَلِ قال ثعلب: لا نعلم اسماً جاء على فُعِل غير هذا، قال الأخفش: وإلى المسمى بهذا الاسم نسب أبو الأسود الدؤلي إلا أنهم فتحوا الهمزة في النسبة استثقالا لتوالي كسرتين مع ياءي النسب، كما ينسب إلى نَمِرٍ نَمَرِيّ، وربما قالوا أبو الأسود الدُّولي، بلا همز، قلبوا الهمزة واواً لأن الهمزة إذا انفتحت وكانت قبلها ضمة فتخفيفها أن تقلبها واواً محضة، كما قالوا في مؤن مون، انتهى. وإنما قيل لها غزوة السويق لان أبا سفيان قبل إسلامه رضى الله عنه لما غزا المدينة في مائتي راكب بعد غزوة بدر فحرق بعض نخل المدينة وقتل قوما من الانصار خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ موضعا يقال له قرقوة الكدر فقر أبو سفيان، وجعل أصحابه يلقون مزاود السويق يتخففون للفرار، فسميت غزوة السويق وقوله " لو قيس معرسه " هو من القياس والتخمين، والمعرس - بضم الميم وفتح الراء - مكان النزول من آخر الليل، والاشهر فيه معرس - بتشديد الراء
المفتوحة - يقال: عرس تعريسا، إذا نزل آخر الليل، وصف جيش أبى سفيان بالقلة والحقارة، يقول: لو قدر مكانهم عند تعريسهم كان كمكان هذه الدابة عند تعريسها. والنسل: الولد، والثراء: الكثرة، وأهل البطحاء: قريش، وهم الذين ينزلون الشعب بين جبلى مكة، وهم قريش البطاح، وقريش الظواهر: الذين ينزلون خارج الشعب، وقريش البطاح أكرم من قريش الظواهر، والاسل: الرماح وكان أبو سفيان نذر بعد بدر أن لا يمس رأسه ماء حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم، قال صاحب الاغانى: قال أبو سفيان وهو يتجهز من مكة المكرمة خارجا إلى المدينة المنورة أبياتا من شعر يحرض فيها قريشا (من المنسرح) : كروا عى يثرب وجمعهم * فان ما جمعوا لكم نفل إن يك يوم القليب كان لهم * فان ما بعده لكم دول آليت لا أقرب النساء ولا * يمس رأسي وجلدي الغسل حتي تبيروا قبائل الاوس * والخزرج إن الفؤاد مشتعل فأجابه كعب بن مالك رضى الله عنه (من المنسرح) : يا لهف أم المستمحين على * جيش بن حرب بالحرة الفشل جاءوا بجيش لو قيس معرسه * ما كان إلا كمعرس الدئل عار من النصر والثراء ومن * أبطال أهل النكاء والاسل والنكاء: بمعنى النكاية وكعب بن مالك الانصاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدمت ترجمته في الشاهد السادس والستين من شواهد (شرح) الكافية. وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس (من الطويل) : 6 - وحب بها مقتولة حين يقتل
على أن فَعُل الذي فيه معنى التعجب يقال (فيه) فعل كما هنا، فان حب بضم الحاء أصلها حبب بفتح العين حول فتح عينه إلى الضم للمدح والتعجب، فصار حبب، ثم نقلنا ضمة العين إلى الفاء بعد حذف حركتها فصار حب، بضم الحاء، ويجوز حذف ضمة العين دون نقلها فيصير حب بفتح الحاء، والباء في " بها " زائدة، والضمير فاعل حب، وهو راجع إلى الخمر، و " مقتولة " حال منه، والقتل: مزج الخمر بالماء حتى تذهب حدتها، فكأنها قتلت بالماء، وهذا عجز، وصدره: * فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها * وهو من أبيات في وصف الخمر من قصيدة للاخطل النصراني، وتقدم الكلام عليها مفصلا في الشاهد الواحد والسبعين بعد السبعمائة من شواهد (شرح) الكافية. وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) 7 - لو عصر منها المسك والبان انعصر على أنه سكن عين الفعل في الفعل المبنى للمجهول كراهة لتوالى الثقيلين في الثلاثي الخفيف، وكذا قول القطامى (من الوافر) ألم يخز التفرق جند كسرى * ونفخوا من مدائنهم فطاروا قال سيبويه في باب ما يسكن تخفيفا وهو في الاصل عندهم متحرك: وذلك قولهم في فخذ فخذ، وفى كبد كبد، وفى عضد عضد، وفى كرم كرم، وفى علم علم، وهى لغة بنى بكر بن وائل وأناس كثير من بنى تميم، وقالوا في مثل: لَمْ يُحْرَمْ مَنْ فُصْدَ له، وقال أبو النجم: * لو عصر منها المسك والبان انعصر * يريد عصر
وإنما حملهم على هذا أنهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح إلى المكسور والمفتوح أخف عليهم فكرهوا أن ينتقلوا من الاخف إلى الاثقل، وكرهوا في في عصر الكسرة بعد الضمة كما يكرهون الواو مع الياء في مواضع، ومع هذا إنه بناء ليس من كلامهم إلا في الموضع من الفعل، فكرهوا أن يحولوا ألسنتهم إلى الاستثقال، انتهى كلامه وقال الاعلم في شرح شواهده: الشاهد في تسكين الثاني من عصر طلبا للاستخفاف، وهى لغة فاشية في تغلب بن وائل، وأبو النجم من عجل، وهم من بكر بن وائل، واستعمل لغتهم، ووصف شعرا يتعهد بالبان والمسك ويكثر فيه منهما حتى لو عصرا منه لسالا، انتهى وبهذا يعلم أن في نسبة هذه التفريعات إلى تميم تقصيرا من الشارح المحقق، رحمه الله وقوله " إن أبا النجم تميمي " لا أصل له، فانه من بكر بن وائل، فان أبا النجم شاعر إسلامى، واسمه الفصل بن قدامة بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن عبدة بن الياس بن العوف بن ربيعة بن عجل بن لجيم بن صعب بن على بن بكر ابن وائل، وقد ترجمناه في الشاهد السابع من شواهد شرح الكافية، وهذا البيت من رجز له يصف فيه امرأة بكثرة الطيب، وقبله: كأنما في نشرها إذا نشر * فغمة روضات تردين الزهر هيجها نضح من الطل سحر * وهزت الريح الندى حتى قطر لو عصر منها البان والمسك انعصر النشر: الرائحة الطيبة، " ونشر " بمعنى أنتشر، والفغمة بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة بعدها ميم: الرائحة التى تملا الانوف، ولا تكون إلا من الطيب، يقال منه: فغمتني رائحة الطيب، إذا سدت خياشيمك، شبه رائحة المرأة الطيبة برائحة
الروضات، وجملة " تردين الزهر " صفة لروضات: أي لبسن النور كالرداء، وعنده يكون كمال طيب الروضات، والروضة: الموضع المعجب بالزهور، قيل: سميت بذلك لاستراضة المياه السائلة إليها: أي لسكونها بها، والزهر بفتح الهاء وسكونها: النور، قالوا: ولا يسمى النور زهرا حتى يستقيم ويتفتح، وقال ابن قتيبة: حتى يصفر، وقبل التفتح هو برعوم، وأزهر النبت: أخرج زهره، و " هيجها " الضمير للروضات بتقدير مضاف: أي هيج رائحتها، يقال: هاج الشئ يهيج هياجا بالكسر وهيجان: ثار، وهجته، يتعدى ولا يتعدى، وهيجته بالتشديد مبالغة، وهذا من تمام وصف الروضات، فانه يزداد طيبها بما ذكره، و " نضح " فاعل هيجها، والنضح بالحاء المهملة: الرش، والطل: المطر الضعيف، وسحر: منصوب على الظرفية، وسكن على لغة ربيعة، وهزت: حركت، وقوله " لو عصر منها " الضمير للمرأة التى تغزل فيها، وقال الجواليقي في شرح أدب الكاتب: قيل: بل الضمير في منها يعود إلى الروضة، أي المسك ينعصر من الروضة، هذا ما نقله، وهو بعيد، وروى " لو عصر منه " بتذكير الضمير، كما رواه سيبويه، فالضمير راجع إلى الفرع المذكور قبل في قوله: بيضاء لا يشبع منها من نظر * خود يغطى الفرع منها المؤتزر والخود بفتح الخاء المعجمة: الجارية الناعمة، والجمع خود بالضم، والفرع بفتح الفاء وآخره عين مهملة: شعر الرأس بتمامه، والمؤتزر: محل الازار، وهو الكفل حيث يعقد الازار، وقوله " البان " نائب الفاعل لعصر على تقدير مضاف: أي دهن البان، وقوله " والمسك " الواو بمعنى أو، ولهذا قال " انعصر " بالافراد، ولم يقل انعصرا، بضمير التثنية، ورواه ابن جنى في المنصف وهو شرح تصريف المازنى: * لو عصر البان يوما لا نعصر * وعلى هذا الرواية لا إشكال فيه، والمسك: معروف، معرب مشك بالفارسية، بضم الميم وسكون الشين المعجمة، وانعصر: سال وجرى بالانعصار
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن (من الطويل) 8 - وَمَا كُلُّ مُبْتَاعٍ وَلَوْ سَلفَ صَفْقُهُ * بِرَاجِعِ مَا قَدْ فَاتَهُ برداد على أن أصله سلف بفتح اللام، وتسكين العين المفتوحة شاذ ضرورة، قال سيبويه في ذلك الباب: وأما ما توالت فيه الفتحتان فإنهم لا يسكنون منه، لان الفتح أخف عليهم من الضم والكسر، كما أن الالف أخف من الواو والياء، وذلك نحو جمل وحمل ونحو ذلك، انتهى وقد أورده ابن عصفور في كتاب الضرائر، فقال: فأما نقص الحركة فمنه حذفهم الفتحة من عين فعل مبالغة في التخفيف، نحو قول الراجز (من الرجز) على محالات عكسن عكسا * إذا تسداها طلايا غلسا يريد غلسا، وقول الاخر (من الطويل) * وما كل مغبون ولو سلف صفقه * يريد سلف، وقول الاخر (من الطويل) وقالوا ترابى فقلت صدقتم * أبى من تراب خلقه الله آدم يريد خلقه الله، وقول أبى خراش (من الطويل) ولحم امرئ لم تطعم الطير مثله * عشية أمسى لا يبين من البكم يريد من البكم، انتهى وقد تكلف له ابن جني في شرح تصريف المازنى فقال: هذا من الشاذ عند أصحابنا، ويحتمل عندي وجها (آخر) (1) وهو أن يكون مخففا من فعل مكسور العين، ولكنه فعل غير مستعمل، إلا أنه في تقدير الاستعمال وإن لم ينطق به، كما أن قولهم تفرقوا عباديد وشماطيط كأنهم قد نطقوا فيه بالواحد من (هذين) (2) الجمعين
وإن لم يكن مستعملا في اللفظ، وكأنهم استغنوا بسلف هذا المفتوح عن ذلك المكسور أن ينطقوا به غير مسكن، وإذا كانوا قد جاءوا بجموع لم ينطقوا لها بآحاد مع أن الجمع لا يكون إلا عن واحد، فأن يستغنى (بفعل) عن فعل من لفظه ومعناه وليس بينهما إلا فتحة عين هذا وكسرة عين ذلك أجدر، وأرى أنهم استغنوا بالمفتوح عن المكسور لخفة الفتحة، فهذا ما يحتمله القياس، وهو أحسن من أن تحمل الكلمة على الشذوذ ما وجدت لها ضربا من القياس (1) فإن قلت: فإنا لم نسمعهم يقولون يسلف بفتح اللام فما تنكر أن يكون هذا يدل على أنهم لا يريدون سلف على وجه، إذ لو كان مرادا عندهم لقالوا في مضارعه يسلف، كما أن من يقول قد علم فيسكن عين الفعل لا يقول في مضارعه إلا يعلم فالجواب أنهم (لما) لم ينطقوا بالمكسور على وجه واستغنوا عنه بالمفتوح صار عندهم كالمرفوض الذى لا أصل له، وأجمعوا على مضارع المفتوح (2) ، هذا كلامه والبيت من قصيدة للاخطل النصراني، وعدتها ستة عشر بيتا، وهذا أولها، ويليه: أتغضب قيس أن هجوت ابن مسمع * وما قطعوا بالعز باطن وادى وكنا إذا احمر القنا عند معرك * نرى الارض أحلى من ظهور جياد كما ازدحمت شرف نهال لمورد * أبت لا تناهي دونه لذياد وقد ناشدته طلة الشيخ بعدما * مضت حقبة لا ينثنى لنشاد
رأت بارقات بالاكف كأنها * مصابيح سرج أوقدت بمداد وطلته تبكى وتضرب نحرها * وتحسب أن الموت كل عتاد وما كل مغبون ولو سلف صفقه البيت وقوله " أتغضب قيس " الخ ابن مسمع - بكسر الميم الاولى وفتح الثانية، هو مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب أحد بنى قيس بن ثعلبة، وقوله " وما قطعوا " وصفهم بالذل، والواو ضمير قيس باعتبار الحى والقبيلة، وقوله " وكنا إذا احمر القنا " أي بدم القتلى، وصف قومه بزيادة الشجاعة في أنهم يرغبون في المجالدة بالسيوف وهم مشاة أكثر من التطاعن بالقنا على ظهور الخيل، وقوله " كما ازدحمت شرف - الخ " يقول: نحن نقع على الموت ونزدحم عليه كما تزدحم الابل العطاش على مورد ولا تنتهى عنه بطرد، والشرف بالضم: جمع شارف، وهى الناقة المسنة، والنهال: جمع ناهلة اسم فاعل من النهل بفتحتين، وهو العطش، ويأتى بمعنى الرى أيضا، وليس بمراد هنا، وذياد: مصدر ذاد الراعى إبله عن الماء يذودها ذودا وذيادا، إذا منعها، وقوله " وقد ناشدته - الخ " أي تسأله وتقسم عليه، والطلة بفتح الطاء المهملة: الزوجة، والحقبة بكسر الحاء المهملة: المدة، ولا ينثنى: لا ينزجر، ونشاد: مصدر ناشده مناشدة ونشادا، وقوله " رأت بارقات " أي رأت سيوفا لامعة كالسرج التى أمدت بمداد من الدهن، وقوله " وطلته تبكى " أي زوجته تبكى عليه، والنحر: الصدر، وهو في الاصل موضع القلادة من الصدر، وقوله " وتحسب أن الموت - الخ " قال جامع ديوانه السكرى: يقول: تحسب أن الموت بكل فج وطريق، وكل ما هيأته لشئ وأعددته فهو عتاد بالفتح، وقوله " وما كل مبتاع - الخ " المبتاع: المشترى، ورواية السكرى وابن قتيبة في في أدب الكاتب " وما كل مغبون " من غبنه في البيع والشراء غبنا -
من باب ضرب - مثل غلبه، فانغبن، وغبنه: أي نقصه، وغبن بالبناء للمفعول فهو مغبون: أي منقوص في الثمن أو غيره، كذا في المصباح، وسلف بمعنى مضى ووجب، والهاء في " صفقه " ضمير المبتاع والمغبون، قال السكرى: وصفقه إيجابه البيع، والصفق: مصدر صفق البائع صفقا، إذا ضرب بيده على (يد) صاحبه عند المبايعة بينهما، وقوله " براجع ما قد فاته " رواه السكرى بالباء فتكون زائدة في خبر ما النافية، وراجع اسم فاعل مضاف إلى " ما " الواقعة على المبيع أو الثمن، ورواه غيره " يراجع " بالمثناة التحتية على أنه مضارع من الرجوع (1) ، وما مفعوله، وفاعله ضمير المغبون أو المبتاع، وقوله " برداد " الباء للسببية متعلقة براجع أو بيراجع، والرداد بكسر الراء مصدر راد البائع صاحبه مرادة وردادا، إذا فاسخه البيع قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: ذكر ابن قتيبة أن هذا البيت للاخطل، ولم أجده في ديوان شعره الذى رواه أبو على البغدادي، ولعله قد وقع في رواية أخرى، انتهى والاخطل شاعر نصراني من بنى تغلب، كان معاصرا للفرزدق وجرير، وقد ترجمناه في الشاهد الثاني والسبعين من أوائل شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع (من الرجز) 9 - فَبَاتَ مُنْتَصْباً وَمَا تكردسا * إذا أحس نبأة توجسا على أن أصله منتصبا بكسر الصاد فسكنت، وكذا قولهم " أراك منتفخا " أصله منتفخا بكسر الفاء، وهو اسم فاعل من انتصب بمعنى قام ووقف، وأورده الشارح المحقق في باب الابتداء أيضا، وكذا أورده أبو على في كتاب نقض الهاذور، وابن جنى في كتاب الخصائص، قال: ومما أجرى
فيه بعض الحروف مجرى جميعه قوله: - * فبات منتصبا وما تكردسا * فأجرى منتصبا مجرى فخذ فأسكن ثانيه، وعليه حكاية الكتاب أراك منتفخا انتهى وتكردس: بمعنى انقبض واجتمع بعضه إلى بعض، يريد ما سقط أعلاه إلى أسفله لانه متوجس خائف لا ينام والبيت من رجز للعجاج (1) في وصف ثور وحشى، ورواه الصاغانى في العباب: فبات منتصا، بتشديد الصاد، على أنه من المنصة: أي مرتفعا، قال في مادته: وانتصت العروس على المنصة لترى من بين النساء: أي ارتفعت، عن الليث (2) ، وأنشد هذا البيت، وأورده في باب كردس أيضا، قال: التكردس: الانقباض واجتماع بعضه إلى بعض، قال العجاج يصف ثورا: - * فبات منتصا وما تكردسا * والعجاج راجز إسلامى في الدولة الاموية، وقد ترجمناه في الشاهد الواحد والعشرين من أوائل (شرح) أبيات شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد العاشر، وهو من شواهد سيبويه (من الطويل) 10 - * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ * على أن أصله " لم يلده " بكسر اللام، فسكنت وفتحت الدال، قال (3) سيبويه: ومما أشبه الاول فيما ليس على ثلاثة أحرف قولهم: أراك متنفخا،
تسكن الفاء، تريد منتفخا، فما بعد النون بمنزلة كبد، ومن ذلك قولهم انطلق فيفتحون (1) القاف لئلا يلتقى ساكنان، كما فعلوه ذلك بأين وأشباهها، حدثنا بذلك الخليل عن العرب، وأنشد (نا) بيتا وهو لرجل من أزد السراة عَجِبْتُ لِمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ ابٌ * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ وسمعناه من العرب كما أنشده الخليل، ففتحوا الدال كيلا يلتقى ساكنان، وحيث أسكنوا موضع العين حركوا الدال، انتهى قال الاعلم (2) : أراد يلده فسكن اللام المكسورة تخفيفا كقولهم في علم علم فسكنت لامه قبل ساكن الجزم، وتحركت الدال لالتقاء الساكنين بحركة أقرب المتحركات إليها، وهى الفتحة، إذ الياء مفتوحة، وحمل الدال عليها غير معتد باللام (3) الساكنة، لانها حاجز غير حصين وقوله " عجبت لمولود - الخ " أراد بالمولود عيسى بن مريم عليهما السلام، وأراد بذى ولذ آدم عليه السلام، وبعده: وذى شامة سوداء في حر وجهه * مجللة لا تنقضي لاوان ويكمل في تسع وخمس شبابه * ويهرم في سبع مضت وثمان وأراد من هذين البيتين القمر، وقد شرحنا هذه الابيات بأكثر مما هنا في باب الترخيم من شرح شواهد شرح الكافية الماضي وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي عشر (من الكامل)
11 - يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ * زَيَّافَةٍ مِثْلِ الفنيق المكدم على أن أصله ينبع، وتولدت الالف من إشباع فتحة الباء، وفاعل ينباع ضمير الرب - بضم الراء - وهو شبيه الدبس، وهو في بيت قبله (1) شبه العرق السائل من رأس هذه الناقة وعنقها برب يترشح، وعرق الابل أسود، والذفرى بكسر الذال المعجمة والقصر: الموضع الذى يعرق من الابل خلف الاذن، والغضوب: الناقة الصعبة الشديدة، شبهت بالغضوب من الانسان، والجسرة بفتح الجيم: الناقة الماضية في سيرها، وقيل: الضخمة القوية، والزيافة: المتبخترة في مشيها، مبالغة زائفة، من زاف زيفا - بالزاى المعجمة - إذا تبختر في مشيه، والفنيق، بفتح الفاء وكسر النون: الفحل المكرم الذى لا يؤذى ولا يركب لكرامته، والمكدم: اسم مفعول قياسه أن يكون من أكدمه، لكنهم لم ينقلوا إلا كدمه ثلاثيا من الباب الاول والثانى، قالوا: الكدم العض بأدنى الفم كما يكدم الحمار، وروى المقرم بدله، على وزنه، وهو البعير الذى لا يحمل عليه ولا يذلل وإنما هو للفحلة (2) بكسر الفاء
وهذا البيت من معلقة عنترة، وقد شرحناه بأوفى من هذا في الشاهد الثاني عشر من أوائل شرح الكافية وأنشد الجار بردى (1) بعده، وهو الشاهد الثاني عشر (من الوافر) 12 - وأنت من العوائل حيث ترمى * ومن ذم الرجال بمتنزاح على أن الالف تولدت من إشباع فتحة ما قبلها قال ابن جني في سر الصناعة: هكذا أنشدناه أبو على لابن هرمة يرثى ابنه وقال: أراد بمنتزح، فأشبع فتحة الزاى، انتهى وقال الصاغاني في العباب: وانتزح: ابتعد، وأنت بمنتزح من كذا: أي ببعد منه، قال إبراهيم بن على بن محمد بن سلمة بن عامر بن هرمة يمدح بعض القرشيين وكان قاضيا لجعفر بن سليمان بن على: فأنت من الغوائل حيث تنمى (2) * ومن ذم الرجال بمنتزاح إلا أنه أشبع فتحة الزاى فتولدت الالف، هكذا أنشده بعض أهل اللغة، وفى شعره " بمستراح " فلا ضرورة، انتهى والغوائل: جمع غائلة، وهى الفساد والشر، وقال الكسائي: الغوائل: الدواهي، وترمى بالبناء للمفعول مسند إلى ضمير الغوائل، وكذا تنمى يقال: نمى الشئ ينمى، من باب رمى، نماء، بالفتح والمد، أي كثر، وفى لغة ينمو نموا، من باب قعد، ويتعدى بالهمزة والتضعيف وابن هرمة بفتح الهاء وسكون الراء المهملة بعدها ميم: شاعر من مخضرمي الدولتين، وهو آخر من يستشهد بكلامه
وقد ترجمناه في الشاهد الثامن والستين من أوائل شواهد شرح الكافية وأنشد الجاربردى (1) أيضا بعده، وهو الشاهد الثالث عشر (من البسيط) والشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكى عليك نجوم الليل والقمرا على أن تبكى للمغالبة، ونجوم الليل مفعولة، وهى مغلوبة بالبكاء، فان الشمس غلبت النجوم بكثرة البكاء، ثم حكى قولين آخرين: أحدهما نصب النجوم بكاسفة، ثانيهما نصبها على المفعول معه، بتقدير الواو التى بمعنى مع، والوجه الاول نقله عن الجوهرى، ولم يتعرض له ابن بري في أماليه على صحاحه ولا الصفدي في حاشيته، وقال الصاغاني في العباب: وكسفت الشمس تكسف كسوفا وكسفها الله، يتعدى ولا يتعدى، قال جرير يرثى عمر بن عبد العزيز: فالشمس كاسفة، ليست بطالعة * تبكى عليك نجوم الليل والقمرا هكذا الرواية: أي أن الشمس كاسفة تبكى عليك الدهر، والنحاة يروونه مغيرا، وهو * الشمس طالعة ليست بكاسفة، أي ليست تكسف ضوء النجوم مع طلوعها، لقلة ضوئها وبكائها عليك، انتهى فكاسفة على روايته بمعنى منكسفة، من الفعل اللازم، وجملة " تبكى " خبر بعد خبر، أو صفة لكاسفة، وقوله " الدهر " أي: أبدا أشار به إلى أن نصب النجوم على الظرف كما يأتي بيانه، وأشار إلى أن قوله ليست بطالعة بمعنى كاسفة، إذ المراد من طلوعها إضاءتها، فإذا ذهب نورها فكأنها غير طالعة
وقد تبعه صاحب القاموس فرواه كروايته، وقال: " أي كاسفة لموتك تبكى أبدا، ووهم الجوهرى فغير الرواية بقوله * فالشمس طالعة ليست بكاسفة * وتكلف لمعناه " انتهى وقوله " تكلف لمعناه " يعنى أنه جعله من باب المغالبة، وتغليط الجوهرى في الرواية المذكورة غير جيد، فإنها رواية البصريين، وما صححه تبعا لصاحب العباب رواية الكوفيين. قال ابن خلف في شرح شواهد سيبويه: اختلف الرواة في هذا البيت، فرواه البصريون * الشمس طالعة ليست بكاسفة * ورواه الكوفيون * الشمس كاسفة ليست بطالعة * ورواه بعض الرواة بنصب النجوم، وبعض آخر برفعها، وقد اختلف أصحاب المعاني وأهل العلم من الرواة وذوو المعرفة بالاعراب من النحاة في تفسير وجوه هذه الروايات وقياسها في العربية، ومن روى * الشمس طالعة ليست بكاسفة * فإنه استعظم أن تطلع ولا تنكسف مع المصاب به، ومثل هذا قول الاخر (هو لليلى بنت طريف الخارجية ترثى أخاها الوليد) (من الطويل) أيا شجر الخابور مالك مورقا * كأنك لم تجزع على ابن طريف ومعناه عند بعضهم تغلب ببكائها عليك نجوم الليل، وفى هذا التأويل وجهان: أحدهما أن يراد بالنجوم والقمر حقيقتهما ادعاء، ثانيهما أن يراد بهما سادات الناس والاماثل، وقال آخرون: " نجوم " مفعول تبكى من غير اعتبار المغالبة، والمعنى أن الشمس تبكى عليك مدة نجوم الليل والقمر، فنصب على الظرف، وحكى عن العرب لا أكلمك سعد العشيرة: أي زمانه، وقال جماعة: إن نجوم الليل منصوبة بكاسفة، والقمر معطوف عليها، وهذا أشهر الاجوبة وأقربها مأخذا، والمعنى أن الشمس لم تقو على كسف النجوم والقمر لاظلامها وكسوفها، انتهى كلام ابن خلف
وممن رواه كذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد (1) ، وقال: يقول إن الشمس طالعة وليست بكاسفة نجوم الليل لشدة الغم والكرب الذى فيه الناس وكذا رواه الاخفش المجاشعى في كتاب المعاياة، وقال: أراد الشمس طالعة ولا ضوء لها، فترى مع طلوعها النجوم بادية لم يكسفها ضوء الشمس، فليست بكاسفة نجوم الليل والقمر وكذا رواه اللبلى في شرح فصيح ثعلب، وقال: يعنى أن الشمس طالعة ليست مغطية نجوم الليل والقمر وهؤلاء الثلاثة جعلوا نجوم الليل منصوبة بكاسفة وكذا رواه السيد المرتضى (2) في أماليه ونقل في نصب النجوم ثلاثة أقوال: أولها نصبهما بكاسفة، وقال: أراد أن الشمس طالعة وليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر، لان عظم الرزء قد سلبها ضوءها، فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب، ثانيها: أن نصبها على الظرف، قال: كأنه أخبر بأن الشمس تبكيه ما طلعت النجوم (وظهر القمر) (3) ثالثها: على المغالبة، وهو أن يكون القمر والنجوم باكين الشمس على هذا المرثى المفقود، فبكتهن أي غلبتهن بالبكاء وكذا رواه المبرد في (4) الكامل " الشمس طالعة " وقال: وأما قوله نجوم
الليل والقمر ففيه أقاويل كلها جيد، فمنها أن تنصب (1) نجوم الليل (والقمرا بقوله) بكاسفة، يقول: الشمس طالعة ليست بكاسفة نجوم الليل والقمر، وإنما تكسف النجوم (والقمر) بإفراط ضيائها، فإذا كانت من الحزن عليه قد ذهب ضياؤها ظهرت الكواكب، ويجوز أن يكون نجوم الليل والقمر أراد بهما الظرف، يقول تبكى (الشمس) عليك مدة نجوم الليل والقمر كقولك تبكى عليك الدهر والشهر، وتبكى عليك الليل والنهار يافتى، ويكون (1) تبكى عليك (الشمس) النجوم كقولك: أبكيت زيدا على فلان، وقد قال في هذا المعنى (أحد المحدثين شيئا مليحا وهو) أحمد أخو أشجع السلمى، يقوله لنصر بن شبث العقيلى، وكان أوقع بقوم من بنى تغلب بموضع يعرف بالسواجين (من الكامل) : لله سيف في يدى نصر * في حده ماء الردى يجرى أوقع نصر بالسواجين ما * لم يوقع الجحاف بالبشر أبكى بنى بكر على تغلب * وتغلبا أبكى على بكر ويكون تبكى عليك نجوم الليل والقمر على أن تكون الواو في معنى مع، وإذا كانت كذلك فكأن قبل الاسم (الذى يليه أو بعده) فعل، انتصب لانه في المعنى مفعول وصل إليه الفعل فنصبه، ونظير ذلك استوى الماء والخشبة، لانك لم ترد استوى الماء واستوت الخشبة ولو أردت ذلك لم يكن إلا الرفع، ولكن التقدير ساوى الماء الخشبة، انتهى كلامه، ولم يذكر معنى المغالبة فيه قال ابن السيد فيما كتبه عليه: الوجه الاول (هو) أصح في المعنى، وهو أن ينصب نجوم الليل والقمر بكاسفة، لان في هذا إخبار بأن الشمس قد ذهب نورها
لفرط الحزن فلم تمنع الدرارى من النجوم أن تظهر، وهذا هو الذى يذكره الشعراء عند تهويل الرزية بالمفقود، انتهى وطالعته في نسختين صحيحتين جدا من الكامل مضبوطة بالرفع على الخبرية، وجملة " ليست بكاسفة " صفة لطالعة، وجملة " تبكى " خبر ثان وزعم الفيومى في المصباح (1) أن طالعة وتبكى حالان، فانه قال: في البيت تقديم وتأخير، والتقدير الشمس في حال طلوعها وبكائها عليك لبست تكسف النجوم والقمر لعدم ضوئها، هذا كلامه وقال ابن خلف: يجوز أن تكون جملة " تبكى " حالا إما من الشمس أو من التاء في ليست (2) كأنه قال: ليست في حال بكاء، وقد تكون سادة مسد خبر ليس، انتهى والوجه الاول مأخوذ من كلام ابن السيد في شرح أبيات المعاني، وهو إنما يتمشى على مذهب سيبويه القائل بجواز مجئ الحال من المبتدأ، والوجه الثاني فاسد، لان بكاءها بيان لكسفها النجوم، والوجه الثالث خطأ معنى وإعرابا (3) وقول المبرد " يجوز أن يكون أراد بهما الظرف " يريد أن الشاعر أقامهما مقام مصدر محذوف هو المراد به معنى الظرف، فكأنه قال: دوام نجوم الليل والقمر: أي في مدة دوامهما، فحذف المضاف وأعرب المضاف إليه باعرابه، ويكون
مراده من النجوم الدهر، ومن القمر الشهر ويرد على هذا الوجه وعلى الاوجه الثلاثة الاتية وعلى وجه المغالبة أن كاسفة يكون من الفعل اللازم فلا يصح المعنى به لانه حينئذ يكون نافيا للكسوف عن الشمس في ذاتها، وإذا لم تنكسف الشمس في ذاتها فلا حزن لها على المذكور، وهو ضد ما أراده الشارح، وهذا لايرد على الوجه الاول المتعدى، فانه لم ينف عن الشمس الانكساف في ذاتها، إنما نفى عنها أن تكسف غيرها لذهاب نورها وانكسافها في ذاتها ويجاب بمنع جعله من اللازم، فيكون من المتعدى، ويقدر له مفعول محذوف، وتقديره ليست بكاسفة شيئا، فحذف للتعميم، والمعنى يدل عليه، كما تقول: زيد (غير) ضارب وقول ابن السّيد فيما كتبه على الكامل " إن قدر كاسفة بمعنى منكسفة صح الوجه الاول فقط " غير صحيح، فتأمل، ويريد بالوجه الاول النصب على الضرف، وبما ذكرنا ظهر وجه رجحان نصب النجوم بكاسفة على غيره، وهو منشأ من صوب رواية والشمس كاسفة وقول المبرد " ويكون تبكى عليك النجوم كقولك أبكيت زيدا على فلان " يريد أن تبكى في البيت بضم (1) التاء مضارع أبكاه على فلان بمعنى جعله باكيا عليه ويرد على هذا أيضا أن الا بكاء على الشئ كالبكاء عليه سببهما الحزن، ونفى الكسوف مناقض لذلك، ويجاب بما ذكرنا
وقول المبرد " ويكون تبكى عليك نجوم الليل والقمرا على أن تكون الواو في معنى مع " يريد رفع النجوم بتبكى والواو بعدها بمعنى مع، ولم يذكر أبو حيان في الارتشاف غير هذا الوجه في البيت، قال فيه: قال الاستاذ أبو على: إذا كان العطف نصا على معنى مع وكان حقيقة في المعنى ضعف النصب، كقولك: قام زيد وعمرو، فهذا لا يقال بالنصب إلا إن سمع، ومنه: - * تبكى عليك نجوم الليل والقمرا * أي مع القمر، انتهى وقال ابن الملا في شرح المغنى: وأما تجويز رفع النجوم على أنها فاعل تبكى ونصب القمر على أنه مفعول معه فانه وإن صح معناه لكنه يؤدى إلى عدم ارتباط المصراع بالاول، وألا يكون للمصراع الاول معنى يناسب المقام إلا على رواية * فالشمس كاسفة ليست طالعة * هذا كلامه، وهو مختل من وجوه: الاول: كيف جاز له أن يقول " وإن صح معناه " مع قوله " لا يكون للمصراع الاول معنى يناسب المقام " وهل هو إلا تناقض؟ الثاني قوله " يؤدى إلى عدم ارتباط المصراع الثاني بالاول " لا مانع منه، فان جملته مستأنفة، وكاسفه بمعنى منكسفة، فيكون استعظاما لطلوع الشمس عدم انكسافها مع عظم المصيبة، فيكون أنكر طلوعها كذلك مع أن النجوم مع القمر تبكى عليه، الثالث أن ما أورده على هذا الوجه وارد على وجه المغالبة ونصب النجوم على الظرف أيضا، وقد ذكرهما هو ولم يتنبه له، الرابع: لا ينحصر معنى المصراع الاول على رواية " فالشمس كاسفة " لما ذكرنا آنفا، ولما قدمنا من تقدير المفعول ولم يذكر المبرد نصب النجوم " بتبكى " بفتح التاء لا على وجه المغالبة ولا على
غيرها، وهما قولان آخران، وقد نقلناهما، ولم يذكر أيضا نصب النجوم على حذف واو المفعول معه، وهو قول نقله ابن السيد في شرح أبيات المعاني، قال: " الرابع من الوجوه التى ذكرها النحاة في نصب النجوم، أن يكون أراد التى في معنى مع، فكأنه قال: تبكى عليك ونجوم الليل والقمر: أي مع نجوم الليل والقمر، فيكون مفعولا معه، وقد حذف الواو، وهذا أبعدها " اه، ووجه الابعدية أن هذه الواو لم يثبت حذفها ولا بأس بشرح أصل كاسفة بعد الفراغ من الاعراب، قال القيومى في المصباح: كسفت الشمس من باب ضرب كسوفا، وكذلك القمر، قاله ابن فارس والازهري، وقال ابن القوطية أيضا: كسف القمر والشمس والوجه: تغير، وكسفها الله كسفا، من باب ضرب أيضا، يتعدى ولا يتعدي، والمصدر فارق، ونقل " انكسف الشمس " فبعضهم يجعله مطاوعا، مثل كسرته فانكسر، وعليه حديث رواه أبو عبيد وغيره " انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " وبعضهم يجعله غلطا فيقول: كسفتها فكسفت هي لا غير، وقيل: الكسوف ذهاب البعض والخسوف ذهاب الكل، وقال أبو زيد: كسفت الشمس كسوفا اسودت بالنهار، وكسفت الشمس النجوم غلب ضوءها على النجوم فلم يبد منها شئ والبيت من أبيات ثلاثة لجرير قالها لما نعى إليه عمر بن عبد العزيز بن مروان رحمه الله تعالى، وهى: نعى النعاة أمير المؤمنين لنا * يا خير من حج بيت الله واعتمرا (1) حملت أمرا عظيما فاضطلعت به * وقمت فيه بأمر الله يا عمرا فالشمس طالعة ... البيت
في المصباح: " نعيت الميت نعيا، من باب نفع، أخبرت بموته، فهو منعى، واسم الفعل المنعي والمنعاة، بفتح الميم فيهما مع القصر، والفاعل نعى على فعيل، يقال: جاء نعيه أي ناعيه، وهو الذى يخبر بموته، ويكون النعى خبرا أيضا " انتهى، والنعاة: جمع ناع كقضاة جمع قاض، وأراد بأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ولى الخلافة بعهد ابن عمه سليمان بن عبد الملك في صفر سنة تسع وتسعين، فقدمت إليه مراكب الخلافة فلم يركبها، وركب فرس نفسه، ومنع من سب على كرم الله وجهه آخر الخطبة، وجعل مكانه (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) الاية (1) ، ومناقبه كثيرة ألف فيها جلدا حافلا الامام ابن الجوزى، ومات بدير سمعان سنة إحدى ومائة، وقوله " يا خير من حج الخ " أي: فقلت يا خير الخ، وقال ابن الملا: منصوب بتقدير قائلين، وقوله " حملت أمرا " هو بالبناء للمفعول وتشديد الميم، والخطاب، وأراد بالامر العظيم الخلافة، واضطلع بهذا الامر: إذا قدر عليه كأنه قويت ضلوعه بحمله، والالف في " يا عمرا " ألف الندبة، وبه استشهد ابن هشام في المغنى وفى شرح الالفية (2) ، قال المبرد في الكامل: قوله " يا عمرا ندبة، أراد يا عمراه، وإنما الالف للندبة وحدها، والهاء تزاد في الوقف لخفاء الالف، فإذا وصلت لم تزدها، تقول: يا عمرا ذا الفضل، فإذا وقفت قلت: يا عمراه، فحذف الهاء في القافية لاستغنائه عنها ". اه وجوز الاخفش المجاشعى في كتاب المعاياة أن تكون الالف هي المبدلة من ياء المتكلم، وأن يكون عمر منادى منكرا منصوبا وألفه بدل من نون التنوين،
وهذه عبارته: وإنما نصب أبو على يا عمراه أضافه إلى نفسه أو لم يضفه، وجعله نكرة، كما قال الاخر (وهو الاحوص) (من الوافر) سلام الله يا مطرا عليها * وليس عليك يا مطر السلام جعل مطرا نكرة فنصب، وقال بعضهم: هو معرفة. ولكنه لما نونه قام التنوين مقام الاضافة فنصب كما ينصب المضاف، انتهى كلامه. ونقل هذه الوجوه ابن السّيد فيما كتبه على الكامل عن الفارسى، قال: أجاز الفارسى في " يا عمرا " أن يكون أضافه إلى نفسه كما قال " هو لابي النجم) (من الرجز) * يا ابنة عما لا تلومى واهجعي * وأجاز أن يكون على معنى الندبة، وأجاز أن يكون جعله نكرة، كما قال * سلام الله يا مطرا عليها * قال: وقيل في قوله " يا مطرا " إنها معرفة، ولكنه لما نونه قام التنوين مقام الاضافة فنصبه كما ينصب المضاف، وهو قول عيسى بن عمر، انتهى وقوله " فالشمس طالعة - الخ " أورد المصراع الثاني صاحب الكشاف (1) في سورة الدخان عند قصة مهلك قوم فرعون وتوريث نعمهم، وهو قوله تعالى (كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والارض) قال: إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيم مهلكه: بكت عليه السماء والارض، وبكته الريح. وأظلمت له الشمس، وفى الحديث " ما من مؤمن مات في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكته (2) السماء والارض " وقال جرير: * تبكى عليك نجوم الليل والقمرا *
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل، مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه، وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الارض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل، ونفى ذلك عنهم في قوله تعالى (فما بكت عليهم السماء والارض) فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه بكت عليه السماء والارض، وعن الحسن رحمه الله فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعنى فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الارض، انتهى. وهذا ملخص من أوائل) أمالى الشريف المرتضى، وفيها زيادة، ونحن نلخص ما فيها أيضا، قال (1) : في الاية وجوه أربعة من التأويل، أولها: أن المراد أهل السماء والارض، فحذف كقوله تعالى (واسأل القرية) ، ثانيها: أنه تعالى أراد المبالغة في وصف القوم بصغر القدر وسقوط المنزلة، لان العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت: كسفت الشمس لفقده، وأظلم القمر، وبكاه الليل والنهار والسماء والارض، يريدون بذلك المبالغة في عظم الامر وشمول ضرره، قال جرير: الشمس طالعة - البيت، وقال يزيد بن مفرغ (من الكامل) الريح تبكى شجوها * والبرق يلمع في الغمامه وهذا صنيعهم في وصف كل أمر جل خطبه وعظم موقعه، فيصفون النهار بالظلام، وأن الكواكب طعت نهارا لفقد نور الشمس وضوئها، قال النابغة (من البسيط) تبدو كواكبه والشمس طالعة * لا النور نور ولا الاظلام إظلام ثالثها: أن يكون معنى الاية الاخبار عن أنه لا أحد أخذ بثأرهم، ولا انتصر لهم، لان العرب كانت لا تبكى على القتيل إلا بعد الاخذ بثأره، فكنى الله تعالى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار والاخذ بالثأر، على مذهب القوم الذين خوطبوا
بالقرآن، رابعها: أن يكون ذلك كناية عن أنه لم يكن لهم في الارض عمل صالح يرفع إلى السماء، ويطابقه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الاية قيل له: أو تبكيان على أحد؟ قال: نعم، مصلاه في الارض ومصعد عمله في السماء، وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من مؤمن إلا وله باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه " ومعنى البكاء هنا الاخبار عن الاختلال بعده، كما يقال: بكى منزل فلان بعده، قال مزاحم (من الطويل) بكت دارهم من أجلهم فتهللت * دموعي، فأى الجازعين ألوم؟ ويمكن في الاية وجه خامس، وهو أن يكون البكاء كناية عن المطر والسقيا، لان العرب تشبه المطر بالبكاء، ويكون المعنى أن السماء لم تسق قبورهم، ولم تجد على قبورهم، على مذهب العرب، لانهم يستسقون السحاب لقبور من فقدوه من أعزائهم، ويستنبتون لمواقع حفرهم والرياض، قال النابغة (1) (من الطويل) فلا زال قبر بين تبني وجاسم * عليه من الوسمى طل ووابل فينبت حوذانا وعوفا منورا * سأتبعه من خير ما قال قائل وكانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام ومسألة الله لهم الرضوان، والفعل
الذى أضيف إلى السماء وإن كان لا تجوز إضافته إلى الارض فقد يصح بتقدير فعل، فيكون المعنى أن السماء لم تسق قبورهم وأن الارض لم تعشب عليها، وكل هذا كناية عن حرمانهم رحمة الله ورضوانه، انتهى. وجرير شاعر إسلامى، ترجمناه في الشاهد الرابع من أوائل شرح الكافية وأنشد بعده (من الطويل) 6 - * وحب بها مقتولة حين تقتل * على أن أصل حب حبب بكسر العين، ثم نقل إلى فعل بضم العين للمدح والتعجب، ثم حذفت الضمة وأدغم، فصار " حب " بفتح الحاء، ويجوز نقل الضمة إليها كما تقدم قال الصاغانى في العباب: تقول: ما كنت حبيبا ولقد حَبِبْتَ بالكسر: أي صرت حبيباً، قال الاصمعي: قولهم " حب بفلان إلى " معناه ما أحبه إلى، وقال الفراء: معناه حبب بضم الباء، ثم أسكنت وأدغمت في الثانية، انتهى وقال ابن مالك في التسهيل: وقد يرد حب بضم الحاء بنقل ضم العين إلى الفاء. قال: وكذا كل فعل حلقي الفاء مراد به مدح أو تعجب: أي نحو حسن الرجل أدبا، فتقول: حسن الرجل أدبا ولم أعرف وجه تقييد الشارح المحقق حب المنقول إلى المدح بكونه من حبب بكسر العين، مع أن أصل المنقول إلى المدح والذم يجوز أن يكون عينه مضموما أو مفتوحا أو مكسورا، سواء كان من فعل لازم أو متعد، وقد جاء حب متعديا من بابين، فإنه يقال: حببته أحبه، من باب ضرب، والقياس أحبه بالضم، لكنه غير مستعمل، ويقال: حببته أحبه من باب تعب، كما في المصباح، فيجوز نقل أحدهما إلى فعل بضم العين للمدح والباء في " بها " زائدة، والضمير فاعل حب، وقد تقدم شرحه في الشاهد السادس
وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع عشر، 14 - بعد ما متأملي وهو قطعة من بيت وهو (من الطويل) قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتِي بَيْنَ ضَارِجٍ * وَبَيْنَ الْعُذَيْبِ بَعْدَما مُتَأَمَّلِي على أنه يجوز على أحد التأويلين أن يكون أصله بعد بضم العين أصالة. ألحق بفعل المدح والتعجب ثم حذفت الضمة تخفيفا، والتأويل الثاني فيه أن يكون سكون العين أصليا، وتكون بعد ظرفا، لا فعل مدح وتعجب قال الرياشى: بعد هنا روى بفتح الباء، وبعد تحتمل معنيين: أحدهما أن المعنى بعد، ثم حذفت الضمة، ويجوز أن يكون المعنى بعد ما تأملت، انتهى، فما على هذا الوجه زائدة لا غير، " ومتأملي " مضاف إليه بعد، وعلى الوجه الاول يجوز أن تكون زائدة، و " ومتأملي " فاعل بعد وهو مضاف إلى الياء، والرفع فيه مقدر، والمخصوص بالمدح محذوف، ويجوز أن تكون اسما نكرة منصوبة المحل على التمييز للضمير المستتر في بعد، ومتأملي هو المخصوص بالمدح والتعجب، فتكون " ما " فيه كما في قوله تعالى (فنعما هي) وعلى تقدير الفعلية قد روى بضم الباء وفتحها، قال العسكري في كتاب التصحيف: رواه أبو إسحق الزيادي عن الاصمعي " بعد " مضمومة الباء، ومعناه يا بعد ما تأميلت، على التعجب، أي تثبت في النظر أين تسقى، ورواه أبو حاتم بفتح الباء، وقال: خفف بعد فأسكن العين وبقيت الباء مفتوحة، مثل كرم وكرم، انتهى. وهذا يرد على ابن مالك، فإنه نقل فيه ضمة العين إلى الفاء مع أنها ليست بحرف حلقى، وأما الشارح المحقق فانه لم يقيد في شرح الكافية جواز نقل الضم بكون الفاء حرفا حلقيا، بل أطلق، ومثل بهذا البيت بعينه، والبيت من معلقة امرئ القيس، وقبله: أصاح ترى برقا أريك وميضه * كلمع اليدين في حبى مكلل
يضئ سناه أو مصابيح راهب * أهان السليط بالذبال المفتل والهمزة للنداء، وصاح مرخم صاحب، وحذفت همزة الاستفهام بعده للضرورة، والوميض: اللمعان، واللمع: التحرك والتحريك جميعا، والحبي بالحاء المهملة وكسر الموحدة: السحاب المتراكم، سمى به لانه حبا بعضه إلى بعض: أي تراكم وجعله مكللا لانه صار كالاكليل لاسفله، ومنه قولهم: كللت الرجل، إذا توجته، ويروى " مكلل " بكسر اللام اسم فاعل من كلل تكليلا، إذا تبسم، يقول لصاحبه: يا صاحبي هل ترى برقا أريك لمعانه في سحاب متراكم صار أعلاه كالاكليل لاسفله أو في سحاب متبسم بالبرق يشبه برقه تحريك اليدين، يريد يتحرك كتحرك اليدين، وتقديره أريك وميضه في حبى مكلل كلمع اليدين شبه لمعان البرق وتحركه بتحرك اليدين، وقوله " يضئ سناه " السنا بالقصر: الضوء والسليط: الزيت، وقيل: الشيرج، والذبال: جمع ذبالة، وهى الفتيلة، ومعنى " أهان السليط " أنه لم يعزه وأكثر الايقاد به، يقول: هذا البرق يتلالا ضوءه فهو يشبه في تحركه لمع اليدين أو مصابيح الرهبان التى أميلت فتائلها بصب الزيت عليها في الاضاءة، يريد أن تحركه يحكى تحرك اليدين، وضوءه يحكى ضوء مصابيح الرهبان، فمصابيح بالجر معطوف على لمع، وقوله " قعدت له - الخ " ضارج والعذيب: مكانان، يقول: قعدت لذلك البرق أنظر من أين يجئ بالمطر، ثم تعجب من بعد تأمله. وقال الزوزنى: قعدت للنظر إلى السحاب وأصحابي بين هذين الموضعين (وكنت معهم) (1) فبعد متأملي وهو المنظور إليه: أي بعد السحاب الذى كنت أنظر إليه وأرقب مطره وأشيم برقه، يريد أنه نظر إلى هذا السحاب من مكان بعيد فتعجب من بعد نظره. انتهى وترجمة امرئ القيس تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين من شواهد شرح الكافية، وتقدم شرح هذا البيت أيضا في الشاهد السبعين بعد السبعمائة منه
وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس عشر، وهو من شواهد سيبويه (1) (من الطويل) 15 - وَقَفْتُ عَلى رَبْعٍ لمَيَّةَ نَاقَتِي * فما زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وَأُخَاطِبُهْ وَأُسْقِيهِ حتى كادمما أبثه * تكلمني أحجاره وملاعبه على أن " أسقيه " بمعنى أدعو له بالسقيا، مضارع أسقاه قال سيبويه (1) ، وقالوا: أسقيته في معنى سقيته فدخلت على فعلت، ثم أنشد البيتين، قال أبو الحسن الاخفش في شرح (2) نوادر أبى زيد: قالوا في أسقاه الله، إنه في معنى سقاه الله، وأنشدوا قول لبيد (من الوافر) سقى قومي بنى مجد وأسقي * نميرا والقمائل من هلال قال الاصمعي: هما يفترقان، (وهذا الذى أذهب إليه) (3) فمعنى سقيته أعطيته ماء لسقيه، ومعنى أسقيته جعلت جعلت له ماء يشربه أو عرضته لذلك، أو دعوت له، كل هذا يحتمله هذا اللفظ، وأنشد قول ذى الرمة: * وَقَفْتُ عَلى رَبْعٍ لمَيَّةَ ناقتي * البيتين قوله " وأسقيه " أدعو له بالسقيا، وهذا أشبه بكلام العرب، وقال ابن الاعرابي: معناه أسقيه من دمعى، وهذا غير بعيد من ذلك المعنى: أي أجعل له سقيا من دمعى على سبيل الاغراق والافراط، كما قال (من الطويل) : وصلت دما بالدمع حتى كأنما * يذاب بعينى لؤلؤ وعقيق انتهى
وقال الاعلم: قوله " وأسقيه " معناه أدعو له بالسقيا، يقال: سقيته، إذا ناولته الشراب، وأسقيته (إذا جعلت له سقيا يشرب منه، وأسقيته وسقيته) (1) إذا قلت له سقيا لك، وبعضهم يجيز سقيته وأسقيته بمعنى إذا ناولته ماء يشربه، واحتج بقول الشاعر: * سقى قومي بنى مجد - البيت * والاصمعى ينكره ويتهم قائله (2) ، انتهى. وقوله " وقفت على ربع - الخ " هذا مطلع قصيدة طويلة لذى الرمة، ووقفت الدابة وقفا ووقوفا: أي منعتها عن السير، ووقفت هي أيضا، يتعدى ولا يتعدى، ووقفت الدار وقفا: حبستها في سبيل الله، وأوقفت الدار والدابة بالالف لغة تميم، وأنكرها الاصمعي، وقال: الكلام وقفت بغير ألف. وحكى بعضهم ما يمسك باليد يقال فيه أوقفته بالالف، وما لا يمسك باليد يقال وقفته بغير ألف والفصيح وقفت بغير ألف في جميع الباب، إلا في قولك: ما أوقفك ها هنا، وأنت تريد أي شأن حملك على الوقوف، فان سألت عن شخص قلت: من وقفك، بغير ألف. كذا في المصباح، والربع: الدار حيث كانت، وأما المربع فالمنزل في الربيع خاصة، ومية: اسم محبوبة ذى الرمة، وقوله " وأسقيه " معطوف على أخاطبه، " وأبثه " بفتح الهمزة وضمها، يقال: بثثته ما في نفسي وأبثثته، إذا أخبرته بما تنطوى عليه وتسره، و " الملاعب " جمع ملعب، وهو الموضع الذى يلعب فيه الصبيان وترجمة ذى الرمة تقدمت في الشاهد الثامن من أول شرح الكافية
وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس عشر، وهو من شواهد سيبويه (من البسيط) 16 - ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها * حَتَّى أَتَيْتُ أبَا عَمْرِو بْنِ عمار على أن أفتح وأغلق فيه بمعنى أفتح وأغلق بالتشديد، قال سيبويه في باب افتراق فعلت وأفعلت في الفعل للمعنى ما نصه: " وقالوا أغلقت الباب وغلقت الابواب حين كثروا العمل (1) ، وإن قلت أغلقت الابواب كان عربيا جيدا، (و) (2) قال الفرزدق: * ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها * البيت وقال أيضا في الباب الذى يليه وهو باب دخول فعلت على فعلت، الاول بالتشديد والثانى بالتخفيف " نحو كسرته وقطعته فإذا أردت كثرة العمل قلت كسرته وقطعته " إلى أن قال: " واعلم أن التخفيف في هذا حائز كله (3) عربي، إلا أن فعلت إدخالها لتبيين الكثر، وقد يدخل في هذا التخفيف، قال الفرزدق * مَا زِلْتُ أَفْتَحُ أبوابا وأغلقها * البيت وفتحت في هذا أحسن، وقد قال جل ذكره (جنات عدن مفتحة لهم الابواب) انتهى. فظهر أن كليهما مبالغة، لا في أغلقها فقط، ولهذا نبه عليهما الشارح المحقق وقال الاعلم: " الشاهد في جواز دخول أفعلت على فعلت فيما يراد به التكثير، يقال: فتحت الابواب وأغلقتها، والاكثر فتحتها وغلقتها، لان الابواب جماعة فيكثر الفعل الواقع عليها " انتهى واقتصر ابن السراج في الاصول على التنبيه على أغلقها فقط، قال: " يجئ
أفعلت في معنى فعلت، كما جاءت فعلت في معناها: أقللت وأكثرت في قللت وكثرت، وقالوا: أغلقت الابواب وغلقت، قال الفرزدق: ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها ... البيت، انتهى وأورد سيبويه هذا البيت أيضا في باب ما يذهب التنوين فيه من الاسماء (1) قال: " وتقول هذا أبو عمرو بن العلاء، لان الكنية كالاسم الغالب، ألا ترى أنك تقول: هذا زيد بن أبى عمرو، فتذهب التنوين كما تذهبه في قولك: هذا زيد ابن عمرو، لانه اسم غالب (2) ، وقال الفرزدق في أبى عمرو بن العلاء: * ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها * البيت قال الأعلم " الشاهد فيه حذف التنوين من أبى عمرو، لان الكنية في الشهرة والاستعمال بمنزلة الاسم العلم (فيحذف التنوين منها إذا نعتت بابن مضاف إلى علم كما يحذف التنوين من الاسم) (3) وأراد أبا عمرو بن العلاء بن عمار " انتهى. وزعم ابن السيرافي في شرح أبيات سيبويه أن عمارا جد من أجداده، ورد عليه الاسود أبو محمد الأعرابي في فرحة الاديب بأن عمارا جده الادنى، وليس بجد من أجداده، وهو أبو عمرو زبان بن العلاء بن عمار المازنى، من بنى مازن ابن مالك بن عمرو بن تميم، وأنشد بعد ذلك البيت بيتين آخرين، وهما: حتى أتيت فتى محضا ضريبته * مر المريرة حرا وابن أحرار ينميه من مازن في فرع نبعتها * أصل كريم وفرع غير خوار
والضريبة: الطبيعة، يعنى أنه أصل كريم لا يخالط طبعه لؤم، والمحض: الخالص الذى لا يخالطه شئ آخر، والمريرة: العزيمة، يعنى أنه شديد الانفة تعاف نفسه أن يفعل أفعالا غير عالية، وينميه: ينسبه ويرفعه، وفاعله أصل، والفرع: شريف قومه، والفرع الغصن والاعلى من كل شئ، والفرع الشجرة، والنبعة: شجرة، والفرع الثاني مقابل الاصل، وهو مأخوذ من فرع الشجرة، والخوار: الضعيف وقال بعض من كتب على أبيات سيبويه: أراد بقوله " أفتح أبوابا وأغلقها " أنى كشفت عن أحوال الناس وفتشتهم فلم أر فيهم مثل أبى عمرو وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: " الفتح والاغلاق هنا مثلان لما استغلق عليه من الامور وما انفتح، وأحسب الفرزدق يعنى أبا عمرو بن العلاء " وأقول: كأنهما لم يقفا على ما في طبقات النحاة لابي بكر محمد التاريخي فانه روى بسند إلى الاصمعي أنه قال: حدثنى أبو عمرو بن العلاء قال: دخل على الفرزدق فغلقت أبوابا ثم أبوابا، ثم فتحت أبوابا ثم أبوابا، فأنشأ الفرزدق: * مَا زِلْتُ أَفْتَحُ أَبْوَاباً وأغلقها * البيت وقال التاريخي أيضا: حدثنا أحمد بن عبيد، قال: حدثنا الاصمعي، قال: دخل الفرزدق على أبى عمرو بن العلاء وصعد إلى غرف فقال " ما زلت أفتح أبوابا " البيت وقال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالى: إن أبا عمرو بن العلاء كان هاربا من الحجاج مستترا، فجاء الفرزدق يزوره في تلك الحالة، فكان كلما يفتح له باب يغلق بعد دخوله، إلى أن وصل إليه، فأنشده هذه الابيات وترجمة الفرزدق تقدمت في شرح الشاهد الثلاثين من أوائل شواهد شرح الكافية وأبو عمر بن العلاء هو أحد القراء السبعة، كان رحمه الله من أعلم الناس بالقرآن ولغاته وتفسيره وعربيته، وكان إماما في الشعر والنحو واللغة وأيام العرب
أصله من كازرون، وولد بمكة شرفها الله تعالى سنة ثمان، وقيل تسع وستين، ونشأ بالبصرة، ومات بالكوفة سنة أربع، وقيل خمس وخمسين ومائة، واختلف في اسمه: فقيل زبان بفتح الزاى المعجمة وتشديد الباء الموحدة، وهو الصحيح، وقيل: العريان، وقيل: محبوب، وقيل: يحيى، وقيل: عيينة: وقيل اسمه كنيته، ويرده كلام سيبويه، واشتهر بأبيه العلاء، لان أباه كان على طراز الحجاج (1) ، وكان مشهورا معروفا، وجده عمار كان من أصحاب أمير المؤمنين على ابن أبى طالب، وقرأ أبو عمرو على مجاهد وعكرمة وعطاء وأبى العالية ويحيى بن يعمرو سعيد بن جبير، ويروى أنه قرأ على ابن كثير رحمه الله مع أنه في درجته تتمة: قد وقع البيت في أبيات جيمية للراعي النميري وهى (من البسيط) : ومرسل ورسول غير متهم * وحاجة غير مزجاة من الحاج طاوعته بعد ما طال النجى بنا * وظن أنى عليه غير منعاج ما زال يفتح أبوابا ويغلقها * دوني وأفتح بابا بعد إرتاج حتى أضاء سراج دونه بقر * حمر الانامل عين طرفها ساج وبعده أبيات أخر أوردها الامدي في ترجمته من المؤلف والمختلف، والمبرد في أوائل الكامل وشرحها، وأراد بالمرسل نفسه، يقول: هي حاجة مكتومة إنما يرسل إلى امرأة فهو يكتمها، والمزجاة: اليسيرة، والنجى: المناجاة، جاء به على فعيل كالصهيل ومنعاج: منعطف، وأراد بالبقر النساء، والعرب تكنى عن المرأة بالبقرة والنعجة وساج: ساكن، ولا أدرى أيهما أخذه من صاحبه، والله أعلم وأنشد بعده وهو الشاهد السابع عشر (من الكامل) : 17 - * إن البغاث بأرضنا يستنسر * على أن يستنسر معناه يصير كالنسر في القوة، قال القالى في أماليه: قال الاصمعي: من أمثال العرب إن البغات الخ، يضرب مثلا للرجل يكون ضعيفا
ثم يقوى، قال القالى: سمعت هذا المثل من أبى المياس، وفسره لى فقال: يعود الضعيف بأرضنا قويا، ثم سألت عن أصل هذا المثل أبا بكر بن دريد فقال: البغاث ضعاف الطير، والنسر أقوى منها، فيقول: إن الضعيف يصير كالنسر في قوته، انتهى وفى الصحاح: قال ابن السكيت: البغاث طائر أبغث إلى الغبرة دوين الرخمة بطئ الطيران، وفى المثل " إن البغاث بأرضنا يستنسر " أي من جاورنا عزبنا، وقال يونس: فمن جعل البغاث واحدا بغثان، مثل غزال وغزلان ومن قال للذكر والانثي بغاثة فالجمع بغاث، مثل نعامة ونعام، وقال الفراء: بغاث الطير شرارها ومالا يصيد منها، وبغاث وبغاث وبغاث ثلاث لغات وكتب ابن برى على ما نقله عن ابن السكيت: هذا غلط من وجهين: أحدهما أن البغاث اسم جنس واحده بغاثة مثل حمام وحمامة، وأبغث صفة، بدليل قولهم أبغث بين البغثة، كما تقول أحمر بين الحمرة، وجمعه بغث، مثل أحمر وحمر، وقد يجمع على أباغث لما استعل استعمال الاسماء، كما قالوا أبطح وأباطح، والثانى أن البغاث ما لا يصيد من الطير، وأما الابغت من الطير فهو ما كان لونه أغبر، وقد يكون صائدا وغير صائد، انتهى وهو مصراع من الشعر، ولم أقف على تتمته بعد التتبع وبذل الجهد، والله أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن عشر (من الرجز) 18 - إِنِّي أَرَى النّعَاسَ يَغْرَنْدَيني * أَطْرُدُهُ عنى ويسر ندينى على أن هذين الفعلين قد جاءا متعديين في الظاهر، والاصل يغرندى علي، ويسرندى علي، أي يغلب ويتسلط، وحمل ابن هشام في المغنى تعديهما على الشذوذ، وقال: ولا ثالث لهما، وقال ابن جني في شرح تصريف المازني: افعليت على ضربين: متعد وغير متعد، فالمتعدى نحو قول الراجز:
قد جعل النعاس يغرندينى * أدفعه عنى ويسرندينى وغير المتعدى نحو قولهم: احر نبى الديك، انتهى. وتبعه السخاوى في سفر السعادة فقال: السرندى هو الجرئ الشديد، ومنه قولهم: اسرنداه، إذا ركبه، وأنشد الرجز، وكذا في الصحاح، قال: اسرنداه اعتلاه، والاسرنداء: الاغرنداء، والمسرندى: الذى يعلوك ويغلبك، وأنشد الرجز، ولم يتعرض له ابن بري في أماليه عليه بشئ، ولا الصفدي في حاشيته عليه، وقلما خلا عن هذا الرجز كتاب من علم الصرف، ومع ذلك لم يعرف قائله، والله أعلم. المضارع وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع عشر: 19 - بُنَتْ على الْكَرَمِ هو قطعة من بيت وهو (من المنسرح) : نَسْتَوْقِدُ النبل بالحضيض ونصطاد * نُفُوساً بُنَتْ عَلَى الْكَرَمِ على أن أصله بنيت، وطئ تفتح قياساً ما قبل الياء إذا تحركت الياء بفتحة غير إعرابية، فتنقلب الياء ألفاً، وكانت طرفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار بُنَاتْ فحذفت الألف لالتقاء الساكنين قال ابن جني في إعراب الحماسة: هذه لغة طائية، وهو كثير، إلا أنه ينبغي أن تعْلم أن الكسرة المبدلة في نحو هذا فتحةً مُبَقَّاة الحكم غير مَنْسِية ولا مطروحة الاعتداد بها، ألا ترى أن من قال في بَقِيَ بَقَا وفى رضى رضا لا يقول في مضارعه إلا يَبْقَى ألبتة، ولو كان الفعل مبنياً على فَعَل أو مُنْصَرِفاً به عن إرادة فَعِلَ معنى كما انصرف به عنه لفظاً لوجب أن تقول في رَضَا: يَرْضُو، كما تقول في غَزَا: يغزو، وفي فَنَا يفْنُو، لأنه عندي من الواوي، وذلك أنه من معنى الْفِناء للدار وغيرها، إلى آخر ما ذكره
وهذا البيت قبله بيت وهو (من المنسرح) : نَحْنُ حَبَسْنَا بَنِي جَدِيلَةَ فِي * نَارٍ مِنَ الْحَرْبِ جَحْمَةِ الضَّرَمِ نستوقد النبل إلخ وأوردهما أبو تمام في أوائل الحماسة (1) ، ونسبهما إلى بعض بني بولان من طى، وبَوْلان - بفتح الموحدة وسكون الواو - علم مرتجل من البَوْل. قال أبو العلاء المعري: يجوز أن يكون اشتقاقه من البال، وهو الخلد والحال، وجَدِيلة - بفتح الجيم - حي من طي، وهو المراد هنا، وجديلة حي من الأزد أيضاً، وحي من قيس عيلان أيضاً، وجحمة - بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة - مصدر جَحَمَت النار، فهي جاحمة: أي اضطرمت والتهبت، ومنه الجحيم، والضرم - بفتحتين - التهاب النار، وقد ضَرِمَت واضطرمت وتضرمت. يقول: حبسنا هؤلاء القوم على نار من الحرب شديدة الاضطرام والالتهاب وقوله " نستوقد النبل: إلخ " نستوقد بالنون، والنَّبل - بفتح النون - السهام مفعولُهُ، يقول: تنفذ سهامنها في الرَّمِيَّة حتى تصل إلى حضيض الجبل فتخرج النار، لشدة رمينا وقوة سواعدنا، ونصيد بها نفوساً مبنية على الكرم، يعني أنا نقتل الرؤساء، وهذا من فصيح الكلام، كأنه جعل خروج النار من الحجر عند ضربهم النبل له استيقاداً منهم لها، والحضيض: قرار الجبل وأسفله، وروي " تستوقد النبل " (2) بالمثناة الفوقية، والنبل فاعله، وروى أبو محمد
الأعرابي فيما نقض به على أبي عبد الله النمري أول شارح للحماسة هذين البيتين لرجل من بني الْقَيْن على وجه لا شاهد فيه، وهو كذا نستوقد النبل بالحضيض ونقتاد * نفوساً صِيْغَتْ على كرم قال: وهذا البيتان لرجل من بَلْقين، وسبب ذلك أن القين بن جَسْر وطيئاً كانوا حُلَفَاء، ثم لم تزل كلب بأوس بن حارثة حتى قاتل القين يوم مَلَكَان (1) فحبستهم بنو القين ثلاثة أيام ولياليها، لا يقدرون على الماء، فنزلوا على حكم الحارث بن زهدم أخي بني كنانة بن (2) القين، فقال شاعر القين يومئذ هذين البيتين، انتهى. وأنشد بعده، وهو الشاهد العشرون (من الرمل) 20 - لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيْلِي مَا الذي * غاله في الحب حتى وَدَعَهْ على أن ماضي يدع، وهو ودع، لم يستعمل إلا ضرورة، وبالغ سيبويه فقال: (3) " أماتوا ماضي يدع " أي لم يستعملوه، لا في نثر ولا في نظم، وقالوا أيضاً: لم يستعمل مصدره ولا اسم فاعله ولا اسم مفعوله، مع أن الجميع قد ورد، فالأقرب الحكم بالشذوذ، لا بالإماتة، ولا بالضرورة، كما قال ابن جني في المحتسب، قال: قرأ (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ) خفيفة النبي صلى الله عليه وسلم، وعروة بن الزبير، وهذه قليلة الاستعمال
وقال الصاغانى في العباب: وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم أصل هذه اللغة فيما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ (ما ودعك) مخففة، وكذلك قرأ عروة ومقاتل وأبو حَيْوَة وإبراهيم وابن أبي عبلة ويزيد النحوي، انتهى وقال ابن الأثير في النهاية عند حديث " لينتهين أقوام عن ودعتهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم " أي: عن تركهم إياها والتخلف عنها، يقال: ودع الشئ يَدَعُهُ وَدْعاً، إذا تركه، والنحاة يقولون " إن العرب أماتوا ماضي يدع ومصدره، واستغنوا عنه بترك " والنبي عليه السلام أفصح، وإنما يحمل قولهم على قلة استعماله، فهو شاذ في الاستعمال فصيح في القياس، وقد جاء في غير حديث، حتى قرئ (به (1)) قوله تعالى (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وما قلى) بالتخفيف، انتهى وكذا في التقريب لنور الدين محمود ابن صاحب المصباح أحمد بن محمد الفيومي، قال: ودعت الشئ وَدْعاً تركته، وقرئ (مَا وَدَّعَكَ ربك) مخففاً ومنه " مَنْ وَدَعَه الناس لشره " و " عَنْ وَدْعهم الجمعات " وقوله " غير مُوَدَّع ربنا ولا مكفور (2) " أي غير متروك ولا مفقود، يريد الطعام، أو المراد الله تعالى أي غير متروك الطاعة أو غير متروك الطلب إليه والسؤال منه، كما قال " غير مستغنى عنه "، وبكسر الدال أي غير تارك طاعتك ربنا، وقيل: هو من الوداع، انتهى وقال أبوه في المصباح: ودعته أدعه وَدْعاً، تركته، وأصل المضارع الكسر، ومن ثَمَّ حذفت الواو، ثم فتح لمكان حرف الحلق، قال بعض المتقدمين: وزعمت النحاة أن العرب أماتت ماضي يدع ومصدره واسم الفاعل، وقد قرأ مجاهد وعروة ومقاتل وابن أبي عبلة ويزيد النحوي (ما ودعك ربك) بالتخفيف،
وفي الحديث " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات " أي عن تركهم، فقد رويت هذه الكلمة عن أفصح العرب ونقلت من طريق القراء فكيف يكون إماتة، وقد جاء الماضي في بعض الأشعار، وما هذه سبيله فيجوز القول بقلة الاستعمال، ولا يجوز القول بالإماتة، انتهى وقد روى الماضي (1) في أبيات أخر: قال سويد بن أبي كاهل اليشكري يصف نفسه (من الرمل) وَرِثَ الْبِغَضَةَ عن آبائِهِ * حافظ العقل لما كان استمع فَسَعَى مَسْعَاتُهُمْ في قَوْمِهِ * ثُمَّ لَمْ يَظْفَرْ وَلاَ عَجْزاً وَدَعْ ويروى * ولا شيئاً ودع * وقال آخر (من المنسرح) وكانَ مَا قدموا لأنفسهم * أكْثَرَ نَفْعاً مِنَ الَّذي وَدَعُوا
وأما اسم الفاعل فقد جاء في شعر رواه أبو عَلِيّ (1) في البصريات، وهو (من الطويل) فَأَيُّهُمَا مَا أتْبَعَنَّ فَإِنَّنِي * حَزِينٌ عَلَى ترك الَّذِي أنَا وَادِعُ وأما اسم المفعول فقد جاء في شعر خُفَاف بن نُدْبَة الصحابي، وهو (من الطويل) إذَا ما استَحَمَّت أرْضُهُ مِنْ سَمَائِهِ * جرى وهو مودع وواعد مصدق أي: متروك لا يضرب ولا يزجر وهذا البيت من أبيات لأنس بن زنيم قالها لعبيد الله بن زياد بن سُمَيَّة وهي: سَلْ أمِيري مَا الَّذِي غَيَّرَهُ * عَنْ وِصَالِي الْيَوْمَ حَتَّى وَدَعَهْ لا تُهِنِّي بَعْدَ إكْرَامِكَ لِي * فَشَدِيدٌ عَادَةٌ مُنْتَزَعَهْ لاَ يَكُنْ وَعْدُكَ برقا خلبا * إنَّ خَيْرَ الْبَرْقِ مَا الْغَيْثُ مَعَهْ كَمْ بِجُودٍ مُقْرِفٍ نَالَ الْعُلَى * وَشَرِيفٍ بُخْلُهُ قَدْ وضَعَهْ وتقدم شرح هذه الأبيات مع ترجمة قائلها في الشاهد التاسع والثمانين بعد الأربعمائة من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادى والعشرون (من الكامل) : 21 - لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة * تدع الصَّوَادِيَ لاَ يَجُدْنَ غَلِيلاً على أن ضم الجيم من يَجُد لغة بني عامر، كما هو في هذا البيت، ومراده هذه اللفظة بخصوصها، ووجه ضعفها الشذوذ بخروجها عن القياس والاستعمال، وكسر الجيم هو القوي فيها، وقد سمع، قال السيرافي: إنهم يقولون ذلك في يجد
من الْمَوْجَدَة والْوِجْدَان، وبنو عامر في غير يجد كغيرهم، وكذا قال صاحب الصحاح، وأطلق صاحب العباب وتبعه صاحب القاموس فحكيا الضم في هذه الكلمة، ولم يذكرا بني عامر، قال السيرافي: وروى " يجدن " بالكسر في البيت، وصرح الفارابي وغيره بقصر لغة بني عامر بن صعصعة على هذه اللفظة، وكذا جرى عليه أبو الحسن بن عصفور، فقال: وشذ من فَعَل الذي فاؤه واو لفظة واحدة، فجاءت بالضم، وهي وجدَ يَجُد، قال: وأصله يَوْجِد، فحذفت الواو لكون الضمة هنا شاذة، والأصل الكسر، انتهى وزعم ابن مالك في التسهيل أن لغة بني عامر فيما فاؤه واو من المثال ضم العين: أي فيقولون: وَعَدَ يَعُد وَوَلَد يَلُدُ، ونحو ذلك، بضم العين ورده أبو حيان في الارتشاف، قال: ويجد من الموجدة والوجدان بضم الجيم شاذ، وقيل: لغة عامرية في هذا الحرف خاصة، وجَعْل ابن مالك ذلك قانوناً كلياً لغة بني عامر في كل ما فاؤه واو من فعل ليس بصحيح، انتهى وكذا اعترض عليه شراحه كابن عقيل والمرادي، ويشهد لهم قول ابن جني في سر الصناعة: ضم الجيم من يَجُد لغة شاذة (غير معتد بها (1)) لضعفها وعدم نظيرها ومخالفتها ما عليه الكافة فما هو بخلاف وضعها، وقال أيضاً في شرح تصريف المازني: فأما قول الشاعر * لا يَجُدْنَ غَلِيلاَ * فشاذ، والضمة عارضة، ولذلك حذفت الفاء كما حذفت في يَقَع وَيَزَعَ، وإن كانت الفتحة هناك لأن الكسرة هي الأصل، وإنما الفتح عارض (2) ، انتهى
وهذا التوجيه هو التوجيه الأول من توجيهي الشارح، وأما توجيهه الثاني وهو أن تكون الضمة أصلية - فيرده مجئ الكسر في هذه الكلمة كما نقلنا. والبيت الذي أنشده الشارح المحقق ليس للبيد العامري، وإنما هو لجرير، وهو تميمي، وهو في هذا تابع للجوهري، قال في صحاحه: وجد مطلوبه يجده وجودا ويجده أيضا بالضم لغة بنى عامر (1) ، لا نظير لها في باب المثال، قال لبيد وهو عامري * لو شئت قد نقع الفؤاد - البيت * قال ابن بري في أمالية على الصحاح: البيت لجرير، وليس للبيد كما زعم، وكذا نسبة الصاغاني في العباب لجرير، وأنشد هذه الأبيات الثلاثة له، وهي أول قصيدة هجا بها الفرزدق: لَمْ أرَ مِثْلَكَ يا أُمَامُ خَلِيلاً * أنْأَى بِحَاجَتِنا وأَحْسَنَ قِيلاً لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة * تدع الصوادي لاَ يَجُدْنَ غَليلا (2) بِالْعَذْبِ في رَصْفِ الْقِلاَتِ مَقِيلُهُ * قَضُّ الأَبَاطِحِ لا يَزَالُ ظَليلا (3) وأمامُ: مرخم أُمامة بضم الهمزة اسم امرأة، والخليل: الصديق، والأنثى خليلة، كذا في العباب، وإنما لم يؤنثه هنا للحمل على صديق، فإنه يقال: رجل صديق وامرأة صديق، وأنأى: وصف لخليل، وهو أفعل تفضيل من النأي،
وهو البعد، والباء متعلقة به، والقيل: القول، يريد أنها تقول ما لا تفعل، فقولها قريب حَسن مُطِمعٌ في حصول المراد، وهي أبعد بحصوله له من كل شئ، وزعم العيني أن قوله أنأى بحاجتنا من قولهم: أناءه الحمل، إذا أثقله، ونقله السيوطي في شرح أبيات المغنى، وهو غير صحيح، لأن أفعل التفضيل لا يكون إلا من الثلاثي، وكأن المراد من حسن القول قرب المأمول، ويقابله بعده، لا إثقاله، قال صاحب الصحاح: وأناءه الحمل مثال أناعه: أي أثقله، (وأماله) (1) ويقال أيضاً: ناء به الحمل، إذا أثقله، فيتعدى بالباء والهمزة، وهو من ناء ينوء نَوْءاً، إذا نهض بِجَهد ومشقة، وناء بالحمل: إذا نهض به مثقلاً، وقوله " لو شئت - إلخ " بكسر التاء خطاب لأمامة، وجملة " قد نقع الفؤاد " جواب لو، قال ابن هشام في المغني: وورد جواب لو الماضي مقروناً بقد، وهو غريب، كقول جرير * لو شئت قد نقع الفؤاد - البيت * ونظيره في الشذوذ اقتران جواب لولا بها، كقول جرير أيضاً * لَوْلاَ رَجَاؤكَ قَدْ قَتَّلْتَ أَوْلاَدِي * انتهى. و" نقع " بالنون والقاف، يقال: نقع زيد بالماء: أي ارتوى منه، وشرب حتى نقع: أي شفي غليله، والغليل - بالغين المعجمة - حرارة العطش، قال ابن بري: يقال نقع الفؤاد رَوِي، ونقع الماء العطش: أذهبه، نَقْعاً ونُقُوعاً فيهما، والماء الناقع: العذب الْمَرْوي، وقوله " بشربه " متعلق بنقع، والشربة: المرة من الشرب، وأراد به ماء ريقها، وروى بدله " بِمَشْرِب " وهو مصدر ميمي، وقوله " تدع الصوادى " فاعل تدع ضمير الشربة، ومعناه تترك، والصوادي: جمع صادية: أي الفرقة الصادية، أو هو جمع صادٍ. والصَّدى: الْعَطْش، والصادي: العطشان، يقول: لو ذاقت الفرق الصوادي من تلك الشربة
لتركتهم بلا عطش، وجملة " لا يجدن غليلا " حال من الصوادي، ومن العجيب قول نظام الأعرج في شرحه: الصوادي في البيت النخيل الطوال على ما في الصحاح، وقوله " بالعذب " متعلق بشَرْبة، والباء بمعنى من، أي بشربة من الماء العذب، وهو وصف من عَذُب الماء - بالضم - عذوبة: أي ساغ مشربه، و " في رصف " حال منه، والرصف بفتح الراء وسكون الصاد المهملتين (1) الحجارة المرصوف بعضها إلى بعض، والْقِلاَت - بكسر القاف - جمع قلتٍ بفتحها وسكون اللام - وهي النقرة في الصخرة أو الجبل يستنقع فيها ماء السماء، ومقيلة بالقاف: أي موضع الماء العذب، وهو مبتدأ، وقوله " قِضُّ الأباطح " خبره، وَالْقَضُّ - بكسر القاف وتشديد الضاد المعجمة - الحصى الصغار والأرض ذات الحصى أيضاً، وهو مضاف إلى الأباطح جمع أبطح، وهو كل مكان متسع، والماء الموصوف بهذين الوصفين يكون أصفى المياه وأطيبها وترجمة جرير تقدمت في الشاهد الرابع من أول شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والعشرون (من الرجز) : 22 - بنيتي سَيِّدَةَ الْبَنَاتِ * عِيشي وَلاَ نَأْمَنُ أنْ تَمَاتِي على أنه جاء تَمَاتُ مضارع مِتّ بكسر الميم كتخاف مضارع خِفت، وزاد ابن القطاع حرفين آخرين على ما ذكره الشارح المحقق من الحرفين، وهما كِدْتَ تَكُود وجِدْتَ تَجُودُ بكسر أول الماضي فيهما، وجاء فيهما تكاد وتجاد وبنيتي: منادى بحرف نداء مقدر، وهو مصغر بنت مضاف إلى ياء المتكلم وسيدة: بالنصب نعت له، ويجوز رفعه، وعيشي: دعاء لها بأن تعيش
وهذا الرجز كذا أنشده الجوهري في الصحاح غير معْزُوٍّ إلى قائله، ولم يكتب عليه ابن بري شيئاً في أماليه عليه، ولا الصفدي في حاشيته، وقال الصاغاني في العباب: قد مات يموت ويمات أيضاً، وأكثر من يتكلم بها طئ وقد تكلم بها سائر العرب، قال: * بُنَيّ يَا سَيِّدَةَ الْبَنَاتِ * هكذا أنشده ابن دريد، وأنشد غيره بُنَيَّتِي يا خِيْرَةَ الْبَنَاتِ * عِيشِي، وَلاَ يُؤْمَنُ أنْ تَمَاتِي ويروى " ولا يؤمن بأن (1) " ويروى " نأمَن أنْ " وقال يونس في كتاب اللغات: إن يَميت لغة فيها، انتهى وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والعشرون: (من الرجز) 23 - فإنه أهل لان يؤ كرما * على أنه شاذ، والقياس يُكْرَمَ بحذف الهمزة، وهذا المقدار أورده الجوهري في صحاحه في مادة كرم غير معزو إلى قائله، ولا كتب عليه ابن بري شيئاً في أماليه، ولا الصفدي في حاشيته عليه، وهو مشهور في كتب العربية قلما خلا عنه كتاب، وقد بالغت في مراجعة المواد والمظانّ فلم أجد قائله ولا تتمته، وقال العيني: تقدم الكلام عليه مستوفى في شواهد باب النعت وفي شواهد نوني التوكيد وأقول: لم يذكره فيهما أصلاً، فضلاً أن عن يستوفى الكلام عليه
وقال الجاربردى (1) أوله: * شَيْخٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّما * وأقول: هذا من قصيدة مرَجَّزة منها: يَحْسَبَهُ الْجَاهِلُ مَا لَمْ َيَعْلَمَا * شَيْخَاَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا لَوْ أَنَّهُ أَبَانَ أوْ تَكَلَّمَا * لَكَانَ إيَّاهُ وَلكِنْ أَعْجَمَا وقد شرحناها في الشاهد التاسع والأربعين بعد التسعمائة من آخر شواهد شرح الكافية، وليس في تلك القصيدة * فإنه أهل لان يؤ كرما * وأنشد الجاربردي (2) ، وهو الشاهد الرابع والعشرون، وهو من شواهد سيبويه (3) (من السريع) : لَمْ يَبْقَ مِنْ آيٍ بِهَا يُحَلَّيْنْ * غَيْرَ رَمَادٍ وَحُطَامٍ كِنْفَيْنْ وَغَيْرَ وَدٍّ جَاذِلٍ أوْ وَدَّيْنْ * وَصَالِيَاتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ على أن يؤثفين بالهمز شاذ، والقياس يُثْفَيْنَ جاء على الأصل المهجور لضرورة الشعر ووزنه يُؤَفْعَلْنَ بزيادة الياء والهمزة، وهذا أحد قولين، ومعناه جعلت أثافي جمع أُثْفِيَّة، وعليه فَأُثْفِيَّة أُفْعُولَة أصلها أُثْفُوية قلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الفاء لتبقى الياء على حالها، واستدلوا على زيادة الهمزة بقول العرب: ثَفَّيْتُ القدر، إذا جعلتها على الأثافي، والقول الثاني - وهو لجماعة - أن وزنه يُفَعْلَيْنَ، فالهمزة أصل ووزن أثفية على هذا فُعْلِيَّة، واستدلوا بقول النابغة (من البسيط) :
لا تَقْذِفَنِّي بِرُكْنٍ لاَ كِفَاءَ لَهُ * وَإِنْ تَأَثَّفَكَ الأَعْداءُ بالرِّفَدِ (1) فقوله تَأَثَّفَكَ وزنه تَفَعَّلَكَ لا يصح فيه غيره، ولو كان من ثَفَّيْتُ القِدْرَ لقال تَثَفَّاك، ومعنى البيت صار أعدائي حولك كالاثافى تَظَافُراً، قال ابن جني في شرح تصريف المازني: وَيُفَعْلَيْنَ أولى من يؤفعلن، لانه لا ضرورة فيه، قال أبو الفتح بن جني: يقال أثْفَيْتُ القدر وَأَثَّفْتُها وثَفَّيْتُها، إذا أصلحت تحتها الأثافي، وقال صاحب الصحاح: ثَفَّيْتُ القدر تَثْفِيَةً، وضعتها على الأثافي، وَأَثْفَيْتُها جعلت لها أثافي، وأنشد البيت وهذا الشعر لخِطَام الْمُجَاشِعِي، ونسبه الصقلي شارح أبيات الإيضاح للفارسي، والجوهري في الصحاح، إلى هِمْيَان بن قُحَافَة، وأوله: حَيِّ دِيَارَ الْحَيِّ بَيْنَ السَّهْبَيْنْ * وَطَلْحَةِ الدَّوْمِ وَقَدْ تَعَفَّيْنْ و " حَيِّ " أمر من التحية، والحي: القبيلة، والسهبان: موضع، وكذا طلحة الدوم، والنون في تَعَفَّيْنَ ضمير ديار الحي، وَتَعَفَّى بمعنى عفا اللازم. يقال: عفا المنزل يَعْفُو عُفُوّاً، إذا درس، والآي: جمع آية بمعنى العلامة. والتَّحْلِية: الوصف يقال: حَلَّيْتُ الرجل مثلاً، إذا وصفته، يقول: لم يبق من علامات حلولهم في ديارهم تُحلّيها وتصفها غير ما ذكر، ومن: زائدة، وآي فاعل، وغير منصوب على الاستثناء، وجملة يُحَلَّيْنَ صفة لآي، وبها متعلق به. والخُطَامُ بضم المهملة: ما تكسر من الحطب، والمراد به دِقُّ الشجر الذي قطعوه فظلوا به الخيام، ورماد مضاف إلى كَنْفَيْن ويجوز تنوينه، وكنف بفتح الكاف وسكون النون الناحية والجانب. وأصله بفتح النون سكنها للضرورة أي رماد من جانبي الموضع. وقيل الكِنْفُ هنا بكسر الكاف وسكون النون، وهو خرج يضع فيه
الراعي أشياءه: فيكون المعنى رماد ملء كنفين، والجاذل بالجيم والذال المعجمة المنتصب، جَذْلَ جُذُولاً: انتصب وثبت، والْوَدّ: الوتد، وأراد بالصاليات الأثافي الثلاثة التي توضع عليها القدر لأنها صليت بالنار أي أحرقت حتى اسودَّت وهي معطوفة على " حطام " أي وغير أثافي صاليات بالنار، وليست الواو واو رُبَّ كما توهمه ابن يَسْعَوْنَ. وروى بدلها " وغير سُفْع " جمع أسفع، أراد به الأثافي أيضاً لأنها قد سفعتها النار أي سودتها وغيرت لونها، وروى أيضا " وما ثلات " أي منتصبات، يقول: إن هذه الأثافي تدل على قرب عهد بالعمارة ببقائها على الحال التي وضعتها عليه أهل العمارة فكانت لذلك أجلب للشوق والتذكار، وقوله " ككما " قيل: الكاف الأولى حرف والثانية اسم بمعنى مثل، وقيل: مؤكدة للأولى، وقيل: زائدة، قال أبو علي: " ما " في ككما يجوز أن تكون مصدرية كأنه قال مثل الإثفاء، ويجوز أن تكون موصولة بمنزلة الذي، وقال ابن السيد: الكافان لا يتعلقان بشئ، فإن الأولى زائدة والثانية قد جرت مجرى الأسماء لدخول الجار عليها، ولو سقطت الأولى وجب أن تكون الثانية متعلقة بمحذوف صفة لمصدر مقدر محمول على معنى الصاليات لأنها نابت مناب مُثْفَيَات فكأنه قال: ومثفيات إثفاء مثل إثفائها حين نصبت للقدر، ولابد من هذا التقدير ليصح اللفظ والمعنى، وقد شرحنا أبياتاً أخر من هذه القصيدة وترجمنا قائلها في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة من شواهد شرح الكافية الصفة المشبهة وأنشد فيها، وهو الشاهد الخامس والعشرون، وهو من شواهد سيبويه (1) (من الرجز) 25 - * مَا بَالُ عَيْنِي كالشعيب العين *
على أنه لم يأت على فَيْعَل بفتح العين شئ من الصفة المشبهة غير حرف واحد في المعتل وهو عَيَّنٌ، قال الأعلم: الشاهد فيه بناء الْعَيَّن على فَيْعَل بالفتح، وهذا شاذ في المعتل لم يسمع إلا في هذه الكلمة وكان قياسها أن تكسر العين فيقال عَيِّن كما قيل سيِّد وهيَّن وليِّن، ونحو هذا، وهذا بناء يختص به المعتل ولا يكون في الصحيح كما يختص الصحيح بفَيْعَل مفتوحة العين نحو صَيْرَفٍ وحَيْدَرٍ، وهو كثير، انتهى وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: وجدت في نسخة من شعر رؤبة بخط أبي يعقوب إسحق بن إبراهيم بن الجنيد قرأها على أبى بكر بن دريد (وعليها خط ابن دريد وإجازته) (1) العَيِّن بكسر الياء، وقال: العين الذي قد رَقَّ (2) وتهيأ للخرق، انتهى وكذا قال ياقوت في هامش الصحاح، قال: أنشده سيبويه على فَيْعَل بفتح العين، وقال: ولم يجئ غير عَيَّن في المعتل، وهو نادر، والقياس فَيْعِل بكسر العين، والذي وجدته في شرح رجز رؤبة العين بكسر الياء ولا يجوز فتحها، انتهى. والبيت أول أرجوزة بن العجاج، وبعده (3) : وَبَعْضُ أَعْرَاضِ الشَّجُونِ الشُّجَّنِ * دَارٌ كَرَقْمِ الكَاتِبِ الُمُرَقِّنِ * بَيْنَ نَقَا المُلْقَى وَبَيْنَ الأَجْؤُن * قوله " ما بال عيني " ما استفهامية مبتدأ أو خبر مقدم، وبال خبر أو مبتدأ مؤخر، وهو بمعنى الشأن والحال، وقوله " كالشعيب " في موضع الحال، والشعيب - بفتح الشين المعجمة -
قال ابن دريد في الجمهرة: المزادة الصغيرة. قال الجواليقي في شرح أدب الكاتب: " هي في الأصل صفة غالبة، فعيل بمعنى مفعول، والعين: التي فيها عيون، فهي تسيل، وهو يشبهون خروج الدمع من العين بخروج الماء من خرز (1) المزادة، قال: كأنهما مزادتا مستعجل " انتهى وقال الجوهري " يقال: بالجلد عَيَنٌ، وهي دوائر رقيقة، وذلك عيب. تقول منه: تعين الجلد، وسقاء عين ومتعين " وأنشد البيت. وكتب ابن بري في أمالية على صحاحه: العين الجديد في لغة طئ قال الطرماح (من الطويل) قَدِ اخْضَلَّ مِنْهَا كُلُّ بَالٍ وَعَيِّنٍ * وَجَفَّ الرَّوَايا (2) بِالْمَلاَ الْمُتَبَاطِنِ انتهى. وقال الأعلم: " الشَّعيبُ: القربة، والعين: الخَلَقُ البالية، شبه عينه لسيلان دمعها بالقربة الخلق في سيلان مائها من بين خرزها لبلاها وقدمها " اه وقوله " وبعض أعراض إلخ " قال ابن السيد: دار خبر بعض، والمُرَقِّن: الذي ينقط الكتاب، والْمُلْقَى والاجؤن مكانان، كذا وجدته الملقي مضموم الميم مفتوح القاف، والأجؤن مضموم الواو مهموزاً كأنه جمع جُؤن، ووجدته في غيره الاجون مفتوح الواو غير مهموز، انتهى وترجمة رؤبة تقدمت في الشاهد الخامس من أوائل شرح الكافية: المصدر أنشد فيه، وهو الشاهد السادس والعشرون: (من البسيط)
26 - إن الخليط أجد والبين فَانْجَرَدُوا * وَأخْلَفُوكَ عِدَا الأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا على أن الفراء قال في قوله تعالى (مِّن بَعْدِ غلبهم سيغلبون) يجوز أن يكون في الأصل غلبتهم بالتاء، فحذفت التاء كما حذفت من " عدا الأمر " في البيت والأصل عدة الأمر، وهذا كلام الجوهري في الصحاح وأقول: لم يورد الفراء هذا البيت عند هذه الآية، وهذا نصه في تفسيرها " وقوله من بعد غلبهم كلام العرب غلبته غلبة، فإذا أضافا أسقطوا الهاء كما أسقطوها في قوله تعالى (وإقام الصلاة) والكلام إقامة الصلاة " انتهى. وإنما أورده عند تفسير الآية الأخرى من سورة النور قال: " وأما قوله تعالى (وإقام الصلاة) فإن المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت: أفعلت كقولك أقمت وأجبت، يقال فيه: إقامة وإجابة، ولا تسقط منه الهاء، وإنما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه العين، كان ينبغي أن يقال: إقْوَاماً فلما سكنت الواو (1) وبعدها ألف الإفعال فسكنتا فسقطت الأولى منهما فجعلوا الهاء كأنها تكثير للحرف، ومثله مما أسقط منه بعضه فجعلت فيه الهاء، قوله وعدته عدة ووجدت المال جدةً ولما أسقطت الواو من أوله كثر من آخره بالهاء وإنما استجيز سقوط الهاء من (وإقام الصلاة) لإضافتهم إياه، وقالوا: الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد، فلذلك أسقطوها في الإضافة، وقول الشاعر: * إن الخليط أجدوا البين - إلخ * يريد عدة الأمر، فاستجاز إسقاط الهاء حين أضافها " انتهى كلامه والبيت للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، قال الجوهري: الخليط: المخالط، كالنديم المنادمُ والجليس المجالسُ، وهو واحد وجمع، قال: إنَّ
* إنَّ الخليط أجدوا البين فانصرموا * وقوله " أجدوا " في العباب: وأجدَّه: صيّره جديداً، فالبين مفعوله، وهو بمعنى البعد والفراق هنا، وقوله " فانجردوا " بالجيم: أي بعدوا، في العباب: وانجرد بنا السير: أي امتد وطال، وروى بدله " فانصرموا ": أي انقطعوا عنا ببعدهم والفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، واسمه عبد العزى، ابن عبد المطلب بن هاشم، كان من شعراء الهاشميين وفصحائهم، توفي في زمن الوليد بن عبد الملك حكي أنه كان بالمدينة تاجر يسمى العقرب، وكان أمطل الناس، فعامله الفضل، وكان أشد الناس تقاضياً، فلما حل المال قعد الفضل بباب العقرب يقرع، وعقربٌ على سجيّته في المطل، فلما أعياه قال يهجوه (من السريع) : قَدْ تَجَرَتْ فِي سُوقِنَا عَقْرَبٌ * لاَ مَرْحَباً بِالْعَقْرَبِ التَّاجِرَهْ كُلُّ عَدُوٍّ كَيدُهُ فِي اسْتِهِ * فَغَيْرُ مَخْشِيّ وَلاَ ضَائِرَهْ إن عَادَتِ الْعَقْرَبُ عُدْنا لَهَا * وَكَانَت النَّعْلُ لَهَا حَاضِرَهْ وكان الفضل شديد الأُدمة ولذلك قال (من الرمل) : وَأَنَا الأَخْضَرُ مَنْ يَعْرِفُنِي * أَخْضَرُ الْجِلْدَةِ فِي بَيْتِ الْعَرَبْ مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِداً * يَمْلأُ الدَّلْوَ إلى عَقْدِ الْكَرَبْ وسمعه الفرزدق ينشد هذا الشعر فنزع ثيابه وقال: أنا أساجله، فقال له: من أنت؟ فلما انتسب له لبس ثيابه وقال (له) : والله لا يساجلك إلا من عض بأير أبيه، وهو هاشمي الأبوين، أمه بنت العباس بن عبد المطلب وإنما أتته الأدمة من قبل جدته وكانت حبشية وأنشد الجاربردي (1) وهو الشاهد السابع والعشرين (من الوافر) :
27 - بكت عين وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا * وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلاَ الْعَوِيلُ (1) وهو مطلع قصيدة في رثاء حمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم لما استشهد في غزوة أحد. واختلف في قائلها، فقيل: هي لحسان بن ثابت رضي الله عنه، وليست في ديوانه، وقال عبد الملك بن هشام في السيرة: " قال ابن إسحاق: هي لعبد الله ابن رَوَاحَة، وقد أنشدنيها أبو زيد الأنصاري (لكعب بن مالك) (2) وهؤلاء الثلاثة هم شعراء النبي صلى الله عليه وسلم " وقد أورد ابن هشام القصيدة في غزوة أحد وهذه أبيات منها بعده: عَلَى أسَدِ الإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا * أحمزة ذاكم الرجل القتيل أصبب المُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعاً * هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرَّسُولُ أيَا يَعْلَى لَكَ الأَرْكَانُ هُدَّتْ * وَأَنْتَ الْمَاجِدُ البَرُّ الْوَصُولُ عَلَيْكَ سَلاَمُ رَبِّكَ في جِنَانٍ * مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لاَ يَزُولُ ألاَ يَا هَاشِمُ الأَخْيَارُ صَبْراً * فَكُلُّ فَعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ رَسُولُ الله مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ * بِأَمْرِ الله يَنْطِقُ إذْ يَقُولُ قوله " وحق لها بكاها " أي صار البكاء لها حقاً لازماً، وحكى الأزهري: ما أغنى فلان شيئاً، بالغين والعين، أي: لم ينفع في مهم ولم يكف مؤنة. فيكون المفعول هنا محذوفا " والعويل " اسم من أعول عليه إعوالاً وهو البكاء والصراخ، وقوله " على أسد الإله " متعلق بالبكاء أو العويل على سبيل التنازع،
وأسد الله: لقب سيدنا حمزة، والألف في قوله " أحمزة " للاستفهام، و " أبو يعلى " كنيته رضي الله عنه، وأنشد الشارح وهو الشاهد الثامن والعشرون (من الرجز) : 28 - فَهْيَ تُنَزِّي دَلْوهَا تَنْزِيَّا كَمَا تُنَزِّي شَهْلَةٌ صَبِيَّا على أن مجئ المصدر المعتل اللام لفعَّل على تَفْعِيل ضرورة، والقياس أن على تَفْعِلَة كتكرمة، وأورده أبو عبيد القاسم بن سلام في الغريب المصنف في باب نعوت الخرقاء والعجوز كذا * بات ينزي دلوه تنزيا * وقال: هي الشهيرة (1) والشهلة يعني العجوز، وخص الشهلة لأنها أضعف من الشابة فهي تنزي الصبي: أي ترقصه بثقل وضعف، والمعنى هذه المرأة تحرك دلوها في الاستقاء وترفعها وتخفضها عند الاستقاء لتمتلئ تحريكاً مثل تحريك عجوز صبيها في ترقيصها إياه وقال ابن يعيش: يقال: امرأة شهلة، إذا كانت نَصَفاً وصار كالاسم لها بالغلبة، ولا يقال ذلك للرجال، وفي المصباح: نزا يَنْزُو من باب قتل، ونَزَواناً، بمعنى وثب، ويتعدى بالهمزة والتضعيف، فيقال: أنزاه إنزاء ونزاه تنزيةً، وهذا الشعر مشهور في كتب اللغة وغيرها، ولم يذكر أحد تتمته ولا قائله والله أعلم وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والعشرون (من الطويل) : 29 - بُثَيْنُ الْزَمِي " لاَ " إنَّ لاَ إن لزمته * على كثرة الواشين أي معون
على أن السيرافي قال: أصله معونة، فحذفت التاء لضرورة الشعر، وأجاز ابن جني في شرح تعريف المازني أن يكون كذا وأن يكون جمع معونة، وكذا أجاز الوجهين في مَكْرُم ومأْلُكٍ، وأورده ابن عصفور في كتاب الضرائر في ترخيم الاسم في غير النداء للضرورة والبيت من قصيدة لجميل بن عبد الله بن مَعْمَرٍ العذري. يقول: إن سألك سائل يابثين هل كان بينك وبين جميل وصل فقولي: لا، فإن فها عوناً على الواشين (و) دفعاً لشرهم، و " بثين " مرخم بثينة منادى وهو اسم محبوبته. يقول: ردي على الواشين قولهم، وإذا سألوك شيئاً فقولي: " لا " فإنهم إذا عرفوا منك ذلك انصرفوا عنك وتركوك، فيكون لزوم كلمة " لا " عوناً عليهم، و " أيُّ " دالة على الكمال مرفوعةً خبرُ إن: أي إن " لا " معونة أيُّ معونة، وبعده: وَنُبِّئْتُ قَوْماً فِيكِ قَدْ نَذَرُوا دَمِي * فَلَيْتَ الرِّجَالَ الْمُوعِدِيَّ لَقُونِي إذا ما رَأَوْنِي طَالِعاً مِنْ ثَنِيَّةٍ * يَقُولُونَ مَنْ هذَا وَقَدْ عَرَفُونِي وترجمة جميل تقدمت في الشاهد الثاني والستين من أوائل شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده وهو الشاهد الثلاثون (من الرجز) : 30 - * لِيَوْمِ رَوْعٍ أوْ فَعَالِ مَكْرُمِ * لما تقدم قبله وقال الفراء عند تفسير قوله تعالى (وَجَعَلْنَا لمهلكهم) من سورة الكهف: فأما قول الشاعر: * ليوم روع أو فعال مكرم * فإنه جمع مكرمة، ومثله قول الآخر:
* على كثرة الواشين أي معون * أراد جمع معونة، وكان الكسائي يقول: هما مَفْعُل نادران لا يقياس عليهما، وقد ذهب مذهباً، إلا أني أجد الوجه الأول أجمل للعربية مما قال، انتهى قال ابن السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق، والجواليقي (1) في شرح أبيات أدب الكاتب: قبله * وَهْوَ إذَا مَا هُزَّ لِلتَّقَدُّمِ * وقالا: يقول: إذا هُزَّ في يوم روع تقدم وقاتل، وكذا إن هَزَّ في عطاء وَجُودٍ أعطى وجاد، يصفه بالشجاعة والجود، انتهى وهُزَّ بالبناء للمفعول: من هَزَزْتهُ هزاً من باب قتل حركته فاهتز، والرَّوْع بالفتح: الفزع، الْفَعَال بفتح الفاء: الوصف الحسن والقبيح أيضاً، فيقال: هو قبيح الْفَعَال، كما يقال: هو حسن الْفَعَال، ولهذا خصصه بما بعده بالإضافة، ويكون مصدراً أيضاً، يقال: فعل فَعَالاً، كذهب ذَهَاباً، والْمَكْرُمة - بضم الراء - اسم من الكرم، وفعل الخير مكرمة: أي سبب للكرم أو التكريم، من كرم الشئ إذا نفس وعز وقال ابن السيد في شرح أبيات أدب الكاتب: البيت لأبي الأخزر الحماني، وقبله: * مَرْوَانُ مَرْوَانُ أخُو الْيَوْمِ الْيَمِي * كذا رواه سيبويه، وروى غيره: * مَرْوَانُ يَا مَرْوانُ لِليَوْمِ الْيَمِي * وقوله " الْيَمي " صفة لليوم من لفظه، كما قالوا: يوم أَيْوَمُ، وليل أَلْيل، ووزنه فَعِل على مثال حَذِر، وأصله اليَوِمُ فنقلت (2) اللام إلى موضع العين فصار الْيَمِوُ، فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها
وقال السيرافي: أصله أخُو اليومِ اليَوْمُ، كما قال الاخر (من الرجز) : * إنَّ مَعَ الْيَوْمِ أخَاهُ غدوا * فقدم الميم بضمتها إلى موضع الواو، فصار الْيَمُو، فوقعت الواو طرفاً وقبلها ضمة، فقلبت ياء، وكسر ما قبلها، كما قيل في جمع دلو أدْلٍ، فموضع اليمي على قول السيرافي رفع، وموضعه على القول الأول خفض، وهذا التأويل الذي تأوله السيرافي هو الظاهر من مذهب سيبويه، وهو تأويل لا يصح إلا على رواية من روى " أخو اليوم اليمي " وأما من رواه * مروان يا مروان لليوم اليمي * فلا يكون موضع اليمي إلا خفضاً على الصفة، وكذلك لا يمتنع أن يكون موضعهُ خفضاً على من روى " أخو اليوم اليمي " ويكون معناه أن مروان أخو اليوم الشديد الذي يُفرِّج غمه ويجلي همه، وهو أشبه بمعنى الشعر، لأن البيتين لا يلتئمان على تفسير السيرافي ومذهب سيبويه، وأنشد المبرد في كتاب الأزمنة: * نِعْمَ أخُو الْهَيْجَاءِ فِي الْيَوْمِ الْيَمِي * وهذا يدل أيضا على أن اليمى في موضع خفض، وكذلك قال المبرد، وإليه ذهب ابن السكيت، انتهى. ومروان هو ابن محمد بن مروان بن الحكم بن العاص، وأبو الأخزر راجز إسلامي اسمه قتيبة، والأخزر بالخاء والزاي المعجمتين وآخره راء مهملة، والْحِمَّاني منسوب إلى حِمّان بكسر المهملة وتشديد الميم وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والثلاثون (من الوافر) 31 - * كَفَى بِالنَّأْيِ مِنْ أَسْمَاءَ كَافِي * على أن " كافي " اسم فاعل منصوب على الحالية من النأي، وهو فاعل كفى، والباء زائدة، وهذه الحال مؤكدة لعاملها وهو كفى، وحذف النصب منه كما حذف من قوله " فلو أن واشٍ " وذلك إما على لغة ربيعة فإنهم يسكنون المنصوب، وإما لضرورة الشعر، وقد حذفت الياء منهما لالتقائها ساكنة مع سكون نون التنوين،
والنأي: البعد، ومن: متعلقة به، وأسماء: اسم امرأة أصله وَسْمَاء من الْوَسَامَة، وهي الحسن وهذا صدر بيت، وعجزه: * وَلَيْس لِنَأْيِهَا إذْ طَالَ شَافِ * وشاف: اسم ليس، ولنأيها: متعلق به، وإذ تعليلية، وفاعل طال ضمير النأي، والخبر محذوف أي عندي أو موجود والبيت مطلع قصيدة لبشر بن أبي خَازِم، وهو جاهلي، وتقدم شرحه وترجمة بشر في الشاهد الثالث والعشرين بعد الثلاثمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والثلاثون (من الطويل) 32 - * فَلَوْ أَنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ داره * تمامه: * ودارى بأعلى حضر موت اهْتَدَى لِيَا * وتقدم توجيهه والواشي: الذي يُزَوِّق الكلام ليُفُسد بين متحابين، واليمامة: اسم بلد بين نجد والحجاز، وَحَضْرَمَوْت - بفتح الميم وضمها -: مدينة باليمن، غير متصرف، واللام في " ليا " بمعنى إلى والبيت من قصيدة لمجنون بني عامر تقدم الكلام عليه في الشاهد الخامس والثمانين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والثلاثون، وهو من شواهد سيبويه (1) (من الطويل)
33 - ألم ترني عاهدت ربي وإنني * لَبَيْنَ رِتَاجِ قَائماً وَمَقَامِ عَلَى حَلْفَةٍ لا أشْتُمُ الدَّهْر مسلما * ولا خارجا من في زور كَلاَمِ على أن قوله " خارجاً " عند سيبويه مصدرٌ حذف عامله: أي ولا يخرج خروجاً، وعند عيسى بن عمر حال معطوف على الجملة الحالية وهي " لا أشتم " وهذا نص سيبويه: وأما قول الفرزدق: عَلَى حَلْفَةٍ لا أشتم الدهر مسلما * ولا خارجا من فِيَّ زُورُ كَلاَمِ فإنما أراد ولا يخرج فيما استقبل، كأنه قال: ولا يخرج خروجاً، ألا تراه ذكر عاهدت في البيت الذي قبله، فقال " ألَمْ ترني عاهدت ربي إلخ " على حَلْفَةٍ، ولو حمله على أنه نفى شيئاً هو فيه ولم يرد أن يحمله على " عاهدت " جاز (1) وإلى هذا الوجه كان يذهب عيسى (بن عمر) فيما نُرَى، لأنه لم يكن يحمله عَلَى " عاهدت " انتهى، فجملة " لا أشتم " على قول سيبويه جواب القسم لقوله عاهدت، وقوله " ولا خارجاً " بتقدير ولا يخرج خروجاً، معطوف على جواب القسم وجعل خارجاً في موضع خروجاً، كأنه قال حلفت بعهد الله لا أشتم الدهر مسلماً ولا يخرج من فيَّ زور كلام، فلا أشتم ولا يخرج هما جواب القسم فيما يستقبل من الاوقات قال المبرد في الكامل: (2) وقوله " ولا خارجاً " إنما وضع اسم الفاعل في موضع المصدر، أراد لا أشتم الدهر مسلما، ولا يخرج خروجاً من فيّ زور كلام، لأنه على ذا أقسم، والمصدر يقع في موضع اسم الفاعل، يقال: ماءٌ غَوْرٌ: أي غائر (كما قال الله عزّ وجلَّ: (إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً) ويقال: رجُلٌ عَدْلٌ: أي عادل، وَيَوْم غَمٌّ: أي غامٌّ) (3) وهذا كثير جداً، فعلى هذا جاء المصدر على فاعل كما جاء اسم الفاعل على المصدر، قُمْ قائماً، فيوضع في موضع (قولك) (3) قم قياما،
وجاء من المصدر على لفظ فاعل حروف منها فُلِجَ فَالِجاً (وعوفي عافية) ، انتهى. وقد قيل: إن الجواب يجوز أن يكون جواباً لقوله " عَلَى حَلْفة " ويكون تقدير الكلام ألم ترني عاهدت ربي على أني أحلف لا أشتم ولا يخرج من فيّ كلام قبيح ومعنى قول سيبويه " نفى شيئاً هو فيه ": أي نفى ما في الحال، ولم ينف المستقبل. وفسّر المبرد في الكامل قول عيسى بن عمر " إنَّ خارجاً حال " قال: وكان عيسى بن عمر يقول: إنما قوله " لا أشتم " حال، فأراد عاهدت ربي في هذه الحال وأنا غير شاتم ولا خارج من فيّ زور كلام، ولم يذكر الذي عاهد عليه، انتهى. والفعل المستقبل يكون في معنى الحال، كقوله: جاز زيد يضحك، وجعل العامل في الحال على مذهب عيسى بن عمر " عاهدت " كأنه قال: عاهدت ربي لا شاتماً الدَّهْرَ، والمعنى موجباً على نفسي ذلك ومقدار ذلك، كذا شرح المبرد والزجاج قول عيسى بن عمر قال السيرافي: وكلام سيبويه الذي حكاه عن عيسى يخالفه، وهو قوله: لأنه لم يكن يحمله على " عاهدت " وإذا لم يكن العامل في الحال " عاهدت " كان عاملها " ألم ترني " كأنه قال: ألم ترني لا شاتماً مسلماً ولا خارجا من فِيَّ زور كلام، وهذا الوجه ذكره أبو بكر مَبْرَمَان (1) ، وهذا يعجبني، لأن " عاهدت " في موضع المفعول الثاني، فقد تم المفعولان بعاهدت، وإما حَلفة (2) وهذا أجود منه
كأنه قال: على أن حلفت لا شاتماً ولا خارجاً، انتهى وذهب الفراء في تفسير سورة القيامة إلى أنهما حالان، والعامل " عاهدت " قال: إنما نصب خارجاً لأنه أراد عاهدت ربي لا شاتماً أحداً ولا خارجاً من فِيَّ زور كلام، وقوله " لا أشتم " في موضع نصب، انتهى وأيد ابن هشام في المغنى (1) قول سيبويه، فقال: والذي عليه المحققون أن خارجاً مفعول مطلق، والاصل ولا يخرج خروجاً، (ثم حذف الفعل، وأناب الوصف عن المصدر، كما عكس في قوله تعالى: (إِنْ أصبح ماؤكم غورا)) (2) لأن المراد أنه حلف بين باب الكعبة وبين مقام إبراهيماً أنه لا يشتم (مسلماً) (2) في المستقبل ولا يتكلم بزور، لا أنه حلف في حال اتصافه بهذين الوصفين على شئ آخر، انتهى وبهذا أيضاً يرد على ما ذهب إليه بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل فإنه بعد أن قرر مذهب سيبويه قال: قلت: لا يبعد أن يكون قوله " لا أشتم " بياناً لما عاهد عليه ربه على وجه الاستئناف، كأن قائلاً قال: ما الذي عاهدت عليه ربك؟ فقال: لا أشتم، والمعنى ألم ترني يعني رأيتني عاهدت ربي على أمر هو أني لا أشتم طول الدهر مسلما ولا يخرج من في زور كلام: أي كونه على حلفة: أي حالفاً بالله على ذلك، فوقع القسم مؤكِّداً لما عاهد عليه ربه، ويجوز أن يكون المعاهد عليه محذوفا، والتقدير عاهدت ربي على حسن السيرة أو ترك ما لا يعني، ثم خص عدم الشتم للمسلم وعدم خروج الكلام الزور عن فيه تأكيداً لنفيهما عن نفسه، وقوله " على حلفة " في هذا الوجه يجوز أن يتعلق بمحذوف قدرناه، وأن يتعلق بقوله " لا أشتم " كأنه قال: عاهدت ربي على حسن السيرة حالفاً بالله على
ذلك، أو عاهدت ربي على ذلك حالفاً بالله لا أشتم طول الدهر مسلماً خصوصاً ولا أهجوه ولا يخرج من فيّ كلام زور، هذا كلامه وقوله " وإنني لبين رتاج " بكسر همزة فإن جملتها حالية، وقول " لبين رتاج ومقام " خبر إنّ، وقائماً - وروى بدله " واقفاً " - حال من الضمير المستقر في الطرف، وروي بالرفع فهو خبر ثان، أو هو خبر إنَّ والظرف متعلِّقة كقولك إن زيداً لفي الدار قائم، والرتاج - بكسر الراء وآخره جيم - قال (1) المبرد: الرتاج: غَلَق الباب، ويقال: باب مُرْتج: أي مغلق، ويقال: أُرْتج على فلان: أي غلق عليه الكلام، انتهى. وقال ابن السّيد فيما كتبه على الكامل: الرِّتاج الْغَلَق، وذكره صاحب العين، وأنشد هذا البيت، وقال: يعني باب البيت ومقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ويدل على هذا قول أبى شجرة السلمي: * مثل الرتاج إذَا مَا لَزَّهُ الْغَلَقُ * فهذا يدل على أن الرتاج غير الغلق، ومما يقوي قول المبرد في الرتاج قولً الحطيئة * إلى عَجُزٍ كَالْبَابِ شُدَّ رِتَاجُهُ * انتهى وفي العباب الرَّتجُ بالتحريك - الباب العظيم، وكذلك الرِّتاج، ومنه رتاج الكعبة، ويقال: الرتاج الْمُغَلَق (2) وعليه باب صغير، انتهى و " أشتم " جاء من باب ضرب ونصر قال المبرد (1) : التقى الحسن والفرزدق في جنازة، فقال الفرزدق للحسن: أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد؟ (قال: وما يقولون؟ قال) (3) : يقولون
اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس، فقال الحسن: كلا، لستُ بخير الناس ولستَ بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم؟ فقال: شَهَادَة أن لا إله إلا الله منذ ستون سنةً، وخمسَ نجائب لاَ يُدْرَكْنَ، يعني الصلوات الخمس، فتزعم التميمية (1) أن الفرزدق رؤي في النوم فقيل له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي (فقيل له: بأى شئ؟ فقال) (3) بالكلمة التي نَازَعَنِيهَا الحسن، وحدّثني العباس بن الفرج (الرياشي) في إسنادٍ له ذكره، قال: كان الفرزدق يخرج من منزله فيرى بني تميم والمصاحف في حجورهم فيسر بذلك وَيَجْذَل به، ويقول: إيه فِدَاءً (2) لكم أبي وأمي، كذا والله كان آباؤكم، ونظر إليه أبو هريرة الدَّوْسيُّ رضي الله عنه فقال (له) : مهما فعلت فَقَنَّطَكَ الناس فلا تقنط من رحمة الله، ثم نظر إلى قدميه فقال: إني أرى لك قدمين لطيفتين فابتغ لهما موقفاً صالحاً يوم القيامة والفرزدق يقول في آخر عمره حين تعلق بأستار الكعبة وعاهد الله أن لا يكذب ولا يشتم مسلماً: ألَمْ تَرَنِي عَاهَدْتُ رَبِّي وَإنَّنِي * لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِماً وَمَقَامِ إلى آخر البيتين. وقال ابن السّيد فيما كتبه على كامله: قوله " والتقى الحسن والفرزدق في جنازة ذكر الهيثم بن عدى بن أبي بكر بن عياش أن الفرزدق لقي الحسن رحمه الله في جنازة عِمْرَان بن مِلْحَان أبي رجاء العطاردي، سنة خمس ومائة،
في أول خلافة هشام بن عبد الملك فكلّمه بما ذكره المبرد، ثم انصرف الفرزدق فقال: من (الطويل) : ألَمْ تَرَ أنَّ النَّاسَ مَاتَ كَبِيرُهُم * وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثِ بَعْثِ مُحَمَّدِ وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ عَيْشُ سَبْعِينَ حِجَّةً * وَسِتِّينَ لَمَّا بَانَ غَيْرَ مُوَسَّدِ إلى حُفْرَةٍ غَبْرَاءَ يُكْرَهُ وِرْدُها * سِوَى أنَّهَا مَثْوَى وَضِيع وَسَيِّدِ نَرُوحُ وَنَغْدُو وَالحُتُوفُ أمَامنا * يَضَعْنَ لَنَا حَتْفَ الرَّدَى كلَّ مَرْصَدِ وَقَدْ قَالَ لِي مَاذَا تُعِدُّ لِمَا تَرَى * فَقِيهٌ إذَا مَا قَال غَيْرُ مَفَنَّدِ فَقُلْتُ لَهُ أعْدَدْتُ لِلْبَعْثِ وَالَّذِي * أُرَادُ بِهِ أنِّي شِهيدٌ بِأَحْمَدِ وَأَنْ لاَ إله غَيْرُ رَبِّي هُوَ الَّذِي * يُمِيتُ وَيُحْيِي يَوْمَ بَعْثٍ وَمَوْعِدِ فهذا الذى أعددت لا شئ غَيْرُهُ * وَإنْ قُلْتَ لِي أكْثِرْ مِنَ الْخَيْرِ وَازْدَدِ فَقَالَ قدِ اعْتَصَمْتَ بِالْخَيْرِ كُلِّهِ * تَمَسَّكْ بهذا يَا فَرَزْدَقُ تَرْشُدِ وذكر الأصبهاني عن محمد بن سلام أنها كانت جنازة النَّوار زوج الفرزدق. وبعده قوله: أطَعْتُكَ يَا إبْلِيسُ سَبْعِينَ حِجَّةً (1) * فَلَمَّا انْتَهَى شَيْبِي وَتَمَّ تَمَامِي رَجَعْتُ إلَى رَبِّي وَأَيْقَنْتُ أنَّنِي * مُلاَقٍ لأَيَّامِ الْمَنُونِ حِمَامي وهي قصيدة مطولة أنشدها يعقوب بن السكيت، انتهى ما كتبه ابن السيد. وفي أمالي السيد الشريف (2) المرتضى رحمه الله تعالى روى أن الفرزدق
تعلق بأستار الكعبة، وعاهد الله على ترك الهجاء والقذف اللذين (كان) ارتكبهما وقال: ألم ترني عاهدت ربي، إلى آخر الأبيات الأربعة. ثم حدث عن أبي عبيد الله الْمَرْزُباني بسند له أن الحسن البصري شهد جنازة النَّوَار امرأة الفرزدق، وكان الفرزدق حاضراً، فقال له الحسن وهو عند القبر: يا أبا فراس، ما أعددت لهذا المضجع؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانون سنة فقال له الحسن: هذا العمود فأين الطُّنُبُ؟ وفي رواية أخرى أنه قال: نِعْمَ ما أعدت، ثم قال الفرزدق في الحال: أخَافُ وَرَاءَ الْقَبْرِ إنْ لَمْ يُعَافِنِي * اشَدَّ مِنَ الْمَوْتِ التِهَاباً وأضيقا إذا جاءني يوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا لَقَدْ خَابَ مِنْ أوْلاَدِ آدَمَ مَنْ مَشَى * إلى النَّارِ مَغْلُولَ الْقِلاََدَةِ أزْرَقَا يُقَادُ إلَى نَارِ الْجَحيمِ مُسَرْبَلاً * سَرَابيلَ قَطْرَانٍ لِبَاساً مُحَرِّقا قال: فرأيت الحسن يدخل بعضه في بعض، ثم قال: حَسْبُك، ويقال: إن رجلاً رأى الفرزدق في منامه (1) بعد موته، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: عفى عني بتلك الأبيات، انتهى. وقال محمد بن حبيب في شرح المناقضات: إن الفرزدق حَجَّ فعاهد الله بين الباب والمقام أن لا يهجو أحداً وأن يُقيِّد نفسه حتى يجمع القرآن حفظاً، فلما قدم البصرة قَيَّدَ نفسَهُ وحلف أن لا يُطْلق قيده عنه حتى يجمع القرآن، وقال * ألم ترني عاهدت ربي ... * الأبيات، وبلغ نساء بني مجاشع فحش الْبَعِيث وجرير بهنَّ فأتين الفرزدق مقيداً فقلن: قبح الله قَيْدَكَ وقدهتك جرير عورات نسائك، فأغضبنه ففض قيده وقال قصيدة يجيبهما، منها:
فَإِنْ يَكُ قَيْدِي كَانَ نَذْراً نَذرْتُهُ * فَمَا بِيَ عَنْ أحْسَابِ قَوْمِي مِنْ شُغْلِ أنَا الضَّامِنُ الرَّاعِي عَلَيْهِمْ، وَإنَّمَا * يُدَافِعُ عَنْ أحْسَابِهِمْ أنَا أَوْ مِثْلِي (1) والقصيدة التي البيت الشاهد منها أوردها الخضر الموصلي في شواهد التفسيرين، عند قوله تعالى (وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رسولا) وقد مرت ترجمة الفرزدق في الشاهد الثلاثين من شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والثلاثون (من الطويل) 34 - لَقِيْتُ بِدَرْبِ الْقُلَّةِ الْفَجرَ لَقْيَةً * شَفَتْ كَمَدِي وَاللَّيْلُ فِيهِ قَتِيلُ على أنه يجوز أن يأتي مصدر لقيته على لَقْيَةٍ قياساً كما في البيت وهو من قصيدة للمتنبي مدح فيها سيف الدولة أولها: لَيَالِيَّ بَعْدَ الظَّاعِنِينَ شُكُولُ * طِوَالٌ، وَلَيْلُ الْعَاشِقِينَ طَوِيلُ إلى أن قال " لقيت بدرب القلة - إلخ " يريد أن الليل انقضى وبدت تباشير الصبح وقد وافى المكان فشفى لقاء الصبح كمده والليل قتيل في الفجر، لأنه ينقضي بطلوعه، وقد أخذ بعضهم هذا المعنى وكشف عنه فقال: وَلَمَّا رَأَيْتُ الصّبْحَ قَدْ سَلَّ سَيْفَهُ * وَوَلَّى انْهِزَاماً لَيْلُهُ وَكَوَاكِبُهْ وَلاَحَ احْمِرَارٌ قُلْتُ قَدْ ذُبِحَ الدجى * وهذا دَمٌ قَدْ ضَمَّخَ الأَرْضَ سَاكِبُهُ كذا في شرح الواحدي، والكمد: الحزن المكتوم، وهو مصدر من باب تَعِب، وكأنه لقي من الليل سَهَراً وكآبةً وطولاً فأكمده ذلك، ثم فرح بلقاء
الصباح فجعل الفجر قاتلا لليل شافياً له منه، ودَرْبُ القلة بضم القاف - موضع فرب ملطية (1) كان سيف الدولة غزا تلك النواحي في سنة اثنين وأربعين وثلثمائة، وذكر المتنبي المواضع التي غزاها في تلك السنة في هذه القصيدة وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والثلاثون (من البسيط) : 35 - هَا إنْ تا عِذْرةٌ إنْ لَمْ تَكُنْ قُبِلَتْ * فَإنَّ صَاحِبَها قَدْ تَاهَ فِي الْبَلَدِ على أن عِذره - بكسر العين - مصدر للنوع بتقدير صفة معلومة بقرينة الحال: أي عذر بليغ، والوجه أن هذا الوصف مفعوم من التنوين وهذا البيت من قصيدة للنابغة الذبياني اعتذر بها إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة بعد أن هرب منه إلى ملوك غَسَّان في الشام لما اتُّهِمَ بامرأته المتجردة وأراد قتله وأرسل إلى النعمان قصائد يتنَصَّل (بها) عما اتهم به ويعتذر إليه عن هروبه وإقامته عند ملوك غسان، وقد شرحنا حاله في الشاهد الرابع بعد المائة من شواهد شرح الكافية وقبل هذا البيت: نُبِّئْتُ أنَّ أبَا قاَبُوسَ أوْعَدَنِي * وَلاَ قَرَارَ عَلَى زَأْرٍ من الاسد (2)
وهما آخر القصيدة. ونبئت - بالبناء للمفعول - بمعنى أخبرت، وأبو قابوس: كنية النعمان، وقابوس معرب كاووس اسم ملك من ملوك العجم، وأوعد - بالألف - لا يكون إلا في الشر، بمعنى هددني، والزأر: مصدر زَأرَ الأسدُ إذا صَوَّت بحنق، وهو تمثيل لغضبه، وقوله " ها إن تا عذرة " استشهد به الشارح في باب اسم الإشارة وفي هاء التنبيه من شرح الكافية، على أن الفصْل بين " ها " وبين اسم الإشارة بغير " أنا " وأخواته قليل، والفاصل هنا " إنَّ "، وتا: اسم إشارة للمؤنث، بمعنى هذه، وروي أيضاً " ها إن ذي عِذْرَة "، والإشارة لما ذكر في قصيدته من يمينه على أنه لم يأت بشئ يكرهه، وقيل: الإشارة للقصيدة: أي إن هذه القصيدة ذات عذرة، وقال بعضهم: التقدير أن عذرتي هذه عِذْرَة، والعِذْرة - بالكسر - اسم للعذر بالضم، قال صاحب الصحاح: يقال: عَذَرْته فيما صنع أعْذِره عذرا، والاسم الْمَعْذِرة والْعُذْرى، وكذلك العِذْرَة وهي مثل الرِّكبة والجلْسة وأنشد هذا البيت، وفي المصباح عَذَرته فيما صنع عُذْراً، من باب ضرب، رفعت عند اللوم فهو معذور: أي غير ملوم وقوله " إن لم تكن نفعت فإن صاحبها " المحدث عنه في الجميع العِذْرَة، وأراد بصاحب العذرة نفسه وتاه الإنسان يتيه تَيْهاً: ضل عن الطريق، وأراد لازمه وهو الهلاك، والمعنى إن لم تقبل عذري فترضى عني فإني أضل في البلدة التي أنا فيها لما أنا فيه من عظيم الدهشة الحاصلة من وعيدك والنابغة الذبيانى شاعر جاهلي، وقد ترجمناه هناك:
أسماء الزمان والمكان أنشد الجار بردى فيهما: كَأَنَّ مَجِرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَهَا * عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوَانِعُ وسيأتي شرحه إن شاء الله تعالى في أول باب المنسوب الآلة أنشد فيها، وهو الشاهد السادس والثلاثون (من الرجز) 36 - يَمَّمْنَ أعدادا بلبني أوأجا * مُضْفْدِعَاتٍ كُلُّها مُطَحْلِبَهْ على أنه يقال: مُضَفْدِع ومُطَحْلِب، بوزن اسم الفاعل، بمعنى كثير الضفادع وكثير الطحالب والبيت أورده الجوهري في مادة الضفدع، وقال: يريد مياهاً كثيرة الضفادع وقال الصاغاني في العباب: وضَفْدَعَ الماء، إذا صارت فيه الضفادع، وأنشد البيت أيضاً ويمَّمْن بمعنى قَصَدْنَ، بنون الإناث، والأعداد: جمع عِدّ بكسر العين المهملة، وهو الماء الذي له مادَّة لا تنقطع كماء العين وماء البئر، ولُبْنَى - بضم اللام وسكون الموحدة بعدها نون وألف مقصورة - اسم جبل، وروي بدله " سَلْمى " وهو اسم جبل أيضا لطئ، وكذلك أجأجبل لطي بفتح الهمزة بعدها جيم، والأكثر همز آخره، قال امرؤ القيس: أبَتْ أَجَأٌ أنْ تُسْلِمَ الْعَامَ جَارَهَا * فَمَنْ شَاءَ فَلْيَنْهَضْ لَهَا مِنْ مُقَاتِلِ (1) وقد لا يهمز، كما في البيت، وكما قال العجاج: * فإنْ تَصِرْ لَيْلَى بسلمى أو أجا *
وقوله " بلبنى " الجار متعلق بمحذوف صفة لأعداد، وقوله " مضفدعات " صفة ثانية لأعداد، وكلها مبتدأ، والضمير للأعداد، ومطحلبة خبر المبتدأ، والجملة صفة ثالثة، والطُّحْلُب - بضم الطاء واللام ويجوز فتح اللام - شئ أخضر لزج يخلق في الماء ويعلوه، يقال: ماء طَحِل - بفتح فكسر - أي كثير طحلبه، وعين طحلة كذلك، ومطحلب قليل ولبيد رضي الله عنه هو شاعر صحابي من بني عامر، وقد تقدم ترجمته في الشاهد الثاني والعشرين بعد المائة من شواهد شرح الكافية المصغر أنشد فيه، وهو الشاهد السابع والثلاثون (من البسيط) 37 - يَا مَا أُمَيْلِحَ غِزْلأَناً شَدَنَّ لَنَا * مِنْ هو ليائكن الضَّالِ وَالسَّمُرِ على أن تصغير أميلح من قبيل تصغير لُطَيّف ونحوه، يريد أن التصغير في فعل التعجب راجع إلى المفعول المتعجب منه، أي هذه الغزلان مُلَيِّحات، قال سيبويه (1) : أرادوا تصغير الموصوف بالملاحة، كأنهم قالوا مُلَيِّح، لكنهم عدلوا عن ذلك وهم يعنون الأول، ومن عادتهم أن يلفظوا بالشئ وهم يريدون شيئاً آخر، وقد أوردنا ما يتعلق به مفصلاً في الشاهد السادس من أوائل شرح الكافية
ويا: حرف نداء، والمنادى محذوف، والتقدير يا صاحبي، وما: استفهامية تعجبية (1) ، وأملح: فعل تعجب من الملاحة وهي البهجة وحسن المنظر، وفعله ملح الشئ بالضم مَلاَحَة، وغزلاناً: مفعول فعل التعجب، جمع غزال، وهو ولد الظبية، قال أبو حاتم: الظبي أوَّلَ ما يولد طَلىً، ثم هو غزال، والأنثى غزالة، فإذا قوي وتحرك فهو شَادِن، فإذا بلغ ستة أشهر أو سبعة أشهر فهو خِشْفٌ، والرَّشَأَ: الفتي من الظباء، فإذا أثنى فهو ظبي، ولا يزال ثَنِيّاً حتى يموت والأنثى ثنية وظبية، والثَّنِيُّ على فَعِيل: الذي يُلقي ثنيّتَهُ أي سنة من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة، وشَدَنَّ: من شَدَنَ الغزال بالفتح يَشْدُن بالضم شدونا، إذا قوي وطلع قرْنَاه واستغنى عن أمه، والنون الثانية ضمير الغزلان، وجملة " شدن " صفة غزلان، ولنا ومن: متعلقان بشدن، وقوله " من هو ليائكن " هو مصغر هؤلاء شذوذاً، وأصله أولاء - بالمد والقصر - وها: للتنبيه، وأولى: اسم إشارة يشار به إلى جمع، سواء كان مذكراً أو مؤنثاً، عاقلاً أو غير عاقل، والكاف حرف خطاب، والنون حرف أيضاً لجمع الإناث، وقد استشهد به النحاة على دخول التنبيه عليه وعلى تصغيره شذوذا، ورواه الجوهرى " من هؤ لياء بَيْنَ بين الضال والسمر " وقال: لم يصغروا من العل غير هذا، وغير قولهم " ما أحَيْسِنه " والضال: عطف بيان لاسم الإشارة، وهو السدر البري، جمع ضالة، ولهذا صح إتباعه لاسم الإشارة إلى الجمع، وألفه منقلبة من الياء، والسِّدر: شجر النبق، والسَّمُر بفتح السين وضم الميم: جمع سَمُرة، وهو شجر الطَّلح، وهو شجر عظيم شائك والبيت من جملة أبيات اختلف في قائلها، وعدتها، وقد ذكرنا الكلام عليه مستوفى هناك في الشاهد السادس
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والثلاثون: 38 - وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بينهم * دويهية تصفر منها الأنامل على أن تصغير دُوَيْهية قريب من التصغير للتعظيم، وحقق الشارح المحقق أن تصغيرها للتحقير، قال: إذ المراد بها الموت: أي يجيئهم ما يحتقرونه مع أنه عظيم في نفسه تصفر منه الأنامل، والقول بأن تصغيرها للتعظيم هو قول الكوفيين، وسوف هنا للتحقيق والتأكيد، والداهية: مصيبة الدهر، مشتقة من الدَّهْي بفتح الدال وسكون الهاء، وهو النكر، فإن كل واحد ينكرها ولا يقبلها، ودَهَاه الأمر يَدْهَاه إذا أصابه بمكروه، ورواه ابن دريد في الجمهرة " خُوَيْخِيَةٌ تصفر - إلخ " وقال: الْخُويْخِيَة الداهية، وهو بخاءين معجمتين مصغر الْخَوْخَة بالفتح، وهي الباب الصغير، وكذا روى الطوسي أيضاً عن أبي عمرو، وقال: يقول: ينفتح عليهم باب يدخل عليهم منه الشر، وإذا مات الرجل أو قتل اصفرت أنامله واسودَّت أظافره. وقيل: المراد من الأنامل الأظفار، فإن صفرتها لا تكون إلا بالموت والبيت من قصيدة للبيد، رضى الله عنه، ابن عامر الصحابي، وتقدم شرح أبيات منها مع ترجمته في الشاهد الثالث والعشرين بعد المائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والثلاثون (من الطويل) 39 - فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شَاهِقِ الرأس لم تكن * لتبلغه حتى تكِلَّ وتَعْمَلاَ على أنه استُدل لمجئ التصغير بتصغير جبيل في البيت قال ابن (1) : يعيش: للتصغير معان ثلاثة: تحقير ما يتوهم (2) أنه عظيم كرجيل
وتقليل ما يتوهَّم أنه كثير كدُرَيْهِمَات، وتقريب ما يجوز أن يتوهم أنه بعيد كبُعَيْدِ العصر وقُبَيْلَ الفجر، وأضاف الكوفيون قسماً رابعاً يسمونه تصغير التعظيم، كقول الشاعر: * دُوَيْهِيَة تصفرُّ منْها الأنامل * والمراد التعظيم، إذ لا داهية أعظم من الموت، وقال آخر: * فويق جبيل شاق الرأس - البيت * قال " جبيل " ثم قال " شاهق الرأس " وهو العالي، فدل على أنه أراد تفخيم شأنه، وهذا ليس من أصول البصريين، وجميع ما ذكروه راجع إلى معنى التحقير، فأما قولهم " دويهية " فالمراد أن أصغر الأشياء قد يفسد الأمور العظام، فحتف النفوس قد يكون بصغير الأمر الذي لا يؤبه له، وأما " فويق جبيل " فالمراد أنه صغير العرض دقيق الرأس شاق المصعد لطوله وعلوه، انتهى ومن الكوفيين أبو حنيفة الدِّيَنَوريُّ، قال في كتاب النبات: وإنما صغر الجبل على وجه التعظيم، كما قالوا للداهية: دويهية، ولم يرد التحقير، وكيف قد قال " شاهق الرأس " وكذا قال ابن السكيت في شرحه للبيت، قال: يقول: هو صغير العرض ذاهب في السماء، وفويق جبيل أراد أن يكبره بتصغيره كما قال * وكل أناس سوف ... البيت * ويروى " سامق الرأس " و " شاهق الرأس " و " شامخ الرأس " والجميع واحد، انتهى وتبعهم ابن هشام في (1) المغني، فقال: ونظير رب في إفادة التكثير تارة والتقليل أخرى صيغ التصغير، تقول حجير ورجيل فتكون للتقليل، وقال:
* فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شَامِخٍ لَنْ تَنَالَهُ - البيت (1) * وقال لبيد رضي الله عنه: * وكل أناس سوف - البيت * ولم يتعرض له شراحه بشئ قال الشمني: تمثيله بجبيل ودُويهية للتكثير، وبحجير ورجيل للتقليل، مبنى على عدم الفرق بين التعظيم والتكثير وبين التحقير والتقليل، انتهى. وقال ابن الملا: والتصغير في كل من فويق وجبيل ليس للتقليل الذي يراد به التحقير، لأن وصفه بما ذكر مناف لحقارته، بل هو للتعظيم، وأريد بالدويهية الموت، ومن ثم قلنا إن تصغيرها للتعظيم إذ لا داهية أعظم من الموت، ومن زعم أن الداهية إذا كانت عظيمة كانت سريعة الوصول فالتصغير لتقليل المدة فقد تَكَلَّفَ، أو أن التصغير على حسب احتقار الناس لها وتهاونهم فيها: أي يجيئهم ما يحتقرونه مع أنه عظيم في نفس الامر فقد تعسَّف، هذا كلامه وهذا مجرد دعوى من غير بيان للتكلف والتعسف والبيت من قصيدة لأوس بن حَجَر في وصف قوس، ولابد من نقل أبيات قبله حتى يتضح معناه، قال بعد ستة أبيات من القصيدة: وَإنِّي امْرُؤٌ أعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ بَعْدَما * رَأَيْتُ لَهَا نَاباً مِنَ الشَّرِّ أعْصَلاَ أصَمَّ رُدَيَنِيّاً كَأَنَّ كُعُوبَهُ * نَوَى الْقَسْبِ عَرَّاصاً مُزَجًّى مُنَصَّلا عَلَيْهِ كَمِصْبَاحٍ الْعَزِيزِ يَشْبُّهُ * لِفِصْحٍ ويَحْشُوهُ الذُّبَالَ الْمُفَتَّلا وَأَبْيَضَ هِنْدِيًّا كَأنَّ غِرَارَهُ * تَلأْلُؤُ بَرْقٍ في حَبِيّ تَكَلَّلاَ إِذَا سُلَّ مِنْ غِمْدٍ تأكَّلَ أَثْرُهُ * عَلَى مِثْلِ مِسْحَاةِ اللُّجَيْنِ تأكلا
كَأَنَّ مَدَبَّ النَّمْلِ يَتَّبِعُ الرُّبَا * وَمَدْرَجَ ذَرٍّ خَافَ بَرْداً فَأَسْهَلاَ عَلَى صَفْحَتَيْهِ بَعْدَ حينِ جِلاَئِهِ * كَفَى بِالَّذِي أُبْلي وَأَنْعَتُ مُنْصُلاَ وَمَبْضُوعَةً مِنْ رَأْسِ فَرْعٍ شَظِيَّةً * بِطَوْدٍ تَرَاهٌ بالسَّحَابِ مُجَلَّلاَ عَلَى ظَهْرِ صَفْوَانٍ كَأَنَّ مُتُونَهُ * عُلِلْنَ بدُهْنٍ يُزْلِقُ الْمُتَنَزِّلاَ يُطِيفُ بِهَا رَاعٍ يُجَشِّم نَفْسَهُ * ليكلأَ فِيهَا طَرْفَهُ مُتَأَمِّلاَ فَلاَقَى امْرأً مِنْ بَيْدَعَان وَأَسْمَحَتْ * قَرُونَتُهُ بِالْيَأْسِ. مِنْهَا وَعَجَّلاَ فَقَالَ لَهُ هَلْ تَذْكُرَنَّ مخيرا * يَدُلُّ عَلَى غُنْمٍ وَيْقْصُرُ مُعْمِلاَ عَلَى خَيْرِ مَا أَبْصَرْتَهَا مِنْ بِضَاعَةٍ * لِمُلْتَمِسٍ بَيْعاً بِهَا أَوْ تَبَكُّلاَ فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شَامِخِ الرَّأْسِ لَمْ تَكُنْ * لِتَبْلُغَهُ حَتَّى تَكِل وَتَعْمَلاَ فَأَبْصَرَ ألْهَاباً مِنَ الطَّوْدِ دُونَهَا * يَرَى بَيْنَ رَأْسِي كُلِّ نِيقَيْنِ مَهْبِلاَ فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَه وَهُوَ مُعْصِمٌ * وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلاَ وقَدْ أكَلَتْ أظْفَارَهُ الْصَّخْرُ كلما * تعيا عليه طول مرقى تَسَهَّلاَ فَمَا زَالَ حَتَّى نَالَهَا وَهْوَ مُعْصِمٌ * عَلَى مَوْطِنٍ لَوْ زَلَّ عَنْهُ تَفَصَّلاَ فَلَمَّا نَجَا مِنْ ذَلِكَ الْكَرْبِ لَمْ يَزَلْ * يُمظِّعُهَا مَاءَ اللِّحَاءِ لِتَذْبُلاَ فَلَمَّا قَضى مِما يُرِيدُ قَضَاءَهُ * وَصَلَّبَهَا حِرْصاً عَلَيْهَا فَأَطْوَلاَ أَمَرَّ عَلَيْهَا ذات حد دعالها * رَفِيقاً بِأَخْذٍ بِالْمَداوِسِ صَيْقَلاَ فَجَرَّدَهَا صَفْرَاءَ لاَ الطُّولُ عَابَهَا * وَلاَ قِصَرٌ أزْرَى بِهَا فَتَعَطَّلاَ ثم وصفها بعشرة أبيات وقال: فَذَاكَ عَتَادِي في الْحُرُوبِ إِذَا الْتَظَتْ * وَأرْدَفَ بَأْسٌ مِنْ حُروبٍ وَأَعْجَلاَ قوله " وإني امرؤ أعددت ": أي هيأت عدة، و " أعصل " بمهملتين أعوج قال ابن السكيت في شرحه: يقول: هي حرب قَدُمَتْ وَأَسَنَّت فهو أشد لها وقوله " أصم ردينيا إلخ " هو مفعول أعددت: والأصم: المصمت الذي لا جوف له
وموصوفه محذوف أي رمحاً أصم، والرمح الرُّدَيْنِيُّ منسوب إلى ردينة بالتصغير وهي امرأة كانت تقوم الرماح وكان زوجها سَمْهَرٌ أيضاً يقوم الرماح، يقال لرماحه السمهرية، قال ابن السكيت: الكعب الأنبوب، ويسمون العقدة كعباً، وهو المراد هنا، والقَسْبُ: تمر يابس نواه مر صلب، والعرص - بمهملات - الشديد الاضطراب، والمُزَجَّى: الذي جعل له زُجٌّ بضم الزاي وتشديد الجيم، وهي الحديدة التي في أسفل الرمح تغرز في الأرض، والْمُنَصَّلُ: الذي جعل له نصل، وهو السنان وقوله " عليه كمصباح العزيز إلخ " المصباح: السراج، والعزيز: الملك، وسراجه أشد ضوءاً، وَيَشُبُّهُ: يوقده، والفِصْح بالكسر - يوم فطر النصارى، والذبال بالضم الفتائل، وكل فتيلة ذبالة، ويحشوه: أي يحشو موضع الفتائل، يقول: على ذلك الرمح الأصم سراج كسراج الملك من توقده لارتفاع ناره، ثم وصف الرمح بثلاثة أبياتٍ أُخَر. وقال " وأبيض هنديّاً إلخ " هو معطوف على أصم: أي وأعددت أيضاً أبيض هنديّاً وهو السيف، والغرار بكسر المعجمة حد السيف، والحبي: ما حبا من السحاب أي ارتفع وأشرف، وتكلَّل السحاب: صار بعضه فوق بعض، وهو أشد لإضاءة البرق، وقوله " إذا سل من غمد إلخ " سَلَلْت السيف من غمده: أي أخرجته من قرابه، وتأكل: توهج واشتد، وأثر السيف بالفتح: جوهره، والمِسْحَاة بالكسر إناء من فضة، وهو القدح، واللجين الفضة، يقول على متن سيف كأنه فضة، وقوله " كأن مَدَبَّ النمل إلخ " الْمَدَبُّ الموضع الذي يدب فيه، والرّبا جمع رَبْوَة وهو ما ارتفع من الأرض، والْمَدْرج كالمدب وزناً ومعنى، وإنما يتبع النمل الربا لأنه يفر من الندى، يقول: اشتد على النمل البرد في أعلى الوادي فأسهل أي أتى السهل فاستبان أثره، قوله " على صفحتيه " متعلق بمدب النمل، والجِلاء: الصقل قال ابن السكيت: أُبلِي - بضم الهمزة - أشفيك من نعته وأحدثك عنه ويقال أبْلِنِي يميناً أي طيِّب نفسي، وَالْمُنْصُل - بضم الميم والصاد - السيف. وقوله ومبضوعة
هو معطوف على أصم أيضاً: أي وأعددت قوساً مبضوعة أي مقطوعة، والفرع أعلى الشجرة، والشظية - بفتح الشين وكسر الظاء المعجمتين - الشقة والفلقة، وهي صفة لمبضوعة، والباء في بطود متعلقة بمحذوف حال من رأس فرعٍ، وجملة " تراه إلخ " صفة لطود، والرؤية بصرية، ومفعولها الهاء الراجعة إلى طود، ومجللاً حال من الهاء، وهو اسم مفعول من جلله بمعنى غطاه وألبسه، وبالسحاب متعلق به، وقوله " على ظهر صفوان إلخ " قال ابن السكيت: يقول: نبتت على حجر يزلق الرجل المتنزل لملاسته، وَعُلِلْنَ سقين مرة بعد مرة، وقوله " يطيف بها راع إلخ " قال ابن السكيت: يطيف بهذه القوس المبضوعة راعٍ أي حافظٌ ليجعل طرفه كالئاً يحفظ منها منظراً، والكالئ الحافظ، وقوله " فلاقى امرء امن بيدعان إلخ " قال ابن السكيت: " فعجل به اليأس: أي لم يتحبَّس به اليأس، هذا الذي رآها لاقى امرءا من بيدعان وهو حي من اليمن من أزد السراة. وقد استشعر اليأس منها، فاستشار الآخر فقال: هل تذكر رجلاً يصيب الغنم ويقصر العمل: أي يجئ بعمل قصير، أراد أنهما تشاورا فدله على الذي رأى فعجلا، يقول: كان نسي أنه يئس منها فلما دله عليها عجَّل إلى ما قال، وأسمحت قرونته وقرينته جميعاً وهي النفس باليأس: أي تابعته نفسه علي اليأس ولم تنازعه، وهذا مثل قولك: لقي فلان فلاناً ونسي ما أتى إليه: أي وقد نسي، انتهى كلامه، وقوله " فقال له هل إلخ " أي: هل تذكرن رجلاً يدل على غنيمة، ويقصر معملاً: أي ويقل العمل والعناء: وقوله " على خير ما أبصرتها " قال ابن السكيت: " أي فقال هل تدل على خير ما أبصرتها؟ أي: خير ما أبصرت من بضائع الناس، والتبكل: التغنم، يقال: تبكل أي تغنم إن أراد بيعاً أو غنماً، وقال: المتبكل الذي يتأكل بها الناس يقول لهذا سوف أبيعك ولهذا سوف أعيرك " انتهى وقال أبو حنيفة في كتاب النبات: ميدعان حي من أزد السراة، وهم أهل
جبال، شجيرة، يقول: إما لأن يبريها وإما لأن يتخذها معاشاً لصيد أو غزو، والتبكل التكسب من ها هنا وها هنا وأصل البكل الخلط، والقواسون يطلبون هذه العيدان العتق من مظانها من منابتها، حيث كانت من السهول والوعور، ويستدلون عليها الرِّعاء وقناص الوعول ويجعلون فيها الجعائل وربما أبصروا الشجرة منها بحيث لا يستطيعه راق ولا نازل فيتدلون عليها بالحبال في المهاوي والمهالك كما يتدلى من يشتار العسل على الوقاب (1) وأخبرني بعض الأعراب: قال يطلب القواسون هذه العيدان الْعُتْق فإن وجدوها مستحكمة اقتطوها، وإن لم تكن مستحكمة حوضوا حولها وحملوا إليها الماء، فربما ربوها كذلك سنين حتى تستحكم، قال: وإذا وجد الرعاء منها شجرة دلوا عليها القواس وأخذوا على ذلك ثواباً، فقلت له: وكم تبلغ القوس عندكم؟ فقال: (تبلغ) إذا كانت جيدة خمسمائة درهم، وقد ذكر أوس ابن احجر كل ذلك في وصفه القوس فقال في منَعَة منبت عودها: ومبضوعة من رأس فرع إلى آخر أبيات ثلاثة، ثم قال ثم ذكر استرشاده مَنْ عسى أن يدله فقال: فلاقى امرأ من ميدعان إلى آخر أبيات ثلاثة. ثم قال ثمّ وصف امتناع منبتها وتدلِّيه عليه بالحبال فُوَيق جبيل شاهق الرأس إلى آخر الابيات، وقوله " فويق " مصغر فوق، وهو ظرف متعلق بأبصرتها من قوله " على خير ما أبصرتها " في البيت المتقدم، والبلوغ: الوصول، وَكَلّ يَكِلّ من باب ضرب كلالة تعب وأعيا، ويتعدى بالالف، وتعمل: أي تجتهد في العمل، فهو مضمن معنى الاجتهاد ولهذا لم يتعد، وأصله التعدي، يقال: عملته أعمله عملاً من باب فرح: أي صنعته، والاجتهاد مقدم في المعنى على الكلال، ولا مانع من تأخره لفظاً لأن
الواو لمطلق الجمع لا تفيد ترتيبا، فقد يكون مدخلوها متقدماً على سابقه باللفظ، كقوله تعالى (وَمِنْكَ ومن نوح) وروي " وَتُعْمِلا " بضم التاء وكسر الميم، والمعنى وتجهد نفسك أو غيرك فالمفعول محذوف، وأصل أعمل تعديه إلى مفعولين، تقول: أعْمَلْتُهُ كذا أي جعلته عاملاً له، وروي البيت كذا أيضاً: فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شَامِخٍ لَنْ تَنَالَهُ * بِقُنَّتِهِ حتى تكل وتعملا والنيل: الاصابة والوصول إلى الشئ، وقنة الجبل - بضم القاف وتشديد النون - أعلاه كقلته، باللام، وقوله " فأبصصر ألهاباً - إلخ " جمع لِهْب بكسر اللام وسكون الهاء، قال الجوهري: هو الفرجة والهواء يكون بين الجبلين، وأنشد هذا البيت، والطود: الجبل، ودونها أي دون المبضوعة، ودون هنا: بمعنى أمام، وفاعل أبضر ضمير الرجل من ميدعان، والنيق - بكسر النون - المشرف من الجبل، والْمَهْبِل - بفتح الميم وكسر الموحدة - المهوي والمهلك، قال أبو حنيفة: ثم ذكر تدليه عليها بالحبال ومخاطرته بنفسه فقال " فأشرط فيها نفسه - إلى آخر أبيات ثلاثة " وقال ابن السكيت: أشرط نفسه: جعلها علماً للموت، ومنه أشراط الساعة، ويقال: أشرط نفسه في ذلك ذلك الأمر: أي خاطر بها، والْمُعْصِم والْمُعْتَصِم واحد، وهو المتعلق: أي متعلقاً بالحبل، فذلك الذي ألقى من أسباب حباله، والسبب: الحبل، والجمع أسباب، ويصلح أن يكون الواحد سبّاًَ بالكسر، قال أبو ذؤيب * تَدَلَّى عَلَيْهَا بَيْنَ سِبّ وَخَيْطَةٍ فالسِّب: الحبل، والخيطة: الوتد، انتهى. وتَوَكَّل: أي اعتمد على الله، وقوله " وقد أكلت أظفاره " قال ابن السكيت يتوصل من مكان ثم ينزل بعده وروي " طول مَرْقىً تَوَصَّلا " أي توصل من مكان إلى مكان، كقولك: اجعل هذه وُصْلَةً، وقوله " فما زال حتى نالها " قال ابن السكيت: مُعْصِمٌ: مشفق،
والموطن: الموضع الذي صار إليه، انتهى، وتفصل: تقطع: وقوله " فأقبل لا يرجو - إلخ " قال ابن السكيت يقول: عسى أن أفلت وأنجو، وقوله " فلما نجا من ذلك الكرب " هو الشدة، ويمظعها بالظاء المعجمة والعين المهملة، وَاللِّحاء بكسر اللام، قشر العود، وقال ابن السكيت يمظعها: يشربا، يقال: مظع الأديم الودك: أي شربه، يقول: لم يزل يسقيها ماء لحائها ليكون أجود لها، ولو قشر اللحاء عنها لأفسدها، وقوله " فلما قضى مما يريد - إلخ " صَلَّبها: يبسها، يقال: ثمرة مصلبة: أي يابسة، وأطول: أطال، وقوله " أمر عليها - إلخ " قال ابن السكيت: الرفيق: الحاذق، والمداوس: المصاقل، واحدها مدْوَسٌ، وهو الذي يصقل به، وقوله " فجردها صفراء - إلخ " قال ابن السكيت: يقول: لو كانت قصيرة لتعطلت وكانت أصغر من أن يرمي عنها ولم تعب من طول فتُعَطَّل: تترك لا تتخذ قوساً، وقوله " فذاك عَتَادي - إلخ " الإشارة راجعة إلى الرمح والسيف والقوس، وَالْعَتَاد: العُدة، والتظت: التهبت. ويعجبنى قوله بعد هذا بأربعة أبيات: وَإنِّي وَجَدْتُ النَّاسَ إلاَّ أقَلَّهُمْ * خِفَافَ الْعُهُودِ يُسْرِعُونَ التَّنَقُّلا بَنِي أُمِّ ذِي الْمَالِ الْكَثِيرِ يَرَوْنَهُ * وَإنْ كَانَ عَبْداً سَيِّد الامر حجفلا وَهُمْ لِمُقِلِّ الْمَالِ أوْلاَدُ عَلَّةٍ * وَإنْ كَانَ مَحْضاً فِي الْعَشِيرَةِ مَخْوَلاَ وَلَيْسَ أخْوكَ الدَّائِمُ الْعَهْدِ بِالَّذِي * يَذُمُّكَ إنْ وَلَّى وَيُرْضِيكَ مُقْبِلاَ وَلَكِنْ أخُوكَ الناءِ مَا كُنْتُ آمِنَاً * وَصَاحِبُكَ الأَدْنَى إذَا الأَمْرُ أعْضَلاَ وهذا آخر القصيدة: وأراد التنقل عن المودة، وجحفل: كثير الأتباع، وجيش جحفل: إذا كان كثير الأصوات، وقوله " وهم لمقل المال - إلخ " أي: يبغضون من لا مال له وإن كان شريفاً، والمحض: الخالص النسب، ومُخْوَل - بفتح الواو - كثير الأخوال، والناء: البعيد، حذفت الياء لضرورة الشعر،
وروي النأي على المصدر، قال ابن السكيت: صَيَّر المصدر في موضع الصفة، وأعضل الأمر: اشتد وأوس بن حجر شاعر جاهلي بفتحتي الحاء المهملة والجيم، وتقدمت ترجمته في الشاهد الرابع عشر بعد الثلاثمائة من شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده، وهو الشاهد الأربعون، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز، أو السريع) : 40 - وَمَهْمَهَيْنَ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنْ * ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنْ على أن الشاعر إذا قال قصيدة قبل رويها ياء أو واو ساكنة مفتوح ما قبلها فهي مردفة، ولزمه أن يأتي (بالردف) في جميع القصيدة، كما في هذين البيتين، وتقدم بعض منها في الشاهد الرابع والعشرين * لَمْ يَبْقَ مَنْ آيٍ بِهَا يُحَلَّيْنْ * وقوله " ومهمين - إلخ " الواو واو ربَّ، والْمَهْمَهُ: القَفْر المخوف، والْقَذَف - بفتح القاف والذال المعجمة بعدها فاء - البعيد من الأرض، والْمَرْت - بفتح الميم وسكون الراء المهملة - الأرض التي لا ماء فيها ولا نبات، وَالظَّهر: ما ارتفع من الأرض، شبهه بظهر ترس في ارتفاعه وَتَعَرِّيه من النبت، وجواب رب المقدرة هو قوله * جُبْتُهُمَا بالنَّعْتِ لا بِالنَّعْتَيْنْ * من جاب الوادي يجوبه جَوْباً، إذا قطعه بالسير فيه، وقد نُعِتَا لي مرةً واحدة فلم أحتج إلى أن ينعتا لى مرة ثانية، وصف نفسه بالحذق والمهارة، والعرب تفتخر بمعرفة الطرق وتقدم شرحه بأكثر من هذا في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة، وفي الشاهد الثالث والسبعين بعد الخمسائة، من شواهد الكافية
وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والأربعون (من الهزج) : 41 - وَقَدْ أَغْدُو على أشقر * يَغْتَالُ الصَّحَارِيَّا على أنه جمع صحراء، فلما قلبت الألف بعد الراء في الجمع ياء قلبت الهمزة التي أصلها ألف التأنيث ياء أيضاً، وهذا أصل كل جمع لنحو صحراء، ثم يخفف بحذف الياء الأولى فيصير صَحَارِيَ بكسر الراء وتخفيف الياء مثل مَدَارِيَ، ويجوز أن تبدل الكسرة فتحة فتقلب الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها كما فعلوا في مَدَاري، وهذان الوجهان هما المستعملان، والأول أصل متروك يوجد في الشعر وقد تقدم الكلام عليه بأبسط من هذا في الشاهد الثاني والخمسين بعد الخمسمائة. وأغدو: مضارع غدا غُدُوّاً إذا ذهب غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، والأشقر من الخيل: الذي حمرته صافية، والشُّقْرَة في الإنسان: حمرة يعلوها بياض، ويغتال: يُهْلك، يقال: اغتاله أي أهلكه، واستعار يغتال لقطع المسافة بسرعة شديدة، فإن أصل اغتاله بمعنى قتله على غفلة، والصحراء من الأرض: الفضاء الواسع، والشعر للوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والأربعون 42 - حِمّى لاَ يُحَلُّ الدَّهْرَ إلاَّ بِأَمْرِنَا * وَلاَ نَسْأَلُ الأَقْوَامَ عَهْدَ الْمَيْاثِقِ على أنه حُكِيَ أن المياثق لغة لبعض العرب، وهو جمع ميثاق، وأصله مِوثاق قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، فكان القياس في الجمع أن ترجع الواو، لزوال موجب قلبها ياء قال أبو الحسن (1) الأخفش فيما كتبه على أمالي أبي زيد: رواه الفراء
" عَقْدَ المياثق " أخبرنا بذلك عنه ثعلب، وهذا شاذ، والرواية " عهد المواثق " وهو أجود وأشهر (1) ورواه الصاغاني في العباب بالياء عن ابن الأعرابي، قال: الميثاق العهد، وأخْذُ الميثاق بمعنى الاسْتحلاف، وصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها، والجمع المواثق والمياثيق على اللفظ، وقد جاء في الشعر المياثق، أنشد ابن الأعرابي لعياض ابن دُرَّة الطَّائي: * حمى لا يحل الدهر ... البيت * انتهى وراه أبو زيد الأنصاري في أماليه على القياس، قال: وقال عياض بن أم دُرَّة الطائي، وهو جاهلي: وَكُنَّا إذَا الدِّينُ الْغُلُبَّى بَرَى لَنَا * إذَا مَا حَلَلْنَاهُ مُصَابَ الْبَوَارِقِ حِمىً لا يحل الدَّهْر إلاَّ بإِذْنِنَا * وَلاَ نَسْأَلُ الأَقْوَامَ عَهْدَ الْمَوَاثِقِ الدين: الطاعة، والغلبي: المغالبة، ويرى لنا: عرض، يَبْرِي بَرْياً، وانبرى ينبري انبراء، انتهى. قال أبو الحسن الأخفش: قال أبو سعيد: حِفْظِي عياض بن درة، انتهى فعهد المواثق فيه شذوذ واحد، وهو حذف الياء من مواثيق، وفي عهد المياثق شذوذان: عدم رجوع الواو، وحذف الياء بعد المثلثة، ولا يخفى أن الْغُلُبَّى - بضم الغين واللام وتشديد الموحدة - ليس مصدراً للمفاعلة، إنما هو أحد مصادر غلبة يغلبه غَلْباً بسكون اللام وَغَلَبَاً بتحريكها وغَلَبَة بإلحاق الهاء وَغَلاَبية كَعَلانية وَغُلَبَّة كحُزَقَّة وَغُلُبَّى ومَغْلَبَة بفتح اللام، كذا في العباب، وَالْمَصَاب بفتح الميم: اسم مكان من صابه المطر إذا مطر، والصوب: نزول المطر، والبوارق: جمع بارقة، وهي سحابة ذات برق
وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والأربعون (من الوافر) : 43 - وقاءٌ مَّا مُعَيَّةُ مِنْ أبِيهِ * لِمَنْ أوْفَى بِعَهْدٍ أوْ بِعَقْدِ على أن مُعَيَّة مصغر مُعاوِية، حذفت ألفه عند التصغير فصار مُعَيْوِية، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها فصار مُعَيِّية بثلاث ياءات، فحذف الياء الثالثة التي هي لام الفعل وفتحت الثانية لأجل الهاء فصار مُعَيَّة، على وزن مُفَيْعة، كذا قال ابن يعيش وفي الجمهرة لابن دريد: وَفَى يفي وفاء وأوفى يوفي، لغتان فصيحتان، قال الشاعر * وقاء ما معيه من أبيه * البيت معية: هو ابن الصمة أخو دريد، وكان الصمة قتل في جوار بَيْبة (1) بن سفيان بن مجاشع، وكان مُعَيَّة أسيراً في أيديهم، فقال الصمة وهو يكيد بنفسه هذه القصيدة، يقول: أما إذا غدرتم فأطلقوا عن ابني مُعَية، فإن فيه وقاء مني، انتهى كلامه والوقاء - بكسر الواو وفتحها بعدها قاف - هو ما وقيت به شيئاً، وما زائدة، والعهد: الأمان والمواثق (2) والذِّمَّة، وَالْعَقْد: إحكام العهد من عَقْدَتُ الحبلَ عَقْداً والصِّمَّة - بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم - فارس شاعر جاهلي من بني جُشَم بن معاوية بن بكر بن هوازن، وهو والد دُرَيْد بن الصمة الذي قتل في غزوة حُنَيْنٍ كافراً
وأنشد الجاربردي (1) ، وهو الشاهد الرابع والأربعون 44 - وَهْوَ إذَا الْحَرْبُ هَفَا عُقَابُهُ * مِرْجَمُ حَرْبٍ تَلْتَظِي حِرَابُهُ على أن الحرب قد يكون مذكراً كما في البيت، فإن الهاء من " عُقَابه " ضمير الحرب وهذا الرجز أورده الجوهري في الصحاح (2) ، ونقل كلامه الجاربرديُّ برمته، وهو فيه غير منسوب لأحد، ولم يتكلم عليه ابن بري في أماليه بشئ، وقد وقع في بعض نسخ الصحاح " تلتقي " بدل " تلتظي " وقال الصفدي في حاشيته عليه: الذي رواه ابن الأعرابي " تلتظي حرابه " بدل " تلتقي " وكذا هو بخط الجوهري، والذي وجدته بخط ياقوت " تلتقي " والصواب " تلتظي " كما رواه ابن الأعرابي، انتهى. " وهو " ضمير الممدوح بالشجاعة، قال الجوهري: وهفا الطائر بجناحه: أي خَفَقَ وطار، وأنشد هذا الرجز، وَالْعُقَاب - بالضم - من أعظم جوارح الطير، شبه الحرب الشديدة به، وَالْمِرْجَم - بكسر الميم وفتح الجيم - قال الجوهري: ورجل مِرْجَم: أي شديد كأنه يُرْجَم به معاديه، والرجم الرمي بالحجارة، انتهى. وأضافه إلى الحر لانه لا يُرْجم على الأعداء فيها، وتلتظي: تلتهب، جملة حالية، والحراب - بالكسر - جمع حربة، يريد أن لها بريقاً كشُعْلة النار، وصحَّفه الجار برى بالجيم، فقال: وجراب البئر جوفها من أسفلها إلى أعلاها، انتهى. والهاء ضمير مرجم، وإذا: ظرف متعلق بمرجم وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والاربعون (من الرجز)
45 - إنَّا وَجَدْنَا عُرُسَ الْحَنَّاطِ * لَئِيمَةً مَذْمُومَةَ الْحُوَّاط على أن الْعُرُسُ مؤنثة، بدليل لئيمة ومذمومة، وَالعُرُس: بضمتين وبضمة فسكون، قال الجوهري: والعرس طعام الوليمة، يذكر ويؤنث، قال الراجز: إنَّا وَجَدْنَا عُرُسَ الْحَنَّاطِ * لَئِيمَةً مَذْمُومَةَ الْحُوَّاط * نَدْعَى مَعَ النَّسَّاجِ وَالْخَيَّاطِ * والجمع الأعراس وَالْعُرُسَات، وقد أعْرَس فلان: أي اتخذ عُرُساً، وأعرس بأهله إذا بنى بها، وكذلك إذا غشيها، ولا تقل عَرَّس (أي بالتشديد) والعامة تقوله، انتهى. وكذا قال صاحب العباب وزاد بعد البيت الثالث * وَكُلِّ عِلْجٍ شَخِمِ الآباطِ * ثم قال: وقال دُكَيْن وقد أتى عُرْساً فحجب، فرجز بهم، فقيل: من أنت؟ فقال: دكين، فقال (من مشطور الرجز) : تَجَمَّعَ النَّاسُ وَقَالُوا عُرْسُ * إذَا قِصَاعٌ كَالأَكُفِّ خَمْسُ وَدُعِيَتْ قَيْسٌ وَجَاءَتْ عَبْسُ فَفُقِئَتْ عَيْنٌ وَفَاظَتْ نَفْسُ (1) انتهى وأورد ابن السكيت في إصلاح المنطق الرجز الأول، وقال شارح أبياته ابن السيرافي: الْحَنّاط: بائع الحنطة، والْحَوَّاط: الذين أحاطوا بالعرس، وذمها لأن المدعوين فيها الحاكة والخياطون، انتهى. ولم يتكلم عليه ابن بري في أماليه على
الصحاح بشئ، ولا الصفدي في حاشيته عليه وكتب ياقوت الموصلي الخطّاط على هامش الصحاح: الْحُوَّاط: القوم الذين يقومون على رءوس الناس في الدعوات، والرجز لدكين الراجز، انتهى: ونُدعَى: بضم النون وفتح العين، والْعِلج - بكسر العين - الرجل من كفار العجم، وَالشَّخِم - بفتح الشين وكسر الخاء المعجمتين - المنتن ودكين بالتصغير: راجز إسلامي من معاصري الفرزدق وجرير، وهو دكين ابن رجاء من بني فقيم، ومدح عمر ابن عبد العزيز وهو والي المدينة وله معه حكاية أوردها ابن قتيبة في كتاب (1) الشعراء وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والأربعون (من المتقارب) 46 - * عَلَيْهِ مِنَ اللُّؤْمِ سِرْوَالَةٌ * على أن السِّرْوَالَة واحد السراويل، وتمامه * فَلَيْسَ يَرِقُّ لِمُسْتَعْطِفِ * وقائله مجهول حتى قيل: إنه مصنوع واللؤم بالهمز الشح ودناءة الآباء، وتقدم الكلام عليه في الشاهد الثالث والثلاثين من شرح شواهد الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والأربعون، وهو من شواهد سيبويه (2) (من الرجز) قَدْ رَوِيَتْ إلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا * قُلَيِّصَاتٍ وَأُبَيْكِرِينا 47 - على أنه كان القياس دُهَيْدِهَات وَأبَيْكِرَات قال سيبويه (2) الدَّهْدَاه
حاشية الابل، فكأنه حقر دهاده فرده إلى الواحد، وهو دَهْداه، وأدخل الياء والنون كما تدخل في أرضين وسنين، وذلك حين اضطر في الكلام إلى أن يدخل ياء التصغير، وأما أبيكرينا فانه جمع الا بكر (كما يُجْمَعَ الْجُزْرَ وَالطُّرُق فتقول جُزُرات وَطُرُقَات) (1) ولكنه أدخل الياء والنون كما أدخلها في الدُّهَيْدِهِين. انتهى كلامه وقال ابن جني في سر الصناعة عند سَرْد ما جمع بالواو والنون من كل مؤنث معنوي كأرض أو مؤنث بالتاء محذوف اللام كُثَبة، ما نصُّه: " فإن قلت: فما بالهم قالوا: * قَدْ رَوِيْتَ إلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا * إلخ فجمعوا تصغير دَهْدَاه، وهو الحاشية من الإبل، وَأَبْكُراً، وهو جمع بَكْر بالواو والنون، وليسا من جنس ما ذكر؟ فالجواب أن أبكراً جمع بكر، وكل جمع فتأنيثه سائغ مستمر لأنه جماعة في المعنى، وكأنه قد كان ينبغي أبْكِرَة، وإذا ثبت أن أفْعُلا من أمثلة الجموع يجوز في الاستعمال والقياس تأنيثه، فصار إذن جمعهم إياها بالواو والنون في قوله " أُبَيْكرونا " إنما هو عوض من الهاء المقدرة، فجرى مجرى أرض في قولهم، وأما " دهيدهينا " فإن واحده دَهْدَاه فهو نظير الصِّرْمة فكأن الهاء فيها لتأنيث الفرقة، كما أن الهاء في عصبة لتأنيث الجماعة، فكأنه كان في التقدير دهداهة، فجمع الواو والنون تعويضاً من الهاء المقدرة، قال أبو علي: وحسن أيضاً جمعه بالواو والنون أنه قد حذفت ألف دهداه في التحقير، ولو جاء على الأصل لقيل دُهَيْدِيه، فواحد " دهيدهينا " إنما هو دُهَيْدِه، وقد حذفت الألف من مكبره، فكان ذلك أيضا مستهلا للواو والنون وداعياً إلى التعويض بهما، انتهى.
والبيتان من رجز أورده أبو عبيد في الغريب المصنف، قال: الحاشية صغار الإبل، والدَّهْداه مثل ذلك، قال الراجز: يَا وَهْبُ فَابْدأ بِبَنِي أبينَا * ثُمَّتَ ثَنِّ بِبَنِي أخِينَا وَجِيرَةِ الْبَيْتِ الْمُجَاوِرِينَا * قَدْ رَوِيَتْ إلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا إلاَّ ثَلاَثِينَ وَأرْبَعِينَا * قُلَيِّصَاتٍ وَأُبَيْكِرِينَا وقليصات: جمع مصغر قَلُوص، وهي الناقة الشابة، وأبَيْكِرِين: جمع أبيكر مصغر أبْكُر، وهو جمع بَكْر بالفتح، وهو في الإبل بمنزلة الشاب في الناس. وقد تكلمنا عليه بأبسط من هذا الشاهد الثالث والثمانين بعد الخمسمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والأربعون (من السريع) : 48 - * فِي كُلِّ يَوْمٍ ماو كل ليلاوه * على أن " ليلاه " في معنى ليلة، وعليه جاء التصغير في قولهم: لُيَيْلية، وجاء الجمع أيضاً في قولهم اللَّيَالي قال ابن جني في باب الاستغناء بالشئ عن الشئ من الخصائص (1) : " ومن ذلك استغناؤهم بليلة عَنْ لَيْلاه، وعليها جَاءتْ لَيالٍ، على أن ابن الأعرابي قد أنشد: في كُلِّ يَوْمٍ مّا وَكُلِّ لَيْلاَهْ * حَتَّى يَقُولُ كُلُّ رَاءٍ إذْ رَآهْ * يَا وَيْحَهُ منْ جَمَلٍ ما أَشْقَاهْ * وهذا شاذ لم يسمع إلا من هذه الجهة وقال في المحتسب أيضاً: " فأمَّا أهَالٍ فكقولهم ليال، كأن واحدهما أهلات
ولَيْلاَه، وقد مر بنا تصديقاً لقول سيبويه فإن واحدهما في التقدير ليلاة ما أنشده ابن الأعرابي: في كُلِّ يَوْمٍ مّا وَكُلِّ ليلاه * حتى يقول من رآه إذْ رَآهْ وقال السيوطي في شرح أبيات المغني: ونقل ابن جني في ذي القد (1) عن أبي علي أنه أراد " وكل ليلة " ثم أشبع فتحة اللام، فصارت ليلاة، انتهى: وفي العباب للصاغاني " يقال: كان الأصل ليلاه فحذفت الألف لأن تصغيرها لُيَيْلِية " وقال الفراء: ليلة كانت في الاصل ليلية، ولذلك صغرت لييلية، ومثلها الكيكةً البيضةُ، كانت في الأصل كيكية، وجمعها الكياكي، انتهى. " في كل يوم ما - إلخ " متعلق الجار في بيت قبله لم أقف عليه، والمعنى أعمله في كل يوم وكل ليلة، وأنشد السيوطي بعده البيتين فقال ابن الملا في شرح المغنى: في متعلقة بقوله ما أشقاه، ولم يذكر البيت الآخر، وما زائدة، ورواه ابن الملا " في كل ما يوم " وقال: ما زائدة، وقوله " إذ رآه " بحذف الهمزة، وهي عين الكلمة، والْوَيْح: كلمة ترحم تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، ومن " جمل " بيان للضمير في ويحه، " ما أشقاه " تعجب وهذا الرجز لم أقف على قائله، والله أعلم به وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والأربعون (من البسيط) : 49 - أمَا أقاتل عن ديني على فرس * ولا كذا رَجُلاً إلاَّ بِأَصْحَابِ على أن رجلاً بمعنى راجل، قال ابن يعيش (2) : ومن تصغير الشاذ قولهم رُوَيْجل في تصغير رجل، وقياسه رجيل، كأنهم صغروا راجلاً في معنى رجل وإن لم
لم يظهر به استعمال، كما قالوا: رجل في معنى راجل، وأنشد البيت، ثم قال: فكأنهم صغروا لفظاً وهم يريدون آخر والمعنى فيهما واحد، انتهى. وفي نوادر أبي زيد (1) قال حُيي بن وائل وأدرك قطريّاً (ابن الفجاءة) (2) الخارجي أحَدَ بني مازن: أما أقاتل عن ديني على فرس * ولا كذا رجلا إلا بأصحاب لقد لقيت إذن شراً وأدركني * ما كنت أزعم في خَصْمي مِنَ العاب قال أبو عمر الجرمي (3) : رجل راجل، قال السكري: قوله رجلاً معناه راجل، كما يقول العرب جاءنا فلان حافياً رجلاً أي راجلاً كأنه قال: أما أقاتل فارساً ولا كما أنا راجلاً إلا ومعي أصحاب لقد لقيت إذن شرّاً لو أني أقاتل وحدي ويقال راجل ورجال، قال تعالى: (فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) وكذلك (يأتوك رجالا (وعلى كل ضامر) (4)) ورَاجِلُ وَرَجْلَةٌ وَرَجُلٌ وَرِجَالٌ ورُجَالَى، والعاب العيب انتهى. والأول: ما بعد الآية على وزن فاعل، والثاني على وزن فَعْلَةٍ: - بفتح الفاء وسكون العين - والثالث: على وزن فَعْل بفتح الفاء وسكون العين، والرابع: على وزن فعَّال بضم الفاء وتشديد العين، والخامس: فُعَالَى بضم الفاء وتخفيف العين والقصر، قوله " لقيت إذاً شرّاً لو أني أقاتل وحدي " كذا رأيته في نسخة قديمة صحيحة، ورواه أبو الحسن الأخفش: أي إني أقاتل وحدي أي " إني " موضع " لو " والمعنى عليه كما يظهر بالتأمل، ويؤيده أن غير أبي زيد روى أن حُيي بن وائل خرج راجلاً يقاتل السلطان، فقيل له: أتخرج راجلاً (تقاتل) (4) ؟ فقال: أما أقاتلهم إلا على فرس، كذا قال الأخفش، وقال: قال أبو حاتم: قوله " أما
مخفف الميم مفتوح الألف، واحترز بهذا الضبط عن القراءة بكسر الهمزة وتشديد الميم فتكون أما بالتخفيف استفتاحية وحيى - بضم الحاء المهملة وفتح المثناة التحتانية الأولى وتشديد الثانية -: رجل من الخوارج وفي نسخ الشرح " أو هكذا رجلاَ إلا بأصحاب " وكذا في شرح الجاربردي في باب الجمع، وقال: معنى البيت الإنكار على من يرى أن مقاتلة هذا الشاعر لا تجوز إلا حال مصاحبته مع أصحابه، فقال: لم لا أقاتل منفرداً سواء أكون فارساً أو راجلاً، انتهى. وهذا المعنى مراده قطعاً، لكن في أخذه من البيت خفاء وفي تركيبه (1) تعقيد وقلاقة وينظر في هذا الاستثناء (2) ثم رأيت في أمالي الصحاح لابن بري قال بعد أن نقل كلام أبي زيد ما نصه: وقال ابن الأعرابي: قوله " ولا كذا ": أي ما ترى رجلاً (3) ، وقال المفضل: أمَا خفيفة بمعنى ألا، وألا تنبيه يكون بعدها أمر أو نهي أو إخبار (فالذي بعد أما هنا إخبار) (4) كأنه قال: أما أقاتل فارساً وراجلاً، وقال أبو علي في الحجة بعد أن حكى عن أبي زيد ما تقدم: فرجُل على ما حكى أبو زيد صفة ومثله نَدُسٌ وفطن وحذر
وأحرف نحوها، ومعنى البيت كأنه يقول: اعلموا أني أقاتل عن ديني وعن حسبي وليس تحتي فرس ولا معي أصحاب، انتهى كلام ابن بري المنسوب أنشد فيه، وهو الشاهد الخمسون (من الطويل) : 50 - كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَهَا * عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوانِعُ عَلَى أن فيه حذف مضاف، والتقدير كان أثر مجر أو موضع مجر، ومَجَرٌّ مصدر ميمي مضاف لفاعله، وذيولها: مفعوله، ولا يجوز أن يكون اسم مكان، فإنه لا يرفع فضلاً عن أن ينصب، وكذا اسم الزمان والآلة، وإنما كان بتقدير مضاف لأنه إن كان مصدراً فلا يصلح الإخبار عنه بقضيم، وإن كان اسم مكان فلا يصح نصبه المفعولَ، وروي بجر " ذيولها " فيكون بدلاً من الرامسات بدلَ بعض، وعليه فالمجر اسم مكان ولا حذف وقال ابن بري في شرح أبيات الإيضاح لأبي علي. قال أبو الحجاج: بل لابد من اعتقاد محذوفات ثلاثة يصح بها المعنى، تقديرها كأنَّ أثر موضع مجر الرامسات ذيولَهَا نَقْشُ قضيم، والرامسات: الرياح الشديدة الهبوب، من الرَّمْس وهو الدفن، وذيولها: مآخيرها، وذلك أن أوائلها تجئ بشدة ثم تسكن، والقضيم - بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة - حصير منسوج خيوطة سيور، وقال ابن بري: القضيم الجلد الأبيض عن الأصمعي وغيره، وقال يعقوب: الصحيفة البيضاء، وقال أيضاً: هو النِّطَع الأبيض، وقال صاحب العين: هو الحصير المنسوج تكون خيوطه سيوراً بلغة أهل الحجاز، شبه آثار الديار بنقش على ظهر مِبْنَاة، انتهى قال شارح ديوان النابغة: شبه آثار هذه الرامسات في هذا الرسم بحصير من
جريد أو أدم برمله الصوانع: أي تعمله وتخرزه، ومن فسر القضيم بجلد أبيض يكتب فيه كالأندلسي وابن يعيش والجاربردي لم يصب، فإن الصوانع جمع صانعة، والمعهود في نساء العرب النسيج وما أشبهه لا الكاتبة، والمعنى يقتضيه أيضاً، فإن الرَّمْل الذي تمر عليه الريح يشبه الحصير المنسوج، والعرب لا تعرف الكتابة رجالها فضلا عن نسائها، وإنما حدث فيها الخَطُّ والكتابة في الإسلام وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: يقول: كأن أثر جرّ الرياح الرامسات ذيولها على ذلك الربع قضيم: أي خطوط قضيم زينته بالكتابة النساء الحاذقات للكتابة، أو كان موضع الرامسات قضيم، شبه أثار جر الرياح بالخطوط في القضيم، أو موضِعَهَا الذي (1) هبّت عليه بالقضيم الْمُنَمَّق، وفي البيت سؤال وجواب، أما السؤال فإن المجَر اسم مكان، وقد عمل في ذيولها، وبيان كونه اسم مكان أنه أخبر عنه بقضيم، ولا يستقيم المجر بمعنى الجر لأنه يؤدي إلى تشبيهه وهو معنى بالرَّقِّ وهو عين، ولا معنى لذلك، والجواب أن اسم المكان لا يعمل باستقراء لُغتهم، وإذا وجدنا ما يخالفه وجب تأويله، وله هنا تأويلان: أحدهما: تقدير مضاف قبل مجر، والمجر مصدر، والتقدير كأنَّ موضع جر الرامسات، وهو خير من تقدير أثر، لئلا يحصل ما هرب عنه من الإخبار بقضيم إذ الأثر يشبه بالكتابة لا بالرق، وغرضنا هنا التشبيه بالرق، ولقائل أن يقول: لعل من قال إن تقديره كان أثر جر الرامسات قدر قبل قضيم مضافاً محذوفاً، وهو خطوط قضيم، فيصح المعنى، والثاني: أن يكون مجر موضعاً على ظاهره، والمضاف محذوف من الرامسات، كأنه قال: مجرجر الرامسات، هذا كلامه وهو ملخص من شرح المفصل للاندلسي، وقد نقله ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل، ورد قوله " تقدير موضع خير من تقدير أثر " بأنه لا فرق بينهما لان أثر الجر وموضع الجر واحد، إلا أن يتوهم متوهم أن أثره ما بقي من فعله، وموضعه مكان فعله، انتهى:
وقوله " والثاني أن يكون مجر موضعاً - إلخ " قال الأندلسي: والوجه الثاني أن يكون مجر موضعاً على ظاهره، والمضاف محذوف من الرامسات، كأنه قال: كأن مجرجر الرامسات، ويتأكد هذا بأمرين: أحدهما: مطابقة المشبه بالمشبه به، لأن فيه ذكر الموضع أولاً والأثر ثانياً، كما أن المشبه به ذكر فيه الرق أولاً والتنميق ثانياً، والآخر أن المحذوف مدلول عليه بمجر لان مجرا معناه الجر، فلم يقدر إلا بما دلَّ عليه، بخلاف التقدير الأول، فإن المؤدي إليه امتناع استقامته في الظاهر، وهو موجود بعينه ها هنا مع الوجهين الآخرين، ويضعف من جهة أن " ذيولها " تكون منصوبة بمصدر مقدر، والنصب بالمصدر المقدر لا يكاد يوجد، ومن أجل ذلك قدم التقدير الأول، انتهى. والبيت من قصيدة للنابغة الذبياني، قال بعد بيتين من أولها: تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا * لِسِتَّةِ أعوام واذ الْعَامُ سَابِعُ رَمَادٌ ككُحْلِ الْعَيْنِ ما إنْ تُبينُهُ * وَنُؤْيٌ كجِذْمِ الْحَوْضِ أثْلَمُ خَاشِعُ كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذيولها * عليه قضيم نمقته الصَّوانِعُ عَلَى ظَهْرِ مِبْنَاة جَديدٍ سُيُورُهَا * يَطُوفُ بِهَا وَسْطَ اللَّطِيمَةِ بَائِعُ توهمت: تفرست، وآيات الدار: علامات دار الحبيبة لا ندراسها، واللام بمعنى بعد، ورمادٌ ونؤيٌ استئناف لتفسير بعض الآيات: أي بعض الآيات رماد وبعضها نُؤْي، وإنْ: زائدة، وتبينه: تظهره، وفاعله إما ضمير ديار الحبيبة وإما ضمير المخاطب، والنؤى - بضم النون وسكون الهمزة - حفيرة تحفر حول الخباء، ويجعل تُرَابها حاجزاً لئلا يدخل المطر، والْجَذْمُ بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة: الأصل، والباقي. والخاشع: اللاطئ بالأرض قد اطمأن وذهب شخوصه، وقوله " كأن مجر الخ " ضمير عليه راجع إلى النؤى، وقال بعض شراح الشواهد: راجع إلى الربع، وليس الربع مذكوراً في الشعر، وإنما قاله على
التخمين، ونمقته: حسنته، والصوانع: جمع صانعة، من الصنع بالضم وهو إجادة الْفِعْل، وليس كل فعل صنعا (1) ، ولا يجوز نسبته إلى الحيوان غير الآدمي ولا إلى الجمادات وإن كان الفعل ينسب إليها، وقوله " على ظهر مبناة - إلخ " الْمِبْنَاة - بكسر الميم وسكون الموحدة بعدها نون - النطع بكسر فسكون وبفتحتين وكعنب بساط من أديم، وقال ابن برى: الْمِبْنَاةَ هي كَالْخِدْرِ تتخذ للعروس يبني بها زوجها فيه (2) ، ولذلك سميت مِبْنَاةً، وكانوا ينقشون النِّطْع بالقضيم وهي الصحف البيض تقطع وينقش بها الأدم تلزق عليه وتخرز، وقال الأصمعي: كانوا يجعلون الحصير المزين المنقوش على نطع ثم يطوفون به للبيع، قال قطرب: وسمي المسك لطيمة لأنه يجعل على الملاطم، وهي الخدود، انتهى. وقال غيره: واللطيمة بفتح اللام وكسر الطاء سوق فيها بز وطيب، يقول: القضيم الذي هو الحصير على هذا النطع يطوف بها بائع في الموسم، قال الأصمعي: كان من يبيع متاعاً يفرش نطعاً وَيَضَع عليه متاعه، والنطع يسمى مبناة، فيقول: نشر هذا التاجر حصيراً على نِطَعٍ، وإنما سميت مبناة لأنها كانت تتخذ قباباً، والقبة والبناء سواء، والانطاع يبني بها القباب والنابغة الذبياني شاعر جاهلي ترجمناه في الشاهد بعد المائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والخمسون (من الرجز) : 51 - * ذَكَّرْتَنِي الطعن وكنت ناسيا *
على أنه مثل يضرب في الحديث يستذكر به حديث غيره وأول من قاله رُهَيْم ابن حَزْن الْهِلاَلِي، وكان انتقل بأهله وماله من بلده يريد بلداً آخر، فاعترضه قوم من بني تغلب، فعرفوه وهو لا يعرفهم، فقالوا له: خَلِّ ما معك وانج بنفسك، قال لهم: دونكم المالَ ولا تتعرضوا لِلْحُرَم، فقال له بعضهم: إن أردت أن نفعل ذلك فألقِ رمحك، فقال: وإن معي لَرُمْحاً؟ فشدَّ عليهم، فجعل يقتل واحداً بعد واحد، وهو يرتجز ويقول: رُدُّوا عَلَى أقْرَبِهَا الأقَاصِيَا * إنَّ لَهَا بالمَشْرِفِيِّ حَادِيَا * ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ نَاسِيَا * وقيل: إن أصله أن رجلاً حمل على رجل ليقتله، وكان في يد المحمول عليه رمح فأنساه الدهش ما في يده، فقال له الحامل: ألْقِ الرمح، فقال الآخر: إن معي رمحاً لا أشعر به؟ * ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ نَاسِيَا * فحمل على صاحبه فطعنه حتى قتله أو هزمه، يضرب في تذكر الشئ بغيره، ويقال: إن الحامل صخر بن معاوية السلمي، والمحمول عليه يزيد بن الصَّعِق، كذا في غاية الوسائل إلى معرفة الأوائل تأليف إسماعيل بن هبة الله الموصلي الشافعي، واقتصر الزمخشري في مستقصى الأمثال على القول الأول والثالث وقوله " ردوا على أقربها " الضمير للإبل، والأقاصي: جمع أقصى وهو البعيد، والْمَشْرِفي - بفتح الميم والراء - السيف نسبة إلى مشارف على خلاف القياس (1) ، ومَشَارِف - بفتح الميم - اسم قرية يعمل فيها السيوف الجيدة،
والحادي: السائق، ورُهَيْم: مصغر رُهْم بضم الراء وسكون الهاء، وروي مكبراً أيضاً، وحَزْن - بفتح الهاء وسكون الزاي - وهو شاعر جاهلي وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والخمسون (من السريع) 52 - وَكُنْتُ كَالسَّاعِي إلى مثعب * موائلا من سبل، الرَّاعِدِ ضربه هنا مثلاً، وهو كقوله: المُسْتَجِيرُ بِعُمْرِهِ عِنْدَ كُرْبَتِهِ * كَالْمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ والبيت لسعيد بن حسان، وقبله: فَرَرْتُ مِنْ مَعْنٍ وَإفْلاَسِهِ إلَى الْيَزِيديّ أبِي وَافِدِ ومعن: هو معن بن زائدة الجواد المشهور المضروب (مثلاً) في الجود والكرم، وكان من أمراء الدولة الأموية والدولة العباسية، وإنما قال " وإفلاسه " لأن الإفلاس لازم للكرام في أكثر الأيام، واليزيدي: هو أحد أولاد يزيد بن عبد الملك، والساعي: من سَعَى الرجل إلى صاحبه: أي ذهب إليها، وَالْمَثْعب - بفتح الميم وسكون المثلثة وفتح العين المهملة - قال الجوهري: هو أحد مثاعب الحياض، وانثعب الماء: جرى في المثعب، والْمُوائل: اسم فاعل من واءل منه على وزن فاعَل: أي طلب النجاة وهرب، والْمَوْئل: الملجأ، وقد وأل يَئل وَأْلاً، أي لجأ، والسبل بالسين المهملة والباء الموحدة المفتوحتين: هو المطر، والراعد: سحاب ذو رعد، ويقال: رَعَدَتْ السماء رَعْداً من باب قتل ورُعُوداً: لاح منها الرعد، يقول أنا في التجائي إليه كالهارب من السحاب ملتجئأً إلى الميزاب، فقد وقعت في أشد مما هربت منه، ولم أر هذين البيتين إلا في تاريخ يمين الدولة محمود بن سبكتكين للعتبي، أوردهما تمثيلاً، ونسبهما إلى سعيد المذكور.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والخمسون (من الطويل) : 53 - وَلَسْتُ بِنَحْوِيّ يَلُوكُ لِسَانَهُ * وَلكِنْ سَلِيقِيٌّ أقول فأعرب على أن السليقي في النسبة لسليقة شاذ قال صاحب العباب: السليقة: الطبيعة، يقال: فلان يتكلم بالسليقة: أي بطبعة لا عن تعلم، وفي حديث أبي الأسود الدؤلي أنه وضع النحو حين اضطرب كلام العرب فغلبت السليقية: أي اللغة التي يسترسل فيها المتكلم بها على سليقته من غير تعهد إعراب ولا تجنب لحن، قال: * وَلَسْتُ بِنَحْوِيّ يَلُوكُ لِسَانَه * البيت ولم يتكلم عليه ابن بري في أماليه على الصحاح، ولا الصفدي في حاشيته عليه، وكذا أورده ابن الأثير في النهاية غير منسوب إلى قائله والنحوي: الرجل المنسوب إلى علم النحو، ويلوك لسانه: من لاك الشئ في فمه، إذا عَلَكَهُ، يريد التكلف والتصنع في الكلام، وسليقي: خبر مبتدأ محذوف: أي أنا سليقي، والقياس سَلَقي كحنفي في النسبة إلى حنيفة، وأعرب: من الإعراب، وهو القول المفصح عما في الضمير، وجملة " أقول - إلخ " صفة كاشفة لسليقي. ولم أقف على قائله، والله سبحانه أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والخمسون (من الوافر) 54 - جَرَى الدَّمَيَانِ بالْخَبَرِ الْيَقِينِ على أنه شاذ، والقياس الدَّمَانِ، لما سيأتي في البيت الذي بعده وقد أوردنا ما قيل فيه مستوفى في الشاهد الخامس والستين بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية
وهذا المصراع من أبيات ثلاثة لعلي بن بَدَّالٍ السّلمِيِّ، رواها ابن دريد في المجتبى، وهي: لَعَمْرِكَ إنَّنِي وَأَبا رَباحٍ * عَلَى حَالِ التكاشر منذ حين لا بغضه وَيُبْغِضُنِي وَأَيْضاً * يَرَانِي دُونَه وَأَرَاهُ دُونِي وَلَوْ أنَّا عَلَى جُحْرٍ ذُبِحْنَا * جَرَى الدَّمَيَانِ بِالْخَبَرِ الْيَقِينِ والتكاشر: المباسطة في الكشر وهو التبسم، ورواه ابن دريد في الجمهرة كذا * عَلَى طُولِ التَّجَاوُرِ مُنْذُ حِينِ * والْجُحْرُ - بضم الجيم وسكون الحاء -: الشق في الأرض، وقوله " جرى الدميان إلخ " أراد بالخبر اليقين ما اشتهر عند العرب من أنه لا يمتزج دم المتباغضين، وهذا تلميح، قال ابن الأعرابي: معناه لم يختلط دمي ودمه من بغضي له وبغضه لي، بل يجري دمي يَمْنَةً ودمه يسرة وقد استقصينا الكلام على معناه وإعلاله هناك، فليراجع ثمة وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والخمسون (من الكامل) : 55 - يَدَيَانِ بَيْضَاوَانِ عِنْدَ مُحَلِّم على أنه شاذ، والقياس يَدان بدون رَدِّ اللام المحذوفة، لأن هذه اللام لم ترد عند الإضافة إذا قلت: يَدُه قال ابن يعيش: وإذا لم يرجع الحرف الساقط في الإضافة لم يرجع في التثنية، ومثاله يَدٌ وَدَمٌ، فإنك تقول دَمَانِ ويَدَانِ، فلا ترد الذاهب، لانه لايرد في الإضافة، فأما قوله: * يَدَيَانِ بَيْضَاوَانِ ... البيت *
وقول الاخر: * جَرَى الدَّمَيَانِ ... البيت * وحمله (1) أصحابنا على القلة والشذوذ وجعلوه من قبيل الضرور، والذى أراه أن بعض العرب يقول في اليد يَداً في الأحوال كلها، يجعله مقصوراً كرحىً وفَتىً، وتثنيته على هذه اللغة يَدَيَانِ، مثل رَحَيَانِ، يقال منقوصاً ومقصوراً، وعليه قول الشاعر: فَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا * وَلَكنْ عَلَى أقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمَا انتهى: وقد أشبعنا الكلام عليه في الشاهد الرابع والستين بعد الخمسمائة، وتمامه: * قَدْ يَمْنَعَانِكَ أنْ تُضَامَ وَتُهْضَمَا * ومُحَلِّم - بكسر اللام -: اسم رجل، وضامه يضيمه بمعنى ظلمه، وكذا، هضمه وفيه روايات أخر ذكرناها هناك وأنشد هنا الجار بردى، وهو الشاهد السادس والخمسون (من الطويل) 56 - فَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا * وَلَكنْ عَلَى أقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمَا على أن دما أصله دَمَيٌ تحرك الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً فصار دماً كما في البيت، وهذا إنما يتم إذا كان فتح الميم قبل حذف اللام، وعلى أنّ يقطر بالمثناة التحتية، وعلى أن الدما بمعنى الدم، وفي كل منها بحث ذكرناه مفصلاً في الشاهد السادس والستين بعد الخمسمائة من شواهد شرح الكافية، والاعقاب:
جمع عَقِب - بفتح فكسر - وهو مؤخر القدم، والكلوم: جمع كَلْم - بفتح فسكون - وهو الجرح، يقول إذا جرحنا في الحرب كانت الجراحات في مقدمنا لا في مؤخرنا، وسالت الدماء على أقدامنا لا على أعقابنا، وتقدم بقية الكلام هناك وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والخمسون (من الطويل) : 57 - هُمَا نَفَثَا فِي فِي مِنْ فَمَوَيْهِمَا عَلَى أنه من قال في التثنية فموان قال في النسبة فموي، وفيه الجمع بين البدل والمبْدَل منه وهي الميم والواو، وتقدم بسط الكلام عليه في الشاهد السادس والعشرين بعد الثلاثمائة من شرح شواهد شرح الكافية، وتمامه * عَلَى النَّابِحِ الْعَاوِي أشَدَّ رِجَامِ * وضمير التثنية لا بليس وابن إبليس، ونفثا: ألْقَيَا على لساني، وأراد بالنابح هنا من تعرض لهجوه من الشعراء، وأصله في الكلب، ومثله العاوي، والرِّجام: مصدر راجَمة بالحجارة: أي راماه، وراجم فلان عن قومه إذا دفع عنهم، جعل الهجاء في مقابلة الهجاء كالمراجعة، لجعله الهاجي كالكلب النابح والبيت آخر قصيدة للفرزدق قالها في آخر عمره تائباً إلى الله تعالى مما فرط منه من مهاجاته الناس، وذمّ فيها إبليس لإغوائه إياه في شبابه، وقد أوردنا غالب أبيات القصيدة هناك وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والخمسون (من الطويل) 58 - تَزَوَّجْتُهَا رَامِيَّةً هُرْمُزِيَّةً * بِفَضْلِ الَّذِي أَعْطى الأَمِيرُ مِنَ الرِّزْقِ على أن جاء النسبة إلى الجزأين في رامهرمز، قال أبو حيان في الارتشاف: وتركيب الْمَزْج تحذف الجزء الثاني منه، فتقول في بعلبك: بَعْلِيٌّ، وأجاز الجرمي
النسب إلى الجزء الثاني مقتصراً عليه، فتقول: بَكّيٌّ، وغير الجرمي كأبي حاتم لا يجيز ذلك إلا منسوباً إليهما قياساً على " رامية هرمزية " أو يقتصر على الاول، انتهى قال ياقوت في معجم البلدان: معنى رام بالفارسية المراد والمقصود، وهرمز أحد الا كاسرة، فكأن هذه اللفظة مركبة معناها المقصود هرمز وقال حمزة: رامهرمز: اسم مختصر من رامهرمز أزدشير، وهي مدينة مشهورة بنواحي خورستان، والعامة يسمونها رامز كسلاً مهم من غير تتمة اللفظ، وفي رامهرمز يجتمع النخل والجوز والثلج والاترج، وليس ذلك يجتمع بغيرها من مدن خورستان، وقد ذكرها الشعراء، فقال وَرْدُ بن الوَرْدِ الجعدي: أمُغْتَرِباً أصْبَحْتُ في رَامَهُرْمُز * ألا كُلُّ كَعْبِيٍّ هُنَاكَ غَرِيبُ إذَا رَاحَ رَكْبٌ مُصْعِدُونَ فَقَلْبُهُ * مَعَ الْمُصْعِدِينَ الرَّائِحِينَ جَنِيبُ وَلاَ خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ تَزُرْ بِهَا * حَبِيباً وَلَمْ يَطْرَبْ إلَيْكَ حَبِيبُ انتهى وقوله " رام بمعنى المقصود " هذا غير معروف في تلك اللغة، وإنما معناها عندهم: المطيع، والمنقاد، واسم يوم من أيام كل شهر. والفضل: الزيادة، والرزق: ما يعطى الجندي في الشهر أو في السنة من بيت مال المسلمين والبيت أنشده صاحب العباب ولم يَعْزُهُ إلى أحد، وقال الشاطبي: أنشده السيرافي غُفلاً، ولم أقف على قائله ولا تتمته، والله أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والخمسون (من الطويل) 59 - * طَبيبٌ بِمَا أَعْيَا النِّطَاسِيَّ حِذْيَمَا * على أن الأصل " ابْن حذيم " فحذف ابن لظهور المراد وشهرته عند المخاطب، وهو بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح المثناة التحتية، قال ابن الأثير
في المرصع: ابن حِذْيَم: شاعر في قديم الدهر، يقال: إنه كان طبيباً حاذقاً يضرب به المثل في الطب، فيقال: أطَبُّ بالكي من ابن حِذْيم، وسمّاه أوس حِذْيَماً فقال * عَلِيمٌ بِمَا أعْيَا النِّطَاسِيَّ حِذْيَماً * انتهى: وقال ابن السكيت في شرح ديوان أوس: حِذْيَمٌ: رجل من تيم الرباب، وكان متطببا عالماً، هذا كلامه فعنده أن الطبيب حذيم لا ابن حذيم، وتبعه صاحب القاموس، فلا حذف فيه ولا شاهد، وبقية الكلام عليه مذكورة في الشاهد الرابع عشر بعد الثلاثمائة وهذا عجز، وصدره: * فَهَلْ لَكُمُ فيهَا إلَيَّ فَإِنَّنِي * وهو من أبيات لأوس بن حجر قالها لبني الحارث بن سَدُوس بن شيبان، وهم أهل القرية باليمامة حيث افتسموا معزاه، وقد شُرِحَت هناك، وقوله " فهل لكم فيها " أي: في ردها، والضمير للمعزي وقوله " بما أعيا " فاعله ضمير ما الموصولة الواقعة على الداء: أي أنني حاذق بالداء الذي أعجز الأطباء في مداواته، والنِّطاسي بكسر النون - قال ابن السكيت: هو العالم الشديد النظر في الأمور وبعده (من الطويل) : فأُخْرِجَكُمُ مِنْ ثَوْبٍ شَمْطَاءَ عَارِكٍ * مُشَهَّرَةٍ بَلَّتْ أسَافِلَهُ دَماً والشمطاء: المرأة في رأسها شَمَط - بالتحريك - وهو بياض شعر الرأس يخالطه سواد، والعارك: الحائض، ومشهرة: من الشهرة، وهو وضوح الأمر، يقول: هل لكم ميل في ردِّ مِعْزَاي إليَّ فأخرجكم من سبة شنعاء تلطخ أعراضكم وتدنسها كما تدنس الحائض ثوبها بالدم فأغسله عنكم، وهذا مثل ضربه
وأنشد بعده، وهو الشاهد الستون (من الطويل) 60 - وما أنا كنتي وما أنا عاجن * وشر الرِّجَالِ الْكُنْتُنِيُّ وعَاجِنُ على أنه قيل في النسبة إلى كنتُ " كنتي " بلا نون، " وكنتني " بنون، في الصحاح: قال أبو عمرو: يقال للرجل إذا شاخ: كنتي، كأنه نسب إلى قوله كنت في شبابي كذا، وأنشد البيت كذا (من الطويل) فَأَصْبَحْتُ كُنْتَيًّا وَأَصْبَحْتُ عَاجِناً * وشَرُّ خِصَالِ الْمَرْءِ كُنْتُ وعَاجِنُ وقال في مادة عجن أيضاً: وعجن الرجل إذا نهض معتمداً على الأرض من الكبر، أنشد البيت أيضاً. ولم يتعرض له ابن برى بشئ ولا الصفدي فيما كتبا عليه، وكذلك أورده ابن يعيش ثم قال: ومنهم من قال كنتني فزاد نون الوقاية مع ضمير الفاعل، كأنه حافظ على لفظ كنت ليسلم كنت من الكسرة، قال الشاعر أنشده ثعلب (من الطويل) وما أنا كنتي وما أنا عاجن * وشَرُّ الرِّجَالِ الْكُنْتُنِيُّ وعَاجِنُ وقد أعاب أبو العباس كنتياً (1) ، وقال: هو خطأ وقال ابن جني في سر الصناعة: أنشد أبو زيد (من الوافر) إذَا مَا كُنْتَ مُلْتَمِساً لِقُوتٍ * فَلاَ تَصْرُخْ بِكُنْتِيّ كَبِيرُ وأنشد أحمد بن يحيى (من الطويل) فَأَصْبَحْتُ كُنْتيّاً وَأَصْبَحْتُ عَاجِناً * وَشَر خِصَالِ الْمَرْءِ كُنْتُ وَعَاجِنُ فقوله " كنتياً " معناه أن يقول: كنت أفعل في شبابي كذا، وكنت في حداثتي أصنع كذا، و " كنت " فعل وفاعله التاء، ومن الأصول المستمرة أنك لو سميت رجلاً بجملة مركبة من فعل وفاعل ثم أضفت إليه: أي نسبت لأوقعت الإضافة على الصدر وحذفت الفاعل، وعلى ذلك قالوا في النسبة إلى تأبط شراً: تأبطي، وفي قمت: قومي، حذفوا التاء وحركت الميم بالكسرة التي تجلبها ياء الإضافة، فلما تحركت
رجعت الواو التي كانت سقطت لسكونها تلك الواو عين الفعل من قام فقلت قومِيّ، وكَذا كان القياس أن تقول في كنت: كُونِيٌّ، تحذف التاء لأنها الفاعل وتحرك النون فترد الواو التي هي عين الفعل، فقولهم " كنتي " وإقرارهم التاء مع الياء الإضافة يدل على أنهم قد أجروا ضميرا الفاعل مع الفعل مجرى دَال زيد من زائه ويائه، وكأنهم نَبَّهوا بهذا على اعتقادهم قوة اتصال الفعل بالفاعل، وأنهما قد حلا جميعاً محل الجزء الواحد، انتهى كلامه ولم أقف على قائله والله أعلم. وأنشد بعده (من الكامل) 11 - يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ وتقدم شرحه في الشاهد الحادي عشر وأنشد بعده، وهو البيت الحادي والستون (من الطويل) 61 - وَمَا أنَا وَحْدِي قُلْتُ ذَا الشِّعْرَ كله * ولكن لشعري فيك مِنْ نَفْسِهِ شِعْرُ وهو من قصيدة للمتنبي يمدح بها على بن عامر الأنطاكي، قال الواحدي: يقول ما انفردت أنا بإنشاء هذا الشعر، ولكن أعانني شعري على مدحك لأنه أراد مدحك كما أردته، والمعنى من قول أبي تمام (من البسيط) تَغَايَرَ الشِّعْرُ فِيهِ إذْ سَهِرْتُ لَهُ * حَتَّى تَكَادُ قَوَافِيهِ سَتَقْتَتِلُ انتهى، ومثله للمتنبي أيضاً (من الطويل) لك الحمد في الدار الَّذِي لِيَ لَفْظُهُ * وَإنَّكَ مُعْطِيهِ وَإنِّيَ نَاظِمُ وقد أكثر الناس تداول هذا المعنى، قال ابن الرومي (من الوافر) وَدُونَك مِنْ أقَاوِيلِي مَديحاً * غَدَاً لَكَ دُرُّهُ وَلِيَ النِّظَامُ
وقال أبو إسحق الغزي (من الطويل) مَعَانِيْكَ فِي الأَشْعَارِ تَنْظِمُ نَفْسَهَا * وَمَنْ لَمْ يَخُنْهُ السَّجْلُ والشَّطَنُ اسْتَقَى وله أيضاً: (من الطويل) وَمَا أنَا فِي مَدْحِيكَ إلاَّ كماسِحٍ * بِكَفَّيْهِ مَتْنَ السَّيْفِ وَهْوَ صَقِيلُ وقال تميم بن المعز (من الطويل) وَسَارَ بِمَدْحِي فِيكَ كُلُّ مُهَجِّرٍ * وَغَنَّى به فِي السَّهْلِ وَالْوَعْرِ مَنْ يَحْدُو وصَاغَتْ لَهُ عُلْيَاكَ حُسْناً وَزينَةً * وَحِيكَ بِهَا مِنْ حَلِيْ ألْفَاظِهَا بُرْدُ وَلَيْسَ لِكُلِّ النَّاسِ يُسْتَحْسَنُ الثَّنَا * كَمَا لَيْسَ فِي كُلِّ الطُّلاَ يَحْسُن الْعِقْدُ وقال الخفاجي (من الطويل) وَلِي فِيكَ مِنْ عز الْقَوَافِي قَصَائِدٌ * تُقَبِّلُ أفْوَاهَ الرُّوَاةِ لَهَا رَشْفاً وَمَا أدَّعِي دُرَّ الْكَلاَمِ لأَنَّهُ * صِفَاتُكَ إلا أنَّنِي لا أُحْسِنُ الرَّصْفا وقال ابن المعلم (من البسيط) أخّذْتُ مِنْكَ الَّذِي أُثْنِي عَلَيْكَ بِهِ * فَأَنْتَ لاَ أَنَا بالنُّعْمَى مُؤَلِّفُهُ فَمَا أتَيْتُ بِشِعْرٍ بِتُّ أنْظِمُهُ * لِلْمَدْحِ فِيكَ وَلاَ شِعْرٍ أُصَنِّفُهُ وقال الصفي الحلي: (من الخفيف) لَيْسَ لِي فِي صِفَاتِ مَجْدِكَ فَضْلٌ * هِي أبْدَتْ لَنَا بَدِيعَ الْمَعَانِي كُلَّمَا بَدَّعَتْ سَجَايَاكَ مَعْنًى * نَظَمَتْ فِكْرَتِي وَخَطَّ بَنَانِي وقال ابن قلاقس (من الوافر) وَمِنْكَ وَفِيكَ تَنْتَظِمُ الْقَوَافِي * وَمَنْ وَجَدَ الْمَقَالَ الرَّحْبَ قَالاَ وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والستون: (من البسيط) 62 - دَعِ الْمَكَارِمَ لاَ تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا * وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أنْتَ الطاعم الكاسي
على أن الطاعم والكاسي للنسبة: أي ذو كسوة وذو طعام والبيت من قصيدة للحطيئة هجا بها الزبرقان بن بدر، قال شارح ديوانه: أي أنك ترضى بأن تشبع وتلبس، يقال: كَسِيَ الرجل يَكْسَى إذا اكتسى، ولما بلغ الزبرقان قول الحطيئة " دع المكارم - البيت " استعدى عليه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فقال يا أمير المؤمنين، هجاني، قال: أنشدني الذي هجاك فأنشده الزبرقان قول الحطيئة هذا، فقال عمر: ما أراه هجاك ولكنه مدحك، فقال الزبرقان: اجعل بيني وبينه حسان بن ثابت، فبعث عمر رضي الله عنه إلى حسان، فلما أتاه أنشده قول الحطيئة، فقال حسان: يا أمير المؤمنين ما هجاه ولكن سلح عليه، انتهى. وقد ذكرنا في الشاهد الرابع عشر بعد المائتين من شواهد شرح الكافية سبب هجو الحطيئة للزبرقان، ومن هذه القصيدة أزْمَعْتُ يَأساً مُبِيناً مِنْ نَوَالِكُمُ * ولن ترى طاردا للحر كَالْيَاسِ وما أحسن هذا البيت: مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لاَ يَعْدَمْ جَوَازِيَهُ * لاَ يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ الله وَالنَّاسِ وترجمة الحطيئة تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين بعد المائة من شرح شواهد شرح الكافية. الجمع أنشد فيه، وهو الشاهد الثالث والستون، وهو من شواهد سيبويه: من الكامل) 63 - عَنْ مُبْرِقَاتٍ بِالْبُرِينَ وَتَبْدُو * بالأَكُفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ على أن ضم الواو لضرورة الشعر وهذا نص سيبويه " وأما فُعُل فإن الواو فيه تسكن لاجتماع الضمتين والواو
فجعلوا الإسكان فيها نظيراً للهمزة في الواو في أدؤر وقؤول، وذلك قولهم: عوان وعون، ونَوَار ونُور، وقَوُول، وقوم قُولٌ، وألزموا هذا الاسكان، إذ كانوا يسكنون غير المعتل نحو رسل وعضد ونحو ذلك، ولذلك آثروا الإسكان فيها على الهمزة حيث كان مثالها يسكن للاستثقال، ولم يكن لادؤر وقؤول مثال من غير المعتل يسكن فيشبه به ويجوز تثقيله في الثعر كما يضعفون فيه مالا يضعف في الكلام، قال الشاعر وهو عدي بن زيد: * وَفِي الأَكْفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ * انتهى كلامه. قال الأعلم: الشاهد فيه تحريك الواو من سُوُرْ بالضم على الأصل تشبيهاً للمعتل بالصحيح عند الضرورة، فالمستعمل في هذا تسكين الثاني تخفيفا، إذ كان التخفيف جائزاً في الصحيح في مثل الحُمْر والرُّسْل، فلما كان في الصحيح جائزاً مع خفته كان في المعتل لازماً لثقله، والسُّوُر: جمع سِور. وأراد بالأكف المعاصم فسماها باسمها لقربها منها، انتهى. وقال ابن جني في شرح تصريف المازني: تثقيل مثل هذا إنما يجئ لضرورة الشعر كقوله: (من المتقارب) أغَرُّ الثَّنَايَا أحَمُّ اللِّثَاثِ * تَمْنَحُهُ سُوُكَ الإِسْحِلِ وحكى أبو زيد رجل جواد وقوم جُوْدٌ وجُودُ، قال: وقالوا رجل قوول من قوم قُوُل، وقولهم سُوُر جمع سِوَار وسُوُك جمع سِواك، ولم أسمع شيئاً من هذا مهموزاً وهمزه جائز في القياس لأن الضمة في الواو لازمة، فإن كانوا قد أجمعوا على ترك همزهِ فإنما فعلوا ذلك لئلا يكثر تثقيل هذا الضرب في كلامهم فيحتاجوا إلى همزة هرباً من الضمة في الواو، فحسموا المادة أصلاً بأن ألزموه التخفيف في الأمر العام لا غير، انتهى.
والبيت من قصية لعدي بن زيد بن أيوب العبادي أولها: قَدْ حَانَ إنْ صَحَوْتَ أنْ تُقْصِرْ وَقَدْ أتَى لما عهدتَ عُصُرْ عَنْ مُبْرِقَاتٍ بِالْبُرِيْنَ وَتَبْدُو البيت بِيضٌ عَلَيْهِنَّ الدِّمَقْسُ وَفِي ال * أَعْنَاقِ مِنْ تحت الاكفة ذر كَالْبِيضِ في الرَّوْضِ المُنَوِّرِ قد * أفْضَى بِهِنَّ إلى الكثيب نُهر بِأرج من أرْدَانِهِنَّ مَعَ المسك * الزّكِيِّ زنبق وقُطُر جَارَيْتُهُنَّ فِي الشَّبَابِ وَإذْ * قَلْبِي بِأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ غِرْ قوله " قد حان " أي: قرب، وإن: شرطية، وجوابها محذوف يدل عليه ما قبلها، وصحوت: خطاب لنفسه، والصحو: الافاقة من السكر، وروي " لو صحوت " ولو للتمني، وقيل: شرطيةٌ ما قبلها دليل جوابها، وقوله " أن تقصر " بفتح أنْ وهي مع ما بعدها في تأويل مصدر مرفوع فاعل " حَانَ " وسكن الراء للوقف، وقيل: إنها مهملة هنا، وتُقْصر مرفوع، وهي لغة لبعض العرب يُجْرُونها مُجْرَى ما، وتقصر من أقصر عن الشئ إذا كف عنه وانزجر، قال الجوهري: أقصرت عنه كففت ونزعت مع القدرة عليه، فإن عجزت قلت قَصَرْت بلا ألف، وقوله " وقد أتى - إلخ " جملة حالية من فاعل تقصر، وقيل: جملة اعتراضيه، وعُصُر فاعل أتى، وهو بضمتين بمعنى الْعَصْر بفتح فسكون، واللام بمعنى على، والمعنى أتى زمن الشيوخة على ما عهدت من زمن الشباب، وقوله " عن مبرقات " متعلق بتقصر، قال صاحب العباب: أبرقت المرأة إذا تحسنت وتزينت: ثم قال: وبرقت المرأة إذا تحسنت وتعرضت مثل أبرقت، وَالْبُرِين: جمع بُرَة - بضم الباء - وهي الْخِلْخَالُ يكون في أرْجل النساء، وهذا الجمع على
خلاف القياس (1) ، وتبدو: تظهر، وفاعله ضمير المبرقات، والفعل معطوف على مُبْرِقات لأنه في معنى يُبْرِقن، والباء في " بالأكف " بمعنى على متعلقة بمحذوف خبر مقدم، وسُوُر: جمع سوار، هو ما تلبسه النساء في سواعدهن، مبتدأ مؤخر، والجملة حال من فاعل تبدو المستتر، والرابط إما محذوف: أي وعلى الأكف منها، وإما " أل " في الأكف، لأنها عوض (2) عن الضمير، والأصل " وبأكفها " والمعنى قد مضى دَهْرٌ بعد شبابك، فقد حان أن تكف عن النساء التي تتزين بزينتها وتظهر للرجال بها وقد روى الأندلسي - وتبعه بعضهم - هذين البيتين كذا: قَدْ آنَ لَوْ صَحَوْتَ أنْ تُقْصِرْ * وَقَدْ أتَى لِمَا عَهَدْتَ عُصُرْ عَنْ مُبْرِقَاتٍ بِالْبُرَى وَتَذَرْ * وَفِي الأَكُفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ وقال: الْبُرَى بالقصر جمع بُرّة، وهي الحلقة، والمراد هنا الحلى، والباء للتعدية، وقوله " تذر " عطف على " تقصر " وقوله " وفي الأكف " يريد في أذرع الأكف لأن السوار إنما يكون في الذراع لا الأكف، هذا كلامه وقوله " بيض " جمع بَيْضاء: أي حسناء، وَالدِّمْقْسُ - بكسر الدال وفتح الميم -: الحرير الأبيض، والأكفَّة: جمع كفاف بالكسر، كأسْوُرَة جمع سِوار، والكفاف: الخياطة الثانية، والشل: الخياطة الأولى، وقوله " كالْبَيْضِ " بالفتح جمع بيضة النعام، والمنوِّر: بكسر الواو المشددة، و " نهر " بضمتين: جمع نَهَر بفتحتين، ويَأْدَج: يفوح، " وقُطُر " بضمتين: العود الذي يتبخر به، وقوله
" جاريتُهُنَّ " التفات من الخطاب إلى التكلم، " وغر " بكسر العين المعجمة، يقال: رجل غر: أي غير مجرب للأمور وعدي بن زيد شاعر جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد الستين من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد الجاربردي هنا (1) (من البسيط) 49 - أمَا أُقَاتِلُ عَنْ دِينِي عَلَى فَرَسِي * أوْ هكَذَا رَجُلاً إلاَّ بِأَصْحَابِي وتقدم شرحه في الشاهد التاسع والأربعين وأنشد بعده أيضاً، وهو الشاهد الرابع والستون (من الكامل) 64 - مَا زِلْتَ تَحْسِبُ كُلَّ شئ بَعْدَهُمْ * خَيْلاً تَكُرُّ عَلَيْكُمُ وَرِجَالاَ على أن " رِجَالاً " فيه بمعنى رَجَّالَة بفتح الراء وتشديد الجيم جمع راجل، هذا معناه، وأما لفظه فهو جمع رَجُل - بفتح فضم - صفة مشبهة بمعنى راجل، وكذا رجال في قول الأخطل. وَبَنُو غَدَانَةَ شَاخِصٌ أبْصَارُهُم * يَسْعَوْنَ تَحْتَ بُطُونِهِنَّ رِجَالاً قال السكري في شرحه الرِّجَال المشاة الرَّجَّالة والبيت من قصيدة لجرير هجا بها الأخطل التغلبي النصراني وكان الأخطل هجا جريراً قبل بقصيدة مطلعها: كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ * غَلَسَ الظَّلاَمِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالاَ فعارضه جرير بهذه القصيدة، وهى إحدى الملحمات ومطلعها:
حَيِّ الْغّدَاةَ بِرَامَةَ الأَطْلاَلاَ * رَسْماً تَقَادَمَ عَهْدُهُ فَأَحَالاَ إلى أن قال: قَبَحَ الإلهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ إنها * هانت على معاطسا وسبالا عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ * وَبِجِبْرِيلَ وَكَذَّبُوا مِيكَالاَ لا تطلبن خؤولة من تغلب * الزنح أكْرَمُ مِنْهُمُ أخْوَالاَ لَوْ أنَّ تَغْلِبَ جَمَّعَتْ أحسابها * يوم التفاضل لَمْ تَزِنْ مِثْقَالاَ وَالتَّغْلِبِيُّ إذَا تَنَحْنَحَ لِلْقِرَى * حَكَّ أسْتَهُ وَتَمَثَّلَ الأَمْثَالاَ إلى أن خاطبه وقال: أنِسِيتَ قَوْمَكَ بِالْجَزِيرَةِ بَعْدَمَا * كَانَتْ عُقُوبَتُهُ عَلَيْكَ نَكَالاَ ألاَّ سأَلْتَ غثاء دجلة عَنْكُمُ * وَالْخَامِعَاتِ تُجَزِّرُ الأَوْصَالاَ حَمَلَتْ عَلَيْكَ حُمَاةُ قَيْس خَيْلُهُمْ * شُعُثاً عوابس تحمل الابطالا ما زلت تحسب كل شئ بَعْدَهَا * خَيْلاً تَشُدُّ عَلَيْكُمُ ورِجَالاَ زُفَرُ الرَّئِيسُ أبُو الْهُذَيْلِ أتاكُمُ * فَسَبَا النِّسَاءَ وَأحْرَزَ الأَمْوَالاَ وأشار بهذه الأبيات إلى ما جرى على تغلب بجزيرة ابن عمر (1) من القتل والسبي والنهب وكان سبب هذه الوقيعة بهم أن بني تغلب لما قتلوا عمير بن الحباب في موضع قرب الثرثار من تكريت أتى أخوه تميمُ بن الحباب زفرَ بن الحارث وسأله الأخذ بثأره فكره ذلك، فشجعه ابنه الهذيل بن زفر، فرضي، فتوجه تميم بمن معه من
قيس حتى انتهوا إلى الثرثار، فوجه زفر زيد بن حُمْرَان في خيل إلى بني فدو كس من تغلب فقتل رجالهم واستباح نساءهم، وبعث ابنه الهذيل إلى بني كعب بن زهير فقتلهم قتلاً ذريعاً، وبعث مسلم بن ربيعة إلى ناحية أخرى فأسرف في قتلهم، وبلغ ذلك بني تغلب فارتحلوا يريدون عبور دجلة، فلحقهم زفر بالكحيل، وهو نهر على أسفل الموصل على عشرة فراسخ، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وترجل أصحاب زفر أجمعون، وبقي زفر على بغلة له، فقتلوهم من ليلتهم، وبقروا بطون النساء، وكان من غرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف وقوله " ألا سألت غثاء دجلة " الْغُثاء - بالضم والمد -: ما يطفو على الماء من حطب وزبد ونحوه، يريد به من قتل من تغلب، والخامعات - بالخاء المعجمة -: الضباع، وتجوز: تقطع، والأوصال: جمع وصل - بالكسر - وهو مفصل العضو، يريد أنها تأكل قتلاهم، وقوله " ما زلت تحسب إلخ " خطاب للأخطل، وضمير " بعدها " للجزيرة وروي " بعدهم " فالضمير لقيس ومن معهم، وتكر عليكم: تحمل عليكم، وكذا " نشد " بمعناه، وقد أخذ المتنبي هذا المعنى فقال (من البسيط) وَضَاقَتِ الأَرْضُ حَتَّى كَانَ هَارِبُهُمْ * إذَا رأى غير شئ ظَنَّهُ رَجُلاَ وقد كرر جرير هذا المعنى فقال في قصيدة أخرى (من الطويل) وَلَوْ أنَّهَا عُصْفُورَةٌ لَحَسِبْتَهَا * مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيْداً وأزْنَمَا والمسومة: الخيل المعلمة في الحرب، وعبيد بالتصغير، وأزنم بالزاي والنون: قبيلتان من يربوع، قال صاحب مناقب الشبان - عند هذا البيت - نظيرُهُ قول جرير أيضاً: * ما زِلت تحسب كل شئ بعدهم * البيت ويروى أن الأخطل لما سمع هذا البيت قال: قد استعان عليه بالقرآن، يعني قوله تعالى: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) والمعنى في الآية بأجل لفظ وأحسن
اختصار، وقريب من هذا البيت وليس مثله قول الآخر (من الطويل) إذَا خَفَقَ الْعُصْفُورُ طَارَ فُؤَادُهُ * وَلَيْثٌ حَدِيدُ النَّابِ عِنْدَ الثَّرَائِدِ انتهى. وقد أنشده صاحب الكشاف عند تفسير (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عليهم) قال: ومنه أخذ الأخطل: * مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كل شئ بَعْدَهُمْ * انتهى، وصوابه ومنه أخذ جرير كما ذكرنا. وترجمة جرير تقدمت في الشاهد الرابع من شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده أيضاً، وهو الشاهد الخامس والستون (من الرجز) 65 - فَتَسْتَرِيْحَ النَّفْسُ مِنْ زَفْرَاتِهَا على أن إسكان الفاء من زَفْرَاتِهَا ضرورة، والقياس فتحها، قال ابن عصفور في كتاب الضرائر في فصل نقص الحركة للضرورة: ومنه قول ذي الرمة (من الطويل) . أبَتْ ذِكَرٌ عَوَّدْنَ أحْشَاءَ قَلْبِهِ * خُفُوقاً وَرَفْضَاتُ الْهَوَى فِي الْمَفَاصِلِ حكم لرفضات وهي اسم بحكم الصفة، ألا ترى أن رفضات جمع رَفْضة، ورفضة اسم، والاسم إذا كان على وزن فَعْلَة، وكان صحيح العين فإنه إذا جمع بالألف والتاء لم يكن بد من تحريك عينه اتباعاً لحركة فائه نحو جَفْنَة وَجَفَنَات، وإذا كان صفة بقيت العين على سكونها، نحو ضخمة وضخمات، وإنما فعلوا ذلك فرقاً بين الاسم والصفة، وكان الاسم أولى بالتحريك لخفته، واحتمل لذلك ثقل الحركة، وأيضاً فإن الصفة تشبه الفعل لأنها ثانية عن الاسم غير الصفة، كما أن الفعل ثان عن الاسم، فكما أن الفعل إذا لحقته علامة جمع نحو ضربوا ويضربون
لم يغير، فكذلك لم تغير الصفة إذا لحقتها علامتا الجمع وهما الألف والتاء، فكان ينبغي على هذا أن يقول: إلا أنه لما اضطر إلى التسكين حكم لها بحكم الصفة فسكن العين، ومما يبين لك صحة ما ذكرته من أن تسكين العين إنما هو بالحمل على الصفة أن أكثر ما جاء ذلك في الشعر إنما هو مصدر لقوة شبه المصدر باسم الفاعل الذي هو صفة، ألا ترى أن كل واحد منهما قد يقع موقع صاحبه، يقال: رجل عَدْل: أي عادل، فوقه المصدر موقع اسم الفاعل، وقال تعالى (لَيْسَ لوقعتها كاذبة) أي كذب، فوقع كاذبة وهو اسم الفاعل موقع كذب وهو مصدر، انتهى. وهذا البيت من رجز أوله: عَلَّ صُرُوفَ الدَّهْرِ أوْ دَوَلاَتِهَا * يُدِلْنَنَا اللَّمَّةَ مِنْ لَمَّاتِهَا فَتَسْتَرِيحَ النَّفْسُ مِنْ زَفْرَاتِهَا * وَتَنْقَعَ الْغُلَّةَ مِنْ غُلاَّتِهَا وفيه شواهد: الأول علّ بفتح اللام وكسرها، استدل به البصريون على أن عل أصله عل واللام في أولها زائدة، وردوا على الكوفيين في زعمهم أنها أصلية، وقد ذكرنا ما يتعلق به في الحروف المشبهة بالفعل من شرح شواهد شرح الكافية. الثاني: روى بجر " صروف " واستدل به على أن عَلَّ حرف جر، وقد تقدم الكلام عليه هناك. الثالث: نصب المضارع بأن بعد الفاء في جواب الترجي وهو نصب " تستريح " قال الفراء عند تفسير قوله تعالى (لعلى أبلغ الاسباب أسباب السموات فأطلع) بالرفع يرده على قوله " أبلغ " ومن جعله جواباً للعلي نصبه، وقد قرأ به بعض القراء، قال: وأنشدني بعض العرب * عَلَّ صُرُوفُ الدَّهْرِ * إلى آخر الابيات الثلاثة الاول، وقال: فنصب على الجواب بلعل، وأنشده أيضاً في سورة " عَبَسَ " قال: قد اجتمع القراء على (فتنفعه الذكرى) بالرفع، ولو كان نصباً على جواب الفاء للعلَّ كان صواباً، أنشدني بعضهم * عَلَّ صروف الدهر * إلى آخر الأبيات الأربعة. ولم يذكر قائل الرجز في الموضعين.
وتبع ابن مالك الفراء لوروده في النظم والكلام الفصيح، كما تقدم. قال أبو حيان في الارتشاف: وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن ينتصب الفعل بعد الفاء في جواب الرجاء، وزعموا أن لعل يكون استفهاماً، وذهب البصريون إلى منع ذلك، والترجي عندهم في حكم الواجب، قيل: والصحيح مذهب البصريين لوجوده نظماً ونثراً، ومنه قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) في قراءة عاصم، وهي (قراءة) من متواتر السبع، ويمكن تأويل النصب، انتهى. وقد ذكر تأويله ابن هشام في الباب الرابع من المغنى، قال: وقيل في قراءة حفص (لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطَّلِعَ) بالنصب: إنه عطف على معنى لعلي أبلغ، وهو لعلي أن أبلغ، فإنَّ خبر لَعَلِّي يقترن بأن كثيراً، نحو قوله عليه السلام: " فلعل بعضكم أن يكون ألْحَنَ بحجته من بعض " ويحتمل أنه عطف على الأسباب على حد: * وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي * ومع هذين الاحتمالين يندفع قول الكوفي: إن في هذه القراءة حجة على جواز النصب في جواب الترجي حملاً له على التمني، انتهى. وقوله " عَلَّ صروف الدهر " جمع صَرْفٍ كَفَلْسٍ وفُلُوس، وهو الحادثة والنائبة المغيِّرة من حال إلى حال بالتصرف، وضمير " دولاتها " لصروف الدهر، والدَّوْلة: بفتح الدال وضمها، قال الأزهري: هي الانتقال من حال الضر والبؤس إلى حال الغبطة والسرور، وقال أبو عبيد: الدولة بالضم: اسم الشئ الذي يُتَدَاوَلَ به بعينه، والدَّوْلَةُ بالفتح: الفعل، وقيل: الدولة في الحرب أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى، يقال: كانت لنا عليهم الدَّوْلَة، والدُّولة بالضم في المال، يقال: صار الفئ دُولَةً بينهم يتداولونه مرة لهذا ومرة لهذا
كذا في العباب، وقوله " يُدِلْننا " هو مضارع أداله مسند إلى النون ضمير الصروف، أو ضمير الدولات، ونا: مفعوله كما تقول من أقام: إن النِّساء يقمننا، قال صاحب العباب: الإدالة: الغلبة، يقال: اللهم أدِلْنِي على فلان وانصرني عليه، وتداولته الأيدي: أخذته هذه مرة وهذه مرة، وقوله تعالى (وَتِلْكَ الايام نداولها بين الناس) أي: نديرها، من دال: أي دار، انتهى: وقال ابن الأثير في النهاية: وفي حديث وفد ثفيف " نُدَال عليهم ويُدَالُون علينا " الإدالة: الغلبة، يقال: أديل لنا على أعدائنا: أي نصرنا عليهم، وكانت الدولة لنا، والدولة: الانتقال من حال الشدة إلى حال الرخاء، ومنه حديث أبي سفيان وهرقل " ندال عليه ويدال علينا " أي: نغلبه مرة ويغلبنا أخرى، ومنه حديث الحجاج " يوشك أن تُدَالَ الأرض منا " أي تجعل لها الكرة والدولة علينا فتأكل لحومنا كما نأكل ثمارها وتشرب دماءنا كما نشرب مياهها، انتهى كلامه. فعرف من هذا كله أن الادالة متعدية إلى مفعول واحد صريحاً، وإلى الثاني بحرف جر، فضمير المتكلم مع الغير مفعوله وأما اللَّمَّة فمنصوبة على نزع الخافض: أي على اللمة، ولم يصب العيني في قوله: " واللمة مفعول ثان ليدلننا " انتهى. واللَّمة بفتح اللام، قال الجوهري: هي الشدة، وأنشد هذا البيت. وفي النهاية لابن الأثير: وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه " لابن آدم لَمَّتَان لَمَّة من الملك ولَمَّة من الشيطان " اللَّمة: الهمة والخطرة تقطع في القلب، أراد إلمام الملك أو الشيطان به والقرب منه، فما كان من خطرات الخير فهو من الملك، وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان، انتهى وهذا المعنى أنسب، وروي في بعض الكتب " يدْلينَنا " بمثناة تحتية بعد اللام، وهو مضارع أدْلَى دَلْوَهُ في البئر إدْلاَء: أي أرسلها، وهذا لا مناسبة له، وهو تحريف من النساخ، وقوله " من لماتها " متعلق بمحذوف حال من اللمة، ويجوز أن يكون وصفاً لها لكون اللمة معرفة بلام الجنس فتكون قريبة من النكرة،
وقال العينى صفة للمة تقديره اللمة الكائنة من لماتها، هذا كلامه فتأمله (1) وقوله " فتستريح النفس " نصب تستريح بأن المقدرة بعد الفاء في جواب الرجاء، والنفس فاعل، واللام عوض عن الياء: أي نفسي، والزفرة، الاسم من زفر يزفر من باب ضرب زَفِيرا، والزفير: اغتراق النفس محركة بالشدة، وأنشد الجوهري هذا البيت هنا ونبه على أن تسكين الفاء ضرورة، وقوله " وتنقع الغلة " بالنصب معطوف على تستريح، والفاعل ضمير النفس، والغلة مفعولة، ونقع من باب نفع، في الصحاح: ونقع الماء العطش نقعاً ونُقُوعاً: أي سكنه، وفي المثل " الرشف أنقع " أي: أن الشراب يتشرف قليلا قليلا للعطش وأنجع وإن كان فيه بطء، والغلة بضم المعجمة وهي حرارة العطش. وأنشد بعده أيضاً، وهو الشاهد السادس والستون (من الطويل) : 66 - * أخُو بيضات رائح متاوب * بلى أن بَيَضَاتٍ بفتح العين جاء على لغة هذيل، فإنهم يفتحون العين في جمع فعلة صحيحاً كان أو معتلاً. وهذا صدر، وعجزه: * رفيقٌ بِمَسْحِ الْمُنْكِبَيْنِ سَبُوحُ * قال بعض فضلاء العجم في شراح أبيات المفصل: الرائح: الذي يسير، والمتأوب الذي يسير (2) ، يصف ظليماً، وهو ذكر النعامة، شبه به ناقته، فيقول: ناقتي في سرعة سيرها ظليم له بيضات يسير ليلاً ونهاراً ليصل إلى بيضاته رفيق يمسح المنكبين
عالم بتحريكهما في السير سبوح حسن الجري، وإنما جعله أخا بيضات ليدل على زيادة سرعته في السير لأنه موصوف بالسرعة، وإذا قصد بيضاته يكون أسرع، انتهى. وهذا البيت لم أقف على تتمته ولا قائله، والله أعلم، وقد ذكرنا في شرحه ما أمكننا في الشاهد الثالث والتسعين بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية. وأنشد الشارح المحقق، وهو الشاهد السابع والستون، وهو من شواهد سيبويه (من البسيط) : 67 - * في أقواس نَازَعَتْهَا أيْمُنٌ شُمُلاَ * على أن شُمُلا بضمتين جمع شمال بالكسر، قال سيبويه: وقالوا أذرع وذراع حيث كان مؤنثة ولا يجاوز بها هذا البناء، وإن عَنَوْا الأكثر كما فعل ذلك بالأكف والأرجل، وقالوا شِمال وأشمل وقد كسرت على الزيادة التي فيها فقالوا شَمَائِلَ كما قالوا في الرسالة رَسَائِلَ إذ كانت مؤنثة مثلها، وقالوا شمل فجاءوا بها على قياس جدد، وقال الأزرق العنبري: طِرْنَ انْقِطَاعَةَ أوْتَارِ مُحَظُرَبَةٍ * فِي أقْوُسٍ نَازَعَتْهَا أيْمُنٌ شُمُلاَ انتهى. قال الأعلم: " الشاهد في جمعه شِمَالاً على شُمُلٍ تشبيهاً بِجِدَارٍ وجُدُر، لأن البناء واحد، والمستعمل أشْمَلُ في القليل، لأن الشمال مؤنثة، وشمائل في الكثير، وصف طيرا فشبه صوت طيرانها بسرعة بصوت أوتار انقطعت عند الجذب والنزع عن القوس، وأوقع التشبيه على الانقطاع لأنه سبب الصوت المشبه به، وأنث الانقطاع لتحديد المرة الواحدة منه، والمحظربة: المحكمة الفتل الشديدة، والأقوس: جمع قوس، وقوله نازعتها أيمن شملا أي جذبت هذه إلى ناحية وهذه إلى ناحية أخرى لأن جاذب الوتر تخالف يمينه شماله في جذبها وتُنَازَعها " انتهى.
