شرح سنن النسائي - الراجحي

عبد العزيز الراجحي

كتاب الطهارة [1]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [1] سنن النسائي من أمهات وعمدة كتب الحديث، وهي إحدى الكتب الستة المعتمدة والمشهورة عند المسلمين، وتسمى بالمجتبى والمجتنى، وقد اختصرها النسائي من كتابه السنن الكبرى عندما طلب منه بعض الأمراء ذلك، وهي تلي الصحيحين من حيث الصحة، فقد كان النسائي مقتنياً بالحديث، ومدققاً فيه، ومنقحاً له.

الأمر بغسل اليدين ثلاثا عند الاستيقاظ من نوم الليل

الأمر بغسل اليدين ثلاثاً عند الاستيقاظ من نوم الليل الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الإمام النسائي رحمه الله تعالى: [تأويل قوله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]. أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)].

التعريف بسنن النسائي وذكر منهجه فيها

التعريف بسنن النسائي وذكر منهجه فيها كتاب النسائي أحد الكتب الستة التي جمعت فيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالكتب الستة مع مسند الإمام أحمد ومع الزوائد التي جمعت, قد جمعت السنة كلها، ولم يشذ عنها إلا القليل، وكتاب النسائي هذا كتاب عظيم من الكتب الستة المعروفة عند أهل العلم، وهذا الكتاب يأتي في مقدمة السنن الأربع من جهة الصحة، فمن العلماء من قدمه وجعله بعد الصحيحين، وبعض المغاربة قدمه على صحيح مسلم، وقال بعضهم: إن للنسائي شرطاً في الرجال أشد من شرط مسلم؛ لأنه اشترط ألا يروى في كتابه عن راو أجمع العلماء على تركه. والصواب: أن الصحيحين مقدمان عليه، ثم يليها سنن أبي داود أو النسائي على خلاف بين أهل العلم. فمنهم من جعل سنن النسائي تلي الصحيحين. والنسائي معروف شيوخه، فهو لا يروي في الغالب إلا عن شيخ ثقة أو صدوق على الأقل، فشيوخ النسائي كلهم ثقات في الغالب، والضعف إنما يكون فيما بعده. والنسائي رحمه الله جمع بين طريقتي البخاري ومسلم، فأخذ طريقة البخاري في التراجم، وكثرتها، واستنباط الأحكام. وبين طريقة مسلم في سياق الطرق كلها في مكان واحد، فجمع بين الطريقتين، فله الميزتان: العناية بالتراجم كما فعل البخاري، والعناية بجمع الطرق. فبدأ بالصلاة؛ لأن الصلاة هي أفرض الفرائض، وأوجب الواجبات بعد توحيد الله عز وجل، على طريقة المتأخرين، فلم يذكر مقدمة، أو ما يتعلق بالتوحيد، على طريقة المتأخرين في جعل كتب خاصة للتوحيد وأصول الدين، ولهذا بدأ كتابه الطهارة؛ لأنها مفتاح الصلاة, والصلاة هي أفرض الفرائض وأوجب الواجبات بعد توحيد الله عز وجل. وهذا الكتاب يسمى: المجتبى أو المجتنى.

سبب تأليف النسائي للسنن

سبب تأليف النسائي للسنن وقد انتخبه من كتابه السنن الكبرى، لما سأله بعض الأمراء عن كتابه السنن الكبرى هل كل ما فيه صحيح؟ فقال: لا. فطلب منه أن ينتخب منه ما هو صحيح، يعني: في الغالب. والنسائي منسوب إلى بلدة نساء في الشرق، وسميت نساء؛ لأن أهلها لما قدم المسلمون لفتحها هرب الرجال ولم يبق إلا النساء، فلما جاءوا قالوا: ليس هناك إلا نساء، فنؤخر أمرهم حتى يأتي الرجال، فسميت نساء.

شرح حديث غسل اليدين ثلاثا عند الاستيقاظ من النوم

شرح حديث غسل اليدين ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم هذا الحديث وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثاًَ؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) متفق عليه، أي: رواه الشيخان. وفيه الأمر بغسل اليدين ثلاثاً قبل غمسهما في إناء الوضوء وقبل الوضوء، وهذا أمر ونهي: (لا يغمس يده في الإناء في وضوئه حتى يغسلها ثلاثاً)، وهو للوجوب فيجب على المسلم إذا استيقظ من نومه من الليل أن يغسلها ثلاثاً. وهذا مخصص بنوم الليل فقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، والبيتوتة إنما تكون في الليل، وأما في النهار فإنه يستحب أن يغسلها ثلاثاً قبل الوضوء. وأما إذا استيقظ من نوم الليل فإنه يجب.

مذاهب العلماء في هذه المسألة

مذاهب العلماء في هذه المسألة اختلف العلماء إذا غمس يديه قبل أن يغسلها هل ينجس الماء أو لا ينجس؟ فذهب بعض العلماء إلى: أنه ينجس. وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسلهما؛ لأنه قد يكون فيهما شيء من النجاسة ولاسيما أهل الحجاز؛ لأن بلادهم حارة، وكانوا يستجمرون بالحجارة، ولا يغسلون أدبارهم، فربما وقعت يده في دبره فأصابه شيء من النجاسة، أو ربما أصاب يده شيء من الحشرات وما أشبهها والتي قد يخرج منها شيء من الدم. ولذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الغسل. فقالوا: إنه ينجس الماء إذا غمس يده فيه؛ لأنه قليل، والماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة. والصواب: أن الماء لا ينجس إذا غمس يده فيه إلا إذا كان في يده نجاسة ثم غمسها، ولكنه يأثم؛ لأنه خالف الأمر والنهي، ويبقى الماء طاهراً، والوضوء صحيح. ولكنه يأثم حيث خالف الإرشاد النبوي، وخالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه). وقوله: (وضوئه) بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به، وأما الوضوء بالضم فهو الفعل، أي: فعل الوضوء. وهذا هو الأرجح أن الوضوء بالضم: الفعل, والوضوء بالفتح هو: الماء الذي يتوضأ به. (حتى يغسلها ثلاثاً). وكذلك إذا كان يتوضأ من الصنبور فإنه يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يتوضأ, ويراعي عدم الإسراف. والمقصود: أن الحديث يدل على وجوب غسل اليدين ثلاثاً عند الاستيقاظ من نوم الليل قبل الوضوء، وأما في غير نوم الليل فإنه يستحب، وإذا لم يفعل ذلك فإنه قد أساء، وعليه التوبة من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه، ووضوءه صحيح.

السواك إذا قام الإنسان من الليل

السواك إذا قام الإنسان من الليل

شرح حديث: (كان رسول الله إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك)

شرح حديث: (كان رسول الله إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) قال المؤلف رحمه الله: [باب السواك إذا قام من الليل. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وقتيبة بن سعيد عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك)]. فيه مشروعية السواك عند القيام لصلاة الليل. ومعنى يشوص: يدلك. فدلك الفم بالسواك إذا قام من الليل مستحب. والسواك مستحب في كل وقت، ولكنه يتأكد عند الصلاة، وعند الوضوء، وعند دخول المنزل، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند تغير رائحة الفم، ففي هذه المواضع يتأكد السواك، وإن كان مستحباً في كل وقت.

فوائد السواك

فوائد السواك ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب). فالسواك فيه فوائد ومصالح عظيمة، وقد استنبط منه بعض أهل العلم فوائد متعددة تزيد على مائة فائدة، ومنها: أنه يذكر بالشهادة عند الموت، ومنها: أنه يطهر الفم والأسنان ويزيل الرائحة، فهو مستحب.

ذكر بعض المواطن التي يستحب فيها الاستياك

ذكر بعض المواطن التي يستحب فيها الاستياك وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، يعني: لأمرتهم أمر إيجاب وإلا فقد أمرهم ندباً عليه الصلاة والسلام. ولقد تسوك النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء وهو في آخر حياته, فلما جاءه عبد الرحمن أبي بكر ومعه سواك نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها، ففهمت عائشة رضي الله عنها معنى نظر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فأخذته وقضمته وطيبته ولينته، ثم أعطته النبي صلى الله عليه وسلم، فتسوك به عليه الصلاة والسلام. فالسواك مشروع ومستحب في كل وقت، ولكنه يتأكد عند القيام من النوم والانتباه منه، وعند الصلاة، وعند الوضوء، وعند دخول المنزل. وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يشوص فاه إذا قام من نوم الليل) أي: يدلكه؛ لأنه عند الاستيقاظ من النوم تكون رائحة الفم متغيرة، فيشرع التسوك.

كيف يتسوك الإنسان

كيف يتسوك الإنسان قال المؤلف رحمه الله: [باب كيف يستاك. أخبرنا أحمد بن عبدة قال: أخبرنا حماد بن زيد قال: أخبرنا غيلان بن جرير عن أبي برده عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستن وطرف السواك على لسانه، وهو يقول: عأ عأ). بتقديم العين المفتوحة على الهمز الساكنة، فكأنه ذهب شيء من طرف السواك إلى حلقه. وهذا فيه: بيان كيف يستاك, وأن النبي استاك على طرف اللسان، ومن حبه صلى الله عليه وسلم للسواك فقد ذهب شيء من طرف السواك إلى حلقه وجعل يقول: عأ عأ، يتهوع. ففيه أنه: يستاك على طرف اللسان، ويدلك الأسنان طولاً أو عرضاً. فبعضهم قال: طولاً من الأسفل إلى الأعلى. وبعضهم قال: عرضاً. والمقصود: أن يستاك على طرف اللسان، وعلى الأسنان. وحدثنا وأخبرنا عند بعضهم بمعنى واحد، ومنهم من فرق بينهما كالإمام مسلم رحمه الله، فإن له عناية في التفريق بين صيغ التحديث.

حكم استياك الإمام بحضرة رعيته

حكم استياك الإمام بحضرة رعيته قال المؤلف رحمه الله: [باب: هل يستاك الإمام بحضرة رعيته؟ أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى وهو ابن سعيد قال: حدثنا قرة بن خالد قال: حدثنا حميد بن هلال قال: حدثني أبو بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل العمل، قلت: والذي بعثك بالحق نبياً ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: إنا لا أو لن نستعين على العمل من أراده، ولكن اذهب أنت فبعثه على اليمن، ثم أردفه معاذ بن جبل رضي الله عنهما)]. وهذا فيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم استاك بحضرة رعيته، وأن طرف السواك تحت شفته. وفيه: أنه يستاك تحت الشفاه واللسان، وعلى اللثة وعلى الأسنان. وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه. وفيه: أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه جاء ومعه رجلان من قومه من الأشعريين، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما طلب العمل، يعني: طلب الوظيفة. فكل منهما قال: يا رسول الله ولني، يعني: اجعلني على عمل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا لن نستعين أو لا نستعين على العمل بأحد طلبه)، وفي اللفظ الآخر: (فإنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه أو حرص عليه) فاعتذر أبو موسى رضي الله عنه وقال: يا رسول والله ما أطلعاني على ما في أنفسهم. أي: ما أخبراني أنهما سيسألان العمل. ثم ولى أبا موسى الأشعري ولم يولهما؛ لأن أبا موسى لم يطلب العمل وهما طلبا، فلم يولي من طلبه. وفي اللفظ الآخر: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه أو حرص عليه)؛ وذلك لأن الغالب أن من طلب العمل أو حرص عليه فإنه يكون متساهلاً في الغالب، وليس للعمل أهمية أو عناية عنده، فلا يبالي، وذلك بخلاف الإنسان الذي لا يطلبه أو يلزم به، فإنه في الغالب لم يمتنع ويتأخر إلا لورع في نفسه، فمن ورعه لم يطلب العمل. فيولى هذا العمل؛ لأنه ورع، فإذا ولي العمل استعان بالله وأداه، وأما الإنسان الذي يطلب العمل فأنه يكون متساهلاً في الغالب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه أو حرص عليه)، فلما طلب هذان الأشعريان العمل لم يولهما النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ولى أبا موسى؛ لأنه سكت ولم يطلب العمل، وقال له: اذهب أنت، وأرسله إلى اليمن، ثم أردفه بـ معاذ بن جبل، وجعل كل واحد منهما على مخلاف، وقد كان في اليمن مخلافان، كما يقال الآن: الشمال والجنوب، فأرسلهما معلمين وقاضيين ومفتيين. وظاهر الحديث العموم، فمن طلب الإمارة فلا يؤمر؛ لأن الإمارة أشد, ويستثنى من هذا إذا كان هذا الإنسان أهلاً للعمل، ورأى أن فيه أهلية ذلك وأن غيره لا يسد مسده، أو لا يوجد أحد غيره، كما أخبر الله عن يوسف أنه قال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]، وكما ثبت عن عثمان بن أبي العاص أنه قال: (يا رسول الله! اجعلني إمام قومي قال: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم) فإذا كان عند الإنسان أهلية ويرى في نفسه الكفاية فيستثنى في هذه الحالة جمعاً بين النصوص. وأما إذا كان هذا الإنسان عنده ضعف فلا ينبغي له أن يطلبها, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: (يا أبا ذر! إني أحب لك ما أحب لنفسي، وإني أراك ضعيفاً، فلا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم).

الترغيب في السواك

الترغيب في السواك قال المؤلف رحمه الله: [باب: الترغيب في السواك. أخبرنا حميد بن مسعدة ومحمد بن عبد الأعلى عن يزيد وهو ابن زريع قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عتيق قال: حدثني أبي قال: سمعت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب)]. وهذا فيه: بيان فضل السواك، وأن فيه هاتين الفائدتين، وهما: أنه: مطهرة للفم، أي: ينقي الفم، ويطهره من الرائحة، ومما يعلق به. والثانية: أنه مرضاة للرب. وهاتان فائدتان عظيمتان، الأولى: أنه طيب النكهة، ومطهر للفم. والثانية: أنه مرضاة للرب.

الإكثار في السواك

الإكثار في السواك

شرح حديث: (قد أكثرت عليكم في السواك)

شرح حديث: (قد أكثرت عليكم في السواك) قال المؤلف رحمه الله: [باب: الإكثار في السواك. أخبرنا حميد بن مسعدة وعمران بن موسى قالا: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أكثرت عليكم في السواك)]. وذلك لما فيه الفوائد والفضائل العظيمة، فأكثر عليهم استحباباً لا إيجاباً؛ لأنه مستحب وليس بواجب، وهو سنة، وإذا اشتراه لفعل السنة فهذا مطلوب، فالتسوك سنة، وأما الشراء فهو وسيلة، والوسيلة إلى السنة لها حكم الغاية.

الرخصة في السواك بالعشي للصائم

الرخصة في السواك بالعشي للصائم

شرح حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)

شرح حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) قال المؤلف رحمه الله: [الرخصة في السواك بالعشي للصائم. أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)]. يعني: (لأمرتهم) أمر إيجاب، وإلا فقد أمرهم أمر استحباب عليه الصلاة والسلام. وهذه الترجمة من دقائق الإمام النسائي رحمه الله: السواك بالعشي للصائم، وقد قصد بذلك الرد على من قال: إن السواك يكره في آخر النهار للصائم؛ لأنه يزيل الرائحة، وفي هذا حديث ضعيف: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي)، والغداة: أول النهار، وذهب إلى الكراهة الحنابلة وجماعة، فقالوا: إنه يكره للصائم أن يستاك في آخر النهار بعد الزوال، واختلفوا متى يكون وقت الكراهة، فمنهم من قال: إذا أذن الظهر يكره الاستياك، ومنهم من قال: بعد الصلاة، وقالوا: إن كراهة الاستياك تبقى إلى آخر نهار الصوم؛ لأنه يزيل الرائحة التي تنبعث من المعدة. وهذه الرائحة التي تنبعث من معدة الصائم وإن كانت مستكرهة في مشام الناس في الدنيا إلا أنها عند الله أطيب من ريح المسك، فقد جاء في الحديث: (وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) وقالوا: إنه إذا استاك في آخر النهار فإنه يزيل الرائحة فيكره واحتجوا بهذا الحديث: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي) والصواب: أنه حديث ضعيف لا يحتج به، وهذه الرائحة لا يزيلها السواك؛ لأن هذه الرائحة منبعثة بسبب خلو المعدة من الطعام، فتبقى هذه الرائحة موجودة سواء استاك أو لم يستاك، فالصواب: أنه يشرع ويستحب للصائم أن يستاك في أول النهار وفي آخره، عملاً بهذا الحديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل الصلاة) فإنه لم يخصصه بقوله: إلا في العشي بالنسبة للصائم، أو في آخر اليوم للصائم وإنما ورد عاماً، ولهذا ترجم الإمام النسائي رحمه الله بهذه الترجمة: [الرخصة في السواك بالعشي للصائم]، وقصده من ذلك: الرد على من قال: إنه يكره التسوك في آخر النهار في الصيام.

السواك في كل حين

السواك في كل حين

شرح حديث عائشة في ابتداء النبي بالسواك عند دخوله البيت

شرح حديث عائشة في ابتداء النبي بالسواك عند دخوله البيت قال المؤلف رحمه الله: [السواك في كل حين. أخبرنا على بن خشرم قال: حدثنا عيسى وهو ابن يونس عن مسعر عن المقدام وهو ابن شريح عن أبيه رضي الله عنه قال: (قلت لـ عائشة بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك)]. وفي هذا مشروعية السواك عند دخول البيت وفي كل حين كما ترجم له المؤلف رحمه الله، فقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالسواك في كل حين، إلا في الصلاة، وفي حال سماع خطبة الجمعة، فلا ينبغي للمسلم أن يتسوك إذا دخل في الصلاة؛ لأن هذا من العبث، وكذلك إذا كان الإمام يخطب يوم الجمعة، وما عدا ذلك فالسواك مشروع في كل وقت وحين، ويتأكد عند دخول البيت، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.

ما جاء في الختان

ما جاء في الختان

شرح حديث: (الفطرة خمس)

شرح حديث: (الفطرة خمس) قال المؤلف رحمه الله: [ذكر الفطرة: الاختتان. أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الفطرة خمس: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط)]. أي: إن هذه من الفطرة، والمعنى: أنها مما فطر الله عليه العباد، وهن من السنة ومن الدين، وهذه الخمس بعضها واجب وبعضها مستحب، وذكر في هذا الحديث أنهن خمس: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وسيأتي زيادة عليها تبين أن الفطرة عشرة أشياء، والاختتان هو: قطع الجلدة التي تكون فوق الذكر، وكذلك يستحب الاختتان للمرأة الأنثى إذا وجدت امرأة تختن، والاختتان واجب في حق الذكر، ومستحب في حق الأنثى على الصحيح، ومنهم من قال: مستحب في حق كل منهما، والصواب: أنه واجب في حق الذكر، ومستحب في حق الأنثى، ولا يجب على الذكر إلا بعد البلوغ؛ لأن بقاء الجلدة هذه قد تحبس شيئاً من البول داخلها، وقد ثبت أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمره ربه أن يختتن وهو ابن ثمانين سنة، في مكان يقال له: القدوم، مكان قريب من فلسطين. الاستحداد هو حلق الشعر الخشن النابت حول الفرج، وسمي استحداداً لأنه يزال بالحديدة، أي: بالموس، وإذا أزاله بالنورة فلا بأس، ولكن الأفضل أن يكون بغير النورة، فإن أزاله بالنورة فلا حرج. وكذلك نتف الإبط؛ لأنه شعر رقيق، وإن أزاله بغير النتف فلا بأس، ولكن الأولى النتف؛ لأنه شعر رقيق وخفيف، وقد يجد بعض الناس صعوبة في النتف، لكن الصعوبة تكون في أول الأمر ثم يخف. وسيأتي أن قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة لا تؤخر أكثر من أربعين ليلة. والحارث بن مسكين هو شيخ النسائي رحمه الله وقد حدث بينه وبين النسائي وحشة، فكان النسائي رحمه الله يأتي مستخفياً، ويسمع الحديث من غير أن يراه شيخه الحارث، فكان من ورعه إذا حدث يقول: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.

ما جاء في تقليم الأظفار

ما جاء في تقليم الأظفار

شرح حديث: (خمس من الفطرة)

شرح حديث: (خمس من الفطرة) قال المؤلف رحمه الله: [تقليم الأظفار. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر قال: سمعت معمراً عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خمس من الفطرة: قص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، والاستحداد، والختان)]. وقد كرر المؤلف التراجم للإيضاح، فأراد أن يترجم على كل واحدة من سنن الفطرة ويجعل لها ترجمة خاصة، فيكرر الأحاديث لما فيها من النص على كل واحدة من هذه؛ ولما فيها أيضاً من قوة الحديث في تعدد الطرق والأسانيد.

ما جاء في نتف الإبط

ما جاء في نتف الإبط قال المؤلف رحمه الله: [نتف الإبط. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس من الفطرة: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وأخذ الشارب)]. وحلق العانة، هو: الاستحداد، وقد سبق أن الاستحداد يكون بالحديدة أو بالموس.

ما جاء في حلق العانة

ما جاء في حلق العانة قال المؤلف رحمه الله: [حلق العانة. أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب عن حنظلة بن أبي سفيان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الفطرة قص الأظفار، وأخذ الشارب، وحلق العانة)]. وهذه كلها واجبة، ولا تؤخر أكثر من أربعين ليلة. وهي: الاستحداد، ونتف الإبط، وقص الشارب، وحلق العانة.

ما جاء في قص الشارب

ما جاء في قص الشارب قال المؤلف رحمه الله: [قص الشارب. أخبرنا على بن حجر قال: أخبرنا عبيدة بن حميد عن يوسف بن صهيب عن حبيب بن يسار عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يأخذ شاربه فليس منا)]. وهذا فيه قوة قوله: (ليس منا). وقد يأخذ منه: أن هذا من باب الوعيد. أي: أنه توعد بأن: (من لم يأخذ شاربه فليس منا)، وقد يقال: إن تركه من الكبائر؛ لما جاء في الحديث الآخر: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)، وكما في قوله: (من حمل علينا السلاح فليس منا)، وقوله: (من غشنا فليس منا). إذاً: فقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ شاربه فليس منا) فيه وعيد شديد، ويدل على أنه من الكبائر. فهذا الحديث من باب الوعيد، وبعض الناس يترك شاربه طويلاً ويحلق لحيته أو يقصرها، فيقع في المخالفة لهذا الحديث، ويخشى أن يكون ذلك من الكبائر. وهذا الحديث لا بأس بسنده؛ فإن عبيدة صدوق ربما أخطأ أي: أنه قليل الخطأ. وبعض الناس والعياذ بالله يترك شاربه طويلاً، فيؤمر ولا يمتثل، ويصر على إبقاء الشارب طويلاً. وهذا الحديث حديث حسن.

أقصى ما تترك فيه سنن الفطرة

أقصى ما تترك فيه سنن الفطرة

شرح حديث أنس في التوقيت لسنن الفطرة بأربعين يوما

شرح حديث أنس في التوقيت لسنن الفطرة بأربعين يوماً قال المؤلف رحمه الله: [التوقيت في ذلك. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا جعفر هو ابن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط ألا نترك أكثر من أربعين يوماً، وقال مرة أخرى: أربعين ليلة)]. وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وفيه التوقيت لهذه الأشياء: حلق العانة، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط, فهذه الأربع لا تؤخر أكثر من أربعين يوماً أو ليلة، وإن تركت أكثر من هذه المدة فإن أقل أحواله الكراهة الشديدة، فلا تؤخر عن أربعين ليلة والتوقيت لا ينبغي تجاوزه. وأما إذا طال بعد أسبوع أو أسبوعين -أي: قبل مضي الأربعين- ويختلف ذلك باختلاف الناس فينبغي إزالته إذا طال، ولا يؤخر أكثر من أربعين ليلة. وأما اعتياد بعض الناس على قص الأظافر، أو إحفاء الشارب في كل يوم جمعة فلا أعلم لهذا أصلاً. وقد لا يطول في الجمعة، وإنما يختلف باختلاف الناس، فبعضهم قد تطول أظفاره في الجمعة، وبعضهم لا تطول.

إحفاء الشارب وإعفاء اللحى

إحفاء الشارب وإعفاء اللحى

شرح حديث: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)

شرح حديث: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى) قال المؤلف رحمه الله: [إحفاء الشارب وإعفاء اللحى. أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى هو ابن سعيد عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)]. وهذا رواه الشيخان، وفيه وجوب إعفاء اللحية وحف الشارب، وفي لفظ: (أرخوا)، وفي لفظ: (أرجوا)، أرجوا وأرخوا وأعفو ووفروا كل هذه الألفاظ جاءت تدل على وجوب إعفاء اللحية، ووجوب أخذ الشارب.

الأسئلة

الأسئلة

بأي اليدين يكون الاستياك

بأي اليدين يكون الاستياك Q بأي اليدين يكون السواك؟ A فيه خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى أنه باليمنى؛ لأنه من الأشياء المستحبة، ومنهم من قال: باليسار؛ لأنه إزالة أذى، والأقرب أنه باليسار؛ لأنه إزالة أذى، والأمر في هذا واسع. ويستاك بعود لين لا يجرح اللثة ولا يتفتت. ويجوز الاستياك بالفرشاة بدون شيء، يعني: بدون معجون. بل إن بعض الفقهاء يرى: أن الاسيتاك يحصل بكل ما يصلح، حتى قالوا: إذا كان له إصبع خشنة فإنه يستاك بها. وهذا فيه ما فيه، والمهم أن يستاك بعود لين لا يجرح ولا يتفتت.

كتاب الطهارة [2]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [2] في هذه المادة تجد بعض الأحكام والآداب التي تتعلق بقضاء الحاجة، كالابتعاد عند قضاء الحاجة، وعدم مس الذكر باليمين، وجواز البول قائماً عند الحاجة، وكذلك النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الفضاء، والنهي عن البول في الماء الراكد، وغير ذلك.

الإبعاد عند قضاء الحاجة

الإبعاد عند قضاء الحاجة

شرح حديث: (وكان إذا أراد الحاجة أبعد)

شرح حديث: (وكان إذا أراد الحاجة أبعد) قال المؤلف رحمه الله: [الإبعاد عند إرادة الحاجة. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي عمير بن يزيد قال: حدثني الحارث بن فضيل وعمارة بن خزيمة بن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي قراد قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء وكان إذا أراد الحاجة أبعد)]. هذا الحديث فيه مشروعية الإبعاد عند قضاء الحاجة من البول أو الغائط، اقتداءاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه: (كان إذا أراد قضاء حاجته أبعد)، وفي لفظ آخر: (حتى يتوارى)؛ وذلك لأنه يكون بعيداً عن الأعين؛ حتى لا ترى له عورة، ولا يسمع له صوت، هذه هي السنة، وهو الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء: (أنه صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً)، وهذا في بعض الأحيان لحاجة دعت إلى ذلك.

شرح حديث: (كان إذا ذهب المذهب أبعد)

شرح حديث: (كان إذا ذهب المذهب أبعد) قال المؤلف رحمه الله: [أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا إسماعيل عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد، قال: فذهب لحاجته وهو في بعض أسفاره فقال: ائتني بوضوء، فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على الخفين)]. قال الشيخ: إسماعيل هو ابن جعفر بن أبي كثير القارئ. والمذهب: هو قضاء الحاجة. ومسحه على الخفين ثابت في الصحاح، وأحاديثه من الأحاديث المتواترة عنه عليه الصلاة والسلام، وفي غزوة تبوك أن المغيرة صب للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه، فلما وصل إلى الرجلين قال: (فهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين، ثم مسح عليهما).

الترخيص في عدم الابتعاد عند قضاء الحاجة

الترخيص في عدم الابتعاد عند قضاء الحاجة

شرح حديث حذيفة: (كنت أمشي مع رسول الله فانتهى إلى سباطة قوم)

شرح حديث حذيفة: (كنت أمشي مع رسول الله فانتهى إلى سباطة قوم) قال المؤلف رحمه الله: [الرخصة في ترك ذلك. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن شقيق عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فتنحيت عنه فدعاني، وكنت عند عقبيه حتى فرغ، ثم توضأ ومسح على خفيه)]. وهذا قد استدل به المؤلف رحمه الله على ترك الإبعاد عند إرادة قضاء الحاجة، وهذا في بعض الأحيان عند الحاجة التي تدعو إلى ذلك، وإلا فالأغلب من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد قضاء الحاجة أبعد، كما ورد في بعض الأحاديث: (حتى يتوارى عن الأعين) أي: حتى لا ترى عورته، ولا يسمع له صوت، وقد بوب المؤلف رحمه الله هنا على الرخصة في ترك الإبعاد، وهذا لعارض، وقد استدل بهذا الحديث: (أن النبي أتى سباطة قوم فبال قائماً)، وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما، وقد اختلف العلماء في سبب ذلك، فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لعلة في مأبظه، يعني: وجع في باطن الركبة، وقيل: إنما فعل ذلك لوجع في صلبه، والصواب: أنه فعله لبيان الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك، إما لأن المحل لا يناسب الجلوس؛ لكون الأرض صلبة أو نجسة، أو لأنه قد يرتد إليه البول فبال قائماً، فدل على الجواز، لكن بشرط أن يكون هناك من يستره، وكان قد دعا حذيفة وقال: (ادنو ادنو)، فدنا منه حتى صار عند عقبيه، وظاهره أنه ولاه ظهره، فجعل يستره، فدل ذلك على جواز البول قائماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأمن من أن ترى له عورة، وكان عنده ساتر، فلا بأس بذلك.

حكم البول حال القيام

حكم البول حال القيام والأفضل أن يبول جالساً، وهذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم وأما هذا فقد فعله مرة واحدة، كما ذكر حذيفة؛ ولهذا خفي على عائشة رضي الله عنها فقالت: (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبول إلا جالساً)؛ لأنه إنما فعله مرة واحدة، لبيان الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك. وبعض الناس فهم من هذا السنية وقال: إن أهل هراة كان الواحد منهم يبول قائماً في السنة مرة؛ إحياء للسنة، وهذا ليس بجيد، والصواب: أن هذا إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز. ولا يقال: إنه فعله سنة، وإنما هذا لبيان الجواز، وللإباحة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وإن كان الأفضل للإنسان أن يبول جالساً، فإن هذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، بل إنه إنما بال قائماً مرة واحدة، وظاهره أنه إنما فعل هذا مرة واحدة، ولحاجة دعت إلى ذلك، أما لأن المكان غير مناسب للجلوس؛ لكون الأرض صلبة، أو لأنه قد يرتد إليه البول لو جلس، أو لأن الأرض قد تكون نجسة، أو لغير ذلك من الأسباب وأما قول بعض العلماء: إنه إنما فعله لوجع في صلبه فهذا ليس بجيد، وكذلك قول بعضهم: إنه فعله لوجع في باطن الركبة، أو في مأبظه فهذا أيضاً ليس بجيد. والصواب: أنه إنما فعله لبيان الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك، إما لكون المكان غير مناسب للجلوس؛ لكون الأرض صلبة أو نجسة، أو مرتفعة بحيث يرتد إليه البول لو جلس. فبال قائماً، فدل على الجواز، مع أخذ الحيطة والتستر بحيث لا يراه أحد، إذا كان هناك ما يستره. ولهذا أمر حذيفة أن يقرب منه، حتى كان عند عقبيه؛ ليستره، ثم توضأ ومسح على الخفين.

مشروعية المسح على الخفين

مشروعية المسح على الخفين وفيه مشروعية المسح على الخفين، وأدلته متواترة، وإنما يمسح عليهما من الحدث الأصغر من البول والنوم وأكل لحم الجزور وما أشبه ذلك، وأما في الجنابة فيجب خلعهما ولا يمسح عليهما. فإذا أصاب الإنسان جنابة وجب عليه خلع الخفين، وتعميم جسده بالماء، فقد جاء في الحديث: (أمرنا رسول الله ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام إلا من جنابة، ولكن من بول وغائط ونوم)، كما في حديث صفوان بن عسال.

القول عند دخول الخلاء

القول عند دخول الخلاء

شرح حديث: (كان رسول الله إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك)

شرح حديث: (كان رسول الله إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك) قال المؤلف رحمه الله: [القول عند دخول الخلاء. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا إسماعيل عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)]. وهذا رواه الشيخان، وفيه مشروعية هذا الذكر عند دخول الخلاء، يعني: عند إرادة قضاء الحاجة، سواء كان في الصحراء أو في البيت، فإذا أراد قضاء الحاجة فيقول: اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث. وجاء في رواية أنه يقول: (باسم الله, اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). وهذه الرواية ذكرها الشارح في شرح الترمذي من رواية العمري، أنه يقول: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)، والخبث: ذكران الشياطين، والخبائث: إناثهم. ففيه: الاستعاذة بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، وقد جاء في الحديث الآخر بيان العلة، وسبب المشروعية، وهي: (أن هذه الحشوش محتضرة) يعني: تحضرها الشياطين، فلذلك شرع للمسلم أن يستعيذ، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. فإذا قال: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ذهبوا وسلم من شرهم. ويقول هذا الدعاء عند الدخول، وإذا كان في الصحراء فيقوله عند دنوه من الأرض، عندما يرفع ثوبه، وإذا كان في البيت فيقوله عند إرادة الدخول، فيقدم رجله اليسرى ويقول: باسم الله، اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

النهي عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

النهي عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

شرح حديث: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة)

شرح حديث: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة) قال المؤلف رحمه الله: [النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة. أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق أنه سمع أبا أيوب الأنصاري وهو بمصر يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكراييس]، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم، وفيه دليل على تحريم استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة في الصحراء؛ لأن النهي للتحريم، وأما في البنيان فلا بأس بذلك على الصحيح؛ لما جاء في حديث ابن عمر: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)، فدل على الجواز في البنيان، والقاعدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله فإنه يدل على أن النهي ليس للتحريم، إلا إذا حمل على حالة غير الحالة الأولى، مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائماً ثم إنه شرب قائماً, فالنهي هنا يكون للتنزيه، وأما في هذه الحالة فقد نهى عن استقبال القبلة ثم استقبلها، ولكن هذا في حالة خاصة، وهي: أنه استقبلها في البنيان، فدل على الجواز في البنيان. وفيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من منع حتى في البنيان، ومنهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فإنه لما جاء إلى مصر ووجد الكراييس، يعني: الكنف مبنية نحو القبلة، فقال: والله ما أدري ما نصنع بهذه الكراييس؛ لأنها مبنية باتجاه القبلة، وفي اللفظ الآخر أنه قال: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل، فهذا دليل على أن أبا أيوب كان يرى المنع حتى في البنيان. والصواب: الجواز في البنيان، وهو اختيار البخاري رحمه الله في تراجمه، والنسائي وغيرهم.

النهي عن استدبار القبلة عند قضاء الحاجة

النهي عن استدبار القبلة عند قضاء الحاجة

شرح حديث: (لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها لغائط أو بول)

شرح حديث: (لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها لغائط أو بول) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النهي عن استدبار القبلة عند الحاجة. أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها لغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا)]. وهو مثل الحديث السابق، وقد ترجم له المؤلف رحمه الله لاستنباط الأحكام، ففيه النهي عن استقبال القبلة والنهي عن استدبارها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكن شرقوا أو غربوا) هذا خطاب لأهل المدينة؛ لأن القبلة عندهم جهة الجنوب، وأما من كان في الشرق أو الغرب فيقال لهم: ولكن جنبوا أو شملوا، وقد كان أهل المدينة إذا قضوا حاجتهم استقبلوا القبلة، وإذا توجهوا نحو الشمال استدبروها، فأرشدهم إلى أن ينحرفوا شرقاً أو غرباً، وأما أهل الشرق والغرب فيجنبوا أو يشملوا.

استقبال المشرق أو المغرب عند قضاء الحاجة

استقبال المشرق أو المغرب عند قضاء الحاجة

شرح حديث: (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة)

شرح حديث: (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة) قال المؤلف رحمه الله: [الأمر باستقبال المشرق أو المغرب عند الحاجة. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا غندر حدثنا معمر قال: أخبرنا ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولكن ليشرق أو ليغرب)]. وهذا هو نفس الحديث السابق، ولكن ترجم له المؤلف لبيان الأحكام، والأمر بالتشريق أو التغريب خاص بأهل المدينة ومن كان على سمتهم.

الرخصة في ذلك في البيوت

الرخصة في ذلك في البيوت

شرح حديث ابن عمر: (ارتقيت على ظهر بيتنا)

شرح حديث ابن عمر: (ارتقيت على ظهر بيتنا) قال المؤلف رحمه الله: [الرخصة في ذلك في البيوت. أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (لقد ارتقيت على ظهر بيتنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته)]. وهذا قد استدل به المؤلف رحمه الله على الرخصة في استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة إذا كان في البيوت، وترجم به الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، وقد استدل بحديث ابن عمر: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته على لبنتين مستقبل الشام)، فإذا كان مستقبلاً الشام فإنه يكون مستدبراً للكعبة، وإذا استدبر الكعبة فإنه يدل على جواز استقبالها؛ لأن الاستبدار والاستقبال سواء، وقال آخرون من أهل العلم: أن هذه خاصة بالاستدبار أخذاً بهذا الحديث، وأما الاستقبال فيبقى على عموم النهي، وابن عمر رضي الله عنه يرى أنه إذا كان هناك حائل بينه وبين القبلة فلا بأس باستقبال الكعبة، فقد ثبت أن ابن عمر قضى حاجته واستقبل القبلة، وبينه وبين القبلة راحلته، فلما سئل قال: إذا كان بينك وبين القبلة حائل فلا حرج، والبنيان أشد من الراحلة، فيجوز الاستقبال فيه. والمسألة فيها خلاف، وفيها أقوال متعددة، فمن العلماء من منع مطلقاً في البنيان وغيره، ومنهم من أجاز مطلقاً في البنيان وغيره، ومنهم من أجاز الاستدبار دون الاستقبال، ومنهم من منع حسب استقبال النيرين الشمس والقمر كالحنابلة وغيرهم لكن هذا ضعيف لا دليل عليه، والمسألة فيها ثمانية أقوال.

النهي عن مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة

النهي عن مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة

شرح حديث: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه)

شرح حديث: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة. أخبرنا يحيى بن درست قال: أخبرنا أبو إسماعيل وهو القناد قال: حدثني يحيى بن أبي كثير أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه عن أبيه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه)]. وهذا النهي للتحريم، ففيه تحريم مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة؛ لأنه ربما أصابه شيء من البول، واليمين إنما هي للأشياء التي فيها التكريم، لكن يأخذه بيساره عند البول، وهذا النهي مقيد عند البول عند قضاء الحاجة، فلا يمس ذكره بيمينه، فالنهي للتحريم. قال المؤلف رحمه الله: [أخبرنا هناد عن وكيع عن هشام عن يحيى هو ابن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه)].

الترخيص في البول قائما في الصحراء

الترخيص في البول قائماً في الصحراء

شرح حديث حذيفة: (أن رسول الله أتى سباطة قوم فبال قائما)

شرح حديث حذيفة: (أن رسول الله أتى سباطة قوم فبال قائماً) قال المؤلف رحمه الله: [الرخصة في البول في الصحراء قائماً. أخبرنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً)]. وهذا الحديث ثابت، وقد كرره المؤلف رحمه الله لاستنباط الأحكام، وفيه جواز البول قائماً عند الحاجة مع أخذ الاحتياط في التستر عن الناس، وقد ذكره المؤلف رحمه الله في باب سابق مستدلاً به على الرخصة في عدم البعد عند قضاء الحاجة، وأتى به هنا مستدلاً به على الترخيص على البول قائماً في الصحراء، وأتى به هنا في الترجمة في الصحراء، وهو لم يكن في الصحراء، وإنما أتى سباطة قوم في البلد فبال قائماً. فالمقصود أنه ليس في البيت، لأنه في البيت كان يبول جالساً، وهنا كان خارج البيت في سباطة قوم، فقال: في الصحراء، ولهذا خفي هذا على عائشة وأنكرت هذا.

أسانيد أخرى لحديث لحديث بول رسول الله قائما

أسانيد أخرى لحديث لحديث بول رسول الله قائماً قال المؤلف رحمه الله: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن منصور قال: سمعت أبا وائل أن حذيفة رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً). أخبرنا سليمان بن عبيد الله حدثنا بهز حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى سباطة قوم فبال قائماً). قال سليمان في حديثه: (ومسح على خفيه)، ولم يذكر منصور المسح].

البول جالسا في البيت

البول جالساً في البيت

شرح حديث عائشة: (من حدثكم أن رسول الله بال قائما فلا تصدقوه)

شرح حديث عائشة: (من حدثكم أن رسول الله بال قائماً فلا تصدقوه) قال المؤلف رحمه الله: [البول في البيت جالسا. أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالساً)]. لقد خفي على عائشة رضي الله عنها أنه بال قائماً، وحديث حذيفة مقدم على حديث عائشة؛ لأن المثبت معه علم خفي على النافي، فـ عائشة نفت؛ لأنه خفي عليها، وحذيفة أثبت أنه (أتى سباطة قوم فبال قائماً)، والمثبت مقدم على النافي؛ ولأن عائشة لا تعلم حاله خارج البيت، وإنما تعلم ما كان يفعله داخل البيت، فخفي عليها ذلك، وأثبت ذلك حذيفة، على أن حديث حذيفة أصح من حديث عائشة، فحديث حذيفة صحيح في الصحيحين وفي السنن وغيرها، وأما حديث عائشة ففي سنده شريك بن عبد الله القاضي، وقد ساء حفظه لما تولى القضاء. فحديث حذيفة مقدم على حديث عائشة. على أنه يمكن الجمع بينهما، وهو أن حديث عائشة محمول على أنه في البيت، ففي البيت ما كان يبول إلا جالساً، وأما في الصحراء فإن حذيفة أثبت أنه بال قائماً، وهذا فعله مرة ليدل على الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك، ولهذا خفي على عائشة. والأفضل البول قاعداً، وهو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، وأما البول قائماً فأقصى ما فيه أنه مباح عند الحاجة، مع أخذ الاحتياطات. وأما اعتقاد بعض أهل هراة أنه سنة، وكون الواحد منه يبول في السنة مرة قائماً، ويقول: هذا إحياء للسنة، فهذا ليس بجيد.

البول إلى السترة يستتر بها

البول إلى السترة يستتر بها

شرح حديث: (خرج علينا رسول الله وفي يده كهيئة الدرقة)

شرح حديث: (خرج علينا رسول الله وفي يده كهيئة الدرقة) قال المؤلف رحمه الله: [البول إلى السترة يستتر بها. أخبرنا هناد عن أبي معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة رضي الله تعالى عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كهيئة الدرقة فوضعها ثم جلس خلفها فبال إليها، فقال بعض القوم: انظروا يبول كما تبول المرأة، فسمعه فقال: أوما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم شيء من البول قرضوه بالمقاريض، فنهاهم صاحبهم، فعذب في قبره)]. وهذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بال استتر بشيء كالدرقة، فقال رجل: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، استنكاراً لهذا، وهذا يحتمل: أنه منافق، ويحتمل: أنه مؤمن، ولكن خفي عليه هذا فاستنكره؛ لأن عادة العرب أنهم كانوا يتساهلون بالعورات وبكشفها، فكانوا يبولون قياماً، فلما بال قاعداً استنكر هذا الرجل وقال: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، فكان من عادة العرب أنهم ينكرون على من بال جالساً، ويقولون: هذا فعل المرأة؛ لأن الرجل يبول وهو قائم ولا يبالي، فلما قال هذا الرجل هذا القول قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحب بني إسرائيل لما نهاهم عذب في قبره، أي: أنه كان بنو إسرائيل إذا أصاب البول شيئاً من جسد أحدهم قرضه بالمقراض، فنهاهم صاحبهم عن المعروف الذي كان معروفاً في شريعتهم، فعذب في قبره. فهذا إنكار منه صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل على إنكاره عن شيء معروف.

الأمر بالتنزه عن البول

الأمر بالتنزه عن البول

شرح حديث: (أما هذا فكان لا يستنزه من بوله)

شرح حديث: (أما هذا فكان لا يستنزه من بوله) قال المؤلف رحمه الله: [التنزه عن البول. أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من بوله، وأما هذا فإنه كان يمشي بالنميمة. ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، فغرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً، ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا). خالفه منصور رواه عن مجاهد عن ابن عباس ولم يذكر طاوساً]. هذا الحديث في عذاب هذين الشخصين، وقد أخرجه الشيخان أيضاً وغيرهما، وهو حديث صحيح. وفيه: إثبات عذاب القبر، والرد على من أنكره، وأن عذاب القبر يكون على الروح والبدن كما عليه أهل السنة والجماعة، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن العذاب والنعيم للروح فقط، الصواب: أن الذي عليه دلت عليه النصوص وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه على الروح والبدن جميعاً، وإن كانت الأحكام في البرزخ على الروح أكثر، إلا أن البدن يناله ما قدر له. والميت سواء قبر أو لم يقبر فإنه يناله ما قدر له من السؤال ومن النعيم ومن العذاب، حتى لو أكلته السباع أو الحيتان، والمقبرة التي زرعت وصارت زرعاً على الميت فإنه يناله فيها ما قدر له؛ لأنه برزخ، وأحوال الآخرة أمور غيبية ليست كأحوال الدنيا الله أعلم بكيفيتها، ولكن نؤمن بأن كل ميت يناله ما قدر له من النعيم والعذاب سواء قبر أو لم يقبر، أو صلب على خشبة، فإنه يناله ما قدر له من تضييق القبر وتوسيعه، ونعيمه وعذابه، والسؤال، فكل يناله ما كتب له. وفيه كما قال المؤلف: وجوب التنزه من البول، وتحريم التساهل فيه، وأن عدم التنهزه من البول من أسباب عذاب القبر، وكذلك النميمة، وهي: نقل الكلام من شخص إلى شخص، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة على وجه الإفساد، فهذه من الكبائر. وفي الحديث: (لا يدخل الجنة قتات)، يعني: نمام. وأما وضع الجريدة على القبرين فهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقاس عليه غيره كما يفعله بعض الناس أو يقوله بعض الناس من أنه إذا مات الميت وضع على قبره جريدة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس بجيد وغير صحيح؛ لأننا لا نعلم حال الميت، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على حال هاذين القبرين، فغرز على كل قبر منهما جريدة. وفي لفظ الحديث: (وما يعذبان في كبير)، وفي اللفظ الآخر: (بلى إنه كبير)، قيل معنى: (وما يعذبان في كبير) أي: لا يعذبان في شيء كبير يشق عليهما الاحتراز منه. ثم قال: (بلى إنه كبير) أي: إثمه كبير عند الله، وليس بكبير يشق عليهما الاحتراز منه، أو ليس بكبير في نفسه.

البول في الإناء

البول في الإناء

شرح حديث: (كان للنبي قدح من عيدان يبول فيه)

شرح حديث: (كان للنبي قدح من عيدان يبول فيه) قال المؤلف رحمه الله: [باب البول في الإناء. أخبرنا أيوب بن محمد الوزان قال: حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج أخبرتني حكيمة بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه، ويضعه تحت السرير)]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن حكيمة هذه مجهولة، وأما أمها أميمة فصحابية لها حديثان كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يبول في قدح أو في إناء ويضعه تحته؛ لأن هذا يؤدي إلى انتشار النجاسة؛ ولأن هذا الحديث ضعيف، إلا إذا اضطر الإنسان إلى ذلك، بأن كان مريضاً، أو كبير السن واضطر إلى هذا فلا بأس، وإذا قضى حاجته فيؤخذ ويوضع في مكان آخر, أو في المكان المعد للبول. وأما هذا الحديث فهو ضعيف. وقولها: (من عيدان) يعني: خشب العيدان, سواء كان عيدان النخل أو غيره، وقد جاء في الروايات: أن بركة مولاة لـ أم حبيبة شربت بول النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي سألها لما لم يجد شيئاً في الإناء، فقالت: إنها شربته. وهذا لا يصح؛ لأن أصل الحديث ليس بصحيح، ولا يُشرب بوله؛ لأن الأصل في البول أنه نجس، فلا يجوز شربه، هذا هو الأصل. فالحديث أصله غير صحيح، فلا يصح ما بني عليه من الشرب.

البول في الطست

البول في الطست

شرح حديث عائشة: (لقد دعا بالطست ليبول فيه)

شرح حديث عائشة: (لقد دعا بالطست ليبول فيه) قال المؤلف رحمه الله: [البول في الطست. أخبرنا عمرو بن علي قال: أخبرنا أزهر قال: أخبرنا ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت يقولون: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي، لقد دعا بالطست ليبول فيها فانخنثت نفسه وما أشعر، فالي من أوصى؟). قال الشيخ: أزهر هو ابن سعد السمان]. وهذا ليس فيه أنه بال فيه، وإنما أوتي به ليبول فيه وهو مريض، فانخنثت نفسه، فالمريض إذا احتاج فلا بأس به للحاجة والضرورة. والحديث: أخرجه البخاري في الشروط، باب: الوصايا، وفي المغازي، باب: مرض النبي، وأخرجه مسلم في الوصية، وأخرجه الترمذي في الشمائل، وأخرجه النسائي في الوصايا وأخرجه ابن ماجة.

كراهية البول في الجحر

كراهية البول في الجحر

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في جحر)

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في جحر) قال المؤلف رحمه الله: [كراهية البول في الجحر. أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في جحر)، قالوا لـ قتادة: وما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال: إنها مساكن الجن]. وهذا الحديث فيه عنعنة قتادة، وفيه النهي عن البول في الجحر أو الشق في الأرض؛ لأنها مساكن الجن، فربما آذاهم فيؤذونه، وقد يكون فيه بعض الهوام والحشرات فتخرج عليه فتؤذيه، فهو منهي عن البول في الحجر؛ لأنه يؤذي الهوام التي فيه، وقد تخرج عليه فتؤذيه؛ ولأنها مساكن الجن، فقد يؤذيهم ثم يضرونه، وقصة سعد بن عبادة مشهورة في أنه بال في جحر كان فيه جن فقتلوه، وسُمع قائلاً يقول: نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهم فلم يخطئ فؤاده. والقصة مشهورة، وثبوتها يحتاج إلى النظر في سندها. والحديث أخرجه أبو داود في الطهارة، باب: النهي عن البول في الجحر.

النهي عن البول في الماء الراكد

النهي عن البول في الماء الراكد

شرح حديث: (نهى عن البول في الماء الراكد)

شرح حديث: (نهى عن البول في الماء الراكد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن البول في الماء الراكد. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن البول في الماء الراكد)]. هذا فيه عنعنة أبي الزبير عن جابر، وهو يروي عنه كثيراً. والحديث فيه النهي عن البول في الماء الراكد، والراكد هو الذي لا يجري، وجاء في الحديث الآخر: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه). فالبول في الماء الراكد وسيلة لتنجيسه ولو كان كثيراً، ولا يلزم من ذلك التنجيس أن يكون نجساً، إلا إذا تغير أحد أوصافه، أو كان قليلاً؛ فالماء القليل في الأواني يراق؛ إذ قد جاء في بعض ألفاظ حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب: (فليرقه) وذلك إذا كان الماء قليلاً، وأما إذا كان كثيراً. فالأفضل أنه لا يريقه إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة. وأما أن الإنسان يبول في الماء الراكد ثم يأتي غيره فيبول، ويأتي آخر كذلك فيبول فذلك وسيلة إلى تنجيسه وتقذيره على من يبول وعلى غيره وذلك منهي عنه لهذا الحديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يتوضأ منه). وأما إذا كان يجري فلا يمنع من البول فيه.

كراهية البول في المستحم

كراهية البول في المستحم

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه)

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كراهية البول في المستحم. أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا ابن المبارك عن معمر عن الأشعث بن عبد الملك عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه، فإن عامة الوساوس منه)]. وهذا الحديث أخرجه أبو داود أيضاً، وفيه النهي عن البول في المستحم، وبيان أن ذلك من أسباب الوسواس، وهذا إذا كان المستحم يبقى فيه البول، فإنه إذا اختلط به الماء قد ينتقل شيء من الرشاش إلى المستحم، وقد يكون عنده خواطر ووساوس، وأما إذا كان للبول طريق يذهب فيه إلى المستنقع فإنه إذا وصب عليه الماء زال المحذور.

الأسئلة

الأسئلة

المفاضلة بين حلق شعر الرأس وتركه

المفاضلة بين حلق شعر الرأس وتركه Q ما حكم إبقاء شعر الرأس؟ A إن إبقاء الشعر هو الأولى وحلقه مباح، وقد يكون مكروهاً إذا لم تدع الحاجة إليه. وكان الإمام أحمد يرى أنه سنة، ويقول: هو سنة، ونقوى عليه إذا اتخذناه ولكن له كلفة ومشقة، يعني: يحتاج إلى غسل وشد ودهن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من كان له شعر فليكرمه). وما كان النبي يحلق شعره إلا في حج أو عمرة، وحلقه مباح، ولاسيما إذا كان إبقاؤه شعاراً لبعض الفساق، أو لبعض الطوائف المنحرفة، فيجب مخالفتهم في هذا؛ لأنه أمر مباح.

حكم من اعتاد البول قائما

حكم من اعتاد البول قائماً Q ما حكم من اعتاد البول قائماً؟ A من اعتاد البول قائماً دائماً ينهى عن ذلك إلا إذا كان هناك حاجة، وقد جاء في الحديث: (ما كان رسول الله يبول إلا جالساً) والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بال قائماً مرة واحدة لبيان الجواز، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، وأما أن يكون دائماً فإن هذا قد يكون سبباً لتكشف العورات. فالأفضل أن ينهى عنه، إلا إذا احتاط لذلك، ودعت إليه الحاجة، فلا بأس. والسباطة هي: المحل الذي يلقى فيه القمامة والكناسة.

كتاب الطهارة [3]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [3] ديننا الإسلامي هو دين النظافة ودين الأدب، وقد حثنا الله تعالى ورسوله على عدة آداب حتى في التخلي، فمن ذلك: عدم السلام حال البول، والنهي عن الاستطابة بالعظم أو الروث، وعدم استقبال القبلة أو استدبارها حال البول في الصحراء والفضاء، وعدم الاستنجاء باليمين، والابتعاد عن أعين الناس، وكذلك ألا يستجمر بأقل من ثلاثة أحجار، وغير ذلك من الآداب.

حكم السلام على من يبول

حكم السلام على من يبول

شرح حديث: (مر رجل على النبي وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام)

شرح حديث: (مر رجل على النبي وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب السلام على من يبول. أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا زيد بن الحباب وقبيصة قالا: حدثنا سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام)]. هذا الحديث فيه دليل على أنه لا يسلم على من يبول، ومن سلم فلا يستحق الرد؛ لأن مكان البول ليس محلاً للسلام، حتى يقضي الإنسان حاجته، وإذا سلم عليه فلا يرد، فإن سُلِّم عليه ثم توضأ فلا بأس بأن يرد إذا بقي المسلم كما سيأتي. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.

رد السلام بعد الوضوء

رد السلام بعد الوضوء

شرح حديث ترك النبي رد السلام حال البول، ورده بعد الوضوء

شرح حديث ترك النبي رد السلام حال البول، ورده بعد الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب رد السلام بعد الوضوء. أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: أنبأنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حضين أبي ساسان عن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه (أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ، فلما توضأ رد عليه)]. هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة ووفيه أنه إذا بقي المسلَّم حتى يتوضأ المسلَّم عليه فإنه يرد عليه السلام، وأما إذا ذهب فإنه لا يرد عليه؛ لأنه سلم في وقت لا يستحق أن يرد عليه فيه، ولا يسلم على من يقضي حاجته، فإن سلم وبقي ورد عليه على ما جاء في هذا الحديث فلا بأس. وحضين بضم الحاء المهملة، وفتح الضاد المعجمة، ثم مثناة تحتية ثم نون، قال أبو أحمد العسكري: لا أعرف من يسمى حضيناً بالضاد غيره.

النهي عن الاستطابة بالعظم

النهي عن الاستطابة بالعظم

شرح حديث ابن مسعود في النهي عن الاستطابة بعظم أو روث

شرح حديث ابن مسعود في النهي عن الاستطابة بعظم أو روث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الاستطابة بالعظم. أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: أنبأنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي عثمان بن سَنَّة الخزاعي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستطيب أحدكم بعظم أو روث)]. ثبت في الصحيحين وغيرهما النهي عن الاستطابة - أي: الاستنجاء- بعظم أو روث، وجاء في الحديث الآخر بيان العلة وهي: أن العظم والروث زاد إخواننا من الجن، وأن العظم يعود إليه لحمه الذي أُكل منه، فكل عظم ذكر اسم الله عليه يعود إليه لحمه الذي أُكل منه، والروث يعود إليه حبه الذي أكل، فقد جاء في الحديث: (أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما طعام إخوانكم).

النهي عن الاستطابة بالروث

النهي عن الاستطابة بالروث

شرح حديث أبي هريرة في النهي عن الاستطابة بالروث

شرح حديث أبي هريرة في النهي عن الاستطابة بالروث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الاستطابة بالروث. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى -يعنى ابن سعيد - عن محمد بن عجلان قال: أخبرني القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم، إذا ذهب أحدكم إلى الخلاء فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستنج بيمينه. وكان يأمر بثلاثة أحجار، ونهى عن الروث والرمة)]. هذا فيه تحريم استقبال القبلة واستدبارها، وهذا في غير البنيان؛ لأن البنيان جاء ما يدل على الجواز فيه، وفيه النهي عن الاستنجاء باليمين، فلا يجوز للإنسان أن يستنجي باليمين إلا للضرورة؛ لأنها محل التكريم، وفيه تحريم الاستجمار بالروث والعظم، فالحديث دل على هذه الأحكام: تحريم استقبال القبلة واستدبارها، تحريم الاستنجاء باليمين، وتحريم الاستجمار بالعظم والروث. وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة، والنهي عن الاستجمار بالعظم ثابت في الصحيحين.

النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار

النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار

شرح حديث حديث سلمان في النهي عن الاكتفاء بأقل من ثلاثة أحجار

شرح حديث حديث سلمان في النهي عن الاكتفاء بأقل من ثلاثة أحجار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الاكتفاء بالاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال له رجل: إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة! قال: (أجل، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي بأيماننا، أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار)]. قوله: (إن صاحبكم ليعلمكم) أي: أنه صلى الله عليه وسلم علمهم كل شيء حتى أحكام الاستنجاء والاستجمار. وفيه النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، والنهي عن الاستنجاء باليمين، وفيه أنه لا يستجمر بأقل من ثلاثة أحجار إذا أراد المرء الاكتفاء بها، وأما إذا أراد أن يستنجي بالماء فلا بأس بأن يستجمر معه بحجر أو بحجرين، إنما النهي عن الاكتفاء بأقل من ثلاثة أحجار إذا أراد أن يكتفي بها عن الماء؛ إذ لابد من أن تكون ثلاثة أحجار، والحجر الواحد والحجران لا يكفيان، فلابد من أن تكون هذه الأحجار الثلاثة منقية، فإن لم تنق زاد حجراً رابعاً، فإذا زاد حجراً رابعاً وأنقى، فالأفضل أن يزيد خامساً، فإن لم ينق في الخامسة زاد حجراً سادساً، فإن أنقى في السادسة استحب له أن يزيد سابعاً؛ حتى يقطع على وتر، لحديث (ومن استجمر فليوتر). فشروط الاستجمار بالأحجار ونحوها هي: ألا يكتفي بما دون ثلاثة أحجار، وأن يحصل الإنقاء، إلا أن يبقى أثر يسير لا يزيله إلا الماء، وألا يتجاوز الخارج موضع العادة، فإن تجاوز الخارج موضع العادة فلا يجزيه إلا الماء. ويرى العلماء في تعدد الأحجار أنه إذا استجمر بحجر له ثلاث شعب كفاه؛ لأنه بمثابة ثلاثة أحجار.

الرخصة في الاستطابة بحجرين

الرخصة في الاستطابة بحجرين

شرح حديث ابن مسعود في أمر النبي إياه بأن يأتيه بثلاثة أحجار

شرح حديث ابن مسعود في أمر النبي إياه بأن يأتيه بثلاثة أحجار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الرخصة في الاستطابة بحجرين. أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا أبو نعيم عن زهير عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أنه سمع عبد الله رضي الله عنه يقول: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط وأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيت بهن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذه ركس). قال أبو عبد الرحمن: الركس طعام الجن]. هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، فأتى بحجرين ولم يجد ثالثاً، فأخذ روثة، وفي اللفظ الآخر: أنها روثة حمار، فأخذ صلى الله عليه وسلم الحجرين وألقى الروثة، وقال: (إنها ركس). وقد استدل به المؤلف رحمه الله على الرخصة في الاستجمار بالحجرين، وأن النبي استجمر بحجرين، لكن هذا ليس بجيد وهذه الترجمة ليست جيدة؛ لأنه قال: (ائتني بثلاثة أحجار)، فكونه ألقى الروثة لا يدل على أنه اكتفى بحجرين، ويدل على ذلك ما جاء في رواية أحمد أنه صلى الله عليه وسلم ألقى الروثة وقال: (ائتني بحجر). فترجمة النسائي عن الرخصة في الاستطابة بحجرين ليست بجيدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما اكتفى بحجرين بل قال: (ائتني بثلاثة) ولما ألقى الروثة قال -كما في رواية أحمد -: (ائتني بحجر). وكأن المؤلف رحمه الله غاب عنه ما جاء في رواية الإمام أحمد، وكذلك أيضاً ما انتبه إلى أول الحديث، فإن فيه: (ائتني بثلاثة أحجار). وإذا كان طلب ثلاثة فأتي بحجرين فلابد من أن يكمل الثالث، حتى ولو لم تأت رواية أحمد وغيره، فكيف إذا جاء في رواية أحمد: (ائتني بحجر)، وعند غيره (فائتني بغيرها). فإذا أراد المرء أن يكتفي بالحجارة عن الماء فلابد من ثلاثة، ولا يكفي اثنان، وأما إذا كان يريد أن يستنجي بعد ذلك بالماء فالأمر في هذا واسع. وتفسير النسائي رحمه الله الرجس بأنه زاد الجن أيضاً ليس بجيد، وكأنه أخذه من قوله: (فإنه زاد إخوانكم). والركس هو النجس، فقوله: (إنها ركس) يعني: أنها نجس، ولاسيما إذا كانت روثة حمار، وأما إذا كانت روثة ما يؤكل لحمه فلا تكون ركساً، وإنما تكون طعاماً لدواب الجن يعود إليه حبه، فتفسير النسائي بأن الركس زاد الجن ليس بجيد؛ لأن الركس هو النجس، وذلك يصدق على روثة الحمار. وأما قول النسائي عن أبي إسحاق: [قال: ليس أبو عبيدة] فقد قال في ذلك الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: (وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له؛ لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح، فتكون منقطعة، بخلاف رواية عبد الرحمن؛ فإنها موصولة، ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل عن يونس عن أبي إسحاق، فمراد أبي إسحاق هنا بقوله: ليس أبو عبيدة ذكره، أي: لست أرويه الآن عن أبي عبيدة، وإنما أرويه عن عبد الرحمن) اهـ. فـ أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ما سمع من أبيه، فروايته عنه منقطعة، ولهذا عدل عنها، فإذا جاء (عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود) فهي رواية منقطعة؛ لأنه ما سمع من أبيه. والحديث أخرجه البخاري وابن ماجة، وهذه الأحاديث كلها ثابتة في الصحيحين وغيرهما.

الرخصة في الاستطابة بحجر واحد

الرخصة في الاستطابة بحجر واحد

شرح حديث: (إذا استجمرت فأوتر)

شرح حديث: (إذا استجمرت فأوتر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في الاستطابة بحجر واحد. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استجمرت فأوتر)]. استدل بهذا الحديث المؤلف رحمه الله تعالى على الاكتفاء بحجر واحد، وهذا ليس بجيد؛ إذ ليس فيه تصريح بأنه يستجمر بحجر واحد، وإنما أخذه من كون الحجر الواحد وتراً، والصحيح أنه لا يكتفي المرء بواحد إذا أراد أن يكتفي به عن الماء، بل ولا يكتفي باثنين، فلابد من أن يكون المستجمر به ثلاثة أحجار، وأما إذا أراد أن يتبع الحجارة بالماء فالأمر في هذا واسع. فقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استجمرت فأوتر) يقيده الحديث الآخر، وهو أنه لابد من ألا يكون الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار، ولكن يوتر إذا زاد على الثلاثة، فإذا اكتفى بأربعة يوتر بحجر خامس؛ حتى يقطع على وتر، وإذا أنقى بستة أحجار زاد حجراً سابعاً حتى يقطع على وتر، وأما أن يكتفي بحجر واحد فلا؛ إذ لا يكفي الحجر ولا الحجران. والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة.

الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها

الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها

شرح حديث: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار)

شرح حديث: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن مسلم بن قرط عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فليستطب بها، فإنها تجزي عنه)]. هذا الحديث استدل به المؤلف على أنه يكتفى بالأحجار دون غيرها، وهذا ليس بجيد أيضاً؛ فإنه ليس الاستجمار خاصاً بالأحجار، بل يجوز بالأحجار، أو بالطين المتحجر، أو بالخشب، أو بالمناديل، أو بالورق الخشن ثلاث مسحات، فإنها تقوم مقام الأحجار. فالاستجمار ليس خاصاً بالأحجار، بل يشمل ما ينقي إلا الروث والعظم، وكذلك ما كان كالزجاج الأملس، فهذا لا ينقي، وإنما يستجمر بشيء مما ينقي، كالأحجار، والطين المتحجر، ومناديل الورق الخشن، والخشب وما أشبه ذلك. ويمنع كذلك الاستجمار بالشيء المحترم، ككتب العلم وما فيه ذكر الله تعالى، ويكره العلماء أن يستنجي بشيء من الدواب، كذيل البقرة ونحوه.

الاستنجاء بالماء

الاستنجاء بالماء

شرح حديث أنس في حمله الإداوة من الماء ليستنجي بها النبي صلى الله عليه وسلم

شرح حديث أنس في حمله الإداوة من الماء ليستنجي بها النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاستنجاء بالماء. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا النضر قال: أنبأنا شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء أحمل أنا وغلام معي نحوي إداوة من ماء فيستنجي بالماء]. هذا الحديث فيه مشروعية الاستنجاء بالماء، والاستنجاء بالماء هو الأفضل، وقد كان بعض العرب يستنكرون الاستنجاء بالماء ويرون الاستجمار بالحجارة، حتى إنه روي عن بعض التابعين أو غيرهم أنه أنكر الاستنجاء بالماء فقال: إنه لا يعرف الاستنجاء بالماء، وهذا ليس بجيد، والصواب أن الاستنجاء بالماء أبلغ من الاستجمار بالحجارة، وإذا جمع بينهما فهو أفضل، ويلي ذلك الاستنجاء بالماء، ثم الاستنجاء بالحجارة. فهذه ثلاثة أحوال، والجمع بينهما أفضل، والحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود.

شرح حديث عائشة: (مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء)

شرح حديث عائشة: (مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن معاذة عن عائشة رضي الله عنه أنها قالت: (مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم منه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله)]. وهذا الحديث فيه الدلالة على الاستنجاء بالماء، وفيه الرد على من أنكر الاستنجاء بالماء.

النهي عن الاستنجاء باليمين

النهي عن الاستنجاء باليمين

شرح حديث النهي عن التمسح باليمين

شرح حديث النهي عن التمسح باليمين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الاستنجاء باليمين. أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: أنبأنا هشام عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في إنائه، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه)]. هذا الحديث اشتمل على ثلاثة أمور منهي عنها: الأمر الأول: التنفس في الإناء حين الشرب، وهذا منهي عنه؛ لأنه قد يخرج منه شيء إلى الماء فيقذره على غيره. الأمر الثاني: مس الذكر باليمين في الخلاء، وجاء في الحديث الآخر تقييده بحالة البول، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (وإذا بال فلا يمس ذكره بيمين). والأمر الثالث: التمسح باليمين، وهو الاستجمار والاستنجاء باليمين. فهذه الثلاثة الأمور منهي عنها، والأصل في النهي التحريم، فيحرم على الإنسان أن يتنفس في الإناء، ويحرم عليه أن يستنجي بيمينه أو يمس ذكره بيمينه وهو يبول.