والحظربة بالحاء المهملة والظاء المعجمة - كالحضربة بالضاد المعجمة بدلها: شدة الفتل ووتر محظرب ومحضرب، كذا في العباب. وقوله " نازعتها " الضمير المؤنث ضمير الأوتار، ونازع يتعدى إلى مفعول واحد، يقال: نازعه في كذا، فأيمن فاعله، وشُمَلاَ مفعوله، فتعديته إلى ضمير الأوتار من قبيل الحذف والإيصال، والتقدير نازعت اليمين شمالَهَا في جذب الأوتار: أي غالبت الأيمن الأشمل في جذبها ومدها، يقال: نزع الرجل في القوس أو الوتر، إذا مد أحدهما. والأزرق العنبري لم أقف على ترجمته ولا على أصل شعره هذا، والله أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والستون (من الرجز) 68 - * حَتَّى رَمَى مَجْهُولَهُ بالأَجْنُنِ * على أن جمع جنين على أجنن شاذ، والجنين: الولد ما دام في بطن أمه، لأنه جُنَّ: أي ستر قال السخاوي في سفر السعادة: أجنن جمع جنين، ويروى قول رؤبة: - * إذا رمى مجهوله بالأجْبُنِ * بالباء على أنه جمع جبين، وبالنون على أنه جمع جنين، فمن رواه بالباء فمعناه ينظرون ما قدامهم من بُعد الطريق، ومن رواه بالنون فمعناه أنه يُسْقط الأجنة، وذكر الروايتين العبدي وعيزر، انتهى وعلى الروايتين الجمع شاذ، لأن كلاً من المفردين مذكر، والقياس في أفْعُل أن يكون جمع فعيل إذا كان مؤنثاً وهذا البيت من أرجوزة طويلة مدح بها بلال بن أبي بُرْدَةَ وذكر فيها قطع المفاوز والقفار حتى وصل إليه، قال: تَفْتَنُ طُولَ الْبَلَدِ الْمُفَنَّنِ * إذَا رَمَتْ مَجْهُولَهُ بالأَجُبُنِ وَخَلَّطَتْ كُلُّ دِلاَث علجن * غوج البرج الآجُرِ الْمُلَبَّنِ
بَلَّغْنَ أقْوَالاً مَضَتْ لا تَنْثَنِي * أبْقَى وأمْضِي مِنْ حِدَادِ الأَذْأَنِ وصف إبله بشدة السير قال شارح ديوانه: قوله " تفتن " يقول: تشق هذا الطريق في عُرض البلد وقوله: " المفنن " وهو الذي على غير جهة واحدة، انتهى وقوله: " إذا رمت " هكذا رأيته في نسختين صحيحتين من ديوانه، وفاعل " رمت " ضمير الإبل، وضمير " مجهوله " للبلد، والطريق المجهول: الذي لا يسلكه أحد لعدم مائه ونباته، فلا يكون فيه علامة يستدل بها و " الأجبن " - بالجيم والموحدة - كذا رأيته، قال شارح ديوانه: هو جمع جبين، يقول: قد استقبلته ثم رمته بوجوهها، ومعناه على رواية " الأجنن " بالنون أن هذه النوق من شدة وخْدِهِنَّ وفرط جَهْدهنَّ يسقطن أجنتهن بمجهول هذا البلد، ففيه قلب، والأصل حتى رمت أجنتها بمجهوله، والدِّلاَثَ بالكسر -: هي اللَّيَّنة الأعطاف والْعَلْجَن: الناقة المكتنزة اللحم، والغوج - بفتح الغين المعجمة والجيم - اللَّيِّنة الصدر، قال شارحه: يقول: كأنها برج من آجر لبنٍ قد طبح، وقوله " بَلَّغْنَ " من التبليغ، وأبقى وأمضى أفعل تفضيل صفة لاقوال، وحِدَاد: جمع حديد بمعنى قاطع، قال شارحه: يقال: أزْأَنَ وَيَزْأَنَ وأزنِي وَيَزْنِي، منسوب إلى ذي يَزَن، و " بلغن " جواب إذا وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والستون (من الطويل) 69 - ... وَمَا لَوْمِي أخِي مِنْ شِمَالِيَا * على أن شمالاً بمعنى الطبع يكون واحداً وجمعاً، والمراد هنا الجمع: أي من شمائلي. قال سيبويه: " وزعم أبو الخطاب أن بعضهم يجعل الشمال جمعاً " وقال السيرافي
" هو في هذا البيت جمع " وتبعه ابن جني، قال في سر الصناعة: " وقالوا أيضاً في جمع شمال، وهي الخليقة والطبع: شمال، قال عبد يغوث: * وما لومي أخي من شماليا * أي من شمائلي " انتهى. وإنما قيدوا الشمال بمعنى الطبع للاحتراز عن الشمال بمعنى الريح المعروفة، فإنها لم يقل أحد إنها تكون جمعاً ومفرداً، وفي شينها الفتح والكسر، بخلاف معنى الطبع فإن شينها مكسورة لا غير، وإنما جعلوه هنا جمعاً لأجل من التبعيضية، كما يأتي في البيت الآتي وقد ذكر جمهور اللغويين أنه مفرد، وجمعه شمائل، قال (من الوافر) هم قَوْمِي وَقَدْ أنْكَرْتُ مِنْهُمْ * شَمَائِلَ بَدَّلُوهَا مِنْ شِمَالِي وأجاز أبو علي الفارسي في الإيضاح أن يكون ما في البيت مفرداً وجمعاً، وغلب الإفراد، قال أحد الشراح أبياته: ألا ترى أنه يسوغ أن يكون المعنى وما لومي أخي من طبعي، فلذلك لم يجعله نصافى الجمعية، والدليل على أنه قد يكون جمعاً قول لبيد رحمه الله: * هم قَوْمِي وَقَدْ أنْكَرْتُ مِنْهُمْ * - البيت ومثل شمال " عِصَام " حكى أبو زيد أنه يكون واحداً وجمعاً، والعصام: ما يُشَدُّ به الدلو والقربة، ومثلهما دلاص وهجان، تقول: ناقة هجان ونوق هجان، وردع دلاص وأدرع دلاص، إلا أن مجئ دلاص وهجان في حال الجمع على صيغة المفرد أحسن من مجئ شمال وعصام في حال الجمع على صيغة المفرد، على أنهما صفتان، وقيل: الصفة تكسر على فِعال، نحو ظريف وظِرَاف، وفِعَال أحق بفعيل، ألا ترى أن كل واحد منهما ثلاثي
ثالثه حرف لين زائد فحسن تكسيره (تكسيرَهُ) لذلك، فأما قولهم رجل جُنُب ورجال جُنُب فليس من هذا الباب، وإن كان فُعُل من أبنية الجمع، بل من قبيل الوصف بالمصدر، لأنك تقول: رجلان جُنُب، فتصف به الاثنين، ولا تقول ناقتان هجان، ولا درعان دلاص، وكذلك ما كان من الأسماء واقعاً على الواحد والجمع، ولم يكن على وزن من أوزان الجموع، ليس من باب دِلاَص نحو حَشَم، تقول: هم حَشَم لي، وهذا الغلام حشم لي، وهذا أسَدٌ عِنَاش، ومن كلام عمرو بن معدي كرب يوم القادسية " يا معشر المسلمين، كونوا أسُداً عِنّاشاً " بل نعتقد في حشم أن يكون مفرداً، واسم جمع، وأما عِنَاش فالوصف به من قبيل الوصف بالمصدر، يقال: عانشة: أي عانقة، فتقول على هذا: هما أسدان عِنَاش وهذا المصراع من قصيدة طويلة لعبد يغوث الحارثي، وهو جاهلي، وقد شرحناها كاملة في الشاهد الخامس عشر بعد المائة من شرح شواهد شرح الكافية، وقبله: ألا لا تُلُومَانِي كَفَى اللَّوْمَ مَا بِيَا * فمَالَكُمَا فِي اللَّوْمِ خَيْرٌ وَلا لِيَا ألَمْ تَعْلَمَا أنَّ الْمَلاَمَةَ نَفْعُهَا * قَلِيلٌ وَمَا لَوْمِي أخِي مِنْ شماليا وقليل: ضد كثير، ويستعمل بمعنى النفي، وهو المراد هنا، بدليل قوله " فما لكما في اللوم خير ولا ليا " يقول: اللوم على الفائت قليل نفعه لا يُجْدِي إسماعه ولا سمعه شيئاً فلذلك طهرت منه شمالي وصنت عنه مقالي، والخطاب لمن أسره، وهو أبو عِصْمَةَ من تَيْم الرباب، وقوله " وما لومي إلخ " جملة معطوفة على أنَّ وصلتها، وساغ ذلك لأنها مصدرة بما النافية، والجملة إذا كانت كذلك جاز تعليق فعل القلب الداخل
عليها ووقوعها موقع مفعوليه، كما أنَّ أنَّ وصلتها تقع موقعها، وقد يجوز أن تكون معطوفة على قوله في البيت قبله " فما لكما اللوم خير ولا ليا "، ويكون قوله " ألم تعلما أن الملامة نفعها قليل " جملة اعترض بها بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا ينبغي أن تجعل معطوفة على قوله " ألم تعلما " لأن الجملتين ليستا لمقام واحد وأنشد بعده، وهو الشاهد السبعون (من الرجز) : 60 - دَعْهَا فَمَا النَّحْوِيُّ مِنْ صَدِيقِهَا * على أن صديقاً فيه جمع، لان من للتبعيض، ولا يصح أن يكون النحوي بعض صديق، بل يكون بعض الأصدقاء، كأنه قال: دعها فما النحوي من أصدقائها، كما تقول: دعني فما أنت من أشكالي، وفعيل من صيغ الجمع كالكليب والعبيد، ومثله قول قعنب ابن أم صاحب (من البسيطٍ) مَا بَالُ قَوْمٍ صَدِيقٍ ثُمَّ لَيْسَ لَهُمْ * دِيْنٌ وَلَيْسَ لَهُمْ عَهْدٌ إذَا اتُّمِنُوا وقول جرير: (من الطويل) دَعَوْنَ الْهَوَى ثُمَّ ارْتَمَيْنَ قُلُوبَنَا * بِأَعْيُنِ أَعْدَاءٍ وَهُنَّ صَدِيقُ وحكى أبو حاتم عن أهل الحجاز أنهم يقولون: حدثني بعض صديقي والنحوي: العالم بصنعه الإعراب، والنحوي أيضاً: المنسوب إلى نَحْو، بطن من العرب، وهو نَحْو بن شمس بن عمرو بن غالب بن الأزد قال الصاغاني في العباب: قال ابن دريد: أخبرنا أبو عثمان عن التَّوَّزِيّ، قال: كان رؤبة يقعدُ بعد صلاة الجمعة في رَحْبة بني تميم فينشد، ويجتمع الناس إليه، فازحموا يوماً، فضيَّقوا الطريق، فأقبلت عجوز معها شئ تحمله، فقال رؤبة: تَنَحَّ لِلْعَجُوزِ عَنْ طَرِيقِها * قدْ أقْبَلَتْ رَائِحَةً مِنْ سُوقِهَا
دَعْهَا فَمَا النَّحْوِيُّ مِنْ صَدِيقِهَا أي: من أصدقائها، انتهى وقال أحد شراح أبيات الإيضاح للفارسي: ولعل المخاطب على هذه الحكاية رجل من نحو بن شمس، وقيل: إن المخاطب بقوله " دعها " يونس بن حبيب النحوي، وذلك أن رؤبة كان يسير ومعه أمه إذ لقيهما يونس، فجعل يداعب والدة رؤبة ويمنعها الطريق، فخاطبه رؤبة بهذه الأبيات، وقيل: هذا الشعر لامرأة من العرب خاطبت به أبا زيد الأنصاري، قال ابن الأنباري: مرت امرأة من العرب بأبي زيد النحوي وأصحابه، وقد منعوا الطريق، فلم يمكنها أن تجوز، فخاطبته بالأبيات: أي أن هؤلاء إنما لازموك لصداقتهم، وأنا لست كذلك، فدعني أسير وينبغي أن يجعل الألف واللام في " النحوي " للجنس، كأنه قال: ما هذا الجنس من صيدقها، لأنك إن لم تجعل أل كذلك لزم أن يكون الظاهر واقعاً موقع ضمير المخاطب في غير نداء ولا اختصاص، ألا ترى أنه يخاطب النحوي، فكان ينبغي أن يقول: فما أنت من صديقها وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والسبعون (من البسيط) 71 - إنَّ مِنَ القوم موجودا خليفته * وما خليف أبي وهب بِمَوْجُودِ على أن خليفاً قد ورد بمعنى خليفة، فيكون جمعُ خليف على خلفاء وجمع خليفة على خلائف قال أبو حاتم: إنه يقال خليف، وجمعه خلفاء، واستشهد له بهذا البيت، ولم يحفظ سيبويه ولا أبو عمرو خليفاً، بل جعلا خُلَفَاء تكسير خليفة من أجل أنه لا يقع إلا على مذكر، فحمل على المعنى
قال أحد شراح أبيات الإيضاح للفارسي: إن كان لم يثبت خليف بمعنى خليفة إلا في هذا البيت، وهو الأظهر، فلا حجة فيه، لأنه يحتمل أن يكون مما رخم في غير النداء، ضرورة نحو قوله (من الرجز) * لِيَوْم رَوْعٍ أو فَعَالِ مكرُمِ * يريد مكرمة، انتهى والبيت آخر أبيات خمسة لأوس بن حَجَر التميمي الجاهلي، وهي: يَا عَيْنُ جُودِي عَلَى عَمْرِو بنِ مَسْعُودِ * أهْلِ الْعَفَافِ وَأهْلِ الْحَزْمِ وَالْجُودِ أوْدَى رَبِيعُ الصَّعَالِيكَ الأَلَى انْتَجَعُوا * وَكُلُّ مَا فَوْقَهَا مِنْ صَالِحٍ مُودِ الْمُطْعِمُ الْحَيِّ والأَمْوَات إنْ نَزَلُوا * شَحْمَ السَّنَامِ مِنَ الْكُومِ الْمَقَاحيدِ وَالْوَاهِبِ الْمَائَةِ الْمَعكاء يَشْفَعُهَا يَوْمَ النِّضَالِ بِأُخْرَى غَيْرَ مَجْهُودِ إنَّ مِنَ الْقَوْمِ مَوْجُوداً خَلِيفَتُهُ البيت وعمرو بن مسعود: ابْنُ عدي الأسدي، وهو المقول فيه وفي خالد بن نضلة الأسدي (من الطويل) : ألاَ بَكَرَ النَّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أسَدْ * بِعَمْرِو بُنِ مسعود وبالسيد الصَّمَدْ قال ابن هشام في السيرة: هما اللذان قتلهما النعمان بن المنذر اللخمي وبنى عليهما الْغَرِيَيْنِ بظهر الكوفة. وقال القالي في الذيل: إن الذي قتلهما المنذر، ومن أجلهما اتخذ يوم البؤس ويوم النعيم. وقال ابن السيرافى في شرح إصلاح المنطق: إن الذي قتلهما كسرى. وأودى: هلك، واسم الفاعل مُودٍ، والصُّعْلُوك: الفقير، والكوم: جمع
كَوْمَاء، وهي الناقة السمينة، والمَقَاحيد: جمع مقحاد، وهى الناقة العظيمة السنام، والمعكاء - بكسر الميم والمد - الإبل الغِلاظ الشداد، والنِّضَال: المحاربة بالسهام. قال ابن حبيب: العرب تقول: فلان خليفة فلان، إذا قام مقامه وفعل فعله، وإن لم يستخلفه، وأنشد هذه الأبيات، وأبو وهب: كنية عمرو بن مسعود، يقول الشاعر: إذا مات أحد خلفه من يقوم مقامه ويفعل مثل فعله، إلا أبا وهب، فإنه لم يخلفه أحد في وجوه وشجاعته. وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والسبعون (من الرجز) : 72 - * أخَذْتِ خَاتَامِي بِغَيْرِ حَقٍّ * على أن خاتا ما لغة في خاتم، وعليه جاء في الجمع خواتيم. وقال المبرد في الكامل: فَاعَالٌ نظيره من الكلام سَابَاطٌ وَخَاتَامٌ، قال الراجز (من الرجز) : يَا مَيُّ ذَاتَ الْجَوْرَبِ الْمُنْشَقِّ * أخَذْتِ خَاتَامِي بِغَيْرِ حَقِّ انتهى وقال أبو الحسن الأخفش فيما كتبه عليه: " يقال خَاتَم بفتح التاء وكسرها، وخَيْتَام على وزن دَيَّار، وخاتام على وزن سَابَاط " انتهى. وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والسبعون (من الوافر) : 73 - * وَمِثْلِي في غَوَائِبِكُمْ قَلِيلُ * على أنه جمع غائب، وهو جمع شاذ قال الشاطبي في شرح الألفية: ذكر السيرافي أنه وجد غير ذلك، قال عتيبة بن الحارث لجزء بن سعد (من الوافر) : أُحَامِي عَنْ ذِمَارِ بَنِي أبيكمْ * وَمِثْلِي في غَوَائِبِكُمْ قَليلُ
فقال جَزْءْ: نعم، وفي شواهدنا، قال: وهذا جمع غائب وشاهد من الناس، انتهى. وأحامي: من الحماية: وهى الحظ، والذمار: بكسر الذال المعجمة، قال صاحب الصحاح: وقولهم " فلان حامي الذمار " إي إذا ذُمِّر (1) وغَضِبَ حمى، و " فلان أمنع ذماراً من فلان " ويقال: الذمار: ما وراء الرجل مما يحقُّ عليه أن يحميه، لأنهم قالوا: حامي الذمار، كما قالوا: حامي الحقيقة، وسمي ذماراً لأنه يجب على أهله التذمر له، وسميت حقيقة لأنه يحق على أهلها الدفع عنها، " وظل يتذمر على فلان " إذا تنكر له وأوعده. وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والسبعون (من الكامل) : 74 - وَإذَا الرِّجَالُ رَأوْا يَزِيدَ رَأيْتَهُمْ * خُضُعَ الرِّقَابِ نَوَاكِسَ الأَبْصَارِ على أن جمع ناكس على نواكس مما هو وصف غالب أصل، وأنه في الشعر شائع حسن، قاله المبرد. أقول: الذي قاله المبرد في الكامل بعد إنشاد هذا البيت إنما هو " وفي هذا البيت شئ يستطرفه النحويون، وهو أنهم لا يجمعون ما كان من فاعل نعتاً على فَوَاعِل، لئلا يلتبس بالمؤنث، لا يقولون: ضَارِب وضوارب، لأنهم قالوا: ضاربة وضوارب، ولم يأت هذا إلا في حرفين: أحدهما فوارس، لأن هذا مما لا يستعمل في النساء، فأمنوا الالتباس، ويقولون في المثل " هو هالك في الهوالك " فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال، لأنه مثل، فلما احتاج الفرزدق لضرورة الشعر إجراه على أصله، فقال " نَوَاكس الأبصار " ولا يكون
مثل هذا أبداً إلا ضرورة، انتهى كلامه، فتأمله مع ما نقلوه عنه، وقد ذكرنا في الشاهد الثلاثين من شواهد شرح الكافية أن ما جمع من هذا النمط إحدى عشرة كلمة (1) ، وقد ذكرنا هناك - مما يتعلق بشرح البيت مستوفى، وشرح القصيدة، وذكر سببها، مع ترجمة يزيد والفرزدق - ما فيه كفاية، ويزيد هو يزيد بن الْمُهَلَّب بن أبي صفرة أحد الشجعان والكرماء، كان والياً على خُراسان من قبل بني أمية. وأنشد بعده (من الهزج) : لَقَدْ أغْدُو عَلَى أشْقَرَ يَغْتَالُ الصَّحَارِيا وتقدم شرحه في الشاهد الواحد والأربعين من هذا الكتاب. وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والسبعون (من الوافر) : 75 - * فَمَا وَجَدَتْ بَنَاتُ بَنِي نِزَارٍ * حَلاَئِلَ أسْوَدِينَ وَأَحْمَريْنَا على أنه جمع أسود وأحمر جمع تصحيح لضرورة الشعر. وحلائل: مفعول وجدت، وهو جمع حليل، وهو زوج المرأة. والبيت من قصيدة لحكيم الأعور هجا بها قبائل مُضَر، وتقدم الكلام عليه في الشاهد الرابع والعشرين من أوائل شرح شواهد شرح الكافية
وأنشد الجاربردي هنا، وهو الشاهد السادس والسبعون (من الطويل) : 76 - أتَانِي وَعِيدُ الْحُوصِ مِنْ آلِ جَعْفَرٍ فَيَا عَبْدَ عَمْرٍو لَوْ نَهَيْتَ الأَحَاوِصا على أن الأحوص بالنظر إلى كونه في الأصل وصفاً جمع على الحوص، وبالنظر إلى الاسمية جمع على أحَاوص والبيت من قصيدة للأعشى ميمون هجا بها عَلْقَمَة بن عُلاَثَةَ الصحابي، وأراد بالحوص والأحاوص أولاد الأحوص بن جعفر، وهم: عوف بن الأحوص، وعمرو بن الأحوص، وشُرَيح بن الاحوص، وربيعة بن الأحوص والأحوص: اسمه ربيعة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وسمي الأحوص لضيق كان في عينه، قال صاحب الصحاح: والْحَوَص بمهملتين مفتوحتين: ضيق في مؤخر العين، والرجل أحوص وعلقمة هو عَلْقَمَة بن عُلاَثة بن عوف بن الأحوص المذكور، وعبد عمرو وهو ابن شريح بن الأحوص، فهو ابن عم علقمة وكان سبب هجو الأعشى أن علقمة كان تهدده بالقتل، وقد شرحناه بقدر الكافية في الشاهد السادس والعشرين من شواهد الكافية وأنشد بعده (من الرجز) * مَا بَالُ عيني كالشعيب العين * وتقدم شرحه في الشاهد الخامس والعشرين من هذا الكتاب وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والسبعون (من الطويل) 77 - * جَنَى النَّحْلِ فِي ألْبَانِ عُوذٍ مَطَافِلِ * على أن العرب جَوَّزُوا في جمع مُفْعِل المؤنث زيادة الياء وتركها، وعلى الترك
جاء مطافل، فإنه جمع مُطْفِل: أي امرأة ذات طفل، وجاء المطافيل أيضاً في جمعه بزيادة الياء في بيت بعده، فإن المصراع من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي، وهذان بيتان منا في التعزل: وَإن حَدِيثاً مِنْكِ لَوْ تَبْذُلِينَهُ * جَنَى النَّحْلِ فِي ألْبَانِ عُوذٍ مَطَافِلِ مَطَافِيلَ أبْكَارٌ حَدِيثٌ نَتَاجُهَا * تُشَابُ بِمَاءٍ مِثْلِ مَاءِ الْمَفَاصِلِ يقول: إن حلاوة حديثك لو تفضلت به حلاوةُ العسل مَشُوباً باللبن والجني: أصله الثمر المجتَنَى، فاستعاره، والعوذ: الحديثات النِّتاج، واحدها عائذ - بالعين المهملة والذال المعجمة - قال السكري في شرح أشعار الهذليين: " ألبان العوذ أطيب، لأنها إذا عتقَ لبنها تغير، يقول: حديثك كأنه العسل ممزوجاً بألبان الإبل، وقال الإمام المرزوقي في شرحه: مطافل جمع مُطْفِل وهي التي معها طفلها، وإنما انكر قوله حديثاً منك ليبين أن موقع كلامها منه على كل وجه ذلك الموقع، ودل بقوله لو تبذلينه على تمنعها وتعذر ذلك من جهتها " انتهى. وقال ابن هشام في شرح بانت سعاد: " العوذ: جمع عائذ، وهي القريبة العهد بالنتاج من الظباء والإبل والخيل، فإذا تجاوزت عشرة أيام من يوم نتاجها أو خمسة عشر فهي مطفل، وسميت بذلك لأن معها طفلها، وجمعها مطافل، والمطافيل بالياء إشباع " انتهى. وقال شارح ديوان الأعشى: " العوذ: الحديثات العهد بالنِّتاج قبل أن توفي خمس عشرة ليلة، ثم هي مطفل بعده " وقال ابن خلف: " هي الحديثة العهد بالنِّتاج كان معها ولدٌ أو لم يكن، وهو جمع عائذ، وهو جمع غريب، ونظيره حائل وحُوْل، وفارِه وفُرْه "، وقال الأعلم: " وسميت عائذاً لأن ولدها يعوذ بها لصغره، وبني على فاعل لأنه على نية النسب، لا على ما يوجب التصريف، كما قالوا عيشة راضية " انتهى. والبكر
- بالكسر - التي ولدت بطناً واحداً، وخصها لأن لبنها أطيب الألبان، والحديث: نقيض القديم، والنِّتاج: اسم يجمع وضع جميع البهائم، وقد خصَّ بعضهم الغنم بالولادة، ويُشَاب: يخلط، والمفاصل: الحجارة الصلبة المتراصفة، وقيل ما بين الجبلين، وقيل: منفصل الجبل من الرمة يكون بينهما رضراض وحصى صغار يصفو ماؤه، وروي عن الأصمعي، وقيل: ماء المفاصل هنا شئ يسيل من المفصلين إذا قطع أحدهما من الآخر، شبيه بالماء الصافي، قال أحد شراح أبيات الإيضاح للفارسي: " شبه ما بخلت به من حديثها بعسل مجعول في ألبان هذه النوق ممزوجاً بماء شبيه في الرقة والصفاء بماء المفاصل، واختار ابن يَسْعَوْنَ أن يراد بالمفاصل في البيت الحجارة المتراصفة في بطن المسيل لصفاء مائه وبرده، قال: ويؤيده قول ذي الرمة (من الطويل) : وَنِلْتُ سِقاطاً مِنْ حَدِيثٍ كأنَّهُ * جنى النخل مَمْزُوجاً بِمَاءِ الْوَقَائِعِ لأن الوقائع جمع وقية، وهى منقع ماء في الجبل، وأن يرا بماء المفاصل في البيت ما يسيل من بين المفصلين إذا قطع أحدهما من الآخر أحق وأخلق، ويكون قد شبّه الماء في صفائه ورقته بماء المفاصل، إذ لو أراد المعنى الأول لكان الوجه أن يجعله مشوباً بماء المفاصل لا بمثله، لأن ما يشبَّه من المياه بماء المفاصل دونه في الصفاء والرقة، فلما قال " بماء مثل ماء المفاصل " دل على أن المراد ما ذكرته، وقد قيل في قول الشاعر (من الطويل) : * عُقَارٌ كماء النئ ليست بخمطة * إنه شبه الخمر نماء النئ في الصفاء، وقيل: في الْحُمْرَة، فيكون على أحد القولين مثل قول أبي ذؤيب الهذلي " إلى هنا كلام شارح أبيات الإيضاح، وقوله " مطافيل أبكار ... إلخ " قال الإمام المرزوقي: " مطافيل بدل من قوله عوذ مطافل، وأشبع الكسرة في الفاء للزومها، فحدثت الياء، والأبكار: التي
وضعت بطناً واحداً، لأن ذلك أول نتاجها: فهى أبكار، وأولادها أبكار، وعلى هذا قالوا: باكورة الربيع، ولبنها أطيب وأشهى، فلذلك خصه وجعله مزاجاً وقوله تُشَاب في موضع الصفة لالبان عوذ: أي مشوبة بماء متناهٍ في الصفاء، وقيل في المفاصل: إنها المواضع التي ينفصل فيها السيل من الجبل حيث يكون الرضراض، فينقطع الماء به ويصفو إذا جرى فيه، وهذا قول الأصمعي وأبي عمرو، واعترض عليه فقيل: هلا قال " بماء من مياه المفاصل " وما له يشبه به ولا يجعله منه؟ فقيل: هذا كما يقال: مثل فلان لا يفعل كذا، والمراد أنه في نفسه لا يفعل، لا أنه أثبت له مثل ينتفي ذلك عنه، ألا ترى أنه لو جعل ذلك لنظيره لكان المدح لا يعلق به، وقد عُلم أن القصد إلى مدحه، وعلى هذا قد حمل قوله تعالى: (ليس كمثله شئ) وقال أبو نصر: أراد بالمفاصل مفاصل الجبل حيث يقطر الوَشْلُ، وذلك أصفى من مياه المناقع والعيون، وقال بعضهم: أراد تشاب بماء كالدمع صفاء، فالمفاصل شئون الرأس، وهي تسمى مفاصل ومواصل، والدمع منها يخرج، وهذا كما يقال: جئتك بخمرة كماء العين وأصفى من الدمع، فالتشبيه حاصل في هذا الوجه، وهو عندي حسن والمراد بماء العين الدمع لا غير، وقال أبو سعيد: ماء المفاصل الدم، وأراد بالماء الخمر، وشبَّهها به، وقال ابن الأعرابي: ماء المفاصل ماء اللحم النئ، شبَّه حمرته بحمرته، وعِهْدَة هذين القولين عليهما دوني " هذا كلام المروزقى، وحديث: بمعنى حادث، والنتاج: الولادة، وتُشَاب: من الشَّوْب وهو الخَلْط والُمَزْجُ، والمفاصل: جمع مَفْصِل - بفتح الأول وكسر الثالث. وأبو ذؤيب الهذلي شاعر مخضرم إسلامي تقدمت ترجمته في الشاهد السابع والستين من شرح شواهد شرح الكافية
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والسبعون (من الطويل) : 78 - * مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ * على أن ركباً لفظه مفرد، بدليل عود الضمير إليه من صفته مفرداً، وهو مُجْفِلٌ. وهذا المصراع عجز، وصدره: * فَعَبَّتْ غِشَاشاً ثُمَّ مرت كأنها * وهو بيت منن أبيات لامية العرب للشَّنْفَرَى، في وصف قطا وَرَدَتْ ماء وأنه سبقها إليه فشربت فضْلَتَهُ. وقوله " فعبت غشاشاً - إلخ " العب: شرب الماء بلا مَصّ، قال ثعلب: عَبَّ يعب، إذا شَرِب الماء فصبه في الحلق صبا، وفاعل " عَبَّتْ " ضمير القطا، و " غِشَاشاً " بكسر الغين المعجمة بعدها شينان معجمتان - قال بعض أهل اللغة: معناه على عجلة، وقال بعض آخر: أي قليلاً أو غير مرئ، يقول: وردت القطا على عجل ثم صدرت في بقايا من ظلمة الفجر، وهذا يلد على قوة سرعتها، وقوله " من أحاظة " متعلق بمحذوف على أنه صفة لركب، وأحاظة - بضم الهمزة بعدها حاء مهملة وظاء مشالة معجمة - قبيلة من الأزد في اليمن، ومجفل: صفة ثانية لركب، وهو بالجيم اسم فاعل من أجفل بمعنى أسرع، و " الركب " قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: أصحاب الإبل، وهم العشرة ونحو ذلك، قال شارحه ابن ابن السَّيِّد: هذا الذي قاله ابن قتيبة قاله غير واحد، وحكى يعقوب عن عمارة ابن عقيل قال: لا أقول راكب إلا لراكب البعير خاصة، وأقول: فارس وبَغَّال وحَمَّار، ويقوي هذا الذي قاله قول قُرَيْطٍ العنبري (من البسيط) : فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَوْماً إذَا رَكِبُوا * شَنُّوا الإغَارَةَ فُرْسَاناً ورُكْبَانَا والقياس يوجب أن هذا غلط، والسماع يعضد ذلك، ولو قالوا إن هذا هو
الأكثر في الاستعمال لكان له وجه، وأما القطع على أنه لا يقال راكب ولا ركب إلا لاصحاب الابل خاصة فغير صحيح، لأنه لا خلاف بين اللغويين في أنه يقال: ركبت الفرس، وركبت البغل، وركبت الحمار، واسم الفاعل من ذلك راكب، وإذا كثرت الفعل قلت: رَكَّاب ورَكُوب، وقد قال تعالى: (والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وزينة) فأوقع الركوب على الجميع، وقال امرؤ القيس (من المتقارب) : * إذَا ركبوا الخيل واستلاموا * وقال زيد الخيل (من الطويل) : * وَيَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ فِينَا فَوَارِسُ * وهذا كثير في الشعر وغيره، وقد قال تعالى: (فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) وهذا اللفظ لا يدل على تخصيص شئ بشئ، بل اقترانه بقوله (فَرِجَالاً) يدل على أنه يقع على كل ما يقع على الأرض، ونحوه قول الراجز (من الرجز) : بَنيْتَه بِعْصْبَةٍ من ماليا * أخشى ركيبا أو رُجَيْلاً عَادِياً فجعل الرَّكْب ضد الرَّجْل، وضد الرَّجْل يدخل فيه راكب الفرس وراكب الحمار وغيرهما، وقول ابن قتيبة أيضاً " إن الركب العشرة ونحو ذلك " غَلَطٌ آخر، لأن الله تعالى قال: (والركب أسفل منكم) يعنى مشركي قريش يوم بدر، وكانوا تسعمائة وبضعا وخمسين، والذى قال يعقوب في الركب هم العشرة فما فوقها، وهذا صحيح، وأظن أن ابن قتيبة أراد ذلك فغلط في النقل، انتهى كلام ابن السيد وقد تكلمنا على هذا البيت بأبسط من هذا في الشاهد السابع والخمسين بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية
وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والسبعون (من الرجز) 79 - * أخْشَى رُكَيْباً أوْ رُجَيْلاً عَادِياً * على أن رَكْباً اسم جمع، ولفظه مفرد، بدليل تصغيره على لفظه كما تصغر المفردات، قال ابن جني في شرح تصريف المازني: " جميع ما كان اسماً للجمع تحقِّره على لفظه، أخبرنا أبو علي أن أبا عثمان أنشده (من الرجز) بَنيْتَه بِعْصْبَةٍ مِنْ مَالِيا * أخْشَى رُكَيْباً أوْ رُجَيْلاً عَادِيَا فهذان تحقير رَكْب ورَجْل، وهما اسمان للجمع بمنزلة ركَّاب ورَجَّالة، وكان أبو الحسن يقول في تحقير ركب: رُوَيْكِبُون: لأنه جمع كسر عليه راكب، وقولهم " رُكيْب " يدل على خلاف مذهبه، وهو قول سيبويه، وهو الصواب انتهى. والشعر لا حيحة بنُ الْجُلاَح، وهو هكذا: بَنَيْتُ بَعْدَ مُسْتَظَلّ ضاحيا * بَنَيْتُهُ بِعْصْبَةٍ مِنْ مَالِيَا وَالشَّرُّ مِمَّا يَتْبَعُ الْقَوَاضِيَا * أخْشَى رُكَيْباً أو رُجَيْلاً عَادِيا وأنشد صاحب الكشاف البيت الأخير عند تفسير قوله تعالى: (حرسا شديدا) من سورة الجن، على أن الحرس) اسم مفرد بمعنى الْحُرَّاس كالْخَدَم بمعنى الْخُدَّام وكالرَّجْل والرَّكْب في البيت فإنهما بمعنى الرجالة والرُّكَّاب وقال شارح أبيات التفسيرين خضر الموصلي: هذا البيت كأنه في وصف حِصْنٍ بناه ليمنعه من الحوادث لم أطلع له على خبر، انتهى أقول: أورد خبره الأصفهاني في الأغاني، قال: كان لأحيحة بن الْجُلاَح أُطُمان أُطُمٌ في قومه يقال له المستظل، وهو الذي تحصَّن فيه حين قاتل تُبَّعاً أبا كرب الحميري، وأطمه الضَّحْيَان بالعُصْبة في أرضه التي يقال لها الغيابة، بناه بحجارة سود بني عليه مَنَارَة بيضاء مثل الْقَصَّة، ثم جعل عليها مثلها، يراها الراكب من مسيرة،
وكانت الآطام عِزَّهُمْ وحصونهم يتحرَّزونَ فيها من عدوهم، ويزعمون أنه لما بناه هو وغلام له أشرف ثم قال: لقد بنيت حصناً حصيناً ما بنى مثله رجل من العرب أمنع منه، ولقد عرفت موضع حجر منه لو نزع لوقع جميعاً، فقال غلامه: أنا أعرفه، قال: فأرنيه يا بني، قال: هو هذا، وصرف إليه رأسه، فلما رأى أحيحة أنه قد عرفه دفعه من رأس الأطم فوقع على رأسه فمات، حتى لا يعرف ذلك الحجر أحد، ولما بناه قال: * بَنَيْتُ بَعْدَ مُسْتَظَلّ ضَاحِيَا * الأبيات الأربعة قال: وكان أحيحة سَيِّد قومه الأوس، وكان رجلاً صَنَعاً للمال شحيحاً عليه يبيع بيع الربا بالمدينة، حتى كاد يحيط بأموالهم، وكانت له تسع وتسعون بئراً كلها يُنْضح عليها، انتهى. قال الزمخشري في كتاب الأمكنة: عَصْبة: موضع بقباء، وأنشد الشعر المذكور، انتهى. وقال السمهودي في تاريخ المدينة المنورة: أطم يقال له مستظل عند بئر غرس كان لأحيحة ثم صار لبني عبد المنذر، انتهى. وقال صاحب الصحاح: والاطم (مثل الأجم (1)) يخفف ويثقل، والجمع آطام، وهي حصون لأهل المدينة، والواحدة أطَمَةٌ بفتحات، انتهى. و" المستظل " معناه موضع الاستظلال، و " الضَّحْيان " بمعنى الضاحي، وهو البارز غير المستتر، وكأنه سَمَّاه بهما، ولما لم يستقم له في الشعر الضَّحْيَان جاء بالآخر موضعه، وعَصْبَة بفتح العين وسكون الصاد المهملتين فباء موحدة، وليس لهذه الكلمات ذكر في معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري، ولا في
في الصحاح، ولما لم يقف ابن بري على هذا النقل ظن أن العصبة الرجال، فقال في شرح أبيات الإيضاح للفارسي: العصبة من الرجال نحو العشرة، واستعارها للجزء من المال، وعلى هذا تكون من صفةً للعصبة متعلقة بمحذوف، ويجوز أن يريد بالعصبة الرجال ومِنْ متعلقة ببنيته: أي بنيته من مالي بعصبة، والباء متعلقة بمحذوف: أي مستعيناً بعصبة، ويروى " غاديا " بالغين المعجمة من الاغتداء، هذا كلامه. وقوله " والشر " هو ضد الخير، أراد أن الشر يتبع الأمور المقضية المحتمة وقوله " أخشى ركيباً - إلخ " صغر الرَّكْب والرَّجْل للتقليل، وإذا كان يخشاهما مع قلتهما فخشيته مع كثرتهما من باب أولى، والركب: اسم جمع راكب، وقال صاحب المصباح: وراكب الدابة جمعه ركب كصاحب وصحب، وكذا قال في الرَّجْل، قال: الراجل: خلاف الفارس، وجمعه رَجْل، مثل صاحب وصحب، وكان ينبغي أن يقول: والراجل خلاف الراكب، و " عاديا " صفة رجيْلاً، وصفة " ركيباً " محذوفة لدلالة الثاني عليه، وهو من عدا عليه يعدو عَدْوا وعُدْوَاناً وعَدَاء، بالفتح والمد، إذا ظلم وتجاوز الحد. وأحيحة بن الْجُلاَح جاهلي، وأُحَيْحَة بضم الهمزة وفتح الحاءين المهملتين بينهما ياء تصغير، والجُلاَح - بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره حَاء مهملة - وقد ذكرنا نسبة وترجمته في شرح الشاهد السابع والعشرين بعد المائتين من شرح شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده، وهو الشاهد الثمانون (من الرجز) : 80 - * وَفَاضِحٍ مُفْتَضِحٍ في أرهطه * على أن الا رهط مفرد الأراهط، والأرْهط جمع رهط - بفتح فسكون - قال
الصاغاني في العُباب: رَهْط الرجل: قومه وقبيلته، يقال: هم رهطه دِنْيَةً، والرهط: ما دون العشرة من الرجال لا تكون فيهم امرأة، وليس له واحد من لفظه، مثل ذَوْدٍ، وقال بعضهم: الرَّهْط عند العرب: عدد يجمع من سبعة إلى عشرة، قال ابن دريد: وربما جاوز ذلك قليلاً، وما دون السبعة إلى الثلاثة النفر، وقد يحرك فيقال: الرَّهْط، والجمع أرهط، وأنشد الأصمعي: * وَفَاضِحٍ مُفْتَضِحٍ فِي أرْهُطِهْ * انتهى. وقد ورد رجز رؤبة بن العجاج أيضاً، قال (من الرجز) : * وَهْوَ الذَّلِيْلُ نَفَراً فِي أَرْهُطِهْ * وبهذا يرد على أبى على الفارسي في زعمه أن اسم الجمع كرَكْب ورَجْل ورَهْط وطَيْر لا يجمع جمع قلة، وقد قالوا أيضاً: قوم وأقوام، قال في المسائل البغدادية: حكى سيبويه أطيار، وحمله على أنه جمع طائر، مثل صاحب وأصحاب، وشَاهِدٍ وأشهاد، وفَلُو وأفلاء، لأن فَلوًّا مثل فاعل في الزيادة والزنة (1) ، فإن قال قائل: هلا حمله على أنه جمع طَيْر؟ قيل له: لا يكون عنده إلا جمع طائر، لأن طائراً زعم أنه جمع على طير مثل تَاجر وَتَجْر، وإذا كان مثل تَجْر ورَكْب لم يجز جمعه، ألا ترى أنه لم نجز ذلك (2) في جمع الجمع؟ ويمتنع جمع هذا أيضاً من جهة القياس، لأن تَجْراً وبابه يراد به الكثرة، فحكمه إذا جمع أن يراد به التكثير، وأفْعَال لا يراد به الكثرة، بل خلافها، فإن قيل: فهلا جاز جمعه على أفْعَال كما جاز إبِلاَنِ؟ قيل له: هذا قليل لا يقاس عليه، فإن قيل: فهلا جاز تكسيره كما جاز تحقيره؟ حكى سيبويه رَجْلٌ ورُجَيْلٌ، وكما
قرأت على أبي بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان قال: أنشدني الأصمعي لأحَيْحة بن الْجُلاَح: * أخْشَى رُكَيْباً أوْ رُجَيْلاً عَادِيُا * قيل: لا ينبغي أن يجوز التكسير من حيث جاز التصغير، وذاك أن هذا الاسم على بناء الآحاد، والمراد به الكثرة، فلو كسر كما صغر لكان في ذلك إجراؤه مجرى الآحاد وإزالته عما وضع له من الدلالة على الكثرة، إذ كان يكون في ذلك مساواته له من جهة البناء والتكسير والتحقير والحديث عنه كالحديث عن الآحاد، نحو ما أنشده أبو الحسن (من الطويل) : * لَهُمْ جَامِلٌ لا يهدأ اللَّيْلَ سَامِرُهْ * وهذا كل جهاته أو عامته، فيجب إذا صغر أن لا يكسر فيكون بتولد تكسيره منفصلاً مما يراد به الآحاد دون الكثرة، ومتميزا بها منها، على أن ركيباً في البيت يجوز أن يكون محقراً على حذف الزيادة كباب أزْهَر وزُهَير، فإن قال قائل: أليس أشياء من باب رَكْب وتَجْرٍ وجَامِلٍ، وقد حدثكم أبو بكر عن أبى عباس قال علماؤنا عن الأصمعي قال: وقف أعرابي على خلف الأحمر، فقال: إن عندك لأشَاوَى، فكسر أشياء على أشَاوى، فما أنكرت أن يجوز جمع طير وبابه؟ قيل له: هذا أشبه، لأنه مكسر على بناء يكون للكثير، وأطيار للقليل، وهذا ردئ لخروجه إلى حيز الآحاد، وهذه حكاية نادرة، لا يجب القياس عليها فإن قيل: أليس ضأن من هذا الباب لأنه جمع ضائِن، كما أن طيْراً جمع طائر، فقد قيل: ضأن وضئين، كما قالوا: عبد وعبيد، وكلب وكليب، فما أنكرت
أن يجوز تكسير طير وركب وبابه كما جاز تكسير ضأن إذ هو مثله؟ قيل له: ليس ضئين عندنا جمع ضأن، إنما هو جمع ضائن، وليس ضائن بجمع، إنما هو واحد، ألا تراهم قالوا: ضائنة، فأنثوا، وقالوا: ضوائن، فكسروا، ولو كان جمعاً لم يكسر كما لا يكسر ركب وجامل ونحوه، هذا كلام أبي علي وقول الشاعر " وفاضح مفتضح - إلخ " الفضيحة: العيب، وفَضَحه فَضْحاً من باب نفع، كشف عيبه، فتقديره: وكاشف عيب رهطه ومُنْكَشِفٍ عيبُه في رَهْطِهِ وهذا البيت لم أقف على قائله، ولا عَلَى تتمته، والله أعلم وأنشد بعده (من السريع) : * فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا وَكُلِّ لَيلاَهْ * وتقدم شرحه في الشاهد الثامن والأربعين وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والثمانون (من الرجز) : 81 * بِأَعْيُنَاتٍ لَمْ يُخَالِطْهَا الْقَذَى * على أنه يجوز في الشعر أن يجمع الجمع كما هنا، فإنَّ أعْيُناً جمع عَيْن، وقد جمع بالألف والتاء والقذى: ما يسقط في العين أو في الشراب، وَقَذِيَتْ عينه تَقْذَى قَذًى، إذا سقطت في عينه قَذَاه، وقَذَتْ عينه تَقذِي قَذْياً: أخرجت القذى، وَأَقْذَيْت عينه: رميت فيها القذى، وقذيتها تقذية: إذا أخرجت منها القذى
التقاء الساكنين أنشد فيه، وهو الشاهد الثاني والثمانون (من الرجز) : 82 - أقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ زِيَادٍ كَالْخَرِفْ * تَخُطُّ رِجْلاَيَ بخط مختلف * تكثبان في الطريق لام الف * على أن الشاعر نقل فتحة همزة ألف إلى ميم لام وأورده الشارح المحقق في شرح الكافية على أن مقصوده اللام والهمزة، لا صورة " لا "، فيكون معناه أنه تارة يمشى مستقيما فتخط رجلاه خطا شبيها بالالف، وتارة يمشى معوجا فتخط رجلاه خطا شبيها باللام وقد تقدم الكلام عليه هناك في شرح الشاهد السابع من أوله بمالا مزيد عليه وهذه الابيات الثلاثة لابي النجم، وهو راجز إسلامى، قال الصولى: كان لابي النجم العجلى صديق يسقيه الشراب فينصرف من عنده ثملا، وأنشد له هذه الابيات. والخرف - بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء - صفة مشبهة من خرف الرجل خرفا من باب تعب، إذ افسد عقله لكبره، وخط على الارض خطا: أعلم علامة، و " كتب " بالتخفيف والتثقيل، وتثقيله هنا لتكثير الفعل. وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والثمانون (من المتقارب) : 83 - لها متنتان خطاتا كَمَا * أكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النَّمِرْ على أن بعضهم جوز رَدَّ الالف مستشهدا بخظاتا، فإنه يقال: خظا يخظو، إذا تحرك، وكان من حقه أن يقول: خضتا، كما يقال: غزتا، تثنية غزت، إلا أنه رد الالف التى كانت سقطت لاجتماع الساكنين في الواحد، ولما تحركت
تاء التأنيث لاجل ألف التثنية رجعت الالف المحذوفة للساكنين، وهذا قول الكسائي. وقال الفراء: أراد " خضاتان "، فهو مثنى حذفت نونه للضرورة، كما قال أبو داود (من الهزج) : ومتناه خطاتان * كز حلوف من الهضب قال ابن قتيبة في أبيات المعاني: يقال: لحمه خظا بظا، إذا كان كثير اللحم صلبه، والزحلوف: الحجر الاملس، وقال امرؤ القيس: * لها متنتان خظاتا * - إلخ ويقال: هو خاظى البضيع، إذا كان كثير اللحم مكتنزه، وقوله " خظاتا " فيه قولان: أحدهما أنه أراد خظاتان كما قال أبو دواد، فحذفت نون الاثنين، يقال: متن خظاة ومتنه خظاة، والاخر أنه أراد خظتا: أي ارتفعتا، فاضطر فزاد ألفا، والقول الاول أجود، وقوله " كَمَا أكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النَّمِرْ " أراد كان فوق متنها نمرا باركا لكثرة لحم المتن " انتهى كلام ابن قتيبة. وأيد ابن جنى قول الكسائي، قال في سر الصناعة: وأما قول امرئ القيس: * لها متنتان خظاتا ... البيت * فإن الكسائي قال: أراد خظتا، فلما حرك التاء رد الالف التى هي بدل من لام الفعل، لانها إنما كانت حذفت لسكونها وسكون التاء، فلما حركت التاء ردها، فقال: خظاتا، ويلزمه على هذا أن يقول في قضتا وغزتا: قضاتا وغزاتا، إلا أن له أن يقول: إن الشاعر لما اضطر أجرى الحركة العارضة مجرى الحركة اللازمة في نحو قولا وبيعا وخافا، وذهب الفراء إلى أنه أراد خظاتان، فحذف النون، كما قال أبو داود الايادي * ومتنان خظاتان * كزحلوف من الهضب *
وأنشد الفراء أيضا: (من الرجز) * يا حبذا عينا سليمى والفما * قال: أراد والفمان، يعنى الفم والانف، فثناهما بلفظ الفم للتجاور الذى بينهما، وأجاز الفراء أيضا أن تنصبه على أنه مفعول معه، كأنه قال: مع الفم، ومذهب الكسائي في " خظاتا " أقيس عندي من قول الفراء، لان حذف نون التثنية شئ غير معروف، فأما " والفما " فقد يجوز أن ينصب بفعل مضمر، كأنه قال: وأحب الفم، ويجوز أن يكون الفم في موضع رفع إلا أنه اسم مقصور بمنزلة عصا، وعليه جاء بيت الفرزدق: * هُمَا نَفَثَا فِي مِنْ فَمَوَيْهِمَا * فاعرفه، ومما يؤيد عندي مذهب الكسائي أنه أراد خظتا فلما حرك التاء وإن كانت الحركة عارضة غير لازمة رد الالف التى هي بدل من الواو التى هي لام الفعل، كقولهم " الحمر " في الاحمر، و " لبيض " في الابيض، ألا ترى أنهم اعتدوا بحركة الهمزة المحذوفة لما ألقوها على اللام المعرفة، فأجروا ما ليس بلازم مجرى اللازم؟ ونحو من ذلك قراءتهم (لكنا هو الله ربى) وأصلها لكن أنا، فلما حذفت الهمزة للتخفيف وألقيت فتحتها على نون لكن صار التقدير لكننا فلما اجتمع حرفان مثلان متحركان كره ذلك كما كره شدد وجلل، فأسكنوا النون الاولى، وأدغموها في الثانية فصار لكنا، كما أسكنوا الحرف الاول من شدد وجلل، وأدغموه في الثاني فقالوا: شد وجل، أفلا ترى أنهم أجروا المنفصل وهو لكن أنا مجرى المتصل في شد وجل، ولم يقرأ أحد لكننا مظهرا، فهل ذلك إلا لاعتدادهم بالحركة وإن كانت غير لازمة؟ وعلى هذا قالوا (سل بنى إسرائيل) وأصله اسال، فلما خففت الهمزة فحذفت وألقيت حركتها على السين قبلها اعتد بها فحذفت همزة الوصل لتحرك الحرف بعدها، ونظائر هذا كثير، ومنها قولهم في تخفيف
رؤيا: ريا، وأصلها رويا، إلا أنهم أجروا الواو في رويا وإن كانت بدلا من الهمزة مجرى الواو اللازمة فأبدلوها ياء وأدغموها في الياء بعدها، فقالوا: ريا، كما قالوا: طويت طيا وشويت شيا، وأصلهما طويا وشويا، ثم أبدلوا الواو ياء وأدغموها في الياء فعلى هذا قالوا: ريا، ومن اعتد بالهمزة المنوية وراعى حكمها - وهو الاكثر والاقيس - لم يدغم فقال: رويا، فهذا كله وغيره مما يطول ذكره، يشهد باجرائهم غير اللازم مجرى اللازم ويقوى مذهب الكسائي، إلا أن للفراء أن يحتج لقوله ببيت أبى داود * ومتنان خظاتان * فهذا يقوى أن خظاتا تقديره خظاتان وأنشدوا بيتا آخر، وهو قوله: (من الطويل) لنا أعنز لبن ثلاث فبعضها * لاولادها ثنتا وما بيننا عنز تقديره ثنتان، فحذف النون " وهذا آخر كلام ابن جنى (1) وبقى في البيت قول ثالث، وهو أن خظاتا مثنى حذفت نونه للاضافة إلى قوله " كما أكب " وهو قول أبى العباس المبرد، نقل عنه ياقوت الحموى في معجم الادباء في ترجمة أبى العباس أحمد الشهير بثعلب رحمه الرب، ونقله عنه أيضا علم الدين السخاوى في سفر السعادة، وعبارتهما واحدة، قالا: قال أحمد بن يحيى ثعلب: دخلت على محمد بن عبد الله فإذا عنده أبو العباس المبرد وجماعة من أصحابه وكتابه، فلما قعدت قال لى محمد بن عبد الله: ما تقول في بيت امرئ القيس * لها متنتان خظاتا ... البيت * قال: فقلت: أما الغريب فانه يقال: لحم خظا بظا، إذا كان صلبا مكتنزا، ووصفه بقوله " كما أكب على ساعديه " أي في صلابة النمر إذا اعتمد على يديه، والمتن: الطريقة من عن يمين الصلب وشماله، وأما الاعراب فإنه خظتا، فلما
تحركت التاء أعاد الالف من أجل الحركة والفتحة، فأقبل بوجهه على المبرد، فقال: أعز الله الامير، إنما أراد في " خظاتا " الاضافة، أضاف خظاتا إلى كما، قال ثعلب فقلت له: ما قال هذا أحد! ! فقال: بلى سيبويه يقوله، فقلت لمحمد بن عبد الله: ما قال هذا سيبويه قط، وهذا كتابه فليحضر، ثم قلت: وما حاجتنا إلى الكتاب؟ أيقال: مررت بالزيدين ظريفي عمرو، فيضاف نعت الشئ إلى غيره؟ فقال محمد لصحة طبعه -: والله ما يقال هذا، ونظر إلى محمد بن يزيد، فأمسك ولم يقل شيئا، ونهض المجلس، وزاد ياقوت في آخر هذه الحكاية " لا أدرى لم لا يجوز هذا، وما أظن أحد ينكرا قول القائل: رأيت الفرسين مركوبي زيد، ولا الغلامين عبدى عمرو، ولا الثوبين دراعتي (1) زيد، ومثله مررت بالزيدين ظريفي عمرو، فيكون مضافا إلى عمرو وهو صفة زيد، وهذا ظاهر لكل متأمل " هذا كلامه وأقول: هذه الامثلة كلها أبدال لا نعوت، لعدم الربط وهذا البيت من جملة أبيات في وصف فرس من قصيدة لامرئ القيس قد شرحناها في الشاهد العشرين بعد السبعمائة من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والثمانون: (من المنسرح) 84 - لا تُهِينَ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ * تَرْكَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ على أن أصله " لا تهينن الفقير " فحذفت نون التوكيد الخفيفة لالتقاء الساكنين، وبقيت الفتحة دليلا عليها وهذا آخر أبيات للاضبط بين قريع السعدى، وقبله: قد يجمع المال غير آكله * ويأكل المال غير من جمعه
فاقبل من الدهر ما أتاك به * من قر عينا بعيشه نفعه وصل حبال البعيد إن وصل الحبل * وأقص القريب إن قطعه وهى أكثر من هذا، وقد شرحناها في الشاهد الرابع والخمسين بعد التسعمائة من آخر شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والثمانون، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) : 85 - يستوعب البوعين من جريره * مِنْ لَدُ لَحْيَيْهِ إِلَى مَنْحُورِهِ على أن أصله " من لدن " فحذفت النون قال سيبويه: " فأما لدن فالموضع الذى هو أول الغاية، وهو اسم يكون ظرفا، يدلك على أنه اسم قولهم: من لدن، وقد يحذف بعض العرب النون حتى يصير على حرفين، قال الراجز غيلان * يستوعب البوعين ... إلى آخر البيتين " * قال الاعلم: " أراد أن لد محذوفة من لدن منوية النون فلذلك بقيت على حركتها، ولو كانت مما بنى على حرفين للزمها السكون كعن ونحوها، وصف بعيرا أو فرسا بطول العنق، فجعله يستوعب من حبله الذى يوثق به، مقدار باعين، فيما بين لحييه ونحره، والمنحور والنحر: الصدر، واللحى: العظم الاسفل من الشدق، وسمى بذلك لقلة لحمه، كأن اللحم لحى عنه: أي قشر، والبوع: مصدر بعت الشئ بوعا إذا ذرعته بباعك، والجرير: الحبل " انتهى كلامه وقبلهما: يتبعن شهما لان من ضريره * من المهارى رد في حجوره قوله يتبعن إلخ " أي: يتبع الابل جملا " شهما ": أي حديد النفس ذكى
القلب، والضرير - بالضاد المعجمة -: النفس وشدتها، يقال: ناقة ذات ضرير، إذا كانت شديدة النفس بطيئة اللغوب، والضرير من الدواب: الصبور على كل شئ، كذا في العباب: يريد أنه لان شئ من شدة نفسه وامتناعه، ولو كانت نفسه على ما كانت عليه من الصعوبة لشق عليها، وقوله " من المهاوى " أي: من الابل المهارى نسبة إلى مهرة. قال صاحب العباب: ومهرة بن حيدان أبو قبيلة من اليمن تنسب إليه الابل المهرية، والجمع المهارى، وإن شئت خففت الياء فقلت المهارى كالصحارى والصحارى وقوله " رد في حجوره " أي: في كرم أمهاته، يريد أنه من نسل إبل كرام. وقوله " يستوعب البوعين الخ " بفتح المواحدة، قال صاحب العباب: قال الليث البوع والباع لغتان. فلا حاجة إلى ما تكلفه الاعلم، والجرير - بفتح الجيم -: الحبل، يريد أن طويل الحبل الذى هو مقوده من لحيبه إلى موضع نحره مقدار باعين، يريد طول عنقه وقوله " من لد لحييه " مثل لحى - بفتح اللام وسكون الحاء المهملة - وهو العظم الذى ينبت عليه الاسنان، والمنحور: بضم الميم وبعد النون حاء مهملة، كذا في العباب، وهو لغة في النحر لمنحر، ومعناه أعلى الصدر، وهو الموضع الذى تقع عليه القلادة والموضع الذى ينحر فيه الهدى وغيره، وصحفه الجوهرى فرواه بالخاء المعجمة، وقال: المنخور لغة في المنخر، وأنشده، وكذا رواه أيضا في مادة لدن، ونبه ابن بري في أمالية عليه، قال: " وصواب إنشاده كما أنشده سيبويه " إلى منحوره " بالحاء، والمنحور النحر، وهو المنحر، وصف هذا الشاعر فرسا بطول العنق فجعله يستوعب من حبله مقدار باعين من لحييه إلى نحره " انتهى. وكذا قال في مادة (ل د ن) ، وصوابه يصف كما ذكرنا، وتبعه الصفدى في حاشيته على
الصحاح، وقال: هذا الذى عليه العلماء، ولا معنى فيه لما قاله الجوهرى، ورواه الصاغانى في العباب بالوجهين: بالحاء المهملة، والمعجمة، في المادتين، قال: ويروى منخوره بالخاء المعجمة أيضا، ويروى حنجوره، فزاد رواية ثالثة، وهى بضم الحاء المهملة وبعد النون جيم، لغة في الحنجرة كحيدرة، وهى الحلقوم ونسب ابن برى أيضا هذا الرجز إلى غيلان بن حريث الربعي، وتقدم في الشاهد الثالث والسبعين بعد السبعمائة من شرح شواهد شرح الكافية أنى لم أقف على ترجمة، والله أعلم به وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والثمانون: (من الرجز) 86 - * وحاتم الطائى وهاب المئى * على أنه حذف التنوين من حاتم لضرورة الشعر، وقبله * حيدة خالي ولقيط وعلى * والبيتان من رجز لامرأة تفتخر بأخوالها من اليمن، وأورده الشارح المحقق في شرح الكافية على أن المئى أصله عند الاخفش المئين، حذفت النون الجمع للضرورة. وقد شرحناه مفصلا بما لا مزيد عليه مع بقية في الشاهد الرابع والأربعين بعد الخمسمائة هناك فارجع إليه وأنشد بعده: (من الطويل) عَجِبْتُ لِمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ ابٌ * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ وتقدم الكلام عليه في الشاهد العاشر من هذا الكتاب وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والثمانون، وهو من شواهد سيبويه: (من الوافر) 87 - فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيرٍ * فَلاَ كَعْباً بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبَا
على أن يونس سمعهم ينشدونه بفتح الضاد من قوله: فغض، قال سيبويه: " ومنهم من يدعه إذا جاء بالالف واللام على حاله مفتوحا، يجعله في جميع الاشياء كإن، وزعم يونس أنه سمعهم يقولون: * فغض الطرف ... البيت * " انتهى ونسب الزمخشري في المفصل الفتح الى بنى اسد، قال: " ومنهم من فتح وهم بنو أسد، قال: فغض الطرف، ونمير بالتصغير: أبو قبيلة، وهو نمير بن عامر ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر، وكعب وكلاب أخوان، وهما ابنا ربيعة بن عامر ابن صعصعة، فنمير وربيعة أخوان وأمهما رقية بنت جُشَم بن معاوية بن بكر بن هوازن، قال ابن الكلبى في الجمهرة: ولد ربيعة بن عامر كلابا وإليه البيت، وكعبا وإليه العقد، كان إذا كان في ولد ربيعة جوار تولوا هم ذلك دون ولد أبيه، ومن أولاد ربيعة كليب بالتصغير وعامر والحرث، فهؤلاء الخمسة أولاد ربيعة لا غير و " غض " فعل أمر من غض طرفه وصوته، ومن طرفه وصوته، غضا، من باب قتل، إذا خفضهما، وغض الطرف: إرخاء الجفون، والطرف: نظر العين، يقول: لا تفتح عينيك بتحديق كنظر العزيز، بل انظر الذليل بغض وتغميض: فإن قبيلتك بنى نمير لم يشرفوا كشرف بنى أخى نمير، وأنت خامل، ولبنى عمك النباهة والذكر، فلا نلت رتبة كعب في السيادة ولا بلغت منزلة كلاب في العز، والتفضيل بين الاقارب عند العرب ممض مؤلم تأثيره أشد من الهجاء المقذع. والبيت من قصيدة لجرير هجا بها الراعى النميري مطلعها: أقلى اللوام عاذل والعتابا * وقوله إن أصبت لقد أصابا
وسبب هجوه أن الراعي كان شاعر مضر وذا سنِّها، ولما قدم البصرة دخل بين جرير والفرزدق، فقال: (من الكامل) يَا صَاحِبَيَّ دَنَا الأَصِيلُ فَسِيرَا * غَلَبَ الْفَرَزْدَقُ فِي الْهِجَاءِ جَرِيرَا فلقيه جرير، فقال له: إني وابن عمي الفرزدق نستب صباحاً ومساءً، وما عليك من غلبة الغالب والمغلوب، فإما أن تكف عنا، وإما أن تُغَلِّبَنِي، فقال له الراعي: صدقت، لا أبعدك (الله) من خير، فبينما هما في القول إذ رآهما جندل بن الراعي فأقبل على فرس له فضرب بغلة أبيه وقال له: مالك يراك الناس واقفاً على كلب بني كليب، فصرفه عنه، فقال جرير: أما والله لأثقلن رواحلك، ثم أقبل إلى منزله وقال لروايته: زد في دهن سراجك الليلة وأعدد لَوْحاً ودواة، ثم أقبل على هجاء بني نمير، فلم يزل يمل حتى ورد عليه قوله: * فغض الطرف إنك من نمير ... البيت * فقال: حسبك أطفئ سراجك ونم، فرغت منه ثم إن جريراً أتم القصيدة بعد وسماها الدامغة حتى إذا أصبح ورأى الراعي في سوق الإبل أنشده إياها حتى وصل إلى قوله أجَنْدَلُ، مَا تَقُولُ بَنُو نُمَيْرٍ * إذَا مَا الأَيْرُ في اسْتِ أبِيكَ غَابَا؟ فقال الراعي: شراً والله تقول، إلى أن قال: إذَا غَضِبَتْ عَلَيْكَ بَنُو تَمِيمٍ * رَأَيْتَ النَّاسَ كُلَّهُمُ غِضَابَا فغُضَّ الطَّرف إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ * ... البيت قال ابن رشيق في العمدة: " وممن وضعه ما قيل فيه من الشعر حتى أنكر نسبه وسقط على رتبته وعيب بفضيلته: بنو نمير، كانوا جمرة (1) من جمرات العرب إذا سئل أحدهم: ممن الرجل؟ فخَّمَ لفظه ومدَّ صوته وقال: من بني نمير، إلى أن صنع جرير قصيدته التي هجا بها الراعي فسهر لها فطالت ليلته إلى أن قال:
* فغض الطرف إنك من نمير البيت * فأطفأ سراجه ونام، وقال: والله قد أخزيتهم آخر الدهر، فلم يرفعوا رأساً بعدها إلا نكس بهذا البيت، حتى إن مولى لبني باهلة كان يرد سوق البصرة ممتاراً، فيصيح به بنو نمير: يَا جُوَاذِبَ (1) باهلة، فَقصَّ الخبر على مَوَاليه، وقد ضجر من ذلك، فقالوا له: إذا نبزوك فقل لهم * فغض الطرف إنك من نمير * ومر بهم بعد ذلك فنبزوه، وأراد البيت فنسيه، فقال: غض وإلا جاءك ما تكره، فكفوا عنه ولم يعرضوا له بعدها، ومرت امراة ببعض مجالس بني نمير، فأداموا النظر إليها فقالت: قبحكم الله يا بني نمير، ما قبلتم قول الله عزّ وجلّ (قل للمؤمنين يغضو من أبصاهم) ولا قول الشاعر: فَغُضَّ الطَّرْفِ إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... البيت وهذه القصيدة تسميها العرب الفاضحة، وقيل: سماها جرير الدامغة، تركت بني نمير بالبصرة ينتسبون إلى عامر بن صعصعة ويتجاوزون أباهم نميراً إلى أبيه هرباً من ذكر نمير وفراراً مما وسم به من الفضيحة وقد تكلمنا عليه بأبسط من هذا في الشاهد الرابع من أول شرح شواهد شرح الكافية وقد خبط خبط عشواء في هذا البيت بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصَّل، قال: " البيت لجرير يهجو به الفرزدق، لأن نميراً أبو قبيلة من قيس وهو نمير بن عامر بن صعصعة، بن مجاشع من أجداد الفرزدق، وكعب وكلاب في قريش " هذا كلامه، وفيه خلل من وجوه: الأول أن المهجو نميري والفرزدق تميمي، الثاني أن صعصعة والدَ عامر ليس جد الفرزدق، الثالث أن صعصعة جد الفرزدق ليس ابنَ مجاشع، وإنما هو صعصعة بن ناجية بن عقال ابن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارِم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد
مناة بن تميم، أن صعصعة هذا ليس من أجداد الفرزدق، وإنما هو جده الأقرب، لأن الفرزدق ابنُ غالب بن صعصعة، الخامس أن كعباً وكلاباً في البيت ليسا من قريش، وإنما هما ابنا ربيعة أخي نمير، والله أعلم وأنشد الجار بردى هنا، وهو الشاهد الثامن والثمانون (من الكامل) : 88 - ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى * وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُوْلَئِكَ الأَيَّامِ على أنه روى ذُمَّ بفتح الميم وكسرها وهو من قصيدة لجرير، مطلعها: سَرَتِ الْهُمُومُ فَبِتْنَ غَيْرَ نِيَامِ * وَأَخُو الْهُمُومِ يَرَومُ كُلَّ مَرَامِ وأورده في المفصل في باب الإشارة أيضاً، على أن " أولئك " يستعمل في العقلاء وغير العقلاء، كقوله تعالى: (إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كان عنه مسئولا) وأورده البيضاوي - بَيَّض الله وجهه يوم تبيض وجوه - أيضاً عند الآية، قال العيني: ويروى " الأقوام " بدل " الأيام " وحينئذٍ لا شاهد فيه، وزعم ابن عطية أن هذه الرواية هي الصواب، وأن الطبري غلط إذ أنشد " الأيام " وأن الزجاج اتبعه في هذا الغلط، انتهى و " ذُمَّ " فعل أمرٍ، و " العيش " معطوف على المنازل، والمعنى أنه تأسف على منزله باللِّوى وأيام مضت له فيه، وأنه لم يتهنَّ بعيش بعد تلك الأيام، ولا راق له منزل وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والثمانون (من الرجز) : 89 - يا عجبا لقد رأيت عجبا * حمار قبان يسوق أرنبا خاطمها زأمها أن تذهبا * فقلت: أرْدِفْنِي، فَقَالَ: مَرْحَبَا على أن أبا زيد حكى عن أيوب السختياني دأبَّة وشَأَبَّة وأنشد هذا الشعر
أقول: لم ينشد أبو زيد هذا الرجز، لا في نوادره، ولا في كتاب الهمز، ولا نقل عن أيوب، وإنما قال في آخر كتاب الهمز: وسمعت رجلاً من بني كلاب يكنى أبا الأصنع يقول: هذه دأبَّة، وهذه شأبة، وهي امرأة مَأدَّة، وهذا شأبّ، ومأدّ، فيهمز الألف في كل هذه الحروف، وذلك أنه ثقل عليه إسكان حرفين مَعاً وإن كان الأصل الآخر منهما التحريك، كما استثقل بعض العرب في الوقف إسكان الحرفين في قولهم: اضْرِبُهْ، أكْرِمُهْ، أحْبِسُهْ، قال: (من الرجز) * قَدْ قُلْتُ لِلسَّائِلِ قَدْهُ أعْجِلُهُ * انتهى. وهذا آخر كتاب الهمز، ويشهد لما قلنا كلام ابن جني في أكثر تآليفه، قال في شرح تصريف المازني ومنه أخذ الشارح هذا الفصل: إن الألف إذا حركت صارت همزة، كقراءة أيوب السختياني (وَلاَ الضَّألِّين) لما حرَّك الألف لسكونها وسكون اللام الأولى بعدها انقلبت همزة، وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد أنه قال: سمعت عمرو بن عبيد يهمز (فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلاَ جَأنٌّ) فظننته قد لحن إلى أن سمعت العرب يقولون (1) شأبَّة ودأبَّة، قال أبو العباس: فقلت لأبي عثمان: أتقيس هذا؟ قال: لا ولا أقبله، وقال الراجز: * خاطِمَها زَأمَّها أنْ تّذْهَبَا * وجاء في شعر كثيّر " احْمَأَرَّتِ (2) " يريد احْمَارَّتِ، كما أراد الأول
زَامَّها، فهذه الهمزات في هذا الموضع إنما وجبت عن تحريك الألف لسكونها وسكون ما بعدها، انتهى وقال في سر الصناعة: " فأما إبدال الهمزة من الألف فنحو ما حكى عن أيوب السختياني أنه قرأ (ولا الضَّألِّين) فهمز الألف، وذلك أنه كره اجتماع الساكنين الالف واللام الأولى، فحرك الألف لاجتماعهما، فانقلب همزة، لأن الألف حرف ضعيف واسع المخرج لا يحمل الحركة، فإذا اضطروا إلى تحريكه قلبوه إلى أقرب الحروف منه وهو الهمزة، وعلى ذلك ما حكاه أبو زيد فيما قرأته على أبي علي في كتاب الهمز عنه من قولهم: دأبَّة وشأبَّة ومأدة، وأنشدت الكافة: * يَا عَجَبَا لقد رأيت عجبا * إلى آخر الأبيات يريد زامّها. وحكى أبو العباس، عن أبي عثمان، عن أبي زيد، قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ (إنْسٌ وَلا جأن) فظننته قد لحن، حتى سمعت العرب تقول: دأبّة، وشأبة، قال أبو العباس: فقلت لأبي عثمان: أتقيس ذلك؟ قال: لا ولا أقبلها. وقال آخر (من الطويل) وَبَعْدَ انْتِهَاض الشَّيْبِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * عَلَى لِمَّتِي حَتَّى اشْعَألَ بَهِيمُهَا
يريد اشعال، من قوله تعالى (واشتعل الرأس شيبا) فهذا لا همز فيه، وقال دُكَيْنٌ (من الرجز) رَاكِدةٌ مِخْلاتُهُ وَمَحْلَبُه * وَجُلُّهُ حَتَّى ابْيَأَضَّ مَلْبَبُهُ يريد ابْيَاضَّ، فهمز، وقرأت على أن أبي الفرج علي بن الحسين لكُثَيِّر من الطويل) ولِلأَرْضِ أمَّا سُودُهَا فَتَجَلَّلَتْ * بَيَاضاً وَأمَّا بِيضُها فَادْهَأمَّتِ يريد ادْهَامَّتْ، وقد كاد يتسع هذا عنهم، وحكى عنهم في الوقف هذه حُبلأ يريد حُبْلى، ورأيت رَجُلاً، يريد رجلاً، فالهمزة في رجلأ إنما هي بدل من الألف التي هي عوض من التنوين في الوقف، ولا ينبغي أن يحمل على أنها بدل من النون، لقرب ما بين الهمزة والألف وبعد ما بينها وبين النون، ولأن حبلى لا تنوين لها، وحكى أيضاً هو يَضْرِبُهأ، وهذا كله في الوقف، فإذا وصلت قلت: هو يضربها يا هذا، ورأيت حبلى أمس " انتهى كلامه. وقال في الخصائص في باب شواذ الهمز: وإذا تحركت الألف انقلبت همزة، من ذلك قراءة أيوب السختياني (ولا الضَّألِّين) وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد، قال: سمعت عمرو بن عبيد - إلى آخر الحكاية، وأنشدوا قوله: * يَا عَجَبَا لَقَد رَأَيْتُ عَجَبَا * إلى آخر الأبيات. وقال أيضاً في المحتَسب: " ومن ذلك قراءة أيوب السختياني (وَلاَ الضِّألِّين) ذكر بعض أصحابنا أن أيوب سئل عن هذه الهمزة، فقال: هي بدل من المدة لالتقاء الساكنين. واعلم أن أصل هذا ونحوه الضالين، وهو الفاعلون من ضَلَّ يضلُّ، فكره اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد على غير الصور المحتملة في ذلك، فأسكنت اللام الأولى، وأدغمت في الآخرة، فالتقى
ساكنان: الألف، واللام الأولى المدغمة، فزيد في مدة الألف، واعتمدت وطأة المد، فكان ذلك نحواً من تحريك الألف، وذلك أن الحرف يزيد صوتاً بحركاته، كما يزيد صوت الألف بإشباع مدته، وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد قال: سمعت عمر بن عبيد - إلى آخر الحكاية، ثم أورد أمثلة كثيرة، ونظائر عديدة، وقال: وفيه أكثر من هذا، ولولا كراهية الإملال لأتينا به، على أنه مثبت في أماكن من تآليفنا، وقد ذكرنا من هذا الضرب في كتابنا الموسوم بالخصائص ما فيه كافٍ من غيره " وقال صاحب الصحاح: " وحمَار قَبَّان دويبة، وهو فَعْلاَن، من قبّ لأن العرب لا تصرفه، وهو معرفة عندهم، ولو كان فَعَّالاً لصرفته، تقول: رأيت قطيعاً من حمر قبان، وقال: يَا عَجَباً وَقَد رَأَيْتُ عَجَباً * حِمَارَ قَبَّانَ يَسُوقُ أرْنَبَا " انتهى ولم يكتب عليه ابن بري شيئاً في أماليه، ولا الصفدي في حاشيته وقال السيوطي في ديوان الحيوان وهو مختصر حياة الحيوان: " حمار قَبَّان: دويبة مستديرة تتولد من الأماكن النَّدِيَّة، على ظهرها مثل المِجَنِّ مرتفعة الظهر، كأن ظهرها قبة، إذا مشت لا يرى منها سوى أطراف رجليها، وهي أقل سواداً من الخنفساء، وأصغر منها، على قدر الدينار، ولها ستة أرجل، تألف أماكن السباخ وذكر الحاحظ في التبيان أن رأسها لا يرى عند المشي، ولا ترى إلا أن تنقلب على وجهها، لأن أمام وجهها حاجزاً مستديراً، وأكثر ما تظهر بالليل، قال: ومن حمار قبان نوع ضامر البطن غير مستدير، والناس يسمونه أبا شحيمة، والظاهر أنه صغار حمار قبان، وأنه بعدُ يأخذ في الكبر، قال:
وأهل اليمن يطلقون حمار قبان على دويبة فوق الجرادة من نوع الفراش وفي مفردات ابن البيطار: حمار قبان يسمى حمار البيت أيضاً، ومن أمثالهم " هو أذَلُّ من حمار قَبَّان " انتهى كلام السيوطي وقال الجوهري في مادة (زم) : تقول زَمَمْتُ النعل وزممت البعير، خطمته وأنشد هذا الرجز ثانياً والخطام: هو الزمام، وخاطِمَها بالنصب: حال من حمار قبان، والإضافة لفظية، والتقدير خاطماً إيَّاهَا، ويجوز رفعه أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هو خاطمها، وزامها مثل خاطمها، لان تأكيد له، وقوله " أن تذهبا " بتقدير اللام: أي لتذهب معه، أو بتقدير مضاف وهو صلة لخاطمها: أي خوف أن تذهب وتفر منه، وقوله " فقلت أردفني " أي: فقلت لحمار قبان: اجعلني رِدْفاً لك أركب على الأرنب خلفك، فقال: اركب مرحباً بك، وقوله " يا عجبا " يا للتنبيه، وعجباً منصوب على المصدرية: أي أعجب عجبا، فهو منون، ويجوز أن يكون يا للنداء، وعجباً منادى، والأصل يا عجبي، فقلبت ياء المتكلم ألفاً، وعلى هذا هو غير منون، وهذا يشبه أن يكون من خرافات العرب، ولم أقف على شرح له. وقد رأيت البيت الشاهد في رجز آخر، قال السيوطي رحمه الله في ديوان الحيوان في الكلام على الضب: " قال أبو عمر الْجَرْمي: سألت أبا عبيد عن قول الراجز: أَهَدَمُوا بَيْتَكَ لاَ أبَالَكَا * وَأنا أمْشِي الدَّألَى حَوَالَكَا فقلت: لمن هذا الشعر؟ قال: تقول العرب: هذا يقوله الضب لولده الْحِسْل أيامَ كانت الأشياء تتكلم، والعرب تقول: لما كان كل شئ يتكلم خَاطَرَ الضب الضِّفْدَعَ أيهما أصبر على الظمأ، وكان للضفدع حينئذٍ الذنب، وكان الضب ممسوح
الذنب، قالوا: فصبر الضفدع يوماً، ثم نادت: يا ضب ورداً ورداً. فقال الضب: أصْبَحَ قلب صَرِدا * لا يشتهي أن يَرِدا إلاَّ عَرَاداً عَرِدَا * وَصِلِّيَاناً بَرِدَا وعَنْكَثَا مُلْتَبِدا. فلما كان اليوم الثالث قالت الضفدع: يا ضب ورداً ورداً، فلم يجبها، فلما لم يجبها بادرت إلى الماء، وتبعها الضب، فأخذ ذنبها، وأنشد: خَاطِمَهَا زَأمَّهَا أنْ تَذَهَبَا * وَجربَ الضَّبُّ فَقَالَ جَرِّبَا ألا أرى لِي ذَنَباً مُرَكَّبَا " انتهى كلامه. والدِّأَلى بفتحات، قال صاحب العباب: " دأل يَدْألُ دَأْلاً وَدَأَلاَناً ودَأَلَى: أي ختل، قال: * وأنا أمشي الدألى حوالكا * وقال أبو زيد: هي مشية شبيهة بالختل ومشي المثقل، وذكر الأصمعي في صفة مشي الختل الدألاَنُ: مشي يقارب فيه الخطو ويُبْغى فيه، كأنه مثقل من حمل " انتهى وقوله " صَرِداً " بفتح الصاد المهملة وكسر الراء، قال الجوهري: صَرِد الرجل بالكسر يَصْرَد صَرَداً فهو صرِد ومِصْرَاد، يجد البر سريعاً، قال: أصْبَحَ قَلْبِي صَرِدا * لا يَشْتَهي أنْ يَرِدَا. انتهى وقوله " إلا عَراداً عِرَدَا " العراد بفتح العين المهملة وآخره دال: اسم نبت كذا في الصحاح، وأنشد البيت، والْعِرَد: وصف له من لفظه للتوكيد، والمبالغة في كلامهم كقولهم: شعر شاعر: وَلَيْلَة ليلاء. وقال خضر الموصلي في شرح أبيات التفسيرين: الْعَرِد: الصلب من كل شئ، وقيل: هو الجراد، وهذا
كلامه، وقوله " وصليانا بردا " بكسر الصاد وللام المشددة بعدها مثناة تحتية، قال السخاوي في سفر السعادة: (و) صِلِّيَانٌ فعْلِيان، والواحدة صليانة، وهي بقلة، وهو مأخوذ من الضمة، والصلة: واحدة الصلال، وهى القطع من الأمطار المتفرقة التي يقع منها الشئ بعد الشئ، وقيل للعشب الصِّلِّيان من ذلك، سمي باسم المطر، وقال الجرمي: الصليان: نبات، ويقولون لمن يسرع في اليمين ولا يتوقف " لقد جَذَّهَا جذَّ الصّلِّيَانة "، لأن العير إذا ارتعى جذ الصِّلِّيانة واقتلعها من أصلها، وجَذَّ: مصدر مضاف إلى المفعول، ويقولون: الصِّليان خبز الإبل، انتهى. " وبرد " بمعنى بارد وهذا البيت أورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى (وملح أجاج) على قراءة من قرأ (مَلِحٌ) بفتح الميم وكسر اللام، على أنه تخفيف مالح كبَرِد في البيت من بارد وقوله " عَنكثاً مُلْتَبِدا " العنكث: بفتح العين المهملة وسكون النون وبعد الكاف ثاء مثلثة، قال صاحب الصحاح: هو اسم نبت، وأنشد البيت، والملتبد: المجتمع بعضه فوق بعض، يقال: التبد الشجر. إذا كثر ورقه، وفي كل بيت أنشده الجوهري من هذه الأبيات يقول: قال الساجع، بناء على أن الرجز عنده سجع وليس بشعر، وهو مذهب بعض العروضيين، وأورد ابن بري الأبيات الخمسة في مادة عنكث، وقال: هذا مما تحكيه العرب على ألسنة البهائم، زعموا أنه اختصم الضب والضفدع، فقالت الضفدع: أنا أصْبُر منك عن الماء، وقال الضب: أنا أصبر منك، فقال الضفدع: تعالى حتى نرعى فيعلم أينا أصبر، فَرَعَيَا يومهما، فاشتد عطش الضفدع، فجعلت تقول: وِرْداً يا ضب، فقال الضب: * أصْبَحَ قَلْبِي صَرِدا * إلى آخر الأبيات، فبادرت الضفدع إلى الماء، إلى آخر الحكاية
وأنشد بعده، وهو الشاهد التسعون (من الرجز) 90 - يَا دَارَ مَيَّ بد كاديك الْبُرَقْ * صَبْراً فَقَدْ هَيَّجْتِ شَوْقَ الْمُشْتَئِقْ على أن أصله المشتاق فقلب الألف همزة وحركها بالكسر لان الالف بد من واو مكسورة، قال ابن جني في سر الصناعة: " أنشد الفراء: * يا دارمي بد كاديك * إلخ والقول فيه عندي أنه اضطر إلى حكرة الألف التي قبل القاف من المشتاق، لأنها تقابل لام مستفعلن، فَلمَّا حركها انقلبت همزة، إلا أنه حركها بالكسر لأنه أراد الكسرة التي كانت في الواو المنقلبة الألف عنها، وذلك أنه مُفْتَعِلٌ من الشوق، وأصله مُشْتَوِق ثم قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فلما احتاج إلى حركة الألف حركها بمثل الكسرة التي كانت في الواو التي هي أصل للألف، ونحو هذا ما حكاه الفراء أيضاً عنهم من قولهم: رجل مَئِل، إذا كان كثير المال، وأصلها مَوِلٌ كحَذِرٌ، يقال: مال الرجل يمَال، إذا كثر ماله، وأصلها مَوِلَ يَمْوَل مثل خاف يخاف، من الواو، وقالوا: رجل خاف كقولهم رجل مالٌ وأصلهما خَوِفٌ ومَوِلٌ، انقلبت الواو ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار خافٌ ومالٌ، ثم إنهم أتوا بالكسرة التي كانت في واو مَوِلٍ فحركوا بها الألف في مال فانقلبت همزة فقالوا مثل " انتهى كلامه و " مي " اسم امرأة، ودكاديك: جمع دكداك، وهو الرمل المتلبد في الأرض ولم يرتفع، والبُرَق: جمع برقة بالضم وهى غلظ حجارة ورمل، ورواه الجوهري " بالدَّكاديك البُرَق " بالوصف لا بالإضافة، وقوله " صبرا " مفعول مطلق: أي اصبري صبرا، أو مفعول به لفعل محذوف: أي أعطيني صبرا، وروى بدله
" سَقْيا ": أي سقاكِ الله سقياً، دعاء لها بالسقي، على عادة العرب في طلب السقي لمنازل أحبابهم. قال ابن المستوفي هذان البيتان أنشدهما الفراء لرؤبة، ومثله (من الرجز) : سُقِيتِ مِنْ وَدْقِ (1) السَّحَابِ الْمُنْبَعِقْ (2) * يَكَادُ قَلْبِي مِنْ هَوَاكِ يَحْتَرِقْ كَذَا دُعَاءُ كُلِّ صِبٍّ مُشْتَئِقْ الابتداء أنشد فيه، وهو الشاهد الحادي والتسعون (من الرجز) : 91 - بِاسْمِ الَّذِي فِي كُلِّ سُورَةٍ سِمُهْ * على أنه يقال: سِمٌ بدون همزة وصل قال ابن جني في شرح تصريف المازني: " روى بكسر السين وضمها، والباء من " باسم " متعلق بأرسل في بيت قبله، وهو: أرْسَلَ فِيهَا بَازِلاً يُقَرِّمُهْ * فَهْوَ بِهَا يَنْحُو طَرِيقاً يَعْلَمُهْ باسْمِ الَّذِي في كُلِّ سُورَةٍ سِمُهْ وهذه الأبيات الثلاثة أوردها أبو زيد في نوادره (3) . وقال: " هي لرجل زعموا أنه من كلب " والضمير المستتر " في أرسل " للراعي، والبارز من " فيها " للإبل، و " البازل ": البعير الذي انشق نابه، وهو في السنة التاسعة، و " يقرمه " يتركه عن الاستعمال
ليتقوى لِلفِحْلة، والمعنى أرسل هذا الراعي باسم الذي في كل سورة يذكر اسمه هذا الفحلَ في هذه الإبل فهو أي البازل ينحو بها أي يقصد بالإبل المذكورة، طريقاً يلعمه لاعتياده بتلك الفعلة وقال خضر الموصلي شارح شواهد التفسيرين: البيت من رجز لرؤبة بن العجاج، أوله * قُلْتُ لِزيرٍ لَمْ تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ * انتهى. أقول: قد فتشت (1) هذه الأرجوزة مراراً فلم أجد فيها البيت الشاهد، وقد تبعه شيخنا الشهاب الخفاجي في حاشيته على البيضاوي، ونقل ما سطره من غير مراجعة، وأورد أبو زيد بعد تلك الأبيات ما نصه، وأنشدني أعرابي (من البسيط) أنَا الْحُبَابُ الَّذِي يَكْفِي سِمُي نَسَبي * إذَا الْقَمِيصُ تعَدَّى وَسْمَهُ النَّسَبُ الأصمعي: الوسم: تغير النجار، وقال: فَدَعْ عَنْكَ ذِكْرَ اللَّهْوِ وَاعْمِدْ لِمِدْحَةٍ * لِخَيْر يَمَانٍ كُلِّها حَيْثُ إنْتَمَى لأوْضَحِهَا وَجْهاًَ وَأَكْرَمِهَا أباً وَأَسْمَحِهَا كَفّاً وَأَعْلَنِهَا سُمَا انتهى. وسُمِي - بضم السين وكسرها، والياء ضمير المتكلم - والنجار بكسر لنون بعدها جيم: الأصل، وسُمَا في اليبت الثاني - بضم السين والقصر - لغة في الاسم، وهو أعدل شاهد في هذه اللغة، وأنشده ابن جني في شرح تصريف المازني، وقال: ويروى " سِماً " فمن كسر السين فالألف عنده للوصل بمنزلة الألف في قول الاخر (من البسيط)
* يَا دَارَ عَمْرَةَ مِنْ مُحْتَلِّهَا الْجَرَعَا * (1) ولا يجوز أن تكون لام الفعل، لأنا لا نعلمهم قالوا: هذا سِمىً بوزن رِضاً، وأما من ضم السين فعندي يحتمل أمرين: أحدهما ما عليه الناس، وهو أن تكون ألف الوصل، بمنزلتها في قول من يكسر السين، والوجه الآخر: أن تكون لام الفعل، بمنزلة الألف في القافية التي قبلها وهي " انتمى "، ويكون هذا التأويل على قول من قال: هذا سُمىً، بوزن هدى، إلا أنه حذف اللام لالتقاء الساكنين، يريد أنه منصوب منون حذفت ألفه لالتقاء الساكنين، انتهى. وأقول: يرد على الوجه الأول أنه يبقي الشعر بلا رَوي، وهو فاسد، وأما قوله في الوجه الثاني " إلا أنه حذف لالتقاء الساكنين وهذه الألف هي المبدلة من التنوين للوقف " فهذا فاسد أيضاً، للزومه (2) عدم الروي، وقد حقق الشارح المحقق فيما يأتي في الشاهد الثالث بعد المائة عن السيرافي أنه استدل على أن الألف لام الكلمة لمجيئها رَويا في النصب وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والتسعون (من الطويل) 92 - * وَقَالَ اضرِبِ السَّاقَيْنِ إمُّكَ هَابِلُ * على أنه روي بكسر همزة " إمك " إتباعاً لكسرة نون الساقين والذي رواه ابن جني في أول المحتسب على غير (3) هذا، قال عند قراءة
من قرأ (الحمْدِ لله) بكسر الدال إتباعاً لكسرة اللام: ومثل هذا في إتباع الإعراب البناءَ ما حكاه صاحب الكتاب في قولهم بعضهم * وَقَالَ اضْرِبِ السَّاقَيْنِ إمِّكَ هَابِلُ * كسر الميم لكسرة الهمزة، انتهى كلامه و " هابل " من هَبِلَتْهُ أمه: أي ثكلته وعدمته، وفعله كفرح يفرح، وهابل هنا على النسبة: أي ذات هَبَل، كحائض وطالق، و " اضرب " فعل أمر، و " الساقين " مفعوله، وجملة " إمك هابل " دعائية وهذا المصراع لم أقف على تتمته، ولا على قائله وأنشد الجاربردى، وهو الشاهد الثالث والتسعون (من الكامل) : 93 - وَلَقَدْ لَحَنْتُ لَكُمْ لِكَيْمَا تَفْقَهُوا * وَاللَّحْنُ يَفْهَمُهُ ذَوُو الأَلْبَابِ على أن صاحب الكشاف قال: اللحن أن تَلْحَنَ بكلامك: أي تميله إلى نحو من الأنحاء، ليفطن له صاحبك، وَأنشد البيت، وأورده عند تفسير قوله تعالى (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول) وكذا أورده الجوهري، قال: " واللَّحَن بالتحريك: الفطنة، وقد لَحِن بالكسر، وفي الحديث " وَلَعَلَّ أحدكم أَلْحَنُ بحجته " أي أفطن لها من الآخر، أبو زيد: لَحَنْتُ بالفتح لَحْناً، إذا قلت له قولاً يفهمه عنك، ويخفى على غيره، ولَحِنه هو عني بالكسر يَلْحَنه لَحْناً: أي فهمه، وألحنته أنا إياه، ولاحنت الناس: فاطنتهم، قال الفزاري (من الخفيف) وَحَدِيثٍ ألَذهُ وَهْوَ مِمَّا * يَنْعَتُ النَّاعِتُونَ يُوزَنُ وَزْنَا مَنْطِقٌ رَائِعٌ وَتَلْحَنُ أحْيَا * نَاً وخَيْرُ الْحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنَا يريد أنها تتكلم وهي تريد غيره، وَتُعَرِّض في حديثها فتزيله عن جهته من فطنتها وذكائها، كما قال تعالى (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لحن القول) أي: في فَحْوَاه
ومعناه، وقال القَتَّال الكلابي (من الكامل) : وَلَقَدْ وَحَيْتُ لَكُمْ لِكَيْمَا تَفْهَمُوا * وَلَحَنْتُ لَحْناً لَيسَ بِالْمُرْتَابِ وكأن اللحن في العربية راجع إلى هذا، لأنه من العدول عن الصواب " انتهى كلامه والوحي: الإشارة والكتابة والرسالة والكلام الخفي، ولم يعرف خضر الموصلي شارح أبيات التفسيرين تتمة البيت ومنشأه، ولم يزد على نفس كلام الجوهرى سوى ترجمة قائله وهو من قصيدة أوردها السكري في كتاب اللصوص قال: " كان عمرو ابن سلمة بن سكن بن قريط بن عبد بن أبي بكر بن كلاب قد أسلم رضي الله عنه، ووفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستقطعه حمىً بين الشقراء والسعدية، وهما ماءان تسعة أميال في ستة أميال، فأقطعها إياه فأحماها إياه زماناً، ثم هلك عمرو بن سلمة وقام بعده حُجْر بن عمرو (1) فأحماها، ثم إن نفراً من بنى جعفر ابن كلاب فيهم أجدُر بن بشر بن عامر بن مالك بن جعفر استرعوه خيلهم، فأرعاهم، فأرسلوا نعمهم مع خيلهم بغير إذنه، فغضب حُجْر وأراد إخراجهم فقاتلوه بالعصي والحجارة، وظهر عليهم حُجْر، ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح على أن يدع كل قوم ما فيهم من الجراحات، فتواعدوا الصلح بالغداة وكان أخ لحُجْر يدعى سعيد بن عمرو متنحيا عن الحمى عند امرأة من بني بكر تداويه من سِلْعة (2) كانت بحلقه، فبلغه الخبر وأقبل يريد أخاه حتى إذا كان في المنتصف
ما بين رحلهم والحي غَدَر الجعفريون فاحتملوا عند المساء فمضوا وخلفوا ثلاثة فوارس: أحدهم قراد بن الأجدر بن بشر، فلقوا سعيد بن عمرو، فحمل قراد بن الأجدر عليه بالرمح فقتله، فبلغ الخبر حُجْراً وأوقد نار الحرب واجتمع إليه جمع من بني بكر، فخرج يطلب جعفراً حتى لحقهم، فقال بنو جعفر: ثأركم قراد ابن الأجدر، وقد هرب، وهذا أخوه جُنادة بن الأجدر، قال: إنا لحاملون عليكم أو تعطونا وفاء حتى نرى رأينا، فلما عرفوا منهم الجد اتقوهم بجُنادة وأمه ميسون بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب، فدفعوه إلى حجر، فسار بجُنادة قليلاً فضرب عنقه بأخيه، وكان القتَّال أرسل إلى بني جعفر أن لا تعطوهم رهينة فإنهم يقتلونه، فلم يطيعوه، فقال القتال في ذلك قصيدة، وهذه أبيات منها بعد ثمانية عشر بيتاً: وَلَقَد لَحَنْتُ لَكُمْ لِكَيْمَا تَفْهَمُوا * وَوَحَيْتُ وَحْياً لَيْسَ بِالْمُرْتَابِ وَلَقَدْ بَعَثْتُ إلَيْكُمُ بصَحِيْفَةٍ * عَرَبِيَّةٍ مِنِّي مَعَ ابْنِ عُقَابِ وَمَعَ ابْنِ قَارِبَةَ السَّفِيرِ كَأَنَّمَا * وَثِقُوا بِرَأْي عُتَيْبَةَ بْنِ شِهَابِ أمَّا ابْنُ مَيْسُونَ الْمُقَادُ فِإنَّهُ * رَدَّ الرِّجَالَ بِهِ عَلَى الأَعْقَابِ هَلَكَ الَّذِينَ تمالئوا في قَتْلِهِ * وَنَجَوْتُ مِنْهُ طَاهِرَ الأَثْوَابِ يُسْقَوْنَ مَاءَ الْمُهْلِ كُلَّ عَشِيَّةٍ * يُجْزَوْنَ مَا كَسَبُوا مَعَ الكُتَّابِ هَلاَّ قَتَلْتُمْ قَاتِلاً بِقَتِيْلِهِ * فَيَكُونَ عِنْدَ الله أوْفَقَ بَابِ بَعْدَ الَّذِي مَا حَلْتُمُ عَنْ نَفْسِهِ * وَقَتَلْتُمُوهُ غَيْرَ ذِي أسْبَابِ وَيَكُونُ أبْرَأَ لِلصُّدُورِ مِنَ الْجَوَى * وَأَقَلَّ تَخْزَاءً غداة عِتَابِ لَنْ تُفْلِحُوا أبَداً وَلَوْ أسْمَنْتُمْ * وَرَعَيْتُمُ القفرات في الاعشاب وهذا آخر القصيدة قال السكري: ابن عُقاب - بالضم -: رجل من بني جعفر بن كلاب، وعُقَابُ
أمه سوداء نوبية، وابن قاربة: مولى لقريش كان وجَّه به، وعتيبة بن الحرث ابن شهاب اليربوعي كان فارس تميم كلها، وكان ذا رأي في الحرب وشجاعة ويُمْن نقيبة (1) ، وابن ميسون هو جُنادة بن أجدر، وتمالئوا: اتفقوا، والتخزاء - بالفتح - مصدر كالخزي بمعنى الفضيحة والقتال هو أحد بني بكر بن كلاب شاعر إسلامي في الدولة المروانية، وقد ترجمناه في الشاهد الخامس بعد السبعمائة من شرح شواهد شرح الكافية والبيتان اللذان أوردهما الجوهري هما لمالك ابن أسماء بن خارجة بن حصين ابن حذيفة بن بدر الفزاري، كان الحجاج تزوج أخته هنداً وولاه أصفهان، ولهما خبر أورده الأصبهاني في الأغاني قال " أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال: حدثني أبي قال: قلت للجاحظ: إني قرأت في فصل من كتابك البيان والتبيين أن مما يستحسن من النساء اللحن في الكلام فاستشهدت ببيتي مالك بن أسماء، قال: هو كذلك، فقلت: أما سمعت بخبر هند بنت أسماء بن خارجة مع الحجاج حين لحنت كلامها، فعاب ذلك عليها، فاحتجت ببيتي أخيها، فقال لها: إن أخاك أراد أن المرأة فطنة، فهي تلحن بالكلام غير الظاهر المعنى تستر معناه وتُوَرِّي عنه وتفهمه من أراد تعريفه بالتعريض، كما قال تعالى (ولتعرفنهم في لحن القول) ولم يرد الخطأ من الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد، فوجم الجاحظ ساعة ثم قال: لو وقع لي هذا الخبر لما قلت ما تقدم، فقلت له: فاصلحه، فقال: الآن وقد صار الكتاب في الآفاق؟ " انتهى. وقال العسكري في كتاب التصحيف: " أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنى يحيى بن المنجم قال: حدثني أبي قال: قلت للجاحظ: مثلك في علمك
ومقدارك من الأدب تقول: يستظرف من الجارية أن تكون غير فصيحة وأن يعتري منطقها اللحن، وتقول: قال مالك بن أسماء في بعض نسائه وكانت لا تصيب وربما لحنت * وخير الكلام ما كان لحنا *؟ وتفسره على أنه أراد اللحن في الإعراب، وإنما وصفها بالظرف والفطنة وأنها تورى في لفظها عن أشياء قال: قد فطنت لذلك بعد، قلت: فغيره، قال: كيف لي بما سارت به الركبان " انتهى. ونقل هذا الخبر عن العسكري السيد المرتضى في أول أماليه المسماة بغرر الفرائد ودرر القلائد وقال: " وقد تبع الجاحظ على هذا الغلط ابنُ قتيبة في كتابه المعروف بعيون الأخبار، وأورد أبيات الفزاري، واعتذر بها من لحن إن أصيب في كتابه " وكذا نقل السهيلي تَغليطَ الجاحظ وابن قتيبة في غزوة الخندق من كتابه الروض الأنف وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والتسعون: (من الطويل) 94 - إذَا جَاوَزَ الإِثْنَيْنِ سِرٌّ فَإِنَّهُ * بِنَثٍّ وَتَكْثِيرِ الْوُشَاةِ قَمينُ على أن قطع همزة الإثنين شاذ في ضرورة الشعر، قال ابن عصفور في كتاب الضرائر: ومنها قطع همزة الوصل في الدرج إجراء لها مجراها حال الابتداء بها، وأكثر ما يكون ذلك في أول النصف الثاني من البيت، لتعذر الوقف على الأنصاف التي هي الصدور، نحو قول حسان رضي الله عنه (من البسيط) : لَتَسْمَعُنَّ وَشِيكاً فِي دِيَارِكُمُ * الله أكْبَرُ يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَا وقال الآخر (من السريع) لاَ نَسَبَ الْيَوْمَ وَلاَ خلة * إتسع الحرق عَلَى الرَّاقِعِ وقد يقطع في حشو البيت، وذلك قليل، ومنه قول قيس بن الخطيم: إذَا جَاوَزَ الإثْنَيْنِ سِرٌّ فَإنَّهُ ... البيت
وقول جميل: (من الطويل) ألاَ لاَ أرَى إثْنَيْنِ أحْسَنَ شِيْمَةً * عَلَى حَدَثَانِ الدَّهْرِ مِنِّي وَمِنْ جُمْلِ وأنشد قدامه: (من الرجز) يَا نَفْسُ صَبْراً كُلُّ حَيٍ لاَقٍ * وَكُلُّ إثْنَيْنِ إلى افْتِرَاقِ انتهى. وقد أنشد أبو زيد (1) بيت جميل في نوادره، وكتب عليه أبو الحسن الأخفش: " أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد أنه لا اختلاف بين أصحابه أن الرواية * ألا لا أرى خِلَّين * وهذه هي الرواية والأولى (2) ليست بثَبَتٍ، وإنما رواها أبو زيد والاخفش (3) على الشذوذ فليسا يعتدان بها، وكذلك أخبرنا في البيت الذي يعزى إلى قيس بن الحطيم وهو: إذَا ضيَّعَ الإثْنَانِ سِرّاً فَإنَّهُ * بِنَثٍ وَتَكْثَيرِ الْوُشَاةِ قَمِينُ قال: الرواية * إذا جاوز الخلين سر * قال: وهذه أشياء ربما يخطر ببال النحوي أنها تجوز على بعد في القياس، فربما غير الرواية " انتهى. وهذا غير جيد، فإنه يقتضي عدم الوثوق برواية الثقات، وهم مأمونون فيما ينقلونه وقال ابن المستوفي: " وقال سيبويه في بيت قيس بن الحطيم: إنما هو * إذا جاوز الخلين سر * ولكنه صنع، والذي في شعره الإثنين، وهو أعم من الخلين وأتم في الدعوى " انتهى. ولا يخفى أن سيبويه لم يورد هذا البيت في كتابه البتة، وليس من دأبه
الطعن في الرواية كالمبرد، وقدسها قلمه، فنسب إلى سيبويه كلام المبرد ومثله (1) قول الصّلتان العبدي: (من المتقارب) وسرك مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ * وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الْخَفِيّ ومثله قول الآخر: (من الطويل) فَلاَ تَجْعَلَنْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ثَالِثاً * وَكُلُّ حَدِيثٍ جَاوَزَ اثنين شائع أقول: قد بالغ في كتم السر، فقال: المراد من الاثنين الشفتان لا شخصان، وقوله " فإنه بنث " - بفتح النون وتشديد المثلثة - مصدر مؤنث الحديث ينثه نثا إذا أفشاه وروى " ببث " - بموحدتين - وعليها اقتصر الجاربردي فقال: يقال بث الخبر: أي نشره، وروي أيضاً " فإنه بنشر " وضمير فإنه للسر، والباء متعلقة بقمين بمعنى جدير وخليق وحَرِيّ ولائق، وكلها ألفاظ مترادفة وقوله " وتكثير " بالجر معطوف على نث، وهو مصدر مضاف إلى المفعول: أي السر المجاوز اثنين يكثر الأعداء والوشاة، وهو جمع واش، وهو النمام الذي يزوق الكلام ويحسنه عند نقله على جهة الإفساد، وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: هو مصدر مضاف إلى الفاعل، ومفعوله محذوف: أي وتكثيرِ الوشاة ذلك السر والبيت من أبيات لقيس بن الخطيم رواها له القالي في أماليه، وهي: أجود بمضمون التِّلاَدِ وَإنَّنِي * بِسِرِّكِ عَمَّنْ سَالَنِي لَضَنِينُ (2) إذَا جَاوَزَ الإثْنَيْنِ سِرٌ فإنه * بنث وتكثير الوشاة قمين
وَإنْ ضَيَّعَ الإخْوَانُ سِرّاً فَإنَّنِي * كَتُومٌ لأَسْرَارِ الْعَشِيرِ أمِينُ يَكُونُ لَهُ عِنْدِي إذَا مَا ضَمِنْتُهُ * مَكَانٌ بِسَوْدَاء الْفُؤَادِ كَنِينُ ويروى: ... إذَا مَا ائْتُمِنْتُهُ * مَقَرٌّ بِسَوْدَاء الْفُؤَادِ كَنِينُ سَلِي مَنْ جَلِيسِي في النَّدِيِّ وَمَأْلَفِي * وَمن هو لِي عِنْدَ الصَّفَاءِ خَدِينُ وَأيَّ أخِي حَرْبٍ إذَا هِيَ شَمَّرَتْ * وَمِدْرَهِ خَصْمٍ يَا نَوَارُ أكُونُ وَهَلْ يَحْذَرُ الْجَارُ الْغَرِيبُ فجِيْعَتِي * وَخَوْني، وبعض المقرفين خئون وَمَا لَمَعَتْ عَيْنِي لِغِرَّةِ جَارَتِي * وَلاَ وَدَّعَتْ بِالذَّمِّ حِينَ تَبِينِ (أبَا الذَّمَّ آبَاءٌ نَمَتْنِي جُدُودُهُمْ * وَفِعْلِي بِفِعْلِ الصَّالِحِينَ مُعينُ فَهَذَا كما قد تَعْلَمِينَ وإنَّنِي * لَجَلْدٌ عَلَى رَيْبِ الخُطُوبِ مَتِينُ) (1) وإنِّي لأَعْتَامُ الرِّجَالِ بخُلَّتِي * إلَى (2) الرَّأْيِ فِي الأَحْدَاثِ حِينَ تَحِينُ فَأُبْرِي لَهُمْ صَبْرِي وأُصْفِي مَوَدَّتِي * وَسِرُّكِ عِنْدِي بَعْدَ ذَاكِ مَصُونُ أُمِرُّ عَلَى الْبَاغِي وَيَغْلُظُ جَانِبي * وَذُو الْوُدِّ أحلو لى لَهُ وَأَلِينُ هذا ما أورده القالي، وهذا المقدار هو الموجود في ديوانه، والتلاد: كل مال قديم، والمضنون: اسم مفعول من ضن بالشئ يضن من باب تعِب ضنا وضِنّة - بالكسر - إذا بخل به فهو ضنين، وأراد بالتلاد المضنون به، وقوله " سالني " بالألف وأصلها الهمزة، والعشير: المعاشر، وكنين: مكنون، أي مستور محفوظ،
والندي: المجلس، والخدين: الصديق، والمدره - بكسر الميم وآخره هاء - من دَرَه عن القوم يدرَه - بالفتح - إذا تكلم عنهم ودفع فهو مدره، ونَوَار: اسم امرأة، والفجيعة: المكروه، والخون: الخيانة، والمقرفُ - بضم الميم وكسر الراء -: من أبوه غير أصيل، ولمعت: نظرت، والغرة - بالكسر -: الغفلة، ونمتني: رفعتني، و " جدودهم " فاعله، وأعتام: أقصد، وهو من العيمة، وأصله شدة شهوة اللبن، والخُلَّة: - بالضم - الصداقة، و " إلى " بمعنى مع، وأبْري: مضارع أبرأ إبراء بمعنى شفاه، وقلب الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، و " أصْفِي مَوَدَّتِي " أجعلها صافية، وأمِرُّ من أمَرَّ الشئ: أي صار مرا، وأحلو لى: أصير حلواً وقيس بن الخطيم: شاعر جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد الخامس بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس والتسعون، وهو من شواهد سيبويه (من الكامل) : وَلاَ تُبَادِرُ فِي الشِّتَاءِ وَلِيدَنَا * ألقِدْرَ تُنْزِلُهَا بِغَيْرِ جِعَالِ على أن قطع ألف " ألقدر " لضرورة الشعر قال سيبويه: وتذهب ألف الوصل إذا كان قبلها كلام، إلا أن تقطع كلامك، وتستأنف به، كما قالت الشعراء في الأنصاف، لأنها مواضع فصول، فإنما ابتدأوا بعد قطع، قال الشاعر: * وَلاَ تُبَادِر فِي الشِّتَاءِ * البيت * وقبل البيت: يَا كَنَّةً مَا، كُنْتِ غَيْرَ لَئِيمَةٍ * للضَّيْفِ مِثْلَ الرَّوْضَةِ الْمِحْلاَلِ مَا إنْ تُبَيِّتُنَا بِصَوْت صلب * فيبيت منه القوم في بلبال وَلا تُبَادِرِ فِي الشِّتَاءِ وَلِيدَنَا البيت
والكنة - بفتح الكاف وتشديد النون - امرأة الابن، وما: زائدة أو إبهامية، قال الزمخشري في تفسير (مَثَلاً مَا بَعُوضَةً) : ما إبهامية، وهي التي إذا اقترنت بنكرة زاد إبهامها وشياعها، كقولك: أعْطِني كتاباً مَا، تريد أي كتاب كان، أو صلة للتأكيد، كالتي في قوله تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِم) انتهى. والإبهامية تؤكد ما أفاده تنكير الاسم قبلها: إما فخامة: أيْ كنة أيَّ كنة، أو حقارة نحو أعطه شيئاً ما، أو نوعية نحو اضربه مَّا، ويجوز أن تكون استفهامية خبراً لكُنْت: أي أي شئ كُنْتِ، ويكون " غَيْرَ لئيمة " صفة لكنَّة، والروضة المحلال: التي تحمل المارَّ بها على الحلول حولها للنظر إلى حسنها وبهجتها، والصوت الصُّلَّب: الشديد، بضم الصاد وتشديد اللام، والْبَلْبَال: الغم والحزن، وتبادر: من " بَادَرَه " أي سبقه، وفاعله ضمير الكنة، و " وليدنا " مفعوله، والمراد بالشتاء زمن القحط، فإن الشتاء زمن الشدة عند العرب لعدم نبات الأرض، والوليد: الصبي الصغير، والخادم أيضاً، والجِعَال - بكسر الجيم - الخرقة ينزل بها القدر، يريد أنها لا شَرَهَ لها للطعام، وهذا أمر ممدوح، ويجوز في القدر رفعها ونصبها ونسب ابن عصفور البيت إلى لبيد العامري الصحابي رضي الله تعالى عنه وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والتسعون (من الوافر) : 96 - أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أنَا أبْتَغِيهِ * أمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي على أن همزة الوصل في الخير بين، وقبله: وَمَا أدْرِي إذَا يَمَّمْتُ وَجْهاً * أريدُ الْخَيْرَ أيُّهُمَا يَلِينِي قال الفراء عند تفسير قوله تعالى (أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ من ربه) قال: أيُّهما (1) وأما ذكر الخير وحده فلأنَّ المعنى يُعَرَّف أن المبتغي للخير مُتَّقٍ للشر، انتهى
وشوائع (1) والملهاة وأصلها الْمَاهَةُ (2) ، وَأَمْهَيْتُ الحديد (3) في أَمَهْتُهُ، ونحو جَاءٍ عند الخليل، وقد يُقدَّمُ متلوُّ الآخر على العين نحو طَأمَنَ وأصله طَمْأنَ (4) لأنه من الطُّمَأْنِينَة، ومنه اطْمَأَنَّ يطمئنُّ اطمئناناً، وقد تُقَدَّمُ العين على الفاء كما في أَيِسَ وَجَاهٍ وأيْنُقٍ والآراء والآبار والآدُرِ (5) ، وتقدم اللا على الفاء كما في أشياء على الأصح، وقد تؤخر الفاء عن اللام كما في الحادي وأصله الواحد
قال ابن رشيق في العمدة: ومن مليح ما رويته في الموازنة والتعديل قول ذي الرمة: أستحدث الركب من أشياعهم خبرا * أم راجع القلب من أطرابه طرب (لأن قوله " أستحدث الركب ") (1) موازن لقوله " أم راجع القلب " وقوله " عن أشياعهم خبرا " موازن لقوله، " من أطرابه طرب " وذو الرمة: شاعر في الدولة الأموية، عصريُّ الفرزدق وجرير وتقدمت ترجمته في الشاهد الثامن من أول شرح شواهد الكافية وأنشد بعده (من الرجز) * فَبَاتَ مُنْتَصْباً وما تكردسا * وتقدم شرحه في الشاهد التاسع من هذا الكتاب وأنشد هنا الجاربردي، وهو الشاهد الثامن والتسعون (من البسيط) 98 - وَقُمْتُ لِلزَّورِ مُرْتَاعاً وَأَرَّقَنِي * فَقُلْتُ أهْيَ سَرَتْ أمْ عَادَنِي حُلُمُ على أن سكون الهاء من " أهْيَ " عارض، ولهذا لم يؤت بألف الوصل، والإسكان مع همزة الاستفهام قليل، وقيل: ضعيف. والبيت من قصيدة لِلْمَرَّار العدوي، وقبله: زَارَتْ رُوَيْقَةُ شُعْثاً بَعْدَ مَا هَجَعُوا * لَدَى نَوَاحِلَ فِي أرْسَاغِها الْخَدَمُ يقول: زار خيالُ رويقة قوماً شُعْثاً غُبْراً بعد ما ناموا عند إبل ضوامر شدت في أرساغها سيور القد لشدة سيرها وتأثير الكَلال فيها. والزَّوْر: مصدر من الزائر المراد به طيفها، يريد أني قمت لاجل الطيف
منتبهاً مذعوراً للقائه، وأرقني لما لم يَحْصَل اجتماع محقق، ثم ارتبت لعدم الاجتماع: هل كان على التحقيق أو كان ذلك في المنام؟ ويجوز أن يريد فقمت للطيف وأنا في النوم إجلالاً في حال كوني مذعوراً لاستعظامها، وأرقني ذلك لما انتبهت فلم أجد شيئاً محققاً، ثم من فرط صبابته شك أهي في التحقيق سرت أم كان ذلك حلماً، على عادتهم في مبالغاتهم. وقد تكلمنا عليه وعلى غالب القصيدة وترجمة قائلها في شرح الشاهد التاسع والسبعين بعد الثلثمائة من شرح شواهد شرح الكافية. الوقف أنشد فيه، وهو الشاهد التاسع والتسعون (من المتقارب) 99 - * وَآخُذُ مِنْ كُل حَيّ عُصُمْ * على أن أصله عُصُماً، ووقف عليه في لغة ربيعة بالسكون، فإنهم يجيزون تسكين المنصوب المنون في الوقف. وهذا المصراع من قصيدة للأعشى ميمون مدح بها قيس بن معدي كرب، وقبله: - وَيَهْمَاءَ تَعْزِفُ جِنَّانُها * مَنَاهِلُهَا آجِنَاتٌ سُدُمْ قَطَعْتُ بِرَسَّامَةٍ جَسْرَةٍ * عذافرة كالفنيق القطم إلَى الْمَرْءِ قَيْسٍ أُطِيلُ السُّرَى * وَآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍ عُصُمْ قوله " ويهماء " الواو واو رب -، واليهماء - بفتح المثناة التحتية -: الفلاة التي لا يُهْتَدى فيها، وتعزف - بالعين المهملة والزاي المعجمة - أي: تصوتُ، والجنان - بكسر الجيم - جمع جانّ، والمنهل: المورد، والآجن: الماء التغير المطعم واللون، والسدُم - بضم السين والدال المهملتين - وهي البئر المدفونة، وقوله " قطعت " جواب رب المقدرة، وهو العامل في محل يهماء النصب، والرسَّامة:
الناقة التي تؤثر في الأرض من شدة الوطء، والجَسْرَة - بفتح الجيم - الناقة القوية، ومثلها الْعُذافرة، والفنيق - بفتح الفاء وكسر النون - الفحل العظيم الخلق، والقطم - بفتح القاف وكسر الطاء - وصف من قطم الفحل بالكسر: أي هاج للضِّراب، وهو في هذه الحالة أقوى ما يكون، وقوله " إلى المرء " أراد المرء المستغرق لخصائص أفراد الرجال، وقيس: بدل منه أو عطف بيان، والسري: السير، وهذه طريقة المتقدمين في التخلص إلى المديح، وهو أنهم يصفون الْفَيَافِي وقطعها بسير الإبل وذكر ما يقاسون من الشدائد في الوصول إلى الممدوح ليوجبوا عليه ذمَّة ويُجْزِل لهم الصلة والإكرام، و " آخذ " معطوف على أطيل، والحي: القبيلة، والْعُصُم: مفعول آخذ، قال ابن جني: هو بضمتين جمع عِصَام، وعصام القربة، وكاؤها وعروتها أيضاً، يعني عَهْداً يبلغ به وقال ابن هشام صاحب السيرة النبوية: هو بكسر ففتح جمع عِصْمة، وهي الحبل والسبب، وإنما كان يأخذ من كل قبيلة إلى أخرى عهداً لأن له في كل قبيلة أعداء ممن هجاهم أو ممن يكره ممدوحه فيخشى القتل أو غيره فيأخذ عهداً ليصل بالسلامة إلى ممدوحه. وقد تكلمنا عليه بأبسط من هذا في شرح الشاهد الرابع والعشرين بعد الثلاثمائة من شرح شواهد شرح الكافية. وأنشد هنا قول الشاطبي رحمه الله، وبه تُوفَّى المائة. 100 - وَفِي هَاءِ تَأْنِيثٍ وَميم الجميع قل * وَعَارِض شكل لم يكونا ليدخلا وفي الهاء للإضمار قوم أبوهما * ومن قبله ضم أو الكسر مثلا أو اماهما واو وياء، وبعضهم * يُرَى لَهُمَا فِي كُلِّ حَالٍ مُحَلِّلاَ على أن ابن الحاجب ظن أن الشاطبي أراد بقوله " وبعضهم يرى لهما في كل حال
محللاً " كلَّ حال من أحوال هاء التأنيث وميم الجمع وعارض الشكل وهاء المذكر، كما وهم بعض شراح كلامه أيضاً، فأجاز ابن الحاجب بناءً على هذا الوهم الرَّوْمَ والإشمام في الاربعة، وإنما معنى قول " الشَاطبي في كل حال " من أحوال هاء الضمير فقط. أقول: شرح الجعبرى كما ذكره الشارح، ثم نقل أن بعضهم جعله عاما في هذه الثلاثة وغيرها، قال: وتوهم بعضهم في كل حال من أحوال الحرف الموقوف عليه، ومنها النصب، وهذا صرف للكلام إلى غير ما فرض، وغلط في النقل، انتهى وكذا شرح أبو شامة، على ما ذكره الشارح المحقق، وكذا شرح السمين، لكنه عمم في آخر كلامه، وهذه عبارته: قوله " وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا " إشارة إلى أن بعض أهل الاراء حلل الروم والاشمام: أي جوزهما: في هاء الاضمار في كل حال، حتى في الحال التى منع فيها، وهى ما إذا كانت الهاء مضمومة بعد ضمة أو واو مكسورة بعد كسرة أو ياء، فيروم ويشم ونحو (يعلمه) و (بمزحزحه) و (عقلوه) و (لابيه) ، وممن ذهب إلى جواز الروم والاشمام مطلقا أبو جعفر النحاس، وليس هو مذهب القراء. وقد تحصل مما تقدم أن الامر دائر في الروم والاشمام بين ثلاثة أشياء: استثناء هَاء التَّأْنِيثِ ومِيمِ الْجَمْعِ وَالْحَرَكَةِ العارضة، وهذا أشهر المذاهب، الثاني استثناء هذه الثلاثة مع هاء الكناية بالشرط المتقدم عند بعض أهل الاراء، الثالث عدم استثناء شئ من ذلك، وهو الذى عبر عنه بقوله " وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا " انتهى كلامه. فقوله " وهذا أشهر المذاهب " يؤكد (1) ما حكاه ابن الحاجب من جوازهما في الثلاثة أيضا، وقول الشارح المحقق " لم أر أحداً من القراء ولا من النحاة ذكر أنهما يجوزان في أحد الثلاثة " وهم، فإن بعض القراء صرح بجوازهما في ميم
الجمع، قال أبو شامة والسمين: وما ذكره الناظم من منع الروم والاشمام في ميم الجمع هو المشهور، وهو اختيار أبى عمرو الدانى وغيره، وخالف في ذلك مكى فجوزهما فيها، قال (مكى) : ميم الجمع أغفل القراء الكلام عليها، والذى يجب فيها على قياس شرطهم أن يجوز فيها الروم والاشمام، لانهم يقولون: لا فرق بين حركة الاعراب وحركة البناء في جواز الروم والاشمام، فالذي يشم ويروم حركة النص غير مفارق له، والذى لا يروم حركة الميم خارج عن النص بغير رواية، اللهم إلا أن يوجد الاستثناء فيها منصوصا، فيجب الرجوع إليه إذا صح، وليس ذلك بموجود، ومما يقوى جواز ذلك فيها نصهم على هاء الكناية بالروم والاشمام، فهى مثل الهاء لانها توصل بحرف بعدها حركة، كما توصل الهاء، وتحذف ذلك الحرف في الوقف كما تحذف مع الهاء، فهى مثلها في هذا، غير أن الهاء أخفى منها، فلذلك امتنعت الهاء من الروم والاشمام إذا كانت حركتها مثل حركة ما قبلها أو كان قبلها ساكن من جنس حركتها، وهذا لا يكون في الميم، لانها ليست بالخفية، ولو كانت في هذا مثل الهاء لم يجز الإشمام في يقوم ويحكم، وليس في جوازه اختلاف، وليس قول من يمنع ذلك لأن الميم من الشفتين بشئ، لاجماع الجميع على الروم والإشمام في الميم التي في أواخر الأفعال والأسماء التي ليست للجمع، ولو تم له منع الإشمام فيها لم يتم له منع الروم، إلى آخر ما فصله. قال السمين: فمكي جوز ذلك فيها لثلاثة أوجه: أحدها الدخول في عموم نص القراء على جوازهما في المتحرك، ولم يستثنوا من ذلك ميم الجمع، فالمتمسك بذلك فيها غير خارج عن النص ولا مفارق له، الثاني القياس على هاء الإضمار، بل جعل الميم أولى بذلك لعدم خفائها، الثالث إفساد علة من عَلَّلَ منعهما فيها بأنها من حروف الشفتين، وقد أغلظ الداني في الرد على مكي، وفرق بين ميم
الجمع وهاء الكناية، ورُدَّ على الداني في ذلك كما فصله السمين وقول الشاطبي: " وفي هاء تأنيث " قال أبو شامة: هذا مشروع فيما يمتنع فيه الروم والإشمام على رأي القراء، والألف في " يكونا " و " ليدخلا " يرجع إلى الروم والإشمام، أي: لم يقعا في هذه المواضع الثلاثة حيث كانت، انتهى، ومفهومه أنهما يجوزان في الثلاثة عند غير القراء وقوله " وعارض شكل " قال السمين: أي عارض الحركة، وذلك على قسمين: الأول ما عرض تحريكه لالتقاء الساكنين، نحو: (ومن يُشَاقّ الله) (وإن امرؤ) و (قالت اخرج) و (قل الله) والثاني ما عرض تحريكه بالنقل، نحو: (من استبرق) و (من أجل ذلك) و (قد أفلح) وكلا القسمين ممتنع فيه الروم والإشمام، ثم قال: واعلم أنهما يمتنعان في حركة التقاء الساكنين، إذا كان الساكنان من كلمتين، نحو (ومن يشاق الله) و (عَصَوُا الرسول) أو من كلمة واحدة وأحدهما التنوين، نحو يومئذٍ وحينئذٍ، أما إذا كان الساكنان في كلمة واحدة وليس أحدهما تنويناً فإن الرَّوْم والإشمام جائزان في تلك الحركة وإن كانت حركة التقاء الساكنين، لوجود علة الحركة وصلاً ووقفاً، وذلك نحو (وَمَنْ يُشَاقّ الله) فالروم فيه غير ممتنع، لأن الساكن الذي وجدت الحركة من أجله موجود في الوصل والوقف، بخلاف ما مر، فإن الساكن الذي وجدت الحركة من أجله معدوم في الوقف حيث كان بعضه من كلمة أخرى، وفي بعضه تنويناً، وبهذا يعلم أن إطلاق من أطلق منع دخول الروم والإشمام في حركة التقاء الساكنين ليس بجيد، انتهى وهذا أيضاً يرد على الشارح في قوله " لم أرد أحداً من القراء أجازهما في أحد الثلاثة المذكورة " وقول الشاطبي " وفي الهاء للإضمار " إلى آخر البيتين، قال السمين: أخبر
عن قوم من أهل القرآن أنهم أبو أي امتنعوا من الرَّوْمِ والإشمام في هاء الضمير بشرط أن يكون قبلها ضمة أو كسرة أو واو أو ياء ساكنة، وذلك نحو (يعلمه) و (بمزحزه) و (عقلوه) و (لأبيه) فكل هذه الأمثلة الأربعة وما أشبهها لايدخل فيها روم ولا إشمام. وقوله " وفي الهاء " الظاهر أنه متعلق بمقدر: أي أعني في الهاء، ولا يجوز تعلقه بقوله " أبوهما " لأن القاعدة تمنع من تقديم المعمول حيث لا يتقدم العامل عندهم، و " أبوهما " لا يجوز تقديمه على " قوم " لأنه صفة له أو خبر، وعلى كلا التقديرين تقديمه ممتنع، لأن الصفة لا تتقدم على موصوفها والخبر الفعلي لا يتقدم على مبتدئه (1) وقوله " للإضمار " حال من الهاء أي كائنة للإضمار، وقوله " قوم " مبتدأ، وفي خبره قولان: أحدهما أنه محذوف تقديره ومن القراء قوم، " وأبوهما " على هذا في موضع النعت للمبتدأ، والثاني أنه قوله " أبوهما " وحينئذٍ يقال: ما المسوغ للابتداء بقوم، وهو نكرة؟ والجواب أن المسوغ له العطف، وهو معدود من المسوغات، والإباء: الامتناع، وقوله " ومن قبله ضم " مبتدأ مؤخر قدم خبره عليه، والهاء في " قبله " فيها وجهان ذكرهما أبو شامة: أحدهما أنه تعود على الإضمار، وهذا وإن كان مساعداً له من حيث اللفظ إلا أنه غير ظاهر من حيث المعنى إذ الإضمار معنى من المعاني، فلا يتحقق أن يكون قبله ضم، والثاني أنها تعود على الهاء، وهذا واضح: أي ومن قبل الهاء ضم، قال أبو شامة: ولو قال قبلها لجاز على هذا، وكان أحسن
لأنه أوضح، والوزن مُواتٍ له، والجملة من قوله " ومن قبله " ضم في موضع الحال من الهاء: أي أبوهما في الهاء للإضمار والحال أن قبلها ضماً أو كسراً، وقوله " أو الكسر " عطف على " ضم " عطف معرفة على نكرة، وأو للتنويع، وقوله " مُثِّلاَ " جملة فعلية في موضع الحال أو في موضع رفع، فإن كانت حالاً ففي صاحبها ثلاثة أوجه: أحدها أنه الكسر، والثاني أنه الضم، فإن قيل: كيف ساغ مجيئها من نكرة؟ فجوابه أن سيبويه، يرى ذلك، أو تقول: العطف يسوغه كما سوغ الابتداء، وقد ذكروا أن كل ما سوغ الابتداء بنكرة سوغ مجئ الحال منها، والثالث أنه الضمير المستتر في الخبر، وهو قوله " ومن قبله "، وهو في الحقيقة راجع لأحد القولين المتقدمين، فإن الضمير المستتر عائد على الضم أو الكسر، وحيث جعلناه حالاً من أحدهما فالحال في الآخر مرادة، وإنما استغنى عنها لدلالة المعنى، ولأن العطف بأو، وهو يقتضي الإفراد، وإن كانت في موضع رفع فهى صفة لقولهم ضم، وحينئذٍ يكون الحال من قوله " أو الكسر " لدلالة صفة الأول عليها، فإنه لا فرق بين الصفة والحال معنى، والألف في " مثلا " الظاهر أنها للإطلاق، لأن العطف بأو، وجوز أبو شامة أن تكون للتثنية، فتعود على قوله ضم أو الكسر، ومعنى مُثِّلَ شُخِّص من مَثُل بين يديه: أي شخَص، ومنه قول العلماء: مثل له المسألة: أي شخصها له، وقوله " أو أماهما " أو عاطفة على ضم أو كسر، فالضمير في " أماها " للضم والكسر، ويعني بأمَّيْهما الواو والياء، ولذلك بينهما بقوله " واو وياء " أي: أم الضم الواو وأم الكسر الياء، فهو من باب اللف والنشر، لأن كل واحد يليق بصاحبه للتجانس المعروف، ونقل حركة همزة " أما هما " إلى واو " أو " فضمها، وأسقط همزة " أما هما " على قاعدة النقل، وأم الشئ: أصله، وقوله " واو وياء " بدل من أما هما، وقوله " أو أماهما " بناء منه على المذهب الصحيح، وهو أن الحرف أصل الحركة، وَالحركة مُتَوَلِّدَة منه، وقيل بالعكس
وقد سبق الناظم إلى هذه العبارة الحصري في قصيدته المشهورة حيث يقول (من الطويل) : وَأشْمِمْ وَرُمْ مَا لَمْ تَقِفْ بَعْدَ ضَمَّةٍ * وَلاَ كَسْرَةٍ أوْ بَعْدَ أُمِّيْهِما فَادْرِ وقوله " وبعضهم " مبتدأ، والضمير للقراء، للعلم بهم، و " يُرَى " مبني للمفعول، ومرفوعة ضمير بعضهم، و " لهما "، و " في كال حال " متعلقاً منه بمحللاً، ومحللاً: مفعول ثان للرؤية، والمحلل: اسم فاعل من حلل الشئ تحليلاً: أي جعله حلالاً، ضد حرَّمه، إذا منعه: أي أن بعضهم أباح ذلك في كل حال والشاطبي: هو القاسم (1) بن فيرة بن خلف بن أحمد الرُّعَيْني الشاطبي نسبة إلى شاطبة قرية بجزيرة الأندلس كان إماماً في القرآن والحديث والنحو واللغة في شدة ذكاء، وكراماته تلوح منه، ولد آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، فيكون عمره أقل من اثنين وخمسين سنة (2) ، وهذه القصيدة في القراءات السبع سماها حرز الأماني ووجه التهاني، ولها شروح تفوت الحصر، وأجلها هذه الشروح الثلاثة، وشرح، الإمام علم الدين السخاوي تلميذ المصنف، وهو أول من شرحها، وشرح أبي عبد الله الفاسي، رحمهم الله تعالى ونفعنا بعلومهم وأنشد بعده، وهو الشاهد الواحد بعد المائة (من الرجز) 101 - * بل جوز تيهاء كظهر الحجفت *
على أنه يجوز الرَّوم والإشمام عند من يقف بالتاء، فيجوز في " الحجفت " الروم دون الإشمام قال السمين في شرح الشاطبية: وفي قول الناظم رحمه الله تعالى " وفي هاء تأنيث " شبهة على أنه لو لم تبدل التاء هاء في الوقف، وذلك كما رسمت بعض التاءات بالتاء دون الهاء، نحو (جَنَّتُ نَعيم) و (رحمْتُ رَبِّك) و (بقِيَّتُ الله فإن الروم والإشمام بعد خلاف تلك التاء لانتفاء العلتين المانعتين من روم الهاء وإشمامها، أعني كون الحركة فيها نفسها وكونها غير مشبهة ألف التأنيث، وقد نص مكي على ذلك، فقال: لم يختلف القراء في هاء التأنيث أنهم يقفون عليها بالاسكان، ولا يجوز الروم والإشمام فيها، لأن الوقف على حرف لم يكن عليه إعراب إنما هو بدل من الحرف الذي كان عليه الإعراب، إلا أن تقف على شئ منها بالتاء إتباعاً لخط المصحف، فإنك تروم وتشم إذا شئت، لأنك تقف على الحرف الذي كانت الحركة لازمة له فيحسن الروم والإشمام، انتهى وقال ابن جني في سر الصناعة: من العرب من يُجْري الوقف مجرى الوصل فيقول في الوقف: هذا طلحت، وعليه السلام والرحمت، وأنشدنا أبو علي: * بَلْ جَوْزِتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ * انتهى وقال الصاغاني في العباب: ومن العرب من إذا سكت على الهاء جعلها تاء، وهو طيئ، فقال: هذا طلحت، وخبز الذُّرَتْ وقال ابن المستوفي أيضاً: وجدت في كتاب أنها لغة طيئ وقوله " بل جوزتَيْهاء " قال الصاغاني في " بل ": ربما وضعوا بل موضع رب، قال سؤر الذئب * بَلْ جَوْزَتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ *
أي: رب جوزتَيْهَاء، كما يوضع الحرف موضع غيره، والجوز - بفتح الجيم وآخره زاي معجمة - الوسط، وجوز كل شئ: وسطه، والجمع أجواز، والتيهاء - بفتح المثناة الفوقية - المفازة التي يتيه فيها سالكها: أي يتحير، والحجفة - بفتح الحاء المهملة والجيم والفاء - الترس، قال عبد القاهر: يقولون تيهاء كظهر المجنّ، يريدون الملاسة، وقال ابن المستوفي: شبه التيهاء بظهر المجن في الملاسة، والشئ قد يشبه بالشئ ويراد منهما معنى فيهما، " كظهر الحجفت " إنما أراد أن التيهاء ملساء لا أعلام فيها كظهر الحجفة ملاسةً، ولم يرد أنها مثله في المقدار، انتهى وذكر الوسط ليدل على أنه تَوَسَّط المفازة ليصف نفسه بالقوة والجلادة، قال صاحب العباب: يقال للترس إذا كان من جلود ليس فيه خشب ولا عَقَب: حَجَفَة، ودَرَقَة، وأنشد البيت لسُؤر الذئب، وكذا قال الجوهري، وقال: قال الراجز: مَا بَالُ عَيْنِي عَنْ كَرَاهَا قَدْ جَفَتْ * مُسبِلَةً تَسْتَنُّ لَمَّا عَرَفَتْ دَاراً لِلَيْلَى بَعْدَ حَوْلٍ قَدْ عَفَتْ * بَلْ جَوْزِتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ انتهى. قال ابن بري في أمالية على الصحاح: هذا الرجز لسؤر الذئب، وصواب إنشاده: مَا بَالُ عَيْنِي عَنْ كَرَاهَا قَدْ جَفَتْ * وَشفَّهَا مِنْ حُزْنِهَا مَا كُلِفَتْ كَأَنَّ عُوَّاراً بِهَا أوْ طُرِفَتْ * مُسْبَلَةً تَسْتَنُّ لم عَرَفَتْ دَاراً لِلَيْلَى بَعْدَ حَوْلٍ قَدْ عَفَتْ * كَأَنَّهَا مَهَارِقٌ قَدْ زخرفت تسمع للحلى إذا ما انصرمت * كَزَجَلِ الرِّيحِ إذَا مَا زَفْزَفَتْ
مَا ضَرَّهَا أمْ مَا عَلَيْهَا لَوْ شَفَتْ * منيما بِنَظْرَةٍ وَأَسْعَفَتْ (1) بَل جَوْزِتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ * قَطعْتُها إذَا الْمَهَا تَجَوَّفَتْ مَآزِقاً إلَى ذَرَاهَا أهْدَفَتْ (2) انتهى ما أورده وقوله " ما بال عيني " ما استفهامية مبتدأ، وبال: خبره، والبال: الشأن والحال، وعن: متعلقة بجفت، والكرى: النوم، قال الخوارزمي: جفت أي انقطعت عن كراها، انتهى. وهو بالجيم، وهو من جفا الشئ عن كذا وتجافى عنه: أي نبا عنه وتباعد، وجملة " قد جفت " حال من العين، و " شفها " من شفَّه الهم يشفه: أي هزله وأنحله، و " كُلِفت " بالبناء للمفعول، والعُوَار - بضم العين وتشديد الواو، وهو ما يسقط في العين فتدمع، يقال: بعينه عُوَّار: أي قذى، ومثله العائر، " وطُرِفَت " بالبناء للمفعول، من طَرَفْتُ عينه طَرْفاً - من باب ضرب - إذا أصبتها بشئ، فدمعت. فهى مطروفة، ومسلبة: أي تصب دمعها، من أسبلت الماء: أي صببته، وتَسْتَنَّ: تجري بدمعها، من سَنَنْتُ الماء، إذا أرسلته إرسالاً من غير تفريق، وقوله " دارا لليلى " مفعول عرفت، وعفت: ذهبت آثارها وانمحت معالمها، وقوله " كأنها " أي كأن ليلى،
والمهارق: جمع مُهْرَق، وهي الصحيفة البيضاء يكتب (1) فيها، شبهها بالكاغد لصقالته وبياضه ونعومته، وزُخْرفت: زينت بالذهب، والزخرف: الذهب، والحَلْي - بفتح فسكون - ما تتزين به المرأة كالْخَلْخَال والسِّوار، وانصرفت: ذهبت فمشت، وزَجَلُ الريح: صوتها، وهو بفتح الزاي والجيم، وزفزفت - بزاءين معجمتين وفاءين - أي هبت بشدة، وقوله " قَطَعْتُهَا " هو جواب رُبَّ المقدرة بعد بل، والمها - بالفتح -: جمع مهاة، وهي البقرة الوحشية، والمأزق: جمع مَأْزِق، وهو المضيق، وذَرَاها - بفتح الذال - أي: ناحيتها، وأهدفت: قربت، قال شمر: الإهداف الدنو من الشئ والاستقبال له وأنشد الجاربردي بعد هذا البيت، وهو الشاهد الثاني بعد المائة (من الرجز) 102 - * بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهَمَهِ * على أن رُبَّ بعد بل مقدرة، والجر بها والمهمة: المفازة البعيدة الأطراف، ومفعول " قطعت " محذوف، وهو ضمير المهمة: أي قطعتها وتجاوزتها وهذا البيت نُسِبَ إلى رؤبة، ورجعت إلى ديوانه فلم أجده فيه، ونسب إلى والده العجاج، قال العيني: لم أجده في ديوانه، والله تعالى أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث بعد المائة (من الرجز) : 103 - وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الْحَيَّ سرى * صادف زادا وحديثا ما اشتهى
* إنَّ الْحَدِيثَ جَانِبٌ مِنَ الْقِرَى * على أن السيرافي استدلَّ على كون الاف لام الكلمة في الأحوال أنها جاءت رَوِيّاً في النصب، فألف " سرى " لام الكلمة، لا أنها بدل من نون التنوين للوقف، إذ لا يجوز أن تكون رويا مع الألف الأصلية كألف " اشتهى " و " القرى " وبما حقق الشارح المحقق من مذهب سيبويه يُرَدُّ على ابن هشام اللخمي في شرح المقصورة الدريدية عند قوله (من الرجز) فاستنزل الزَّبَّاءَ قَسْراً وَهْيَ مِنْ * عُقَابِ لَوْحِ الْجَوِّ أعْلَى مُنْتَمَى (1) قال في شرحه: قوله " منتمى " قد غلط فيه، لأن العرب لا تقف بالتنوين، ومنتمي هنا منصوب على التمييز، والوقف فيه عند سيبويه على الألف المبدلة من التنوين، هذا كلامه. وقال أبو حيان في الارتشاف: " والمقصور المنون يوقف عليه بالألف، وفيه مذاهب: أحدها أن الألف بدل من التنوين، واستصحب حذف الألف المنقلبة. وصلاً ووقفاً، وهو مذهب أبي الحسن والفراء والمازني وأبي علي في التذكرة، والثاني أنها الألف المنقلبة، لما حذف التنوين عادت مطلقاً، وهو مروي عن أبي عمرو والكسائي والكوفيين وسيبويه والخليل فيما قال أبو جعفر الباذش، والثالث اعتباره بالصحيح، فالألف في النصب بدل من التنوين، وفي الرفع والجر هي بدل من لام الفعل، وذهب إليه أبو علي في أحد قوليه، ونسبه أكثر الناس إلى سيبويه ومعظم النحويين، انتهى. وهذا من رجز أورده أبو تمام في باب الأضياف والمديح من الحماسة، قال: وقال الشماخ في عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أخي أسد الله علي كرَّم الله وجههما.