إسناد آخر لحديث النهي عن التمسح باليمين

إسناد آخر لحديث النهي عن التمسح باليمين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن يحيى بن أبى كثير عن ابن أبي قتادة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء، وأن يمس ذكره بيمينه، وأن يستطيب بيمينه)]. وذلك لأن اليمين إنما تكون للأشياء التي فيها التكريم؛ لحديث عائشة الذي أخرجه البخاري وغيره (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) وأما الشمال فإنها تكون لنحو المخاط والاستجمار.

شرح حديث النهي عن الاستنجاء باليمين

شرح حديث النهي عن الاستنجاء باليمين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي وشعيب بن يوسف -واللفظ له- عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان رضي الله عنه قال: (قال المشركون إنا لنرى صاحبكم يعلمكم الخراءة! قال: أجل، نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، ويستقبل القبلة، وقال: لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار)]. قولهم: (إن صاحبكم) يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، (يعلمكم الخراءة) أي: أحكام الاستنجاء. قوله: (أجل نهانا أن يستنجى أحدنا بيمينه، ويستقبل القبلة، وقال: لا يستجمر أحدكم بدون ثلاثة أحجار) يعني: إذا أراد الاقتصار عليها دون استعمال الماء فإنه لا يكتفي بأقل من ثلاثة أحجار، حتى ولو أنقى، فلابد من أن تكون الأحجار ثلاثة، فإن أنقى باثنين فلابد من ثالث، فإن لم ينق زاد رابعاً، فإن أنقى بأربعة أستحب له أن يزيد المرة الخامسة حتى يقطع على وتر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن استجمر فليوتر)، ولابد مع ذلك ألا يتجاوز الخارج موضع العادة، وأن يكون ما يستجمر به أحجار أو طين متحجر أو خشب أو مناديل من الورق، وليس فيه عظم ولا روث؛ لأن العظم والروث زاد إخواننا من الجن كما جاء في الحديث. وكذلك لا يكون فيه شيء محترم، ككتب العلم والطعام، وما فيه ذكر الله، ولا يكون مما لا ينقي كالزجاج أو ما أشبه ذلك.

دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء

دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء

شرح حديث أبي هريرة في دلك النبي يده بالأرض بعد الاستنجاء

شرح حديث أبي هريرة في دلك النبي يده بالأرض بعد الاستنجاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء. أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال: حدثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما استنجى دلك يده بالأرض)]. هذا الحديث فيه استحباب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء، فإذا استنجى المرء بالماء ولم يستجمر بالحجارة فإنه قد يكون في يده شيء من رائحة الغائط، فيستحب له أن يدلكها بالأرض حتى يزيل الرائحة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدلكها بالأرض، أو يضرب الجدار؛ إذ كان الجدار من طين، لكن إذا كانت الأرض مبلطة، وكذلك الجدران؛ فإنه يستعمل ما ينوب عن التراب كالصابون مثلاً، وهذا من باب الاستحباب.

شرح حديث جرير في دلك النبي يده في الأرض

شرح حديث جرير في دلك النبي يده في الأرض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن الصباح قال: حدثنا شعيب -يعني: ابن حرب -قال: حدثنا أبان بن عبد الله البجلي قال: حدثنا إبراهيم بن جرير عن أبيه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء فقضى الحاجة، ثم قال: يا جرير! هات طهوراً. فأتيته بالماء فاستنجى بالماء، وقال بيده فدلك بها الأرض). قال أبو عبد الرحمن هذا أشبه بالصواب من حديث شريك، والله سبحانه وتعالى أعلم]. قوله: [هذا أشبه بالصواب من حديث شريك] أي: أن الأصح أن يكون الحديث من رواية إبراهيم بن جرير عن أبيه، وفي السند الأول من رواية إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن أبي هريرة، فالإمام النسائي يقول: إن الحديث من مسند جرير وليس من مسند أبي هريرة. وقد يكون لـ إبراهيم بن جرير شيخان، ولا مانع من ذلك، فيكون قد روى عن أبيه وعن أبي زرعة.

كتاب الطهارة [4]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [4] لقد حث الشرع على النظافة وأوجب التنزه من النجاسة، وبين أن الماء إذا كان قلتين فإنه لا يحمل الخبث إلا أن يتغير أحد أوصافه الثلاثة، وقد بين الشرع أن الأصل في المياه أنها طاهرة مطهرة كمياه الأمطار والآبار وماء البحر، وماء الثلج والبر. وبين أيضاً أن بعض النجاسات مغلظة، فإذا وقعت في الإناء مثلاً فإنها توجب الغسل سبعاً مع جعل التراب في الأولى كنجاسة لعاب الكلب.

التوقيت في الماء

التوقيت في الماء

شرح حديث: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)

شرح حديث: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التوقيت في الماء. أخبرنا هناد بن السري والحسين بن حريث عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)]. هذا حديث ابن عمر، وهو المشهور بحديث القلتين، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)، وفي لفظ: (لم ينجس). وقد اختلف العلماء في صحته، والصواب أنه صحيح، وهو يفيد أن الماء إذا بلغ قلتين يدفع عن نفسه النجاسة، ولا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: الطعم أو اللون أو الريح، والقلة تقرب من قربتين ونصف، فتكون القلتان مقاربتين خمس قرب، فإذا بلغ الماء هذا الحد فإنه يسمى كثيراً. ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى تقسيم الماء إلى كثير وقليل، وقالوا: الكثير ما بلغ قلتين، فهذا لا ينجس بملاقاة النجاسة إذا لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة، والقليل الذي دون القلتين، وهو ينجس بمجرد الملاقاة، فإذا كان الماء أقل من قلتين فوقع فيه شيء من البول ولو قليل فإنه ينجس. فهذا الحديث يعتبر حداً فاصلاً بين القليل والكثير من ناحية المفهوم، فمفهومه أنه إذا لم يبلغ الماء القلتين فإنه يحمل الخبث، إلا أن هذا المفهوم ألغاه منطوق حديث أبي سعيد: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء). وإلى هذا ذهب بعض المحققين، فقالوا: إن حديث القلتين -وإن كان صحيحاً- قد ألغى منطوق حديث أبي سعيد: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء). فحديث أبي سعيد يفيد أن الماء طهور لا ينجسه شيء سواء أكان قليلاً أم كثيراً، إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة اللون أو الطعم أو الريح بالنجاسة، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وجماعة من المحققين. ويلغي المفهوم كذلك حديث الأعرابي كما سيأتي، فإن الأعرابي بال في المسجد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فصب عليه، والذنوب: الدلو. ومعلوم أن الدلو أقل من خمس قرب، أي: أقل من القلتين، فلو كان ما دون القلتين ينجس بملاقاة النجاسة لتنجس هذا الماء، لكن بعضهم فرق بين ورود النجاسة على الماء وورود الماء على النجاسة، فقال: إن حديث الأعرابي فيه أن الماء هو الذي ورد على النجاسة فطهرها، بخلاف ما إذا وردت عليه النجاسة. وقال بعضهم: إن حديث الأعرابي فيه أن البول لم يبق وإنما شربته الأرض، فلذلك طهر الذنوب الباقي. والصواب -كما سبق- أن الماء طهور لا ينجس إلا بالتغير قليلاً كان أم كثيراً، إلا أنه إذا كان قليلاً في الأواني فإنه إذا صارت النجاسة فيه يراق؛ لما ورد في بعض ألفاظ حديث ولوغ الكلب أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فليرقه)، فإذا كان الماء قليلاً في الأواني فإنه يراق، وأما إذا كان أكثر من ذلك فلا تضره النجاسة إذا لم تغيره، وحديث القلتين يفيد أن الإنسان ينبغي له أن يتأمل وينظر في الماء إذا كان أقل من قلتين، والقلتان ما يقارب ذراعاً وربع ذراع طولاً وعرضاً وعمقاً، فمتى ما كان الماء طوله ذراعاً وربعاً، وعرضه ذراعاً وربعاً، وعمقه ذراع وربع فإنه يبلغ قلتين، وهذا أقرب ما قيل في ذلك، وإلا فقد حدهما العلماء بالأرطال الدمشقية، وبالأرطال العراقية، لكنها أرطال قديمة.

ترك التوقيت في الماء

ترك التوقيت في الماء

شرح حديث بول الأعرابي في المسجد، وذكر أسانيده وألفاظ رواياته

شرح حديث بول الأعرابي في المسجد، وذكر أسانيده وألفاظ رواياته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترك التوقيت في الماء. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد عن ثابت عن أنس: (أن أعرابياً بال في المسجد فقام إليه بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه لا تزرموه. فلما فرغ دعا بدلو فصبه عليه). قال أبو عبد الرحمن: يعني: لا تقطعوا عليه]. في هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بصب الماء على البول، فدل على عدم التوقيت؛ لأن الدلو أقل من القلتين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة قال: حدثنا عبيدة عن يحيى بن سعيد عن أنس قال: (بال أعرابي في المسجد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فصب عليه). وأخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أنساً يقول: (جاء أعرابي إلى المسجد فبال، فصاح به الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتركوه. فتركوه حتى بال، ثم أمر بدلو فصب عليه). أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم عن عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال: (قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه وأهريقوا على بوله دلواً من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)]. هذا من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وهذا من الحكمة؛ فإن الأعرابي جاهل يحتاج إلى رفق، ولو كان عنده علم لما بال في المسجد، فلما بال في المسجد أراد الصحابة أن يزجروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه)، أي: لا تقطعوا عليه بوله، وهذا من الحكمة؛ لأنه لو تركهم فإنهم سيزجرونه، ولو زجر لقام، وإذا قام ستحصل مفاسد تتعلق بجسمه وبثيابه وبالمسجد، فإذا قطع البول أثر ذلك على صحته وجسمه، وسيصيب البول فخذيه وثيابه، وكذلك النجاسة تتعدد في أماكن من المسجد، ولذا تركه النبي صلى الله عليه وسلم يبول في مكان واحد، لتسلم بقية المسجد من البول، وسلم جسمه من البول، وسلمت ثيابه من البول، وسلمت صحته؛ لأنه يؤثر عليه قطع البول، فلما انتهى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فصب عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) يعني: إنما بعث نبيكم للتيسير وعدم التعسير، وأنتم كذلك لأنكم أنتم المبلغون. ولما رأى الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم رفق به وعلمه وأن الصحابة زجروه قال: (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد تحجرت واسعاً).

النهي عن البول في الماء الدائم

النهي عن البول في الماء الدائم

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الماء الدائم. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عيسى بن يونس قال: حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه). قال عوف: وقال خلاس: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا إسماعيل عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)]. هذا الحديث فيه النهي عن البول في الماء الدائم؛ لأنه إذا بال فيه فإنه ربما قذره على الناس، وربما قذره على غيره، ولا يلزم من هذا أن يكون الماء نجساً إذا كان كثيراً، لكن إذا ترك هذا يبول وهذا يبول وهذا يبول فقد تغيره النجاسة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن) والنهي للتحريم، فيحرم على الإنسان أن يبول في الماء الدائم. قوله: (ثم يتوضأ منه) يعني أنه قد يحتاج إليه للوضوء، فكيف يبول فيه وهو قد يحتاج إليه للوضوء، وقد يحتاج إليه للاغتسال بعد ذلك؟! وأما إذا كان الماء يجري فهذا لا محذور فيه؛ لأن الجريان يزيل الجهة التي فيها البول ويصرفها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عبد الرحمن: كان يعقوب لا يحدث بهذا الحديث إلا بدينار]. ولعل ذلك كان لحاجة؛ فقد يكون متفرغاً للحديث وليس عنده وقت للكسب، فلا يحدث إلا بدينار، والأولى أن يتبرع بالتحديث.

طهورية ماء البحر

طهورية ماء البحر

شرح حديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)

شرح حديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في ماء البحر. أخبرنا قتيبة عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة أن المغيرة بن أبي بردة من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)]. وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، وهو أن ماء البحر طهور، أي: طاهر في نفسه مطهر لغيره، فالسائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر، فزاده في الجواب فقال: (الحل ميتته)؛ لأن الإنسان الذي يركب البحر قد يحتاج إلى الأكل مما في البحر، فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بحكم ميتة البحر، وميتة البحر حلال، قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة:96]. وظاهر الحديث عموم الحل، إلا أن بعض العلماء استثنى ما يستخبث في البر كالحيات والعقارب، وبعضهم استثنى إنسان الماء وكلب الماء، وظاهر الأدلة العموم، حتى إنسان الماء، وهو حيوان يشبه الإنسان، وهو موجود، فإذا وُجد حيوان البحر فهو حلال. والحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة.

الوضوء بالثلج

الوضوء بالثلج

شرح حديث: (اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)

شرح حديث: (اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بالثلج. أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)]. وهذا الحديث رواه الشيخان، وهو أصح ما ورد من الأحاديث في الاستفتاحات، وهو استفتاح مختصر، وهناك استفتاح مختصر أيضاًَ، وهو: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك). وهذا اختاره الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وكان عمر يلقنه الناس على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الاستفتاحات، وأما الاستفتاح بـ (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) فهو أصلح. والشاهد هو الطهور بماء الثلج، فالثلج إذا ذاب فإنه طهور يتوضأ به.

الوضوء بماء الثلج

الوضوء بماء الثلج

شرح حديث: (اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج)

شرح حديث: (اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بماء الثلج. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس)]. هذا الحديث-كسابقه- دليل على طهورية ماء الثلج.

الوضوء بماء البرد

الوضوء بماء البرد

شرح حديث عوف بن مالك في دعاء النبي للميت

شرح حديث عوف بن مالك في دعاء النبي للميت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بماء البرد. أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا معن قال: حدثنا معاوية بن صالح عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير قال: شهدت عوف بن مالك يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على ميت، فسمعت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)]. هذا الحديث أخرجه مسلم، وفيه مشروعية الصلاة على الميت، وهي من فروض الكفاية، وفيه طهورية ماء البرد، وهو ما ينزل من السحاب في المطر، فإذا ذاب فإنه يتطهر به.

حكم سؤر الكلب

حكم سؤر الكلب

شرح حديث: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)

شرح حديث: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب سؤر الكلب. أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات). أخبرني إبراهيم بن الحسن قال: حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج أخبرني زياد بن سعد أن ثابتاً مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات). أخبرني إبراهيم بن الحسن قال: حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج: أخبرني زياد بن سعد أنه أخبره هلال بن أسامة أنه سمع أبا سلمة يخبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثله]. هذا الحديث في ولوغ الكلب رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله، وهو حديث صحيح ثابت، وهو دليل على أن الكلب إذا شرب من الإناء فإنه يغسل سبع مرات، وفي رواية أخرى أنه يعفر الثامنة بالتراب، وهذا خاص بالكلب لا يقاس عليه غيره. وأما النجاسات الأخرى فتغسل من غير تحديد حتى يغلب على الظن أنها قد زالت، فإذا كان هناك نجاسة أصابت الثوب أو الإناء فإنه إذا كان لها جرم فإنه ينقل ثم يغسل أثرها مرة أو مرتين أو ثلاثاً حتى يغلب على الظن أنها قد زالت. أما حديث: (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم لا يصح، فلا حد لغسل النجاسة، وإنما إذا زال عين النجاسة وغلب على الظن أن المحل قد طهر فقد كفى ذلك، أما الكلب فإنه لابد من غسل الإناء من ولوغه سبع مرات، وتكون إحدى هذه الغسلات فيها تراب، والأولى أن تكون هي الأُولى؛ حتى يزيل التراب ما بعده. قال العلماء: في لعاب الكلب جراثيم لا يزيلها إلا التراب. وقاس بعض العلماء على الكلب الخنزير، فقالوا: إن الخنزير يغسل الإناء من ولوغه سبع مرات. والصواب أن هذا خاص بالكلب، وفي الحديث دليل على أن الكلب نجس، وهذا هو الصواب الذي عليه الجمهور خلافاً للبخاري ومالك رحمهما الله تعالى، فإنهما يريان طهارة الكلب، والصواب أن الكلب نجس العين، ونجس العين لا يطهر مهما غسل، حتى ولو غسل بالبحر، وأما النجاسة التي تصيب الشيء فإنها تغسل وتزول. والمقصود أن هذا الحديث دليل على نجاسة الكلب، فإذا شرب من الإناء فإن الإناء يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب. والكلب نجس كله، فعرقه ولعابه نجس، لكن غسل الإناء سبعاً خاص بنجاسة لعابه، وأما بدنه فإنه إذا مس واليد جافة فلا تنجس، وإذا كانت رطبة فإنها تغسل.

الأمر بإراقة ما في الإناء إذا ولغ فيه الكلب

الأمر بإراقة ما في الإناء إذا ولغ فيه الكلب

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه)

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بإراقة ما في الإناء إذا ولغ فيه الكلب. أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات). قال أبو عبد الرحمن: لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على قوله: فليرقه]. قوله: [لا أعلم أحداً] يعني: أن علياً تفرد بهذه الزيادة، ولكن قد أخرج الدارقطني بسند صحيح عن حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفاً، وفيه (فليرقه). وهو يدل على أن الماء إذا كان قليلاً في الأواني وأصابته النجاسة فإنه يراق، وأما إذا كان كثيراً فإنه لا ينجس على الصحيح إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: اللون أو الطعم أو الريح، والجمهور يرون أنه ينجس إذا كان أقل من القلتين بمجرد الملاقاة لحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، ولكن إذا كان قليلاً في الأواني فإنه يراق، كما في هذا اللفظ (فليرقه).

تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب

تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب)

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت مطرفاً عن عبد الله بن المغفل (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بقتل الكلاب ورخص في كلب الصيد والغنم، وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب)]. سماها ثامنة لأنها مع الماء، والأمر بقتل الكلاب كان أولاً ثم نسخ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الكلاب أمة من الأمم)، إلا الكلب الأسود البهيم فالصواب أنه مأمور بقتله؛ لأنه شيطان، أو لأنه يروع الناس، فالكلب الأسود البهيم الذي ليس فيه لون آخر يقتل. وقد رخص في كلب الصيد وكلب الماشية وكلب البستان، كما في الحديث الآخر: (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية أو حرث نقص من أجره كل يوم قيراطان)، وما عدا ذلك من الكلاب لا يجوز اقتناؤه. وأما الكلب البوليسي فقد يقال بجواز اقتنائه لما فيه من المصلحة أخذاً من قواعد الشريعة العامة، وقد يقال بجواز اقتنائه بالقياس على هذه الأمور الثلاثة من باب الأولى، لأن في اقتنائه مصلحة معرفة السارق ومعرفة الشيء المشتبه ونحو ذلك. وهناك أمراً آخر وهو: أن كلب الصيد والغنم والماشية يقتنى ولا يباع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثمن الكلب خبيث)، ولكن يجوز إهداؤه.

حكم سؤر الهرة

حكم سؤر الهرة

شرح حديث: (إنها ليست بنجس)

شرح حديث: (إنها ليست بنجس) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب سؤر الهرة. أخبرنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك (أن أبا قتادة دخل عليها، ثم ذكرت كلمة معناها: فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة فشربت منه فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟! فقلت: نعم. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات)]. هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح ثابت، وهو دليل على أن سؤر الهرة طاهر، والعلة في هذا مشقة التحرز منها لكثرة دورانها وطوافها في البيت، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات). والسؤر: بقية الأكل والشرب، وهو طاهر؛ لمشقة التحرز منها لكثرة دورانها في البيت، ومثلها الفأرة، ولهذا قال العلماء -الحنابلة وغيرهم-: الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، كالفأرة وما أشبهها، فالفأرة كالهرة في مشقة التحرز منها وكثرة دورانها في البيت، ولهذا يقيس الفقهاء الفأرة على الهرة فيقولون: الفأرة كالهرة في طهارة سؤر كل منهما بجامع الطواف والدوران في الكل، أي: مشقة التحرز منهما بسبب الطواف والدوران.

حكم سؤر الحمار

حكم سؤر الحمار

شرح حديث: (إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر فإنها رجس)

شرح حديث: (إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر فإنها رجس) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب سؤر الحمار. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان عن أيوب عن محمد عن أنس قال: أتانا منادي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر؛ فإنها رجس)]. هذا الحديث رواه الشيخان، وهو حديث صحيح، وفيه أن لحم الحمار نجس، وأنه لا يجوز أكله، وروي عن ابن عباس أنه قال بإباحته، وأنه جاءه إنسان وقال له: ليس عندنا إلا الحمر، فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك، ويروى عنه أنه رجع، والصواب أن لحم الحمار نجس لا يجوز أكله، وأما سؤره ففيه خلاف، فالجمهور على أنه إذا شرب من القليل الذي دون القلتين فإنه ينجس، وأما إذا شرب من الكثير فلا ينجس إلا بالتغير، لحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث). والصواب أن سؤره طاهر إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة، سواء أكان قليلاً أم كثيراً؛ لعموم منطوق حديث أبي سعيد: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء)، وهو قاض على مفهوم حديث: (إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث).

حكم سؤر الحائض

حكم سؤر الحائض

شرح حديث عائشة في وضع النبي فاه موضع فمها من العرق وهي حائض

شرح حديث عائشة في وضع النبي فاه موضع فمها من العرق وهي حائض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب سؤر الحائض. أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: (كنت أتعرق العرق فيضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاه حيث وضعت وأنا حائض، وكنت أشرب من الإناء فيضع فاه حيث وضعت وأنا حائض)]. هذا حديث صحيح رواه البخاري وابن ماجة، وهو دليل على طهارة بدن الحائض، وكذلك عرقها وريقها، والنجاسة إنما هي في خصوص الدم، ولهذا كانت عائشة تتعرق العرق -وهو العظم الذي فيه شيء من اللحم- فتعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه مكان فمها، وهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (ناوليني الخمرة من المسجد قالت: إني حائض. قال: إن حيضتك ليست في يدك) والخمرة سجادة صغيرة من سعف النخل، وهو دليل على أن الحائض إذا مرت بالمسجد فلا بأس بذلك، وكذلك الجنب، كما قال الله تعالى: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43]، وإنما الممنوع مكث الحائض في المسجد أو الجنب، إذ قد دلت عليه الأحاديث الصحيحة على أنه لا يجوز للحائض ولا الجنب أن يمكث في المسجد، فلا يجوز للحائض أن تجلس في المسجد لتسمع محاضرة، وإنما تكون في مكان خارج المسجد. وقد يقال: كيف جاز للحائض حضور العيد؟ و A أن صلاة العيد ليست في المسجد، ولكون صلاة العيد تشرع لها الخطبة والدعاء، فالحائض تؤمن على الدعاء، إلا أن الحيَّض يعتزلن المصلى، فيبتعدن عن المصليات حتى لا يضايقنهن.

وضوء الرجال والنساء جميعا

وضوء الرجال والنساء جميعاً

شرح حديث: (كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله جميعا)

شرح حديث: (كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله جميعاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب وضوء الرجال والنساء جميعاً. أخبرني هارون بن عبد الله قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك ح: والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم قال: حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر قال: كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً]. هذا الحديث أخرجه البخاري وأبو داود، وهو حديث صحيح ثابت، وهو محمول على أن ذلك كان قبل الحجاب، والمراد بالوضوء غسل الأطراف. أو أنه خاص بالنساء مع محارمهن، بحيث تتوضأ النساء مع محارمهن من الرجال.

فضل الجنب

فضل الجنب

شرح حديث عائشة في اغتسالها مع رسول الله من إناء واحد

شرح حديث عائشة في اغتسالها مع رسول الله من إناء واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فضل الجنب. أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها أخبرته (أنها كانت تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإناء الواحد)]. وهذا الحديث أخرجه مسلم وابن ماجة، وهو حديث صحيح، وفيه دليل على أن فضل الماء الذي يبقى بعد الجنب طاهر، ودليل على جواز اغتسال الرجل وزوجته جميعاً، كما كانت عائشة رضي الله عنها تغتسل هي ورسول الله من إناء واحد، ويلزم من هذا أن يغتسل أحدهما بفضل الآخر، فهو يأخذ من فضلها وهي تأخذ من فضله، فدل على أنه إذا فضل عن الجنب ماء فإنه طاهر. وإنما جاز لهما أن يغتسلا من إناء واحد؛ لأن الزوجة حل لزوجها وهو حل لها.

كتاب الطهارة [5]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [5] لقد كان وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الوضوء، وهديه فيه أفضل الهدي، وقد حفظ لنا الصحابة رضي الله عنهم ذلك ونقلوه إلينا بالتفصيل والدقة، فعلينا أن نتمسك بذلك ونعض عليه بالنواجذ؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء

القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء

شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ بمكوك)

شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ بمكوك) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء. أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا شعبة قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنس بن مالك يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك، ويغتسل بخمس مكاكي)]. المكوك: مد، وهو ملء كفي الرجل المتوسط، وفيه مشروعية الاقتصاد في الماء، وأنه يستحب للإنسان أن يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع. ويغتسل بخمسة مكاكي، أي: بصاع ومد. وربما اغتسل بصاع، وربما اغتسل بأقل، وجاء أنه توضأ بثلثي مد. والحديث أخرجه البخاري ومسلم.

شرح حديث توضئه بثلث مد

شرح حديث توضئه بثلث مد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد ثم ذكر كلمة معناها حدثنا شعبة عن حبيب قال: سمعت عباد بن تميم يحدث عن جدتي -وهي أم عمارة بنت كعب -: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، أتي بماء في إناء قدر ثلثي المد، قال شعبة: فأحفظ أنه غسل ذراعيه وجعل يدلكهما، ويمسح أذنيه باطنهما، ولا أحفظ أنه مسح ظاهرهما)]. هذا الحديث أخرجه أبو داود، وفيه مشروعية الاقتصاد في الماء، والأذنان يمسح ظاهرهما بالسبابتين وظاهرهما بالإبهام.

النية في الوضوء

النية في الوضوء

شرح حديث: (إنما الأعمال بالنيات)

شرح حديث: (إنما الأعمال بالنيات) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: النية في الوضوء. أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم قال: حدثني مالك ح: وأخبرنا سليمان بن منصور قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك -واللفظ له- عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)]. وهذا الحديث رواه الشيخان، وقد استفتح به البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح، واستفتح به النووي في كتابه رياض الصالحين، وكثير من العلماء يستفتحون كتبهم بهذا الحديث؛ لأن النية هي أساس الدين، وأصل الأعمال، وهي المصححة للأعمال، فلهذا كانوا يفتتحون كتبهم بهذا الحديث، وهذا الحديث من أصح الأحاديث، وهو مع ذلك غريب؛ لأنه من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن الوقاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يروه من الصحابة إلا عمر بن الخطاب، ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ورواه المئات فهو صحيح غريب، لكن الغرابة في طرف الإسناد الأول لا في آخره، ومع ذلك يعتبر من أصح الأحاديث، حتى قال بعض أهل العلم: إنه نصف الدين، وقال بعضهم: إنه ربع الدين، فكونه نصف الدين لأن فيه إصلاح الباطن، وحديث: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وكذلك: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) لبيان إصلاح الظاهر، فهو نصف الدين. وقد استدل به المؤلف رحمه الله على النية في الوضوء، وهو عام يشمل النية في الوضوء وفي غير الوضوء، كنية الصلاة، ونية الزكاة، والنية في الصوم، والنية في الحج. فالحديث أعم من الترجمة، وإنما ذكره في نية الوضوء لأن الإنسان لابد له من أن ينوي الوضوء، وأما لو غسل أطرافه مرتباً وهو ينوي التبرد، ولم ينو رفع الحدث فإنه لا يصح الوضوء؛ لفقدان النية، فلو أن إنساناً غسل وجهه للتبرد، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق، وغسل اليسرى إلى المرفق، ثم مسح رأسه وأذنيه، ثم غسل رجليه ناوياً التبرد فلا يصح وضوؤه، كما أن الإنسان لو كان عليه جنابة ثم اغتسل ناوياً التبرد لا يرتفع حدثه؛ لحديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى). وفي الحديث مثل للذين يعملون بنية العبادة ونية غير العبادة، وهو: (فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله) يعني: الصحابة الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فهذا مثال غير نية العبادة، فهذا الرجل هاجر من مكة إلى المدينة بنية تزوج امرأة تسمى أم قيس، فسمي مهاجر أم قيس؛ لأن هجرته لم تكن عبادة، وإنما هاجر لأمر دنيوي، فلابد من النية في العبادات.

الوضوء من الإناء

الوضوء من الإناء

شرح حديث أنس في نبع الماء من بين أصابع النبي في الإناء، والوضوء منه

شرح حديث أنس في نبع الماء من بين أصابع النبي في الإناء، والوضوء منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الإناء. أخبرنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فوضع يده في ذلك الإناء وأمر الناس أن يتوضئوا، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم)]. هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، وفيه بيان معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ودليل من دلائل النبوة؛ حيث نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا حصل له مرات عليه الصلاة والسلام في الحديبية وفي أسفاره، حيث ينبع من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، وهذا من دلائل النبوة، فهو دليل على أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] فهو دليل على قدرة الله العظيمة، وهو دليل من دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تحصل لأحد من المخلوقات، بخلاف خوارق العادات التي تحصل على أيدي السحرة، وكذلك الكرامات التي تحصل على أيدي الأولياء، فإن جنسها مقدور لبعض المخلوقات، فالساحر يطير في الهواء، والطير يطير في الهواء، وهو يغوص في البحر والحيتان تغوص في البحر، لكن نبع الماء من بين الأصابع لا يقدر عليه أحد، وكذلك تكثير الماء، وتكثير الطعام، والعروج إلى السماء، فكل هذه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يشركه فيها أحد من البشر عليه الصلاة والسلام. وكذلك عصا موسى التي تنقلب إلى حية، فلا يقدر عليها البشر، ولهذا لما رآها سحرة فرعون وفيهم مهرة قد خبروا السحر وعرفوه مدة طويلة عرفوا أن هذا ليس بسحر، فآمنوا وخروا لله سجداً، كما قال تعالى: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه:70]، فعرفوا أن هذا ليس من جنس سحرهم، ولا يقدر عليه أحد، فمعجزات الأنبياء لا يقدر عليها أحد من المخلوقات لا من البشر ولا من الحيوانات ولا الطيور. وأما خوارق السحرة وإن كان بعض البشر لا يقدر عليها فإنه يقدر عليها بعض الحيوانات، كالطيور والحيتان في البحر. والحديث دليل على كون الإنسان يتوضأ من الإناء، سواء أكان الإناء من خشب، أم من حجر، أم من زجاج، أم من غير ذلك، وله أن يتوضأ من ماء غدير من الغدران، ومن الصنبور، ومن الحوض، ومن النهر، كل ذلك لا بأس به.

شرح حديث ابن مسعود في تفجر الماء من بين أصابع النبي في الإناء والوضوء منه

شرح حديث ابن مسعود في تفجر الماء من بين أصابع النبي في الإناء والوضوء منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أنبأنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا ماء، فأتي بتور فأدخل يده، فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه، ويقول: حي على الطهور والبركة من الله عز وجل). قال الأعمش: فحدثني سالم بن أبي الجعد قال: قلت لـ جابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألف وخمسمائة]. هذا الحديث فيه أن الماء نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه توضأ نحو ألف وأربعمائة لم يكن لهم قبله إلا ماء في إناء صغير، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده فيه مبسوطة فنبع الماء من بين أصابعه، فتوضئوا وشربوا واغتسلوا، وكانوا ألفاً وأربعمائة شخص.

التسمية عند الوضوء

التسمية عند الوضوء

شرح حديث أنس في خروج الماء من بين أصابع النبي

شرح حديث أنس في خروج الماء من بين أصابع النبي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التسمية عند الوضوء. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن ثابت وقتادة عن أنس قال: (طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم ماء؟ فوضع يده في الماء ويقول: توضئوا باسم الله، فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه، حتى توضئوا من عند آخرهم). قال ثابت: قلت لـ أنس: كم تراهم؟ قال: نحواً من سبعين]. وهذا -كما سبق- فيه دليل من دلائل النبوة، وقوله: (ويقول: توضئوا باسم الله) فيه التسمية، وهذه الجملة فيها نظر، والمعروف أن الأحاديث التي فيها التسمية ضعيفة، كحديث: (لا وضوء لمن لم يسم،) وحديث: (لا وضوء إلا باسم الله)، وحديث: (ولا وضوء لم لمن يذكر اسم الله). فكلها أحاديث ضعيفة عند أهل العلم، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن التسمية سنة وليست واجبة، وذهب آخرون من أهل السنة والجماعة إلى وجوبها في حالة الذكر، وسقوطها عند النسيان، وقالوا: هذه الأحاديث ضعيفة، إلا أن بعضها يشد بعضاً، ويقوي بعضها بعضاً. ذكر هذا الحافظ ابن كثير رحمه الله في سورة المائدة في تفسير آية الوضوء. وقال بعض أهل العلم: لا يصح الوضوء لو ترك التسمية عمداً. والصواب أنه يصح؛ لأن النية ليست واجبة، بل هي مستحبة عند كثير من أهل العلم.

صب الخادم الماء على الرجل للوضوء

صب الخادم الماء على الرجل للوضوء

شرح حديث المغيرة في سكبه على رسول الله حين توضأ في غزوة تبوك

شرح حديث المغيرة في سكبه على رسول الله حين توضأ في غزوة تبوك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صب الخادم الماء على الرجل للوضوء. أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع -واللفظ له-، عن ابن وهب عن مالك ويونس وعمرو بن الحارث أن ابن شهاب أخبرهم عن عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة أنه سمع أباه يقول: (سكبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توضأ في غزوة تبوك، فمسح على الخفين). قال أبو عبد الرحمن: لم يذكر مالك عروة بن المغيرة]. وهذا الحديث ثابت أيضاً في الصحيح، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب لقضاء حاجته، ثم صب عليه المغيرة رضي الله عنه الماء فتوضأ، ففيه دليل على جواز صب الماء على المتوضئ، وأنه لا بأس به ولا حرج فيه، وكذلك الإتيان له بالإناء ليتوضأ لا بأس به. وهناك مسألة أخرى وهي: أن يغسل أعضاءك وأنت تنوي، فيغسل وجهك، ويغسل يديك، فإذا كان المرء مريضاً فلا بأس بذلك، فينوي والآخر يوضئه، فيغسل وجهه، ويغسل يديه، ويمسح رأسه، ويغسل رجليه، وكذلك ييممه. وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه.

الوضوء مرة مرة

الوضوء مرة مرة

شرح حديث ابن عباس في إخباره عن وضوء رسول الله مرة مرة

شرح حديث ابن عباس في إخباره عن وضوء رسول الله مرة مرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء مرة مرة. أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: (ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فتوضأ مرة مرة)]. ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً. والحديث السابق فيه أيضاً مشروعية المسح على الخفين من الحديث الأصغر، وهو ما دل عليه حديث المغيرة: (فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، ثم مسح عليهما)، فدل على جواز المسح على الخفين إذا لبسهما على طهارة، وهذا في الحدث الأصغر فقط، وأما الحدث الأكبر فلا بد معه من خلعهما.

الوضوء ثلاثا ثلاثا

الوضوء ثلاثاً ثلاثاً

شرح حديث ابن عمر في إسناده إلى النبي الوضوء ثلاثا ثلاثا

شرح حديث ابن عمر في إسناده إلى النبي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك قال: أنبأنا الأوزاعي قال: حدثني المطلب بن عبد الله بن حنطب (أن عبد الله بن عمر توضأ ثلاثاً ثلاثاً، يسند ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم)]. هذا فيه مشروعية الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، فيغسل كل عضو ثلاثاً، فيتمضمض ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً، ويغسل وجهه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً، ورجليه ثلاثاً، وأما الرأس فلا يغسل بل يمسح مرة واحدة، وهذا أكمل الوضوء، ويجوز الوضوء مرتين مرتين، وهذه الصفة أسقطها المؤلف، وذكرها البخاري، ويغسل وجهه مرتين، ويديه مرتين، ورجليه مرتين، ويجوز مرة مرة كما سبق، فالوجه مرة، واليد مرة، والرجلان مرة، وهناك صفة رابعة جائزة وهي أن يغسل بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً.

صفة الوضوء: غسل الكفين

صفة الوضوء: غسل الكفين

شرح حديث المغيرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

شرح حديث المغيرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صفة الوضوء: غسل الكفين. أخبرنا محمد إبراهيم البصري عن بشر بن المفضل عن ابن عون عن عامر الشعبي عن عروة بن المغيرة عن المغيرة، وعن محمد بن سيرين عن رجل حتى رده إلى المغيرة، قال ابن عون: ولا أحفظ حديث ذا من حديث ذا، أن المغيرة قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقرع ظهري بعصاً كانت معه، فعجل وعجلت معه حتى أتى كذا وكذا من الأرض، فأناخ ثم انطلق، قال: فذهب حتى توارى عني، ثم جاء فقال: أمعك ماء؟ ومعي سطيحة لي، فأتيته بها فأفرغت عليه، فغسل يديه ووجهه، وذهب ليغسل ذراعيه وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فأخرج يده من تحت الجبة فغسل وجهه وذراعيه، وذكر من ناصيته شيئاً وعمامته شيئاً -قال ابن عون: لا أحفظ كما أريد- ثم مسح على خفيه، ثم قال: حاجتك؟ قلت: يا رسول الله! ليست لي حاجة، فجئنا وقد أم الناس عبد الرحمن بن عوف وقد صلى بهم ركعة من صلاة الصبح، فذهبت لأوذنه فنهاني، فصلينا ما أدركنا وقضينا ما سُبقنا)]. هذا الحديث ضعيف بهذا السند؛ لأن فيه رجلاً مبهماً، ولكن الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما كما سبق، وقد كان ذلك في غزوة تبوك حيث نزلوا منزلاً فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليقضي حاجته، فتبعه المغيرة، فلما استنجى صب عليه المغيرة الماء وهو يتوضأ، فغسل وجهه، ولما أراد أن يغسل ذراعيه ضاق كمّا الجبة، فأخرج يديه من تحت الجبة فغسلهما، فدل على جواز لبس الضيق، وعلى أنه لا بأس بلبس ما ورد من الكفار؛ لأن تبوك في بلاد الكفار. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه، وتأخر النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة، فلما رأى الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر وأنه مضى جزء من الوقت، وكان هذا في صلاة الفجر، قدموا عبد الرحمن بن عوف ليصلي بهم، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة وقد صلى بهم عبد الرحمن بن عوف ركعة، وفي هذه الرواية قال المغيرة: (فجئت لأوذنه) يعني: لأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وليس هذا في الصحيحين، فصف النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة خلف عبد الرحمن، فلما سلم عبد الرحمن قام النبي صلى الله عليه وسلم يقضي الركعة التي فاتته، وكذلك المغيرة. وعبد الرحمن بن عوف هو الوحيد الذي صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، ولم يصل النبي خلف أحد غير من أمته، فـ أبو بكر رضي الله عنه صلى بالناس في مرض موته، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم تقدم وتأخر أبو بكر، فجلس بجواره على يساره فصلى بالناس.

عدد مرات غسل الكفين

عدد مرات غسل الكفين

شرح حديث: (رأيت استيكاف رسول الله ثلاثا)

شرح حديث: (رأيت استيكاف رسول الله ثلاثاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كم يُغسلان. أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان -وهو ابن حبيب - عن شعبة عن النعمان بن سالم عن ابن أوس بن أبي أوس عن جده قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استوكف ثلاثاً)]. يعني: غسل كفيه ثلاثاً، فالسنة غسل الكفين ثلاثاً قبل كل وضوء، وإذا قام من نوم الليل فإنه يتأكد، والجمهور على أنه مستحب، والصواب أنه واجب كما ذهب إليه الظاهرية؛ لأن الأصل في الأوامر الوجوب، وأما في بقية فهو مستحب.

حكم المضمضة والاستنشاق

حكم المضمضة والاستنشاق

شرح حديث عثمان في صفة الوضوء

شرح حديث عثمان في صفة الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المضمضة والاستنشاق. أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله عن معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان قال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً فغسلهما، ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه)]. هذا الحديث ثابت في الصحيحين وفي غيرهما، وفيه استحباب غسل الأعضاء ثلاثاً ثلاثاً، وفيه وجوب المضمضة والاستنشاق، وفي ذلك خلاف بين أهل العلم، فقيل: إن المضمضة والاستنشاق واجبان، وقيل مستحبان، وقيل: واجبان في الوضوء دون الغسل، وقيل: واجبان في الغسل دون الوضوء، والصواب أنهما واجبان في الوضوء والغسل جميعاً فلابد منهما؛ للآية الكريمة: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]، ولمداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. وفيه أن الوضوء وصلاة الركعتين بعدهما من أسباب المغفرة إذا لم يحدث المصلي نفسه بشيء من أمور الدنيا. والمعروف عند أهل العلم أن هذه الصلاة ونحوها تغفر بها الصغائر، وأما الكبائر فلابد لها من توبة.

بأي اليدين يتمضمض

بأي اليدين يتمضمض

إسناد آخر لحديث عثمان في صفة الوضوء

إسناد آخر لحديث عثمان في صفة الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بأي اليدين يتمضمض. أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة قال حدثنا عثمان -هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي -عن شعيب -هو ابن أبي حمزة -عن الزهري قال: أخبرني عطاء بن يزيد عن حمران: (أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلها ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء فتمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجل من رجليه ثلاث مرات، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا ثم قام فصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء غفر الله له ما تقدم من ذنبه)].

اتخاذ الاستنشاق والاستنثار

اتخاذ الاستنشاق والاستنثار

شرح حديث: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر)

شرح حديث: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب اتخاذ الاستنثار. أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو الزناد ح: وأخبرنا الحسين بن عيسى قال: حدثنا معن عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر)]. هذا الحديث فيه اتخاذ الماء للاستنثار، وفيه بيان لوجوب الاستنثار.

المبالغة في الاستنشاق

المبالغة في الاستنشاق

شرح حديث: (أسبغ الوضوء وبالغ في الاستنشاق)

شرح حديث: (أسبغ الوضوء وبالغ في الاستنشاق) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المبالغة في الاستنشاق. أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير ح: وأنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا وكيع عن سفيان عن أبي هاشم عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: (قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)]. هذا الحديث أخرجه أبو داود، وفيه مشروعية المبالغة في الاستنشاق، إلا إذا كان المرء صائماً فإنه لا يبالغ؛ خشية أن يذهب شيء من الماء إلى حلقه، وأما إذا لم يكن صائماً فالسنة المبالغة؛ لما فيه من التنظيف.

ما جاء في الأمر بالاستنثار

ما جاء في الأمر بالاستنثار

شرح حديث: (من توضأ فليستنثر)

شرح حديث: (من توضأ فليستنثر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الأمر بالاستنثار. أخبرنا قتيبة عن مالك ح: وحدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرحمن عن مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)]. هذا الحديث فيه الأمر بالاستنثار، والأمر بالإيتار في الاستجمار، والأصل في الأوامر أنها للوجوب، ولا شك في أن الاستنثار في الوضوء والاستنشاق واجبان على الصحيح من أقوال أهل العلم، فالمضمضة والاستنشاق والاستنثار كلها من فروض الوضوء، وقد جاء الأمر بالاستنثار قبل الوضوء، وهذا هو محل الخلاف، فهل هو للوجوب أم للاستحباب؟ فالجمهور يرون أنه للاستحباب، ولكن ينبغي للمسلم أن يعتني بالأوامر؛ لأن الأصل في الأوامر الوجوب. وأما الإيتار في الاستجمار فالمراد به أنه حينما يستجمر بالحجارة بعد قضاء الحاجة -إن كان أراد أن يقتصر على الحجارة- أن يستجمر بوتر من الحجارة، وأقلها ثلاث، وأما إذا لم ينق بالثلاث فإنه يزيد حجرة رابعة، فإن أنقى بالرابعة استحب له أن يزيد الخامسة؛ حتى يقطع على وتر، لكن أقل الأحجار ثلاث، ولا تجزئ حجرتان، وأما إذا أراد أن يستعمل الماء فالأمر في هذا واسع، كأن يستجمر بحجر أو حجرين ثم يستعمل الماء.

شرح حديث: (إذا توضأت فاستنثر)

شرح حديث: (إذا توضأت فاستنثر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة قال حدثنا حماد عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأت فاستنثر، وإذا استجمرت فأوتر)]. هذا كما سبق في الأمر بالاستنثار والاستجمار، فإن أراد المرء أن يقتصر على الاستجمار فأقل الاستجمار ثلاثة أحجار إذا أنقى، وإذا لم ينق زاد، فإن قطع على وتر فالحمد لله، وإلا فإنه يزيد ويقطع على وتر استحباباً.

ما جاء في الأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم

ما جاء في الأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات)

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم. أخبرنا محمد بن زنبور المكي قال: حدثنا ابن أبي حازم عن يزيد بن عبد الله أن محمد بن إبراهيم حدثه عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاث مرات؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه)]. وهذه الترجمة فيها الأمر بالاستنثار عند استيقاظ المرء من منامه، أي: قبل أن يتوضأ، لكن الحديث فيه: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر) فلا يطابق الترجمة، وليس في رواية مسلم: (فتوضأ) بل فيها (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر)، فتكون مطابقة للترجمة. وأما إذا توضأ فلابد من الاستنثار، إلا أن يقال: إن الأمر بالاستنثار إذا توضأ بعد النوم، وأما ما عدا ذلك فيكون الاستنثار فيه مستحباً؛ لأنه قيده هنا بـ (توضأ)، فيكون المعنى أنه إذا استيقظ من نومه فإن الاستنثار واجب، وإن توضأ بالنهار فلا يجب، لكن الصواب أن الاستنثار واجب، لما في رواية مسلم. قوله: (فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خيشومه) وهذا البيان حقيقي، هذا خلافاً لمن تأوله، وهذا يؤكد الوجوب، وأنه ينبغي للإنسان أن يستنثر ثلاثاً قبل أن يتوضأ، وهو خاص بالاستيقاظ من النوم، ثم ليستنثر في الوضوء.

ما يستنثر به من اليدين

ما يستنثر به من اليدين

شرح حديث علي في الاستثار باليد اليسرى

شرح حديث علي في الاستثار باليد اليسرى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بأي اليدين يستنثر. أخبرنا موسى بن عبد الرحمن قال حدثنا حسين بن علي عن زائدة قال: حدثنا خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه دعا بوضوء فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثاً، ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم]. هذا الحديث فيه الاستنثار باليد اليسرى؛ لأن هذا من باب إزالة الأذى، وإزالة الأذى تكون باليسار، واليمين تكون لما فيه التكريم، كما في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله). قوله: (عن عبد خير) هو رجل مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وإنما لم يغير أسمه؛ لأنه اسم قديم يسمى به في الجاهلية، والأسماء القديمة لا تغير، وإلا فلا يجوز التسمية بعبد خير، بل يكون التعبيد بعبد الله، ومثل عبد خير عبد المطلب، وعبد مناف، فهذه الأسماء لا تغير، وكذلك أسماء الأموات الذين سبقوا.

كتاب الطهارة [6]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [6] وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم هو أكمل الوضوء وأحسنه وأفضله، وعلى المرء أن يتبعه في ذلك، فكل الخير في اتباع ذلك، وكل الشر في مخالفة ذلك، فمن زاد على ذلك أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم.

غسل الوجه

غسل الوجه

شرح حديث علي في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

شرح حديث علي في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب غسل الوجه. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: (أتينا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد صلى، فدعا بطهور، فقلنا: ما يصنع به وقد صلى! ما يريد إلا ليعلمنا. فأتي بإناء فيه ماء وطست، فأفرغ من الإناء على يديه فغسلها ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً من الكف الذي يأخذ به الماء، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً ويده الشمال ثلاثاً، ومسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً ورجله الشمال ثلاثاً، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا)]. هذا الحديث فيه بيان أنه توضأ ليعلمهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغسل كل عضو ثلاثاً إلا الرأس، فإنه لا يمسح إلا مرة واحدة، وهذا هو الأكمل أن يغسل كل عضو ثلاثاً، والواجب مرة، وإن غسل مرتين أو ثلاثاً أو خالف بينهما فكل هذا لا بأس به.

عدد مرات غسل الوجه

عدد مرات غسل الوجه

شرح حديث علي في غسل الوجه ثلاثا

شرح حديث علي في غسل الوجه ثلاثاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب عدد غسل الوجه. أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله -وهو ابن المبارك - عن شعبة عن مالك بن عرفطة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه: (أنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثم دعا بتور فيه ماء فكفأ على يديه ثلاثاً، ثم مضمض واستنشق بكف واحد ثلاث مرات، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، وأخذ من الماء فمسح برأسه -وأشار شعبة مرة من ناصيته إلى مؤخر رأسه، ثم قال: لا أدري أردهما أم لا- وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: من سره أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا طهوره). وقال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب خالد بن علقمة، ليس مالك بن عرفطة]. الخطأ في ذلك من شعبة حيث أخطأ فقال: مالك بن عرفطة، والصواب خالد بن علقمة وشعبة إمام حافظ، بل هو جبل الحفظ، ولكنه هنا أخطأ، فالكمال لله. وفي الحديث أن علياً رضي الله عنه علم الناس، فأتى بالكرسي وجلس عليه؛ لأنه مرتفع، وقد شك شعبة في رد علي يديه من مؤخر رأسه بعد مسحه، والصواب أنه ردهما كما في الحديث الآخر. وهذه الأحاديث كلها ثابتة في الصحيحين وفي غيرهما، وقد أخرج حديث علي أبو داود والترمذي رحمهما الله تعالى.

غسل اليدين

غسل اليدين

شرح حديث علي في غسل اليدين ثلاثا

شرح حديث علي في غسل اليدين ثلاثاً [باب غسل اليدين. أخبرنا عمرو بن علي وحميد بن مسعدة عن يزيد وهو ابن زريع قال: حدثني شعبة عن مالك بن عرفطة عن عبد خير قال: (شهدت علياً دعا بكرسي فقعد عليه، ثم دعا بماء في تور فغسل يديه ثلاثاً، ثم مضمض واستنشق بكف واحد ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً ثلاثاً، ثم غمس يده في الإناء فمسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: من سره أن ينظر إلى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا وضوؤه)]. المؤلف يكرر التراجم لتمام استنباط الأحكام، فهذا حديث واحد كرره، وفيه غسل الوجه ثلاثاً، وتكرار غسل اليدين، وتكرار الاستنثار، ومسح الرأس مرة.

صفة الوضوء

صفة الوضوء

شرح حديث علي في صفة وضوء رسول الله

شرح حديث علي في صفة وضوء رسول الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صفة الوضوء. أخبرنا إبراهيم بن الحسن المقسمي قال: أنبأنا حجاج قال: قال ابن جريج: حدثني شيبة أن محمد بن علي أخبره قال: أخبرني أبي علي أن الحسين بن علي قال: (دعاني أبي علي بوضوء فقربته له، فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلهما في وضوئه، ثم مضمض ثلاثاً واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم مسح برأسه مسحة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم قام قائماً فقال: ناولني. فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه فشرب من فضل وضوئه قائماً، فعجبت، فلما رآني قال: لا تعجب؛ فإني رأيت أباك النبي صلى الله عليه وسلم يصنع مثل ما رأيتني صنعت -يقول: لوضوئه هذا-، وشرب فضل وضوئه)]. هذا أكمل الوضوء، وهو غسل كل عضو ثلاثاً، وغسل الكفين ثلاثاً قبل الوضوء، وهو مستحب إلا من نوم الليل فيتأكد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، والقول بالوجوب قول قوي؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، وإن كان الجمهور يرون أنه للاستحباب. وفي هذه الأحاديث كلها المضمضة والاستنشاق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليهما، فدل على وجوبهما، خلافاً لمن قال: إنهما ليسا واجبين. وفيه أنه شرب فضل وضوئه قائماً، ففيه بيان الجواز. وفيه أن الماء الذي يتوضأ به الإنسان يبقى طاهراً، فيستعمل في الشرب وفي الأكل وفي التطهير، وفيه جواز الشرب قائماً، كما فعل علي رضي الله عنه، وإن كان الشرب قاعداً أفضل وأهنأ وأمرأ، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع تناول دلواً من زمزم فشرب وهو قائم، وهذا يدل على الجواز، وقد ثبت في الحديث الآخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً) وشرب قائماً، فدل على أن النهي ليس للتحريم. والقاعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله فإن فعله يدل على أن النهي للتنزيه، فالشرب قاعداً أفضل، والشرب قائماً جائز؛ كما يدل عليه حديث علي هذا، وحديث فعله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، خلافاً لما قرره العلامة ابن القيم رحمه الله من تحريم الشرب قائماً كما في زاد المعاد، فالعلماء لهم أقوال في هذا، لكن الصواب أنه ليس حراماً، وإنما هو جائز. ولا يقال بأن ذلك كان خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فالخصوصية تحتاج إلى دليل.

عدد مرات غسل اليدين

عدد مرات غسل اليدين

شرح حديث علي في غسل الذراعين ثلاثا

شرح حديث علي في غسل الذراعين ثلاثاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب عدد غسل اليدين. أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحق عن أبي حية -وهو ابن قيس -قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما، ثم تمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشرب وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف طهور النبي صلى الله عليه وسلم)]. هذا هو الحديث السابق، وبه ترجم لعدد غسل اليدين، والأكمل أن يغسلا ثلاثاً، وإن غسلهما مرتين أو مرة كفى.

حد الغسل

حد الغسل

شرح حديث عبد الله بن زيد في غسل الوجه ثلاثا

شرح حديث عبد الله بن زيد في غسل الوجه ثلاثاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب حد الغسل. أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع -واللفظ له-، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لـ عبد الله بن زيد بن عاصم -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو جد عمرو بن يحيى -: (هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ قال عبد الله بن زيد: نعم. فدعا بوضوء فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين مرتين، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه)]. هذا هو الوضوء الثابت في الأحاديث، وفي الأحاديث أنه يغسل كل عضو ثلاثاً ثلاثاً، وفي بعضها أنه يغسل كل عضو مرتين، وفي بعضها أنه يغسل كل عضو مرة مرة، وفي بعضها أنه يغسل مخالفاً: فبعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً، كل هذا جاءت به السنة. وهنا يذكر حد الغسل، وحد الغسل الواجب مرة في كل عضو، وما زاد على المرة فهو مستحب، والأكمل أن يغسل ثلاثاً ثلاثاً.

صفة مسح الرأس

صفة مسح الرأس

شرح حديث عبد الله بن زيد في كيفية مسح الرأس

شرح حديث عبد الله بن زيد في كيفية مسح الرأس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صفة مسح الرأس. أخبرنا عتبة بن عبد الله عن مالك -هو ابن أنس - عن عمرو بن يحيى عن أبيه أنه قال لـ عبد الله بن زيد بن عاصم -وهو جد عمرو بن يحيى -: (هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ قال عبد الله بن زيد: نعم. فدعا بوضوء فأفرغ على يده اليمنى، فغسل يديه مرتين، ثم مضمض واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه)]. وهذا فيه بيان كيفية الغسل، وبيان أن الأفضل أن يبدأ بمقدم رأسه بيديه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وفي بعض الأحاديث أنه يبدأ بالمؤخر ثم يرجع إليه، والمهم أنه يعمم المسح على الرأس بيديه أو بيد واحدة، لكن الأفضل هو أن يبدأ بمقدم رأسه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه.

عدد مرات مسح الرأس

عدد مرات مسح الرأس

شرح حديث عبد الله بن زيد في مسح الرأس مرتين

شرح حديث عبد الله بن زيد في مسح الرأس مرتين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب عدد مسح الرأس. أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد الذي أري النداء قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه مرتين، وغسل رجليه مرتين، ومسح برأسه مرتين)]. هذا ليس بظاهر، فالترجمة هي في عدد المسح، والمسح ليس له عدد بل هو مرة واحدة. وقوله: (مرتين) معناه: أنه اعتبر الذهاب من مقدم الرأس مرة والرجوع مرة، وهذا ليس بمرتين، وإنما مرة واحدة، وكونه ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى مكانهما كي يمسح جميع الشعر؛ لأنه إذا ذهب بهما إلى قفاه ارتفع بعض الشعر من المقدمة فإذا ردهما مسح أطراف الشعر الذي لم يرتفع من القفا في المرة الأولى. قوله: [الذي أري النداء] قالوا: هذا خطأ؛ لأن راوي حديث الوضوء هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، وراوي الأذان هو عبد الله بن زيد بن عبد ربه.

مسح المرأة رأسها

مسح المرأة رأسها

شرح حديث عائشة في مسح الرأس

شرح حديث عائشة في مسح الرأس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مسح المرأة رأسها. أخبرنا الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى عن جعيد بن عبد الرحمن قال: أخبرني عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذباب قال: أخبرني أبو عبد الله سالم سبلان قال: وكانت عائشة تستعجب بأمانته وتستأجره، فأرتني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، (فتمضمضت واستنثرت ثلاثاً، وغسلت وجهها ثلاثاً، ثم غسلت يدها اليمنى ثلاثاً واليسرى ثلاثاً، ووضعت يدها في مقدم رأسها، ثم مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره، ثم أمرت يديها بأذنيها، ثم مرت على الخدين). قال سالم: كنت آتيها مكاتباً ما تختفي مني، فتجلس بين يدي، وتتحدث معي حتى جئتها ذات يوم فقلت: ادع لي بالبركة يا أم المؤمنين! قالت: وما ذاك؟ قلت: أعتقني الله. قالت: بارك الله لك. وأرخت الحجاب دوني، فلم أرها بعد ذلك اليوم]. هذا الحديث منكر المتن وشاذ وضعيف السند، فهو حديث ليس بصحيح، فأما الشذوذ والنكارة ففي موضعين أحدهما أشد من الآخر، الموضع الأول: أن عائشة لم تحتجب عن سالم سبلان وهو ليس عبداً لها، ولا مكاتباً لها، وقد قال الله تعالى في كتابه المبين: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31]، ثم قال: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31]، وهذا ليس مما ملكت يمينها وليس عبداً لها ولا مكاتباً لها، فكيف كشفت له عائشة وتجلس معه!! والشاذ: هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وهو هنا قد خالف نص القرآن. الموضع الثاني: في قوله: إنها لما مسحت رأسها أمرت يديها على خدها فهذا -أيضاً- منكر شاذ مخالف للأحاديث، إذ ليس فيها مسح الخدين بعد مسح الرأس. وعبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذباب قال فيه الحافظ ابن جحر: مقبول، وقال فيه الذهبي في الميزان: لم يروه عنه إلا شعيب وقال في التهذيب: ذكره ابن حبان، في الثقات، فمثل هذا لا يقبل حديثه، فيكون حديثه ضعيفاً إلا إذا جاء له متابع. فيكون الحديث شاذ المتن، ومنكراً لمخالفته للقرآن، والشاذ هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه في الحديث، وهذا خالف القرآن، والمقبول إنما يقبل حديثه في الشواهد والمتابعات لا في الأصول التي تثبت بها الأحكام، فالمقصود أن هذا الحديث ليس بصحيح.

مسح الأذنين

مسح الأذنين

شرح حديث ابن عباس في مسح الرأس والأذنين مرة ومسح برأسه

شرح حديث ابن عباس في مسح الرأس والأذنين مرة ومسح برأسه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مسح الأذنين. أخبرنا الهيثم بن أيوب الطالقاني قال حدثنا عبد العزيز بن محمد قال حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل يديه، ثم تمضمض واستنشق من غرفة واحدة، وغسل وجهه وغسل يديه مرة مرة، ومسح برأسه وأذنيه مرة). قال عبد العزيز: فأخبرني من سمع ابن عجلان يقول في ذلك: (وغسل رجليه)]. هذا هو الوضوء الشرعي، وهو استعمال الماء في الأعضاء الأربعة: الوجه واليدين والرأس والرجلين، فثلاثة أعضاء تغسل، وهي الوجه واليدان والرجلين، والعضو الرابع يمسح وهو الرأس. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ واستنشق من غرفة واحدة، وهذا هو الأفضل، وإن تمضمض من غرفة واغتسل من غرفة فلا حرج. وفيه أنه توضأ مرة مرة، وهذا هو الحد الأدنى، والأكمل أن يغسل ثلاثاً، فالثانية والثالثة مستحبتان، والواجب تعميم العضو مرة واحدة. وفيه أنه مسح رأسه وأذنيه، وهذا هو الشاهد للترجمة، فالأذنان من الرأس ولابد من أن يسمحا، ومن لم يمسحهما لم يصح وضوؤه، ويمسح باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بالإبهامين، فيدير السبابتين في الداخل، ويمسح بالإبهامين الصفحة التي تلي الرأس.

مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنها من الرأس

مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنها من الرأس

شرح حديث ابن عباس في مسح الرأس ومسح باطن الأذنين بالساحتين وظاهرهما بالإبهامين

شرح حديث ابن عباس في مسح الرأس ومسح باطن الأذنين بالساحتين وظاهرهما بالإبهامين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مسح الأذنين مع الرأس، وما يستدل به على أنهما من الرأس. أخبرنا مجاهد بن موسى قال: حدثنا عبد الله بن إدريس قال: حدثنا ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة فمضمض واستنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل يده اليسرى، ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى)]. الواجب هو تعميم هذه الأعضاء، وفيه أنه غرف غرفة، فإذا عمم في الغرفة فهذا هو المطلوب، وإن لم تكف الغرفة غرف غرفة ثانية حتى يعمم الوضوء كله، وإذا عمم بغرفة أو بغرفتين أو بثلاث اعتبر ذلك غسلة واحدة، فالعبرة بالتعميم وليست العبرة بالغرفات وإن لم يعمم، والواجب في كل عضو التعميم مرة واحدة، وفيه أنه مسح أذنيه باطنهما وظاهرهما.

شرح حديث (فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه)

شرح حديث (فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة وعتبة بن عبد الله عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له). قال قتيبة عن الصنابحي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال]. هذا الحديث فيه بيان فضل الوضوء، وأن الوضوء من أسباب غفران الذنوب وتكفير الخطايا، ففيه أنه إذا تمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، وإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفاره. ثم كان مشيه وصلاته نافلة، أي: زيادة في الثواب والأجر، وهذا عند أهل العلم مشروط بترك ارتكاب الكبائر التي تُوعد عليها بالنار أو باللعنة أو بالغضب، أو فيها حد في الدنيا؛ لقول الله عز وجل: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31]، ولما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، فلابد من اجتناب الكبائر، وأما من لم يجتنب الكبائر فإنها تبقى عليه الكبائر والصغائر، وإن كان يثاب على عمله.

المسح على العمامة

المسح على العمامة

شرح حديث بلال في مسح رسول الله على الخفين والخمار

شرح حديث بلال في مسح رسول الله على الخفين والخمار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المسح على العمامة. أخبرنا الحسين بن منصور قال: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش ح: وأنبأنا الحسين بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)]. مراده بالخمار العمامة، سميت خماراً لأنها تخمر الرأس، أي: تغطيه، ومنه سمي الخمر خمراً، لأنه يستر العقل ويغطيه، ولذلك لابد من أن تكون العمامة مدارة تحت الحنك، ولابد من أن يلبسها على طهارة، فإذا لبس العمامة على طهارة، وكانت مدارة تحت الحنك، فإنه في هذه الحال يشق نزعها، فإذا توضأ فإنه يمسح عليها ولا ينزعها؛ لأن نزعها يشق عليه في هذه الحالة. وعند الفقهاء أنه لابد من أن تكون العمامة محنكة أو ذات ذؤابة، أي: ذات طرف يكون من الخلف، لكن إذا كانت ذات الذؤابة لا يشق نزعها, وكذلك العمامة الصماء وهي التي لا تدار على الحنك وليس لها ذؤابة، فهذه لا يشق نزعها، وعليه فإنه ينزعها ويمسح على الرأس. وأما إذا كانت العمامة محنكة: بأن شدها على رأسه بعد أن توضأ وأدارها تحت الحنك، فهذه هي التي يمسح عليها، وإن بدا شيء من الناصية فإنه يمسح على الناصية، ثم يكمل المسح على العمامة كما جاء في الأحاديث.

شرح حديث بلال: (رأيت رسول الله يمسح على الخفين)

شرح حديث بلال: (رأيت رسول الله يمسح على الخفين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي عن طلق بن غنام قال: حدثنا زائدة وحفص بن غياث عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب عن بلال قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين)]. المسح على الخفين متواتر، وهذا الحديث فيه شيخ المؤلف حسين الجرجرائي، وفيه عنعنة الأعمش، لكن الحديث له شواهد كثيرة، فحديث المسح على الخفين من الأحاديث التي بلغت حد التواتر، وقد رواه من الصحابة ما يزيد على سبعين صحابياً، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وفيه الرد على الرافضة الذين لا يرون المسح على الخفين، بل يوجبون خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، فإذا كانت الرجلان مكشوفتين وجب مسح ظهور القدمين عندهم، وإن كانتا مستورتين بالخفين وجب نزع الخفين ومسح ظهور القدمين عندهم، ويستدلون بقراءة الجر في آية المائدة: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلِكم). فقالوا: الأرجل مجرورة بالعطف على الرءوس، والرءوس ممسوحة، والمعطوف على الممسوح ممسوح. وأجاب أهل السنة أن قراءة الجر محمولة على المسح على الخفين، وقراءة النصب بالعطف على غسل اليدين. والجواب الثاني: التوسع في لفظ (امسحوا) فيشمل الإسالة والإصابة. فإن المسح يطلق على الغسل الخفيف، والمعنى: امسحوا برءوسكم إصابة وإمراراً باليد على العضو مبلولة بالماء، وامسحوا بأرجلكم إسالة وصباً للماء، كما تقول العرب: تمسحت للصلاة. والرافضة أجابوا عن قراءة النصب وهي: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] فقالوا: إن قوله تعالى: ((وَأَرْجُلَكُمْ)) معطوف على محل (رءوسكم)؛ لأن محلها هو النصب، ويظهر ذلك إذا نزعت الخافض. فـ (أرجلكم) بالنصب معطوف على محل (رءوسكم) بعد نزع الخافض، وعلى هذا يكون العطف على المسح. ولكن أجاب أهل السنة بأن العطف على المحل لا يصح إذا تغير المعنى، وهنا يتغير المعنى؛ لأن الباء تفيد معنى زائداً؛ لأنها هنا للإلصاق، والمعنى: ألصقوا بأيديكم شيئاً من الماء وامسحوا برءوسكم. فإذا حذفت الباء صار معناها مسح الرأس بدون إلصاق شيء من الماء، فيتغير المعنى، فلا يصح العطف، ولو كانت زائدة صح العطف على المحل، ومنه قول الشاعر: فلسنا بالجبال ولا الحديدا فالباء زائدة، و (الحديدا) معطوف على محل (الجبال)، أي فلسنا الجبال ولا الحديدا. وبهذا يبطل دعوى الرافضة في أن الأرجل تكون معطوفة على محل الغسل.

إسناد آخر لحديث بلال في مسح رسول الله على الخفين والخمار

إسناد آخر لحديث بلال في مسح رسول الله على الخفين والخمار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخمار والخفين)]. في هذا الإسناد يروي عبد الرحمن عن بلال، وفي الإسناد الأول يروي عن البراء بن عازب عن بلال، وهذا فيه رواية الصحابي عن الصحابي، وأن عبد الرحمن قد يكون أدرك كلاً منهما.

المسح على الناصية مع العمامة

المسح على الناصية مع العمامة

شرح حديث: (توضأ فمسح ناصيته وعمامته)

شرح حديث: (توضأ فمسح ناصيته وعمامته) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [المسح على العمامة مع الناصية. أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثني يحيى بن سعيد قال: حدثنا سليمان التيمي قال حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح ناصيته وعمامته وعلى الخفين). قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه]. قوله: (فمسح ناصيته وعمامته) معناه أنه بدا شيء من الناصية فمسح الناصية وأكمل على العمامة، فإذا كانت العمامة على الرأس وبدا شيء منه فإنه يمسح على الرأس ويكمل على العمامة.

شرح حديث المغيرة في مسح النبي بناصيته وعلى العمامة

شرح حديث المغيرة في مسح النبي بناصيته وعلى العمامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي وحميد بن مسعدة عن يزيد -وهو ابن زريع -قال: حدثنا حميد قال: حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن حمزة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه رضي الله عنه قال: (تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلفت معه، فلما قضى حاجته قال: أمعك ماء؟ فأتيته بمطهرة فغسل يديه وغسل وجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة، فألقاه على منكبيه، فغسل ذراعيه، ومسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى خفيه)]. هذا فيه أنه عليه الصلاة والسلام استعان بـ المغيرة، فدل على جواز الاستعانة في الوضوء، وهي أن يأتي إنسان ويصب على إنسان وهو يتوضأ، فيعينه بأن يصب عليه فيتمضمض، ويصب عليه فيغسل وجهه، ويصب عليه فيغسل يديه، ويصب عليه فيغسل رجليه، ولا بأس بذلك. وفيه جواز لبس ضيق الأكمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة ضيقة الكمين، وفي اللفظ الآخر أنها جبة شامية، وكانت الشام في ذلك الوقت من بلاد كفار قبل أن تفتح، ففيه دليل على أنه لا بأس بلبس الثياب التي تأتي من الكفار، وأن الأصل فيها الطهارة، ولا بأس بلبس الضيق، ولهذا لما ضاق كما الجبة حسر وأخرج يديه من تحت وجعل الجبة على الكتفين. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الناصية وعلى العمامة، ثم مسح على خفيه.

كيفية المسح على العمامة

كيفية المسح على العمامة

شرح حديث المغيرة في المسح بالناصية وجانبي العمامة

شرح حديث المغيرة في المسح بالناصية وجانبي العمامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كيف المسح على العمامة. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال أخبرني عمرو بن وهب الثقفي قال سمعت المغيرة بن شعبة قال: (خصلتان لا أسأل عنهما أحداً بعد ما شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنا معه في سفر فبرز لحاجته، ثم جاء فتوضأ ومسح بناصيته وجانبي عمامته، ومسح على خفيه، قال: وصلاة الإمام خلف الرجل من رعيته، فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر فحضرت الصلاة، فاحتبس عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأقاموا الصلاة وقدموا ابن عوف فصلى بهم، فلما سلم ابن عوف قام النبي صلى الله عليه وسلم فقضى ما سبق به)]. هذا أخرجه البخاري في الصحيح، وفي الحديث الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الناصية وعلى العمامة، أي: أكمل على العمامة. وهذا الحديث فيه فوائد: ففيه جواز الاستعانة في الوضوء؛ لأن المغيرة صب عليه. وفيه المسح على الخفين إذا لبسهما على طهارة. وفيه المسح على العمامة. وفيه أن الإمام إذا تأخر عن الوقت المعتاد فإن الناس يقدمون من يصلي بهم ولا يحبس الناس، فلهذا لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته ومعه المغيرة - وكان هذا في غزوة تبوك- قدم الصحابة عبد الرحمن بن عوف يصلي بهم، فإذا تأخر الإمام فإن المأمومين يقدمون من يصلي بهم، ولا يحبس الناس. وفيه أنه لا ينبغي للإمام أن يغضب إذا تأخر، فيجمع بين السيئتين كما يفعل بعض الجهال، فبعضهم يقول للمأموم: أعد، أعد. والذي ينبغي للمأمومين هو أن ينتظروه بعض الوقت، فإذا غلب على الظن أنه لا يأتي فإنهم يقدمون من يصلي بهم، كما فعل الصحابة في غزوة تبوك، حيث قدموا عبد الرحمن بن عوف، وكما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب للإصلاح بين بني عوف، حيث جاء بلال إلى أبي بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبس، وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تصلي بالناس؟ قال: نعم إن شئت، فأقام بلال الصلاة وتقدم أبو بكر رضي الله عنه، فكبر للناس، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فتأخر أبو بكر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى لكنه تأخر. ولهذا جاء في قصة عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: أحسنتم أو أصبتم. ففيه جواز صلاة الإمام خلف الرجل من رعيته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبد الرحمن بن عوف وهو من رعيته، ومثله صلاة إمام الحي خلف واحد من المأمومين. وفيه أن الأولى أن الإنسان إذا فاته شيء من الصلاة ومعه غيره لا يأتم أحدهما بالآخر، فكل واحد يقضي وحده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة فاتتهما ركعة، حيث جاءا ليصليا الفجر وقد صلى عبد الرحمن بن عوف ركعة، فلما سلم عبد الرحمن قام النبي صلى الله عليه وسلم يقضي الركعة التي فاتت، وقام المغيرة، ولم يأتم المغيرة بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل كل قضى وحده، وإن ائتم أحدهما بالآخر فلا حرج. وفي القصتين أن الإمام إذا جاء ولم يفته شيء من الصلاة فلا بأس بأن يتقدم ويتأخر الإمام، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قصة أبي بكر، وأما إذا فاته شيء من الصلاة فالأولى ألا يتقدم؛ حتى لا يشوش على الناس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الرحمن بن عوف؛ لأنه فاته ركعة، فلم يتقدم وصلى خلفه، وأما أبو بكر فإنه كان في الركعة الأولى، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم.

كتاب الطهارة [7]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [7] لقد حث الشرع على إسباغ الوضوء وإتمامه، وزجر عن التساهل والإخلال فيه، فتوعد من يترك عقبيه ولم يوصل إليهما الماء، ومن تسهيل الشرع على العبد المسلم أنه رخص له أن يمسح على الخفين إذا كان أدخلهما طاهرتين، وذلك للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.

إيجاب غسل الرجلين

إيجاب غسل الرجلين

شرح حديث: (ويل للأعقاب من النار)

شرح حديث: (ويل للأعقاب من النار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إيجاب غسل الرجلين. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا يزيد بن زريع عن شعبة ح وأنبأنا مؤمل بن هشام قال: حدثنا إسماعيل عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (ويل للعقب من النار)]. هذا الحديث فيه وجوب غسل الرجلين، وأنه يجب غسل الرجلين مكشوفتين. وفيه الرد على الرافضة الذين لا يرون وجوب غسل الرجلين، ويرون أنه يمسح ظاهر القدمين ولا يمسح على الخفين. وهذا من أبطل الباطل؛ فإن مسح الخفين جاءت فيها أحاديث متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم رواها عنه أكثر من سبعين صحابياً، فغسل الرجلين ومسح الخفين متواتر قولاً وفعلاً. قوله: (ويل للعقب): الويل هو شدة العذاب والهلاك، وقيل: واد في جهنم، لكن الراجح والصواب أنه شدة العذاب والهلاك، والعقب: مؤخر القدم، ففيه أنه ينبغي للإنسان أن يعتني بمؤخر القدمين، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أدرك الصحابة قد تأخروا عن صلاة العصر وأعقابهم تلوح، فنادى: (ويل للأعقاب من النار).

إسناد آخر: (ويل للأعقاب من النار)

إسناد آخر: (ويل للأعقاب من النار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان ح وأنبأنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان -واللفظ له- عن منصور عن هلال بن يساف عن عبد الله بن عمرو قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتوضئون فرأى أعقابهم تلوح، فقال: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء)]. قوله: (أسبغوا الوضوء) يعني: أبلغوه كماله، وهو إتمامه وإيصاله إلى الأعضاء. فمن توضأ ثم رأى أن العقب لم يغسل فإنه يعيد الوضوء للصلاة، فقد جاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في قدمه لمعة لم يصلها الماء، فقال: (ارجع فأحسن وضوءك)، وذلك فيما إذا تأخر حتى نشف العضو؛ لأن الموالاة واجبة، وأما إذا أدرك ذلك فغسله في الحال بعد غسل الرجلين فلا بأس.

ما يبدأ به من الرجلين في الغسل

ما يبدأ به من الرجلين في الغسل

شرح حديث: (كان يحب التيامن ما استطاع)

شرح حديث: (كان يحب التيامن ما استطاع) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: بأي الرجلين يبدأ بالغسل. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني الأشعث قال: سمعت أبي يحدث عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها وذكرت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره ونعله وترجله). قال شعبة: ثم سمعت الأشعث بواسط يقول: يحب التيامن. فذكر شأنه كله، ثم سمعته بالكوفة يقول: يحب التيامن ما استطاع]. والطهور بضم الطاء، (ونعله) أي: لبس نعله، (وترجله) أي: تسريح شعره، وقوله: (فذكر شأنه كله) أي: جميع شئونه عليه الصلاة والسلام، ففي دخول المسجد يقدم رجله اليمنى، وفي دخول البيت كذلك، وفي لبس النعل، ولبس الثوب والسروال وغير ذلك.

غسل الرجلين باليدين

غسل الرجلين باليدين

شرح حديث القيسي في صفة وضوء النبي

شرح حديث القيسي في صفة وضوء النبي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب غسل الرجلين باليدين. أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني أبو جعفر المدني قال: سمعت ابن عثمان بن حنيف -يعني عمارة - قال: حدثني القيسي: (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأتي بماء فقال على يديه من الإناء فغسلهما مرة، وغسل وجهه وذراعيه مرة مرة، وغسل رجليه بيمينه كلتاهما)]. في هذا الحديث الوضوء مرة مرة وهذا أقل ما يجزئ، فيغسل يديه مرة، ويغسل وجهه مرة، والتثليث أفضل، ويجوز مرتين مرتين، ويجوز الوضوء مخالفاً، فعضو مرة وآخر مرتين، وهكذا. وفيه غسل الرجلين باليدين، فلا بأس بأن يغسل رجليه بيديه أو بيد واحدة.

الأمر بتخليل الأصابع

الأمر بتخليل الأصابع

شرح حديث: (إذا توضأت فأسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع)

شرح حديث: (إذا توضأت فأسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بتخليل الأصابع. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثني يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير -وكان يكنى أبا هاشم، ح وأنبأنا محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا سفيان عن أبي هاشم عن عاصم بن لقيط عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأت فأسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع)]. هذا الحديث فيه مشروعية إسباغ الوضوء، وأن إسباغ الوضوء -ولا سيما مع المكاره- مما يغفر الله به الخطايا، ويكفر به السيئات، وإسباغه إتمامه وإبلاغه وتعميم الأعضاء، والتخليل بين أصابع اليدين والرجلين كذلك مشروع بأي كيفية.

عدد مرات غسل الرجلين

عدد مرات غسل الرجلين

شرح حديث أبي حية الوادعي في وصف علي وضوء رسول الله

شرح حديث أبي حية الوادعي في وصف علي وضوء رسول الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب عدد غسل الرجلين. أخبرنا محمد بن آدم عن ابن أبي زائدة قال: حدثني أبي وغيره عن أبي إسحاق عن أبي حية الوادعي قال: (رأيت علياً توضأ فغسل كفيه ثلاثاً، وتمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. هذا الحديث فيه مشروعية التثليث، وأن هذا هو المستحب وهو الأفضل. وفيه أن الرجلين تغسلان ثلاثاً كسائر الأعضاء، وهذا هو الأصل، والواجب مرة، وأما الرأس فإنه يمسح مرة واحدة ولا يثلث، وأما الأعضاء الأخرى فالواجب فيها مرة واحدة والتثليث أفضل، وإن غسلها مرتين فلا بأس، وإن غسل مخالفاً فغسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثاً فلا بأس، فكل هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حد الغسل

حد الغسل

شرح حديث عثمان في صفة وضوء رسول الله

شرح حديث عثمان في صفة وضوء رسول الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: حد الغسل. أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع -واللفظ له- عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره أن حمران مولى عثمان أخبره (أن عثمان دعا بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)]. هذا الحديث رواه الشيخان في الصحيحين، وهو أكمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء. وفيه أنه غسل كل عضو ثلاثاً. وفيه أن من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء، وفي اللفظ الآخر: (يقبل فيهما بقلبه ووجهه على الله إلا غفر الله له)؛ كان ذلك من أسباب المغفرة لمن اجتنب الكبائر، وهذا فضل عظيم. وفيه ما ترجم به المؤلف في حد الغسل، وهو أنه يغسل اليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، أو أن المراد به حد التثليث، وهو أنه يغسل الوجه ثلاثاً واليدين ثلاثاً والرجلين ثلاثاً ولا يزيد. ولم يذكر في هذا الحديث مسح الأذنين؛ لأن الأذنين تابعتان للرأس، فإذا لم يذكرا فإنهما داخلتان في الرأس؛ ثم إن الأحاديث الأخرى فصلت فذكرت مسح الأذنين، وهذا مجمل، والأحاديث يضم بعضهما إلى بعض.

الوضوء في النعل

الوضوء في النعل

شرح حديث ابن عمر في رؤيته رسول الله يتوضأ في النعال السبتية

شرح حديث ابن عمر في رؤيته رسول الله يتوضأ في النعال السبتية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء في النعل. أخبرنا محمد بن العلاء قال: حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله ومالك وابن جريج عن المقبري عن عبيد بن جريج قال: قلت لـ ابن عمر: (رأيتك تلبس هذه النعال السبتية وتتوضأ فيها! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها)]. النعال السبتية: هي التي ليس فيها شعر، وهي مأخوذة من السبت وهو القطع، ففيه أنه لا بأس بلبس النعال التي لا شعر فيها والوضوء فيها، وأنه لا يمسح على النعلين، فإذا توضأ في النعلين فلا بد من أن يغسل الرجلين، وإنما المسح على الخفين، وأما النعلان فإنهما يستران الرجل، فلا بد من غسل الرجلين ولو كان فيهما نعلان.

المسح على الخفين

المسح على الخفين

شرح حديث جرير في المسح على الخفين

شرح حديث جرير في المسح على الخفين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المسح على الخفين. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: (أنه توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أتمسح؟ فقال: قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح، وكان أصحاب عبد الله يعجبهم قول جرير، وكان إسلام جرير قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيسير)]. جرير رضي الله عنه الله تعالى عنه أسلم بعد نزول المائدة، والمائدة من آخر ما نزل، وإنما كان يعجبهم إسلام جرير لأن فيه الدلالة على أن مسح الخفين لم ينسخ؛ لأن المائدة فيها آية الوضوء، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، والمسح على الخفين كان بعد نزول المائدة، فدل على أنه باق لم ينسخ، والمائدة من آخر ما نزل، فلهذا كان يعجبهم إسلام جرير؛ لأنه سئل فقيل له: (هل كان مسح النبي صلى الله عليه وسلم بعد المائدة؟ فقال: وهل أسلمت إلا بعد نزول المائدة؟!). وأحاديث المسح على الخفين من الأحاديث المتواترة، وكذلك غسل الرجلين، فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين صحابياً، ومع ذلك أنكر الرافضة غسل الرجلين، فأوجبوا مسح ظهور القدمين، وأنكروا المسح على الخفين، فلهذا يذكر العلماء في كتب العقائد المسح على الخفين للرد على الرافضة الذين ينكرون ذلك، وإلا فالأصل أنها مسألة فرعية من المسائل الفقهية، لكن تذكر في كتب العقائد للرد على الرافضة. والرافضة معروف عنهم توسلهم بآل البيت، وهذا شرك، ويكفرون الصحابة ويفسقونهم، وهذا أيضاً تكذيب لله، وكذلك يعتقدون أن القرآن لم يحفظ، وأن هناك بقية ضاعت، وهذه ردة نعوذ بالله، فمن يعتقد هذا الاعتقاد لا شك في كفره، وإذا أظهر الإسلام ولم يظهر من ذلك شيئاً فإنه يعامل معاملة المسلمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل عبد الله بن أبي، فإن ظهر منه شيء فإنه لا يصادق ولا يعاشر.

بيان روايات المسح على الخفين

بيان روايات المسح على الخفين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه رضي الله عنه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين). أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وسليمان بن داود -واللفظ له- عن ابن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال الأسواق، فذهب لحاجته ثم خرج، قال أسامة: فسألت بلالاً: ما صنع؟ فقال بلال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين ثم صلى)]. كل هذه أحاديث متواترة معروفة. وأما لفظة (الأسواق) الواردة في هذا الحديث فقد رويت بالفاء، أي: الأسواق. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع -واللفظ له-، عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه مسح على الخفين). أخبرنا قتيبة قال: حدثنا إسماعيل -وهو ابن جعفر - عن موسى بن عقبة عن أبي النضر عن أبي سلمة عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين: (أنه لا بأس به). أخبرنا علي بن خشرم قال: حدثنا عيسى عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، فلما رجع تلقيته بإداوة فصببت عليه فغسل يديه، ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه فضاقت به الجبة، فأخرجهما من أسفل الجبة فغسلهما ومسح على خفيه، ثم صلى بنا)]. حديث المغيرة قد سبق، وفيه جواز لبس الضيق، وجواز لبس الثياب التي من بلاد الكفار. قوله: (ثم صلى بنا) يحتمل أن يكون في حادثة أخرى غير التي صلى فيها عبد الرحمن بن عوف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد عن يحيى عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه خرج لحاجته فاتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء، فصب عليه حتى فرغ من حاجته، فتوضأ ومسح على الخفين)].

المسح على الخفين في السفر

المسح على الخفين في السفر

شرح حديث المغيرة: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر)

شرح حديث المغيرة: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المسح على الخفين في السفر. أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان قال: سمعت إسماعيل بن محمد بن سعد قال: سمعت حمزة بن المغيرة بن شعبة يحدث عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: تخلف يا مغيرة وامضوا أيها الناس! فتخلفت ومعي إداوة من ماء ومضى الناس، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فلما رجع ذهبت أصب عليه وعليه جبة رومية ضيقة الكمين، فأراد أن يخرج يده منها فضاقت عليه، فأخرج يده من تحت الجبة فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على خفيه)]. هذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على مشروعية المسح على الخفين في السفر، وهو كذلك؛ فإن مسح الخفين ثابت، وهو من الأمور المتواترة في الحضر وفي السفر، فالنبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه في الحضر وفي السفر، ففي السفر يمسح على خفيه ثلاثة أيام بلياليها، وفي الحضر يمسح يوماً وليلة، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة. وفيه جواز الإعانة في صب الماء للمتوضئ، وأنه لا بأس أن يعين المرء أخاه فيصب عليه الماء وهو يتوضأ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة أن يصب، فكان يصب عليه الماء وهو يتوضأ، فإذا كان الإنسان يصب عليه الماء فيغسل وجهه، ثم يصب عليه فيغسل يديه، ثم يصب عليه فيمسح رأسه، ثم يصب عليه فيغسل رجليه؛ فلا حرج، كما استعان النبي صلى الله عليه وسلم بـ المغيرة في صب الماء، وإنما الخلاف في كون الإنسان هو الذي يوضئه، بمعنى أنه يمسح أو يغسل أعضاء غيره، فإذا كان المرء مريضاً فلا بأس، فينوي المريض الوضوء والذي يعينه يغسل وجهه إذا كان لا يستطيع، ثم يغسل يده اليمنى، ثم يده اليسرى، وأما إذا كان صحيحاً فإنه يتولى هذا بنفسه، ولا بأس بأن يصب عليه غيره الماء. وفيه دليل على جواز لبس الثياب التي ترد من الكفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة رومية من بلاد الشام، وكانت بلاد الشام في ذلك الوقت بلاد كفار، ولم تفتح إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه لا حرج في أن يلبس الإنسان الملابس التي وردت من الكفار، ويستعمل السيارات التي جاءت من عندهم. وفيه دليل على أنه لا بأس بلبس الثوب الضيق الكمين، ولهذا ضاقت هذه الجبة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أراد أن يغسل يديه ضاقت عليه فأخرجهما من أسفل.

التوقيت في المسح على الخفين للمسافر

التوقيت في المسح على الخفين للمسافر

شرح حديث صفوان بن عسال في الرخصة في ترك الخفين والمسح عليهما ثلاثة أيام في السفر

شرح حديث صفوان بن عسال في الرخصة في ترك الخفين والمسح عليهما ثلاثة أيام في السفر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن عاصم عن زر عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (رخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن)]. هذا الحديث فيه توقيت المسح على الخفين للمسافر، وأنه يمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، وللمسافر -كذلك- أن يقصر الرباعية، فيقصر الظهر والعصر والعشاء، وله أن يفطر في رمضان. وفي هذا التوقيت دليل على أنه إذا مضت المدة يجب نزع الخف، وأنه تبطل الطهارة بمضي المدة، وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء؛ لأن هذا هو معنى التوقيت، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يوقت ثلاثة أيام ولياليهن دليل على أنه إذا مضت المدة يجب نزع الخف، ثم يتطهر ويتوضأ، ثم يلبسهما بعد ذلك، فإذا لبس الخف ثم نزعه انتقضت الطهارة، وكذلك إذا مضت المدة، فإذا مضى يوم وليلة للمقيم انتقضت الطهارة، وعليه أن يخلع، وإذا مضت ثلاثة أيام ولياليها في السفر كان عليه أن ينزع الخف لمضي المدة؛ لأن هذا هو معنى التوقيت. وإذا لبس المرء الجوربين ثم لبس عليهما الخفين فحكمهما واحد في المسح، وأما إذا لبس الجوربين ومسح عليهما ثم لبس الخفين بعد ذلك فالحكم للجوربين، ولا يضر نزع الخفين.

إسناد آخر لحديث صفوان في الرخصة في ترك الخفين والمسح عليهما ثلاثة أيام في السفر

إسناد آخر لحديث صفوان في الرخصة في ترك الخفين والمسح عليهما ثلاثة أيام في السفر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان الرهاوي قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا سفيان الثوري ومالك بن مغول وزهير وأبو بكر بن عياش وسفيان بن عيينة عن عاصم عن زر قال: (سألت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم، إلا من جنابة)]. هذا فيه دليل على أن مسح الخفين يكون من الغائط والبول والنوم إذا لبس الخفين على طهارة، ففي حديث المغيرة لما كان يصب على النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين)، فدل على أنه لا بد من اشتراط لبسهما على طهارة، فإذا لبسهما على طهارة فإنه يمسح عليهما ثلاثة أيام ولياليهن إذا كان مسافراً، ويوماً وليلة إذا كان مقيماً، ويمسح عليهما إذا أحدث من غائط أو بول أو نوم أو أكل لحم الجزور، وأما إذا أصابته جنابة فإنه لا يمسح على الخفين، بل يجب نزعهما، ولهذا قال: (إلا من جنابة) سواء أكان في سفر أم في حضر، وإنما يمسح عليهما من الحدث الأصغر، كما إذا أحدث من البول والغائط والنوم وأكل لحم الجزور ومس الفرج باليد، ففي هذه الأحوال يكون الحدث حدثاً أصغر، فيمسح على الخفين، أما إذا أصابته جنابة فإنه لابد من أن ينزع الخفين ويعمم جسده بالماء. والنوم الذي ينقض الوضوء هو النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس، بحيث لا يشعر بمن حوله، ولو خرج منه حدث لا يشعر، أما خفقان الرأس والنعاس الذي يسمع معه من حوله، ولو خرج منه حدث علم به فإنه لا يضر، فقد كان الصحابة ينتظرون صلاة العشاء وتخفق رءوسهم فيصلون ولا يتوضئون.

التوقيت في المسح على الخفين للمقيم

التوقيت في المسح على الخفين للمقيم

شرح حديث علي في بيان مدة مسح الخفين للمسافر والمقيم

شرح حديث علي في بيان مدة مسح الخفين للمسافر والمقيم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أنبأنا الثوري عن عمرو بن قيس الملائي عن الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي رضي الله عنه قال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، ويوماً وليلة للمقيم) يعني: في المسح]. هذا واضح، وفيه التوقيت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت: ائت علياً؛ فإنه أعلم بذلك مني، فأتيت علياً فسألته عن المسح، فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يمسح المقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثاً)]. واشتراط لبسهما على طهارة هو في حق من أراد أن يسمح عليهما، وأما من لم يرد فلا حرج عليه.

صفة الوضوء من غير حدث

صفة الوضوء من غير حدث

شرح حديث علي في صفة وضوء من لم يحدث

شرح حديث علي في صفة وضوء من لم يحدث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صفة الوضوء من غير حدث. أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا بهز بن أسد قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت النزال بن سبرة قال: (رأيت علياً رضي الله عنه صلى الظهر ثم قعد لحوائج الناس، فلما حضرت العصر أتى بتور من ماء فأخذ منه كفاً فمسح به وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه، ثم أخذ فضله فشرب قائماً، وقال: إن ناساً يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث)]. هذا الحديث فيه ذكر نوع آخر من تجديد الوضوء، وهو مسح الأعضاء الأربعة: الوجه واليدين والرأس والرجلين، بأن يأخذ كفاً من ماء فيكتفي به ويمسح وجهه ويديه ورأسه ورجليه، فهذا وضوء من لم يحدث، وأما طهور المحدث فلا بد فيه من غسل الأعضاء بالترتيب: فالوجه، ثم اليدان، ثم مسح الرأس، ثم غسل الرجلين. وقد جاء ما يدل على أن تجديد الوضوء يكون وضوءاً كاملاً، فعلى هذا يكون التجديد نوعين: نوع يسبغ فيه الوضوء، ونوع يمسح فيه الأعضاء الأربعة. والمسح يأتي بمعنى الغسل الخفيف، لكن الأصل أنه المسح المعروف، وهنا ذكر أنه أخذ الماء بكف واحد، وهذا يدل على أنه مسح، وإلا فالمسح يأتي بمعنى الغسل الخفيف، ومنه قول العرب: تمسحت للصلاة. وبه أجيب عن قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]. فقيل: المراد: امسحوا برءوسكم وامسحوا بأرجلكم، وهو الغسل الخفيف. وقد جاء في حديث: (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات) وهذا الحديث ضعيف، لكن إذا أحب المرء أن يجدد من باب النشاط كان له ذلك، كما فعل علي، وكما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6]. فهذه الآية في تأوليها أقوال للمفسرين ذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله وغيره، حيث قال بعضهم: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6] أي: إذا قمتم محدثين {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]. وقال بعضهم: إن قوله تعالى: ((إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)) يعني: إن كنتم محدثين فالوضوء واجب، (فاغسلوا وجوهكم) وجوباً، وإن كنتم غير محدثين {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة:6] استحباباً. والمقصود أن النصوص في السنة بينت هذه الآية، وأن الوضوء إنما يجب على المحدث، وأما غير المحدث فلا يجب عليه وإنما يستحب له، كما فعل علي رضي الله عنه الله تعالى عنه وقال: (هذا وضوء من لم يحدث)، فالذي لم يحدث له أن يجدد الوضوء، وله أن يمسح الأعضاء الأربعة. وفيه دليل على جواز الشرب حال القيام، كما فعل علي رضي الله عنه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب قائماً في حجة الوداع، وذلك حين جاء إلى زمزم وهم يسقون، فأعطوه دلواً من ماء فشرب قائماً. وأما الأحاديث التي فيها النهي عن الشرب حال القيام فهي محمولة على التنزيه جمعاً بين النصوص؛ لأن القاعدة عند أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله دل على أن النهي ليس للتحريم وإنما هو للتنزيه، وهذا هو الصواب في هذه المسألة. وقد ذهب العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد إلى تحريم الشرب حال القيام، وهذا ليس بجيد، والصواب جوازه؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعله لبيان جوازه، وأما النهي فهو محمول على التنزيه. وهذا الحديث أخرجه البخاري مختصراً والترمذي في الشمائل.

كتاب الطهارة [8]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [8] لقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم الوضوء لكل صلاة، وكان أحياناً يصلي الصلوات بوضوء واحد. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء، كما أنه أمر بعدم التعدي في الوضوء والزيادة على ثلاث مرات. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل الإسباغ وتكفيره الخطايا به ورفعه للدرجات.

الوضوء لكل صلاة

الوضوء لكل صلاة

شرح حديث أنس في توضئه صلى الله عليه وسلم لكل صلاة

شرح حديث أنس في توضئه صلى الله عليه وسلم لكل صلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء لكل صلاة. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن عمرو بن عامر عن أنس رضي الله عنه أنه ذكر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بإناء صغير فتوضأ. قلت: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة؟ قال: نعم. قال: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات ما لم نحدث. قال: وقد كنا نصلي الصلوات بوضوء)]. قوله: (نصلي الصلوات) يعني: نصلي عدداً من الصلوات، فلا بأس بأن يصلي المسلم عدداً من الصلوات بوضوء واحد، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال له عمر رضي الله عنه: فعلت شيئاً لم تكن تفعله! فقال: (عمداً فعلته يا عمر)؛ لبيان الجواز. وأما حديث أنس هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فالمراد به في الأغلب، فالغالب أنه عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ لكل صلاة، وقد جمع عدة صلوات بوضوء واحد في يوم الفتح.

شرح حديث: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)

شرح حديث: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زياد بن أيوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقرب إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)]. هذا الحديث فيه أنه لا حرج في أن يأكل الإنسان ويشرب وهو محدث، ولا يقال: يشرع الوضوء للأكل والشرب، وإنما هذا للجنب، فالجنب يستحب له إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب أن يتوضأ، وأما غير الجنب فلا، فالإنسان إذا خرج من الخلاء بعد بول أو غائط فله أن يأكل ويشرب ولا يستحب له الوضوء، ولهذا لما قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم الطعام حين خرج من الخلاء وعرض عليه الماء ليتوضأ أخبرهم أن الوضوء للقيام إلى الصلاة.

شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ لكل صلاة)

شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ لكل صلاة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثنا علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: عمداً فعلته يا عمر!)]. هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه جواز جمع الصلوات بوضوء واحد، وكذلك التيمم عند المحققين من العلماء، فله أن يصلي الصلوات بتيمم واحد ما لم يحدث أو يجد الماء. وذهب الجمهور إلى أنه لا يجمع بين الصلاتين فأكثر بتيمم واحد؛ لأن التيمم إنما تستباح به الصلاة، فيتيمم للصلاة الحاضرة، ويصلي معها النوافل القبلية والبعدية، لكن لا يصلي صلاة أخرى بهذا التيمم؛ لأن التيمم استباحة للصاة، وهذا هو الذي ذهب إليه الجمهور. وذهب المحققون -كشيخ الإسلام ابن تيمية - إلى أن التيمم قائم مقام الماء؛ لأن الله تعالى سماه الله على لسان نبيه طهوراً، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، فيقوم مقام الماء ما لم يحدث أو يجد الماء.

النضح على الفرج بعد الوضوء

النضح على الفرج بعد الوضوء

شرح حديث سفيان الثقفي في نضح رسول الله على فرجه بعد الوضوء

شرح حديث سفيان الثقفي في نضح رسول الله على فرجه بعد الوضوء أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن الحكم عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال بها: هكذا. ووصف شعبة: نضح به فرجه. فذكرته لـ إبراهيم فأعجبه). قال الشيخ ابن السني: الحكم هو ابن سفيان الثقفي رضي الله عنه]. قوله: (إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فنضح بها فرجه) معناه: استنجي ثم نضح فرجه ثم توضأ، فيكون النضح بعد الاستنجاء وقبل الوضوء، كما جاء في الحديث الآخر: (إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) يعني: إذا أراد دخول الخلاء، وكما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل:98] يعني: إذا أردت قراءة القرآن، وهنا: (كان إذا توضأ نضح فرجه) يعني: إذا أراد أن يتوضأ نضح فرجه.

شرح حديث سفيان الثقفي: (رأيت رسول الله توضأ ونضح فرجه)

شرح حديث سفيان الثقفي: (رأيت رسول الله توضأ ونضح فرجه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا الأحوص بن جواب قال: حدثنا عمار بن رزيق عن منصور. ح وأخبرنا أحمد بن حرب قال: حدثنا قاسم -وهو ابن يزيد الجرمي - قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ونضح فرجه) قال أحمد: فنضح فرجه]. هذا فيه -أيضاً- أن النضح تأخر عن الوضوء، وهو محمول على أن النضح يتقدم على الوضوء. وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة. ورواته في الإسناد الأول هم: إسماعيل بن مسعود الجحدري أبو مسعود، ثقة، وخالد بن الحارث بن عبيد أبو عثمان، ثقة، والأحوص بن جواب صدوق ربما وهم، وهو بفتح الجيم وتشديد الواو، يكنى أبا الجواب، كوفي، وعمار بن رزيق بتقديم الراء، مصغر، الضبي أو التميمي، لا بأس به، وأحمد بن حرب صدوق. فهذا الحديث فيه ثبوت النضح؛ لأن معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينضح فرجه، أي: كان يرش على ما حوله، فإن ثبت كان هذا لبيان الجواز، فمن كان عنده خواطر ووساوس فإنه ينضح فرجه ويرش بعد الاستنجاء لقطع الوساوس، فيكون هذا محمولاً على الجواز في حق من كان عنده شيء من الوساوس والخواطر، فإن عليه بعد أن يستنجى أن يرش على ما حول فرجه من الثياب حتى يقطع الوساوس ولا يبقى عنده شك، فإذا أصابه شيء قال: هذا من رطوبة الماء، فينقطع الوساوس، بخلاف ما إذا لم يرش فإنه قد يكون عنده وساوس، ويتوهم أنه خرج من فرجه شيء، فإذا رش ما حوله من الثياب كان في ذلك قطع الوساوس. ولا يلزم من النضح أن يمس الفرج، فإن فعل انتقض الوضوء. قال السندي في قوله: (نضح): قيل: هو الاستنجاء بالماء، وعلى هذا معنى: (إذا توضأ) أي: أراد أن يتوضأ. وقيل: رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء؛ ليدفع به وسوسة الشيطان، وعليه الجمهور، وكأنه يؤخره أحياناً إلى الفراغ من الوضوء، والله تعالى أعلم. أي: أن المراد هو النضح على الثياب، وإذا حمل على الاستنجاء زال الإشكال، ويكون موافقاً الأحاديث الأخرى.

الانتفاع بفضل الوضوء

الانتفاع بفضل الوضوء

شرح حديث علي في الشرب من فضل الوضوء

شرح حديث علي في الشرب من فضل الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الانتفاع بفضل الوضوء. أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف قال: حدثنا أبو عتاب قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام فشرب فضل وضوئه، وقال: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنعت)]. هذا فيه أنه لا بأس بالانتفاع بفضل الوضوء بالشرب، وأن الإنسان إذا توضأ وبقي فضل فشربه فلا حرج عليه، فالباقي من الوضوء ينتفع به بالشرب والغسل والطبخ، ولا حرج في ذلك. وفيه جواز الشرب حال القيام وأنه ليس بمحرم.

شرح حديث أبي جحيفة في نيله من فضل وضوء رسول الله

شرح حديث أبي جحيفة في نيله من فضل وضوء رسول الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال: حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدره الناس، فنلت منه شيئاً، ورُكِزت له العنزة فصلى بالناس والحمر والكلاب والمرأة يمرون بين يديه)]. وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه مشروعية السترة حتى في مكة، ولهذا بوب البخاري فقال: (باب السترة في مكة وغيرها)، فدل على أن مكة ليس لها خصوصية أنه لا تشرع فيها السترة، بل السترة مشروعة للمصلي في مكة وفي غير مكة، لكن في المسجد الحرام إذا اشتد الزحام وعجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وفيه أن الإنسان إذا صلى إلى السترة فلا يضره من مر من ورائها من الحمر والكلاب والنساء، وأما إذا لم يكن له سترة ومر حمار أو كلب أو امرأة بالغ قريباً منه فإن الصواب أنه تبطل الصلاة، لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع صلاة المرء -إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل- المرأة، والحمار، والكلب). وأما الجمهور فقد تأولوا هذا الحديث بأن المراد قطع الثواب، واستدلوا بأحاديث، منها: (لا يقطع الصلاة شيء) لكنه حديث ضعيف، والصواب أنها تبطل. وفيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص به عليه الصلاة والسلام في حياته، ولهذا ابتدر الناس وضوءه، وصاروا يأخذون القطرات مما توضأ منه، وفي رواية البخاري: (فمن نائل منه وناضح)، فكانوا يأخذون القطرات ويتبركون بها؛ لما جعل الله في جسده عليه الصلاة والسلام وما لمس جسمه من البركة، ويمسحون وجوههم وأيديهم. وكان إذا تفل أو تنخم صارت نخامته في يد واحد من الصحابة يدلك بها وجهه وجسمه، ولما نام عند أم سليم -وكان بينه وبينها محرمية- فعرق سلتت العرق، فجعلته في قارورة مع طيب لها، وقالت: إنه لأطيب الطيب. فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا يقاس عليه غيره، ولهذا لم يفعل الصحابة هذا مع أبي بكر ولا مع عمر؛ لأن هذا من وسائل الشرك، ويؤدي إلى الغلو، فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته. وفي الحديث الأول الانتفاع بفضل الوضوء بالشرب، وفي هذا الانتفاع بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرك. وقد كانت عائشة رضي الله عنها ترى أن مرور المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة كما ما ذهب إليه الجمهور، وقالت: شبهتمونا بالحمير والكلاب! وقد رأيتني وأنا معترضة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. وقد ظنت رضي الله عنها أن هذا مرور، وهذا ليس بمرور، فكون المرء ينام أمام المصلي لا يعتبر مروراً، بل المرور هو أن يأتي المرء من هذا الجانب إلى هذا الجانب. وأما المرور بين يدي الصف فليس كالمرور بين يدي الإمام؛ إذ المأموم تابع للإمام، وفي قصة مرور ابن عباس بين الصوف لم يذكر أنه مر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث جابر في صب رسول الله وضوءه عليه في مرضه

شرح حديث جابر في صب رسول الله وضوءه عليه في مرضه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال: سمعت ابن المنكدر يقول: سمعت جابراً يقول: (مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني، فوجداني قد أغمي علي، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصب علي وضوءه)]. هذا الحديث فيه الانتفاع بفضل الوضوء بالصب على المريض المغمى عليه، وصب الماء على المريض مفيد، سواء أكان من الوضوء أم من غيره، لا سيما إذا كان المرض من الحمى التي يفيد فيها الماء؛ لأن الحمى أنواع، فبعضها قد يفيد فيها الماء، وبعضها لا يفيد فيها الماء، ففيه الصب على المغمى عليه أو على المريض من ماء الوضوء أو غيره. والصب من الوضوء خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما غيره فيَصُب من أي ماء، لكن إذا توضأ الإنسان وبقي من وضوئه فضله فله أن ينتفع بصبه على المريض، وله أن ينتفع به بالشرب، وله أن ينتفع به بالأكل.

فرض الوضوء

فرض الوضوء

شرح حديث: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور)

شرح حديث: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فرض الوضوء. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)]. هذا لفظ مسلم في صحيحه، وفيه أن الوضوء شرط في صحة الصلاة، وأن الصلاة لا تصح إلا بالوضوء. قوله: (ولا يقبل صدقة من غلول) الغلول: هو الأخذ من الغنية قبل قسمتها، ومثله الأخذ من بيت المال أو من الأوقاف، فإذا أخذ غلولاً ثم تصدق به فإن صدقته لا تقبل؛ لأنها من كسب حرام، فلا تقبل الصدقة من غلول، ولا تقبل الصلاة بغير وضوء؛ لأن الوضوء شرط لصحة الصلاة، فمن صلى بغير وضوء فإن صلاته باطلة، بل إن بعض العلماء قال: إذا تعمد ذلك كفر وارتد، والعياذ بالله؛ لأنه مستهزئ بربه.

الاعتداء في الوضوء

الاعتداء في الوضوء

شرح حديث: (فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم)

شرح حديث: (فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاعتداء في الوضوء. أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا يعلى قال: حدثنا سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم)]. هذا الحديث فيه أن الوضوء حده الثلاث، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ مخالفاً. وفيه أنه من زاد على ثلاث فقد أساء وتعدى وظلم، وبيان أن هذا من العدوان، ولا يجوز للإنسان أن يزيد على ثلاث في كل عضو، والمراد بالمرة ما عُمم به العضو، فإذا عمم العضو بالماء فهذه تعد غسلة، سواء أحصل بغرفة أو بغرفتين. والسنة أن يتوضأ المرء ثلاثاً ثلاثاً، وهذا هو الأصل، وإن توضأ مرتين مرتين، أو مرة مرة أو مخالفاً أجزأ ذلك، ولا يزد على ثلاث، فالزيادة على الثلاث عدوان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فقد أساء وتعدى وظلم). وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث: (فمن زاد على هذا أو نقص). وزيادة (أو نقص) فيها نظر، وهي وهم من بعض الرواة؛ لأن النقص لا يعتبر إساءة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومرتين مرتين، ومرة مرة، وتوضأ مخالفاً.

الأمر بإسباغ الوضوء

الأمر بإسباغ الوضوء

شرح حديث ابن عباس في أمر رسول الله لهم بإسباغ الوضوء

شرح حديث ابن عباس في أمر رسول الله لهم بإسباغ الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الأمر بإسباغ الوضوء: أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد قال: حدثنا أبو جهضم قال: حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: (كنا جلوساً إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنها فقال: والله ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاثة أشياء: فإنه أمرنا أن نسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمر على الخيل). أخبرنا قتيبة قال: حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسبغوا الوضوء)]. هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بهذه الأشياء الثلاثة: إسباغ الوضوء، وترك أكل الصدقة، وعدم إنزاء الحمر على الخيل، وهذه ليست خاصة بهم، وإنما المراد مزيد التأكيد، فإن إسباغ الوضوء مأمور به كل مسلم، كما سيأتي في الحديث الذي بعده: (أسبغوا الوضوء)، وإسباغ الوضوء معناه: إبلاغه وإتمامه، وتفقد ما ينبو عنه الماء، وهذا مأمور به كل مسلم. وإسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات، ويحط به الخطايا، ولكن أهل البيت لهم مزيد التأكيد. وأما إنزاء الحمر على الخيل فهذا قد نهي عنه أيضاً أهل البيت وغيرهم، والحمر: جمع حمار، والمراد بالإنزاء: أن يدع المرء الذكر من الحمر ينزوا على الأنثى من الخيل، فتحمل منه فتأتي بالبغل، فالبغل هو المتولد من الحمار والخيل، فأبوه حمار وأمه من فصيلة الخيل، والخيل حلال يجوز أكله؛ لقول أسماء رضي الله عنها: (نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلنا لحمه)، وأما البغل فحرام الأكل؛ لأنه متولد من حلال وحرام. والنهي عن إنزاء الحمر على الخيل إنما هو لئلا يتولد منهما البغل، وفي هذا تقليل لنسل الخيل، والبغل ليس له القوة والجلد والخفة، فلهذا نهي عن إنزاء الحمر على الخيل، ولا ينافي هذا كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخدم البغل، وكذلك من الله تعالى به على العباد بقوله: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل:8]، فهذا إنما هو بعد وجودها، فلا بأس عندئذٍ باستعمالها، وأما إنزاء الحمر على الخيل فلا يفعله إلا عاص أو كافر، فإذا أنزى الحمار على الخيل عاص أو كافر وتولد من ذلك البغل فلا بأس بأن تركب على البغل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يركب البغل، كما أن الصور لا يجوز تصويرها، ولكن إذا وجدت الصورة وامتهنت في الفراش فلا بأس ببقائها، ولا تمنع دخول الملائكة، لكن التصوير محرم، فإذا صور إنسان وامتهنت الصورة بوطئها أو بالجلوس عليها فلا حرج في بقائها، وكذلك إنزاء الحمر على الخيل ممنوع، لكن إذا أنزى فاسق أو كافر حماراً على الخيل فأتت ببغل فلا بأس باستعمال البغل. وأما الصدقة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد) وبين أن علة ذلك أنها أوساخ الناس. قال بعض العلماء: المحرم على النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفريضة، أما صدقة التطوع فلا بأس بها له. والذي يظهر من ظاهر النصوص أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز له صدقة التطوع ولا الفرض؛ وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأكل الصدقة، وأما أهل البيت فإنهم يأكلون صدقة التطوع دون صدقة الفرض. وفي هذا الإسناد أبو جهضم، قال فيه ابن حجر: صدوق. وفيه يحيى بن حبيب شيخ النسائي، قال فيه: ثقة، وعبد الله بن عبيد الله بن عباس قال فيه: ثقة. فهذا الحديث لا بأس بسنده في الظاهر، وما فيه محمول على أنه لمزيد التأكيد، وليس خاصاً بأهل البيت، إلا الصدقة فلا يأكلها أهل البيت. فالمقصود من ذلك اللفظ هو مزيد التأكيد، وقد ثبت أن علياً رضي الله عنه خطب الناس وقال: إنه ليس عندنا شيء خصنا به النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما في هذه الصحيفة. وهي صحيفة فيها أسنان الإبل، وأنه لا يقتل المسلم بالكافر، وهذا يرد على الشيعة الذين يقولون: إن آل البيت خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس. فالمراد مزيد التأكيد؛ لأن هذه الأمور ليست خاصة بهم.

فضل إسباغ الوضوء

فضل إسباغ الوضوء

شرح حديث: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا)

شرح حديث: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الفضل في ذلك. أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)]. هذا الحديث فيه فضل هذه الأشياء الثلاثة: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وبيان أن ذلك من الرباط، وكرر قوله: (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)، للتأكيد، والرباط: هو ملازمة الثغور، وهي حدود الدولة الإسلامية؛ حتى لا يأتي الأعداء، فالجيش المرابط على حدود الدولة الإسلامية يقال له: مرابط. والمرابطة لها أجر عظيم، والرباط في سبيل الله من أفضل القربات وأجل الطاعات، وأفضل من التعبد في المسجد الحرام، ولهذا قال الله تعالى منكراً على المشركين: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة:19]. فالجهاد في سبيل الله والرباط من أفضل الأعمال وأجل القربات وأفضل العبادات؛ إذ إن بعض الأعمال نفعه قاصر، بخلاف الجهاد فإن نفعه متعد، فالرباط وملازمة حدود الدولة الإسلامية حتى لا يأتي الأعداء منها، من أفضل القربات. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة من الرباط، وأولها: إسباغ الوضوء، أي: إبلاغه وإتمامه، ولا سيما عند المكاره، أي: في وقت البرد ووقت الحر. وثانيها: انتظار الصلاة بعد الصلاة، وليس المراد أنه يجلس في المسجد ولا يخرج، بل المعنى أنه ينتظرها بقلبه، فكلما انتهت الصلاة انتظر الصلاة الأخرى، فقلبه معلق بالمسجد وإن خرج؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج ولا يجلس في المسجد، كان يخرج لقضاء حوائج المسلمين، وتبليغ الإسلام والدين، ومقابلة الوفود، والإجابة على الأسئلة، وكذلك المسلم يحتاج إلى قضاء حوائج أهله، وزيارة إخوانه، فإن جلس في المسجد فاتت هذه المصالح، فالمعنى أنه ينتظرها بقلبه وعنايته، فكلما انقضت صلاة انتظر الصلاة الأخرى، وإذا جلس في بعض الأحيان لقراءة القرآن أو الذكر أو حضور درس للتعلم أو التعليم، وانتظر الصلاة إلى الصلاة؛ فهذا نور على نور، ويكون هذا من الرباط.

ثواب من توضأ كما أمر

ثواب من توضأ كما أمر

شرح حديث: (من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما قدم من عمل)

شرح حديث: (من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما قدم من عمل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثواب من توضأ كما أمر. أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن أبي الزبير عن سفيان بن عبد الرحمن عن عاصم بن سفيان الثقفي أنهم غزوا غزوة السلاسل، ففاتهم الغزو فرابطوا، ثم رجعوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب وعقبة بن عامر رضي الله عنهم، فقال عاصم: يا أبا أيوب! فاتنا الغزو العام، وقد أخبرنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه. فقال: يا ابن أخي! أدلك على أيسر من ذلك: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر غفر له ما قدم من عمل) أكذلك يا عقبة؟ قال: نعم]. المساجد الأربعة المراد بها: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ومسجد قباء، فمن صلى في هذه المساجد الأربعة فإنه -على ما ورد في هذا الحديث- يغفر له ذنبه. ولكن هذا من كلام عاصم بن سفيان الثقفي، وليس حديثاً مرفوعاً، والذي يقول هذا هو عاصم بن سفيان الثقفي، وهو متكلم فيه، والحديث فيه عنعنة أبي الزبير، فلا يثبت هذا. لكن الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي والأقصى قد ثبت الفضل فيها، وهو أن الصلاة في الحرام تعدل مائة ألف صلاة، وفي المسجد النبوي ألف صلاة، وفي المسجد الأقصى خمسمائة. قوله: [فقال: يا ابن أخي! أدلك على أيسر من ذلك: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر غفر له ما قدم من عمل) أكذلك يا عقبة؟ قال: نعم]. هذا مرفوع، فـ أبو أيوب وعقبة صحابيان رفعا هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الوضوء من أسباب مغفرة الذنوب، والمراد الذنوب الصغائر إذا اجتنب المرء الكبائر وأدى الفرائض، لكن الحديث فيه عاصم بن سفيان الثقفي، وفيه أبو الزبير، إلا أن هذا المعنى ثابت في الأحاديث الصحيحة، كحديث حمران في وضوء عثمان وغيره، فله شواهد من الأحاديث الصحيحة تشهد له، وتدل على ما دل عليه.

شرح حديث: (من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن)

شرح حديث: (من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد عن شعبة عن جامع بن شداد قال: سمعت حمران بن أبان أخبر أبا بردة في المسجد أنه سمع عثمان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتم الوضوء كما أمره الله عز وجل فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن)]. هذا من فضل الله تعالى وإحسانه، فمن أتم الوضوء فصلواته كفارة لما بينهن، يعني: إذا اجتنب الكبائر، وهذا فيه بيان فضل الله وجوده سبحانه وتعالى، وهو أن الوضوء من الكفارات للذنوب الصغائر، وكذلك الصلوات إذا اجتنب الكبائر وأدى الفرائض.

شرح حديث عثمان: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه)

شرح حديث عثمان: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران مولى عثمان أن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)]. هذا كما سبق، وهو أن الصلوات من أسباب المغفرة، وهذا لمن اجتنب الكبائر، فالنصوص يضم بعضها إلى بعض، فالوضوء والصلاة سبب للمغفرة، ولكن لا بد من سبب آخر مع هذه الصفة وهو الإيمان لله ورسوله، ولابد من انتفاء الموانع واجتناب الكبائر، فلابد من ضم أسباب أخرى مساعدة، ولا بد من انتفاء الموانع، فالوضوء والصلاة سبب من أسباب المغفرة، لكن هذا السبب وحده لا يكفي، والأسباب الأخرى هي الإيمان بالله ورسوله، وأداء الفرائض كما دلت عليه النصوص الأخرى، ولا بد من انتفاء الموانع وهي اجتناب الكبائر.

شرح حديث عمرو بن عبسة في بيان تكفير الخطايا بالوضوء

شرح حديث عمرو بن عبسة في بيان تكفير الخطايا بالوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا الليث -وهو ابن سعد - قال: حدثنا معاوية بن صالح قال: أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر وضمرة بن حبيب وأبو طلحة نعيم بن زياد قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت عمرو بن عبسة رضي الله عنه يقول: قلت: يا رسول الله! كيف الوضوء؟ قال: (أما الوضوء، فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك، فإذا مضمضت واستنشقت منخريك، وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين، ومسحت رأسك، وغسلت رجليك إلى الكعبين، اغتسلت من عامة خطاياك، فإن أنت وضعت وجهك لله عز وجل خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمك). قال أبو أمامة: فقلت: يا عمرو بن عبسة! انظر ما تقول، أكل هذا يعطى في مجلس واحد؟! فقال: أما والله لقد كبرت سني ودنا أجلي، وما بي من فقر فأكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم]. يعني: لست مفتقراً إلى الكذب على رسول الله، فأنا محتاج إلى الحسنات. وهذا لبيان أنه متأكد من الحديث. وهذا كالأحاديث السابقة التي هي في بيان فضل الوضوء والصلاة. وعمرو بن منصور قال فيه ابن حجر: ثقة ثبت. وآدم بن أبي إياس، قال فيه: ثقة عابد، والليث بن سعد: ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، ومعاوية بن صالح قال فيه: صدوق، وأبو يحيى سليم بن عامر: ثقة، وضمرة بن حبيب قال فيه: ثقة، وأبو طلحة نعيم بن زياد، قال فيه: ثقة يرسل. وهذا يعني: أن الحديث حسن، وإسناده على شرط مسلم.

القول بعد الفراغ من الوضوء

القول بعد الفراغ من الوضوء

شرح حديث عمر: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال)

شرح حديث عمر: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القول بعد الفراغ من الوضوء: أخبرنا محمد بن علي بن حرب المروزي قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ فتحت له ثمانية أبواب الجنة، يدخل من أيها شاء)]. هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه أن الوضوء والذكر بعد الوضوء بقوله: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) من أسباب دخول الجنة، حيث قال: (فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء) يعني: لمن اجتنب الكبائر، وأدى الفرائض، وكان مؤمناً بالله ورسوله، وزاد الترمذي: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) في رواية، وزاد في حديث آخر: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)، وهذه لا بأس بها فهي ثابتة، وزاد أيضاً في رواية أخرى: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) مثل ما يقول في كفارة المجلس، لكن هذه الرواية سندها ضعيف.

حلية الوضوء

حلية الوضوء

شرح حديث: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)

شرح حديث: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حلية الوضوء. أخبرنا قتيبة عن خلف -وهو ابن خليفة - عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، وكان يغسل يديه حتى يبلغ إبطيه، فقلت: يا أبا هريرة! ما هذا الوضوء؟! فقال لي: يا ابن فروخ! أنتم هاهنا؟! لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)]. هذا اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه، وهو كونه يغسل يديه حتى يجاوز المرفقين ويصل إلى الإبطين، وكذلك في غسل الرجلين ثبت عنه أنه كان يجاوز الكعبين حتى يكاد يبلغ الركبة، فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء). و (حيث): ظرف مكان، والمعنى أن المؤمن يحلى في الجنة بالذهب في يديه وفي رجليه، ففي الدنيا لا يلبس الرجل الذهب، لكن في الآخرة يحلى، كما قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف:31]، وكذلك يلبس الحرير في الآخرة، وفي الدنيا لا يلبس الرجل الحرير، إذ الآخرة دار نعيم، والدنيا دار تكليف، والجنة ليس فيها تكليف، بل يتنعم العبد فيها بما أعطاه الله له، ومن ذلك أنه يحلى بالذهب، كما قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف:31]، ويلبس أنواع الحرير. فـ أبو هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء) أي: أن حلية الذهب الذي يتحلى به في يديه تصل إلى ما يصل إليه الوضوء، فاجتهد أبو هريرة وأراد أن يطول، فبدل أن يغسل يديه إلى المرفقين جعل الغسل إلى الإبط؛ حتى تزيد الحلية، وهذا اجتهاد منه، وكذلك في غسل الرجلين إلى الكعبين في الوضوء، فقد كان يجاوز الكعب إلى قريب من الركبة؛ حتى تزيد الحلية. ولهذا لما رآه بعض الناس وأنكر عليه قال: أنتم هنا يا ابن فروخ؟! لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء؛ لأنه بناه على الاجتهاد، والصواب أن غسل اليد لا يتجاوز المرفق، وإنما يعمل بالسنة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجري الماء على مرفقيه ولا يصل إلى الإبط، وكذلك الرِّجل، فيغسل الكعبين ولا يتجاوزهما، وإنما هذا اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه. ولهذا أخفى وضوءه، وقال لما أُنكر عليه: لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء.

شرح حديث: (أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل بهم دهم)

شرح حديث: (أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل بهم دهم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا. قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟! قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى. قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض)]. الفرط: هو السابق الذي تقدم القوم ليهيئ لهم المكان، فإذا جاءوا وجدوا كل شيء مهيأً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أتقدمكم يوم القيامة على الحوض؛ حتى يكون على استعداد، فإذا قدمتم علي شربتم من الحوض. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين على حوض النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [(قالوا: يا رسول الله! كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى. قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض)]. هذا فيه فضل الوضوء، وفيه أن من خصائص الأمة الغرة والتحجيل، والغرة هي البياض في الوجه، فيكون في وجوههم نور وبياض يعرفون به من أثر الوضوء، وكذلك في اليدين والرجلين. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تمنى أن يرى إخوانه، فقالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني الذين يأتون من بعدي. فقالوا: يا رسول الله! كيف تعرفهم؟ قال: أعرفهم بالعلامة حيث يكونون غراً محجلين، وضرب لهم مثلاً فقال: إن الإنسان إذا كان له خيل محجلة في خيل بهم دهم ألا يعرف هذا من هذا؟ قالوا: بلى. قال: فكذلك أعرفهم. وفيه أن الصحابة إخوان وأصحاب، وأما الذين يأتون من بعد فإنهم إخوان وليسوا بأصحاب، فالصحابة لهم وصفان: الأخوة والصحبة، وأما من يأتي من بعد فليس لهم الصحبة، ولكن لهم أصل الأخوة، ولهذا قال: وددت أني رأيت إخواني. قالوا: ألسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: أنتم أصحابي، وإخواني الذين يأتون من بعدي.

ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

شرح حديث: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين)

شرح حديث: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين. أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا معاوية بن صالح قال: حدثنا ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن جبير بن نفير الحضرمي عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة)]. هذا فيه أن الوضوء من أسباب دخول الجنة، ولهذا اشترط أن يقبل بوجهه وقلبه، وفي لفظ لـ مسلم: (لا يحدث نفسه فيهما بشيء) بدل قوله: (يقبل فيهما بوجهه)، وقد ثبت هذا وهذا، والمعنى أنه يتوضأ أحسن الوضوء، ويصلى ركعتين يقبل فيهما على الله، ولا يحدث فيهما نفسه، فليس عنده وساوس، بل يكون حاضر الذهن، مقبلاً على الله يناجي ربه، وهذا من أسباب المغفرة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم قراءة المحدث حدثا أصغر للقرآن ومسه

حكم قراءة المحدث حدثاً أصغر للقرآن ومسه Q هل للمحدث حدثاً أصغر أن يقرأ القرآن وأن يمسه؟ A للمحدث حدثاً أصغر أن يقرأ القرآن غيباً بدون وضوء، وأما الجنب فلا يجوز له ذلك على الصحيح؛ لحديث: (فأما الجنب فلا ولا آية). وليس للمحدث أن يمس المصحف بدون وضوء؛ لما ثبت في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمرو بن حزم: (وألا يمس القرآن إلا طاهر)، وقد أخذ به الأئمة الأربعة.

كتاب الطهارة [9]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [9] بينت السنة المطهرة ما ينقض الوضوء من نوم وغائط وبول، وخروج مذي وودي وغيرها، كما تطرقت إلى ذكر حكم الوضوء من لمس المرأة وأكل ما مست النار وغير ذلك من الأحكام الفرعية.

ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

شرح حديث علي: (كنت رجلا مذاء)

شرح حديث علي: (كنت رجلاً مذاءً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي. أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن قال: قال علي: (كنت رجلاً مذاء، وكانت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي فاستحييت أن أسأله، فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فسأله، فقال: فيه الوضوء)]. هذه الترجمة عقدها المصنف رحمه الله لبيان ما ينقض الوضوء من المذي، والمذي: ماء لزج يخرج على طرف الذكر عند إحداث الشهوة، بخلاف المني، فإنه ماء أبيض يخرج دفقاً بلذة، وهو أصل الإنسان، وبخلاف الودي، فإنه ماء نجس يخرج بعد البول، والمذي دل هذا الحديث على أنه يجب الوضوء من المذي، وهو نجس، ولكن نجاسته مخففة كما سيأتي، حيث يكفي فيه النضح، كما في الحديث الآخر: (انضح فرجك) ويُغسل منه الذكر والأنثيان، وكأن الحكمة -والله أعلم- تقلص الخارج، ولا سيما إذا كان الماء بارداً، بخلاف البول، فإنه يغسل طرف الذكر فقط، ولا يغسل الخصيتين أما المذي فإنه يغسل الذكر كاملاً والخصيتين، ويغسل ما أصابه، يكفي فيه النضح من دون فرك. وقوله: [كنت رجلاً مذاءً] أي: كثير المذي، وهي صفة مبالغة. أما قول المصنف في الترجمة: [باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي] فظاهره أن هناك من المذي ما لا ينقض الوضوء، والصحيح أن المذي كله ينقض الوضوء، إلا إذا أراد أنه إذا لم يخرج شيء عند الملاعبة، فإن لم يخرج شيء عند الملاعبة فليس عليه وضوء.

إسناد آخر لحديث علي: (كنت رجلا مذاء)

إسناد آخر لحديث علي: (كنت رجلاً مذاءً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن علي قال: قلت للمقداد: (إذا بنى الرجل بأهله فأمذى ولم يجامع، فسل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ فإني أستحي أن أسأله عن ذلك وابنته تحتي. فسأله فقال: يغسل مذاكيره، ويتوضأ وضوءه للصلاة)]. قوله: (يغسل مذاكيره ويتوضأ) أي: يغسل ذكره، وقد يقال: إن مذاكيره هي الذكر والخصيتان، كما في الحديث الآخر: (اغسل ذكرك وأنثييك). ويتعلق بخروج المذي مسألة مهمة وهي: حكم الصوم حال نزوله، وقد اختلف العلماء في ذلك، فالحنابلة وجماعة يقولون: يبطل الصوم. والقول الثاني أنه لا يبطل الصوم إلا خروج المني. فالحنابلة قالوا: من أكل أو شرب أو استعطى أو استمنى فأمنى أو أمذى فسد صومه. فالمسألة فيها خلاف، فإذا قضى احتياطاً فذلك أولى إذا كان متعمداً، وأما إذا كان خروج المذي من دون اختياره كأن فكر ثم أمذى فصومه صحيح، لكن إذا استمذى -أي: استدعى خروج المذي- بأن عالج نفسه بأن تذكر الجماع، أو باشر زوجته متعمداً، أو لاعبها فأمذى، فهذا فيه خلاف.

إسناد آحر لحديث علي: (كنت رجلا مذاء)

إسناد آحر لحديث علي: (كنت رجلاً مذاءً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائش بن أنس أن علياً قال: (كنت رجلاً مذاء، فأمرت عمار بن ياسر يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ابنته عندي، فقال: يكفي من ذلك الوضوء)]. هذا الحديث فيه أن المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، بخلاف المني فإنه يوجب الغسل. كما أن المذي نجس ونجاسته مخففة، حيث يكفي فيها النضخ مثل بول الصبي الذي لم يأكل الطعام.

أسانيد أخرى لحديث علي في المذي

أسانيد أخرى لحديث علي في المذي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عثمان بن عبد الله قال: أخبرنا أمية قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا روح بن القاسم عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن إياس بن خليفة عن رافع بن خديج رضي الله عنه: (أن علياً أمر عماراً أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال: يغسل مذاكيره ويتوضأ). أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي عن مالك -وهو ابن أنس - عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود: (أن علياً أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، ويتوضأ وضوءه للصلاة). أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني سليمان قال: سمعت منذراً عن محمد بن علي عن علي قال: (استحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال فيه الوضوء)]. وفي بعض روايات هذا الحديث أن علياً أمر المقداد أن يسأل، وفي بعضها أنه أمر عمار بن ياسر، قال السندي: لا منافاة بين الروايتين؛ لجواز أمره كلاً من عمار والمقداد. أي: أنه يحتمل أنه أمر هذا وأمر هذا، خشية أن ينسى أحدهما.

الوضوء من الغائط والبول

الوضوء من الغائط والبول

شرح حديث صفوان بن عسال في المسح على الخفين من الغائط والبول والنوم

شرح حديث صفوان بن عسال في المسح على الخفين من الغائط والبول والنوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الغائط والبول. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: أنبأنا خالد قال: حدثنا شعبة عن عاصم أنه سمع زر بن حبيش يحدث قال: (أتيت رجلاً يدعى صفوان بن عسال فقعدت على بابه، فخرج فقال: ما شأنك؟ قلت: أطلب العلم. قال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب. فقال: عن أي شيء تسأل؟ قلت: عن الخفين. قال: كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)]. هذا الحديث فيه أن زر بن حبيش حرص على طلب العلم، وكان من التابعين، فجلس على باب صفوان بن عسال الصحابي الجليل، فلما خرج قال: ما جاء بك؟ قال: جئت أطلب العلم، فقال صفوان: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب. وهذا له حكم الرفع؛ لأن هذا لا يمكن أن يقوله صفوان رضي الله عنه من عند نفسه. والقاعدة أن الصحابي إذا قال قولاً لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع، وإذا كان لا يأخذ عن بني إسرائيل، وصفوان ليس معروفاً بالأخذ عن بني إسرائيل، فيحمل على أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يطلب)، وأبلغ من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) رواه مسلم في صحيحه. وهذا فيه فضل العلم، فـ زر بن حبيش جلس عند باب صفوان حتى يخرج ليسأله، ويعتبر هذا من العلم، لأن العلم يؤخذ من أفواه العلماء عن طريق السؤال كذلك، فإذا سألت أحد العلماء ثم أفتاك فهذا علم، أو قرأت في كتاب من الكتب المعتبرة واستفدت فهذا من العلم، أو حضرت الدرس وسمعت فهذا من العلم. قوله: [فقال: عن أي شيء تسأل؟ قلت: عن الخفين. قال: كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم]. هذا فيه وجوب الوضوء من الغائط والبول والنوم، وفيه مشروعية المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وأنه يمسح على الخفين من البول والغائط والنوم، وأنه يجب خلع الخفين للجنابة، فهذه الأحكام الثلاثة كلها مأخوذة من الحديث. فالحديث فيه ما ترجم له المؤلف من الوضوء من الغائط والبول، وكذا النوم يوجب الوضوء، وفيه أن البول والغائط والنوم كل ذلك لا يوجب الغسل، وفيه مشروعية المسح على الخفين، وأن المسافر يمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، وأما المقيم فيمسح يوماً وليلة، كما في حديث علي: (للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة). وفيه أن الخفين يجب خلعهما من الجنابة ولا يجوز المسح عليهما؛ لأن الجنابة يجب فيها تعميم البدن بالغسل.

الوضوء من الغائط

الوضوء من الغائط

إسناد آخر لحديث صفوان في المسح على الخفين من الغائط والبول والنوم

إسناد آخر لحديث صفوان في المسح على الخفين من الغائط والبول والنوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الغائط. أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود قالا: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا شعبة عن عاصم عن زر قال: قال صفوان بن عسال: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)]. هذه الترجمة ذكرها المؤلف رحمه الله لمزيد الفائدة، وإلا فالحكم مأخوذ من الحديث الأول والترجمة الأولى. وما دل عليه الحديث قد دل عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]. والمعنى: إذا وجدتم الماء فتوضئوا بالماء، فدل على أن الغائط يجب منه الوضوء، ودل على ذلك أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وفي الحديث الآخر: (لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور).