إنك يا ابن جَعْفَرٍ خَيْرُ فَتَى * وَنِعْمَ مَأْوَى طَارِقٍ إذَا أتَى وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحَيَّ سُرَى * صَادَفَ زَاداً وَحَدِيثاً ما اشْتَهَى إنَّ الحَدِيثَ طَرَفٌ مِنَ الْقِرَى * ثُم اللِّحَافُ بَعْدَ ذَاكَ فِي الذَّرى انتهى. وفي الأغاني أن الشماخ خرج يوماً يريد المدينة، فلقيه عَرَابة بن أوس، وكان سيداً من سادات قومه، وجواداً، فسأله عما أقدمه المدينة، فقال: أردت أن أمتار لأهلي، وكان معه بعيران، فأوقرهما له براً وتمراً، وكساه وبَرَّهُ وأكرمه، فخرج عن المدينة وامتدحه بقصيدته التي يقول فيها (من الوافر) رَأَيْتُ عَرَابَةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو * إلى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ * تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ ولما سمع ابن دَأبٍ كلام الشماخ في عبد الله بن عبد جعفر بن أبي طالب * إنَّكَ يا ابن جعفر نعم الفتى * إلى آخر الأبيات، قال: العجب للشماخ، يقول هذا في عبد الله بن جعفر، ويقول في عرابة بن أوس: إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ * تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ باليمين ابن جعفر كان أحق بهذا من عرابة، انتهى. قال عبد اللطيف البغدادي في شرح نقد الشعر لقدامة قول الشماخ: * رأيت عَرَابَةَ الأوسيّ * البيت - معناه علمته كذا وصح عندي ذلك منه، ويجوز أن يكون هنا بمعنى أبصرته، وهو الأمثل عندي، ويكون " يسمو " حالاً، وذلك أن المشاهدة أدل شئ على صحة الأمر، فلا دليل أقوى منها، والخيرات هي: الأفعال المعتدلة المتوسطة بين طرفين هما شر، فكأنه قال: شاهدت منه أفعال الخير والفضائل، وقوله " إذا ما راية رفعت لمجد " هذا استعارة: أي إذا حدث أمر يقتضي فعل مكرمة ويفتقر فيه أن يضطلع به ربُّ فضيلة وشرف تلقَّاهَا
عرابة باليمين: أي بقوة وبطش واجتهاد وانشراح صدر، وفي قوله " تلقاها " ما يشعر بهذا المعنى أشدَّ من قوله أخذها، وهذا البيت دل به على الأخلاق العتيدة والفضائل النفسية، وأما البيت الأول فدل به على الأفعال الحميدة والخيرات المشاهدة، فصار البيت الأول توطئة للثاني، وكالدال عليه والمثبت له، فإن الأفعال المشاهدة سابقة في الإحساس لما في النفس ودالة عليه، فتلمح ذلك وأعجب لشرف طباع هؤلاء كيف تسمو بهم جَوْدَةُ القريحة وصحة الفكرة والروية إلى مثل هذا، انتهى كلامه. ومثله للمبرد في الكامل قال: قوله " تلقاها عرابة باليمين " قال أصحاب المعاني معناه بالقوة، وقالوا مثل ذلك في قوله تعالى (والسموات مطويات بيمينه) وقال معاوية لَعَرَابةَ بن أوس الأنصاري: بم سُدْت قومك؟ قال: لست بسيدهم، ولكني رجل منهم، فعزم عليه، فقال: أعطيتُ في نائبتهم، وحملت عن سفيههم وشَدَدْتُ على يَدَي حليمهم، فمن فعل منهم مثل فعلي فهو مثلي، ومن قَصَّر عنه فأنا أفضل منه، ومن تجاوزني فهو أفضل مني، وكان سبب ارتفاع عرابة أنه قدم من سفر فجمعه الطريق والشماخ بن الضرار الْمُرِّي فتحادثا، فقال له عَرَابَة: ما الذي أقدمك المدينة؟ قال: قدمت لأمتار منها، فملأ له عرابة رواحله براً وتمراً وأتحفه بغير ذلك، فقال الشماخ * رأيت عَرَابة الأوسي يسمو * إلى آخر الابيات انتهى. وأما عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب فقد قال ابن عبد ربه (1) في العقد الفريد: أجواد أهل الإسلام أحد عشر رجلاً في عصر واحد لم يكن قبلهم ولا بعدهم مثلهم، فأجواد أهل الحجاز ثلاثة في عصر واحد: عبيد الله بن العباس، وعبد الله بن جعفر، وسعيد بن العاص، إلى أن قال: ومن جود عبد الله بن جعفر أن عبد الرحمن بن
عمار (1) دخل على نَخَّاس يعرض قِيَاناً له، فعلق واحدة منهن، فشهر بذكرها حتى مشي إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذولنه، فكان جوابه (من البسيط) يَلُومُنِي فِيكِ أقْوَامٌ أجَالِسُهُمْ * فَمَا أبالِي أطَارَ اللَّوْمُ أمْ وَقَعَا فانتهى خبره إلى عبد الله بن جعفر، فلم يكن له همٌّ غيره، فحج فبعث إلى مَوْلى الجارية، فاشتراها منه بأربعين ألف درهم، وأمر قيمة جواريه أن تزينها وتحليها ففعلت، وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه، فقال: ما لى لا أرى ابن عمار (1) زارنا؟ فأخبر الشيخ، فأتاه مسلماً، فلما أراد أن ينهض استجلسه، ثم قال: ما فعل حب فلانة؟ قال: في اللحم والمخ والعصب! قال: أتعرفها لو رأيتها؟ قال (2) نعم، فأمر بها مباركاً لك فيها، فلما ولى قال: يا غلام، احمل معه مائة ألف درهم ينعم بها معها، فبكى عبد الرحمن وقال: يا أهل البيت، لقد خصكم الله بشرف ما خصَّ به أحداً قبلكم من صُلْب آدم، فهنيئاً لكم هذه النعمة وبورك لكم فيها، ومن جوده أيضاً أنه أعطى امرأة سألته مالاً عظيماً، فقيل له: إنها لا تعرفك، وكان يرضيها اليسير، قال: إن كان يرضيها اليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير، وإن كاتت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي، هذا ما أورده ابن عبد ربه. وزعم الخطيب التبريزي في شرح الحماسة، وتبعه العيني، أن المخاطب بقوله * إنك يا ابن جعفر * إلى آخر الشعر، هو عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، وهذا لا يصلح، فإن الشماخ صحابي وجعفر كان في زمن هارون الرشيد، والصواب أيضاً أن يقول: جعفر الصادق بن محمد الباقر. وقوله " خير فتى " أي الجامع المروءة، وقوله " ونعم مأوى طارق "
الطارق: الذي يأتي ليلاً، والْمَأْوَى: اسم مكان من أوى إلى منزله يأوي، من باب ضرب، أويا: أي قام، وهو فاعل " نِعْمَ "، وجَاءَ الفاعل هنا منكراً على قلة، والكثير الغالب تعريفه باللام، حكى الأخفش أن ناساً من العرب يرفعون بنعم النكرة مفردة ومضافة، نحو نعم امرؤ زيد، ونعم صاحب قوم عمروٌ، وقد روى أيضاً: إنك يا ابن جَعْفَرٍ نِعْمَ الْفَتى * وَخَيْرُهُمْ لِطارقٍ إذَا أتَى وقوله " طرق الحي سرى " الطُرُوق: الإتيان ليلاً، والحي: القبيلة، والسُّرَى: جمع سُرْية (1) بضم السين وفتحها، يقال: سَرَيْنَا سَرْيَة من الليل بالضم والفتح، قال أبو زيد: ويكون السُّرى أولَ الليل وأوسطه وآخره، وهو في البيت على حذف: أي طروق سُرىً، وقال الخطيب التبريزي، وتبعه العيني: سُرىً أي ليلاً، لأن السري لا يكون إلا ليلاً، وقوله " صادف " جواب رب، وما: مصدرية ظرفية، والقرى: الضيافة، والذرى - بالفتح: الكَنَفُ وَالناحية. وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه (من الرمل) : 104 - وَقَبِيلٌ مِنْ لُكَيْزٍ شَاهِد * رَهْطُ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابن الْمُعَلْ على أنه قد يحذف الألف المقصورة في ضرورة الشعر، كما حذف الألف هنا من " الْمُعَلْ "
قال سيبويه لا يقولون في جَمَل جَمْل، أي بسكون الميم، لأن الفتحة أخف عليهم والألفَ، فمن ثمة لم تحذف الألف، إن لم يضطر شاعر فيشبهها بالياء، لأنها أختها، وهي قد تذهب مع التنوين، قال لبيد رضي الله عنه حيث اضطر: وَقَبِيلٌ مِنْ لكيز شاهد * رهط مرجوم ورهط ابن المعل قال الأعلم: الشاهد فيه حذف ألف الْمُعَلَّى في الوقف ضرورة، تشبيهاً بما يحذف من الياءات في الأسماء المنقوصة، نحو قاضٍ وغازٍ، وهذا من أقبح الضرورة، لأن الألف لا تستثقل كما تستثقل الياء والواو، وكذلك الفتحة، لأنها من الألف، انتهى. وقال أبو علي في المسائل العسكرية: ومما حذف في الضرورة مما لا يستحسن حذفه في حال السعة الالف (1) من " المعل " في القيافة تشبيهاً بالياء في قوله: * وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْرْ * فكما حذفت الياء في القوافي والفواصل كذلك حذف منه الألف ولم يكن (ليحذف (2) لأن من يقول: (ما كنا نَبْغْ) يقول: (والليل إذا يَغْشَى) فلا يحذف، كما أن الذين يقولون: " هذا عَمْرْو " يقولون: رأيت عَمْراً، إلا أن " المعلَّى " في الضرورة لا يمتنع، للتشبيه، ويؤكد ذلك أن أبا الحسن قد أنشد (من الوافر) : فَلَسْتُ بِمُدْرِكٍ مَا فَاتَ مِنِّي * بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ وَلاَ لواتى فقال " ليت " وهو يريد ليتني، فحذف النون مع الضمير للضرورة، ثم
أبدل من الياء الألف، ثم حذف، وقد يمكن أن يكون " يا ابن أم " على هذا كأنه محذوف منه مثل قول من قال (من الرجز) : * يا ابنة عما لا تلومني وَاهْجَعِي * فأبدل ثم حذف، وعلى هذا تأويل أبو عثمان قول من قرأ: " يَا أبَتَ لِمَ تَعْبُدُ " انتهى أقول: ألف " يا ابن أم " وألف " يا أبَتَ " كلمة، لأنها ضمير المتكلم فهي مستقلة، وليست كألف المُعَلى، فإنها جزء كلمة، فليست مثلها، واعتبر ابن عصفور في كتاب الضرائر حذف اللام الثانية مع الألف، قال: وقد يحذف المشدد ويحذف حرف بعده، ومن ذلك قول لبيد: * ورهط ابن المعل * يريد المعلى، وقول النابغة: (من الوافر) إذَا حَاوَلْتَ فِي أسَدٍ فُجُوراً * فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنْ يريد مني، انتهى وعدُّ بيت النابغة من الضرورة غير جيد، قال سيبويه في " باب ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف التي لا تذهب في الوصل (ولا يلحقها تنوين) (1) : وتركها في الوقف أقيس وأكثر، لأنها في هذه الحال، ولأنها ياء لا يلحقها التنوين على كل حال، فشبهوها بياء " قاضي " لأنها ياء بعد كسرة ساكنة في اسم وَذلك قولك: هذا غلام، وأنت تريد هذا غلامي، (وقد أسقانْ وأسقنْ، وأنت تريد أسقاني وأسقني، لأن ني اسم) (1) و (قد) (1) قرأ أبو عمرو (فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنْ) و (رَبِّي أهَانَنْ) على الوقف، وقال النابغة: (من الوافر)
* فَإنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنْ * انتهى. وقال الأعلم: الشاهد فيه حذف الضمير من قوله: " مِنِّي " وهو جائز في الكلام، كما قرئ في الوقف (أكرَمَنْ) و (أهَانَنْ) يقول: هذا لعيينة بن حصن الفزارى، وكان قد دعاه وقومه لمقاطعة بنى أسد ونقضض حِلْفهم، فأبى عليه وتوعده، وأراد بالفجور: نقض الحلف، انتهى وقال " وقبيلٌ من لُكَيْز إلخ " قبيل: مبتدأ، و " من لكيز " في موضع الصفة له، وشاهد: خبره، والقبيل: العريف والكفيل، وهذا هو المناسب هنا، لأنه كما قال الأعلم: " وصف لبيد رضي الله عنه مقاماً فاخر فيه قبائل ربيعة بقبيلته من مضر " انتهى ولا يناسبه أن يكون القبيل بمعنى الجماعة تكون من الثلاثة فصاعداً من قوم شتى من الزنج والروم والعرب، وقال العيني: القبيل هنا بمعنى القبيلة، ولم أره كذا في كتب اللغة، ولكيز - بضم اللام وفتح الكاف وآخره زاي معجمة -: أبو قبيلة، وهو لكيز بن أفْصى - بالفاء والصاد المهملة والألف - ابن عبد القيس بن أفصى بن دُعْمِيّ - بضم الدال وسكون المهملة وكسر الميم وتشديد الياء - ابن جَدِيلة - بالجيم - ابن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وكان لكيز عاقاً لأمه لَيْلى، وكانت تحبه، وكان شقيقه شَنٌّ باراً بها، فحملها شَنٌّ ذات يوم فجعلت تقول: فَدَيْت لُكَيزاً، فرمى بها شن من بعيرها، وكانت عجوزاً كبيرة، فماتت، فقال شنَّ: دونَكَ لكيزُ جَعَرَاتِ (1) أُمِّك، وقال: " يَحْمِلُ شَنٌّ ويُفَدَّى لُكَيز " فذهبت مثلاً، فولد لكيز وديعة وصُبَاحاً - بضم الصاد - ونُكْره - بضم النون - وكل منهم بطن، ثم
صار في أولاد كل منهم بطون، كذا في جمهرة الأنساب، وشاهد: بمعنى حاضر، وبه روي أيضاض، والرهط: قوم الرجل وقبيلته، والرهط أيضاً: ما دون العشرة من الرجال لا تكون فيهم امرأة، ومرجوم: بالجيم، قال ابن دريد في الجمهرة هو لقب رجل من العرب، كان سيداً ففاخر رجلاً من قومه إلى بعض ملوك الحيرة، فقال له: " قد رَجَمْتُك بالشرف "، فسمي مرجوماً، وأنشد هذا البيت، وكذا في التصحيف للعسكري، قال: " وفي فرسان عبد القيس مرجوم بن عبد القيس بعد الراء جيم، قال الشاعر: * رَهْطُ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابنِ الْمُعَلّ * وإنما سمي مرجوماً لأنه نافر رجلاً إلى النعمان فقال له النعمان: " قد رَجَمَكَ بالشرف " فسمي مرجوماً، وإنما ذكرته لان من لا يعرفه يصحفه بمرحوم - بحاء غير معجمة، وأما مرحوم بن عبد العزيز - بالحاء غير المعجمة - فرجل من محدثي البصرة " انتهى ورهط مرجوم: بالرفع خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو رهط مرجوم، ويجوز نصبه بتقدير أعني، وقال العيني: " رهط مرجوم بالرفع بدل من قبيل أو عطف بيان " هذا كلامه فتأمله (1) . وقال الأعلم: " مرجوم وابن المعل سيدان من لُكَيز " وهذه نسبة مرجوم من الجمهرة، قال: " مرجوم هو ابن عبد عمرو بن قيس بن شهاب بن زياد بن عبد الله بن زياد بن عَصَر - بتحريك المهملات - بن عمرو بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز " وأما المعلى فقد قال ابن دريد في الجمهرة: " هو جد الجارود بشر بن عمرو بن المعلى " انتهى والجارود: اسمه بشر، وسمي الجارود لبيت قاله بعض الشعراء (من الطويل) :
* كما جردا الْجَارُود بَكْرَ بْنَ وَائِلِ * (1) وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنه المنذر بن الجارود استعمله علي بن أبي طالب رضي الله عنه على فارس، وعبد الله بن الجارود كان رأس عبد القيس، واجتمعت إلى القبائل من أهل البصرة وأهل الكوفة فقاتلوا الحجاج فظفر بهم، فأخذه الحجاج فصلبه، والحكم بن المنذر بن الجارود سيد عبد القيس (2) مات في حبس الحجاج الذي يعرف بالدِّيماس، وهذه نسبته من الجمهرة: الجارود: هو بشر بن حَنَش بن المعلى، وهو الحارث بن يزيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز المذكور، ولم أقف على ما قبل البيت وبعده حتى أورده. ولبيد رضي الله عنه صحابي تقدمت ترجمته في الشاهد الثاني والعشرين بعد المائة من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس بعد المائة وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) 105 - خَالِي عُوَيْفٌ وأبو علج * المطعمان اللحم بالعشج
وبالغداة فلق البرنج * يقلع بالود وبالصيصج على أن بعض بني سعد يبدلون الياء، شديدة كانت أو خفية، جيماً في الوقف، كما في قوافي هذه الأبيات، فإن الجيم في أواخر ما عدا الأخير بدل من ياء مشددة، وأما الاخير فالجيم فيه بدل من ياء خفيفة، كما يأتي بيانه وإنما حركها الشاعر هنا لأنه أجرى الوصل مجرى الوقف، قال سيبويه: " وأما ناس من بني سعد فإنهم يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف، لأنها خفية، فأبدلوا من موضعها أبين الحروف، وذلك قولهم: هذا تميمجُّ، يريدون تميميّ، وهذا علج، يريدون عليّ، وسمعت بعضهم يقول: عربانجّ يريدون عربانيّ، وحدثني من سمعهم يقولون: خَالِي عُوَيْفٌ وَأَبُو عَلِجِّ * الْمُطْعِمَانِ اللحم بالْعَشِجِّ * وَبِالْغَدَاةِ فِلَقَ الْبَرْنِجِّ * يريدون بالعشى والبرنى، فزعم أنهم أنشدوه هكذا " انتهى كلامه ولم يذكر إجراء الوصل مجرى الوقف، وذكره الزمخشري في المفصل، وكلام ابن جني في سر الصناعة وغيره ككلام سيبويه، قال ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل: " ومتى خرج هذا الإبدال عن هذين الشرطين، وهما الياء المشددة والوقف، عدوه شاذاً، ولذلك قال الزمخشري: وقد أجرى الوصل مجرى الوقف " انتهى. وهذه الأبيات لبدوي، قال ابن جني في سر الصناعة: " قرأت على أبي بكر، عن بعض أصحاب بن السكيت، عن يعقوب، قال: قال الأصمعي: حدثني خلف، قال: أنشدني رجل من أهل البادية: * عَمِّي عُوَيْفٌ وأبُو عَلجِّ *
إلى آخر الأبيات الأربعة يريد أبو علي وبالعشي والصيصَية، وهي قرن البقرة " انتهى. وقال شارح شواهد أبي علي الفارسي: " جاء به أبو علي شاهداً على أن ناساً من العرب يبدلون من الياء جيماً، لما كان الوقف على الحرف يخفيه والإدغام فيه يقتضي الإظهار ويستدعيه أبدلوا من الياء المشددة في الوقف الجيم، لأنها أبين، وهي قريبة من مخرجها، وزعم أبو الفتح أنه احتاج إلى جيم مشددة للقافية، فحذف الياء ثم ألحق ياء النسب كما ألحقوها في الصفات مبالغة، وإن لم يكن منسوباً في المعنى نحو أحْمَريٌّ في أحمر، ثم أبدل من الياء المشددة جيماً، ثم قال: وما علمت أحداً تعرض لتفسيره قبلي، سوى أبي علي فيما أظن، قال الشيخ: أقرب من هذا وأشبه بالمعنى أن يكون أراد الصيصاء، وهو ردي التمر الذي لا يعقد نوى، ألحقته بقنديل فقال: صيصئ، ثم أبدل من الياء جيماً في الوقف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف في هذا " انتهى كلامه افتخر بخاله أو بعميه، والمطعمان: صفة لهما، واللحم والشحم: مفعوله، والعشي: قيل: ما بين الزوال إلى الغروب، وقيل: هو آخر النهار، وقيل: من الزوال إلى الصباح، وقيل: من صلاة المغرب إلى الْعَتْمة، كذا في المصباح، والغداة: الضحوة، والفِلَق - بكسر الفاء وفتح اللام - جمع فِلقَة، وهي القطعة وروي " قِطَعَ " بدله، وروى أيضاً " كُتَلَ البرنج " وهو جمع كُتْلَة - بضم الكاف - قال الجوهري: الكتلة: القطعة المجتمعة من الصمغ وغيره، والبَرْنِي - بفتح الموحدة -: نوع من أجود التمر، ونقل السهيلي أنه عجمي، ومعناه حمل مبارك، قال: " بر " حمل و " نى " جيد، وأدخلته العرب في كلامها وتكلمت به، كذا في المصباح، وأقول: " بَرْ " في لغة ثمرة الشجرة أيّ شجرة كانت، وأما حملها فهو عندهم " بارْ " بزيادة ألف، والفرق أن " بَرْ " الثمر الذي يؤكل، وأما " بارْ " فعام سواء كان مما يؤكل أم لا، فصوابه أن يقول: " بَرْ " ثمر الشجر لا حملها، وأما " نى "
فأصله نيك - بكسر النون، فعند التعريب حذفت الكاف وشددت الياء، و " نيك " في لغة الفرس الجيد، ويُقْلَع بالبناء للمفعول، ونائب الفاعل ضمير البرنج، وَالجملة حال منه، وقال العيني: صفة له، والود، بفتح الواو لغة في وَتِدٍ، والصيصِيَة بكسر الصادين وتخفيف الياء: القرن، واحد الصِّيصِي، والجمع الصياصِي، وصياصِي البقر: قرونها، وكان يقلع التمر المرصوص بالوتد وبالقرن، قال ابن المستوفي: الصيصي: جمع صيصِيَة، وهي القرن، كأنه شدد في الوقف على لغة من يشدد ثم أبدل، وزادها أن أجرى الوقف مجرى الوصل، كما قال (من الرجز) : * مِثْلَ الْحَرِيقِ وَافَقَ الْقَصَبَّا * وقال الزمخشري في الحواشي: " شدد ياء الصيصي في الوقف كما لو وقف على القاضي " انتهى وقال ابن جني في شرح تصريف المازني: " الذي عندي فيه أنه لما اضطر إلى جيم مشددة عَدَل فيه إلى لفظ النسب، وإن لم يكن منسوباً في المعنى، كما تقول: أحمر وأحْمَرِيّ، وهو كثير في كلامهم، فإذا كان الأمر كذلك جاز أن يراد بالصيصج لفظ النسب، فلما اعتزمت على ذلك حذفت تاء التأنيث، لأنها لا تجتمع مع ياء النسبة، فلما حذفت الهاء بقيت الكلمة في التقدير صيصٍ بمنزلة قاضٍ، فلما ألحقها ياء النسبة حذفت الياء لياء النسبة، كما تقول في النسبة إلى قاض: قاضيّ، فصارت في التقدير صيصيّ، ثم إنها أبدلت من الياء المشددة الجيم، كما فعلت في القوافي التي قبلها، فصارت صيصجّ، كما ترى، فهذا الذي عندي في هذا، وما رأيت أحدا من عرض لتفسيره، إلا أن يكون أبا علي فيما أظنه " انتهى وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس بعد المائة (من الرجز) : 106 - يَا رَبِّ إن كنت قبلت حجتج * فلا يزال شاحج يأتيك بج
أقمر نهات ينزى وفرنج على أنه أبدل الجيم من الياء الخفيفة، وأصله حِجَّتي وبِي ووَفْرَتي، بياء المتكلم في الثلاثة وأنشد أبو زيد هذه الأبيات الثلاثة في أوائل الجزء الثالث من نوادره، قال: " قال المفضل: أنشدني أبو الغول هذه لبعض أهل اليمن " ولم يخطر ببال أبي علي ولا على بال ابن جني رواية هذه الأبيات عن أبي زيد في نوادره، ولهذا نسباها إلى الفراء، وقالا: أنشدها الفراء، ولو خطرت ببالهما لم يعدلا عنه إلى الفراء البتة، لأن لهما غراماً بالنقل عن نوادره، ولو أمكنها أن لا ينقلا شيئاً إلا منها فعلا، قال ابن جني في سر الصناعة: " وكان شيخنا أبو علي يكاد يصلي بنوادر أَبي زيد إعظاماَ لها، وقال لي وقت قراءتي إياها عليه: ليس فيها حرف إلا لأبي زيد تحته غرض ما، وهو كذلك، لأنها محشوة بالنكت والأسرار " انتهى كلامه رحمه الله ولله در الشارح المحقق في سعة إطلاعه، فإنه لم يشاركه أحد في نقل هذه الأبيات عن أبي زيد إلا ابن المستوفي وقد ذهب ابن عصفور في كتاب الضرائر إلى أن إبدال الياء الخفيفة جيماً خاص بالشعر، ولم أره لغيره، قال: " ومنها إبدالهم الجيم من الياء الخفيفة، نحو قول هِمْيَان بن قُحَافَة (من الرجز) (1) * يُطِيرُ عَنْهَا الْوَبَرَ الْصُّهَابِجَا * يريد الصُّهَابيَّ، فحذف إحدى الياءين تخفيفاً، وأبدل من الأخرى جيماً، لتتفق القوافي، وسهل ذلك كون الجيم والياء متقاربين في المخرج، ومثل ذلك قول الآخر، أنشده الفراء:
* يَا رَبِّ إنْ كُنْتَ قَبِلَتَ حِجَّتِجْ * إلى آخر الأبيات يريد حجتي، ويأتيك بي، ويُنَزِّي وفرتي، فأبدل من الياء جيماً، وقول الآخر (من الرجز) : * حَتَّى إذَا مَا أمسحت وَأَمْسَجَا * يريد أمْسَتْ وأمْسَى: لأنه رَدَّهما إلى أصلهما وهو أمْسَيَتْ وأمْسَيَا، ثم أبدل الياء جيماً لتقاربهما لما اضطر إلى ذلك " انتهى وجعله ابن المستوفي من الشاذ، قال: " ومن الإبدال الشاذ قوله، وهو مما أنشده أبو زيد: * يَا رَبِّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حِجَّتِجْ * وهذا أسهل من الاول، لانه أورد الشاعر في الوقف، إلا أن الياء غير مشددة " انتهى وقوله " يا ربن إن كنت " أنشده الزمخشري في المفصل " لاَهُمَّ إن كنت " وكذا أنشده ابن مالك في شرح الشافية، والحجة - بالكسر -: المرة من الحج، قال القيومى في المصباح: " حج حجا من باب قتل: قصد، فهو حاج، هذا أصله، ثم قصر استعماله في الشرع على قصد الكعبة للحج أو العمرة، يقال: ما حج ولكن دَجّ، فالحج: القصد للنسك، والدج: القصد للتجارة، والاسم الحج بالكسر، والحجة المرة بالكسر، على غير قياس، والجمع حِجَجٌ، مثل سِدْرَة وسدَر، قال ثعلب: قياسه الفتح، ولم يسمع من العرب، وبها سمي الشهر ذو الحجة بالكسر، وبعضهم يفتح في الشهر، وجمعه ذوات الحجة " انتهى والشاحج - بالشين المعجمة والحاء المهملة قبل الجيم -: البغل والحمار، من شَحَجَ البغل والحمار والغراب - بالفتح - يشحج - بالفتح والكسر - شَحِيجاً وشُحاجاً، إذا صوت، وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: " قال
صدر الأفاضل: أراد بشاحج حماراً: أي عَيْراً، قيل في نسخة الطباخي بخطه: شبه ناقته أو جملة، بالعَيْر " انتهى وروى ابن جني عن أبي علي في سر الصناعة " شامخ " أيضاً بالخاء المعجمة بعد الميم، وقال: يعني بعيراً مستكبراً، انتهى. وهذا لا يناسبه " أقمر نهات " وقوله " يأتيك " يأتي بيتك بي، والأقمر: الأبيض، والنَّهَّات: النَّهَّاق، يقال: نَهَتَ الحمار يَنْهِتُ - بالكسر - أي نهق، ونَهَت الأسد أيضاً: أي زأر، والنهيت: دون الزئير، وينزى - بالنون والزاي المعجمة -: أي يحرك، والتنزيه: التحريك، والْوَفْرَة بالفاء: الشعر إلى شحمة الأذن، قال ابن المستوفي: أي يحرك لسرعة مشيه، وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل قيل: عبر بالوَفْرَة عن نفسه كما يعبر بالناصية تسمية للمحل باسم الخال، يقول: اللهم إن قبلت حجتي هذه فلا تزال دابتي تأتي بيتك وأنا عليها محرك وَفْرَتي أو جسدي في سيرها إلى بيتك: أي إن علمت أن حجتي هذه مقبولة فأنا أبداً أزور بيتك وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع بعد المائة (من الرجز) : 107 - الله نجاك بكفي مسلمت * مِنْ بَعْدِ مَا وَبَعْدِ مَا وَبَعْدِ مَتْ صَارَتْ نُفُوسُ الْقَوْمِ عِنْد الْغَلْصَمَتْ * وَكَادَتْ الْحُرَّةُ أنْ تُدْعَى أمَتْ على أن هاء التأنيث في نحو مَسْلَمَتْ وَالْغًلْصَمَتْ وأمَتْ بعضُ العرب يقف عليها بالتاء كما هنا، وأبو الخطاب من مشايخ سيبويه، وهذا الكلام نقله عنه سيبويه في كتابه بدون هذا الشعر، وهذا نصه (1) : " أما كل اسم مُنَوَّن فإنه
يلحقه في حال النصب في الوقف الألف، كراهية أن يكون التنوين بمنزلة النون اللازمة للحرف، ومثل هذا في الاختلاف الحرف الذي فيه تاء التأنيث، فعلامة التأنيث - إذَا وَصَلْته - التاءُ، وإذا وقفت ألحقت الهاء، أرادوا أن يفرقوا بين هذه التاء والتاء التي هي من نفس الحرف نحو تاء ألْقَتِّ (1) وما هو بمنزلة ما هو من نفس الحرف نحو تاء سَنْبَتَة (2) وتاء عِفْرِيت، لأنهم أرادوا أن يلحقوها ببناء قحطبة وقنديل، وكذلك التاء في بنْتٍ وأُخت: لأن الاسمين ألحقا بالتاء ببناء عُمْر وعِدْل، وفرقوا بينها وبين منطلقات لأنها كأنها منفصلة من الأول، وتاء الجميع أقرب إلى التاء التي بمنزلة ما هو من نفس الحرف من تاء طلحة، لأن تاء طلحة كأنها منفصلة، وزعم أبو الخطاب أن نَاساً من العرب يقولون في الوقف: طَلْحَتْ، كما قالوا في تاء الجميع قولاً واحداً في الوقف والوصل " انتهى كلام سيبويه وقال ابن جني في سر الصناعة: " فأما قولهم قائمة وقاعدة فإنما الهاء في الوقف بدل من التاء في الوصل، والتاء هي الأصل، فإن قيل: وما الدليل على أن التاء هي الأصل وأن الهاء بدل منها؟ فالجواب أن الوصل ما يُجْرَى فيه الأشياء على أصولها، والوقف من مواضع التغيير، ألا ترى أن من قال في الوقف: هذا بَكُرْ، ومررت بَبَكِرْ، فنقل الضمة والكسرة إلى الكاف في الوقف، فإنه إذا وصل أجرى الأمر على حقيقته، وكذلك من قال في الوقف هذا خالِدّ، وهو يجعلّ، فإنه إذا وصل خفف الدال واللام، على أن من العرب من
يجري الوقف مجرى الوصل، فيقول في الوقف: هذا طلحت، وعليه السلام والرحمت، وأنشدنا أبو علي (من الرجز) : * بَلْ جَوْزِتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ * وأخبرنا بعض أصحابنا يرفعه بإسناده إلى قُطْرُب أنه أشد (من الرجز) : الله نجاك بكفي مسلمت * من بعدما وبعدما وَبَعْدِمَتْ صَارَتْ نُفُوسُ الْقَوْمِ عِنْدَ الْغَلْصَمَتْ * وَكَادَتِ الْحُرَّةُ أنْ تُدْعَى أمَتْ فلما كان الوصل مما يُجْرَى فيه الأشياء على أصولها في غالب الأمر، وكان الوقف مما يغير فيه الأشياء عن أصولها، ورأينا علم التأنيث في الوصل تاء نحو قائِمَتَانِ وقائمتكم، وفي الوقف هاءً نحو ضاربَهْ، علمنا أن الهاء في الوقف بدل من التاء في الوصل، وأما قوله " وبعد مت " فأصله " وبعد ما " فأبدل من الألف في التغيير هاء، فصارت " وبَعْدِمه " كما أبدلها الآخر من الألف فقال فيما أخبرنا به بعض أصحابنا يرفعه بإسناده إلى قُطْرُب (من الرجز المجزوء) : قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أمْكِنَهْ * من ها هنا وَمِنْ هُنَهْ يريد " ومن هنا " فأبدل من الألف في الوقف هاء، فصار التقدير على هذا " مِنْ بَعْدِ مَا وَبَعْدِ مَا وبعدمَهْ " ثم أبدل الهاء تاء ليوافق بقية القوافي التي تليها، ولا تختلف، وشجعه على ذلك شبه الهاء المقدرة بهاء التأنيث في طلحة وحمزة، ولما كان يراهم يقولون في بعض المواضع في الوقف: هذا طَلْحَتْ، قال هو أيضاً: " وبعدمَتْ " فأبدل الهاء المبدلة من الألف تاء تشبيهاً لفظيّاً، وأما ما قرأته على محمد بن الحسن من قول الآخر (من المتقارب) : إذَا اعْتزَلَتْ مِنْ مَقَامِ الْقَرِينِ * فَيَا حُسْنَ شَمْلَتِهَا شَمْلَتَا فقال فيه: إنه شبه هاء التأنيث في " شملة " بالتاء الأصلية في نحو بَيْت وَصوت، فألحقها في الوقف عليها ألفاً، كما تقول: رأيت بيتاً، فَشَمْلَتَا على هذا
منصوب على التمييز، كما تقول: يا حُسْنَ وجهها وَجْهاً: أي مِنْ وجه " انتهى كلام ابن جني باختصار. فقول الشارح المحقق " والظاهر أن هؤلاء لا يقولون في النصب رأيت أمَتَا " يريد أنهم لا يقولون في الاختيار، وأما في الضرورة فقد قيل، كما نقله ابن جني في " شَمْلَتَا ". وروى ابن عصفور الشعر في كتاب الضرائر بالهاء على الأصل، قال: " ومنه إبدال ألف " ما " و " ها هنا " هاء في الوقف عند الاضطرار إلى ذلك نحو قوله: الله نَجَّاكَ بِكَفِّي مَسْلَمَهْ * مِنْ بَعْدِمَا وَبَعْدِمَا وَبَعْدِمَهْ يريد " وبعدما " وقوله: قَدْ وردت من أمكنه * من ههنا وههنه يريد " وها هنا " وسهل ذلك كون الألف والهاء من مخرج واحد " انتهى. وهذا الشعر لم أقف على قائله. وقوله " الله نجاك - إلخ " الله: مبتدأ، وجملة " نجاك " خبره، ونجاه من الهلاك تنجيةً: أي خلَّصَه، ويقال: أنجاه، أيضاً، وبه رواه ابن هشام في شرح الألفية، و " بكَفَّي " الباء متعلقة بنجاك، وكفي: مثنى كف، قال الأزهري: الكف الراحة مع الأصابع، سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن، وأراد بالكف اليد، من إطلاق الجزء على الكل، واليد: من المنكب إلى أطراف الأصابع، والمراد من اليد هنا الدفع، يقال: مالي بهذا الأمر يد، ولا يدان، لأن المباشرة والدفاع إنما تكون باليد، فكأن يَدَيْه معدومتان لعجزه عن الدفع، وإنما ثنى لأن كمال الدفع بهما، قال ابن الأثير في النهاية: " في الحديث " عليكم بالجماعة فإن يد الله عليها " كناية عن الحفظ والدفاع عن أهل الضر، كأنهم خصوا بواقية الله وحسن دفاعه، ومنه الحديث الآخر " يَدُ الله على الجماعة " أي أن الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كَنَف الله ووقايته "
ومَسْلَمة - بفتح الميم واللام - الظاهر أنه مسلمة بن عبد الملك بن مروان، وقوله " من بعدما " الأصل من بعدما صارت نفوس القوم فكرر " من بعدما " ثلاث مرات للتهويل، وأبدل ألف ما الثالثة هاء فتاء للقافية، وقوله " صارت نفوس القوم " متصل في التقرير ببعدما الأولى، ويقدر للثانية والثالثة مثلها، أولا يقدر، لأنهما كررا لمجرد التهويل، و " ما " قيل: هي كافة لبعد عن الإضافة ومهيئتها للدخول على الجملة الفعلية، وقيل: مصدرية، وهو الأولى، لأن فيه إبقاء " بعد " على أصلها من الإضافة، ولأنها لو لم تكن مضافة لنونت، كذا قال ابن هشام في المغني، والنفوس: جمع نفس، وهي الروح، يقال: جاد بنفسه، وخرجت نفسه، وهي مؤنثة، قال تعالى: (خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) وإن أريد بها الشخص فمذكرة، كذا في المصباح، والْغَلْصَمَة - بالفتح: رأس الحلقوم، وهو الموضع النّاتئ في الحلق، والجمع غَلاَصم، كذا فيه أيضاً، و " كادت " معطوف على صارت، والحرة: خلاف الأمة، والحر: خلاف العبد، وأصل الحر الخالص من الاختلاط بشئ غيره، فالحر والحرة مأخوذان منه، لأنهما خلصا من الرق، يقول: كاد الأعداء يُسْبَوْنَ فتصير الحرة أمة، و " تدعى " بالبناء للمفعول: أي تسمى، وجاءت أن في خبر كاد على أحد الجائزين وأنشد الجاربردي هنا، وهو الشاهد الثامن بعد المائة (من الرجز) 108 - لَوْ كُنْتُ أدْرِي فَعَلَيَّ بَدَنَهْ * مِنْ كَثْرَةِ التَّخْلِيطِ أنِّي مَنْ أنَهْ على أنه يوقف على " أنا " بالهاء قليلاً، كما في البيت قال ابن جني في سر الصناعة: " فأما قولهم في الوقف على " أنَ فَعَلْتُ ": أنا، وَأَنَهْ، فالوجه أن تكون الهاء في " أنَهْ " بدلاً من الألف في " أنا " لأن الأكثر في الاستعمال إنما هو أنا بالألف، والهاء قليلة جداً، فهي بدل من الألف، ويجوز
أن تكون الهاء أيضاً في " أنَهْ " أُلحقت لبيان الحركة كما ألحقت الألف، وَلا تكون بدلاً منها، بل قائمة بنفسها " انتهى والبدنة: ناقة أو بقرة أو بعير، ولا تقع على الشاة، وقال بعض الأئمة: البدنة هي الإبل خاصة، وإنما ألحقت البقرة بالإبل بالسُّنَّة، وقوله " من كثرة " متعلق بالفعل المنفي ضمناً: أي ما أدري من كثرة التخليط، والتخليط في الأمر: الإفساد فيه، و " أنِّي " بفتح الهمزة، ومَنْ: مبتدأ، وأنَهْ: خبره، وقيل بالعكس، والجملة في محل رفع خبر أنِّي، وجملة " أنِّي من أنه " في محل نصب سادة مسد مفعولي أدري، وروى صدره الشارح المحقق رحمه الله في شرح الكافية " إنْ كُنْتُ أدْرِي " بإن الشرطية وهذا البيت لم أقف على أثر منه وأنشد هنا، وهو الشاهد التاسع بعد المائة (من الوافر) : 109 - أنَا سَيْفُ الْعَشِيرَةِ فَاعْرِفُونِي * حُمَيْداً قَدْ تَذَرَّيْتُ السِّنَامَا على أن إثبات ألف " أنا " في الوصل لضرورة الشعر، كما في البيت، والقياس حذفها فيه وتقدم ما يتعلق به في الشاهد الثامن والسبعين بعد الثلاثمائة من شرح شواهد شرح الكافية وَ " حُمَيْداً " روي مصغراً ومكبراً، وهو بدل من الياء في " فاعرفوني " لبيان الاسم، أو هو منصوب على المدح بتقدير أعني، وَ " تَذَرَّيْتُ السنام " بمعنى علوته، وهو من الذروة بالكسر والضم، وهو أعلى السنام، وحقيقته علوت ذروة السنام، وقائله حميد بن بحدل الكلبى، وتقدمت ترجمته هناك
وأنشد بعده، وهو الشاهد العاشر بعد المائة (من الرمل) 110 - يَا أبَا الأَسَودِ لِمْ خَلَّيْتَنِي * لِهُمُومٍ طَارِقَاتٍ وَذِكَرْ على أنه سكن الميم من " لِمْ " إجراء للوصل مجرى الوقف وتقدم أيضاً ما يتعلق به في الشاهد السادس عشر بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية و" لِمْ " معناه لاجل أي شئ، وَخَلَّيْتَنِي: تركتني، وروي " أسْلَمْتَنِي " وروي أيضاً " خَذَّلْتَنِي "، والطروق: المجئ ليلاً، وإنما جعل الهموم طارقات لأن أكثر ما يعتري الإنسان في الليل حيث يجمع فكره ويخلو بَالُهُ فيتذكر ما فيه من الهموم المؤلمة، و " ذِكَر " بكسر ففتح جمع ذكر على غير قياس وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادس عشر بعد المائة (من الوافر) : 111 - عَلَى مَا قَامَ يَشْتِمُنِي لَئِيمٌ * كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي دَمَانِ على أن بع العرب لا يحذف ألف " ما " الاستفهامية المجرورة وتقدم أيضاً ما يتعلق به في الشاهد السادس والثلاثين بعد الأربعمائة من شرح شواهد شرح الكافية وصواب العجز: * كخنزير تَمَرَّغَ في رماد * (1) لأن القافية دالية، وهو من أبيات لحسَّان بن ثابت شرحناها هناك وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاثنى عشر بعد المائة (من الرجز) : 112 - * قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا سَوِيقا *
على أن الشاعر سكن الراء، وهي عين الفعل، وكان حقها الكسر، كأنه توهم أنها لام الفعل فسكن الامر (1) وأبو الخطاب: من مشايخ سيبويه، وما نقله عنه الشارح هو في كتاب سيبويه، وليس فيه هذا الشعر، وهذا نصه: " وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون: ادْعِه، من دعوت، فيكسرون العين، كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا أنها ساكنة، إذ كانت آخر شئ في الكلمة في موضع الجزم، فيكسرون حيث كانت الدال ساكنة، لأنه لا يلتقي ساكنان، كما قالوا: رديا يا فتى، وهذه لغة رديئة، وإنما هو غلط، كما قال زهير (من الطويل) : بَدَالِيَ أنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى * وَلاَ سَابِقٍ شيئا إذا كان حائيا " انتهى. وأورده ابن عصفور في الضرائر الشعرية، قال: " فإن كانت الضمة والكسرة اللتان في آخر الكلمة عَلاَمتي بناء اتفق النحويون على جواز حذفها في الشعر تخفيفاً، نحو قول أبى نخيلة (من الرجز) : إذا اعوجبن قُلْتُ صَاحِبْ قَوّمِ * بالدَّوِّ أمْثَالَ السَّفِينِ العُوَّم وقال العذافى الكندي (من الرجز) قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا دقيقا * وهات خبر الْبُرِّ أوْ سَوِيقَا وقال الآخر (من الرجز) فاحذ وَلاَ تَكْتَرْ كَرِيّاً أهْوَجَا * عِلْجاً إذَا سَاقَ بِنَا عَفَنْجَجَا وقال الآخر (من الوافر) : وَمَنْ يَتَّقْ فإن الله معه * ورزق الله موتاب وَغَادي ألا ترى أن الأصل: صاحِبُ قَوِّمِ، واشتر، ولا تكتر كريا، ومن يتق
فإن الله معه، إلا أنه أسكن إجراء للمتصل مجرى المنفصل أو إجراء للوصل مجرى الوقف، كما تقدم في تسكين المرفوع والمخفوض؟ فأما قراءة من قرأ (ويَخْشَ الله ويَتَّقْهِ) فسكن القاف يريد ويتقه بكسرها، فإن التسكين فيها أحسن من التسكين في اشتر لنا وَأمثاله، لشدة اتصال الضمير بما قبله " انتهى وقال شارح شواهد أبي علي الفارسي: " لما كانت الياء في هذا الفعل حرف علة، وكانت تحذف في حالتي الجزم والأمر وتبقى الكسرة في الراء قبلها دالة عليها، اغتفر هذا الشاعر كونها منتهى الكلمة فحذفها للأمر، شبَّه الوصل بالوقف، أو شبّه المتصل بالمنفصل، وهذا أشبهَ " أشْرَبْ (1) "، لأنه لم يخل بإعراب، لأن اتصال اللام بمتعلقها أشد من اتصال غيره، أو حذف الياء تخفيفاً كما حذفها من لا أدْرِ ولا أُبَالِ، ثم أدخل الجازم، ولم يعتد بما حذفه فأسكن للجزم كما أسكن لم أُبَلِهْ قبل أن يحرك لالتقاء الساكنين " انتهى كلامه والبيت الأول من الأربعة من شواهد سيبويه قال الأعلم: " الشاهد تسكين باء صاحبْ ضرورة، وهو يريد يا صاحبُ - بالضم - وهذا من أقبح الضرورة، والدوُّ: الصحراء، وأراد بأمثال السفين: رواحل محملة تقطع الصحراء كقطع السفن البحر " انتهى. والبيت الشاهد من رجز أورده أبو زيد في نوادره لرجل من كندة يقال له العذافر، وهو: قَالَتْ سليمى اشتر لنا سويقا * وهات بُرَّ الْبَخْسِ أوْ دَقِيقَا واعْجَل بِلَحْمٍ نَتَّخِذْ خُرِدْيقا * واشْتَرْ وَعَجَّل خَادِمَاً لَبيقا واصْبُغْ ثِيَابِي صَبَغاً تَحْقِيقَا * مِنْ جَيِّدِ الْعُصْفُرِ لاَ تشريفا
الخرديق: المرقة باللحم، وتشريقاً: مشرق قليل الصبغ، واصبغ واصبغ: لغتان " انتهى. وزاد بعدها أبو محمد الأعرابي ضالَّة الأديب سبعة أبيات، وهي: يَا سَلْمُ لَوْ كُنْتُ لِذَا مُطِيقَا لَمَا جَعَلْتُ عَيْشَكُمْ تَرْمِيقَا فَارْضَيْ بِضَيْحِ الرَّائِبِ الممذوقا وارضى بِحَبِّ الْحَنْظَلِ الْمَدْقُوقَا فَبَرَّقَتْ وَصَفَّقَتْ تَصْفِيقَا ثُمَّ غَدَتْ تَلْتَحِمُ الطَّرِيقَا نَحْوَ الأَمِيرِ تَبْتَغِي التَّطْلِيقَا وقال: هذه الأبيات لسُكَيْن بن نضرة عبدٍ لبَجيلة، وكان تزوج بصرية فكلفته عيش العراق والسويق: ما يجعل من الحنطة والشعير، معروف، والبر - بالضم - الحنطة والقمح، والبخس - بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة وآخره سين مهملة -: أرض تنبت من غير سقى، ورواه أبو محمد الأعرابي كذا: * وهَاتِ خُبْزَ الْبُرِّ أوْ دَقِيقَا * والخُرديق - بضم الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة - قال أبو الحسن فيما كتبه على نوادر أبي زيد: الخُرْديق بالفارسية: المرقة مرقة الشحم بالتابل، واللَّبيق: الحاذق، واللباقة: الحذاقة، واصبغ - بفتح الباء وضمها - من بابي نفَع وقتَل وفي لغة من باب ضرب، والصَّبَغ - بفتحتين - لغة في سكون الباء، وقوله " يا سَلُمُ " هو مرخم سَلْمَى، وكنتُ - بضم التاء - والترميق: ضيق المعيشة، وفلان مُرَمَّق العيش: أي ضيقة، ويروى: ترنيقاً - بالنون موضع
الميم - وهو التكدير، قال ابن الأعرابي: رنَّق الماء ترنيقاً: أي كدره، والضَّيْح - بإعجام الأول وإهمال الآخر - وهو اللبن الرقيق من كثرة الماء، والمذق: الخلط، وارْضَيْ: أمر بالرضا في الموضعين، وبرقت: أي عبنها، وتلتحم الطريق: أي تسده بكثرة الناس عليها من صياحها وشرها وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث عشر بعد المائة (من الوافر) : 113 - وَمَنْ يتق فإن الله معه * وَرِزْقُ الله مُؤْتَابٌ وَغَادِي لما تقدم قبله من تسكين الآخر، والقياس كسر القاف، وقد أورده الجوهري في موضعين من صحاحه: في مادة (أوب) قال: آب رجع، وأتَابَ مثل آب فَعَلَ وافْتَعَلَ بمعنى، وأنشد البيت، وأورده ثانياً في مادة الوقاية فأصل مؤتاب بهمز الواو، لأن الهمزة فاء الكلمة، والألف مبدلة من واو هي عين الكلمة ولم أقف على تتمته، ولا على قائله، ولم يكتب ابن بري ولا الصفدي عليه شيئاً في الموضعين. وأنشد الجاربردي، وهو الشاهد الرابع عشر بعد المائة (من الرجز) : 114 - يَا رَبِّ يَا رَبَّاهُ إيَّاكَ أسَلْ * عَفْرَاءَ يَا رَبَّاهُ مِنْ قَبْلِ الأَجَلْ * فَإنَّ عَفْرَاءَ مِنَ الدُّنْيَا الأَمَلْ * على أن إلحاق هاء السكت في الوصل لضرورة الشعر، وحرّكَهَا بالكسر، ورُوِي ضمها أيضا. وقد تكملنا عليه في الشاهد الثاني والثلاثين بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس عشر، وهو من شواهد سيبويه: (من الكامل) 115 - وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لاَ يَفرْ على أن أصله يفري، فحذفت الياء، وسكنت الراء، للوقف على القافية، ولا يبالون بتغير وزن الشعر وَانكساره قال سيبويه: (1) " واعلم أن الياءات والواوات اللاتي هن لامات إذا كان ما قبلها حرف الروي فُعل بها ما فُعل بالياء والواو اللتين ألحقتا للمد في القوافي، لأنها تكون في المدة بمنزلة الملحقة، ويكون ما قبلها رَوِياً، كما كان ما قبل تلك رَوِياً، فلما ساوتها في هذه المنزلة ألقحت بها في المنزلة الأخرى، وذلك قولهم لزهير: * وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُم لاَ يَفْرْ * وكذلك " يغزو " لو كانت في قافية كنت حاذفها إن شئت، وهذه اللامات لا تحذف في الكلام، وما حذف منهن في الكلام فهو هاهنا أجدر أن يحذف، إذ كنت تحذف هنا مالا يحذف في الكلام انتهى كلامه. قال الأعلم (1) : " الشاهد فيه حذف الياء في الوقف من قوله يَفْري فيمن سكن الراء، ولم يطلق القافية للترنم، وإثبات الياء أكثر وأقيس، لأنه فِعْل لا يدخله التنوين ويعاقب ياءه في الوصل، فيحذف لذلك في الوقف كقاض وغاز وما أشبههما " انتهى. وقال شارح شواهد أبي علي الفارسي: " جاء شاهداً على أن مثل هذه الياء في الفواصل والقوافي حُذِف: حذف الياء لثقلها، ثم أسكن الراء للوقف، كما يفعل ذلك في الفواصل من كتاب الله، ولا يفعلون ذلك في الألف لخفتها إلا في ضرورة الشعر، كما قال (من الرمل) :
رهط مرجوم ورهط ابْنِ الْمُعَلّ أراد المعلَّى، فحذف، وشبه الألف بالياء ضرورة " انتهى كلامه. والبيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى مدح بها هَرِمَ بن سِنان المري، وقد شرحنا ثلاثة أبيات من أولها في الشاهد السابع والستين بعد الأربعمائة من شرح شواهد شرح الكافية. وقوله " ولأنت تفري إلخ " هذا مثل ضربه لممدوحه، وهو هَرِم بن سنان المري، والمراد العزم، و " تفري " بالفاء تقطع، يقال: فريت الاديم، إذا قطعته على وجه الإصلاح، وأفريته - بزيادة ألف - إذا قطعته على وجه الإفساد، والخَلْق: أحد معانيه التقدير، وهو المراد هنا، يقال: خلقت الأديم، إذا قدرته لتقطعه، فضربه هنا مثلاً لتقدير الأمر وتدبيره ثم إمضائه وتنفيذ العزم فيه، والمعنى أنك إذا تهيأت لأمر مضيت له وأنفذته ولم تعجز عنه، وبعض القوم يقدر الأمر وَيتهيأ له ثم لا يعزم عليه ولا يمضيه عجزاً وضعف همة: وأنشد بعده * رَهْطً مرجوم ورهط بن المعل * على أن أصله ان المعلَّى فحذفت الألف، لضرورة الشعر، وهو عجز وصدره: * وَقَبِيلٌ مِنْ لُكَيْزٍ شَاهِدٌ * وتقدم شرحه في الشاهد الثالث بعد المائة من هذا الكتاب. وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس عشر بعد المائة (من الكامل) : 116 - وَلأَنْتَ أشْجَعُ مِنْ أسامة إذ * دعيت نزال ولج فِي الذُّعْرْ
على أنه حذف الياء من " لا يَفْر " في البيت السابق تبعاً لحذف الياء من " الذُّعْر " في هذا البيت، والياء في " الذعر " إذا أطلقت القافية ولم تسكن تنشأ من كسرة الراء، فهي زائدة حصلت من الإشباع، بخلاف " يفري " فإنها لام الكلمة. وهذا البيت قبل البيت السابق في القصيدة، وليس البيت في شعر زهير كما أنشده، فإن المصراع الأول أجنبي، وإنما قوله: وَلَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنْتَ إذَا * دُعِيَتْ نَزَالِ وَلُجَّ فِي الذُّعْرْ وذاك المصراع إنما هو للمسَيَّب بن عَلَس، وهو قوله من قصيدة (من الكامل) : وَلأَنْتَ أشْجَعُ مِنْ أُسَامَةَ إذْ * يَقَعُ الصُّرَاخُ ولُجَّ في الدعر فالبيت مركب من شعرين، تبع فيه صاحب الصحاح، وقد حققنا الكلام فيه وفي القصيدتين في الشاهد السابع والستين بعد الأربعمائة. وأسامة - بضم الهمزة - معرفة علم للأسد، " ودعيت " بالبنال للمفعول، و " نزال " في محل رفع نائب الفاعل، ونزال بالكسر: اسم فعل أمر بمعنى أنزل، وقد استدل الشارح المحقق وغيره بهذا البيت على أن فَعَالِ الامرى مؤنث، ولهذا أنث لها الفعل المسند إليها، ومعنى دعاء الأبطال بعضهم بعضاً بنزال أن الحرب إذا اشتدت بهم وتزاحموا فلم يمكنهم التطاعن بالرماح تَدَاعَوْا بالنزول عن الخيل والتضارب بالسيوف، ومعنى " لُجَّ في الذعر " بالبناء للمفعول: تتابع الناس في الفزع، وهو من اللِّجاج في الشئ، وهو النمادى فيه. وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع عشر بعد المائة (من الطويل) :
117 - وَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَلْمَى سِنِينَ ثمانيا * على صِيرِ أمْرٍ مَا يُمِرُّ وَمَا يَحْلْ على أنه حذف الواو من " يَحْل " للوقف، وهي لام الكلمة، كما حذفت واو الإشباع من " الثقل " في البيت الذي هو بعده. وهو مطلع قصيدة لزهير بن أبي سلمى مدح بها سنان بن أبي حارثة المري. وصحا: أفاق: أي رجع عقله إليه، وأقفر: صار قفراً لا أنيس به، والتعانيق: موضع، وكذا الثقل - بكسر المثلثة وسكون القاف - موضع، يقول أفاق قلبي من حُبِّ سلمى لبعدها منه، وقد كان لا يفيق من شدة التباس حبها به، وقوله: و " قد كنت من سلمى - إلخ " الصِّير - بكسر الصاد المهملة -: الإشراف على الشئ والقرب منه، يقال: أنا من حاجتي على صير: أي على طرف منها، وإشراف من قضائها، وفى الصحاح: " وأمر الشئ: صار مرا، وكذلك مر الشئ يمر بالفتح مرارة، وأمره غيره ومَرَّه " انتهى. وأنشد العسكري هذا البيت في كتاب التصحيف، وقال: " على صِير أمْرٍ " على منتهاه ويقال: صِيره وصَيْرُورَتَهُ، قال أبو عمرو: أي على شَرَف أمرٍ، والياء من يُمرُّ مضمومة، لأن اللغة العليا أمر الشئ يُمر إمراراً، وهو مذهب البصريين وابن الأعرابي، وأهل بغداد يقولون: مر الشئ، قالوا: من العرب من يقول: مر الشئ يَمَرَ مَرَارَة، انتهى. و" يحلو " مضارع حَلاَ الشئ: أي صار حلواً، وأما أحْلَى فمعناه أن يجعله حُلواً، يقال: فلان لا يحلو ولا يمر: أي لا يأتي بحلو ولا مر، وقوله " ما يمر وما يحلو " أي: لم يكن الأمر الذي بيني وبينهما مراً فأيأس منه، ولا حلواً فأرجوه، وهذا مثل، وإنما يريد أنها كانت لا تصرمه فيحمله ذلك على اليأس والسلو ولا
تواصله كل المواصلة فيهون أمرها عليه، ويشفَي قلبه منها، يقول: كنت في هذه السنين بين يأس وطمع، ولم أيئس منها فيمِر عيشي ولم أطمع أن تصلني فيحلو، وأنشد بعده، وهذا الشاهد الثامن عشر بعد المائة (من الطويل) 118 - صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وَقَدْ كَادَ لاَ يَسْلْ * وأَقْفَرَ مِنْ سَلْمَى التَّعَانِيقُ فَالثِّقْلْ على أنه حذفت واو الإطلاق من " الثقل " فسكن اللام للوقف، وهذه الواو ناشئة من إشباع ضمة اللام، وقد تقدم شرحه وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع عشر بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: من الرجز) 119 - دَايَنْتُ أرْوَى وَالدُّيّونُ تقضى * فمطلت بعضا وأدت بعظا على أن الألف لا يجوز حذفها في الوقف قال سيبويه: " وأما يخشى ويرضى ونحوهما فإنه لا يحذف منهن الألف، لأن هذه الألف لما كانت تثبت في الكلام جعلت بمنزلة ألف النصب التي تكون في الوقف بدلاً من التنوين، فكما تبيِّن تلك الألف في القوافي فلا تحذف، كذلك لا تحذف هذه، فلو كانت تحذف في الكلام ولا تمد إلا في القوافي لحذفت ألف يخشى كما حذفت ياء يقضى، حيث شبهتها بالياء التي في " الأَيَّامِي " فإذا ثبتت التي بمنزلة التنوين في القوافي لم تكن التي هي لام أسوأ حالاً منها، ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول (من الطويل) : * ... لَمْ يَعْلَمْ لَنَا النَّاسُ مُصْرَعْ * فتحذف الألف؟ لأن هذا لا يكون في الكلام، فهو في القوافي لا يكون،
فإنما فعلوا ذلك بيقضي ويغزو لأن بناءهما لا يخرج نظيره إلا في القوافى، وإن شئت حذفته فإنما ألحقتا بما لا يخرج في الكلام، وألحقت تلك بما يثبت على كل حال، ألا ترى أنك تقول: دَايَنْتُ أرْوَى وَالدُّيُونُ تُقْضَى * فَمَطَلَتْ بَعْضَاً وَأَدَّتْ بَعْضَا فكما لا تحذف ألف بعضاً كذلك لا تحذف ألف تُقْضَى " (1) انتهى. وقوله " في الأيَّامِي " هو قطعة من بيت لجرير عليه رحمة ربه القدير، وهو: (من الكامل) أيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيْقَةٍ * كانَتْ مُبَارَكَةً مِنَ الايامى وقول: " لم يعلم لنا الناس إلخ " فهو أيضاً قطعة من بيت ليزيد بن الطثريَّة (2) ، وهو: (من الطويل) فَبِتْنَا تَحِيدُ الْوَحْشُ عَنَّا كَأَنَّنَا * قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا
وَ " أرْوَى " بالقصر اسم امرأة. يقول: أسلفتها محبة ووُدّاً توجب المكافأة عليها فلم تجازني على فعلي وهذا مطلع أرجوزة لرؤبة بن العجاج، إنما هي غَزَل وافتخار، قال الأصمعي: هي من رجز رؤبة القديم، وبعدهما: وَهْي تَرَى ذَا حَاجَةٍ مُؤْتَضَّا * ذَا مُعْضٍ لَوْلاً تَرُدُّ الْمَعْضَا فَقُلْتُ قَوْلاً عَرَبِيًّا غَضَّا * لَوْ كَانَ خَرْزاً فِي الكُلاَ مَابَضَّا (1) قال الجوهري: يقال أضَّنِي إليك كذا وكذا يَؤُضُّنِي وَيَئْضُّني: أي الجأني واضطرني، وائتَضَّنِي إليه ائتضاضاً: أي اضطرني إليه، قال الراجز: * وَهْي تَرَى ذَا حَاجَةٍ مُؤْتَضَّا * انتهى. وقوله " ذَا مَعَضٍ إلخ " هو بالعين المهملة، قال الجوهري: مَعِضْتُ من ذلك الأمر أمْعَضُ مَعَضاً. وامتعضت منه، إذا غضبت وشق عليك، قال الراجز: * ذَا مَعَضٍ لَوْلاَ تَرُدُّ الْمَعْضَا * انتهى. يريد أن فعله من باب فرِح، وجاء في مصدره تسكين العين أيضاً، كما في البيت، وترد بالبناء للفاعل، والغض - بالغين المعجمة -: الطريّ. وقوله: " لو كان خَرْزاً في الكُلا " مرادهُ ما بضَّ منها بلل: أي لم يسل لإحكامه تتمة: لم يذكر الشارح المحقق حكم ألف الإطلاق التي لم يلحقها التنوين، وحكمُها جواز حذفها سواء كانت في اسم أم فعل، وقد ذكرها سيبويه، قال: " إذا أنشدوا ولم يترنموا فعلى ثلاثة أوجه: ثالثها أن يُجْرُوا القوافي مُجْراها لو كانت
في الكلام ولم تكن قوافي شعر، جعلوه كالكلام حيث لم يترنموا وتركوا المدة (لعلمهم أنها في أصل البناء) (1) ، سمعناهم يقولون لجرير: (من الوافر) * أقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابْ * وللأخطل: (من البسيط) * وَاسْأَلْ بِمَصْقَلَة الْبَكْرِيِّ مَا فَعَلْ * وكان هذا أخف عليهم، ويقولون: (من الرجز) * قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فَحَرِّكْ حَفْصَا * يثبتون الألف، لأنها كذلك في الكلام " انتهى. قال الأعلم: " الشاهد فيه حذف الألف من " ما فعلا " حيث لم يرد الترنم، وهذا في المنصوب غير المنون جائز حسن، مثله في الكلام، ولا فرق بينه وبين المخفوض والمرفوع في الحذف والسكون، ما لم يريدوا التغني، وقوله " قد رابني حفص إلخ ": " الشاهد فيه إثبات الألف في قوله " حفصاً " لأنه منون ولا يحذف في الكلام إلا على ضعف كالمُعَلْ " انتهى. وأنشد بعده، وهو الشاهد العشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من البسيط) 120 - لاَ يُبْعِدِ الله إخْوَاناً تَرَكْتُهُمُ * لَمْ أدْرِ بَعْدَ غَدَاةِ الْعَيْنِ مَا صَنَعْ على أن أصله " صنعوا " فحذفت واو الضمير للوقف، وإن كان ينكسر الشعر بحذفها، فإنهم لا يبالون للوقف. قال سيبويه: " وزعم الخليل أن ياء يقضي وواو إذا كانت واحدة منهما
حرف الروي (لم تحذف، لأنها ليست بوصل حينئذٍ، وهي حرف روي) كما أن القاف في: * وقَاتِم الأعماق خَاوِي الْمٌخْتَرَقْ * (حرف الروي) ، وكما لا تحذف هذه القاف لا تحذف واحدة منهما، وقد دعاهم حذف ياء يقضي إلى أن حذف ناس كثير من قيس وأسد الواوَ والياء اللتين هما علامة المضمر، ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء يقضي، لأنهما تجيئان لمعنى الأسماء، وليستا حرفين بنيا على ما قبلهما، فهما بمنزلة الهاء في قوله: (من الطويل) * يَا عَجَبَا لِلدَّهْرِ شَتَّى طَرَائِقُهْ * سمعت ممن يروي هذا الشعر من العرب ينشده (من البسيط) : لاَ يُبْعِدِ الله أصْحَاباً تَرَكْتُهُمْ * لَمْ أدْرِ بَعْدَ غَدَاةِ الْبَيْنِ مَا صَنَعْ يريد ما صنعوا. وقال (من الكامل) * يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالْجِوَاءِ تَكَلَّمْ * يريد تكلمي ". مع أبيات أخر قال الأعلم: " الشاهد فيه حذف واو الجماعة من صنعوا، كما تحذف الواو الزائدة، إذا لم يريدوا الترنم، وهذا قبيح لما تقدم من العلة " (1) انتهى. والبيت من قصيدة لتميم بن أُبَيِّ بن مُقْبِل، وقبله: نَاطَ الْفُؤَادُ مَنَاطاً لاَ يُلاَئِمُهُ * حَيَّانِ دَاعٍ لإصْعَادٍ وَمُنْدَفِعُ حَيٌّ مَحَاضِرُهُمْ شَتَّى ويَجْمَعُهُمْ * دَوْمُ الأَيَادِي وَفَاثُورٌ إذَا انْتَجَعُوا لاَ يُبْعِدِ الله أصحابا تركتهم * ... البيت
ناط الشئ ينوط نوطاً: أي علَّقه، فالفؤاد مفعوله، وحَيَّان: فاعله، والحي: القبيلة، وداع ومندفع: بدل من حيان، وأصعد من بلد بكذا إلى بلد كذا إصعاداً، إذا سافر من بلد سفلى إلى بلد عليا، وأصعد إصعاداً، إذا ارتقى شَرَفاً، كذا في المصباح، ومندفع: منحدر إلى أسفل، وَالْمَحَاضِر: الذين يحضرن المياه، في الصِّحاح " يقال: على الماء حاضر، وقوم حُضَّار إذا حضروا المياه، ومحاضر " وشَتَّى: جمع شتيت بمعنى متفرق، ودوْم الأيادي: موضع، وهو فاعل يجمعهم، وفاثُورٌ - بالفاء والمثلثة - معطوف على دوم، قال ياقوت في معجم البلدان: فاثُور: موضع أو واد بنجد، وأنشد هذا البيت، وإذا: ظرف ليجمعهم، وانتجع القوم: إذا ذهبوا لطلب الكلأ في موضعه وقوله " لا يُبْعِد الله إلخ " لفظه إخبار ومعناه دعاء، ويجوز أن يقرأ بالجزم على أنه دعاء صورة النهي، و " يبعد " مضارع أبعده بمعنى أهلكه، ويجوز أن يكون بمعنى بعّده تبعيداً: أي جعله بعيدا، و " إخوانا " مفعلوله، وتركتهم: فارقتهم، والبين: الفراق، وما: استفهامية وتميم: شاعر إسلامى معاصر للفرزدق وجرير وقد ترجمناه في الشاهد الثاني والثلاثين من شرح شواهد شرك الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الواحد والعشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الكامل) 121 - يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالْجِوَاءِ تَكَلَّمْ * وَعِمِي صَبَاحاًَ دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمْ على أن أصله تكلمي، واسلمي، حذف ضمير المخاطبة منهما - وهو الياء - للوقف والبيت من أوائل معلقة عنترة بن شداد العبسي، وعبلة - بالعين المهملة
والموحدة -: اسم امرأة، والجواء - بكسر الجيم والمد -: اسم موضع، قال يونس: سئل أبو عمرو بن العلاء عن قول عنترة: وعِمِي صَبَاحاً، فقال: هو من قولهم: يَعِم المطرُ ويَعِم البحرُ إذا كثر زبده، وكأن يدعو لدارها بكثرة الاستسقاء والخير، وقال الأصمعي: عِمْ وانْعَمْ واحد: أي كن ذا نعمة وأهل إلا أن عِمْ أكثر في كلام العرب، وأنشد بيت امرئ القيس (من الطويل) : الأعم صباحا أيها الطلل البالى * وهل يعمن من كان في العصر الخالى وقد استقصينا ما قيل في هذه الكلمة في الشاهد الثالث من أول شرح شواهد شرح الكافية. و" دار عبلة " منادى، وحرف النداء محذوف، يقول: يا دار حبيبتي بهذا الموضع تكلمي، وأخبريني عن أهلك ما فعلوا، ثم أضرب عن استخبارها إلى تحيتها فقال: طاب عيشك في صباحك، وسلمت يادار حبيبتي. وقد ترجمنا عنترة مع شرح شئ من هذه القصيدة، وبيان التسمية وعدد المعلقات في الشاهد الثاني عشر من أوائل شرح شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والعشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه (من الطويل) 122 - * خَلِيْلَيَّ طِيْرَا بِالتَّفَرُّقِ أوقعا * على أنه لا يجوز حذف الالف من " قعا " للوقف لانه ضمير مثنى، قال سيبويه: " وأنشدنا الخليل: * خَلِيْلَيَّ طِيْرَا بِالتَّفَرُّقِ أوْقَعَا * فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من تُقْضَى "، قال الأعلم: " أراد أن الالف من قوله " قعا " لا تحذف كما لا تحذف ألف تُقْضى، يقال: وقع الطائر، إذا نزل بالأرض، والوقوع: ضد الطيران " انتهى.
وخليليَّ: مثنى خليل مضاف إلى ياء المتكلم، و " طيرا " فعل أمر الطيران مسند إلى ضمير الخليلين، و " قَعَا " فعل أمر من الوقوع مسند إلى ضميرهما، ومعموله محذوف، بدليل ما قبله: أي به ولم أقف على تتمته ولا على قائله والله تعالى أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المائة (من البسيط) : 123 - تَعَثَّرَتْ بِهِ فِي الأَفْوَاهِ ألسنها * والبرد في الطرق وَالأَقْلاَمُ فِي الْكُتُبِ على أنه إذا كان قبل هاء الضمير متحرك فلا بد من الصلة، إلا أن يضطر شاعر فيحذفها، كما حذفها المتنبي من قوله " به "، قال ابن جني في سر الصناعة: " ومن حذف الواو في نحو: (من الوافر) له رجل كَأَنَّهُ صَوْتُ حَادٍ * إذَا طَلَبَ الْوَسِيقَةَ أوْ زَئِيرُ وقول الآخر: (من البسيط) وَأَشْرَبُ الْمَاءَ مَا بِي نَحْوَهُ عَطَشٌ * إلاَّ لأَنَّ عُيُونَهُ سَيْلُ وَادِيهَا لم يَقُلْ في نحو " رأيتها " و " نظرتها " إلا بإثبات الألف، وذلك لخفة الألف وثقل الواو، إلا أنا قد روينا عن قطرب بيتاً حذفت فيه هذه الألف تشبيهاً بالواو والياء لما بينهما وبينها من الشبه، وهو قوله: (من البسيط) أعْلَقْتُ بِالذِّيْبِ حَبْلاً ثُمَ قُلْتُ لَهُ * الْحَقْ بِأَهْلِكَ وَاسْلَمْ أيُّهَا الذِّيبُ أما تَقُودُ بِهِ شَاةً فَتَأْكُلَهَا * أوْ أَنْ تَبيعَهُ فِي بَعْضِ الأَرَاكِيبِ يريد تبيعها، فحذفت الألف، وهذا شاذ " انتهى. وقافية البيت الثاني مُقَواة.
والبيت من قصيدة للمتنبي نظمها في الكوفة بعد رجوعه إليها من مصر رَثَى بها خَوْلَة أخت سيف الدولة بن حمدان البكري، وتوفيت بميَّا فَارِقِينَ، من ديار بكر، لثلاث بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ورد خبر موتها العراق، فرثاها بهذه القصيدة في شعبان وأرسلها إليه، وقبله: طَوَى الجَزِيرَةَ حَتَّى جَاءَنِي خَبَرٌ * فَزِعْتُ فِيهِ بآمَالي إلَى الْكَذِبِ حَتَّى إذَا لَمْ يَدَعْ لِي صِدْقُهُ أمَلاً * شَرِقْتُ بِالدَّمْعِ حَتَّى كَادَ يَشْرَقُ بِي تَعَثَّرَتْ بِهِ فِي الأَفْوَاهِ ألْسُنَهَا ... البيت طَيُّ البلاد: قطعها بالسير، والجزيرة: بلد يتصل بأرض الموصل، والفزع إلى الشئ: الاعتصام به والالتجاء إليه، والشَّرَقُ: الغصص، وتعثر الألسن: توقفها عن الإبانة، مستعار من عثار الرِّجْل، والبُرْد - بالضم - رجال يحملون الرسائل على دواب تتخذ لهم، الواحد منها يريد، يقول: طوى أرض الجزيرة خبر هذه المتوفاة مسرعاً غير متوقف حتى طرقني بغتة، وورد عليَّ فجأة، ففزعت بآمالي فيه إلى تكذيب صدقه ومخادعة نفسي في أمره، ثم قال: حتى إذا لم يدع لي صدقُهُ أملاً أتعلل بانتظاره ورجاء أخدع نفسي بارتقابه أعلنت بالحزن، واستشفيت بالدمع فأذريت منه ما أشرقني تتابعه، وأدهشني ترادفه، حتى كدت أولمه كتألمي به وأُشرقه كشرَقِي به، ثم قال: تعثرت الألسن بذلك الخبر في الأفواه فلم تظهره لشنعته، ولم تفصح به لجلالته، وكذلك تعثرت به البُرد في الطرق استعظاماً لحمله، والأقلام في الكتب استكراهاً لذكره وقد أوردنا ما يتعلق به بأبسط من هذا في الشاهد السادس والثمانين بعد الأربعمائة من شرح شواهد شرح الكافية
وأنشد بعده: (من الرمل) * رَهْطُ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابْنِ الْمُعَلْ * وتقدم شرحه في الشاهد الثالث بعد المائة وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والعشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الطويل) 124 - * قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ * على أن حرف الإطلاق لا يلحق الكلمة في الوقف إلا في الشعر إذا أريد التغني والترنم، كما ألحقت الياء لام منزل، ولولا الشعر لكانت اللام ساكنة، قال سيبويه في باب وجوه القوافي في الإنشاد: " أما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ما ينون وما لا ينون، لأنهم أرادوا مدّ الصوت، وذلك قولهم لامرئ القيس: * قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ * وقال في النصب ليزيد بن الطثَرية: (من الطويل) فَبِتْنَا تَحِيدُ الْوَحْشُ عَنَّا كَأَنَّنَا * قتيلان لم يَعْلَمْ لَنَا النَّاسُ مَصْرَعا وقال في الرفع للأعشى: (من الطويل) * هُرَيْرَةَ وَدِّعْهَا وَإنْ لاَمَ لاَئِمُ * هذا ما ينون فيه، وما لا ينون فيه قولهم لجرير: (من الوافر) * أقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابَا * وقال في الرفع لجرير أيضاً: (من الوافر) * سُقِيتِ الْغَيْثَ أيَّتُهَا الْخِيَامُ * وقال في الجر لجرير أيضاً: (من الكامل) * كَانَتْ مُبَارَكَةً مِنَ الأَيَّامِ *
وإنما ألحقوا هذه المدة في حروف الروي لأن الشعر وضع للغناء والترنم، فألحقوا كل حرف الذي حركته منه، فإذا أنشدوا ولم يترنموا فعلى ثلاثة أوجه: أمّا أهل الحجاز فَيَدَعُون هذه القوافي: ما نون منها، وما لم ينون، على حالها في الترنم، ليفرقوا بينه وبين الكلام الذي لم يوضع للغناء، وأما ناس كثير من بني تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النونَ فيما ينوّن وفيما لم ينوّن لما لم يريدوا الترنم أبدلوا مكان المدة نوناً، ولفظوا بتمام البناء وما هو منه، كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد، سمعناهم يقولون للعجاج: (من الرجز) * يَا أبَتَا عَلَّكَ أوْ عَسَاكَنْ * و * يَا صَاحِ مَا هَاجَ الدُّمُوعَ الذُّرَّفَنْ * وقال العجاج: * مِنْ طَلَلٍ كالاتحمى أنهجن * وكذلك الجر والرفع، والمكسور والمفتوح والمضموم في جميع هذا كالمجرور والمنصوب والمرفوع، وأما الثالث فأن يُجْرُوا القوافي مُجْراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعر، جعلوه كالكلام حيث لم يترنموا وتركوا المدة (لعلمهم أنها في أصل البناء) (1) ، سمعناهم يقولون لجرير: (من الوافر) * أقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابْ * وللأخطل: (من البسيط) * وَاسْأَلْ بِمَصْقَلَة الْبَكْرِيِّ مَا فَعَلْ * وكان هذا أخف عليهم. ويقولون: (من الرجز) * قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فحرك حفصا *
يثبتون الألف لأنها كذلك في الكلام " انتهى كلام سيبويه، ونقلناه برمته، لأن الشارح المحقق لم يورد مسائله بتمامها والمصراع صدره، وعجزه * بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فحومل * والبيت مطلع معلقة امرئ القيس، وقد شرحناه شرحاً وافياً في الشاهد السابع والثمانين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والعشرون بعد المائة: (من الخفيف) 125 - * آذنتنا بِبَيْنِهَا أسْمَاءُو * على أن واو الإطلاق لحقت الهمزة من " أسماء " في الوقف لإرادة الترنم، ولو كان في نثر لكنت الهمزة ولما جاز إلحاق الواو لها والمصراع صدر، وعجزه: * رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ * والبيت مطلع معلقة الحارث بن حلزة اليشكرى، وبعده: آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا ثُمَّ وَلَّتْ * لَيْتَ شِعْرِي مَتَى يَكُونُ اللِّقَاءُ و " آذنتنا " أعلمتنا، قال تعالى: (فَقُلْ آذنتكم على سواء) قال ابن السكيت: يقال: آذن يُؤْذن إيذَاناً، وأذَّن يُؤَذِّنُ تَأْذيناً، والاسم الأذَان، بمعنى الإعلام، والبين: الفراق، مَصْدَر بَانَ يَبِينُ بَيْنَاً وَبَيْنُونَة، وأسماء: اسم امرأة، لا ينصرف للعلمية والتأنيث، وأصله وَسْمَاء، أبدلت الواو همزة، ووزنه فَعْلاء، من الوَسْم والوَسَامَة: أي الحسن والجمال، ولم يصب النحاس في شرح المعلقة في زعمه أنه قبل العلمية جمع اسم (1) قال: ولو سميت به رجلا
لكان الأكثر فيه الصرف، لأنه جمع اسم، وقد قال: إنه لا ينصرف إذا سميت به رجلاً لأن الأصل أن يكون اسماً لمؤنث فقد صار بمنزلة زينب " انتهى وقوله " رُب ثاو - إلخ " أرسله مثلاً، والتقدير رب شخص ثاوٍ، وجواب رُبَّ العامل في محل مجرورها هو يُمَل بالبناء للمفعول، بمعنى يُسْأَم، يقال: مَلِلْتُه أمَلُّه ورجل مَلُول ومَلُولة، والهاء للمبالغة، والثاوي: المقيم، يقال: ثَوَى يَثْوِي ثَوَاءً وَثَوَاية، إذا أقام، يقول: أعلمتنا أسماء بمفارقتها إيانا: أي بعزمها على فراقنا، ورب مقيم تُمَل إقامته، ولم تكن أسماء ممن يُمَلّ وإن طال إقامتها. وتقدم ترجمته مع شرح أبيات من هذه المعلقة وذكر سببها في الشاهد الثامن والأربعين من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المائة (من الطويل) 126 - وَمُسْتَلْئمٍ كَشَّفْتُ بِالرُّمْحِ ذَيْلَهُ * أقَمْتُ بِعَضْبٍ ذِي شَقَاشِقَ مَيْلَهُ لما تقدم قبله والواو واو رب، والمستلئم: اسم فاعل من استلأم الرجُل: أي لبس الَّلأمة، واللأمة بالهمز: الدرع، وكشفت - بالتشديد - للمبالغة، وذيله: مفعوله، يعني طعنته بالرمح فسقط عن فرسه وانكشف ذيله، وأقمت: بمعنى عَدّلْت تعديلاً، والْعَضْب - بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة -: السيف القاطع، وهنا مستعار للسان (1) ، شبه به للتأثير والإيلام، والشقاشق: جمع شِقْشِقة
بكسر الشين، وهى شئ كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج، ويشبه الفصيح المنطبق بالفحل الهادر، ولسانه بشقشقته، وميله: اعوجاجه، وهو مفعول أقمت وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والعشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) : 127 - بِبَازِلٍ وَجْنَاءَ أوْ عَيْهَلِّ على أنهم جوزوا في الشعر تحريك اللام المضعف لأجل حرف الإطلاق مع أن حقه السكون في غير الشعر كما جوزوا فيه أن يحركوا لأجل المجئ بحرف الإطلاق ما حقه السكون في غيره قال سيبويه: " وأما التضعيف فقولك: هذا خالدّ، وهو يجعلّ، (وهذا فَرَجّ) (1) حدثنا بذلك الخليل عن العرب، ومن ثمَّ قالت العرب (في الشعر) (1) في القوافي سَبْسَبَّا تريد السَّبْسَبَ، وعيهلُّ تريد العيهلُ، لأن التضعيف لما كان في كلامهم في الوقف أتبعوه الياء في الوصل والواو على ذلك. كما يلحقون الواو والياء في القوافي فيما لا تدخله واو ولا ياء في الكلام، وأجروا الألف مجراهما، لأنها شريكتهما في القوافي، ويمد بها في غير موضع التنوين، (ويلحقونها في غير التنوين) (1) ، فألحقوها بها فيما ينون في الكلام، وجعلت سَبْسَب كأنه مما لا تلحقه الألف في النصب، إذا وقفت، قال رجل من بني أسد (من الرجز) * بِبَازِلٍ وجْنَاء أوْ عَيْهَلِّ * وقال رؤبة: (من الرجز) لَقَدْ خَشِيْتُ أنْ أرَى جَدَبَّا * في عامنا ذا بعد ما أخصبا أراد جَدْباً، وقال رؤبة: (من الرجز)
* بَدْءٌ يُحبُّ الْخُلُقَ الأضْخَمَّا * فعلوا هذا إذ كان من كلامهم أن يضعفوا " انتهى كلامه وقوله " ومن ثمة قالت العرب في الشعر سبسبَّا تريد السبب، وعيهلِّ تريد العيهل " صريحٌ في أنه ضرورة، وكذا صرح الأعلم بقوله: " الشاهد فيه تشديد عيهلِّ في الوصل ضرورة، وأراد جَدْباً فشدد الباء ضرورة، وحرك الدال بحركة الباء قبل التشديد لالتقاء الساكنين، وكذلك شدد أخْصبَّا للضرورة " انتهى. فقول الشارح المحقق " وليس في كلام سيبويه ما يدل على كون مثله شاذا أو ضرورة " مخالفٌ لنصه وقد أورده ابن السراج في باب الضرائر الشعرية من كتابه الأصول، قال: " الثاني إجراؤهم الوصل كالوقف، من ذلك قولهم في الشعر للضرورة في نصب) (1) سَبْسَب وكلكل رأيت سبسباً وكلكلاً، ولا يجوز مثل هذا في الكلام، إلا أن تخفف، وإنما جاز هذا في الضرورة لأنك كنت تقول في الوقف في الرفع والجر: هذا سَبْسَبُّ، ومررت بِسَبْسَبِّ، فتثقل على أنه متحرك الآخرِ في الوصل، لأنك إذا ثقلت لم يجز أن يكون الحرف الآخر إلا متحركاً، لأنه لا يلتقي ساكنان، فلما اضطر إليه في النصب أجراه على حاله في الوقف، وكذلك فعل به في القوافي المرفوعة والمجرورة في الوصل، ثم أنشد أبيات سيبويه، وقال: فهذا أجراء في الوصل على حده في الوقف " انتهى. وكذلك عدة ابن عصفور ضرورة في كتاب الضرائر، وقد نقلنا مثله من المسائل العسكرية لأبي علي في الشاهد الثاني والأربعين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية
وقال ابن جني في شرح تصريف المازني: " التثقيل إنما يكون في الوقف، ليعلم باجتماع الساكنين في الوقف أنه متحرك في الوصل، حرصاً على البيان، لأنه معلوم أنه لا يجتمع في الوصل ساكنان، وعلى هذا قالوا: خالد وهو يجعل، فإذا وصلوه قالوا: خالد أنى، وهو يجعلُ لك، فكان سبيله إذا أطلق في الأضخم بالنصب أن يزيل الثقيل، إلا أنه أجراه في الوصل مجراه في الوقف للضرورة، ومثله: (من الرجز) * بِبَازِلٍ وَجْنَاءَ أوْ عَيْهَلِّ * يريد الْعَيْهَل، وهذا أكثر من أن أضبطه لك لسعته وكثرته " وقال في المحتسب أيضاً: " وقد كان ينبغي - إذ كان إنما شدد عوضاً من الإطلاق - أنه إذا أطلق عاد إلى التخفيف إلا أن العرب قد تجري الوصل مجرى الوقف تارة، وتارة الوقف مجرى الوصل " انتهى. والبيت من أرجوزة طويلة لمنظور بن مَرْثَد الأسدي، وقيل: لمنظور بن حَبَّة (1) الأسدي، أولها: لَيْتَ شَبَابِي (كان) (2) لِلأَوَّلِّ * وَغَضَّ عَيْشٍ قَدْ خَلاَ أرْغَلِّ شدد لام أوَّل، وأرغلُ كذلك، وهو بالغين المعجمة، قال صاحب العباب " وعيش أرغَل وأغرل: أي واسع " * مَنْ لِي مِنْ هِجْرَانِ لَيْلََى مَنْ لِي * * وَالْحَبْلِ مِنْ حبالها المنحل *
قال أبو علي في المسائل العسكرية: " المنحل لا يخلو من أن يكون محمولاً على الحبل أو الحبال، وكلا الأمرين قبيح " تَعَرَّضَتْ لِي بِمَكَانٍ حِلِّ * تَعَرُّضَ الْمُهْرَةِ في الطِّوَلِّ * تَعَرُّضاً لَمْ تَعْدُ عَنْ قَتْلاً لِي (1) * قال أبو علي: قال " أبو الحسن (1) : يكون " عَنْ قَتْلاً لي " على الحكاية، ويكون يريد أنْ، فأبدل منها العين في لغة من يقولون في أنَّ: عَنَّ، وتسمى عنعنة تميم " انتهى. والطول بكسر الطاء وتخفيف اللام، وشددت لما ذكرنا، وهو الحبل الذي يطول للدابة فترعى فيه، ورواه صاحب العباب: * تَعَرُّضاً لَمْ تَأْلُ عَنْ قَتِلٍ لِي * أي: لم تقصر عن قتل، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى تأويل: تَرَى مَرَادَ نِسْعِهِ الْمُدْخَلِّ * بَيْنَ رَجَى الْحَيْزُومِ وَالْمَرْحَلِّ * مِثْلَ الزَّحَالِيفِ بِنَعْفِ التَّلِّ * وقال ابن جني في سر الصناعة: " يريد الْمُدْخَلَ والْمَرْحَلَ فشدد "، إلى أن قال: إنْ تَبْخَلِي يَا جُمْلُ أوْ تَعْتَلِّي * أوْ تصبحي في الظاعن المولى
نُسَلِّ وَجْدَ الْهَائِمِ الْمُغْتَلِّ * بِبَازِلٍ وجْنَاءَ أوْ عَيْهَلِّ كَأَنَّ مَهْوَاهَا عَلَى الْكَلْكَلِّ * وَمَوْقِعاً مِنْ ثَفِنَاتٍ زل موقع كفى راهب يضلى * في غَبَشِ الصُّبْحِ وَفِي التَّجَلِّي جُمل: اسم امرأة - بضم الجيم - وتعتلى: من الاعتلاال وهو التمارض والتمسك بحجة، ونُسَلّ: من التسلية، وهي تطييب النفس، وهو جواب الشرط، والمغتل - بالغين المعجمة -: الذي قد اغتل جوفه من الشوق والحب والحزن، كغُلة العطش، و " ببازل " متعلق بنُسل، والبازل: الداخل في السنة التاسعة من الإبل ذكراً كان أم أنثى، والوجناء: الناقة الشديدة، والعيهلِّ: الناقة الطويلة، ومَهْواها: مصدر ميمي بمعنى السقوط، والكلكل: الصدر، قال أبو علي: " استعمال العيهل والكلكل بتخفيف اللام، قدر الوقف عليه فضاعف إرادة للبيان، وهذا ينبغي أن يكون في الوقف دون الوصل، لأن ما يتصل به في الوصل يبين الحرف وحركته، ويضطر الشاعر فيجري الوصل بهذه الإطلاقات في القوافي مجرى الوقف، وقد جاء ذلك في النصب أيضاً، قال: (من الرجز) * مثل الحريق وَافَقَ الْقَصَبَّا * وَهَذَا لاَ يَنْبَغي أن يكون في السعة " انتهى والثفنة - بفتح المثلثة وكسر الفاء بعدها نون - وهو ما يقع على الأرض من أعضاء الإبل إذا استناخ وغلظ كالركبتين، وزُلُّ - بضم الزاي -: جمع أزَلّ، وهو الخفيف، شبّه الأعضاء الخشنة من الناقة بكثرة الاستناخة بكفي راهب قد خشنتا من كثرة اعتماده عليهما في السجود، والغَبَش - بفتحتين -: بقية الليل، وأراد بالتجلي النهار، قال السخاوي في سفر السعادة: " وهذا الشعر لمنظور بن مرثد الأسَدِي، وقد روي لغيره، ويزاد فيه:
إن صَحَّ عَنْ دَاعِي الْهَوَى الْمُضِلِّ * ضَحْوة نَاسِي الشَّوْقِ مُسْتَبلِّ أوْ تَعْدُنِي عَنْ حَاجِهَا حاجٌ لِي * نُسَلِّ وَجْدَ الْهَائِمِ الْمُغْتَلِّ " انتهى. ومستَبِل: من أبلّ من مرضه، إذا صح وتوجه إلى العافية، وتَعْدُنِي: تتجاوزني، وحاج: جمع حاجة وقد تكلمنا على هذه الأبيات في شواهد شرح الكافية بأبسط من هذا. وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المائة: (من الوافر) 128 - * وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدَرِينَا * على أن (حق) (1) نون الأندرين في الكلام السكون عند الوقف وهذا عجز وصدره: * ألاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِينَا * وهو مطلع معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي و " ألا " حرف يفتتح به الكلام ومعناه التنبيه، وهِبِّي: فعل أمر مسند إلى ضمير المخاطبة، ومعناه قومي من نومك يقال: هب من نومه يُهب - بالضم - هبا، إذا انتبه وقام من موضعه، والصَّحْن: الكبير الواسع، واصْبِحِينَا: اسقينا الصَّبُوح، وهو الشرب بالغداة، وهو خلاف الغَبُوق، يقال: صَبَحَه صَبْحاً - من باب نفع - واصطبح: أي شرب الصبوح، والعرب تسمي شرب الغداة صَبُوحاً - بفتح الصاد - وشُرب نصف النهار قَيْلاً - بفتح القاف - وشرب العشاء غَبُوقاً - بفتح الغين - وشرب الليل فحمة -
بفتح الفاء وسكون المهملة - وشرب السحر جَاشِرِيَّةً - بالجيم والشين المعجمة - وقد نظمها محمد التَّوجيّ (1) فقال: (من الطويل) صَبُوحٌ وَقَيْل وَالْغَبُوقُ وَفَحْمَةٌ * لَدَى الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ يَا صَاحِ تُعْتَبَرْ لِشُرْبِ غَدَاةٍ والظَّهِيْرَةِ وَالْعَشَا * وَلَيْلٍ، وَشُرْبُ الْجَاشِرِيَّةِ بِالسَّحَرْ وقوله " ولا تبقى إلخ " أبقيت الشئ وبقَّيته بمعنى: أي لا تبقيها لغيرنا وتسقيها سوانا، والمعنى ولا تدخري خمر هذه القرية. والأندرينُ: قرية بالشام، وهي معدن الخمر، وقيل: إنما هي أندر، وجمعها بما حولها، وقيل: إنها أندرون، وفيها لغتان: منهم من يرفعه بالواو ويجره وينصبه بالياء، وَيفتح النون في كل ذلك، ولهذا قال " خمور الأندرينا " ومنهم من يجعل الإعراب على النون ويجعل ما قبلها ياء في كل حال، وإنما فتح (2) هنا في موضع الجر لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث، أو للعلمية والعجمة وقال أبو إسحق: " ويجوز أن تأتي بالواو، ويحتمل الإعراب على النون، ويكون مثل زيتون، وخبرنا بهذا أبو العباس المبرد، ولا أعلم أحداً سبقه إليه " وقال أبو عبيد في معجم ما استعجم: " الأنْدَرِينُ: قرية بالشام، وقال الطوسي: قرية من قرى الجزيرة، وأنشد هذا البيت " وقال ياقوت في معجم البلدان: " الأندرين: اسم قرية في جنوبي حلب، بينهما مسيرة يوم للراكب، في طرف البرية ليس بعدها عمارة، وهي الآن خراب ليس إلا بقية جُدُر، وإياها عنى عمرو بن كلثوم بقوله: * وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدَرِينَا * وهذا ما لا شك فيه، سألت عنه ذوى المعرفة من أهل حلب فكل وافق
عليه، وقد تكلف جماعة اللغويين لَمَّا لم يعرفوا حقيقة اسم هذه القرية، وألجأتهم الحيرة إلى أن شرحوا هذه اللفظة من هذا بضروب الشروح، فقال صاحب الصحاح: الأندر: اسم قرية بالشام، إذا نسبت إليها تقول: هؤلاء الأندريون، وذكر البيت، ثم قال: لما نسب الخمر إلى هذه القرية اجتمعت ثلاث ياءات فخففها للضرورة كما قال الآخر: (من الوافر) * وَمَا عِلْمِي بِسِحْرِ الْبَابِلِينَا * وقال صاحب كتاب العين: الأندريّ، ويجمع الأندرين (يقال: هم الفتيان يجتمعون من مواضع شتى، وأنشد البيت وقال الأزهري: الأنْدَر قرية بالشأم فيها كروم، وجمعها الأندرين) (1) فكأنه على هذا المعنى أراد الأندريين فخفف ياء النسبة، كما قال الأشعرين في الأشعريين، وهذا حسن منهم، صحيحُ القياس، ما لم يعرف حقيقة اسم هذا الموضع، فأما إذا عرفت فلا افتقار بنا إلى هذا التكلف " انتهى باختصار وتقدم ذكر هذه المعلقة مع ترجمة ناظمها في الشاهد الثامن والثمانين بعد المائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والعشرون بعد المائة: (من الكامل) 129 - لَعِبَ الرِّيَاحُ بِهَا وغَيَّرَهَا * بَعْدِي سَوَافِي الْمُورِ وَالْقَطْرِ على أن تحريك الراء بالكَسْر لأجل حرف الإطلاق وهو الياء (2) ، وليس بشاذ اتفاقاً، مع أن حقه السكون في غير الشعر
والبيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى، وقبله وهو مطلع القصيدة لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الْحَجْرِ * أقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ شَهْرِ وهذا الاستفهام تعجب من شدة خرابها حتى كأنها لا تعرف ولا يعرف سكانها، وقنة الشئ - بضم القاف وتشديد النون -: أعلاه، وحَجْر - بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم -: قصبة اليمامة، وأل فيه زائدة لضرورة الشعر، وقيل: العَلَم إنما هو الْحَجْرِ بأل، وأقوين: أقفرن، يقال: أقوت الدار إذا خلت من سكانها، والحِجَجُ - بكسر الحاء المهملة وَفتح الجيم الأولى -: جمع حِجَّة - بالكسر أيضاً - وهي السنة، وأراد بالشهر الشهور فوضع الواحد موضع الجمع اكتفاء به، والسوافي: جمع سافية اسم فاعل من سفت الريح التراب سفياً، إذا ذرته والمورُ - بضم الميم -: الغبار بالريح، والقطر: المطر قال أبو عبيد: " ليس للقطر سواف، ولكنه أشركه في الجر " أقول: ليس هذا من الجر على الجوار، لأنه لا يكون في النسق، ووجهه أن الرياح السوافي تذري التراب من الأرض وتنزل المطر من السحاب وقد شرحنا هذين البيتين شرحاً وافياً في الشاهد الرابع والسبعين بعد السبعمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الرجز) 130 - لَقَدْ خشيت أن أرى جدبا * في عامنا ذا بَعْدَ مَا أخْصَبَّا إنَّ الدَّبَا فَوْقَ الْمُتُونِ دبا * وهبت الريح بمور هبا تترك ما أبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * كَأَنَّهُ السَّيْلُ إذَا اسْلَحَبَّا أو الْحَرِيقُ وَافَقَ الْقَصَبَّا * وَالتِّبْنَ وَالْحَلْفَاءَ فَالْتَهَبَّا
على أن تحريك المضعف للوقف كثير، وليس ضرورة عند سيبويه تقدم قبله أن هذا النقل خلاف نصه، وهو في هذا تابع لقول المفصل: " وقد يُجْرَى الوصل مجرى الوقف، منه قوله: * مثل الحريف وَافَقَ الْقَصَبَّا * ولا يختص بحال الضرورة، يقولون: ثَلَثَهَرْبعة، وفي التنزيل (لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي) " انتهى وقد رد عليه الأندلسي في شرحه قال: " جمع في هذا الفصل بين ما لا يجوز إلا في الضرورة وبين ما يجوز في غيرها، فقوله " ولا يختص هذا بحال الضرورة " ينبغي أن يكون في آخر الفصل حتى يرجع إلى ثلثهر بعة، و (لَكِنَا هُوَ الله رَبِّي) أو يعني به أن التشديد في الوقف لا يختص بالضرورة، فأما أن يعني به أن تحريك المشدد لأجل الوقف يجوز في غير الضرورة فمما لا يعرف، فإنه من المشهور أن من جملة المعدود في الضرورات تشديد المخفف، وأصله الوقف، ثم للشاعر أن يجري الوصل محرى الوقف، بل غير سيبويه لا يجيز التشديد في المنصوب إلا في الشعر، فكيف لا يختص هذا بالضرورة " انتهى. ونقله ابن المستوفي وسلمه، قال: " إنما أراد الزمخشري بقوله " ولا يختص بالضرورة " ما ذكره من قوله " وقد يجري الوصل مجرى الوقف " ولم يرد أن تحريك المشدد لأجل الوقف جائز، ولهذا علله بثَلَثهَرْبَعَة، و (لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي) ، فلا شبهة في أن هذين الموضعين أُجري فيهما الوصل مُجْرَى الوقف، وهما من كلام فصحاء العرب والوارد في الكتاب العزيز، وأما إسناده البيت لِيُرِيكَ صورة إجراء الوصل مجرى الوقف لا أنه ممن يخفى عليك ذلك " انتهى. وبالغ ابن يعيش في شرحه فعمم، قال: " قد يُجْرى الوصل مجرى الوقف، وبابه الشعر، ولا يكون في حال الاختيار، من ذلك قولهم: السَبْسَبَّا والْكَلْكَلَّ،
وربما جاء ذلك في غير الشعر تشبيهاً بالشعر، ومن ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في العدد: ثلثهر بعة، ومنه (لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي) في قراءة ابن عامر بإثبات الألف " هذا كلامه وهو غير جيد، والأولى التفصيل، وحرره ابن عصفور بقوله في كتاب الضرائر: " ومنها تضعيف الآخر في الوصل إجراء له مجرى الوقف، نحو قول ربيعة بن صُبيح (من الرجز) : * تَتْرُكُ ما أبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * الأبيات فشدد آخر سَبْسَبَّا والْقَصَبَّا وَالْتَهَبَّا في الوصل ضرورة، وكأنه شدّد وهو ينوي الوقف على الباء نفسها، ثم وصل القافية بالألف فاجتمع له ساكنان فحرك الباء وأبقى التضعيف، لأنه لم يَعْتَدّ بالحركة لكونها عارضة، بل أجرى الوصل مجرى الوقف، ومثل ذلك قول الآخر: بَبَازِلٍ وَجْنَاءَ أوْ عَيْهِلِّ * كَأَنَّ مَهْوَاهَا عَلَى الْكَلْكَلْ يريد أو عيهلِ وعلى الكلكلِ، فشدد " انتهى. وقال شارح شواهد أبي علي الفارسي: " جلبه شاهداً على أن الشاعر لم يحدث فيه أكثر من القطع لألف الوصل " (1) وهذه الأبيات الثمانية نسبها الشارح المحقق تبعاً لابن السيرافي وغيره إلى رؤبة، وقد فتشت ديوانه فلم أجدها فيه (2) وقال أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب: " توهم ابن السيرافى أن الاراجيز
كلها لرؤبة، لأجل أن رؤبة كان راجزاً، وهذه عامية، وليست الأبيات لرؤبة، بل هي من شوارد الرجز لا يعرف قائلها، والأبيات التي جاء بها مختل أكثرها، والصواب: إنِّي لَأَرْجُو (1) أنْ أَرَى جَدَبَّا * فِي عَامِكُمْ ذَا بَعْدَ مَا أخْصَبَّا إذَا الدَّبَا فَوْقَ الْمُتُونِ دبا * وهبت الريح بمور هبا تترك ما أَبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * أوْ كَالْحَرِيقِ وَافَقَ الْقَصَبَّا والتَّبْنَ وَالْحَلْفَاءَ فَالْتَهَبَّا * كَأَنَّهُ السَّيْلُ إذَا اسْلَحَبَّا وتمام الأبيات ولا يتم معنى البيت إلا بها: حَتى تَرَى الْبُوَيْزِلَ الأَزَبَّا * والسَّدَسَ الضُّواضِيَ الْمُحِبَّا مِنْ عَدَمِ الْمَرْعَى قَدِ اجْلَعَبَّا " انتهى. قلت: بقي بيت آخر لم يورده، وهو: * تبًّا لأَصْحَابِ الشَّوِيِّ تَبَّا * ونسبها ابن عصفور وابن يَسْعَونَ نقلاً عن الْجَرْمي والسخاوي إلى ربيعة بن صُبيح، وكذا قال شارح أبي علي الفارسي والله أعلم. وأورد الابيات ابن هشام اللخمس في شرح أبيات الجمل كرواية الشارح، وقال: أخبر أنه إنما خاف الْجَدْب لأجل الجراد الذي هبَّ في متون الأرض، فأكل ما مر عليه، ثم هبت الريح فاقتلعت ما أبقى الدبّا ولم تترك شيئاً من المرعى
ولا غيره، فشبهها بالسيل في حمله ما يمر عليه، أو بالنار إذا وافقت القصب والتبن وَالحلفاء، فإنها تحطم جميعها وقوله بعد " ما أخصبا " ما: مُهَيِّئة عند المبرد، ومَصْدَرِيَّة عند سيبويه " انتهى. ورواية أبي محمد الأعرابي دعاء على المخاطبين بخلاف الرواية الأولى فإنها إخبار عما وقع، وأرى بصرية، والجَدْب - بفتح الجيم وسكون الدال -: نقيض الخِصْب والرخاء، ومكان جذب أيضاً وجَدِيب: بين الجدوبة، وأرض جَدبة، وأجدب القوم: أصابهم الجدب، وَأجْدَبْتُ أرض كذا: وجَدْتُهَا جدبة، قال السخاوي في سفر السعادة: " وَجَدَبَّا أصله جدْبَا بإسكان الدال، وإنما حركها لالتقاء الساكنين حين شدد الباء، وإنما حركها بالفتح لأنها أقرب الحركات إليه " وقال في موضع آخر: " وشدد الباء في الشعر في الوصل تشبيهاً بحال الوقف " وقال أبو الفتح: " لا يقال في هذا إنه وقف ولا وصل " وقوله " أخصبا " هو من الخِصب - بالكسر - نقيض الجدب، وأخصبت، ومكان مُخْصب وخَصِيب وأخْصَبَ القوم إذا صاروا إلى الخصب. قال السخاوي و " أما قوله: أخبا (فإنه) يروى بفتح الهمزة وكسرها، فالفتح على أنه أخْصَبَ يُخْصب إخصاباً، وشدَّد الباء، كما قال: القصَبَّا، ومن رواه بالكسر كان مثل احْمَرّ، إلا أنه قطع همزة الوصل " انتهى. وكل منهما ضرورة إلا أن تشديد الباء أخف من قطع همزة الوصل، فإنه لحن في غير الشعر، وقول العيني: " جدبا بتشد الباء هو نقيض الْخِصْب، وقوله: أخصبا بتشديد الباء ماض من الخصب " لا يعرف منه هل الدال مفتوحة أم لا ولا يعرف هل حركة الهمزة من أخصبا مفتوحة أم مكسورة. وقوله " إن الدبا إلخ " يروى بكسر همزة إن وبفتحها، وعلى رواية " إذ الدبا " إذا شرطية وجوابها
تترك، والدّبا - بفتح الدال بعدها موحدة - قال صاحب الصحاح: " هو الجراد قبل أن يطير، الواحدة دَبَاة " والمُتُون: جمع مَتْن، وهو المكان الذي فيه صلابة وارتفاع، ودبّ: تَحَرَّك، من دب على الأرض يدب دبيباً، وكل ماش على الأرض دابة ودبيب، والألف للإطلاق، وتشديد الباء أصلي لا للوقف، وفاعل دب ضمير الدبا، وفيه جناسُ شِبه الاشتقاق، وقوله " بمور " الباء متعلقة بهبَّت، والمور - بضم الميم -: الغبار، والسَّبْسَبُ - كجعفر -: القفر، والمفازة، وتشديد الباء للضرورة، وهو المفعول الثاني لتترك، و " ما " هو المفعول الأول إن كان ترك بمعنى جعل وصير، وإن كان بمعنى خلَّى المتعدي إلى مفعول واحد وهو " ما " الواقعة على النبات، فسبسبٌ حال من " ما " وفاعل تترك ضمير الريح، والمرادُ كَسَبْسَبٍ، على التشبيه، وأراد تترك الريح المكان الذي أبقى فيه الدبا شيئاً من النبات أجرد لا شئ فيه، لأنها جَفَّفَتْ النبت وحملته من مكان إلى مكان، ورواه بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: * تَتْرُكُ مَا انْتَحَى الدِّبَا سَبْسَبَّا * وقال: المراد انتحاه: أي قصده، فحذف الراجع إلى الموصول، وقوله " كأنه " أي كأن الدبا، واسْلَحَبَّ اسلحباباً بالسين والحاء المهملتين: أي امتد امتداداً، هذا على الرواية المشهورة، وأما على رواية أبي محمد الأعرابي فهو متأخر عن البيتين بعده، ويكون ضمير " كأنه " للحريق: أي كأن صوت التهاب النار في القصب والحلفاء والتبن صوت السيل وجريه، ويكون على روايته قوله " أو كالحريق " معطوفاً على قوله " سَبْسَبَّا "، فيكون الجار والمجرور في محل نصب، وروى السخاوي الأبيات بالرواية المشهورة، وقال: " وأنشده أبو علي " مِثْل الحريق " بدل قوله " أو كالحريق " فيكون منصوباً على الحال من الضمير في اسلحبا: أي اسلحب مثل الحريق، أو على أنه نعت لمصدر محذوف:
أي اسلحبابا مثل اسلحباب الحريق: أي امتد الدبا وانتشر امتداد النار في القصب والتبن والحلفاء " وقال العيني: قوله " مثل الحريق " هكذا هو في رواية سيبويه، وفي رواية أبي على " أو كالحريق ". أقول: ليس هذا البيت من شواهد سيبويه البتة، وإنما أورد سيبويه البيتين الأولين فقط، والنقل عن أبي علي معكوس، وتشديد الباء من القصبّا والتهبّا ضرورة، والتبن بكسر المثناة وتسكين الموحدة، والحلفاء: نبت في الماء، قال أبو زيد: واحدتها حَلَفة، مثل قصبة وطرفة، وقال الأصمعي حَلِفَة بكسر اللام، وقوله " حتى ترى البويزل إلخ " هو مصغر البازل من بزل البعير بزولاً من باب قعد، إذا فطرَ نابه بدخوله في السنة التاسعة، فهو بازل، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والأزَبّ - بالزاي المعجمة -: وصف من الزبب، وهو طول الشعر وكثرته، وبعير أزَبّ، ولا يكاد يكون الأزب إلاَّ نفوراً، لأنه ينبت على حاجبيه شعيرات، فإذا ضربته الريح نفر، وقال السخاوي: الإرْزَبُّ - بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة بعدها زاى - قال الارزب الضخم الشديد، وقوله " والسَّدَسَ الضُّوَاضِيّ إلخ " السَّدسَ - بفتحتين -: السن التي قبل البازل يستوي فيه المذكر والمؤنث، لأن الإناث في الأسنان كلها بالهاء إلا السَّدَس والسديس والبازل، قال صاحب الصحاح، والضُوَاضِي: بضادين معجمتين الأولى مضمومة، وهو الجمل الضخم، كذا في القاموس، والمحب - بفتح الحاء -: المحبوب، واجلعب: بالجيم، في الصحاح: " واجلعب الرجل اجْلِعْبَاباً، إذا اضطجع وامتد وانتصب، واجلعبَّ في السير إذا مضى وجدَّ " انتهى، ورواه السخاوي قد اقْرَعَبَّا: بالقاف والراء والعين المهملتين، وقال: " اقرعب: اجتمع وتقبَّض من الضر، أي الهزل " انتهى: وليست هذه المادة في الصحاح، والجملة حال من البُوَيْزِل والسدُس، والألف للتثنية، وَترى بصرية، الشّوِيّ بفتح الشين
المعجمة وكسر الواو، قال السخاوي: هو الشاء (1) وقال العيني: " تَبًّا: أيْ خسراناً وهلاكاً لأصحاب الشاء، لانها أقل احتمالا للشدة " انتهى. وفي الصحاح: والشاة من الغنم: تذكر وتؤنث، وأصلها شاهة، وجمعها في القلة شِيَاه بالهاء، وفي الكثرة شاء، وجمع الشاء شَويّ. وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) 131 - عَجِبْتُ وَالدَّهْرُ كَثِيرٌ عَجَبُهْ * من عنزي سبني لم أضربه على أن ضمة الباء منقولة من الهاء إليها للوقف قال سيبويه: " هذا باب الساكن الذي تحركه في الوقف إذا كان بعده هاء المذكر الذي هو علامة الإضمار ليكون أبين لها كما أردت ذلك في الهمزة، وذلك قولك ضَرَبْتُهْ واضْرِبْهْ، وقَدُهْ وَمِنُهْ وَعَنُهْ، سمعنا ذلك من العرب، ألقوا عليه حركة الهاء حيث حركوا لتبيانها، قال زياد الأعجم: عَجِبْتُ وَالدَّهْرُ كَثِيرٌ عَجَبُهْ * من عنزي سبني لَمْ أضْرِبُهْ وقال أبو النجم: (من الرجز) * فقربن هذا وهذا أزحله " اه * قال الأعلم: " الشاهد فيه نقل حركة الهاء إلى الباء في الأول، وإلى اللام في الثاني ليكون أبين في الوقف، لأن مجيئها ساكنة بعد ساكن أخفى لها، وعَنَزَةُ: قبيلة من ربيعة بن نزار، وهم عَنَزَة بن أسد بن ربيعة، وزياد الأعجم من عبد القيس، وسمي الأعجم للكنة كانت فيه، ومعنى أزْحِلُه أبعده " انتهى
وهو بالزاي المعجمة والحاء المهملة، يقال: زَحَلَ عن مكانه زحولاً: أي تنحى وتباعد وزحَّلْتُهُ تَزْحيلاً: بَعَّدْتُهُ، و " من عَنَزِيّ " متعلق بعجبت، وما بينهما اعتراض. وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الرجز) 132 - بالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرًّافَا * وَلاَ أُرِيدُ الشر إلا أن تا على أنه يوقف على حرف واحد فيوصل بألف كما هنا، والتقدير وإن شرا فشر، ولا أريد الشر إلا أن تشاء. ولم يورد سيبويه هذا البيت في باب من أبواب الوقف، وإنما أورده في باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد من أبواب التسمية، وهذا نصه: (1) " قال الخليل يوماً وسأل أصحابه: كيف تقولون إذا أردتم أن تلفضوا بالكاف التي في لكَ، والكاف التي في مَالِكَ، والباء التي في ضَرَبَ؟ فقيل له: تقول: باء، كاف، فقال: إنما جئتم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف، وقال: أقول: كَهْ، وبَه، فقلنا: لِمَ ألحقت الهاء؟ فقال: رأيتهم قالوا عِهْ فألحقوا هاء (حتى صيروها يستطاع الكلام بها) ، لأنه لا يلفظ بحرف، فإن وصلت قلت " ك وب فاعلم يا فتى "، كما تقول " ع يا فتى " فهذه طريقة كل حرف كان متحركاً، وقد يجوز أن تكون الألف هنا بمنزلة الهاء، لقربها منها وشَبَهِها بها، فتقول: " با " و " كا " كما تقول: " أنا " وسمعت من العرب من يقول: " ألا تاء، بلى فا " فإنما أرادوا ألاَ تفعل وبَلَى فافعل، ولكنه قطع كما كان قاطعاً بالألف في " أنا "،
وشركت الألف الهاء كشركتها في قوله " أنا "، بينوها بالألف كبيانهم بالهاء في هِية وهُنَّة وبَغْلَتيَة، قال الراجز: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرّاً فا * وَلاَ أُرِيدُ الشَّرَّ إلاَّ أنْ تَأ يريد إن شرا فشر، ولا أريد الشر إلا أن تشاء " انتهى كلامه. قال الأعلم: " الشاهد في لفظه بالفاء " من قوله " فشرٌّ " والتاء من قوله " تشاء " ولما لفظ بهما وفصلهما مما بعدهما ألحقهما الألف للسكت عوضا من الهاء التى يوقف عليها، كما قالوا " أنا " و " حيِّهلا " في الوقف، والمعنى أجزيك بالخير خيراتٍ، وإن كان منك شر كان مني مثله، ولا أريد الشر إلا أن تشاء، فحذف لعلم السامع " انتهى. وكذا أورده المبرد في الكامل قال: " حدثني أصحابنا عن الأصمعي، وذكره سيبويه في كتابه، ولم يذكر قائله، ولكن الأصمعي قال: كان أخوان متجاوران لا يكلم واحد منهما صاحبه سائر سنته حتى يأتي وقت الرَّعي فيقول أحدهما للاخر " ألا تا " فيقول الاخر " بلى فا " يريد ألا تنهض فيقول الآخر: بلى فانهض، وحكس سيبويه في كتابه * بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرّاً فَا * إلخ يريد إن شرا فشر ولا أريد الشر إلا أن تريد " انتهى. وهذا على رواية الألف الواحدة، وأما الرواية بألف بعد همزة في البيت فقد قال ابن جني في سر الصناعة: " أنشدنا أبو علي: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شرا فأا * ولا أريد الشر إلاَّ أنْ تأا والقول في ذلك أنه يريد " فا " و " تا " ثم زاد على الألف ألفاً أخرى توكيداً كما تشبع الفتحة، فتصير ألفاً كما تقدم، فلما التقت ألفان حَرَّكَ الأولى فانقلبت همزة، وقد أنشدنا أيضاً " فا " و " تا " بألف واحدة " انتهى.
وفيه أمور: أحدها: ظاهر كلام هؤلاء جوازه، وبه صرح الشارح المحقق تبعاً لجماعة منهم الفراء، قال في تفسير سورة (ق) : " ويقال: إن (ق) جبل محيط بالأرض، فإن يكن كذلك فكأنه في موضع رفع: أي هو قاف، والله أعلم، وكان لرفعه أن يظهر لأنه اسم وليس بهجاء، فلعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كما قال الشاعر: (من السريع) * قُلْنَا لَهَا قِفِي فقالت فاف * ذكرت القاف وأرادت القاف من الوقف: أي إني واقفة " انتهى. ومنهم أبو إسحق الزجاج رحمه الله، قال في أول سورة البقرة: " وأختار من هذه الأقوال التي حكينا في (ألم) بعضَ ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدل على الكلمة التي هو منها، قال الشاعر: قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ * لاَ تَحْسَبِي أنَا نَسِيناً الإيْجَافْ فنطق بقاف فقط يريد قالت: أقف، وقال الشاعر أيضا: (من السريع) نا دوهم أنْ ألْجِمُوا ألاَ تَا * قَالُوا جَمِيعاً كُلُّهُمْ ألافا تفسيره نادوهم أن ألجموا، ألا تركبون؟ قالوا جميعاً ألا فاركبوا، فإنما نطق بتا وفا كما نطق الاول بقاف، وأنشد بعض أهل اللغة للُقَيْمِ بن أوس: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرًّافَا * وَلاَ أُرِيدُ الشَّرَّ إلاَّ أنْ تَا أنشده جميع البصريين هكذا " انتهى. وتبعه الإمام البيضاوي فقال: " ويجوز أن تكون إشارة إلى كلمات هي منها، اقتَصَرَتْ عليها اقتصار الشاعر في قوله: * قُلْتُ لَهَا قِفِي، فَقَالَتْ: قَافْ * كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الألف آلاء الله، واللام لطفه، والميم ملكه، وعنه أنه " ألر " و " حم " و " ن " مجموعها
الرحمن، وعنه أن " ألم " معناه أنا الله أعلم، ونحو ذلك في سائر الفواتح، وعنه أن الألف من الله، واللام من جبريل والميم من محمد: أي القرآن منزل من الله عزّ وجلّ بلسان جبريل على محمد صلى الله تعالى عليهما وسلم " انتهى. ومنهم ابن جني قاله في باب (شجاعة العربية) (1) من الخصائص، وقال أيضاً في المحتَسب عند توجيه قراءة (يَا حَسْرَهْ عَلَى الْعِبَاد) من سورة يس: " قرأ جماعة (يَا حَسْرَهْ) بالهاء ساكنة، وفيه نظر، لأن قوله (عَلَى الْعِبَاد) متعلقة بها أو صفة لها، وكلاهما لا يحسن الوقوف عليها دونه، ووجهه عندي أن العرب إذا أخبرت عن الشئ غير معتمد ولا معتزمةٍ عليه أسرعت فيه، ولم تتأن على اللفظ المعبر به عنه، وذلك كقوله: * قُلْنَا لها قفى، فقالت: قاف * معناه وقفت، فاقتصر من جملة الكلمة على حرف منها تهاونا بالحال وتثاقلا عن الاجابة واعتماد المقال ... إلى آخر ما ذكره ". وذهب جماعة إلى أن هذا ضرورة لا يجوز في فصيح الكلام، قال المبرد بعد ما نقلناه عنه: " وهذا ما تستعمله الحكماء، فانه يقال: إن اللسان إذا كثرت حركته رقت عذبته (2) ... إلى آخر ما ذكره " ومنهم أبو الحسن الاخفش، قال فيما كتبه على نوادر أبي زيد: " وهذا الحذف كالايماء والاشارة، يقع من بعض العرب لفهم بعض عن بعض ما يريد، وليس هذا هو البيان، لان البيان ما لم يكن محذوفا وكان مستوفى شائعا، حدثنا أبو العباس المبرد قال: حدثنا أصحابنا عن الاصمعي قال: كان أخوان من العرب يجتمعان في موضع لا يكلم أحدهما الاخر إلا في وقت النجعة (3) ، فإنه يقول
لاخيه " ألا تا " فيقول الاخر " بلى فا " يريد ألا ترحل وألا تنتجع؟ فيقول الاخر: بلى فارحل، بلى فانتجع، وأما ما رواه أبو زيد * إلا أن تأا * فإن هذا من أقبح الضرورات، وذلك أنه لما اضطر حرك ألف الاطلاق، فخرجت عن حروف المد واللين فصارت همزة " انتهى. ومنهم المرزبانى، قال في كتاب الموشح: " زعم أبو عبيدة أن حكيم بن معية التميمي قال: (من الرجز) قد وعدتني أم عمرو أن تا * تدهن رأسي (1) وتفليني وا * وَتَمْسَحَ الْقَنْفَاءَ حتى تَنْتا (2) * وقال آخر: * بالخير خيرات وإن شرافا * إلخ يريد فشر، أو يريد إلا أن تريد، قال: فسألت عن ذلك الأصمعي، فقال: هذا لى بصحيح في كلامهم، وإنما يتكلمون به أحياناً، قال: وكان رجلان من العرب أخوان ربما مكثا عامة يومهما لا يتكلمان، قال: ثم يقول أحدهما " ألاتا " يريد ألا تفعل، فيقول صاحبه " بلى فا " يريد فافعل، وليس هذا بكلام مستعمل في كلامهم " انتهى. ومنهم ابن عصفور، قال في كتاب الضرائر: " ومنه قول الآخر: نَادُوهُمْ أنْ ألْجِمُوا ألاَتَا * قَالُوا جَمِيعاً كُلُّهُمْ ألاَفا يريد قالوا: ألا تركبون، ألاَ فاركبوا، فحذف الجملة التى هي اركبوا،
واكتفى بحرف العطف وهو الفاء، ولولا الضرورة لم يجز ذلك، وكذلك أيضاً اكتفاؤه بالتاء من " تركبون "، وحذف سائر الجملة إنما ساغ للضرورة، ومثل ذلك قول الآخر: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرّاً فأا * ولا أريد الشر دلا أنْ تَأا أراد فأصابك الشر، فاكتفى بالفاء والهمزة وحذف ما بعدهما وأطلق الهمزة بالألف، وأراد بقوله " إلا أنْ تأا " إلا أن تأبى الخير، فاكتفى بالتاء والهمزة وحذف ما بعدهما وحرك الهمزة بالفتح وأطلقها بالالف، ونحو من ذلك قول الآخر: * قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ * يريد قد وقفتُ، فاكتفت بالقاف، ومثل ذلك أيضاً - إلا أن الدليل على المحذوف متأخر عنه - قوله: قَدْ وَعَدَتْنِي أُمُّ عمرو أن تا * تدهن رأسي وتلفيني وَا * وَتَمْسَحَ الْقَنْفَاءَ حَتَّى تَنْتَا * ألا ترى أنه حذف ما بعد التاء والواو من غير أن يتقدم له دليل على ذلك المحذوف، ثم أعادها مع ما كان قد حذفه ليبين المعنى الذي أراده قبل " انتهى. والرجز الذي أنشده ابن عصفور مختصر، رواه بتمامه أبو علي بن المستنير المعروف بقطرب في كتاب الرد على أهل الإلحاد في آي القرآن، قال: " قال غيلان: نَادَوْهُمُ أنْ ألْجِمُوا ألاتَا * ثُمَّ تَنَادُوا بَعْدَ تِلْكَ الضَّوْضَا * مِنْهُمْ بِهَابٍ وَهَلٍ وَبَابَا * وأنشد قطرب قبله: (من الرجز) مَا للظليم عال (1) كيف لا يا * يَنْقَدُّ عَنْهُ جِلْدَه إذَا يَا
* أهْبَى (1) الترابُ فَوْقَهُ إهْبَايَا * قال يا ثم ابتدأ كلامه " انتهى. الأمر الثاني (2) أن الرجز الذي أنشده الشارح وسيبويه إنما هو " فأا " و" تأا " بهمزة بعدها ألف، كما أنشده أبو زيد في نوادره، قال فيها: " قال لُقَيْم ابن أوس من بني أبي ربيعة بن مالك: إنْ شِئْتِ أشْرَفْنَا كِلاَنَا فَدَعَا * الله جَهْداً (3) رَبَّهُ فَأَسْمَعَا بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شرا فأا * ولا أريد الشرَّ إلاَّ أنْ تَأا أجاب بها امرأته إذ تقول له: قَطَّعَكَ الله الكَرِيمُ (4) قِطَعاً * فَوْقَ الثُّمَامِ قِصَداً مُرَصَّعا (5) تَاللهِ مَا عَدَّيْتَ إلاَّ رُبَعاً * جَمَّعْتُ فيهِ مَهْرَ بِنْتِي أجْمَعَا وقوله " إن شرا فأا " أراد فالشر، فأقام الألف مقام القافية، وقوله " إلا أن تأا " إلا أن تشائي ذلك، وقولها: " ما عديتَ إلا رُبعاً " ما سقت وصرفت إلينا إلا ربعاً من مهر ابنتي " انتهى كلام أبي زيد، وكذا أسنده ابن عصفور في
كتاب الضرائر، وأبو حيان في الارتشاف، قال فيه: " وقد يوقف على حرف واحد كحرف المضارعة يليه ألف نحو قوله: جَارِيَةٌ قَدْ وعَدَتْنِي أنْ تَا * تَدْهَنَ رَأْسِي وَتُفَلِّينِي وَا * وَتَمْسَحَ القَنْفَاءَ حَتَّى تَنْتَا * أو يؤتى بهمزة بعد لحرف بعدها ألف، نحو قوله: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شرا فأا * ولا أريد الشر إلا أن تَأا يريد فشرّاً وإلا أن تشاء " انتهى. فلا يستقيم على هذا إلا أن يهمز فأا وتأا لتكون الهمزة بإزاء العين في " دَعَا " و " أسْمَعَا " قال السيرافي: " وكذا أنشد هذا الشعر، وأراد فأفعل، فحذف وأطلق الهمزة بالألف لأنها مفتوحة، وقال أبو زيد أراد فالشرَّ إن أردْتَ إلخ، والذي ذكرته (1) آثر في نفسي، لأن فيه همزة مفتوحة، والذي ذكره أبو زيد ليس فيه همزة إلا أن تقطع ألف الوصل من الشر، وفيه قبح، وقول أبي زيد في " إلاَّ أنْ تأا " إنه أراد تشائي: يعني أنه حذف الشين والألف واكتفى بالتاء والهمزة وأطلقها للقافية، والهمزة مكسورة من تشَائِي لأن الخطاب لمؤنث، والهمزة من تأا مفتوحة، وأحب إليّ من قول (1) ما قاله إلا أن تأبَى الخير " انتهى. وتقدير ابن عصفور فأصابك الشر مثل تقدير فأفعل، وعلى هذا التدقيق يضمحل قولهم: قد يوقف على حرف فيوصل بهمزة تليها ألف، وأصل الهمزة ألف قلبت همزة، لأنه يكون إنما وقعت على حرفين من الكلمة مع ألف الإطلاق، وفي جعل الهمزة كالعين في " دَعَا " و " أسْمَعَا " عيب من عيوب القافية، وهو الإكفاء، (2) وسهله قرب مخرج العين والهمزة، وتقدير المبرد في الكامل وتبعه بعضهم
خطأ، لأن الأصل في هذا الباب إذا لفظ بالحرف أن يترك على حركته ويزاد عليه في الوقف هاء السكت أو ألف الوصل، كما أجاز سيبويه أن يوقف بالألف في المفتوحة عوضاً من الهاء، والتاء من " تريد " مضمومة فكان يلزم إبقاء ضمتها، ولا يصح ذلك في الشعر، إلا أن تقول: إنه فتحها من أجل ألف الإطلاق بعدها، فيحتاج إلى تعليل آخر. الأمر الثالث أن هذا الشعر خطاب لامرأة، فيجب أن يكون المقدَّر مؤنثاً كما قدره أبو زيد، وتقديره مذكراً غفلة عن سياق الشعر وأصله. وقوله " إن شِئْتِ أشرفنا إلخ " بكسر التاء من شئت خطاب لامرأته، وأشرفنا: أي عَلَوْنا شَرَفاً - بفتحتين - وهو المكان العالي، وكلانا: تأكيد ل " نَا " وكلا: مفرد اللفظ مثنى المعنى، ويجوز مراعاة كل منهما، ولهذا أعاد الضمير من دَعَا إليها مفرداً: أي دعا كل منا، ولو أعاد الضمير باعتبار معناه لقال دَعَوَا وقطع همزة الوصل لضرورة الشعر، ورَبَّهُ: بدل منه، وجَهْداً: منصوب مفعول مطلق بتقدير مضاف: أي دعاء جهد، أو حال بتقدير جاهداً، والجهد - بالفتح -: الوُسْع والطاقة، و " أسْمَعَا " من أسْمَعت زيداً: أي أبلغته، فهو سميع، والدعاء يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه، وإلى ثان بحرف جر، يقال: دعوت الله أن يفعل كذا: أي يفعل كذا، ودعوت الله: أي ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده، والتقدير هنا أن يجْزِي أحدَنا بمقابلة الخير خيراتٍ، وإن كان فعله شرّاً فأصابه بشر، ولا أريد لكِ الشر إلا أن تأبى الخير ومن هنا تعرف أن تقدير ابن عصفور هو الجيد، لا تقدير السيرافي، وأن شرح الأعلم من قبيل الرجم بالظنون وقوله " قطَّعك الله الكريم قِطَعاً ". هو دعاء عليه، والقِطَع: جمع قِطْعَة، والثمام - بالثاء المثلثة -: نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص، والْقِصَد: جمع قصدة، وهى القطعة من الشئ إذا انكسر، كَكِسَر جمع كِسْرَة،
وَالْمُرَصعُ - بفتح الصاد المهملة المشددة -: الْمُلْقَى وَالْمُطَّرح، والرُّبَع - بضم وفتح الموحدة - هو الفصيل يُنتج في الربيع في أول النتاج والأنثى رُبَعَة ولقيم بن أوس: شاعر إسلامي وأما الشعر الآخر * قُلْتُ لَهَا قِفِي: فقالت قَافْ * فهو أول رجز لِلْوَلِيد بن عقبة بن أبي معيط، أورد بقيته أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني في ترجمته، قال: " لما شُهد على الوليد بن عقبة عند عثمان ابن عفان - رضي الله عنه ربه الملك المنَّان - بِشُرْبِ الخمر وكتب إليه يأمره بالشخوص فخرج وخرج معه قوم فيهم عدي بن حاتم رضي الله عنه، فنزل الوليد يوماً يَسُوق بهم، فقال يرتجز: قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ * لاَ تَحْسَبِينَا قَدْ نَسِينَا الإيجَافْ وَالنَّشَوَاتِ مِنْ مُعْتَّقٍ صَافْ (1) * وَعَزْفَ قَيْنَاتٍ عَلَيْنَا عُزَافْ فقال له عدي: إلى أين تذهب بنا؟ أقم وقد تخيل في العصام كعادته في حاشيته القاضي شيئاً حتى أخرجه عن موضع الاستشهاد، قال: " ويمكن أن يكون أمْراً من قَافَاهُ بمعنى قَفَاه: أي تبعه فإن فَاعَلَ يجئ بمعنى فَعَلَ، نحو سافر، ويناسب كل المناسبة بما قبله وبما بعده، فيقول: قلت لها قِفِي حتى تستريحي من نَصَب السفر والسير، فقالت قاف: أي قافِني واتبعني ولا تصاحبني في السير، فإنكم قد فَتَرْتَ وحصل لك الكَلاَل، فقلت: لا تحسبينا ... الخ، بل كان المقصود استراحتك " هذا كلامه. وفيه أن فَاعَلَ بمعنى فَعَلَ سماعي، كما نصوا عليه في علم الصرف،
والإيجاف: متعدي وَجَف الفرسُ والبعير وَجيفاً، إذا عدا، وأوجفته، إذا أعْدَيته، وهو العنف في السير، وقولهم " ما حصل بإيجاف " أي: بإعمال الخيل والرِّكاب في تحصيله بالسير، ورجل نَشْوَان مثل سَكْرَان، و " من مُعَتَّق " أي: من خمر مُعَتَّق، والْعَزْف - بالعين المهملة والزاي المعجمة -: مصدر من عَزَف عَزْفاً من باب ضرب، وإذا لعب بالمَعَازف، وهي آلات يضرب بها، الواحد عَزْف كفَلْس على غير قياس، والمعزف - بكسر الميم -: نوع من الطنابير (1) يتخذه أهل اليمن، وقيل: إنه العود، وقال الجوهري: المعازف الملاهي، والْقَيْنَة - بفتح القاف -: الأمَة البيضاء، مغنيةً كانت أو غيرها وقيل: تختص بالمغنية، وعُزَّاف - بالضم -: جمع عازفة، وروي أيضاً: * وَعَزْفَ قَيْنَاتٍ لَنَا بِمِعْزَافْ * وأصله مِعْزَفٌ، فتولدت الألف من إشباع الفتحة. والوليد بن عقبة: هو أخو عثمان بن عفان رضي الله عنه لأمِّه، وكان فاسقاً، وولي لعثمان رضي الله عنه الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، فشرب الخمر، وشُهد عليه بذلك، فَحَدَّه وعزله. وأما الشعر الثالث، وهو: * قَد وعدتني أم عمرو وأن تَا * إلخ فقد رواه ابن الأعرابي في نوادره كذا: * جَارِيَةٌ قَد وَعَدَتْنِي أنْ تَا * إلخ والْقَنْفَاء: بفتح القاف وسكون النون بعدها فاء، قال الليث: الأذن القنفاء أذن المعزى إذا كانت غليضة كأنها نعل مخصوفة، ومن الإنسان إذا كانت لا أُطرَ لها، والكمرة القنفاء: أي رأس الذكر.