الوضوء من الريح

الوضوء من الريح

حديث: (لا ينصرف حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا)

حديث: (لا ينصرف حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الريح. أخبرنا قتيبة عن سفيان عن الزهري. ح: وأخبرني محمد بن منصور عن سفيان قال: حدثنا الزهري قال: أخبرنا سعيد -يعني ابن المسيب - وعباد بن تميم عن عمه -وهو عبد الله بن زيد - قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً)]. هذا الحديث أخذ منه أهل العلم قاعدة شرعية تبنى عليها الأحكام وهي: أن اليقين لا يزول بالشك، وأنه يجب البقاء على اليقين وعلى الأصل حتى يأتي يقين آخر يدفع هذا اليقين، فاليقين لا يزول بالشك، وهذه قاعدة من قواعد الفقه العظيمة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما شكي إليه الرجل يجد في بطنه شيئاً -وفي اللفظ الآخر: يجد في بطنه قرقرة- قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، والصوت: الضراط، والريح: الفساء، كما فسره أبو هريرة رضي الله عنه لما روى حديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط. فالريح يوجب الوضوء، فإن كان له صوت فهو الضراط، وإن لم يكن له صوت فهو فساء. وفيه دليل على ما ترجم له المؤلف رحمه الله وهو أنه يجب الوضوء من الريح، وإذا وجب الوضوء من الريح وجب الوضوء من البول والغائط من باب أولى؛ لأنه إذا وجب الوضوء من الأخف وجب الوضوء من الأشد. وفيه أن اليقين لا يزول بالشك، ولهذا قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً) وهذا هو اليقين، وأما الشك فلا يعمل به.

الوضوء من النوم

الوضوء من النوم

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء)

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من النوم. أخبرنا إسماعيل بن مسعود وحميد بن مسعدة قالا: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات؛ فإنه لا يدري أين باتت يده)]. هذا الحديث فيه مشروعية غسل اليدين ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء إذا استيقظ من نوم الليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه لا يدري أين باتت يده)، والبيوتة إنما تكون في نوم الليل. وهذا النهي عند الجمهور محمول على كراهة التنزيه، وقال فريق من أهل العلم: إن هذا النهي للتحريم، وهو قول قوي؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب، والأصل في النواهي أنها للتحريم. وهذا الحديث ليس بواضح في الوضوء من النوم، وإنما يدل عليه حديث: (ولكن من غائط وبول ونوم). ثم إن النوم الذي يجب منه الوضوء لابد فيه من أن يكون نوماً يزول معه الشعور، وأما خفقان الرأس والنعاس الذي يشعر معه المرء بمن حوله فهذا لا يوجب الوضوء على الصحيح، والمسألة فيها خلاف يصل إلى ثمانية أو عشرة أقوال لأهل العلم، لكن ما ذكرته هو الصواب؛ لأنه ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا ينتظرون صلاة العشاء وتخفق رءوسهم فيصلون ولا يتوضئون، وفي رواية: (كانوا ينامون) أي: ينعسون.

ما يفعله الناعس في صلاته

ما يفعله الناعس في صلاته

شرح حديث: (إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف)

شرح حديث: (إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: النعاس. أخبرنا بشر بن هلال قال: حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف؛ لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري)]. هذا في صلاة الليل، فإذا نعس الإنسان وهو في الصلاة فلينصرف وإن كان قد سلم فعليه أن يذهب لينام. وفي لفظ: (فلينم)، فيقضي نهمته من النوم حتى يأتي الصلاة بنشاط، فإنه إذا صلى مع النعاس ربما دعا على نفسه بسبب النعاس. وأما الفرائض فلا، وعليه أن يعالج نفسه وينظر في الأسباب التي تسبب النعاس، فينام مبكراً قبل صلاة الفجر، وليس له أن يؤخر الصلاة عن وقتها.

الوضوء من مس الذكر

الوضوء من مس الذكر

شرح حديث: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)

شرح حديث: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من مس الذكر. أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك. ح: والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم قالا: حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: (دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان: من مس الذكر الوضوء. فقال عروة: ما علمت ذلك. فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ). أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة قال: حدثنا عثمان بن سعيد عن شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك، وقلت: لا وضوء على من مسه. فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما يتوضأ منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويتوضأ من مس الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلاً من حرسه فأرسله إلى بسرة. هذا الحديث هو حديث بسرة بنت صفوان، وقد احتج به جمع من أهل العلم على وجوب الوضوء من مس الذكر إذا أفضى إليه بيده ليس بينهما حائل، وأما إذا كان هناك حائل فلا، كأن يمسه من وراء قفاز أو من وراء الثوب، فلا حرج. وقيل: إن جملة (أفضى إليه) دليل على أنه لابد من أن يمس اللحم لحم، ويكون هذا ببطن الكف أو ظهرها بشرط أن يفضي إليه، أي: يمسه بدون حائل، فإذا كان المس من وراء قفاز أو من وراء ثوب فلا بأس، ولهذا قال: (إذا أفضى إليه)، وكذلك إذا مسه برجله أو بذراعه فلا بأس. فمن مس ذكره فليتوضأ، وفي اللفظ الآخر: (ويتوضأ من مس الذكر)، وهذا يشمل ذكره وذكر غيره. فالأم إذا غسلت طفلها ومست ذكره فإنها تتوضأ؛ لعموم هذا الحديث: (ويتوضأ من مس الذكر)؛ فهو عام في ذكر المرء وذكر غيره، لكن لابد من قيد آخر وهو: أن يفضي إليه، فإذا أفضى إلى الذكر ومسه فإنه يتوضأ، وأما إذا كان بينهما حائل من قفاز أو ثوب فلا، ولابد من أن يكون المس بظهر الكف أو بطنه، فإذا كان المس بالذراع أو بالرجل فلا.

ترك الوضوء من مس الذكر

ترك الوضوء من مس الذكر

شرح حديث طلق بن علي في عدم الوضوء من مس الذكر

شرح حديث طلق بن علي في عدم الوضوء من مس الذكر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء من ذلك. أخبرنا هناد عن ملازم بن عمرو قال: حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه قال: (خرجنا وفداً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة؟ قال: وهل هو إلا مضغة منك، أو بضعة منك!)]. هذا حديث طلق بن علي استدل به بعض العلماء على أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر، وذلك أن الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة؟ قال: (وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك!) يعني: قطعة منك. يعني: هو كما لو مسست فخذك أو رجلك أو قطعة منك. وقد اختلف العلماء في الجمع بينه وبين حديث بسرة بنت صفوان السابق، فذهب قوم إلى أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر؛ أخذاً بحديث طلق بن علي، ولأن حديث بسرة بنت صفوان يوجب الشك، ولا يتوضأ من أجل الشك، وحديث طلق بن علي مبق على الأصل، فلا يتوضأ بالشك، وعمل النسائي رحمه الله يفيد هذا؛ لأنه أتى بحديث طلق بعد حديث بسرة. ومن العلماء من جمع بينهما، ومن العلماء من ذهب إلى النسخ، وقال: إن حديث طلق بن علي منسوخ بحديث بسرة بنت صفوان: ولابد من معرفة التاريخ؛ إذ النسخ لابد له من معرفة التاريخ، والتاريخ هنا معروف، فإن حديث طلق بن علي كان قديماً، حيث جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده في الصلاة الأولى، وأما حديث بسرة بنت صفوان فهو متأخر، فيكون ناسخاً لحديث طلق بن علي. وذهب آخرون إلى الترجيح، فقالوا: حديث بسرة أرجح وأصح؛ لأنه أصح سنداً من حديث طلق بن علي، ولهذا قال البخاري رحمه الله: إن حديث بسرة أصح شيء في هذا الباب. قالوا: ويؤيد هذا أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق على الأصل، والشريعة ناقلة وليست مبقية على الأصل، فدل على أن حديث بسرة هو المعول عليه، وهذا هو الصواب. فالصواب العمل بحديث بسرة، سواء أقلنا: إن حديث طلق منسوخ، أم قلنا: إن حديث بسرة أرجح، فهو أصح سنداً، وإذا قيل بالنسخ فإن حديث طلق بن علي معروف أنه متقدم؛ لأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده، وحديث بسرة متأخر، والمتأخر لا يصح نسخه. وذهب بعض العلماء إلى أن الوضوء من مس الذكر مستحب وليس بواجب، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه، ولكن الصواب العمل بحديث بسرة؛ فهو أصح سنداً، وإذا قيل بالنسخ فالعمدة على حديث بسرة على الصواب لأنه متأخر، فيجب الوضوء من مس الذكر مطلقاً، سواء مس ذكره؛ لما ورد في اللفظ الأول: (من مس ذكره فليتوضأ)، أو مس ذكر غيره؛ للفظ الآخر: (من مس الذكر فليتوضأ)، لكن بشرط أن يفضي إليه بدون حائل، وبشرط أن يكون المس بظاهر الكف أو باطنه.

ترك الوضوء من مس الرجل امرأته بغير شهوة

ترك الوضوء من مس الرجل امرأته بغير شهوة

شرح حديث عائشة: (إن كان رسول الله ليصلي وإني لمعترضة بين يديه)

شرح حديث عائشة: (إن كان رسول الله ليصلي وإني لمعترضة بين يديه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة. أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث قال: أخبرنا ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله)]. قولها: (مسني برجله) احتج به المؤلف على أن مس الرجل امرأته من غير شهوة لا ينقض الوضوء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى وأراد أن يوتر مسها برجله، فدل على أن مس الرجل امرأته من غير شهوة لا ينقض الوضوء. وفيه دليل على أنه لا بأس أن يصلي الإنسان إلى نائم وهو معترض بين يديه، سواء أكان رجلاً أم امرأة، ولا يعتبر هذا مروراً، وإنما الممنوع المرور: أن تمر المرأة من هذا الجانب إلى هذا الجانب، وأما كونها معترضة فلا يضر، ولا يعتبر مروراً.

إسناد آخر لحديث عائشة: (إن كان رسول الله ليصلي وإني لمعترضة بين يديه)

إسناد آخر لحديث عائشة: (إن كان رسول الله ليصلي وإني لمعترضة بين يديه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة قالت: (لقد رأيتموني معترضة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي ثم يسجد)]. هذا الحديث يدل على أن الحجرة كانت صغيرة وليس فيها نور، وقد جاء في اللفظ الآخر عن عائشة: (والبيوت يؤمئذ ليس فيها مصابيح) والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ قراءة طويلة في الليل، فقد يقرأ جزءاً أو جزأين أو ثلاثة وهو واقف، ثم يركع ركوعاً طويلاً، فإذا أراد أن يسجد يكون قد مضى عليه ساعة أو ساعتين، فإذا سجد غمز رجلها فكفت رجلها، فإذا قام مدت رجلها.

إسناد آخر لحديث عائشة: (إن كان رسول الله ليصلي وإني لمعترضة بين يديه)

إسناد آخر لحديث عائشة: (إن كان رسول الله ليصلي وإني لمعترضة بين يديه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح)]. أي: لم يكن في البيوت نور، والحجرة صغيرة، ولو كانت كبيرة لنامت في مكان بعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث عائشة في وقوع يدها على قدم رسول الله وهي تتحسسه

شرح حديث عائشة في وقوع يدها على قدم رسول الله وهي تتحسسه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ونصير بن الفرج -واللفظ له- قالا: حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فجعلت أطلبه بيدي، فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد يقول: أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)]. هذا فيه أن يدها وقعت على قدميه، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسها، بل هي التي مسته، وفيه أنه وقعت يدها على رجليه وهما منصوبتان، وقد أشكل هذا على بعض الناس، فقال: هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يفرج بين رجليه في السجود، بل يلصقهما. وهذا ليس بلازم؛ لجواز أن تكون مرت بيدها على رجل ثم مرت بها على رجل أخرى وإن كان بينهما فرجة، ولا يلزم أن تكون رجلاه ملتصقتين. وهذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله بوب فيها بترك الوضوء من مس المرأة بغير شهوة، واحتج بهذه الأحاديث، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم غمزها وهو يصلي، والمصلي يبعد أن يكون عنده شهوة, ولهذا ذهب الحنابلة وغيرهم إلى أن مس المرأة بدون شهوة لا ينقض الوضوء فإن كان بشهوة فإنه ينقض الوضوء. وذهب بعض العلماء إلى أن مس المرأة ينقض الوضوء، سواء وقع بشهوة أو بغير شهوة وهذا مذهب الشافعية، وفيه حرج ومشقة، حتى قال بعض الشافعية المتأخرين: إن الإنسان إذا توضأ وأراد أن يطوف بالمسجد الحرام فإن عليه أن يحرص على ألا يمس امرأة. وكيف يحرص وهو لا يستطيع، لا سيما في الزحام في الموسم، والنساء عند الأبواب وفي المطاف، فإذا مس يد امرأة رجع ليتوضأ، فإذا توضأ لابد من أن تمس يده امرأة عند الباب أو في الطريق، أو في المطاف، فيرجع، وهكذا، وهذا حرج لا تأمر بها الشريعة. وذهب آخرون -وهو قول ثابت لفريق من أهل العلم- إلى أن مس المرأة لا ينقض الوضوء بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء، كما إذا خرج منه مذي، فإذا وقع ذلك انتقض الوضوء لخروج المذي، وأما إذا لم يخرج منه مذي فإنه لا ينتقض وضوؤه، وهذا هو الصواب، فالصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً بشهوة أو بغير الشهوة، إلا إذا خرج منه المذي، وأما قول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43] فالمراد بالملامسة الجماع؛ لأن الله تعالى ذكر في آية الوضوء الحدث الأكبر والحدث الأصغر، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]، ثم ذكر التيمم من الحدث الأصغر والتيمم من الحدث الأكبر، فقال: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، فذكر الحدثين الأصغر والأكبر، فقوله تعالى: (أو لامستم) هذا في الحدث الأكبر، وقوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط) هذا في الحدث الأصغر. ويدل على أن مس المرأة لا ينقض ولو بشهوة حديث الباب الذي بعد هذا، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ، ومعلوم أن القبلة تكون فيها الشهوة، فما قبل إلا من شهوة.

ترك الوضوء من القبلة

ترك الوضوء من القبلة

شرح حديث: (كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ)

شرح حديث: (كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء من القبلة. أخبرنا محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد عن سفيان قال: أخبرني أبو روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ). قال أبو عبد الرحمن: ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلاً، وقد روى هذا الحديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة. قال يحيى القطان: حديث حبيب عن عروة عن عائشة هذا، وحديث حبيب عن عروة عن عائشة: تصلي وإن قطر الدم على الحصير لا شيء] هذا الحديث دليل على أن القبلة لا تنقض الوضوء وإن كانت بشهوة، وهذا يؤيد المذهب الصحيح، وهو أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً بشهوة وبغير شهوة إلا إذا خرج منه شيء، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ولا يتوضأ، وكذلك كان يقبل وهو صائم عليه الصلاة والسلام، قالت عائشة: (وكان أملككم لإربه)، والحديث -وإن كان مرسلاً كما قال المؤلف؛ لأنه من لفظ إبراهيم التيمي عن عائشة، وهو لم يسمع من عائشة - فقد روي موصولاً عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، رواه الدارقطني وغيره عن إبراهيم التيمي عن أبيه، وهو حجة في أن القبلة لا تنقض الوضوء للمتوضئ، كما أنها لا تبطل الصوم أيضاً إلا إذا خرج منه شيء. قوله: [قال يحيى القطان رحمه الله: حديث حبيب عن عروة عن عائشة هذا، وحديث حبيب عن عروة عن عائشة: تصلي وإن قطر الدم على الحصير لا شيء]. يعني: ليس بثابت. وقال للسندي بيان لقول النسائي: [وإن كان مرسلاً]: قوله: وإن كان مرسلاً، أي: لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة كما قاله أبو داود، قلت: والمرسل حجة عندنا وعند الجمهور، وقد جاء موصولاً عن إبراهيم عن أبيه عن عائشة، ذكره الدارقطني، وبالجملة فقد رواه البزار بإسناد حسَّنه]. هذا كلام السندي، والمعروف أن المرسل ضعيف ليس بحجة إذا كان وحده، إلا إذا جاء مرسل آخر يعضده، وذهب جماعة إلى الاحتجاج بالمرسل، والجمهور على أنه ضعيف؛ لأنه منقطع، إلا إذا جاء موصولاً، أو جاء مرسل آخر يعضده، بحيث يقوي أحدهما الآخر. وأما قوله: [وبالجملة فقد رواه البزار بإسناد حسنه] فإنه يدل على أن الحديث متصل.

الوضوء مما غيرت النار

الوضوء مما غيرت النار

شرح الأحاديث الواردة في الوضوء مما مست النار

شرح الأحاديث الواردة في الوضوء مما مست النار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء مما غيرت النار. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا إسماعيل وعبد الرزاق قالا: حدثنا معمر عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار). حدثنا هشام بن عبد الملك قال: حدثنا محمد -يعني ابن حرب - قال: حدثني الزبيدي عن الزهري أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عبد الله بن قارظ أخبره أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار). أخبرنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا إسحاق بن بكر -وهو ابن مضر - قال: حدثني أبي عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن محمد بن مسلم عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ قال: (رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يتوضأ على ظهر المسجد، فقال: أكلت أثوار أقط فتوضأت منها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما مست النار). أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي عن حسين المعلم قال: حدثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أنه سمع المطلب بن عبد الله بن حنطب يقول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أتوضأ من طعام أجده في كتاب الله حلالاً لأن النار مسته؟! فجمع أبو هريرة حصى فقال: أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا مما مست النار). أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمرو عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار). أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا: أنبأنا ابن أبي عدي عن شعبة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمرو قال محمد القاري عن أبي أيوب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (توضئوا مما غيرت النار). أخبرنا عبيد الله بن سعيد وهارون بن عبد الله قالا: حدثنا حرمي -وهو ابن عمارة بن أبي حفصة - قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت يحيى بن جعدة يحدث عن عبد الله بن عمرو القاري عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما غيرت النار). أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا حرمي بن عمارة قال: حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص عن ابن شهاب عن ابن أبي طلحة عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما أنضجت النار). أخبرنا هشام بن عبد الملك قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الزبيدي قال: أخبرني الزهري أن عبد الملك بن أبي بكر أخبره أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره أن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار). أخبرنا هشام بن عبد الملك قال: حدثنا ابن حرب قال: حدثنا الزبيدي عن الزهري أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس بن شريق أنه أخبره أنه دخل على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته، فسقته سويقاً، ثم قالت له: توضأ يا ابن أختي؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار). أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود قال: حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر قال: حدثني بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن محمد بن مسلم بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت له وشرب سويقاً: يا ابن أختي! توضأ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار)]. هذه الأحاديث فيها دليل على الوضوء مما مست النار، والمؤلف رحمه الله كان عنده نشاط، حيث أتى بهذه الطرق المتعددة على طريقة الإمام مسلم رحمه الله، كما أنه يعدد التراجم على طريقة البخاري، فاستفاد من طريقة البخاري واستفاد من طريقة مسلم، حيث يعدد الطرق على طريقة مسلم، ويكثر من التراجم على طريقة البخاري رحمهم الله تعالى. وهذه الأحاديث فيها الأمر بالوضوء مما مست النار، وهذا كان في أول الإسلام، حيث كانوا مأمورين بالوضوء مما مست النار، ثم بعد ذلك نسخ هذا الأمر، فإما أنه نسخ بالمرة، وإما أنه نسخ الوجوب وبقي الاستحباب. وسيذكر المؤلف الأحاديث الناسخة أو الأحاديث التي رفعت الوجوب في الباب الذي بعده، ومن ذلك حديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، ومن ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف الشاة ثم دعي إلى الصلاة فقام ولم يتوضأ). وكانوا في أول الإسلام يتوضئون مما مست النار، ولذلك أكل أبو هريرة الأثوار من الأقط؛ لأنه يجعل في النار فيكون قطعاً، ثم توضأ منه. وكذلك أم حبيبة أمرت من أكل سويقاً أن يتوضأ، والسويق هو حب الحنطة الملتوت، فكل ما مست النار يتوضأ منه، وكان هذا واجباً في أول الإسلام، ثم نسخ الوجوب، وبقي الاستحباب عند جمع من أهل العلم. وقال آخرون: لا يستحب الوضوء من ذلك. والصحيح أن الاستحباب باقٍ، فيستحب للإنسان أن يتوضأ، ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت. ولما سئل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم) فقوله: (إن شئت) يدل على أنه لا بأس بالوضوء، لكنه ليس بالواجب إلا من لحم الإبل، فلحم الإبل يجب الوضوء منه، سواء أكل نيئاً أو مطبوخاً؛ للأحاديث الصريحة في هذا، كحديث جابر وحديث سمرة: (توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضئوا من لحوم الغنم). ولما سئل صلى الله عليه وسلم: (أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم)، فلحم الإبل يجب الوضوء من أكله سواء أكان نيئاً أم مطبوخاً، أما ما عداه فإنه لا يجب الوضوء منه ولكن يستحب، فإذا أكل شيئاً مطبوخاً استحب له أن يتوضأ، وإذا توضأ فلا حرج. وقال قوم: إن الوضوء قد نسخ، ولا يستحب بعد ذلك. وليعلم أنه لا يجب الوضوء إلا من لحم الإبل، وأما المرق واللبن فلا يجب الوضوء منه، فإذا شرب المرء مرقاً من لحم الإبل أو شرب لبناً من لبن الإبل فإنه لا يجب عليه الوضوء.

ترك الوضوء مما غيرت النار

ترك الوضوء مما غيرت النار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء مما غيرت النار]. هذه الترجمة يذكر فيها المؤلف رحمه الله الأحاديث الناسخة، وهذه الترجمة أدق من ترجمته في السنن الكبرى، ففي السنن الكبرى بوب فقال: [باب نسخ ذلك]. وأما هذه الترجمة فواسعة تشمل النسخ، وتشمل نسخ الوجوب مع بقاء الاستحباب.

شرح حديث صلاة رسول الله بعد أكله كتفا دون أن يمس ماء

شرح حديث صلاة رسول الله بعد أكله كتفاً دون أن يمس ماءً أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً فجاءه بلال فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماءً)]. وهذا الحديث يدل على أن الوضوء مما مسته النار منسوخ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة مطبوخ مسته النار ولم يتوضأ، وفي لفظ آخر: (أنه كان يحتز من كتف شاة، فدعي للصلاة فترك السكين وقام ولم يتوضأ)، فدل على أنه لا يجب الوضوء، لكن إن توضأ فهو أفضل.

شرح حديث أم سلمة في أكل رسول الله جنبا مشويا وقيامه إلى الصلاة دون وضوء منه

شرح حديث أم سلمة في أكل رسول الله جنباً مشوياً وقيامه إلى الصلاة دون وضوء منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: أنبأنا ابن جريج عن محمد بن يوسف عن سليمان بن يسار قال: دخلت على أم سلمة فحدثتني: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم)، وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته: (أنها قربت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جنباً مشوياً، فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)]. وهذا فيه دليل على أن الإنسان إذا أصبح جنباً فإن صومه صحيح، وذلك كأن يكون عليه جنابة ثم يستفيق في آخر الليل ولا يتسع الوقت للغسل والسحور، فيبدأ بالسحور فيأكل ويشرب، ثم يغتسل ولو بعد طلوع الفجر ولو بعد الأذان، لكن عليه أن يبادر حتى يدرك الصلاة. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم. وكذلك المرأة الحائض أو النفساء إذا طهرت في آخر الليل تبدأ بالسحور وتأكل وتشرب، ثم تغتسل ولو بعد الأذان، وصومها صحيح. وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وسلم أكل جنباً مشوياً في نار، ومع ذلك قام إلى الصلاة ولم يتوضأ، وهو عليه السلام مشرَّع، فدل على أن الأمر بالوضوء مما مسته النار منسوخ.

شرح حديث ابن عباس في أكل رسول الله خبزا ولحما وقيامه إلى الصلاة دون وضوء منهما

شرح حديث ابن عباس في أكل رسول الله خبزاً ولحماً وقيامه إلى الصلاة دون وضوء منهما قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثني محمد بن يوسف عن ابن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)]. يعني: واللحم مسته النار، فدل على نسخ الأمر بالوضوء مما مسته النار.

شرح حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار)

شرح حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا علي بن عياش قال: حدثنا شعيب عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)]. وهذا نص صريح فيه أن أول الأمرين هو الوضوء ما مست النار، وآخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار.

المضمضة من السويق

المضمضة من السويق

شرح حديث سويد بن النعمان: (أنه خرج مع رسول الله عام خيبر)

شرح حديث سويد بن النعمان: (أنه خرج مع رسول الله عام خيبر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [المضمضة من السويق. أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار مولى بني حارثة أن سويد بن النعمان رضي الله عنه أخبره: (أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء - وهي من أدنى خيبر - صلى العصر، ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فتمضمض وتمضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ)]. السويق هو: حب الحنطة المحموص. وقوله: (ثري) يعني: بلّ بالماء، فأكلوا ولم يتوضئوا وإنما تمضمضوا، والمضمضمة مباحه لإزالة ما علق بالفم في الأسنان. وجاء في حديث آخر أنه قال: (إن له دسماً) فتمضمض من السويق لإزالة ما علق بالفم والأسنان، ولم يتوضأ عليه الصلاة والسلام مع أن السويق مسته النار، فدل هذا على نسخ الأمر بالوضوء مما مسته النار.

المضمضة من اللبن

المضمضة من اللبن

شرح حديث تمضمض رسول الله بعد شربه لبنا

شرح حديث تمضمض رسول الله بعد شربه لبناً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [المضمضة من اللبن. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناًَ ثم دعا بماء فتمضمض، ثم قال: إن له دسماً)]. هذه المضمضمة مباحة لإزالة الدسم.

كتاب الطهارة [10]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [10] موجبات الغسل كثيرة، منها ما يشترك فيها الرجال والنساء مثل التقاء الختانين وإنزال المني وكذلك غسل الكافر إذا أسلم على القول بوجوبه، وجمهور العلماء على استحبابه.

ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، غسل الكافر إذا أسلم

ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، غسل الكافر إذا أسلم

شرح حديث قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر

شرح حديث قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، غسل الكافر إذا أسلم. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن الأغر - وهو ابن الصباح - عن خليفة بن حصين عن قيس بن عاصم رضي الله عنه: (أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر)]. هذا الحديث فيه اغتسال الكافر، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يغتسل، وقد اختلف العلماء في حكم غسل الكافر هل هو واجب أو مستحب، فالجمهور على أنه مستحب. وفي هذا الحديث أنه أمره النبي أن يغتسل، لكن صرف الأمر عن الوجوب أنه أسلم يوم فتح مكة جمع غفير، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل، فدل على أن هذا الغسل مستحب. وذهب أحمد وجماعة على أنه للوجوب. وسواء تقدم الغسل على الإسلام أو تأخر، فقد جاء هذا وهذا، يعني: أنه إذا أسلم يغتسل، أو يغتسل ثم يسلم، وجاء في اللفظ الآخر: (ألق عنك شعر الكفر وأسلم)، وفي هذا استحباب حلق الشعر.

تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

شرح حديث قصة إسلام ثمامة بن أثال

شرح حديث قصة إسلام ثمامة بن أثال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (إن ثمامة بن أثال الحنفي انطلق إلى نجل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، يا محمد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر. مختصر)]. هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه، وهو حديث ثمامة بن أثال وكان سيد بني حنيفة، أراد أن يذهب ليعتمر وهو على شركه وعلى طريقة المشركين، فأخذه فرسان النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءوا به إلى المدينة، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فربط في سارية من سواري المسجد ثلاثة أيام؛ وإنما ربط لأجل أن يرى المسلمين ويشاهد الصلاة، ويشاهد المسلمين عند دخولهم وخروجهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم يمر عليه -كما في صحيح البخاري - يقول: (ما عندك يا ثمامة؟! فقال: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فاسأل ما بدا لك). يعني: إن أنعمت علي فأنا شاكر أقدر المعروف، وإن تقتل تقتل رجلاً عظيماً له مكانته في مجتمعه، وإن كنت تريد المال فاسأل ما بدا لك. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتركه، ثم يأتيه من الغد فيقول مثل ذلك: (ما عندك يا ثمامة؟ فيقول: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فاسأل ما بدا لك، ثم تركه، وجاءه في اليوم الثالث فقال مثل ذلك). فتوسم فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه رغب في الإسلام، فقال: (أطلقوا ثمامة، فأطلقوه، فذهب إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله). وهذا الحديث فيه أنه اغتسل هو، وأنه لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال فاغتسل قبل أن يسلم، ثم قال: (يا رسول الله! ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك - يعني: قبل أن يسلم - فوجهك الآن أحب الوجوه إلي). وفي صحيح البخاري زيادة: (وما كان دين على وجه الأرض أبغض إلي من دينك، فالآن دينك أحب الأديان إلي، وما كان بلد أبغض إلي من بلدك، فبلدك الآن أحب البلاد إلي). فانظر إلى الإسلام كيف غيره في ساعة واحدة، وكيف غير وجهه وغير ما في قلبه في لحظة وفي ساعة واحدة، فقد كان أبغض الوجوه إليه وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فصار أحب الوجوه إليه، وكانت أبغض البلاد إليه بلد النبي صلى الله عليه وسلم، فصارت أحب البلاد إليه، وكان أبغض الأديان إليه دين الإسلام فصار أحب الأديان إليه. قوله: (فانطلق إلى نجل) روي بالجيم ورواية بالخاء، والنجل هو: الماء الجاري القليل. (ثم قال: يا رسول الله! إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر). وهذا فيه دليل على أن الكافر إذا أسلم ونوى شيئاً من الخير عليه أن ينفذه. ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) فوفى بنذره الذي كان قد نذره في الجاهلية. وفي البخاري أن ثمامة بن أثال لما ذهب إلى مكة قالوا له: صبوت يا ثمامة! خرجت من دينك، وجعلوا يذمونه، فقال: لا، بل أسلمت لله رب العالمين، والله لا تأتينكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا حصار اقتصادي؛ لأن أهل مكة ليس عندهم حبوب ولا أرض يزرعون فيها، وإنما عندهم جبال تحيط بهم، فقال لهم: إذا أنتم تسبونه وتعيبونه فلن تأتيكم حبوب إلا إذا أذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم. والشاهد من الحديث: أنه اغتسل قبل أن يسلم. وفي الحديث الآخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يغتسل)، وأما هنا ففيه أنه اغتسل بدون أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره، وفيه أنه اغتسل قبل أن يسلم. وهذا يدل على أن الغسل ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لقال له: اغتسل، لكن ليس فيه أن النبي عارض ذلك، وليس فيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني سأسلم، بل هو من نفسه ذهب واغتسل ثم جاء وتشهد شهادة الحق، وشهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة. والنبي صلى الله عليه وسلم ربطه ثلاثة أيام في المدينة، وهذا ممنوع في مكة، وهذا من المفارقات بين مكة والمدينة، فمكة لا يدخلها كافر، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28]. وأما في المدينة فقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال، وجاءت الوفود أيضاً في سنة الوفود، وكان الوفود كلهم كفاراً، ومع هذا جاءوا ودخلوا المدينة وأسلموا، وأيضاً نصارى نجران جاءوا المدينة ودخلوا المدينة، فمنع الكافر إنما هو خاص بمكة والمسجد الحرم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28].

الغسل من مواراة المشرك

الغسل من مواراة المشرك

شرح حديث علي (إن أبا طالب مات)

شرح حديث علي (إن أبا طالب مات) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الغسل من مواراة المشرك. أخبرنا محمد بن المثنى عن محمد حدثني شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا طالب مات، فقال: اذهب فواره، قال: إنه مات مشركاً، قال: اذهب فواره، فلما واريته رجعت إليه فقال لي: اغتسل)]. ابن إسحاق في السنن الكبرى عنعن، لكنه هنا صرح بالسماع، فزال ما يخشى من تدليسه. وهذا الحديث فيه دليل على مشروعية الاغتسال من مواراة المشرك ودفنه، فالمشرك يوارى، والمسلم يدفن على ما جاء به الشرع: يغسل ويصلى عليه ويدفن في اللحد. أما الكافر فإنه يحفر له حفرة ويوارى فيها؛ حتى لا يتأذى المسلمون برائحته ولا يتأذى به أهله برؤيته؛ لأن الكافر لا حرمة له، ولهذا قال: (إن أبا طالب مات مشركاً)، وفي اللفظ الآخر عند أبي داود: (إن عمك الشيخ الضال مات، قال: اذهب فواره). وقوله: (إن عمك الشيخ الضال مات) فيه دليل على أن أبا طالب مات على الشرك، وفيه الرد على الرافضة الذين يقولون بإسلامه، فإن الرافضة يقولون: إن أبا طالب مسلم، ويزورونه، فهم مثله، نسأل الله السلامة والعافية. ومما يؤيد أنه مات مشركاً ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر أبا طالب لما حضرته الوفاة، فقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، وعنده عبد الله بن المغيرة وأبو جهل، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله). والصحيح: أنه مات على الشرك، نسأل الله السلامة والعافية. ولله في ذلك الحكمة البالغة، ومن الحكم: أن يعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر، وأنه ليس بيده شيء من هداية القلوب، بل هداية القلوب بيد الله، ولو كان يستطيع أن يهدي أحداً لهدى عمه الذي يأويه وينصره، ولهذا صار يقال: النبي عليه الصلاة والسلام ما هدى عمه، كما أن إبراهيم ما هدى أباه، وكذلك نوح ما هدى ابنه، فالهداية بيد الله. وهذا الحديث فيه دليل على استحباب الغسل من مواراة المشرك ودفن المسلم، والحكمة في ذلك - والله أعلم - أن المسلم إذا دفن قريبه أو واراه إذا كان مشركاً يحصل له بعض الضعف؛ فشرع الغسل ليكون جبراً لما حصل له من الضعف؛ لأن الغسل يفيده النشاط وإزالة الضعف الذي حصل من مواراته لقريب مشرك، كما أنه يستحب الاغتسال من غسل الميت إذا غسله، وليس بواجب؛ لأنه إذا غسل ميتاً أو قلبه حصل له بعض الضعف، فشرع الغسل؛ ليفيده النشاط وليكون جبراً لهذا الضعف. وغسل الميت لا يوجب الوضوء، وليس من النواقض، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه من نواقض الوضوء. والصواب أن غسل الميت لا يوجب الوضوء؛ لأن الحديث ضعيف في هذا. وكذلك مس المرأة بشهوة الصواب أنه لا ينقض الوضوء، وهذه ذكرها الحنابلة في النواقض، فإنهم قالوا: نواقض الوضوء ثمانية، وذكروا منها: مس المرأة بشهوة، ومس الفرج باليد قبلاً كان أو دبراً، وهذا صحيح، وأما مس المرأة بشهوة فالصواب أنه لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه شيء، وكذلك غسل الميت لا ينقض الوضوء. والقيء إذا كان قليلاً يعفى عنه، أما إذا كان كثيراً فإنه ينبغي أن يتوضأ؛ لأن العلماء حكموا عليه بالنجاسة إذا كان كثيراً. وأما لحم الإبل فيجب الوضوء منه كله حتى ولو كان نيئاً غير مطبوخ، ولو لم تمسه النار، وهذا خاص بلحم الإبل. والأمر بالغسل من غسل الميت يدل على الاستحباب؛ لأنه وقعت قضايا أخرى وما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال، فيكون هذا صارفاً للأمر إلى الاستحباب.

وجوب الغسل إذا التقى الختانان

وجوب الغسل إذا التقى الختانان

شرح حديث: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم اجتهد)

شرح حديث: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم اجتهد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب وجوب الغسل إذا التقى الختانان. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت الحسن يحدث عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم اجتهد فقد وجب الغسل). أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني حدثني عبد الله بن يوسف حدثنا عيسى بن يونس حدثنا أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم اجتهد فقد وجب الغسل). قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب: أشعث عن الحسن عن أبي هريرة، وقد روى الحديث عن شعبة النضر بن شميل وغيره كما رواه خالد]. هذه الأحاديث دليل لما ترجم له المؤلف رحمه الله، وهو أن الغسل يجب من التقاء الختانين، فإذا التقى الختانان فإنه يجب الغسل، ففي صحيح مسلم: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل). وكان في أول الإسلام لا يجب الغسل إلا إذا أنزل، وإذا جامع ولم يمذ فإنه يغسل ذكره ويتوضأ، ثم نسخ ذلك واستقرت الشريعة على أن الغسل يجب من التقاء الختانين، فإذا غيب الحشفة في الفرج فإنه يجب الغسل، والحشفة هي: طرف الذكر، فإذا غيبها يجب الغسل ولو لم ينزل، وإذا أنزل فإنه يجب الغسل أيضاً بالإنزال حتى ولو بغير الجماع. وقوله: (وإذا جلس بين شعبها الأربع) يعني: شعب المرأة، وهي يداها ورجلاها أو فخذاها على خلاف بين العلماء، وذكر هذا فيه كناية عن الجماع. وقوله: (فقد وجب الغسل) في صحيح مسلم: (وإن لم ينزل) فدل على أن الغسل يجب بالتقاء الختانين، وقد يخفى هذا على بعض الناس، ومن العجائب أن بعض الناس يسأل ويقول: أظن أنه لا يجب الغسل إلا من الإنزال، ويجامع وإذا لم ينزل لا يغتسل، فهذا من العجائب! وقول المؤلف رحمه الله: (وهذا خطأ) يعني: أن السند الثاني خطأ، والصواب السند الأول، وأنه من رواية خالد عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقوله: عن الحسن عن أبي هريرة لعله سقطت كلمة (أبي رافع)؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة.

الغسل من المني

الغسل من المني

شرح حديث (إذا رأيت المني فاغسل ذكرك)

شرح حديث (إذا رأيت المني فاغسل ذكرك) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الغسل من المني. أخبرنا قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر واللفظ لـ قتيبة قالا: حدثنا عبيدة بن حميد عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاءً فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، وإذا فضخت الماء فاغتسل). أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: أنبأنا عبد الرحمن عن زائدة ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم واللفظ له حدثنا أبو الوليد حدثنا زائدة عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاءً فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا رأيت المذي فتوضأ واغسل ذكرك، وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل)]. الأحاديث الأولى فيها الغسل من الجماع ولو لم ينزل، وهذا فيه الغسل من المني، فإذا خرج المني دفقاً فإنه يوجب الغسل. والفضخ: هو خروج المني دفقاً بقوة، سواء كان في اليقظة أو في النوم، فإنه يوجب الغسل، أما إذا خرج بدون دفق فإنه لا يجب الغسل كما إذا خرج من المريض، فقد يصاب الإنسان بالمرض فيخرج منه المني مثل خروج البول، فقد يصاب بمرض يسمى الإبرة، فإذا خرج بدون دفق فلا يوجب الغسل، وإنما يوجب الوضوء، ويكون من جنس البول، ولهذا قال: (إذا فخضت) والفضخ: الخروج بقوة، سواء في اليقظة أو في النوم. والجماع وحده يوجب الغسل ولو لم ينزل، فإذا أنزل دفقاً بلذة في اليقظة أو في النوم وجب الغسل ولو بغير جماع. فالغسل له موجبات، ومن موجباته: الجماع، ومن موجباته: خروج المني دفقاً بلذة. وهذا الحديث فيه: أن المذي لا يوجب الغسل، وإنما يوجب غسل الذكر، ولذا قال: (واغسل ذكرك). وقول علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاءً) يعني: كثير المذي، وفي اللفظ الآخر قال: (فاستحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد فسأله، فقال: اغسل ذكرك وتوضأ) وفي اللفظ الآخر: (اغسل ذكرك وأنثييك) يعني: الخصيتين، وعلى هذا فيجب غسل الذكر والخصيتين. ولعل الحكمة في ذلك: أن يتقلص الخارج، وأما البول فإنه لا يغسل الذكر ولا الأنثيين، وإنما يغسل رأس الذكر مكان الخارج. والمذي لا يوجب الغسل، وإنما يوجب الوضوء، وأما خروج المني دفقة بلذة فإنه يوجب الغسل، سواء كان في اليقظة أو في النوم. فإذا خرج المني من دون احتلام بدون دفق فلا يوجب الغسل، كما يحصل عند الملاعبة أو عند التذكر، فقد يخرج منه المني بدون دفق ولذة فلا يجب الغسل، والاحتلام يوجب الغسل حتى ولو لم يذكر احتلاماً.

غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

شرح حديث سؤال أم سليم (رسول الله عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل)

شرح حديث سؤال أم سليم (رسول الله عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبدة حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، قال: إذا أنزلت الماء فلتغتسل)]. هذا فيه أن المرأة إذا رأت ما يرى الرجل فإنها تغتسل إذا خرج منها المني، فإذا رأت في النوم ما يرى الرجل من الاحتلام والجماع ثم خرج منها الماء ورأت الماء فأنه يجب عليها الغسل، كالرجل سواء بسواء؛ والنساء شقائق الرجال. أما إذا احتلم الإنسان ورأى أنه يجامع ولم يجد بللاً لا في ثيابه ولا في بدنه، فلا يجب عليه الغسل، كما سيأتي في الحديث: (إنما الماء من الماء) وهذا في النوم، فإذا احتلم في الليل ورأى أنه يجامع ولم يخرج منه مني فلا يجب عليه الغسل، وإذا وجد المني في ثيابه أو في بدنه يجب عليه الغسل ولو لم يذكر احتلاماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء). وإذا وقع المني على الثوب يجب غسله؛ لحديث عائشة قالت: (كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإني أرى أثر بقع الماء في ثوبه)، وفي الحديث الآخر: (كنت أحكه يابساً بظفري من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا يدل على أنه طاهر، لكن يحت من باب النظافة.

شرح حديث تكليم أم سليم رسول الله في رؤية المرأة في منامها ما يرى الرجل

شرح حديث تكليم أم سليم رسول الله في رؤية المرأة في منامها ما يرى الرجل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: (أن أم سليم كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة جالسة، فقالت له: يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة ترى في النوم ما يرى الرجل أفتغتسل من ذلك؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قالت عائشة: فقلت لها: أف لك، أو ترى المرأة ذلك؟ فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تربت يمينك! فمن أين يكون الشبه؟)]. هذا الحديث فيه أن المرأة تحتلم، وإنكار عائشة رضي الله عنها وكذلك أم سلمة يدل على أن الاحتلام في النساء قليل، ولذا أنكرت عائشة وقال بعضهم: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلمن؛ تكريماً للنبي صلى الله عليه وسلم. والمقصود: أن المرأة تحتلم، ولذا قال: (فمن أين يكون الشبه؟) يعني: أن الإنسان مخلوق من ماء الرجل وماء المرأة، والشبه يكون للرجل ويكون للمرأة، كما سيأتي، فإذا سبق ماء الرجل كان الشبه له، وإذا سبق ماء المرأة كان الشبه لها.

شرح حديث غسل المرأة من رؤيتها الماء بعد الاحتلام

شرح حديث غسل المرأة من رؤيتها الماء بعد الاحتلام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا شعيب بن يوسف حدثنا يحيى عن هشام أخبرني أبي عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق؛ هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم؛ إذا رأت الماء، فضحكت أم سلمة فقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففيمَ يشبهها الولد؟)]. هذا الحديث فيه إثبات صفة الحياء لله عز وجل، وذلك في قوله: (إن الله لا يستحي من الحق)، وفي الحديث: (إن الله حيي ستير)، والله تعالى قال في كتابه: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:53]، فصفة الحياء ثابتة لله كما يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه حياء المخلوقين. وقوله: [(هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم؛ إذا رأت الماء) أي: المني، وفيه دليل على أنه لا حياء في الدين، وأن المرأة لها أن تسأل عما أشكل عليها، وفيه دليل على أن النساء شقائق الرجال، كما في الحديث الآخر، وفيه أنه ينبغي للإنسان أن يعلم أهله فيما يستحى منه. وقوله: (نعم؛ إذا رأت الماء) هذا يدل على أنه يشترط رؤية الماء، ويدل على أن الانتقال وحده لا يكفي، بل لا بد من رؤية المني. وقوله: (فضحكت أم سلمة فقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففيمَ يشبهها الولد؟) يعني: أنه مخلوق من مائها وماء الرجل؛ فلهذا يشبهها ولدها، وهو يدل على أنها تحتلم وترى الماء.

شرح حديث خولة بنت حكيم (سألت رسول الله عن المرأة تحتلم في منامها)

شرح حديث خولة بنت حكيم (سألت رسول الله عن المرأة تحتلم في منامها) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن شعبة قال: سمعت عطاءً الخراساني عن سعيد بن المسيب عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم في منامها؟ فقال: إذا رأت الماء فلتغتسل)]. هذا الحديث صريح في وجوب الغسل من رؤية المني في النوم، سواء كان رجلاً أو امرأة، وأنه معلق برؤية الماء، كما في الحديث الآخر: (إنما الماء من الماء). ويحتمل أنها قصتان، أو أنها قصة واحدة أيدتها رواية أم سلمة.

الذي يحتلم ولا يرى الماء

الذي يحتلم ولا يرى الماء

شرح حديث (الماء من الماء)

شرح حديث (الماء من الماء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الذي يحتلم ولا يرى الماء. أخبرنا عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عن عمرو عن عبد الرحمن بن السائب عن عبد الرحمن بن سعاد عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الماء من الماء)]. عبد الرحمن بن السائب مقبول، وعبد الرحمن بن سعاد أيضاً مقبول، فالحديث فيه مقبولان فلا يحتج به في الأصول وإنما يحتج به في المتابعات، فيكون شاهداً للحديث الذي في الصحيحين: (إنما الماء من الماء). فسند النسائي هذا فيه مقبولان، فيكون متابعاً لما ثبت في الصحيح: (إنما الماء من الماء)، وهذا من الجناس: فالماء الأول ماء الغسل، والماء الثاني ماء المني، فقوله: (إنما الماء من الماء) أي: إنما يجب ماء الغسل من ماء المني. وهذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا احتلم في البيت ولم ير المني فلا يجب عليه الغسل. والجناس معروف في علم البلاغة، وهو: أن يتفق اللفظان أو تتفق الكلمتان في اللفظ وتختلفان في المعنى، فإن الماء الأول هو ماء الغسل، والماء الثاني هو ماء المني، يعني: إنما يجب ماء الغسل من ماء المني. وهذا يكون في اليقظة وفي النوم، فيجب الغسل إذا وجد الماء من الاحتلام، أما الجماع فإنه يوجب الغسل أيضاً ولو بدون خروج المني، فيكون الجماع موجباً مستقلاً للغسل سواء خرج المني أو لم يخرج، فخروج المني موجب للغسل في اليقظة وفي النوم. فقوله: (إنما الماء من الماء) منسوخ في الجماع، وباقٍ في الاحتلام، وقد كان في أول الإسلام إذا جامع الإنسان ولم يمن يغسل ذكره ويتوضأ، ثم نسخ ذلك، فاستقر في الشريعة وجوب الغسل من الجماع، وبقي حديث: (إنما الماء من الماء) في وجوب الغسل في اليقظة أو في النوم عند خروج المني.

الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة

الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة

شرح حديث (ماء الرجل غليظ أبيض)

شرح حديث (ماء الرجل غليظ أبيض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبدة حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما سبق كان الشبه)]. ماء الرجل ماء أبيض غليظ، وماء المرأة ماء رقيق أصفر، وأيهما سبق كان الشبه له، وقد اختلف العلماء في المراد بالسبق، فقيل: المعنى: سبق في الإنزال، وقيل: معنى سبق: أي: غلب، كما ذكرنا، فأيهما سبق في الإنزال كان الشبه له، فإن سبق ماء الرجل في الإنزال كان الشبه له، وإن سبق ماء المرأة كان الشبه لها، وقيل: معنى (إن سبق) يعني: غلب، بمعنى: كثر، فمن غلب ماؤه أو كثر كان الشبه له، فإذا غلب ماء الرجل، كان الشبه له، وإذا غلب ماء المرأة كان الشبه لها. والإمام مسلم رحمه الله أتى بهذا الحديث بروايات متعددة، وفي بعض رواياته: (إذا غلب ماء الرجل أذكر بإذن الله، وإذا غلب ماء المرأة أنث بإذن الله). وذكر الحديث من طرق متعددة أوسع من الأحاديث التي ذكرها النسائي هنا.

كتاب الطهارة [11]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [11] يجب على الحائض أن تغتسل إذا طهرت، ويجب على زوجها أن يعتزلها ولا يقربها، وعليها أن تعتزل الصلاة حتى تطهر. أما الاستحاضة فهي دم يخرج من عرق لسبب من الأسباب، فلا تمتنع من الصلاة، ويجوز لزوجها أن يأتيها.

ذكر الاغتسال من الحيض

ذكر الاغتسال من الحيض

شرح حديث فاطمة بنت قيس في الاستحاضة

شرح حديث فاطمة بنت قيس في الاستحاضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الاغتسال من الحيض. أخبرنا عمران بن يزيد قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله العدوي قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثني هشام بن عروة عن عروة عن فاطمة بنت قيس من بني أسد قريش رضي الله عنها: (أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أنها تستحاض، فزعمت أنه قال لها: إنما ذلك عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي)]. هذا الحديث في المستحاضة المعتادة التي لها عادة، فإنها تجلس عادتها، ثم تغتسل ثم بعد ذلك، وتتحفظ من الدم وتصلي وتصوم. والمستحاضة لها أحوال: الحالة الأولى: أن تكون معتادة، يعني: لها عادة تعرفها، فهذه تجلس عادتها، سواء كانت مبتدئة أو غير مبتدئة؛ فتجلس في أول الشهر - مثلاً - ستة أيام أو سبعة أيام، فإذا انتهت العادة فإنها تغتسل وتتحفظ وتصلي ولو كان معها الدم، لكنها تتوضأ لكل صلاة كما سيأتي. وهذا الحديث فيه دليل على وجوب الغسل على الحائض، وهذا هو سبب الترجمة بذكر الاغتسال من الحيض، فالحائض يجب عليها أن تغتسل إذا انتهت عادتها كالجنب، فكما أن الجنب يجب عليه أن يغتسل فكذلك الحائض، وكذلك النفساء، ولا يجوز لها أن تصلي حتى تغتسل، ويعتبر الحيض حدثاً أكبر كالجنابة. وقوله: (فزعمت) يعني: قالت؛ فالزعم يأتي بمعنى القول المحقق، ويأتي بمعنى الادعاء الكاذب، كقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7]. الحالة الثانية: ألا تكون معتادة، أو تنسى عادتها، ولكن لها تمييز، فتعمل بالتمييز، كما سيأتي في الأحاديث، فدم الحيض دم أسود يعرف منتن، ودم الاستحاضة أحمر أو أصفر رقيق، فإذا جاء الدم الأحمر المنتن فإنها تجلس، وإذا جاء الدم الآخر فتغتسل وتصلي. والحالة الثالثة: ألا تعرف عادتها وليس لها تمييز، فهذه تجلس ستة أيام أو سبعة أيام على عادتها الشهرية من أول كل شهر.

شرح حديث: (إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي)

شرح حديث: (إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هشام بن عمار قال: حدثنا سهل بن هاشم قال: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي)]. كل هذا يدل على وجوب الغسل بعد انتهاء مدة الحيض.

شرح حديث أم حبيبة في الاغتسال من الاستحاضة

شرح حديث أم حبيبة في الاغتسال من الاستحاضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن يزيد قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة قالت: (استحيضت أم حبيبة بنت جحش سبع سنين، فاشتكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي ثم صلي)]. يعني: فاغتسلي بعد انتهاء مدة الحيض؛ لأنها تعرف عادتها، فتجلس على عادتها قبل أن يأتيها الدم المطلق، والنساء تعرف أنه من أول كل شهر أو من وسط الشهر تكون عادتها ستة أيام أو سبعة أيام أو ثمانية أيام على حسب عادتها، ثم تغتسل وتتحفظ وتصلي ولو كان عليها الدم، لكنها تتوضأ لكل صلاة كما سيأتي.

شرح حديث عائشة في استحاضة أم حبيبة

شرح حديث عائشة في استحاضة أم حبيبة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا الهيثم بن حميد قال: أخبرني النعمان والأوزاعي وأبو معيد - وهو حفص بن غيلان - عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (استحيضت أم حبيبة بنت جحش امرأة عبد الرحمن بن عوف وهي أخت زينب بنت جحش، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي، وإذا أقبلت فاتركي لها الصلاة، قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة وتصلي، وكانت تغتسل أحياناً في مركن في حجرة أختها زينب وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن حمرة الدم لتعلو الماء، وتخرج فتصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يمنعها ذلك من الصلاة)]. استحاضت أم حبيبة، وكذلك زينب أم المؤمنين، وكذلك حمنة، أي: أن كل بنات جحش استحضن. وهناك من العلماء من عدّ المستحاضات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبلغن تسع مستحاضات. وهذا الحديث فيه أن الدم كان مطبقاً عليها، وأنه كثير، حتى إنها كانت إذا جلست في مركن تعلو حمرة الدم، والمركن مثل الطست يغسل فيه ثياب. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما ذلك عرق - يعني: هذا الدم المطبق-، فإذا أدبرت الحيضة - يعني: انتهت المدة - فاغتسلي وصلي)، فكانت تغتسل لكل صلاة، وهذا اجتهاد منها ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وإنما هذا من باب النظافة، والواجب إنما هو الغسل عند انتهاء مدة الحيض، فإذا أدبرت العادة وانتهت بإنها تغتسل، فهذا هو الغسل الواجب، وأما كونها تغتسل لكل صلاة فهذا اجتهاد منها. وقد جاء في بعض الروايات: أنها تجمع بين الصلاتين كما سيأتي، فتجمع بين الظهر والعصر، وتغتسل لهما غسلاً واحداً، فتؤخر الظهر وتعجل العصر، وكذلك تجمع المغرب مع العشاء، فتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر، فكانت تغسل ثلاث مرات: تجمع الظهر والعصر وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتجمع المغرب مع العشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً؛ لأن الاستحاضة نوع من المرض، وتغتسل للفجر. والحديث فيه أنها كانت تصلي مع النبي ولا يمنعها ذلك، لكن تتلجم وتتحفظ حتى لا تلوث ثيابها وتلوث المسجد، وتتوضأ لكل صلاة؛ لأنها في حدث مستمر.

إسناد آخر لحديث عائشة في استحاضة أم حبيبة

إسناد آخر لحديث عائشة في استحاضة أم حبيبة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة قال: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها: (أن أم حبيبة ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلي)]. قوله: (ختنة الرسول) يعني: أخت زوجته، فالختن هو: قريب الزوجة كأخت زوجته. وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وهي أخت حمنة بنت جحش، وكلهن كن مستحاضات. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك عرق) يعني: هذا الدم المطلق عرق وليس بحيضة، فإذا انتهت مدتها فاغتسلي ثم صلي، وكل هذا يدل على أن المستحاضة إذا كانت معتادة تعمل بالعادة، فتجلس عادتها قبل إطلاق الدم، ثم إذا انتهت العادة اغتسلت الغسل الواجب، ثم بعد ذلك تتحفظ وتتلجم وتتوضأ لكل صلاة، وتصوم وتصلي، ولا تمتنع من الصلاة، ولا تمتنع من زوجها أيضاً؛ لأن هذا ليس بحيض، وإنما تمتنع من زوجها ومن الصلاة في وقت الحيض. والنسائي رحمه لله هنا أتى بهذه الأحاديث المتعددة على طريقة الإمام مسلم في هذا.

إسناد لحديث عائشة في استحاضة أم حبيبة

إسناد لحديث عائشة في استحاضة أم حبيبة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة قال: حدثني الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنه الله عنها قالت: (استفتت أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أستحاض، فقال: إنما ذلك عرق فاغتسلي وصلي، فكانت تغتسل لكل صلاة)]. والخطاب هنا هو لـ أم حبيبة، وقوله: (ذلكِ) بالكسر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم، قالت عائشة رضي الله عنها رأيت مركنها ملآن دماً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي). أخبرنا قتيبة مرة أخرى ولم يذكر جعفراً]. وهذا الحديث صريح بأنها تعمل بالعادة، وقوله: (امكثي) أي: مدة ما كانت تحبسك عادتك، يعني: قبل إطلاق الدم فإنها فإذا كانت تحبسها عادتها خمسة أيام، تجلس خمسة أيام، سواء من أول الشهر أو من وسطه، فإذا كانت سبعة أيام فإنها تجلس فيها، ثم تغتسل وتصلي ولو كان عليها الدم، ولكن بعد التحفظ.

شرح حديث أم سلمة (أن امرأة كانت تهراق الدم)

شرح حديث أم سلمة (أن امرأة كانت تهراق الدم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة رضي الله عنها: تعني أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر، ثم لتصلي)]. والصحيح بأنها تجلس عدد الأيام التي كانت تجلسها قبل أن يسقط عليها الدم، فإذا انتهت الأيام فإنها تغتسل وتستثفر، يعني: تتلجم وتتحفظ بأن تضع على فرجها حفائظ، والحفائظ الآن موجودة، وكانت المرأة في الأول تجعل شيئاً من القماش تربطه على فرجها، فبعدما تغتسل تتحفظ وتصلي ولو كان عليها الدم، لكن عليها أن تتوضأ لكل صلاة؛ لأنها على حدث دائم. والمستحاضة هي مثل من به سلس البول، فلا بد أن يتوضأ لكل صلاة؛ لأنه على حدث دائم، فإذا دخل الوقت تتوضأ، ولا يؤثر بعد ذلك خروج الحدث، لكن لا تتوضأ إلا بعد دخول الوقت. والمستحاضة لها أن تجمع بين الصلاتين بوضوء واحد؛ لأن الاستحاضة نوع من المرض، كما بينه صلى الله عليه وسلم للتي جاءته تسأله عن الاستحاضة فكانت تؤخر الظهر إلى آخر وقتها، وتعجل العصر في أول وقتها، وهذا جمع صوري، يعني: إذا بقي من وقت الظهر مقدار أربع ركعات صلت الظهر، ثم يدخل وقت العصر فتصلي بعدها العصر، وكذلك صلاة المغرب تؤخرها إلى آخر وقتها قبل مغيب الشفق، وتعجل العشاء.

ذكر الأقراء

ذكر الأقراء

شرح حديث عائشة في انتظار المستحاضة أم سلمة (أن امرأة كانت تهراق الدم)

شرح حديث عائشة في انتظار المستحاضة أم سلمة (أن امرأة كانت تهراق الدم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر الأقراء. أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود بن إبراهيم قال: حدثنا إسحاق بن بكر قال: حدثني أبي عن يزيد بن عبد الله عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها: (أن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وأنها استحيضت لا تطهر، فذكر شأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنها ليست بالحيضة، ولكنها ركضة من الرحم، فلتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض لها فلتترك الصلاة، ثم تنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة)]. يعني: أنها تجلس لعادتها، والأقراء جمع فرء، واختلف في القرء هل هو الحيض أو الطهر. فمن العلماء من قال: إن المراد بالأقراء: الحيض، وهم الحنابلة، ومنهم من قال: المراد بها: الطهر، ومنهم من قال: إنها من الأضداد، ومن ذلك قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، حيث تعتد بالحيض أو تعتد بالأطهار، والحنابلة يقولون: تعتد بالحيض، وآخرون منهم الشافعي وجماعة يقولون: تعتد بالأطهار. والحديث هنا صريح في أنه الحيض: (فلتنظر قدر قرئها) يعني: قدر المدة التي تحيضها قبل أن يسقط عليها الدم، فسمى الحيض قرءاً، فدل على أن الأقراء هي الحيض، فالأرجح أن الأقراء هي الحيض، وقد يطلق القرء على الأطهار.

إسناد آخر لحديث عائشة في انتظار المستحاضة قدر قرئها التي كانت تحيض

إسناد آخر لحديث عائشة في انتظار المستحاضة قدر قرئها التي كانت تحيض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها: (أن أم حبيبة بنت جحش كانت تستحاض سبع سنين، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليست بالحيضة؛ إنما هو عرق. فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها، وتغتسل وتصلي، فكانت تغتسل عند كل صلاة)]. وهذا صريح في أن المراد بالأقراء الحيض؛ وذلك في قوله: (قدر أقرائها). وكانت تغتسل لكل صلاة اجتهاداً منها؛ من باب النظافة.

شرح حديث فاطمة بنت أبي حبيش في ترك الصلاة في القرء

شرح حديث فاطمة بنت أبي حبيش في ترك الصلاة في القرء [أخبرنا عيسى بن حماد قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن المنذر بن المغيرة عن عروة: أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثت: (أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق، فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء)]. وهذا أيضاً صريح في أن المراد بالقرء الحيض، فإنه قال: (إذا أتاك قرؤك) يعني: حيضك، والقَرء جمعه أقراء، مثل فلس وأفلاس، ويقال: قُرْء أيضاً، ولكن قدم في القاموس الفتح، قرء وأقراء، ويقال: قُرْء وأقراء. فهذا الحديث دليل على أن الأقراء هي الحيض، ودل على أن المراد بالأقراء في قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] الحيض، يعني: إذا مرت ثلاث حيضات خرجت من العدة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [هذا الدليل على أن الأقراء حيض. قال أبو عبد الرحمن: وقد روى هذا الحديث هشام بن عروة عن عروة ولم يذكر فيه ما ذكر المنذر]. أي: هذا دليل على أن الأقراء حيض، والقرء واحد الحيضة، وإذا أريد الجمع فيقال: أقراء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبدة ووكيع وأبو معاوية قالوا: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)]. وهذا الحديث فيه دليل أيضاً على أن الأقراء هي الحيض.

ذكر اغتسال المستحاضة

ذكر اغتسال المستحاضة

شرح حديث عائشة في غسل المستحاضة

شرح حديث عائشة في غسل المستحاضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر اغتسال المستحاضة. أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن امرأة مستحاضة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها: إنه عرق عاند، فأمرت أن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً واحداً)]. وهذا فيه جواز الجمع للمستحاضة؛ لأن الاستحاضة نوع من المرض، والآمر لها هو النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر بالاغتسال للاستحباب، فإذا جمعت بين الصلاتين فلا بأس، فإذا كان يشق عليها فلها أن تجمع؛ لأنها مريضة، فالاستحاضة نوع من المرض، وهذا الجمع جمع صوري، فتؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل، وتغتسل للفجر، فتغتسل ثلاث مرات، في الظهر والعصر مرة، والمغرب والعشاء مرة، والفجر مرة، وهذا من باب الاستحباب، وإلا فالواجب الغسل عند انتهاء مدة الحيض؛ لأن النبي لم يأمر غيرها بالاغتسال.

الاغتسال من النفاس

الاغتسال من النفاس

شرح حديث: أسماء بنت عميس في اغتسالها للإهلال حين نفست

شرح حديث: أسماء بنت عميس في اغتسالها للإهلال حين نفست قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاغتسال من النفاس. أخبرنا محمد بن قدامة قال: حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي الحليفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي بكر رضي الله عنه: (مرها أن تغتسل وتهل)]. هذا فيه الاغتسال للإحرام، والنفاس في هذا الحديث هي أسماء بنت عميس، وهي امرأة أبي بكر، وذلك أنها ولدت بذي الحليفة في حجة الوداع، فأرسلت إلى النبي تسأله ماذا تعمل؟ لأنها تريد أن تحرم، فهي ولدت في الميقات، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتحفظ بالثوب، وتغتسل وتفيض، وهذا يدل على أن الحائض والنفساء تغتسل للإحرام، وهذا الاغتسال ليس بواجب، وإنما هو مستحب للنفساء ولغير النفساء. ولو قال المؤلف: باب اغتسال النفساء للإحرام، لكان الحديث مطابقاً للترجمة، وأما قوله: باب الاغتسال من النفاس، فليس مطابقاً؛ لأن هذا الاغتسال لا يكفيها، ولأن هذا الاغتسال إنما هو للإحرام، وعلى النفاس إذا انقطع منها الدم أن تغتسل. والحائض أو النفساء لا تطوف الإفاضة حتى تطهر؛ لقصة صفية رضي الله عنها.

الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

شرح حديث: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف)

شرح حديث: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة. أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي عن محمد - وهو ابن عمرو بن علقمة بن وقاص - عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (أنها كانت تستحاض، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي، فإنما هو عرق)]. يعني: أن دم الحيض دم أسود يعرف، يعني: تعرفه النساء، أو له رائحة، وهو منتن، وهذا هو الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، فدم الحيض دم أسود ثخين تعرفه النساء، أو أن له عرفاً ورائحة منتنة، وأما دم الاستحاضة فهو دم رقيق خفيف أحمر. فإذا انتهت مدة دم الحيض فإنها تميز ذلك ولم يكن لها عادة، وإن كان لها تمييز تعمل بالتمييز، فتجلس مدة نزول الدم الأسود الثخين المنتن، فإذا انتهى وجاء الدم الأحمر الرقيق اغتسلت وتحفظت وصلت. وإذا لم يكن لها عادة وليس لها تمييز فهذه تسمى متحيرة، فتجلس على حسب العادة النسائية؛ على حسب عادة عماتها وخالاتها، فإذا كن يجلسن خمسة أيام فتجلس خمسة أيام وهكذا، ثم تغسل، ولذلك قال: (فاغسلي عنك الدم وصلي).

أسانيد حديث عائشة في استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش

أسانيد حديث عائشة في استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي هذا من كتابه أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي من حفظه قال: حدثنا محمد بن عمرو عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها كانت تستحاض، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن دم الحيض دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي). قال أبو عبد الرحمن: قد روى هذا الحديث غير واحد، لم يذكر أحد منهم ما ذكره ابن أبي عدي. والله تعالى أعلم]. يعني: أن ابن أبي عدي روى هذا الحديث عن محمد بن عمرو عن ابن شهاب عن عروة بزيادة (توضئي لكل صلاة)، وغيره لم يذكر هذه الزيادة. وبعضهم قال: إذا كانت الزيادة غير مخالفة والراوي ثقة فإنها مقبولة، والزيادة من الثقة مقبولة، وابن أبي عدي ثقة، وهذه الزيادة فيها فائدتان: الأولى: أنها تغتسل إذا انتهت أيام الحيض، والثانية: أنها تغتسل في كل صلاة، وهي بهذا ليست مخالفة. لكن بعضهم قال: لا يعمل بالزيادة، فإذا كان الذي زادها خالف الأكثر وخالف الأحفظ، فالعبرة بقول الأكثر والأحفظ، كما مر في مقدمة ابن الصلاح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد - وهو ابن زيد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (استحيضت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك أثر الدم وتوضئي، فإنما ذلك عرق وليست بالحيضة، قيل له: فالغسل؟ قال: ذلك لا يشك فيه أحد)]. الغسل بعد انتهاء مدة الحيض لا شك فيه، ولا بد منه، ولا تصح الصلاة إلا به. [قال أبو عبد الرحمن رحمه الله: لا أعلم أحداً ذكر في هذا الحديث: (وتوضئي) غير حماد بن زيد، وقد روى غير واحد عن هشام ولم يذكر فيه: (وتوضئي)]. يعني: أنه انفرد بهذه الرواية عن هشام من بين تلاميذه، وهذه زيادة ثقة، وليست مخالفة، وعلى قول المتأخرين كالحافظ ابن حجر وغيره تكون مقبولة. وإنما تكون شاذة إذا خالف راويها، وهو هنا لم يخالف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قالت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: يا رسول الله! لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي)]. أي: لأنها معتادة، وإذا كانت معتادة تعمل بالعادة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الأشعث قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله! إني لا أطهر، أفأترك الصلاة؟ قال: لا؛ إنما هو عرق). قال خالد فيما قرأت عليه: (وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)]. وهذه الأحاديث كلها صريحة في أن المعتادة تعمل بالعادة، وأنها لا تترك الصلاة مدة الدم كلها، وإنما تترك الصلاة مدة عادتها إذا كان لها عادة، وإن لم يكن لها عادة تعمل بالتمييز الصالح، فإن لم يكن لها تمييز ولا عادة تحيضت في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام على عادة النساء من أول كل شهر، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الأخرى، ثم تصلي بقية الأيام.