وكان لهمام بن مرة ثلاث بنات آلى أن لا يزوجهن أبداً، فلما طالت بهن العزوبة قالت إحداهن بيتاً وأسمعته كأنها لا تعلم أنه يسمع ذلك، فقالت: أهَمَّامُ بْنَ مُرَّةَ إنَّ هَمِّي * لَفِي اللاَّئِي يَكُونُ مَعَ الرِّجَالِ فأعطاها سَيْفاً، وقال: السيف يكون مع الرجال، فقالت لها التي تليها: ما صنعت شيئا! ولكني أقول: أهمام بن مُرَّةَ إنَّ هَمِّي * لَفِي قَنْفَاءَ مُشْرِفَةِ الْقَذَالِ فقال: وما قَنْفاء؟ تريدين مِعْزًى؟ فقالت الصغرى: ما صنعت شيئا! ولكني أقول: أهمام بْنَ مُرَّةَ إنَّ هَمِّي * لَفِي عود أسَد بِهِ مَبَالِي فقال: أخزاكن الله! ! وزوجهن. وأنشد غير الليث: وَأُمَّ مَثوَايَ تُدَرِّي لِمَّتِي * وَتَغْمِزُ الَقْنفَاءَ ذَاتَ الْفَرْوَةِ و " تَنْتَا " مضارع نتا نُتُوًّا، وفي المثل " تُحًقِّرُهُ ويَنْتا " أي: يرتفع، وكل شئ يرتفع فهو ناتٍ، وهو مهموز، وقد سَهَّل الشاعر همزة هنا ألفا، يريد ثمن ذكره فينعط. وهذا الشعر لحُكَيم بن مُعَيَّة التميمي، كما قال المرزُباني، وحكيم بالتصغير، ومُعَية: تصغير معاوية، وهو راجز إسلامي قد ترجمناه في الشاهد الرابع والأربعين بعد الثلاثمائة، من شواهد شرح الكافية. وأما الشعر الرابع، وهو * نَادَوْهُمُ ألاَ ألْجِمُوا ألاَتَا * إلخ فقد رواه أبو علي القالي في كتاب المقصور والممدود، كذا: " قال الراجز: ثُمَّ تَنَادَوْا بَعْدَ تِلْكَ الضَّوْضَا * منهم بهاب وبهل ويايا نَادَاهُمْ ألاَ ألْجِمُوا ألاَتَا * قَالُوا جَمِيعاً كُلُّهُم ألاَفَا
والضوضا يمد ويقصر، قال الفراء: الضوضاء ممدود جمع ضوضاة " انتهى وفي الصحاح الضَّوْضَاة أصوات الناس. وجلبتهم، يقال: ضَوْضَوَ بلا همز وضَوْضَيْت " انتهى، ولم يذكر لا ممدوداً ولا مقصوراً وهاب: زجر للإبل، وَهَل: بمعنى هَلاً، وهي كلمة استعجال وحث، ويايا هي يا حرف الندا كررت للتأكيد وهذا الرجز لم أقف على قائله، والله أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائة: (من الرجز) 133 - لمَّا رَأَى أن لا دعه ولا شبع * مال إلى أرطاة حقف فالطجع على أن تاء التأنيث في دعه هاء في الوصل، لأنه أجراه مجرى الوقف لضرورة الشعر، وظاهر كلام الفراء أنه غير ضرورة، قال في تفسير قوله تعالى (أرجه وأخاه) " جاء في التفسير احبسهما عندك ولا تقتلهما، والإرجاء: تأخير الامر، وقد جزم الهاء حمزة والأعمش، وهي لغة للعرب، يقفون على الهاء المكني عنها في الوصل إذا تحرك ما قبلها، أنشدني بعضهم: (من الرجز) أنْحَى عَلَيَّ الدَّهْرُ رِجْلاً وَيَدَا (1) * يُقْسِمُ لاَ يُصْلِحُ إلا أفْسَدَا فَيُصْلِحُ الْيَوْمَ وَيُفْسِدُهْ غدا
وكذلكك يفعلون بهاء التأنيث، فيقولون: هذه طَلْحَهْ قد أقبلت بالجزم، أنشدني بعضهم: * لَمَّا رَأَى أنْ لاَدَعَهْ وَلاَ شَبِعْ * انتهى وقد أورده الزمخشري في المفصل على أن اللام أبدلت من الضاد في " فالطجع " وأصله فاضطجع، وكذلك أورده المراديّ وابن هشام في شرح الألفية، قال ابن جني في سر الصناعة: " وأما قول الراجز: فالطجع فأبدل الضاد لاماً وهو شاذ، وقد روي فاضْطَجَعَ، وروي أيضاً فاطجَّع، وَيروى أيضاً فاضَّجَع " انتهى. وهذا البيت قبله يَا رُبَّ أبَّازٍ مِنَ الْعَفرِ صَدَعْ * تَقَّبَّضَ الذِّئْبُ إلَيْهِ وَاجْتَمَعْ وقد أنشدهما ابن السكيت في باب فَعَل وفعَّل من إصلاح المنطق، و " يا " حرف التنبيه، ورب لإنشاء التكثير، وأباز - بتشديد الموحدة وآخره زاي معجمة - قال صاحب الصحاح: أبز الظبى يأبز (من باب ضرب) : (1) أي قفز في عدوه فهو أباز، وأنشد هذا البيت، وصحفه بعض أفاضل العجم بالإبَّان، فقال في شرح أبيات المفصل: " يا رُبَّ المنادى محذوف يريد يا قوم، والإبَّان: الوقت، والعُفر: جمع أعفر، وهو الأبيض الذي ليس بشديد البياض، وشاة عفراء يعلو بياضها حمرة، والصَّدَع: الوَعِل، تقبض إليه: تزوى إليه وانضم، " صَدَعٌ " مبتدأ ومن العفر بيان له، وبهذا صح وقوعه مبتدأ، وتقبض خبره، والجملة صفة إبان والعائد محذوف: أي تقبض فيه " هذا كلامه وهو خبط عشواء، فإن قوله من العُفْرِ صفة لمجرور رُب، وصَدَعٌ صفة ثانية، وتقبض جواب رُب، قال صاحب الصحاح تبعاً لابن السكيت: " ورجل
صَدعٌ بالتسكين، وقد يحرك، وهو الخفيف اللحم، وأما الوعِلُ فلا يقال فيه إلا بالتحريك، وهو الوسط منها، ليس بالعظيم ولا بالصغير، ولكنه وعِل بين وَعِلين، وكذلك هو من الظباء والْحُمُرِ، قال الراجز * يَا رُبَّ أبَّازٍ مِنَ الْوَعْلِ صَدَعْ * " انتهى وتقبض: جمع قوائمه ليثب على الظبي، وقوله " لما رأى إلخ " رأى هنا عِلْمية: وفاعله ضمير الذئب وأن مخففة من الثقيلة: واسمها ضمير الشأن، ولا نافية للجنس، وخبرها محذوف: أي له، والجملة خبر أن المخففة، وَالدّعَة: الراحة والسكون، قال الجوهري: " والدعة: الخفض، والهاء عوض من الواو، تقول منه: وَدُع الرجل - بالضم - فهو وديع: أي ساكن، وَوَادِع أيضاً " وَالشَّبع - بكسر الشين وفتح الموحدة - نقى الجوع، وأما الشِّبع - مع تسكين الموحدة - فهو ما أشبعك من شئ ". قال صاحب الصحاح: " الأرطي: شجر من شجر الرمل والواحدة أرطأة، قال الراجز: مَالَ إلَى أرْطَأَةِ حِقْفٍ فَاضْطَجَعْ " انتهى والحقف - بكسر الحاء وسكون القاف -: التل المعوج من الرمل، واضطجع: وضع جنبه بالأرض، يقول: لما رأى الذئب أنه لا يشبع من الظبي ولا يدركه وقد تعب في طلبه إلى الأرطأة فاضطجع عندها، ونسب ياقوت هذه الأبيات الأربعة فيما كتبه على هامش الصحاح إلى منظور بن حبة الأسدي، وكذلك نسبها العيني، ولم يتعرض لها ابن بري ولا الصفدي في المواضع الثلاثة من الصحاح. المقصور أنشد فيه وهو الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائة: (من البسيط)
134 - في ليلة من جمادى ذات أندية * لا يبصر الكلب في ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا على أنه شذ (جمع) (1) ندًى على أندية كما في البيت، قال ابن جني في إعراب الحماسة: " اختلف في أندية هذه، فقال أبو الحسن: كسرندى على نِداء كجبل وجبال، ثم كسِر نِدَاء على أندية كرداء وأردية، وقال محمد بن يزيد هو جمع نَدِيّ كقول سَلاَمَة بن جندل: (من البسيط) يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ * وَيَوْمُ سَيرٍ إلى الاعداء تأويب وذهب غيرهما إلى أنه كسر فَعَلاً على أفْعُلَ كزمن وأزمن، وجَبَلٍ وأجْبُلٍ فصار أنْدٍ كأيْدٍ، ثم أنِّثَ أفْعُلَ هذه بالتاء، فصارت أندية كما أنث فِحَالَةٌ، وذكورةٌ، وبُعُولَةٌ، وأندية على هذا أفْعُلة - بالضم - لا أفعِلة - بالكسر - وذهب آخرون إلى أنه كسر فَعَلا على أفْعِلة: وركب به مذهب الشذوذ، وهذا وإن كان شاذاً فإن له عندي وجهاً من القياس صالحاً، ونظيراً من السماع مؤنساً: أما السماع فقولهم في تكسير قفا ورحى: أقفية وأرحية، حكاهما الفراء وابن السكيت فيما علمت الآن، وأما وجه قياس الجمع فهو أن العرب قد تُجري الفتحة مجرى الألف، ألا تراهم لم يقولوا الإضافة إلى جَمَزَى وبَشَكَى (إلاَّ جَمَزِيّ، وَبَشَكِيّ) (2) كما لا يقولون في حُبَارى، إلا حباريّ، ومشابهة الحركة للحرف أكثر ما يذهب إليه، فكأن فَعَلاً على هذا فَعَالٌ، وفَعَالٌ مما يكسر على أفعلة نحو غزال وأغزلة وشراب وأشربة، وكذلك كسَّر نَدًى ورحىً وقفاً على أندية وأرحية وأقفية، وكما شبهت الحركة بالحرف فكذلك شبه الحرف بالحركة، فقالوا حياء وأحياء، وعزاء وأعزاء، وعراء وأعراء ومن الصحيح جواد وأجواد، فكأن كل واحد من هذه الاحاد فعل (3)
عندهم، وأجود تكسير ندَىً أنداءٌ، كما قال الشماخ: (من الطويل) إذا سقط الانداء صيغت وَأُشْعِرَتْ * حَبِيراً وَلَمْ تُدْرَجْ عَلَيْهَا الْمَعَاوِزُ (1) وقد تقصَّيْتُ هذا الموضع في كتاب سر الصناعة " انتهى كلامه. أقول: ذكره في فصل الواو من ذلك الكتاب. وقال السهيلي في الروض الأنف: " أندية، جَمَعَ نَدىً على نِدَاء مثل جمَلَ وجِمَال، ثم جمع الجمع على أفْعِلَةٍ، وهذا بعيد في القياس، لأن الجمع الكثير لا يجمع وفِعَال من أبنية الجمع الكثير، وقد قيل: إنه جمع نديّ، وَالندِيّ: المجلس، وهذا لا يشبه معنى البيت، ولكنه جاء على مثال أفْعِلَة، لأنه في معنى الأهوية والأشتية ونحو ذلك، وأقرب من ذلك أنه في معنى الرذاذ والرشاش، وهما يجمعان على أفعله " انتهى. وقريب منه قول الخُوَارِزمي: " ندًى وإن كان في نفسه فَعَلاً لكنه بالنظر إلى ما يقابله - وهو الجفاف - فَعَالٌ، فمن ثم كسروه على أفعلة " وقول السهيلي " لا يشبه معنى البيت " قد يمنع، ويكون معناه في ليلة من ليالي الشتاء ذات مجالس يجلس فيها الأشراف والأغنياء لإطعام الفقراء، فإنهم كانوا إذا اشتد الزمان وَفشا القحط، وذلك يكون عند العرب في الشتاء، يجلسون في مجالسهم ويلعبون بالميسر، وينحرون الجزر، ويُفرقونها على الفقراء. والبيت من قصيدة لِمُرَّة بن مِحْكَان، أوردها أبو تمام في باب الأضياف والمديح من الحماسة، وقبله: أقُولُ وَالضَّيْفُ مَخْشِيٌّ ذَمَامَتُهُ * عَلَى الْكَرِيمِ وَحَقُّ الضَّيْفِ قَد وَجَبَا يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُوْمِي غَيْرَ صَاغِرَةٍ * ضُمِّي إلَيْكِ رحَالَ الْقَوْمِ وَالقُرُبَا فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذات أندية * لا يبصر الكلب في ظلمائها الطنبا
لاَ يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ واحِدَةٍ * حَتَّى يَلُفَّ عَلَى خَيْشُومِهِ الذَّنَبَا وَخَيِّرِيهِمْ أنُدْنِيهِمْ إلَى سَعَةٍ * مِنْ سَاحَةِ الدَّارِ أمْ نَبْنِي لَهُمْ قُبَبَا؟ مخشي: اسم مفعول من الخشية، وهي الخوف، وذَمَامَة: نائب الفاعل، وهى بمعنى الذم، وقوله " ياربة البيت " هو مقول القول، وربة البيت: صاحبته، يريد امرأته، و " غير " منصوب على الحال، وصاغرة: من الصغار - بالفتح - وهو الذلة، وضمي: اجمعي، والرحال - بالحاء المهملة -: جمع رحل، وهو كل شئ يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحِلْس وَرَسَن، والقرُبُ - بضمتين -: جمع قِراب، وقِرَاب السيف - بالكسر -: جفنه وهو وعاء يكون فيه السيف بغمده وحمالته، وقوله " في ليلة " هو متعلق بقومي، وقيل ب " ضُمِّي " لقربه، وقوله " من جمادى " متعلق بمحذوف صفة لليلة، ومن للتبعيض، وإن كانت للبيان كانت متعلقة بمحذوف حال من ليلة، كقوله تعالى (مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذهب) والشاهد في " مِنْ " الثانية فإن الأولى ابتدائية، واخطأ العينى في قوله: من جمادى صفة لليلة، ومن للبيان. قال السهيلي: " أراد بجمادى الشهر، وكان هذا الاسم قد وقع على هذا الشهر في زمن جمود الماء، ثم انتقل بالأهلة، وبقي الاسم عليه وإن كان في الصيف والقيظ، وكذلك أكثر (1) هذه الشهور العربية سميت بأسماء مأخوذة من أحوال السنة الشمسية، ثم لزمتها وإن خرجت تلك الأوقات " انتهى. وينبغي أن يعتبر أصل الوضع، وإلا فلا فائدة في ذكر اسم شهر لا يدل على شدة البر وجمود الماء، والشاعر إسلامى وليس ممن أدرك زمن وضع الشهور، ويجوز أن يلاحَظ في الأعلام أصل وضعها. قال ابن الأنباري: " أسماء الشهور كلها مذكرة إلا جمادى، فهما مؤنثان
تقول: مضت جمادى بما، فإن جاء تذكير جمادى في شع فهو ذهاب إلى معنى الشهر، وهي غير مصروفة للتأنيث والعلمية، والأولى والآخرة صفة لها، فإن الآخرة بمعنى المتأخرة، ولا يقال: جمادى الأخرى، لأن الأخرى بمعنى الواحدة فتتناول المتقدمة والمتأخرة فيخصل اللبس، ويحكى أن العرب حين وضعت الشهور وافق وضع الأزمنة فاشتق للشهر معان من تلك الأزمنة، ثم كثر حتى استعملوها في الأهلة وإن لم توافق ذلك الزمان، فقالوا: رمضان، لما أرمض الارض من شدة الحر، وشوال، لما شالت الإبل بأذنابها للطروق، وذو القَعدة لما ذللوا القِعدان للركوب، وذو الحِجة لما حجوا، والمحرم، لما حرموا القتال والتجارة، وصفر لما غزوا فتركوا ديار القوم صِفراً، وشهر ربيع، لما أربعت الأرض وأمرعت، وجمادى، لما جمد الماء، ورجب لما رجبوا الشجر، وشعبان لما أشعبوا العود " وقوله " ذات أندية " بجر ذات بمعنى صاحب صفة لليلة، وأندية جمع نَدًى، وهو أصل المطر، والندى البلل، وبعضهم يقلو ما سقط آخر الليل فهو ندى، وأما الذي يسقط أوله فهو السَّدَى: - بفتح السين المهملة - على وزنه من باب تعب، فهي ندية مثل تقية، ويعدى بالهمزة والتضعيف، وجملة " لا يبصر الحيوانات الكلب إلخ " صفة أخرى لليلة، وخَصَّ الكلب المدجج الذي لا يبين إلاَّ عيناه، والطنب - بضمتين، وسكون النون - لغة، وهو الحبل الذي تشد به الخيمة ونحوها، والجمع أطناب كعُنُق وأعناق، وقول العوام طَنَب - بفتحتين - لا أصل له، و " في " متعلقة يبصر، وروي بدلها " من " وهي بمعْناها وقال العيني: للتعليل، والظلماء هنا بمعنى الظلمة، ويأتي وصفاً أيضاً يقال: ليلة ظلماء والليلة الظلماء، وقوله لا ينبح الكلب إلخ من باب ضرب، وفي لغة من باب نفع، والنُّباح - بالضم -: صوته، والخيشوم الأنف، وإنما يلف ذنبه
على أنفه لشدة البرد فلا يقدر أن ينبح وقوله " وخَيِّرِيهِمْ أنُدْنِيهِمْ " الهمزة للاستفهام، والإدناء التقريب، وروي أيضاً: مَاذَا ترَيْنَ أنُدْنِيهِمْ لأرْحُلِنَا * مِنَ الْبَيْتِ جَانِب أمْ نَبْنِي لَهُمْ قُبَبَا يقال: بنى الخيمة إذا ضربها وأقامها، والقبب: جمع قبة، وهي الخيمة المدورة. ومرة بن محكان شاعر إسلامي من معاصري الفرزدق وجرير، وهو بضم الميم وتشديد الراء، ومحكان - بفتح الميم وسكون الحاء المهملة - على وزن غضبان: مصدر مَحَكَ يَمْحَك محكاً من باب نفع إذا لج في الأمر فهو محك وماحك، ورجل محكان إذا كان لجوجاً عسر الخلق، ويقال أيضاً: أمحك وامتحك في الغضب: أي لج، والمماحكة: الملاجة، وضبطه العسكري في كتاب التصحيف بكسر الميم لا غير وهو خلاف ما قالوا والله أعلم. قال ابن قتيبة في كتاب " الشعراء " مُرَّة بن محكان السعدي هو من سعد بن زيد مناة بن تميم، من بطن يقال لهم: رُبَيْع بالتصغير، وكان مرة سيد بني ربيع، وكان يقال له: أبو الأضياف، وقتله صاحب شرطة مُصْعَب بن الزبير، ولا عقب له، وهو القائل في الأضياف من تلك القصيدة: (من البسيط) وَقُلْتُ لَمَّا غَدَوْا أُوصي قَعِيدَتَنَا * غَذِّي بَنِيكِ فَلَنْ تَلْقَيْهِمُ حِقَبَا أدعى أباهم ولم أقرب بِأٌمِّهِمِ * وَقَدْ عَمِرَتْ وَلَمْ أعْرِفْ لََهُمْ نَسَبَا أنَا ابْنُ مَحْكَان أخوا لى بنو مطر * أنمى إليهم وكانو مَعْشَراً نُجُبَا انتهى. تتمة: قد وقع المصراع الأول من البيت الشاهد في شعر آخر، قال ابن هشام صاحب السيرة النبوية عند ذكر ما قيل من الشعر يوم أحد: قال بن اسحق
" وكان " مما قيل من الشعر يوم أحد قول هُبَيْرَة بن أبي وهب (من البسيط) مَا بَالُ هَمٍ عَمِيدٍ بَاتَ يَطْرُقُنِي * بِالْوُدِّ هِنْدَ إذْ تَعْدُوا عَوَادِيهَا بَاتَتْ تُعَاتِبُنِي هِنْدٌ وتغذلنى * وَالْحَرْبُ قَدْ شَغَلَتْ عَنِّي مَوَالِيهَا إلى أن قال بعد خمسة عشر بيتاً: وَلَيْلةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جازِرُهَا * يَخْتَصُّ بالنَّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أنْدِيةٍ * جَرْبَاً جُمَادِيَّةٍ قدبت أَسْرِيهَا لاَ يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ * مِنَ الْقَرِيسِ وَلاَ تَسْرِي أفَاعِيهَا ثم بعد أن أتمها وأنشد جوابها لحسان بن ثابت رضي الله عنه قال: وبيت هبيرة الذي يقول فيه * وليلة يصلى بالفرث جازرها * الخ يروى الجنوب أخت عمرو ذي الْكَلْب الهذلي في أبيات لها في غير يوم أحد " انتهى. وقال السهيلي في الروض: " قد شرطنا الإضراب عن شرح شعر الكفرة والمفاخرين لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا من آمن منهم، لكنه ذكر في شعر هبيرة الذى بدأ به بيتين ليسا من شعره، فلذلك ذكرتهما، وهما: * وليلة يصطلي بالفرث * البيت و * في ليلة من جمادى ... * البيت قوله يصطلي بالفرث: أي يستدفئ به من شدة البرد، و " يختص بالنَّقَرَى المثرين ": يختص الأغنياء طلباً لمكافأتهم وليأكل عندهم، يصف شدة الزمان، قال يعقوب في الألفاظ: ونسبها لهذلي، وكذلك قال ابن هشام في هذين البيتين: إنهما ليسا لهبيرة، ونسبهما لجنوبَ أخت عمرو ذي الكلب الهذلي " انتهى. وجنوب هذه أمرأة من هذيل، جاهلية، قد ترجمناه في الشاهد التاسع والستين بعد السبعمائة من شواهد شرح الكافية، فيكون مرة بن محكان قد أخذ المصراع الأول من شعرها، وكذلك يكون " لا ينبح الكلب فيها غير واحدة "
هذا المصراع ليس له، وقولها " جرباً جُمَادية " أي: لا نجوم تظهر فيها، وجُمَادِيَّةٍ منسوبة إلى جُمَادى. أي لشدة البرد، ويروى " حَيْرَى جماديّة " يحار السالك فيها من شدة الظلام، والفرث: السرجين الذي يخرج من الكرش، والنَّقَرى - بفتح النون والقاف وبالقصر -: الضيافة الخاصة لافراد، والجفى على وزنها - بالجيم والفاء -: الضيافة العامة، والمثرين: مفعول مقدم، وداعيها فاعل مؤخر، والقريس - بفتح القاف وآخره سين مهملة -: البرد الشديد. ذو الزيادة أنشد فيه، وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائة: (من الرجز) 135 - * تُجاوِبُ القوس بترنموتها * على أن " ترْنَمُوتاً " بمعنى الترنم، فالواو والتاءان زوائد، وصوابه. * تْجَاوِبُ الصَّوْتَ بتَرْنَمُوتِهَا * قال ابن جني في سر الصناعة: " وزيدت التاء أيضاً خامسةً في نحو مَلَكوت وجبروت ورغبوت ورهبوت ورحموت وطاغوت، وسادسة في نحو عَنْكَبُوت وتَرْنَمُوت، وهو صوت ترنم القوس عند الإنباض، قال الراجز: * تْجَاوِبُ الْقَوْسَ بِتَرْنَمُوتِهَا * أي: بترنمها " انتهى. وقال أيضاً في شرح تصريف المازني: " وأمّا ترنموت فيدل على زيادة تائه أيضاً أنه بمعنى الترنم، قال الراجز: * تجاوب القوس بترنموتها * أي: بترنمها، ومثال عَنْكَبُوت فَعْلَلُوت، ومثال تَرْنَموت تَفْعَلُوت " انتهى. وقال صاحب الصحاح: " والترنموت: الترنم، زاد فيه الواو والتاء، كما زادوا
في مَلَكُوت، قال أبو تراب: أنشدني الغَنَوِي: في القوس تُجَاوِبُ الصَّوْتَ بِتَرْنَمُوتِهَا * تَسْتَخْرِجُ الْحَبَّةَ مِنْ تابوتها يعنى حبة القلب من الجوف " انتهى. فعرف أن الشارح المحقق تبع ابن جني في ذكر القوس موضع الصوت، والصواب ما أنشده الجوهري. قال ابن بري في أمالية عليه: " قبل البيتين: * شِرْيَانَةٌ تُرْزِمُ مِنْ عُنُوتِهَا * والشريانة - بكسر الشين المعجمة وفتحها -: شرج تتخذ منه القِسِيّ، قال الدِّينَوَرِيُّ في كتاب النبات: " هو من جيد العيدان، وهو من نبات الجبال، قال أبو زياد: وتصنع القياس من الشريان، قال: وقوس الشريان جيدة إلا أنها سوداء مشربة حمرة، وهي أخف في اليدين من قوس النبع والشَّوْحَط، وزعموا أن عود الشِّرْيان لا يكاد يَعْوَجّ، وقال الفراء: هي الشريان بالفتح والكسر ". اه وتُرْزم - بتقديم المهملة على المعجمة - بمعنى أنّت وصوَّتت (1) من أرزمت الناقة إرزاماً، والاسم الرَّزَمَة - بالتحريك - وهو صوت تخرجه من حلقها لا تفتح به فاها، وذلك على ولدها حين تَرْأَمه، والحنين أشد من الرَّزَمَة، والْعُنُوت (2) : جمع عَنَتْ - بفتح العين المهملة والنون - وهو الوقوع في أمر شاق، وقوله " تجاوب الصوت " أي: صوت الصيد، يعني إذا أحَسَّت بصوت حَيَوَان أجابته بترنم وترها، والتابوت هنا: القلب، ووزنه فاعول
وزعم الجوهري أنه فَعَلُوت من التوب، ورد عليه، قال الراغب: التابوت: وعاء يمر قَدْرُهْ، ويسمى القلب تابوت الحكمة، وسَفْط العلم، وبَيْتَه وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المائة: (من الرجز) 136 - * رَبَّيْتُهُ حَتَّى إذَا تَمَعْدَدَا * على أن وزنه عند عند سيبويه تَفَعْلَلَ، ومعناه غَلُظ واشْتَدَّ، قال ابن دريد في الجمهرة: " تمعدد الغلام، إذا صلب واشتد، وبعده: * كَانَ جَزَائِي بالعصا أنْ أجْلَدَا * وتقدم الكلام عليه في الشاهد الثاني والأربعين بعد الستمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الرجز) 137 - * بِشِيَةٍ كَشِيَةِ الْمُمَرْجَلِ * على أن الْمُمَرْجَل وزنه عند سيبويه مُفَعْلَل قال سيبويه: " جعلت المراجل ميمها من نفس الحرف حيث قال العجاج * بشبة كَشِيَةِ الْمُمَرْجَلِ * الممرجل: ضرب من ثياب الوشي " قال الأعلم: " استشهد به على أن ميم الممرجل أصلية، وهي ضرب من ثياب الوشي تصنع بدرات كالمِرْجَل، وهو القدر، لثباتها في الممرجل، وهو عنده مُفَعْلَلْ، فالميم الثانية فاء الفعل، لأن مفعلالا لا يوجد في الكلام، وغيره يزعم أن ممرجلاً ممفعلٍ، وأن ميميه زائدتان، ويحتج لمجيئها زائدتين في مثل
هذا بقولهم: تَمَدْرَعَت الجارية، إذا لبست المدرع، وهو ضرب من الثياب كالدرع، وبقولهم: تمسكن الرجل، إذا صار مسكيناً، والمسكين من السكون، وميمه زائدة، وهذا قريب، إلا أن سيبويه حمل الممرجل على الأكثر في الكلام، لقلة مُمَفْعل (وكثرة مُفَعْلَل) والشيه: هي اللون يخالطه لون آخر، ومنه سمي الْوَشْي لاختلاف ألوانه، كأنه شُبِّه في البيت اختلاف لون الثور الوحشي لما فيه من البياض والسواد بِوَشْي المراجل واختلافه " انتهى وفي العباب للصاغاني: " والمِرْجَل - بالكسر -: قدر من نحاس، وقال الليث: والْمَرَاجِل: ضرب من برود اليمن، واحدها مرجل - بفتحها - وثوب مُرَجَّل: أي معلم " انتهى ولم يذكر مُمَرْجلاً وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائة: (من الطويل) 138 - * عَلَى إثْرِنَا أذْيَالَ مِرْطٍ مُرَجَّلِ * وهو عجز، وصدره: * فَقُمْتُ بِهَا أمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا * على أن المرجل معناه الذي فيه صورة الرجال أقول: لم يروه شراح المعلقات بالجيم، وإنما رووه بالحاء المهملة، قال أبو جعفر النحوي والخطيب التبريزي: " الْمُرَحَّل الذي فيه صورة الرِّحَال بالوشي، وقال الزوزني: " الْمُرَحَّل: الْمُنَقَّش بنقوش تشبه رحال (1) الإبل، يقال: ثوب مُرَحَّل، وفي هذا الثوب ترحيل " وما رواه بالجيم إلا الصاغاني
في العباب، قال: " روي مُرَّجَّل بالجيم: أي معلم، بالحاء أي موشى شبيهاً بالرحال " هذا كلامه وعلى تقدير ثبوت المرجل - بالجيم - يعني الذي فيه صورة الرجال كيف يكون دليلاً لكون الممرجل يعني الذي فيه نقوش على صورة المراجل، فإن تشبيه كل منهما خلاف تشبيه الآخر، ولعل في نسختنا من الشرح كلاماً ساقطاً، فإن الذي فيها إنما هو " والممرجل: الثوب الذي يكون فيه نقوش على صورة المراجل، كما قال امرؤ القيس * على إثرنا - إلخ " ولعل الساقط بعد قوله على صورة المراجل " كما أن المرجل الثوب الذي فيه صورة الرجال كما قال امرؤ القيس - إلخ " (1) والله سبحانه وتعالى أعلم والمرط - بكسر الميم -: كساء من خز، أومر عِزّي، أو من صوف، وقد تسمى المُلاَءة مِرْطاً، يقول: أخرجتها من خدرها وهي تمشي تجر مرطها على أثرنا لتعفَّى به آثار أقدامنا وقد تقدم شرحة بأبسط من هذا مع أبيات أخر من هذه المعلقة في الشاهد الواحد والتسعين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الطويل) 139 - فلست لا نسى ولكن لملأك * تنزل من جو السَّمَاءِ يَصُوبُ على أن مَلَكاً مَلأَك، كما في البيت قال سيبويه: " اجتمع أكثرهم على ترك الهمزة في مَلَك، وأصله الهمز - وأنشد البيت، قال: وقالوا مألكة وملاكة، وإنما يريدون رسالة " انتهى
وقال ابن السراج في الأصول: " ومما ألزم حذف الهمزة لكثرة استعمالهم مَلَكٌ إنما هو مَلْأَك، (فلما) (2) جمعوه ردوه إلى أصله قالوا ملائكة وملائك، وقد قال الشاعر - فرد الواحد إلى أصله حين احتاج - * فَلَسْت لإنسي ... البيت " انتهى. وقد أخذ هذه من تصريف المازني، قال ابن جني في شرحه: " اعلم أنه يريد بالحذف هنا التخفيف، ألا ترى أنهم يحركون اللام من مَلَك لفتحة الهمزة من ملاك كما تقول في تخفيف مَسْأَلة: مَسَلَة، وهذا هو التخفيف، إلا أنهم ألزموه التخفيف في الأمر الشائع في الواحد، وصارت ميم مَفْعَل كأنها بدل من إلزامهم إياه التخفيف، كما أن حرف المضارعة في نَرَى وتَرَى ويرى وأرى كأنه بدل من إلزامهم إياه التخفيف في الأمر الشائع، حتى إن التحقيق وإن كان هو الأصل قد صار مستَقْبَحاً لقلة استعماله، وينبغي أن تعلم أن أصل تركيب مَلَك على أن الفاء لام والعين همزة واللام كاف، لأن هذا هو الأكثر وعليه يُصرَف الفعل، قال الشاعر: (من الطويل) ألِكْنِي إلى قَوْمي السَّلاَمَ رِسَالَةً * بِآيَةِ مَا كانُوا ضِعَافاً وَلاَ عُزْلاَ فأصل ألكني ألئكنى فخفف الهمزة بأن طرح كسرتها على اللام، وقال الآخر: (من المتقارب) ألِكْنِي إلَيْهَا وَخَيْرُ الرسول * أعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَرْ وعلى هذه اللغة جاء ملك، وأصله مَلْأَك، وعلى هذا جمعوه، فقالوا: ملائك وملائكة، لأن جمع مَفْعَل مَفَاعِل، ودخلت الهاء في ملائكة لتأنيث الجمع، وقد قدموا الهمزة على اللام فقالوا: مَأْلُك ومَأَلُكة للرسالة، قال عدي بن زيد: (من الرمل) أبْلِغْ النُّعْمَانَ عَنِّي مَأْلُكاً * أنَّهُ قَدْ طَالَ حَبْسِي وانتظار
وقال لبيد رضي الله عنه: (من الرمل) وغلاَمٍ أرْسَلَتْهُ أُمُّهُ * بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ ولم نرهم استعملوا الفعل بتقديم الهمزة، فهذا يدل على أن الفاء لام والعين همزة " انتهى. قال ابن هشام اللخمي في شرح أبيات الجمل: " البيت لعلقمة بن عَبَدَة أحد بنى ربيعة مالك بن زيد مناة بن تميم، وهو علقمة الْفَحْل (1) ، من قصيدته التي يقول فيها: (من الطويل) وَفِي كُلِّ حَيٍّ قَدْ خبطت بِنِعْمَةٍ * فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذنوب وهو آخر القصيدة " اه. وقد بحثت (عنه) فلم أجده فيها من رواية المفضل في المفضليات، وكذلك لم أره في ديوانه قال السهيلي: " هذا البيت مجهول، وقد نسبه ابن سيده إلى علقمة، وأُنْكِرَ ذلك عليه، ثم قال اللخمي: وحكى أبو عبيد أنه لرجل من عبد القيس من كلمة يمدح بها النعمان، وحكى السيرافى: أنه لابي وجرة (2) السُّلَمِي المعروف بالسعدي من قصيدة يمدح بها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وقوله " تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السماء " (يحتمل وجهين: الأول (3)) أنه ليس بقديم في الأرض فتلحقه طباع الآدميين، والثاني أن كل ملك قرب عهده بالنزول من السماء فليس بمنزلة من لم يكن قريب العهد، ويصوب: ينحدر إلى أسفل، وقوله " لملاك " في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ مضمر، والتقدير أنت لملاك. " ولانسى " في موضع خبر ليس والتقدير فلست منسوباً بالانسى، والجواب
بين السماء والأرض، و " يصوب " في موضع نصب على الحال من ضمير تنزل، ويجوز أن يكون في موضع الصفة لملاك " انتهى. وفى الصحاح، صاب الماء يصوب نزل، وأنشد البيت لرجل من عبد القيس جاهلي يمدح بعض الملوك وقال الطيبي: يصوب: بمعنى يميل وهو استئناف على سبيل البيان والتعليل، وفي معناه قول صواحب يوسف (مَا هَذَا بَشَراً إنْ هَذَا إلاَّ مَلَك) وأنشده الزمخشري عند قوله تعالى: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بأمر ربك) على أن التنزل بمعنى النزول مطلقاً، لأنه مطاوع نزل، ولا أثر للتدريج في غرض الشاعر وقبله: تَعَالَيْتَ أنْ تُعْزَى إلَى الإنْسِ خَلَّةً * وَلِلأِنْسِ مَنْ يَعزُوكَ فَهْوَ كَذُوبُ وتَعَالَيْتَ تعاظمت، وتعزى: تنسب، وخلة: تمييز وهو بفتح الخاء المعجمة، وهو بمعنى الخصلة. وأنشد بعده - وهو الشاهد الأربعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الرجز) 140 - * دار لسعدى إذه من هو اكا * على أن هوى من " هواكا " مصدر بمعنى اسم المفعول: أي من مهوياتك وأنشده سيبويه في باب ضرائر الشعر من أول كتابه على أن الياء حذفت للضرورة، والأصل إذ هي من هواكا، وقبله: * هَلْ تَعْرِفِ الدَّارَ عَلَى تِبْرَاكَا * بكسر المثناة الفوقية الموحدة: موضع في ديار بني فقعس، وصف داراً خلت من سعدى هذه المرأة، وبَعُدَ عهدها بها فتغيرت بعدها، وذكرَ أنها كانت لها داراً ومستقراً، إذ كانت مقيمة بها، فكان يهواها بإقامتها فيها، وقد تكلمنا
عليه بأكثر من هذا في الشاهد الثالث والثمانين من أوائل شرح شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده - وهو الشاهد الحادي والأربعون بعد المائة -: (من الطويل) 141 - فَإِنْ تَكُنْ الْمُوسَى جَرَتْ فوق بظرها * فما ختنت إلا ومصان قاعد على أن الموسى مؤنثة بدليل جرت، فإن المؤنث إذا أسند إلى فعله وجب إلحاق علامة التأنيث لفعله، وأما إذا أسند الفعل إلى ظاهر فيجوز إلحاق العلامة ويجوز تركها، كما في تكن، وأما تذكيره فلم أر له شاهداً إلا في كلام المولدين، وما أحسن ما كتب بعضهم بمصر إلى الأمير موسى بن يغمور وقد أهدَى إليه موسى: وأهديت موسى نحو مُوسَى وَإنْ يَكُنْ * قَدْ اشْتَرَكا في الإسْمِ مَا أخْطَأَ الْعَبْدُ فَهَذَا لَهُ حَدٌّ وَلاَ فَضْلَ عِنْدَهُ * وَهَذَا لَهُ فَضْلٌ وَلَيْسَ لَهُ حَدُّ وهذا البيت قبله: لَعَمرِكَ مَا أدْرِي وإني لسائل * أبْظْرَاءُ أمْ مَخْتُونَةٌ أُمُّ خَالِدِ وروي أيضاً: * لَعَمْرِكَ مَا أدْرِي وإن كُنْتَ دَارِيا * والبظراء: المرأة التي لها بظر، والبَظْر: لحمة بين شفري المرأة، وهي القلفة التي تقطع في الختان، وبَظِرَت المرأة - بالكسر - فهي بظراء، إذا لم تختن، وأم خالد: مبتدأ، وبظراء: خبر مقدم، وروي مخفوضة بدل مختونة، وخُفِضَتْ بدل ختنت، والختان مشترك بين الذكر والأنثى، يقال: ختن الخاتن الصبي ختناً من باب ضرب، والاسم الختان والختانة، بكسرهما، ويطلق الختان على موضع القطع من الفرج، وفي الحديث (إذا التقى الختانان) وهو كناية لطيفة عن تغييب
الحشفة، فالمراد من التقائهما تقابل موضع قطعهما، فالغلام مختون والجارية مختونة وغلام وجارية ختين أيضاً، والخفض خاص بالانثى، يقال: خَفَضت الخافضة الجارية خِفاضاً: ختنتها، فالجارية مخفوضة، ولا يقال: الخفض إلا على الجارية دون الغلام، وهو بالخاء والضاد المعجمتين بينهما فاء، قال الجواليقي: وروي أيضاً وضعت وبضعت، والكل بمعنى واحد، قال ابن السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق وتبعه الجواليقي: " يقول أنا في شك أمختونة هي أم لا، ثم قال: وإن كنت أعلم أنها كذلك، فإن كانت مختونة فما ختنت إلا بعد ما كبر ابنها فختنت بحضرته وعنى بحصان ابنها " انتهى. وقال ابن السَّيِّد في شرح أبيات أدب الكاتب: " وفي معنى البيت قولان: قيل: إنه أراد بالمصَّان الحجَّام لأنه يمص المحاجم، يقول: إن كانت ختنت فإنما ختنها لتبذلها وقلة حيائها، لأن العادة جرت أن يختن النساء النساء، وقيل: أراد بالمصان ابنها خالداً، لأن العرب تقول لمن تسبه: يا مصان: أي يا من مص بظر أمه، يقول إن كانت ختنت فإنما خُتِنَتْ بعد أن بلغ ابنها المصان القعود، فقد مص بظرها على كل حال، وأجرى مصان مجرى الأسماء الأعلام، فلذلك لم يصرفه " انتهى. ولا يحتاج إلى هذا، فإن مَصَّان وصف له كَسلْمَان فمنع صرفه للوصفية والزيادة (1) وقد اختلف في قائلها والمهجو بهما، قال يعقوب بن السكيت في إصلاح المنطق
وتبعه الجواليقي في شرح أبيات أدب الكاتب، وابنُ بري في حاشيته الصحاح وغيرُهما: " وأنشد الفراء في تأنيث الموسى لزياد الأعجم يهجو خالد بن العتاب بن ورقاء لما أعطى إليه خالد بَدْرةً من الدراهم وقال له مازحاً: أدخلها في حرأمك، وكذا قال أبو عمرو الشيباني، وقيل: قائلها أعشى همدان، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله ويكنى أبا الْمُصَبِّح، قالهما في خالد بن عبد الله القسري، وهذا قول أبي الفرج الأصبهاني في الاغانى: قال: حدثنا الخراز عن المدائني عن عيسى بن زيد ابن جعدبة قالا: كانت أم خالد القسري رومية نصرانية: فبنى لها كنيسة في قبلة مسجد الجامع في الكوفة فكان إذا أراد المؤذن بالمسجد أن يؤذن ضرب لها بالناقوس، وإذا قام الخطيب على المنبر رفع النصارى أصواتهم بقراءتهم فقال أعشى همدان يهجوه وَيعيره بأمه، وكان الناس إذا ذكروه قالوا: ابن البظراء فأنف من ذلك، فيقال: إنه ختن أمه كارهة فعيره الأعشى بذلك حين يقول: (من الطويل) لَعَمْرِكَ مَا أدْرِي وَإنِّي لَسَائِلٌ * أبْظْرَاءُ أمْ مَخْتُونَةٌ أُمُّ خَالِدِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُوسَى جَرَتْ فَوْقَ بَظْرِهَا * فَمَا خُتِنَتْ إلاَّ وَمَصَّانُ قاعِدِ يَرَى سَوْأةً مِنْ حَيْثُ أطْلَعَ رَأْسَهُ * تَمُرُّ عَلَيْهَا مُرْهَفَاتُ الْحَدَائِدِ وقال أيضاً يرميه باللواط: ألْمَ تَرَ خَالِداً يَخْتَارُ مِيماً * وَيَتْرُكُ فِي النِّكَاحِ مَشَقَّ صَادِ وَيُبْغِضُ كُلَّ آنِسَةٍ لَعُوبٍ * وَيَنْكِحُ كُلَّ عَبْدٍ مُسْتَقَادِ وقال أبو عبيدة: حدثني أبو الهذيل العلاف، قال: صَعِدَ خالد القسري المنبر فقال: إلى كم يغلب باطِلُنَا حقَّكم، أما آن لربكم أن يغضب لكم، وكان زنديقاً وأمه نصرانية، فكان يولي النصارى والمجوس على المسلمين ويأمرهم بضربهم وامتهانهم، وكان أهل الذمة يشترون الجواري المسلمات ويطئونهن، فيطلق ذلك
لهم ولا يغيره عليهم، وله يقول الفرزدق من أبيات: (من الطويل) وَأَنْتَ ابْنُ نَصْرَانِيَّةٍ طَالَ بظرها * غدتك بِأَوْلاَدِ الْخَنَازِيرِ وَالْخَمرْ وقال فيه أيضاً: (من الطويل) ألاَ لَعَنَ الرَّحْمَنُ ظَهْرَ مِطِيَّةٍ * أتَتْنَا تَخَطَّى مِنْ بَعِيدٍ بِخَالِدِ وَكَيْفَ يَؤُمُّ الْمُسْلِمِينَ وَأُمُّهُ * تَدِينُ بِأَنَّ الله ليس بواحد وأورد له صاحب الأغاني حكايات كفريات كثيرةً صريحةً في كفره وزندقته، وروى بسنده عن خالد بن صفوان بن الأهتم أنه قال: " ولم تزل أفعال خالد به حتى عزله هشام وعذبه وقتل ابنه يزيد بن خالد، فرأيت في رجله شريطاً قد شد به وَالصبيان يجرونه، فدخلت إلى هشام فحدثته فأطلت، فتنفس ثم قال: يا خالد، رُبَّ خالدٍ كان أحبَّ إلَيَّ قُرْباً وألَذَّ عندي حديثاً منك، قال: يعني خالداً القسري، فانتهزتها ورجوت أن أشفع فيكون لي عند أمير المؤمنين يد، قلت: يا أمير المؤمنين فما يمنعك من استئناف الصَّنيعة عنده فقد أدبته بما فرط منه، فقال: هيهات، إن خالداً أوجف فأعجف، وأدَلَّ فَأَذَلَّ، وأفرط في الإساءة فأفرطنا في المكافأة، فحَلِم الأدِيم (1) ونَغِل (2) الجرحُ، وبلغ السيل الزُّبَى و (جاوز) الحِزَامُ الطُّبْيَيَن (3) ، فلم يبق فيه مستصلَح، ولا للصنيعة عنده موضع "
وأعشى همدان شاعر فصيح كوفي من شعراء الدولة الأموية، وكان زوج أخت الشعبي الفقيه، والشعبي زوج أخته، وكان أحد القراء الفقهاء، ثم ترك ذلك وقال الشعر، وخرج مع ابن الأشعث فأُتِيَ به الحجاج فقتله صبراً، وكان الأعشى ممن أغزاه الحجاج الديلم فأُسرَ، فلم يزل أسيراً في أيدي الديلم مدة، ثم إن بنتاً لِلعِلْج الذي كان أسره هويته، وسارت إليه ليلاً ومكنته من نفسها، فواقعها ثماني مرات، فقالت له: أهكذا تفعلون بنسائكم، فقال لها: نعم، فقالت: بهذا الفعل نُصِرتم، أفرأيت إن خلصتك أتصطفيني لنفسك؟ فقال: نعم، وعاهدها، فحلت قيوده وأَخَذَتْ به طريقاً تعرفها حتى خلصته، فقال شاعر من أُسراء المسلمين: (من الطويل) وَمَنْ كَانَ يَفْدِيهِ مِنَ الأَسْرِ مَالَُهُ * فَهَمْدَانُ تَفْدِيهَا الْغَدَاةَ أيُورُهَا وكان الأعشى مع خالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي بالرِّيّ، وأملق الأعشى يوماً فأتاه فقال: (من الطويل) رَأَيْتُ ثَنَاءَ النَّاسِ بِالْغَيْبِ (1) طَيِّباً * عَلَيْكَ وَقَالُوا: مَاجِدٌ وَابْنُ مَاجِدِ بَنِي الْحَارِثِ السَّامِينَ لِلْمَجْدِ إنَّكُمْ * بَنَيْتُمْ بِنَاءً ذِكْرُهُ غَيْرُ بَائِدِ فَإِنْ يَكُ عَتَّابٌ مَضَى لِسَبْيلِهِ * فَمَا مَاتَ مَنْ يَبْقَى لَهُ مثل خالد وأنشد الجار بردى هنا - وهو الشاهد الثاني والأربعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الوافر) 142 - أتَوْا نَارِي فَقُلْتُ: مَنُونَ أنْتُمْ؟ * فَقَالُوا: الجِنَّ، قُلْتُ: عِمُوا ظَلاَماَ فَقُلْتُ: إلَى الطَّعَامِ، فَقَالَ مِنْهُمْ فَرِيقٌ: نَحْسُدُ الانس الطعاما
على أن قوله " الإنْسَ " يدل على أن همزة إنسان أصل، وأنه مأخوذ من الأُنْس لامن النسيان، وأنشد سيبويه البيت الأول على أن يونس يجوِّز فيه الحكاية بمن وصلا، كما في البيت، و " عِمُوا " معناه: أنْعِمُوا، وهي كلمة تحية عند العرب، يقال: عِمُوا صباحاً، وإنما قال لهم: عِمُوا ظلاماً، لأنهم جِنٌّ وانتشارهم بالليل، كما يقال لبني آدم إذا أصبحوا: عِمُوا صباحاً وقد شرحناه شرحاً وافياً في الشاهد الواحد والخمسين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده أيضاً، وهو الشاهد الثالث والأربعون بعد الماية: (من الخفيف) 143 - إنَّما أنْفَسُ الأَنْيس سِبَاعٌ * يَتَفَارَسْنَ جَهْرَةً وَاغْتِيَالاً على أن قوله " الإنِيس " وهو بمعنى الأنس يدل أيضاً على أن إنسان أصله كما تقدم قبله والبيت من قصيدة للمتنبي مدح بها سيف الدولة، مطلعها: (من الخفيف) ذِي الْمَعَالِي فَلْيَعْلُوَنْ مَنْ تَعَالَى * هَكَذَا هكذا وإلا فلالا وبعده وهو آخر القصيدة: مَنْ أطَاقَ الْتِمَاسَ شئ غِلاَباً * واغْتِصَاباً لَمْ يَلْتَمِسْهُ سُؤَالاَ كُلُّ غَادٍ لِحَاجَةٍ يَتَمَنَّى * أنْ يَكُونَ الْغَضنْفَرَ الرِّئْبَالاَ وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد الرابع والأربعون بعد المائة -: (من الكامل) 144 - إن الْمَنَايَا يَطَّلِعْنَ عَلَى الأُنَاسِ الآمنينا
وقد شرحناه مفصلاً في الشاهد السابع والعشرين بعد المائة من شواهد شرح الكافية وأنشد أيضاً - وهو الشاهد الخامس والأربعون بعد المائة -: (من الكامل) 145 - لا تنسين تِلْكَ الْعُهُودَ فَإِنَّمَا * سُمِّيْتَ إنْسَاناً لأَنَّكَ نَاسِي على أن قوله " سميت إنساناً لأنك ناسي " يدل على أن همزة إنسان زائدة من النسيان، فلامه محذوفة، ورد بأنه لم يذهب به مذهب الاشتقاق، وإنما هو تخيل شعر، على أن شعر أبي تمام لا يحتج به، لأنه من المولدين والبيت من قصيدة مدح بها أحمد بن المأمون بن هرون الرشيد وقبله - وهو في الغزل -: قَالَتْ وَقَدْ حُمَّ الْفِرَاقُ وَكَأْسُهُ * قَدْ خُوْلِطَ السَّاقِي بِهَا وَالْحَاسِي لا تَنْسَيَنْ تِلْكَ الْعُهُودَ * ... البيت ومنها: هَدَأَتْ عَلَى تَأْمِيلِ أحْمَدَ هِمَّتِي * وَأَطَافَ تَقْلِيدِي بِهِ وَقِيَاسِي ومنها في المديح - وهو المشهور -: إقْدَامُ عَمْرٍو في سَمَاحَةِ حَاتِمٍ * في حِلْمِ أحْنَفَ فِي ذَكَاءِ إيَاسِ لاَ تُنْكِرُوا ضَرْبِي لَهُ من دونه * مثلا شردوا فِي النَّدَى وَالْبَاسِ فَالله قَدْ ضَرَبَ الأَقَلَّ لِنُورِهِ * مَثَلاً مِنَ المشكاة والنبراس وزعم بعضهم أن هذه القصيدة في مدح الخليفة، وقال: " لما أنشد * إقْدَامُ عَمْروٍ في سَمَاحَةِ حَاتِمٍ *
قال الفيلسوف الكندي: ما قدر هؤلاء حتى تشبه بهم مولانا ومولاهم (1) ، فنظر إليه أبو تمام وزاد ارتجالا في القصيدة - وإن لم يقطع إنشاده -: * لا تُنْكِرُوا ضَرْبِي لَهُ مَنْ دُونَهُ مَثَلاً * إلى آخر البيتين وكان من الحاضرين في مجلس الخليفة جبريل بن بَخْتَيْشُوع الطبيب، فقال: والله لقد شَمِمْتُ رائحة كبده لفرط اتقاده، فمات أبو تمام بعد أيام " انتهى، والله أعلم وأنشد بعده أيضاً - وهو الشاهد السادس والأربعون بعد المائة -: (من البسيط) 146 - أُدْعَى بِأَسْمَاءَ نَبْزاً فِي قَبَائِلِهَا * كَأنَّ أَسْمَاءَ أضْحَتْ بَعْضَ أسْمَائِي على أن الشاعر لقب بأسماء، لمنا بينه وبين أسماء من الملابسة والشهرة في محبتها و " أُدْعَى " بالبناء للمفعول، بمعنى أسمَّى، يتعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه وتارة بالباء، يقال: دعوت الولد زيداً، وبزيد إذا سميته بهذا الاسم، و " أسماء " من أعلام النساء، وأصله وَسْمَاء، من الوسامة بمعنى الجمال، " ونبزا " تمييز، والنبز: اللقب تسمية بالمصدر، يقال: نبزه بكذا نبزاً - من باب ضرب - إذا لقبه به والبيت من قصيدة لأبي محمد خازن كتب الصاحب بن عَبَّاد مدحه بها، مطلعها: هَذَا فُؤَادُكَ نُهْبَى بَيْنَ أهْوَاءِ * وَذَاكَ رَأْيُكَ شُوْرَى بَيْنَ آرَاءِ لاَ تَسْتَقِرُّ بِأَرْضٍ أوْ تَسِيرَ إلَى * أُخْرَى بِشَخْصٍ قَرِيبٍ عَزْمُهُ نَاءِ يَوْماً بحذوى ويوما بالعقيق وبالعذيب * يَوْماً وَيَوْماً بالْخُلَيْصَاءِ كَذَا تَهِيمُ بِسُعُدْى بُرْهَةً وَإذَا * هَوَيْتَ عزَّةَ تبغى وصل عفراء
ومن المديح: هُوَ الْوَزِيرُ أدَامَ الله نِعْمَتَهُ * وَعُمْرَهُ وَوَقَاهُ كُلَّ أسْوَاءِ لَوْ أنَّ سَحْبَانَ بَارَاهُ لأَسْحَبَهُ * عَلَى فَصَاحَتِهِ أذْيَالَ فَأْفَاءِ وَلَوْ رَآهُ زُهَيْرٌ لَمْ يَزُرْ هَرِماً * وَلَمْ يَعْرُجْ عَلَى التَّنْوُّمِ والْآءِ أرَى الأَقَالِيمَ أعْطَتْهُ مَقَالِدَهَا * إِلَيْهِ مُسْتَلْقِيَاتٍ أيَّ إلْقَاءِ تُسَاسُ سَبْعَتُهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةٍ * أمْرٍ وَنَهْيٍ وَتَثْبِيتٍ وَإمْضَاءِ كَذَاكَ تَوْحِيْدُهُ أوْدَى بِأَرْبَعَةٍ * كُفْرٍ وَجَبْرٍ وَتَشْبِيهٍ وَإرْجَاءِ وقَدْ تَجَنَّبَ " لاَ " يَوْمَ الْعَطَاءِ كَمَا * تَجَنَّبَ ابْنُ عَطَاءٍ لَثْغَةَ الراء ياليت أعْضَاء جِسْمِي كُنَّ ألْسِنَةً * فَصَارَ يثنى على كُلُّ أعْضَائي روي أنه لما أنشدها بين يدي الصاحب (كان) مقبلاً عليه حسن الإصغاء إليه حتى عجب الحاضرون، فلما بلغ البيت الشاهد مال الصاحب عن دَسْته طرباً، فلما ختمها قال له: " أحسنت، ولله أنت " وتناول النسخة منه تم أمر له بخلعة من ملابسه، وفرس من مراكبه، وصلة وافرة. وأبو محمد هذا هو عبد الله بن أحمد الخازن، كان خازناً لكتب الصاحب إسماعيل بن عباد، وزير مؤيد الدولة بن بُوَيْه، وكان أو محمد حسنة من حسنات أصبهان وأفرادها في الشعر، ومن خَوَاصِّ الصاحب، وترجمة الثعالبي في اليتيمة، وأوْرَدَ له أشعاراً جيدة وحكايات مفردة. وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد السابع والأربعون بعد المائة -: (من الطويل) 147 - لقد تركتني منجنيق بن بجدل * أحيد من العصفور حتى يطير على أن المنجنيق مؤنث، ولهذا قال " تركتني " كذا في الصحاح والعباب وغيرهما.
وأحيد: مضارع حَادَ عن كذا حيد وحُيُوداً، إذا تنحى وبعد عنه، ويتعدى بالحرف والهمزة، فيقال: حدت به، وأحدته، وابن بَحْدَل - بالموحدة والحاء المهملة -: هو حُمَيْد بن حُرَيْث بن بَحْدَل، من بني كلب بن وَبْرَة، وينتهي نسبه إلى قُضَاعَة، وكانت عمته مَيسُون بنت بَحْدَل أم يزيد بن معاوية، ولما مات يزيد وثب زُفَر بن الحارث على قِنَّسْرين فتملكها، وبايع لابن الزبير رضي الله عنه، وخرج عُمَيْر بن الْحُباب السُّلَمي مُغِيراً على بني كلب بالقتل والنهب، فلما رأت كلب ما وقع لهم واجتمعت إلى حميد بن حَرَيث بن بحدل، فقتل حميد بن فزارة قتلاً ذريعاً وحاصر زفر بن الحارث، وفى ذلك زفر: * لَقَدْ تَرَكَتْنِي مَنْجَنِيقُ بْن بَحْدَل * البيت وزفر بن الحارث الكلابي كان سيد قيس في زمانه، في الطبقة الأولى من التابعين من أهل الجزيرة، من أمراء العرب، سمع عائشة وميمونة وشهد وقعة صِفَّين مع معاوية أميراً على أهل قِنَّسْرِين، وهرب من قنسرين فلحق بِقَرقِيسِياء (1) ، ولم يزل متحصِّناً بها حتى مات في مدة عبد الملك بن مروان، في بضع وسبعين من الهجرة وأنشد أيضاً - وهو الشاهد الثامن والأربعون بعد المائة -: (من الرجز) 148 - * وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُرُدٌ * على أن عُرُداً - بضمتين فتشديد - يدل على زيادة النون في عُرُنْد - بضمتين فسكون، لأنه بمعناه قال الصاغاني في العباب: " ووتر عُرُدْ كَعُتُلْ وعُرُنْد كتُرُنْج: شديد غليظ
وكذلك رشاء عرد وعرند، وكذلك من كل شئ، قال حنظلة بن ثعلبة بن يسار يومَ ذي قارٍ: مَا علتى وأنا شئ إدُّ * وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُرُدُّ مِثْلُ ذِرَاعِ الْبَكْرِ أوْ أشَدُّ ويروى " مثل ذراع الفيل " (1) وفي نوادر ابن الأعرابيّ قَد جَدَّ أشيَاعُكُمُ فَجِدُّوا * وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُرُدُّ والإد - بكسر الهمزة -: الداهية، والأشياع: جمع مشايع (2) ، وهو الصاحب وَالْبَكُر - بفتح الموحدة -: الفتى من الإبل، ويوم ذي قار: يوم للعرب غلبوا فيه جنود كسرى، وكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشد بعده - وهو الشاهد التساع والأربعون بعد المائة - (من الرجز) 149 - * أمَّهَتِي خِنْدِفُ وَالْيَاسُ أبِي * على أن الهاء في " أمَّهتي " زائدة قال ابن جني في سر الصناعة: " كان أبو العباس يخرج الهاء من حروف الزيادة، ويذهب إلى أنها إنما تلحق في الوقف في نحو " أخْشَه " " وارْمُهْ " و " هُنَهْ " (ولكنَّهْ، وتأتي بعد تمام الكلمة) (3) وهذه مخالفة منه للجماعة، وغير مرضى (منه) عندنا، وذلك أن الدلالة قد قامت على زيادة الهاء في غير
ما ذكره، فمما زيدت فيه الهاء قولهم " أمَّهَات " ووزنه فُعْلَهَات، والها زائدة، لأنه بمعنى الأم، والواحدة أمهة، قال: * أمَّهَتِي خِنْدِفُ وَالْيَاسُ أبِي * (أي أمي) . قولهم: أم بَيِّنة الأمومة، قد صح لنا منه أن الهمزة فيه فاء الفعل، والميم الأولى عين الفعل، والميم الآخرة لام الفعل، فأم بمنزلة دُرّ وحرّ وحُبّ وجُلّ مما جرى على وزن فُعْلٍ وعينه ولامه من موضع واحد وأجاز أبو بكر في قول من قال أمَّهة في الواحد أن تكون الهاء أصلية وتكون فعَّلة، وهى في قول أبي بكر بمنزلة تُرَّهة وأُبَّهة وَقُبَّرة، ويُقوِّي هذا الأصل قول صاحب العين: تأمهت أمَّا، (فتأمهت) بين أن تَفَعَّلَت بمنزلة تَفَوَّهَتْ وَتَنَبَّهَتْ، إلا أن قولهم في المصدر الذي هو الأصل أمُومة يُقَوِّي زيادة الهاء في أمَّهة وأن وزنها فُعْلَهة، ويزيد في قوة ذلك قولهم: إذا الأَمَّهَاتُ قَبْحْنَ الْوُجُوهَ * ... البيت وقرأتها على أبي سهل أحمد بن القطان * قَوَّالِ مَعْرُوفٍ وفَعَّالِهِ * البيت وهذا فيمن أثبت الهاء في غير الآدميين، وقال الآخر: لَقَدْ وَلَدَ الأَخَيْطِلَ أمُّ سُوءٍ (عَلَى بَابِ اسْتِهَا صُلْبٌ وَشَامُ) فجاء بلا هاء فيمن يعقل، وقال الراعي: (كَانَتْ نَجَائِبُ مُنْذِرٍ وَمُحْرِّقٍ) * أمَّاتِهِنَّ وَطِرْقُهُنَّ فَحِيلاَ فجاء بغير هاء، إلا أنه في غالب الأمر فيمن يعقل بالهاء، وفيمن لا يعقل بغير هاء زادوا الهاء فرقاً بين من يعقل وبين ما لا يعقل، فإن قال قائل: ما الفرق بينك وبين من عكس الامر عليك فقال: ما تنكر أن تكون الهاء إنما حذفت في غالب الامر مما لا يعقل وأثبتت فيمن يعقل، وهي أصل فيه للفرق؟ فالجواب
أن الهاء أحد (الحروف العشرة التي تسمى) حروف الزيادة لا حروف النقص، وإنما سميت حروف الزيادة لأن زيادتها في الكلام هو الباب المعروف وأما الحذف فإنما جاء في بعضها، وقليل ذلك، ألا ترى إلى كثرة زيادة الواو والياء في الكلام وأن ذلك أضعاف أضعاف حذفهما إذا كانتا أصليَّتَيْن نحو يَدٍ وَدَمٍ (وغَدٍ) وأب وأخ وهَنٍ، فهذه ونحوها أسماء يسيرة محدودة محتقرة في جنب الأسماء المزيد فيها الياء والواو (1) ، وكذلك الهاء أيضاً إنما حذفت في نحو شفة: واست وعِضَةٍ فيمن قال: عَاضِه، وسَنة فيمن قال: سَانَهْتُ، وما يقلُّ جداً، وقد تراها تزاد للتأنيث فيما لا يحاط به، نحو جَوْزَة ولَوْزَة، ولبيان الحركة في نحو (مَالِيْهِ) و (كِتَابِيهِ) ولبيان حرف المد نحو " وَازَيْدَاه "، ألا ترى أن من حروف الزيادة ما يزاد ولا يحذف في شئ من الكلام البتة؟ وذلك اللام والسين والميم، فقد علمت أن الزيادة في هذه الحروف أفشى من الحذف، فعلى هذا القياس ينبغي أن تكون الهاء في أمَّهَة زيادة على أم، فأما قول من قال: تَأَمَّهَتْ أُمّاً وإثباته، الهاء فنظيره مما يعارضه قولهم: أم بينة الأمومة، بحذف الهاء، فرواية برواية، وبقي الذي قدمناه حاكماً بين القولين، وقاضياً بأن زيادة الهاء أولى من اعتقاد حذفها، على أن الأمومة قد حكاها ثعلب، وحسبك به ثقة، وأما " تأمَّهَتْ أما " فإنما حكاها صاحب العين، وفي كتاب العين من الخطل والاضطراب مالا يدفعه نَظَّار جَلْد " إلى آخر ما ذكر من الْقَدْح في هذا الكتاب. وكذا حكم الزمخشري في المفصل بزيادة الهاء في لفظ المفرد والجمع، وقال: تأمهت مسترذل، وأنشد البيت في الكشاف عند قوله تعالى (فِي بُطُونِ أمهاتكم) على أن زيادة الهاء في المفرد شاذة. والبيت لقُصَيِّ بن كلاب جَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم، وقبله:
إن لَدَى الْحَرْبِ رَخيُّ اللَّبَبِ * عِنْدَ تَنَادِيهِمْ بِهَالٍ وَهَبِ مَعْتَزِمُ الصَّوْلَةِ عَالِي النَّسَبِ * أمَّهَتِي خِنْدِفُ وَالْيَاسُ أبِي كذا في شرح أمالي القالي لأبي عبيد البكري، والروض الأنف للسهيلي، وزعم العيني أن بعده: * وحاتم الطائي * وهو خطأ قافيةً ونسباً، وإنما هذا البيت من أبيات لامرأة من اليمن تقدم شرحه في هذا الكتاب وقوله " إني لدى الحرب - إلخ " الرخي: المرتخي، واللبب: ما يشد على ظهر الدابة ليمنع السرج والرحل عن الاستئخار، والارتخاء إنما يكون عن كثرة جرْي الدابة، وهو كناية عن كثرة مبارزته للأقران، ويقال أيضاً: فلان في لَبَب رخيٍ، إذا كان في حالة واسعة، وليس هذا بمراد هنا، والعجب من شارح شواهد التفسيرين في شرحه بهذا، وقوله " عند تناديهم " ظرف متعلق برخي، وهالٍ: اسم فعل زجر للخيل، كذا في العباب، وتنوينه للتنكير، وهب وكذا هبى: اسم فعل دعاء للخيل: أي أقدمي وأقبلي، كذا في القاموس، وقوله " معتزم الصَّوْلة " من الْعَزْم، وهو عَقْد القلب على فعل، والصَّوْلَة: من صَال الْفَحْل صولة، إذا وثبت على الإبل يقاتلها، وقوله " أمهتي خندف " يريد أم جده مدركة بن إلياس بن مضر، وكذا يريد بقوله " وإلياس أبي " جَدَّه إلياس بن مضر، وخندف: بكسر الخاء المعجمة وكسر الدال، والنونُ بينهما ساكنةٌ. وفي سيرة ابن هشام: " ولد إلياس بن مُضر ثلاثةَ نفرٍ: مدركه بن إلياس، وطابخة ابن إلياس، وقَمَعَة بن إلياس، وأمهم خندف امرأة من اليمن، وهي خندف بنت عمران بن الحارث بن قضاعة، وكان اسم مدركة عامراً واسم طابخة عمرا، وزعموا أنهما كان في إبل لهما يرعيانها، فاقتنصا صيداً، فقعدا عليه يطبخانه، وعدت عادية على إبلهما، فقال عامر لعمرو: أتدرك الإبل أو تطبخ هذا الصيد؟ فقال عمرو: بل أطبخ، فلحق عامر بالإبل فجاء بها، فلما ردَّاها على أبيهما حدثاه
شأنهما، فقال لعامر: أنت مدركة، وقال لعمرو: أنت طابخة " انتهى قال السهيلي: " وفي هذا الخبر زيادة، وهو إن إلياس قال لأمهم - واسمها ليلى، وأمها ضَرِيَّة بنت ربيعة بن نزار التي ينسب إليها حِمَى ضَرِيَّة وقد أقبلت تخندف في مشيها -: مالك تخندفين، فسميت خندف، والْخَنْدَفَة في اللغة: سرعة في مشي، وقال لمدركة: وأنت قد أدركت ما طلبت، وقال لطابخة: وأنت قد أنضجت ما طبخت، وقال لِقَمَعَة وهو عمير: وأنت قد قعدت وانقمعت، وخندف التي عرف بها بنو إلياس هي التي ضربت الأمثال بحزنها على إلياس، وذلك أنها تركت بنيها وساحت في الأرض تبكيه حتى ماتت كمداً، وكان مات يوم خميس، فكانت إذا جاء الخميس بكت من أول النهار إلى آخره، فمما قيل من الشعر في ذلك: إذَا مُؤْنِسٌ لاَحَتْ خَرَاطِيمُ شَمْسِهِ بَكَتْهُ بِهِ حَتَّى تَرَى الشَّمْسَ تَغْرُبُ فمَا ردَّ بَأْساً حُزْنُهَا وَعَوِيلُهَا * وَلَمْ يُغْنِهَا حُزْنٌُ وَنَفْسٌ تعذب وكان يسمون يوم الخميس مؤنساً، قال الزبير: وإنما نُسِبَ بنو إلياس إلى أمهم لأنها حين تركتهم شغلا بحزنها على أبيهم رحمهم الناس، فقالوا: هؤلاء أولاد خندف الذين تركتهم وهم صغار أيتام حتى عرفوا ببنى خندف " انتهى ونقل ابن المستوفي في تسميتها خندف وجهاً آخر، قال: " فقد هم إلياس يوماً، فقال لها: اخرجي في طلب أولادك، فخرجت وعادت بهم، فقالت: ما زلت أُخَنْدِف في طلبهم حتى ظفرت بهم، فقال لها إلياس: أنت خِنْدِف " انتهى وأما إلياس - بنقطتين من تحت - فهو أخو الناس - بالنون - الملقب بعيلان على قول وقول الشارح " يريد بن إلياس - بقطع الهمزة - فوصلها للضرورة " هذا قول ابن الأنباري، وجعَله غريباً مأخوذاً مما يأتي. ويردُّ على قوله أن فيه ضرورة أخرى وهو حذف التنوين، ولو جعله أعجمياً لم يرد هذا، قال السهيلي في الروض: " قال ابن الأنباري: إلياس بكسر الهمزة، وجعله موافقاً
لاسم إلياس النبي عليه السلام، وقال في اشتقاقه أقوالاً: منها أن يكون فِعْيَالاً من الألْسِ، وهي الخديعة والخيانة ومنها، أن الألْس اختلاط العقل، وأنشدوا: (من البسيط) : * إنِّي إذاً لَضَعِيفُ الْعَقْلِ مَأْلُوسُ * ومنها أنه إفْعَال من قولهم: رجل أَلْيَس، وهو الشجاع الذي لا يفر، والذى قاله غير ابن الأنباري أصح، وهو أنه اليأس، سمي بضد الرجاء، واللام فيه للتعريف، والهمزة همزة وصل، وقاله قاسم بن ثابت في الدلائل، وأنشد أبياتاً شواهد، منها قول قصي هذا. ويقال: إنما سمي السُّلُّ " داء ياس " و " داء اليأس " لأن إلياس مات منه، قال ابن هرمة: (من الوافر) يَقُولُ الْعَاذِلُونَ إذَا رَأَوْنِي * أُصِيبَ بِدَاءِ يَأْسٍ فَهْوَ مُودِي وقال ابن أبي عاصية: (من الطويل) فَلَوْ كَانَ دَاءُ اليْأسِ بِيَ وَأَغَاثَنِي * طَبِيبٌ بِأْرْوَاحِ الْعَقِيقِ شَفَانِيا وقول عُرْوة بن حزام: (من الطويل) بِيَ الْيَأَسُ أوْ دَاءُ الْهُيَامِ أصَابَنِي * فَإِيَّاكِ عَنِّي لا يكن بك ما بيا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تَسُبُّوا إلْيَاسَ فَإِنَّهُ كَانَ مُؤْمِناً ". وذكر أنه كان يسمع في صلبة تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج، وإلياس أوَّل من أَهْدَى الْبُدْن إلى البيت، قال الزبير: وأم إلياس الرباب (1) بنت حَيْدَة بن مُعَدَّ بن عدنان، قاله الطبري، وهو خلاف ما قاله ابن هشام في هذا الكتاب " انتهى والذي قاله ابن هشام أن أم إلياس وعَيْلاَن جُرْهُمِية وقال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي: " هذا الرجز حجة من قال إن
إلياس بن مضر اللام فيه للتعريف، وألفه ألف وصل، قال المفضل بن سلمة وقد ذكره إلياس النبي عليه السلام: وأما إلياس بن مضر فألفه ألف وصل، واشتقاقه من اليأس، وهو السّل، وقال الزبير بن بكار: إلياس بن مضر أول من مات من السل، فسمي السل يأساً، ومن قال إن إلياس بن مضر بقطع الألف على لفظ اسم النبي عليه السلام ينشد: * أمهتى خنف إلياس أبى * يعنى لا واو، ثم قال: واشتقاقه من قولهم: رجل ألْيَس: أي شجاع، والألْيَس: الذي لا يفرُّ ولا يبرح من مكانه، وقد تليس أشد التليس، وأسُود لِيسٌ وَلَبُؤَةٌ لَيْسَاء " انتهى كلامه. وهذا يقتضي أنه عربي، فيكون حذف التنوين منه للضرورة، وأما حذف التنوين من خِنْدِف فللعلمية والتأنيث وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: " إلياس اسم أعجمى، وقد سمت العرب به، وهو إلياس بن مضر، وكان يجب قطع همزته، ألا ترى إلى قوله تعالى (وإن إلياس لمن المرسلين) ؟ لكنه وصلها للضرورة " هذا كلامه وقصيّ ناظم هذا الرجز هو أحد اجداد النبي صلى الله عليه وسلم، قال السهيلي (1) : " اسمه زيد، وهو تصغير قَصِي: أي بعيد، لأنه بعد عن عشيرته في بلاد قُضَاعَة حين احتملته أمه فاطمة مع بعلها ربيعة بن حَرَام، فنشأ ولا يعلم لنفسه (أبا) إلا ربيعة، ولا يدعى إلا له، فلما كان غلاماً سابّه رجل من قضاعة فعيره بالدِّعوة، وقال: لست منا، وإنما أنت فينا مُلْصَق، فدخل على أمه وقد وَجَمَ لذلك، فقالت له: يا بني، صدق، إنك لست منهم، ولكن رهطك خير من رهطه، وآباؤك أشرف من آبائه، وإنما أنت قرشي، وأخوك وبنو عمك بمكة، وهم جيران بيت الله الحرام، فدخل في سيارة حتى أتى مكة، ثم
تزوج فيها، وأخرج منها خزاعة، وقام بأمرها وأنشد بعده - وهو الشاهد الخمسون بعد المائة -: (من المتقارب) 150 - إذَا الأُمَّهَاتً قَبَحْنَ الوُجُوهَ * فَرَجْتَ الظَّلاَمَ بِأُمَّاتِكَا على أن الأغلب استعمال الأمات في البهائم، والأمهات في الإنسان، وقد جاء العكس كما في البيت، وقَبَحَهُ يقبَحُه - بفتح العين فيهما - بمعنى أخزاه وَشوهه. والخزي: انكسار يعتري وجه الإنسان بذُل. والوجوه: مفعول قبح، وأما قبحُ يقبُح - بضم العين فيهما - فهو خلاف حسنُ، وفَرَجَه فَرْجاً من باب ضرب لغة في فرجه تفريجا بمعنى كشفه. وصف أمهات المخاطب بنقاء الأعراض، وقال: إذا قبَحت الأمهات بفجورهن وجوهَ أولادهن عند الناس كشفتَ الظلام بضياء أفعالهن، والمراد طهارتهن عما يتندس به العرض والبيت لمروان بن الحكم، كذا قاله ابن المستوفي وغيره. وأنشد بعده - وهو الشاهد الواحد والخمسون بعد المائة -: (من السريع) 151 - قَوَّالِ مَعْرُوفٍ وَفَعَّالِهِ * عَقَّارِ مَثْنَى أُمَّهَاتِ الرِّبَاعْ لما تقدم قبله، والبيت من قصيدة للسفاح بن بُكَيْرِ اليربوعي رثى بها يحيى بن مَيْسَرَة صاحب مصعب بن الزبير مذكورةٍ في المفضليات، وقبله: يَا سيِّداً مَا أَنْتَ مِنْ سَيِّدٍ * موطأ البنت رَحِيبِ الذِّرَاعْ وقد شرحناهما مع أبيات أخر منها في الشاهد الخامس والثلاثين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية وقوله " قَوَّالِ مَعْرُوف وفعالة * عقارا " الثلاثة بالجر صفات لسيبد مبالغة قائل، وفاعل، وعاقر من العقر، وهو ضرب قوائم الإبل بالسيف، لا يطلق العقر
في غير القوائم، وربما قيل: عقره، إذا نحره فهو عقير، وفِعْله من باب ضرب، وفي رواية * وهّاب مثنى إلخ * والرباع - بالكسر -: جمع رُبَع - بضم ففتح - قال ابن الأنباري: " المعنى أنه لا يقول إلا فَعَل، ولا يعد إلا وفى، ولا يخلف وعداً، والربع واحد الرِّباع، وهو ما نتج في أول النِّتاج، وهو أحمد النتاج، وخص أم الرباع لأنها أطيب الإبل، وقوله " مثنى " أي: واحدة بعد أخرى " انتهى وأنشد بعده: * مَا بَالُ عَيْنِي كالشعيب العين * وتقدم الكلام عليه في الشاهد الخامس والعشرين من هذا الكتاب وأنشد الجاربردي - وهو الشاهد الثاني والخمسون بعد المائة -: (من الرجز) 152 - أطْعَمْتُ رَاعِيَّ مِنْ الْيَهْيَرِّ على أن صاحب الصحاح قال: " يَهْيَرُّ يَفْعَلُّ، بمعنى صَمْغِ الطلح، وأنشد متصلاً به فَظَلَّ يَعْوِي (1) حَبِطاً بِشَرِّ * خَلْفَ اسْتِهِ مِثْلَ نَقِيقِ الْهِرِّ ثم قال بعده: وقال الأحمر: الحجر اليَهْيَرُّ: الصُّلْب، ومنه سمى صبغ الطلع يهيرا، وقال أبو بكر بن سراح: ربما زادوا فيه الألف فقالوا يهيرى (2)
قال: وهو من أسماء الباطل، وقولهم: أكذب من اليهيرهو السراب " انتهى. وقال الصاغاني في العباب بعد ما ذُكِر: " وقال الليث: اليهير حجارة أمثالُ الكف، ويقال: دويبة تكون في الصحاري أعظم من الجرز، الواحدة يهيرة، قال: واختلفوا في تقديرها، فقالوا: يفعلة، وقالوا فعللة، وقالوا فَعْيَلَّة " انتهى. فحكى ثلاثة أقوال: أصاله الياءين، أصالة الأولى، أصالة الثانية: والطَّلْح الموز، وشجر من شجر العَضَاة، و " يعوي " من عوى الكلب والذئب وابن آوى يعوي عُوَاءً: أي صاح، وحبط - بفتح المهملة وكسر الموحدة - وصف من الْحَبَطِ - بفتحتين -: وهو أن تأكل الماشية فتُكْثِر حتى ينتفخ لذلك بطنها ولا يخرج عنها ما فيها. والنقيق: صوت الضفدع والدجاجة، وفي العُباب " يقال: نقت الضفدع تنِق - بالكسر - نقيقاً: أي صاحت، ويقال أيضاً: نقت الدجاجة، وربما قيل للهر أيضاً " وأنشد هذا الرجز ومراده الصراط، ولم يكتب ابن بري في أماليه على الصحاح هنا شيئاً، ولم أقف على قائله، والله تعالى أعلم الامالة أنشد فيها - وهو الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة -: (من المنسرح) 153 - * أنَّى وَمِنْ أيْنَ آبَكَ الطَّرَبُ * وهو صدر، وعجزه: * مِنْ حَيْثُ لا صَبْوَةٌ وَلاَ رِيَبُ * على أن " أنَّى " فيه للاستفهام، بمعنى كيف، أو بمعنى مِن أيْنَ، والجملة المستفهم عنها محذوفة، لدلالة ما بعده عليها، والتقدير أنى آبك، ومن أين آبك فحذف للعلم به، واكتفى بالثاني. وأنشده الزمخشري في المفصل في غير باب الإمالة على أن فيه " أنَّى " بمعنى
كيف، كقوله تعالى (فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ) قال ابن يعيش: " الشاهد فيه أنى بمعنى كيف، ألا ترى أنه لا يحسن أن تكون بمعنى من أين؟ لأن بعدها من أين، فيكون تكريراً، ويجوز أن تكون بمعنى من أين، وكررت على سبيل التوكيد، وحَسُنَ التكرار لاختلاف اللفظين، فاعرفه " انتهى. وأورده الزجاج في تفسيره عند قوله تعالى: (أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ) على أن أنَّى فيهما بمعنى كيف. وآبك: جاءك وغشيك، وهو فعل ماضى من الأوْب، والطرب: خفة من فرح أو حزن، والمراد الأول. والصبوة: الصِّبى، والشوق. والرِّيَب: جمع ريبة وهي الشبهة. يقول: كيف طربت مع كبر سِنِّك من حيث لا يوجد الطرب ومواضعه؟ الصبوة للفرح، والرِّيَب للحزن، وعدَّد ما يقع معه الطرب، فقال: لاَ مِنْ طِلاَبِ الْمُحَجَّبَاتِ إذَا * أُلْقِيَ دُونَ الْمَعَاصِرِ الْحُجُبُ إلى أن انتهى إلى قوله: * فَاعْتَتَبَ الشوق * والعامل في " أنى " آبك المحذوفة والبيت مطلع قصيدة للكميت بن زيد الأسدي، رضي الله عنه، مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعَدَّد بعده ما يقع منه الطرب وأطال، وذكر غيره، فقال: فَاعْتَتَبَ الشَّوْقُ من فؤادي * والشعر إلَى مَنْ إِلَيْهِ مُعْتَتَبُ إلى السَّرَاجِ الْمُنِيرِ أحْمَدَ لاَ * تَعْدِلُنِي رَغْبَةٌ وَلاَ رَهَبُ عَنْهُ إلَى غيره ولو رفع * الناس إلَيَّ الْعُيُون وَارْتَقَبُوا وَقِيلَ: أَفْرَطْتَ، بَلْ قَصَدْتَ وَلَوْ * عَنَّفَنِي الْقَائِلُونَ أوْ ثَلَبُوا إلَيْكَ يَا خَيْرَ من تضمنت * الارض وَلَوْ عَابَ قَوْلِي الْعُيَبُ لَجَّ بِتَفْضِيلِكَ اللِّسَانُ واو * أُكْثِرَ فِيكَ الضِّجَاجُ وَالصَّخَبُ
في الصحاح: " الاعتتاب: الانصراف عن الشئ " وأنشد هذا البيت وثلبه ثلباً، إذا صَرَّح بالعيب وتنقّصه، وفيه أيضا: " الصخب: الصياخ والجلبة، تقول منه: صَخِب - بالكسر - فهو صاخب ". قال السيد المرتضى في أماليه وابن رشيق في العمدة: " وقد عيب عليه هذا المدح، قالوا: من هذا الذى يقول في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرطت، أو يعنفه ويثلبه ويعيبه، حتى يكثر الضِّجَاج والصخب، هذا كله خطأ منه وجهل بمواقع المدح " وقال من احتج له: " لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أراد عليّاً كرَّم الله وجهه، فَوَرَّى عنه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من بني أمية " وقال السيد: " فوجّه القول إليه صلى الله عليه وسلم والمراد غيره، إذ مراده وإن أكثر في مدح أهل بيته وذريته عليه السلام الضِّجاج والتقريع والتعنيف " والقصيدة طويلة تزيد على مائة وثلاثين بيتاً وأنشد الجار بردى هنا - وهو الشاهد الرابع والخمسون بعد المائة - (من الرجز) 154 - * بَيْنَ رِمَاحَيْ مَالِكٍ وَنَهْشَلِ * على أن يجوز تثنية الجمع، لتأويله بالجماعتين واستشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى: (اثنتى عشرة أسباطا) على جمع الأسباط، مع أن مميز ما عدا العشرة لا يكون مفرداً، لأن المراد بالأسباط القبيلة، ولو قيل سِبْطاً لأوهم أن المجموع قبيلة واحدة، فوضع (أسباطاً) موضع قبيلة، كما وضع الرماح وهو جمع رمح موضع جماعتين من الرماح، وثنى على تأويل رماح هذه القبيلة ورماح هذه القبيلة، فالمراد لكل فرد من أفراد هذه التثنية جماعة، كما أن لكل فرد من أفراد هذا الجمع - وهو أسباط - قبيلة
والبيت من أرجوزة طويلة لأبي النجم العِجْلي أولها: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الأَجْلَلِ * الْوَاسِعِ الْفَضْلِ الْوَهُوبِ الْمُجْزِلِ أعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّلِ * كرم الذُّرَى مِنْ خَوَلِ الْمُخْوِّلِ تَبَقَّلَتْ مِنْ أوَّلِ التَّبَقُّلِ * بَيْنَ رِمَاحَيْ مَالِكٍ وَنَهْشَلِ والْبُخْل: منع السائل مما يفضل، والمبخَّل: مِنْ بَخّله - بالتشديد - إذا نسبه إلى البخل، وأما أبْخَلَه بالهمزة فمعناه وجده بخيلاً، و " كوم الذرى " مفعول أعطى، وهو جمع كَوْمَاء - بالفتح والمد - وهي الناقة العظيمة السنام، والذّرى بالضم: جمع ذُرْوَة - بالكسر والضم -: أعلى السِّنَام، والْخَوَلُ - بفتح المعجمة والواو -: العطية، والمخوِّل: اسم فاعل من خَوَّله تخويلاً، إذا أعطاه وملكه، وتبقلت: رعت الْبَقْل، وهو كل نبات يأكله الإنسان والحيوان، وفاعل " تبقلت " ضمير كوم الذرى، ومالك: قبيلة من هوازن، ونهشل: قبيلة من ربيعة، قال الأصبهاني في الأغاني: " إنما ذكر هاتين القبيلتين لأنه كانت دماء وحروب بينهما، فتحامى جميعهم الرعى فيما بين فَلْج والصَّمَّان - وهما موضعان في طريق الحج من البصرة - مخافة الشر، حتى كثر النبت وطال، فجاءت بنو عجل لعزها وقوتها إلى ذَيْنكَ الموضعين فرعته ولم تخف رماح هذين الحيَّيْن، ففخر به أبو النجم ". وبين: ظرف متعلق بقوله " تبقلت " وقد تكلمنا على هذه الأبيات وأبيات أخر من هذه الأرجوزة بأبسط مما هنا مع ترجمة أبي النجم في الشاهد الثامن والأربعين بعد المائة من شواهد شرح الكافية تخفيف الهمزة أنشد فيه - وهو الشاهد الخامس والخمسون بعد المائة -: (من الكامل)
155 - ما شد أنفسهم وأعلمهم بما * يحمي الذمار بِهِ الْكَرِيمُ الْمُسْلِم على أن أصله " ما أشد أنفسهم " فحذفت الألف لضرورة الشعر، وأنشده ابن عصفور في كتاب الضرائر لذلك، وقال المرادي في شرح التسهيل: حذف الألف في هذا البيت نادر، وهو تعجب من شدة أنفسهم، من شَدَّ الشئ يَشدُّ - من باب ضربَ - شِدَّةً، إذا قوي، وكذا تعجب من كثرة علمهم بما ذكر، وحَمَيْتُ الشئ من كذا - من باب رمى - إذا منعته عنه وصنته، والذمار مفعوله، والكريم فاعله، والذمار - بكسر الذال المعجمة - قال صاحب الصحاح: وقولهم فلان حامي الذمار: إي إذا ذُمِّرَ غضبَ وَحَمَى، وفلان أمنع ذماراً من فلان، ويقال: الذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه، وسمي ذماراً لأنه يجب على أهله التذمر له وهو من قولهم: ظَلَّ يتذمر على فلان، إذا تنكر له وأوعده. وأنشد بعده - وهو الشاهد السادس والخمسون بعد المائة -: (من المتقارب) 156 - أرَيْتَ امْرَأً كُنْتُ لَمْ أَبْلُهُ * أتَانِي فَقَالَ اتَّخِذْنِي خَلِيلاَ على أن أصله " أرأيت " فحذفت الهمزة، وهي عين الفعل، والهمزة الاولى للاستفهام، ورأيت: بمعنى أخبرني، وفيه تجوز إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار، لأن الرؤية سبب الإخبار، وجعل الاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطلب، والرؤية هنا منقولة من رؤية البصر، ولهذا تعدت إلى مفعول واحد، ولم أبْلُهُ - بضم اللام والهاء - من بَلاَه يَبْلُوه بَلْواً، إذا جربه واختبره، والخليل: الصديق الخالص المودة، وأراد به هنا امرأته
البيت من أبيات لأبي الأسود الدؤلي، روى الأصبهاني في الأغاني، قال: كان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة، فيتحدث إليها، وكانت جميلة، فقالت: يا أبا الأسود، هل لك أن أتزوجك فإني صناع الكف حسنة التدبير قانعة بالميسور؟ قال: نعم، فجمع أهلها وتزوجته، فوجدها بخلاف ما قالت، وأسرعت في ماله، ومدت يدها إلى جبايته، وأفشت سره، فغدا على من كان حضر تزويجها، فسألهم أن يجتمعوا عنده، ففعلوا، فقال لهم: أرَيْتَ امرأ كنت لم أبله * أتَانِي فَقَالَ: اتَّخِذْنِي خَلِيلاَ فَخَالَلْتُهُ ثُمَّ أَكْرَمْتُهُ * فَلَمْ أسْتَفِدْ مِنْ لديه فتيلا وألفيته حبن جَرَّبْتُهُ * كَذُوبَ الْحَدِيثِ سَرُوقاً بَخِيلاَ فَذَكَّرْتُهُ ثُمَّ عَاتَبْتُهُ * عِتَاباً رَفِيقاً وَقَوْلاً جَمِيلاَ فَأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ * وَلاَ ذَاكِرِ الله إلاَّ قَلِيلاَ ألَسْتُ حَقِيقاً بِتَوْدِيعِهِ * وَإتْبَاعِ ذَلِكَ صُرْماً طَوِيلاَ فقالوا: بلى والله يا أبا الأسود، فقال: تلك صاحبتكم، وقد طلقتها، وأنا أحب أن أستر ما أنكرته من أمرها، فانصرفت معهم " انتهى وخاللته: اتخذته خليلا، والفتيل: الشئ الحقير، والرفيق: من الرِّفق، وهو ضد العُنْف، وألفيته: وجدته، يتعدى إلى مفعولين، ومستعتب: اسم فاعل، وهو الراجع بالعتاب، وحذف التنوين للضرورة من " ذاكِرِ الله "، ولفظ الجلالة منصوب، وروي بالإضافة، والتوديع: هنا الترك والفراق، والصوم - بالضم -: الهجر. وقد تكلمنا على هذه الأبيات بأبسط مما هنا في الشاهد الثاني والأربعين بعد التسعمائة من شواهد شرح الكافية
وأنشد بعده - وهو الشاهد السابع والخمسون بعد المائة -: (من الخفيف) 157 - صَاحِ هَل رَيْتَ أوْ سَمِعْتَ براع رد في الضرع ما قَرَى فِي الْعِلاَبِ على أن أصله " هل رأيت " فحذفت الهمزة واستشهد به صاحب الكشاف على قراءة الكسائي (أرَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّين) وروي: * صَاحِ أبْصَرْتَ أوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ * وعلى هذا لا شاهد فيه، ومعناه كقول المتنبي: (من الوافر) وَمَا مَاضِي الشَّبَابِ بِمُسْتَرَدٍ * وَمَا يَوْمٌ يَمُرُّ بِمُسْتَعَادِ وصاح: منادى مرخم صاحب، وهل ريت: استفهام إنكاري، ويجوز أن يكون تقريريا، وقوله " براع " متعلق بمسعت، وسمع له استعمالات أربعة ذكرناها في شواهد شرح الكافية: منها أن يتعدى بالباء، ومعناه الإخبار، ويدخل على غير المسموع، ولا يحتاج إلى مصحح من صفة ونحوه، تقول: ما سمعت بأفضل منه، وفي المثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، قابله بالرؤية لأنه بمعنى الإخبار عنه المتضمن للغيبة، وقال الشاعر (من البسيط) وَقَد سَمِعْتُ بِقَوْمٍ يُحْمَدُونَ فَلَمْ * أسْمَعْ بِمِثْلِكَ لاَ حِلْماً وَلاَ جُودَا والراعي: الذي يرعى الماشية، ومن شأنه أن يحلبها، ورده: رجعه، والضَّرع لذوات الظلف كالثدي للمرأة، والظِّلْف - بالكسر - من الشاء والبقر ونحوهما كالظفر من الإنسان، وما: مفعول رد، وهو اسم موصول: أي اللبن الذي قراه: أي جمعه، والعلاب - بكسر العين المهملة - جمع عُلْبة - بضمها وهي محلب من جلد، وقال ابن دريد في الجمهرة: " الْعُلْبَة: إناء من جلد جِنْبِ بعير، وربما كان من أديم، والجمع علاب، يتخذ كالعُسِّ، يحتلب فيه " وأنشد هذا البيت (1) ،
وروى " في الحِلاَب " بكسر الحاء المهملة، قال صاحب العباب: الإناء الذي يحلب فيه، وأنشد هذا البيت لاسماعيل بن يسار النِّسائي، ونقل خَضِر الموصلي من الصحاح أنه لا سماعيل المذكور، وهذا لا أصل له، فإنه لم ينشده إلا في مادة الرؤية، ولم ينشده إلا غفلاً غير معزو، ولهذا قال ابن بري في أمالية عليه: هذا البيت مجهول لا يعرف قائله، وقد أورده صاحب الأغاني في قصيدة لإسماعيل أولها: مَا عَلَى رَسْمِ مَنْزِلٍ بِالْجَنَابِ * لَوْ أبَانَ الْغَدَاةَ رَجْعَ الْجَوَابِ غَيَّرْتْهُ الصَّبا وَكُلُّ مُلِثٍّ * دَائمِ الْوَدْقِ مُكْفَهِرِّ السَّحَابِ دَارَ هِنْدٍ وَهُلْ زَمَانِي بِهِنْدٍ * عَائِدٌ بِالْهَوَى وَصَفْوِ الْجنَابِ كَالَّذِي كَانَ وَالصِّفَاءُ مَصُونٌ * لَمْ تَشِنْهُ (1) بِهِجْرَةٍ واجْتِنَابِ ذَاكَ مِنْهَا إذْ أنْتَ كَالْغُصْنِ غَضًّا (2) وَهْيَ رُودٌ كَدُمْيَةِ الْمِحْرَابِ غَادَةٌ تَسْتَبِي الْعُقُولَ بِثَغْرٍ (3) * طَيِّبِ الطَّعْمِ بَارِدِ الأَنْيَابِ وَأثيثٍ مِنْ فَوْقِ لَوْنٍ نَقِيٍّ * كَبَياضِ اللُّجَيْنِ في الزِّرْيَابِ فأَقِلَّ الْمَلاَمَ فِيهَا وأقْصِرْ * لَجَّ قَلْبي منْ لَوْعَتِي وَاكْتِئَابيِ (4)
صَاحِ أَبْصَرْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ * رَدَّ في الضرع ما قرى في الحلاب (1) وقال فيما يفخر عَلَى العرب بالعجم: رُبَّ خَالٍ مُتَوَّجٍ لِي وَعَمٍّ * مَاجِدِ الّمُجْتَدَى (2) كَرِيمِ النِّصَابِ إنَّمَا سُمِّيَ الفوارس بالفرس * مضاهاة رفعة الانساب فاتزكى الْفَخْرَ يَا أُمَامُ عَلَيْنَا * وَاتْرُكِي الْجَوْرَ وَانْطِقِي (3) بِالصَّوَابِ إذْ نُرَبِّي بناتنا وتدسون * سفاها ببالكم فِي التُّرَابِ قال صاحب الأغاني: " كان إسماعيل بن يسار النِّسَائي مولى بني تيم بن مرة تيم قريش، وكان منقطعاً إلى ابن الزبير، فلما أفضت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان وفد إليه مع عُرْوَة بن الزبير، ومدحه، ومدح الخلفاء من ولده، وعاش عمراً طويلاً إلى أن أدرك آخر سلطان بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية وإنما سمي إسماعيل بن يسار النِّسَائيَّ لأن أباه كان يصنع طعام العرس ويبيعه، فيشتره منه من أراد التعريس (من المتجملين و) (4) ممن لا تبلغ حاله اصطناع ذلك، وقيل: إنما سمي به لأنه كان يبيع النَّجْد والفُرْشَ التي تتخذ للعرائس، وقيل: إنما لقب به لأن أباه كان يكون عنده طعام العرسات مصلحاً أبداً، فمن طرقه وجده عنده معدا
وروى المدائني قال: استأذن إسماعيل على الغَمْر بن يزيد بن عبد الملك يوماً فحجبه ساعة، ثم أذن له، فدخل يبكي، فقال له: مالك تبكي؟ قال: كيف لا أبكي وأنا على مَروَانِيتي ومروانية أبي أحجب عنك؟ فجعل الغَمْر يعتذر إليه، وهو يبكي، فما سكت حتى وصله الغَمْر بحلة لها قدر، وخرج من عنده، فلحقه رجل، فقال له: أخبرني - ويلك يا إسماعيل - أيُّ مروانية كانت لك ولأبيك؟ قال: بُغْضُنَا إياهم، امرأته طالق إن لم يكن يلعن مروان وآله كل يوم مكان التسبيح، وإن لم يكن أبوه حضره الموت، فقيل له: قل لا إله إلا الله، فقال: لعن الله مروان، تقرباً بذلك إلى الله، وإقامة له مقام التوحيد وكان إسماعيل يكنى أبا فائد، وكان أخواه محمد وإبراهيم شاعرين أيضاً، وهم من سبي فارس، وكان إسماعيل شُعُوبيّاً (1) شديد التعصب للعجم، له شعر كثير يفخر بالأعاجم، أنشد يوماً في مجلس فيه أشعيب: إذ نربى بناتنا وتدسون * سَفَاهاً بَنَاتِكُمْ فِي التُّرَابِ فقال أشعب: صدقت والله يا أبا فائد، أراد القوم بناتهم لغير ما أردتموهن له، قال: وما ذاك؟ قال: دفن القوم بناتهم خوفاً من العار عليهن، وربيتموهن لتنكحوهن، فضحك القوم حتى استغربوا، وخجل إسماعيل، حتى لو قدر أن يسيخ في الأرض لفعل ومدح إسماعيل رجلاً من أهل المدينة يقال له عبد الله بن أنس، وكان قد لحق ببنى مروان، وأصاب منهم خيراً، وكان إسماعيل صديقاً له فرحل إليه إلى دمشق، فأنشده مدائح له، ومَتَّ إليه بالجوار والصداقة فلم يعطه شيئاً، فقال يهجوه (من الوافر)
لَعَمْرُكَ مَا إلَى حَسَن رَحَلْنَا * ولا زرنا حُسَيْناً يَا ابْنَ أنْسِ وَلاَ عَبْداً لِعَبدِهِمَا فَنَحْظَى * بِحُسْنِ الْحَظِّ مِنْهُمْ غَيْرَ بَخْسِ وَلَكِنْ ضَبَّ جَنْدَلَةٍ أتَيْنَا * مُضِبّاً فِي مَكَامِنِهِ يُفَسِّي فَلَمَّا أنْ أتَيْنَاهُ وَقُلْنَا * بَحَاجَتِنا تَلَوَّنَ لَوْنَ وَرْسِ فَقُلْتُ لِأَهْلِهِ: أبِهِ كُزَازٌ؟ * وَقُلْتُ لِصَاحِبِي: أتْرَاهُ يُمْسي؟ فَكَانَ الْغُنْمُ أنْ قُمْنَا جَمِيعاً * مَخَافَةَ أنُ نُزَنَّ بِقَتْلِ نَفْسِ وترجمته في الأغاني طويلة، واكتفينا منها بهذا القدر وقال خضر الموصلي في شرح أبيات التفسيرين: البيت الشاهد لمُضَاضِ ابن عَمْرو الجرهمي، من أبيات أولها: قَدْ قَطَعْتُ الْبِلاَدَ فِي طلب الثروة وَالمَجْدِ قَالِصَ الأَثْوَابِ وَسَرَيْتُ الْبِلاَدَ قَفْراً لِقَفْرٍ * بِقَنَاتِي وَقُوَّتِي وَاكْتِسَابِي فَأَصَابَ الرَّدَى بَنَاتِ فُؤَادِي * بِسِهَامٍ مِنَ الْمَنَايَا صُيَابِي فَانْقَضَتْ شرَّتِي وَأقْصرَ جَهْلِي * وَاسْتَرَاحَتْ عَوَاذِلِي مِنْ عِتَابِي وَدَفَعْتُ السَّفَاهَ بِالْحِلْمِ لَمَّا * نَزَلَ الشَّيْبُ فِي مَحَلِّ الشَّبَابِ صَاحَ هَلْ رَيْتَ أوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ * ... البيت وقال السهيلي في الأرض الأنف (1) : " كان عبد الله بن جدعان في ابتداء أمرء صُعْلًُوكاً وكان مع ذلك شِرِّيراً فاتكاً لا يزال يجني الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته ونفاه أبوه، فخرج في شعاب مكة حائراً يتمنى الموت، فرأى شقاً في جبل فظن حية فتعرض للشق يرجو أن يكون فيه ما يقتله، فدخل فيه فإذا به ثعبان عظيم له عينان كالسِّرَاجَين، فحمل عليه الثعبان فأفرج له فانساب عنه، فوقع في قلبه أنه مصنوع، فأمسكه بيده فإذا هو مصنوع من
ذهب وعيناه ياقوتتان، فكسره وأخذ عينيه، ودخل البيت فإذا جُثَث على سُرُر طِوال (1) لم ير مثلهم طولا وعظما، وعند رؤسهم لوح من فضة فيه تاريخهم، وإذا هم رجال من ملوك جُرْهُم، وآخرهم موتاً الحارث بن مُضَاض، وعليهم ثياب لا يُمَس منها شئ إلا انتثر كالهباء من طول الزمن، وشعرٌ مكتوب (في اللوح) فيه عظات، آخر بيت منه: صَاحَ هَلْ رَيْتَ أوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ ... البيت وقال ابن هشام: " كان اللوح من رخام، وفيه: أنا نُفَيْلة بن عبد الْمَدان بن خشرم بن عبد ياليل بن جُرْهم بن قحطان بن هود نبي الله عليه صلوات الله، عشت خمسمائة عام وقطعت الأرض في طلب الثروة والمجد والملك، فلم يكن ذلك ينجيني من الموت، وتحته مكتوب الأبيات السابقة: * قَدْ قَطَعْتُ الْبِلاَدَ ... إلى آخرها * وفي ذلك (البيت) كَوْمٌ عظيم من اليواقيت والزَبَرْجَد والذهب والفضة، فأخذ منه ما أخذ، ثم علَّم على الشَّق بعلامة وَأغلق بابه بالحجارة وأرسل إلى أبيه بالمال الذي خرج به ليسترضيه، ووصل عشيرته كلهم فَسَادَهُمْ، وجعل ينفق من الكنز ويطعم الناس ويفعل المعروف، حتى ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يستظل في الهاجرة بظل جَفْنَته، وكانت بحيث يأكل منها الراكب على بعيره، وسقط فيها مرة غلام فغرق فيها فمات ومُضَاض بن عمرو الجُرْهمي جاهلي، من شعره المشهور من قصيدة: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلى الصَّفَا * أنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ " انتهى ما أورده الموصلي باختصار
ورأيت هذه الأبيات لأبي نُفَيْلة وكان من الْمُعْمَّرِين وأنشد بعده - وهو الشاهد الثامن والخمسون بعد المائة -: (من الطويل) 158 - إذَا قَامَ قَوْمٌ يأسلون مليكهم * عطاء فدهماء الَّذِي أنَا سَائِلَه على أنه قدم فيه الهمزة التي هي عين الفعل على السين التي هي فاء الفعل، للاستكراه من تخفيفها بالحذف لو أبقيت على حالها و " الذي " مبتدأ، وجملة " أنا سائله " من المبتدأ والخبر صلة الموصول، ودهماء - وهي اسم امرأة - خبر الذى، والجمل جواب إذا، و " دَهْمَاء " يحتمل أن يكون اسم امرأة، ويحتمل أن يكون اسم فرس (1) وأنشد بعده - وهو الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة -: (من الوافر) 159 - أُرِي عَيْنَي ما لم تَرْأياهُ * كِلاَنَا عَالِمٌ بِالتُّرَّهَاتِ على أنه جاء لضرورة الشعر إثبات الهمزة في " تَرْأياه " والقياس نقل حركتها إلى الراء وحذفها، قال ابن جني في سر الصناعة: " وقد رواه أبو الحسن " ما لَمْ تَرَيَاه " على التخفيف الشائع عنهم في هذا الحرف " انتهى وقال في المحتسَب من سورة البقرة: " قرأ أبو عبد الرحمن السلمي (أَلَمْ ترأ إلى الملا) ساكنة الراء، وهذا لعمري أصل هذا الحرف، رأى يرأى كرعى يرعى، إلا أن أكثر لغات العرب فيه تخفيف بحذفها وإلقاء حركتها على الراء قبلها، وصار حرف المضارعة كأنه بدل من الهمزة، وكذلك أفْعَلُ مِنْهُ كقوله تعالى (لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بما أراك الله " أصله أرآك الله، وحكاها صاحب الكتاب عن أبي الخطاب، ثم إنه قد جاء مع هذا تحقيق هذه الهمزة وإخراجها على أصلها كقوله:
* أُرِي عَيْنَي مَا لَمْ تَرْأيَاهُ * فخفف أُري وحقق ترأياه، ورواه أبو الحسن " تَرَيَاه " على زحاف الوافر، وأصله " ترأياه " على أن مُفَاعَلَتُنْ لحقها العصب بسكون لامها، فنقلت إلى مفاعيلن، ورواية أبى الحسن " يمالت " مفاعيلُ، فصار الجُزء بعد العصب إلى النقص " انتهى. وقال الزجاجي في أمالية الكبرى (1) : " أما قوله ترأياه فإنه إلى أصله، والعرب لم تستعمل يرى وترى ونرى وأرى إلا بإسقاط الهمزة تخفيفاً، فأما في الماضي فإنها مثبتة، وكان المازني يقول: الاختيار عند أن أرْوِيه " لَمْ تَرَيَاه " بغير همز، لأن الزحاف أيسر من رَدِّ هذا إلى أصله، وكذلك كان ينشد قول الآخر: (من الطول) ألم تر ما لا قيت وَالدَهْرُ أعْصُرٌ * وَمَنْ يَتَمَلَّ الْعَيْشَ يَرْأ ويَسْمَعُ بتخفيف الهمزة (2) " انتهى.
وقال قبل هذا (1) " أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حَمْدان البصري وأبو غانم الغنوي قالا: أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الْحُباب (الْجُمَحِي) عن محمد بن سلام، قال: كان سراقة البارقي شاعرا ظريفا زوارا للملوك حلو الحديث، فخرج في جملة من خرج لقتال المختار فوقع أسيراً فأتى به المختار، فلما وقف بين يديه قال: يا أمين آل محمد (2) إنه لم يأسرني أحد ممن بين يديك، قال: ويحك! فمن أسرك؟ قال: رأيت رجالاً على خيل بُلْق يقاتلوننا ما أراهم الساعة: هم الذين أسروني، فقال المختار لأصحابه: إن عدوكم يرى من هذا الامر ما لاترون، ثم أمر بقتله، فقال: يا آمين آل محمد (2) : إنك لتعلم أنه ما هذا أوان تقتلني فيه، قال: فمتى أقتلك؟ قال: إذا فَتَحْتَ دِمَشْق ونقضتها حجراً ثم جلست على كرسي في أحد أبوابها، فهناك تدعوني فتقتُلني وتَصْلِبُنِي، فقال المختار: صدقت، ثم التفت إلى صاحب شُرْطته، فقال: ويحك! من يخرج سري إلى الناس، ثم أمر بتخليه سراقة، فلما أفلت أنشأ يقول - وكان المختار يكنى أبا إسحق -: ألاَ أبلِغْ أبا إسحق أنِّي * رَأَيْتُ الْبُلْقَ دُهْماً مُصْمَتَاتِ أُرِي عَيْنَيَّ ما لم ترأياه * كلانا عالم بالترهات
كَفَرْتُ بِوَحْيِكُمْ وَجَعَلْتُ نَذْراً (1) عَلَيَّ قِتَالَكُمْ حَتَّى الْمَمَاتِ " انتهى كلام الزجاجي وحديث القتل وفتح دمشق نسبه الجاحظ لغير سراقة، قال في كتاب المحاسن والأضداد في فضل محاسن الدهاء والحيل: " الهيثم بن الحسن بن عمارن، قال: قدم شيخ من خزاعة أيام المختار، فنزل على عبد الرحمن بن أبان الخزاعي، فلما رأى ما يصنع سوقة المختار بالمختار من الإعظام جعل يقول: يا عباد الله، أبا لمختار يصنع هذا؟ والله لقد رأيته يتبع الإماء بالحجاز (2) فبلغ ذلك المختار، فدعا به وقال: ما هذا الذي بلغني عنك؟ قال: الباطل، فأمر بضرب عنقه، فقال: لا والله لا تقدر على ذلك، قال: ولم؟ قال: أمّا دون أن أنظر إليك وقد هدمت مدينة دمشق حجراً حجراً وقتلت المقاتلة وسبيت الذرية ثم تصلبني على شجرة على نهر (فلا) (3) والله إني لأعرف الشجرة الساعة، وأعرف شاطئ ذلك النهر، فالتفت المختار إلى أصحابه فقال لهم: أمَا إن الرجل قد عرف الشجرة، فحبس، حتى إذا كان الليل بعث إليه فقال: يا أخا خُزاعة، أو مُزاح عند القتل؟ قال: أنشدك الله أن أقتل ضياعاً، قال: وما تطلب ها هنا؟ قال: أربعة آلاف درهم أقضي بها ديني، قال: ادفعوا له بذلك، وإياك أن تصبح بالكوفة، فقبضها وخرج، وعنه قال: كان سراقة البارقيّ من ظرفاء أهل الكوفة، فأسره رجل من أصحاب المختار فأتى به المختار فقال له: أسرك هذا؟ قال سراقة: كذب، والله ما أسرني إلا رجل على ثياب بيض على فرس أبلق، فقال المختار: أما إن الرجل قد عاين الملائكة، خلوا سبيله، فلما أفلت أنشأ يقول:
* ألا أبلغ أبا إسحق ... * إلى آخر الأبيات الثلاثة. وكذا روى هذه الحكاية الأصبهاني في الأغاني من طريق الأعمش عن إبراهيم النخعي. وفي هذه الروايات اختصار، فإن هذه الأبيات قالها بعد ما أسر ثَالثاً، قال ابن عبد ربه وفى العقد الفريد (1) : أبو حاتم قال: حدثنا أبو عبيدة، قال: أُخِذ سراقة بن مرداس البارقي أسيراً يوم جَبَّانة السَّبيع (2) فَقُدِّم في الأسرى إلى المختار، فقال: (من الرجز) امننن عَلَيَّ الْيَوْمَ يَا خَيْرَ معَدْ * يَا خَيْرَ مَنْ لَبَّى وصًلَّى وَسَجَدْ فعفى عنه المختار وخلى سبيله، ثم خرج مع (إسحق) ابن الأشعث، فأُتى به المختار أسيراً، فقال له: ألم أعف عنك وأمنُنْ عليك؟ أما والله لأقتلنك، قال: لا، والله لا تفعل إن شاء الله، قال: ولم؟ قال: لأن أبي أخبرني أنك تفتح الشام حتى تهدم مدينة دمشق حجراً حجراً وأنا معكم، ثم أنشده: (من الوافر) ألا أبلغ أبا إسحق أنَّا * حَمَلْنَا حَمْلَةً كَانَتْ عَلَيْنَا (3) خَرَجْنَا لاَ نَرَى الضُّعَفَاءَ شَيْئاً (4) * وَكَانَ خُرُوجُنَا بَطَراً وَحَيْنَا (5) نَرَاهُمْ فِي مَصَفِّهُمُ قَلِيلاً * وَهُمْ مِثْلُ الدَّبَا لَمَّا الْتَقَيْنَا فَأسْجحْ إذْ قَدَرْتَ فَلَوْ قَدَرْنَا * لَجُرْنَا في الْحُكُومَةِ واعْتَدَيْنَا تَقَبَّل تَوْبَةً مِنِّي، فإنى * سأشكر إن جعلت النقد دينا
قال: فخلى سبيله، ثم خرج (إسحق) ابن الأشعث ومعه سراقة فأخذ أسيراً وأتى به المختار، فقال: الحمد لله الذي أمكنني منك، يا عدو الله، هذه ثالثة، فقال سراقة: أما والله ما هؤلاء الذين أخذوني، فأين هم؟ لا أراهم! إنا لما التقينا رأينا قوماً عليهم ثياب بيض وتحتهم خيل بُلْق تطير بين السماء والأرض، فقال المختار: خلوا سبيله ليخبر الناس، ثم عاد (1) لقتاله، فقال: ألاَ من مُبَلِّغُ الْمُخْتَارِ عَنِّي * بِأَنَّ الْبُلْقَ دُهْمٌ مُضْمَرَاتِ أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تَرَأيَاهُ * إلخ الشعر " انتهى وقوله " رأيت الْبُلْقَ دُهْماً إلخ " هو جمع أبْلَق وَبلقاء، وأراد الخيل الْبُلْق، وهي ما فيها بياض وسواد، ودهم: جمع أدهم ودَهْماء، من الدُّهْمَة - بالضم - وهي السواد، وأراد أن الخيل الْبُلْق التي ذكرت أنها تطير إنما هي خيل دهم نحاربك عليها، والمُصْمَت - بضم الميم الأولى وفتح الثانية - قال الجوهري: هو من الخيل البهيم: أي لون كان لا يخالط لونَه لونٌ آخر، وروي بدله " مضمرات " بوزنه، يقال: أضمرت الفرس، إذا أعددته للسباق، وهو أن تعلقه قُوتاً بعد السمن (2) ، وقوله " أُرِي عَيْنَيَّ إلخ " بضم الهمزة، مضارع من الإراءة خفف بحذف الهمزة من آخره، و " ما " نكرة بمعنى شئ مفعول ثان لأرى، والأول هو عَيْنيَّ، وكلانا: أي أنا وأنت والبيت كذا أورده أبو زيد بمفرده في نوادره (3) ورواه أبو حاتم عن أبي عبيدة " ما لَمْ تُبْصِرَاهُ إلخ " وحينئذٍ لا شاهد فيه، والترهة: بضم المثناة وتشديد الراء المفتوحة
قال الأخفش فيما كتبه على النوادر: التَّرَّهات الاباطليل، وفي الصحاح قال الأصمعي: التُّرَّهات: الطرق الصغار غير الجادَّة، تتشعب عنها، الواحدة تُرَّهة فارسيّ معرب، ثم استعير في الباطل وسُراقة بن مِرْداس البارقي بضم السين وآخره قاف، ومِرداس بكسر الميم، قال الآمدي في المؤتلف والمختلف: بارق اسم جبل نزل به سعد بن علي بن حارثة بن عمرو بن عامر، فنُسبوا إلى ذلك الجبل، وبارق: أخو خزاعة، وهذا هو سُراقة بن مرداس الأصغر، وهو شاعر مشهور خبيث قال يهجو جريراً من قصيدة: (من الكامل) أبْلِغْ تَمِيماً غثَّها وَسَمِينَهَا * وَالْحُكْمُ يَقْصِدُ مَرَّة وَيَجُورُ أنَّ الفَرْزْدَقُ بَرَّزَتْ حَلَبَاتُهُ * عَفْواً وَغُودِرَ فِي التُّرَابِ جَرِيرُ هَذَا قَضَاءُ الْبَارقِيِّ وَإنَّنِي * بِالْمَيْلِ فِي مِيزَانِهِمْ لَبَصِيرُ فهجاه جرير في القصيدة التي خاطب فيها بشر بن مروان (من الكامل) : يَا بِشْرُ حُقَّ لِوَجْهِكَ التَّبْشِيرُ (1) ... قَدْ كَانَ بَالُكَ أنْ تَقُولَ لِبَارِقٍ * يَا آل بَارِقَ فِيمَ سُبَّ جرير وذكر الآمدي شاعرين آخرين متقدمين عليه في الزمان، يقال لكل منهما: سُرَاقة بن مِرداس البارقي: أحدهما سراقة بن مدارس الأكبر، والآخر هو شاعر فارس له شعر في يوم أوطاس، (2) ثم قال الآمدي: " وفي شعراء العرب
من يقال له سُراقة جماعة لم نقصد إلى ذكرهم وإنما ذكرت سراقة بن مرداس لاتفاق الاسم واسم الأب " انتهى، ولم يَرْفع نسب واحد من الثلاثة إلى قبيلة وأنشد الجاحظ لسراقة صاحب البيت الشاهد (من البسيط) : قَالُوا سُرَاقَةُ عِنِّينٌ فَقُلْتُ لَهُمْ * الله يَعْلَمُ أنِّي غَيْرُ عِنِّينِ فإنْ طلبتم بى الشئ الَّذِي زَعَمُوا * فَقَرِّبُونِي مِنْ بِنْتِ ابْنِ يَامِينِ وأنشد الجاربردي هنا - وهو الشاهد الستون بعد الماية -: (من الطويل) 160 - ألم تر ما لاقيت والدهر أعْصُرٌ * وَمَنْ يَتَمَلَّ الْعَيْشَ يَرْءَ وَيَسْمَعُ على أنه جاء على الأصل لضرورة الشعر، كما تقدم قبله وقال ابن جني في سر الصناعة: " قرأت على أبي على في نوادر أبي زيد: * ألَمْ ترَ مَا لاقيت والدهر أعْصُرٌ * كذا قرأته عليه " تَرَ " مخففاً، ورواه غيره، " تَرْء ما لاقيت " على وزن تَرْعَ، وهذا على التحقيق المرفوض في هذه الكلمة في غالب الأمر وشائِع الاستعمال " انتهى. ولم يتعرض لما في الصمراع الثاني، لأنه لم يتزن إلا بذكر الهمزة، فيكون على غير رواية أبي علي في كل من المصراعين ضرورة وهذا البيت والذي قبل كذا في الصحاح، وقد أنشدهما أبو زيد في النوادر وفي كتاب الهمز، قال في كتاب الهمز: " وعامة كلام العرب في يَرَى ونَرَى وتَرَى وأرى ونحوه على التخفيف، وبعضهم يحققه وهو قليل في كلام العرب، كقولك زيد يرأى رَأْياً حسناً، نحو يَرْعَى رَعْياً حسناً، قال سراقة البارقي: أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تَرْأيَاهُ * ... البيت. وقال الأعلم بن جَرَادة السعدي - وأدرك الاسلام -: ألم ترما لاَقَيْتُ وَالدَّهْرُ أعْصُرٌ * وَمَنْ يَتَمَلَّ الْعَيْشَ يَرْءَ وَيَسْمَعُ
بِأَنَّ عَزِيزاً ظَلَّ يَرْمِي بِجَوْزِهِ * إليَّ ورَاءَ الحاجزين ويفرع وأنشدني أعرابي من بني تميم لنفسه (من البسيط) : هَلْ تَرْجِعَنَّ لَيَالٍ قَدْ مَضَيْنَ لَنَا * وَالعَيْشُ مُنْقَلِبٌ إذْ ذَاكَ أفْنَانَا إذْ نَحْنُُ فِي غَرَّةِ الدُّنْيَا وَبَهجَتِهَا * والدَّارُ جَامِعَةٌ أزْمَانَ أزمانا لما استمر بها شَيْحَانُ مُبْتَجِحٌ * بِالْبَيْنِ عَنْكَ بِمَا يَرْآكَ شَنْآنَا فكل هؤلاء حقق الهمزة من يرى، وهو قليل في الكلام، والتحقيق الأصل " انتهى كلامه. وقوله " ألم تر " استفهام والرؤيا بصرية، و " ما " مفعولها، ولاقيت بضم التاء، والدهر مبتدأ وأعصر خبره، وهو جمع عَصْر يريد أن الدهر مختلف أزمانه لا يبقى على حال سرور وصفاء، بل غالبه كدر، وقوله " ومن يتمل العيش إلخ " مَنْ شرطية، ويتمل: شرط مجزوم بحذف الألف، ويرء: جواب الشرط، ويسمع: معطوف عليه، وكسر للقافية، وقافية البيت الثاني مرفوع فيكون في الأول إقواء، وكذا رواهما أبو زيد في الكتابين، قال ابن بري في أمالية على الصحاح: " ويروى ويسمعُ بالرفع على الاستئناف، لأن القصيدة مرفوعة " وذكر البيت الثاني. أقول: ليس المعنى على الاستئناف، ولعله أراد بالاستئناف ابتناءه على مبتدأ محذوف، والتقدير وهو يسمع، وإطلاق الاستئناف على هذا شائع، فيكون موضع الجملة جزماً بالعطف على يرء، وجَازَفَ ياقوت فيما كتبه على الصحاح قال: بخط أبي سهل يَرْءَ ويَسْمِعِ بجزمهما، وهو سهو منه والقصيدة مرفوعة، وصوابه: * وَمَنْ يَتَمَلَّ الْعَيْشَ يَرْأَى وَيَسْمَعُ * بالرفع يريد أن " مَنْ " فيه موصولة مبتدأ ويتملى: صلته، ويرأى وَيسمع: خبره، وتحقيق الهمزة ضرورة أيضاً، وهذا صحيح معنى وإعراباً، إلا أنه طعن فيه رواية أبي زيد:
وتملى عيشه: استمتع به ملاوة، والملاوة - مثلثة الميم -: الزمان الواسع، يريد من يعش كثيراً يَرَوَ يسمع ما لم يكن رآه وسمعه، والعيش: مصدر عاش، إذا صار ذا حياة، فهو مصدر عائش، والأنثى عائشة، وقوله " بأنّ عزيزاً " خبر أن غير مذكور في هذا البيت، وإنما هو في بيت بعده، وظل: استمر، والجوز: بفتح الجيم وآخره زاي معجمة، ورمْيُ الجوز عبارة عن الإسراع في الذهاب، " وإليَّ " متعلق بيرمي، وكذلك ورَاء، والحاجزين: جمع حاجز من حجزه، إذا منعه، يريد أن الأعداء قدامه تمنعه من الوصول إليه، " ويفرع " معطوف على يرمي، وهو مضارع أفْرَعَ، قال أبو زيد بعد إنشاده: أي يصير الفَرْع، ويقال: أفرع إذا أخذ في بطن الوادي خلافُ المصعد، قال: (من البسيط) * لاَ يُدْرِكَنَّكَ إفْرَاعِي وَتَصْعِيدِي * وفرع رأسه بالعصا إذا علاه " انتهى وفي الصحاح: فَرَعْت الجبل صَعِدْته، وأفرعت في الجبل انحدرت وقد أورد أبو تمام البيت الشاهد من أبيات للأعلم في كتاب مختار أشعار القبائل، وليس فيها البيت الثاني الذي أورده أبو زيد، وأبو تمام كذا أوردها (من الطويل) : وَإنِّي لأَقْتَادُ الْقَرِينَ إلَى الْهَوَى * وَيَقْتادُنِي يَوْماً قَرِينِي فَأتْبَعُ وأطمع بما لَمْ يَحْتَضِرْنِي يَأْسُهُ * وَأْيْأَسُ مِمَّا لاَ يُرَى فِيهِ مَطْمَعُ وأُبْغِضُ أصْحَابَ الْمَلاَذَةِ وَالقِلَى * وَيُطْلَبُ بِالْمَعْرُوفِ خَيْرِي فَأُخْدَعُ وَتَزْعُمُ هِنْدٌ أنَّنِي قَاتِلِي الْهَوَى * إلَيْهَا وَقَدْ أهْوَى فَلاَ أتَوَجَّعُ ألِكنِي إلَيْهَا بالسَّلاَمِ فلا يسؤ * بَنَا ظَنُّهَا، إنَّ النَّوَى سَوْفَ تَجْمَعُ وَلاَ تَرْعَ لِلَوَاشِي الظُّنُونَ فَإِنَّهُ * بِتَفْرِيقِ مَا بَيْنَ الأَحِبَّةِ مولع أل تر مالا قيت ... البيت نَصَحْتُ لَهُمْ مَا يَعْمَلُونَ فَضَيَّعُوا * لِنُصْحِي فَلاَ يَحْزُنْكَ نُصْحٌ مُضَيَّعُ
هذا ما أورده أبو تمام، وقال: الملاذة: كذب المودة " وقوله " هَلْ تَرْجِعَنَّ لَيَال ... البيت " أورده ابن هشام في بحث إذ من المغني، قال: " وقد يحذف أحد شطري الجملة فيظن من لاخبرة له أنها أضيفت إلى المفرد، كهذا البيت، والتقدير إذ ذاك كذلك ". واسم الإشارة الأول أشير به إلى العيش باعتبار حاله، والثاني المحذوف إلى حال الأفنان، وهي الأغصان والأحوال، ونصبه حال من ليال، و " إذ " متعلقة بمنقلب، والمعنى هل ترجع ليالينا حال كونها مثل الأغصان الملتفة في نضارتها وحسنها؟ أو حال كونها ذات فنون من الحسن وقال أبو زيد بعد إنشاد الأبيات في النوادر: الشَّيْحَانُ: الغيور، والمبتجح: المفتخر والذي يُعْرف (1) " انتهى وأنشد بعده - وهو الشاهد الحادي والستون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من البسيط) 161 - أانْ رَأَتْ رِجُلاً أَعْشَى أَضَرَّبِهِ * رَيْبُ الْمَنُونِ وَدَهْرٌ مُتْبِلٌ خَبِلُ ونص سيبويه: " والمخففة فيما ذكرنا بمنزلتها محققة في الزنة، يدلك على ذلك قول الأعشى أان رأتْ رَجُلاً ... البيت
فلو لم تكن بزنتها محققة لانكسر البيت " انتهى وقال الأعلم: " استشهد به على تخفيف الهمزة الثانية من قوله: أان، وجعلها بَيْن بَيْن، والاستدلال بها على أن همزة بين بين في حكم المتحركة، ولولا ذلك لانكسر البيت، لأن بَعْد الهمزة نوناً ساكنة، فلو كانت الهمزة المخففة في الحكم ساكنة لالتقى ساكنان، وذلك لا يكون في الشعر إلا في القوافي " انتهى والبيت من قصيدة الأعشى المشهورة التي أولها: وَدِّعْ هُرَيْرَةَ، إنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ * وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعاً أَيُّها الرَّجُلُ وهي ملحقة بالقصائد المعلقات، وقد شرحنا غالبها في مواضع متعددة من شواهد شرح الكافية، وقبله: صَدَّتْ هُرَيْرَةُ عَنَّا مَا تُكَلِّمُنَا * جَهْلاً بِأُمِّ خُلَيْدٍ، حَبْلَ مَنْ تَصِلُ؟ وبعده: قَالَتْ هُرَيْرَةُ لَمَّا جِئْتُ زَائِرَهَا * وَيْلِي عَلَيْكَ وَوَيْلِي مِنْكَ يَا رَجُلُ وقوله " صدَّت هريرة إلخ " روى أبو عبيدة: صدت خُلَيْدة، وقال: هي هريرة، وهي أم خُلَيد، وخُلَيْد: مصغر خالد تصغير الترخيم، وصدت: أعرضت وقوله " جهلا بأم خليد " علة للنفي، والباء للملابسة، وأعاد اسمها للتلذذ به، وحسنه ذكره بغير لفظه الأول و " حَبْل " مفعول تصل، وقدم وجوباً لإضافته إلى ماله الصدارة، وهو مَنْ، فإنها للاستفهام التعجبي، يريد: حبل أيِّ رجل تصل إذا لم تصلنا؟ كذا قال الخطيب التبريزي وغيره، وعليه تبقى الجملة غير مرتبطة بما قبلها، والجيد أن تكون مَنْ موصولة " وحبل " مفعول لقوله " جَهْلاً " والحبل هنا مستعار للعُلْقة. والوصل: ضد القطع، وقوله " أن رأت رجلاً إلخ " الهمزة الأولى للاستفهام. و" أن " بالفتح هي أن المصدرية. وهي مع مدخولها مجرورة بلام العلة، أو من التعليلية، والتقدير أصدّت لأجل أن رأت رجلاً هذه صفته. و" رأت " أبصرت، و " رجلاً " مفعوله، و " أعشى " صفته. والأعشى الذي
لا يبصر بالليل، والأجهر - بالجيم -: الذي لا يبصر نهاراً، والمؤنث عشواء وجهراء، وجملة " أضربه " حال من أعشى، ويجوز أن تكون صفة ثانية لرجلاً. قال صاحب المصباح: " ضره يضره - من باب قتل - إذا فعل به مكروهاً، وأضربه يتعدى بنفسه ثلاثيا بالباء باعيا ". قال الأزهري: " كل ما كان سوء حال وفقر وَشدة في بدن فهو ضُرٌّ - بالضم - وما ضد النفع فهو بفتحها، ورجل ضرير: به ضرر من ذهاب عين أو ضنىً " والريب: التردد بين موقعي تهمة، بحيث يمتنع من الطمأنينة على كل منهما، وأصله قلق النفس واضطرابها، ومنه ريب الزمان لنوائب الزوجة ومصائبه المقلقة، كذا في مُهِمَّات التعاريف للمناوي. و" المنون " المنية، قال الاصمعي: هو واحد لاجمع له، وذهب إلى أنه مذكر، وقال الأخفش: هو جمع لا واحد له، ومُتْبِل: اسم فاعل، قال صاحب العباب: " وأتبله الدهر مثل تبله، وأنشد هذا البيت، وقال: أي يذهب بالأهل والولد، وتَبَله الحب: أي أسقمه، وتبلهم الدهر: أي أفناهم، والتبل، كفَلْسٍ: التِّرةُ والذحل (1) يقال: أصيب بتبل وهو متبول، وروي بدله " مفسد " من الإفساد، وروي " مفند " أيضاً بمعناه، قال التبريزي: والمفند من الفَنَد وهو الفساد، ويقال: فَنَّده، إذا سَفَّهه، قال تعالى (لَوْلاَ أن تفندون) وخَبل - بفتح المعجمة وكسر الموحدة - قال صاحب العباب: ودهر خَبِل: أي ملتو على أهله، وأنشد البيت، وقوله " قالت هريرة إلخ " قال بعضهم: هذا أخنث بيت قالته العرب، و " زائرَها " حال من التاء: أي زائر لها وأنشد بعده - وهو الشاهد الثاني والستون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الكامل)
162 - راحت بمسلمة البغال عشية * فارعي فَزَارَةُ لاَ هَنَاكِ الْمَرْتَعُ على أن أصله هنأك - بالهمز - فأبدلت ألفاً، قال سيبويه: " واعلم أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز وتجعل في لغة أهل التخفيف بَيْنَ بَيْن تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحاً، والياء إذا كان ما قبلها مكسوراً، والواو إذا كان ما قبلها مضموماً، وليس ذا بقياس متلئب، (1) وإنما يحفظ عن العرب كما يحفظ الشئ الذي تبدل التاءُ من واوه، نحو أتْلَجْت، فلا يجعل قياساً في كل شئ من هذا الباب، وإنما هي بدل من واو أوْلجت، فمن ذلك قولهم: منساة، وإنما أصلها منسأة (2) ، وقد يجوز في ذاكله البدل حتى يكون قياساً متلئباً إذا اضطر الشاعر، قال الفرزدق: * رَاحَتْ بِمَسْلَمَة البِغَالُ *..البيت فأبدل الألف مكانها، ولو جعلها بين بين لانكسر البيت، وقال حسان ابن ثابت رضي الله عنه: سَالَتْ هُذَيْلُ رَسُولَ الله ... البيت الآتي وقال القرشي زيد بن عمرو: سَالَتَانِي الطَّلاَق ... البيت الآتي فهؤلاء ليس من لغتهم سِلْتُ ولا يَسَالُ، وبَلَغَنَا أن سَلْت تَسالُ لغة، وقال عبد الرحمن بن حسان: وَكُنْتُ أذَلَّ مِنْ وَتِدٍ ... البيت الآتي: يريد الواجئ، وقالوا: نبيّ وبريّة، فألزمها أهل التحقيق البدل، وليس كل شئ نحوهما يفعل به ذا، إنما يؤخذ بالسمع، وقد بلغنا أن قوماً من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحققون نبيئا وبريئة، وذلك قليل ردئ، فالبدل ههنا
كالبدل في مِنْسأة، وليس بدل التخفيف، وإن كان اللفظ واحداً " انتهى كلام سيبويه قال الأعلم: " الشاهد في إبداله الألف من الهمزة في قوله: هَنَاك، ضرورة وإن كان حقها أن تجعل بَيْن بَيْن لأنها متحركة، يقول هذا حين عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق ووليها عمر بن هُبَيْرَة الفَزَارِي فهجاهم الفرزق ودعا على قومه أن لا يهنئوا النعمة بولايته، وأراد بغال البريد التي قدمت بمسلمة عند عزله " انتهى. وكذا قال المبرد في الكامل عند ما أنشد قول العُديل بن الفَرْخ العِجْلِيّ (من الطويل) : فَلَوْ كانت في سلمى أجا وشعاثها * لَكَانَ لِحَجَّاجٍ عَلَيَّ دَلِيلُ قال: أجا وسلمى: جبلا طيّئ، وأجأُ مهموز، والشاعر إذا احتاج إلى قلب الهمز قلبه على حركة ما قبله، وأنشد هذه الأبيات، وقال: أما الفرزدق فإنه يقول لما عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق بعد قتله يزيد بن المهلب لحاجة الخليفة إلى قربه ووُلي عمر بن هُبَيْرَة الفزاري فقال: رَاحَتْ بِمَسْلَمَةَ الْبِغَالُ عشية * فارعي فزارة لاهناك الْمَرْتَعُ وَلَقَدْ عَلِمْتُ إذَا فزَارَةُ أُمِّرَتْ * أنْ سَوْفَ تَطْمَعُ فِي الإِمَارَةِ أشْجَعُ فَأَرَى الأُمُورَ تَنَكَّرَتْ أعْلاَمُهَا * حَتَّى أُمَيَّةُ عَنْ فَزَارَةَ تَنْزَعُ ولخلق ربك ماهم وَلَمِثْلُهُمْ * فِي مِثْلِ مَا نَالَتْ فَزَارَةُ يَطْمَعُ عُزِلَ ابْنُ بِشْرٍ وابن عمر وقبله * وأخُو هَرَاةَ لِمِثْلِهَا يَتَوَقَّعُ فلما ولي خالد بن عبد الله القسري على عمر بن هُبَيْرَة قال رجل من بني أسد يجيب الفرزدق (من الكامل) :
عجب الفرزدق من فزارة إذْ رَأَى * عَنْهَا أُمَيَّةَ فِي الْمَشَارِقِ تَنْزَعُ فَلَقَدْ رَأَى عَجَباً وَأُحْدِثَ بَعْدَهُ * أمْرٌ تَضِجُّ لَهُ الْقُلُوبُ وَتَفْزَعُ بَكَتْ الْمَنَابِرُ مِنْ فَزَارَة شَجْوَهَا * فَاليَوْمَ مِنْ قَسْرٍ تّذُوبُ وَتَجْزَعُ وَمُلُوكُ خِنْدِفَ أسْلَمُونَا لِلْعِدَى * لِلهِ دَرُّ مُلُوكِنَا مَا تَصْنَعُ! كانُوا كَتَارِكَةٍ بَنِيهَا جَانِباً * سَفَها وَغَيْرَهُمُ تَصُونُ وَتُرْضِعُ انتهى. وفي الأغاني: " كان مسلمة بن عبد الملك على العراق بعد قتل يزيد بن المهلب، فلبث بها غير كثير، ثم عزله يزيد بن عبد الملك واستعمل عمر بن هُبَيْرَة على العراق فأساء وعزل قبيحاً، فقال الفرزدق: * وَلَّتْ بِمَسْلَمَةَ الْبِغَالُ عَشَيَّةً * إلى آخر الأبيات الخمسة ابن بشر: عبد الملك بن بشر بن مروان، كان على البصرة، أمَّرَه عليها مسلمة، وابن عمرو: سعيد بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وأخو هراة: سعيد بن عبد العزيز بن الحكم بن أبي العاص " انتهى. وقال ابن السيرافي: " ابن عمرو هو سعيد بن عمرو بن الحارث بن الحكم ابن أبي العاص، عزل عن الكوفة، وأخو هراة سعيد بن الحارث بن الحكم " انتهى. وقوله " راحت بمسلمة إلخ " قال صاحب المصباح: راح يروح رواحا - وتروح مثله - يكون بمعنى الغُدُو، وبمعنى الرجوع، وقد يتوهم بعض الناس أن الروح لا يكون إلا في آخر النهار، وليس كذلك، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أيّ وقت كان: من ليل أو نهار، قاله الأزهري وغيره، وعليه قوله عليه الصلاة والسلام " مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمْعَةِ في أوَّلِ النَّهَارِ فَلَهُ كَذَا " أي: من ذهب، والعشية: واحدة العَشِيِّ، قال صاحب المصباح: العشي: قيل: ما بين الزوال إلى الغروب ومنه يقال للظهر وَالعصر: صلاتا العشي، وقيل: هو آخر
النهار، وقيل: من الزوال إلى الصباح، وقوله " فارعى فزارة " هو أمر من الرعي، من رَعَتِ الماشية تَرْعَى إذا سرحت بنفسها إلى المرعى، وهو ما ترعاه الدواب، وفزارة: أبو قبيلة من غطفان، وهو هنا مبني على الضم، لأنه منادى وحرف النداء مقدر، وباعتبار القبيلة (قال) فارعَيْ بالخطاب إلى المؤنث وجعلهم بهائم ترعى، وقوله " لا هناك المرتع " لا: هُنا دعائية، دعا عليهم بأن لا يكون مرتعهم هنيئاً لهم، وهَنأنِي الطعام يَهنؤني - بفتح العين فيهما - ومهموز الآخر: أي ساغَ وَلذَّ بلا مشقة، والكاف مكسورة، والمرتع: مصدر ميمي، يقال: رتعت الماشية رَتْعاً، من باب نفع، ورتوعاً: رعت كيف شاءت، والمرتع: موضع الرتوع أيضاً، وقد صار هذا المصراع مثلاً، قال الميداني في أمثاله: " ارْعَيْ فزارة لا هَنَاكِ الْمَرْتَع " يضرب لمن يصيب شيئاً ينفس به عليه، وقد استشهد بالبيت في التفسيرين في سورة طه على أن طه في قراءة الحسن رحمه الله أمر للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أن يطأ الأرض بقدميه معاً، فإنه كان عليه السلام يقوم في تهجده على إحدى رجليه. والأصل " طَأْ " قلبت الهمزة ألفاً كما في لا هَنَاكِ، ثم بني الأمر عليه، كالأمر من يرى " رَ " ثم ألحق هاء السكت فصار طَهْ وقد خبط خَضِر الموصلي خبط عشواء في شرح أبياتهما قال: " الرواح نقيض الغدو، ومسلمة هذا هو عبد الملك بن بشر، وهو الممدوح، وكان على العراق فعزل عنها، وولي موضعه عمر بن هُبَيْرَة، ولا هَنَاك المرتع: دعاء على الناقة أي لاهناك رعي هذا المرتع، والمعنى أن ممدوحك مسلمة قد عزل وراح على البغال عشية فاقصدي بني فزارة وارعي مرعاها، وفي بعض الحواشي ارعْيْ يا فزارة فإن الخطاب لهم، قال: وكان مسلمة هذا يمنعهم المرعى، فلما عزل خاطبهم بذلك وأمرهم بالمرعى " هذا كلامه. وخطؤه من وجوه ظاهرة، وقبيح بمثله أن يكتب على العمياء من غير مراجعة
وتنقير، مع أن البيت من أبيات سيبويه والمفصل وغيرهما، والله الموفق للصواب. وأنشد بعده - وهو الشاهد الثالث والستون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه - (من الخفيف) 163 - سَالَتَانِي الطَّلاَقَ أنْ رَأَتَامَا * لى قليلا قد جئتانى بِنُكْر لما تقدم قبله، ونقلنا كلام سيبويه فيه، وقبله. تِلْكَ عِرْسَايَ تَنْطِقَانِ بِهُجْرٍ * وَتَقُولاَنِ قَوْلَ زُورٍ وَهَتْر وقوله " تلك عِرْساي " مبتدأ وخبر، و " عرساي " مثنى عرس، مضاف إلى الياء، والعِرْس - بالكسر - الزوجة: أي هما عرساي، ويجوز أن يخالف اسم الإشارة المشار إليه كقوله تعالى: (عَوَانٌ بين ذلك) والهُجْر - بالضم - الفُحْش من الكلام، والهتر: مصدر هتره، من باب نصر، إذا مزق عرضه، وقوله " سالتاني الطلاق " قال الأعلم: هذه لغة معروفة، وعليه قراءة من قرأ (سالَ سَائِلٌ بَعَذَابٍ وَاقِعٍ) وروي " تَسْألاني الطلاق " فلا شاهد فيه، وقوله " قد جئتماني بنكر " التفات من الغيبة إلى الخطاب، والنُّكر - بالضم - الأمر القبيح، وروى أيضاً: سَالَتَانِي الطَّلاَقَ أنْ رَأَتَانِي * قَلَّ مَالِي قَدْ جِئْتُمَانِي بِنُكْر وهما من أبيات قد شرحناها مفصلة مع ترجمة قائلها، والاختلاف فيه، في الشهر الشاهد الثامن والسبعين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكفاية وأنشد بعده - وهو الشاهد الرابع والستون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من البسيط) 164 - سَاْلتْ هذيل رسول الله فاحشة * ضلت هُذَيْلٌ بِمَا قَالَتْ وَلَمْ تُصِبِ
لما تقدم قبله، وتقدم نقل كلام سيبويه فيه قال المبرد في الكامل: " وأما قول حسان: سالت هذيل، فليس من لغته سِلْتُ أسَالُ مثل خِفْتُ أخاف، وهما يتساولان، هذا من لغة غيره، وكانت هذيل سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل لها الزنا، ويروى أن أسَدِيّاً وهُذَلِيّاً تفاخراً فرضيا برجل، فقال: إني ما أقضي بينكما إلا على أن تجعلا لي عَقْداً وثيقاً أن لا تضرباني ولا تشتماني، فإني لست في بلاد قومي، ففعلا، فقال: يا أخا بني أسد، كيف تفاخر العرب وأنت تعلم أنه ليس حى أحب إلى الجيش ولا أبغض إلى الضيف ولا أقل تحت الرايات منكم؟ وأما أنت يا أخا هذيل فكيف تظلم الناس وفيكم خلال ثلاث: كان منكم دليل الحبشة على الكعبة، ومنكم خَوْلَة ذات النَّحْيَيْن، وسألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل لكم الزنا، ولكن إذا أردتم بيتي مضر فعليكم بهذين الحيين من تميم وقيس، قوما في غير حفظ الله " انتهى. وفي الروض الأنف للسُّهَيْلي: " قوله: سالت هذيل، ليس على تسهيل الهمزة، ولكنها لغة، بدليل قولهم: تسايل القوم، ولو كان تسهيلاً لكانت الهمزة بين بين، ولم يستقم وزن الشعر بها، لأنها كالمتحركة، وقد تقلب ألفاً ساكنة كما قالوا: المِنْساة، لكنه شئ لا يقاس عليه، وإذا كانت سال لغة في سأل فيلزم أن يكون المضارع يسيل، ولكن حكى يونس سِلْتَ تَسَألُ مثل خِفْتَ تخاف، وهو عنده من ذوات وقال الزجاج: الرجلان يتسايلان، وقال النحاس والمبرد: يتساولان، وهو مثل ما حكى يونس وقال صاحب مختصر أسد الغابة: إن أبا كبير الهذلي الشاعر أسلم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أحِلَّ لي الزنا، فقال: أتحب أن يؤتى إليك مثل ذلك؟ قال: لا، قال: فارض للناس ما ترضى لنفسك، قال: فادع الله أن يذهب ذلك عني، وقال حسان يذكر ذلك:
سالت هذيل رسول الله فاحشة * ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بِمَا سَالَتْ وَلَمْ تُصِبِ سَالُوا رَسُولَهُمُ مَا لَيْسَ مُعْطِيَهُمْ * حَتَّى الْمَمَاتِ وَكَانُوا سُبَّةَ الْعَرَبِ انتهى. وزاد ابن هشام في السيرة بعدهما بيتين آخرين، وهما: وَلَنْ تَرَى لِهُذَيْلٍ دَاعِياً أبَداً * يَدْعُو لِمَكْرُمَةٍ عَنْ مَنْزِلِ الْحَرْبِ لَقَدْ أرداوا الْفُحْشِ وَيْحَهُمُ * وَأنْ يُحَلُّوا حَرَاماً ما كَانَ فِي الْكُتُبِ وأنشد بعده - وهو الشاهد الخامس والستون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الوافر) 165 - وَكُنْتَ أذَلَّ مِنْ وَتِدٍ بِقَاعٍ * يُشَجِّجُ رَأْسَهُ بِالْفِهْرِ وَاجِي على أن أصله واجِئ - بالهمز - فقلبت الهمزة ياء لضرورة الشعر عند سيبويه كما تقدم نصه واعترض عليه الشارح المحقق تبعاً لابن الحاجب بأن هذا القلب جائز في الوقف قياساً، والقلب في مثله إنما يكون ضرورة لو كان في غير الوقف واعتراض ابن الحاجب في شرح المفصل، قال: " وأصله واجئ، فقلبت الهمزة ياء، وقد أنشده سيبويه أيضاً على ذلك، وهو عندي وَهَمٌ، فإن هذه الهمزة موقوف عليها، فالوجه أن تسكن لأجل الوقف، وإذا سكنت جرها حركة ما قبلها، فيجب أن تقلب ياء، فليس لإيرادهم لها فيما خرج عن القياس من إبدال الهمزة حرف لين وجه مستقيم، وقد اعْتُذِرَ لهم عن ذلك بأن القصيدة مطلقة بالياء، وياء الإطلاق لا تكون مبدلة عن همزة، لأن المبدل عن الهمزة في حكم الهمزة، فجلعها ياء الإطلاق ضرورة، فصح إيرادهم لها فيما خرج عن القياس في قلب الهمزة حرف لين، والجواب أن ذلك لا يدفع كون التخفيف ياء جائزاً على القياس،
لأن الضرورة في جعل الياء مبدلة عن الهمزة ياء للإطلاق، لا أن إبدالها على خلاف القياس، لأنهما أمران متقاطعان، فتخفيفها إلى الياء أمر، وجعلها ياء للإطلاق أمر آخر، والكلام إنما هو إبدالها ياء، ولا ينفع العدول إلى الكلام في جعلها ياء الإطلاق، فثبت أن قلبها في مثل هذا مثل قياس تخفيف الهمزة، وأن كونها إطلاقاً لا يضر في كونها جارية على القياس في التخفيف، نعم يضر في كونه جعل ما لا يصح أن يكون إطلاقاً، وتلك قضية ثانية، هذا بعد تسليم أن الياءات والواوات والألفات المنقلبات عن الهمزة لا يصح أن تكون إطلاقاً، وهو في التحقيق غير مسلم، إذ لا فرق في حرف الإطلاق بين أن يكون عن همزة وبين أن يكون غير ذلك، كما في حرف الردف وألف التأسيس " هذا آخر كلامه وكأنه لم يقف على ما كتبه الزمخشري هنا من مناهيه على المفصل، وهو قوله: " لا يقال: وقف على الهمزة واجئ ثم قَلَبها ياء لكسرة ما قبلها، لأنه لو وقف لوقف على الجيم الذي هو حرف الروى " انتهى. وهذا تحقيق منه وشرح لمراد سيبويه، لأنه إنما منع الوقوف على الهمزة في واجئ، لأنه كان يصير حرف الروى همزة، فيختلف الرويان اختلافاً شديداً، بخلاف الإكفاء في نحو قوله: (من الرجز) بنى إلى البر شئ هَيِّنٌ * الْمَنْطِقُ اللَّيِّنُ وَالطُّعَيِّمْ فلا يجوز أن يقال: وقف على الهمزة، وأنه فعل به بعد الوقف على الجيم ما فعل من إسكان الهمزة وقلبها ياء للضرورة، وإنما يقال: أبْدل منها إبدالاً محضاً ولا يخففها التخفيف القياسي، فإن التخفيف القياسي هو إبدالها إذا سكنت بالحرف الذي منه حركة ما قبلها، نحو رأس في رأس، وإذا خففت تخفيفاً قياسياً كانت في حكم المحققة، وإذا كانت في حكم المحققة اختلف الرويان، ولذلك أبدلوا في الشعر وَلم يحققوا، خوفاً من انكساره، ومن اختلاف رويه، وهذا البدل
هو الذي ذكره سيبويه في قوله: " وقد يجوز في ذا كله البدل حتى يكون قياساً إذا اضطر الشاعر " وذكر أن البدل في المفتوحة بالألف وفي المكسورة بالياء وفي المضمومة بالواو ليس بقياس (1) ، يريد أن القياس أن تجعل بَيْن بَيْن، وقلبها على وجه البدل شاذ وهو من ضرورة الشعر، وقول الزمخشري: " لأنه لو وقف لوقف على الجيم إلخ " يريد أنه إذا أدى الأمر إلى أن تقلب الهمزة ياء صار واجي كقاضي، وحكمن الوقف على المنقوص المنون في الرفع والجر في الاختيار حذف الياء والوقف على الحرف الذي قبلها، نحو هذا قاض ومرت بقاضْ، وإن جاز إثبات الياء فيهما، لكن المختار حذفها هذا، والبيت من قصيدة لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت رضي الله عنه هجا بها عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص وكان يهاجيه، وقبله: وَأمَّا قَوْلُكَ الْخُلَفَاءُ مِنَّا * فَهُمْ منعوا وريدك من وداجى ولولاهم لَكُنْتَ كَحُوتِ بَحْرٍ * هَوَى فِي مُظْلِمِ الْغَمَرَاتِ دَاجِي وَكُنْتَ أذَلَّ مِنْ وَتِدٍ بِقَاعٍ * ... البيت افتخر ابن الحكم على ابن حَسَّان بأن الخلفاء منا لا منكم، أن الخلافة في قريش، وبنو أمية منهم، وابن حسان من الأنصار، والأنصار هم الأوس والخزرج، وهم من أزد غَسَّان من عرب اليمن قحطان. والوريد: عرق غليظ في العنق، وهما وريدان في صفحتي مُقَدَّم العنق، ويقال: له: الوَدَج - بفتحتين - والوداج أيضاً بكسر الواو، والوَدَجَانِ: عرقان غليظان يكتنفان نقرة النحر يميناً وشمالاً، وقيل: هما عرقان في العنق يتفرعان من الوريدين، ويقال للودج الأخْدَع أيضاً، والأخْدَعَان: الودجان، وقوله " وداجي " كذا جاء بالإضافة إلى الياء، والوداج: مصدر وادج، فاعل،
وليس بمراد، وإنما المراد مصدر وَادَجَ كسافر بمعنى سَفَرَ، يقال: ودَجْتُ الدابة وَدْجاً - من باب وعَد - إذا قطعت وَدَجَها، وهُوَ لها كالفصد للإنسان، ولو رُوِي وِدَاج، بدون ياء، لحمل على أنه جمع ودج، كجمال جمع جَمَلٍ، وقدر مضاف: أي صَفْع وِدَاج، ونحوه، ويكون الجمع باعتبار ما حوله، يقول: لولا أن الخلفاء من قومك وقد احتميت بهم لذبحتك أو لصفعتك على أخْدَعَيْكَ، والغَمرات: جمع غَمرة: - بالفتح - وهي قطع الماء التي بعضها فوق بعض، وَداجي: أسود، من دَجَا الليل يَدْجو دَجْواً إذا أظلم، يريد لولاهم لكنت خاملاً لعدم نباهتك مختفياً لا يراك أحد كالحوت في البحر لا يرى لعمقه وتكاثف المياه عليه، ورواه شراح أبيات المفصل * ولولاهم لكنت كعَظْم حُوتٍ * وقالوا: لكنت كعظم سمكة وقع في البحر لا يُشْعر به. وقوله " وكنت أذَلّ إلخ " الوتد: بفتح الواو وكسر التاء، والقاع المستوي من الأرض، ويشجج: مبالغة يُشجُّ رأسه، إذا جرحه وشق لحمه، والفهر - بكسر الفاء -: الحجر ملء الكف، ويؤنث، والواجي: الذي يدق، اسمُ فاعل من وجأت عنقه - بالهمز - إذا ضربته، وفي أمثال العرب " أذَلُّ مِنْ وَتَِدٍ بِقَاع " لأنه يدق ومن أمثالهم " أيضاً أذَلُّ مِنْ حِمَارٍ مُقَيَّدٍ " وقد جمعهما الشاعر فقال: (من البسيط) وَلاَ يُقِيمُ بِدَارِ الذُّلِّ يَأْلَفُهَا * إلاَّ الأذلاَّنِ عَيْرِ الدَّارِ والْوَتَدُ هَذَا عَلَى الْخَسْفِ مَرْبُوطٌ بِرُمَّتِهِ * وَذَا يُشَجُّ فَلاَ يَرْثِي لَهُ أحَدُ وقال المبرد في الكامل: " كانا يتهاجيان، فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم أن يؤدبها، وكانا تقاذفا، فضرب ابن حسان ثمانين، وضرب أخاه عشرين، فقيل لابن حسان: قد أمكنك في مروان ما تريد، فأشِِد بذكره وارفعه إلى
معاوية، فقال: والله إذن لا أفعل وقد حدَّني حد الرجال الأحرار وجعل أخاه كنصف عبد، فأوجعه بهذا القول: وأنشد الجار بردى هنا - وهو الشاهد السادس والستون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الرجز) 166 - * وَأُمِّ أوْعَالٍ كها أو أقرابا * على أن دخول الكاف على الضمير شاذ في الاستعمال، لا في القياس، إذ القياس أن يدخل الكاف على الاسم، ظاهراً كان أو مضمراً، كسائر حروف الجر، والبيت من أرجوزة للعجاج، وقبله: * خَلَّى الذِّنَابَاتِ شَمالاً كَثَباً * وهذا في وصف حمار الوحش أراد أن يرد الماء مع أُتُنِه فرأى الصياد، وفاعل " خلَّى " ضميرٌ، وهو مضمن معنى جعل، والذِّنابات: مفعوله الاول، وشمالا: ضرف في موضع المفعول الثاني، والذنابات: جمع ذِنابة - بالكسر - وهو آخر الوادي ينتهي إليه السيل، والكثب - بفتح الكافي والمثلثة -: القرب، وأراد القريب، وأ أوعال: قيل بالنصب معطوف على الذِّنابات، وقيل مرفوع بالابتداء، و " كها " الجار والمجرور في موضع خبر المبتدأ، و " أقرب " معطوف على مدخول الكاف، وأم أوعال: هضبة في ديار بني تميم، والهضبة: الجَبل المنبسط على وجه الأرض، وضمير " كها " للذِّنابات وقد تكلمنا عليه بأبسط من هذا في الشاهد السادس والثلاثين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية.
وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد السابع والستون بعد المائة - (من الطويل) : 167 - وَيُسْتَخْرَجَ الْيَرْبُوعُ مِنْ نافِقَائِهِ * وَمِنْ جُحْرِهِ بالشَّيْحَةِ اليُتَقَصَّعُ على أن دخول " أل " على الفعل شاذ مخالف للقياس والاستعمال، إذ هي خاصة بالاسم، وصوابه فيستخرج بالفاء السبيبة، ونصبه بأن مضمرة بعدها، وبالبناء للمفعول، و " اليربوع " نائب الفاعل، وهو دُوَيْبَة تحفر الأرض وله جُحْران: أحدهما القاصعاء، وهو الذي يدخل فيه، وثانيهما النافقاء، وهو الجحر الذي يكتمه وَيظهر غيره، وهو موضع يرققه، فإذا أُتي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه، فانتفق: أي خرج، والجحر، - بضم الجيم - يطلق على مأوى اليربوع والضب والحية، وقوله " بالشيحة " رواه أبو عمرو الزاهد وغيره تبعاً لابن الأعرابي " ذِي الشيحة " وقال: لكل يربوع شيحة عند جحره، ورد عليه أبو محمد الأعرابي في " ضالَّة الأديب ": صوابه بالشيخة - بالخاء المعجمة - وهي رملة بيضاء في بلاد بنى أسد وحنظلة، وقوله " اليتقطع " رواه الرياشي بالبناء للمفعول، يقال: تقطع اليربوع دخل في قاصعائه، فيكون صفة للجحر، وصلته محذوفة: أي من جحره الذي يتقطع فيه، وروي بالبناء للفاعل، فيكون صفة اليربوع: ورواه أبو زيد في نوادره " المتقصِّعُ " باسم المفعول " فيكون من صفة اليربوع أيضاً، لكن فيه حذف الصلة. والبيت من أبيات شرحناها وافياً في أول شاهد من شواهد شرح الكفاية وأنشدب بعده - وهو الشاهد الثامن والستون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الطويل)
168 - أيا ضبية الْوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلاَجِلٍ * وَبَيْنَ النَّقَا آأنت أمْ أُمُّ سَالِم على أنه فصل بين الهمزتين بألف قال سيبويه: " ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفاً إذا التقتا، وذلك أنهم كرهوا التقاء همزتين ففصلوا، كما قالوا: أخْشَيْنَانِّ، ففصلوا بالألف كراهية التقاء هذه الحروف المضاعفة، قال ذو الرمة: أيا ضبية الْوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلاَجِلٍ ... البيت " اه (1) وبزيادة الألف يكون قوله " نقا آأن " مفاعيلين، جزءاً سالماً، ويجوز أن تحقق الهمزتان بلا زيادة ألف فيكون قوله " نقا أأن " مفاعلن، جزءاً مقبوضاً، وأورده الشارح والزمخشري في المفصل تبعاً لسيبويه بزيادة الألف، لأنه معها يمتد الصوت ويكون جزءاً سالماً، وهو أحسن، وحملا على الأصل، لأن الزحاف فرع ومراعاة الأصل أولى، وأما البيت بعده فلا يستقيم إلا بإقحام الألف بين الهمزتين، قال أبو علي في كتاب الشعر: فيه حذف خبر المبتدأ، التقدير أأنْتِ هي أمْ أمُّ سالم، فإن قلت: فما وجه هذه المعادلة؟ وهل يجوز أن يشكل هذا عليه حتى يستفهم عنه، وهو بندائه، لها قد أثبت أنها ظبية الْوَعْساء؟ ألا ترى أنه لو نادى رجلاً بما يوجب القذف لكان في ندائه بذلك كالخبر عنه؟ فكذلك إذا قال: يا ظبية الوعساء قد أثبتها ظبية الوعساء، وإذا كان كذلك فلا وجه لمعادلته إياها بأم سالم حتى يصير كأنه قال: أيكما أمُّ سالم؟ فالقول في ذلك أن المعنى على شدة المشابهة من هذه الظبية لأم سالم، فكأنه أراد التبستمَا عليّ واشتبهتما، حتى لا أفصل بينكما، فالمعنى على هذا الذي ذكرناه شدة المشابهة، لأنه ليس ظبية الوعساء من أم سالم ... إلى آخر ما ذكره " والبيت من قصيدة طويلة لذي الرمة، وقبله:
أقُولُ لِدَهْنَاوِيَّةٍ عَوْهَجٍ جَرَتْ * لَنَا بَيْنَ أعْلَى عُرْفَةٍ فالصَّرائِمِ وبعده: هِيَ الشِّبْهُ إلاَّ مِدْرَيَيْهَا وَأُذْنَهَا * سَوَاءً وَإلاَّ مَشْقَةً فِي الْقَوَائِمِ وقوله " أقول لدَهْنَاوِية " أي: لظبية منسوبة إلى الدهناء - بالمد وبالقصر وهو موضع في بلاد تميم، والعوهج - بفتح العين المهملة وآخره جيم -: الطويلة العنق، وَجَرَتْ: سنحت، والعرفة - بضم العين المهملة وبالفاء -: القطعة المشرفة من الرمل، والصرائم: قطع من الرمل، جمع صَرِيمة، وقوله " أيَا ظَبْيَة إلخ " هو مقول القول، ويروى " فيا ظبية " - بالفاء - وليس بالوجيه، وَالْوَعْسَاء، الرابية اللينة من الرمل، ويقال: الوَعْسَاء: الأرض اللينة ذات الرمل، والمكان أوْعَسُ، و " جلاجل " بجيمين أولاهما مضمومة، وروى بفتحها أيضاً، وروي " حُلاحِل " - بمهملتين أولاهما مضمومة - وهو اسم مكان، والنقا: التل من الرمل، وأم سالم: هي محبوبته، وقوله " هي الشِّبه إلخ " المْدْرَى - بكسر الميم وسكون الدال المهملة -: القرن، والمَشْقَةُ: الدِّقة، يقال: فلان ممشوق الجسم: أي دقيق خفيف، يقول: هي أشبه شئ بأم سالم إلا قرنيها وأذنيها، وإلا حُموشة (1) في قوائمها، فأما العنق والعين والملاحة فهي شبيهة بها، قال الأصمعي في شرح ديوانه هنا: " يقال: إن مسعوداً أخاه وهشاماً عابا عليه كثرة تشبيهه المرأة بالظبية، وقِيلِهِ: إنها دقيقة القوائم، وغير ذلك، فقال هذه القصيدة، واستثنى هذا الكلام فيها " وأنشد بعده - وهو الشاهد التاسع والستون بعد المائة -: (من الطويل)
169 - حزق إذا ما الناس أبدوا فكاهة * تفكر آإيَّاهُ يَعْنُونَ أم قِرْدَا لما تقدم قبله والبيت أورده أبو زيد في كتاب الهمز، وقال: وبعض العرب يقول: يا زيد، آأعطيت فلاناً؟ فيفرق بين الهمزتين بالألف الساكنة، ويحققهما، قال الشاعر: حُزُقٍ إذَا مَا الْقَوْمُ أبْدَوْا فُكَاهَةً ... البيت وأورده ابن جني في سر الصناعة، والزمخشري في المفصل و " الحُزق " بضمتي الحاء المهملة والزاي المعجمة وتشديد القاف، فسره أبو زيد بالقصير، وكذا في العباب. قال: والحُزُقُّ وَالْحُزُقَّةُ القصير، قال جامع بن عمرو بن مرخية الكلابي: وليس بجواز لأحلاس رحله * ومزوده كيسا من الرأي أو زهدا حزق إذا ما القوم ... البيت وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُرَقِّصُ الحسن أو الحسين رضي الله عنهما، ويقول: حُزُقَّة حُزُقَّهْ تَرَقَّ عَيْنَ بَقَّهْ، فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره عليه الصلاة والسلام، قال ابن الأنباري: حُزُقَّةٌ حُزُقَّةْ: معناها المداعبة والترقيص له، وهي في اللغة الضعيف الى يقارب خَطْوَه من ضعف بدنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لضعف كان فيه ذلك الوقت، قال: وَالحُزُقَّة في غير هذا الضِّيق (1) ، قالها الأصمعي، وقال أبو عبيدة: الحزقة القصير العظيم البطن الذي إذا مشى أدار أليته، ومعنى تَرَقْ: أي اصْعَد، عَيْنَ بَقَّهْ: أي
يا ضمير العين، لأن عين البقة نهاية في الصغر " انتهى وهذان البيتان من قصيدة لجامع المذكور أورد منها أبو محمد الأعرابيّ في ضالة الأديب ثلاثة عشر بيتاً وهي هذه: تَعَالَى بِأَيْدٍ ذَارِعَاتٍ وَأرْجُلٍ * مُنْكَبَّةٍ روحٍ يَخِدْنَ بِنَا وَخْدَا سَعَالِيَ لَيْلٍ مَا تَنَامُ وَكُلِّفَتْ * عشِيَّةَ خْمِس الْقَوْمِ هَاجِرَةً صَخْدَا فَجِئْنَ بِأَغْبَاشٍ وَمَا نَزَلَ الْقَطَا * قَرَامِيصَ مَأْوَاهُ وَكَانَ لَهَا وِرْدَا وَجِئْنَ يُنَازِعْنَ الأَزِمَّةَ مُقْدِماً * مَحَاوِيقَ قَدْ لاَقَتْ مَلاَوِيحُهَا جَهْدَا إلى طَامِيَاتٍ فَوْقَهَا الدِّمْنُ لَمْ نَجِدْ * لَهُنَّ بَأَوْرَاد وَلاَ حَاضِرٍ عَهْدَا فَشَنَّ عَلَيْهَا فِي الإزَاءِ بِسُفْرَةٍ * فَتىً مَاجِدٌ تثْنِي صَحَابَاتُهُ حَمْدَا كَأَنَّهُمْ أرْبَابُهُ وَهْوَ خَيْرُهُمْ * إذَا فِزِعُوا يَوْماً وَأَوْرَاهُمُ زَنْدَا وَأجْدَرُهُمْ أنْ يُعْمِلَ العيس تَشْتَكِي * مَنَاسِمُهَا في الْحَجِّ أوْ قَائِداً وَفْدَا خَفيفٌ لَهُمْ فِي حَاجِهِمْ وَكَأَنَّمَا * يُعِدُّونَ لِلأَبْطَالِ ذَا لبدة وردا إذا ما دعو لِلْخَيْرِ أوْ لِحَقِيقَةٍ * دَعَوْا رَعْشَنِيّاً لَمْ يَكُنْ خَالُهُ عَبْدَا وَلَيْسَ بحَوَّازٍ لأَحْلاَسِ رَحْلِهِ * وَمِزْوَدِهِ كيسا من الرأي أو زهدا حزق إذا ما القوم أبدوا فكاهة * تذكر آإياه يعنوم أمْ قِرْدَا وَلاَ هَجْرَعٍ سَمْجٍ إذَا مَاتَ لَمْ يَجِدْ * بِهِ قَوْمُهُ فِي النَّائِبَاتِ لَهُ فَقْدَا وقوله " تعالى بأيد " أي: تتعالى وترتفع الابل بأيد، ذارعات: أي مسرعات، والذرع والتذريع: تحريك الذراعين في المشي، وَ " مُنَكَّبَةٍ " اسم فاعل من نكب تنكبيا، إذا عدل عن الطريق، ويقال: نَكَبَ عن الطريق يَنْكُبُ نكوباً، بالتخفيف أيضاً، ورُوح: جمع أرْوَح، وروحاء، من الرَّوَح - بفتحتين ومهملتين - وهو سعة في الرجلين، وهو أن تتباعد صدور القدمين وتتدانى الْعَقِبَانِ، وَالْوَخْدُ - بالخاء المعجمة -: ضرب من سير الإبل، وهو رمي القوائم
كمشي النعام، وقوله " سَعَالِيَ لَيْلٍ " أي: كسعالي ليل، شبه الإبل بالسِّعْلاَة، وهي أنثى الغول وأخبثها، وأضافها إلى الليل لكمال قوتها فيه، و " كُلِّفَتْ " بالبناء للمفعول، وَالْخِمْس - بالكسر - هو أن ترد الإبل الماء يوماً ولا ترد بعده إلا في اليوم الخامس، فيكون صبرها عن الماء ثلاثة أيام، والهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحر، وأراد سَيْرَ هاجرة، والصَّخْد - بالصاد المهملة والخاء المعجمة -: مصدر بمعنى اسم الفاعل، يقال: صَخَدته الشمس، من باب منع: أي أصابته وأحرقته، وقوله " فجئن بأغباش ": أي جاءت الإبل بأغباش جَمعِ غَبَش - بفتحتين - وهو البقية من الليل، ويقال: ظلمة آخر الليل، والقطا أسبق الطير إلى الماء، والقَرَامِيص: حُفَر صِغَار يستكنُّ فيها الإنسان من البرد، الواحد قُرْموص، والوِرْدُ - بالكسر -: ورود الماء، يريد أن الإبل سبقت القطا إلى الورد، وقوله " وجئن ينازعن إلخ " أي يُجَاذِبْنَ، وَالأَزِمَّة: جمع زِمام، والمُقْدِم: اسم فاعل من أقدم إذا جدّ، وهو المنازعُ منه، و " محاويق " حال من فاعل ينازعن، وهو جمع مَحْوقة - بالفتح - وهي التي دعكها السفر وأتعبها، اسم مفعول من حاقة يَحُوقه حَوْقاً، وهو الدلك والتمليس، و " ملاويحها " فاعل لافت، جمع مِلْوَاح - بالكسر - وهي الشديدة العطش، من لاَحَ لَوْحاً من باب نصر، إذا عطش، ولاحة السفر: أي غيره، والجهد: المشقة، وقوله " إلى طاميات " أي: جاءت الابل إلى مياه طاسيات: أي مرتفعات في الأحواض، من طما الماء يَطْمُو طُمُوًّا - بالطاء المهملة - إذا ارتفع وملأ النهر، والدِّمْن - بكسر الدال -: البَعر، وماء متدمن، إذا سقط فيه أبعار الإبل والغنم، وَأوْرَادٌ: جمع وِرْدٍ - بالكسر - والورد هنا. القوم الذين يردون الماء، والحاضر: المقيم، يقال: على الماء حاضر، وقوم حُضَّار، إذا حضروا المياه، وقوله " فَشَنَّ عَلَيْهَا " أي: على الإبل، وَشَنَّ الماء على الشراب: أي فَرَّقه عليه، والإزاء - بكسر
الهمزة بعدها زاي معجمة والمد -: مصب الماء في الحوض، قال أبو زيد: هو صخرة، وما جَعَلْتَ وقاية على مصب الماء حين يفرغ الماء، وَالسُّفْرة - بالضم - الجلدة التي يؤكل عليها الطعام، و " فتى " فاعل شَن، و " تُثْنِي " من الثناء وهو الذكر الجميل، و " أرْبَابه " ساداته، والمناسم: جمع مَنْسِم - كَمَجْلِس -: طرف خف البعير، وحاجٌ: جمع حَاجَة، و " يُعِدّون " من أعدّه لكذا: أي هيأه، و " ذالبدة " مفعولهُ، أراد به الأسد، واللبدة - بكسر اللام - وهو الشعر المتلبد بين كتفي الأسد، قال صاحب الصحاح: الوَردُ: الذي يُشَمُّ، وبلونه قيل للأسد وَرْد، وللفرس وَرْد، وقوله " إذا ما دَعَوْا إلخ " أراد إذا دعا القوم لبذل الخير أو لحماية حقيقة، وأراد به من يحق عليه حمايته من عشيرة وغيرها، والرعشنى: المسرع، وقوله " وليس بجواز إلخ " هو مبالغة حائز، من حاز الشئ، إذا جمعه، والإحْلاس: جمع حِلْس - بالكسر -: أثاث البيت، والرَّحْلُ: المنزل والمأوى، ومِزْوَدِهِ معطوف على أحلاس، وَالْمِزْوَد - بالكسر -: ما يجعل فيه الزاد، وهو طعام السفر، وكَيْساً: مفعوله لاجله: أي لا يحوز: إمَّا لكيسه وإما لزهده، والْكَيْسُ: الكياسة، وهي خلاف الْحُمْقِ، وقوله " حزق " بالجر صفة لِحِوَّاز، والفُكاهة - بالضم - المزاح وانبساط النفس، يقول: هو ليس ممن إذا تمازح القوم تفكر أيَعْنُونه ويريدونه أم يعنون القِرْد لشبهه به، فيشتبه عليه الأمر، وقوله " ولا هِجْرَعٍ " بالجر معطوف على حُزُقّ، والهِجْرَعِ بكسر الهاء والراء (1) وسكون الجيم بينهما، وهو الطويل، و " سَمْج " صفته من السماجة، أي: ليس بطويل قبيح، وقوله " إذا مات إلخ " يقول: هو ليس ممن لا يبكي عليه قومه في الشدائد بعد موته، بل يبكون عليه، لأنه يدفع عنهم نوائب الدهر.
الاعلال أنشد فيه - وهو الشاهد السبعون بعد المائة -: (من الوافر) 170 - * أعَارَتْ عَيْنُهُ أمْ لَمْ تَعَارَا * على أنه قد يُعل باب فَعِلَ من العيوب، فإن عارت أصله عَوِرت - بكسر الواو - فقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وهو قليل، والكثير عَوِرَ يَعْوَرُ، لأنه في معنى اعْوَرَّ يعوَرُّ، فلما كان اعور لابد له من الصحة لسكون ما قبل الواو صحت العين في عَوِرَ وَحَوِلَ ونحوهما، لأنها قد صحت فيما هو بمعناها، فجعلت صحة العين في فَعِلَ أمارة لأنه في معنى افْعَلَّ قال سيبويه: لم يَذْهب به مذهبَ افْعَلَّ، فكأنه قال: عارت تَعْوَرُ، ومن قال هكذا فالقياس أن يقول: أعار الله عينه، وقد رواه صاحب الصحاح - وتبعه صاحب العباب - بالعين المهملة والغين المعجمة، ومعنى عارت عينه صارت عوراء، وقالا في المعجمة: وغارت عينه تغُور غَوْراً وغُؤوراً: دخلت في الرأس، وغارت تغار لغة فيه، وصدره عنده: * وَسَائِلَةٍ بِظَهْرِ الْغَيْبِ عَنِّي * أي: رب سائلة وأنشده ابن قتيبة في أدب الكاتب: * تُسَائِلُ بابْنِ أحْمَرَ مَنْ رَآهُ * على أن الباء بمعنى عن قال الجواليقي في شرحه: " عمرو بن أحمر من باهلة، وهو أحد عُوران قيس، وهم خمسة شعراء: تَمِيم بنُ أبيّ بن مقبل، والراعي، والشماخ، وحميد بن ثور، وابن أحمر، يقول: تسائل هذه المرأة عن ابن أحمر أصارت عينه عوراء أم لم تَعْوَرّ؟ يقال: عارت العين وعُرتُها أنا وعوَّرتها، ويروى تِعَارَا - بفتح التاء
وكسرها - وهي لغة فيما كان مثله، وأراد تَعَارَنْ بالنون الخفيفة - التي للتأكيد فأبدل منها ألفاً لينه للوقف " انتهى. وروى ابن دريد صدره في الجمهرة * ورُبَّتَ سَائِلٍ عَنِّي حفى * قال: وربما قالوا: في معنى رُبَّ، وأنشد البيت و " الحفي " بالحاء المهملة والفاء: المستقصى في السؤال وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: " هذا البيت لعمرو بن أحمر، وهذا من الشعر الذي يدل على قائله، ويغنى عن ذكره، ووقع في شعره: ورُبَّتَ سَائِلٍ عَنِّي حَفّي، وهو الصحيح، لأنه ليس قبل هذا البيت مذكور يعود إليه الضمير من قوله: تُسَائِل، ولعل الذي ذكر ابن قتيبة رواية ثانية مخالفة للرواية التي وقعت إلينا من هذا الشعر، وبعد هذا البيت: فَإنْ تَفْرَحْ بِمَا لاَقَيْتُ قَوْمِي * لِئَامُهُمُ فَلَمْ أكثرْ حِوَارَا والحوار - بالحاء المهملة -: مصدر حاورته في الأمر إذا راجعته فيه، يقول: لم أكثر مراجعة من سُرَّ بذلك من قومي، ولا أعنفه في سروره لما أصابني، وكان رماه رجل يقال له مَخْشِيٌّ بسهم ففقأ عينه، وفي ذلك بقول: (من البسيط) شَلَّتْ أنَامِلُ مَخْشِي فَلاَ جَبَرَتْ * وَلاَ اسْتَعَانَ بِضَاحِي كَفِّهِ أبَدَا أهْوَى لَهَا مِشْقَصاً حَشْراً فَشَبْرَقَهَا * وَكُنْتُ أدْعُو قَذَاهَا الإثْمدَ الْقَرِدَا أعْشُو بِعَيْنٍ وأُخْرَى قَدْ أضَرَّبِهَا * رَيبُ الزَّمَانِ فَأمْسى ضَوْءُهَا خَمِدَا وقوله " أم لم تعارا " قياسه أن يقول: أم لم تَعَرْ كَلَمْ تخف، ولكنه أراد النون الخفيفة " انتهى كلامه وأورده ابن عصفور في الضرائر قال: " ومنها ردّ حرفِ العلة المحذوف لا لتقاء
الساكنين اعتداداً بتحريك الساكن الذي حذف من أجله وإن كان تحريكه عارضاً، كقوله: * أعَارَتْ عَيْنُهُ أمْ لَمْ تَعَارَا * كان الوجه لم تَعَرْ، إلا أنه اضطر فرد حرف العلة المحذوف واعتد بتحريك الآخر وإن كان عارضاً، ألا ترى أن الراء من تَعارا إنما حركت لأجل النون الخفيفة المبدل منها الألف؟ والأصل لم تَعَرَنْ، ولحقت النون الخفيفة الفعل المنفي بلم كما لحقته في قول الآخر: * يَحْسَبُهُ الْجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَمَا * " انتهى ولم يتصل خبرُ عَوَرِ عينه بسهم إلى بعض فضلاء العجم فقال في شرح أبيات المفصل: " وأراد بغُؤور العين ما هو سببه، وهو الهزل والنحافة، فسألت عنه أنَحْفَ جسمه وضعف بعدي أم هو على حاله؟ " هذا كلامه، وظن أن هذا الكلام من التغزل، وأجْحف ابن المستوفي وظن أن عينيه عَوِرتا فحمل عارت عينه على الواحدة وتَعارا على العينين، واعتذر للافراد أولا بأن كل شئ لا يخلو عن قرين يجوز أن يُعَبَّر (فيه) بالواحد عن الاثنين، فالألف في " تعارا " على قوله ضمير تثنية، والجزم بحذف النون، وتندفع الضرورتان عنه برد الألف والتوكيد مع لم، لكنه خلاف الواقع وعمرو بن أحمر شاعر مخضرم إسلامي قد ترجمناه في الشاهد الستين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد الجار بردى هنا - وهو الشاهد الواحد والسبعون بعد المائة -: (من الرجز) 171 - أيَّ قَلُوصٍ رَاكِبٍ تَرَاهَا * طَارُوا عَلاَهُنَّ فَطِرْ عَلاَهَا
على أن القياس عليهِنَّ وعَلَيْها، لكن لغة أهل اليمن قلب الياء الساكنة المفتوح ما قبلها ألفاً، وهذا الشعر من كلامهم كذا أوردهما الجوهري في الصحاح، وهما من رجز أورده أبو زيد في نوادره نقلنا وشرحناه في الشاهد الثامن عشر بعد الخمسمائة من شواهد شرح الكافية وقوله " أي قَلُوصٍ راكبٍ " باضافة قلوص إلى راكب، و " أي " استفهامية تعجبية، وقد اكتبست التأنيث من قلوص، ولهذا أعاد الضمير إليها مؤنثاً، و" أي " منصوب، من باب الاشتغال، ويجوز رفعه على الابتداء، والقلوص - بفتح القاف -: الناقة الشابة، وطاروا: أسرعوا وأنشد بعده: (من المنسرح) نستوقد النبل بالحضيض ونصطاد نفوسا عَلَى الْكَرَمِ وتقدم شرحه في الشاهد التاسع عشر من هذا الكتاب وأنشد بعده - وهو الشاهد الثاني والسبعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من مجزوء الكامل) 172 - عَيُّوا بِأَمْرِهِمُ كَمَا * عَيَّتْ ببيضتها الحمامه جعلت لها عودين من * نشم وآخر من ثُمَامَهْ على أنه أدغم المثلان جوازاً في عَيُّوا قال سيبويه: " وقد قال بعضهم: حيوا وعَيُّوا لَمَّا رأوها في الواحد والاثنين والمؤنث، إذ قالوا: حيت المرأة، بمنزلة المضاعف من غير الياء، أجروا الجمع على ذلك، قال الشاعر: * غيرا بأمرهم ... البيت (1) * "
قال الأعلم: " الشاهد فيه إدغام عَيُّوا وجَعْلُه كالمضاعف الصحيح السالم من الإعلال والحذف، لادغامه " والبيتان من قصيدة لعَبِيد بن الأبرص الأسَديَّ خاطب بها حُجْراً أبا امرئ القيس، واستعطفه لبني أسد، وذلك أن حجراً كان يأخذ منهم إتاوة فمنعوه إياها فأمر بقتلهم بالعصى، فلذلك سموا عَبِيد الْعَصَى، ونفى من نفى منهم إلى تهامة، وأمسك منهم عمرو بن مسعود وعَبِيد بن الأبرص وحلف أن لا يساكنوه، فلما خاطبه بها رق لهم حجر، وأمر برجوعهم إلى منازلهم، فاضطغنوا عليه ما فعل بهم فقتلوه، وأولها: يَا عَيْنُ مَا فَابْكِي بَنِي أسَدٍ * هُمُ أهْلُ النِّدَامَهْ (1) أهْلُ الْقِبَابَ الْحُمْرِ وَالنِّعَم الْمُؤْبَّلِ وَالْمُدَامَهْ وَذَوُو الْجِيَادِ الْجُرْدِ والأسل * الْمُثَقَّفَةِ الْمُقَامَهْ (2) حِلاًّ أبَيْتَ اللَّعْنَ حِلْلاً * إنَّ فيما قُلْتَ آمَهْ فِي كُلِّ وَادٍ بَيْنَ يثرب * فَالْقُصُورِ إلَى الْيَمَامَهْ تَطْرِيب عَانٍ أوْ صِيَا * حُ مُحرَّق وَزُقَاء هَامَهْ (3) وَمَنَعْتَهُمْ نَجْداً فَقَدْ * حَلُّوا عَلَى وَجَلٍ تَهَامَهْ عَيُّوا بِأَمْرِهِمُ كَمَا * عيت بيضتها الحمامه (4) جعلت لها عودين من * نشم وآخر من ثمامه
فَنَمَتْ بِهَا في رَأْسِ شَا * هِقَةٍ عَلَى فَرْعِ الْبَشَامَهْ إمَّا ترت تَرَكْتَ عَفْواً * أوْ قَتَلْتَ فَلاَ مَلاَمَهْ أنْتَ الْمَلِيكُ عَلَيْهِمِ * وَهُمُ الْعَبِيدُ إلَى الِقِيَامَهْ ذُلُّوا وَأعْطُوكَ القيا * د كذل أدْبَرَ ذِي حَزَامَهْ (1) قوله " يا عين ما فابكي " ما: زائدة، والنعم: المال الراعي، وهو جمع لا واحد له من لفظه، وأكثر ما يقع على الإبل، قال أبو عبيد: النعم: الجمال فقط، وقيل: الإبل خاصة (2) ، يؤنث ويذكر، وهو هنا مذكر لوصفه بالمؤبَّل، باسم المفعول، ومعناه الْمُقْتَنَى، يقال: أبَّلَ الرجل تأبيلاً: أي اتخذ إبلاً واقتناها، والأسل: القنا، والتثقيف: التعديل، والمقامة: اسم المفعول من أقام الشئ بمعنى عدَّله وسواه، وفي العُباب: يقال: حِلاَّ: أي استَثْنِ، ويا حالف اذكر حِلاًّ، قال عَبِيد بن الأبرص لأبي امرئ القيس - وحلف أن لا يساكنوه -: حِلاًّ أبَيْتَ اللَّعْنَ ... البيت و " آمه " وفيه أيضاً في مادة (أوم) : الآمة العيب، وأنشد البيت أيضاً، وطرَّب تطريباً: أي مَدَّ صوته، والعاني: الاسير، والزُّقاءُ - بضم الزاي المعجمة بعدها قاف -: صياح الديك ونحوه، و " الهامة " تزعم العرب أن روح القتيل الذى لم يُدْرك بثأره تصير هامة - وهو من طيور الليل - فتزقو تقول: اسقوني اسقوني (3) ، فإذا أدرك بثأره طارت، وقوله " عَيّوا بأمرهم " الضمير لبنى أسد،
وفي الصحاح: يقال: عَيَّ بأمره وعييى إذا لم يهتد لوجهه، والإدغام أكثر، وأنشد البيت، والنشم - بفتح النون والشين المعجمة -: شجر يتخذ منه القِسِّيُّ، والثمام - بضم المثلثة -: نبت ضعيف لو خوص أو شبيه بالخصوص، وربما حُشِي به وسد به خَصاص البيوت، الواحدة ثمامة قال ابن السيد في شرح أبيات أدب الكاتب: " أصحاب المعاني يقولون: إنه أراد جعلت لها عودين: عوداً من نشم، وآخر من ثمامة، فحذف الموصوف وأقام صفته مقامه، فقوله: وآخر، على هذا التأويل ليس معطوفاً على عودين، لأنك إن عطفته عليهما كانت ثلاثة، وإنما هو معطوف على الموصوف الذي حذف وقامت صفته مَقَامه، فهو مردود على موضع المجرور، وهذا قبيح في العربية، لأن إقامة الصفة مُقام الموصوف إنما يحسن في الصفات المحضة، فإذا لم تكن محضة وكانت شيئا ينوب مناب الصفة من مجرور أو جملة أو فعل لم يجز إقامتها مقام الموصوف، لا يجوز جاءني من بني تميم وأنت تريد رجل من بني تميم، وقد جاء شئ قليل من ذلك في الشعر، وأما تشبيه أمر بني أسد بأمر الحمامة فتلخيصه أنه ضرب النشم مثلاً لذوي الحزم وصحة التدبير، وضرب الثُّمام مثلاً لذوي العجز والتقصير، فأراد أن ذوي العجز منهم شاركوا ذوي الحزم في آرائهم فأفسدوا عليهم تدبيرهم، فلم يقدر الحكماء على إصلاح ما جناه السفهاء، كما أن الثمام لما خالط النشم في بنيان العُش فسد العُش وسقط، لو هن الثمام وَضعفه، ولم يقدر النشم على إمساكه بشدته وقوته " هذا كلامه وفيه نظر من وجهين: أما أولاً: فلأنه لا ضرورة في تخريجه على الضرورة، ولا مانع في المعنى من عطف " آخَرَ " على عودين، إذ المراد جعلت عشها من هذين الجنسين: النشم، والثمامة: سواء كان أحدهما أكثر من الآخر أم لا، وليس المراد أنها لم تجعله سوى عودين لعدم، إمكانه بديهة، والمراد من العدد القلة لا ظاهره،
وأما ثانياً: فلأنه ليس معنى التشبيه على ما ذكره، وإنما المراد من تشبيههم بها عدم الاهتداء لصلاح الحال قال الأعلم: " وصف خُرْق قومه وعجزهم عن أمرهم، وضرب لهم مثلاً بِخُرْق الحمامة وتفريطها في التمهيد لعشها، لأنها لا تتخذ عشها إلا من كُسَار العيدان، فربما طارت عنها فتفرق عشها وسقطت البيضة فانكسرت، وذلك قالوا في المثل: أَخْرَقُ مِنْ حَمَامة، وقد بين خرقها في بيت بعده، وهو: جَعَلَتْ لَهَا عُوْدَيْن ... البيت: أي: جعلت لها مهاداً من هذين الصنفين من الشجر، ولم يرد عودين فقط ولا ثلاثة كما يتأول بعضهم، لأن ذلك غير ممكن " انتهى. واستدل ابن يَسْعَوْن والصَّقَلِيْ وجماعة ممن شرح أبيات الإيضاح الفارسى على أنه لا بيد من حذف الموصوف بأن العرب فيما زعموا لا تقول: ما رأيت رجلين وآخر، لأن آخَرَ إنما يقابل به ما قبله من جنسه: من إفراد أو تثنية أو جمع، فلزم لذلك أن يكون التقدير عُوداً من نشم وآخر من ثُمامة، حتى يكون قد قابل مفرداً بمفرد، وهو الذي ذكروا من أنه إنما يكون على وفق ما قبله من إفراد أو تثنية أو جمع، هذا ما قالوه، وهو ليس بصحيح، بدليل قول ربيعة بن مُكَدَّم: (من الكامل) * وَلَقَدْ شَفَعْتُهُمَا بآخَرَ ثَالِثٍ (1) * ألا ترى أنه قابل بآخر اثنين؟ وقولُ أبي حية: (من البسيط) وَكُنْتُ أمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلاً * فَصِرْتُ أمْشِي عَلَى أُخْرَى مِنَ الشَّجَرِ
وقول امرئ القيس: (من الطويل) فَوَالَى ثَلاثَاً وَاثْنَتَيْنِ وَأَرْبعاً * وَغَادَرْتُ أُخْرَى فِي قَنَاةِ رَفِيض وقول أبي ذؤيب: (من الطويل) فَأبْلِغْ لَدَيْكَ مَعْقِلَ بْنَ خُوَيْلِدٍ * مَآلِكَ تُهْدِيهَا إلَيْهِ هَدَاتُهَا عَلَى إثْرِ أُخْرَى قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ أتَتْ * إلَيْنَا فَجَاءَتْ مُقْشَعِرّاً شواتُها المالِك: الرسائل، والشَّواة: جلدة الرأس، وهي أول ما يقشعر من الإنسان إذا فزع، وهذا مثل، ألا ترى أن أخرى في البيت مفردة مع أن ما قبلها ليس كذلك؟ وأما ما ذكروه من أن آخَرَ إنما يقابل به ما قبله من جنسه فأنهم يعنون به أن يكون الاسم الموصوف بآخر في اللفظ والتقدير يصح وقوعه على التقدير الذي قوبل بآخر على جهة التواطئ، نحو جاءني زيد ورجل آخرُ، وكذلك جاءني زيد وآخَرُ، لأن التقدير ورجل آخَرُ، وكذلك جاءني زيد وآخرى، تريد ونسمةٌ أخرى، فكذلك اشتريت فرساً ومركوباً آخَرَ وأنت تريد بالمركوب جملاً، لأن المركوب يصح وقوعه على الفرس والجمل على جهة التواطئ، وامتنع رأيت المشتري والمشتري الآخر تريد بأحدهما الكوكب وبالاخر عاقِدَ البيع، وإذا قوبل بآخر ما هو من جنسه فهل يشترط مع صحة وقوعه عليهما اتفاقهما في التذكير؟ فيه خلاف: ذهب المبرد إلى أنه غير شرط، والصحيح أنه شرط، تقول: أتتني جاريتك وامرأة أخرى، فإن قلت أتتني جاريتك ورجل آخَرُ لم يجز، وكذلك لو قلت أتاني أخوك وامرأة أخرى، وإن قلت أتاني أخوك وإنسان آخَرُ جاز إن قصدت بالإنسان المرأة، وكذا جاءني أخوك وإنسان آخَرُ إن أريد بالإنسان الرجل، وهذا الذي ذكروه من أن آخر يقابل به ما قبله من جنسه هو المختار، وقد يستعملونه من غير أن يتقدمه شئ من جنسه، وزعم أبو الحسن في الكبير له: أن ذلك لا يجوز إلا في الشعر، فقال: لو قلت جاءني
آخر من غير أن يُتكلم قبله بشئ لم يجز، ولو قلت: أكلت رغيفاً وهذا قميص آخر لم يحسن، ثم قال: وهذا جائز في الشعر كقول، أم الضحاك: (من الطويل) فَقَالُوا شِفَاءُ الْحُبِّ حُبٌّ يُزِيلُهُ * مِنَ آخَرَ أوْ نَأْيٌ طَويلٌ عَلَى هَجْرِ أي من محبوب آخر، ولم يتقدم ذكر المحبوب، وإنما ذكر الحب الدال عليه، وأحسن من ذلك قوله: (من الوافر) إذَا نَادَى مُنَادٍ باسْم أُخْرَى * عَلَى اسْمِكِ سَرَّنِي ذَاكَ النِّدَاءُ لأن أخرى، وإن لم يتقدم قبلها في اللفظ شئ من جنسها فقد تقدم في النية، لأنه أراد إذا نادى مناد على اسمك باسم أخرى وروى جماعة: جَعَلَتْ لَهَا عُوْدَيْنِ مِنْ * ضَعَةٍ وَآخَرَ مِنْ ثُمَامَهْ والضَّعة - بفتح الضاد المعجمة بعدها عين مهملة -: شجر من الْحَمْض، يقال: ناقة واضعة للتي ترعاها، ونوق واضعات، قال ابن حبيب في أمثاله التي على أفْعَلْ مِنْ كَذَا: " يقال: هُوَ أخْرَقُ مِنْ حمامة، وذلك أنها تجئ إلى الغصن في الشجرة فتبنى عليها عشاً وتستودعه بيضها، قال عَبيد بين الأبرص: جَعَلَتْ لَهَا عُوْدَيْنِ مِنْ * ضَعَةٍ ... إلخ والضعة: شبيه بالأسَل، والثمام: فوق الذراع شبيه بالأسل وليس به، وروى الْخُوَارِزْمي: عُوْدَيْن مِنْ نَشَمٍ " هذا كلامه قال ابن المستوفي: رواية ضعة أجود، لضعف شجره وإن جاز النشم، وقالوا: أحمق من حمامة، لأنها تُعِشُّ بثلاثة أعواد في مهب الريح وبيضها أضيع شئ، وقال ابن السيرافي: " وَضَعَتْ لَهَا عُوْدَيْنِ مِنْ ضَعَةٍ ... الخ يريد أنهم لم يتوجهوا للخلاص مما وقعو فيه، وإنما جعلهم كالحمامة لأن فيها خرقاً، وهي قليلة الحيلة، ويقال في الأمثال: هُوَ أخْرَقُ مِنْ حَمَامَة، وذلك
لأنها تبيض في شر المواضع وأخوفها على البيض، فإن اشتدت الريح وتحركت الشجرة سقط بيضها، والضعة: ضرب من الشجر " انتهى. وقوله " فَنَمت بها " أي: بالبيضة، والنُّمُوّ معروف، وأراد في رأس شجرة شاهقة: أي عالية، والفرع: الغصن، والبشامه: شجرة طيبة الريح يستاك بعيدانها، وقوله " كذُلِّ أدْبَرَ ذي حَزَامَة " الأدْبر: وصف بمعنى المدبر من الإدبار ضد الإقبال، والْحَزَامَة - بالفتح -: مصدر حُزُمَ الرجل - بالضم - حزامة فهو حازم، والحزم: ضبط الرجل أمره وأخذه بالثقة وعَبِيد بن الأبرص - بفتح العين وكسر الموحدة - شاعر جاهلي ترجمناه في الشاهد السادس عشر بعد المائة من شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده - وهو الشاهد الثالث والسبعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الطويل) 173 - وَكُنَّا حَسِبْنَاهُمْ فَوَارِسَ كَهَمْس * حَيُوا بَعْدَ ما ما توا مِنَ الدَّهْرِ أعْصُرَا على أنه مَنْ أظهر في حَيي ولم يدغِم قال في الجمع حَيُوا كخَشُوا مخففاً كما في البيت، وأصلهما حييوا وخشيوا، نقلت ضمة الياء الثانية إلى الياء الأولى بعد حذف كسرتها، فاجتمع ساكنان: الياء الثانية والواو فحذفت الياء، فصار حَيُوا وخَشُوا قال سيبويه: " فإذا قلت: فَعَلُوا وَأُفْعِلُوا قلت: حَيُوا وأُحْيُوا، لأنك قد تحذفها في خَشُوا وأخْشُوا، قال الشاعر: * وَكُنَّا حَسِبْنَاهُمْ ... البيت * " وقال ابن السراج في الأصول: " فإذا قلت: فَعَلُوا وَأُفْعِلُوا قلت: حَيُوا كما تقول: خَشُوا، فتذهب الياء، لأن حركتها قد زالت كما زالت في ضربوا، فتحذف لالتقاء الساكنين ولا تحرك بالضم، لثقل الضمة في الياء، وأحْيَوْا مثل
اخْشُوا " وأنشد البيت أيضاً. وقد اشتهر رواية البيت بكُنَّا حَسِبْنَاهُمْ، واستشهد به جماعة كذا، وصوابه: وَحَتَّى حِسبْنَاهُمْ، وفيه شاهد آخر وهو جمع فاعل الوصفي على فَوَاعِل وهو آخر أبيات أربعة لأبي حُزابة أوردها الأصبهاني في الأغاني، قال: " أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال: حدثني محمد بن الهيثم الشامي قال: حدثني عمي أبو فراس عن العُذْري قال: دخل أبو حُزابة على عُمَارة بن تميم ومحمد بن الحجاج وقد قدما سجستان لحرب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وكان عبد الرحمن لما قدماها هَرَب ولم يبق بسجستان من أصحابه إلا نحو سبعمائة رجل من بني تميم كانوا مقيمين بها، فقال لهما أبو حُزَابة: إن الرجل قد هرب منكما ولم يبق من أصحابه أحد، وإنما بسجستان من كان بها من بني تميم قبل قدومه، فقالا له: ما لهم عندنا أمان، لأنهم قد كانوا مع ابن الأشعث وخلعوا الطاعة، فقال ما خلعوها ولكنه ورد عليهم في جمع عظيم لم يكن لهم بدفعه طاقة، فلم يجيباه إلى ما أراد، وعاد إلى قومه وحاصرهم أهل الشام فاستقتلت بنو تميم، فكانوا يخرجون إليهم في كل يوم فيدافعونهم ويكبسونهم بالليل، وينهبون أطرافهم حتى ضَجِرُوا بذلك، فلما رأى عُمَارَة فعلهم صالحم وخرجوا إليه، فلما رأى قلتهم قال: أما كنتم إلا ما أرى؟ قالوا: لا، فإن شئت أن نقيلك الصلح أقلناك وعدنا للحرب، فقال: أنا غنيّ عن ذلك، فأمَّنهم، فقال أبو حزابة في ذلك: فلِلَّه عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ فَوَارِسٍ * أكَرَّ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْهُمْ وَأَصْبَرَا وَأَكْرَمَ لَوْ لاَقَوْا سَدَاداً مُقَارِباً * وَلَكِنْ لقواطما مِنَ الْبَحْرِ أخْضَرَا فَمَا بَرِحُوا حَتَّى أعَضُّوا سُيُوفَهُمْ * ذُرَى الْهَامِ مِنْهُمْ وَالْحَدِيدَ الْمُسْمَّرَا وَحَتَّى حَسِبْنَاهُمْ فوارس كهمس * حيوا بعد ما مَاتُوا مِنَ الدَّهْرِ أعْصُرَا " انتهى ما أورده الأصبهاني
و " كهمس " على وزن جعفر، قال صاحب الصحاح: الكَهْمَسُ: القصير، وكهمس: أبو حي من العرب، وأنشد هذا البيت بلفظ " وكنا حسبناهم "، وكذا قال صاحب العباب، قال ابن بري في أمالية على الصحاح: " البيت لموْدود العنبري، وقيل لأبي حُزابة الوليد بن حنيفة، وكَهْمَسٌ هذا هو كهمس ابن طَلْق الصرِيميّ، وكان من جملة الخوارج مع بلال بن مِرْداس، وكانت الخوارج وقعت بأسلم بن زُرْعة الكلابي، وهم في أربعين رجلاً وهو في ألفي رجل، فقتلت قطعة من أصحابه وانهزم إلى البصرة، فقال مودود هذا الشعر في قوم من بني تميم فيهم شدة، وكانت لهم وقعة بسجستان، فشبههم في شدتهم بالخوارج الذين كان فيهم كهمس ابن طلق، وقوله " حيوا " يعني الخوارج أصحاب كهمس: أي كأن هؤلاء القوم أصحاب كهمس في شدتهم وقوتهم ونصرتهم، وأنشد الأبيات قبله وعلم من هذا أن كهمساً في البيت ليس أبا حي من العرب وإنما هو أحد الخوارج من أصحاب بلال بن مرداس الخارجي قال المبرد في الكامل: " وكان مرداس أبو بلال بن حُدَيْر - وهو أحد بني ربيعة ابن حنظلة - يعظمه الخوارج وكان مجتهداً كثير الصواب في لفظه، وكان مِرْدَاس قد شهد صفِّين مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنكر التحكيم، وشهد النَّهْرَوَان، ونجا فيمن نجا، وكان حبسه ابن زياد بن أبيه فلما خرج من حبس ابن زياد ورأى جِدّاً ابن زياد في طلب الشُّرَاة عزم على الخروج، فاجتمع إليه أصحابه زهاء ثلاثين رجلاً، منهم حُرَيث ابن حَجَل، وكَهْمَسُ بن طلق الصَّرِيمِيُّ، فأرادوا أن يولوا أمرهم حُرَيثاً فأبى، فولوا أمرهم مِرْداساً، فلما مضى بأصحابه لقيه عبد الله بن رَباح الأنصاري - وكان له صديقاً - فقال له: يا أخي أين تريد؟ فقال: أريد أن أهرب بدينى وأديان أصحابي من أحكام هؤلاء الجورة، فقال له: أعَلِمَ بكم أحد؟ قال: لا، قال: فارجع، قال: أو تخاف عَلَيَّ مكروهاً؟ قال: نعم، وأن يؤتى بك، قال: فلا
تخف، فإني لا أجرد سيفاً ولا أخيف أحداً ولا أقاتل إلا من قاتلني، ثم مضى حتى نزل آسَكَ، وهو ما بين رامَهُرْمُزَ وأرَّجان، فمر به مال يُحمل لابن زياد - وقد قارب أصحابه الأربعين - فحط ذلك المال فأخذ منه عطاءه وَأعْطِيَة أصحابه ورد الباقي على الرسل، وقال: قولوا لصاحبكم: إنما أخذنا أعطيتنا، فجهز عبيد الله بن زياد أسلم بن زُرْعة في أسْرع وقت، فلما صار إليهم أسلمُ صاح بهم أبو بلال: اتق الله يا أسلم، فإنا لا نريد قتالاً، فما الذي تريده؟ قال: أريد أن أردكم إلى ابن زياد، قال مِرداس: إذاً يقتلنا، قال وإن قتلكم؟ قال تَشْرِكُهُ في دمائنا، قال: إني أدين بأنه محق وأنكم مبطلون، فصاح به حُرَيْثُ ابْنُ حَجَل: أهو محق وهو يطيع الفجرة - وهو أحدهم - ويقتل بالظنة ويخص بالفئ ويجور في الحكم؟ ثم حملوا عليه حملة رجل واحد فانهزم هو وأصحابه من غير قتال، فلما ورد على ابن زياد غضب عليه، وقال: ويلك، أتمضي في ألفين فتنهزم لحملة أربعين؟ ثم ندب ابنُ زياد لهم الناسَ فاختار عَبَّادَ بن أخضر فوجهه في أربعة آلاف والتقوا في يوم جمعة، فلم يزالوا يجتلدون حتى جاء وقت الصلاة، فناداهم أبو بلال: يا قوم هذا وقت الصلاة، فوادعونا حتى نصلي وتصلوا، قالوا: لك ذلك، فرمى القوْم أجمعون بأسلحتهم وعمدوا للصلاة، فأسرع عَبَّاد ومن معه - والحرورية مبطئون، فهم من بين راكع وساجد وقائم في الصلاة وقاعد - حتى مال عليهم عباد ومن معه فقتلوهم جميعاً، وكان فيهم كَهْمَسٌ، روي أنه كان من أبر الناس بأمه فقال لها يوماً: يا أُمَّهْ لولا مكانك لخرجت، فقالت: يا بُنَيَّ قد وهبتك لله، فخرج مع مرداس فقتل وصُلب " هذا ما لخصته من الكامل باختصار وأبو حُزَابة: بضم الحاء المهملة بعدها زاي معجمة وبعد الألف موحدة، قال صاحب الأغاني: " أبو حزابة اسمه الوليد بن حنيفة، أحد بني ربيعة بن حنظلة
ابن مالك بن زياد مَنَاة بن تميم، شاعر من شعراء الدولة الأموية القدماء، بدَوِيّ حضرى سكن البصرة، واكتتب في الديوان، وضرب عليه البعث إلى سجستان، فكان بها مدة وعاد إلى البصرة، وخرج مع ابن الأشعث لما خرج على عبد الملك، وأظنه قتل معه، وكان شاعراً راجزاً خبيث اللسان هَجَّاء ". وروى بسنده إلى العذري قال: " دخل أبو حُزَأبة على طلحة الطلحات الخزاعي وقد استعمله يزيد بن معاوية على سِجِستان، وكان أبو حُزَابة قد مدحه فأبطأت عليه الجائزة من جهته، ورأى ما يعطى غيره، فأنشده: (من الطويل) وَأدْلَيْتُ دَلْوِي فِي دِلاءٍ كَثِيرَةٍ * فَجِئْنَ مِلاَءً غَيْرَ دلوى كما هيا وأهلكنى أنْ لاَ تَزَالُ رَغِيبَةٌ * تُقَصِّر دُونِي أوْ تَحُلُّ وَرَائِيَا أرَانِي إذا اسْتَمطَرْتُ مِنْكَ سَحَابَةً * لِتُمْطِرَنِي عَادَتْ عَجَاجاً وَسَافِيَا قال: فرماه طلحة بحُقّ فيه دُرَّة، فأصاب صدره، ووقعت في حجره، ويقال: بل أعطاه أربعة أحجارٍ، وقال: لا تُخْدَعْ عنها، فباعها بأربعين ألفاً، وكان هوى طلحة الطلحات أمَويّاً، وكان بنوا أمية يكرمونه، وأنشدَه أبو حزابة يوماً: (من الرجز) يَا طَلْحَ يَأْبَى مَجْدُكَ الإِخْلاَفَا * وَالْبُخْلُ لاَ يَعْتَرِفُ اعْتِرَافَا إنَّ لَنَا أحْمِرَةً عِجَافَا * يَأْكُلْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ إكَافَا فأمر له طلحة بإبل ودراهم، وقال له: هذه مكان أحمرتك " وأنشد بعده - وهو الشاهد الرابع والسبعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الرجز) 174 - * لاَثٍ بِهِ الأَشَاءُ والْعُبْرِيُّ * على أن فيه قلباً مكانياً، وأصله لائث
وأورده سيبويه في موضعين من كتابه: الأول في باب تحقير ما كان فيه قلب، قال: " اعلم أن كل ما كان فيه قلب لا يرد إلى الأصل، وذلك لأنه اسم بني على ذلك كما بني قائل على أن يبدل من الواو الهمزَة، ولكن الاسم يثبت على القلب في التحقير كما تثبت الهمزة في أدْؤُرٍ إذا حقرت، وفي قائل، وإنما قلبوا كراهية الواو والياء، كما همزوا كراهية الواو وَالياء، فمن ذلك قول العجاج: * لاَثٍ بِهِ الأَشَاءُ والْعُبْرِيُّ * إنما أراد لائِثٌ، ولكنه أخر الواو وقدم الثاء، وقال طريف بن تميم: (من الكامل) فَتَعَرَّفُونِي إنَّنِي أنا ذاكم * شاك سلاحي فِي الْحَوَادِثِ مُعْلِمُ فإنما أراد الشائك فقلب " (1) انتهى. والموضع الثاني في باب ما الهمزة فيه في موضع اللام من ذوات الياء والواو، قال فيه: " وأما الخليل فكان يزعم أن قوله جاء وشاء ونحوهما اللامُ فيهنَّ مقلوبة، وقال: ألزموا ذلك هذا، واطرد فيه، إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة، وذلك نحو قولهم للعجاج: * لاثب بِهِ الأَشَاءُ والْعُبْرِيُّ * وقال: * فَتَعَرُّفُونِي إنَّنِي ... البيت * وأكثر العرب تقول: لاثٌ وشاكٌ سلاحُهُ، فهؤلاء حذفوا الهمزة " انتهى (2) . قال ابن جني في شرح تصريف المازنى: " ولا ث من لاَثَ يَلُوث إذا جمع
ولفّ، وأصله لائث، فقلبوا العين إلى موضع اللام، فزالت الهمزة التي إنما وجبت لمصاحبة العين ألفَ فاعِل، وحكي أنهم يقولون: شاكٌ ولاثٌ، بحذف العين أصلاً، وأنشد: * لاَثٌ بِهِ الأَشَاءُ والْعُبْرِيُّ * ووجه هذا أنهم لما قالوا في الماضي: شَاكَ، ولاَثَ، وسكنت العين بانقلابها ألفاً وجاءت ألف فاعِل التقت ألفان، فحذفت الثانية حذفاً، ولم يحركها حتى تنقلب همزة كما فَعَل من يقول: قَائِم، وبِائعْ " انتهى. وفي العُباب: " ونبات لائثٌ ولاثٍ، على القلب، إذا التف والتبس بعضه على بعض، قال العجاج: في أيْكِةٍ فَلاَ هُوَ الضْحيُّ * وَلاَ يَلُوحُ نَبْتُهُ الشَّتِيُّ لاثٍ بِهِ الأَشَاءُ والْعُبْرِيُّ * فَتَمَّ مِنْ قَوَامِهَا قُومِيُّ " انتهى والأيكة: غَيْضَة تنبت السِّدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر، وقال أيضاً في مادة (ع ب ر) بالعين المهملة والباء الموحدة: والعبري - بالضم -: ما نبت من السِّدْر على شطوط الأنهار وعَظُم، وقال عُمارة: العبري من السِّدْر ضخم الورق قليل الشوك، وهو أطول من الضِّال. وقال أبو زياد: الْعُبْرِيُّ ما لا شوك فيه من السِّدر، وإنما الشوك في الضال من السدر، ولم يقل أبو زياد إن الْعُبْرِيّ من السدر ما نبت على الماء، والرواة على أن العبري منه ما نبت على الماء، قال العجاج يصف البَرْدِيَّ: لاَثٌ بِهِ الأَشَاءُ وَالْعُبْرِيُّ " انتهى والغيضة: الشجر الملتف، وقوله " في أيكة " أي: ذلك الْبَرْدِيّ في أيكة، والبردى: نبات ضعيف يعمل من الحصر على لفظ المنسوب إلى الْبَرْد، و " هو "
ضمير البردي، والضَّحِيُّ: البارز للشمس، وهو فَعِيل من ضَحِيَ للشمس - بكسر الحاء وفتحها - ضَحَاءً بالمد وفي المستقبل بفتحها لا غير: أي برز إليها، والشَّتِي: فعيل المنسوب إلى الشتاء وفي الصحاح " الأشاء بالفتح والمد صغار النخل الواحدة أشَاءَ، والهمزة فيه منقلبة من الياء لأن تصغيرها أُشَيٌّ، ولو كانت الهمزة أصلية لقيل أشيئ، و " تم " فعل ماضى من التمام، والقوام - بالفتح -: الاعتدال، والقومي - بالضم -: القامة وحسن الطول " وقال الأعلم: " وصف مكاناً مُخْصِباً كثير الشجر، والأشاء: صغار النخل واحدتها أشاءة، والْعُبْرِيّ: ما نبت من الضال على شطوط الأنهار، وهو منسوب إلى الْعُبْر، وهو شاطئ النهر، واللائث: الكثير الملتف " وأنشد بعده - وهو الشاهد الخامس والسبعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الكامل) 175 - فتعرفوني إنني أنا ذاكم * شاك سلاحي في الحوادى مُعْلِمُ على أن أصله شائك، فقلبت العين إلى موضع اللام، وتقدم نقل كلام سيبويه والبيت ثاني أبيات لطريف بن تميم العنبري وقبله: أو كلما وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيْلَةٌ * بَعَثُوا إليَّ عَرِيفَهُمْ يَتَوَسَّمُ وبعده: تَحْتِي الأَغَرُّ وَفَوْقَ جِلْدِي نَثْرَةٌ * زَغْفٌ تَرُدُّ السَّيْفَ وَهْوَ مُثَلَّمُ وَلِكُلِّ بَكْرِيٍّ لَدَيَّ عَدَاوَةٌ * وَأَبُو رَبِيْعَةَ شَانِئٌ وَمُحَرَّمُ حَوْلِي أُسَيْدٌ وَالْهَجِيمُ وَمَازِنٌ * وَإذَا حَلَلْتُ فَحَوْلَ بَيْتِي خَضَّمُ
وقوله " أو كلما وردت عكاظ " هو شاهد من شواهد سيبويه، قال: " وقد جاء شئ من هذه الأشياء المتعدية التي هي على فاعِل على فَعِيل حين لم يريدوا به الفعل شبهوه بظريف ونحوه، وقالوا: ضَرِيبُ قِدَاح، وصَرِيمٌ للصارم، والضريب: الذي يضرب بالقداح بينهم، وأنشد البيت، وقال: يريد عارفهم " انتهى. وقوله " أو كلما " استفهام، وعكاظ: أعظم أسواق العرب قريبة من عرفات، كانت تقوم في النصف من ذي القَعْدة إلى هلال ذي الحِجَّة، قال صاحب العباب: " العارف والعريف بمعنى، كالعالم والعليم، وأنشد البيت، ثم قال: والعريف هو النقيب، وهو دون الرئيس، وعَرُف فلان - بالضم - عرافة - بالفتح - أي: صار عريفاً، وإذا أردت أنه عمل ذلك قلت عَرَف فلان علينا سنين يَعرُفُ عرافة مثل كتب يكتب كتابة " انتهى ورواه ابن دريد في الجمهرة " بَعَثوا إليَّ قبيلهم " قال: قبيل القوم: عريفهم، يقال: نحن في قِبالة فلان: أي في عرافته، وأنشد البيت. وقال: قالوا: معناه عريفهم، ويتوسم: يتفرس ويتطلب الوسم، وهي العلامة، وهو مشروح بأبسط من هذا في الطويل وقوله " فتعرفوني إلخ " أي: فقلت لهم: تعرفوني، وتَعَرَّفَه: تطلب معرفته بالعلامات، وقوله " إنني " بالكسر استئناف: أي أنا ذاكم الذي حُدِّثْتُم حديثه، ورى أيضاً " فتوسموني ": أي تطلبوا سمتي وعلامتي وقوله " شاكٍ سلاحي " الشاكي: التام السلاح، وقيل: معناه الحاد السلاح، شبه بالشوك، روي بكسر الكاف وضمها، فمن كسر جعله منقوصاً مثل (قاضٍ) وفيه قولان: قيل: أصله شائك فقلب، كما قالوا: جرف هَار، واشتقاقه على هذا من الشوكة، وقيل: أصله شاكك من الشِّكَّة وهي
السلاح، كرهوا اجتماع المثلين فأبدلوا الآخر منهما ياء وأعلوه إعلال قاضٍ، ومن ضم الكاف ففيه قولان أيضاً: أحدهما أن أصله شَوِك - بكسر الواو - قلبت ألفاً، وقيل: أصله شائك، فحذفت الهمزة كما قالوا: جُرُفٌ هارٌ - بضم الراء - وفيه لغة ثالثة لا تجوز في هذا البيت، وهي شاكُّ - بتشديد الكاف - وهذا مشتق من الشِّكَّة لا غير و " معلم " اسم فاعل من أعلم نفسه في الحرب بعلامة: أي شهر نفسه بها ليعرف، والأغر: اسم فرسه، ومعناه الفرس الذي له غرة، والنَّثرة - بفتح النون -: الدرع السابغة، وكذلك الزغف - بفتح الزاي وسكون الغين المعجمتين - ومنه يقال: زغف في الحديث، إذا زاد فيه، وقيل: هي اللينة الْمَجَسَّة، وأُسيْد والْهُجَيْم - بتصغيرهما - ومازن: قبائل من تميم، وخضم - بفتح الخاء وتشديد الضاد المعجمتين -: لقب لبني العنبر بن عمرو بن تميم وسبب هذا الشعر على ما رواه المفضل بن سلمة في الفاخر ومحمد بن حبيب في كتاب المقتولين، وابن عبد ربه في العقد الفريد. قالوا: كانت سوق عكاظ يتوافَوْن بها من كل جهة، ولا يأتيها أحد إلا ببرقُع، ويعتم على برقُعه خشية أن يؤسر فيكثر فداؤه، فكان أول عربي استقبح ذلك وكشف القناع طريف ابن تميم العنبريِّ لَمَّا رآهم يتطلعون في وجهه ويتفرسون في شمائله، قال: قبح الله من وطن نفسه على الاسر، وأنشد يقول: أو كلما وردت ... الابيات وقال أبو عبيدة مَعْمَرُ بن المثنى: كانت الفرسان إذا وردت عكاظ في الأشهر الحرم أمن بعضهم بعضاً فتلثموا أو تقنعوا، لئلا تعرف فيقصد إليها في الحرب، وكان طريف بن تميم لا يتقنع مكا يتقنعون، فوافى عكاظ - وقد حشدت بكر بن وائل، وكان طريف قبل ذلك قتل شُراحيل أحد بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان
ابن ثعلبة، فقال حَمَصِيصَة أحد بني شيبان: أرُوني طريفاً، فأروه إياه، فجعل كلما مر به طريف تأمله ونظر إليه حتى فطن له طريف فقال: مالك تنظر، قال: أتوسمك لأعرفك فإن لقيتك في حرب فلله عليَّ أن أقتلك إلا أن تقتلني، فقال طريف في ذلك: أو كلما وردت عكاظ قبيلة ... الابيات فمضت مدة، ثم إن عائذة - وهم يقولون: إنهم من قريش يقال لها: عائذة بن لؤي بن غالب، وهم حلفاء لبني أبي ربيعة - خرج منهم رجلان يتصيدان فعرض لهما رجل من بني شيبان فذَعَرَ صيداً لهما فقتلاه، فتنادتْ بنو مُرِّ بن ذُهْل فأرادوا قتلهما بصاحبهم، فمنعهم بنو أبي ربيعة، فقال هانئ بن مسعود: يا بني أبي ربيعة إن إخوتكم قد أرادوا ظلمكم فامتازوا عنهم، فاعتزلتهم بنو أبي ربيعة وساروا حتى نزلوا ماء لهم يقال له: مبائض، فلما نزلوه هَرَب عبد منهم فأتى بلاد تميم فأخبرهم أن حيّاً جريداً من بني بكر بن وائل قد نزلوا على مبائض وهم بنو أبي ربيعة، فقال: طريف هؤلاء من كنت أبغي، إنما هم أكلة رأس، وهو أول من قال هذا المثل، يراد بذلك القلة، أي: عدتهم عدة يسيرة رأس يشبعها، فأقبل طريف في بني عمرو بن تميم واستغزى قبائل من بني تميم فأقبلوا متساندين وتقاتلوا وتشاغلت تميم بالغنائم، وأقبل حَمصِيصَة بن جندل وليس له هَمٌّ غير طريف، فلما رآه طعنه فقلته فانهزمت بنو تميم، وقال حمصيصة يرد على طريف: (من الكامل) وَلَقَدْ دَعَوْتَ، طَرِيفُ، دَعْوَةَ جَاهِلٍ * سَفَهَاً وَأنْتِ بِمَنْظَرٍ قَدْ تَعْلَمُ فَأَتَيْتَ حَيّاً فِي الْحُرُوبِ مَحِلُّهُمْ * وَالْجَيْش باسْمِ أَبِيهِمُ يُسْتَهْزَمُ فَوَجَدْتَ قَوْماً يَمْنَعُونَ ذِمَارَهُمْ * بُسُلاَ إذَا هَابَ الْفَوَارِسُ أُقْدَمُوا
وَإذَا دَعَوْتُ بَنِي رَبِيعَةَ أقْبَلُوا * بِكَتَائِبٍ دُونَ النِّسَاءِ تَلَمْلَمُ سَلَبُوكَ درعا والاغر كليهما * وبنو أُسَيْدٍ أسْلَمُوكَ وَخَضَّمُ وطريف بن تميم شاعر فارس جاهلي، وقيل: هو ابن عمرو، والعنبر: قبيلة من بني تميم. وأنشد بعده - وهو الشاهد السادس والسبعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الرجز) 176 - وَكَحَّلَ الْعَيْنَيْنِ بِالْعَوَاوِرِ عَلَى أن أصله العواوير فحذفت الياء ضرورة وبقيت كسرتها دليلاً عليها. قال الأعلم: " الشاهد فيه تصحيح واو العواور الثانية، لأنه ينوي الياء المحذوفة والواو إذا وقعت في هذا الموضع لم تهمز لبعدها من الطريف الذي هو أحق بالتغيير والاعتلال، ولو لم تكن فيه ياء منوية للزم همزها، كما قالوا في جمع أوَّل: أوائل، والأصل أواول، والعواوير، جمع عُوَّار، وهو وجع العين، وهو أيضاً ما يسقط في العين، وجَعَلَ ذلك كُحْلاً للعين على الاستعارة " انتهى. والبيت من رجز لجندل بن المثنى الطُّهَوِيّ وقبله: غَرَّكِ أنْ تَقَارَبَتْ أبَاعِرِي * وَأنْ رَأَيْتِ الدَّهْرَ ذَا الدوائر حنى عِظَامِي وَأُرَاهُ ثَاغِرِي * وَكَحَّلَ الْعَيْنَيْنِ بِالْعَوَاوِرِ قال ابن السيرافي: " خاطب امرأته وأراد أنه ترك السفر لكبره، وقوله: تقاربت أبا عرى، يريد أنه ترك السفر والرحلة إلى الملوك فإبله مجتمعة لا يفارق بعضها بعضاً " ورد عليه أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب بأنه غلط، وإنما معناه قلّت: يعني من قلتها قَرُبَ بعضها من بعض، وقال العيني: " معناه قربت من
الدناءة، من قولك: شئ مُقَارِبٌ، إذا كان دوناً، وكذلك رجل مقارب " انتهى. وقوله " غركِ " بكسر الكاف، وهو من قولهم: ما غرك بفلان غرّاً، من باب قتل: أي اجترأت عليه؟ فيكون التقدير هنا غرك بي، و " أن تقاربت " و " أن رأيت " فاعله، ويمكن أن يكون من قولهم غَرَّته الدنيا، من باب قَعَد: أي خدعته بزينتها. فهي غَرُور، مثل رَسول، ولا يجوز أن يكون من قولهم: غر الشخصُ يغِر من باب ضرب غَرارة - بالفتح - فهو غار، وغِر - بالكسر -: أي جاهل بالأمور غافل عنها، لأنه فعل لازم، و " أباعر " جمع بعير، قال الأزهري: " البعير مثل الإنسان يقع على الذكر والأنثى، يقال: حَلَبْتُ بعيري، والجمل بمنزلة الرجل، والناقة بمنزلة المرأة، والبكر والبَكْرَة، مثل الفتى والفتاة، والقَلُوص كالجارية، هكذا حكاه جماعة منهم ابن السِّكَّيت، وهذا كلام العرب، ولكن لا يعرفه إلا خواص أهل العلم باللغة " وكذا قال ابن جني والدوائر: جمع دائرة وهي المصيبة والنائبة، و " ذا " صفة الدهر، والرؤية بصرية، وجملة " حتى عظامي " حال من الدهر، وحنيت الشئ: عطفته وأملته، و " عظامي " مفعول حنى، وقوله " وأراه ثاغري " أرى بالبناء للمفعول من أراني الله زيداً فاضلاً، يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، فلما بني للمفعول ناب المفعول الأول - وهو هنا ضمير المتكلم - مناب الفاعل، والهاء من أراه ضمير الدهر هو المفعول الثاني، و " ثاغري " المفعول الثالث، هذا هو الأصل، ولكن غلب على استعمال المبني للمفعول بمعنى الظن، وثاغري - بالثاء المثلثة والغين المعجمة - مضاف إلى الياء، قال الجوهري: ثغَرْتُه: أي كسرت ثغره، وفي المصباح: الثَّغْر: الْمَبْسَم، ثم أطلق على الثنايا، وإذا كسر ثغر الصبي قيل: ثُغِرَ ثغوراً، بالبناء للمفعول، وثَغَرْتُه أثْغَرُهُ - من باب نفع - كسرته، وإذا نبتت
بعد السقوط قيل: أثْغَر إثغاراً مثل أكرم إكراماً، وإذا ألقى أسنانه قيل: اثَّغَرَ - على افتعل - قاله ابن فارس، وبعضهم يقول إذا نبتت أسنانه: قيل اثَّغَر - بالتشديد - وقال أبو زيد: ثُغِر الصبي بالبناء للمفعول يُثْغَرُ ثَغْراً، وهو مثغور، إذا سقط ثغره، وكَحَلْتُ عينه كَحْلاً - من باب قتل -: أي جعلت فيها الكحل، وأما كَحِلتْ عينُه كَحَلاً - من باب تَعِب - فهو سواد يعلو جفونها خِلقة، والرجل أكْحَل والمرأة كَحْلاء، وجملة " كحَّل " معطوفة على جملة " حَنَى عظامي " ورواه أبو محمد الأعرابي: " وكَاحِلَ " فيكون معطوفاً على ثاغري، والأول أولى، لأنه يصف عجزه وضعف بصره، والعُوَّار - بضم العين المهملة وتشديد الواو - قال الجوهري: هو القَذى في العين، وفان ابن جني: هو الرمد، وقيل: الرمد الشديد، وقيل: هو وخز يجده الإنسان في عينه، يريد أن الدهر جعل في عينيه القذى والرمد بدل الكحل وجَنْدَل الطُّهَوِي: قال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي: هو شاعر راجز إسلامي مُهاجٍ للراعي، وجندلٌ من بني تميم، وطُهَيَّة هي بنت عبد شمس بن سعد بن زيد بن تميم غلب نسبة أولادها إليها. وأنشد بعده - وهو الشاهد السابع والسبعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الرجز) 177 - فِيهَا عَيَأئِيلُ أسُودٍ وَنُمُرْ على أن أصله عيائل بهمزة مكسورة، والياء حصلت من إشباع كسرتها لضرورة الشعر كياء الصياريف (1) ، فَلَمْ يُعْتَدّ بها فصارت الياء بعد الالف
في الحكم مجاورة للطرف فهمزت لذلك، كذا في المفصل وشروحه وقال السخاوي في سفر السعادة: " والياء الثانية في عيائيل مثل ياء الصياريف للإشباع، لأنه جمع عَيِّل، وإنما يجمع عَيِّل على عيائل، فلهذا يهمز ولا يعتد بياء الإشباع، وتكون الياء فيه كأنها قد وَلِيت الطرف، ومن جعل عياييل جمع عَيَّالٍ من عال يَعِيل، إذا تمايل في مشيه، كما قال في وصف الأسد: (من البسيط) * كَالْمَرْزُبَانِيِّ عَيَّالٍ بِآصَالِ * فالياء على هذا التقدير بعيدة من الطرف، لأن الياء الثانية ليست للإشباع فلا تهمز. فإن قيل: فكيف جمع عَيَّالاً على عياييل؟ قيل: لأن فعّالاً مُؤَاخٍ لفَعُّول وفِعِّيل، وهما يجمعان على فعاعيل، والمؤاخاة من أجل وقوع حرف اللين في الثلاثة بين العين واللام " انتهى. وبهذا فسره ابن السيرافي في شرح أبيات سيبويه، قال: " العيال المتبختر وجمعه عياييل " وكذا في شرحها للأعلم، قال: " العياييل جمع عَيّال، وهو الذي يتمايل في مشيه لعباً أو تبختراً، يقال: عال في مشيه يعيل، إذا تبختر ". وتبعهما ابن بري في حواشي الصحاح. وحمل الصاغاني في العباب ما في البيت على الأول قال: " وعِيال الرجل: من يعوله، وواحد العيال عَيِّل، والجمع عيائل، مثل جيد وجياد وجيائد، وقد جاء عيائيل كما في البيت " وقال ابن السيرافي: " كأنه قال فيها متبخترات أسود، ولم يجعلها جمع عَيِّل، لكن جعلها جمع عيال - بالفتح والتشديد - " انتهى. وخبط الأندلسيُّ في شرح المفصل خبط عشواء قال: " روى أبو عثمان قال:
سمعت الأصمعي يقول في جمع عَيِّل - بكسر العين - وهو المتبختر: عيائيل، وهو من عال يعيل، إذا افتقر " انتهى وكتب عليه: " عَيْلٌ: بكسر العين الملفوظ بها عيناً المكتوبة صورتها خطاً، ولعله أراد بها عين اللفظ التي هي ياء " هذا كلامه. وقد نسب إليه شيئاً ولم يقله، وإنما قال أبو عثمان المازني في تصريفه ما نصه: " وكذلك إذا جمعت سيِّداً وعَيِّلاً (على هذا المثال (1)) قلت: عيائل وسيائد، شبهوا هذا بأوائل، وسألت الأصمعي عن عيِّل كيف تُكَسِّره العرب؟ فقال: عيائل، يهمزون كما يهمزون في الواوين " انتهى كلامه. وأنت ترى انه لم يقيد عَيِّلاً بكسر أوله، ولم يقل: إنه بمعنى المتبختر، وكذا أورده ابن جني في شرحه عَيِّل وعيائل، والكسر في عَيِّل إنما هو في الياء المشددة، والذى هو بمعنى المتبختر إنما هو العيَّال، وكذا لم يصب صدر الأفاضل على ما نقل عنه بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل في قوله: عيائيل، تكسير، والمراد به المتبختر، وقول الأندلسي: إنه من عال يعيل إذا افتقر لا يصح، لأن المتبختر بعيد من المفتقر، وكان الواجب أن يقول: من عال يَعِيل إذا تبختر، أو من عال الفرس يَعِيل إذا تكفَّأ في مشيه وتمايل، فهو فرس عَيَّال، وذلك لكرمه، وكذلك الرجل إذا تبختر في مشيه وتمايل، وقد زاد في الطُّنْبُور نَغْمَةً أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب: " صحف ابن السيرافي في قوله: عيائيل إنه بالعين غير المعجمة، فكذب، والصواب غياييل - بالغين المعجمة - جَمْعُ غِيْل على غير قياس " انتهى. وهذه مجازفة منه، فإن الأئمة الثقاتِ نقلوا كما قال ابن السيرافي، وهو تابع
لهم فيه، ولم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في مفرده هل هو عَيِّل أم عَيَّال؟ وحمله على أنه جمع غِيل - بكسر المعجمة - وهي الأجمة لم يرد، ولم يقل به أحد هذا، وقد أورد سيبويه في باب جمع التكسير فيما كان على ثلاثة أحرف وتحركت جميع حروفه، أنشده وقال: " فعل به ما فعل بالأسد حين قالوا: أُسْد " قال الأعلم: " الشاهد فيه جمع نَمِر على نمر كما جمع أَسَدٌ على أُسْدٍ، لأنهما متساويان في عدد الحروف وتحرك جميعها، وحَرَّكَ الميم بالضم إتباعاً للنون في الوقف " انتهى. وحمله الجوهري على أنه مخفف من نمور، وصحف عيائيل بتماثيل، قال: " النَّمر سبع، والجمع نمور، وقد جاء في الشعر نُمَر وهو شاذ، ولعله مقصور منه، قال: * فِيهَا تَمَاثِيلُ أسُودٍ وَنُمُرْ * " وقد نبّه على تصحيفه ابن بري في أماليه، والمشهور أن أُسوداً وما بعده بالرفع، قال الأعلم: والاسود بدل من عيائيل وتبين لها، قال ابن السيرافي: والذي في شعره أسودٍ مجرورةً بإضافة عيائيل إليه، وقال صدر الأفاضل: " أسودٌ بالرفع عطف بيان لعيائيل، ويروى بالجر بإضافة عيائيل إليه إضافة بيان، وقال العيني: هو من إضافة الصفة إلى موصوفها على قول ابن السيرافي وأقول: هذا جميعه على تقدير عياييل جمع عَيَّال بمعنى المتبختر، ويلزم منه أن يكون عياييل بياءين دون همز، كما تقدم عن سفر السعادة، وأما على قول من جعله جمع عَيِّل واحد العِيَال فالمراد به أولاد الأسُود والنمور إن روي بجر ما بعد عيائيل. وإن روي بالرفع فالمراد بعيائيل نفس الأسُود والنمور، وفيه ركاكة لا تخفى، والجر هي الرواية الجيدة، والأجمة إذا كان فيها أولادها تكون أحمى من غيرها، وضمير " فيها عيائيل " راجع إلى " أشِب الغيطان " في بيت
قبله، وروي أيضاً " فيه عيائيل " بتذكير الضمير على أنه راجع إلى أشِب والبيت من رجز لحكيم بن معية من بني تميم، وهو: أحْمِي قَنَاةً صُلْبَةً مَا تَنْكَسِرْ * صَمَّاءَ تَمَّتْ في نِيَافٍ مُشْمَخِرْ حُفَّتْ بِأَطْوَادٍ عِظَامٍ وَسَمُرْ * في أشِبِ الغيطان مُلْتَفّ الْحَظِرْ فِيهَا عَيَائِيلُ أسُودٌ وَنُمُرْ * خَطَّارَةٌ تُدْمِي خَيَاشِيمَ النَّعِرْ إذَا الثِّقَافُ عَضَّهَا لَمْ تَنْأطِرْ وكأن هذه الأبيات لم تبلغ الأعلم، زعم أن ضمير " فيها " لفلاة، قال: " وصف فلاة كثرت السباع فيها " هذا كلامه، وقال ابن السيرافي: وصف قناة نبتت في موضع محفوف بالجبال والشجر، وقد أطال لسانه عليه أبو محمد الأعرابي، فقال: قوله " وصف قناة " يُهَوَّس الإنسان فيتوهم أنه أراد بالقناة رُمْحاً طعن به، وإنما المراد بالقناة هنا العزة القساء والشرف العَرْد وأقول: هذا بعيد من معنى الشعر، غير دال عليه، وجميع ألفاظه أولى بالدلالة على ما ذكره ابن السيرافي وغيره من العلماء و " أحْمِي " من حَمَيْت المكان من الناس حَمْياً من باب رمي، وحِمْيَة - بالكسر - إذا منعته عنهم، والحماية: اسم منه، وأما على قول أبي محمد فهو من حَمَيْت القوم حماية، إذا نصرتهم، والقناة: الرمح، والصلبة - بالضم -: وصف من صلب الشئ - بالضم - صلابة إذا اشتد وقوي، فهو صُلْب وهي صُلْبة، والصَّماء: التي جوفها غير فارغ، وتمت: كملت واستوت في منبته، وقوله " في نياف " أي: في جبل نياف، والنياف - بكسر النون -: العالي المرتفع، قال صاحب العباب: وجمل نِيَاف وناقة نياف: أي طويل وطويلة في ارتفاع، والأصل نِوَاف، وكذلك جبل نياف، ومشمخر: اسم فاعل من اشْمَخَرَّ اشْمِخْرَاراً: أي ارتفع وعلا،
وقوله " حُفَّت - إلخ " قال ابن السيرافي: " يريد حُفَّ موضع هذه القناة التي نبتت فيه بأطواد الجبال، الواحد طَوْدٌ، والسَّمُر - بفتح فضم -: جمع سَمُرة، وهي شجرة عظيمة، والأشِب - بفتح الهمزة وكسر الشين -: الموضع الملتف الذي يتداخل حتى لا يمكن أن يُدْخل فيه إلا بشدة، والغيطان: جمع غائط، وهو المنخفض من الأرض، والْحَظِر - بفتح المهملة وكسر المعجمة -: الموضع الذي حوله الشجر مثل الحظيرة، وقوله " فيه " أي: في هذا الموضع أسود تقيل تذهب وتجئ فيه وتتبختر " انتهى كلام ابن السيرافي وقال العيني: الْحُظُر - بضمتين -: جمع حَظِيرَة، وقوله " خَطَّارَة " أي: تلك الأسُود والنمر خَطَّارة من خَطَر يخطُر - من باب نصر - خَطَرَاناً، إذا اهتز في المشي وتبختر، وتدمى: مضارع أدماه، أي: أخرج دَمَه بالجرح، والنَّعِر - بفتح النون وكسر العين المهملة -: المتكبر، والثَّقاف - بكسر المثلثة -: ما تُسَوَّى به الرماح، وثَقَّفْتُ الرماح تثقيفاً، إذا سويتها، وتنأطر: مطاوع أطَرْتُه: أي حنيته وثنيته وحُكَيْم بن مُعَيَّة راجز إسلامي معاصر للعجاج وحُمَيدٍ الأرقط، ومُعَيَّة: مصغر معاوية وأنشد بعده - وهو الشاهد الثامن والسبعون بعد المائة -: (من الطويل) 178 - * فَمَا أرَّقَ النُّيَّامَ إلاَّ سَلاَمُهَا * على أن النُّيَّام أشذُّ من صُيَّم، لأن ألف فُعَّال لما حجزت بين العين واللام قَوِيت العين، فلم يجز قلبها، وصُوَّم لما كان مع قرب واوه من الطرف الْوَجْهُ فيه التصحيح كان التصحيح إذا تباعدت الواو من الطرف لا يجوز غيره قال ابن جني في شرح تصريف المازني: " وقد جاء حرف شاذ، وهو قولهم:
فلان في صُيَّابة قومه، يريدون صُوَّابة: أي في صميمهم وخالصهم، وهو من صَابَ يَصُوب، إذا نزل، كأن عِرْقه فيهم قد ساخ وتمكن، وقياسه التصحيح، ولكن هذا مِمَّا هُرب فيه من الواو إلى الياء لثقل الواو، وليس ذلك بعلة، وأنشد ابن الأعرابي: ألاَ طَرَقَتْنَا مَيَّةُ ابْنَةُ مُنْذِرٍ * فَمَا أرَّق النُّيَّامَ إلاَّ سَلاَمُهَا وقال: أنشدنيه أبو الغمر هكذا بالياء، وهو شاذ " انتهى وقوله " أنشدنيه أبو الغَمْر " هو أبو الغَمْر الكلابي، وفي مثله يحتمل أن يكون أنشده لنفسه وأن يكون أنشده لغيره، وجزم العينى بأنه لو، وهو خلاف الصواب، فإن البيت من قصيدة لذي الرمة، والرواية في ديوانه كذا: ألاَ خَيَّلَتْ مَيُّ وَقَدْ نَامَ صُحْبَتِي * فمَا أرَّقَ النُّيَّامَ إلاَّ سَلاَمُهَا وروي أيضاً: * فَمَا نَفَّرَ التَّهْوِيمَ إلا سلامها * وهذا لا شاهد فيه، وبعده: طُرُوقاً وَجِلْبُ الرَّحْلِ مَشْدُودَةٌ بِهِ * سَفِينَةُ بَرٍّ تَحْتَ خَدِّي زِمَامُهَا أُنِيخَتْ فَأَلْقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَةٍ * قَلِيلٍ بِهَا الأصْوَاتُ إلاَّ بُغَامُهَا وقوله " ألا خيلت ميّ " أي بَعَثَت خيالها، ومية: معشوقة ذي الرمة، وأرَّقهُ تأريقاً: أسهره، والنُّيَّام: جمع نائم، ونَفَّرَه تنفيراً: شَرَّدَهُ تشريداً، والتهويم: هَزُّ الرأس من النعاس، والسلام: التحية، والطروق، المجئ في الليل، وجِلْبُ الرحل - بكسر الجيم وسكون اللام -: خشبة، وأراد بسفينة البر الناقة، وقوله " أنيخت فألقت إلخ " هذا البيت شرحناه في باب الاستثناء من أبيات شرح الكافية قال بعض فضلاء العجم: " قوله: ألا طرقتنا - إلخ، يجوز أن يريد بطروقها
طروق خيالها، فإنهم يقيمون الخيال مقام صاحبته، واستيقاظُهُمْ بسلام الخيال لاستعظامهم إياه، والحمل على ظاهره من إتيانها نفسها ظاهر " انتهى كلامه وقد ظهر لك من الرواية الأخرى أن الطارق خيالها، لا هي، وروى العيني " كلامها " بدل سلامها، وهذا بعيد ساقط. وأنشد الجاربردي هنا - وهو الشاهد التاسع والسبعون بعد المائة -: (من الطويل) 179 - وَكُنْتُ إذَا جَاري دَعَا لِمَضُوفَةٍ * أشمِّرُ حَتَّى يَنْصُفَ السَّاقَ مِئْزَرِي على أن مَضُوفَة شاذ قال المازني في التصريف الملوكي (1) : أصلها مَضْيُفَة، فنقلت الضمة إلى الضاد فانقلبت الياء واواً لسكونها وانضمام ما قبلها، وهو حرف شاذ، لا يعلم له نظير، فينبغي أن لا يقاس عليه وقال الزمخشري في المفصل: وَالْمَضُوفة كالْقَوَد والْقُصْوَى عند سيبويه، وعند الأخفش قياس قال ابن يعيش: " في مضوفة تَقْوية لمذهب أبي الحسن الأخفش، لأنه جاء على قياسه، وعند سيبويه شاذ في القياس والاستعمال، كالشذوذ في القَوَد والْقُصْوى، والقياس مَضِيفَة، والْقَادُ كباب، والْقُصْيا كالدنيا، ومَضُوفة هنا من ضِفْتُ إذا نزلت عنده ضيفاً، والمراد بالْمَضُوفة ما ينزل من حوادث الدهر
ونوائب الزمان: أي إذا جاري دعاني لهذا الأمر شَمَّرْت عن ساقي وقمت في نصرته " انتهى. وقال الزمخشري في مناهيه على المفصل: هي من ضَافَ يَضيف، إذا مال والتجأ، وأضافه ألجاه، وفلان يحمي الْمُضَاف: أي الْمُلْجأ والْمُحْرَج، وقال الأصمعي: أضَفْتُ من الأمر: أي أشفقت وَحذِرْت، ومنه المضوفة، وهو الأمر يشفق منه، كقوله: * وكنت إذا جاري ... البين * وفلان يُضِيف من كذا أي يشفق، والإضافة: الشفقة قال أبو سعيد: والبيت يروى عن ثلاثة أوجه: الْمَضُوفة، وَالْمَضِيفة، والْمُضَافَة، وكل من تكلم على هذه الكلمة جعلها يائية، إلا الصاغاني، فإنه نظر إلى ظاهر فجعلها واوية، قال في مادة (ض وف) : المضوفة الهم، ويقال بي إليك مضوفة: أي حاجة، وأنشد البيت، ولم يذكر هذه المادة غيرها، فإن ثبت أنها واوية فهي على القياس كَمَقُولَة، من القول والبيت من أبيات لأبي جندَب بن مُرَّة الهذلي الجاهلي أخي أبي خِراش الهذلي الصحابي، وهي: ألاَ أبْلِغَا سَعْدُ بْنَ لَيْثٍ وَجُنْدَبا * وَكَلْباً أُثِيبُوا الْمَنَّ غَيْر المُكَدَّرِ وَنَهْنَهْتُ أُولَى الْقَوْمِ عَنْكُمْ بِضَرْبَةٍ * تَنَفَّسَ منها كل حشيان مجحر وَكُنْتُ إذَا جَارٌ دَعَا لِمَضُوفَةٍ * أُشَمِّرُ حَتَّى يَنْصُفَ السَّاقَ مِئْزَرِي فَلا تَحْسَبَنْ جَارِي لَدَى ظِلِّ مَرْخَةٍ * وَلاَ تَحْسَبَنْهُ فقعْ قَاعٍ بِقْرْقَرِ وَلَكِنَّنِي جَمْرُ الْغَضَا مِنْ وَرَائِهِ * يُخَفِّرُنِي سَيْفِي إذَا لَمْ أخَفّرِ أبَى النَّاسُ إلاَّ الشَّرَّ منى فذرهم * وإياى ما جاءوا إليَّ بِمُنْكَرِ
قوله " أُثيبوا " من الإثابة، وهي إعطاء الثواب، يقال: أثابه، أي جازاه وكافأه، والمن: الإنعام، ونَهْنَهْتُ: كففت، وأُولي الناس: أي الجماعة المتقدمة، والْحَشْيَان - بفتح المهملة -: الذي قد حُشِيَ جوفه من خوف العدو، والمحجر: المنهزم، وهو اسم مفعول من أجحرته - بتقديم الجيم على الحاء المهملة - أي: ألجأته إلى أن دخل جحره: أي تنفس من ضربتي الذي كان لا يقدر أن يتنفس وقوله " وكنت إذا جارٌ " كذا في شعره بالتنكير، وهو أفخر، ونصف الشئ ينصفُه - من باب نصر - إذا بلغ نِصْفَه، والساقَ: مفعول مقدم، ومئزري: فاعل مؤخر، يقول: إذا دعاني جار للأمر الشاق الذي نزل به شَمَّرت حتى يصل مئزري إلى نصف ساقي، جعله مثلاً لاجتهاده في كف ما دعاه جاره إليه، قوله " فلا تَحْسَبَنْ " بنون التوكيد الخفيفة، والْمَرْخة - بالخاء المعجمة -: شجرة صغيرة لا تمنع من لاذ بها، والْفَقْع - بفتح الفاء وسكون القاف -: ضَرْب ردئ من الكماة، أي لا يمتنع على من أراده، والقَرْقَر: الصلب، أي: لا تحسبه كالكمأة التي توطأ وتؤخذ ليس عليها ستر فلا شئ أذل منها، وفي شرح إصلاح المنطق: " يقولون: هَذَا فَقْعُ قَرْقَرة، الفَقْعُ - بفتح الفاء وكسرها -: الكَمْأة الابيض، روا أبو زيد والأحمر، والقَرْقَرَة: الأرض الملساء المستوية، وقيل: القاع من الأرض ويقال للذليل: فقع قرقرة، أي أنه بمنزلة الكمء النابت في السهل، فكلما وطئته الْقَدَم شَدَخَتْه، وإذا نبت في دكادك الرمل لم تكد القدم تأخذه " انتهى وقوله " إلا الشر مني " ويروى " منهم " وما: مصدرية ظرفية وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد الثمانون بعد المائة -: (من الطويل) 180 - تَبَيَّنَ لي أنَ الْقَمَاءَةَ ذِلَّةٌ * وَأنَّ أعِزَّاءَ الرِّجَالِ طِيالُهَا على أن " طيالها " شاذ قياساً واستعمالاً، والقياس طِوَالَها، وهو الكثير
المستعمل، وقوله " لصحتها في المفرد " ليس كذلك، بل لتحركها فيه، ولو كانت ساكنة لأُعِلَّت، ولو كانت صحة العين في المفرد سبباً لصحتها في الجمع لما أعل نحو حِيَاض وثياب وسياط. والقماءة - بفتح القاف والمد -: مصدر قَمُؤ الرجل - بضم الميم مهموز اللام - أي: صار قميئاً، على وزن فعيل، وهو الصغير الذليل، ويقال: قَمَاء أيضاً، بدون الهاء على وزن فَعَال وفَعَالة، كذا في الصحاح في نسخة صحيحة، ولم يورد ابن ولاَّد في المقصور والممدود إلا فَعَالَة، قال: " والقماءة: الذل والمهانة، يقال: قَمُؤ فهو قمئ بين القماءة " انتهى. وذكر أبو بكر بن الأنباري في كتاب المقصور والممدود همزة على فَعَل - بفتحتين -، وأورده مع سبأٍ ونبأٍ، ومده على فعالة، قال: والْقَمَأ من القماءة، قال الشاعر: * تَبَيَّنَ لِي أنَّ الْقَمَاءَةَ ذِلَّةٌ ... البيت * ونقله عنه القالي في كتاب المقصور والممدود، قال: باب ما جاء من المقصور المهموز على مثال فَعَل من الأسماء والصفات، وعدّد أمثلة إلى أن قال: والْقَمَأ من القماءة، وهو الصغير، كذا قال أبو بكر بن الانباري على فعل، قال الشاعر: * تَبَيَّنَ لِي أنَّ الْقَمَاءَةَ ذِلَّةٌ ... البيت * وقال أبو زيد: " قَمُؤَ الرجل قماءة، إذا صغر، وقمأت الماشية قموا وقمئا وقموءة وقمؤت قَمَاءة، إذا سمنت " انتهى. فمصدر قمؤ الرجل على كلام أبي زيد فَعَالة، ومصدر قَمَأَت الماشية - بفتح الميم - فعول وفعولة - بضم وفعل - بفتح الفاء وسكون العين - ومصدر قمؤت - بضم الميم - فعالة. والعجب من العين أنه قال بعد أن نقل كلام القالي: " الحاصل أن مصدر قَمُؤَ على قَمَأٍ، على وزن فَعَلٍ - بالتحريك - وقَمَأةٍ - بالتاء - وإنما مُدَّ في الشعر
المذكور للضرورة " هذا كلامه. وهو ناشئ من قراءته قَمَاءة على وزن فعالة بسكون الميم والهمز على وزن فَعْلَة، ولم يقل به أحد. قال ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل: البيت من قصيدة لأُنَيْفِ بن زَبَّانَ النهابى من طيّ، وهو إسلامي، ومطلعها: تَذَكَّرْتَ حُبِّي وَاعْتَرَاكَ خَيَالُهَا * وَهَيْهَاتَ حُبِّي لَيْسَ يُرْجَى وِصَالُهَا وقد أورد أبو تمام منها بيتين (1) في أوائل الحماسة، وهما: فَلَمَّا أتَيْنَا السَّفْحَ مِنْ بَطْنِ حَائِلٍ * بحيث تلاقى صلحها وسيالها دعوا لنزار وانتمينا لطئ * كأسْدِ الشِّرَى إقْدَامُهَا وَنِزَالُهَا وأُنيف - بضم الهمزة وفتح النون -: مصغر أنف، وزَبَّان بالزاي المعجمة وتشديد الموحدة، ونَبْهَان بفتح النون وسكون الموحدة. وأنشد الشارح المحقق من (الكامل) : عَنْ مُبْرِقَاتٍ بِالْبُرِينَ وَتَبْدُو * بالأَكُفِّ اللاَّمِعَاتٍ سُوُرْ وتقدم شرحه في الشاهد الثالث والستين من هذا الكتاب. وأنشد بعده - وهو الشاهد الحادي والثمانون بعد المائة -: (من الكامل) 181 - قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسُبُونَكَ سَيِّداً * وَإخَالُ أنك سيد مغيون
على أن قوله " مَغْيُون " جاء على لغة تميم، ولغة غيرهم مغين والبيت من أبيات للعباس بن مرداس السُّلّمي، روى صاحب الاغانى بسنده عن أبي عبيدة وأبي عمرو الشيباني: " أن حَرْب بن أمية لما انصرف من حرب عُكَاظٍ هو وإخوته مرّ بالقُرَيَّة، وهي غَيْضَة شجر ملتفّ لا يُرام، فقال له مرداس بن أبي عامر: أما ترى هذا الْغَرْسَ؟ قال: بلى، فماله؟ قال: نعم المُزْدَرَع هو، فهل لك أن تكون شريكين فيه، ونحرق هذه الغَيْضة ثم نزدرعه بعد ذلك؟ فقال: نعم، فأضْرَمَا النار في الغيضة، فلما استطارت وعلا لهيبها سمع من الغيضة أنين وصجيج كثير، ثم ظهرت من حيات بيض تطير حيت قطعتها وخرجت منها، وقال مرداس بن أبي عامر: (من البسيط) إنِّي انْتَخَبْتُ لَهَا حَرْباً وإخْوَتَهُ * إنِّي بِحَبْلٍ وَثِيقِ الْعَهْدِ دَسَّاسُ أنِّي أُقَوِّمُ قَبْلَ الأَمْرِ حَجَّتَهُ * كَيْمَا يُقَالُ: وَلِيّ الأَمْرِ مِرْدَاسُ قال: فسمعوا هاتفا يقول لما احترقت الغيضة: (من الرجز) وَيْلٌ لِحَرْبٍ فَارِسَا * مُطَاعِناً مُخَالِسَا وَيْلٌ لِعَمْرٍو فَارِسَا * إذْ لَبِسُوا الْقَوَانِسَا لَنَقْتُلَنْ بِقَتْلِهِ * جَحَاجِحاَ عَنَابِسَا ولم يلبث حرب بن أمية ومرداس بن أبي عامر أن ماتا، فأما مرداس فدفن بالقُرَيَّة، ويقال: إن الجن قتلتهما لإحراقهما شجر القُرَيَّة وازدراعهما إياها، وهذا شئ قد ذكرته العرب في أشعارهم وتواترت الروايات بذكره فذكرته، ثم إن القُرَيَّة ادَّعَاها بعد ذلك كليب بن عُيَيْمَة السلمي ثم الظَّفَرِي، فقال في ذلك عَبَّاس بن مرداس: أكُلَيْبُ مَالَكَ كُلَّ يَوْمٍ ظَالِماً * وَالظُّلْمُ أنْكَدُ غِبُّهُ مَلْعُونُ
قد كان قومك يحسبونك سيدا * وَإخَالُ أنَّكَ سَيِّدٌ مَغْيُونُ أتُرِيدُ قَوْمَك مَا أرَادَ بِوَائِلٍ * يَوْمَ الْقَلِيبِ سَمِيُّكَ الْمَطْعُونُ وَأظُنُّ أنَّكَ سَوْفَ يُنْفِذُ مِثْلُهَا * فِي صَفْحَتَيْكَ سِنَانِيَ الْمَسْنُونُ إنَّ الْقُرَيَّةَ قَدْ تَبَيَّنَ أمْرُهَا * إنْ كَانَ يَنْفَعُ عِنْدَكَ التَّبْيِينُ حِينَ انْطَلَقْتَ بِحَظِّهَا لي ظَالِماً * وأبُو يَزِيدَ بِجَوِّهَا مدفون وأبو يزيد: هو مِرْدَاس بن أبي عامر " انتهى. قال ابن الشجري في أماليه: عُيَيْمَة منقول من محقر الْعَيْمة، وهي شهوة اللبن، أو محقر العِيَمة - بكسر العين - وهي خيار المال، ومنه قولهم: اعتام الرجل: أي أخذ العيمة، وقوله " أكليب " الهمزة للنداء، وقوله " مالك " ما: استفهامية مبتدأ، ولك: الخبر، وكل: ظرف، والنَّكَد: الْعُسْر، وخروج الشئ إلى طالبه بشدة، وغِبُّه: عاقبته، واللعن: الطرد والإبعاد، وأخال - بفتح الهمزة - وهو الأصل، وإخال بالكسر فيه لغة الذين كسروا حرف المضارعة مما جاء على مثال تِفْعل نحو تِعْجَب وتِعْلَم وتِرْكَب، لتدل كسرته على كسرة العين من عَجِب وعَلِمَ ورَكِب ونحو ذلك، يقولون: أنا إعْجَب وأنت تِعْلَم ونحن نِرْكب، واستثقلوا الكسرة على الياء فألزموها الفتح، ومغيون - بالغين المعجمة -: اسم مفعول من قولهم: غين على قلبه، أي: غُطِّي عليه، وفي الحديث " إنَّهُ لَيَغَانُ عَلَى قَلبِي " ولكن الناس ينشدونه بالباء، وهو تصحيف، وقد روي بالعين غير المعجمة: أي مصاب بالعين، والأول هو الوجه، وكلاهما مما جاء فيه التصحيح وإن كان الاعتلال فيه أكثر، كقولهم: طعام مَزْيُوت، وبُرٌّ مَكْيُول، وثوب مخيوط والقياس مغين ومزين ومَكِيل ومَخِيط، حَمْلاً على غِينَ وزِيتَ وكِيلَ وخِيطَ. قال أبو علي: " ولو جاء التصحيح فيما كان من الواو لم ينكر،
ألا تراهم قد قالوا: الْغُؤور، فهو مثل مفعول من الواو لو صح " انتهى. وقد صححوا أحرفاً من ذوات الواو، قالوا: مسك مَدْوُوف، وثوب مَصْوُون، وفرس مَقْوُود، والغؤور: مصدر غارت عينه تغور غؤوراً، وإنما صح اسم المفعول من هذا التركيب فخالف بذلك اسم الفاعل، لأن اسم المفعول غير جار على فعله في حركاته وسكونه كما تجري أسماء الفاعلين على أفعالها، فلما خالف اسم المفعول فعله فيما ذكرناه خالفه في إعلاله. وقوله " أتريد قومك - إلخ " الهمزة للاستفهام، وأراد بقومك، بدليل ما بعده، ولما حذف الباء ظهر النصب، وفاعل " أراد " سَمِيُّك، ويوم القَلِيب ويروى يوم الغدير، وهو اليوم الذي قتل فيه كُلَيب وائل، والقَلِيب: البئر وأراد بوائل بكرا وتغلب ابني وائل بن قاسط بن هِنْب بن أفْصى بن دعمى ابن جَدِيلة بن اسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وأارد بِسَميَّة المطعون كُلَيْب بن ربيعة بن مُرَّة بن الحارث بن زهير بن خُثَيْم بن حُبَيْب بن تغلب ابن وائل، طعنه جَسَّاس بن مُرَّة بن ذهل بن شيبان بن ثَعْلَبَة، فقتله، وكانت العرب تضرب المثل بكُلَيْب في العز، فيقولون: أعَزُّ من كُلَيْب وَائل، وكان سيد ربيعة بن نزار في دَهْرِهِ، هو الذي كان يُنْزِلهم في منازلهم، لم يكونوا يظعنون من منزل ولا ينزلون إلا بأمره، فبلغ من عزه وبَغْيه أنه اتخذَ جِرْو كلب، وكان إذا نزل منزلا ملكئا قَذَف بذلك الجِرْوِ فيه فَيَعْوِي، فلا يَقْرب أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه، أو أن يُؤْذِن بحرب، وكذلك كان يفعل في الماء، وفي أرض الصيد، وكان إذا ورد الماء قذف بالجرو، وعند الحوض فلا يقرب أحد ذلك الماء حتى تصدر إبله، وكان يحمي الصيد: فيقول: صيد أرض كذا في جواري، فلا يُهَاج ذلك الصيد، وكان لا يَخُوض معه احد في حديث ولا يَمُرُّ أحد بين يديه وهو جالس، ولا يحتبى في مجلسه غيره، فصار في العز والبَغْي مثلاً.