كتاب الطهارة [12]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [12] للغسل أحكام وآداب، ومن ذلك أنه نهي عن اغتسال الجنب في الماء الراكد والبول فيه والاغتسال منه، إلى غير ذلك من الأحكام والآداب.

النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم

النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم. أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير أن أبا السائب أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)]. هذا الحديث فيه النهي عن اغتسال الإنسان في الماء الدائم وهو جنب، والنهي للتحريم، وهو يقتضي الفساد، فلا يجوز للإنسان أن يغتسل بالماء الدائم وهو جنب، بمعنى: أن يغمس جسمه في الماء الدائم، والدائم هو الذي لا يجري، أما إذا كان يجري فلا حرج أن يغتسل في وسط الماء؛ لأن كل جرية تذهب ويأتي بعدها بدلها. لكن إذا كان الماء راكداً كأن يكون في بركة فهو منهي عن الاغتسال فيه؛ لأنه قد يكدره على غيره، فإذا اغتسل هذا واغتسل هذا واغتسل هذا، صار الماء مستعملاً، والنهي يقتضي الفساد، فلا يجوز للإنسان أن يغتسل في وسط الماء الراكد، لكن كما قال أبو هريرة لما اغتسل: أغرف منه اغترافاً، فيغترف بيده إلى خارج الماء الدائم، إلى خارج البركة، أو خارج الإناء الذي فيه الماء. أما أن يغتسل وسطه ويغمس نفسه في الماء الراكد فإن هذا لا يجوز. وظاهر الحديث أنه لو اغتسل في وسطه لا يجزئه؛ لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، وإنما يغتسل خارج الماء الدائم، وخارج البركة أو خارج الإناء الكبير الذي فيه الماء. فلا يجوز للإنسان أن يغتسل في وسطه؛ لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، وإنما يغتسل خارج الماء الدائم، أو خارج البركة، أو خارج الإناء الكبير الذي فيه الماء.

النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه

النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري عن سفيان عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد، ثم يغتسل منه)]. هذا الحديث فيه تحريم البول في الماء الراكد ثم الاغتسال فيه؛ لأنه إذا بال فيه الأول وبال فيه الثاني تنجس، وقد لا يتنجس إذا كان الماء كثيراً، لكنه منهي عن البول فيه؛ لأن هذا وسيلة لتنجيسه، فلا يجوز للإنسان أن يبول في الماء الراكد، ثم يغتسل منه. وقوله: (ثم يغتسل) بالجزم عطف على البول؛ يعني: لا يجمع بين البول والاغتسال، ويصح: ثم يغتسل منه؛ لأنه قد يحتاج إلى الاغتسال به، والمقصود أنه منهي عن الاغتسال في الماء الراكد، وإذا بال فيه يكون النهي أشد؛ لأنه وسيلة إلى تنجيسه. ومادام أن الماء لا يجري فهو راكد، لكن إذا كان يجري فهذا لا إشكال فيه؛ لأن الجريان لا يترك مجالاً للنجاسة أن تستقر، فإذا بال في الماء الذي يجري أو اغتسل في الماء الذي يجري فلا حرج، وذلك أنها تذهب الجرية ويأتي بعدها غيرها، لكن إذا كان راكداً لا يجري سواء تحرك أو لم يتحرك فهو راكد سواء كان في بركة أو في إناء كبير، كالإناء المصنوع من حصى أو من القرو فلا يجوز للإنسان أن يغتسل في وسطه، وإذا بال فيه يكون أشد نهياً، وإنما إذا أراد الاغتسال يغترف منه اغترافاً كما سئل أبو هريرة: ماذا يفعل؟ قال: يغترف منه اغترافاً، فيغترف بيده أو بإناء، ويكون خارج الماء، أما أن يغتسل فيه فهذا منهي عنه. وإذا اغتسل وسط الماء يكون الماء مستعملاً ولا يكون نجساً؛ لأن البول وسيلة للتنجيس، وأما الاغتسال فليس وسيلة للتنجيس، لكن يكون الماء مستعملاً. وإذا غمس الإنسان نفسه فيه وأتى الثاني والثالث وغمس نفسه فيه أيضاً صار هذا وسيلة إلى أن -مثلاً- يسقط فيه شيء من الفضلات. والجمهور يرون أنه إذا غمس نفسه فيه يكون الماء مستعملاً ولا يرتفع الحدث؛ لأن النهي يقتضي الفساد، ولا يقتضي هذا إراقة الماء، بل يتركه ليستفاد منه فيستعمل في شيء آخر، فالماء ليس بنجس، لكنه مستعمل. وإذا بال في الماء الراكد وكان قليلاً -أي: دون القلتين- فهو نجس؛ لحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، والقلتان خمس قرب. والقول الثاني للمحققين: أنه لا ينجس إلا إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة، لحديث أبي سعيد: (الماء طهور لا ينجسه شيء). وعلى كل، فالحديث الأول فيه النهي عن الاغتسال في الماء الراكد، لكن الثاني فيه النهى عن البول فيه، ثم الاغتسال منه حتى ولو لم يغتسل فيه، فهو نجس في هذه الحالة.

باب ذكر الاغتسال أول الليل

باب ذكر الاغتسال أول الليل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الاغتسال أول الليل. أخبرنا عمرو بن هشام قال: حدثنا مخلد عن سفيان عن أبي العلاء عن عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث رضي الله عنه أنه سأل عائشة رضي الله عنها: (أي الليل كان يغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ربما اغتسل أول الليل، وربما اغتسل آخره. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)]. هذا الحديث فيه أنه لا بأس أن يغتسل الجنب أول الليل أو آخره، لكن عليه أن يتوضأ قبل أن ينام؛ كما ثبت في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ) أي: إذا توضأ فلا بأس أن يؤخر الاغتسال إلى آخر الليل، وإن اغتسل أول الليل فهو أفضل.

الاغتسال أول الليل وآخره

الاغتسال أول الليل وآخره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الاغتسال أول الليل وآخره. أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي أخبرنا حماد عن برد عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها، قلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من أول الليل أو من آخره؟ قالت: كل ذلك، ربما اغتسل من أوله وربما اغتسل من آخره، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)]. برد هذا: هو برد بن سنان وهو مختلف في توثيقه، والأرجح أنه ثقه. وعبادة بن نسي بضم النون وفتح المهملة الخفيفة الكندي أبو عمر الشامي قاضي طبرية، ثقة فاضل من الثالثة.

ذكر الاستتار عند الاغتسال

ذكر الاستتار عند الاغتسال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الاستتار عند الاغتسال. أخبرنا مجاهد بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثني يحيى بن الوليد حدثني محل بن خليفة قال: حدثني أبو السمح رضي الله عنه قال: (كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك، فأوليه قفاي، فأستره به)]. في الحديث مشروعية الاستتار عند الاغتسال، بل يجب الاستتار إذا كان عنده أحد، ولا يجوز للإنسان أن يغتسل عرياناً أمام الناس، أما إذا لم يكن عنده أحد فلا حرج. وغضيف بالضاد المعجمة مصغراً، ويقال بالطاء المهملة ابن الحارث السكوني ويقال: الثمالي يكنى أبا أسماء وهو حمصي مختلف في صحبته، قال ابن حبان: من قال: الحارث بن غطيف وهم، ومنهم من فرق بين غضيف بن الحارث فأثبت صحبته، وغطيف بن الحارث فقال: إنه تابعي، وهو أشبه، مات عن بضع وستين. والخلاصة: أن غضيف بن الحارث أبو أسماء الحمصي عن عمرو وبلال وعنه مكحول وعبادة بن نسي وثقه العجلي والنسائي، قال الخليفة: مات في زمان مروان.

شرح حديث اغتسال النبي عليه الصلاة والسلام يوم الفتح وفاطمة تستره بثوب

شرح حديث اغتسال النبي عليه الصلاة والسلام يوم الفتح وفاطمة تستره بثوب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن عبد الرحمن عن مالك عن سالم عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب عن أم هانئ رضي الله عنها: (أنها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب، فسلمت، فقال: من هذه؟ قلت: أم هانئ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات في ثوب ملتحفاً به)]. هذا الحديث مخرج في الصحيحين، وفيه مشروعية الاستتار عند الاغتسال ووجوبه، وفيه جواز سلام المرأة على الرجل إذا لم يكن هناك ريبة، فـ أم هانئ سلمت على رسول الله، أما قول الشارح أنه يحتمل أنها سلمت على فاطمة فليس بوجيه، فلا بأس بالسلام إذا لم يكن هناك ريبة، أما إذا كانت هناك ريبة فلا، وقوله: (سلمت، فقال: من هذه؟ فقالت: أم هانئ) يعني: الإنسان إذا قيل له: من؟ فليسم نفسه ويقول: فلان ابن فلان، أما أن يقول: أنا، فهذا جاء فيه الكراهة؛ وذلك: (أن جابراً لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من؟ قال: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أنا! كأنه كره ذلك)؛ لأنها لا تفيد التعريف، لكن إذا قيل: من؟ فليقال: فلان، أو أبو فلان، أما أن يقول: أنا، فهذا ليس تعريفاً. وفيه جواز الصلاة بالثوب الواحد، أو القطعة الواحدة مثل الشرشف فيجوز أن يصلى فيه، فإن كان ضيقاً ائتزر به، وإن كان واسعاً التحف به وجعل طرفيه على كتفيه. وفيه مشروعية صلاة الضحى، وقال بعضهم: إنها صلاة الفتح، واحتج النووي بهذا على أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعات، والصواب أنه لا حد لأكثرها. فإن قيل: وهل يؤخذ من حديث أم هانئ جواز رد السلام بلفظ (مرحباً)؟ قلنا: إنما كان ذلك بعد السلام، فلما رد عليها السلام، قال: (مرحباً بـ أم هانئ). وفيه أن ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ولو كانت امرأة، فإذا أمنت امرأة أحد فإنه يؤمن، ففي رواية لـ مسلم: (أنها قالت: يا رسول الله! ابن أمي زعم أنه قاتل رجلاً قد أجرته، فقال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ!)؛ لأن الرجل كافراً، وعلي رضي الله عنه أخوها، أراد أن يقتله، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأثبت إجارته وأمانه وقال: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ).

باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل

باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل. أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن موسى الجهني قال: (أتي مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال فقال: حدثتني عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا)]. قوله: (ثمانية أرطال) أي: ما يقارب صاعاً ونصف؛ لأن الصاع خمسة أرطال ونصف بالعراقي.

شرح حديث اغتسال النبي عليه الصلاة والسلام بالصاع

شرح حديث اغتسال النبي عليه الصلاة والسلام بالصاع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص قال: سمعت أبا سلمة يقول: (دخلت على عائشة رضي الله عنها وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم، فدعت بإناء فيه ماء قدر صاع، فسترت ستراً، فاغتسلت فأفرغت على رأسها ثلاثاً)]. هذا الحديث ظاهره أن أبا سلمة رآها، لكن الأقرب أنها سترت واغتسلت، ورآها أخوها من الرضاعة، أما أبو سلمة فلم يرها.

شرح حديث اغتسال النبي عليه الصلاة والسلام بالفرق

شرح حديث اغتسال النبي عليه الصلاة والسلام بالفرق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنه أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في القدح وهو الفرق، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد)]. الفرق إناء يسع ثلاثة آصع، وفيه جواز اغتسال الرجل وزوجته جميعاً من إناء واحد؛ وفيه فوائد منها: جواز اغتسال الرجل وزوجته جميعاً، وفيه تعلم أحدهما من الآخر، وفيه جواز نظر الرجل إلى امرأته ونظرها إليه، وجواز نظر الرجل إلى فرج امرأته، وهي تنظر إلى فرجه؛ لأنها حل له وهو حل لها، وهو يدل على ضعف الحديث الآخر حديث عائشة: (ما رأيت منه ولا رأى مني) يعني: العورة، فهذا ضعيف وليس بصحيح، وفيه جواز اغتسال الرجل بفضل المرأة؛ لأن المرأة إذا اغترفت من الماء صار فضلاً لها، ومع ذلك فليغترفان وفي اللفظ الآخر: (حتى أقول: دع لي، وهو يقول: دعي لي)، وذلك من باب المداعبة، يعني: الماء يقل، فيقول: دعي لي، أبقي لي شيئاً من الماء، وهي تقول: أبق لي. والفرق: ستة عشر رطلاً، وكل خمسة أرطال تعني: صاعاً، فيكون التقدير ثلاثة أصواع ورطل.

شرح حديث اغتسال النبي عليه الصلاة والسلام بخمسة مكاكي

شرح حديث اغتسال النبي عليه الصلاة والسلام بخمسة مكاكي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله حدثنا شعبة عن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك، ويغتسل بخمسة مكاكي)]. المكوك: هو المد، وهو ملء كفي الرجل، وقوله: (يتوضأ بمكوك، ويغتسل بخمسة مكاكي)؛ يعني: صاعاً ومداً، صاع وربع في الغالب؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، والمكوك هو المد، ويتوضأ بالمد، وربما توضأ بثلثي المد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد.

شرح حديث: (يكفي من الغسل من الجنابة صاع)

شرح حديث: (يكفي من الغسل من الجنابة صاع) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق عن أبي جعفر قال: تمارينا في الغسل عند جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فقال جابر: يكفي من الغسل من الجنابة صاع من ماء، قلنا: ما يكفي صاع ولا صاعان، قال جابر: قد كان يكفي من كان خيراً منكم وأكثر شعراً. ]. يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو خيراً منهم وأكثر شعراً عليه الصلاة والسلام، فقد كان كث اللحية، وكان طويل شعر الرأس كذلك.

ذكر الدلالة على أنه لا وقت في الغسل

ذكر الدلالة على أنه لا وقت في الغسل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدلالة على أنه لا وقت في ذلك. أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن معمر عن الزهري (ح) وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر وابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وهو قدر الفرق)]. الفرق: ثلاثة آصع، وهذا ليس فيه تحديد؛ لأن عادة غسله صلى الله عليه وسلم بالصاع أو ستة أمداد، وهذا فرق يسع ثلاثة آصع، فدل على أنه ليس هناك شيء محدد أو قسم محدد لا يزيد عليه، لكن لا ينبغي الإسراف، بل يغتسل بصاع أو صاع ونصف، أو ما زاد قليلاً من غير إسراف.

ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد

ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد. أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن هشام بن عروة (ح) وأخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وأنا من إناء واحد نغترف منه جميعاً)]. فيه جواز اغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، وأنه لا بأس بنظر أحدهما إلى الآخر، ومن المعلوم أنهما إذا اغتسلا يخلعان الثياب، وأما حديث: (ما رأيت منه ولا رأى مني) يعني: العورة، فحديث ضعيف، وحديث اغتسالهما جميعاً ثابت في الصحيحين أيضاً، ويدل على أنه لا بأس باغتسال الرجل وامرأته معاً.

شرح حديث: اغتسال رسول الله وزوجته من إناء واحد من الجنابة

شرح حديث: اغتسال رسول الله وزوجته من إناء واحد من الجنابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد حدثنا شعبة حدثني عبد الرحمن بن القاسم سمعت القاسم يحدث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة). أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبيدة بن حميد عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لقد رأيتني أنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء، أغتسل أنا وهو منه)]. ومثل هذا الحديث قد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في اللفظ الآخر: (أقول -أي: عائشة -: دع لي ويقول: دعي لي) يعني: اترك لي بقية الماء؛ لأنه يقل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد). أخبرنا يحيى بن موسى عن سفيان عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أخبرتني خالتي ميمونة: أنها كانت تغتسل ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد)]. الحديث الأول عن عائشة وهذا عن ميمونة، وفيه دليل على جواز غسل الرجل مع نسائه فقد اغتسل رسول الله مع ميمونة واغتسل مع عائشة واغتسل مع أم سلمة أيضاً عليه الصلاة والسلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن سعيد بن يزيد قال: سمعت عبد الرحمن بن هرمز الأعرج يقول: حدثني ناعم مولى أم سلمة رضي الله عنها: (أن أم سلمة سئلت: أتغتسل المرأة مع الرجل؟ قالت: نعم، إذا كانت كيسة، رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من مركن واحد؛ نفيض على أيدينا حتى ننقيهما، ثم نفيض عليها الماء) قال الأعرج: لا تذكر فرجاً ولا تباله]. وقوله: (كيسة) يعني: حسنة الأدب في استعمال الماء مع الرجل، ومن كياستها أنها لا تذكر فرجاً ولا تباله، يعني: لا تتكلم عن الأشياء التي تحصل بينها وبين زوجها، وقوله: (فرجاً) عام له ولها، ولا تباله: يعني: ولا تتباله؛ أي: تفعل أفعالاً كالبلهاء، وقد فسرها الأعرج بذلك. وقوله: (ناعم) هو ناعم بن أجيل بالجيم مصغراً، الهمداني أبو عبد الله المصري مولى أم سلمة ثقة فقيه من الثالثة.

ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب

ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب. أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن داود الأودي عن حميد بن عبد الرحمن قال: (لقد لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه أربع سنين، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعاً)]. فيه النهي عن الامتشاط كل يوم؛ لما فيه من التنعم والترفه، والذي ينبغي أن يكون الامتشاط يوماً بعد يوم؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الامتشاط كل يوم ولعله للتنزيه. وقوله: (وأن يبول في مغتسله)؛ لأنه قد يسبب الوسواس فقد يبول في مغتسله فإذا صب عليه الماء قد يأتيه شيء من رشاش البول، وهذا إذا كان المغتسل أرضاً يعني: غير مبلطة، فيبقى فيها البول، إما إذا كان مبلطاً ويزول بصب الماء عليه فلا إشكال فيه، وكان المغتسل في زمانهم لا يبلط ولا يسمت بل كان تراباً، ولا يوجد عندهم حمامات يزول فيها الماء، فإذا بال فيه بقي البول تحته، فإذا صب عليه الماء أصاب شيئاً من الرشاش فيؤدي إلى الوسواس. وقوله: (أو يغتسل الرجل من فضل المرأة والمرأة بفضل الرجل)، هذا النهي اختلف في الجمع بينه وبين حديث عائشة السابق: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً) وحديث أم سلمة؛ لأنها إذا اغترفت صار فضلاً لها، فقيل: إن حديث النهي عن اغتسال الرجل بفضل المرأة منسوخ بحديث عائشة: (كنا نغتسل جميعاً)، وقيل: إن النهي للتنزيه وأن الأولى ألا يغتسل بفضل المرأة، فإذا اغتسل فهو مكروه، والنهي للتنزيه، واستدلوا باغتسال النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة وأم سلمة وميمونة، وقالوا: هذه الأحاديث صرفته من النهي عن التحريم إلى التنزيه، فيكون مكروهاً، وإذا احتاج إليه زالت الكراهة، وإذا وجد غيره فإنه مكروه، والجمع بين الحديثين هو الأولى؛ لأنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع وعرف التاريخ، وهذه هي القاعدة، فيحمل النهي على التنزيه. والأصل في النهي أنه للتحريم إلا إذا صرفه صارف، وهنا صرفه صارف وهو اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة وميمونة، والقاعدة هي: النهي للتحريم، والأمر للوجوب، ولا يصرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب إلا بدليل آخر، والنهي لا يصرف عن التحريم إلا بدليل آخر، فكلما جاء نهي فهو للتحريم، إلا إذا وجد دليل ناسخ، وكلما جاء أمر فهو للوجوب إلا إذا وجد دليل ندب يقتضيه. وقوله: (لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم)، فالصحابة كلهم عدول، ولا يضر إبهام الصحابي.

الرخصة في الاغتسال بفضل الجنب

الرخصة في الاغتسال بفضل الجنب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ذلك. أخبرنا محمد بن بشار عن محمد قال: حدثنا شعبة عن عاصم (ح) وأخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن عاصم عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، يبادرني وأبادره حتى يقول: دعي لي، وأقول أنا: دع لي) قال سويد: يبادرني وأبادره، فأقول: دع لي، دع لي]. هذا من حسن خلقه عليه السلام يلاطف أهله فيقول: (دعي لي، وتقول: دع لي)؛ وهذا الحديث فيه رخصة اغتسال الرجل بفضل المرأة؛ لأنها إذا اغترفت صار فضلاً لها، والأول فيه النهي، والجمع بينهما كما سبق: أن النهي للتنزيه، وحديث عائشة لبيان الجواز، والذي صرفه عن التحريم إلى التنزيه اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة. وحديث: (أو يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعاً). ظاهره أنه إذا اغترفا لا يكون فضلة، لكن جاء في الحديث الآخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وتوضأ بفضل الماء الذي اغتسلت منه بعض أزواجه)، فهو محمول عل التنزيه، والوضوء والغسل حكمهما واحد. وحديث النهي عن الامتشاط الأقرب أنه للتنزيه؛ لأن فيه الترفه، فيكره للإنسان أن يترفه ويتنعم بحيث ليس له هم إلا نفسه، فبعض الناس يشتغل عن الأمور الهامة بالأشياء التافهة، ويترفه في كل شيء، فيسرف في نقاء الثياب وبياضها، يسرف في تلميع السيارة، وما أشبه ذلك، وكل هذا من باب الترفه، فيشغله الترفه عن الأمور المهمة، والإنسان ينبغي عليه أن يعتني بالأمور المهمة، أما التوافه فلا يشغل نفسه ويضيع وقته فيها، ولا بأس أن يمارسها الشخص لكن بدون إسراف وبدون ترفه، ولا يعني هذا أن يلبس ثياباً وسخة، أو ثياباً مخرقة وقد أنعم الله عليه، فإن الله جميل يحب الجمال، لكن مع ذلك لا تسرف وتضيع الأوقات كلها في تعديل الثوب، وتعديل الغترة، وتلميع السيارة، لا هذا ولا هذا بل كن وسطاً.

ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها

ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها. أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم هانئ رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين)]. فيه -كما سبق- جواز اغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، وفيه جواز الاغتسال بالماء الذي فيه أثر العجين، أو أثر شيء آخر من الأشياء الطاهرة، فإذا اختلط بالماء شيئاً من الطاهرات فلا بأس، كشيء من العجين أو شيء من الزعفران ما لم يسلب عنه اسم الماء، فإذا سلب عنه اسم الماء فإنه ينتقل من كونه ماء إلى مسمى آخر، كأن يمتلئ به حبر أو زعفران أو لبن، أما كونه يوجد فيه شيء من أثر العجين، وهو لم يغيره ولم يختلط بأجزائه، أو من أثر اللبن أو أثر شيء آخر من الطاهرات كالطحلب الذي يكون في البرك وما أشبهه فلا بأس؛ لأنه طاهر، إلا إذا سلبه اسم الماء؛ فلا يتوضأ به، فمثلاً: صب فيه حبر فصار أزرقاً، فصار لا يسمى ماء بل يسمى حبراً، أو صب على ماء لبناً فصار لبناً ولا يسمى ماء، ومثله ماء العصير، كعصير البرتقال وما أشبهه فهذا لا يسمى ماء مطلقاً، وإنما ماء مقيداً يقال: ماء عصير ماء حبر فلا يصح أن يتوضأ به، ولهذا اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأهله من قصعة فيها أثر العجين؛ لأن هذا العجين لم يغير الماء ولا سلب وصف الماء عنه، وإذا كان طاهراً فلا يضر هذا الأثر.

كتاب الطهارة [13]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [13] جاء في الشريعة بيان كيفية غسل المرأة من الجنابة، وكذلك غسل الحائض عند الإحرام، وصفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة.

ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة

ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة

شرح حديث أم سلمة: (يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضها)

شرح حديث أم سلمة: (يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضها) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة. أخبرنا سليمان بن منصور عن سفيان عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة رضي الله عنها -زوج النبي صلى الله عليه وسلم- قالت: (قلت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضها عند غسلها من الجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضين على جسدك)]. هذا الحديث في اغتسال المرأة من الجنابة ونقض شعر رأسها، فـ أم سلمة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات)، والضفر يقال فيه: ضَفر ويقال: ضُفر، والشعر المضفور هو المشدود، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب نقض شعر الرأس لغسل الجنابة، وكذلك الحيض، وفي رواية: (أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة؟ قال: لا)، فدل على أنه لا يجب نقض شعر رأس المرأة إذا كان مضفوراً مفتولاً، وإنما يكفي أن تمرر وتحث الماء عليه، ولكن نقضه من أجل غسل الحيض أفضل؛ لأن الحيض مدته تطول وكذلك النفاس، فالأفضل أن تنقضه، لغسل الحيض، وأما الجنابة فإنها تتكرر فأمرها أخف، فالأفضل للمرأة أن تنقضه عند غسل الحيض، وأما غسل الجنابة فلا، وإن لم تنقضه فلا حرج، وإذا كانت لم تنقضه لغسل الحيض فلا يضر من باب أولى لغسل الجنابة.

ذكر الأمر بنقض ضفر الرأس للحائض عند الاغتسال للإحرام

ذكر الأمر بنقض ضفر الرأس للحائض عند الاغتسال للإحرام

شرح حديث: (انقضي رأسك وامتشطي)

شرح حديث: (انقضي رأسك وامتشطي) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ذكر الأمر بذلك للحائض عند الاغتسال للإحرام. أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا أشهب عن مالك أن ابن شهاب وهشام بن عروة حدثاه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللت بالعمرة، فقدمت مكة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج ودعي العمرة، ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك). قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث غريب من حديث مالك، عن هشام بن عروة لم يروه أحد إلا أشهب]. هذا إنما كان في حجة الوداع، لحديث: (لما خير النبي صلى الله عليه وسلم الناس عند الإحرام منهم من أهل بحج، ومنهم أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج وعمرة، قالت عائشة: فكنت ممن أهل بالعمرة، فأهلت بالعمرة، فلما قاربت مكة وكانت بسرف حاضت، فلم تتمكن من العمرة، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، قال: ما لك أنفست؟ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)، وفيه دليل على تسمية الحيض نفاساً، وقال لها: (انقضي شعرك وامتشطي واغتسلي، وأهلي بالحج ودعي العمرة) يعني: دعي أعمالها، وإلا فهي أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، وهذا الاغتسال من أجل الإتيان بالحج، وقد اغتسلت قبل أن تحرم بالعمرة، لكن هذا الاغتسال من أجل إهلالها بالحج. وإذا كانت الحائض تؤمر بنقض شعر رأسها لغسل الإحرام وهو مستحب فنقضها من أجل غسل الحيض أولى؛ لأنه غسل واجب، فإذا طهرت المرأة من المحيض وجب عليها أن تغتسل، والأفضل أن تنقض الشعر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنقض شعرها من أجل الغسل للإحرام وهو مستحب، فنقضه من أجل الطهارة من الحيض أولى وأولى لكنه ليس بواجب، فتنقضه بأصابعها وتمشطه بأصابعها أيضاً، ولا يلزم أن يكون بالمشط الذي يقطع الشعر وهي محرمة، بل تمشط الشعر بيديها، فهذا يسمى الامتشاط ولا يلزم أن يكون معه شيء آخر كالحناء أو الورس، ولا يلزم أن يكون بالمشط، ويظن بعض الناس أن عليها أن تكده بالمشط، وكده بالمشط لابد أن يسقط شعراً متعمداً وهي محرمة الآن، وإنما تغسل الشعر وتجعله مستقيماً بيديها من دون المشط؛ لأن المشط يقطع الشعر، فإذا كانت الحائض تؤمر بالغسل فغيره من باب أولى، وإذا كانت تؤمر بنقض الشعر لغسل الجنابة وهو غسل مستحب فنقضه لغسل الحيض أولى وأولى، فدل على أنها أفضل وليس بواجب، ويدل على ذلك رواية أم سلمة: (أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة؟ قال: لا)، أي: لا يجب وإنما هو مستحب، فإن نقضت فهو أفضل، وإن لم تنقضه وصبت الماء على رأسها والضفائر على حالها فلا حرج. وقوله: (دعي العمرة) أي: دعي أعمالها، فصارت أعمالها داخلة مع أعمال الحج، فصار للحج والعمرة طواف واحد، وسعي واحد، فلما انتهت لم تطب نفسها على عادة كثير من النساء، فقالت: (يا رسول الله! يذهب صواحباتي في حج وعمرة وأذهب في حج؟) وهي ذاهبة بحج وعمرة، لكنها عمرة داخلة في الحج، وهي تريد عمرة مستقلة، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها عمرة أخرى من التنعيم بعد الحج، حتى تفعل عمرتين: عمرة مع الحج، وعمرة مستقلة بعد الحج.

ذكر غسل الجنب يديه قبل أن يدخلهما الإناء

ذكر غسل الجنب يديه قبل أن يدخلهما الإناء

حديث عائشة في صب رسول الله على يديه قبل ان يدخلهما الإناء في غسل الجنابة

حديث عائشة في صب رسول الله على يديه قبل ان يدخلهما الإناء في غسل الجنابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ذكر غسل الجنب يديه قبل أن يدخلهما الإناء. أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا حسين عن زائدة قال: حدثنا عطاء بن السائب قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثتني عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة وضع له الإناء، فيصب على يديه قبل أن يدخلهما الإناء، حتى إذا غسل يديه أدخل يده اليمنى في الإناء، ثم صب باليمنى وغسل فرجه باليسرى، حتى إذا فرغ صب باليمنى على اليسرى فغسلهما، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، ثم يصب على رأسه ملء كفيه ثلاث مرات، ثم يفيض على جسده)]. هذه كيفية الغسل من الجنابة، وهو أن يبدأ أولاً بغسل يديه ثلاثاً، وقبل ذلك التسمية، وقبلها النية، فينوي غسل الجنابة أو غسل الحدث، والنية محلها القلب، ثم يسمي ويقول: باسم الله، ثم يغسل يديه ثلاثاً بنية رفع الحدث عنهما قبل أن يدخلهما الإناء، وإن كان عنده صنبور يصب فإنه يغسل يديه ثلاثاً، ثم بعد ذلك يغسل فرجه وما حوله، ثم يغسل يده اليمنى. في الرواية الأخرى: (أنه ضرب بيده الحائط ودلكها دلكاً شديداً)، حتى يزول الأثر الذي علق بيده من أثر الغائط أو من أثر البول أو من أثر المني إذا كان طرياً، وإن غسل بشيء من المطهرات الموجودة كالصابون فلا بأس، أو ضرب بيده الأرض إذا كان في الأرض تراب، أو جدار إذا كان من طين، ثم بعد ذلك يتمضمض ويستنشق، وليس فيه أنه توضأ، لكن في الحديث الآخر من حديث عائشة وحديث النعمان أنه توضأ وضوءه للصلاة، وأسبغ الوضوء في حديث عائشة، وفي حديث ميمونة: أنه أخر غسل قدميه، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثاً حتى يروي أصول شعره، ثم يصب الماء على الجسم فيغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر، ثم يغسل رجليه، وفي حديث عائشة أنه أكمل الوضوء، فهذا هو الغسل الكامل والأفضل. ويمكن تلخيص الغسل في الآتي: أن ينوي ثم يسمي، ثم يغسل يديه ثلاثاً، ثم يغسل فرجه وما حوله، ثم يتمضمض ويستنشق، ثم يكمل الوضوء، ثم يفيض الماء على رأسه، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، ثم يغسل رجليه إذا كان لم يغسلهما أثناء وضوئه.

ذكر عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء

ذكر عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يفرغ على يديه ثلاثا)

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يفرغ على يديه ثلاثاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ذكر عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء. أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا يزيد قال: أخبرنا شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي سلمة قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرغ على يديه ثلاثاً، ثم يغسل فرجه، ثم يغسل يديه، ثم يمضمض ويستنشق، ثم يفرغ على رأسه ثلاثاً، ثم يفيض على سائر جسده)]. وقوله: (ثم يغسل يديه) المراد يغسل يده اليسرى؛ بمعنى يزيل عنها الأثر. ورواية البخاري (يغسل يده) يعني: أنه ضرب يده اليسرى بالحائط، فدلكها دلكاً شديداً. وهذا هو الغسل الكامل، وأما الغسل المجزي: فإنه يعمم جسده بالماء مرة واحدة، وإن نوى رفع الحدثين ارتفع عند جمع من أهل العلم، وإن لم ينو توضأ بعد ذلك. والواجب في الغسل المجزي أن يعمم جسده بالماء ولو كان من غير ترتيب، ويكون بنية رفع الحدث الأكبر، أو بنية الصلاة، أو أن يقرأ القرآن، ويمس المصحف، فإذا نوى وسمى وعمم جسمه بالماء ارتفعت الجنابة، وإن نوى رفع الحدث الأصغر معه ارتفع عند جمع من أهل العلم، وإن لم ينو توضأ بعد ذلك. فللغسل صفتان: غسل كامل، وغسل مجزي، فالغسل الكامل: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن ينوي أولاً ويسمي، ويغسل يديه ثلاثاً، ويستنجي ويتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يصب الماء على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، والمجزي: أن يعمم جسده بالماء مرة واحدة بعد النية والتسمية. والمضمضة والاستنشاق فيهما خلاف، فمن العلماء من قال: إنهما واجبتان في الوضوء والغسل، ومنهم من قال: ليستا واجبتين في الوضوء ولا في الغسل، ومنهم من أوجبهما في الوضوء من الغسل، ومنهم من أوجب الاستنشاق فقط، والصواب وجوبهما في الوضوء وفي الغسل.

إزالة الجنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه

إزالة الجنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه

شرح حديث عائشة في غسل رسول الله ما على فخذيه

شرح حديث عائشة في غسل رسول الله ما على فخذيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إزالة الجنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه. أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا النضر قال: أخبرنا شعبة قال: حدثنا عطاء بن السائب قال: (سمعت أبا سلمة أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فسألها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالإناء فيصب على يديه ثلاثاً فيغسلهما، ثم يصب بيمينه على شماله فيغسل ما على فخذيه، ثم يغسل يديه، ويتمضمض ويستنشق، ويصب على رأسه ثلاثاً، ثم يفيض على سائر جسده)]. هذا الحديث كما سبق في كيفية الغسل الكامل.

إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده

إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده

شرح حديث عائشة في غسل رسول الله يديه بعد إزالة الأذى عن جسده

شرح حديث عائشة في غسل رسول الله يديه بعد إزالة الأذى عن جسده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عمر بن عبيد عن عطاء بن السائب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: (وصفت عائشة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، قالت رضي الله عنها: كان يغسل يديه ثلاثاً، ثم يفيض بيده اليمنى على اليسرى فيغسل فرجه وما أصابه) قال عمر: (ولا أعلمه إلا قال: يفيض بيده اليمنى على اليسرى ثلاث مرات، ثم يتمضمض ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً، ويغسل وجهه ثلاثاً، ثم يفيض على رأسه ثلاثاً، ثم يصب عليه الماء)]. هذا الحديث فيه عطاء بن السائب وقد اختلط، لكن في الرواية الأخرى روى عنه شعبة، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط. وفيه التثليث في المضمضة والاستنشاق، وغسل الرأس، وهذا ثابت في الأحاديث، وفيه أنه يغسل يديه مرة أخرى بعد أن يغسل يده اليسرى التي غسلها بعد أن غسل فرجه، وفي اللفظ الآخر: (ضرب بيده الحائط ودلكها دلكاً شديداً)، والنسائي رحمه الله يكرر الأحاديث أو ينوع التراجم لمزيد الفائدة، وإلا فكل هذه التراجم قد مرت في الحديث الأول.

ذكر وضوء الجنب قبل الغسل

ذكر وضوء الجنب قبل الغسل

شرح حديث عائشة في توضؤ رسول الله قبل غسل الجنابة

شرح حديث عائشة في توضؤ رسول الله قبل غسل الجنابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر وضوء الجنب قبل الغسل. أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على جسده كله)]. هذا هو الغسل الكامل: بأن يتوضأ قبل إكمال الغسل، فبعد أن ينوي ويسمي ويغسل يديه ثلاثاً، ويغسل فرجه وما حوله ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يصب الماء على رأسه ويروي أصول شعره، ثم يصب ثلاث غرف بعد أن روى أصول شعره، وفي الأحاديث الأخرى أنه غسل رأسه ثلاثاً، فحثى ثلاث حثيات، وهنا أنه صب الماء على رأسه وروى أصول شعره، فخلل ثم صب على رأسه ثلاث غرف، ثم أكمل غسله. والغسل في الرأس مقداره ملء الكفين، فيملأ كفيه ويصبه على رأسه.

تخليل الجنب رأسه

تخليل الجنب رأسه

شرح حديث عائشة: (كان يغسل يديه ويتوضأ ويخلل رأسه)

شرح حديث عائشة: (كان يغسل يديه ويتوضأ ويخلل رأسه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: تخليل الجنب رأسه. أخبرنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى قال: حدثنا هشام بن عروة قال: حدثني أبي قال: حدثتني عائشة رضي الله عنها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة: (أنه كان يغسل يديه ويتوضأ، ويخلل رأسه حتى يصل إلى شعره، ثم يفرغ على سائر جسده)]. فيه مشروعية تخليل الشعر، وأنه ينبغي إيصال الماء إلى أصول الشعر في غسل الجنابة، بخلاف الوضوء؛ فإن الواجب في الوضوء أن يمسح الرأس مسحاً، وأما الجنابة فلابد من غسل الشعر وإيصال الماء إلى أصول الشعر، وكذلك في غسل الحيض والجنابة، لكن يستحب نقض الشعر إذا كان مفتولاً ومضفوراً في الحيض؛ لأن مدتها تطول، أما الجنابة فلأنها تتكرر فالأمر أخف، وإنما يتأكد في حقها ويستحب أن تنقض الشعر في الحيض.

شرح حديث إشراب رسول الله رأسه في الغسل

شرح حديث إشراب رسول الله رأسه في الغسل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب رأسه، ثم يحثي عليه ثلاثاً)]. قوله: (كان يشرب رأسه) أي: يجعل شعره يشرب الماء، وهو بمعنى الحديث الآخر: (يروي أصول شعره).

ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه

ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه

شرح حديث: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف)

شرح حديث: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: (تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم: إني لأغسل كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف)]. قوله: (أكف) يعني: جمع كف، وهو معنى الحديث الآخر: (يحثي على رأسه ثلاث حثيات)، وكانوا يتمارون في كيفية الغسل، فقال النبي: (أما أنا فأصب على رأسي ثلاث أكف)، وفي الحديث الآخر: (ثلاث غرف) أي: ثلاث غرفات، يعني: ملء الكف ثلاث مرات، فيصب على الرأس بحيث يروي أصول الشعر.

ذكر العمل في الغسل من الحيض

ذكر العمل في الغسل من الحيض

شرح حديث عائشة في كيفية التطهر من دم الحيض

شرح حديث عائشة في كيفية التطهر من دم الحيض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ذكر العمل في الغسل من الحيض. أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن منصور -وهو ابن صفية - عن أمه، عن عائشة رضي الله عنها: (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأخبرها كيف تغتسل، ثم قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها، قالت: وكيف أتطهر بها؟ فاستتر كذا ثم قال: سبحان الله! تطهري بها، قالت عائشة رضي الله عنها: فجذبت المرأة وقلت: تتبعين بها أثر الدم)]. وفيه كيفية الغسل من الحيضة، وأن المرأة تأخذ فرصة ممسَّكة وتتبع بها أثر الدم، والفرصة هي: قطعة من جلد فيها مسك، فتغسلها بالمسك وتتبع أثر الدم يعني: في الفرج؛ لتزول الرائحة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (تطهري بها) ولم تفهم المرأة، وقيل: إنها شكَّت، فالنبي صلى الله عليه وسلم استحى، فقال: (سبحان الله تطهري بها!)، ففهمت عائشة رضي الله عنها فاجتذبت المرأة وقالت: (تتبعي بها أثر الدم)، يعني: تأخذ القطعة وتتبع فرجها؛ وتتبع بها أثر الدم، وهذه القطعة روي (فرصة من مَسك)، يعني: قطعة من جلد، لأنه ليس عندها طيب، وروي: (خذي فرصة من مِسك)، يعني: الطيب، وأنه يمكن أن يوجد على الخلاف. فالمقصود: أنها تأخذ قطعة من قطن أو من قماش وفيها شم المسك، فتتبع بها أثر الدم في فرجها حتى تقطع الرائحة من أثر الحيض. دل الحديث على أن الحائض يستحب لها عند الغسل أن تقطع أثر الرائحة بشيء من المسك أو بشيء من القطن.

ترك الوضوء من بعد الغسل

ترك الوضوء من بعد الغسل

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله لا يتوضأ بعد الغسل)

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله لا يتوضأ بعد الغسل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ترك الوضوء من بعد الغسل. أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الحسن -وهو ابن صالح - عن أبي إسحاق (ح) وأخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل)]. فقد كان عليه الصلاة والسلام يتوضأ قبل الغسل، لكن لو لم يتوضأ قبل الغسل توضأ بعده، إلا إذا نوى رفع الحدثين ارتفع عند جمع من أهل العلم، لكن كونه يتوضأ أحوط وأفضل؛ وكونه يتوضأ قبل الغسل هذا هو الأصل، وهذا السند فيه عنعنة أبي إسحاق، وعنعنته قليلة. والحديث أخرجه الترمذي.

غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه

غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه

شرح حديث ميمونة في تنحي رسول الله عن مقامه لغسل رجليه في غسل الجنابة

شرح حديث ميمونة في تنحي رسول الله عن مقامه لغسل رجليه في غسل الجنابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه. أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا عيسى عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني خالتي ميمونة رضي الله عنها قالت: (أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً، ثم أدخل بيمينه في الإناء فأفرغ بها على فرجه، ثم غسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه، قالت: ثم أتيته بالمنديل فرده)]. حديث عائشة وحديث ميمونة كلاهما في الصحيحين، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام بدأ أولاً وغسل يديه ثلاثاً، قيل: إنه بعد ذلك استنجى وغسل الأثر الذي فيه، ثم ضرب بيده الحائط فدلكها دلكاً شديداً؛ لإزالة ما علق بها من الأثر، والآن لا يوجد عندنا حائط فيه تراب ولا أرضاً بها تراب، فكل شيء أملس، لكن ينوبه الصابون وما أشبهه. (ثم توضأ وضوءه للصلاة) عليه الصلاة والسلام وأخر رجليه، قالت: (ثم تنحى)، ثم أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم غسل شقه الأيمن، ثم غسل شقه الأيسر، ثم غسل رجليه بعد ذلك، وقولها: (ثم تنحى) أي: حتى يبتعد عن الطين؛ لأن المستحمات عندهم ليست مبلطة كما هي عندنا، بل كان فيها طين، فيتنحى عن المكان إلى مكان آخر حتى يغسل رجليه بعد ذلك لتكون نظيفة من أثر الطين، لأنهم كانوا يلبسون الحذاء دائماً، فإذا اغتسل علق الطين والتراب برجله، فتنحى إلى مكان آخر لما انتهى، ثم غسل رجليه في آخر الأمر حتى تكونا نظيفتين من أثر الطين. وفي حديث عائشة أنه توضأ وغسل رجليه ثم أكمل وضوءه، وفي حديث ميمونة أخر غسل الرجلين حتى انتهى ثم غسلهما، فهو مخير بين هذا وهذا، ولكن الآن لا يوجد أثر للطين في الحمامات، فإذا أكمل وضوءه على ما في حديث عائشة فحسن، ثم يكمل الغسل. وقولها: (ثم أتيته بالمنديل فرده، فجعل ينفض الماء بيديه)، فيه دليل على أن ترك التمندل والتنشف بعد الغسل أفضل، وإن تمندل فلا حرج، لكن تركه أفضل، ولعله من أجل أن يتقاطر الماء من أثر الغسل، ولهذا قالت ميمونة رضي الله عنها: (فأتيته بالمنديل فرده، وجعل ينفض الماء بيديه)، وهذا في الغسل، أما الوضوء فهو مسكوت عنه، ولهذا يقول الفقهاء: وتباح معونته وتنشيف أعضائه للمتوضئ.

ترك المنديل بعد الغسل

ترك المنديل بعد الغسل

شرح حديث ترك النبي التنشف عند كل أتي به إليه بعد اغتساله

شرح حديث ترك النبي التنشف عند كل أتي به إليه بعد اغتساله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ترك المنديل بعد الغسل. أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل، فأتي بمنديل فلم يمسه، وجعل يقول بالماء هكذا)]. تركه هنا من باب الاستحباب، وترك التمندل أفضل، وإن تنشف فلا حرج.

وضوء الجنب إذا أراد أن يأكل

وضوء الجنب إذا أراد أن يأكل

شرح حديث: (كان رسول الله إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ)

شرح حديث: (كان رسول الله إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: وضوء الجنب إذا أراد أن يأكل. أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب، عن شعبة (ح) وأخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم -وقال عمرو: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ، زاد عمرو في حديثه: وضوءه للصلاة)]. هذا هو الأفضل، فالإنسان إذا كان جنباً وأراد أن ينام أو يأكل أو يشرب فليتوضأ وضوءه للصلاة، والنوم آكد، كما سيأتي وكما في حديث البخاري أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ)، فهذا متأكد في حق الجنب إذا أراد أن ينام، وفي الأكل يخير كما سيأتي؛ وكونه يتوضأ أفضل وإن ترك فلا حرج.

اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل

اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل

شرح حديث: (وإذا أراد أن يأكل غسل يديه)

شرح حديث: (وإذا أراد أن يأكل غسل يديه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل. حدثنا محمد بن عبيد بن محمد قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه)]. لعل هذا يدل على التوسعة في الأمر، ففي الحديث الأول أنه إذا أراد أن يأكل توضأ، وهنا غسل يديه، فلعله محمول على الجواز، فالوضوء أفضل، وإن ترك الوضوء فلا حرج، وأما النوم فيتأكد في حق الجنب أن يتوضأ وضوءه للصلاة، ولهذا لما سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ) فقيده بالوضوء.

اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب

اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب

شرح حديث: (وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه)

شرح حديث: (وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب. أخبرنا سويد بن نصر قال أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب قالت: غسل يديه، ثم يأكل أو يشرب)]. فيه أن الأكل والشرب أسهل من النوم، ولهذا فالنوم ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نام من دون وضوء، بل إذا كان عليه جنابة وأراد أن ينام توضأ، وأما الأكل والشرب فتارة يتوضأ وتارة يأكل ويشرب بدون وضوء.

كتاب الطهارة [14]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [14] المسلم لا ينجس حياً ولا ميتاً، حتى ولو كانت عليه جنابة، إلا أنه لا يقرب الصلاة حتى يغتسل، ويجوز له أن يذكر الله، ويجوز له أن ينام وهو جنب، إلا أنه يستحب له أن يغتسل، ويستحب للجنب إذا أراد أن يعود إلى أهله أن يتوضأ لأن ذلك أنشط للعود.

وضوء الجنب إذا أراد أن ينام

وضوء الجنب إذا أراد أن ينام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام. أخبرنا قتيبة بن سعيد أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام)]. لأن الوضوء يخفف الجنابة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا توضأ)]. هذا الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، وفيه قال: (نعم، إذا توضأ) فاشترط الوضوء، فدل على تأكد الوضوء للجنب، أما الأكل والشرب فتارة وتارة.

وضوء الجنب وغسل ذكره إذا أراد أن ينام

وضوء الجنب وغسل ذكره إذا أراد أن ينام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: وضوء الجنب وغسل ذكره إذا أراد أن ينام. أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (ذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ واغسل ذكرك، ثم نم)]. الواو لا تفيد الترتيب؛ لأن غسل الذكر مقدم على الوضوء، والمعنى: اغسل ذكرك وتوضأ، والواو لا تقتضي ترتيباً ولا تقديماً ولا تأخيراً وإنما الواو لمطلق الجمع، وهذا من فوائد النحو، فالنحو فيه فوائد أحياناً يتوقف عليها المعنى، فالإنسان الذي يحسن النحو يستفيد، ويقرأ قراءة طيبة ويستفيد من المعاني؛ ولهذا قال: (توضأ واغسل ذكرك)، ليس المراد أنه يتوضأ ثم يغسل ذكره، فالواو لا تفيد هذا، بخلاف الفاء، فلو قال: توضأ فاغسل ذكرك، فهو يفيد الترتيب، أما الواو فهي لمطلق الجمع، والمعنى: اجمع بين الأمرين؛ اغسل ذكرك وتوضأ، لكن لابد أن يكون غسل الذكر مقدم. النسائي رحمه الله في سننه نوع التراجم من أجل استنباط الفوائد. فقد غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، قالت: (كان يغسل يديه ثلاثاً، ثم يفيض باليمنى على اليسرى فيغسل فرجه وما أصابه). يعني: إذا أزال الأذى فاستنجى واستجمر أو أزال ما على فخذيه، يغسل يده اليسرى مرة ثانية ويغسل يديه، وفي الحديث أنه غسل يديه بعدما توضأ وبعدما أزال ما على فخذيه وفي الحديث: (ثم ضرب بيده الحائط فدلكهما دلكاً شديداً). وتبييت النية من الليل لا يلزم إلا في صوم الفرض، لكن إذا نوى من الليل صار أكمل، ولا يكتب له أجر الصوم إلا من وقت النية، فإذا نوى الصيام في أثناء النهار وهو لم يأكل صح الصوم، لكن لا يكتب له الأجر إلا من وقت نيته. لكن لو لم ينم إلا الضحى أو بعد الظهر وهو لم يأكل ولم يشرب ولم يفعل شيئاً ينافي الصيام فإنه يصح الصوم، لكن لا يكتب له أجر إلا من نيته، (كان النبي يأتي إلى أهله ضحىً ويقول: هل عندكم من شيء؟ -يعني: أكل- فيقولون: لا. فيقول: إني إذاً: صائم) فيصوم.

ما ذكر في الجنب إذا لم يتوضأ

ما ذكر في الجنب إذا لم يتوضأ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب إذا لم يتوضأ: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا هشام بن عبد الملك أخبرنا شعبة ح وأخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن شعبة -واللفظ له- عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جُنُب)] قال السيوطي رحمه الله تعالى: عن عبد الله بن نجي بضم النون وفتح الجيم وتحتية، تابعي هو وأبوه. (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب) قال الخطابي رحمه الله: المراد بالملائكة الذين ينزلون بالرحمة والبركة لا الحفظة، فإنهم لا يفارقون الجنب ولا غيره, وقيل: ولم يرد بالجنب من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة، ولكنه الجنب الذي يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد. قال: وأما الكلب فهو: أن يقتنى لغير الصيد والزرع والماشية وحراسة الدور. قال: وأما الصورة فهي: كل ما صور من ذوات الأرواح، سواء كان على جدار أو سقف أو ثوب. انتهى. قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: وفي تخصيصه الجنب بالمتهاون والكلب بالذي يحرم اقتناؤه نظر وهو محتمل، وقال في شرح أبي داود: الأظهر أنه عام في كل كلب، وأنهم يمنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث؛ ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر، فإنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل عليه السلام من دخول البيت، وعلل بالجرو، فلو كان العذر في وجود الكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل، قال: وقال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه كلب؛ لكثرة أكل النجاسات؛ ولأن بعضها يسمى شيطاناً كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب، والملائكة تكره الرائحة القبيحة؛ ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه، واستغفارها له، وتبريكها في بيته، ودفعها أذى الشيطان، وسبب امتناعهم عن بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى. قال: وذكر الخطابي والقاضي عياض: أن ذلك خاص بالصورة التي يحرم اتخاذها دون الممتهنة كالتي في البساط والوسادة ونحوها، قال: والأظهر أنه عام في كل صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع؛ لإطلاق الحديث. انتهى. وقال الشيخ ولي الدين العراقي رحمه الله: وأما امتناعهم من دخول البيت الذي فيه جنب إن صحت الرواية فيه، فيحتمل أن ذلك لامتناعه من قراءة القرآن، وتقصيره بترك المبادرة إلى امتثال الأمر، لكن في هذا نظر؛ لأنه صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخر الاغتسال، وانعقد الإجماع على أنه لا يجب على الفور فالوجه ما قاله الخطابي، وكذا قال صاحب النهاية: أراد بالجنب في هذا الحديث الذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة، فيكون أكثر أوقاته جنباً، وهذا يدل على قلة دينه، وخبث باطنه. وحمل جماعة من العلماء ذلك على ما إذا لم يتوضأ فبوب عليه النسائي رحمه الله: باب في الجنب إذا لم يتوضأ، وبوب عليه البيهقي رحمه الله: باب كراهة نوم الجنب من غير وضوء. انتهى. وقال السندي: (ابن نجي) بضم نون، وفتح جيم، وتشديد ياء، وثقة النسائي، ونظر البخاري في حديثه، قوله: (لا تدخل الملائكة) حملت على ملائكة الرحمة والبركة إلا الحفظة، فإنهم لا يفارقون الجنب ولا غيره، وحمل الجنب على من يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لا من يؤخر الاغتسال إلى حضور الصلاة، وأشار المصنف بالترجمة إلى أن المراد: من لم يتوضأ. وبالجملة: فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينام وهو جنب، ويطوف على نسائه بغسل واحد، ورخص في النوم بوضوء، فلا بد من تخصيص في الحديث وحمل الكلب على غير كلب الصيد والزرع ونحوهما. وأما الصورة فهي صورة ذي روح قيل: إذا كان لها ظل، وقيل: بل أعم، ومال النووي رحمه الله إلى إطلاق الحديث، لكن أدلة التخصيص أقوى وأظهر والله تعالى أعلم. فهذا الحديث فيه إشكال، وذلك أن هذا الحديث قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب). وقوله: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب) ثابت في الصحيحين لا إشكال فيه، والمراد بالملائكة: ملائكة الرحمة, لا الحفظة ولا الكتبة؛ فإنهم لا يفارقون الإنسان، والمراد بالصورة: غير الممتهنة التي تكون في البسط والفرش؛ فإنها لا تمنع دخول الملائكة، فالحديث عام مخصوص، ولا تدخل بيتاً فيه صورة, يعني: صورة غير ممتهنة. أما الممتهنة التي تكون في البساط والفرش، وتوطأ، فدلت الأدلة على أنها لا تمنع دخول الملائكة، فيكون الحديث عاماً مخصوصاً لصورة الممتهنة، والمراد بالكلب: غير المأذون فيه، ككلب الصيد، والزرع، والماشية، أما قول الشارح: كلب الدور, فإن كلب الدور ما يقاس عليه، وإنما هذا خاص بالثلاثة التي جاءت في الحديث: كلب الصيد، والزرع، والماشية، فإن كلب الصيد والزرع، لا يقع منه امتناع الملائكة. بقي مسألة الجنب: فالحديث دل على أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في صحيح البخاري وغيرهما أن النبي كان ينام وهو جنب عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث من رواية عبد الله بن نجي عن أبيه، وكلام العلماء عن عبد الله بن نجي هذا قال فيه في التقريب: صدوق، وقال فيه النسائي: ثقة، وقال البخاري: فيه نظر، والبخاري لطيف العبارة، إذا قال: فيه نظر، معناه: لا يحتج به، وأما أبوه نجي فقال فيه في التقريب: مقبول، وقال فيه في الكاشف: لين، وكذلك في تهذيب الكمال، وذكروا أنه صاحب مطهرة علي رضي الله عنه فإن الإناء الذي يتطهر فيه كان له اختصاص به، وفي الجرح والتعديل لم يتكلم فيه، وإنما ذكر أنه يروي عنه ابنه، وكذلك ابنه لم يذكر فيه تعديل، وللذهبي قال: إن نجي لا يدرى من هو، فالحديث هذا في صحته نظر، والنسائي حمله على أنه على الجنب إلا إذا لم يتوضأ، والحديث له شاهد أيضاً عند أحمد. وقد يقال: إن الحديث يكون حسناً لغيره، فيحتمل أن يكون حسناً، ويحتمل أن يكون ضعيفاً؛ لشذوذه ومخالفته للأحاديث الصحيحة، ونجي ليس بذلك في رواية علي رضي الله عنه، فلا يقاوم الأحاديث الصحيحة التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب. والنسائي بوب عليه وقال: باب في الجنب إذا لم يتوضأ، وحمله على ما إذا لم يتوضأ، فإن صح الحديث فهو محمول على ما إذا لم يتوضأ، وهذا جمع بينه وبين الأحاديث الصحيحة، وإن لم يصح زال الإشكال، والعمدة على الأحاديث الصحيحة. وقد سأل عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قال: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب، وَسَبَق حديث عائشة أنها سئلت: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل في أول الليل أو في آخر الليل؟ قالت: ربما اغتسل في أوله، وربما اغتسل في آخره، ثم قالت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. فكيف يكون هذا الحديث: أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب، قال لـ عمر: (نعم. إذا توضأ)؟! فالحديث إما أن يقال: ضعيف معارض للأحاديث الصحيحة أو أن يقال: إنه حسن لغيره في رواية الإمام أحمد، ويحمل على الجنب إذا لم يتوضأ، وهذا ما فعله النسائي؛ لأن الحافظ قال فيه: مقبول، والمقبول لا يحتج به إلا إذا توبع، وقال فيه الذهبي والكاشف: لين، وابنه عبد الله صدوق، وقال فيه البخاري: فيه نظر, ونظر البخاري لطيف العبارة، إذا قال: فيه نظر. يعني: لا يحتج به، والنسائي قال: ثقة، فالابن أحسن حالاً من أبيه، فالابن صدوق لكن الأب قال فيه الذهبي في ميزان الاعتدال: لا يدرى من هو. فالمقصود أن هذا الحديث في صحته نظر، ولو صح فهو محمول على ما إذا لم يتوضأ كما حمله النسائي، وهذا هو الأقرب وجاء في الأحاديث أن المصورين يعذبون، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وهذا يقال لمن صور ما فيه روح، لأنه مضاهاة لخلق الله، ولهذا قال ابن عباس: لو كنت مصوراً لصورت الشجر وما لا روح فيه، فإما أن يصور شجراً أو سماءً أو أرضاً، لا بأس بتصوير غير ذوات الأرواح، لكن لا يصور آدمياً أو طيراً أو حشراتٍ أو حيتاناً أو وحوشاً فكل هذا ممنوع.

ما ذكر في الجنب إذا أراد أن يعود

ما ذكر في الجنب إذا أراد أن يعود قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب إذا أراد أن يعود. أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي المتوكل عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد أحدكم أن يعود توضأ)]. هذا فيه استحباب الوضوء إذا أراد أن يعود في الجماع مرة أخرى، فيستنجي ويتوضأ وضوءه للصلاة، وهذا هو السنة. وفي رواية: (فيتوضأ فإنه أنشط أن يعود) يتوضأ الوضوء الشرعي، وحمله بعضهم على الوضوء اللغوي، والصواب حمله على الوضوء الشرعي؛ لأن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم تحمل على الحقيقة الشرعية، وجاء في رواية ابن خزيمة: (فليتوضأ وضوءه للصلاة) وهذه تزيل الإشكال. والذين قالوا: إنه الوضوء اللغوي قالوا: إنما شرع الوضوء للعبادات لا لقضاء الشهوات، لكن هذا رأي قد أبطلته رواية ابن خزيمة (فليتوضأ وضوءه للصلاة)، ولأن الأصل أن يحمل كلام الشارع على الحقيقة الشرعية، هذا هو الأصل فهو ليس لغوياً يحمل على كلام أهل اللغة، وإن كانت النصوص في أرقى البلاغة والفصاحة، فالمقصود به الوضوء الشرعي. والأصل أن يكون للوجوب لكن يصرف عن الوجوب لأنه لا يريد أن يصلي ولا يريد أن يؤدي عبادة، وهو من جملة الأوامر والآداب. قال السيوطي رحمه الله: اختلف في المراد بالوضوء هنا، فقيل: غسل الفرج فقط مما به من أذى، قال القاضي عياض: وهو قول جماعة من الفقهاء، زاد القرطبي وأكثر أهل العلم قال: ويستدل على ذلك بأمرين: أحدهما: أنه ورد في رواية: (فليغسل فرجه) مكان (فليتوضأ). والثاني: أن الوطء ليس من قبيل ما شرع له الوضوء، فإنه بأصل مشروعيته للقرب والعبادات، والوطء من الملاذ والشهوات، وهو من جنس المباحات، ولو كان ذلك مشروعاً لأجل الوطء لشرع في الوطء المبتدأ، فإنه من نوع المعاد، وإنما ذلك لما يتلطخ به الذكر من ماء الفرج والمنى، فإنه مما يكره ويستثقل عادةً وشرعاً. وقيل: المراد به غسل الوجه واليدين، روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان إذا أتى أهله ثم أراد أن يعود غسل وجهه وذراعيه. وقيل: المراد الوضوء الشرعي الكامل وعليه أصحابنا؛ لأن في رواية ابن خزيمة: (فليتوضأ وضوءه للصلاة) وادعى الطحاوي أن هذا منسوخ، وقال: قد يجوز أن يكون أمر بهذا في حال ما كان الجنب لا يستطيع ذكر الله حتى يتوضأ، فأمر بالوضوء، ثم رخص لهم أن يتكلموا بذكر الله وهم جنب، فارتفع ذلك، ثم روى من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ وينام ولا يغتسل) وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي زيادة: (فإنه أنشط للعود) أي: إلى الجماع، وهو تصريح بالحكمة فيه. وثبت في صحيح مسلم أنه يعود ولا يتوضأ ولا يغتسل، والمقصود: أن هذا الحديث يكون صارفاً للأمر من الوجوب إلى الاستحباب. والصواب: أن يراد به الوضوء الشرعي، وقول الطحاوي أنه منسوخ هذا لا وجه له، وهو للاستحباب لا للوجوب.

إتيان النساء قبل إحداث الغسل

إتيان النساء قبل إحداث الغسل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إتيان النساء قبل إحداث الغسل. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ويعقوب بن إبراهيم واللفظ لـ إسحاق قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن حميد الطويل عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد)]. وهذا دليل على أنه لا بأس أن مع الرجل نساءه بغسل واحد إذا كان له عدد من النساء، لكن لابد من الوضوء بعد جماع كل واحدة؛ لأنه إذا أراد أن يعاود الجماع بزوجته فوضوءه من جماع كل واحدة. وفيه جواز جماع زوجاته في وقت واحد؛ لأن هذا ليس من الجور، لأنه عدل بينهن فهو عدل، وفي الحديث: ما أعطى الله نبيه من القوة والقدرة على الجماع تسع نسوة في وقت واحد، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في حجة الوداع قبل الإحرام بغسل واحد، وكذلك الأنبياء السابقون؛ فإن سليمان عليه السلام طاف على تسعين امرأة في ليلة واحدة، وقال: لأطوفن الليلة على ستين امرأة تلد كل امرأة غلاماً يجاهد في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل، وفي لفظ: فطاف عليهن فلم تحمل إلا واحدة، وجاءت بنصف إنسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي! بيده لو قال: إن شاء الله لكان دركاً لحاجته ولقاتلوا في سبيل الله أجمعون) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا ثابت في الصحيحين، وهذا فيه القوة العظيمة حيث أعطاه الله قوة على جماع تسعين امرأة في ليلة واحدة، والنبي طاف على تسع، فالأنبياء أعطاهم الله قوة، ولهذا قال بعض السلف: كنا نحدث أن النبي أعطي قوة ثلاثين رجلاً في الجماع، وهذه قوة أعطاه الله إياها مع ما يصيبه من مشقة في الجوع وقلة الطعام وما يقوم به من الأعمال العظيمة في تبليغ الرسالة والدعوة عليه الصلاة والسلام.

شرح حديث: (كان رسول الله يطوف على نسائه في غسل واحد)

شرح حديث: (كان رسول الله يطوف على نسائه في غسل واحد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يطوف على نسائه في غسل واحد)]. طاف على نسائه أي: دار، وهو كناية عن الجماع بغسل واحد، وفي رواية: في غسل، والمعنى واحد أي: يجامعهن ملتبساً ومصحوباً بنية غسل واحد، وتقديره: وإلا فالغسل بعد الفراغ من جماعهن، وهذا يحتمل أنه كان يتوضأ عقب الفراغ من كل واحدة منهن، ويحتمل ترك الوضوء لبيان الجواز، ومحمله على عدم وجوب القسم عليه أو على أنه كان برضاهن، وقال القرطبي: يحتمل أن يكون عند قدومه من سفر أو عند تمام الدور عليهن، وابتداء دور آخر، أو يكون ذلك مخصوصاً به، والا فوطء المرأة في نوبة ضرتها ممنوع منه.

حجب الجنب من قراءة القرآن

حجب الجنب من قراءة القرآن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب حجب الجنب من قراءة القرآن: أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: أتيت علياً أنا ورجلان فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة). أخبرنا محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني الرقي قال: حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حال ليس الجنابة)]. هذا الحديث لا بأس بسنده، وفيه دليل على أن الجنب لا يقرأ القرآن، بخلاف غيره كالذكر والتسبيح والتهليل فلا بأس، وفي حديث عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، إلا القرآن كان لا يحجبه شيء إلا القرآن، كان يأكل اللحم إذا خرج من الخلاء، ولا يمتنع من شيء، ويذكر الله إلا القرآن، فالجنابة تحجب قراءة القرآن. وجاء في حديث آخر: (فأما الجنب فلا ولا آية) واختلف العلماء في الحائض والنفساء هل تقرآن القرآن أو لا تقرآنه؟ فالجمهور يرون أن الحائض والنفساء لا تقرآن القرآن قياساً على الجنب، كما أن الجنب لا يقرأ القرآن والمراد عن ظهر قلب بدون مس المصحف، وذهب الجمهور إلى أن الحائض والنفساء لا تقرأ القرآن، وهو مذهب الحنابلة والجماعة قياساً على الجنب، وفي هذا حديث ضعيف في منع الحائض والنفساء من قراءة القرآن. والقول الثاني: أنهما تقرآن القرآن، قالوا: والحديث في هذا ضعيف، وقياسه مع الجنب قياس مع الفارق؛ لأن الجنب مدته قصيرة، والحائض والنفساء مدتهما طويلة، قد تكون مدة النفاس أربعين يوماً، وقد يتفلت القرآن منها إذا كانت حافظة له، وقد تحتاج إلى مراجعة إذا كانت مدرسة أو طالبة، ولأن قراءة القرآن خير عظيم، فكيف تمنع من هذا الخير بدون دليل؟ ولأن الحائض والنفساء لا يستطعن إزالة الحدث، فهو ليس في أيديهما، بخلاف الجنب فإنه بيده، متى ما فرغ من حاجته اغتسل وقرأ القرآن، أما الحائض والنفساء فليس الأمر بيدهن، وقد تطول المدة. فالصواب: أنه لا بأس بقراءة الحائض والنفساء القرآن عن ظهر قلب بدون مس المصحف، وإذا احتاج مس المصحف يكون وراء قفازين، أما الجنب فلا، لأن مدته قصيرة ويستطيع أن يغتسل، والحديث في هذا صحيح، أما الحديث في منع الحائض والنفساء فهو ضعيف، وقياسه على الجنب قياس مع الفارق. قال السيوطي: (ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة). قال الزركشي في التخريج: ليس هنا بمعنى غير، وقال البزار: إنها بمعنى إلا، ويؤيده رواية ابن حبان: إلا الجنابة، وفي رواية له: ما خلا الجنابة، وقال على قوله: ليس الجنابة بالنصب على أن ليس من أدوات الاستثناء، والمراد بعموم شيء ما يجوز العقل فيه القراءة من الأحوال، وإلا فحالة البول والغائط مثل الجنابة، لكن خروجهما عقلاً أغنى عن الاستثناء.