وكان سَبَب قتله أن البسوس - وهي امرأة من غَنِيّ، وضربت العرب بها المثل في الشؤم، فقالوا: أشْأَمُ مِنَ الْبَسُوسِ - كانت في جوار جَسَّاس بن مُرَّة، فمرت إبلٌ لكليب تريد الماء، فاختلطت بها ناقة للبسوس، فوردت معها الماء، فرآها كليب، فأنكرها، فقال: لمن هذه الناقة؟ فقال الرِّعَاء: للبسوس جَارَة جَسَّاس، فرماها بسهم، فانتظم ضَرْعَها، فأقبلت الناقة تعجّ وضَرْعُهَا يسيل دماً ولبناً، فلما رأتها البسوس قذفت خِمَارها، ثم صاحت: واذُلاَّهُ! وجَارَاهُ! فأغضبت جسَّاساً، فركب فرسه، وأخذ رمحه، وتبعه عمرو بن الحارث ابن ذُهْل بن شيبان على فرسه، ومعه رمح، فركضا نحو الْحِمَى والخباء، فَلَقِيَا رجلاً فسألاه: من رمى الناقة؟ فقال: من حلا كما عن بَرْد الماء وسامكما الخسف، فأقررتما به، فزادهما ذلك حَمِيَّةً وغَضَباً يقال: حلأه عن الماء: إذا طرده عنه، وسام فلان فلاناً الخسف: إذا أولاه الدَّنِيَّة. فأقبلا حتى وقفا على كليب، فقال له جساس: يا أبا الماجد، أما علمت أنها (ناقة) جارتي؟ فقال كليب: وإن كانت ناقة جارتك! فَمَهْ؟ أتراك ما نعى أن أذُبَّ عن حِمَاي؟ فأغضبه ذلك، فحمل عليه، فطعنه وطعنه عمرو، فقتلاه، وفيه هاجت حرب بكر وتغلب ابن وائل أربعين عاماً، وقالت الشعراء في بغي كليب، وضَربوه مثلاً. وقوله " ينفذ مثلها " أي: مثل الطعنة التي طعنها جَسَّاس بن مرة كليبَ ابن ربيعة، وحَسُن إضمار الطعنة وإن لم يجر لها ذكر، لأن ذكر المطعون دَلَّ عليها وتقدمت ترجمة العباس بن مرداس في الشاهد السابع عشر من شواهد شرح الكافية.
وأنشد بعده - وهو الشاهد الثاني والثمانون بعد المائة -: (من الرجز) 182 - ياليت أنَّا ضَمَّنَا سَفِينَهْ * حَتَّى يَعُودَ الْوَصْلُ كَيَّنُونَهْ على أن " كَيْنُونة " أصلها بياء مشددة، فحذفت الياء الزائدة، وبقيت عين الكلمة، وهي الياء الثانية المنقلبة عن الواو، والأصل كَيْوَنُونَة، فانقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء الساكنة وأدغمت فيها، ثم حذفت الياء الأولى تخفيفاً وجوباً، ولا يجوز ذكرها إلا في الشعر، كما في البيت قال أبو العباس المبرد: أنشدني النهشلي: قَد فَارَقَتْ قَرِينَهَا القرينه * وشحطت عَنْ دَارِهِا الظعِينَهْ قوله " يا ليت أنا - إلخ " وقرينها: مفعول مقدم، والقرين: زوج المرأة، والقرينة: فاعل، وهى زوجة الرجل، وشحط الرجل - من باب (1) فرح - إذا بعد، والظعينة: المرأة ما دامت في الْهَوْدَج، وقوله " يا ليت أنا " بفتح الهمزة - أنا مع اسمها وخبرها في تأويل مصدر ساد مسد معمولي ليت، وضمنا: جمعنا، وسفينة: فاعل، وكينونة: مصدر كان، والمراد به اسم المفعول: أي حتى يعود الوصل موجوداً. والبيتان كذا أنشدهما ابن جني في شرح تصريف المازني وابن بري في أماليه على الصحاح. وأنشد بعده: (من الرجز) * مَا بَالُ عَيْنِي كالشعيب العين * وتقدم شرحه في الشاهد الخامس والعشرين من هذا الكتاب.
وأنشد الجاربردي هنا - وهو الشاهد الثالث والثمانون بعد المائة -: (من الخفيف) 183 - كُلُّ أنْثَى وَإنْ بدالك مِنْهَا * آيَةُ الْحُبِّ حُبُّها خَيْتَعُورُ على أن فَيْعَلُولاً موجود كخَيْتَعُور، وما فسّره به هو كلام صاحب الصحاح، وفسّره بعضهم بالْغُرور الذي لا يصح منه شئ. وقال صاحب العباب: وربما سموا الذئب خَيْتَعُوراً، لأنه لا عهد له، ولا وفاء، والخيتعور: الغول والداهية والدنيا والأسد. والبيت من أبيات لِجَدِّ جَدِّ امرئ القيس واسمه حُجْراً آكل الْمُرَار، وقبله (1) : إن من غره النساء بشئ * بَعْدَ هِنْدٍ لَجَاهِلٌ مَغْرُورُ حُلْوَةُ الْقَوْلِ وَاللِّسَانِ ومر * كل شئ أجَنَّ مِنْهَا الضَّمِيرُ كُلُّ أنْثَى وإنْ بَدَا لَكَ مِنْهَا * ... البيت وحُجر: بضم الحاء المهملة وسكون الجيم، والمُرار - كغراب -: اسم شجر مرّ، وحُجْر: هو ابن عمرو بن معاوية بن الحارث، وينتهي نسبه إلى كندة، ومن كندة إلى يعرب بن قحطانَ، قال الأصبهاني في الأغاني: " أخبرني ابن دريد إجازة عن عمه عن ابن الكلبي عن أبيه عن الشَّرَقي بن القُطَامِيَّ قال: أقبل تُبّع حين سار إلى العراق فنزل بأرض معدٍ فاستعمل عليهم حُجْر بن عمرو، وهو آكل المُرار، فلم يزل ملكاً حتى خُرف، ثم إن زياد بن الهَبُولة بن عمرو بن عوف
ابن ضُجعُم، وهو حَمَاطة بن سعد بن سَلِيح القُضَاعِي أغار على حجر آكل المرار وهو غائب فأخذ مالاً كثيراً وسبا امرأة حجر، وهي هند بنت ظالم بن وهب ابن الحارث بن معاوية، وأخذ نسوة من نساء بكر بن وائل، فلما بلغ حُجْراً وبكر ابن وائل مُغارُه وما أخذ أقبلوا عليه، ومعه أشراف بكر بن وائل منهم عوف ابن مُحَلَّم بن ذُهْل بن شَيبان، فأقبل حجر في أصحابه حتى إذا كان بمكان يقرب من عين أُباغ (1) بعث سد وسا وصليعا (2) يتجسسان له الخبر، فخرجا حتى هجما على عسكرهِ وقد أوقد ناراً ونادى منادٍ (له) من جاء بُحزمة من حطب فله فِدْرة (3) من تمر، وكان ابن الهَبُولَة قد أصاب في عسكر حجر تمراً كثيراً فضرب قِبابه وأجَّج ناره ونثر التمر بين يديه، فاحتطب سدوس وصلِيع ثم أتيا به ابن الهَبُولَة فطرحاه بين يديه فناولهما من التمر وَجلسا قريباً من القُبَّة، فأما صَلِيعٌ فقال: هذه آية، فانصرف إلى حجر فأعلمه بعسكره وأراه التمر، وأما سدوس فقال: لا أبرح حتى آتيه بخبر جلِيّ، فلما ذهب هَزِيع من الليل أقبل ناس من أصحابه يحرسونه وقد تفرق أهل العسكر، فقرُب سدوس إلى جليس له فقال له: من أنت؟ مخافة أن يُسْتَنكر، فقال: أنا فلان بن فلان، قال: نعم ودنا سدوس من القبة فكان بحيث يسمع الكلام، فدنا ابن الهبولة من هند امرأة حُجْر فقبلها وداعبها، ثم قال لها: ما ظنك بحُجْر لو علم بمكاني منك؟ قالت: ظني والله أنه لن يدع طلبك حتى يطالع القُصور الحمر، وكأني أنظر إليه في فوارس من بني شيبان وهو شديد الكلب سريع الطلب يُزْبد شدقاه كأنه بعير آكل مرار، فسمى المُرار يومئذٍ، قال: فرفع يده فلطمها ثم قال: ما قلت هذا إلا
من عُجْبِكِ به وحبك له، فقالت: والله ما أبغضت ذا نسمة قط بغضي له، ولا رأيت رجلاً قط أحزم منه نائماً ومستيقظاً، إن كان لتنام عيناه وبعض أعضائه حيّ لا ينام، وكان إذا أراد النوم أمرني أن أجعل عنده عُسّاً (1) مملوءاً لبناً، فبينما هو ذات ليلة نائم وأنا قريبة منه أنظر إليه إذ أقبل أسود سالخ (2) فمال إلى العس فشربه ثم مجه، فقلت: يستيقظ فيشرب فأستريح منه، فانتبه من نومه فقال: عليَّ بالإناء، فناولته فشمه فاضطربت يداه حتى سقط الإناء فأريق، وكل هذا يسمعه سدوس، فلما نامت الأحراس خرج يسري ليلته حتى صبح حُجْراً، فقال: (من الوافر) أتَاكَ الْمُرْجِفُونَ بِرَجْمِ غَيْبٍ * عَلَى دَهَشٍ وَجِئْتُكَ بِالْيَقِينِ فَمِنْ يَكُ قَدْ أتَاكَ بِأمْرِ لَبْسٍ * فَقَد آتِي بِأمْرٍ مُسْتَبِينِ ثم قص عليه ما سمع، فأسف ونادى في الناس بالرحيل، فساروا حتى انتهوا إلى عسكر ابن الهَبُولة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم ابن الهَبُولة وعرفه سدوس فحمل عليه فاعتنقه وصرعه فقتله، وبصر به عمرو بن أبي ربيعة (3) فشد عليه فأخذ رأسه منه وأخذ سدوس سلبه وأخذ حُجْر هنداً فربطها بين فرسين ثم ركضا بها حتى قطعاها قطعاً، هذه رواية ابن الكلبي وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أن ابن الهبولة لما غَنِمَ عسكر حُجْر غَنِمَ مع ذلك زوجته هند بنت ظالم وأُم أُناس بنت عوف بن محلم الشيباني - وهي أم الحارث بن حُجْر - وهند بنتَ حُجْر، قال: وكان ابن الهبولة بعد أن غَنِمَ يسوق ما معه من السبايا والنعم ويتصيد في المسير لا يمر بوادٍ إلا أقام به يوماً أو يومين حتى أتى
على ضَريَّة (1) فوجدها معشبة فأعجبته فأقام بها أياماً، وقالت له أم أُناس: إني لأرى كأني قد نظرت إلى رجل أسود أدْلَمَ (2) كأن مشافره مشافر بعير آكلِ مُرار قد أخذ برقبتك، فسمي حجر آكل المُرار بذلك، وذكر باقي القصة نحو ما مضى، وروي أيضاً أنه إنما سمي آكل الْمُرَار لأن سدوساً لما أتاه بخبر ابن الهَبُولة ومداعبته لهند وأن رأسه كان في حجرها وحدثه بقولها له، جعل يسمع ذلك وهو يعبث بالمُرار - وهو نبت شديد المرارة - وكان جالساً في موضع فيه منه شئ كثير، فجعل يأكل من ذلك المرار غَضَباً وهو يسمع من سدوس وهو لا يعلم أنه يأكله من شدة الغضب، حتى انتهى سدوس إلى آخر الحديث فعلم حينئذٍ بذلك، ووجد طعمه، فسمي يومئذٍ آكل الْمُرار، قال ابن الكلبى: وقال جحر في هند: * إنَّ مَنْ غَرَّهُ النساء بشئ ... الابيات " انتهى ما ساقه صاحب الأغاني باختصار قليل. ولا يخفى أن المشهور أن أُم أُناس زوجة عمرو المقصور بن حُجْر بن الحارث ابن عمرو (3) ، وإنما سميت أم أُناس لأن أباها عوف بن مُحَلِّم أمر أمَّها لما ولدتها أن تئدها، فقالت: قد فعلت، فربتها حتى أدركت فنظر إليها عوف يوماً مقبلة فأعجبه شبابها فقال: من هذه يا أمامة؟ قالت: وصيفة لنا، ثم قالت: أيسرك أنها ابنتك؟ فقال: كيف لي بذلك؟ قالت: فإنها التي أمرتني أن أئدها، فقال: دعيها فلعلها أن تلد لنا أُناساً، فسميت أم أُناس، وهي أم الحارث بن عمرو المقصور بن حُجْر.
وابن الهَبُولة - بفتح الهاء وضم الموحدة -: هو عمرو بن عوف بن ضُجْعُم، وهو بطن، وهم الضجاعمة، وكانوا الملوكَ بالشام قبل غسَّان، وضجعم هو حَمَاطَةُ كما تقدم وأنشد بعده أيضاً - وهو الشاهد الرابع والثمانون بعد المائة -: (من الكامل) 184 - درس المنا بتمالع فَأَبَانِ * فَتَقَادَمَتْ بالحُبْسِ فَالسُّوبَانِ على أن أبان فيه قيل: وزنه أفْعَلُ، وقيل: وزنه فَعَال والبيت من قصيدة للبيد بن ربيعة الصحابي، وأراد المنازل جمع منزل، وهو حذف قبيح، ودرس يكون فعلا لازما ومتعديا، والمراد هنا الأوّل، يقال: درس المنزلُ يدرُس درُوساً: أي عفى وانمحى أثره، ودرسته الريح، ومُتالع - بضم الميم بعدها مثناة فوقية واللام مكسورة والعين مهملة - قال أبو عبيد في معجم ما استعجم: هو جبل لغني بالحِمي قاله الخليل، وأبانُ قال ياقوت في معجم البلدان: " أبانُ الأبيضُ وأبان الأسودُ: فأبان الأبيضُ شرقي الحاجر فيه نخل وماء يقال له: أكْرَةُ - وهو العلم - لبني فزارة (وعبس، وأبانُ الأسودُ: جبل لبني فزارة) (1) خاصة وبينه وبين الارض ميلان، وقال أبو بكر بن موسى: أبانُ جبل بين فَيْدَ والنبهانية أبيض، وأبان جبل أسود: وهما أبانان وكلاهما محدد الرأس كالسنان، وهما لبني مناف بن دارم بن تميم بن مُرّ، وقال الأصمعي: وادي الرّمة يمر بين أبانين، وهما جبلان يقال لأحدهما: أبان الأبيض، وهو لبني فزارة ثم لبني جُرَيْد منهم، وأبان الأسود لبني أسد، ثم لبني والبة بن الحارث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أسد، وبينهما ثلاثة أميال، وقال آخرون: أبانان تثنية أبانٍ ومتالع، غلب أحدهما
كما قالوا: القمران، في الشمس والقمر، وهما بِنَوَاحِي البحرين، واستدلوا على ذلك بقول لبيد: * دَرَسَ الْمَنَا بِمُتَالِعٍ فَأَبَانِ * أراد درس المنازل، فحذف بعض الاسم ضرورة، وهو من أقبح الضرورات وقال أبو سعيد السكري في قوله (1) : (من الوافر) تَؤَمُّ بِهَا الْحُدَاةُ مِيَاهَ نَخْلٍ * وَفِيهَا عَنْ أبَانَيْنِ ازْوِرَارِ " أبان جبل معروف، وقيل: أبانين، لأنه يليه جبل نحو منه يقال له: شَرَوْرَى، فغلبوا أبانا عليه فقالوا: أبانان " انتهى. و" الحبس " قال أبو عبيد في معجم ما استعجم: " بكسر الحاء المهملة، وقد نضم، وسكون الباء الموحدة، وبالسين المهملة: موضع في ديار غطفان، قال لبيد: * دَرَسَ الْمَنَا ... البيت * وقال لحارث بن حلزة: (من الكامل) لِمَنِ الدِّيَارُ عَفَوْنَ بالْحُبْسِ * آياتُهَا كَمَهَارِقِ الْفُرْسِ والأعرف في بيت الحارث ضم الحاء، كما أن الأعرف في بيت لبيد كسرها، ولعلهما موضعان " انتهى، والسُّوبان - بضم السين المهملة وبعد الواو باء موحدة - اسم واد، كذا في الصحاح، وفي بعض نسخه وسوبان اسم واد، وصوبه ياقوت في هامشه باللام كما في البيت.
وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد الخامس والثمانون بعد المائة -: (من الرجز) 185 - يَا عَجَباً لِهَذِهِ الْفَلِيقَهْ * هَلْ تَغْلِبَنَّ الْقُوَبَاءَ الرّيقَهْ على أن القوباء داء يعالج بالريق قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: " هذا الشعر لأعرابي أصابته القوباء فقيل له: اجعل عليها شيئاً من ريقك وتعهدها فإنها تذهب، فتعجب من ذلك واستغربه، وروي " هل تُذْهِبَنَّ الْقُوْبَاء " قال ابن السيرافي: " عجب هذا الشاعر من تفل الناس على القوباء ورقيتها لتذهب، قال: كيف تغلب الريقة القوباء؟ ومن روي القوباء بالرفع فقد أفسد المعنى " وقال التبريزي: ورواية الرفع على القلب، وقال التُّدْميريِّ: هو على جهة المفاعلة كأن القوباء والريقة يتغالبان، وكل من غالب شيئاً فقد غالبه ذلك الشئ، فكل واحد منهما في المعنى فاعل ومفعول، وقال الشمني: أو على معنى أن الأعرابي كان يعتقد أن الريقة تبرئ من القوباء فسمع قائلاً يقول: إن الريقة لا تبرئها، فأنكر ذلك، وفيه نظر، لاقتضائه أن يكون المنكر المتعجب منه أن لا تبرئ، وقال اللخمي في شرح أبيات الجمل: هذا البيتان مجهولا لا يعلم قائلهما والفليقة: الداهية، والريقة: القطعة من الريق، يقول: إن من العجب أن تُذْهِب هذه القوباء الريقة، لأنهم يزعمون أن ريقة الصائم إذا نفث بها على القوباء أزالتها وقال الصاغاني في العباب: " الفليق والفليقة: الداهية، والعرب تقول: يا للفليقة: وتقول في مثل هذا: " يا عَجَبِي لهذه الفليقة إلخ " ويروى " يا عَجَباً وهذه الفليقة " قال أبو عمرو: معناه أنه يعجب من تغير العادات، لأن الريقة تُذْهِب القوباء على العادة فتفل على قوبائه فما برئب، فتعجب مما تعهده، وجعل القوباء على الفاعلة والريقة على المفعولة " انتهى. وقال اللخمي: " يروي يا عجباً بالتنوين ويا عَجَباً بغير تنوين "
أقول: التنوين على وجهين: أحدهما أن يكون عجباً منادى منكراً أو مطولاً لطوله بما اتصل به، والثاني أن يكون مفعولاً مطلقاً والمنادى محذوف، كأنه قال: يا قومَ اعجبوا عجبا، وروايته بلا تنوين له أيضاً وجهان: أحدهما أن يكون منادى مضافاً على لغة من يَقُول: يا غلاماً أقبل، بإبدال ياء المتكلم ألفاً، وثانيهما أن يريد يا عجباه، وأكثر ما يستعمل مثل هذا في الندبة، وقد جاء في غير الندبة، كقول الآخر: (من الرجز) يَا مَرْحَبَاهُ بحِمَار نَاجِيَهْ * إذَا أتَى قرَّبْتُه لِلسَّانِيَهْ وقال ابن هشام في المغنى: " ألف يا عجبا لمدّ الصوت بالمنادى المتعجب منه، ولا يخفى أن المتعجب منه إنما هو قوله: * هَلْ تَغْلِبَنَّ الْقُوَبَاءَ الرِّيقَهْ * " وأنشد الشارح - وهو الشاهد السادس والثمانون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من الطويل) 186 - أنا اللّيْث مَعْدِيًّا عَلَيْهِ وعَادِيا على أن أصله معدُوًّا عليه، وهو القياس، وقلب الواو ياء في مثله نادر، لأنه غير جمع، قال الأعلم: " الشاهد فيه قلب معدو إلى معدي استثقالاً للضمة والواو تشبيهاً له بالجمع، وبعض النحويين يجعل معدياً جارياً على عُدِيَ في القلب والتغيير، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه من شذوذه تشبيهاً بالجمع، لأن مفعولاً يجري على فَعَلْتُه كما يجري على فُعِل، تقول: عَدَوْت عليه فهو معدو عليه كما يقال: عُدِي عليه فهو معدو عليه، وقد استويا في التغيير مع اختلاف فعليهما فيه " انتهى. وكذا في شرح تصريف المازني لابن جني قال: " وينبغي أن تكون الألف
في آخر أرطىً فيمن قال: مَرِطِيٌّ منقلبة عن ياء، لأنه لو كان من الواو لقالوا: مرطو، وإنما مرطى كمرمى، ولانحمله على قوله: * أنَا اللَّيْثُ مَعْدِيّاً عليه وعاديا * وهو يريد معدوا عليه، ولا على مَسْنِيَّةٍ، وهم يريدون مَسْنُوَّة، لأن هذا شاذ لا يقاس عليه " انتهى. وكذا قال في سر الصناعة وجعل الزمخشري في المفصل المفرد والمصدر شيئاً واحداً مقابلاً للجمع، قال ابن يعيش: " ويجوز القلب في الواحد فيقال: مَغزِيّ ومَدْعِيٌّ قال: * أنَا اللَّيْثُ مَعْدِيًّا عَلَيْهِ وَعَادِيَا * أنشده أبو عثمان مَعْدُوّاً بالواو على الاصل، ورواه غير مَعْدِياً " انتهى. وفيه أن أبا عثمان إنما أنشده في تصريفه بالياء لا غير والمصراع عجزه، وصدره: * وَقَدْ عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَةُ أنَّنِي * والعرس - بالكسر -: زوجة الرجل، ومُلَيْكة بالتصغير والبيت من قصيدة لعبد يغوث الحارثي الجاهلي، قالها لما أسرته تَيْم الرِّباب، وقد أوردناها برمتها مع سببها في شواهد المنادى من شواهد شرح الكافية. وقد وقع هذا المصراع عجزاً في شعرٍ لحنظلة بن فاتك، وصدره: * تُسَائِلُنِي مَاذَا تَكُونُ بَدَاهَتِي * والْبُداهة - بضم الموحدة -: الفجاءة والمباغتة، والأول هو المشهور، وقد أنشده سيبويه وغيره.
وأنشد بعده - وهو الشاهد السابع والثمانون بعد المائة -: (من البسيط) 187 - مَوَالِيٌ كَكِبَاشِ الْعُوس سُحَّاحُ على أن تحريك الياء بالرفع شاذ، كذا في المفصل، وفي فرحة الأديب: وروي مواليٌّ بالهمز، وفيهما ضرورة أخرى وهي صرف ما لا ينصرف. قال ابن المستوفي: أنشده أبو بكر السراج في كتابه لجرير رضي الله عنه: قد كاد يَذْهَبُ بالدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا * مَوَالِئٌ كَكِبَاشِ الْعُوسِ سُحَّاحُ مَا مِنْهُمُ وَاحِدٌ إلاَّ بحُجْزَتِهِ * لِبَابِهِ مِنْ عِلاَجِ الْقَيْنِ مِفْتَاحُ وقال: أبدل الهمزة في موالئ من الياء في الشعر ضرورة، لأنهم يبدلون الحرف من الحرف في الشعر في الموضع الذي لا يبدل مثله في الكلام لمعنى يحاولونه: من تحريك ساكن، أو تسكين متحرك، ليصح وزن الشعر، أورد شئ إلى أصله أو تشبيه بنظير، لأنه لو فُعل بها ما فُعل بالياء في المنقوص لانكسر البيت. أقول: يريد لو قال في البيت: موالي، بتسكين الياء، لا نكسر، ولو حركت بالضمة لاستثقلت، قال ابن السيرافي: همزة الياء من موالئ لاستقامة البيت وكذا في الضرائر لان عصفور، قال: " ومنه إبدال الهمزة من الياء حيث لا يجوز ذلك في الكلام نحو قوله: قَدْ كَادَ يَذْهَبُ بِالدُّنْيَا وَبَهْجَتِهَا * مَوَالئٌ كَكِبَاشِ الْعُوسِ سُحَّاحُ وقوله: (من الطويل) كمُشْتَرئٍ بالْخَيْلِ أحْمِرَةً بُتْرا وإنما أبدلت الياء من موالى ومشتر للاضطرار إلى التحريك واستثقال الضمة والكسرة في الياء، وكان المبدل همزة إجراء لها في ذلك مُجرى الألف لمشابهتها لها في الاعتلال واللين " انتهى.
قوله " قد يذهب إلخ " قال بعض فضلاء العجم: مواليٌ فاعل يذهب وفي كاد ضمير الشأن، و " موالي " جمع مولى، وله معان: المولى السيد والمولى ابن العم، والمولى العصبة، والمولى الناصر، والمولى الحليف وهو الذى يقال له: مولى الموالاة، والمولى المعتِقُ، وهو مولى النعمة، والمولى العتيقُ، وهم موالي بني هاشم: أي عتقاؤهم، وكأنه يريد المعنى الأول، يذم رؤساء زمانه، و " كباش " جمع كبش، وهو الفحل من الضأن، و " العوس " بضم العين المهملة، قال الزمخشري في مناهي المفصل: العوس مكان أو قبيلة، يقال: كبش عوسيٌّ، وقال أبو سهل الهروي في شرح فصيح ثعلب: يقال كبس عوسيٌّ، إذا كان قوياً يحمل عليه، وقيل: بل هو منسوب إلى موضع يقال له العُوس بناحية الجزيرة، وقيل: بل هو السمين، وما في البيت لا يوافق المعنى الأخير، وفي الصحاح: العوس بالضم ضرب من الغنم و " سحاح " بالضم جم ساح، يقال: سحت الشاة تِسحّ - بالكسر - سُحوحاً وسُحوحة: أي سمنت، وغنم سُحَّاحٌ: أي سِمان، وهو - بالرفع - نعت لموالي، شبههم بهذه الكباش لطول رعيهم في مراتع اللذات، و " بحجزته " جار ومجرور خبر مقدم، ومفتاح مبتدأ مؤخر، والحُجْزة - بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معجمة -: هي مَعْقِدِ الإزار، وحجزة السراويل التي فيها التِّكّة، يريد أنهم يحملون مفاتيح أبوابهم، فهي مقفلة لا يدخلها أحد من الضيوف، والقَيْن - بفتح القاف: الحداد، وأراد بعلاج القَيْن صنيعه، يقال: عالجت الشئ معالجة وعلاجاً، إذا زاولته فإذا كان المفتاح مما يزاوله القين بعمله فقفله محكم. وأنشد بعده - وهو الشاهد الثامن والثمانون بعد المائة -: (من الكامل) 188 - كَجَوَارِيٍ يَلْعَبْنَ بِالصَّحْرَاءِ
على أن قوماً من العرب يجرون الياء مجرى الحرف الصحيح في الاختيار فيحركها بالجر والرفع، وقال في شرح الكافية: إن هذا ضرورة، وهو المشهور، قال ابن عصفور في كتاب الضرائر: " فيه ضرورتان: إحداهما إثبات الياء وتحريكها وكان حقه أن يحذفها فيقول: كجوار، والثانية أنه صرف ما لا ينصرف، وكان الوجه لما أثبت الياء إجراء لها مجرى الصحيح أن يمنع الصرف، فيقول: كجواري " انتهى. وهذا المصراع عجز، وصدره: * مَا إنْ رَأَيْتُ وَلاَ أرَى فِي مُدَّتي * و " إن " زائدة، وجملة " ولا أرى في مدتي " أي في مدة عمري معترضة بين أرى البصرية وبين مفعولها، وهو الكاف من قوله كجواري، فإنها اسم، ولا يجوز أن تكون هنا حرفاً، والجواري: جمع جارية وهي الشابة، والصحراء: هي البرية والخلاء وقد تكلمنا عليه بأكثر من هذا في الشاهد الواحد والثلاثين بعد الستمائة من شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده - وهو الشاهد التاسع والثمانون بعد المائة -: (من الطويل) 189 - أبى الله أنْ أسْمُو بِأُمٍّ وَلاَ أبِ على أن تسكين الواو من أسمو مع الناصب شاذ. قال ابن عصفور في كتاب الضرائر: حذَفَ الفتحة من آخر أسمو إجراء للنصب مجرى الرفع. والمصراع عجز وصدره:
وَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ والبيت من قصيدة لعدو الله ورسوله عامر بن الطُّفْيل العامريّ، وقوله: " وما سودتني عامر " أي: ما جعلتني سيد قبيلة بني عامر بالإرث عن آبائهم، بل سدت بأفعالي، وقوله " أبى الله " أبى له معنيان: أحدهما كره، وهو المراد هنا، والثانى امتنع، و " أن أسمو " في موضع المفعول لأبَى، والسموُّ: العلو والشرف وقد شرحناه شرحاً وافياً في الشاهد الثاني والثلاثين بعد الستمائة هناك. وأنشد بعده - وهو الشاهد التسعون بعد المائة -: (من الطويل) 190 - وَلَوْ أنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ دَارُهُ * وَدَارِي بِأَعْلَى حَضْرَمُوتَ اهْتَدَى لِيَا على أن تسكين الياء من واشٍ مع الناصب شاذ، وحذفت لالتقائها ساكنة مع نون التنوين، وروي " فلو كان واش " فلا شاهد فيه ولا ضرورة، والواشي: النَّمَّام الذي يُزَوِّق الكلام ليفسد بين شخصين، وأصله من وشى الثوب يَشِيه وشياً، إذا نقشه وحسنه، واليمامة: بلد في نجد، وحضرموت: مدينة في اليمن، والبيت من قصيدة طويلة لمجنون بني عامر أوردنا مع هذا البيت بعضا منها في الشاهد الخامس والثمانين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده - وهو الشاهد الواحد بعد المائة -: (من الرجز) 191 - كَأَنَّ أيْدِيهِنَّ بِالْقَاعِ القرق * أيدي جوار (1) يتعاطين الورق
على أن تسكين الياء مع الناصب شاذ، كما تقدم. قال ابن الشجري: " قال المبرد: هذا من أحسن الضروروات، لأنهم ألحقوا حالة بحالتين، يعني أنهم جعلوا المنصوب كالمجرور والمرفوع، مع أن السكون أخف من الحركات، ولذلك اعتزموا على إسكان الياء في ذوات الياء من المركبات، نحو معدي كرب وقَالِي قَلا " انتهى والبيتان من الرجز نسبهما ابن رشيق في العمدة إلى رؤبة بن العجاج، ولم أرهما في ديوانه (1) وضمير " أيديهن " للإبل، والقاع: المكان المستوي، والْقَرِق - بفتح القاف وكسر الراء -: الأملس، وقال الشريف المُرْتَضَى: هو الخشن الذي فيه الحصا، وجَوَار - بفتح الجيم -: جمع جارية، ويتعاطين: يناول بعضهن بعضاً، والورق - بكسر الراء -: الدراهم، شبه حَذْف مناسم الإبل للحصى بحذف جَوارٍ يلعبن بدراهم، وخص الجواري لأنهن أخف يداً من النساء وقد شرحناه بأكثر مما هنا في الشاهد الثالث والثلاثين بعد الستماية من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده - وهو الشاهد الثاني والتسعون بعد المائة -: (من البسيط) 192 - هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ معتذرا * من هجو زبان لَمْ تَهْجُو ولَمْ تَدَعِ على أنه سكنت الواو من تهجو شذوذاً مع وجود المقتضى لحذفها وهو الجازم، قال ابن جني في سر الصناعة: " يجوز أيضاً أن يكون ممن يقول في الرفع: هو
يَهْجُو، فيضم الواو ويجريها مجرى الصحيح، فإذا جزم سكنها، فيكون علامة الجزم على هذا القول سكون الواو من يهجو، كما أسكن الآخر ياء يأتي في موضع الجزم، فقال: * ألَمْ يَأْتِيْكَ وَالاَنْبَاءُ تَنْمِي * وكأنه ممن يقول: هو يأتِيُكَ، بضم الياء، وقد يتوجه عندي أن يكون على إشباع لاضمة، وكأنه أراد لم تهجُ فحذف الواو للجزم، ثم أشبع ضمة الجيم فنشأت بعدها واو " انتهى. و" هجوت " بالخطاب من الهجو، وهو الذم، و " زَبَّان " - بالزاي المعجمة والباء الموحدة -: اسم رجل، واشتقاقه من الزَّبَبِ وهو كثرة الشعر وطوله، وثم للترتيب وتراخي الزمان، أشار إلى أن اعتذاره من هجوه إنما حصل بعد مدة، و " من " متعلقة بالحال وهو معتذر، وقوله " لم تهجو ولم تدع " مفعلولهما محذوف: أي لم تهجوه ولم تدعه، وتدع مجزوم، وكسرت العين للقافية، والمعنى أنك هجوت واعتذرت فكأنك لم تهج، على أنك لم تدع الهجو، وقال العيني: والجملتان كاشفتان لما قبلهما، فلذا ترك العاطف بينهما وأراد بهذا الكلام الإنكار عليه في هجوه ثم اعتذاره عنه، حيث لم يستمر على حالة واحدة. والبيت مع شهرته لم يعرف قائله (1) والله أعلم:
وأنشد بعده - وهو الشاهد الثالث والتسعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الوافر) 193 - ألَمْ يأتيك والأنباء تنمي * بما لاقت لَبُونُ بَنِي زِيَادِ لما تقدم قبله قال ابن جني في شرح تصريف المازني: قدَّر الشاعر ضمة الواو في " لم تهجو " فأسكنها للجزم كما أسكن الياء في ألم يأتيك للجزم، وهذا في الياء أسهل منه في الواو، لأن الواو وفيها الضمة أثقل من الياء وفيها الضمة، و " ما " فاعل يأتي، والباء زيدت فيه ضرورة، والأنباء: جمع نبأ، وهو الخبر، وتنمى: تشيع من نمى الشئ ينمي إذا ارتفع وزاد، والجملة معترضة بين الفعل وفاعله، واللبون: الإبل ذوات اللبن، وهو اسم مفرد أراد به الجنس، وبنو زياد: هم الربيع، وعمارة، وقيس، وأنس، بنو زياد بن سفيان الْعَبْسِي، والمراد لَبُون الرَّبيع ابن زياد، وكان سيد عَبْس. والبيت مطلع قصيدة لقيس بن زهير العبسي، وكان سيد قومه، وحصل بينه وبين الربيع عداوة في شأن دِرْع ساومه فيها، فلما نظر إليها الربيع وهو على ظهر فرسه وضعها على الْقَرَبُوس (1) ثم ركض بها فلم يردها عليه، فنهب قيس بن زهير إبله وإبل إخوته، فقدم بها مكة، فباعها من عبد الله بن جُدْعَان التيمي القرشي معاوضة بأدراع وسيوف، فافتخر بهذا وبما بعده، وهو: ومَحْبِسُهَا عَلَى الْقُرَشِيِّ تشرى * بأدراع وأسياف حداد ومحبسها: معطوف على فاعل يأتيك، وهو - بكسر الباء - مصدر ميمى، والقرشي: هو ابن جدعان
وقد شرحناهما مع القصيدة شرحاً لا مزيد عليه في الشاهد السادس والثلاثين بعد الستمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده - وهو الشاهد الرابع والتسعون، بعد المائة -: (من الرجز) 194 - * وَلاَ تَرَضَّاهَا وَلاَ تَمَلَّقِ * لما تقدم، وقبله: * إذَا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّق * قال ابن جني في شرح تصريف المازني: " شبهت الألف بالياء في أن ثبتت في موضع الجزم، فإنه قدر الحركة هنا وحذفها للجزم، وهذا بعيد، لأن الألف لا يمكن تحريكها أبداً " انتهى. ويجوز تخريجه على أن " لا " فيه نافيه لا ناهية، والتقدير فطلِّقها غير مترضٍ لها، ويكون قوله " ولا تملق " معطوفاً على قوله فطلق، قاله ابن عصفور في كتاب الضرائر. وقد شرحناه بأكثر من هذا في الشاهد الخامس والثلاثين بعد الستمائة من شواهد شرح الكافية. وأنشد الجاربردي هنا - وهو الشاهد الخامس والتسعون بعد المائة -: (من الطويل) 195 - * كَمُشْتَرِيٍ بِالْخَيْلِ أحْمِرَةً بُتْرَا * لما تقدم في قوله: * مَوَاليٌ كَكِبَاشِ الْعُوسِ سُحَّاحُ *
والقياس فيهما كمشترٍ ومَوَالٍ، بحذف الياء والتنوين، ورواهما ابن عصفور في كتاب الضرائر كمشترئ وموالئ، بالهمز والتنوين، كما تقدم، والمعنى كمن أعطى الخيلَ وأخذ الحمير بدلها، وهو جمع حمار، والبتر: جمع أبتر، وهو المقطوع الذنب وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد السادس والتسعون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه -: (من البسيط) 196 - يادار هِنْدٍ عَفَتْ إلاَّ أثَافِيهَا هو صدر، وعجزه: * بَيْنَ الطَّوِيِّ فَصَارَاتٍ فَوَادِيهَا * على أنه كان حق " أثافيها " النصب على الاستنثاء، وسكنت الياء شذوذاً قال سيبويه: " وسألت الخليل رحمه الله عن الياءات لَمْ تنصب في موضع النصب، إذا كان الأول مضافاً، وذلك قولك: رأيت معدي كرب، واحتملوا أيَادِيَ سَبَا، فقال: شبهوا هذه الياءات بألف مثنى حيث عَرَّوْها من الجر والرفع، فكما عَرَّوُا الألف منه عَرَّوْها من النصب أيضاً، فقالت الشعراء حيث اضطروا، قال بعض السعديين: - * يَا دَارَ هِنْد عَفَتْ إلاَّ أثَافِيهَا * ونحو ذلك، وإنما اختصت هذه الياءات في هذا الموضع بذا لانهم يجعلون الشيئين ههنا اسماً واحداً، فتكون الياء غير حرف الإعراب، فيسكنونها بياء زائدة ساكنة، نحو ياء دردبيس " إلى آخر ما ذكره قال الأعلم: " الشاهد فيه تسكين الياء من الأثافي في حال النصب، حملاً
لها عند الضرورة على الألف، لأنها أختها، والألف لا تتحرك " انتهى. وقال صدر الأفاضل: " يحتمل أن يكون قوله: إلا أثافيها، من باب الحمل على المعنى، كأنه قال: لم يبق إلا أثافيها، وحينئذٍ لا يكون البيت شاهدا لا سكان الياء، وهذا تحسر على اندراس الدار معنى، وإن كان لفظه خبراً " انتهى. وكذا قال ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل، وقال: " ولو نصب أثافيها على أن يكون البيت غير مُصَرَّع لجاز، وهذا على لغة من يقول: أثافِيَ، بتخفيف الياء، وفيها لغتان: تخفيف الياء، وتشديدها، قال الجوهري: الأثْفِيَّة لِلْقِدْر، تقديره أُفْعُولَة، والجمع الأثَافيُّ، وإن شئت خففت، وثَفَّيْتُ القدر تَثَفِية: أي وضعتها على الأثافي، وأثفيت القدر: جعلت لها أثافي، وقال الأخفش: قولهم أثافٍ، لم يسمع من العرب بالتثقيل، وقال الكسائي: سمع، وأنشد: (من الطويل) أُثَافِيَّ سُفْعاً فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلِ والطوِيّ: البئر المطوية بالحجارة، والصارة - بالصاد والراء المهملتين -: رأى الجبل والوادي، معروف، و " بين الطوِيِّ " نصب على الحال، والعامل فيها ما في النداء من معنى الفعل، مثل قول النابغة: (من البسيط) يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد السابع والتسعون بعد المائة -: (من البسيط) 197 - يَا بَارِيَ الْقَوْسِ بَرْياً لَيْسَ يُحْكِمُهُ * لاَ تُفْسِدِ الْقَوْسَ أعْطِ الْقَوْسَ بَارِيهَا على أنه سكن ياء " باريها " شذوذاً، والقياس فتحها، لأن باريها المفعول الثاني لأعْطِ.
قال الزمخشري في أمثاله: " أعْطِ الْقَوْسَ بِارِيها، قيل: إن الرواية عن العرب بَارِيها بسكون الياء لا غير، يضرب في وجوب تفويض الامر من يحسنه وَيَتَمَهَّر فيه " انتهى. وكذا أورده في المفصل بعد البيت السابق. وقال الميداني في أمثاله: أي اسْتعِنْ على عملك بأهل المعرفة والحذق فيه، وينشد: يَا بَارِيَ الْقَوْسِ بريا ليست تُحْسِنُهَا * لا تُفْسِدَنْهَا وَأعْطِ الْقَوْسَ بَارِيهَا قال ابن السيرافى: " قرأت هذا البيت على شيخنا أبي الحرم مكي بن زيان في الأمثال لأبي الفضل أحمد بن محمد الميداني: أعْطِ الْقَوْسَ بِارِيَهَا، بفتح الياء، وكان في الأصل " ليس يحسنه " وجعله " برياً ليست تحسنها "، وهو كذلك في نسخ كتاب الميداني، ولعل الزمخشري إنما أراد بالمثل آخر هذا البيت المذكور فأورده على ما قاله الشاعر، لا على ما ورد من المثل في النثر فإنه ليس بمحل ضرورة، ويروى: يَا بَارِيَ الْقَوْسِ بَرْياً لَيْسَ يُصْلِحُهُ * لاَ تَظْلِمِ الْقَوْسَ أعْطِ الْقَوْسَ بَارِيهَا والأول أصح، ويجوز أن يُسَكَّنَ ياء باريها - وإن كان مثلاً - برأيه " هذا كلامه. ولو رأى ما في أمثال الزمخشري لاستغنى عما أورده وقال المفضل بن سلمة في كتاب الفاخر: يقال: إن أول من قال ذلك المثل هو الحطيئة، وساق حكايته مع سعيد بن العاص أمير المدينة في آخر الفاخر. وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد الثامن والتسعون بعد المائة -: (من الكامل)
198 - مَا أَنْسَ لاَ أنْسَاهُ آخِرَ عيشتى * مالاح بِالْمَعْزَاءِ رَيْعُ سَرَابِ على أنه أثبت الياء (1) في أنساه شذوذاً، كما ثبت الواو في لم تهجو ولم تدع، والقياس لا أنسه ولم تَهْجُ، بحذفهما. و" ما " اسم شرط يجزم فعلين، وهو هنا منصوب بشرطه، والمعنى مهما أنس من شئ من الأشياء لا أنس هذا الميت، وهو كثير في الأشعار وغيرها، قال ابن ميَّادة: (من الطويل) مَا أنْسَ مِ الأَشْيَاءِ لاَ أنْسَ قَوْلَهَا * وَأَدْمُعُهَا يُذْرِينَ حَشْوَ الْمَكَاحِلِ تَمَتَّعْ بِذَا اليَوْمِ الْقصِيرِ فَإِنَّهُ رَهِينٌ بِأَيَّامِ الشُّهُورِ الأَطَاوِلِ ومعناه مهما أنس من شئ لا أنس قولها، والمكاحل: مواضع الكحل، وآخر عيشتي: منصوب على الظرف، والعيشة: الحياة، والمعنى إلى آخر عيشتي، وما: مصدرية دوامية، والتقدير: مدة دوام لوح الْمَعزَاء، وهو ظرف لقوله: لا أنساه، والمراد التأبيد، وهو أعم من قوله آخر عيشتي، وجوز ابن المستوفي أن يكون بدلاً من آخر، والْمَعْزاء - بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها زاي معجمة - الأرض الصُّلْبة الكثيرة الحصا، ومكان أمعزبين المعز، بفتح العين، والريع - بمهملتين -: مصدر رَاعَ السَّرَابُ يَريع: أي جاء وذهب، وكذلك تَرَيَّع السَّرَابُ تَرَيُّعاً. وقال ابن السيرافى: " وأنشده ابن الأعرابي ريع - بكسر الراء - والريعُ: الطريق، وكأنه أراد بريع سراب بياضه، وقال ابن دريد: الريع: العلو في الأرض حتى يمتنع أن يسلك، وكذلك هو في التنزيل "
هذا ما سطره..وأورده ابن الأعرابي في نوادره مع بيت قبله، وهو بَكَرَ النَّعِيُّ بِخَيْرِ خِنْدَفَ كُلِّهَا * بُعُتَيْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شهاب وقال: هما لحصين بن قَعْقَاع بن معبد بن زرارة، وبَكَر هنا: بمعنى بادر وسارع، والنَّعِيُّ فعيل بمعنى الناعي، وهو الذي يأتي بخبر الميت، ويكون النعيُّ بالتشديد أيضاً مصدراً كالنَّعْي بسكون العين وهو إشاعة مت الميت، قال الأصمعي: كانت العرب إذا مات فيهم ميت له قدر ركب راكب فرساً وجعل يسير في الناس، ويقول: نَعَاءِ فُلاَناً، أي انْعَهُ وأظهر خبر وفاته، وهي مبنية مثل نَزَالِ، بمعنى انزل، وعُتَيْبَة بالتصغير: فارس من فرسان الجاهلية، وهو ابن الحارث بن شهاب بن عبد قيس بن الْكُبَاس بن جعفر بن يربوع، اليربوعي وكان قد رأس بيت بني يربوع، وقتله ذؤاب بن ربيعة لما قاتل بني نصر بن قُعَيْن، وكانت تحت عتيبة يومئذٍ فرس فيها مَرَاح واعتراض، فأصاب زُجُّ غلام من بني أسد يقال له: ذؤاب بن ربيعة، أرْنَبَةَ عتيبة، فنزف حتى مات، فحمل ربيع بن عتيبة على ذؤاب فأخذه من سرجه، وقتلوا ثمانية من بني نصر وبنى غاضرة، واستنقدوا النعم، وساروا إلى منزلهم فقتلوه، فقال ربيعة أبو ذؤاب: (من الكامل) إنْ يَقْتُلُوكَ فَقَدْ ثَللْتَ عُرُوشَهُمْ * بعُتَيْبَةَ بِنْ الْحَارِثِ بْنِ شِهَابِ بأشدهم ضرار عَلَى أعْدَائِهِمْ * وَأعَزِّهِمْ فَقْداً عَلَى الأَصْحَابِ والحصين بن القعقاع صاحب الشعر من بني حنظلة بن دارم التميمي. الإبدال أنشد فيه الجاربردي في أوله - وهو الشاهد التاسع والتسعون بعد المائة -: (من الكامل)
199 - تَرَّاكَ أَمْكِنَةٍ إذَا لَمْ أرْضَهَا * أوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا على أن أبا عبيدة قال: " بعض " في البيت بمعنى كل، واستدل به لقوله تعالى: (وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يعدكم) ولم يرتضه الزمخشري، قال القاضي: هو مردود، لأنه أراد بالبعض نفسه، وقال في الآية: فلا أقل من أن يصيبكم بعضه، وفيه مبالغة في التحذير وإظهار الانتصاف (1) وعدم التعصب، ولذلك قدم كونه كاذباً، أو يصيبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا، وهو بعض مواعيده كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالاً عندهم، وقال الزمخشري في سورة المائدة عند قوله تعالى (فاعلم أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُصِيبَهُم ببعض ذنوبهم) : " يعني بذنب التولي عن حكم الله وإرادة خلافه، فوضع ببعض ذنوبهم موضع ذلك، وأراد أن لهم ذنوباً جمة كثيرة العدد، وأن هذا الذنب مع عظمة بعظها واحد منها، وهذا الابهام لتظيم التولي، ونحو البعض في هذا الكلام ما في قول لبيد: * أوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا * أراد نفسه، وإنما قصد تفخييم شأنها بهذا الامام، كأنه قال: نفسا كبيرة ونفسا أيَّ نفس، فكما أن التنكير يعطى معنى التكبير وهو في معنى البعضية فكذلك إذا صرح بالبعض " انتهى. وكذا قال القاضي والبيت من معلقة لبيد بن ربيعة العامري الصحابي رضي الله عنه، قال الزوزني في شرحه: " أراد ببعض النفوس هنا نفسه، ومن جعل بعض النفوس بمعنى كل النفوس فقد أخطأ، لأن بعضاً لا يفيد العموم والاستيعاب " انتهى. و" ترَّاك " مبالغة تارك، وأمكنة: جمع مكان، و " إذا " ظرف لتراك لا شرطية - وَالحِمام - بكسر الحاء المهملة - الموت وهو فاعل يرتبط، و " بعضَ " مفعوله
ويرتبط بمعنى يعلق، وأو بمعنى إلا، والفعل بعدها ينتصب بأن، وسكن يرتبط هنا لضرورة الشعر، والمعنى أني أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما أكره، إلا أن يدركني الموت فيحبسني. قال ابن عصفور في كتاب الضرائر: " ومنه حذفهم الفتحة التي هي علامة الإعراب من آخر الفعل المضارع كقول لبيد: أو يرتبط، ألا ترى أنه أسكن يرتبط وهو في الأصل منصوب لأنه بعد أو التي بمعنى " إلا أن " وإذا كانت بمعنى " إلا أن " لم يكن الفعل الواقع بعدها إلا منصوباً بإضمار أن وحذفها من آخر الفعل المعتل أحسن، كقوله: أبى الله أنْ أسْمُو بِأمّ وَلاَ أبِ انتهى وهذا مرضيّ الزوزني، قال: " معناه إني تراك أمكنة إذا لم أرضها إلا أن يرتبط نفسه حمامها، فلا يمكنها الْبَراح، هذا أوجه الأقوال وأحسنها، وتحرير المعنى: إني لاترك الاماكن التى أجتويها وأقليها إلا أن أموت ". وقال أبو جعفر النحوي في شرحه: " جزم يرتبط عطفاً على قوله إذا لم أرضها، وهذا أجود الاقوال، والمعنى على هذا إذا لم أرضها، وإذا لم يرتبط بعض النفوس حِمامها، وقيل: إنّ يرتبط في موضع رفع إلا أنه أسكنه لأنه رد الفعل إلى أصله، لأن أصل الأفعال أن لا تعرب وإنما أعربت للمضارعة، وقيل: يرتبط في موضع نصب، ومعنى " أو " معنى " إلا أن " أي: إلا أن يرتبط بعض النفوس حمامها، إلا أنه أسكن، لأنه رد الفعل أيضاً إلى أصله، وإنما اخترنا القول الأول، وهو أن يكون مجزوماً، لأن أبا العباس قال: لا يجوز للشاعر أن يسكن الفعل المستقبل لأنه قد وجب له الإعراب لمضارعته الأسماء وصار الإعراب فيه يفرق بين المعاني " هذا كلامه وعلى مختاره لا ضرورة فيه، إلا أن علة اختياره واهية، لأن تسكين المرفوع
والمنصوب ثابت في أفصح الكلام نثراً ونظماً، ومحصل الجزم بالعطف أنِّي إذا لم يكن أحد الأمرين: الرضا والموت، فالترك حاصل، أما إذا رضيت بها بأن رأيت فيها ما أحب فلا، وأما إذا مت فلعدم الإمكان، وهذا يدل على شهامة نفسه في أنه لا يقيم في موضع ذل. وتراك: خبر بعد خبر " لأنّ " في البيت قبله، وهو: أو لم تَكُنْ تَدْرِي نَوَارُ بِأَنَّنِي * وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جذامها الالف للاستفهام، ونوار - بفتح النون - اسم امرأة، و " وصّال " خبر أنَّني، و " جذّامها " خبر ثان و " ترّاك " خبر ثالث، و " وصّال " مبالغة واصل، و " وجذامها " بالجيم والذال المعجمة مبالغة جاذم وهو القطع، والحبائل: جمع حِبَالَة، وحِبَالة: جمع حَبْل، وهو هنا مستعار للعهد والمودة، يقول: أليست تدرى نوار أني واصل عقد العهود والمودات وقطَّاعها؟ يريد أنه يصل من استحق الوصل ويقطع من استحق القطع. وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد الموفى المائتين، وهو من شواهد سيبويه -: (من الرجز) 200 - يَسْتَنُّ في عَلْقَى وَفِي مُكُورِ على أن من رواه علقى - بلا تنوين - جعل ألفه للتأنيث ولم يقل في واحده: علقاة، ومن نونه جعل ألفه للالحاق وجعل واحده علقاة، وهذا جواب ما استشكله أبو عبيدة. قال الصاغاني في العباب: " قال سيبويه العلقى نبت يكون واحدا وجمعا وألفه للتأنيث، قال العجاج يصف ثورا:
فحط في عَلْقَى وَفِي مُكُورِ * بَيْنَ تَوَارِي الشَّمْسِ والذروو وقال غيره: ألفه للإلحاق وينون، الواحدة علقاة، وقال أبو نصر: العَلقي شجرة تدوم خضرتها في القيظ، ومنابت العلقى الرَّمْل والسهول، وقال أبو حنيفة الدَيْنَوَرِيّ: أراني بعض الأعراب نبتاً زعم أنه العْلْقَى له أفنان طوال دقاق وورق لِطاف يسمى بالفارسية " خلواه " يتخذ منه الْمُجْتَلُّون مكانس الْجِلَّة (1) ، وعن الأعراب الأوائل: العلقاة. شجرة تكون في الرمل خضراء ذات ورق، قالوا: ولا خير فيها " انتهى. والمكور: جمع مَكْر - بفتح الميم وسكون الكاف - قال الجوهري والصاغاني: هو ضرب من الشجر، وأورده سيبويه في باب ما لحقته الألف فمنعته من الانصراف، قال الأعلم: " الشاهد فيه ترك صرف عَلْقَى، لأنها آخره ألف التأنيث، ويجوز صرفه على أن تكون للالحق، ويؤنث واحده بالهاء، فيقال: علقاة وصف ثوراً يرتعِي في ضروب الشجر، ومعنى يَسْتَنُّ يرتعِي، وسَنُّ الماشية: رعيها، وأصله أن يقام عليها حتى يسمن وتَمْلاَسّ جلودها، فتكون كأنها قد سنت وصُقلت كما يسن الحديد " انتهى وهذا خلاف ما فسره الجاربردي (2) ، والعجاج وصف ثوراً وحْشيّاً شبه جمله به وقوله " حط في عَلقَى وفي مكور "، أي: اعتمدهما في رعيه، قال شارح شواهد أبي علي الفارسي: " وسمع عَلْقَى في هذا البيت من رؤبة غير منون، وكذا رَوَى عن أبيه، فدل على أن ألفه للتأنيث، ولو كان للإلحاق لنون " انتهى. وفي رواية الصحاح والعباب " فَحَطَّ " والفاعل في الروايتين ضمير الثور،
وتواري الشمس: غيبوبتها، وذرورها: طلوعها وإشراقها، يريد أنه يستن من طلوع الشمس إلى غروبها وأول الارجوزة: * جارى لا تسنكرى عَذِيرِي * يريد يا جارية، والعجاج تقدمت ترجمته في الشاهد الأول. وأنشد الشارح - وهو الشاهد الواحد بعد المائتين -: (من الرجز) 201 - تَضْحَكُ مِنِّي أنْ رَأَتْنِي أحْتَرِشْ * وَلَوْ حَرَشْتِ لَكَشَفْتِ عَنْ حِرِشْ على أن الشين في حِرِش شين الكشكشة، وهي بدل من كاف المؤنث، وأصله حِرِكِ، وهي لغة بني عمرو بن تميم، وقوله " أن رأتني إلخ " بدل اشتمال من الياء " في منّي " والاحتراش: صيد الضب خاصة، والعرب تأكله، يقال: حَرَشَ الضب يَحْرِشه حَرْشاً، من باب ضرب، وكذلك احترشه، وهو أن يحرك الحارش يده على جحره فيظنه حية فيخرج ذنبه ليضربها فيأخذه، وإنما ضحكت منه استخفافاً به، لان الصب صيد العجزة والضعفاء، وقوله " ولو حرشت " التفات من الغيبة إلى الخطاب، يعني لو كنت تصيدين الضب لأدخلته في فرجك دون فمك إعجاباً به وإعظاماً للذته. وقد تكلمنا عليه بأبسط من هذا في الشاهد السادس والخمسين بعد التسعمائة من آخر شرح شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده - وهو الشاهد الثاني بعد المائتين -: (من الرجز)
202 - ينفحن منه لهبا منفوحا * لمعا يُرَى لا ذَاكياً مَقْدُوحا على أنه قد جاء في الشعر شذوذاً إبدال الخاء المعجمة حاء مهملة. قال ابن جني في سر الصناعة: " الحاء حرف مهموس يكون أصلاً لا غير، ولا يكون بدلاً ولا زائداً، إلا فيما شد عنهم، أنشد ابن الأعرابي: * يَنْفُحْنَ مِنْهُ لَهَباً مَنْفُوحَا * إلخ قال: أراد منفوخاً، فأبدل المعجمة حاء، قال: ومثله قول رؤبة: (من الرجز) غَمْرُ الأَجَارِيِّ كَرِيمُ السِّنْحِ * أبْلَجُ لَمْ يُولَدْ بِنَجْمِ الشُّحِّ قال: يريد السِّنْخ، وأما حثث تحثيثاً وحَثْحَثَ حَثْحَثَةً فأصْلاَن، قال أبو علي: فأما الحاء فبعيدة من الثاء وبينهما تفاوت يمنع من قلب إحداهما إلى أختها. وإنما حثحثت أصل رباعى، وحثث أصل ثلاثي، وليس واحد منهما من لفظ صاحبه، إلا أن حثحث من مضاعف الأربعة، وحثث من مضاعف الثلاثة، فلما تضارعا بالتضعيف الذي فيهما اشتبه على بعض الناس أمرهما، وهذا هو حقيقة مذهب البصريين. ألا ترى أن أبا العباس قال: ليس ثَرَّة عند النحويين من لفظ ثرثارة، وإن كانت من معناها، هذا هو الصواب، وهو قول كافة أصحابنا، على أن أبا بكر محمد بن السَّرِيِّ قد كان تابع الكوفيين، وقال في هذا بقولهم، وإنما هذه أصول تقاربت ألفاظها فتوافقت معانيها، وهي مع ذلك مضعفة، ونظيرها من غير التضعيف قولهم: دَمْثٌ ودِمَثْرٌ، وسَبْط وسِبَطْرُ، ولُؤْلُؤٌ ولئَّال، وحيّة وحواء، ودِلاص ودُلامِص، وله نظائر كثيرة، وإذا قامت الدلالة على أن أصل حَثْحَثَ ليس من لفظ حَثَّثَ، فالقول في هذا وفي جميع ما جاء منه واحد، نحو تَمَلْمَلَ وتَمَلَّلَ ورَقْرَقَ ورَقَّقَ وصَرْصَرَ وصَرَّ " انتهى كلام ابن جني.
وينفُحْن أيضاً أصله بالخاء المعجمة، ولهب النار معروف، و " لَمْعاً " بفتح اللام وسكون الميم، و " يُرى " بالبناء للمفعول. وأنشد بعده - وهو الشاهد الثالث بعد المائتين -: (من الرجز) 203 - غَمْرُ الأَجَارِيِّ كَرِيمُ السِّنْحِ * أبْلَجُ لَمْ يُولَدْ بِنَجْمِ الشُّحِّ لِمَا تقدم قبله، فإن المعروف السِّنخ - بكسر السين وسكون النون، وآخره خاء معجمة - ومعناه الأصل، والحاء المهملة بدل من المعجمة. وجعل الصاغانى في العباب السنخ - بالمهملة - لغةً أصلية كالسنخ بالمعجمة من غير إبدال، قال في مادة سنح بالمهملة: " والسنح الأصل، قال رؤبة: * عمر الأَجَارِيِّ كَرِيمُ السِّنْحِ * وبعضهم يروي السنخ - بالخاء المعجمة - ويجعله إكفاء، والصحيح أنه ليس بإكفاء " انتهى. وقد أنشده ابن قتيبة في أدب الكاتب في أبيات الإكفاء، قال شارح بياته ابن السيد: " السنخ والسنج - بالخاء والجيم - الأصل، وقد روي السنح بالحاء غير المعجمة " انتهى، ولم أر في الصحاح والعباب السنج - بالجيم - بهذا المعنى وممن أورده في الإكفاء قدامة في فصل عيوب القافية من نقد الشعر، قا شارحه عبد اللطيف البغدادي: " وما كان من هذا التغيير في موضع التصريع فقد يمكن أن لا يكون عيباً وأن يكون الشاعر لم يقصد التصريع، لكن أتى بما يشبه التصريع " هذا كلامه. ولا يخفى أن التصريع إنما يكون في أول بيت من القصيدة أو عند الخروج
في القصيدة من معنى إلى معنى غيره، وبيتا رؤبة من آخر القصيدة لم يخرج بهما من معنى إلى غيره هذا، وقد أورد يعقوب بن السكيت اثني عشر كلمة من هذا النمط في كتاب القلب والإبدال، قال (1) : " باب الخاء والحاء، قال: الخَشِيُّ والحَشِيُّ اليابس، ويقال: خَبَجَ وحَبَجَ إذا ضرط، وقد فاحت منه رائحة طيبة وفاخت، أبو زيد، قال: ويقال: خَمَصَ الْجُرْح يَخْمُص خُموصاً وَحَمَصَ يَحْمُص حُموصاً وانْحَمَصَ انحماصاً إذا ذهب ورمه، أبو عبيدة: المخسول والمحسول المرذول، وقد خَسَلْتُهُ وحسلته، أبو عمرو الشيباني: الْجُحَادِيُّ والجُخَادِيُّ الضخم، قال: ويقال: طحرور وطخرور للسحابة، قال الأصمعي: الطّخارير من السحاب قطع مستدقة رقاق والواحدة طُخْرورة، والرجل طخرور إذا لم يكن جلدا ولا كثيفا، ولم يعرف بالحاء، وسمعت الكلابي يقول: ليس على السماء طُحْرور وليس على الرجل طحْرُور، ولا يتكلم به إلا مع الجحد، والطخارير (من السحاب) شئ قليل في نواحي السماء واحدها طُخْرور يتكلم به بجحد وبغير جحد، اللحياني، يقال: شرب حتى اطْمَحَرَّ وحتى اطْمَخَرَّ: أي امتلأ، وقد دَرْبح ودَرْبخ إذا حنى ظهره، ويقال: هو يتحوف مالي ويتخوفه: أي يتنقصه ويأخذ من أطرافه، قال تعالى: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ) أي: تنقص، ويقال: قرئ (إنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً) وَ (سَبْخاً) قرأها يحيى بن يَعْمَرَ قال الفراء: معناهما واحد، وقال غيره: سَبْحاً: فراغاً، وَسَبْخاً: نوماً، ويقال: قد سبخ الحر إذا حاد وانكسر، ويقال: اللهم سَبَّحْ عنه الحمى: أي خَفِّفْها، ويقال لِمَا يسقطُ من ريش الطائر: السبيخ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها حين دعت على سارق سرقها (لا تُسَبِّخي عنه) لا تخففى
عنه إثمه، ويقال: زاخ عن كذا وزاح " هذا ما أورده ابن السكيت ببعض اختصار وأورد الزجاجي في أَمالية الكبرى في باب المعاقبة والإبدال كلماتٍ أُخر لم يذكرها ابن السكيت، قال: " باب الحاء والخاء: يقال: رحمته ورخمته ومرحوم ومرخوم، ومنه نضحته ونضخته، قال تعالى (فِيهِمَا عَيْنَانِ نضاختان) وقال الأعشى: (من الكامل) * وَوِصَالِ ذى رحم نضحت بلالَها * ويروى نضخت، ويقال: صَمَحَتْهُ الشمس وَصَمَخَتْهُ: أي غيّرت لونه، وأحرقته، يقال: مُخٌّ (1) وَمُحٌّ، ولَحْم ولخْم، وَشَحْم وشَخْم، ومَطَرٌ سَحٌّ وسخ كثير الماء، قال الراجز: (من الرجز) يَا هِنْدُ أُسْقِيتِ السَّحَابَ السُّخَّخَا * لا تجْعَلِنِّي كَهِجَانٍ أبْزَخَا ويقال: رجل رحُوثٌ وَرَخُوثٌ: أي كبير البطن، وأورد كلمتين مما أورده ابن السكيت، وهما فاح ريح المسك يفوح وفاخ يفوخ فيحانا وفيخانا، وفوحانا وفوخانا، وتخوفت الشئ وَتَحَوَّفْتُه: أي تنقصته " هذا جميع ما أورده الزجاجي. والبيتان وقعا في أدب الكاتب كذا: أزْهَرُ لَمْ يُولَدْ بِنَجْمِ الشُّحِّ * مُيَمَّمُ الْبَيْتِ كَرِيمُ السِّنْحِ وقال شارحه ابن السيد: " هذا الرجز يروى لرؤبة بن العجاج، ولم أجده في ديوان شعره، وَالميَمَّمُ: المقصود لكرمه " هذا كلامه وهذا من قصيدة ثابتة في ديوانه من رواية الأصمعي (2) مدح بها أبان بن
الوليد البَجَليّ، وهي طويلة، إلى أن قال: مِنْهُ فُرَاتٌ فَاضَ غَيْرُ مِلْحِ * غَمْرُ الأَجَارِيِّ كَرِيمُ السنح إذا فتام الْبَاخِلِينَ الْبُلْحِ * أغْبَرَ فِي هَيْجٍ كَذُوبِ اللَّمْحِ أمْطَرَ عَصْرَاً مُدْجِنٍ مِسَحِّ * أبْلَجَ لَمْ يُوْلَدْ بِنَجْمِ الشح وهذا آخر القصيدة، وقوله " غمر الأجَارِيِّ " الْغَمْر - بفتح الغين المعجمة - الماء الكثير الساتر، وَالأَجَارِيُّ جمع إجْرِيّاً - بكسر الهمزة والراء - بمعنى الجري وَالقَتام - بفتح القاف والمثناة الفوقية -: الغبار، والبلج: جمع أبْلح من بَلَح الرجل بُلوحاً: أي أعيا، قال الأصمعي: الْبُلْحُ الْمُعْيُونَ (2) ، وأراد البُخْل و " أغبر " بالغين المعجمة والموحدة، قال الأصمعي: هو من قولك: أغْبَرَ في أمرك فهو مُغْبِر إذا جد، و " الهَيْجُ " قال الأصمعي: هو سحاب لا ماء فيه، والكذوب: مبالغة الكاذب، واللَّمح: مصدر لَمَحَ البرق والنجم لَمْحاً: أي لَمَعَ، وأمطر: فعل ماض جواب إذا، وَ " عَصْراً " فاعله وهو مثنى عُصْرٍ حذفت نونه للإضافة قال الأصمعي: العصران الغدوة والعشية، و " أبلج " مفعول أمطر، في الصحاح: مَطَرَتِ السماء وأمطرها الله، والْمُدْجِنُ - بالجيم -: اسم فاعل من أدجنت السماء دام مطرها، وسحابة داجنة ومدجنة، والدجن المطر الكثير، كذا في الصحاح، وَالمِسَحُّ - بكسر الميم -: الكثير السَّح، مِفْعَل من سَحَّ المطر سَحَّا: أي سال، والأبلج بالجيم: المشرق المضئ، والشح بالضم البخل مع حرض، والنجم الوقت المعين وأنشد بعده - وهو الشاهد الرابع بعد المائتين: (من الرجز)
204 - يا ابن الزبير طالما عصيكا * وطالما عنيتنا إلَيْكَا * لنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكَا * على أنه قد جاء الكاف بدلاً من التاء كما في عصيكا، والأصل عَصَيْتَ قال ابن جني في سر الصناعة: " أبدل الكاف من التاء، لأنها أختها في الهمس وكان سحيم إذا أُنْشِد شعراً قال: أحسَنْكَ والله، يريد أحسنت " انتهى وسحيم هذا عبد حبشي كانت (1) في لسانه لُكْنة، وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تعرف له صحبة وقد أورد الزجاجي هذا الشعر في أماليه الكبرى في بحث إبدال الحروف بعضها من بعض، قال في باب التاء والكاف في المكنى: " يقال: ما فَعَلْتَ وما فَعَلْكَ قال الراجز: يا بن الزُّبَيْرِ طَالَمَا عَصَيْكَا * وَطَالَمَا عَنَّيْكَنَا إلَيْكَا * لِنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قفيكا * يريد عصيتا وعنيتنا " انتهى. ولم يذكر ابن السكيت هذا الإبدال في كتاب القلب والإبدال. قال الشارح: " ويجوز أن يكون من وضع الضمير المنصوب مقام المرفوع " وكذا جوز الوجهين أبو علي في المسائل العسكرية عن الأخفش، قال: إن شئت قلت: أبدل من التاء الكاف لاجتماعهما في الهمس، وإن شئت قلت: أوقع الكاف - وإن كان في أكثر الاستعمال للمفعول لا للفاعل - (موقع التاء) لإقامة القافية، ألا تراهم يقولون: رأيتك أنت، ومررت به هو، فيَجْعلون علامات الضمير المختص بها بعض الأنواع في أكثر الأمر موقع الآخر، ومن ثم
جاء لولاك، وإنما ذلك لأن الاسم لا يصاغ معرباً، وإنما يستحق الإعراب بالعامل " انتهى. ورد ابن هشام في بحث " عَسَى " من المغني الوجه الثاني، قال: " إنابة ضمير عن ضمير إنما ثبت في المنفصل (نحو) : ما أنا كانت ولا أنت كأنا، وأما قوله: * يَا بْنَ الزُّبَيْرِ طَالَمَا عَصَيْكَا * فالكاف بدل من التاء بدلا تصريفيا، لامن إنابة ضمير عن ضمير كما ظن ابن مالك " ولم يكتب الدماميني هنا شيئاً، وقال ابن المُنْلاَ: " قيل: كيف يكون هذا البدل تصريفياً ولم يُذكر في كتب الصرف؟ وأجيب بأن التصريفي ما شأنه أن يذكر في كتب التصريف ذكر أو لم يذكر " هذا ما كتبه، وقد نقلنا لك عن الفارسي وابن جني وغيرهما أنه بدل تصريفي، وكذا قال الشارح وقول ابْنِ المُنْلا - بعد قول ابن هشام: لا من إنابة ضمير عن ضمير، ما نصه: إذ لو كان من باب الإنابة لم يسكن آخر الفعل، إذ لا تسكين لاتصال الضمير المنصوب " انتهى - ساقط، لأن الكاف قامت مقام التاء فأعطيت حكمها. وقوله: " وطالما عنَّيْتَنا إليكا " أي: أتعبتنا بالمسير إليكا، وقوله: " لنَضْرِبَنْ " بنون التوكيد الخفيفة، واللام في جواب قسم مقدّر، وقوله: " قفيكا " أصله قفاكا، فأبدلت الألف ياء عند الإضافة إلى الكاف، وخصه الشارح في شرح الكافية في باب الإضافة بالشعر، وإنما كان سبيله الشعر لانه ليس مع ياء المتكلم، فإنها تقلب معه ياء نثراً ونظماً في لغة هذيل، يقولون: هَوَيّ وقَفَيَّ في إضافة الْهَوَى والْقَفَا إلى الياء، وإنما قيد بالكاف لأن السماع جاء معه. وقد بسطنا الكلام على هذا في الشاهد الحادي والعشرين بعد الثلثماية من شواهد شرح الكافية.
وهذا الرجز أورده أبو زيد في نوادره ونسبه لراجز من حمير، والله تعالى أعلم. وأنشد بعده - وهو الشاهد الخامس بعد المائتين -: (من البسيط) 205 - أعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً * مَاءُ الصَّبَابَةِ مِنْ عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ على أن الأصل أَأَن ترسمت، فأُبدلت الهمزة المفتوحة عيناً في لغة تميم، قال الشارح: " هذه الأبْدال في الأبيات وغيرها جميعها شاذ، ولهذا لم يذكرها ابن الحاجب ". وأقول: سيأتي إن شاء الله تعالى في شرح قوله: * أُبَابُ بَحْرٍ ضَاحِكٍ هَزُوقِ * أن هذا كثير والبيت من قصيدة لذي الرمة، والهمزة للاستفهام التقريري، و " عن " حرف مصدري، واللام مقدر قبله علة للمصراع الثاني، وترسمت الدار: تأملت رسمها - بالراء المهملة، والتاء للخطاب - و " خرقاء " اسم معشوقته، وَ " مَنْزِلةً " مفعول ترسمتء والصبابة: رقة الشوق، و " مسجوم " من سجمت العين الدمع: أي أسالته، والتقدير أَلأَجْل ترسمك ونظرك دارها التي نزلت فيها بكت عينك وقد تكلمنا عليه في فصل حروف المصدر من أواخر شرح الكافية وأنشد بعده: * صَبْراً فَقَدْ هَيَّجْتِ شَوْقَ الْمُشْتَئِقِ * وتقدم شرحه في الشاهد التسعين من هذا الكتاب
وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس بعد المائتين: (من الرجز) 206 - يَا دار سلمى يا اسلمى ثم اسلمي * فخِنْدِفٌ هَامَةُ هذَا الْعَأْلَمِ على أن العجاج همز العألم، ليكون موافقاً لقوافي القصيدة، نحو " اسلمي " في عدم التأسيس، فلو لم يهمز للزم السناد وهو من عيون القافية قال ابن جني في سر الصناعة: " قد روي عن العجاج أنه كان يهمز الخأتم والعألم، وقد روي عنه في هذا الهمز، وعده ابن عصفور من ضرائر الشعر، وقال: أَبْدل (1) الاف همزة لتكون القافية غير مؤسسة كأخواتها، وكانت الهمزة المبدلة منها ساكنة، لأن التحريك يبطل الوزن، ولأنها بدل من ألف زائدة ساكنة في اللفظ والتقدير " انتهى والسناد على خمسة أقسام: أحدها سناد التأسيس، وهو أن يجئ بيت مؤسس مع بيت غير مؤسس. والتأسيس: ألف قبل حرف الروي (2) بحرف يسمى الدخيل، كاللام في العالم بين الألف والميم. وقوله " يا درا سَلْمَى يَا اسْلَمِي ثم اسْلَمِي " هذا مطلع الأرجوزة، دعا لدار سلمى بالسلامة، و " يا " الثانية للتنبيه، واسلمي أمر بمعنى دومي على السلامة، وبعده: * بِسَمْسَمٍ وَعَنْ يَمِينِ سَمْسَمِ * و " سَمْسَمْ " بفتح السينين المهملتين: مكان (3) ، ثم قال بعد أبيات كثيرة: * فخِنْدِفٌ هَامَةُ هَذَا العألم *
وإنما جمع الشارح بينهما ليبين القافية غير المؤسسة مع المؤسسة على تقدير عدم الهمز، و " خندف " هي امرأة إلياس بن مضر، وهي أم مُدْركة وطابخة وقَمَعة (1) وأبو الثلاثة إلياس، وأراد نسل خندف، وقد ترجمناها بالتفصيل في الشاهد التاسع والأربعين بعد المائة من هذا الكتاب وأنشد بعده - وهو الشاهد السابع بعد المائتين: (من الوافر) 207 - * أحَبُّ الْمُؤْقِدِينَ إلَيّ مُؤْسَى * تمامه: * وَجَعْدَةُ إذْ أضَاءَهُمَا الْوَقُودُ * على أنه روي بهمز المؤقدين ومؤسى، حكاه ابن جني في سر الصناعة عن أبي علي، قال: " وروى قنبل عن ابن كثير (بالسؤْقِ) فهمز الواو، ووجه ذلك أن الواو وإن كانت ساكنة فإنها قد جاورت ضمة الميم فصارت الضمة كأنها فيها، فمن حيث همزت الواو في نحو (أُقِّتَتْ) وأجوه وأُعِد لانضمامها، كذلك كان همز الواو في المؤقِدين ومُؤْسى على ما قدمناه " وقال في المحتسب: " همز الواو في الموضعين جميعاً من البيت لأنهما جاورتا الميم قبلهما فصارت الضمة كأنها فيهما، والواو إذا انضمت ضماً لازماً فهمزها جائز، نحو (أُقِّتَتْ) في وُقِّتَتْ، وأجوه في وجوه، ونظائر ذلك كثيرة، وكذلك الفتحة قبل الألف في بازٍ لما جاورتها صارت على ما ذكرنا كائها فيها، والألف إذا حركت همزت على ما ذكرنا في الضِّأَلِّين، وجَأَنٍّ، فهذا وجهه " وكذا قال في الخصائص، وقال
في شرح تصريف المازني بعد إنشاد البيت: " همز الواو الساكنة لأنه توهم الضمة قبلها فيها، وإنما يجوز مثل هذا الغلط منهم لما يستهويهم من الشُّبَه، لأنهم ليست لهم قياسات يعتصمون بها، وإنما يميلون إلى طبائعهم، فمن أجل ذلك قرأ الحسن البصري (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُون) لأنه توهمه جمع التصحيح نحو الزيدون، وليس منه، وكذلك قراءته (وَلاَ أدْرَأْتُكُمْ بِهِ) جاء به كأنه من درأته: أي دفعته، وليس منه، إنما هو من دريت الشئ: أي علمت به، وكذلك قراءة من قرأ (عَاداً لُؤْلَى) فهمز فهو خطأ منه بمنزلة قول الشاعر: * لحب المؤقدان إلى موسى * فهمز الواو الساكنة لأنه توهم الضمة قبلها فيها، ولهذا الغلط في كلامهم نظائر، فإذا جاء فاعرفه لتستعمله كما سمعته ولا تقس عليه " انتهى. وأورد ابن عصفور هذا الإبدال في الضرائر، وخصه بالشعر، وقال العصام في حاشية القاضي: " روى سيبويه البيت بهمز مؤقدان ومؤسى " وهذا لا أصل له، فإن سيبويه لم يرو هذا البيت في كتابه، وروى ابن جني صدره في سر الصناعة، وفي إعراب الحماسة * أحَبُّ الْمُؤْقِدِينَ * بصيغة أفعل التفضيل فيكون أحب مبتدأ مضافاً إلى المؤقدين بالجمع، و " مؤسى " خبره - ورواه في الخصائص وفي شرح تصريف المازنى وفي المحتسب * لَحَبَّ الْمُؤْقِدَانِ * فيكون اللام في جواب قسم محذوف و " حب " للمدح والتعجب وأصلها حَبَبَ - بفتح العين - فعل متعد كقوله: * فو الله لولا تمره ما حببته (1) *
ثم نقل إلى باب فُعل بالضم للمدح للإلحاق بنِعْم، ولنا نقل ضمة العين إلى الفاء، ولنا حذفها لأجل الإدغام في الصورتين، وقد روي بالوجهين فصارت كنِعْم فعلاً جامداً، ولهذا لم تدخل قد مع اللام عليها كما لم تدخل قد على نعم، و " المؤقدان " فاعل حب، و " مؤسى وجعدة " هو المخصوص بالمدح، و " إليّ " بمعنى عندي، و " إذ " ظرف متعلق بحب، و " أضَاءُهما " بمعنى أنارهما وأظهرهما، ويأتي أضاء لازماً، يقال: أضاء الشئ بمعنى أشرق، والاسم الضياء، و " الوُقود " بالضم مصدر وقدت النار: أي اشتعلت، والوَقود - بالفتح - الحطب الذي يوقد، وقد روي هنا بالوجهين، وأريد به هنا وَقُود نار الْقِرَى كما هو عادة العرب، يوقد الكريم منهم نارا على موع عال ليهتدي بها إليه الغريب والمسافر فيأتي إلى قِرَاه، قال خَضِرٌ الموصلي: " مدح ابنية بالكرم والاشتهار به فكنى عن الأول بإيقاد نار القِرى، وعن الثاني بإضاءة الوقود إياهما، والمعنى ما أحبهما إليّ وقت إضاءة وقودهما، واسْتعمال الإضاءة شديد الطباق في هذا المقام لترددها بين الحقيقة والمجاز " انتهى. وقال العصام: " عنى بالإضاءة بالوقود الاشتهار، وصف ابنيه ونفسه بالكرم، حيث جعل محبته لهما من حين اشتهارهما بالكرم، وفي ذلك كمال وصفه بالكرم حتى غَلَبَتْ محبّته الطبيعية لهما المحبةُ للاشتهار بالكرم، والتحقت في مقابلة المحبة للاشتهار بالعدم إلى أن جعل محبته لهما من وقت الاشتهار " هذا كلامه وقال السيوطي في شرح أبيات المغني: " مُؤْسَى وجَعْدة عطفاً بيان للمؤقدان، كانا يوقدان نار القِرى، وإذ أضاءهما: بدل اشتمال منهما " انتهى. وتبعه ابن المُنْلا في شرح المغني، وخَضِرٌ الموصلي في شرح أبيات التفسيرين، وهذا غير جيد، فإن حَبَّ هنا بمنزلة نعم تطلب فاعلاً ومخصوصاً بالمدح، وهو إما
مبتدأ أو خبر لمبتدأ، وإذا كان كذلك لا يجوز أن يكون إذ بدلاً منهما، لأنه ظرف غير متصرف. والبيت من أول قصيدة لجرير مَدَح بها هشام بن عبد الملك المرْواني، وموسى وجعدة: ولدا جرير، وروي حَزْرَة بدل جعدة، وهو ابنه أيضاً، وقال السيوطي رحمه الله: جعدة بنته، وفيه بعدٌ، والبيت مستقل في معناه لا حاجة لنا إلى إيراد شئ من القصيدة. وأنشد بعده - وهو الشاهد بعد المائتين -: (من الرجز) 208 - أُبَابُ بَحْرٍ ضاحِكٍ هَزُوقِ على أن أصله " عُبَاب بحر " فأبدلت العين همزة، وهذا أشذ مما قبله، لأنه لم يثبت قلب العين همزة في موضع، وما نقله عن ابن جني قاله في سر الصناعة، وهذه عبارته: " فأما ما أنشده الأصمعي من قول الراجز: أُبَابُ بَحْرٍ ضَاحِكٍ هَزُوقِ فليست الهمزة فيه بدلاً من عين عُبَاب، وإن كان بمعناه، وإنما هو فُعَالٌ من أبَّ إذا تهيأ، قال الأعشى: (من الطويل) * وكَانَ طَوَى كَشْحاً وأب ليذهبا (1) *
وذلك أن البحر يتهيأ لما يزخر به، فلهذا كانت الهمزة أصلاً غير بدل من عين، ولو قلت: إنها بدل منها فهو وجه، وليس بالقوي " انتهى. ومفهومه أن إبدال العين همزة ضعيف لقلته، وإليه ذهب ابن مالك قال في التسهيل: " وتبدل الهمزة قليلاً من الهاء والعين " ومثل شراحة بالبيت، ولم يقيد الزمخشري في المفصل بقلة، بل قال: " الهمزة أبدلت من حروف اللين ومن الهاء والعين " ثم مثل، إلى أن قال: " فأبدالها من الهاء في ماء وأمواء، ومن العين في قوله: " أُبَابُ بَحْرٍ ... البيت " نعم تفهم القلة من ذكره أخيراً بالنسبة إلى ما قبله، ولم يقيد بشئ شارحه ابن يعيش، وإنما قال: " أبدل الهمزة لقرب مخرجيهما كما أبدلت العين من الهمزة في نحو * أعَنْ تَرَسَّمْتَ ... البيت * " وليس في هذا شذوذ فضلاً عن الأشَذِّيَّة، وتوجيه الشارح الأشَذِّيَّة بما قاله تبعاً للمصنف ممنوع، فإنه جاءت كلمات كثيرة، وقد ذكر له ابن السكيت في كتاب القلب والإبدال باباً، وكذا عقدا له فصلاً أبو القاسم الزجاجي في أماليه الكبرى، أما ابن السكيت فقد قال: " باب العين والهمزة: قال الأصمعي: يقال: آديته على كذا وكذا وأعديته: أي قويته وأعنته، ويقال: استأديت الأمير على فلان في معنى استعديت، ويقال: قد كَثَأَ اللبنُ وكَثَعَ وهي الكَثْأَةُ والكَثْعَةُ، وهو أن يعلو دسمه وخُثُورته على رأسه في الإناء، قال: (من الطويل) وَأَنْتَ امْرُؤٌ قَد كَثَّأَتْ لَكَ لِحْيَةٌ * كَأَنَّكَ مِنْهَا بَيْنَ تَيْسَيْنِ قَاعِدْ والعرب تقول: موت زعاف وزؤاف وذعاف وذُؤاف، وهو الذي يعجل
القتل، ويقال: عُباب الموج وأبابه، ويقال: لأطِه بعين وَلأَطَه بسهم ولَعَطَه إذا أصابه به، أبو زيد: يقال: صَبَأْتُ على القوم أصْبَأ صَبْأ وصَبَعْت عليهم أصْبَعُ صَبْعاً، وهما واحد، وهو أن تدخل عليهم غيرهم، الفراء: يقال: يوم عَكٌّ، ويوم أَكَّ من شدة الحر، ويقال: ذهب القوم عباديد وأباديد، وعباييد وأبَابِيدَ، ويقال: انْجَأَفَتْ النخلة وانْجَعَفَتْ، إذا انْقَلَعَتْ من أصلها، وقال الاصمعي: سمعت أبا الصقر ينشد: (من الطويل) أريني جَوَاداً مَاتَ هَزْلاً لأَلَّنِي * أرَى مَا تَرَيْنَ أوْ بَخِيلاً مُخَلَّدا يريد لعلّني، وقال أبو عمرو: سمعت أبا الحصين العبسي يقول: الأُسُنُ قديم الشَحم، وبعضهم يقول العُسُنُ، الأصمعي: يقال: التُمئ لونه والتُمع لونه، وهو السَّأَف والسَّعَف، وقال الفراء: سمعت بعض بني نَبْهَانَ من طيّئ يقول: دَأْنِي، يريد دعين، وقال: ثُؤاله، يريد ثُعاله، فيجعلون مكان العين همزة، كما جعلوا مكان الهمزة عيناً في قوله: لعنك قائم، وأشهد عنكم رسول الله، وهي لغةٌ في تميمٍ وقيسٍ كثيرةٌ، ويقال: ذَأَته وَذَعَتَهُ إذا خنقه " هذا ما أورده ابن السكيت. ولا شك أن هذه الكلمات المشهور فيها بالعين والهمزةُ بدل منها، وقد أسقطنا من كلامه ما المشهور فيه الهمزة والعين بدل منها، ومنها قال الأصمعي: سمعت أبا ثعلب ينشد بيت طُفَيْل: (من الطويل) فَنَحْنُ مَنَعْنَا يَوْمَ حَرْسٍ (1) نِسَاءَكُمْ * غَدَاةَ دَعَانَا عَامِرٌ غَيْرَ مُعْتَلِي
يريد مُؤْتلي، يعني غير مُقَصِّر، ومنها يقال: ردت أن تفعل كذا، وبعض العرب يقول: أردت عَنْ تفعل، ومنها إن بَيْنَهُمْ لَعِهْنَةً: أي إحْنَةً وأما ما أورده الزجاجي فهو عَبَدَ عليه وأبد: أي غضب عليه، وهو عِيصك وإيصك، أي أصلك، وهو يوم وأَكٌّ، وعَكيك وأكِيك: أي حَارٌّ، وذكر محمد ابن يحيى العنبري أن رجلاً من فصحاء ربيعة أخبره أنه سمع كثِيراً من أهل مكة: يا أبد الله، يريدون يا عبد الله، ويقال: الْخَنْأَبَة وَالْخَنْعَبَة، لِخَنْأبة الأنف، وهي صفحته، تهمز ولا تهمز، وهي دون المحْجِر مما يلي الفم، وتكَعْكَعَ وَتَكَأْكَأَ عن الشئ، قال الأعشى: (من المتقارب) تكَأْكَأَ مَلاَّحُهَا فَوْقَهَا * مِنَ الْخَوْفِ كَوْثَلَهَا يَلْتَزِمْ وهذا ما أورده الزجاجي، وقد أسقطنا منه أيضاً ما توافق فيه مع ابن السكيت، وما المشهور فيه الهمزة وأبدلت عيناً، وقلب العين همزة أقيس من العكس، لأن الهمزة أخف من العين. ولو استحصر ابن جني عدة الكلمات لم يقل ما قال، ولاذهب ابن الحاجب إلى ما ذهب، ولله در الزمخشري في صنعه، والله الموفق تبارك وتعالى. و" الهزوق " فسره الشرح بالمستغرق في الضحك، وهو كذا في سر الصناعة وغيره، وفي العُباب للصاغاني: " وأهْزَقَ الرجل في الضحك إذا أكثر منه " انتهى. ولم أر فيه أكثر من هذا، وعليه يكون الهَزْوق فَعُولاً من أهزق، والقياس أن يكون من الثلاثي.
ووقع في المفصل زَهُوق - بتقديم الزاي على الهاء - قال بعض أفاضل العجم في شرح أبياته: " الا باب العُباب، وهو معظم الماء وكثرته وارتفاعه، أبدل الهمزة من العين، وضحك البحر كناية عن امتلائه، وقال بعض الشارحين: الظاهر أنه كناية عن أمواجه، وقال الجوهري: البئر البعيدة القعر، وعن المصنف زَهُوق: مرتفع، يصف بحراً ممتلئاً أو ذا أمواج بعيد القعر أو مرتفع الماء " انتهى كلامه. وقال ابن السيرافى: " عُباب البحر: معظم مائه وكثرته وارتفاعه، والضاحك من السحاب كالعارض إلا أنه إذا برق ضحك، وقال الخُوَارِزْمي: الزهوق: البئر البعيدة القعر، وقال في الحواشي: ضاحك: أي يضحك بالموج، وزهوق: مرتفع، والزهوق المرتفع أولى بالوصف من البئر البعيدة القعر، لأن العباب إذا كان الكثير المرتفع فإنما يكون ذلك لارتفاع ماء البحر " انتهى ولم أقف عليه بأكثر من هذا والله سبحانه وتعالى أعلم وأنشد بعده - وهو الشاهد التاسع بعد المائتين -: (من الطويل) 209 - وَكَانَ طَوَى كَشْحاً وأبَّ لِيَذْهَبَا هكذا وقع في سر الصناعة، وصوابه كذا: فأبْلِغْ بَنِي سَعْدِ بنى قَيْسٍ بِأَنَّنِي * عَتَبْتُ فَلَمَّا لَمْ أجِدْ ليَ مَعْتَبَا صَرَمْتُ وَلَمْ أصْرِمْكُمْ وَكَصَارِمٍ * أخٌ قَدْ طَوى كَشْحاً وأبَّ لِيَذْهَبَا وهو من قصيدة للأعشى ميمون الجاهلي، قال أبو عبيد القاسم بن سلام
في الغريب المصنف: أببت أَؤُبُّ أبّاً، من باب نصر، إذا عزمت على المسير وتهيأت، وأنشد البيت وفي العُباب: أبو زيد: أب يَؤُبُّ أبّاً وأبَاباً وأبَابَةً تهيأ للذهاب وتجهز، يقال: هو في أَبابه إذا كان في جِهَازه، وأنشد البيت أيضاً، وقال ابن دريد في الجمهرة: طويتُ كشحي على كذا إذا أضمرته في قلبك وسترته، وأنشد البيت أيضاً، وفي الصحاح: طوى كشحه إذا أعرض بوده، يقول لبني سعد: لما عتبت عليكم لترجعوا عن مساءتي وما أكرهه لم أجد عندكم موضع عَتْب، يريد أنه لم يجد فيهم من يسمع عَتْبه ويسعى في إزالة ما يكره، يقول: لما يئست من عودكم إلى ما أحب تركتكم غير صارم (1) لكم بقلبي ولا مفارق فراق بغضةٍ، إنما فارقتكم لاجل ما علتمونى به، ومن طوى كشحه عنكم يُرِي (2) أنه انصرف، فهو كالذي صرم: أي هجر عن قِلىً وبغضةٍ، ويجوز أن يكون " مُعْتب " اسم فاعل من أعتبه: أي أزال عتبة، والعتب مصدر عتب عليه: أي وَجِد عليه وغضب وأنشد بعده - وهو الشاهد العاشر بعد المائتين -: (من الرجز) 210 - وَبَلْدَةٍ قَالِصَةٍ أمْوَاؤُهَا * يَسْتَنُّ في رَأْدِ الضُّحَى أفْيَاؤُهَا على أن الأصل أمواهها فأبدلت الهاء همزة، وهو شاذ قال ابن جني في سر الصناعة: " وأما إبدال الهمزة عن الهاء فقولهم: ماء، وأصله مَوَهٌ، لقولهم أمواه، فقلبت الواو ألفاً، وقلبت الهاء همزة، وقد قالوا في الجمع
أيضا: أمواء، فهذه الهمزة أيضاً بدل من هاء أمواه، أنشدني أبو علي: * وَبَلْدَةٍ قالِصَةٍ أَمْوَاؤُهَا * " وقال في شرح تصريف المازني بعد البيت: " فهذه الهمزة في الجمع إما أن تكون الهمزة التي كانت في الواحد، وإما أن تكون بدلاً من الهاء التي تظهر في أمواه، فكأنه لفظ بالهاء في الجمع، ثم أبدل منها الهمزة، كما فعل في الواحد " انتهى وأورد ابن السكيت في كتاب القلب والإبدال (1) كلمات أبدلت هاؤها همزة وبالعكس، فالأول قال الأصمعي: يقال للصَّبَا: هِيرٌ وهَيْر وإير وأَيْر، وأنشد: (من الطويل) وإنا لا يسار إذا هبت الصبا * وإنا لا يسار إذَا الأَيْرُ هَبَّتِ ويقال للقشور التي في أصول الشعر: إبْرِيَة وَهِبْرِية، الأصمعي: يقال: اتْمَأَلَّ السَّنَام واتمهل وَاتْمَهَلَّ، إذا انتصب، ويقال للرجل الحسن القامة، إنه لَمُتْمَهِلٌّ ومُتْمَئِلٌّ، أبو عبيدة عن يونس: (يقال) : دعِ المتاع كَأَيْأَته، يريدون كهيئته، الفراء: ازمأرت عينه وازْمَهَرَّت، إذا احمرت، وهَيْهَات وأيْهَات، ويقال: قد أبَزْتُ له وهَبَزْت له، وهو الْوَثْب ومما أورده الزجاجي في أماليه: رأيت منه هَشَاشاً وَأَشَاشاً، وقد هَشَّ إليَّ وأشَّ إليّ، والْهَزْل والأَزْل، وقد أَهْزَلْته وَأَزَلْتُه، وهو مَهْزُول ومَأْزُول، وما زال ذلك إجْرِيَّاهُ وهِجْرِيَّاه: أي دأْبَهُ، وصَهَل الفرس وصأل، وصَهَّال وَصَئَّال ومما أورده ابن السكيت من الثاني: يقال: أيَا فلان وهَيَا فلان، ويقال: أرَقْتُ الْمَاءَ وهَرَقْتُهُ فهو مَاءٌ مُرَاق ومُهْرَاق، وحكى الفراء: أهْرَقْتُ الماء فهو مُهراق، ويقال: إياك أن تفعل وهياك أن تفعل، وإنما يقولون: هياك في موضع زجر،
ولا يقولون: هياك أكرمت، الكسائي يقال: أرَحْتُ دابتي وَهَرَحْتها، وقد أنَرْتُ له وهَنَرْت له، يونس: وتقول العرب: أما والله لأفعلن وهَمَا والله لأفْعَلَنَّ وأيْم الله وهَيْم الله، الأصمعي: ينشَدُ هذا البيت (1) : (من المتقارب) وَقَد كُنْتُ فِي الْحَرْبِ ذَا تُدْرَاٍ * فَلَمْ أُعْطَ شَيْئاً وَلَمْ أُمْنَع وبعض العرب يقول: ذاتُدْرَه ومما أورده الزجاجي: هرَّشْتُ وأرَّشْتُ، وهم أهْلُ عبد الله وآل عبد الله، وهم آلى وهَالِي، وهؤلاء وآؤلاء، انتهى قلت: وفي هَلْ فعلت، يقال: ألْ فَعَلْت، نقله المرادي في الْجَنَى الداني عن قُطْرُب، وكذلك ابن هشام في المغني عنه وبما سقناه يعلم أن قلب الهاء همزة ليس من ضرائر الشعر كما زعمه ابن عصفور وأنشد له هذا الشعر قال ابن جني في شرح تصريف المازني: وأما قولهم الْبَاءة والباهة في النكاح، فقد يمكن أن يكونا أصلين، وقد يجوز أن تكون الهاء بدلاً من الهمزة، لأنه من لأنه من الباءة والبواء، وهو الرجوع والتكافؤ، لأن الإنسان كأنه يرجع إلى أبيه ويقوم مقامه، فيكون على هذا معتل العين واللام، وإن كانت الهاء فيه أصلاً فهو من لفظ بُوهَة، فالألف فيه منقلبة عن الواو، والبوهة: الاحمق
العاجز (1) فيكون من هذا، لان النكاح مؤدّ إلى العجز والهرم، أو لأن البوهة لم يكمل ولم يتوفر عقله فكأنه نئ لم ينضج، فهو كالْمَوَات على حاله الأولى وقت حصوله في الرحم وقال في سر الصناعة: وأما قولهم: رجل تُدْرَأٌّ وتُدْرَه للدافع عن قومه فليس أحد الحرفين فيهما بدلاً من صاحبه، بل هما أصلان، يقال: دَرَأَ ودره وقوله " وبلدةٍ " بجر واوِ رُبّ، و " قالصة " صفة بلدة، وأمواؤها: فاعل قالصة، والبلدة في اللغة: مطلق الأرض والبقعة، وقالصة: من قَلَصَ الماء في البئر إذا ارتفع، فهو ماء قالص، وقليص، ويقال للماء الذي يُجِمُّ في البئر: أي يكثر ويرتفع: قَلَصَةٌ بفتحات، ويَسْتَنُّ: يجري في السَّنَن - بفتحات - وهو وجه الطريق والأرض، وأفياؤها: فاعله، والجملة صفة ثانية لبلدة. وجواب رُبَّ في بيت آخر وهو " قطعتها " أو " جبتها " ورأد الضحى - بالهمز والتسهيل - بمعنى ارتفاعه، والرواية في سر الصناعة والمفصل: مَا صِحَةٍ رَأْدَ الضُّحَى، من مَصَح الظلُّ بمهملتين: أي ذهب، ورَأَدَ: منصوب على الظرف، والمعنى أن هذه البلدة كثيرة الفئ لكثرة ظلال أشجارها حتى يذهبه ارتفاع الضحى بارتفاع الشمس، وأفياء: جمع فئ - بالهمز - والمشهور أنه ما نسخته الشمس، والظل: ما نسخ الشمس، من فاء فَيْئاً: أي رجع، لأنه كان ظلاً فنسخته الشمس فرجع، وقال ابن كيسان: المعروف أن الفئ والظل واحد، كذا قاله اللِّبَلِيُّ في شرح أدب الكاتب، وقال صاحب المقتبس: المعنى أن تلك البلدة قليلة الأشجار لا تدوم ظلالها، بل إذا
ارتفع الضحى ذهبت ظلالها، ولم تبق، فتأمل. وأنشد الجاربردي - وهو الشاهد الحادي عشر بعد المائتين -: (من الطويل) 211 - فَآلَيْتُ لاَ أَمْلاَهُ حَتَّى يُفَارِقَا على أن أصله لا أمّله، من مللت الشئ بالكسر ومَلِلْتُ منه أيضاً مَلَلاً وملالة ومَلَّة، إذا سئمته وأنشد الشارح - وهو الشاهد الثاني عشر بعد المائتين، وهو من شواهد سيبويه -: (من الرجز) 212 - وَمَنْهَلٍ لَيْسَ لَهُ حَوَازِقُ * وَلِضَفَادِي جَمِّهِ نُقَانِقُ على أن أصله ولضفادع، فأبدلت العين ياء ضرورة وأورده سيبويه في باب ما رخمت الشعراء في غير النداء اضطراراً، قال: " وأما قوله وهو رجل من بني يشكر: (من البسيط) لها أشارير من لحم تتمره * من الثَّعَالِي وَوَخْزٌ مِنْ أَرانِيهَا فزعم أن الشاعر لما اضطر إلى الياء أبدلها مكان الباء، كما يبدلها مكان الهمزة، وقال أيضاً: وَمَنْهَلٍ لَيْسَ لَهُ حَوَازِقُ * وَلِضَفَادِي جَمِّهِ نَقَانِقُ وإنما أراد ضفادع، فلما اضطر إلى أن يقف آخر الاسم كره أن يقف حرفاً لا يدخله الوقف في هذا الموضع، فأبدل مكانه حرفاً يوقف في الجر والرفع " انتهى قال الأعلم: " ووجه الإبدال أنه لما اضطر إلى إسكان الحرفين لإقامة الوزن، وهما مما لا يسكن في الوصل، أبدل مكان الباء والعين الياء، لأنها تسكن في حالة الرفع والخفض، وإنما ذكر سيبويه هذا لئلا يتوهم أنه من باب الترخيم،
وأن الياء زيدت كالعوض، لأن المطرد في الترخيم أن لا يعوض من الحرف المحذوف شئ، لأن التمام منوي فيه، ولأن الترخيم تخفيف، فلو عوض منه لرجع فيه إلى التثقيل، والمنهل: المورد، والحوازق: الجماعات، واحدتها حَزِيقة، فجمعها جمع فاعله كأن واحدتها حازقة، لأن الجمع قد يبنى على غير واحده: أي هو منهل قفرلا وارد له، والْجَمُّ: جمع جَمَّة، وهِي مُعْظَم الماء ومَجْتَمَعه، والنقانق: أصوات الضفادع واحدتها نَقْنَقة " انتهى. فيكون وصف المنهل بالبعد والمخافة، يعني أن هذا المنهل لا يقدر أحد أن يرده لبعده وهو له، ولكن لإقدامي وجُرْأتي أرد مثله من المياه، وأراد أنه ليس به إلا الضفادع النقاقة. ومنهل: مجرور برُبَّ المقدرة بعد الواو، وجوابها في بيت آخر، وحوازق - بالحاء المهملة والزاى المعجمة، وهو اسم ليس، وله: خبرها، الجملة صفة لمنهل، ولضفادى جِمِّه: خبر مقدم، وضفادي: مضاف إلى حمه، وجم مضاف إلى ضمير المنهل، ونقانق: مبتدأ مؤخر، والجملة صفة ثانية لمنهل، والجم - بالجيم -: وصف بمعنى الكثير، وأصله المصدر، قال صاحب المصباح: " جم الشئ جما من باب ضرب: كثر، فهو جَمٌّ تسمية بالمصدر، ومال جم: أي كثير " انتهى، والجم أيضاً: ما اجتمع من ماء البئر، وقد ذكر الجوهري الحازقة بمعنى الجماعة، فيكون جمعه على القياس، والنَّقْنَقَة - بفتح النونين، وسكون القاف الأولى -: صوت الضفدع إذا ضُوعف والدّجاجة تُنَقْنِق للبيض، ويقال: نَقَّت الضفدعة تَنِق، بالكسر نقيقاً: أي صاحت قال الشاعر: (من الرجز) تُسَامِرُ الضِّفْدَعَ فِي نَقِيقِهَا وكذلك النقيق للعقرب والدجاجة، قال: (1) (من الطويل)
كَأَنَّ نَقِيقَ الْحَبِّ فِي حَاوِيَائِهِ * فَحيحُ الأَفَاعِي أوْ نَقِيقُ الْعَقَارِبِ وربما قيل للمهر، قال (1) : (من الرجز) * خَلْفَ اسْتِهِ مِثْلَ نقيقِ الْهِرِّ * كذا في العباب وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: " قال صدر الأفاضل الحَزْق: الشَّدُّ والحبس، والمراد بالحوازق الجوانب، لأنها تمنع الماء أن ينبسط، وقيل: إنه لا يمنع الواردة لسهولة جوانبه، لأنها منبسطة، يصف منهلاً واسعاً فيقول: رب مهل ليس له جوانب تمنع الماء من انبساطه فانبسط ماؤه حوله، إذ ليس (له) موانع وحوابس تمنع الواردين، لأنه سهل الورود " هذا كلامه، وتبعه الجاربردي، قال الأعلم: هذا الرجز يقال صنعه خلف الأحمر وأنشد بعده - وهو الشاهد الثالث عشر بعد المائتين، وهو من شواهد سيبويه -: (من البسيط) 213 - لَهَا أشِارِيرُ من لحم تتمره * من الثعالي وَوَخْزٌ مِنْ أرَانِيهَا على أن الاصل من الثعالب وأرانبها، فأبدلت الموحدة فيهما ياء لضرورة الشعر، كما تقدم وقال ابن عصفور في كتاب الضرائر: " وقد يمكن أن يكون جمع ثُعَالة، فيكون الأصل فيه إذ ذاك الثَّعَائِل إلا أنه قلب " انتهى.
والبيت من قصيدة لأبي كاهل اليشكري، وقبله كَأنَّ رَحْلِي عَلَى شُغْوَاءَ حَادِرَةٍ * ظَمْيَاءَ قَدْ بُلَّ مِنْ طَلٍّ خَوَافِيهَا لَهَا أشَارِيرُ مِنْ لحم تتمره * من الثعالي وَوَخْزٌ مِنْ أرَانِيهَا فأَبْصَرَتْ ثَعْلَباً من دُونِهِ قَطَنٌ * فَكَفَّتَتْ مِنْ ذُنَابَاهَا تَوَالِيهَا ضَغَا وَمِخْلَبُهَا فِي دَفِّهِ عَلِقٌ * يَا وَيْحَه إذْ تُفَرِّيهِ أشَافِيهَا وأبو كاهل: هو والد سُوَيْد بن أبي كاهل، وسويد: شاعر مخضرم، قد ترجمناه في الشاهد التاسع والثلاثين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية. وأبو كاهل شبه ناقته في سرعتها بالْعُقَاب، الموصوفة بما ذكره، والرحل للإبل أصغر من الْقَتَب، وهو من مراكب الرجال دون النساء، والشغواء - بالشين والغين المعجمتين - الْعقاب، وروي " كَأَنَّ رَحْلِي عَلَى صَقْعَاءَ " وهي العقاب التي في وسط رأسها بَياض، والأصقع من الخيل والطير: ما كان كذلك، والاسم الصُّقْعة - بالضم - وموضعها: الصُّوقعة، وحادرة - بمهملات - من الْحُدُور، وهو النزول من عال إلى أسفل كالصَّبَب وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: " حاذره - بالذال المعجمة - المتيقظة، وإنما وصف الْعُقَاب بأنها حاذرة ليشير إلى حذر فؤاد ناقته، لأنه مَدْحٌ لها قال أبو العلاء: (من البسيط) * فُؤَادَ وَجْنَاءَ مِثْلِ الطَّائِرِ الْحَذَرِ * ورواه بعض الشارحين بالدال المهملة، وقال: الحادرة المكتنزة الصُّلبة " هذا ما سطره قال ابن بري في أمالية على الصحاح: والظمياء العطشى إلى دم الصيد، وقيل: التي تضرب إلى السواد، وبُلَّ: فعل مبني للمجهول من الْبَلَل، فإذا بلها المطر
أسرعت إلى وَكرها، وكذلك جميع الطير، والطَّلُّ: المطر الضعيف، والخوافي: جمع خافية، وهى ريشة الجناح القصيرة تلى الابط، والخوافي: أربع ريشات، وسميت خوافي لأن الطائر جناحه خفيت، والأشارير: جمع إشرارة - بكسر الهمزة - وهي اللحم القديد، وتُتَمِّرُهُ: فعل مضارع، والجملة صفة أشارير أو حال منها، وروي مُتَمَّرة - على وزن اسم المفعول - وبالجر على الصفة، وبالنصب على الحال، والتَّتْمِير - بالمثناة الفوقية لا بالمثلثة -: هو تجفيف اللحم والتمر، قال النحاس في شرح أبيات سيبويه: ويقال: إن المبرد صحفه بالثاء المثلثة، وتعجب منه ثعلب، وكان معاصرة، فقال: إنما كان يُتَمَّر اللحم بالبصرة فكيف غلط في هذا؟ والوخز - بفتح الواو وسكون الخاء المعجمة بعدها زاى -: الشئ القليل، كذا في الصحاح، وقيل: الوخز قَطعَ اللحم واحدتها وخزة، والمتمرة المقددة، يريد أنه يبقى في وكرها حتى يجَفُّ لكثرته. وقال الأعلم: الوخز: قَطْع اللحم، وأصله الطعن الخفيف وأراد ما تقطعه بسرعة، يريد أنها قطعته وجففته، وأضاف الأرانب إلى ضميرها لكونها صادته، ثم وصف صيدها فقال: فأبصرت ثعلباً - إلخ، وقَطَن بفتحتين - جبل لبني أسد، وكفَّتَتْ - بتشديد الفاء للمبالغة، والتاء الثانية للتأنيث، يقال: كَفَتَ الشئ كَفْتاً - من باب ضرب - إذا ضمه إلى نفسه، والذُّنابي: بضم الذال المعجمة بعدها نون وبعد الألف موحدة فألف مقصورة، قال صاحب الصحاح: " وفي جناح الطائر أربع ذُنَابى بعد الخوافي " ولم يذكرها ابن قتيبة في أدب الكاتب، قال: " قالوا جناح الطائر عشرون ريشة: أربع قوادم، وأربع مناكب، وأربع أباهر، وأربع خوافي، وأربع كُلىً " انتهى. ولم ينبه عليها شرحه، وإنما قال شارحه اللِّبَلِيِّ: وقُدَاماه أوله، وذناباه آخره، انتهى. وتواليها: الضمير للذنابي، والتوالي: جمع تالية، وهي الريشات التي تلي الذنابي، يريد أنها لما انحدرت على الثعلب ضمت جناحها إليها كما تفعل الطيور المنقَضّة على الصيد، وتواليها: مفعول
كفتت ووجب تأخيره لأن الضمير فيها راجع للذُّنابى، وقوله " ضَغَا " بالضاد والغين المعجمتين، قال صاحب الصحاح: ضغا الثعلب والسَّنَّور يَضغُو ضَغْواً: أي صاح، وكذلك صوت كل ذليل مقهور، والمخلب - بالكسر - للطائر والسباع بمنزلة الظفر للإنسان، والدف - بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء -: الجنب، وَعَلِقٌ - بفتح العين وكسر اللام - أي: ناشب به، وقوله " يا ويحه " المنادى محذوف وويح: كلمة ترحُّم وتوجع، والضمير للثعلب، وتُفَرِّيه: تشققه وتقطعه، مبالغة فَرَتْه - بتخفيف الراء - والأشافي: جمع إشْفَى - بكسر الهمزة وبعد الفاء ألف مقصورة - وهي آلة للإسكاف، قال ابن السكيت: الإشْفى: ما كان للأسقية والمزاود وأشباهها، والمِخْصَف للنعال، وأراد هنا المخالب، شبهها بالأشافي وبما شرحنا ظهر أنه شبه راحلته بعقاب ذاهبة إلى وكرها وقد بلها المطر، وهو أشَدُّ لسرعتها، ثم وصف صيدها وسرعة انقضاضها عليه من جو السماء وزعم الجوهري أنه وصف فرخة عقاب تسمى غُبَّة - بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة - وهو اسم فرخ بعينه، لا اسم جنس، وليس في الشعر شئ منه، وتبعه على هذا عبد اللطيف البغدادي في شرح نقد الشعر لقدامة، فقال: يصف فرخة عقاب تسمى عبة كانت لبني يشكر، ولها حديث، وكذا قال العيني، وأنشده صاحب الصحاح في ثلاثة مواضع: في مادة تمر، ومادة شر، ومادة وخز، وفي هامشة قيل: هو لأبي كاهل، وقيل للنمر بن تَوْلب اليشكري، وجمع بينهما العيني فقال: قائله هو أبو كاهل النمر بن تولب اليشكري، وهذا غير جيد منه وأنشد بعده - وهو الشاهد الرابع عشر بعد المائتين -: (من الوافر) 214 - إذَا مَا عُدَّ أَرْبَعَةٌ فِسَالٌ * فَزَوْجُكِ خَامِسٌ وَأَبُوكِ سَادِي على أن أصله سادس، فأبدلت السين ياء، وهذا لضرورة الشعر. (*)
ومثله ما في كتاب القلب والإبدال، قال: " كان رجل له امرأة تقارعه ويقارعها أيهما يموت قَبْلُ، وكان تزوج نساء قبلها فمتن وتزوجت هي أزواجاً قبله فماتوا، فقال: (من الطويل) وَمِنْ قَبْلِهَا أَهْلَكْتُ بِالشُّؤْمِ أرْبَعاً * وَخَامِسَةً أَعْتَدُّهَا مِنْ نِسَائِيَا بُوَيْزِلَ أعْوَامٍ أذَاعَتْ بِخَمْسَةٍ * وَتَعْتَدُّنِي إنْ لَمْ يَقِ الله سَادِيَا وقوله " بو يزل أعوام " أي مسنّة، حال من خامسة، مصغر بازل، وهو مستعار من البازل في الإبل، وهو الداخل في السنة التاسعة، وهو آخر أسنانه، ويقال في العاشرة: بازل عام، وبازل عامين، وبازل أعوام، ومثله قول الآخر: (من البسيط) خَلاَ ثَلاَثُ سِنِينَ مُنْذُ حَلَّ بَهَا * وعَامُ حَلَّتْ وهَذَا التَّابِعُ الْخَامِي وأصلهما سادساً، والخامس، فأبدلت الياء من السين فيهما. وأما قول الآخر: (من الطويل) ثَلاَثَةُ أيَّامٍ كِرَامٍ وَرَابِعٌ * وَمَا الْخَامِ فِيهِمْ بالبْخِيلِ الْمُلَوَّمِ فإن لما أبدل السين من الخامس ياء اكتفى بالكسرة منها، كذا قال ابن عصفور في كتاب الضرائر. وأما البيت الأول فقد أورده الجوهري في مادة فَسَل، قال: الفَسْل من الرجال الرَّذْل، والمفسول مثله، وقد فَسُل - بالضم - فسَالَةً وَفُسُولَةً فهو فَسْل من قوم فُسلاَء وأفسال وفسال وَفُسُول، قال الشاعر: إذَا مَا عُدَّ أرْبَعَةٌ إلخ وروى ابن السكيت حَمُوك بدل أبُوك، ولم يكتب ابن بري ولا الصفدي
على المادة شيئاً، وقال ياقوت فيما كتبه على هامش الصحاح: البيت يروى للنابغة الجعدي، يهجو به ليلى الأخيلية. وأما قوله " خلا ثلاث سنين - البيت " فقال ابن السكيت: أنشدنيه القاسم بن معن، ونقل عنه ان المستوفي: أنه للحادرة، ولم أره في ديوانه. وصريح كلام ابن عصفور أن هذا كله ضرورة، ويرد عليه ما نقله ابن السكيت عن الفراء عن الكسائي أنه قال: العرب تقول: جاء ساتا، وجاء ساتيا، تريد سادسا، فلما ثقل المشدد بدل بالياء، وكانت خلفاً من التاء، وأخرجت الدال لأنها من الأصل، ومن قال ساتا فعلى لفظ ستة وستين، ومن قال سادساً فعل الأصل، قالوا: جاء سادسَهم، وساتَّهم، وسادِيهم، وسادَيَتُهُنّ، للمرأة، قال: وزعم الكسائي أنه سمع أعراييا يقول: وكانت آخر ناقة نحرها والدي أو جدي سادية وستين، وأنشد بعض العرب: (من البسيط) يا لهف نفسي لهفا غير ما كَذِبٍ * عَلَى فَوَارِسَ بِالْبَيْدَاءِ أنْجَادِ كَعْبٌ وعَمْرُو وَعبْدُ الله بَيْنَهُمَا * وابْنَاهُمَا خَمْسَةٌ وَالحَارِثُ السَّادِي أي السادس وأنشد بعده - وهو الشاهد الخامس عشر بعد المائتين -: (من الرجز) 215 - يَفْدِيكَ يَا زُرْعَ أبِي وخالي * قد مر يومان وهذا الثالي وأنت بِالْهِجْرَانِ لاَ تُبَالِي على أن الأصل " وهذا الثالث " فأبدل الياء من الثاء. وخصه ابن عصفور بالضرورة أيضاً، ولم يذكره ابن السكيت في كتاب الإبدال،
ولا الزجاجي في أماليه، ولا رأيته إلا في كتب التصريف، وقائله مجهول، والله أعلم به، وزُرْعَ: مرخم زُرْعَة. وأنشد بعده: (من الطويل) هُمَا نَفَثَا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِمَا * عَلَى النّابِحِ الْعَاوِي أشَدَّ رِجَامِ على أن " فما " عند الأخفش أصلة فَوْه، بدليل رجوعها في التثنية وقد تقدم في الشاهد السابع والخمسين من هذا الكتاب. وأنشد بعده - وهو الشاهد السادس عشر بعد المائتين -: (من الرجز) 216 - لا تَقْلُوَاها وادلواها دلوا * إن مع اليوم أخَاهُ غَدَوْا على أن " غداً " أصله غَدْو، بدليل هذا البيت. وجاء في بيت لبيد الصحابي رضى الله تعالى عنه كذلك، قال من قصيدة: (من الطويل) وَمَا النَّاسُ إلاَّ كَالدِّيَارِ وَأَهْلُهَا * بِها يَوْمَ حَلُّوهَا وَغَدْواً بَلاَقِعِ واستدل سيبويه بهذا البيت على أن أصله غَدْو، بإسكان الدال، وإذا نسب إلى الأصل فقيل " غَدْوِيّ " لم تسلب الدال الحركة، لأن النسبة جرت على التحرك بعد الحذف، خلافاً للأخفش، فإنه زعم أن الحركة تحذف عند النسبة إلى الأصل، فيقول: غَدْوِيٌّ وَيَدْيِيٌّ، بإسكان دالهما. قال ابن جني في شرح تصريف المازني: " والقول قول سيبويه، ألا ترى
أن الشاعر لمّا رَدَّ الحرف المحذوف بَقَّى الحركةَ التي أحدثها الحذف بحالها قبل الرد في قوله: يَدَيَانِ بَيْضَاوَانِ عِنْدَ مُحَلِّمٍ فتحريك الدال بعد رد الياء دلالة على صحة ما ذهب إليه سيبويه، قال أبو علي: فإن قيل: فما تصنع بغَدْوا في البيتين، فإنه يشهد لصحة قول الأخفش؟ فالجواب أن الذي قال: غَدْوا ليس من لغته أن يقول: غَدٌ، فيحذف، بل الذي يقول: غَدٌ غير الذى يقول: غدوا " انتهى كلامه. وأنشده صاحب الكشاف عند قوله تعالى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء) على أن التقدير كمَثَل ذوي صَيِّب، لأن التشبيه ليس بين ذات المنافقين والصَّيبِ نفسه، بل بين ذواتهم وذوات ذوي الصيِّبِ، كما فعل لبيد بإدخاله حرف التشبيه على الديار، مع أنه لم يرد تشبيه الناس بالديار، إذ لا يستقيم ذلك، وإنما شبه وجودهم في الدنيا وسرعة زوالهم وتركهم منازلهم خالية، بحلول أهل الديار فيها ونهوضهم عنها وتركها خالية، فهي بالحلول مأهولة، وبالرحيل خالية، والتقدير: وما الناس إلا كالديار حال كون أهلها بها يوم حلولهم فيها وهي في غد خالية، وأهلها: مبتدأ، وخبره: بها، ويوم: ظرف متعلق بمتعلق الخبر، وغَدْوا: ظرف لبلاقع، وبلاقع: خبر مبتدأ محذوف: أي وهي خالية غَدْواً. والبيت من قصيدة يرثي بها أخاه لأمه في الجاهلية، وهو أرْبَدُ، ومطلعا: بَلِينَا وَمَا تَبْلَى النُّجُومُ الطَّوَالِعُ * وَتَبْقَى الْجِبَالُ بَعْدَنَا وَالْمَصَانِعُ وَلاَ جَزعٌ أنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا * وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْماً لَهُ الدَّهْرُ فَاجِعُ وَمَا النَّاسُ إلاَّ كَالدِّيَارِ وَأَهْلُهَا * بِها يَوْمَ حَلُّوهَا وَغَدْواً بَلاَقِعُ
وَمَا الْمَرْءُ إلاَّ كالشِّهَابِ وَضَوْءُهُ * يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ وأما البيت الأول فقوله " لا تقلواها " نهي: أي لا تسوقا الناقة سَوْقاً عنيفاً، من قَلاَ الحمارُ أتانه يَقْلُوها قَلْواً، إذا طردها وساقها، وقوله " وادلواها دَلْوا " هو أمر، والجملة معطوفة على جملة النهي، قال صاحب الصحاح: دَلَوْتُ النَّاقةَ دَلْواً سَيَّرتها سيراً رويداً، وأنشد هذا الشعر. وقول الآخر: * لاَ تَعْجَلاَ بِالسَّيْرِ وَادْلُوَاهَا * ولم يذكر قائله، ولا كتب عليه شيئاً ابن بري، ولا الصفدي، وقوله " إن مع اليوم - إلخ " قال الزمخشري في مستقصى الأمثال: إن مع اليوم غداً، مَثَلٌ يضربه الراجي للظفر بمراده في عاقبة الأمر، وهو في بدئه غير ظافر، وأنشد هذا الشعر. وأنشد الجاربردي هنا - وهو الشاهد السابع عشر بعد المائتين -: (من المنسرح) 217 - ذَاكَ خَلِيلِي وَذَو يُعاتِبُنِي * يَرْمِي وَرَائِي بِامْسَهْم وَامْسَلِمَهْ على أن إبدال لام " أل " المعرفة ميماً ضعيف. وقال ابن جني في سر: الصناعة هذا الإبدال شاذ لا يسوغ القياس عليه، وفيه نظر، فإنه لغة قوم بأعيانهم، قال صاحب الصحاح: هي لغة لحمير، وقال الرضي رضي الله عنه في شرح الكافية: هي لغة حمير ونفر من طئ، وقال الزمخشري في المفصل: وأهل اليمن يجعلون مكانها الميم، ومنه ليس من امْبرِّ امْصِيَامُ في امْسَفَر، وقال: * يَرْمِي وَرَائي ... البيت * وحينئذٍ لا يجوز الحكم على لغة قوم بالضعف، ولا بالشذوذ، نعم لا يجوز القياس بإبدال كل لام ميماً، ولكن يُتْبَع إن سمع،
وقد حكى الزجاجي أربع كلمات وقع التبادل (فيها) بينهما، قال: " غُرْلَة وغُرْمَة، وهي القُلْفَة، وامرأة غَرْلاء وغرْماء ولا يقال قلفاء، وأصابته أزْلَةَ وأزمة: أي سنة، وانجبرت يَدُه على عَثَم وعَثَل، وشمِمْت ما عنده وشمِلْت ما عنده: أي خبرته " انتهى، ولم يروا ابن السكيت فيهما شيئاً. والبيت من أبيات لبجير بن عنمة الطائي الجاهلي، قال الآمدي في المؤتلف والمختلف: " بحير بن عَنَمة الطائي: أحد بني بَوْلاَن بن عمرو بن الْغَوْث بن طئ، وأراه أخا خالد بن غنمة الطائي الشاعر الجاهلي، وبجير القائل في أبيات: وَإنَّ مَوْلاَيَ ذُو يُعَاتِبُنِي * لاَ إحْنَةٌ عِنْدَهُ وَلاَ جَرْمَهْ ينصرني مِنْكَ غَيْرَ معْتَذِرٍ * يَرْمِي وَرَائِي بامْسَهْمِ وَامْسَلِمَهْ " انتهى والمولى: ابن العم، والناصر، والحليف، والمعتِق، والعتيق، والظاهر أن المراد هنا إما الاول وإما الثاني، وذو: كلمة طائية بمعنى الذي محلُّها الرفع خبر إنَّ، ويعاتبني: صلتها، والمعاتبة: مخاطبة الا دلال، والاسم العتاب، قال الشاعر: * وَيَبْقَى الْوُدُّ مَا بَقِيَ الْعِتَابُ * وروي بدله " يعيريى " وهو غير مناسب، وقوله " لا إحنة " مبتدأ، وعنده الخبر، والجملة حال من فاعل يعاتبني، ويجوز أن تكون خبراً ثانياً لإن، وجَرِمَة: معطوف على إحنة - بكسر الهمزة - وهي الضغينة والحقد، والجرمة - بفتح الجيم وكسر الراء - هو الجرم والذنب، كذا في القاموس، وقوله " يرمى ورائي " قال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: " وراء: من الاضداد، بمعنى قدام وخلف، ويحتمل المعنيين هنا، والرمي وراءه عبارة عن الذبّ والمدافعة عنه " اه، والمعنى هذا الرجل يعاتبني ويسلك طريق بقاء الود، يدافع عني مرة بالسهام ومرة
بالسِّلام، وقيل: يشكو إعراضه، يقول: إذا غبت رماني بهما، وهذا ليس بصحيح كما هو ظاهر، وورائي بالمد وفتح الياء (1) وقوله " بامسهم " بكسر الميم دون تنوين، لأنه معرف باللام لكن الكسرة مشبعة للوزن (2) وقوله " وبامسلمة " بياء الجر بعد الواو، وبها يتزن (3) الشعر، والسلمة - بفتح السين وكسر اللام -: واحدة السلام، رهى الحجارة، كذا روى البيتين الآمدي وابن بري في أماليه على الصحاح، ورواه الجوهري في مادة سلم كذا. ذَاكَ خَلِيلِي وَذُو يُعَاتِبُنِي * يرمى ورائي بالسهم وامسلمه وقال: يريد والسلمة، وكذا رواه صدر الأفاضل، وقال: " الرواية بالسهم - بتشديد السين - على اللغة المشهورة، وامْسَلِمَة - بالميم الساكنة بعد الواو - على اللغة اليمانية " انتهى. ولا يخفى أن هذا غير متزن، إلا إن حركت الهمزة بعد الواو، وتحريكها لحن، قال ابن برى: وصواب الرواية ما ذكرنا، قال ابن هشام في المغني: " قيل إن هذه اللغة مختصة بالاسماء التى لا تدغم لام التعريف في أولها، نحو: غلام، وكتاب، بخلاف رجل وناس، وحكى لنا بعض طلبة اليمن أنه سمع في بلادهم من يقول: خذ الرمح، واركب امفرس، ولعل ذلك لغة بعضهم، لا لجميعهم، ألا ترى إلى البيت السابق وأنها في الحديث على النوعين؟ " انتهى. وقد تابع الناس الجوهري في ذكر المصراع الأول من هذا البيت، قال ابن هشام في شرح أبيات ابن الناظم: " روى الجوهري (يعاتبني) بدل يواصلني، وزعم
أن الواو زائدة، وكأن ذلك لأنه رأى أن قوله: يرمي، محط الفائدة، فقدره خبراً وقدر خليلي تابعاً للإشارة، وذو: صفة لخليلي، فلا يعطف عليه، وتبعية خليلي للإشارة بأنه بدل منها، لانعت، بل ولا بيان، لأن البيان بالجامد كالنعت بالمشتق، ونعت الإشارة بما ليست فيه أل ممتنع، وبهذا أبطل أبو الفتح كون بعلي فيمن رفع شيخاً بياناً، ولك أن تعرب خليلي خبراً، وذو عطفاً عليه، ويرمي حالاً منه وإن توقف المعنى عليه، مثل (وهذا بعلى شيخا) " انتهى كلامه أقول: ليس في كلام الجوهري ما يدل على زيادة الواو، ولعل القائل غيره، وأما الحديث الذي أورده الزمخشري - وهو مشهور في كتب النحو والصرف - فقد قال السخاوي في شرح المفصل: يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بذلك لمن كانت هذه لغته، أو تكون هذه لغة الراوي التي لا ينطق بغيرها، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبدل اللام ميماً، قال الأزهري: الوجه أن لا تثبت الألف في الكتابة، لأنها ميم جعلت كالألف واللام، ووجد في خط السيوطي في كتاب الزبرجد رسمه كذا " ليس من ام برام صيام في ام سفر " وقد اشتهر أنها رواية النمر بن تَوْلب، وليس كذلك قال ابن جني في سر الصناعة: " وأما إبدال الميم من اللام فيروى أن النمر بن توْلَب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من امبر امصيام في امسفر، فأبدل اللام المعرفة ميماً، ويقال: إن النمر لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، إلا أنه شاذ لا يسوغ القياس عليه " انتهى. وتبعه الزمخشري في المفصل، وابن يعيش في شرحه، وابن هشام في المغني، قال: " تكون أم للتعريف، ونقلت عن طيئ، وعن حمير، وأورد البيت والحديث، وقال: كذا رواه النمر بن تولب " انتهى. قال السيوطي في حاشيته على المغني: " هذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده،
والطبراني في معجمه الكبير من حديث كعب بن عاصم، ومسنده صحيح، وقوله " كذا رواه النِّمْرِ بنِ تَوْلَب " وكذا ذكره ابن يعيش والسخاوي: كلاهما في شرح المفصل، وصاحب البسيط، زاد ابن يعيش: ويقال: إن النمر لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث، وكلهم تواردوا على مالا أصل له، أما أولاً فلأن النمر بن تولبٍ مختلف في إسلامه وصحبته، وأما ثانياً فإن هذا الحديث، قال أبو نعيم في " معرفة الصحابة ": النمر بن تولب الشاعر، كتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً، وروي من طريق مُطَرِّف عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من سره أن يذهب كثير من وَحَرِ صدره، فليصم شهر الصبر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر " انتهى كلام السيوطي رحمه الله قلت: وكذا قال ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن حجر في الإصابة، إن النمر بن تولب لم يرو إلاَّ حديثاً واحدا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وَغَرَ الصدر و " بُجَيْر " بضم الموحدة وفتح الجيم بعدها ياء ساكنة فراء مهملة، و " عنمة " بفتح العين المهملة والنون بعدها ميم و " بولان " بفتح الموحدة وسكون الواو وأنشد بعده - وهو الشاهد الثامن عشر بعد المائتين -: (من الرجز) 218 - يَا هال ذات المنطق التمتام * وَكَفِّكِ الْمُخَضَّبِ الْبَنَامِ على أن الأصل البنان، فأبدلت النون المتحركة ميماً بضعف كما أبدلت في طَامَهُ الله على الخير، والأصل طانه، قال ابن جني في سر الصناعة: " فأما قول رؤبة: * وَكَفِّكِ الْمُخَضّبِ الْبَنَامِ *
فإنه أراد البنان، وإنما جاز ذلك لما فيها من الغنة والهُوِيِّ، وعلى هذا جمعوا بينهما في القوافي فقالوا: (من السريع) يَا رُبَّ جَعْدٍ فِيهِمُ لَوْ تدرين * يضرب ضربب السُّبُطِ الْمَقَادِيمْ وقال الآخر: يَطْعَنُهَا بِخِنْجَرٍ مِنْ لَحْمٍ * دُونَ الذُّنَابَى فِي مَكَانٍ سُخْنِ وهو كثير " انتهى ولم يذكروا إبدال النون من الميم وقد أورد ابن السكيت في كتاب الإبدال كلمات كثيرة للقسمين فمن القسم الأول: ماء آجن وآجم للمتغير، ويقال لريح الشَّمال: نِسْع ومِسْع، وَالحُلاَّنُ والحُلاَّمُ، وهو الجدى الصغير، قال أبو عبيدة (1) في قول مُهَلْهَل: (من السريع) كُلُّ قتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ حُلاَّمْ * حَتَّى يَنَالَ الْقَتْلُ آلَ هَمَّامْ ويقال: نَجِرَ من المَاء يَنْجَرُ نَجْراً ومَجَرَ يَمْجَرُ مَجراً، إذا أكثر من شربه ولم يكد يَرْوَى، وقال اللحياني: يقال رُطَب مُحَلْقِنٌ ومُحَلْقِمٌ، وقال الأصمعي: إذا بلغ الترطيب ثلثي البُسْرة فهي حُلْقَانَة، وحُلقان للجميع، وهي ملحقنة، والْمُحَلْقِن للجميع، والحَزْن والْحَزْمُ: ما غلظ من الأرض، وهي الحُزُون والحُزُوم، وقال غير الاصمعي من الأعراب: الْحَزْمُ أرفع، وَالحَزْنُ أغلظ، يقال: قد أَحْزَنَّا: أي صرنا إلى الحزونة، ولا يقال أحْزَمْنَا، أبو عُبَيْدَة يقال: انْتَطَلَ فلان من الزق
نَطْلة: أي امتص منه شيئاً يسيراً، وتقول: امتطل من الزِّق مطلة، والمعنى واحد ويقال: قد نَشْنَشَها الرجل والفحل: أي قد نكحها، وقال بعضهم: مَشْمَشَهَا، في ذلك المعنى، ويقال: إن فلاناً لشراب بأَنْقُعٍ، جمعٌ، وقال بعضهم: بأمقع، قال الأصمعي: معناه المعاود لما يكره مرة بعد مرة ومن القسم الثاني: الأصمعي، يقال: للحية أيْمٌ وأَيْنٌ، والأصل أيِّم، فخفف ويقال: الغيم والغَيْن، وقال بعضهم: الغين إلباس الغيم السماء، ومنه: إنه ليغان على قلبي: أي يغطي عليه ويلبس، وسمعت أبا عمرو يقول: الغِيم العطش، يقال: غيم وغين، وقد غامت وغانت: أي عطِشت، وهي تغِيم وتغِين، الأصمعي: يقال: امْتُقِعَ لونه وانْتُقِعَ لونه، إذا تغير لفزع، وهو ممتقع اللون ومنتقع اللون، الفراء: يقال: مَخَجْتُ بالدَّلْوِ ونَخَجْتُهَا، إذا جذبتها لتمتلئ، الأصمعي: الْمَدَى والنَّدَى للغاية، يقال: بلغ فلان الْمَدَى والنَّدَى، الكسائي: تَمَدَّلت بالمنديل وتَنَدَّلت، الأصمعي: يقال: أمْغَرَتِ الناقة والشاة وأنْغَرَتْ، إذا خالطت لبنها حمرةٌ من دم، الأصمعي: يقال للبعير إذا قارب الخطو وأسرع: بعير دُهَامِجٌ وبعير دُهَانِجٌ، وقد دهْمَجَ يُدَهْمِجُ دَهْمَجَةً ودَهْنج يُدَهْنِجُ دَهنجة، ويقال: أسود قاتم وقاتن، أبو عمرو والفراء: يقال: كَرْزَم، " للفأس الثقيلة كرزن، الكسائي يقال: عُرَاهِمَة وعُرَاهِنَةٌ، وسمع الفراء حَنْظَل وحَمْظَل، وقال أبو عمرو: الدِّمْدِم الصِّلِّيان المحيل في لغة بني أسد، وهو في لغة تميم الدِّنْدِن، الكِلابي: يقال: أطَمَّ يده وأطَنَّها " هذا ما ذكره ابن السكيت بحذف الشواهد وزاد الزجاجي من الأول: نَثَّ جسدُه من السمن، ينت نثاً، ومثّ يمثّ مثاً، ومَن الثاني: تَكَهَّمَ به وتكهن: أي تهزأ به وأما الشعر فقد نسبه ابن جني والزمخشري والشارح إلى رؤبة، وليس موجوداً في ديوانه، و " هَال " مرخم هالة، و " ذاتَ " بالنصب صفة لهالة
تبعه على المحل، والمنطق: هو النطق، و " التَّمتام " صفة لمنطق، وأصل التمتام الإنسان الذي يتردد في التاء عند نطقه، قال ابن المستوفي: عطف " كَفِّكَ " على المنطق، وكان الواجب أن يقول: والكفِّ المخضب، لأن ذا وذات يتوصل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس، غير أن المعطوف يجوز فيه ما لا يجوز في المعطوف عليه، وقال بعض فضلاء العجم: " التمتام الذي فيه تمتمة: أي تردد في كلامه، ووصفُ المنطق بالتَّمتام مجاز، وتمتمتها في المنطق عبارة عن حيائها، قال صاحب المقتبس: ورأيت في نسخة الطباخي بخطه أن الواو في: وكفِّك: واو القسم، هذا كلامه، وقيل: يجوز أن يكون جواب القسم محذوفاً دل عليه قوله: ذات المنطق، يريد أقسم بكفك أن منطقك تمتام وأنك مستحية، وقال بعض الشارحين: أقسم بكفها، والمقسم عليه في بيت بعده، ولم يذكر ذلك البيت، ويجوز أن يكون (وكفِّك) معطوفاً على المنطق، وإنما قال: المخضب ولم يقل المخضبة، لأن المؤنث بغير علامة يجوز تذكيره حملاً على اللفظ، أو لأنه ذهب بالكف إلى العضو " هذا ما ذكره ذلك الفاضل وقوله " لأن المؤنث بغير علامة إلخ " هذا يقتضي جواز (الشمس طلع) مع أنه يحب إلحاق العلامة عند الإسناد إلى ضمير المؤنث المجازي، وفي المصباح المنير: " الكف من الإنسان وغيره أنثى، قال ابن الأنباري: وزعم من لا يوثق به أن الكف مذكر، ولا يعرف تذكيرها من يوثق بعلمه، وأما قولهم: كف مخضب، فعلى معنى ساعد مخضب، قال الأزهري: الكف الراحة مع الأصابع سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن " انتهى. وفيه أن الخضاب لا يوصف به الساعد، وقال العيني: ذات المنطق، يجوز رفعه حملاً على اللفظ ونصبه حملاً على المحل. أقول: لا يجوز هنا إلا النصب، فإن المنادى إذا كان موصوفاً بمضاف يجب
نصب وصفه، نحو: يا زيد أخا عمرو، وقال أيضاً: يجوز أن يكون: كفك، مرفوعاً على الابتداء وخبره في البيت الآتي، أو محذوف، أقول: هذا عدول عن واضح إلى خفي مجهول. وأنشد بعده - وهو الشاهد التاسع عشر بعد المائتين -: (من الطويل) 219 - ألاَ كُلُّ نفسٌ طِينَ مِنْهَا حَيَاؤُها (1) قال ابن السكيت في كتاب الإبدال: " قال الأحمر: يقال طانه الله على الخير وطامه: يعني جبله، وهو يَطيمه ويَطِينه، وأنشد: ألاَ تِلْكَ نَفْسٍ طِينَ فِيهَا حَيَاؤُها وسمعت الكلابي يقول: طانه الله على الخير وعلى الشر " انتهى. وكذا نقله الجوهري عنه، قال ابن بري في أماليه على الصحاح: " صواب الشعر: إلى تلك، بإلى الجارّة، والشعر يدل على ذلك، أنشد الأحمر: لَئِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا لَهُ قَدْ تَزَيَّنَتْ * عَلَى الأَرْضِ حَتَّى ضَاقَ عَنْهَا فَضَاؤُهَا لَقَدْ كَانَ حُرّاً يَسْتَحِي أنْ تَضُمَّهُ * إلى تِلْكَ نَفْسٌ طِينَ فِيهَا حَيَاؤُهَا يريد أن الحياء من جبلتها وسجيتها " انتهى. ففي ما في الشرح ثلاث تحريفات، وفي الصحاح تحريف واحد تبعاً لابن السكيت، والأحمر: هو خلف بن حيَّان بن محرز، ويكنى أبا محرز البصري، وهو مولى بلال بن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه من أبناء الصغد الذين سباهم قتيبة بن مسلم لبلال، وهو أحد رواة الغريب واللغة والشعر
ونقاده والعلماء به، قال الأصمعي: أول من نعى أبا جعفر المنصور بالبصرة خلفٌ الأحمر، وذلك أنا كنا في حلقة يونس فمر بنا خلف فسلم، ثم قال: فقد طَرَّقَتْ بِبَكْرِهَا بِنْتُ طَبَقْ فقال له يونس: هِيْه، فقال: فَنَتَجُوهَا خَبَراً ضَخْمَ العُنُق فقال: وما ذاك، قال: مَوْتُ الإِمَامِ فِلْقَةٌ مِنَ الْفِلَقْ كذا في طبقات النحويين لمحمد بن الحسين اليمني، وساق له نوادر وأشعاراً وحكاياتٍ كثيرةً. وأنشد بعده - وهو الشاهد العشرون بعد المائتين -: (من الرجز) 220 - هَلْ يَنْفَعَنْكَ الْيَوْمَ إنْ همت بهم * كثرة ما توصي وتعقاد الرَّتَمْ على أن ميم الرتم أصلية من الرتيمة غير مبدلة من الياء، وهذا الفصل جميعه من سر الصناعة لابن جني، قال صاحب الصحاح: الرتيمة: خيط يشد في الإصبع لتستذكر به الحاجة، وكذلك الرتمة، تقول فيه: أرتمت الرجل إرتاماً، قال الشاعر: (من الطويل) إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِكُمْ * فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْكَ عَقْدُ الرَّتَائِمِ والرتمة بالتحريك: ضرب من الشجر، والجمع رَتَمٌ، قال الشاعر: نَظرْتُ وَالْعَيْنُ مُبِينَةُ التُّهَمْ * إلَى سَنَا نَارٍ وَقُودُهَا الرَّتَمْ وكان الرجل إذا أراد سفراً عمد إلى شجرة فشد غصنين منها فإن رجع
ووجدهما على حالهما قال: إن أهله لم تخنه، وإلا فقد خانته، وقال: هل ينفعك الْيَوْمَ إنْ هِمْتَ بِهِمْ * ... البيت وقال ابن بري في أماليه: " قوله: وكذلك الرتمة، قال ابن حمزة: الرتمة - بفتح التاء -: هي الرتيمة، والرتم في قوله: وتعقاد الرتم: جمع رتمة، وهى الرتمية، وليس هو النبات المعروف، لأن الأغصان التي كانت تعقد لا تخص شجراً دون شجر " انتهى. ويؤيده ما نقله الزيلعي في شرح الكنز، فإنه ذكر مثل كلام الجوهري، وقال: " هكذا المروي عن الثقات، إلا أن الليث ذكر الرتم بمعنى الرتيمة كذا في المغرب " انتهى. وقال ياقوت فيما كتبه على هامش الصحاح: صواب البيت الأول: إذا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا في نُفُوسِنَا * لإخْوَانِنَا لَمْ يُغْنِ عَقْدُ الرَّتَائِمِ وقائل الشعر الثاني هو شيطان بن مُدْلِج، وفي كلام ابن جني بعض مخالفة لصاحب الصحاح، فإنه قال: عمدَ إلى شجرة فشد غصنين منها، وقال ابن جني: عمد إلى غصنين من شجرتين تقرب إحداهما من الأخرى. وحاصل ما ذكره الشارح والمصنف تبعاً لابن جني أن الميم تكون بدلاً من الياء في ثلاث كلمات. وقد ذكر ابن السكيت في كتاب الإبدال كلمات كثيرة في تبادلهما قال: " يقال: للظليم أرْبد وأرمد، وهو لون إلى الغبزة، وأربد: أغبر، ومنه تَرَبَّد وجهه وارْبَدَّ، ويقال: سمعت ظَأْبَ تيس بني فلان، وظأْم تيسهم، وهو صياحه، والظأب والظأم أيضاً سَلِف الرجل، يقال: قد تظاءنا وتظاءما، إذا تزوجا أختين، ويقال للرجل إذا كبر ويبس من الهزال: ما هو إلا عَشَمة وعَشَبَة، ويقال: قد عشِم الخبز وعشِب،
إذا يبس، وقد عَشِم الشجر، ويقال: سابَّ فلان فلاناً فأرْبى عليه وأرمى عليه، إذا زاد عليه في سِبابه، ويقال: قد أرمى على الخمسين: أي زاد عليها، قال الفراء: يقال منه: قد أرميت ورَمَيْت، وكذا يقال: أرميت على السبعين ورَمَيْت، وأرْبيت ورَبيت، بألف فيهما وبلا ألف: أي زدت، وقال أبو عبيدة: الرُّجْبَة والرُّجْمَة أن تطول النخلة، فإذا خافوا عليها أن تقع أو تميل رجَّبُوها: أي عَمَدُوها ببناء حجارة، أبو عبيدة عن يونس قال: ينشد هذا البيت: (من المتقارب) وَأَهْدَى لَنَا أكْبَشاً * تَبَحْبَحُ فِي المربد وَإنْ شئت تمحح: أي تلزم المكان وتتوسطه، ويقال: قد سَمَّد شعره وسَبَّده، والتسبيد: أن يستأصل شعره حتى يُلْصقه بالجلد، ويكون التسبيد أن يحلق الرأس ثم ينبت منه الشئ اليسير، قال الأصمعي: يقال للرجل حين ينبت شعره ويسود ويستوي: قد سَبَّد، وإذا اسود الفرخ من الريش فغطى جلده ولم يطل فقد سَبَّد، أبو عمرو: يقال: صَبَأْت الجيش عليهم وَصَمَأْته عليهم، إذا هجمته عليهم، أبو عبيدة السأسم والسأسب شجر، ويقال: هو الشِّيزُ، الفراء: يقال: أومأت إليه وأوْبَأْتُ إليه، اللحياني: يقال للعجوز: قَحْمَة وقَحْبَة، أبو عبيدة: إذا شربت بطَرَف فم السقاء ثَنَيْتَه أو لم تثنه أو شربت من وسطه قيل: قد اقتبعت السقاء واقتمعت، اللحياني: يقال: أتانا وما عليه طِحْربَةٌ وطِحْرِمة: أي خرقة، وكذلك يقال: ما في السماء طِحْرِبة: أي لَطْخٌ من غيم، ويقال: ما في نحى فلان عبَقة ولا عَمَقَةٌ: أي لَطَخ، ولا وضَرٌ، وقئمت في الشراب وقئبت وصِئمت وصَئِبْت وصَئِمَ من الماء وصئب، إذا امتلأ، والقَرْهَمُ والقَرْهَبُ السيِّد، وهو أيضاً الثور المسن، يونس: يقال: رَجَمَتْهُ بقول سيّئ ورَجَبْتُه: يعنون صككته، الفراء: اطمأننت إليه، ولغة بني أسد
اطبأننت، الكسائي: النُّغْمَةُ والنُّغْبَةُ من الشراب، إذا تناولت منه شيئاً قليلاً، وقد نَغَبَ وَنَغَمَ، ويقال: هو يَتَمَجَّحُ وَيَتَبَجَّحُ بمعنى واحد، وهو من الفخر، الفراء: ذهب القوم شَذَرَ مَذَر، وشذر بَذَر - بفتح أولهما وكسرهما - أبو زيد: الرَّمِيز من الرجال العاقل الثخين، وقال بعضهم الرَّبيز، وقد رَمُز رَمَازَة ورَبُز ربازة، أبو عبيدة: العِقْمَة والعِقْبَة ضرب من الوشي، الفراء: يقال: تعرف فيه عِقْبة الكرم وعقمته أيضاً، والعقمة والعقبة أيضا ضربو ثياب الهودج، اللحياني: أسود غيهب وغيهم، وإنه لميمون النقيبة والنقيمة، وعَجْب الذنب وعَجْمه: أي أصله، والعمرى والعبرى للسدر الذى ينبت على الأنهار والمياه، اللحياني: ضربة لازب ولازم، ويقال: ثوب شَبَارِق وشَمَارِق، وَمُشَبْرق ومُشَمْرَق، إذا كان ممزقاً، ويقال: وقع في بنات طَمَارِ، وطَبَارِ: أي داهية، ويقال: رجل دِنَّبَة ودنَّمة للقصير، ويقال: أدْهقْت الكأس إلى أصْبَارها وأصْمَارها: أي ملأتها إلى رأسها، الواحد صُبْر وَصُمْر، الأصمعي: يقال: أخذ الأمر بأصباره وأصماره: أي بكلِّه، وأخذها بأصبارها وأصمارها: أي تامة بجميعها، اللحياني: أصابتهم أزْمَة وأزْبَة، وآزِمة وآزبة، وهو الضيق والشدة، الكسائي: اضْمَأَكَّتْ الأرض واضْبَأَكَّتْ، إذا اخضرت من النبات، ويقال: كمَحْتُه باللجام وكَبَحْتُه وَأكْمَحْتَهُ وأكْبَحْتُهُ، أبو عمرو: الذام والذاب والذان العيب، اللحياني: ذأبْته وذأمْته، إذا طردته وحقرته، ورأبْت القِدْح ورأمته، إذا شَعَبته، ويقال: زَكَم بنُطْفته وزَكَب، إذا حذف بها، ويقال: هو ألأم زَكْمَةٍ في الأرض وزَكْبَةٍ معناه ألام شئ لقطه شئ، ويقال أبِدَ عليه وأمِدَ: أي غضب، ويقال: وقعنا في بَعْكُوكاء ومَعْكُوكاء: أي في غبار وجلبة وشر، الفراء: جرد بت في الطعام وجَردَمْت، وهو أن يستر بيده ما بين يديه من الطعام لئلا يتناوله أحد، وتكبكب الرجل في ثيابه وتكَمَكم: أي تزمل، وكَبَن اللصوص في الجبل
وكمنوا، وقال أبو صاعد: العطاميل هي البكرات التَّوَامُّ الخلق، والعطابيل " هذا ما أورده ابن السكيت وقد حذفنا منه الشواهد. وزاد الزجاجي مَكَّةَ وَبَكَّةَ، ورجل سَهْلَبٌ وَسَلْهُمٌ: أي الطويل، والموماة والبوباة: أي الصحراء الخالية: ورجل شيظم وشيظب: أي طويل أنشد الجاربردي - وهو الشاهد الواحد والعشرون بعد المائتين -: (من الوافر) 221 - هَلْ أنْتُمْ عَائِجُونَ بِنَا لَعَنَّا * نَرَى الْعَرَصَاتِ أوْ أثَرَ الْخِيَام على أن الأصل لعلنا، فأبدلت اللام نوناً بضعف. وقد أورد ابن السكيت في كتاب الإبدال كلمات كثيرة وقع التبادل فيها بين اللام والنون، وهي: " قال الأصمعي: هَتَنَتْ السماء تَهْتِن تَهْتَاناً وهَتَلَت تهْتِل تَهتالاً، وهن سحائب هُتن وَهُتَّل، وهو فوق الهطل، والسدول والسدون: ما جلل به الهودج من الثياب وأرخى عليه، والكَتَلُ والكَتَنُ التلزج ولزوق الوسخ بالشئ، ويقال: رأيت في بني فلان لَعَاعَة حسنة ونعاعة حسنة، وهو بقل ناعم في أول ما يبدو رقيق ولم يغلظ، وتلعيت اللعاعة إذا اجتنيتَها، ويقال: بعير رِفَنٌّ ورِفَلٌّ، إذا كان سابغ الذنب، ويقال: للحَرَّة لُوبة ونُوبة، ومنه قيل: للاسود لُوبيّ ونوبي، الأصمعي: يقال: طَبَرْزَنٌ وطَبَرْزَل للسكَّر، ويقال: رَهْدَنَة ورَهْدَلَة ورَهَادِين ورَهاديل، وهي الرهادن والرهادل، وهو طُوَيْر شبيه القبِّرة، إلا أنه ليست له قُنْزَعة (1) والرهدن والرهدل: الضعيف أيضا، ويقال:
لقيته أصيلالا وأُصَيْلاناً: أي عشياً، وأُصَيْلالٌ تصغير أَصيل على غير قياس، والدَّحِن والدَّحِل، قال أبو زيد: الدَّحِن من الرجال العظيم البطن، وقد دَحِنَ دَحَناً، وقال الأصمعي: هو الدَّحِل باللام، أبو عبيدة: صَلَّ اللحم صُلُولاً وأصَلَّ اللحم، وقوم يجعلون اللام نوناً فيقولون: قد أصَنَّ اللحمُ، أبو عمرو الشيباني: الْغِرْيَنُ والْغِرْيَلُ: ما يبقى من الماء في الحوض، والغديرُ، أبو عمرو: الدمال السرجين (1) ويقال: الدَّمان، الفراء: هو شَئْنُ الاصابع وشثلها، وقد شثنت كفه شثونة وشثانة، وشثلت، وهو الغليظ الخشن، وأتَن الرجل يَأْتِنُ وأتَل يَأْتِلُ، وهو الأتَلان والأتَنان، وهو أن يقارب خطوه في غضب، الكسائي: أتاني هذا الأمر وما مأَنْتُ مَأْنَهُ وما مَأْلْتُ مَأْلَهُ: أي ما تهيأت له، وهو حَنَك الغراب وحَلَكه لسواده، وهو العبد زلَمة وزُلْمة وزَنَمَة وزُنْمَة: أي قَدُّه قَدّ العبد، معناه إذا رأيته رأيت أثر العبد فيه، وأبَّنْتُهُ وأبَّلْتُهُ إذا أثنيت عليه بعد موته، وتأسَّنَ أباه وتأسَّله، إذا نزع إليه في الشبه، وعُنْوان الكتاب وعُلْوانه، اللحياني: يقال: عَتَلْتُه إلى السجن وعَتنْتُه، وأنا أعتُله - بالضم والكسر - وأعْتُنه كذلك، وارمَعَلَّ الدَّمعُ وارمعنَّ، إذا تتابع، ويقال: لاَبَنَ ولاَبَلَ، وإسماعيل وإسماعين، وميكائيل وميكائين، وإسرافيل وإسرافين، وإسرائيل وإسرائين، وشراحيل وشراحين وجبرئيل وحبرئين. وسمعت الكلابي يقول: آلصت الشئ أليصه إلاصة وآنصته أُنيصه إناصة، إذا أدَرْته، ويقال ذلاذل القميض وذناذنه لأسافله، الواحدة ذَلْذَلٌ وَذَنْذَنٌ: ويقال: هو خامل الذكر وخامِنُ الذكر، الفراء: ما أدري أيُّ الطَّبْن هو وأيُّ الطَّبْل (2) هو، وحُكي: بَنْ أنا فَعَلْتُ، يريد بَل، أبو زيد: نَمَّق ينمقه ولمقه يلمقه، وقنة الجبل وقلته لاعلاه "
هذا ما ذكره ابن السكيت باختصار الشواهد. وزاد الزَّجاجي: السَّلِيطُ والسَّنِيطُ (2) ، وَنَفَحْتُه بالسيف ولَفَحْتُه، ولَفَحَتْه النار ونَفَحَتْه، وكَلِعَت يَدَُه وكَنِعَت: أي دَرِنَتْ وَوَسِخَت، ولَجلَجَ في كلامه ونَجْنَج، ونَقَس الْقَوْمَ يَنْقُسُهُمْ نَقْساً، ولَقَسَ لَقْساً: أي لقيهم والبيت الشاهد مطلع قصيدة للفرزدق مدح بها هشام بن عبد الملك وهجاً جريراً، ورُوِي أيضاً: * ألستم عائجبين بِنَا لَعَنَّا * و " عائج " اسم فاعل من عُجْت البعير أعوجه إذا عطفت رأسه بالزمان، والباء بمعنى مع، وعرصة الدرا: ساحتها، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء، وسميت عَرْصَة لان الصبيان يعترصون فيها: أي يلعبون ويمرحون، وقد شرحنا بعض أبياتها في الشاهد الحادي والثلاثين بعد السبعمائة من شواهد شرح الكافية. وأنشد بعده - وهو الشاهد الثاني والعشرون بعد المائتين: (من المديد) 222 - رُبَّ رَامٍ مِنْ بَنِي ثُعَلٍ * مُتْلِجٍ كَفَّيْهِ في قتتره على أن أصله مُولج فأُبدلت الواو تاء، وأورد ابن جني في سر الصناعة شيئاً كثيراً من هذا، ثم قال: " وهذه الألفاظ وإن كانت كثيرة فإنه لا يجوز القياس عليها، لقلتها بالإضافة إلى ما لم تقلب فاؤه تاء، فأما ما تقيس عليه لكثرته فهو افْتَعل وما تصرف منه إذا كانت فاؤه واواً، نحو اتَّزَن واتَّلَجَ واتَّصَفَ، والاصل او تزن، واوْتَلَجَ واوتَصَفَ وجميع ما ذكره ابن جني أخذه من كتاب الإبدال لابن السكيت، ولم يورد الزجاجي شيئا من هذا
والبيت مطلع قصيدة لامرئ القيس، وجواب رُبَّ في بيت بعده، وهو: قَدْ أتَتْهُ الْوَحْشُ وَارِدَةً * فَتَنَحَّى النَّزْعُ فِي يَسَرِهِ فَرَمَاهَا فِي فَرَائِصِهَا * بَإزَاءِ الْحَوْضِ أوْ عُقُرِهْ بَرَهِيشٍ مِنْ كِنَانَتِهِ * كَتَلَظِّي الْجَمْرِ فِي شَرَرِهْ رَاشَهُ مِنْ ريشه نَاهِضَةٍ * ثُمَّ أمْهَاهُ عَلَى حَجَرِهْ فَهْوَ لا تَنْمِي رمِيَّتُهُ * مَالَهُ لاَ عُدَّ مِنْ نَفَرِهْ مَطْعَمٌ لِلصَّيْدِ لَيْسَ لَهُ * غَيْرَهَا كَسْبٌ عَلَى كِبَرِهْ قوله " رب رَامِ إلخ " ثُعل - بضم المثلثة وفتح المهملة -: هو أبو قبيلة من طي هم أرمى العرب، ويضرب المثل بهم في جودة الرمي، وهو ثُعل بن عمرو بن الغوث بن طي، وهو غيرُ مُنْصرف للعلمية والعدل، وجره هنا للضرورة، و " مُتْلِجٍ " بالجر صفة ثانية لرام، وقتر - بضم القاف وفتح المثناة الفوقية -: جمع قُتْرَة - بضم فسكون - وهي حُفَيرة يكَمُن فيها الصياد لئلا يراه الصيد فينفر، وإنما أدخل كفيه في قُتَره لئلا يعلم به الوحش فيهرُب، وصفه بحِذْق الرمي، وروي في سُتَره: جمع سُترة، وهو الموضع الذي يستتر فيه، وقيل هو الكُمّ، وهو سترة اليد والذراع، وأراد بقوله " رُبَّ رام " عمرو بن المُسَبِّح بن كعب بن طَرِيف بن عبد بن عَصَر بن غَنْم بن حارثة بن ثَوْب بن مَعْن بن عَتُود بن عنين بن سلامان ابن ثُعَل، والْمُسَبِّح بوزن اسم الفاعل من التسبيح، وابنه عمرو صحابي، قال صاحب الاستيعاب: " قال الطبري عاش عمرو بن المسبح مائه وخمسين، ثم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ووفد إليه وأسلم، قال: وكان أرمى العرب، وله يقول امرؤ القيس * رُبَّ رَامٍ مِنْ بَنِي ثعل *
وقال فيه أيضاً: * يَحَاذِرْنَ عَمْراً صاحِبَ الْقُتَرَات * " انتهى وكذا قال أبو حاتم في كتاب الْمُعَمِّرين، وقال: " إنه مات في زمن عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وهو القائل: لَقَدْ عُمِّرْتُ حَتَّى شَفَّ عُمْرِي * عَلَى عُمْرِ ابْنِ عُكْوَةَ وَابْنِ وَهْبِ وَعُمْرِ الْحَنْظَلِيِّ وَعُمْرِ سَيْفٍ * وَعُمْرِ ابْنِ الوداة قريع كعب " انتهى. وقال ابن المُسْتَوفي في شرح أبيات المفصل: " قدم على النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذٍ ابن مائة وخمسين سنة - فسأله عن الصيد، فقال: كُلْ مَا أصْمَيْتَ ودَعْ ما أنْمَيْت، وله يقول الشاعر: (من الكامل) نَعَبَ الْغُرَابُ ولَيْتَهُ لَمْ يَنْعَبِ * بِالبَيْنِ مِنْ سَلْمَى وَأُمِّ الْحَوْشَبِ لَيْتَ الْغُرَابَ رَمَى حَمَاطَةَ قَلْبِهِ * عمرو بأسهمه التى لم تغلب " انتهى. وقوله " قد أتَتْه إلخ " هذا جواب رب، وتنحى: اعترض، وروي " فَتَمَتَّى " أي مدَّ ونزع القوس، وقيل: التمتي في نزع القوس مَدُّ الصلب، واليسر: حيالَ الوجه والشَّزْرُ يمنة ويسرة، وقالوا: إنما هو اليَسْر فحركة بالفتح، يقال: حَرَّف لها السهم حيال وجهه، وقال بعضهم من يَسِرَه: أراد يسره يديه، وقوله " فرماها إلخ " الفريصة: لحمة في الإبط، وإزاء الحوض - بكسر الهمزة -: مصب الماء فيه، والعُقْر - بضمتين -: مقام الشاربة من الحوض، والرهيش: السهم الخفيف، والكِنانة: الجَعْبة، وشبه السهم بالجر في التهابه، والناهضة: العقاب وأمَهَاه: سَنَّه وحدده وأراد بالحجر المِسَنّ، وقوله " فهو لا تنمي " في المصباح نَمَى الصيدُ يَنْمِي من باب وَفَى: غاب عنك، ومات بحيث لا تراه، ويتعدى
بالألف، فيقال: أنْمَيْتُه، وفي الحديث: كُلْ ما أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أنْمَيْتَ: أي لا تأكل ما مات بحيث لم تره، لأنك لا تدري هل مات بسهمك وكلبك أو بغير ذلك، وصَمَى الصيدُ - من باب رمى -: مات وأنت تراه، ويتعدى بالالف فيقال: أصميته، إذا قتلته بين يديك وأنت تراه، والبيت يروى بالوجهين لا تُنْمَى - بالبناء للمفعول - من أنماه: ولا تُنْمِي - من نمى الصيدُ، بإسناد الفعل إلى الرَّمْيَة، وقوله " ماله " استفهام تعجبي، وجملة " لا عد من نفره " دعاء عليه، والمراد مدحه كقولهم في المدح: قاتله الله ما أشعره، وأراد بالنفر قومه، والضمير للرامي: أي لا كان معدوداً في قومه، بأن عدموه وفقدوه، وهذا تأكيد لمعنى التعجب في " ماله " وقوله " مُطْعَم " هو اسم مفعول من أطعم، يريد أن وجه كسبه من الصيد فهو يُرْزق منه. وأنشد بعده - وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المائتين -: (من الرجز) 223 - يَا قَاتَلَ الله بَنِي السِّعْلاَتِ * عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعٍ شرار النات * غير أعفاء ولا أكْيَاتِ * على أن الأصل شرار الناس، ولا أكياس، فأبدلت السين فيهما تاء كما فعل بسِتّ، وأصلها سِدْس بدليل قولهم التسديس وسُدَيْسَة، فقلبوا السين تاء فصارت سِدْتٌ، فتقارب مع الدال في المخرج، فأبدلت الدال تاء فأدغمت فيها، وقالوا أيضاً في طَسٍ طَسْتٌ، وفي حَسِيس (1) حِتيتٌ، هذا ما ذكره ابن جني في سر الصناعة ولم يزد على هذه الاربعة، وزاد عليها ابن السكيت في كتاب الإبدال عن الأصمعي: " يقال: هو على سُوسِه وتوسه: أي خليقته، ويقال:
رجل خَفَيْسَأُ وخَفَيْتَأُ، إذا كان ضخم البطن إلى القِصَر ". وزاد الزجاجي: الاماليس والاماليت، لما استوي من الأرض، ونصيب خَسِيسٌ وخَتِيتٌ، ومنه أخَسّ حقه وأخَتَّه: أي قَلَّلَه، وهو شديد الحساسة والختاتة. وهذه الأبيات الثلاثة أوردها أبو زيد في موضعين من نوادره ونسبها في الموضع الأول إلى قائلها، وهو عَلْياء بن أرقم اليَشْكُري، وهو شاعر جاهلي، وكذا نسبها إليه الأسود أبو محمد الأعرابي، وقال في ضالة الأديب وهي أمالي أملاها على نوادر ابن الأعرابي: هي ثلاثة أبيات لا غير، وأنشدها الجوهري في مادة (س ي ن) من الصحاح، ونسبها ابن بري في أمالية عليه لعَلْياء أيضاً، وقال أبو زيد في الموضع الثاني: " قال المفصل: بلغني أن عمر بن يَرْبُوع بن حنظلة تزوج السِّعلاة فقال لها أهلها: إنك تجدُ بها خير امرأة ما لم تر برقاً، فسَتِّر بيتك إذا خفت ذلك، فمكثت عنده حتى ولدت له بنين، فأبصرت ذات يوم برقاً فقالت: (من الرجز) الْزَمْ بَنِيكَ عَمْرُو إنِّي آبِقٌ * بَرْقٌ عَلَى أرْضِ السَّعَالِي آلِقُ فقال عمرو: (من الوافر) ألاَ لِلَّهِ ضَيْفُكِ يَا أُمَامَا * رَأَى بَرْقاً فَأَوْضَعَ فَوْقَ بَكْر * فَلاَ بِكِ مَا أَسَالَ وَمَا أغَاَمَا * وقال الشاعر في عمرو هذا: * يَا قَاتَلَ الله بَنِي السِّعْلاَةِ * إلى آخر الأبيات الثلاثة " انتهى. وقوله " يا قاتل الله إلخ " المنادى محذوف تقديره يا قوم، أو أنها للتنبيه، ولا حذف، وجملة " قاتل الله إلخ " دعاء عليهم بالهلاك لعدم عفتهم، وعدم كياستهم، وروي " يا قَبَّح الله " يقال: قبحه الله يقبَحُه - بفتح العين فيهما - قبْحاً: أي نحاه عن الخير، وفي التنزيل: (هُمْ مِّنَ المقبوحين) أي: المبعدين عن الفوز،
والسِّعلاة بالكسر، وهي أنثى الغول، وقيل: ساحرة الجن اشتهر في العرب أن عمرو بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم تزوج سِعْلاَة فأقامت دهراً في بني تميم وأولدها عمرو أولاداً، وكان عمروٌ إذا رأى برقاً أسبل عليها الستور فغفل عنها يوماً وقد لاح برق من ناحية بلاد السَّعَالِي فحنت إلى أهلها فقعدت على بكر من الإبل وذهبت فكانَ ذاك آخرَ عهده بها، واشتهر أولادها من عمرو ببني السِّعلاة قال ابن دريد في كتاب الاشتقاق: عِسْل بن عمرو بن يربوعٍ وضَمْضَم أبناء عمرو بن يربوع من السعلاة، وجاء الإسلام وهم: يمانية فاختطوا خُطَّة بالبصرة، ومنهم ربيعة بن عِسْل، ولاه معاوية رضي الله عنه هَرَاة وقوله " عمرو بن يربوع " بالجر بدل من السِّعلاة، ولم يصب بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل في قوله: " عمرو بدل من بني السِّعلاة، أو نصب على الذم، وشرار النات: صفة عمرو، لأنه قبيلة هنا، جعل أمهم سِعْلاة لقبحها، وقيل: تزوج عمرو بن يربوع سِعْلاة وولدت له أولاداً، ثم تناسل الأولاد فصار عمرو بن يربوع اسم القبيلة " هذا كلامه مع عُجْزِه وبجره (1) وروي في بعض نسخ الشرح وغيره عمرو بن مسعود، وهو غير صحيح، و " شرارِ " بالجر صفة لبني، وهو جمع شَرِير ككرام جمع كريم، و " غير " بالجر أيضاً صفة أخرى لبني، وأعفاء: جمع عفيف من العفة وهي هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط هذه القوة والجمود الذي هو تفريطها، وأكياس: جمع كَيِّس بالتشديد كأجياد جمع جَيْد، مأخوذ من الكَيْس - كَفَلْس - وهو الظَّرْف والفطنة، وقال ابن الأعرابي: هو العقل، وقولها " الزم بنيك عمرو " هو منادى وآبق: هارب، وآلِق: لامع، وقوله " ألا لله ضَيْفُكِ يَا أُمَامَا " قال أبو زيد: " لم نسمع بقافيته، ويروى:
* ألاَ لِلَّهِ ضِيفُكِ * والضِّيفُ: الناحية والمحلة، وكذلك ضِيفُ الوادي ناحيته ومحلته، وقوله " فَلاَ بِكِ مَا أسَالَ " أي: فلابك ما وافقت سيلانه وإغامته، وأراد الغيم الذي رأت فيه البرق " انتهى كلامه. يريد أن " ضيفك " روي بفتح الضاد وكسرها، وقوله " فلا بك " أورده ابن جني في موضعين من سر الصناعة على أن الباء فيه للقسم، وقال السخاوي في سفر السعادة: ذَكَّر " رأى، وأوضع " وهو يريد السعلاة، لأنه ذهب إلى معنى الحبيب والخليل، فيكون في قوله " فلابك " التفات من الغيبة إلى خطابها، وأوضع متعدي وَضَع البعير وغيره: أي أسرع في سيره، وأوضعه راكبه: أي جعله واضعا: أي مسرعاً، والبَكْر - بفتح الموحدة - الفَتِيُّ من الإبل، وجملة " ما أسَالَ إلخ " جواب القسم. وأنشد بعده - وهو الشاهد الرابع والعشرون بعد المائتين -: (من الرجز) 224 - صَفْقَةَ ذِي ذَعَالِتٍ سُمُولِ * بَيْعَ امْرِئٍ لَيْسَ بِمُسْتَقِيلِ على أن الذعالِت أصله الذعالب، فأُبدلت الموحدة مثناة فوقية. قال ابن جني في سر الصناعة: " قال أعرابي من بني عوف بن سعد: صَفْقَةَ ذِي ذَعَالِتٍ سُمُول إلخ، وهو يريد ذَعَالب، فينبغي أن يكونا لغتين، وغير بعيد أن تبدل التاء من الباء، وقد أبدلت من الواو وهي شريكة الباء في الشفة، والوجه أن تكون التاء بدلاً من الباء، لأن الباء أكثر استعمالاً، ولما ذكرناه أيضاً من إبدالهم التاء من الواو " انتهى كلامه. ولم يذكر ابن السكيت شيئاً من هذا في كتاب الإبدال " ولا الزجاجي. و" صفقة " منصوبة بخط ابن جني على أنه مفعول مطلق، يقال: صفقت له
بالبيعة صفقاً: أي ضربت بيدي على يده، وكانت العرب إذا وجب البيع ضرب أحدهما على يد صاحبه، ثم استعملت الصفقة في العقد، فقيل بارك الله لك في صفقة يمينك، قال الأزهري: وتكون الصفقة للبائع والمشتري، و " الذعالب " بالذال المعجمة قَطع الخِرَق، وقد فسرها الشارح، و " سُمُول " بضم السين المهملة والميم، جمع سَمَل - بفتحتين -: الثوب الْخَلَق المقطع، و " بَيْع " مفعول مطلق، و " مستقيل " من استقاله البيع: أي طلب فسخه وأنشد الجاربردي هنا - وهو الشاهد الخامس والعشرون بعد المائتين - (من الرجز) 225 - * مُنْسَرِحاً عَنْهُ ذَعَالِيبُ الْحَرَق * على أن صاحب الصحاح أنشده وقال: الذعاليب: قطع الخِرَق، واحدها ذُعْلُوب. والبيت من أرجوزة طويلة لرؤبة بن العجاج تزيد على مائتي بيت، شبه ناقته في الجلادة وقطع الفيافي بسرعة بحمار الوحش وأُتُنِهِ، وقبله: أحْقبُ كَالْمحْلَجِ مِنْ طُولِ الْقَلَقْ * كَأنَّهُ إذْ رَاحَ مَسْلُوسُ الشَّمَقْ نُشِّرَ عَنْهُ أوْ أسِيرٌ قَدْ عَتَقْ * مُنْسَرِحاً عَنْهُ ذَعَالِيبُ الْحَرَقْ والأحقب: حمار الوحش، والأنثى حقباء، والمِحْلَج: آلة الحلج، وهو تخليص الحبّ من القطن، وقال الاصمعي في شرحه: شبههه بالمِحْلج لصلابته، وينبغي أن يقال: لكثرة حركته واضطرابه، ومن طول القلق: وجه الشبه، وهو كناية عن عدم سكونه، والقلق: الاضطراب، وراح: نقيض غَدَا، يقال: سَرَحَتْ الماشية بالغداة، وراحت بالعشي: أي رجعت، والعامل في " إذ " ما في كأنَّ من معنى التشبيه، يصف رجوعه إلى مأواه " ومَسْلُوسُ " خبر كأنه، وهو من السُّلاس - بالضم - وهو ذهاب العقل، والشَّمَق: النشاط، وقيل:
مَرَح الجنون، ونُشِّر - بالبناء للمجهول بالتخفيف والتشديد -: أي رُقِيَ وَعُوِّذ، كما نشر عن المسحور فبرأ، والنشرة - بالضم -: الرقية والعُوذَة، وعَتَق: خلص من الأسر، يقول: كأن هذا الحمار الذي شبه ناقته به كالامن كثرة حركته فحين أراد الرجوع إلى مأواه نَشِطَ شوقاً إليه فكأنه مجنون نشاط، أو أسير صادف غِرَّة فتفلت من أسره، فهرب أشد الهرب، والمنسرح: الخارج من ثيابه، وهو حال من ضمير راح سببية، وذعاليب: فاعلها، وضمير عنه للأحقب، وهذا تمثيل، يريد أن هذا الحمار تساقط عنه وبره وشعره وهذا مما ينشِّطه، والرواية في ديوانه: * مُنْسَرِحاً إلاَّ ذَعَالِيبَ الْحَرَق * يعني أنه انسرح من وَبَره إلا بقايا بقيت عليه، والحرق - بالحاء والراء المهملتين المفتوحتين -: تحات الوبر، من قولهم: حَرِق شعره - من باب فرح -: أي تقطع ونسل، وضبطه بعضهم بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء، وليس له وجه هنا وإنما جعله كذلك اتباعاً لما شرحوا به الذعاليب. وقد شرحنا منها أبياتاً كثيرة في الشاهد الخامس، وفي الشاهد الواحد والثلاثين بعد الثمانمائة، من شرح شواهد شرح الكافية. وأنشد أيضاً بعده - وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المائتين -: (من البسيط) 226 - وَقَدْ أكُونُ عَلَى الحاجات ذالبث * وَأحْوَذِيّاً إذَا انْضَمَّ الذَّعَالِيبُ وقد شرحه وأغنانا عن شرحه (1)
وأنشد الشارح - وهو الشاهد السابع والعشرون بعد المائتين -: (من الكامل) 227 - فَتَرَكْنَ نَهْداً عُيّلاً أبْنَاؤُهَا * وَبَنِي كِنَانَة كَاللُّصُوتِ الْمُرَّدِ على أن أصله كاللصوص، فأبدلت الصاد تاء قال ابن السكيت في كتاب الإبدال: " قال الفراء: وطيّئ يسمون اللُّصُوصَ اللصوت، ويسمون اللص لِصْتاًَ، وهم الذين يقولون للطَّسِّ طَسْت، وأنشد لرجل من طي: * فَتَرَكْنَ نَهْداً * البيت " وقال أيضاً في كتاب المذكر والمؤنث: " وبعض أهل اليمن يقول: الطِّسْتُ، كما قالوا في اللص: لِصْتُ " ونسب الصاغاني في العباب هذا البيت إلى عبد الأسود بن عامر بن جُوَيْن الطائي قال ابن الحاجب في أماليه على المفصل: " معناه أن هؤلاء تركوا هذه القبيلة أبناؤها فُقَرَاء، لأنهم قتلوا آباءهم، وبنى كنانة كذلك، وانضم إلى ذلك أنهم بَقُوا من شدة الفقر لصوصا مردة " انتهى. ونَهْدٌ: أبو قبيلة: من اليمن، وهو نهد بن زيد بن لَيْث بن سود بن قضاعة، ووقع في موضعين من جمهرة بن دريد " فتركن جَرْماً " بفتح الجيم، وَجَرْمٌ بطنان في العرب: أحدهما في قضاعة، وهو جَرْمُ بن زَبَّان، والآخر في طي، وعُيَّل: جمع عائل، كرُكَّع جمع راكع، من عَالَ يَعِيلُ عِيْلَةً، إذا افتقر فهو عائل، وأبناؤها: فاعل عُيَّل، ومُرَّد: جمع مارد، من مَرَدَ يَمْرُد - من باب قتل - إذا عتا وخبث، ورواه ابن جني في سر الصناعة " فتركْتُ " بضمير المتكلم وعامر بن جُوَيْن: شاعر فارس جاهلي، وابنه مثله جاهلي
وأنشد بعده - وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المائتين -: (من الطويل) 228 - فَهِيَّاكَ وَالأَمْرَ الَّذِي إنْ تَوَسَّعَتْ * مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عَلَيْكَ الْمَصَادِر على أن أصله " إياك " فأبدلت الهمزة هاء وهذا الفصل كله من سر صناعة الإعراب لابن جني، وأطال الكلام في أمثلته إن شئت راجع باب الهاء منه والبيت أنشده أبو تمام في باب الأدب من الحماسة بحذف الفاء على أنه مخروم مع بيت ثان، وهو: فَمَا حَسَنٌ أنْ يَعْذِرَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ * وَلَيْسَ لَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ عَاذِرُ ونسبهما إلى مُضَرِّس بن رَبْعِي الفَقْعَسي، وإياك: منصوب على التحذير، والأمرَ: معطوف عليه، وعاملهما محذوف، تقديره: إياك باعد من الأمر، والامرَ منك، والمَوْرِد: المدخل، والْمَصْدَر: المصرف، وعَذَرْتُه فيما صنع عذراً - من باب ضرب -: رفعت عنه اللوم، والاسم الْعُذْر - بالضم - وجملة " وليس له " حال من المرء ومُضَرِّس: شاعر جاهليّ قد ترجمناه في الشاهد الرابع والثلاثين بعد الثلاثمائة من شواهد شرح الكافية وأورده أبو تمام في كتاب مختار أشعار القبائل لطُفَيْل الْغَنَوِيّ الجاهلي من جملة أبيات كذا: " فما لى كِرَامَ الْقَوْمِ وَانْمِ إلَى الْعُلَى * وَدَعْ مَنْ غَوَى لاَ يُجْدِيَنْ لَكَ طَائِرُهْ وَلاَ تَكُ مِنْ أخْدَانِ كُلِّ يَرَاعَةٍ * خَرِيعٍ كَسَقْبِ الباز جُوفٍ مَكَاسِرُهْ
وَإيَّاكَ وَالأَمْرُ الَّذِي إنْ تَرَاحَبَتْ * مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عَلَيْكَ مَصَادِرُهْ وَلاَ تَمْنَعَنَّ الدَّهْرَ مَاءً عَمَرْتَهُ * وَإنْ كَانَ أوْلَى النَّاسِ بِالْمَاءِ عَامِرُهْ وَإنْ قِيلَ قَوْلٌ سَيِّئٌ فِي مَقَامَةٍ * فَلاَ تَكُ مَوْلَى قَوْلِ سُوءٍ تُبَادِرُهْ " انتهى. وأنشد بعده - وهو الشاهد التاسع والعشرون بعد المائتين -: (من الكامل) 229 - وَأَتَتْ صَوَاحِبُهَا فَقُلْنَ هَذَا الَّذِي * مَنَحَ الْمَوَدَّةَ غَيْرَنَا وَجَفَانَا على أن أصله أذَا الذي، فأبدلت همزة الاستفهام هاء قال ابن جني في المحتسَب: " لا يريد هذا الذي، بل يريد أذا الذى، تم أبدل همزة الاستفهام هاء، وقد يجوز مع هذا أن يكون أراد هذا الذي مخبراً، ثم حذف الالف " انتهى. فيكون حذفت الألف من هاء التنبيه المركبة مع ذا الإشارية، ويكون الكلام خبراً لا إنشاء والبيت مشهور: أنشده الجوهري في آخر الصحاح، وأنشده ابن جني في سر الصناعة عن الأخفش، والزمخشري في المفصل، وغيرهم، وقائله مجهول، ويشبه أن يكن من شعر عمر بن أبي ربيعة المخزومي، فإن في غالب شعره أن النساء يتعشقنه، وروي " وأتى صواحبها " فاعل جمع صاحبة، وزعم الجاربردي أنه مفعول، والفاعل ضمير، ويرده رواية " وأتت صَوَاحِبُهَا " وروي الأزهري في التهذيب عجزه كذا: * رامَ القَطِيعَةَ بَعْدَنَا وجفانا * والقطيعة: الهجر، ومنح: بمعنى أعطى، والله سبحانه أعلم بقائله:
وأنشد الجاربردي - وهو الشاهد الثلاثون بعد المائتين، وهو من شواهد سيبويه -: (من الطويل) 230 - بحَيَّهَلاَ يُزْجُونَ كُلَّ مَطِيَّةٍ * أمَامَ الْمَطَايَا سَيْرُهَا المُتَقَاذِفُ على أن حَيَّهَلاَ جاء بالألف كما في البيت، وهو مركب من حَيَّ ومن هَلا، كتركيب خمسة عشرَ، وهو محكيّ أريد لفظه بدون تنوين قال الأعلم في شرح أبيات سيبويه: " الشاهد في قوله " بحَيَّهَلاَ " فتركه على لفظه محكيّاً، يقول: لعجلتهم يسوقون المطايا بقولهم: حَيَّهَلاَ، ومعناه الأمر بالعجلة، على أنها متقدمة في السير متقاذفة عليه: أي مترامية، وجعل التقاذف للسير اتساعاً ومجازاً " انتهى. والإزجاء - بالزاي والجيم -: السوق، والمطية: الدابة، وأمامَ - بالفتح - قال ابن الحاجب في أماليه: " يريد أنهم مسرعون في السير يسوقون بهذا الصوت لتسرع في سيرها، وقال: أمام المطايا، لأنه إذا سبقت الأولى تبعها ما بعدها، بخلاف سَوْق الأواخر، وقال: سيرها المتقاذف، يعني أنهم يسوقونها مع كون سيرها متقاذفاً، والتقاذف: الترامي في السير، وإذا سيق المتقاذف كان سيره أبلغ مما كان عليه، وأمام المطايا: في موضع وصف لمطية، وسيرها المتقاذف: جملة ابتدائية صفة لمطية، والجار والمجرور متعلق بِيُزْجُونَ " انتهى. والأجود أن يكون سَيْرُهَا فاعل الظرف، لاعتماده على الموصوف، والمتقاذف صفة لسيرها، ويجوز ما قاله الجاربردي (1) وقد شرحناه بأكثر من هذا في الشاهد الثالث والستين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية وأما " حيهلا " في الحديث فقد قال ابن الأثير في النهاية: " من حديث ابن
مسعود (إذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّهَلاَ بِعُمَرَ) أي: أقبل به وأسرع، وهي كلمتان جعلتا كلمة واحدة، فَحَيّ: بمعنى أقبل، وهَلاَ: بمعنى أسرع، وقيل: بمعنى اسكن عند ذكره حتى تنقضي فضائله " انتهى. وأنشد بعده - وهو الشاهد الواحد والثلاثون بعد المائتين -: (من مشطور الرجز) 231 - قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أمْكِنَهْ * من ها هنا وَمِنْ هُنَهْ * إنْ لَمْ أُرَوِّهَا فَمَهْ * على أن الأولى أن تكون الهاء في مَهْ بدلاً من الألف، وأن تكون دِعَامَةً لما الاستفهامية بعد حذف ألفها بدون جارّ على قلة، وهذا الوجه الثاني لم أره لأحد غيره، ولم يقل أحد إن " ما " الاستفهامية تحذف ألفها بلا جار، نعم قالوا: إن ألفها تثبت مع الجار، وخرّجوا على هذا آيات، وأما الوجه الأول فهو المعروف، وذكره ابن جني في شرح تصريف المازني وفي المحتسَب، وفي سر الصناعة، قال في المحتسب بعد إنشاد الأبيات: " يريد إن لم أرَوِّهَا فما أصنع؟ أو فما مغناي؟ أو فما مقداري؟ فحذف الألف وألحق الهاء لبيان الحركة " انتهى. وقال في سر الصناعة: " أخبرنا بهذه الابيات بعض أصحبانا يرفعه بإسناده إلى قُطْرُب، ويريد بقوله: من هنه، من هنا، فأبدل الالف في الوقف هاء، فأما قوله: فمه، فالهاء فيه يحتمل تأولين: أحدهما أنه أراد فما: أي إن لم أرَوِّ هذه الإبل الواردة من هنا ومن هنا، فما أصنع؟ منكراً على نفسه أن لا يرويها، فحذف الفعل الناصب لما التي في معنى الاستفهام، والوجه الآخر أن يكون أراد إن لم أُرَوِّها فمه: أي فاكفف عنى فلست بشئ ينتفع به، وكأن التفسير الأول أقوى في نفسي " انتهى. وقوله " قد وردت " أي: الابل، والورد: الوصول إلى الماء من غير دخول
فيه، وقد يكون دخولاً، وأمْكِنَه: جمع مكان، ومن ها هنا - إلى إلى آخره: بدل من امكنه، وروي " إن لم تُرَوِّها بالخطاب " وأنشد بعده: (من الرجز) لَمَّا رأى أن لا دعه ولا شبع * مال إلى أرطاة حقف فالْطَجَعْ على أن أصله اضطجع، فأبدلت الضاد لاما، قال ابن جني في المحتسب: " إن قيل: قد أحطنا علماً بأن أصل هذا الحرف اضتجع، افتعل من الضَّجْعَة، فلما جاءت الضاد قبل تاء افتعل أبدلت لها التاء طاء فهلا لما زالت الضاد فصارت بإبدالها إلى اللام رُدَّت التاء فقيل: التجع كما تقول: التجم والتجأ، قلنا: هذا إبدال عرض للضاد في بعض اللغات، فلما كان أمراً عارضاً أقَرُّوا الطاء بحالها إيذاناً بقلة الْحَفْل بما عرض من البدل، ودلالةً على الأصل المعتمد، وله غير نظير، ألا ترى إلى قوله * وكَحَّل الْعَيْنَيْنِ بالعواور * وكيف صحح الواو الثانية وإن كان قبلها الواو الأولى وبينهما ألف، وقد جاورت الثانية الطرف، ولم يقلبها كما قلبها في أوائل، وأصلها أواول، لما ذكرنا؟ إذ كان الأصل العواوير، وإنما حذفت الياء تخفيفاً وهي مرادة، فجعل تصحيح الواو دليلاً على إرادة الياء، وقد حكي إدغام الضاد في الطاء في قولهم في اضطجع: اطَّجَعَ، ومنه قراءة ابن مُحَيْصن (ثُمَّ أطَّرُّه) هذه لغة مَرْذُولة، لما فيها من الامتداد والفُشُو، وأنها من الحروف الخمسة التي يدغم فيها ما يجاورها، ولا تدغم هي فيما يجاورها، وهي: الشين، والضاد، والراء، والفاء، والميم، ويجمعها قولهم: ضُمَّ شَفْر، ويروى " فاضْطَجَعَ " وهو الأكثر والأقيس وقد تقدم شرح هذا الرجز في الشاهد الثالث والثلاثين بعد المائة من هذا الكتاب وأنشد الجاربردى - وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائتين -: (من البسيط)
232 - وقفت فيها أصيلا لا أُسَائِلُهَا * أعْيَتْ جَوَاباً وَمَا بالرَّبْعِ مِنْ أحَدِ على أن أصله أصيلان، فأبدلت النون لاماً، وأصيلان: مصغرُ جمعِ أصيل والبيت من قصيدة للنابغة الذبيانى، وقبله وهو مطلع القصيدة: يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ * أقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الأَبَدِ والمطلع شرحناه في الشاهد التاسع والثمانين بعد الثمانمائة، وشرحنا الثاني في الشاهد الثاني والسبعين بعد المائتين، وقد ذكرنا سبب القصيدة مع شرح أبيات من أولها في الشاهد السابع والأربعين بعد المائتين من شواهد شرح الكافية، وقد شرحت هذه القصيدة جميعها في مواضع متعددة هناك وأنشد بعده - وهو الشاهد الثالث بعد المائتين -: (من الوافر) 233 - فَقُلْتُ لِصَاحِبي لا تَحْبِسَانَا * بِنَزْعِ أصُولِهِ وَاجْدَزَّ شِيحَا على أن أصله اجْتَزَّ، فقلبت تاء الافتعال دالاً والبيت من أبيات للمُضرِّس بن رِبْعِيّ الفقعسيّ الأسديّ، وهي وَضَيْفٍ جَاءَنَا وَاللَّيْلُ دَاج * وَرِيحُ القُرِّ تَحْفِزُ مِنْهُ رُوحَا فَطِرْتُ بِمُنْصُلِي فِي يَعْمَلاَتٍ * خِفَافِ الْوَطْءِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحَا فَعَضَّ بِسَاقِ دَوْسَرَة عَلَيْهَا * عتِيقُ النَّيِّ لَمْ تَحْفِزُ لَقُوحَا وَقُلْتُ لِصَاحِبِي لاَ تَحْبِسَنِّي * بِنَزْعِ أصْولِهِ وَاجْدَزَّ شِيحَا فَلَمَّا أنْ تَعَجَّلْنَا شَوَاءً * قَلِيلَ النُّضْجِ لَكِنْ قَدْ أُلِيحَا خَلَطْتُ لَهُمْ مُدَامَةَ أذْرِعَاتٍ * بِمَاءِ سَحَابَةٍ خَضِلاً نَضُوحَا
وفتيان شويت لهم شواء * سريع الشَّيِّ كُنْتُ بِهِ نَجِيحَا قوله " وضيف - الخ " الواو واورب، وجملة " جاءنا " صفةُ مجرورِها، وجملة " والليل داج " أي: مظلم، حال، وكذلك جملة " وريح القر - إلخ " والقر - بالضم -: الْبَرْد، وتحفز - بالحاء المهملة والفاء والزاي -: تدفع، كأنه لضعفه تدفع رُوحَه ريحُ الْقُر وتنازعها، وجواب رُبَّ محذوف: أي تَلَقَّيْته بإكرام، وجملة " فَطِرْت " أي أسرعت، معطوفة على الجواب المحذوف، والْمنْصُل - بضم الميم والصاد المهملة -: السيف، وَالْيَعْمَلَة: الناقة القوية على العمل، وخِفَاف: جمع خفيفة، وأنشد سيبويه هذا البيت في موضعين من كتابه كذا: * دَوَامِي الأَيْدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحَا * على أن الشاعر حذف الياء من الأيْدِي لضرورة الشعر، والسريح: سيور نعال الإبل، ويخبطن السريح: يطأن بأخفافهن الأرض، وفي الأخفاف السريح، والدوامي: التي قد دميت من شدة السير ووطئها على الحجارة، وقيل: السريح خِرَقٌ تُلَفُّ بها أيدي الجمال إذا دَمِيت وأصابها وجع، وقوله " بمُنْصُلي " في موضع الحال من التاء: أي أسرعت ومعي سيفي، وأقبلت على اليَعْمَلات فعرقبت ناقة منها وأطعمت لحمها لضيفي، يريد أنها نحر لضيفه راحلةً من رواحله وهو مسافر، وقوله " فَعَضَّ " فاعله ضمير المنصل، والد وسرة: الناقة الضخمة، والجمل دَوْسر، وجملة " عليها عتيق النَّيِّ " صفة لدَوْسَرة، والنى - بفتح النون -: الشحم، والعتيق: القديم، يريد أنها سمينة، وفاعل تحفز ضمير الدَّوْسَرة، ولَقُوحاً: حال، واللَّقُوح: الْحَلُوب: أي لم تكن الدوسرة قريبة العهد بالنِّتَاج فتكون ضعيفة، وقوله " وقلت لصاحبي " أراد بالصاحب من يَحْتَطِب له، بدليل رواية " وقلت لحاطبي " وقوله " لا تحبسانا " يأتي توجيهه، وروي " لا تحبسني " هذا ظاهر، وقوله " بنزع أصوله " الباء سببية، وروي بدل الباء باللام التعليلية، والضمير في
" أصوله " راجع إلى الحطب المفهوم من حاطبي، والجز: القطع، وأصله في الصوف، يقول: لا تقلع أصول الحطب وعروقه واكْتَفِ بقطع الشيخ فهو أسل وأسرع، وأليج: من قولهم: ألحت الشئ بالنار - ولوحته: أي أحميته بها، والمدامة: الخمر، وأجودها عندهم خمر أذْرِعَات، وهي قرية بالشام، والخضل: الشئ الرَّطْب، وأراد مَزْجَها بالماء، والنَّضْح: الشرب دون الري، والنضوح من قولهم: نَضَحَ عَطَشَه ينضَحه: أي أزاله، وضمير " كنت به " للشئ: أي كنت بشيئ لهم، ويجوز أن يريد كنت بعملي، لأن الذي ذكره عمل، والنجيح: الْمٌنْجح. وما ذكرناه من الشعر وقائله روايةُ الخالدَّيْين، ونسب الجوهري البيت الشاهد ليزيد بن الطثرية، ورواه كذا عن الكسائي في مادة (ج ز ز) : فقُلْتُ لِصَاحِبِي لا تَحْبِسَانَا * بِنَزْعِ أصُولِهِ وَاجْتَزَّ شِيحَا قال: ويروى " وأجد شيحاً " وقوله " لا تحبسانا " فإن العرب ربما خاطبت الواحد بلفظ الاثنين، كما قال الراجز: (من الطويل) فإن تزجراني يا ابن عَفَّانَ أنْزَجِرْ * وَإنْ تَدَعَانِي أحْم عِرْصاً مُمَنَّعَا " انتهى. قال ياقوت فيما كتبه على الصحاح: " هذا البيت الذي عزاه إلى يزيد ابن الطثرية وجدته لمُضَرِّس بن رِبْعِيّ الفقعسي، وعِوَض صاحبي " فقلت لحاطبي " قرأت بخط الخلال أبي الغنائم، وذكر أنه نقله من خط اليزيدي " انتهى. قلت: ولا ينبغي أن يقول: قال الراجز: بل يقول: قال الشاعر، لأن البيت الثاني ليس من الرجز. وقال ابن بري في أمالية على الصحاح: البيت إنما هو لمضرس ابن رِبْعي الأسدي، وليس هو ليزيد كما ذكره عن الكسائي، وقبله: وفتيان شويت لهم شواءا * سَرِيعَ الشَّيِّ كُنْتُ بِهِ نَجِيحَا
فَطِرْتُ بِمُنْصَلِي في يَعْمَلاَتٍ * دَوَامِي الأَيْدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحَا وَقُلْتُ لِصَاحِبِي لا تحسبنا كذا في شعره، يقول: لا تحبسنا عن شى اللحم بأن تقلع أصول الشجر، بل خذ ما تيسر من قضبانه وعيدانه وأسرع لنا في الشئ، وقوله " وإن تزجراني ... البيت " هو لسُوَيْد بن كُرَاع الْعُكْلي، وكان سُوَيْد قد هجا به عبد الله بن دارم فاسْتَعْدَوا عليه سعيد بن عثمان فأراد ضربه، فقال سويد قصيدة أولها: تَقُولُ ابْنَةُ الْعُوفِيِّ في لَيْلَى ألاَ تَرَى * إلى ابْنِ كُراعٍ لاَ يزال مقزعا مَخَافَةَ هَذَيْنِ الأَمِيرَيْنِ سَهَّدَتْ * رُقَادِي وغشتني بيضا مُفَرَّعَا وهذا يدل على أنه خاطب اثنين سعيد بن عثمان ومن ينوب عنه أو من يحضر معه، ثم قال بعد أبيات: فإن أنتما أحكمتنمانى فَازْجُرَا * أرَاهِطَ تُؤْذِينِي مِنَ النَّاسِ رُضِّعَا وَإنْ تزجراني يا ابن عَفَّانَ أنْزَجِرْ * ... البيت فقوله " فإن أنتما أحكمتانى " دليل على أنه يخاطب اثنين، وقوله " أحكمتماني " أي منعتماني من هجائه، وأصله من أحْكَمْتُ الدابة، إذا جعلت في فيها حَكَمَةَ اللجام، وقوله " وإن تَدَعَانِي " أي: إن تركتماني حميت عرضي ممن يؤذيني، وإن زجرتماني انزجرت وصبرت، وَالرُّضْع: جمع راضع، وهو اللئيم، هذا آخر كلام ابن بري: وأنشد بعده: (من الرجز) * لاَ هُمَّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتجْ * وتقدم شرحه في الشاهد السادس بعد المائة
وأنشد بعده - وهو الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائتين -: (من الرجز) 234 - كَأنَّ في أذْنَابِهِنَّ الشُّوَّلِ * مِنْ عَبَسِ الصَّيْفِ قُرُونَ الأَجَّلِ على أن أصله الأيَّل فأبدلت الياء المشددة جيماً للوقف، كما في المفصل قال ابن السكيت في كتاب الإبدال: " بعض العرب إذا شَدَّد الياء جعلها جيما، وأنشد عن ابن الأعرابي * كَأَنَّ فِي أذْنَابِهِنَّ * إلخ " انتهى. ونقله ابن جني في سر الصناعة، ولم يقيداه بالوقف والبيتان من أرجوزة طويلة لأبي النجم العِجْلي وصف فيها الابل لهشام ابن عبد الملك، أولها: * الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَهُوبِ الْمُجْزِلِ * والضمير في " أذنابهن " للإبل، والشُّوّل: جمع شائل بلا هاء، وهي الناقة التي تشول بذنبها للقاح، ولا لبن بها أصلاً، وأما الشائلة فجمعها شَوْلٌ - بفتح فسكون - وهي النوق التي جَفَّتْ ألبانها وارتفع ضرعها وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، والْعَبَس - بفتحتين -: ما يتعلق في أذناب الإبل من أبعارها وأبوالها فيجف عليها، يقال منه: أعْبَسَت وعَبِسَ الوسخ في يد فلان: أي يَبِسَ، وخص العبس بالصيف لانه يكون أقوى وأصلب، فشبهه بقرون الإيَّل لأنها أصلب من قرون غيرها، والأُيَّل - بضم الهمزة وكسرها -: الذكر من الاوعال، وأنشد أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي قبلهما: * حَتَّى إذَا مَا بُلْنَ مِثْلَ الْخَرْدَلِ * وأنشد بعدهما: * ظَلَّتْ بِنِيْرَانِ الْحُرُوبِ تَصْطَلِي * وقال: إذا كلت اليبس خثرت أبو الهن فتراها تتلزق بأسوقهن كالخْطَمِي
والخردل، فإذا ضرَبْنَ بأذنابها على أعجازها وهي رطبة من أموالها ثم بركت اجتمع الشَّعَر وتلصَّق وقام قياماً كأنه قرون الأُيَّل. قال ابن المستوفي: إنما اختص إبدال الجيم من الياء المشددة في الوقف، لأن الياء تزداد خَفَاء في الوقف لسكونها، فأبدلوا منها حرفاً أظهر منها، وهو الجيم، لقربهما في المخرَج، واجتماعهما في الجهر، ومتى خرج هذا الإبدال عن هذين الشرطين، وهما الياء المشددة والوقف، عدوه شاذاً. وأنشد بعده - وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائتين -: (من الرجز) 235 - * حتى إذا ما أمسجت وأمسحا * على أن أصله أمْسَيَتْ وأمْسَى، فأبدلت الياء فيهما جيماً. قال ابن جني في سر الصناعة: " هذا من أحد ما يدل على ما ندعيه من أن أصل رَمَتْ رَمَيَت، ألا ترى انه لما أبدل الياء من أمْسَيَتْ جيماً، والجيم حرف صحيح يحتمل الحركات ولا يلحقه الانقلاب الذي يلحق الياء والواو، صحَّحَها كما يجب في الجيم، فبهذا ونحوه استدل أهل التصريف على أصول الأشياء المغيَّرة، كما استدلوا بقوله عزّ اسمه: (استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان) أن أصل اسْتَقَامَ اسْتَقْوَمَ، ولولا ما ظهر من هذا ونحوه لما أقدموا على القضاء بأصول هذه الأشياء، أو لما جاز ادعاؤهم إياها " انتهى. وقال ابن المستوفي: " وأورد الزمخشري الأُجَّل، لأن الإبدال فيه وقع حَشْواً في كلمة وهو أشد شذوذاً من الأول، وأشد منه بعدا إبدال الجيم من الياء في أمْسَجَتْ وأمْسَجَا: أبدلها حَشْواً وأجرى الوصل مجرى الوقف متوهِّماً أنها ملفوظ بها ياء، لأن أصل الألف فيها الياء " انتهى. وقال أحد شراح أبيات الإيضاح للفارسي: قيل: " إن هذا الشطر للعجاج،
يريد أمْسَتْ الأُتُن وأمْسَى الْعَيْرُ، وقيل: أراد أمْسَتِ النعامة وأمْسَى الظلِيم، ولم أعرف له صلة فأتبين الصحيح من ذلك " انتهى. ولم أقف أنا أيضاً على تتمة هذا الرجز وقائله بشئ، والله تعالى أعلم: باب الإدغام أنشد الجاربردي في أوله - وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المائتين -: (من الرجز) 236 - وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَانٍ قَفْرِ * وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ على أن هذا البيت لثقله بقرب مخارج حروفه لا يكاد يقوله أحد ثلاثَ مرات. قال الزمخشري في ربيع الأبرار: " يزعمون أن علقمة بن صفوان وحرب بن أمية من فتلى الجن، قالوا: وقالت الجن: * وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَانٍ قَفْرِ * إلخ قالوا: ومن الدليل على أن هذا من شعر الجن أن أحداً لا يقدر أن ينشد ثلاث مرات متصلة من غير تَتَعْتُع ويقدر على تكرار أشق بيت من أبيات الأنس عشر مرات من غير تتعتع، والله أعلم " انتهى. وكذا قال الجاحظ في كتاب البيان، وفي شرح تلخيص المفتاح للقُونَويّ: " وفي البيت الأقواء، وهو من عيوب الشعر، وإنما قلنا فيه الإقواء، لأن البيت مصرع، وكل واحد من المصراعيين فيه كبيت كامل " هذا كلامه. وقال بعضهم: قَفْر: مرفوع على تقدير: هو قفر، ويكون من القطع في النكرة بقلة، والقفر: المفازة وأرض لا نبات فيها ولا ماء، وحرب: هو جد معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه. وأنشد بعده أيضا - وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المائتين -: (من الطويل)
237 - يُذَكِّرُنِيكَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ والَّذِي * أخَافُ وأرْجُو والَّذي أتَوَقَّعْ على أن هذا البيت خفيفٌ على اللسان لبعد مخارج حروفه. والبيت أورده أبو تمام في الحماسة مع بيت قبله في باب النسيب، وهو: رَعَاكِ ضَمَانُ الله يَا أمَّ مَالِكٍ * وَلِلَّهُ أنْ يُشْفِيكِ أغْنَى وأوْسَعُ ووقع مثله في شعر مسلم بن الوليد، قال: وإنِّي وإسْمَاعِيلَ يَوْمَ وَدَاعِهِ * لَكَالْغِمْدِ يَوْمَ الرَّوْعِ فَارَقَهُ النَّصْلُ أمَا وَالْخَيَالاَتِ المُمِرَّاتِ بَيْنَنَا * وَسَائِلَ أدَّتْهَا الْمَوَدَّةُ وَالْوَصْلُ لَمَا خُنْتُ عَهْداً مِنْ إخَاءٍ ولا نَأَى * بذِكْرِكِ نَأْيٌ عَنْ ضَمِيرِي ولا شُغْلُ وإنِّيَ فِي مَالِي وأهْلِي كَأَنَّنِي * لِنَأْيِكِ لاَ مَالٌ لَدَيَّ ولاَ أهْلُ يُذَكرُنِيكَ الدِّينُ والْفَضْلُ والْحِجَى * وقِيلُ الْخَنَى والْعِلْمُ والْحِلْمُ والْجَهْلُ فَأَلْقَاكَ فِي مَذْمُومِهَا مُتَنَزِّهاً * وأَلْقَاكَ فِي مَحْمُودِهَا وَلَكَ الْفَضْلُ وأحْمَدُ مِنْ أخْلاَقِكَ الْبُخْلَ إنَّهُ * بِعِرْضِكَ لاَ بِالْمَالِ حَاشَا لَكَ الْبُخْلُ ثَنَاءٌ كَعَرْف الطَّيبِ يُهْدَى لأَهْلِهِ * ولَيْسَ لَهُ إلاَّ بَنِي خَالدٍ أهْلُ فَإنْ أغْشَ قَوْماً بَعْدَهُمْ أوْ أزُورَهُمْ * فَكَالْوَحْشِ يَسْتَدْنِيهِ لِلْقَنْصِ الْمَحْلُ وأنشد بعده أيضاً - وهو الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائتين، وهو من شوهد سيبويه -: (من البسيط) 238 - لاَ دَرَّ دَرِّي إن أطعمت نازلهم * قرف الحثى وعِنْدِي الْبُرُّ مَكْنُوزُ
لَوْ أَنَّهُ جَاءَنِي جَوْعَانُ مُهْتَلِكٍ * مِنْ بُؤْسِ النَّاسِ عَنْهُ الْخَيْرُ مَحْجُوزُ على أن بُؤساً فيه الإدغام للهمزتين، وهو جمع بائس، وهو الفقير، والرواية إنما هي " من جُوَّعِ الناس عنه الخير محجوز ". والبيتان أول قصيدة لأبي ذؤيب الهذلى، والاولى من شواهد سيبويه، قال الأعلم: الشاهد رفع مكنوز خبراً عن البُر، على إلغاء الظرف، ولو نصب على الحال لكان حسناً، قال السُّكَّرِيّ في أشعاره: قال أبو نصر: ويقال إنها للمتنخل الهذلي، وجواب لو بعد أبيات أربعة، وهو: لَبَاتَ أسْوة حَجَّاج وإخوَتِهِ * فِي جَهْدِنَا أوْلَه شِفٌّ وتَمْزِيزٌ قال شارح أشعار الهذليين: كان نزل بقوم فجُفِي، وكان قراه عندهم الْحَتِيُّ وهو سويق الْمُقْل، والحتي - بالحاء المهملة بعدها المثناة الفوقية على وزن فعيل - والمقل - بالضم -: ثمر الدَّوْم، والْقِرف - بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء -: القشر، يقول: إن أطعمت نازلهم مثل ما أطعموني فلا درَّ دَرِّي، وقوله " لو أنه جاءني جوعان - إلخ " ضمير أنه للشأن وجَوْعان - بفتح الجيم - بمعنى الجائع فاعل جاءني، وروي " جَوْعَانَ مهتلكاً " بنصبهما على الحالية، فتكون الهاء في " أنه " ضمير نازلهم، والمحجوز: المحروم والممنوع، ومن: بيانية، وعن: متعلقة بمحجوز، وحجاج: ابن الشاعر، والجهد - بفتح الجيم وضمها -: القوت، وأصل معناه الطاقة، وقيل: الضر الذي قد أصابه، وأصل معناه المشقة، والشفِّ - بالكسر -: الفضل، وتمزيز: تفضيل من المِز - بالكسر - أي: يكون له مزَّ على أولادي، يقال: هذا أمَزُّ من هذا: أي أفضل، وكذلك أشَفَّ، يقول: لو نزل بي مثل هذا ما قَصَّرت به ولا أطعمته قشر المُقْل، بل بات عندنا أسوة أولادي، بل كان متميزاً عنهم بزيادة الإكرام.
وأنشد الشارح - وهو الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائتين، وهو من شواهد سيبويه -: (من البسيط) 239 - مَهْلاً أعاذل قد جربت من خلقي * أني أجُودُ لأَقْوَامٍ وإنْ ضَنِنُوا على أن " ضننوا " شاذ للضرورة، والقياس ضَنُّوا بالإدغام، وأنشده سيبويه في موضعين من كتابه: الأول في باب ما يحتمل الشعر من أول كتابه، والثاني في باب اختلاف العرب في تحريك الآخر من أواخر كتابه، قال فيه: " واعلم أن الشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أجْرَوْه على الأصل، قال قَعْنَب ابن أم صاحب: * مَهْلاَ أعَاذِلُ ... البيت " وقال آخر: * يَشْكُو الْوَجَا مِنْ أظْلَلٍ وَأظْلَلِ * " انتهى. قال ابن خلف: مَهْلاً منصوب بإضمار فعل، كأنه قال أمهلي يا عاذلتي ولا تبادري باللوم، ومهلاً: في موضع إمهالاً، وعاذل: منادى مرخم عاذلة، أراد يا عاذلة قد جربت من خلقي أني أجود على من بخل عليّ وأعطي من لا ألتمس منه المكافأة، وإن ضنوا شرط محذوف الجواب، كأنه قال: وإن ضنوا لم أضن، وصف أنه جَوَاد لا يصرفه الْعَذْل عن الجود. وقَعْنَب بفتح القاف وسكون العين المهملة وفتح النون، ومعناه في اللغة الشديد الصلب من كل شئ، وهو غطفاني. وأنشد بعده - وهو الشاهد الأربعون بعد المائتين، وهو من شواهد سيبويه -: (من الرجز)
240 - * تَشْكُو الْوَجَى مِنْ أظْلل وأظْلَلِ * على أنه شاذ ضرورة، والقياس أظلّ بالإدغام قال الأعلم: " الشاهد فيه إظهار التضعيف في الأظلّ ضرورة، وهو باطن خف البعير، والوجى: الْحَفَى، يعني أنه حمل عليه في السير حتى اشتكى خفيه " انتهى وبعده: * مِنْ طُولِ إمْلاَلٍ وظَهْرِ ملل * وتشكو بالمثناة الفوقية، وفاعله ضمير الإبل، والوجى بالجيم، قال الزجاج: مَلَّ عليه السفر وأمَلَّ، إذا طال عليه، والمراد بالإملال السفر، أو أنه من أمَلَّه وأملَّ عليه: أي أسامه، ومُمَلَل: شاذ أيضاً، والقياس مُمَلٌّ، بالإدغام والبيتان من رجز طويل لأبي النجم العِجْليّ وصف فيه الإبل لهشام بن عبد الملك وأوله: * الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الأَجْلَلِ * وهذا أيضاً ضرورة، والقياس الأجل. وأنشد بعده - وهو الشاهد الواحد والأربعون بعد المائتين -: (من الطويل) 241 - لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الْحَرِيرِ وَمَنْطِقٌ * رخيم الحواشي لا هراء ولا نَزْرُ على أن الرَّخيم الصوتُ اللَّيِّن، والترخيم: تَلْيِينُ الصَّوْت والبيت من قصيدة لذي الرُّمَّة نَسَب فيها بِمَيَّة محبوبته وَبَشَرَةُ الإنسان - بالتحريك -: ظَاهِرُ بدنه، والجمع بَشَر، ويقال: فلان رقيق البشرة والبشر، بمعنى واحد، والمنطق: اسم مصدر بمعنى النطق، والرخيم:
الناعم اللين، والهراء - بالضم والمد - قال أبو عبيد في الغريب المصنف: هو المنطق الفاسد، ويقال: الكثير، وأنشد البيت، والنَّزْر: القليل، قال ابن جني في المحتسب: " وما أظرف قوله: رخيم الحواشي: أي لا ينتشر حواشيه فَتَهْرَأُ فيه، ولا يضيق عما يحتاج من مثلها إليه للسماع والْفُكاهة، لكنه على اعتدال " انتهى. ومثله للسيد المرتضى في أماليه قال: الهراء الكثير، فكأنه قال إن حديثها لا يقلّ عن الحاجة ولا يزيد عليها " انتهى. وقال ابن السيرافي " وصفها باعتدال الخِلْقَة والأخلاق " وأنشد بعده - وهو الشاهد الثاني والأربعون بعد المائتين -: (من البسيط) 242 - واذْكُرْ غُدَانَةَ عِدَّاناً مُزَنَّمَةً * مِنَ الْحَبَلَّقِ تُبْنَى حَوْلَهَا الصِّيَرُ على أن عدانا عِتْدَان، فأبدلت التاء دَالاً فأدغم وهو جمع عَتُود، وهو الْجَذَعُ من الْمِعْزَى، وهو ما رعيَ وقوِي وأتى عليه حَوْل، وَالْحَبَلَّق - بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة واللام المشددة -: أولاد المعز الصغار الأجسام القصار، وغُدَانة - بضم الغين المعجمة -: أبو قبيلة من تميم، وهو غُدانة بن يربوع، يريد واذكر لغدانة: أي لهذه القبيلة أولادَ المعز، فإنها رعاة ليس لها ذِكْر ولا شرف، والْمُزَنَّمة: التي لها زَنَمَة، والزَّنَمَة - بالتحريك -: شئ يقطع من أذن البعير والمعز فيترك مُعَلَّقاً، والضأن لا زنمة لها، وضمير " حولها " للعِدّان، وتبنى - بالبناء للمفعول -: من البناء: والصير - بكسر ففتح -: جمع صيرة، قال الجوهرى: الصيرة حضيرة الغنم، وجمعها صير مثل سيرة، وأنشد هذا البيت وهو من قصيدة طويلة للأخطل النصراني مدح بها عبد الملك بن مروان وذكر فيها قتل عُمَيْر بن الْحُبَاب، وكان قد خرج على عبد الملك، ويغريه بقتل زُفُر بن الحارث الكلابي ثم تدرج لهجو قبائل قيس عَيْلاَن لكونهم كانوا مع
ابن الْحُبَاب وزُفَرَ بن الحارث، وهذه أبيات منها: أَمَّا كُلَيْبُ بْن يَرْبُوعٍ فَلَيْسَ لَهُمْ * عِنْدَ الْمَكَارِمِ لا وِرْدٌ وَلاَ صَدَرُ مُخَلَّفُون وَيَقْضِي النَّاسُ أمْرَهُمُ * وهُمْ بِغَيْبٍ وفِي عَمْيَاءَ مَا شَعَرُوا مُلَطَّمُونَ بِأَعْقَارِ الْحِيَاضِ فَمَا * يَنْفَكُّ مِنْ دَارِمَيٍّ فِيهِمُ أثَرُ الآكِلُونَ خَبيثَ الزَّادِ وَحْدَهُمُ * وَالسَّائِلُونَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مَا الْخَبَرُ واذْكُرْ غُدَانَةَ عدانا مزنمة * من الحبلق تبنى حولها الصير وما غدانة في شئ مَكَانَهُمْ * الْحَابِسُو الشَّاءِ حَتَّى تَفْضُلَ السُّؤَرُ جمع سُؤْر، وهو الْفَضْلة قَدْ أقْسَمَ الْمَجْدُ حَقّاً لاَ يحالفهم * حَتَّى يُحَالِفَ بَطْنَ الرَّاحَةِ الشَّعَرُ وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والأربعون بعد المائتين، وهو من شواهد سيبويه -: (من البسيط) 243 - هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيكَ نَائِلَهُ * عَفْواً وَيُظْلَمُ أحْيَاناً فَيَظْطَلِمُ على أنه جاء بالأوجه الثلاثة، وهو ترك الإدغام والإدغام على الوجهين بالظاء والطاء. وقال ابن جني في سر الصناعة: " روي على أربعة أوجه هذه الثلاثة، والرابعة فينظلم، وهذه ينفعل " وأورد سيبويه على الإدغام بالوجهين، قال الأعلم: " الشاهد فيه قلب الطاء من يظطلم ظاء معجمة، لما أرادوا إدغام الطاء فيها، والظاء أصلية، والطاء مبدلة من تاء الافتعال الزائدة، فلما أرادوا الإدغام قلبوا الأصلي ليدغم فيه
الزائد، والأقيس الأكثر فيَطَّلِمُ - بطاء غير معجمة - لأن حكم الإدغام أن يدغم الأول في الثاني، ولا يراعى فيه أصل ولا زيادة، والبيت يقوله لهَرِم بن سنان المري، ومعنى يُظْلم يُسْأل في حال عسرته ويكلف ما ليس في وسعه أي: فيَظَّلِم: أي يتحمل ذلك ويتكلفه "، انتهى. والبيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى، مدح بها هر ما المذكور، وأولها: قِفْ بِالدِّيَارِ الَّتِي لَمْ يَعْفُها الْقِدَمُ * بَلَى وَغَيَّرَهَا الأَرْوَاحُ وَالدِّيَمُ والنائل: الإحسان، والعفو: ما كان سهلاً من غير مَطْلٍ، ومعنى " ويُظْلَم أحياناً - إلخ " أنه يُطلب منه في غير وقت الطلب ولا موضعه فَيُعْطى، جعل السؤال منه في وقت السؤال ظلماً، وجعل إعطاءَهُ ما سئل على تلك الحال وتكلًُّفَه لذلك أظَّلاماً وأنشد الجاربردي - وهو الشاهد الرابع والأربعون بعد المائتين، وهو من شواهد سيبويه -: (من الطويل) 244 - وَفِي كُلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطَّ بِنِعْمَةٍ * فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ على أن أصله خَبَطْتٍّ، فَقَلب وأدغم قال سيبويه: " وسمعناهم ينشدون هذا البيت لعلمقة بن عَبَدَة * وَفِي كُلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطَّ - إلخ * وأعْرَفُ اللغتين وأجودهما أن لا تقلبها طاء، لأن هذه التاء علامة الإضمار، وإنما تجئ لمعنى، وليست تلزم هذه التاء الفعل، ألا ترى أنك إذا أضمرت غائبا قلت فعلت؟ فلم تكن فيه تاء ... إلى آخر ما ذكره "
قال الأعلم: " الشاهد فيه إبدال التاء من خبطت طاء لمجاورتها الطاء ومناسبتها في الجهر والإطباق، فأراد أن يكون العمل من وجه واحد، وأن يكون الحرفان في الطبع وجهارة الصوت كحرف واحد، وهَذا البدل يطرد في تاء مُفْتَعِل إذا وقعت بعد الطاء، كقولك مُطَّلب في مفتعل من الطَّلَب، ولا يطرد في مثل خَبَطْتَ، لأن الفعل يكون لغير المخاطب والمتكلم، فلا تقع من التاء في آخره، فلم تلزمه لزوم التاء الطاء في مُفْتَعِل، يقول: هذا للحارث بن أبي شِمْر الغسّاني، وكان قد أوقع ببني تميم وأسر منهم تسعين رجلاً فيهم شأس بن عَبَدَة أخو عَلقَمَة بن عَبَدَةَ فوفد عليه علقمةُ مادحاً له وراغباً في أخيه فلما أنشده القصيدة وانتهى منها إلى هذا البيت قال له الحارث: نعم، وإذْنِبَةٌ، والذَّنوب: الدَّلْو مَلأَى، فضربت مثلا في القسمة والحظ ومعنى خَبَطْت أسْدَيْت وأنعمت، وأصل الخبط ضرب الشجر بالعصا ليتحات ورقها فتعلفه الابل، فجعل ذلك مثل في العطاء، وجعل كل طالبٍ معروفاً مختبطاً، وكل مُعْطٍ خابطاً. وبعد البيت: فَلاَ تَحْرِمَنِّي نَائِلاً عَنْ جَنَابَةٍ * فَإِنِّي امْرُؤٌ وَسْطَ الْقِبَابِ غَرِيبُ والجبابة: الغُربة، فحيره الحارث بين الحباء الجزل وإطلاق أسْرَى بني تميم، فقال له علقمة: عرضتني لالسن بني تميم، دعني يومي هذا حتى أنظر في أمري، فأتاهم في السجن، فعرفهم تخيير الحارث له، فقالوا له: وَيْلَكَ! أتدعنا وتنصرف؟ قال: فإن الملك سيكسوكم ويحملكم ويزودكم، فإذا بلغتم الحي فلي الكسوة والحملان وبقية الزاد إن اخترت إطلاقكم؟ قالوا: نعم، فدخل من غده على الحارث وعرفه أنه قد اختار إطلاقهم على الحباء، فأطلقهم وكساهم وحملهم، فلما انتهوا إلى الحي وَفَوْا لعلقمة بما جعلوا له، وهذا البيت آخر أبيات كتاب سيبويه "، انتهى كلام الأعلم.
أقول: القصيدة التي منها البيت الشاهد مذكورة في المفضليات، وذكر ابن الأنباري في شرحها ما ذكره الأعلم، والبيت الذي أورده الأعلم ليس بعده، وإنما هو قبله بأبيات كثيرة، ومطلع القصيدة: طحابك قلب فِي الْحِسَانِ طَرُوبُ * بُعَيْدَ الشَّبَابِ عصر خان مَشِيبُ ويعجبني منها قوله: فإنْ تَسْأَلُوني بِالنِّسَاءِ فَإنِّنِي * بَصيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ إذا شَابَ رَأْسُ الْمَرْءِ أوْ قَلَّ مَالُهُ * فَلَيْسَ لَهْ مِنْ وَدِّهِنَّ نَصِيبُ يُرِدْنَ ثَرَاءَ الْمَالِ حَيْثُ عَلِمْنَهُ * وَشَرْخُ الشَّبَابِ عِنْدَهُنَّ عَجِيبُ وعلقمة بن عَبَدَة - بفتح العين والموحدة -: شاعر جاهلي من الفحول، وكان صديقاً لامرئ القيس، وقد ترجمناه في الشاهد الثاني عشر بعد المائتين من شرح أبيات شرح الكافية. الحذف أنشد المصنف في المتن - وهو الشاهد الخامس والأربعون بعد المائتين -: (من الطويل) 245 - تَقِ الله فِينَا وَالْكِتَابَ الَّذِي تَتْلُو على أن " تق أمر من يتقى بفتح المخففة، وماضيه تَقَى، وأصلهما اتَّقَى يَتَّقِي بالتشديد على افتعل يفتعل من الوقاية، والأصل اوتقى يوتقي، فقلبت الواو في الأولى ياء لانكسار ما قبلها، ثم أبدلت تاء وأدغمت وأبدلت في الثانية تاء، وأدغمت، ولم تحذف لعدم انكسار ما بعدها، فلما كثر الاستعمال
كذا حذفوا التاء الساكنة منهما، وهي فاء الفعل، فصارا: تَقَى يَتَقِي بتخفيف التاء المفتوحة، وحذفت الهمزة من الماضي لعدم الحاجة إليها فصار تَقَى، ووزنه تَعَلَ محذوفَ الفاء، فأخذ الأمر وهو تَقِ من يَتَقِ، بدون همزة وصل، لأن ما بعد حرف المضارعة مُحَرَّك. وقول الجاربردي: قالوا تَقَى يَتَقِي كَرَمَى يَرْمِي يلزمه أن يقال في أمره: اتقِ، وفي اسم فاعله تَاقٍ، وغير ذلك، ولم يسمع شئ منها. وقد بينا فيما كتبناه على البيت الأول من شرح بانت سعاد لابن هشام منشأ قوله هذا، وبسطنا الكلام عليه. وهذا المصراع عجز وصدره: * زِيَادَتَنَا نُعْمَانُ لاَ تَنْسَيَنَّهَا * وهو من قصيدة لعبد الله بن همام السلولى خاطب بها النعمان بن بَشير الأنصاري، وكان أميراً على الكوفة في مدة معاوية رضي الله عنه، وكان معاوية قد زاد ناساً في عَطَائهم عَشَرَةً، فأنفذها النعمان، وترك بعضهم، لانهم جاءوا بكتب بعد ما فرغ من الجملة، وكان ابن همام ممن تخلف، فكلمه، فأبى عليه، فقال ابن همام هذه القصيدة يُرَقَّقه عليه، ويتشفع بالأنصار، ويمدح معاوية رضي الله عنه، وقد أوردنا أبياتاً منها هناك وشرحناها. وقوله " زيادتنا " منصوب بفعل محذوف يفسره الفعل المؤكد بالنون، قال الرضى: إن الفعل المؤكد بالنون لا يعمل فيما قبله، وروي " لا تحرمَنَّنا " بدل لا تنسينها، ونُعْمان: منادى، وهو النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، ولد قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثماني سنين، وحدث حديثين أو ثلاثة، وكان أميراً على الكوفة لمعاوية تسعة أشهر تم صار أميراً على حِمْص له، ثم ليزيد، فلما مات يزيد صار النعمان زُبَيْريا، فخالفه أهل حمص، فأخرحوه وقتلوه، كذا في الاستيعاب
وأنشد الجاربردي - وهو الشاهد السادس والأربعون بعد المائتين - (من الطويل) 246 - غَدَاةَ طَفَتْ عَلْماءِ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ * وَعَاجَتْ صُدُورُ الْخَيْلِ شَطْرَ تمِيمِ على أن أصله " على الماء " كما بَيَّنه. قال المبرد في الكامل: يريد على الماء، والعرب إذا التقت في مثل هذا اللامان استجازوا حذف إحداهما استثقالاً للتضعيف، لأن ما بقي دليل على ما حذف، يقولون: عَلْمَاءِ بنو فلان، وكذلك كل اسم من أسماء القبائل تظهر منه اللام المعرفة، فإنهم يجيزون معه حذف النون التي في قولك: بنو، لقرب النون من اللام، وذلك قولك: فلان من بَلْحَارِث، وبَلْعَنْبَر، وبَلْهُجَيْم والبيت من قصيدة عدتها اثنا عشر بيتاً لأحد الخوارج قالها في وقعة دُولاب (1) وهزموا أهل البصرة حتى غرق أكثرهم وعطفوا على بني تميم فأصابوا وقوله " غَدَاةَ " بدل من يوم في قوله " وَلَوْ شَهِدْتَنِي يَوْمَ دُولاب " في البيت قبله، وقوله " طَفَتْ عَلْمَاء " أي: علت على الماء جثث الذين غرقوا في الماء من بكر لما فَرُّوا من الخوارج، وعاجت: عطفت ومالت، وصدور: فاعل، واللام في " الخيل " عوض من ضمير المتكلم: أي صدور خيلنا، وشطر: ظرف بمعنى
جهة متعلق بعاجت، ويأتي عاج متعدياً أيضاً، وهو الأكثر، يقال: عُجْتُ البعير أعوجه عَوْجاً وَمَعَاجاً، إذا عطفت رأسه بالزمام، وبه روي أيضا، " وعجنا صُدُورَ الْخَيْلِ شَطْرَ تَمِيم " وكأنَّ الجار بردى لم يقف على منشأ الشعر حتى قال: " يعني قُتِل هؤلاء وقُصد هؤلاء، وقيل: طَفْت علماء يذكر في موضع المدح، والمعنى أنهم عَلُوا في المنزلة والعزِّ بحيث لا يعلوهم أحد، كما أن الميتة تطفو على الماء، وتعلو عليه " هذا كلامه، وكذا لم يفهم معناه خَضِر الموصلي في شرح أبيات التفسيرين، قال: " المعنى أن هذه القبيلة زمان علوا في المنزلة والغلبة على العدو حتى كأنهم طَفَوا وعَدُوُّهم رسب، وأقبلت صدور خيلهم وعطفتها نحو القبيلة المسماة بتميم، والبيت لم أطلع على قائله " انتهى كلامه أقول: البيت من قصيدة أوردها المبرد في قصص الخوارج من الكامل، ونسبها لِقَطريّ بن الفجاءة المازني، وهي: لَعَمْرُكَ إنِّي فِي الْحَيَاةِ لَزَاهِدٌ * وَفِي الْعَيْشِ مَا لَمْ ألْقَ أمَّ حكيم من الحفرات الْبِيضِ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا * شِفَاءً لِذِي بَثٍّ وَلاَ لِسَقِيمِ لَعَمْرُكَ إنِّي يَوْمَ ألْطِمُ وَجْهها * عَلَى نَائِبَاتِ الدَّهْرِ جِدُّ لَئِيمِ وَلَوْ شَهِدْتَنِي يَوْمَ دَولاَبَ أبْصَرَتْ * طِعَانَ فَتىً فِي الْحَرْبِ غَيْرِ ذَمِيمِ غَدَاةَ طَفَتْ عَلْمَاءِ بَكْرُ بْنُ وَائِلِ * وَعُجْنَا صُدُورَ الْخَيْلِ نَحْوَ تَمِيمِ وَكَان لِعَبْدِ الْقَيْسِ أوَّلُ جَدِّهَا * وَأحْلاَفِهَا مِنْ يَحْصَبٍ وَسَلِيمِ وَظَلَّتْ شُيُوخُ الأَزْدِ فِي حوْمَةِ الْوَغَا * تَعُومٌ وَظَلْنَا في الْجِلاَدِ نَعُومُ فَلَمْ أرَ يَوْماً كَانَ أكْثَرَ مُقْعَصاً * يَمُجُّ دَماً مِنْ فَائِظٍ وَكَلِيمِ
وَضَارِبَةً خَدّاً كَرِيماً عَلَى فَتًى * أغرَّ نَجِيبِ الأمَُّهاتِ كَرِيمِ أُصِيبَ بدُولاَبٍ وَلَمْ تَكُ مَوْطِناً * لَهُ أرْضُ دُوْلاب وَدَيْرُ حَمِيمِ فَلَوْ شَهِدَتْنَا يَوْمَ ذَاكَ وَخَيْلُنَا * تُبِيحُ مِنَ الكُفَّارِ كلَّ حَرِيمِ رَأَتْ فِتْيَةٌ بَاعُوا الإلهَ نُفُوسَهُمْ * بِجَنَّاتِ عَدْنِ عِنْدَهُ ونَعِيمِ وقال الأصبهاني في الأغاني: " ذكر المبرد أن الشعر بن الْفُجَاءة، وذكر الهيثم بن عدى وخالد بن خِداش أنه لعمرو الْقَنَا، وذكر وَهْب بن جرير أنه لحبيب ابن سهم التميمي، وذكر أبو مخنف أنه لعبيد بن هلال اليشكري، وقال المديني: هو لصالح بن عبد الله الْعَبْشَمِي " والله تعالى أعلم وقوله " ما لم ألق أم حكيم " بفتح الحاء وكسر الكاف، قال صاحب الأغاني: " أخبرني أحمد بن جعفر جَحَظَة، قال: حدثني ميمون بن هارون، قال: حُدِّثت أن امرأة من الخوارج كانت مع قَطَرِيّ بن الْفُجَاءَة يقال لها أم حكيم، وكانت من أشجع الناس وأجملهم وجْهاً وأحسنهم بدينهم تَمَسُّكاً، وخطبها جماعة منهم فردتهم، ولم تجب إلى ذلك، فأخبر من شهدها أنها كانت تحمل على الناس، وترتجز: (من الرجز) أَحْمِلُ رَأْساً قَدْ سَئِمْتُ حَمْلَهُ * وَقَدْ مَلِلْتُ دَهْنَهُ وَغسْلَهُ * ألاَ فَتَىً يَحْمِلُ عَنِّي ثِقْلَهُ * قال: وهم يُفَدُّونها بالآباء والأمهات، فما رأيت قبلها ولا بعدها مثلها " وقوله " جِدُّ لئيم " بكسر الجيم، خَبَرُ إني، يريد أني لئيم جداً، ودُولاب - بالضم -: قرية من عمل الأهواز بينها وبين الأهواز أربعة فراسخ، وكانت بها الحرب بين الأزارقة من الخوارج وبين مسلم بن عبيس (1) بن كريز خليفة عبد الله
ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وكان ذلك في أيام ابن الزبير سنة خمس وستين. وقوله " غداة طفت علماء - البيت " هكذا رأيته في نسختين قديمتين صحيحتين جداً من نسخ الكامل، وكذلك هو المشهور أيضاً، ورأيت صاحب الأغاني أدرج بينهما بيتاً، ورواه هكذا غداةَ طَفَتْ عَلْمَاءِ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ * وَأُلاَّفُها من حمير وسليم ومال الححازيون دون بلادهم * وَعُجْنَا صُدُورَ الْخَيْلِ نَحْوَ تَمِيمِ وقوله " وكان لعبد القيس - إلخ " هو قبيلة، وأحلافِها - بالجر - معطوف عليه، جمع حِلْف - بالكسر - وهو المحالف والمعاهد، ويَحْصِبُ وسليم: قبيلتان، بيان لأحلافها، وأولُ جدها - بالرفع -: اسم كان، وخبرها المجرور قبله، والجد - بفتح الجيم -: الاجتهاد، والمعنى كقول الشاعر: إذَا لمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ الله لِلْفَتَى * فَأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وقوله " وظلت شيوخ الأزد - إلخ " أي: شجعانها تعوم في دمائها، والجلاد - بكسر الجيم -: المجالدة والمضاربة بالسيف، والمقعص: اسم مفعول: الذي قتل في مكانه فلم يبرح، والفائظ: الذي فاظت نفسه: أي خرجت روحه، والكليم: المجروح، وقوله " رأت فتية باعوا الإله نفوسهم " بزعمهم هذا سَمَّوْا أنفسهم شُرَاة، وهو جمع، شار، قال الجوهرى: والشراء الخوارج، الواحد شارٍ، سموا بذلك لقولهم: إنا شَرَيْنَا أنفسنا في طاعة الله تعالى: أي بعناها بالجنة حين فارقنا الائمة الجائزة، يقال منه: تشرى الرجل وهذا خبر وقعة دولاب، روى صاحب الأغاني (1) بسنده إلى خالد بن خِداش قال: " إن نافع بن الأزرق لما تفرقت آراء الخوارج ومذاهبهم في أصول مقالتهم أقام بسوق الأهواز وأعمالها لا يعترض الناس وقد كان متشككاً في ذلك، فقالت له امرأته
إن كنت قد كفرت بعد إيمانكم وشككت فدع نحْلتك ودَعوتك، وإن كنت قد خرجت من الكفر إلى الإسلام فاقتل الكفار حيث لقيتهم وأنخن في النساء والصبيان، كما قال نوح عليه السلام (لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً) فقبل قولها بسط سيفه فقتل الرجال والنساء والولدان، وجعل يقول: إن هؤلاء إذا كبروا كانوا مثل آبائهم، فإذا وطئ بلداً فَعَلَ هذا به إلى أن يجيبه أهله، ويدخلوا في ملته فيرفع السيف ويضع الجبابة، فعظم أمره واشتدت شوكته وفشا عماله في السواد، فارتاع لذلك أهل البصرة ومشوا إلى الأحنف بن قيس وشكوا إليه أمرهم، قالوا: ليس ببننا وبين القوم إلا ليلتان وسيرتهم ما عَلِمْتَ، فقال لهم الأحنف: إن سيرتهم في مصركم إذا ظفروا به مثل سيرتهم في سوادكم، فخذوا في جهاد عدوكم، وحرضهم فاجتمع إليه عشرة آلاف رجل بالسلاح فأتى عبد الله بن الحارث بن نوفل وسأله أن يؤمر عليهم أميراً، فاختار لهم مسلم بن عُبَيْس بن كُرَيْز بن ربيعة وكان فارساً شجاعاً ديِّناً، فأمَّره عليهم فلما نفذ من جسر البصرة أقبل على الناس وقال: إني ما خرجت لامتيار ذهب ولا فضة، وإنى لا حارب قوما إذا ظفرت بهم فما وراءهم إلا سيوفهم ورماحهم، فمن كان من شأنه الجهاد فلينهض، ومن أحب الحياة فليرجع، فرجع نفر يسير، فلما صاروا بدُوْلاب خرج إليهم نافع واقتتلوا قتالاً شديداً حتى تكسرت الرماح، وعُقِرت الخيل، وكثرت الجراح والقتْلى، وتضاربوا بالسيوف والعَمَد فقتل في المعركة ابن عُبَيس وذلك في جمادى الآخرة سنة خمسة وستين، وقتل نافع بن الأزرق، والشُّراة يومئذٍ ستمائة رجل، وكانت الحدَّة وبأس الشُّراة واقعاً ببني تميم وبنى سدوس، واسخلف ابن عُبَيْس وهو يجود بنفسه الربيعَ بن عمرو الغُدَانِيَّ وكان يقال له: الأجذم، وكانت يده أصيبت بكابل مع عبد الرحمن بن سَمُرة، واستخلف نافعُ بن الأزرق عُبَيْد الله بن بشير أحد بنى سليط ابن يربوع، ولم يزل الربيع يقاتل الشُّراة نيفاً وعشرين يوماً، ثم أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: إني مقتول لا محالة، إني رأيت البارحة كان يدي التي أصيبت بكابل
انحطت من السماء فجذبتني، فلما كان من الغد قاتل إلى الليل ثم غاداهم فقتل يومئذٍ، فلما قتل الربيع تدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب، إذ لم يكن لهم رئيس، ثم أجمعوا على الحَجَّاج بن باب الحِمْيَرِيِّ، وقد اقتتل الناس يومئذٍ وقبله يومين قتالاً شديداً لم يقتتلوا مثله: تطاعنوا بالرماح حتى تقصَّفتْ، ثم تضاربوا بالسيف والعَمَد حتى لم يبق لأحد منهم قوة، حتى كان الرجل يضرب الرجل فلا يغني شيئاً من الإعياء، وحتى كانوا يترامون بالحجارة ويتكادمون بالافواه، فلما تدافع القوم الراية اتفقوا على الحجاج وامتنع من أخذها، فقال له كُرَيب بن عبد الرحمن: خذها ولا تخف، فإنها مَكْرُمة، فقال إنها لراية مشئومة ما أخذها أحد إلا قتل، فقال له كريب: يا أعور تقارعت العرب (على أمرها) ثم صيروها إليك فتأبى خوف القتل؟ خذ اللواء، فإن حضر أجلك قتلت: كانت معك أو لم تكن، فأخذ اللواء وناهضهم واقتتلوا حتى انتقضت الصفوف وصاروا كراديس (1) ، والخوارج أقوى عُدَّة بالدروع والجواشِن (2) ، فجعل الحجاج يغمض عينيه ويحمل حتى يغيب في الشُّراة ويَطْعُن فيهم، ويقتل حتى يظن أنه قد قتل، ثم يرفع رأسه وسيفه يقطر دماً، ويفتح عينيه فيرى الناس كراديس يُقاتل كلُّ قوم في ناحية، ثم التقى الحجاج وعِمْرَان بن الحارث الراسبيُّ فاختلفا ضربتين: كل منهما قتل صاحبه، ثم تحاجزوا فأصبح أهل البصرة وقد هرب عامتهم وولوا حارثة بن بدر الغُدَانِيَّ أمرهم، فلما تسلم الراية نادى فيهم أن يثبتوا فإذا فتح الله عليهم فللعرب زيادة فريضتين وللموالي زيادة فريضة، وندب الناس فالتقوا وليس بأحد منهم قوة وقد فشت فيهم الجراحات، وما تطأ الخيل إلا على القتلى، فبينا هم كذلك إذا أقبل من اليمامة جمع من الشُّرَاة يقول المُكَثِّر إنهم مائتان، والمقلل: إنهم أربعون، فاجتمعوا وهم مريحون مع أصحابهم فصاروا كوكبة واحدة، فحملوا على الناس فلما رآهم حارثة بن بدر نكص برايته فانهزم وقال:
كرنبوا ودلبوا * وحَيْثُ شِئْتُمْ فاذْهَبُوا وقال: أيْرُ الْحِمَارِ فَرْيَضَة لِعَبِيدَكُمْ * والْخُصْيَتَانِ فَرِيضَةُ الأَعْرَابِ فتتابع الناس على أثره منهزمين، وتبعهم الخوارج فألقوا أنفسهم في دجيل (1) فغرق منهم خلق كثير، وسلمت بقيتهم، وكان ممن غرق دَغْفَل بن حنظلة أحد بني عمرو بن شيبان، ولحقت قطعة من الشُّراة خيل عبد القيس فأكبوا عليهم فعطفت عليهم خيل بني تميم فعاونوهم وقاتلوا الشُّراة حتى كشفوهم، فانصرفوا إلى أصحابهم وعبرت بقية الناس، فصار حارثة ومن معه بنهرِ تِيْرى والشُّراة بالأهواز، فأقاموا ثلاثة أيام، وكان على الأزد يومئذٍ قَبِيصة بن أبي صُفْرة أخو الْمُهَلَّب، وغرق من الأزد يومئذٍ عدد كثير، فقال شاعر الأزارقة: (من الوافر) يَرَى مَنْ جَاءَ يَنْظُرُ في دُجَيْلٍ * شُيُوخَ الأَزْدِ طَافِيَةً لِحَاهَا " وأنشد أيضاً: (من الرجز) يَا قاتل الله بني السعلاة * عمرو بْنِ يَرْبُوعٍ شِرَارِ النَّاتِ وتقدم شرحه مفصلا في الشاهد الثالث والعشرين بعد المائتين. مسائل التمرين أنشد فيها: (من الرجز) لا تَقْلُوَاهَا وادْلُوَاهَا دلوا * إن مع اليوم أخاه غدوا وتقدم شرحه في الشاهد السادس عشر بعد المائتين. وأنشد بعده - وهو الشاهد السابع والأربعون بعد المائتين -: (من الوافر)
مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ * رَوَانِفُ ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا على أن قوله " وتسطارا " من استطاره: أي طيره. " ومتى " اسم شرط، و " تلقني " شرطه و " ترجف " جزاؤه، وروي بدله " تُرْعَدْ " بالبناء للمفعول، و " روانف " فاعل ترجف، و " فردين " حال من الفاعل والمفعول. قال أبو على: " تستطارا، جزم عطف على تُرْعد، حملته على الأليتين أو على معنى الروانف، لأنهما اثنان في الحقيقة، وهذا أحسن من أن تحمله على أن في (تستطارا) ضمير الروانف، وتجعل الألف بدلاً من النون الخفيفة، لأن الجزاء واجب " انتهى. والروانف: جمع رانفة، بالراء المهملة والنون والفاء، وهي طرف الألية الذي يلي الأرض إذا كان الإنسان قائماً، و " تستطارا " بمعنى تطلب منك أن تطير خوفاً وجبناً، والعرب تقول: لمن اشتد به الخوف: طارت نفسه خوفاً. وقد شرحنا هذا البيت على وجوه شتى من الإعراب، ونقلنا ما للناس فيه في الشاهد التاسع والستين بعد الخمسمائة من شواهد شرح الكافية. وهو من أبيات ثلاثة عَشَر لعنترة العبسى الجاهلي خاطب بها عُمارة بن زياد العبسي، وقد شرحناها هناك على وجه لا مزيد عليه بعون الله وفضله. وأنشد بعده: (من الرجز) * مَا بال عيني كالشعيب الْعَيَّنِ * وتقدم الكلام عليه في الشاهد الخامس والعشرين من أوائل هذا الكتاب مقدمة علم الخط أنشد فيها: (من الطويل) * قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ *
وتقدم الكلام عليه أيضاً في الشاهد الرابع والعشرين بعد المائة من هذا الكتاب. وأنشد بعده: (من الرجز) * بل جوز تيهاء كظهر الْحَجَفَتْ * وهذا أيضاً قد تقدم شرحه في الشاهد الواحد بعد المائة من هذا الكتاب. وأنشد الْجَارَبَرَدِيُّ فيها - وهو الشاهد الثامن والأربعون بعد المائتين -: (من الرجز) 248 - بَاعَدَ أُمَّ الْعَمْرِ مِنْ أسِيرِهَا * حُرَّاسُ أبْوَابٍ عَلَى قُصُورِهَا على أن عمرا إذا دخله اللام لضرورة الشعر لا تلحقه الواو المميزة بينه وبين عمر وحُرَّاس: جمع حارس، فاعل باعد: أي جعلوه بعيداً لا يقدر على القرب من بابها، وأم العمر: مفعول باعد، والْقُصُور: جمع قصر وهو بيت على بيت، و " على " بمعنى اللام وهذا البيت أنشده ابن جني في سر الصناعة عن الأصمعي لزيادة اللام في العلم ضرورة، وتبعه ابن هشام في بحث " أل " من المغني، وهو لأبي النجم العِجْلِيِّ، وبعده: وغَيْرَةٌ شَنْعَاءَ مِنْ غَيُورِهَا * فَالسِّحْرُ لاَ يُفْضِي إلَى مَسْحُورِهَا وغيره: معطوف على حُرَّاس، وأراد بالغَيُور زوجها، وأراد بالسِّحْر كلامها اللذيذ الذي يستميل القلوب كما تستمال بالسحر، والإفضاء: الوصول، وأراد بالمسحور نفْسَه. وأبو النجم من بني " عِجْل "، واسمه الفضل بن قدام، وهو أحد رجاز الإسلام المتقدمين في الطبقة الأولى، قال أبو عمرو بن العلاء: هو أبلغ من العجاج في النعت، وله مع هشام بن عبد الملك نوادر وحكايات مضحكات أوردها
الأصبهاني في كتاب الأغاني: وأنشد بعده أيضاً - وهو الشاهد التاسع والأربعون بعد المائتين -: (من الرجز) 249 - هُمُ الأُلَى إنْ فَاخَرُوا قَالَ الْعُلَى * بفى امرئ فاخر كم عَفْرُ الْبَرَى على أن الألى المقصور لا يكتب بعد ألفه واو، لأن الألف واللام قبله اشتباهه بإلى الجارة. والبيت من مقصورة ابن دريد اللُّغَوِيِّ، وقبله: بَلْ قَسَماً بِالشُّمِّ مِنْ يَعْرُبَ هَلْ * لِمُقْسمٍ مِنْ دُونِ هَذَا مُنْتَهَى كان أقسم أولاً بابل الْحَجَّاج على طريقة العرب، ثم أضرب فأقسم بالشُّمِّ من يَعْرُبَ، والشم: السادات والأشراف، جمع أشم، وهو المرتفع الأنف، وهو من صفات الشريف، و " من يعرب " في موضع الحال للشُّم، أو صفة له، لأن لامه للجنس، ويعرب: أبو قبيلة من عرب اليمن، وهو يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام، وإنما أقسم به لأنه أبو الأزد، وابن دريد أزدي، فيكون أقسم بآبائه وأجداده العظماء، و " هل " للاستفهام التقريري، وهو حمل المخاطب على الإقرار و " مُقْسِم " اسم فَاعل من أقسم، و " دون " بمعنى غير، اسم الإشارة ليعرب، و " منتهى " غاية ينتهي إليها، وهو فاعل الظرف، والجملة اعتراض بين القسم وبين جوابه الآتي بعد أربعة أبيات. وقوله " هم الألى إلخ " استئناف بياني في جواب لِمَ لا يكون دون يعرب مُنْتَهَى لِلْمُقْسِم، و " الالى " بمعنى الذين، واحده الذي من غير لفظه و " فاخروا " عارضوا بالفخر، والفخر: التمدح بالخصال المحمودة، والعلى: الرفعة. وقوله " بفِي امْرِئٍ " خبر مقدم، وجملة " فاخركم " صفة امرئٍ و " عَفْرُ الْبَرَى " مبتدأ مؤخر
والجملة دعائية مقول القول، والعفو - بفتح العين المهملة وسكون الفاء -: التراب المنبث في الهواء، والبَرَى - بفتح الموحدة -: التراب، و " هم " مبتدأ و " الأُلى " خبره، والجملة الشرطية مع جوابها صلة الالى، وجواب القسم بعد أبيات ثلاثة على هذا النمط، وهو: أزَالُ حَشْوَ نَثْرَةٍ مَوْضُونَةٍ * حَتَّى أُوَارَى بَيْنَ أثْنَاءِ الْجُثَى أي: لا أزال، فحذفت لا النافية، كقوله تعالى: (تفتؤ تذكر يوسف) وحَشْو: بمعنى لابس، لأن حشو الشئ يلبس الشئ، والنثرة: الدرع السابغة، والموضونة: المحكمة، وَأُوَارَى: بالبناء للمفعول بمعنى أغَطَّى، والأثناء: جمع ثِنْي - بكسر فسكون - وهو تراكب الشئ بعضه على بعض، والْجُثَى - بضم الجيم -: جمع جَثْوَة بفتحها، وهو التراب المجموع ويعني به تراب القبر. وابن دريد هو أبو بكر محمد بن الحسن الأزْدِي، ولد بالبصرة ونشأ بها، أخذ العلم عن جم غفير من المشاهير، كأبي حاتم، والرياشى، والأُشْنَانَدَانِيِّ، وابنْ أخي الأصمعي، ثم خرج إلى نواحى فارس، وصحب جماعة من ملوكها وصحب ابْنَ مِيَكَال الشاه، وأخاه، وكانا يومئذٍ على عمالة فارس، فعمل لهما كتاب الجمهرة في اللغة، وقلداه ديوان فارس، ثم مدحهما بهذه القصيدة المقصورة وهي تشتمل على نحو الثلث من المقصور، وفيها كل مثل سائر، وخبر نادر، والمواعظُ الحسنة، والحكمُ البالغةُ، وقد شرحتها قديماً شرحاً مختصراً فيه حَلُّ ألفاظها وبيان معانيها وعاش رحمه الله ثلاثاً وتسعين سنة، ومات في سنة إحدى وعشرين وثلثمائة، وقد استوفينا الكلام على ترجمته وسرد مؤلفاته وأحواله في شرح المقصورة ولنختم الكلام بحمد الله ذي الإنعام، والصلاة والسلام على أفضل رسله الكرام محمد وعلى آله وصبحه العظام
(بسم الله الرحمن الرحيم) الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الطاهرين، وبعد فهذا فهرس تراجم الشعراء الذين ترجمتهم في شرح شواهد شرحي الشافية لنجم الائمة الرضى، والفاضل الجاربردى، ولم تذكر في شرح شواهد الكافية حرف الالف أبو الاخزر الحمانى: في الشاهد الثلاثين والازرق العنبري: في الخامس والستين وأعشى همدان: في الواحد والاربعين بعد المائة وإسماعيل بن يسار النساء: في السابع والخمسين بعد المائة والاعلم بن جرادة: في الستين بعد المائة وأنيف بن زبان: في الثمانين بعد المائة حرف الجيم جامع بن عمرو الكلابي: في الشاهد التاسع والستين بعد المائة وجندل بن المثنى الطهوى: في السادس والسبعين بعد المائة حرف الحاء حيى بن وائل: في الشاهد التاسع والاربعين وأبو حزابة التميمي: في الثالث والسبعين بعد المائة وحجر والد امرئ القيس: في الثالث والثمانين بعد المائة وحصين بن قعقاع: في الثامن والتسعين بعد المائة حرف الخاء خلف الاحمر: في الشاهد الثاني بعد المائتين.
حرف الدال دكين الراجز: في الشاهد الخامس والاربعين. حرف الراء المهملة رهيم بن حزن: في الشاهد الواحد والخمسين. حرف السين سؤر الذئب: في الشاهد الواحد بعد المائة وسكين بن نضرة: في الثاني عشر بعد المائة. حرف الشين الشاطبي المقرئ: في الشاهد المائة حرف الصاد الصمة الجشمى: في الشاهد الثالث والاربعين حرف الطاء طريف بن تميم: في الشاهد الخامس والسبعين بعد المائة حرف العين أبو عمرو بن العلاء: في الشاهد السادس عشر وعياض بن درة: في الثاني والاربعين وعذافر الكندى: في الثاني عشر بعد المائة. وعمرو بن المسبح الطائى: في الثاني والعشرين بعد المائتين. وعبد الله خازن كتب الصاحب بن عَبَّاد: في السادس والاربعين بعد المائة. حرف الفاء الفضل بن العباس: في الشاهد السادس والعشرين
حرف القاف قصى بن كلاب: في التاسع والاربعين بعد المائة. وقعنب ابن أم صاحب: في الثامن والثلاثين بعد المائتين. حرف الكاف الفضل بن العباس: في الشاهد السادس والعشرين
حرف القاف قصى بن كلاب: في التاسع والاربعين بعد المائة. وقعنب ابن أم صاحب: في الثامن والثلاثين بعد المائتين. حرف الكاف أبو كاهل اليشكرى: في الشاهد الثالث عشر بعد المائتين. حرف اللام لقيم بن أوس: في الشاهد الثاني والثلاثين بعد المائة. حرف الميم مرة بن محكان: في الشاهد الرابع والثلاثين بعد المائة. ومضاض بن عمرو الجرهمى: في السابع والخمسين بعد المائة. حرف النون أبو النجم العجلى: في الشاهد الثامن والأربعين بعد المائتين. حرف الواو الوليد بن عقبة بن أبي معيط: في الشاهد الثامن والثلاثين بعد المائة وعدة الجميع أربعة وثلاثون
وكان الفراغ من تسويد هذه الاوراق بعد المغرب من ليلة الجمعة الثالثة عشر من صفر الخير عام ثمانين وألف بعد الهجرة النبوية قال ذلك وكتبه مؤلفه الفقير إلى رحمة ربه وغفرانه عبد القادر بن عمر البغدادي، لطف الله به وبآبائه وبجميع المسلمين آمين. انتهى من خط المؤلف