مماسة الجنب ومجالسته

مماسة الجنب ومجالسته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مماسة الجنب ومجالسته. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن الشيباني، عن أبي بردة عن حذيفة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل من أصحابه ماسحه ودعا له، قال: فرأيته يوماً بكرة، فحدت عنه ثم أتيته حين ارتفع النهار، فقال: إني رأيتك فحدت عني! فقلت: إني كنت جنباً فخشيت أن تمسني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسلم لا ينجُس)]. قوله: ماسحه لعل المراد: صافحه، قوله: فحدت يعني: ملت. قوله: (إن المسلم لا ينجس) فيه دليل على أن المسلم لا ينجس، والدليل على أنه طاهر ولعابه طاهر، وكذلك الحائض بدنها ولعابها، وإنما النجاسة نجاسة خروج الدم، فالمسلم لا ينجس، والحدث أمر تعبدي يمنع من الصلاة ومن مس المصحف، فالحدث ليس نجاسة، ولهذا لما حاد حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومال عنه قال له النبي: (إن المسلم لا ينجس) وفي لفظ آخر في قصة قال: (إن المؤمن لا ينجس) فليس الحدث نجاسة، وإنما هو أمر تعبدي معنوي يمنع من العبادة، ويمنع من الصلاة، ويمنع من الطواف في البيت، ويمنع من مس المصحف، وليس نجاسة. قال: [أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا يحيى حدثنا مسعر حدثني واصل عن أبي وائل عن حذيفة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فأهوى إلي، فقلت: إني جنب، فقال: إن المسلم لا ينجس). أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر -وهو ابن المفضل - قال: حدثنا حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في طريق من طرق المدينة وهو جنب، فانسل عنه فاغتسل ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله إنك لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجُس). في الحديث الأول أن المسلم لا ينجس، فالمؤمن لا ينجس، وإنما هو أمر تعبدي، وفيه دليل على أنه لا بأس أن يؤخر الإنسان الغسل، وأنه لا حرج، ولا يعتبر هذا من التهاون كما سبق من بعض الشراح قال: إن هذا يحمل على التهاون في الجنابة، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه وكذلك حذيفة أخرا الغسل مدة ولم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: تهاونتم! لماذا أخرتم الغسل؟ فهذا يدل على أن ذلك الحديث إما أنه ضعيف أو محمول على الجنب إذا لم يتوضأ، وهو حديث: (لا تدخل الملائكة بيت فيه صورة ولا كلب ولا جنب) فبعضهم حمله على المتهاون، فليس بظاهر، وإنما يحمل إن صح على من لم يتوضأ. وفيه مشروعية التسبيح عندما يتعجب من شيء دون التصفيق، ولهذا قال له النبي لما جاء: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) ولم يصفق، فهذا دليل على رد ما يفعله بعض الناس إذا جاءهم شيء صفقوا، فهذا خلاف المشروع، بل هو من هدي المشركين، قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما التصفيق للنساء) وإنما إذا أعجب الإنسان شيءٌ يسبح ويكبر الله.

كتاب الطهارة [15]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [15] للحائض أحكام كثيرة في الشريعة، منها: عدم الوطء حتى تطهر وتغتسل، وترك الصلاة والصيام، ومشروعية ذكر الله بالإجماع، وجواز قراءة القرآن من غير مس له على الراجح من أقوال العلماء، ومشروعية مضاجعة الحائض ومباشرتها فيما دون الفرج.

ما ذكر في استخدام الحائض

ما ذكر في استخدام الحائض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استخدام الحائض. أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان حدثني أبو حازم، قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال: يا عائشة! ناوليني الثوب، فقالت: إني لا أصلي، قال: إنه ليس في يدك فناولته). أخبرنا قتيبة بن سعيد عن عبيدة عن الأعمش ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: إني حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليست حيضتك في يدك). أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد مثله. ]. هذا فيه دليل على طهارة الجنب والحائض، وأن عَرَقَ الجنب والحائض وبدنهما طاهر، وأن النجاسة في الدم فقط، ولهذا لما قال النبي لـ عائشة: (ناوليني الخمرة، قالت: إني حائض، قال: ليست حيضتك في يدك)؛ إنما النجاسة نجاسة الدم، والخمرة: قطعة حصير يصلى عليها تكون على قدر المصلي أو على قدر يديه، وسميت خمرة لأنها تستر الأرض، فإذا كان صغيراً في المصلى بقدر الوجه واليدين سمي خمرةً، وإذا كان أكبر من ذلك يسمى مصلىًّ. قال: ناوليني الخمرة في المسجد قالت: إني حائض، وهو يدل على أنه لا بأس في مرور الحائض والجنب في المسجد وإنما النهي عن المكث، ولهذا قال الله تعالى في كتابه العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] يمر مروراً فقط، أما المكث في المسجد فلا يمكث الجنب ولا الحائض، ولهذا قال: ناوليني الخمرة، فدلَّ على المرور (ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: إني حائض، قال: ليست حيضتك في يدك) لكن المكث ممنوع منه الجنب والحائض. قال السندي رحمه الله: قوله: (الخمرة) بضم خاء معجمة وسكون ميم، ما يصلى عليه الرجل من حصير ونحوه، (من المسجد) متعلق بقال، أي: قال وهو في المسجد: ناوليني الخمرة، لأن المناولة كانت من الحجرة كما سبق، كذا يفهم من تقرير القاضي عياض وهذا مبني على اتحاد القضية، وإلا ظهر تعددها، وتعلق من بناوليني، ولما كانت المناولة من المسجد أشد من مناولة من في المسجد من الخارج اعتذرت بالحيض فيها، كما اعتذرت به في المناولة من الخارج فليتأمل. فالصواب: الكلام الأخير النهي من المكث، لا كما قال القاضي عياض من تقريره وهذا واضح. فإذا قال قائل: المؤذن يجوز له أن يؤذن وهو جنب ثم يخرج من المسجد؟ ف A هذا قد يقال: إنه مثل المرور، وقد يقال: إنه مكث، لأنه يؤذن خمسة عشر جملة، وقد يقال: إنه يحتاج إلى هذا، وعلى كل حال فالأولى له أن يغتسل، وينبغي له أن لا يتساهل في هذا، وقد يقال: إن الوقت قصير، وهذا يدعو إلى التساهل والتهاون، فقد يتأخر في الاغتسال فتفوته الصلاة! فإن قيل: هل يجوز للجنب أن يمكث في المسجد؟ فالجواب: هذا ممنوع لا يجوز، فلا بد أن يخرج من المسجد فوراً، قال الله تعالى: ((وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ)) فالجنب لا يجوز له إلا المرور فقط، كذلك لا يجوز للحائض المكث في المسجد، تمكث في السيارة إذا كانت تسمع ذكراً أو محاضرةً أو تجلس في مكان خلف المسجد.

بسط الحائض الخمرة في المسجد

بسط الحائض الخمرة في المسجد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بسط الحائض الخمرة في المسجد. أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن منبوذ عن أمه أن ميمونة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا، فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض). الحديث في سنده منبوذ وأمه، منبوذ قال الحافظ في التقريب: مقبول، وأم منبوذ مقبولة أيضاً، والمقبول إنما يشتد به إذا توبع، والحديث له شاهد عند البخاري مختصر وإلا فالحديث فيه راويان مقبولان إن لم يكن له شاهد، فيكون حسناً لغيره، وتسمية منبوذ جائز، لكن غيره أحسن منه، وفيه أنه لا بأس بوضع الرجل رأسه في حجر امرأته يتلو القرآن وهي حائض. كذلك وضع الخمرة في المسجد ليس مكثاً، وعندما تأخذها من المسجد أو تبسطها في المسجد وهي خارجة في الحال، فهذا يعتبر مروراً وليس مكثاً، أما المكث فممنوع، لا تمكث الحائض ولا الجنب.

حكم الذي يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض

حكم الذي يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الذي يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر -واللفظ له- أخبرنا سفيان عن منصور عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر إحدانا وهي حائض وهو يتلو القرآن)]. وهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام وحسن معاشرته وملاطفته لأهله عليه السلام، كونه يضع رأسه في حجرها أو يستند إليها، هذا من باب الإيناس وحسن الخلق، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

غسل الحائض رأس زوجها

غسل الحائض رأس زوجها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب غسل الحائض رأس زوجها. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان قال: حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يومئ إلي رأسه وهو معتكف فأغسله وأنا حائض). أخبرنا محمد بن سلمة قال: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث وذكر آخر عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلي رأسه من المسجد وهو مجاور، فأغسله وأنا حائض)]. قولها: (مجاور) يعني: معتكف يعني: يذكر رجلاً آخر اسمه عمرو بن الحارث كلاهما عن أبي الأسود. وفيه دليل على أنه لا بأس بإخراج المعتكف رأسه من المسجد، وأنه لا يعتبر خروجاً من المسجد، ولو حلف أو نذر داخل المسجد ثم أخرج رأسه لا يعتبر خروجاً، لا يخرج حتى يخرج قدمه من المسجد، لكن إذا كانت قدماه داخل المسجد ويخرج رأسه فهذا لا يعتبر خروجاً، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه وهو في المسجد لـ عائشة وهي في حجرتها في بيته فتغسله وترجله وتسرح شعره وهي حائض، وهذا يدل على طهارة بدن الحائض ويدها، حيث كان يخرج رأسه من المسجد إلى الحجرة فتغسله وهو في المسجد وهي في الحجرة. فإن قيل: إذا كانت دورات المياه خارج المسجد هل يبطل الاعتكاف؟ ف A لا، إذا احتاج لقضاء الحاجة يخرج لقضاء الحاجة، فالمعتكف لا بد أن يخرج للوضوء وللغائط وإذا لم يكن له أحد يأتيه بالطعام يخرج، وإن كان أحد يأتيه بالطعام فلا يخرج. قال: [أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض). أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك (ح) وأنبأنا علي بن شعيب قال: حدثنا معنٌ حدثنا مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها مثل ذلك]. ترجيل الرأس: تسريحه.

مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها

مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها. أخبرنا قتيبة حدثنا يزيد - وهو ابن المقدام بن شريح بن هانئ - عن أبيه عن شريح عن عائشة رضي الله عنها: (سألتُها: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامِثٌ؟ قالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك، وكان يأخذ العرق فيقسم علي فيه فأعترق منه، ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشراب فيقسم عليَّ فيه قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه، ثم أضعُهُ فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح). هذا الحديث فيه جواز مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها، يعني: بقية الطعام وبقية الماء، وأن الحائض بدنها طاهر وعرقها طاهر. وقوله: وهي طامث يعني: حائض. والسند لا بأس به على شرط مسلم، والحديث أخرجه النسائي في الكبرى وابن ماجة وأبو داود، وفيه: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وإيناسه لأهله. قالت عائشة: (يدعوني فآكل معه وأنا عارك) يعني: حائض. (وكان يأخذ العرق فيقسم عليَّ فيه فأعترق منه) يعني: تنهش وتأكل منه. (ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه ويضع فمه حيث وضعت فمي) أي: إذا أكلت اللحم ثم وضعته أخذه ووضع فمه مكان فمها، (ويدعو بالشراب فيقسم عليَّ فيه قبل أن يشرب منه فآخذه فأشرب منه ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح). هذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام وإيناسه لأهله، وفيه دليل على جواز مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها وبقية طعامها وشرابها، وأنها طاهر بدنها وثوبها وعرقها وجسمها. قال: [أخبرنا أيوب بن محمد الوزان حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه، فيشرب من فضل سؤري وأنا حائض)].

الانتفاع بفضل الحائض

الانتفاع بفضل الحائض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الانتفاع بفضل الحائض. أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض، ثم أعطيه فيتحرى موضع فمي فيضعه على فيه). أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا مسعر وسفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أشرب وأنا حائض وأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض وأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في). وهذا دليل على أن جسم الحائض طاهر وبدنها وعرقها والانتفاع بسؤرها وفضلها كل هذا لا بأس به.

ما ذكر في مضاجعة الحائض

ما ذكر في مضاجعة الحائض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مضاجعة الحائض. أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا هشام (ح) وأخبرنا عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم قالا: حدثنا معاذ بن هشام واللفظ له قال: حدثني أبي عن يحيى حدثنا أبو سلمة أن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة حدثتها قالت: (بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفستِ؟ قلت: نعم. فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة). هذا الحديث فيه بيان جواز مضاجعة الحائض والنوم معها في الثوب الواحد والشعار الواحد، وأن الزوج له أن يراجع امرأته ولو كانت حائضاً، ولو تنام معه في ثوب واحد في الشعار الواحد، والشعار: هو الذي يلي الجسد، وأن يمس جسده جسدها، ولا حرج في جواز مس بشرته بشرة زوجته الحائض وصدره صدرها، وذلك أن بدن الحائض وعرقها ولعابها طاهر، والنجاسة إنما هي نجاسة الدم، وإذا أصاب الزوج شيئاً من الدم فإنه يغسله. وروي: حِيضتي وحَيْضتي. قال بعضهم: حَيْضَة بالفتح أفصح، والخميلة: القطيفة، وهو ما يلتحف به الإنسان، يشبه البطانية. قال: [أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً يحدث عن عائشة قالت: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث أو حائض، فإن أصابه مِنِّي شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه، ثم يعود فإن أصابه مِنِّي شيء فعل مثل ذلك ولم يعده وصلى فيه). وهذا كما سبق فيه جواز نوم الزوج مع زوجته الحائض والبيتوتة، وأنها تبيت معه في شعار واحد، والشعار: هو الثوب الذي يلي الجسد، وأنه لا يجعل بينه وبينها حائل، ولهذا قالت عائشة: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث أو حائض - والطامث هي الحائض - فإن أصابه مني شيء - يعني شيئاً من الدم - غسل مكانه ولم يعده) يعني: لا يزيد على المكان الذي أصابه الدم. قالت: (ثم يعود فإن أصابه شيء فعل مثل ذلك ولم يعده وصلى فيه) وهذا فيه تيسيره عليه الصلاة والسلام، وعدم التشديد في الأمر، فالمرأة الحائض طاهر بدنها وعرقها ولعابها، ولها أن تتولى جميع الأعمال تأكل وتشرب وتطبخ وتعجن وتخبز، وتعمل جميع الأعمال، كما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعرق العرق وتتعرق عائشة منه فيضع فمه مكان فمها، وإذا شربت كذلك شرب من الموضع الذي شربت فيه، وهذا فيه حسن خلقه عليه الصلاة والسلام وإيناسه لأهله. وفيه دليل على التيسير في الأمر، وكان اليهود يشددون في الأمر، فكان اليهود إذا حاضت المرأة سجنوها ولم يجامعوها في البيوت، يجعلونها في غرفة مستقلة ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يضاجعوها، وهذا تشديد، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم.

ما جاء في مباشرة الحائض

ما جاء في مباشرة الحائض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مباشرة الحائض. أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تشد إزارها ثم يباشرها). أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبانا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: (كانت إحدانا إذا حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزر ثم يباشرها). أخبرنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع عن ابن وهب عن يونس والليث عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن بدية -وكان الليث يقول: ندبة - مولاة ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين والركبتين - في حديث الليث - محتجزةً به)]. هذه الأحاديث فيها جواز مباشرة الزوج لزوجته الحائض، وأنه يأمرها أن تضع إزاراً فيما بين السرة والركبة، وهذا هو الأفضل ليكون ذلك أحوط وأبعد عن الخطر، ولكن لو باشرها بدون إزار فلا حرج بشرط أن يجتنب الجماع، ولهذا في حديث ميمونة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين والركبتين) ففيه أنها تتزر أحياناً، ويكون الإزار إلى أنصاف الفخذين، وأحياناً يكون إلى الركبتين، فالإزار أحياناً يبلغ أنصاف الفخذين وأحياناً يبلغ الركبتين، ولو باشرها بدون إزار فلا حرج لحديث أنس الذي رواه الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني: إلا الجماع، لكن الأفضل أن يأمرها أن تتزر كما في الحديث، تضع إزاراً بين السرة والركبة، ويباشرها من وراء الإزار، هذا أحوط حتى لا يؤدي به ذلك إلى الجماع، ولو باشرها مع الحذر من الجماع فلا حرج لحديث أنس: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). وفيه دليل على جواز مباشرة الحائض ولو بدون إزارٍ جمعاً بين الحديثين، لكن الأحوط والأفضل أن يباشرها وهي متزرة، هذا هو الأفضل، ويكون الإزار فيما بين السرة والركبة، فيكون أمره صلى الله عليه وسلم أن تتزر هذا من باب الأفضل والأحوط، وقوله: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) فيه الدلالة على الجواز. وفيه أن الإزار قد يكون أحياناً إلى نصف الفخذين لكن الأفضل أن يكون إلى الركبتين.

تأويل قول الله عز وجل: (ويسألونك عن المحيض)

تأويل قول الله عز وجل: (ويسألونك عن المحيض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب تأويل قول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة:222]. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: (كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن ولم يشاربوهن ولم يجامعوهن في البيوت، فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222] الآية. فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويجامعوهن في البيوت، وأن يصنعوا بهن كل شيء ما خلا الجماع). وهذا يؤيد حديث أنس: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) , والمحيض مصدر منه بمعنى الحيض. وهذا الحديث سنده صحيح وهو على شرط مسلم، ورواه مسلم في صحيحه بمعناه: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، وهو دليل على أن الحائض تؤاكل ويشرب معها، ويجلس معها، وتخبز وتعجن وتخدم، ويباشرها زوجها وينام معها في الفراش وفي لحاف واحد ويصنع كل شيء إلا الجماع، فإنه ممنوع. وفيه دليل على تشديد اليهود؛ فإن اليهود يشددون، فكان الواحد منهم إذا حاضت المرأة اعتزلوها وجعلوها في غرفة مستقلة، ولا يأكلون معها، ولا يجلسون معها، ولا يمسون الشيء الذي تمسه. ولما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن اليهود يشددون. جاء في صحيح مسلم زيادة: أن أسيد بن حضير وأحد الصحابة قالا: (يا رسول الله! أفلا نجامعهن؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظنوا أنه غضب عليهما فلما ذهب جاءه لبن فدعاهما فسقاهما) فعلموا أنه لم يغضب عليهما. والمقصود: أن المرأة الحائض يجوز لزوجها أن يضاجعها ويباشرها، ولها أن تخدم زوجها، ولها أن تطبخ وتؤاكل وتشارب وتجالس ويراجعها زوجها، لأن بدنها ولعابها وثيابها كلها طاهرة ما عدا ما أصابه الدم. فإنه نجس، فإذا أصابه شيء من الدم غسله، ولا يؤثر ويصلي في الثوب الذي أصابه. ولكن الحمد لله الآن الحفائظ موجودة ومتيسرة، في الأول ما كان هناك حفائظ، أما الآن فهناك أسباب تجعل المرأة نظيفة، فتحفظ بالحفائظ المعروفة ولا يخرج شيء من الدم. وقال ابن سعد في يونس بن يزيد: كان حلو الحديث كثيرة وليس بحجة، وربما جاء بالشيء المنكر. وقال ابن حجر في التقريب: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهماً قليلاً وفي غير الزهري خطأ. لكنه مقرون مع الليث فيزول المحذور والوهن، والنسائي رحمه الله له العناية بالرجال، والغالب أن مشايخ الزهري ومشايخ النسائي ثقات، وأقلهم أنه يكون صدوقاً؛ ولذلك بعضهم قدم النسائي وجعله بعد الصحيحين بسبب عنايته بالأسانيد، وقد جمع بين طريقة البخاري وطريقة مسلم رحمهما الله، ففي التبويب على طريقة البخاري، وفي سياق الأسانيد على طريقة مسلم، جمع بين الطريقتين.

ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها

ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في الرجل يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار). وهذا الحديث أخرجه الخمسة: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وهو من أحاديث البلوغ، وصححه الحاكم وابن القطان كما قال الحافظ، ورجح غيرهما وقفه، لكن من وصل ورفع مقدم على من قطع ووقف، لأن معه زيادة علم خفيت على غيره. وهذا الحديث اختلف العلماء في صحته، والصواب: أنه صحيح، وهو ظاهر ترجمة النسائي رحمه الله؛ لأنه احتج به وترجم بهذه الترجمة، باب: ما يجب على من أتى حليلته يعني: زوجته. في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها، والحديث يدل على أنه يجب عليه أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار، وبعضهم قال: التخيير بالدينار ونصف الدينار له نظائر كالتخيير في كفارة اليمين، فكفارة اليمين يخير بين العتق والإطعام والكسوة، وكذلك التخيير فيمن حلق رأسه وهو محرم، يخير بين الصيام والصدقة والنسك، قال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]. وذكر ابن القيم رحمه الله هذا الحديث في إعلام الموقعين وأطال الكلام عليه وقال: إنه موافق لما استقر في الشريعة بأن من فعل محرماً مؤقتاً فعليه الكفارة، فمن جامع في نهار رمضان أو فعل محظوراً من محظورات الإحرام فعليه كفارة، بخلاف من فعل محرماً مؤبداً كالزنا فليس عليه كفارة بل عليه التوبة وإقامة الحد. وعلى هذا فيكون الحديث دليلاً على أن من جامع زوجته في حال الإحرام بعد العلم كما قيد النسائي فإن عليه الكفارة مع التوبة، والكفارة يخير فيها بين الدينار ونصف الدينار، كما في هذا الحديث قال: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) , والدينار: مثقال من الذهب, وهو أربعة أسهم من سبعة من الجنيه السعودي، ونصف الدينار سهمان من سبعة أسهم من الجنيه السعودي، فإذا كان الجنيه السعودي سبعين ريالاً فالدينار أربعون ريالاً، ونصف الدينار عشرون، وإذا كان الجنية مثلاً: سبعمائة نقول: عليه أربعمائة، يتصدق بأربعمائة أو بمائتين، والجنيه السعودي ديناران إلا ربع دينار، والدينار مثقال، والجنيه مثقالان إلا ربع مثقال. فالمقصود أنها أربعة أسهم من سبعة أسهم من قيمة الجنيه السعودي، هذا الدينار، ونصف الدينار سهمان, تقسم الجنيه على سبعة، ويكون الدينار أربعة أسهم، ونصف الدينار سهمان. والصواب: أن الحديث ثابت ولا بأس بسنده، وابن القيم رحمه الله أطال الكلام على الحديث وبين أنه موافق لما استقر في الشريعة. وبعض العلماء طعن فيه ولم يصححه، وقال: إنه وقفه بعض العلماء ولم يصله، وبعضهم وقفه ولم يرفعه، كذلك أيضاً طعن في التخيير بين الدينار ونصف الدينار ولكن هذا لا أصل له، والصواب: أنه لا بأس بسنده، وأن على من جامع الكفارة مع التوبة، يكفر بدينار أو نصف دينار، بأربعة أسهم من قيمة الجنية أو بسهمين، يخير، وبعض العلماء فرق وقال: إذا كانت في فور حيضتها دينار، وإذا كانت في آخر الدم نصف دينار لكن لا وجه له، فالصواب: أن الحكم واحد.

ذكر ما تفعل المحرمة للحج إذا حاضت

ذكر ما تفعل المحرمة للحج إذا حاضت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما تفعل المحرمة إذا حاضت: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نُرى إلا الحج، فلما كان بسرف حضت، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: مالكِ أنفستِ؟ فقلت: نعم. قال: هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت، وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر). هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه دليل على أن المحرمة إذا حاضت بعد أن أحرمت قبل الطواف في البيت؛ فإنها تفعل ما يفعل الحاج، والحديث مختصر في أنها تحرم بالحج وتلبي بالحج، إذا أحرمت بالعمرة وجاء الحج وهي على حالها فإنها تتم بالحج. وعائشة رضي الله عنها أحرمت بالعمرة، ولما كانت بسرف -وهو مكان قريب من مكة- حاضت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: (مالكِ أنفستِ؟) فيه دليل على أن الحيض يسمى نفاساً. (قالت: نعم. قال: هذا أمر كتبه الله على بنات آدم) وهذا فيه إثبات الكتابة لله عز وجل، وهي من الصفات الفعلية، وفيه أن الحيض كان على بنات آدم من قديم، وفيه الرد على من قال: إن الحيض ما كان إلا على بنات بني إسرائيل, جاء عن بعضهم أنه قال: إن أول ما وقع كان على بنات بني إسرائيل، وهذا الحديث الصحيح يرده، وأن الحيض في النساء قبل بني إسرائيل، قال: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم). وجاء في البخاري عن بعضهم أو غيره أنه ذكر قصة في هذا أنه حدث الحيض لبنات بني إسرائيل، وهذا غير الصحيح، والحديث صحيح يرد هذا، وأن الحيض مكتوب على بنات آدم. وفيه: أن الحائض تقضي ما يقضي الحاج، إلا أنها لا تطوف بالبيت، تفعل جميع المناسك، تقف في عرفة، وتقف في مزدلفة، وترمي الجمار، وتذبح، وتقصر من شعرها، وتفعل جميع ما في الحج إلا الطواف، فلا تطوف حتى تطهر، والحديث مختصر، وفيه أن عائشة رضي الله عنها لما خرجت للعمرة وقربت من مكة من سرف حاضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر وهو أطول من هذا: (ارفضي عمرتكِ واغتسلي وامتشطي وأهلي بالحج) فأحرمت للحج واغتسلت لإهلالها بالحج. (واغتسلي وامتشطي)، فأمرها بالاغتسال، (وأهلي بالحج)، فأحرمت بالحج، واغتسلت لإهلالها بالحج. قوله: (وامتشطي) ليس المراد بمشط وإنما بيديها، فمعنى: مشطت شعرها، أي: نقضته بيديها وأعادته، بدون المشط الذي يقطع الشعر، ثم أحرمت بالحج، وفعلت ما يفعل الحاج، ثم طافت وسعت وقصرت لما حلت وطهرت، فصارت قارنة، ثم بعد ذلك ما طابت نفسها، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمرها عمرة مستقلة كما حصل لصواحباتها، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم. وفيه دليل على أن الحائض تغتسل، وكذلك النفساء تغتسل لإهلالها بالحج والعمرة، وتفعل جميع المناسك ما عدا الطواف بالبيت.

ما يلزم الحائض والنفساء عند الإحرام

ما يلزم الحائض والنفساء عند الإحرام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما تفعل النفساء عند الإحرام. أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ويعقوب بن إبراهيم واللفظ له، قال أخبرنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر بن محمد حدثني أبي قال: أتينا جابر بن عبد الله رضي الله عنه فسألناه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثنا: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لخمس بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه، حتى إذا أتى ذا الحليفة، ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي واستذفري، ثم أهلي)]. هذا رواه الإمام مسلم في صحيحه: وفيه دليل على أن النفساء إذا نفست فإنها تغتسل كالحائض للإحرام، وتحرم بالحج، وتستذفر بثوب، يعني: تتلجم وتتحفظ بأن تجعل حفائظ، وتغتسل للإحرام، وتفعل ما يفعل الحاج، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده، أي: إن قدر أن أسماء تلد، وقدر الحيض أيضاً على عائشة وقت الحج، فيكون في فعلهن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم تشريعاً للأمة، فالحائض تغتسل وتحرم بالحج، والنفساء تتحفظ وتتلجم أيضاً وتحرم بالحج، وكل منهما تفعلان ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت، فمتى ما طهرت تطوف به، ولو بعد الحج بيومين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة. الأولى ألا تذهب إلى خارج مكة، وكان في السابق لا يمكن هذا، لكن الآن مع وجود المواصلات جدت هذه الأشياء، فإذا اضطرت فلا حرج، لكن ترجع إذا طهرت في الحال، وزوجها ممنوع منها.

حكم دم الحيض يصيب الثوب

حكم دم الحيض يصيب الثوب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب دم الحيض يصيب الثوب. أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني أبو المقدام ثابت الحداد عن عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: (أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ قال: حكيه بضِلَع واغسليه بماء وسدر)]. وهذا فيه دليل على أن دم الحيض نجس، وأنه لا بد من غسله. قوله: (حكيه بضلع) يعني: بعود، وسمي ضلعاً لشبهه ضلع الحيوان، وفي الأصل واحد أضلاع الحيوان، فتحكه بشيء كعود، أو بأطراف أصابعها، كما في الحديث الآخر: تحكه حتى تزيل ما تجمد، ثم تغسله بالماء، وقوله: (واغسليه بماء وسدر) إنما أضيف السدر والأشنان من باب النظافة، وكان عند الأقدمين ينوب عن الصابون، وهذا من باب النظافة وإلا فالماء كاف، بدليل الاقتصار عليه في بعض الأحاديث. وقوله: (واغسليه بماء وسدر) فيه دليل على نجاسة دم الحيض، وإلا لما أمر بغسله، واستدل به على نجاسة الدم مطلقاً مع قوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:145]، وحكى بعضهم الإجماع على نجاسة الدم، ونقله النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم. وفيه دليل على أن دم الحيض وكذلك ما يخرج من أحد السبيلين لا يعفى عن يسيره، بخلاف الدم اليسير من غير السبيلين، كدم يسير يخرج من الأنف ونحوه فإنه يعفى عن يسيره، أما الدم الذي يخرج من أحد السبيلين فلا يعفى عن يسيره.

شرح حديث: (حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه وصلي فيه)

شرح حديث: (حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه وصلي فيه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر، وكانت تكون في حجرها: (أن امرأة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ فقال: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه وصلي فيه)]. هذا فيه دليل على أن دم الحيض نجس، وأنه يغسل من المكان الذي أصابه، ولا يغسل الثوب كله إن أصابه، كما تفعل بعض النساء الموسوسات، وإنما الواجب غسل مكان الدم فقط. قوله: (حتيه) يعني: حكيه حتى يزول ما كان متجمداً منه. (ثم اقرصيه بالماء) يعني: ادلكيه، فتدلكه بأطراف أصابعها، ثم قال لها: (ثم انضحيه وصلي فيه)، وليس هنا ذكر الغسل بماء وسدر، فدل على أن المراد منه المبالغة في التنظيف والتطهير، فإذا غسلت تغسل بالصابون من باب المبالغة، ثم تصلي فيه، ولا حاجة إلى أن تصلي في ثوب آخر أو تغسل الثوب كله، وإنما تغسل مكان النجاسة فقط.

كتاب الطهارة [16]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [16] بينت الشريعة بعض الأحكام المتعلقة بالطهارة، ومن ذلك: طهارة المني، وبول ما يؤكل لحمه، ونجاسة بول ما لا يؤكل لحمه، وفرقت بين بول الجارية وبول الغلام، فيغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام، وذكرت بعض أحكام البزاق.

المني إذا أصاب الثوب

المني إذا أصاب الثوب

شرح حديث عائشة في صلاة رسول الله في الثوب الذي يجامع فيه ما لم يكن فيه أذى

شرح حديث عائشة في صلاة رسول الله في الثوب الذي يجامع فيه ما لم يكن فيه أذى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المني يصيب الثوب. أخبرنا عيسى بن حماد قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن أبي سفيان: أنه سأل أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي كان يجامع فيه؟ قالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى)]. معاوية بن حديج هذا صحابي صغير، وحديج بالحاء المهملة مصغر، وقد يشتبه على بعض الناس هذا بالصحابي الآخر رافع بن خديج، فهذا معاوية بن حديج مصغر وبالحاء المهملة، وأما ذاك فـ رافع بن خديج فمكبر وبالخاء المعجمة. وفي هذا الحديث دليل على أن المني طاهر؛ لأنه أصل خلقة الإنسان، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه، ولما سئلت قالت: (نعم، إذا لم ير فيه أذى) يعني: من نجاسة أو قذر غير المني. قوله: (إذا لم يكن فيه أذى) فيه أن المني طاهر، لأنه أصل الخلقة، لكن يستحب غسله من باب النظافة، فيغسل الرطب ويفرك اليابس، كما في الأحاديث الأخرى أن عائشة كانت تغسل المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وإن أثر بقع الماء في ثوبه. وفي الحديث الآخر تقول رضي الله عنها: (كنت أفركه يابساً من ثوبه صلى الله عليه وسلم) فالمني إذاً طاهر خصوصاً إذا استنجى قبل ذلك فهو طاهر؛ لأنه أصل خلقة الإنسان، بخلاف المذي والبول الودي فهذه نجسة، فالبول يغسل منه طرف الذكر، والمذي يغسل منه الذكر والأنثيين، ونجاسته مخففه.

غسل المني من الثوب

غسل المني من الثوب

شرح حديث عائشة: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله)

شرح حديث عائشة: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب غسل المني من الثوب. أخبرنا سويد بن نصر قال أخبرنا عبد الله عن عمرو بن ميمون الجزري عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه)]. وهذا الغسل من أم المؤمنين لثوبه عليه الصلاة والسلام إنما هو من باب النظافة، وإلا فالمني طاهر، ويستحب غسل رطبه وفرك يابسه.

فرك المني من الثوب

فرك المني من الثوب

شرح حديث عائشة: (كنت أفرك الجنابة من ثوب رسول الله)

شرح حديث عائشة: (كنت أفرك الجنابة من ثوب رسول الله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فرك المني من الثوب. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن الحارث بن نوفل عن عائشة قالت: (كنت أفرك الجنابة -وقالت مرة أخرى- المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم). أخبرنا عمرو بن يزيد قال حدثنا بهز حدثنا شعبة قال الحكم: أخبرني عن إبراهيم عن همام بن الحارث أن عائشة رضي الله عنها قالت: (لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم). أخبرنا الحسين بن حريث قال: أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام عن عائشة رضي الله عنها قال: (كنت أفركه من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم). أخبرنا شعيب بن يوسف عن يحيى بن سعيد عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أراه في ثوب رسول صلى الله عليه وسلم فأحكه). أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت (لقد رأيتني أفرك الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم). أخبرنا محمد بن كامل المروزي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحته عنه).

حكم بول الصبي الذي لم يأكل الطعام

حكم بول الصبي الذي لم يأكل الطعام

شرح حديث أم محصن في قصة بول ابنها في حجر رسول الله

شرح حديث أم محصن في قصة بول ابنها في حجر رسول الله باب بول الصبي الذي لم يأكل الطعام. أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله). أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه إياه)]. هذه الأحاديث فيها دليل على أن بول الصبي الذي لم يأكل الطعام يكتفي فيه بالنضح دون الغسل، وإنما يصب الماء صباً عليه. هذا إذا كان الصبي لم يأكل الطعام وإنما يكتفي باللبن، سواء أكان من أمه أم من الحليب المعلب، أما إذا أكل طعاماً فإنه لا بد من غسل بوله وفركه.

حكم بول الجارية

حكم بول الجارية

شرح حديث: (يغسل من بول الجارية)

شرح حديث: (يغسل من بول الجارية) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بول الجارية. أخبرنا مجاهد بن موسى قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا يحيى بن الوليد قال: حدثني محل بن خليفة قال: حدثني أبو السمح رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)]. الجارية لا بد من غسل بولها ولو أنها لما تأكل الطعام بعد؛ لأن حكم النضح خاص بالغلام. وقد اختلف العلماء في حكمة التفريق بين بول الصبي وبول الجارية، فقيل: إنما ذلك لأن بول الصبي لا يكون في مكان واحد بل ينتشر، وأما بول الجارية فإنه يكون في مكان واحد، فرخص في نضح بول الغلام نظراً للمشقة. وقيل: لأن الصبي يحمله الناس ويحبونه أكثر من الجارية. وقيل: لأن الجارية بولها ينزل إلى الدبر، وقيل غير ذلك، والله أعلم. والكل محتمل، وإنما المقصود: أن علينا أن نمتثل ونقول: سمعنا وأطعنا، ثم إن علمنا الحكمة فهي نور على نور، وإن لم نعلمها فنسلم لأمر الله ورسوله، ونوقن أن الشارع حكيم. إذاً: فالجارية لا بد من غسل بولها. ومحل بن خليفة في هذا السند ثقة لا بأس به. والنضح هو صب الماء على المكان فقط بلا تحريك، والغسل فيه دلك وتحريك.

حكم بول ما يؤكل لحمه

حكم بول ما يؤكل لحمه

شرح حديث أنس في قصة العرنيين

شرح حديث أنس في قصة العرنيين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بول ما يؤكل لحمه. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم: (أن أناساً أو رجالاً من عكل قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلموا بالإسلام، وقالوا: يا رسول الله! إنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف -واستوخموا المدينة-، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحوا -وكانوا بناحية الحرة- كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذود، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث الطلب في آثارهم فأتي بهم، فسمروا أعينهم، وقطعوا أيديهم وأرجلهم، ثم تركوا في الحرة على حالهم حتى ماتوا)]. هذا الحديث رواه الشيخان، وفيه: أن هؤلاء الناس جاءوا من عكل نحو النبي صلى الله عليه وسلم فتكلموا بالإسلام، فحكم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم به، ونطقوا بالشهادتين، فقالوا: يا رسول الله! إنّا أهل ضرع، يعني: عشنا في البادية والصحراء، وعندنا غنم وإبل. ثم قالوا: ولم نكن أهل ريف، أي: ما تعودنا أن نسكن في البلد، قوله: (واستوخموا المدينة)؛ لأنهم معتادون على الهواء الطلق، فلما دخلوا المدينة أصابتهم الروائح فمرضوا، قوله: (فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود وراع) الذود: هي الثلاث من الإبل فأكثر، قوله: (وأمرهم أن يخرجوا فيها) أي: أن يخرجوا خارج البلد مع الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها حتى يصحّوا؛ لأن الذود تأكل من الحشائش في البر، فخرجوا معها، وشربوا من أبوالها وألبانها. قوله: (فلما صحوا) أي: زال ما بهم من المرض والوخم، (كفروا بعد إسلامهم) والعياذ بالله وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي اللفظ الآخر: أنهم مجموعة رعاة، فقتلوهم، وسرقوا الإبل فاستاقوها، فهؤلاء جمعوا شراً كثيراً: فكفروا بعد إسلامهم، وقتلوا، وسرقوا، وقطعوا الطريق، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم، بعث الطلب في آثارهم، أي: بعث فرساناً يطلبونهم فأتوا بهم، وفي اللفظ الآخر: أنهم أتوا بهم قبل أن يشتد النهار، فسمر النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم قصاصاً؛ لأنهم فعلوا ذلك بالرعاة أو بالراعي، فاقتص النبي صلى الله عليه وسلم منهم فسمر أعينهم، وذلك بأن يؤتى بشيء من الحديد ويحمى بالنار فيوضع على أعينهم قصاصاً كما فعلوا؛ لأنهم سمروا أعين الراعي، وقتلوه وسرقوا الإبل وكفروا بعد إسلامهم، فالنبي أمر بهم فسمرت أعينهم، وقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف كما فعلوا، وتركوا في الحرة على حالهم حتى ماتوا، وفي اللفظ الآخر: أنهم لهثوا الثرى بألسنتهم، ففعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم كما فعلوا قصاصاً. وإنما قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ لأنهم قطعوا الطريق، وسرقوا الإبل، ثم تركهم، وفي اللفظ الآخر: (ولم يحسمهم)؛ لأنه أخذ من كل واحد منهم يده اليمنى ورجله اليسرى ولم يوقف نزول الدم، أي: استمر الدم ينزف منهم حتى ماتوا. لكن السارق إذا قطعت يده فتحسم حتى يقف الدم ولا يموت، وأما هؤلاء فالمراد قتلهم؛ لأنهم مرتدون وقطاع طريق، فعاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركهم في الحرة حتى ماتوا، قال أنس كما في رواية مسلم: هؤلاء سرقوا وقتلوا وقطعوا الطريق وكفروا بعد إسلامهم. والشاهد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يشربوا من أبوال الإبل، فدل على أن البول طاهر، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أفواههم، ففيه دلالة على طهارة بول ما يؤكل لحمه، كما هو أصح قولي العلماء خلافاً للشافعي وجماعة، الذين يقولون: إن أبوال الإبل نجسة؛ لأن الأصل أن الأبوال نجسة، بدليل عموم الأحاديث التي فيها الأمر بالتنزه من البول، وقالوا: هذا عام يدخل فيه كل بول. والصواب: أن المراد بتلك الأحاديث بول الآدمي أو بول ما لا يؤكل لحمه، وأما بول ما يؤكل لحمه فهو طاهر، وكذا روثه وفرثه ومنيه، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل، فلو كانت نجسة لقال: اغسلوا أفواهكم فإنها نجسة، بل كيف يأمرهم بشربها وهي نجسة؟! وهذه حجة واضحة في طهارة بول ما يؤكل لحمه؛ ولهذا بوب المؤلف بقوله: (باب بول ما يأكل لحمه) ولم يجزم بشيء، فلم يقل: باب طهارة بول ما يؤكل لحمه؛ لأن الخلاف قوي في المسألة، فقال: باب بول ما يؤكل لحمه، يعني: ما حكمه هل هو طاهر أم نجس؟ فترك الحكم للقارئ، وهو طاهر، والتقدير: باب طهارة بول ما يؤكل لحمه، لكن حذف الحكم من أجل الخلاف. وهل ينقض الطهارة شرب أبوال الإبل وألبانها؟ A لا، لا ينقض الطهارة، وإنما ينقضها أكل اللحم، وأما إذا شرب مرقاً أو لبناً أو بولاً فلا حرج، وهذا موجود حتى الآن -أي: الشرب من أبوال الإبل وألبانها- كما في بعض المدن المجاورة للرياض، فقد وجدنا بها بعض الشيوخ الكبار يشربون من أبوال الإبل. فالمقصود: أن أن الأبوال يرى أن فيها صحة وفائدة، وهي كذلك بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم -أي: العرنيين- فاستفادوا وصحوا. وكذلك روث ما يؤكل لحمه طاهر، بل جميع الفضلات. والفرس وإن كان لا يؤكل لحمه، لكن منيه وفضلاته جميعها طاهرة، وبعض العلماء يرى أنه لا ينقض الوضوء إلا اللحم الأحمر وهو الهبر، أما لو أكل من الكرش أو من لحم الرأس أو من الكبد فلا ينقض. والصواب: أن الجميع ينقض. وفي المسألة خلاف بين أهل العلم من الحنابلة وغيرهم، ولكن الصواب ما قدمناه؛ لأن الله تعالى قد قال لما حرم لحم الخنزير: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [الأنعام:145]. ولا يقول أحد: إن شحم الخنزير وكذلك لحم رأسه أو كبده طاهرة يجوز أكلها! ونقض الوضوء بلحم الإبل فيه خلاف، فيرى الأئمة الثلاثة أنه لا ينقض الوضوء، ويرون أن ما ورد فيه منسوخ بحديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار). والصواب: أن لحم الإبل مستثنى بأدلة خاصة، كحديث جابر بن سمرة وحديث البراء (توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضؤا من لحوم الغنم) وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئتم، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم) ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس عندي إشكال في وجوب الوضوء من لحم الإبل، ففيه حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولحم الإبل ينقض الوضوء سواء أكان نيئاً أم مطبوخاً، وأما حديث جابر: (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار) فهذا خاص بالذي تمسه النار، وأما لحم الإبل فينقض الوضوء ولو لم تمسه النار، فهو ينقض الوضوء مطلقاً سواء أكان في البلد أم في الصحراء.

إسناد آخر لحديث أنس في قصة العرنيين

إسناد آخر لحديث أنس في قصة العرنيين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن وهب قال: حدثنا محمد بن سلمة قال: حدثني أبو عبد الرحيم قال: حدثني زيد بن أبي أنيسة عن طلحة بن مصرف عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قدم أعراب من عرينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، فاجتووا المدينة حتى اصفرت ألوانهم وعظمت بطونهم، فبعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح له، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا، فقتلوا راعيها، واستاقوا الإبل، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم فأتي بهم، فقطع أيدهم وأرجلهم، وسمر أعينهم). قال أمير المؤمنين عبد الملك لـ أنس وهو يحدثه هذا الحديث: بكفر أم بذنب؟ قال: بكفر. قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحداً قال عن يحيى عن أنس في هذا الحديث غير طلحة. والصواب عندي -والله تعالى أعلم- يحيى عن سعيد بن المسيب مرسل]. يرى المؤلف رحمه الله: أن الصواب في هذا السند أنه مرسل، أي: مرسل يحيى عن سعيد، ولا يلزم منه عدم سماع يحيى من أنس، فإن يحيى تابعي صغير، وأنس طالت حياته إلى زمن الحجاج فيمكن سماعه منه، والنسائي يقول: أنه من رواية يحيى عن سعيد، لا يلزم منه عدم سماع يحيى من أنس، وقول المؤلف معناه: أن رواية يحيى بن سعيد عن أنس منقطعة. إذاً: فالمؤلف رحمه الله يقول: لا نعلم أحداً قال: عن يحيى عن أنس غير طلحة، يعني: رواه طلحة بن مصرف عن يحيى بن سعيد عن أنس. والصواب: فيه أنه عن يحيى عن سعيد بن المسيب، فيكون مرسلاً، ومراسيل سعيد بن المسيب جيدة، بل وجد أنها من أصح المراسيل. وتتبعها بعض العلماء فوجدوها موصولة، وهذا السند يحتاج إلى مراجعة؛ لأن النسائي رحمه الله من أهل الحديث ومن أهل الجرح والتعديل، وكانت له عناية بهذا الفن رحمه الله، وقد تكلم في هذا السند، لكن على كل حال فالحديث ثابت عند مسلم رحمه الله. وعقاب النبي صلى الله عليه وسلم للعرنيين فيه جمع بين الحد والقصاص، فاقتص منهم بأن سمر أعينهم كما فعلوا بالراعي أو بالرعاة، وقطع أيديهم وأرجلهم حداً؛ لأنهم قطعوا الطريق، وقاطع الطريق حده أن تقطع يده ورجله من خلاف، وتركوا حتى ماتوا؛ لأنهم كفروا، ولم تحسم أيديهم وأرجلهم، فجمع لهم النبي صلى الله عليه وسلم بين القصاص والحد والقتل، ولو لم يستوجبوا القتل لحسم أيديهم وأرجلهم بالدهن ونحوه، كما تحسم يد السارق بالدهن إذا قطعت، وقديماً لم يكن عندهم ما يوقف الدم، وأما الآن فقد تطور الطب الحديث فتحسم اليد بعد قطعها بأشياء تمنع الدم، فإذا قطعت يد السارق أو يد قاطع الطريق أو قطعت يده ورجله فتحسم ويقف الدم ويعيش، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما حسمها؛ لأنه أراد أن يقتلهم؛ لأنهم كفروا وارتدوا.

حكم فرث ما يؤكل لحمه

حكم فرث ما يؤكل لحمه

شرح حديث ابن مسعود في وضع كفار قريش سلا الجزور على ظهر رسول الله

شرح حديث ابن مسعود في وضع كفار قريش سلا الجزور على ظهر رسول الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب. أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال: حدثنا خالد -يعني ابن مخلد - قال: حدثنا علي -وهو ابن صالح - عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: حدثنا عبد الله في بيت المال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وملأ من قريش جلوس، وقد نحروا جزوراً، فقال بعضهم: أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه ثم يمهله حتى يضع وجهه ساجداً فيضعه -يعني: على ظهره-، قال عبد الله: فانبعث أشقاها فأخذ الفرث فذهب به، ثم أمهله فلما خر ساجداً وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية، فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال: اللهم عليك بقريش -ثلاث مرات-، اللهم عليك بـ أبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، حتى عد سبعة من قريش، قال عبد الله: فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليب واحد)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان، وعبد الله هو: ابن مسعود رضي الله عنه. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وكان ملأ قريش يجلسون عندها، وغالباً ما يكونون أمام الحجر، ونحروا في ذلك اليوم جزوراً، وكانوا يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: أيكم يأخذ هذا الفرث -وفي لفظ: سلا الجزور- بدمه ثم يمهله حتى يضع وجه ساجداً فيضعه على ظهره، قال عبد الله: فانبعث أشقاها، فأخذ الفرث فذهب به فأمهل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خر ساجداً وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم -وكانت جارية- فجاءت تسعى، فأخذته عن ظهره وألقته، أقبلت على الكفرة تسبهم، فلما فرغ من صلاته، أي: النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم، فقال: اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، وكانوا يضحكون فيما بينهم، حتى يكاد أحدهم أن يسقط من الضحك، فلما فرغ من صلاته وجعل يدعو عليهم زال عنهم الضحك، وخافوا! وقال: اللهم عليك بـ أبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة , وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، حتى عد سبعة من قريش، قال عبد الله: فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليب واحد، أي: قتل هؤلاء السبعة، فتقبلت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقتل هؤلاء الكفرة وسحبوا في القليب، نسأل الله السلامة والعافية. وهذا الحديث استدل به المؤلف من جهة أنه وضع الفرث على النبي وهو يصلي ولم يخرج من صلاته، فصلى وعليه فرث البعير. ومن المعلوم: أن البعير طاهر، فيكون فرثه طاهراً، لكن هذه الجزور من الذي نحرها؟ نحرها المشركون، فهي إذاً ميتة -وهكذا ما يذبحه المشركون له حكم الميتة- فتكون نجسة، فكيف يستدل المؤلف بهذا الحديث على طهارة فرث ما يؤكل لحمه؟! فقال: (باب فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب)، فهل يؤكل لحم الجزور وهو ذبيحة مشرك؟ قد يقال: في ذلك الوقت كان يؤكل لحمه؛ لأن الشريعة ما استقرت في مكة، ولم تنزل الأحكام, وإنما استقرت الأحكام في المدينة، ونزل تحريم الميتة. والنبي صلى الله عليه وسلم استمر في صلاته أي: عند أن وضع المشركون عليه الفرث ولم يقطع صلاته؛ لأن الشريعة ما استقرت والأحكام لم تنزل بعد، ثم أنزل عليه تحريم الميتة في ذلك الوقت، ولا يكون استدلال المؤلف في موضعه؛ لأمرين: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدري ما ألقي عليه، وإلا فمعلوم أن الدم نجس ولو كان مما يؤكل لحمه. ثانياً: أن الاستمرار في الصلاة غير البدء، كمثل ما مر معنا في الحديث الذي عنده أبي داود في قصة الرجلين الأنصاري وصاحبه اللذين جلسا يحرسان، فقام أحدهما يصلي فجاءه سهم، فأخذه ونزعه، ثم جاءه ثان وثالث، وجعلت الدماء تسيل منه وهو مستمر في صلاته ولم يقطعها؛ لأن الاستمرار في الصلاة غير البدء فيها، ولأن قطع الصلاة لا يفيده في هذه الحالة. فالمقصود: أن إتيان المؤلف رحمه الله بهذا الحديث في هذه الترجمة فيه إشكال، وليس في الاستدلال شيء واضح إلا من جهة أن الجزور يؤكل لحمه، لكن قد بينا أن التشريع لما ينزل في ذلك الوقت، ولما تحرم الميتة، وإنما كان على الأصل أنه طاهر؛ ولهذا استمر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، والدم الذي في الفرث ليس دماً مسفوحاً، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك. فالمقصود: أن هذا الاستدلال ليس بواضح لما أراده المؤلف رحمه الله. والمؤلف ترك الترجمة مفتوحة ولم يجزم بحكم فيها؛ لوجود الإشكالات.

آداب البزاق

آداب البزاق

شرح حديث: (أخذ رسول الله بطرف ردائه فبصق فيه)

شرح حديث: (أخذ رسول الله بطرف ردائه فبصق فيه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب البزاق يصيب الثوب. أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل عن حميد عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ طرف ردائه فبصق فيه فرد بعضه على بعض)]. أخبرنا محمد بن بشار عن محمد قال: حدثنا شعبة قال: سمعت القاسم بن مهران يحدث عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فلا يبزق بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه، وإلا: فبزق النبي صلى الله عليه وسلم هكذا في ثوبه ودلكه)]. هذا مما أخرجه الشيخان في الصحيح، وهو يدل على طهارة البزاق؛ ولهذا أجاز النبي صلى الله عليه وسلم للإنسان أن يبزق في ثوبه، ولو كان نجساً لما أجاز له ذلك، وفيه دليل على أن الإنسان إذا صار به بزاق، فإنه يبزق في ثوبه أو في منديل إذا كان في المسجد، فإن كان في الصحراء فله أن يبزق عن يساره أو تحت قدمه وليس له أن يبزق بين يديه ولا عن يمينه. فلا يبزق بين يديه؛ لأنه وجاء في الحديث: (إذا صلى أحدكم فإن الله قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه) وجاء في اللفظ الآخر: أن عن يمينه ملكاً، فإذا أصاب الإنسان بزاقاً وهو في المسجد فيبزق في ثوبه أو في منديل، ويرد بعضه على بعض، ولهذا قال النبي: أو يقول هكذا، أي: يرد بعضه على بعض، فكان الناس هكذا يبزقون قبل أن توجد مناديل. والله تعالى فوق العرش، وهو وإن كان كذلك فهو أمام المصلي، ولا يبزق عن يمينه؛ لأن الملك عن يمينه، فما بقي له إلا أن يبزق عن يساره أو تحت قدمه، هذا في الصحراء، وأما في المسجد، فلا يبزق إلا في ثوبه. وجاء في الحديث الآخر: (وهو يصلي) أي: إنما النهي في الصلاة، وقال بعضهم: النهي حتى يشمل غير الصلاة، والحديث عام، لكن جاء في بعض الأحاديث تقييده بالصلاة، كحديث: (إذا قام أحكم يصلي فإنه يناجي ربه فلا يبصقن أمامه ولا عن يمينه) والمطلق يحمل على المقيد، لكن إذا احتاط حتى في غير الصلاة فحسن. والأقرب: أنه -أي النهي- يخص في الصلاة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم نبش القبر لإلحاق بعض الأعضاء بالميت

حكم نبش القبر لإلحاق بعض الأعضاء بالميت امرأة توفيت، وقبل وفاتها بما يقارب شهر عمل لها عملية وقطعت رجلها، ثم صارت في غيبوبة وتوفيت بعد ذلك، الشاهد: أن ابنتها بعد موت أمها، رأتها في المنام تقول: ردوا عليّ ساقي، فسألت ابنتها عن الساق في المستشفى فقالوا: إنها غير موجودة، فرأتها في المنام مرة أخرى تقول: ردوا علي ساقي، فسألت في المستشفى ثانية، فقالوا لها: الساق موجودة في الثلاجة، ف Q هل تكفن الساق وتغسل وتدفن في نفس القبر، أم بجانبها؟ الأقرب: أنه يدفن معها في قبرها، وينبش القبر للضرورة مثلما نبش جابر قبر أبيه، لما خشي من السيل؛ لأنه كان في الوادي. فالأقرب: أنه يوضع معها في قبرها؛ لأنه جزء منها.

كتاب الطهارة [17]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [17] إن من تيسير هذه الشريعة وسهولتها أن الله عز وجل شرع لنا التيمم عند فقدان الماء بما صعد على وجه الأرض، فجعله الله عز وجل بديلاً عن الماء في استباحة المفتقر إلى الصلاة، وما ذلك إلا ليدلك على عظم أهمية الصلاة، لكيلا يعتذر المقتدرون عن الصلاة بسبب عدم وجود الماء، بل حتى مع عدم وجود الماء والتراب فإن الإنسان يصلي على حالته ولا يعيد، وهذه هي صلاة فاقد الطهورين، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

بداية تشريع التيمم

بداية تشريع التيمم قال المصنف رحمه الله: [باب بدء التيمم. أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو ذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة: أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي، قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت: عائشة فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فما منعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله عز وجل آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته)]. هذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه، وفيه فوائد عظيمة: أعظمها: مشروعية التيمم عند فقد الماء، يعني: أن المسلم إذا فقد الماء فإنه يتيمم: بأن يضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ثم يمسح بهما وجهه وكفيه، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه على عباده، وتيسيره لهم هذه الشريعة السمحة، كما قال عليه الصلاة والسلام (بعثت بالحنيفية السمحة) فهذا من نعم الله على عباده، أي: أن المسلم إذا فقد الماء تيمم، وهو من خصائص هذه الأمة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). وهذا من الخصائص التي خص الله بها هذه الأمة المرحومة وهي كثيرة، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فضلت على الأنبياء بست - وفي اللفظ الآخر-: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي -ومنها قوله عليه الصلاة والسلام -: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل - وفي لفظ-: فمعه طهوره). وفيه من الفوائد: أن الإقامة لالتماس ما ضاع مما له ثمن من أموال الجيش والرعية مشروع، وأن الإمام يجب عليه أن يهتم بشئون رعيته وتفقد حاجاتهم، وأن المال لا يباع أو يترك؛ لأن المال عصب الحياة، ولهذا قال الله تعالى في كتابه العظيم: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء:5]. فنهى الله عباده: أن يؤتوا السفهاء أموالهم التي جعلها الله لهم قياماً، أي: تقوم بها الحياة، والمال يستغني به الإنسان عن غيره، ويتقوى به على أعدائه، ويقضي به حوائجه، ويستعين به على أمور دينه ودنياه، ولهذا روي عن عبد الله بن المبارك -وهو الإمام المشهور رحمه الله أنه قال: لولا هذه الدراهم لتمندل بنا الملوك، أي: لجعلونا مناديل، يعني: أنا نستغني عنهم بهذا المال، ولولاه لتمندل بنا الملوك، فالمال عصب الحياة لا يضيع؛ ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش لالتماس عقد عائشة، وهو عقد تتحلى به أي: تضعه في حلقها، والعقد من الذهب أو الفضة تتحلى به المرأة، فإما أن تجعله في يديها أو في أصابعها أو في حلقها أو في أذنيها أو في رجليها. وفيه: أن المؤمنين إخوة، يتعاونون في قضاء الحوائج، فيعين بعضهم بعضاً، ولهذا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه يلتمسون العقد ويبحثون عنه. وفي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته). وفي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فإذا أعان المسلم أخاه مثلاً في إصلاح سيارته إن وقفت، أو دابته أو متاعه، كان له نصيب من هذا الحديث: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). وفيه من الفوائد أيضاً: جواز معاتبة الرجل ابنته وإن كانت كبيرة، أو ابنه، فإن أبا بكر رضي الله عنه عاتب ابنته عائشة، وجعل يطعنها في خاصرتها وهي لا تتحرك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نام على فخذها، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر معاتبته لابنته، فالرجل يعاتب ابنه وابنته الكبيران، ولا يزال يعلمهما ولو كانا كبيرين قد بلغا الرشد. وفيه: جواز وضع الرجل رأسه على فخذ امرأته أمام محارمها كأبيها، وأنه لا حرج في ذلك؛ ولهذا وضع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه على فخذ عائشة ونام، ولا يعتبر هذا من العيب أو من الأمور التي يستحيا منها، وقوله: (جعل يطعن) بضم العين، أما الطعن: الذي هو الضرب بالرماح فهو بفتح الطاء (يطعَن) أما هنا فهو بضمها، أي: يطعُن في خاصرتها. وفيه: عند قول أسيد بن حضير: (ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر) أن بعض الناس مبارك، أي: جعل الله فيه البركة، فينفع الناس بتوجيهه وإرشاده، أو بشفاعته أو بماله أو ببدنه، ومن ذلك آل أبي بكر فإنهم مباركون. وفيه: أنه لا حرج أن يقول الإنسان: هذه من بركتك، يعني من البركة التي جعلها الله فيك، هذا إذا كان الشخص مباركاً. ومنه ما يقوله بعض الناس: فلان كله بركة، أو هذه من بركتك، يعني: من البركة التي جعلها الله فيك، والبركة من الله، كما جاء في حديث آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا والبركة من الله) فالبركة من الله، ويجعلها في بعض الأشخاص، فـ أبو بكر مبارك في أول الإسلام وبعده، وأسلم على يده خلق كثير، وعائشة أيضاً مباركة، وهذه الحادثة من البركة التي جعلها الله فيها، أي: بأن شرع الله التيمم؛ ولهذا قال أسيد بن حضير: (ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر) وفي اللفظ الآخر أنه قال: (جزاك الله خيراً، ما جعل الله لك أمراً تكرهينه إلا جعل الله لك منه فرجاً وللمسلمين خيره) أو كما قال. فانقطع عقدها وكره الناس الحال، وتأخر الجيش، لكن أحدث الله خيراً عظيماً، بتشريعه التيمم لعباده. وفيه من الفوائد أيضاً: أن الإنسان إذا فقد الماء والتراب فإنه يصلي بغير ماء ولا تراب، وصلاته صحيحة ولا يعيدها؛ لأن في هذه القصة: أن الرهط الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم للبحث عن عقد عائشة أدركتهم الصلاة وليس عندهم ماء ولما يشرع الله التيمم بعد فصلوا بغير تراب ولا ماء، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، فدل هذا على أن الإنسان إذا عجز عن الماء وعن التيمم -كأن يكون محبوساً في مكان ليس فيه ماء ولا تراب، أو مصلوباً على خشبة- فإنه يصلي بغير ماء ولا تراب وصلاته صحيحة. وفيه من الفوائد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا ما أعلمه الله منه، فلذا لم يعلم بعقد عائشة، وأرسل جماعة يبحثون عنه، ثم وجدوه تحت البعير لما أقاموه، وكذلك الصحابة لا يعلمون الغيب، ولو كان أحد ممن يسمون بالأولياء أو الأولياء حقيقة يعلم الغيب لعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الناس، ولعلمه الصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء، وقد قال الله تعالى في كتابه المبين: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن:26 - 27]. وقال الله تعالى على لسان نبيه: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف:188]. وقال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]. فمن ادعى أنه يعلم الغيب فهو كافر؛ لأنه مكذب لله، فالغيب من خصائصه.

حكم التيمم في الحضر

حكم التيمم في الحضر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التيمم في الحضر. أخبرنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه فقال أبو جهيم (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، ولقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، ومسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام)]. هذه القصة ترجم لها المؤلف رحمه الله بـ: (باب التيمم في الحضر) والمكان الذي أقبل فيه الرسول من بئر جمل هو: موضع بوادي العقيق، ولعل الماء كان بعيداً، ولو كان في الحضر أو كان الماء قريباً لاستعمله؛ لأن النصوص التي فيها اشتراط فقد الماء للتيمم محكمة، كقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]. فلا بد أن يحمل هذا الحديث على ما يوافق النصوص، وإلا للزم من ذلك القول بالتيمم ولو كان الماء قريباً وخاف أن تفوت عليه صلاة الجمعة أو صلاة الجنازة، كما قال ذلك بعض أهل العلم، ونسب هذا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أي: أنه يقول: إذا خاف فوات الجمعة فإنه يتيمم، ولو كان الماء موجوداً عنده، وكذلك إذا كانت عنده جنازة وخاف فواتها فيتيمم؛ لأنه إذا ذهب ليتوضأ فاتته الجمعة أو فاتته الجنازة، لكن هذا القول ضعيف مرجوح. والصواب: أنه لا يجوز له أن يتيمم، بل يتوضأ ولو فاتته الجمعة والجماعة؛ لأن الأصل عدم التيمم إلا إذا فقد الماء لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]. ولأن الوضوء شرط في صحة الصلاة وهو مقدم على الجمعة والجماعة، فالجماعة واجبة والوضوء شرط، والشرط مقدم على الواجب، فيتوضأ ولو فاتته الجماعة أو الجمعة، هذا هو الصواب؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]. ويؤخذ من هذا الحديث: مشروعية التيمم للوضوء المندوب دون الواجب مع القدرة على الماء، كأن يكون البئر قريباً، لكن المندوب سيفوته بالوضوء، فيشرع للإنسان أن يتيمم بدلاً عن الوضوء، هذا في المندوب دون الواجب، مع القدرة على الماء إن خشي أن يفوته هذا المندوب؛ لأن رد السلام على طهارة مستحب وليس بواجب، ولو رده على غير طهارة فلا بأس، كما ثبت في حديث عائشة الذي رواه الإمام مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيان) والسلام ذكر، فلا بأس أن يرده الإنسان ولو على غير طهارة، ومرت معنا قصة أبي هريرة: أنه خرج وهو على جنابة فخنس من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) لكن هذا من باب الاستحباب، ولهذا لما سلم هذا الرجل -في الحديث الذي نحن بصدده- على النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه السلام حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام، فهذا من باب الاستحباب، وإلا فرد السلام على غير طهارة لا بأس به. فيؤخذ من الحديث: مشروعية التيمم للوضوء المندوب دون الواجب مع القدرة على الماء، كأن يكون قريباً منه ويخشى أن يفوت هذا المندوب بالوضوء، أما إطلاق ترجمة المصنف بقوله: (باب التيمم في الحضر) فهذه الترجمة مطلقة لكن تقيد بكونه: في الحضر للمندوب دون الواجب، إذا خشي أن يفوت هذا المندوب، أما التيمم في الحضر للصلاة فلا يجوز إلا مع فقد الماء، فإن تيمم -والماء موجود- للصلاة أو لتلاوة القرآن أو للمس المصحف، أو للطواف بالبيت فلا يصح تيممه، ولا يستبيح به ما يستبيحه بالوضوء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التيمم في الحضر. أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن سلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: (أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء قال عمر: لا تصل. فقال عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: إنما كان يكفيك فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه - وسلمة شك لا يدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين- فقال عمر: نوليك ما توليت). أخبرني محمد بن عبيد بن محمد قال: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن ناجية بن خفاف عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (أجنبت وأنا في الإبل فلم أجد ماء فتمعكت في التراب تمعك الدابة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال: إنما كان يجزيك من ذلك التيمم)]. هذه الترجمة كالترجمة السابقة (باب التيمم في الحضر) وهنا نلاحظ المؤلف رحمه الله يكرر التراجم؛ ولعله لاختلاف متن الحديث، والنسائي على طريقة البخاري رحمه الله في كثرة التراجم، وعلى طريقة مسلم في سياق الأسانيد وطرق الحديث. وذر هذا الذي روى عنه سلمة هو: ذر بن عبد الله المرهبي، وهو يشتبه مع زر على بعض الناس، فالأول بالذال: ذر بن عبد الله المرهبي والثاني بالزاي، وليس في الكتب الستة غيرهما زربن حبيش وذر بن عبد الله المرهبي. وفي هذا الحديث: قصة عمار وعمر رضي الله عنهما عندما لم يجدا ماء فقال عمر: أما أنا فلا أصلي حتى أجد الماء، وأما عمار فنزع ثيابه وتمعك كما تتمعك الدابة، أي: قاس التيمم للجنابة على غسل الجنابة، ففي غسل الجنابة يعمم البدن بالماء، فظن عمار رضي الله عنه أن التيمم يعمم بالتراب كالماء، ففي هذا الحديث! إثبات القياس والرد على منكريه، فالصحابة كانوا يعرفون القياس ويعملون به، فهو رد على الظاهرية كـ ابن حزم وداود الظاهري وغيرهما من الذين أنكروا القياس، فهذا الحديث من آيات الله العظيمة، فكيف نسي عمر هذه الحادثة مع شهرتها ووقوعها له؟ وكذلك حصل لـ عبد الله بن مسعود مع أبي موسى مثل ما حصل لـ عمر مع عمار، ثم كيف خفيت الآية على عمر مع جلالة قدره أي: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]؟! والآية التي نسيها عمر في المائدة وفي النساء، ففي الحديث: أن العالم الكبير قد يخفى عليه شيء من العلم وقد ينسى أمراً واضحاً. وفيه دليل على أن الحجة هي كتاب الله وسنة رسوله، ولا يقلد العالم إذا غلط أو أخطأ أو نسي ولو كان كبيراً، فهذا عمر مع جلالة قدره، قد نسي قوله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]. ففي الحديث أن رجلاً سأل عمر وقال: إني أجنبت فلم أجد الماء؟ فقال له عمر: لا تصل حتى تجد الماء. فذكره عمار بن ياسر قائلاً: (يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية فأجنبت فلم نجد الماء فأما أنت فلم تصل) أي: أن عمر امتنع عن الصلاة حتى يجد الماء، وأما أنا فتمعكت في التراب، يعني: نزع ثيابه وتمعك في التراب كما تتمعك الدابة فصليت فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه). هذا الحديث فيه فوائد عظيمة، وهو في الصحيحين من حديث عمار، والعمدة على حديثه في مسألة التيمم. ففيه: أن التيمم ضربة واحدة بكفيه ثم يمسح بهما وجهه وكفيه، خلافاً لمن قال من أهل العلم يضرب المتيمم ضربتين، إحداهما للوجه والثانية للكفين، وخلافاً أيضاً لمن قال من أهل العلم: إن المسح يكون إلى المرفقين أو إلى الإبطين؛ لأن حديث عمار محكم واضح وفي الصحيحين. وفيه: أن التيمم ضربة واحدة للحدث الأكبر والأصغر، فيمسح بهما وجهه ثم كفيه، لكن لو ضرب ضربتين جاهلاً أو ناسياً فلا حرج. وقوله: (ثم نفخ فيهما) أي: لتخفيف الغبار العالق بالكفين؛ لأنه ليس المقصود أن يلطخ الإنسان وجهه بالتراب، وإنما المقصود الامتثال، فإذا كان التراب كثيراً ونفخ فيهما فلا بأس. قوله: (وسلمة شك لا يدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين)، يعني: أن مسح اليدين، جاء في الحديث الصحيح أنه إلى الكفين، أي: إلى الرسغ، وهو مفصل الكف عن الذراع، فهذه هي المرادة إذا أطلقت في التيمم، وهي المرادة كذلك في السرقة، فإن التي تقطع عند السرقة من مفصل الكف. وفي الحديث: أن من لم يجد الماء فإنه يتيمم بالتراب ويصلي ولا يؤجل الصلاة، وكان الذين قبلنا يؤجلون الصلاة إذا لم يجدوا الماء، وهذا من الآصار التي كانت عليهم، أما شريعتنا فيسرها الله علينا وخففها، فإذا لم يجد المسلم الماء فإنه يتيمم. وفيه: استحباب نفخ التراب إذا كان كثيراً، ولما ذكر ذا عمار لـ عمر قال له: نوليك ما توليت، وفي اللفظ الآخر -كما سيأتي- أنه قال: إن شئت يا أمير المؤمنين! ألا أحدث به، فقال عمر: نو

حكم التيمم في السفر

حكم التيمم في السفر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التيمم في السفر. أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمار رضي الله عنه قال: (عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولات الجيش ومعه عائشة زوجته فانقطع عقدها من جزع ظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر، وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر فقال: حبست الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله عز وجل رخصة التيمم بالصعيد، قال: فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط)]. التعريس: هو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة والنوم، يقال له: تعريس كما هنا: (عرس رسول الله) يعني: نزل آخر الليل للاستراحة والنوم. وقوله: (انقطع عقد عائشة من جزع ظفار) الجزع: خرز يماني، واحد الجزع، وظفار: مدينة في اليمن مبنية على الكسر مثل قطامِ، فهذا الجزع الذي من خرز هو من هذه المدينة، وقد سقط من عائشة رضي الله عنها، فحبس النبي صلى الله عليه وسلم الناس ابتغاء عقدها. وفيه: أن أبا بكر تغيض عليها، يعني: غضب عليها؛ لماذا أخرت النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: أنه لما نزلت آية التيمم ضرب الناس بأيديهم الأرض. وقوله: (ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئاً) لعل التراب ليس كثيراً. وقوله: (فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط) يعني: فعلوا هذا بأنفسهم خطأ اجتهادياً منهم، ثم علمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه إلى الكفين، ولم يؤمروا بالإعادة؛ لأنهم لم يتعمدوا المخالفة، والحكم لما يستقر، يعني: يبدأ أحدهم بظاهر الكف حتى يصل إلى باطن الكف، ويمسح من بطن الكف حتى يصل إلى الإبط، وهذا اجتهاد منهم. ثم علمهم النبي حكم الشرع في ذلك.

اختلاف روايات صفة التيمم

اختلاف روايات صفة التيمم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الاختلاف في كيفية التيمم. أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه أخبره عن أبيه، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتراب فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب)]. هذا يقال فيه كما سبق، أي: أنهم فعلوه باجتهادهم، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم الحكم وعلمهم السنة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التيمم والنفخ في اليدين. أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن سلمة عن أبي مالك، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال: (كنا عند عمر رضي الله عنه فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! ربما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء؟ فقال عمر: أما أنا فإذا لم أجد الماء لم أكن لأصلي حتى أجد الماء، فقال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنت بمكان كذا وكذا ونحن نرعى الإبل فتعلم أنا أجنبنا؟ قال: نعم، أما أنا فتمرغت في التراب فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: إن كان الصعيد لكافيك وضرب بكفيه إلى الأرض، ثم نفخ فيهما ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه، فقال: اتق الله يا عمار! فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت لم أذكره، قال لا ولكن نوليك من ذلك ما توليت)]. قوله: (ثم نفخ) فيه مشروعية النفخ إذا كان التراب كثيراً؛ لأن المقصود التعبد وليس التوسخ بالتراب، ود ورد النفخ في بعض الروايات وورد عدم النفخ في بعضها، فلعل هذا أحياناً كان ينفخ وأحياناً لا ينفخ. قوله: (مسح وجهه وبعض ذراعيه) لعل المراد بـ (بعض ذراعيه) طرف الساعد مما يلي الكف. قول عمر لـ عمار: (اتق الله يا عمار) يدل على أنه ما زال ناسياً، ولما يتذكر الحادثة، وقد ذكره عمار لكنه لم يتذكر فقال له: يا أمير المؤمنين! أما تذكر أنا أجنبنا؟ وأنا تمرغت وأنت ما صليت، وجئنا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرناه، فلم يذكر عمر الحادثة. ولذلك قال: (اتق الله يا عمار!) يعني: تأكد من الأمر، فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت لم أذكره، وإن شئت ما حدثت الناس بهذا. وفيه دليل: على طاعة ولي الأمر في هذا، وأنه إذا منعه من شيء امتنع، فكأن عمر يقول له: لا تحدث بهذا أو لا تذكره؛ لأن الحجة قائمة بغيره، فإذا سكت أحد، فسيبلغ غيره، وعمر يعلم أنه قد بلغت هذه القصة الناس، وسمعوها منه ومن غيره، فزال خوف الكتمان، ولهذا (قال: إن شئت لم أذكره) أي: إن شئت ما حدثت به الناس، قال له عمر: (لا، ولكن نوليك ما توليت) يعني: أنت المسئول عن هذا الشيء، ما دام أنك تذكره نوليك ما توليت، وكأن عمر لا يزال في نسيان، ولما يتذكر، وخفيت عليه الآية، أي: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التيمم. أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا بهز قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه (أن رجلاً سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن التيمم فلم يدر ما يقول، فقال عمار: أتذكر حيث كنا في سرية فأجنبت فتمعكت في التراب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما يكفيك هكذا - وضرب شعبة بيديه على ركبتيه- ونفخ في يديه ومسح بهما وجهه وكفيه مرة واحدة)]. وذر هذا هو ذر بن عبد الله المرهبي، ثقة عابد، وكون عمار تمعك في التراب هذا قياس منه للتيمم للجنابة على الغسل منها، يعني: كما أن الغسل من الجنابة يعمم فيه البدن بالماء، فقاس عمار التيمم عليه فعمم بدنه بالتراب، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن التيمم عن الجنابة وعن الحدث الأصغر واحد، وهو ضربة واحدة بكفيه على التراب، ويمسح بهما وجهه وكفيه. وإذا وجد التراب فهو المطلوب، فيفعل كما أخبر الله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6]. وإذا لم يجده فبما تصاعد على الأرض، لقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وهل أتى عمار بالتيمم المشروع خلال تمعكه في التراب أم لا؟ هذا فيه تفصيل مسكوت عنه، وظاهره أنه حصل منه التيمم وزيادة، فعلمه النبي ما يجب عليه. وما معنى: (وضرب شعبة بيديه على ركبتيه)؟ أي: أن شعبة يبين كيفية الضرب. وبدلاً من أن يضرب على الأرض ضرب على ركبتيه، تبييناً للكيفية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التيمم. أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة عن الحكم سمعت ذراً يحدث عن ابن أبزى عن أبيه قال: وقد سمعه الحكم من ابن عبد الرحمن قال (أجنب رجل فأتى عمر رضي الله عنه فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، قال: لا تصل، قال له عمار: أما تذكر أنا كنا في سرية فأجنبنا فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فإني تمعكت فصليت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك، وضرب شعبة بكفه ضربة ونفخ فيها، ثم دلك إحداهما بالأخرى، ثم مسح بهما وجهه؟ فقال عمر شيئاً لا أدري ما هو، فقال: إن شئت لا حدثته) وذكر شيئاً في هذا الإسناد عن أبي مالك وزاد سلمة قال: بل نوليك من ذلك ما توليت]. وهذا كما سبق، ولعله أراد تخفيف التراب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نوع آخر: أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا شعبة عن الحسن وسلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: (أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء، فقال عمر: لا تصل، فقال عمار: أما تذكر - يا أمير المؤمنين - إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب ثم صليت، فلما أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال: إنما يكفيك وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما فمسح بهما وجهه وكفيه). شك سلمة وقال: لا أدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين. قال عمر: نوليك من ذلك ما توليت. قال شعبة: كان يقول: الكفين والوجه والذراعين. فقال له منصور: ما تقول؛ فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك! فشك سلمة فقال: لا أدري ذكر الذراعين أم لا]. وعبد الله بن تميم هذا هو المصيصي بالتخفيف، نسبة إلى بلدة مصيصة على وزن عظيمة، بلد بالشام، وهذا الحديث هو الحديث السابق، لكن المؤلف رحمه الله يكرر الأسانيد للتقوية. وفيه: أن سلمة شك فقال: لا أدري إلى المرفقين أو الكفين. وقد جاءت الأحاديث تدل على الجزم فيه، وأنه إلى الكفين، فهذا شك منفي في الأحاديث، ولهذا قال له منصور: ما تقول: فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك! فقال: لا أدري. لكن الأحاديث الأخرى بينت أن التيمم إلى الكفين. وفي الحديث السابق قال عمار: (وأنا في الإبل) وقال هنا: (أنا وأنت في السرية) فيحتمل أن تكون قصتين، ويحتمل أن تكون قصة واحدة كانا فيها في الإبل في نفس السرية.

تيمم الجنب

تيمم الجنب

شرح حديث عمار: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء)

شرح حديث عمار: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: تيمم الجنب. أخبرنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن شقيق قال: (كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى فقال: أبو موسى: أو لم تسمع قول عمار لـ عمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا: فضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح كفيه ثم نفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على كفيه ووجهه، فقال عبد الله: أو لم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟!)]. هذا الحديث في الصحيحين، وفيه أن هذا القصة حصلت لـ أبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود، كما حصلت لـ عمار وعمر، وكان عبد الله بن مسعود يرى أنه لا يتيمم حتى يجد الماء، وأبو موسى يرى أنه يتيمم؛ لأنَّه جاء ما يدل على توضيح القصة أكثر من هذا، وأن ابن مسعود قال: إذا لم يجد الماء لا يصلي، فقال له أبو موسى: (أولم تسمع قول عمار لـ عمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد) إلى آخر الحديث، فقال عبد الله بن مسعود لـ أبي موسى: (أولم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟!)، فهو لم يزل على رأي عمر، ونسي الآية: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، مع جلالة قدره ورسوخه في العلم، لكن العالم الكبير قد يفوته شيء من العلم الذي قد يكون عند صغار الطلبة، وإن كان عالماً. وهذا من العجائب، فمن قدرة الله العظيمة أن الإنسان مهما بلغ من العلم فهو محل النسيان، فمهما بلغ من العلم والمكانة العلمية في العلم والدين قد يفوته شيء من العلم، وقد ينسى شيئاً من العلم، وقد يخفى عليه أمر واضح، فـ عبد الله أصابه ما أصاب عمر من النسيان لهذا الأمر العظيم مع وضوحه في القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، ولما ذَكَّره أبو موسى قال: (أولم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟!)، فما اقتنع بقول عمار، وكان الصواب مع أبي موسى.

التيمم في الصعيد

التيمم في الصعيد

شرح حديث: (عليك بالصعيد فإنه يكفيك)

شرح حديث: (عليك بالصعيد فإنه يكفيك) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: التيمم في الصعيد. أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن عوف عن أبي رجاء قال: سمعت عمران بن حصين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم، فقال: يا فلان! ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء. قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك)]. هذا الحديث رواه الشيخان عن عمران بن حصين. وفيه: أن التيمم يكفي عند عدم الماء وفقده؛ ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل معتزلاً قال: ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء. فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك. وفيه: أن الإنسان إذا جاء والناس يصلون لا يعتزلهم، بل يصلي معهم، ولو كان قد صلى، فذلك نافلة، ولو كان قد العصر أو بعد الفجر؛ ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل، كما أنكر على الرجلين في منى لما صلى الفجر ورآهما خلفه، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: صلينا في رحالنا -لأن الناس يصلون في منى في رحالهم- فقال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا معهم فإنها لكما نافلة) فإذا جاء المرء والناس يصلون فلا يجلس خلف الناس والناس يصلون، بل يصلي معهم ولو كان قد صلى، وتكون له نافلة.

الصلوات بتيمم واحد

الصلوات بتيمم واحد

شرح حديث: (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين)

شرح حديث: (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الصلوات بتيمم واحد. أخبرنا عمرو بن هشام قال: حدثنا مخلد عن سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين)]. هذا الحديث في سنده عمرو بن بجدان، قال في التقريب: مجهول. لكن الصواب: أنه ليس بمجهول؛ فقد وثقه العجلي وابن حبان، وقال الحافظ نفسه في تلخيص الحبير: وثقه العجلي وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول. ثم أصاب الحافظ في التقريب ما أصاب ابن القطان، فقال: إنه مجهول. فنبه الحافظ على أن ابن القطان غفل، وأنه ليس بمجهول، ثم أصاب الحافظ ما أصاب ابن القطان فقال في التقريب: إنه مجهول. والكمال لله عز وجل. والحديث صحيح أخرجه أبو داود وباقي الكتب الستة، وله شواهد، منها: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا). وهذه الترجمة من النسائي بقوله: (باب الصلوات بتيمم واحد) تدل على أن مذهب النسائي رحمه الله أن التيمم رافع للحدث كالماء، وذهب إلى هذا جماعة من المحققين، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وجماعة، واختار هذا بعض أئمة الدعوة، وهو الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهو اختيار سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، واختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي. وذهب جمهور العلماء إلى أن التيمم مبيح لا رافع، وأنه يبطل بخروج الوقت، وقالوا: ليس له أن يصلي صلوات بالتيمم، بل كل صلاة يتيمم لها، فإذا خرج الوقت بطل التيمم عند الجمهور وكثير من الفقهاء. والحديث لا بأس بسنده، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) وهذا يعني أن يؤخذ بعمومه، وهو أنه رافع؛ لأنه سماه وضوءاً، والوضوء يرفع الحدث، والمؤلف رحمه الله أخذ رفع الحدث بالتيمم من قوله: (الصعيد الطيب وضوء المسلم)، فجعله وضوءاً، والوضوء يرفع الحدث، فدل على أن التيمم يرفع الحدث. فترجمة المصنف تدل على أنه يرى أنه رافع لا مبيح، خلافاً للجمهور الذين يرون أنه مبيح لا رافع.

حكم من لم يجد الماء ولا الصعيد

حكم من لم يجد الماء ولا الصعيد

شرح حديث: (بعث رسول الله أسيد بن حضير وناسا يطلبون قلادة كانت لعائشة)

شرح حديث: (بعث رسول الله أسيد بن حضير وناساً يطلبون قلادة كانت لعائشة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو معاوية قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وناساً يطلبون قلادة كانت لـ عائشة نسيتها في منزل نزلته، فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء، ولم يجدوا ماء، فصلوا بغير وضوء، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيراً)]. هذه الترجمة، (باب: فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد) ترك المؤلف فيها الحكم يستنبط من الحديث؛ لأن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم. والصواب: أن من لم يجد الماء ولا الصعيد فإنه يصلي ولا يعيد؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وهكذا يفعل من عدم الماء والتراب، فمن حبس في محل لا ماء فيه ولا تراب صلى على حسب حاله، وكذلك من صلب على خشبه، فإنه يصلي وصلاته صحيحة ولا يعيد؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وقال بعض أهل العلم: إنه يعيد إذا وجد الماء أو التراب، والصواب: أنه لا يعيد؛ لأن الإنسان لا يكلف بالصلاة مرتين. وفي هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رهطاً يبحثون عن عقد عائشة، فحضرت الصلاة وليسوا على ماء، ولم يشرع التيمم بعد، فصلوا بغير وضوء، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة. فدل على أن من فقد الماء والتراب فإن صلاته صحيحة، وهو المسمَّى: فاقد الطهورين.

شرح حديث طارق بن شهاب في تصويب رسول الله عمل من أجنب فلم يصل وعمل من أجنب فتيمم وصلى

شرح حديث طارق بن شهاب في تصويب رسول الله عمل من أجنب فلم يصل وعمل من أجنب فتيمم وصلى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة أن مخارقاً أخبرهم عن طارق: (أن رجلاً أجنب فلم يصل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: أصبت. فأجنب رجل آخر فتيمم وصلى، فأتاه فقال نحو ما قال للآخر -يعني: أصبت-)]. هذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صوب الذي لم يصل وصوب الذي صلى، فقال للأول: أصبت يعني: في ترك الصلاة عند عدم الماء وترك التيمم. لكن هذا الحديث في سنده كلام، ففيه طارق بن شهاب، وهو مختلف في صحبته، فإذا ثبت أنه صحابي كان الحديث مرسل صحابي وهو حجة، وإذا لم يثبت أنه صحابي كان الحديث مرسلاً، والمرسل ضعيف لا يحتج به. ومخارق هو: مخارق بن خليفة الأحمسي، وقيل: اسم أبيه: عبد الله بن عبد الرحمن الكوفي. روى عن طارق بن شهاب، وعنه السفيانان، وهو ثقة. وهناك مخارق بن سليم الشيباني صحابي، روى عنه ابنه قابوس. وطارق بن شهاب هو الأحمسي، كوفي مخضرم، وله رؤية، قاله أبو داود، روى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى، وعنه قيس بن مسلم وعلقمة بن مرثد، وثقه ابن معين. وعلى كل حال الحديث فيه كلام، وقد ثبت حديث عمار، فهو مقدم عليه، وهذا فيه: أن الرجل لم يصل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبت. وهذا مخالف لحديث عمار، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يتيمم، وقال: يكفيك التيمم. قال السندي رحمه الله: [ثم الظاهر أن مراد المصنف في الترجمة أن من لم يجد ماء ولا تراباً يصلي ولا يعيد، ووجه استدلالهم بالحديث تنزيل عدم مشروعية التيمم منزلة عدم التراب بعد المشروعية، إذ مرجعهما إلى تعذر التيمم، وهو المؤثر هاهنا. قلت: وهذا هو الموافق لظاهر قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أو كما قال، إذ الصلاة على حاله غاية ما يستطيع الإنسان في تلك الحالة، وغير المستطاع ساقط، ولا يسقط به المستطاع إلا بدليل هو الموافق للقياس والأصول، فإن سقوط تكليف الشرط لتعذره لا يستلزم سقوط تكليف المشروط]. أي: أن سقوط تكليف الشرط - وهو الوضوء مثلاً - بتعذره لا يستلزم سقوط تكليف المشروط، وهو الصلاة، فإذا عجز عن الماء والتراب لا تسقط الصلاة لسقوط تكليف الشرط، وهو الطهارة بالماء أو التيمم. قال السندي رحمه الله تعالى: [فإن سقوط تكليف الشرط لتعذره لا يستلزم سقوط تكليف المشروط لا حالاً ولا أصلاً، كستر العورة وطهارة الثوب والمكان وغير ذلك، فإن شيئاً من ذلك لا يسقط به طلب الصلاة عن الذمة، ولا يتأخر، بل يصلي الإنسان ولا يعيد، والطهارة كذلك، بل تعذر الركن لا يسقط تكليف ذات الأركان، فكيف الشرط؟ كما إذا تعذر غسل بعض أعضاء الوضوء لعدم المحل، فإنه يغسل الباقي ولا يسقط الوضوء]. أي: كما لو قطعت يده من المرفق، فإنه يغسل الذراع، ولا يسقط غسل اليد. قال رحمه الله تعالى: [وكما إذا عجز عن القراءة في الصلاة وكذا القيام وغيره]. قلت: بل قد علم سقوط الطهارة تخفيفاً بالنظر إلى المعذور، فالأقرب أنه يصلي ولا يعيد كما يميل إليه كلام المصنف، وكذا كلام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، والله تعالى أعلم]. وقال السندي على قوله: (أصبت): [أي: حيث عملت باجتهادك. فكل منهما مصيب من هذه الحيثية، وإن كان الأول مخطئاً بالنظر إلى ترك الصلاة بالتيمم، والله تعالى أعلم]. وفعل الثاني هو الأصح، والأول مخالف لحديث عمار، مقدم عليه حديث عمار.

كتاب الطهارة [18]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [18] الماء طاهر لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه من النجاسات، ويجوز التطهر بكل ماء مطلق كماء البئر والبحر والثلج والبرد، ومن النجاسات التي تؤثر في الماء لعاب الكلب على خلاف بين الفقهاء في نجاسة الكلب.

أحكام المياه

أحكام المياه

شرح حديث: (إن الماء لا ينجسه شيء)

شرح حديث: (إن الماء لا ينجسه شيءٌ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب المياه: قال الله عز وجل: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان:48]. وقال عز وجل: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال:11]، وقال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]. أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس (أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من الجنابة، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها، فذكرت ذلك له فقال: إن الماء لا ينجسه شيء)]. هذا كتاب المياه، بين المؤلف رحمه الله فيه تأويل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة:6]، فما الماء الذي يتطهر به؟ A هو الماء الذي تطهر، وهو الطهور الباقي على خلقته، كماء البحار والأنهار والعيون والآبار والأمطار، هذا هو الماء الطهور الباقي على خلقته، فماء الأمطار وماء البحار والأنهار والآبار ماء طهور، قال سبحانه: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال:11]، وقال سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]. والماء الطهور أيضاً: هو الماء المطلق الذي لم يخالطه شيء غيره يسلب عنه اسم الماء. ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من الجنابة، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من فضلها، فذكرت ذلك له، فقال: (إن الماء لا يجنب لا ينجسه شيء). والحديث يروي فيه سماك عن عكرمة؛ ورواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب إذا عنعن، لكن الحديث له شواهد تؤيده. والآيات التي ذكرت في أول الباب تدل على أن الأصل في الماء الطهارة. وجاء في حديث آخر: (أنه اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم واغتسل منها، فقالت: إني كنت جنباً، فقال: إن الماء لا يجنب). وجاء في الحديث الآخر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة). أما ما جاء من النهي عن الوضوء بفضل المرأة فهو محمول على التنزيه إذا لم يوجد غيره في أصح قولي العلماء، وهذا هو الصواب، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، أنه اغتسل هو وبعض أزواجه من إناء واحد يغترفان جميعاً، وإذا اغترفت صار الماء بعدها فضلاً، ومع ذلك كان يغترف منه عليه الصلاة والسلام، فالأصل في الماء الطهورية إلا إذا تغير بمادة أخرى أو اختلطت به مادة أخرى سلبت عنه اسم الماء. وقوله: (إن الماء لا ينجسه شيء) يعني: ما دام باقياً على أصله، إلا إذا تغير بالنجاسة أو تغير بمادة أخرى سلبت عنه اسم الماء، كأن يختلط به لبن كثير فيكون لبناً، أو صب عليه زعفران فيكون زعفراناً، أو حبر يسلب عنه اسم الماء، أو يكون الماء ليس بماء مطلق، كعصير بعض الفواكه، فهذا لا يسمى ماء مطلقاً ولو كان صافياً، وإنما هو ماء عصير. وإذا تغير بغير ممازج - كطحلب وما أشبه ذلك - فلا يضر؛ لأن هذا شيء طاهر، ومثله ما يسقط من أوراق الأشجار.

ذكر بئر بضاعة

ذكر بئر بضاعة

شرح حديث أبي سعيد في بئر بضاعة

شرح حديث أبي سعيد في بئر بضاعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر بئر بضاعة. أخبرني هارون بن عبد الله قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا الوليد بن كثير قال: حدثنا محمد بن كعب القرظي عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: (يا رسول الله! أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها لحوم الكلاب والحيض والنتن؟ فقال: الماء طهور لا ينجسه شيء). أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم - وكان من العابدين - عن مطرف بن طريف عن خالد بن أبي نوف عن سليط عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: (مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ من بئر بضاعة، فقلت: أتتوضأ منها وهي يطرح فيها ما يكره من النتن؟! فقال: الماء لا ينجسه شيء)]. هذا الحديث هو حديث بئر بضاعة المشهور، وهو حديث أبي سعيد الخدري. وقوله عليه الصلاة والسلام: (الماء طهور لا ينجسه شيء) يعني: أن هذا هو الأصل في الماء، إلا إذا تغير بنجاسة، وبئر بضاعة فيها ماء كثير، وقد حزرها بعضهم وجعل فيها حبلاً يقيس به الماء طولاً وعرضاً، ففيها ماء كثير أكثر من قلتين، وكانت في مكان منخفض، وكان تأتي الرياح والسيول وتلقي فيها هذه الأشياء، وهي لحوم الكلاب والحيض والنتن، وليس المراد أن الصحابة كانوا يلقون فيها هذه الأشياء، فالصحابة أعلى قدراً من أن يفعلوا هذا، ولكن قال بعضهم: يمكن أن يفعل هذا بعض المنافقين. والمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: (الماء طهور لا ينجسه شيء) فما دام باقياً على خلقته فلم تغير النجاسة فيه لوناً ولا طعماً ولا ريحاً فالأصل الطهارة. وقد احتج به المحققون على أنه يلغي مفهوم حديث القلتين كما سيأتي. وهذا الحديث لا بأس بسنده، وقد أخرجه أبو داود وكذا الترمذي، وهو حجة في أن الأصل في الماء الطهارة، وأنه لا يعدل عنه إلا إذا تغير بالنجاسة، فهذه البئر كانت تلقي فيها السيول والرياح هذه الأشياء، ولكن الماء فيها كثير لا يتأثر ولا يتغير، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الماء طهور لا ينجسه شيء).

التوقيت في الماء

التوقيت في الماء

شرح حديث: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)

شرح حديث: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التوقيت في الماء. أخبرنا الحسين بن حريث المروزي حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)]. هذا الحديث يسمى حديث القلتين، وهو حديث ابن عمر، وهو مشهور بحديث القلتين، وفي سنده الوليد بن كثير، قال فيه الحافظ في التقريب: مقبول. والمقبول إنما يحتج به في المتابعات لا في الأصول، لكن الحديث له طرق تشهد له، فهو حديث لا بأس بسنده على الصحيح، وقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، والصواب أنه حديث صحيح، لا بأس بسنده، واحتج به الجمهور والكثير من الفقهاء على التوقيت في الماء، كما بوب المؤلف رحمه الله، فيعتبر حداً فاصلاً بين القليل والكثير، فما بلغ قلتين فهو كثير، وما كان دون القلتين فهو قليل، وعملوا بمفهومه ومنطوقه، فقالوا: إن منطوق الحديث أنه إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس بملاقاة النجاسة إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه، أما إذا كان أقل من القلتين فإنه ينجس بمجرد الملاقاة، ولو لم يتغير. فجعلوا هذا حداً فاصلاً. والقلة قريبة من قربتين ونصف، فتكون القلتان خمس قرب، فإذا بلغ الماء خمس قرب فإنه لا يتأثر بنجاسة ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه، أما إذا كان أقل من القلتين فإنه ينجس ولو لم يتغير، عملاً بالمنطوق والمفهوم. وذهب جمع من المحققين إلى أن مفهوم هذا الحديث ملغى معطل، والذي ألغاه حديث أبي سعيد في بئر بضاعة، وهو (الماء طهور لا ينجسه شيء)، فلا ينجس الماء مطلقاً، قليلاً كان أو كثيراً، إلا إذا تغير أحد أوصافه. وقد ذهب إلى هذا جمع من المحققين، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وتبعهما الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله، فذهبوا إلى هذا القول، وهو أن الماء - قليلاً كان أو كثيراً - لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه، عملاً بحديث أبي سعيد، وأما حديث القلتين فإن مفهومه أنه إذا كان أقل من القلتين فإنه ينجس، وهذا المفهوم ألغاه منطوق حديث أبي سعيد (الماء طهور لا ينجسه شيء)، فلا يعمل بمفهوم حديث القلتين، وإنما يعمل بالمفهوم إذا لم يعارضه غيره، وهذا عارضه حديث أبي سعيد، ما لم يكن الماء قليلاً في الأواني؛ فإنه يراق؛ لما جاء في بعض ألفاظ حديث ولوغ الكلب: (فليرقه)، فإذا كان الماء قليلاً في الأواني الصغار فإنه يراق، أما ما زاد على ذلك فلا. والمسلم ينبغي له أن يتأمل وينظر إذا وقعت في الماء الذي دون القلتين النجاسة؛ لأنه قد يتغير وهو لا يشعر بها، فإذا وقع فيه نجاسة فليتأمل ولينظر، فإن غيرت أحد أوصافه فهو نجس، وإلا فهو طاهر.

شرح حديث أنس في بول الأعرابي في المسجد

شرح حديث أنس في بول الأعرابي في المسجد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة قال: حدثنا حماد عن ثابت عن أنس: (أن أعرابياً بال في المسجد فقام إليه بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه. فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه). أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم عن محمد بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن عمرو بن الوليد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال: (قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه وأهريقوا على بوله دلواً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)]. هذا الحديث يسمى حديث الأعرابي، وقد أخرجه الشيخان، فهو حديث صحيح. وفيه دليل على أن النجاسة يصب عليها الماء إذا كانت على الأرض، ولا يحتاج إلى نزع التراب، بل يكتفى بصب الماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بإخراج التراب، ومثله الفرش، فإذا أصابته النجاسة يصب عليها الماء، ويكون حكمها حكم التراب، لكن النجاسة تحرك وتقلب إذا كانت ثقيلة، وإذا كانت قليلة يعصر الفرش ويفرك، هذا إذا كانت النجاسة ليس لها جرم، أما إذا كان لها جرم كالعذرة فلا بد من نقل الجرم، ثم يصب الماء على الأثر. وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه، فينبغي للدعاة أن يقتدوا ويتأسوا به - بأبي هو وأمي - عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى في كتابه المبين: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. فهذا الأعرابي جاهل لا يعلم، جاء من البادية لا يفهم شيئاً، فدخل المسجد ثم رفع ثوبه وجلس يبول، فلما رآه الصحابة زجروه ونهروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه) أي: لا تقطعوا عليه بوله. فأشار إليهم أن يتركوه، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، فالشدة والعنف يؤديان إلى مفاسد، والصحابة رضوان الله عليهم حرصوا على الخير وحرصوا على تنزيه المسجد فبادروا بالإنكار عليه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى العاقبة، وسلك مسلك الحكمة، فرأى أنهم إذا نهروه ثم قام حصلت مفاسد، منها: أن البول سيصير عند قيامه في أماكن متعددة من المسجد، فبدل أن يكون في مكان واحد معروف يكون في أمكنة متعددة، وقد لا يعرف مكان بعضها. ومنها: أنه سيلطخ ثوبه وفخذيه بالبول. ومنها: أن قطع البول عليه قد يؤدي إلى ضرر صحي. ومنها: التنفير من الإسلام، فينفر من الإسلام، ويكره الذين أنكروا عليه، وقد يهرب. كل هذه المفاسد تلافاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (دعوه، لا تزرموه). ثم قال عليه الصلاة والسلام: (أهريقوا على بوله دلواً من ماء)، وفي لفظ: (سجلاً من ماء)، فأمر بدلو من ماء فصب مكانه وانتهى الأمر بسهولة، وتلافى هذه المفاسد التي كانت ستحصل وقال: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) يعني: إنما بعثتم بالعمل بهذا الدين الذي فيه اليسر وعدم الشدة، أي: بعث نبيكم بهذا وأنتم تعملون بالشرع. ثم بعد ذلك دعاه النبي صلى الله عليه وسلم برفق ولين، وأخبر بأن هذه المساجد إنما بنيت لذكر الله والصلاة، ولا تصلح لشيء من البول والقذر. فلما رأى صفة خُلقُه عليه الصلاة والسلام انقاد واستجاب، ثم قال: (اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحدا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد حجرت واسعاً). وفي هذا الحديث أنه يصب على نجاسة البول الماء، وفي حديث القلتين بيان إذا وقعت النجاسة على الماء. وقد اختلف العلماء أيضاً في الجمع بينه وبين حديث القلتين، فقال بعضهم: إن حديث القلتين فيه ورود النجاسة على الماء، وحديث الأعرابي فيه ورود الماء على النجاسة، فقال: إن هناك فرقاً بين ورود النجاسة على الماء وورود الماء على النجاسة، فإذا وردت النجاسة على الماء فإنه ينجس إذا كان دون القلتين، أما إذا ورد الماء على النجاسة فلا ينجس، كما في حديث الأعرابي؛ لأن المعلوم أن الدلو أقل من القلتين، وصب على النجاسة، ومع ذلك ما تنجس الماء، فلو تنجس الماء لما طهرت النجاسة. لكن هذا التفريق ليس بجيد، وهو دليل على أن الماء - ولو كان قليلاً - لا ينجس إلا بالتغير. ولتطهير الماء المتنجس طرق، فمنها: نزح النجاسة، فإذا نزحت منه وزال تغيره طهر. ومنها: المكاثرة، فإذا أضيف إليه الماء الطهور وزالت النجاسة أي: لونها وطعمها وريحها فلا بأس. ومنها: أن تضاف إليه مواد أخرى، مثل مياه المجاري الآن، فقد يضاف إليها مواد أخرى فيزول طعم النجاسة ولونها ورائحتها، فيعود الماء طهوراً مرة أخرى. وفي إسناد الحديث الثاني قال النسائي: [عن محمد بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن عمرو بن الوليد] وهذا إسناد فيه خطأ، والصواب: عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد، كما هو في السنن الكبرى.

النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم

النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم

شرح حديث: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)

شرح حديث: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم. أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب عن عمرو - وهو ابن الحارث - عن بكير أن أبا السائب حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)]. هذا الحديث فيه النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم، والنهي للتحريم، وظاهره يقتضي الفساد، فلو اغتسل في الماء الدائم وعليه جنابة فإنه لا يرتفع الحدث؛ الأصل في النهي أنه يقتضي الفساد والتحريم، فلا يجوز للإنسان أن يغتسل في الماء الدائم الراكد الذي لا يجري؛ لأنه يقذره على غيره. ومفهوم الحديث: أنه لو اغتسل للتبرد فلا حرج، وكذلك إذا كان الماء جارياً؛ لأنه إذا اغتسل تذهب هذه الجرية وتأتي بعدها جرية أخرى. وحتى من باب النظافة فينبغي للمتبرد أن يغتسل خارج الماء، إلا إذا كان الماء كثيراً. وإذا أراد المرء أن يكتفي بالانغماس في الماء عن الوضوء، فإنه لابد أن يراعي كيفية الغمس، إذ لابد من الترتيب، فيخرج وجهه أولاً، ثم يخرج يده اليمنى، ثم اليسرى، ثم رأسه ويمسح أذنيه، أو يخرج رأسه، ثم رجله اليمنى ثم رجله اليسرى، فلا بد من غسل الأعضاء مرتبة.

الوضوء بماء البحر

الوضوء بماء البحر

شرح حديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)

شرح حديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بماء البحر. أخبرنا قتيبة عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن أبي سلمة أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته)]. هذا الحديث فيه أن ماء البحر طهور وميتته حلال. وفيه من الفوائد: أن المفتي ينبغي له أن يزيد المستفتي الحكم الذي يحتاج إليه، فإن هذا السائل سأل عن حكم ماء البحر، والذي يسأل عن ماء البحر يحتاج إلى معرفة حكم الميتة، فزاده النبي صلى الله عليه وسلم بيان حكم أكل الميتة في البحر، فقال: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته). ووقع في هذا الإسناد (سعيد بن أبي سلمة) وهو خطأ، والصواب (سعيد بن سلمة) بدون زيادة (أبي)، كما هو في السنن الكبرى.

الوضوء بماء الثلج والبرد

الوضوء بماء الثلج والبرد

شرح حديث: (اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد)

شرح حديث: (اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بماء الثلج والبرد. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس). أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)]. هذا - كما سبق - فيه دليل على طهارة ماء الثلج والبرد، فماء الثلج والبرد إذا ذاب فهو طهور، تتوضأ به كماء البحر، وكذلك مياه العيون والآبار والأمطار، كلها الأصل فيها الطهارة.

سؤر الكلب

سؤر الكلب

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم)

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: سؤر الكلب. أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات)]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان وأهل السنن بألفاظ. وفي هذا الحديث دليل على نجاسة الكلب؛ لأن الأمر بغسل ما ولغ فيه يدل على نجاسته، وقد ذهب إلى هذا الجماهير. وذهب الإمام مالك والمالكية، إلى أن سؤر الكلب طاهر، وهو اختيار البخاري رحمه الله، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح صيد الكلب المعلم، ومن المعلوم: أنه إذا صاد الفريسة فلا بد من أن يكون فيها شيء من لعابه، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل لعاب الكلب، فقالوا: دل هذا على طهارته. لكن هذا ليس بواضح، والأمر بغسل ما ولغ فيه صريح في نجاسته، أما مكان عض المصيد فإنه قد يقطع، لأنه معروف أن عظة الكلب يقطع بسببها شيء يسير من الصيد، ثم إن النار تُذهب أثر أنيابه؛ لأن النار تقتل الجراثيم. وفي هذا الحديث قوله: (فليرقه) وهذه اللفظة عند مسلم، وهي تدل على أن الماء القليل الذي في الأواني يراق إذا ولغ فيه الكلب، وكذلك - بالقياس عليه - ما وقع فيه نجاسة غير نجاسة الكلب، فإذا كان في إناء صغير فإنه يراق. وقال بعضهم: إن هذه اللفظة شاذة. والحديث دليل على أنه يجب غسل ما ولغ فيه الكلب سبع مرات، وفي الحديث الآخر: (أولاهن في التراب)، وفي رواية: (إحداهن بالتراب)، وفي بعضها: (وعفروه الثامنة بالتراب) وهو دليل على أن إحدى الغسلات يكون فيها التراب، والأولى أن تكون الأولى؛ حتى يزيل أثر التراب ما بعدها من الغسلات. فهذا حكم ولوغه، أما بوله فأشد؛ لأن الكلب كله نجس، لكن إذا مس المرء الكلب وهو جاف فلا يؤثر ذلك عليه، لكن إذا كان رطباً فلابد من غسل اليد، وكذلك إذا كانت اليد فيها رطوبة، لكن السبع المرات في غسل الإناء من ولوغه. وبعض العلماء - كالحنابلة وغيرهم - ذهبوا إلى قياس الخنزير على الكلب فقالوا بغسل الإناء من ولوغه سبع مرات، لكن ليس القياس بظاهر.

تعفير الإناء بالتراب من ولوغ الكب

تعفير الإناء بالتراب من ولوغ الكب

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات)

شرح حديث: (إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب تعفير الإناء بالتراب من ولوغ الكلب فيه. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد - يعني ابن الحارث - عن شعبة عن أبي التياح قال: سمعت مطرفاً عن عبد الله بن مغفل: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ورخص في كلب الصيد والغنم وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب). أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا بهز بن أسد قال: حدثنا شعبة عن أبي التياح يزيد بن حميد قال: سمعت مطرفاً يحدث عن عبد الله بن مغفل قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، قال: ما بالهم وبال الكلاب؟ قال: ورخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب، قال أبو هريرة رضي الله عنه: إحداهن بالتراب). أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب). أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)]. هذا الحديث طرقه متعددة، وفيه دليل لما ترجم له المؤلف رحمه الله من أن الكلب إذا ولغ في الإناء يغسل سبعاً، ويعفر بالتراب. وهذا التعفير بالتراب ذكر في الثامنة في بعض الروايات، وفي بعضها: (إحداهن بالتراب) ولم يعين، فيدل على التوسعة، وأن التراب في إحداهن، وفي بعضها: (أولاهن بالتراب) وهذه رواية مسلم، وهي الأَولى، أي: الأولى أن يكون التراب في الأُولى حتى يغسلها ما بعدها، والجمهور على أن التراب نفسه اعتبر ثامنة، أي: أن الغسل سبع لكن واحدة معها التراب، والأَولى أن تكون الأُولى -كما قدمنا- وإنما سميت ثامنة للنظر إلى كون التراب غير الماء، وإلا فالغسلات سبع. وفيه دليل على أن الأمر بقتل الكلاب منسوخ، وهذا الحديث فيه بيان الناسخ والمنسوخ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب أولاً ثم رخص فقال: (ما بالهم وبال الكلاب)، إلا الأسود البهيم فإنه يقتل؛ لأنه شيطان، ولهذا جاء في صحيح مسلم: (يقطع صلاة المرء - إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل - المرأة، والحمار، والكلب الأسود). ولهذا لما سئل أبو ذر رضي الله تعالى عنه: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال للسائل: با ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: (الكلب الأسود شيطان). وفيه ترخيص في كلب الصيد والغنم، وجاء في حديث آخر أيضاً ترخيص في كلب الحرث. والذي يرخص فيه منها هو كلب الصيد، وكلب الماشية، وكلب الحرث، وكل ما ورد الترخيص فيه لا يمنع دخول الملائكة، وفيما عدا ذلك لا يجوز اقتناء الكلب، ومن اقتنى كلباً فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان، كما في الحديث الآخر: (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية أو حرث نقص من أجره كل يوم قيراطان)، أي: من الأجر، فلا يجوز وضع الكلاب في البيوت للحراسة، كما قال بعضهم: إن كلب الحراسة يقاس على كلب الحرث.

سؤر الهرة

سؤر الهرة

شرح حديث: (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات)

شرح حديث: (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب سؤر الهرة. أخبرنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة ابنة كعب بن مالك: (أن أبا قتادة دخل عليها. ثم ذكر كلمة معناها: فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قلت: نعم. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات)]. هذا الحديث فيه دليل على أن سؤر الهرة طاهر؛ وذلك لعموم البلوى بها، أي: لكونها تدور وتطوف في البيت فتعم البلوى بفعلها، فرخص فيها الشارع، والمشقة تجلب التيسير، فلوجود علة الدوران والطواف في البيت رخص الشارع في سؤرها، وقاس العلماء عليها ما يشاركها في العلة، كالفأرة، فالفأرة كذلك يكثر دورانها، ولهذا قال العلماء: الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، وسؤرها طاهر. واختلف العلماء في الحمار والبغل ونحوها مما يشارك الهرة في عموم البلوى والطواف، ولا سيما قبل مجيء السيارات، فهل سؤر البغل والحمار نجس أم طاهر؟ الأقرب: أنه طاهر، فالحمار لا يؤكل، وهو نجس وبوله نجس، لكن عرقه مما تعم به البلوى، وكذلك سؤره.

سؤر الحائض

سؤر الحائض

شرح حديث عائشة: (كنت أتعرق العرق فيضع رسول الله فاه حيث وضعته وأنا حائض)

شرح حديث عائشة: (كنت أتعرق العرق فيضع رسول الله فاه حيث وضعته وأنا حائض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب سؤر الحائض. أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة: (كنت أتعرق العرق فيضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاه حيث وضعته وأنا حائض، وكنت أشرب من الإناء فيضع فاه حيث وضعت وأنا حائض)]. هذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه، وفيه دليل على طهارة سؤر الحائض، والسؤر: بقية الأكل أو الشرب. وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعاشرته لأهله وتواضعه ومحبته لـ عائشة رضي الله عنها، وتعليمه الأمة، حيث إنه كان يضع فاه مكان فمها. والعرق هو العظم الذي فيه بقية لحم، وفيه مخالفة اليهود الذين لا يؤاكلون الحائض ولا يشاربونها ولا يجامعونها في البيت، بل يجعلونها في بيت أو حجرة لوحدها، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني: إلا الجماع.

الرخصة في فضل المرأة

الرخصة في فضل المرأة

شرح حديث: (كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله جميعا)

شرح حديث: (كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله جميعاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في فضل المرأة. أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: (كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً)]. المراد بفضل المرأة ما يبقى بعد غسل عضوها، وإذا كان يتوضئون جميعاً؛ فإنه إذا أخذت غرفة من الماء صار الماء بعدها فضلة، فيأخذ منه الرجل، فدل على الرخصة في فضل الماء. وقد يقال: كيف يتوضأ الرجال والنساء جميعاً؟! فهذه فتنة! والجواب أن هذا محمول على أحد وجهين: الوجه الأول: أن هذا كان قبل نزول الحجاب، والمراد بالوضوء غسل الأطراف: الوجه واليدين والرأس. والوجه الثاني: أن المراد الرجال مع النساء من محارمهم وزوجاتهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل مع عائشة. أما بعد نزول الحجاب فليس للإنسان أن يتوضأ مع المرأة الأجنبية، فهذا فتنة.

النهي عن فضل وضوء المرأة

النهي عن فضل وضوء المرأة

شرح حديث الحكم بن عمرو في النهي عن توضؤ الرجل بفضل المرأة

شرح حديث الحكم بن عمرو في النهي عن توضؤ الرجل بفضل المرأة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن فضل وضوء المرأة. أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت أبا هاجر قال أبو عبد الرحمن - واسمه سوادة بن عاصم - عن الحكم بن عمرو: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة)]. الوضوء بالفتح اسم للماء، بالضم اسم للفعل. وهذا النهي إما منسوخ وإما أنه للتنزيه، وهذا إذا لم يوجد غيره، فإذا لم يوجد غير فضل المرأة زالت الكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل ميمونة رضي الله عنها، فدل على أن النهي للتنزيه. ذلك هو حكم فضل وضوء المرأة، وأما ما ينزل من الأعضاء بعد استعماله ففيه خلاف، وهو المسمى الماء المستعمل، فلا يصح الوضوء به مرة أخرى، لكن يستعمل في غير الوضوء. الفقهاء يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس. فالطهور: هو الذي يرفع الحدث. والطاهر: هو الطاهر في نفسه الذي لا يرفع الحدث، فالمستعمل ليس بنجس، لكنه لا يرفع الحدث؛ لأنه مستعمل في العبادة، فلا يستعمل في عبادة أخرى. ومثله الأحجار التي يرمى بها الجمار في الحج، حيث قالوا: لا ترم بحجر رمي به غيرك. وهذا لا دليل عليه، بل الصواب: أن المستعمل طهور، لكن إذا تركه من باب الاحتياط عند وجود غيره فلا حرج، وذلك حسن.

الرخصة في فضل الجنب

الرخصة في فضل الجنب

شرح حديث عائشة في اغتسالها مع رسول الله في الإناء الواحد

شرح حديث عائشة في اغتسالها مع رسول الله في الإناء الواحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في فضل الجنب. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإناء الواحد)]. هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح. وفيه أنه لا بأس بفضل الجنب، وذلك لأنها كانت تغتسل مع النبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد، فإذا غرفت فإن الماء يكون بعدها فضلة، ويغرف منه النبي صلى الله عليه وسلم. وقد سبق أنه (اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منها فقالت: إني كنت جنباً، فقال: إن الماء لا ينجس).

القدر الذي يكتفي به الإنسان من الماء للوضوء والغسل

القدر الذي يكتفي به الإنسان من الماء للوضوء والغسل

شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي)

شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب القدر الذي يكتفي به الإنسان من الماء للوضوء والغسل. أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا شعبة قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنس بن مالك يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي)]. المكوك: هو المد، فالخمسة المكاكي خمسة أمداد، والمد: هو ملء كفي الرجل المتوسط اليدين، فليستا بالكبيرتين ولا بالصغيرتين. وهذا هو الغالب في فعله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وربما زاد - كما في هذا الحديث - فاغتسل بخمسة مكاكي، أي: بخمسة أمداد، وهي صاع وربع، وربما توضأ بثلثي المد. وفي الحديث الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل مع زوجه بالفرق، وهو إناء يسع ثلاثة آصع، فكل واحد صاع ونصف تقريباً، أي: ستة أمداد. فدل هذا على أنه لا ينبغي الإفراط في الماء وكثرة الصب، فالزيادة على الثلاثة آصع أقل أحوالها الكراهة الشديدة، إن لم تكن محرمة، فلا ينبغي للإنسان أن يسرف، وإن زاد فلا حرج ما لم يخرج إلى الإسراف، وليس المراد أن الإنسان لا يجوز له أن يزيد على المد في الوضوء ولا على الخمسة المكاكي في الاغتسال، وإنما هذا بيان لما كان يفعله عليه الصلاة والسلام، وأنه ينبغي للإنسان أن يقتصد في الماء. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ سعد: (ما هذا الإسراف؟! فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار). ولو نقص عن ذلك أيضاً فلا حرج، ما لم يصل إلى حد التقصير والإخلال.

شرح حديث: (كان يتوضأ بمد ويغتسل بنحو الصاع)

شرح حديث: (كان يتوضأ بمد ويغتسل بنحو الصاع) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن إسحاق الكوفي قال: حدثنا عبدة - يعني ابن سليمان - عن سعيد عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بمد ويغتسل بنحو الصاع). أخبرنا أبو بكر بن إسحاق قال: حدثنا الحسن بن موسى قال: حدثنا شيبان عن قتادة عن الحسن عن أمه عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع)]. هذا في الغالب، وهذا المقدار فيه اقتصاد.

كتاب الطهارة [19]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [19] دم الحيض شيء كتبه الله على بنات آدم، ورتب عليه أحكاماً ينبغي على من أتاها الحيض أن تلتزم بها، من ترك الصلاة والصيام والجماع والطواف بالبيت، بخلاف دم الاستحاضة النازل من المرأة فإن هذا لا يكون حكمه حكم الحيض.

بدء الحيض، وهل يسمى الحيض نفاسا

بدء الحيض، وهل يسمى الحيض نفاساً

شرح حديث عائشة في قصة حيضها بسرف في مسيرهم إلى الحج

شرح حديث عائشة في قصة حيضها بسرف في مسيرهم إلى الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الحيض والاستحاضة. باب بدء الحيض، وهل يسمى الحيض نفاساً. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن أبيه عن عائشة قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما لك أنفست؟ قلت: نعم. قال: هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم، فاقض ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)]. هذا الحديث فيه بيان ما ترجم له المؤلف رحمه الله من بدء الحيض، وأن بدء الحيض كان من أول ما كتب الله على بنات آدم في حواء وبناتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم)، ففيه الرد على من قال: إن الحيض أول ما بدأ في بنات بني إسرائيل، وإن نساء بني إسرائيل فعلن أمراً فأصابهن الحيض، وإنه قبل ذلك كانت النساء لا يأتيهن الحيض وأنهن فعلن كذا وكذا ثم أصبن بالحيض. وتأول ما ذكر عن ابن مسعود بسند صحيح عنه أنه قال: (كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعاً، فكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله عليهن الحيض فمنعهن المساجد). ويحتمل أنه أخذ عن بني إسرائيل؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه قد يأخذ عن بني إسرائيل قليلاً. والحافظ ابن حجر رحمه الله تأوله على معنى طول المكث عقوبة لهن، لا أنه ابتدئ وجوده. ومما يدل على أن الحيض كان قبل بنات بني إسرائيل تفسير بعض المفسرين لقول الله تعالى في قصة سارة زوج إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود:71]، قال بعض العلماء: معنى (ضحكت): حاضت. والمعلوم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان قبل بني إسرائيل، فإسرائيل هو يعقوب عليه الصلاة والسلام، والأنبياء من ذريته، ويعقوب هو حفيد إبراهيم، وسارة جدته، وقد ألقي عليها الحيض، فيكون قبل بني إسرائيل، لكن الحافظ ابن حجر تأوله على أن المراد طول المكث، وهو ليس بظاهر. فالحديث دل على أن الحيض مكتوب على بنات آدم، وبنات آدم ابتدأن من حواء، واختلف العلماء في دخول حواء في ذلك. وفيه إثبات الكتابة لله عز وجل، وأنها من الصفات الفعلية، ومن ذلك حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وفي الحديث الآخر: (خط الله التوراة لموسى بيده)، ففيه إثبات للكتابة الفعلية كما يليق بجلال الله وعظمته. وفيه تسمية الحيض نفاساً، كما ترجم المؤلف رحمه الله، لقوله: (أنفست؟) يعني: أحضت؟ فالحيض يسمى نفاساً. وفي الحديث من الفوائد أن الحائض إذا أحرمت بالعمرة ثم جاءها الحيض وبقي حتى جاء الحج فإنها تلبي بالحج وتدخل الحج على العمرة، فتكون قارنة، فتدخل أعمال العمرة في أعمال الحج، فتطوف طوافاً واحداً وتسعى سعياً واحداً، كما فعلت عائشة، فإنها أحرمت بالعمرة، فلما قربت من مكة حاضت، وبقي الدم حتى جاء الحج، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فأمرها أن تغتسل للحج وتمتشط وتلبي بالحج، وفي بعض ألفاظ الحديث: (ارفضي عمرتك وامتشطي) فأحرمت بالحج فصارت قارنة. وفيه من الفوائد أن الحائض تفعل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاقضي ما يقضي الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت)، فتفعل جميع المناسك، فلها أن تقف بعرفة ومزدلفة ومنى، وترمي الجمار، وتقصر من شعرها، وتذبح هديها، وتبيت في منى ومزدلفة وعرفة، ولها أن تسعى ولو نزل الدم بعد الطواف؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة، ولأن المسعى ليس من المسجد، فلها أن تمكث فيه بخلاف المسجد.

ذكر الاستحاضة وإقبال الدم وإدباره

ذكر الاستحاضة وإقبال الدم وإدباره

شرح حديث: (إنما ذلك عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة)

شرح حديث: (إنما ذلك عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الاستحاضة وإقبال الدم وإدباره. أخبرنا عمران بن يزيد قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله -وهو ابن سماعة - قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: أخبرني هشام بن عروة عن عروة: (أن فاطمة بنت قيس من بني أسد قريش أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت أنها تستحاض، فزعمت أنه قال لها: إنما ذلك عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي واغسلي عنك الدم ثم صلي)]. أخبرنا هشام بن عمار قال: حدثنا سهل بن هاشم قال: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي)]. قوله (فزعمت) يعني: قالت. فالزعم يراد به القول كما هو هنا، ويراد به الإدعاء الكاذب، كما في قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7]. فهو يطلق على القول المحقق، ويطلق على القول الكاذب، وهنا المراد به القول المحقق. ومثله ما جاء في الحديث الآخر في قصة الرجل الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فقال: وزعم رسولك أن الله كتب علينا في اليوم والليلة خمس مرات. وزعم رسولك أن الله أوجب علينا الصدقة، وزعم رسولك أن الله أوجب علينا صوم شهر رمضان. يعني: وقال: وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ فاطمة بنت قيس: (إنما ذلك عرق) فقوله: (ذلك) خطاب للمرأة، وقوله: (عرق) هو دم الاستحاضة يخرج من عرق يقال له: العاذل، وليس بدم الحيض، قال: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي، واغسلي عنك الدم وصلي) وظاهره أنها مميزة، ولكن المعروف أن فاطمة كانت لها عادة، وجاء في الحديث أنه ردها إلى عادتها فقال: (فانظري عدد الأيام التي كان يأتيك فاجلسي ثم اغتسلي) وهنا قال: (إذا أقبلت الحيضة) يعني: أقبلت بالعادة المعروفة، أو أقبلت بالتمييز إذا كانت مميزة.

شرح حديث: (إن ذلك عرق، فاغتسلي ثم صلي)

شرح حديث: (إن ذلك عرق، فاغتسلي ثم صلي) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة قال: حدثني الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: (استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني استحاض؟ فقال: إن ذلك عرق، فاغتسلي ثم صلي. فكانت تغتسل عند كل صلاة)]. هذا الحديث فيه دليل على أن دم الاستحاضة لا يمنع المرأة من الصلاة، ولا يمنع من إتيان زوجها لها؛ لأنه ليس دم الحيض، ولا يمنع المرأة من الطواف بالبيت إذا كانت في مكة، سواء في حج أو في عمرة أو تطوع، ولكنها تلبس ما يمنع نزول الدم، كالحفاظات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تستثفر بثوب) حتى لا تلوث ثيابها ولا تلوث المسجد، فتستثفر بثوب وتتوضأ لكل صلاة؛ لأن حدثها مستمر، كمن به جروح سيالة، وكمن به سلس البول، فتتوضأ لكل صلاة وتصوم وتصلي، وتطوف بالبيت، ويأتيها زوجها، وإنما يمتنع ذلك عليها في وقت الحيض. وقوله: فكانت تغتسل عند كل صلاة، هذا اجتهاد منها لم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تغتسل اجتهاداً منها لأجل النظافة، وإلا فإن الغسل لا يجب عليها إلا عند انتهاء مدة دم الحيض، أو إذا كانت مميزة وانتهت أيام التمييز، فتغتسل مرة واحدة ثم تتوضأ لكل صلاة. إلا أنه -كما سيأتي- إذا جمعت بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء فإنها تغتسل لكل صلاتين من باب الاستحباب أيضاً، فتغتسل للظهر والعصر، وتغتسل للمغرب والعشاء، وتغتسل للفجر.

المرأة تكون لها أيام معلومة تحيضها

المرأة تكون لها أيام معلومة تحيضها

شرح حديث: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك)

شرح حديث: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المرأة تكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة قالت: (إن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم. فقالت عائشة: رأيت مركنها ملآن دماً. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسل). أخبرنا قتيبة مرة أخرى ولم يذكر فيه جعفر بن ربيعة]. هذه هي المعتادة، وهي المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر تجلس هذه الأيام فقط ثم تغتسل وتصوم تصلي. وفي هذا الحديث أن أم حبيبة استحيضت وسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الدم، قالت عائشة: (رأيت مركنها ملآن دماً) والمركن هو: ما تغسل فيه الثياب، وهذا يدل على أن الدم كان كثيراً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك) يعني: قبل الاستحاضة، فإذا كانت تحبسها حيضتها خمسة أيام فإنها تجلس خمسة أيام، وكذلك الستة والسبعة من أول الشهر أو من وسطه أو من آخره. فالمعتادة إذا كانت تعرف عدد الأيام وتعرف الوقت من الشهر تمكث عادتها. فإن لم يكن لها عادة أو نسيت العادة فإنها تعمل بالتمييز الصالح، فإن لم يكن لها تمييز ولا عادة فهذه تسمى متحيرة، فتجلس ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها من أول كل شهر هلالي. فالمؤلف رحمه الله ترجم للمرأة التي يكون لها أيام معلومة من كل شهر، وهذه هي المعتادة، والترجمة السابقة وهي: (ذكر الاستحاضة وإقبال الدم وإدباره) ظاهرها أنه إقبال الدم وإدباره بالتمييز، فدم الحيض دم أسود يعرف، ودم الاستحاضة دم أصفر رقيق، لكن المعروف أن فاطمة كانت معتادة.

شرح حديث: (دعي قدر تلك الأيام والليالي التي كنت تحيضين فيها)

شرح حديث: (دعي قدر تلك الأيام والليالي التي كنت تحيضين فيها) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أنبأنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا عبيد الله بن عمر قال: أخبرني عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة قالت: سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (إني استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال لا، ولكن دعي قدر تلك الأيام والليالي التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي واستثفري وصلي)]. هذا ظاهر في أنها كانت معتادة، فتجلس كعادتها ثم تغتسل وتستثفر - أي: تتحفظ- وتصلي.

شرح حديث: (لتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيض)

شرح حديث: (لتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة (أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم استفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بالثوب ثم لتصل)]. الظاهر في هذا أنها معتادة، وفيه وجوب الغسل بعد انتهاء الأيام، ثم تصلي بعد ذلك، وتتوضأ لكل صلاة.

ذكر الأقراء

ذكر الأقراء

شرح حديث: (لتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض لها فلتترك الصلاة)

شرح حديث: (لتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض لها فلتترك الصلاة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الأقراء. أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود بن إبراهيم قال: حدثنا إسحاق -وهو ابن بكر بن مضر - قال حدثني أبي عن يزيد بن عبد الله -وهو ابن أسامة بن الهاد - عن أبي بكر -وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم - عن عمرة عن عائشة قالت: (إن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف وأنها استحيضت لا تطهر، فذكر شأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليست بالحيضة، ولكنها ركضة من الرحم، لتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض لها فلتترك الصلاة، ثم تنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة)]. هذا فيه بيان أن دم المستحاضة دم فساد، وأنه لا يمعنها من الصلاة ولا يمنعها من إتيان زوجها، ولكنها تجلس عدد الأيام التي كانت تحيضها زماناً ومكاناً من الشهر. ولهذا قال: (لتنظر قدر قرئها) وفيه إطلاق القرء على الحيض، وهو الأرجح، فالقرء يطلق على الطهر وعلى الحيض، والمراد بالقرء هنا الحيض، ولهذا قال سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، أي: ثلاث حيض. وأما قوله: (فلتغتسل عند كل صلاة) فهذا اللفظة ضعيفة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب أنها هي التي كانت تغتسل من دون أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أما رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح. وهذه أم حبيبة بنت جحش هي التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، ومن العجيب أن بنات جحش ثلاث كن كلهن مستحاضات، فـ زينب بنت جحش أم المؤمنين كانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحاضة، وأختها أم حبيبة بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف مستحاضة، والثالثة حمنة بنت جحش التي كانت تحت طلحة بن عبيد الله كانت مستحاضة وعبد الرحمن بن عوف وطلحة كلاهما من العشرة المبشرين بالجنة.

أمر المستحاضة أن تترك الصلاة قدر أقرائها ثم تغتسل وتصلي

أمر المستحاضة أن تترك الصلاة قدر أقرائها ثم تغتسل وتصلي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو موسى قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن عمرة عن عائشة (أن ابنة جحش كانت تستحاض سبع سنين، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليست بالحيضة، إنما هو عرق. فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها وتغتسل وتصلي، فكانت تغتسل عند كل صلاة)]. هذا فيه أن دم الاستحاضة إنما هو من عرق يقال له: العاذل، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إنما هو عرق) وليس بدم حيض، وفيه أن هذه المرأة معتادة؛ لأنه أمرها بأن تترك الصلاة قدر أقرائها، يعني: قدر العادة التي كان يأتيها الدم فيها قبل الحيض. وفيه أنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة من نفسها، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن حماد قال: أخبرني ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن المنذر بن المغيرة عن عروة أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته (أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق، فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، وإذا مر قرؤك فلتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء). قال أبو عبد الرحمن: قد روى هذا الحديث هشام بن عروة عن عروة ولم يذكر فيه ما ذكر المنذر]. المنذر لا بأس به، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وفيه إطلاق القرء على الحيض، حيث قال: (إذا مر قرؤك -يعني: الحيض). وفيه أنها تصلي ما بين القرء إلى القرء يعني: ما بين الحيضة إلى الحيضة الثانية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عبدة ووكيع وأبو معاوية قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)]. قوله: (إذا أقبلت)، يعني: إذا كان لها عادة فإنها تجلس عادتها، وإن لم يكن لها عادة أو نسيت العادة فإنها تعمل بالتمييز.

جمع المستحاضة بين الصلاتين وغسلها إذا جمعت

جمع المستحاضة بين الصلاتين وغسلها إذا جمعت

شرح الأحاديث الواردة في المستحاضة التي أمرت بجمع الصلاتين والغسل لهما

شرح الأحاديث الواردة في المستحاضة التي أمرت بجمع الصلاتين والغسل لهما قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب جمع المستحاضة بين الصلاتين وغسلها إذا جمعت. حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة (أن امرأة مستحاضة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها: إنه عرق عاند، وأمرت أن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً واحداً)]. هذا فيه مشروعية غسل المستحاضة إذا جمعت بين الصلاتين، فتغتسل ثلاث مرات: مرة للظهر والعصر، ومرة للمغرب والعشاء، ومرة للفجر، ولكن هذا الأمر للاستحباب وليس بواجب، والواجب إنما هو الغسل بعد انتهاء دم الحيض. وكأن قولها: (وأمرت) الآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم، والحكمة من هذا أن خروج الدم يضعفها والاغتسال يزيدها نشاطاً وقوة، فهو مستحب. وجمع المستحاضة قد يكون جمعاً صورياً، وذلك بأن تؤخر الظهر إلى آخر وقته، حتى لا يبقى إلا مقدار أربع ركعات، فتصلي، فإذا صلت خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر، فتصليها أربع ركعات، فهي في الصورة جمع وفي الواقع كل صلاة في وقتها، فالظهر في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها، ومثلهما المغرب والعشاء فتؤخر المغرب إلى قبل مغيب الشفق بثلاث ركعات ثم تصلي، فإذا صلت ثلاث ركعات غاب الشفق ودخل وقت العشاء، فتصلي أربع ركعات، فهي في الصورة جمع وفي الواقع كل صلاة في وقتها، فالمغرب وقعت في وقتها والعشاء في وقتها. فالجمع في الصورة هو الظاهر، وفي الواقع كل صلاة في وقتها، لكن الأولى في آخر الوقت والثانية في أول الوقت. ولها أن تجمع؛ لأنها مريضة؛ إذ الحيض نوع من المرض، والأحاديث الآخرى ليس فيها أنها تجمع جمعاً صورياً؛ بل هي مريضة يشق عليها الوضوء لكل صلاة، لكن إذا أمكنها أن تجمع جمعاً صورياً فهذا أحسن؛ لأن كل صلاة ستكون في وقتها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن زينب بنت جحش قالت: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها مستحاضة، فقال: تجلس أيام أقرائها ثم تغتسل، وتؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل وتصلي، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل وتصليهما جميعاً، وتغتسل للفجر)]. قوله: (أيام أقرائها) يعني: أيام عادتها، فهذه يحتمل أنها معتادة، ويحتمل أنها مميزة، فإن كانت معتادة فالعادة مقدمة.

الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة

الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة

شرح حديث: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف)

شرح حديث: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة. أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي عن محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة بن وقاص - عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش (أنها كانت تستحاض، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق) قال محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي هذا من كتابه]. هذا يؤيد أنها مميزة؛ لأنه قال: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف) بفتح الراء، يعني: تعرفه النساء، وروي (يعرف) بكسر الراء، أي: يكون له عرف ورائحة كريهة، بخلاف دم الاستحاضة، فهو أصفر أو أحمر أو رقيق وليس له عرف. قوله: (حدثنا ابن أبي عدي هذا من كتابه) فـ ابن أبي عدي ثقة، سواء أحدث من كتابه أم من حفظه.

شرح حديث: (إن دم الحيض دم أسود يعرف)

شرح حديث: (إن دم الحيض دم أسود يعرف) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي من حفظه قال: حدثنا محمد بن عمرو عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: (أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن دم الحيض دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي) قال أبو عبد الرحمن: قد روى هذا الحديث غير واحد، ولم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن أبي عدي، والله تعالى أعلم]. المراد بالآخر: دم الاستحاضة. وقول أبي عبد الرحمن: قد روى هذا الحديث غير واحد، ولم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن أبي عدي والله تعالى أعلم. يجاب عنه بأنه ثقة، فزيادته مقبولة.

شرح حديث عائشة في سؤال بنت أبي حبيش رسول الله عن استحاضتها وعدم طهرها

شرح حديث عائشة في سؤال بنت أبي حبيش رسول الله عن استحاضتها وعدم طهرها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (استحيضت فاطمة بنت أبي حبيش فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي، فإنما ذلك عرق وليست بالحيضة. قيل له: فالغسل؟ قال: وذلك لا يشك فيه أحد)]. قوله: لا يشك فيه أحد معناه أن الغسل لا بد منه بعد انتهاء دم الحيض، ولا يشك فيه، لأنه غسل واجب، فإذا انتهت مدة الحيض فلا بد من أن تغتسل، لكن بعد ذلك تتوضأ لكل صلاة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عبد الرحمن: قد روى هذا الحديث غير واحد عن هشام بن عروة، ولم يذكر فيه: (وتوضئي) غير حماد، والله تعالى أعلم]. يعني أن حماداً هو الذي ذكر: (وتوضئ وصلى) وحماد يحتمل أنه حماد بن زيد، ويحتمل أنه حماد بن سلمة، وكلاهما ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، والبعض قد يقول: إن هذه رواية شاذة؛ إذ انفرد بها حماد، والصواب أنها ثابتة؛ لأن زيادة الثقة مقبولة. ويحتمل أن مراد النسائي رحمه الله أن هذه الرواية شاذة على طريقة من يقدم رواية الأكثر أو الأحفظ، فبعض المحدثين يقدم رواية الأكثر أو الأحفظ، فإذا لم يذكرها من التلاميذ إلا حماد تكون شاذة عند النسائي وجماعة. وهناك قول آخر، وهو أن الزيادة إذا لم تكن مخالفة وكانت من ثقة فإنها مقبولة، وهذا اختيار المتأخرين، كالحافظ ابن حجر وغيره، وكذلك العراقي، حيث قال: واحكم بوصل ثقة في الأظهر. فإذا كان الراوي ثقة ووصل أو رفع فهو مقدم على من قطع أو وقف، وعليه فإذا كانت الزيادة من ثقة ولم تكن مخالفة فلا تكون شاذة، وبعض المتقدمين يعتبرها شاذة إذا خالف الراوي الأكثر أو الأحفظ. ولهذا حصل الخلاف بين العلماء: هل يجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة أو لا يجب؟ المشهور عند الجمهور أنه يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة؛ كما دل عليه هذا الحدث، وقال آخرون: لا يجب؛ لأن هذا حدث مستمر، فإذا توضأت كفاها، إلا إذا وجد ناقض آخر غير استمرار الدم. ومن قال يجب أخذ برواية حماد بن زيد، ومن قال: لا يجب قال: إن الرواية شاذة انفرد بها حماد بن زيد، ولهذا نبه النسائي فقال لم يذكر لفظ (توضئي) غير حماد. والراجح أنها تتوضأ، لكل صلاة، وهو الذي عليه الفتوى، وهو قول الجمهور، وهو الأحوط، والأبرأ لذمتها، ومثلها من به جروح سيالة أو به سلس البول.

أسانيد أخرى لحديث عائشة في سؤال بنت أبي حبيش رسول الله عن استحاضتها وعدم طهرها

أسانيد أخرى لحديث عائشة في سؤال بنت أبي حبيش رسول الله عن استحاضتها وعدم طهرها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت (يا رسول الله! إني استحاض فلا أطهر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فأمسكي عن الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي). أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي). أخبرنا أبو الأشعث قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: سمعت هشاماً يحدث عن أبيه عن عائشة: (أن بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله! إني لا أطهر، أفأترك الصلاة؟ قال: لا، إنما هو عرق -قال خالد: وفيما قرأت عليه: وليست بالحيضة- فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي)].

الصفرة والكدرة

الصفرة والكدرة

شرح حديث: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا)

شرح حديث: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الصفرة والكدرة. أخبرنا عمرو بن زرارة قال: أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن محمد قال: قالت أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً]. أي: بعد الطهر، أما الصفرة والكدرة في زمن العادة فإنها تعتبر حيضاً يقول العلماء: والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، أما بعد الطهر فلا تعتبر.

كتاب الطهارة [20]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [20] لا يعتبر الإسلام الحيض عيباً في المرأة بل هو شيء كتبه الله عليها، ولم يحرم مجالستها أو الأكل والشرب معها أو النوم معها ومباشرتها من غير جماع، وهذا خلاف ما كان عليه اليهود من هجر المرأة وقت حيضها.

ما ينال من الحائض

ما ينال من الحائض

شرح حديث: (كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن)

شرح حديث: (كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما ينال من الحائض وتأويل قول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] الآية. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: (كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن ولا يشاربوهن ولا يجامعوهن في البيوت، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222] الآية، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويجامعوهن في البيوت، وأن يصنعوا بهن كل شيء ما خلا الجماع، فقالت اليهود: ما يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من أمرنا إلا خالفنا، فقام أسيد بن حضير وعباد بن بشر فأخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: أنجامعهن في المحيض؟ فتمعر رسول الله صلى الله عليه وسلم تمعراً شديداً حتى ظننا أنه قد غضب، فقاما، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية لبن، فبعث في آثارهما فردهما فسقاهما، فعرف أنه لم يغضب عليهم)]. في هذا الحديث بيان ما ينال الحائض من زوجته، وأنه يؤاكلها ويشاربها ويباشرها وينال منها كل شيء إلا الجماع، وأن هذا هو تأويل قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]. وفيه أن اليهود قالوا: ما يدع هذا الرجل شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، وأن أسيد بن حضير وعباد بن بشر قالا: يا رسول الله! أفلا نجامعهن؟ فتمعر وجه رسول الله وتغير حتى ظنوا أنه قد غضب عليهما، فلما وليا استقبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية لبن فدعاهما وسقاهما، فعرفوا أنه لم يغضب عليهما عليه الصلاة والسلام، وإنما غضب من هذه المقالة؛ لأنه تأثر من هذه المقالة. وهذا فيه دليل على أنه يجوز للإنسان أن يباشر زوجته من دون إزار، وأن الإزار أفضل كما سيأتي في الأحاديث ولهذا جاء في صحيح مسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني: إلا الجماع. فكونه يأمرها أن تتزر بإزار فيما بين السرة والركبة أفضل وأحوط وأبعد عن الخطأ، وقد سبق، والحديث رواه أبو داود وغيره، وأصله في مسلم.

ذكر ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضها مع علمه بنهي الله تعالى

ذكر ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضها مع علمه بنهي الله تعالى

شرح حديث ابن عباس فيما يتصدق به من أتى امرأته في حيضها

شرح حديث ابن عباس فيما يتصدق به من أتى امرأته في حيضها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضها مع علمه بنهي الله تعالى. أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (في الرجل يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار)]. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وكذلك ابن خزيمة والحاكم وقد سبق الكلام فيه، وأن العلماء اختلفوا في صحته، فمن العلماء من ضعفه وقال: إنه ضعيف؛ لأنه مضطرب سنداً ومتناً، أما السند فإنه قد روي مرفوعاً، وروي موقوفاً، وروي موصولاً، وروي مقطوعاً. وأما المتن ففيه اضطراب أيضاً، فقد ذكر فيه دينار ونصف دينار وثلثا دينار. ومن العلماء من صححه، والصواب أنه ثابت وصحيح، وما ذكر لا يكون اضطراباً، والرواية المقطوعة تؤيد الموصولة، والموقوف يؤيد المرفوع، والتخيير بدينار ونصف دينار ليس اضطراباً، وله نظائر؛ فإن الله تعالى خير في كفارة الأذى فقال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] وخير في كفارة اليمين بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة. فالصواب أنه صحيح وأنه ثابت؛ وعلى هذا يخير بين الدينار ونصف الدينار مع التوبة، والدينار أربعة أسباع الجنيه السعودي، والنصف دينار نصف ذلك، فإذا كان الجنيه سبعين ريالاً يكون الدينار أربعين ريالاً، ونصف الدينار عشرين ريالاً، وإذا كان الجنيه سبعمائة يكون الدينار أربعمائة، ونصفه مائتين. وقول المؤلف رحمه الله: مع علمه بنهي الله هذا القيد -وهو العلم- أخذه المؤلف رحمه الله من النصوص العامة الدالة على أن الإنسان لا يؤاخذ إلا بعد العلم، وهو يدل على أن الرجل إذا أتى امرأته وهي حائض جاهلاً فلا شيء عليه.

مضاجعة الحائض في ثياب حيضتها

مضاجعة الحائض في ثياب حيضتها

شرح حديث أم سلمة: (بينما أنا مضطجعة مع رسول الله إذ حضت)

شرح حديث أم سلمة: (بينما أنا مضطجعة مع رسول الله إذ حضت) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مضاجعة الحائض في ثياب حيضتها. أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: أخبرنا معاذ بن هشام. ح: وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي. ح: وأخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد -وهو ابن الحارث - قال: حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة أن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة حدثتها قالت (بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست؟ قلت: نعم. فدعاني فاضطجعت معه في الخميل)، واللفظ لـ عبيد الله بن سعيد]. هذا الحديث فيه جواز مضاجعة الحائض في ثياب حيضتها، حيث قالت: (فأخذت ثياب حيضتي)، وأنه لا بأس للزوج بأن يبيت مع زوجته في ثياب حيضتها، وإن أصابه شيء غسله.

نوم الرجل مع حليلته في الشعار الواحد وهي حائض

نوم الرجل مع حليلته في الشعار الواحد وهي حائض

شرح حديث عائشة: (كنت أنا ورسول الله نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث)

شرح حديث عائشة: (كنت أنا ورسول الله نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب نوم الرجل مع حليلته في الشعار الواحد وهي حائض. أخبرنا محمد بن المثنى قال: أخبرنا يحيى عن جابر بن صبح قال سمعت خلاساً يحدث عن عائشة قالت: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده ثم صلى فيه، ثم يعود، فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك غسل مكانه لم يعده وصلى فيه)]. الشعار هو الثوب الذي يلي البشرة، ففيه أنه لا بأس بأن يبيت الرجل مع زوجته وهي حائض في ثوب واحد، ولا يشترط أن يكون تحت الثوب ثياب أخرى. قولها: (فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده)، أي: لم يتجاوز مكان النجاسة أو الدم، فلا يغسل الثوب كله، مثلما تفعل بعض النساء إذا أصاب شيء من النجاسة الثوب ذهبت تغسل الثوب كله، والواجب أن يغسل المكان الذي أصابه الدم والباقي طاهر.

مباشرة الحائض

مباشرة الحائض

شرح حديث عائشة في مباشرة الرسول نساءه وهن حيض بعد أن يتزرن

شرح حديث عائشة في مباشرة الرسول نساءه وهن حيض بعد أن يتزرن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مباشرة الحائض. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تشد إزارها ثم يباشرها). أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: (كانت إحدانا إذا حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزر ثم يباشرها)]. هذا هو الأصل، وهو أن تتزر؛ لأنه أحوط، وإن باشر بدون إزار جاز على الصحيح؛ لحديث أنس عند مسلم (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني الجماع.

ذكر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه إذا حاضت إحدى نسائه

ذكر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه إذا حاضت إحدى نسائه

شرح حديث عائشة: (كان يأمرنا إذا حاضت إحدانا أن تتزر بإزار واسع ثم يلتزم صدرها وثدييها)

شرح حديث عائشة: (كان يأمرنا إذا حاضت إحدانا أن تتزر بإزار واسع ثم يلتزم صدرها وثدييها) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه إذا حاضت إحدى نسائه. أخبرنا هناد بن السري عن ابن عياش -وهو أبو بكر - عن صدقة بن سعيد، ثم ذكر كلمة معناها: حدثنا جميع بن عمير قال: دخلت على عائشة مع أمي وخالتي فسألتاها (كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا حاضت إحداكن؟ قالت: كان يأمرنا إذا حاضت إحدانا أن تتزر بإزار واسع ثم يلتزم صدرها وثدييها)]. هذا الحديث في إسناده جميع بن عمير التميمي أبو الأسود الكوفي، روى عن عائشة وابن عمرو، وعنه العوام بن حوشب، والأعمش، قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن أبي حاتم صالح الحديث. والبخاري إذا قال: فيه نظر؛ فمعناه أنه ضعيف. وفيه صدقة بن سعيد الحنفي الكوفي، روى عن جميع بن عمير، وعنه زائدة وأبو بكر بن عياش، قال فيه أبو حاتم: شيخ. و (شيخ) صيغة تمريض، وهي أقل درجات الجرح، وقال ابن حجر: مقبول أي: أنه يقبل في المتابعات. فالحديث فيه عدة علل، وقد قال فيه الألباني: منكر. إلا أن الأحاديث الأخرى الصحيحة قد دلت على أن للزوج أن يباشر زوجته وهي حائض دون جماع.

شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض)

شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب عن يونس والليث عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن بدية -وكان الليث يقول: ندبة - مولاة ميمونة عن ميمونة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين والركبتين -في حديث الليث - تحتجز به)]. هذا الحديث فيه بدية، ويقال: ندبة، ويقال: هدبة أيضاً، إذ اختلف في اسمها هل هي بدية أو ندبة أو هدبة، وقد ذكر في التقريب أنها مقبولة، أي: حيث يتابع حديثها، لكن معنى هذا الحديث معروف من الأحاديث الأخرى، وهو أن الزوج إذا أراد أن يباشر زوجته الحائض فإن الأفضل أن تتزر بإزارها بين السرة والركبة، وهنا قالت: (إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين والركبتين).

مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها

مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يدعوني فآكل معه وأنا عارك)

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يدعوني فآكل معه وأنا عارك) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها. أخبرنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف قال: أخبرنا يزيد بن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه شريح أنه سأل عائشة: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قالت: نعم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك، كان يأخذ العرق فيقسم علي فيه فأعترق منه ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشراب فيقسم علي فيه من قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح). أخبرني أيوب بن محمد الوزان قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه، ويشرب من فضل شرابي وأنا حائض)]. هذان الحديثان فيهما بيان ما ترجم له المؤلف رحمه الله من مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها، وأن سؤر الحائض طاهر وعرقها وريقها طاهر، وقولها: (عارك) يعني: حائض. وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته لأهله، والعرق هو العظم الذي فيه بقية لحم. وفي إسناد الحديث الأول: (أخبرنا يزيد بن مقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه شريح)، فـ شريح جده، وليس أباه، وقد وقع في النسخة النظامية: (عن أبيه عن شريح)، ولعل هذه النسخة الهندية أثبت، وإلا فيكون في الإسناد انقطاع، إلا إذا كان سمع الملقي: جده شريح، وحينئذ لا إشكال.

الانتفاع بفضل الحائض

الانتفاع بفضل الحائض

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض)

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الانتفاع بفضل الحائض. أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سمعت عائشة تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض، ثم أعطيه فيتحرى موضع فمي فيضعه على في). أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا مسعر وسفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: (كنت أشرب من القدح وأنا حائض، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب منه، وأتعرق من العرق وأنا حائض، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ)]. هذا الحديث فيه الانتفاع بفضل الحائض، وفيه طهارة سؤر الحائض وعرقها. وفيه حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، حيث كان يضع فمه مكان فمها من العرق ومن الإناء.

الرجل يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض.

الرجل يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض.

شرح حديث عائشة: (كان رأس رسول الله في حجر إحدانا وهي حائض وهو يقرأ القرآن)

شرح حديث عائشة: (كان رأس رسول الله في حجر إحدانا وهي حائض وهو يقرأ القرآن) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الرجل يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر -واللفظ له- قالا: حدثنا سفيان عن منصور عن أمه عن عائشة قالت: (كان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر إحدانا وهي حائض وهو يقرأ القرآن)]. هذا من عنايته صلى الله عليه وسلم بأهله وحسن معاشرته، وإلا فيمكن أن يضع رأسه على وسادة، وفيه أنه لا بأس بأن يتكي على الحائض وهو يقرأ القرآن وأنه لا حرج في هذا.

سقوط الصلاة عن الحائض

سقوط الصلاة عن الحائض

شرح حديث عائشة: (كنا نحيض عند رسول الله فلا نقضي)

شرح حديث عائشة: (كنا نحيض عند رسول الله فلا نقضي) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب سقوط الصلاة عن الحائض. أخبرنا عمرو بن زرارة قال: أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة العدوية قالت: (سألت امرأة عائشة: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بقضاء)]. الصلاة تسقط عن الحائض بإجماع المسلمين، ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج، وهم الحرورية، وسموا حرورية لأنهم سنكوا بلدة يقال لها: (حروراء) في العراق، وقد زعموا أن ذلك زائد على القرآن؛ إذ أنهم لا يعملون بالسنة، وهذا من رحمة الله تعالى بالحائض؛ فإن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فكان من رحمة الله تعالى أن أسقطها عنها؛ لأن فيها مشقة، بخلاف الصوم، فإنه لا يكون إلا مرة في السنة، فلذلك أوجب الله عليها أن تقضي الصوم، فتحصل على الفضل مع المسلمين وتشاركهم فيه. وقول عائشة: (أحرورية أنت؟) ظنت أنها من الخوارج؛ لأن سؤالها كأنه سؤال اعتراض، وفي لفظ آخر: قالت لـ عائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).

استخدام الحائض

استخدام الحائض

شرح حديث عائشة في مناولتها رسول الله الثوب وهي حائض وهو في المسجد

شرح حديث عائشة في مناولتها رسول الله الثوب وهي حائض وهو في المسجد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استخدام الحائض. أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان قال: حدثني أبو حازم قال: قال أبو هريرة: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال: يا عائشة! ناوليني الثوب. فقالت: إني لا أصلي! فقال: إنه ليس في يدك. فناولته)]. هذا الحديث فيه استخدام الحائض، وأنه لا بأس بدخولها المسجد مروراً كما سبق.

شرح حديث: (ناوليني الخمرة من المسجد)

شرح حديث: (ناوليني الخمرة من المسجد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن عبيدة عن الأعمش. ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد. فقلت: إني حائض! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليست حيضتك في يدك). قال إسحاق أنبأنا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد مثله]. هذا ثابت في الصحيحين، وفيه أنه لا بأس بمرور الحائض في المسجد، وكذلك الجنب، قال تعالى: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43]، فكونها تمر وتأخذ الخمرة وتناوله إياها هذا جائز، والممنوع المكث. وقوله صلى الله عليه وسلم: (حيضتك ليست في يدك) لأنها هي التي تناول بها الخمرة، واليد ليست فيها حيضة.

بسط الحائض الخمرة في المسجد

بسط الحائض الخمرة في المسجد

شرح حديث ميمونة: (كان رسول الله يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض)

شرح حديث ميمونة: (كان رسول الله يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بسط الحائض الخمرة في المسجد. أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن منبوذ عن أمه أن ميمونة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض)]. هذا الإسناد فيه منبوذ وأمه، وكلاهما مقبول، أي: يقبل حديثهما في المتابعات لا في الأصول، لكن معنى الحديث ثابت وقد دلت عليه الأحاديث الأخرى في الصحيحين.

ترجيل الحائض رأس زوجها وهو معتكف

ترجيل الحائض رأس زوجها وهو معتكف

شرح حديث عائشة في أنها كانت ترجل رأس رسول الله وهي حائض وهو معتكف

شرح حديث عائشة في أنها كانت ترجل رأس رسول الله وهي حائض وهو معتكف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترجيل الحائض رأس زوجها وهو معتكف في المسجد. أخبرنا نصر بن علي قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة: (أنها كانت ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو معتكف، فيناولها رأسه وهي في حجرته)]. هذا فيه دليل على أنه لا بأس بترجيل الحائض رأس زوجها وهو معتكف في المسجد، والترجيل تسريح الشعر وغسله. وفيه أن هذا لا يعتبر خروجاً من المسجد، لكونه يناولها رأسه وهو في المسجد وهي في حجرتها، وكان للحجرة باب إلى المسجد، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يناولها رأسه لتغسله وهي في حجرتها وهو في المسجد عليه الصلاة والسلام. وفيه دليل على أن من حلف ألا يخرج من المسجد ثم أخرج رأسه فلا يحنث ما دامت أجزاؤه في المسجد؛ إذ لا يعتبر هذا خروجاً، وإذا حلف على أنه لا يخرج من مكان ثم أخرج رأسه وكانت رجلاه داخل المكان فلا يحنث.

غسل الحائض رأس زوجها

غسل الحائض رأس زوجها

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يدني إلي رأسه وهو معتكف فأغسله وأنا حائض)

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يدني إلي رأسه وهو معتكف فأغسله وأنا حائض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب غسل الحائض رأس زوجها. أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثني سفيان قال: حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وهو معتكف فأغسله وأنا حائض). أخبرنا قتيبة قال: حدثني الفضيل -وهو ابن عياض - عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض). أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض)]. في هذا الحديث دليل على أنه لا بأس بأن تغسل المرأة وترجل وتسرح شعر رأس زوجها ولو كانت حائضاً؛ لأن الحيضة إنما هي في موضع الدم، وأما يدها فهي طاهرة، وكذلك عرقها ولعابها.

شهود الحيض العيدين ودعوة المسلمين

شهود الحيض العيدين ودعوة المسلمين

شرح حديث: (لتخرج العواتق وذوات الخدور والحيض)

شرح حديث: (لتخرج العواتق وذوات الخدور والحيض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب شهود الحيض العيدين ودعوة المسلمين. أخبرنا عمرو بن زرارة قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن حفصة قالت (كانت أم عطية لا تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبا فقلت: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا؟ قالت: نعم، بأبا قال: لتخرج العواتق، وذوات الخدور، والحيض فيشهدن الخير ودعوة المسلمين، وتعتزل الحيض المصلى)]. قولها: (بأبا) يعني: تفديه بأبيها. والحديث يدل على أن الحائض تشهد العيدين ودعوة المسلمين، وكذلك العواتق، وذوات الخدور؛ لأن صلاة العيد تصلى في صحراء قريبة من البلد، أما إذا كانت صلاة العيد في المسجد فلا تدخل الحائض المسجد، بل تكون خارج المسجد، لكن إذا كانت في الصحراء كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فلا بأس بأن تكون خلف النساء، فيشهدن الخير ويسمعن الخطبة ودعوة المسلمين، ومثلها العواتق وذوات الخدور. وهذا الحديث احتج به بعضهم على أن صلاة العيد فرض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض وذوات الخدور والعواتق والأبكار بالخروج، وهذا يدل على أنها فرض عين، والمشهور عند جمهور العلماء أنها مستحبة وليست واجبة. لكن القول بالوجوب قول قوي، فهي صلاة سنوية تجب كما أن الجمعة صلاة أسبوعية، والصلوات الخمس في اليوم والليلة.

المرأة تحيض بعد الإفاضة

المرأة تحيض بعد الإفاضة

شرح حديث عائشة في حيض صفية بعد طواف الإفاضة

شرح حديث عائشة في حيض صفية بعد طواف الإفاضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المرأة تحيض بعد الإفاضة. أخبرنا محمد بن سلمة قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال: أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن صفية بنت حيي قد حاضت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلها تحبسنا، ألم تكن طافت معكن بالبيت؟ قالت: بلى، قال: فاخرجن)]. هذا دليل على أن المرأة الحاجة إذا حاضت بعد طواف الإفاضة فإنها لا تحبس زوجها، ويسقط عنها طواف الوداع. وهو يدل على أنها إذا لم تطف طواف الإفاضة فإنها تحبس زوجها، فيجلس معها حتى تؤدي طواف الإفاضة؛ لأنه ركن، أما إذا طافت طواف الإفاضة فلا تحبس زوجها، ويسقط عنها طواف الوداع. ويدل عليه حديث ابن عباس: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض).

ما تفعل النفساء عند الإحرام

ما تفعل النفساء عند الإحرام

شرح حديث جابر في نفاس أسماء بنت عميس بذي الحليفة

شرح حديث جابر في نفاس أسماء بنت عميس بذي الحليفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما تفعل النفساء عند الإحرام. أخبرنا محمد بن قدامة قال: حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله في حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي الحليفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي بكر: (مرها أن تغتسل وتهل)]. هذا الحديث فيه دليل على النفساء تغتسل للإحرام للنظافة، كما أن الحائض تغتسل، ولهذا فإن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر لما ولدت في ذي الحليفة محمد بن أبي بكر أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله: كيف تعمل؟ فقال: (تغتسل وتستثفر بثوبها وتهل). وكذلك عائشة لما حاضت أمرها أن تغتسل، فالحائض والنفساء وغيرهما يستحب لهن الاغتسال للإحرام، وكل من أراد أن يحرم من رجل أو امرأة حائض أو نفساء يستحب له الاغتسال للإحرام.

الصلاة على النفساء

الصلاة على النفساء

شرح حديث: (صليت مع رسول الله على أم كعب ماتت في نفاسها)

شرح حديث: (صليت مع رسول الله على أم كعب ماتت في نفاسها) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على النفساء. أخبرنا حميد بن مسعدة عن عبد الوارث قال: حدثنا حسين -يعني: المعلم - عن ابن بريدة عن سمرة قال (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم كعب ماتت في نفاسها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة في وسطها)]. هذا فيه مشروعية الصلاة على النفساء، وأنه يصلى عليها وإن كانت نفساء، ولا يضرها النفاس. وفي حديث أنس أنه قام عند عجيزة المرأة ورأس الرجل، وهذا هو السنة، فالسنة أن الإمام يقوم عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة، وهو وسطها. أما قول بعض الفقهاء: إن الإمام يقف عند صدر الرجل فلا أصل له، ويوضع الميت على جنبه الأيمن عند الصلاة عليه وفي القبر يكون رأسه شمالاً، كما هو عندنا في نجد، حيث يكون مستقبل القبلة؛ لحديث: (قبلتكم أحياء وأمواتاً) فالمقصود أن السنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل وعند وسط المرأة، وإذا وقف في أي جهة جاز، وإنما هذا من باب الاستحباب، وهو الأفضل.

حكم دم الحيض يصيب الثوب

حكم دم الحيض يصيب الثوب

شرح حديث المرأة التي استفتت النبي عن دم الحيض يصيب الثوب

شرح حديث المرأة التي استفتت النبي عن دم الحيض يصيب الثوب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب دم الحيض يصيب الثوب. أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وكانت تكون في حجرها (أن امرأة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: حتيه واقرصيه وانضحيه وصلي فيه). أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني أبو المقدام ثابت الحداد عن عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن (أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيضة يصيب الثوب؟ قال: حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر)]. هذا الحديث فيه دليل على نجاسة دم الحيض، وأن دم الحيض نجس، وهو كذلك بالإجماع، وفيه أنه إذا أصاب الدم الثوب فإنها تحته، يعني: تحكه، وفي الحديث الآخر: (حكيه بضلع) يعني: بعود يشبه الضلع، والضلع أصله ضلع الحيوان، والمراد حكه بعود إذا كان له جرم، ثم بعد ذلك تقرصه، أي: تغسله بأطراف أصابعها، ثم تنضحه. وفي الحديث الثاني أنها تغسله بالماء والسدر من باب النظافة، وليس السدر بواجب، والسدر وسيلة تنظيف فإذا كان للدم جرم فإنها تحكه بأظفارها حتى يزول الجرم، ثم تقرصه بأصابعها، ثم تصب عليه بعد ذلك، وإن غسلته بماء وسدر وكذلك الصابون ونحوهمما ينوب عن السدر فهذا أكمل من باب النظافة، وإلا فإنه ليس بواجب، وهذا دليل على أن النجاسة إذا كان لها جرم تنقل من المكان ثم يغسل.

كتاب الطهارة [21]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [21] لقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله بأكمل هدي وتشريع، وفي الائتساء به كل خير، ومن أعظم ذلك اتباع أمره ونهيه عليه الصلاة والسلام، وأمر النبي وهديه فيه صلاح الدنيا والآخرة، كالنهي عن البول في الماء الراكد وعن اغتسال الجنب فيه. وهكذا يقال في كل أمر ونهي.

ذكر نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم

ذكر نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم

شرح الأحاديث الواردة في النهي عن اغتسال الجنب في الماء الراكد والبول فيه

شرح الأحاديث الواردة في النهي عن اغتسال الجنب في الماء الراكد والبول فيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الغسل والتيمم. باب ذكر نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم. أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا السائب حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب). أخبرنا محمد بن حاتم قال: حدثنا حبان قال: حدثنا عبد الله عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن الرجل في الماء الدائم ثم يغتسل منه أو يتوضأ). أخبرنا أحمد بن صالح البغدادي قال: حدثنا يحيى بن محمد قال: حدثني ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من الجنابة). أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد ثم يغتسل منه). أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه). قال سفيان: قالوا لـ هشام -يعني ابن حسان -: إن أيوب إنما ينتهي بهذا الحديث إلى أبي هريرة؟ فقال: إن أيوب لو استطاع ألا يرفع حديثاً لم يرفعه]. هذه الأحاديث فيها النهي عن اغتسال المرء في الماء الدائم وهو جنب، والنهي عن البول في الماء الدائم، وهو الراكد، والنهي يفيد التحريم، فيحرم على الإنسان أن يبول في الماء الدائم الذي لا يجري، ويحرم عليه -أيضاً- أن يغتسل فيه من الجنابة، ولا يلزم من ذلك النجاسة، لكن لو ترك إنسان يبول في الماء الدائم والثاني كذلك والثالث كذلك لأدى إلى تنجيسه وتقذيره، والواجب على المسلم أن يبتعد عن البول في الماء الدائم؛ لأنه قد يقذره على غيره وقد يتسبب في تنجيسه. وكذلك الاغتسال من الجنابة، أي: ينهى أن يغمس الإنسان نفسه في الماء الدائم وهو جنب، أما إذا كان الماء يجري فإنه لو انغمس فيه أو بال فإنه لا يضر ذلك؛ لأن هذه الجرية تذهب ويأتي بعدها جرية أخرى. وإنما هذا في الماء الدائم، وهو الراكد، والنهي للتحريم، فيأثم المرء ويحرم عليه هذا الفعل؛ لأنه يؤدي إلى تنجيسه، ثم ينظر في هذا الماء الذي بيل فيه: فإن كان أقل من القلتين فإنه ينجس عند الجمهور ولو لم يتغير؛ لحديث ابن عمر، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث). فمفهومه: أنه إذا لم يبلغ قلتين يحمل الخبث وينجس بمجرد الملاقاة، وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: الطعم أو اللون أو الريح؛ لحديث أبي سعيد: (الماء طهور لا ينجسه شيء). وعلى كل حال: فإنه يحرم على المسلم أن يبول في الماء الدائم الراكد كثيراً أو قليلاً، والماء ليس محلاً للبول، وكذلك ليس للإنسان الاغتسال فيه، وإنما يغترف منه اغترافاً. وأما قول هشام بن حسان عن أيوب: [إن أيوب لو استطاع ألا يرفع حديثاً لم يرفعه]، حين قيل له: إن أيوب إنما ينتهي به إلى أبي هريرة؛ فالمراد به أن ذلك من باب الورع وخشية الوقوع في الخطأ. ويلحظ في الحديث الأول أنه قال: [أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا السائب]. أنه ذكر بين عمرو بن الحارث وأبا السائب بكير بن عبد الله الأشج، فيحتمل أن عمرو بن الحارث سمع من بكير ومن أبي السائب، وأنه أحياناً يحدث عن بكير وأحياناً يحدث عن أبي السائب، ويكون سمع الحديث من كليهما، أما إذا لم يسمع من أبي السائب فإن الحديث يكون منقطعاً.

الرخصة في دخول الحمام

الرخصة في دخول الحمام

شرح حديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر

شرح حديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في دخول الحمام. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن عطاء عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر)]. هذا الحديث هذا فيه عنعنة أبي الزبير، وهو مدلس، وقد اعتنى الشيخان برواية المدلسين، فلم يرويا إلا ما ثبت فيه سماعهم. وهذا الحديث فيه النهي عن دخول الحمام إلا بإزار، وهو علم من أعلام النبوة؛ لأن الحمامات لم تكن موجودة عند العرب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ستفتح البلاد التي فيها الحمامات، ومنه حديث: (ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات). ومثله: توقيت المواقيت لأهل الشام ومصر، وهي بلاد لم تفتح في ذلك الوقت، فكل ذلك من علامات النبوة. وقد كانت الحمامات موجودة في بلاد الشام وفي غيرها، وهي أماكن يكون فيها ماء حار وبارد تستأجر للاغتسال، وتكون عامة للناس، وبعض الناس يتساهلون فيدخل أحدهم الحمام بدون إزار فتظهر العورة؛ لأنه قد يكون عنده غيره في الحمام، وقد يكون عنده إنسان يدلكه، فإذا كانت العورة غير مستورة صار هذا محذوراً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر)، فلا يكشف العورة حتى لا ترى؛ لأنه في أماكن مفتوحة للناس. أما ما نسميه الآن الحمام فإن كون الإنسان فيه وحده وإغلاقه الباب على نفسه لا حرج في صنعه، وله فيه أن يخلع ثوبه، لكن المراد الحمامات التي تكون مفتوحة، أو يكون عنده أحد، فلا يحل له أن يدخل الحمام إلا بإزار يستر عورته. وبعض العلماء يطعن في حديث الحمامات، ويقول: إن الحمام لم يثبت فيه حديث.

الاغتسال بالثلج والبرد

الاغتسال بالثلج والبرد

شرح حديث: (اللهم طهرني من الذنوب والخطايا)

شرح حديث: (اللهم طهرني من الذنوب والخطايا) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاغتسال بالثلج والبرد. أخبرنا محمد بن إبراهيم قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا شعبة عن مجزأة بن زاهر أنه سمع عبد الله بن أبي أوفى يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يدعو: اللهم طهرني من الذنوب والخطايا، اللهم نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد)]. هذا الحديث ورد في الاستفتاح، وفيه دليل على طهورية الثلج والبرد، ولهذا قال: [باب الاغتسال بالثلج والبرد]، فلو ذاب الثلج أو البرد واغتسل به فهو طاهر مطهر.

الاغتسال بالماء البارد

الاغتسال بالماء البارد

شرح حديث: (اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد)

شرح حديث: (اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاغتسال بالماء البارد. أخبرنا محمد بن يحيى بن محمد حدثنا محمد بن موسى حدثنا إبراهيم بن يزيد عن رقبة عن مجزأة الأسلمي عن ابن أبي أوفى قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس)]. هذا الحديث فيه الاغتسال بالماء البارد، ومجزأة ثقة وكذلك رقبة.

الاغتسال قبل النوم

الاغتسال قبل النوم

شرح حديث عبد الله بن قيس في سؤاله عائشة عن نوم رسول الله في الجنابة

شرح حديث عبد الله بن قيس في سؤاله عائشة عن نوم رسول الله في الجنابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاغتسال قبل النوم. أخبرنا شعيب بن يوسف حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال (سألت عائشة: كيف كان نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنابة؟ أيغتسل قبل أن ينام أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل: ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام).

ما جاء في الاغتسال قبل النوم

ما جاء في الاغتسال قبل النوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاغتسال قبل النوم: أخبرنا شعيب بن يوسف حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: (سألت عائشة كيف كان نوم رسول صلى الله عليه وسلم في الجنابة؟ أيغتسل قبل أن ينام أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام)]. هذا يدل أنه لا حرج في تأخير الاغتسال إلى آخر الليل، لكن لا بد أن يتوضأ قبل أن ينام، فقد سبق في الحديث الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضئ).

ما جاء في الاغتسال أول الليل

ما جاء في الاغتسال أول الليل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاغتسال أول الليل. أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد عن برد عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث قال: (دخلت على عائشة فسألتها فقلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من أول الليل أو من آخره؟ قالت: كل ذلك كان، ربما اغتسل من أوله وربما اغتسل من آخره، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)]. المؤلف أتى بهذا الباب والترجمة السابقة، وبرد ثقة، كذلك عبادة بن نسي.

ما جاء في الاستتار عند الغسل

ما جاء في الاستتار عند الغسل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاستتار عند الغسل. أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا عبد الملك عن عطاء عن يعلى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبراز، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الله عز وجل حليم حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)]. إبراهيم بن يعقوب هو الجوزجاني وعطاء هو ابن أبي رباح. وفيه: أنه لا يجوز أن يغتسل المرء بالبراز يعني: بالصحراء وعنده أحد، إلا إذا ستر عورته، أما إذا لم يكن عنده أحد فلا حرج، ولو كان في الصحراء، وهذا الرجل اغتسل بالبراز وعنده آخر، ولهذا إما أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه أو أنه أبلغ وأخبر عنه، فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه، وقال: (إن الله عز وجل حليم حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر). وفيه إثبات اسم الستير لله عز وجل، فيجوز أن يسمى الشخص عبد الستير، أما الستار فليس من أسماء الله، وإنما هو خبر عن الله أنه ستار، ويسمي الناس عبد الستار، والأولى أن يسموا عبد الستير، على وزن فِعّيل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن إسحاق قال: أخبرنا الأسود بن عامر قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ستير، فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوار بشيء)] يعني: لا يغتسل أمام الناس عارياً، بل لا بد أن يستتر، أما إذا لم يكن عنده أحد أو في حمام وأغلق على نفسه فلا حرج إن خلع الثياب. فإن قيل: هل الأمر للوجوب؟ نقول: نعم، لا شك أنه للوجوب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة قال حدثنا عبيدة عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة قالت: (وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ماءً، قالت: فسترته، فذكرت الغسل، قالت: ثم أتيته بخرقة فلم يُرِدْهَا)]. الشاهد قولها: (فسترته) وفي رواية: (أتيته بمنديل)، وهذا دليل على أن الأولى عدم استعمال التنشيف والاكتفاء بنفض الماء في الغسل، أما الوضوء فمسكوت عنه، وإن استعمل المنشفة فلا حرج.

شرح حديث: (بينما أيوب يغتسل عريانا)

شرح حديث: (بينما أيوب يغتسل عرياناً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثني إبراهيم عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما أيوب عليه الصلاة والسلام يغتسل عرياناً، خر عليه جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه، قال: فناداه ربه عز وجل: يا أيوب! ألم أكن أغنيتك؟ قال: بلى يا رب! ولكن لا غنى بي عن بركاتك). هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، واستدل به المؤلف رحمه الله على جواز الاغتسال عرياناً إذا لم يكن عنده أحد، وهذا لا بأس به إذا لم يكن عنده أحد. وكذلك أيضاً ثبت في الصحيح في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة، وكان موسى يستتر، فاتهموه وقالوا: ما يتشدد موسى في الستر إلا لأن فيه عيباً، ورموه بأنه آدر، يعني: عظيم الخصيتين، فالله تعالى برأه وأراد تبرئته، فلما أراد أن يغتسل وليس عنده أحد خلع ثوبه ووضعه على حجر، ففر الحجر بثوبه، وجعل يتبعه ويقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى مر على ملأ من بني إسرائيل، فقالوا: والله ما به بأس، ثم نزل الحجر بثوبه فأخذه وجعل يضرب الحجر بعصاه حتى أثر الضرب فيه) لما فر بثوبه عامله معاملة العاقل، فجعل يضربه بالعصا حتى صار له ندب، وأثرت العصا في الحجر. فهذا فيه دليل على أنه لا بأس بالاغتسال عرياناً إذا لم يكن عنده أحد. وفيه: إثبات الكلام لله عز وجل والنداء، والرد على من أنكر الكلام، والنداء لا يكون إلا بحرف وصوت، ففيه رد على الجهمية والمعتزلة، ورد على الأشاعرة الذين يقولون: إن الكلام معنى قائم بالنفس. وفيه: أن الله نادى أيوب بدون واسطة، وهذا هو الصواب. وقوله: (لا غنى لي عن بركاتك) يعني: هذا من البركة. وفيه: قدرة الله العظيمة، حيث إنه خر عليه جراد من ذهب، والعادة أنه لا يكون جراد من ذهب، لكن الله على كل شيء قدير. قال في الحاشية: قوله: (ولكن لا غنى لي على بركاتك) أي: فأجمعه لكونه من جملة بركاتك. وظاهر الحديث أن الله تعالى كلمه بلا واسطة، ويحتمل أن المراد بالواسطة الملك. أقول: هذا الاحتمال باطل لا دليل عليه، والصواب: أن الله كلمه بدون واسطة، والكلام لا يكون إلا بحرف وصوت، والصوت: قد دل عليه حديث: (إن الله تعالى ينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب).

ما جاء في أنه لا توقيت في الماء الذي يغتسل فيه

ما جاء في أنه لا توقيت في الماء الذي يغتسل فيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الدليل على أن لا توقيت في الماء الذي يغتسل فيه. أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار قال: حدثنا إسحاق بن منصور عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في الإناء، وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان، والفَرَقُ: هو مكيال بالمدينة، يسع ثلاثة آصع أو يسع ستة عشر رطلاً، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع وربما زاد وربما نقص، وفي هذا الحديث دليل على أنه ليس هناك توقيت في ماء الغسل بالصاع ولا غيره؛ لأن كلاً منهما يغترف من الماء ولا يعرف مقدار ما أخذه، لكن ينبغي ألا يصل إلى حد الإسراف والزيادة، ولا يصل إلى حد النقص، أي: إلى حد المسح من قلة الماء.

ما جاء في اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد

ما جاء في اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد: أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن هشام ح وأخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وأنا من إناء واحد نغترف منه جميعاً). وقال سويد: قالت: (كنت أنا). أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم قال: سمعت القاسم يحدث عن عائشة قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة). أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبيدة بن حميد عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: (لقد رأيتني أنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء أغتسل أنا وهو منه)]. اغتسال الرجل والمرأة وزوجته من إنا واحد هذا لا بأس به؛ لأنها حل له وهو حل لها.

ما جاء في الرخصة في اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد

ما جاء في الرخصة في اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ذلك أخبرنا محمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن عاصم ح وأخبرنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله عن عاصم عن معاذة عن عائشة قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، أبادره ويبادرني، حتى يقول: دعي لي، وأقول: أنا دع لي). قال سويد: (يبادرني وأبادره، فأقول: دع لي دع لي)]. هذه الترجمة كالترجمة السابقة ليس هناك فرق بينهما، فالأولى رخصة وهذه رخصة، لكن المراد أن هذا الأمر ليس بلازم، إن أحبا أن يغتسلا جميعاً وإلا اغتسل كل واحد وحده، والنسائي رحمه الله يكرر التراجم كثيراً، وكذا الأحاديث.

ما جاء في الاغتسال في قصعة فيها أثر العجين

ما جاء في الاغتسال في قصعة فيها أثر العجين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاغتسال في قصعة فيها أثر العجين. أخبرنا محمد بن يحيى بن محمد حدثنا محمد بن موسى بن أعين حدثنا أبي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: حدثتني أم هانئ: (أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يغتسل، قد سترته بثوب دونه، في قصعة فيها أثر العجين، قالت: فصلى الضحى فما أدري كم صلى حين قضى غسله)]. محمد بن يحيى بن محمد ثقة، والملاحظ أن شيوخ النسائي كلهم ثقات في الغالب، وبعضهم صدوق، وهو لا يروي عن ضعيف، لكن ما فوقهم لا حيلة له فيهم، وهو يروي عمن لم يجمعوا على تركه، واشترط في كتابه أنه لا يخرج فيه عمن أجمعوا على تركه. قوله: (سترتْه) أي: فاطمة، والحديث أصله في الصحيحين في قصة اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات) وليس فيه: (في قصعة فيها أثر العجين) وإنما فيه أنه صلى الضحى ثمان ركعات. ولا بأس بالماء إذا كان فيه شيء من أثر العجين أو شيء من الطاهرات أو الطحلب، إذا لم يمتزج به ويغير اسم الماء. قوله: (فما أدري كم صلى حين قضى غسله). قد جاء في الصحيحين: (أنه صلى ثمان ركعات).

ما جاء في ترك المرأة نقض رأسها عند الاغتسال

ما جاء في ترك المرأة نقض رأسها عند الاغتسال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترك المرأة نقض رأسها عند الاغتسال. أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير أن عائشة قالت: (لقد رأيتني اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا، فإذا تور موضوع مثل الصاع أو دونه، فنشرع فيه جميعاً، فأفيض على رأسي بيدي ثلاث مرات، وما أنقض لي شعراً)]. هذا يدل على أنه لا يجب نقض المرأة شعر رأسها من الجنابة. وفيه جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد كما سبق.

ما جاء إذا تطيب واغتسل وبقي أثر الطيب

ما جاء إذا تطيب واغتسل وبقي أثر الطيب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إذا تطيب واغتسل وبقي أثر الطيب حدثنا هناد بن السري عن وكيع عن مسعر وسفيان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه، قال: (سمعت ابن عمر يقول: لأن أصبح مطلياً بقطران أحب إلي من أن أصبح محرماً أنضخ طيباً، فدخلت على عائشة فأخبرتها بقوله، فقالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرماً)]. هذا فيما خفت فيه السنة عن ابن عمر، فبينت له عائشة السنة، وأن التطيب قبل الإحرام سنة لا بأس به، فإذا تطيب واغتسل وبقي أثر الطيب فلا حرج، بل حتى لو تطيب بعد الغسل وبعد الوضوء، فهذا سنة، وابن عمر خفيت عليه هذه السنة، فقال: (لأن أصبح مطلياً بقطران أحب إلي من أن أغتسل وأصبح محرماً أنضح طيباً). قالت عائشة رضي الله عنها: (طيبت رسول صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرماً).

ما جاء في إزالة الجنب الأذى عنه قبل إفاضة الماء عليه

ما جاء في إزالة الجنب الأذى عنه قبل إفاضة الماء عليه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إزالة الجنب الأذى عنه قبل إفاضة الماء عليه أخبرنا محمد بن علي حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة قالت: (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه، وغسل فرجه وما أصابه ثم أفاض عليه الماء، ثم نحى رجليه فغسلهما، قالت: هذه غسلة للجنابة)]. يعني: هذه كيفية الغسل من الجنابة، وفيها تأخير غسل الرجلين. وهناك كيفية ثانية: وهي أن يتوضأ وضوءاً كاملاً ثم يغتسل، كما في حديث عائشة وفي حديث ميمونة هذا أنه أخر الرجلين. وهناك كيفية ثالثة: وهي أنه لا يمسح رأسه إذا توضأ، بل يفرغ الماء عليه كما سيأتي في الترجمة، فيكون إن شاء توضأ وكمل الوضوء على ما في حديث عائشة، وإن شاء توضأ وأبقى رجليه آخر شيء، وإن شاء أيضاً كذلك ترك الوضوء وبدأ بالغسل. وفيه إزالة الجنب الأذى عنه قبل إفاضة الماء عليه، فيستنجي ويغسل ما أصابه ثم يتوضأ ثم يغتسل.

ما جاء في مسح اليد بالأرض بعد غسل الفرج

ما جاء في مسح اليد بالأرض بعد غسل الفرج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مسح اليد بالأرض بعد غسل الفرج. أخبرنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يضرب بيده على الأرض ثم يمسحها ثم يغسلها، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفرغ على رأسه وعلى سائر جسده، ثم يتنحى فيغسل رجليه)]. افيه أنه أخر غسل رجليه، وفي حديث عائشة أنه كمل الوضوء، وفيه مس اليد بالأرض بعد غسل الفرج؛ للتنظيف مما علق بها من الرائحة.

ما جاء في الابتداء بالوضوء في غسل الجنابة

ما جاء في الابتداء بالوضوء في غسل الجنابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الابتداء بالوضوء في غسل الجنابة أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يخلل بيده شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده)]. فيه الابتداء بالوضوء في الغسل وهذا هو السنة، ثم يكمل الغسل، وفيه: استحباب تخليل الشعر باليد. قوله: (أفاض الماء عليه ثلاثاً) هذا استحباباً.

كتاب الطهارة [22]

شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [22] ما تركت الشريعة شيئاً ولو كان في أعين بعض الناس حقيراً إلا بينته، وهذا من كمالها وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ومن ذلك: أحكام الغسل للحائض والجنب، مستحباته وواجباته، وذكر موجبات الوضوء دون الغسل. أما التيمم فهو من خصائص هذه الأمة المحمدية، وما هذا إلا دليل واضح على شمولية هذه الشريعة الغراء.

ما جاء في التيمن في الطهور

ما جاء في التيمن في الطهور [باب التيمن في الطهور أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن شعبة عن الأشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في طهوره وتنعله وترجله، وقال بواسط: في شأنه كله)]. هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، بلفظ: (يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله) وفيه: أنه يشرع للإنسان أن يبدأ باليمين في الوضوء، وفي الغسل أيضاً يبدأ بالشق الأيمن.

ما جاء في ترك مسح الرأس في الوضوء من الجنابة

ما جاء في ترك مسح الرأس في الوضوء من الجنابة [باب ترك مسح الرأس في الوضوء من الجنابة أخبرنا عمران بن يزيد بن خالد حدثنا إسماعيل بن عبد الله وهو ابن سماعة أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة، وعن عمرو بن سعد عن نافع عن ابن عمر: (أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغسل من الجنابة، واتسقت الأحاديث على هذا، يبدأ فيفرغ على يده اليمنى مرتين أو ثلاثاً، ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيصب بها على فرجه، ويده اليسرى على فرجه، فيغسل ما هنالك حتى ينقيه، ثم يضع يده اليسرى على التراب إن شاء، ثم يصب على يده اليسرى حتى ينقيها، ثم يغسل يديه ثلاثاً ويستنشق ويمضمض، ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، حتى إذا بلغ رأسه لم يمسح، وأفرغ عليه الماء) فهكذا كان غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر]. هذه الحالة الثالثة: وهي أنه يتوضأ ويترك مسح الرأس، ولهذا قال: (حتى إذا بلغ الرأس لم يمسح وأفرغ عليه الماء). يعني: إذا صب عليه الماء على الرأس كفى عن المسح، وظاهره: أنه لما توضأ صب الماء ولم يمسح، ويكون هذا داخلاً الترتيب، فهو غسل وجهه وغسل ذراعيه، ثم صب الماء على رأسه ثم غسل رجليه، إلا أنه بدل المسح للرأس صب عليه الماء.

ما جاء في استبراء البشرة في الغسل من الجنابة

ما جاء في استبراء البشرة في الغسل من الجنابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استبراء البشرة في الغسل من الجنابة أخبرنا علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل رأسه بأصابعه، حتى إذا خيل إليه أنه قد استبرأ البشرة غرف على رأسه ثلاثاً، ثم غسل سائر جسده)]. هذا فيه استبراء البشرة في الغسل من الجنابة، يعني: أن يوصل البلل إلى جميعها. فينبغي للإنسان أن يعمم سائر الجسد في الغسل من الجنابة، ولهذا عليه أن يخلل الشعر حتى يصل الماء إلى البشرة، بخلاف الوضوء فإنه لا يجب غسل باطن اللحية الكثيفة، وإنما يغسل ظاهر الشعر، لكن في الغسل من الجنابة يوصل الماء إلى البشرة، ولهذا قال: (حتى إذا خيل إليه أنه قد استبرأ البشرة غرف على رأسه ثلاثاً، ثم غسل سائر جسده).

شرح حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب)

شرح حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد عن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب، فأخذ بكفه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه)]. الحلاب: إناء تحلب فيه الناقة أو غيرها؛ يعني: وضع فيه الماءالذي يغتسل فيه، كما قال السيوطي وغيره: المراد بالحلاب: إناء يحلب فيه، وهو بالحاء المهملة، يعني: يوضع فيه الماء الذي يغتسل منه. قال السيوطي: اشتبه هذا على البخاري رحمه الله فظنه نوعاً من الطيب، فترجم: باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل. يعني: تأوله البخاري بتطييب البدن، واستظهر الحافظ أن معنى قوله: (بدأ بالحلاب) أي: بإناء الماء الذي للغسل، واستدعى به لأجل الغسل. أو بدأ بالطيب عند إرادة الغسل، إشارة إلى حديث عائشة (أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند الإحرام). فالمقصود: أن هذه اللفظة (الحلاب) البخاري رحمه الله في ترجمته قال: إنه يبدأ بالطيب، وبعضهم فسره بالجلاب، وأكثرهم قالوا: بالحلاب، وإنما المراد: أنه إناء يحلب فيه، فهو وضع فيه الماء واغتسل منه.

ما جاء فيما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه

ما جاء فيما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه: أخبرنا عبيد الله بن سعيد عن يحيى عن شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق ح وأخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سليمان بن صرد يحدث عن جبير بن مطعم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده الغسل، فقال: أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثاً) لفظ سويد. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد عن شعبة عن مخول عن أبي جعفر عن جابر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل أفرغ على رأسه ثلاثاً)]. يعني: السنة أن المغتسل يفرغ على رأسه ثلاثاً وهذا هو الأفضل، وإن عمم جسده مرة واحدة كفى إذا بلل وأوصل الماء إلى البشرة، لكن الأفضل أن يفرغ على رأسه ثلاثاً كما في الحديث. ومخول هو ثقة.

ما جاء في العمل في الغسل من الحيض

ما جاء في العمل في الغسل من الحيض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب العمل في الغسل من الحيض. أخبرنا الحسن بن محمد حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة: (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله! كيف أغتسل عند الطهور؟ قال: خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها، قالت: كيف أتوضأ بها؟ قال: توضئي بها، قالت: كيف أتوضأ بها؟ قالت: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح وأعرض عنها، ففطنت عائشة لما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأخذتها وجبذتها إلي فأخبرتها بما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. وجاء في الصحيح أنها قالت: (فجذبتها فقلت لها: تتبعي أثر الدم). والفرصة: قطعة من قماش أو قطن أو من صوف، (ممسكة) يعني: مطلية بالمسك، تتبع بها أثر الدم؛ لإزالة الرائحة. وهذه المرأة لم تعرف مراد النبي صلى الله عليه وسلم فجذبتها عائشة وأخبرتها. وهذا فيه: كيفية الغسل من الحيض، وأنها تأخذ فرصة ممسكة تتوضأ بها، وهذا مستحب.

ما جاء في الغسل مرة واحدة

ما جاء في الغسل مرة واحدة [باب الغسل مرة واحدة أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا جرير عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فغسل فرجه ودلك يده بالأرض أو الحائط، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض على رأسه وسائر جسده)]. فيه: أن الغسل مرة واحدة يكفي، فإذا عمم جسده مرة واحدة كفى، وكونه يتوضأ قبل الغسل هذا هو السنة، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ أولاً ثم يغسل سائر جسده.

ما جاء في اغتسال النفساء عند الإحرام

ما جاء في اغتسال النفساء عند الإحرام [باب اغتسال النفساء عند الإحرام أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ويعقوب بن إبراهيم واللفظ له، قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر بن محمد حدثني أبي، قال: (أتينا جابر بن عبد الله فسألناه عن حجة الوداع، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لخمس بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه حتى إذا أتى ذا الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي ثم استثفري ثم أهلِّي)]. هذا فيه بيان: أن النفساء تغتسل للإحرام، وفيه دليل: على أنها تغتسل للإحرام للنظافة، كما تغتسل الحائض, فالحائض والنفساء تغتسلان من باب النظافة، وغيرهما كذلك يغتسل وهو سنة. وفيه: أن النفساء تستثفر يعني: تتحفظ بثوب وتغتسل وتحج، وكذلك الحائض، وهذا غسل الإحرام, وغسل الإحرام سنة ليس بواجب، حتى على النفساء والحائض.

ما جاء في ترك الوضوء بعد الغسل

ما جاء في ترك الوضوء بعد الغسل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء بعد الغسل: أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا أبي، حدثنا حسن عن أبي إسحاق ح وأخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل)]. يعني: كان يكتفي بوضوئه قبل الغسل، فإذا توضأ المرء قبل الغسل وأكمل فلا يتوضأ، لكن لو خرج منه ريح أو مس فرجه في أثناء الغسل وجب عليه الوضوء.

ما جاء في الطواف على النساء في غسل واحد

ما جاء في الطواف على النساء في غسل واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الطواف على النساء في غسل واحد أخبرنا حميد بن مسعدة عن بشر -وهو ابن المفضل - حدثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد عن أبيه، قال: قالت عائشة: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه، ثم يصبح محرماً ينضخ طيباً)]. هذا يدل على أنه لا بأس بطواف الرجل على نسائه بغسل واحد، لكن يتوضأ بعد كل واحدة، يعني: بين كل جماع وجماع.

ما جاء في التيمم بالصعيد

ما جاء في التيمم بالصعيد [باب التيمم بالصعيد أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان حدثنا هشيم أنبأنا سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة يصلي، وأعطيت الشفاعة ولم يعط نبي قبلي، وبعثت إلى الناس كافة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة)]. هذه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المراد بها الحصر، قوله: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) هذا له ولأتباعه عليه الصلاة والسلام العاملين بسنته، فإن الله تعالى ينصرهم بالرعب، يرعب عدوهم مسيرة شهر. قوله: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) أي: من خصائص هذه الأمة، وكان من قبلنا يصلون في أماكن العبادة فقط. قوله: (وأعطيت الشفاعة) وهي الشفاعة العظمى لنبينا عليه الصلاة والسلام. قوله: (وبعثت إلى الناس كافة) هذه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وجاء في الحديث الآخر: (أعطيت ستاً). زيادة. كذلك أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم له خصائص كثيرة جمعها بعضهم حتى أوصلها إلى السبعين, كما ذكر السيوطي فقد جمع رسالة في هذا, وهذا لا يفيد الحصر، وذكر أن هناك خصائص أخرى، وأن الحافظ عدّها فبلغت اثنتي عشرة خصلة، وبعضهم أوصلها إلى ستين خصلة. والتيمم يكون بالصعيد، قال: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة يصلي) يعني: أنه إذا عدم الماء يتيمم بالصعيد وهو التراب. وقوله في السند: يزيد الفقير ليس المراد أنه فقير، وإنما كان يشكو فقار ظهره.

ما جاء في التيمم لمن يجد الماء بعد الصلاة

ما جاء في التيمم لمن يجد الماء بعد الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التيمم لمن يجد الماء بعد الصلاة أخبرنا مسلم بن عمرو بن مسلم حدثني ابن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد: (أن رجلين تيمما وصليا ثم وجدا ماء في الوقت، فتوضأ أحدهما وعاد لصلاته ما كان في الوقت ولم يعد الآخر، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال للذي لم يعد: أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك، وقال للآخر: أما أنت فلك مثل سهم جمع)]. يعني: أنه جمع فيها أجر الصلاتين, وكان له الأجر مرتان: أجر صلاته، وأجر اجتهاده، والأول أصاب السنة، والذي أصاب السنة أفضل؛ لأن الذي أصاب السنة أجره غير محدد، أما هذا فله الأجر مرتان. قال السيوطي رحمه الله: (مثل سهم جمع) قال في النهاية: أي له سهم من الخير جمع فيه حظان، والجيم مفتوحة، وقيل: أراد بالجمع الجيش، أي: سهم الجيش من الغنيمة. وقال غيره: سئل ابن وهب ما هو تفسير جمع؟ قال: يعني: أن له أجر الصلاة مرتين، ولم يرد جمع الناس بالمزدلفة، ويؤيد هذا التفسير ما روي عن المنذر بن الزبير أنه قال في قصة له: إن لـ فاطمة ابنتي بغلتي الشهباء وعشرة آلاف درهم، ولابني محمد سهم جمع، فقال: نصيب رجلين. والمقصود: أن من أصاب السنة فهو الأفضل، وهذا له أجران على اجتهاده: أجر على الصلاة، وأجر لاجتهاده. [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن ليث بن سعد قال: حدثني عميرة وغيره عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار: (أن رجلين) وساق الحديث. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى أخبرنا خالد حدثني شعبة أن مخارقاً أخبرهم عن طارق: (أن رجلاً أجنب فلم يصل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: أصبت، فأجنب رجل آخر فتيمم وصلى فأتاه، فقال نحواً مما قال للآخر) يعني: أصبت]. قوله: (فلم يصل) هذا مجمل تفسره الأحاديث الأخرى، والمراد: أنه لم يصل انتظاراً للماء، وهذا الحديث بعضهم يفصله في الحاشية، ولا يجعله في الصلب.

ما جاء في الوضوء من المذي

ما جاء في الوضوء من المذي [باب الوضوء من المذي أخبرنا علي بن ميمون حدثنا مخلد بن يزيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: (تذاكر علي والمقداد وعمار، فقال علي: إني امرؤ مذاء وإني أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فيسأله أحدكما، فذكر لي أن أحدهما ونسيته سأله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك المذي، إذا وجده أحدكم فليغسل ذلك منه، وليتوضأ وضوءه للصلاة، أو كوضوء الصلاة)

الاختلاف على الأعمش في حديث علي في المذي

الاختلاف على الأعمش في حديث علي في المذي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الاختلاف على سليمان. أخبرنا محمد بن حاتم حدثنا عبيدة حدثنا سليمان الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاء، فأمرت رجلاً فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فيه الوضوء)]. قوله: (مذاء) صيغة مبالغة، يعني: كثير المذي، وهذا سبق أن المؤلف رحمه الله ترجمه والأحاديث كررها. وفيه دليل: على أن المذي نجس، وهو يوجب الوضوء لا الغسل، بخلاف البول فإنه يغسل طرف الذكر، ولكن نجاسته مخففة يكفي فيه النضح كما جاء في الأحاديث الأخرى، ويغسل الذكر والأنثيين، يعني: الخصيتين، قال في حديث: (يغسل الذكر والأنثيين). قال: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة أخبرني سليمان الأعمش قال: سمعت منذراً عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه قال: (استحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة، فأمرت المقداد فسأله، فقال: فيه الوضوء)].

الاختلاف على بكير في حديث علي في المذي

الاختلاف على بكير في حديث علي في المذي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الاختلاف على بكير. أخبرنا أحمد بن عيسى عن ابن وهب وذكر كلمة معناها أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال: قال علي رضي الله عنه: (أرسلت المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن المذي، فقال: توضأ وانضح فرجك) قال أبو عبد الرحمن: مخرمة لم يسمع من أبيه شيئاً]. يعني: سنده منقطع، لكن الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما. قال: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن ليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار قال: (أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الرجل يجد المذي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغسل ذكره ثم ليتوضأ). أخبرنا عتبة بن عبد الله قال: قرئ على مالك وأنا أسمع: عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من المرأة فخرج منه المذي، فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة)]. يعني: ينبغي أن يغسل فرجه.

ما جاء في الأمر بالوضوء من النوم

ما جاء في الأمر بالوضوء من النوم [باب الأمر بالوضوء من النوم أخبرنا عمران بن يزيد حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا الأوزاعي حدثنا محمد بن مسلم الزهري حدثني سعيد بن المسيب حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من الليل فلا يُدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)]. وجاء في الحديث الآخر الجزم بأنها ثلاث كما في لفظ: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، وهذا الأمر متأكد، والقول بالوجوب قول قوي، وقال الجمهور بالاستحباب، وقال قوم: إنه للوجوب، يعني: يجب على الإنسان إذا استيقظ من نومه أن يغسل يديه ثلاثاً، أما غسل اليدين قبل الوضوء فمستحب.

شرح حديث: (صليت مع رسول الله ذات ليلة فقمت عن يساره)

شرح حديث: (صليت مع رسول الله ذات ليلة فقمت عن يساره) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا داود عن عمرو عن كريب عن ابن عباس قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه فصلى، ثم اضطجع ورقد، فجاءه المؤذن فصلى ولم يتوضأ) مختصر]. فيه: أن نوم النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض الوضوء؛ لأن قلبه لا ينام وإن نامت عيناه، بخلاف غيره من الناس فإن نومه ينقض الوضوء، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه، ولهذا نام وقام فصلى ولم يتوضأ. وفيه: أن الإنسان إذا كان يصلي منفرداً ثم جاء آخر وصف عن يمينه فإنه ينوي الإمامة، وتحصل له بذلك فضيلة الجماعة، كما في هذا الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فجاء ابن عباس فصف عن يساره، فأداره عن يمينه، وقد خص بعض العلماء هذا في صلاة النافلة كالحنابلة وغيرهم، قالوا: هذا مخصص في النافلة، أما الفريضة فلا، والصواب أنه يجوز في الفريضة والنافلة؛ لأن الفريضة والنافلة سواء، إلا أن يأتي بمخصص.

شرح حديث: (إذا نعس أحدكم في صلاته فلينصرف وليرقد)

شرح حديث: (إذا نعس أحدكم في صلاته فلينصرف وليرقد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نعس أحدكم في صلاته فلينصرف وليرقد)]. والطفاوي هذا صدوق يهم، فيكون حديثه حسناً، وقد يكون الحديث صحيحاً؛ لأن الوهم يسير، وهذا ثابت في الصحيح: (إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد، لعله إذا صلى وهو ينعس يذهب فيستغفر فيسب نفسه) يعني: بسبب غلبة النعاس، يريد أن يدعو لنفسه فيدعو على نفسه بسبب النعاس. وهذا في صلاة الليل إذا نعس فلينصرف وليرقد، أما صلاة الفريضة فيجب عليه أن يعالج نفسه حتى يذهب النوم بأن يغسل وجهه، كذلك ينام مبكراً ولا ينصرف عن صلاة الفريضة وينام؛ لأنه إذا انصرف عن صلاة الفريضة أدى هذا إلى تضييع الوقت، ولأن صلاة الفريضة وقتها ليس طويلاً بخلاف صلاة النافلة صلاة الليل، فإذا نعس فليرقد. إذاً: ففي الفريضة يعالج نفسه ويؤدي الفريضة، ويجاهد نفسه، ويعمل الأسباب التي لا تؤدي إلى النعاس، من النوم المبكر، وغير ذلك.

ما جاء في الوضوء من مس الذكر

ما جاء في الوضوء من مس الذكر [باب الوضوء من مس الذكر أخبرنا قتيبة عن سفيان عن عبد الله -يعني: ابن أبي بكر -قال على أثره: قال أبو عبد الرحمن: ولم أتقنه عن عروة عن بسرة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مس فرجه فليتوضأ). أخبرنا عمران بن موسى حدثنا محمد بن سواء عن شعبة عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ). أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم أنه قال: (الوضوء من مس الذكر) فقال مروان: أخبرتنيه بسرة بنت صفوان، فأرسل عروة قالت: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتوضأ منه فقال: من مس الذكر). أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ). قال أبو عبد الرحمن: هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث. والله سبحانه وتعالى أعلم]. هذا الحديث ثابت، وفيه وجوب الوضوء من مس الذكر، قال البخاري: حديث بسرة أصح شيء في هذا الباب. وأما حديث طلقاً بن علي (إنما هو بضعة منك) يحتمل أن يكون هذا أولاً، قال بعض أهل العلم: إنه منسوخ؛ لأن طلق بن علي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر، جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده في أول الهجرة كان قديماً، وحديث بسرة متأخر فيكون ناسخاً له، فقال بعض من أهل العلم: إن حديث بسرة أصح من حديث طلق وهو أرجح، ولهذا قال البخاري: وهو أصح شيء في هذا الباب، وهو أصح من حديث طلق. ثم إن حديث طلق مبقٍ على الأصل، وحديث بسرة ناقل، والشريعة ناقلة وليست مبقية، فالعمل على حديث بسرة، فالصواب أن الوضوء من مسه، ولهذا بوب المؤلف وقال: باب الوضوء من مس الذكر. يعني: إذا مس بدون حائل، ولهذا قال في صحيح البخاري: (إذا أفضى) والإفضاء هو: المس سواء ببطن الكف أو ظهره، والكف حدها الرسغ، إذا مس الذكر ببطن كفه أو ظهره فإنه يتوضأ، أما إذا مسها بذراعه أو برجله فلا، وإنما هذا خاص بالكف. وكذلك إذا مسه من وراء حائل كأن يكون عليه قفازان فلا ينقض الوضوء، إنما هذا إذا مس اللحم اللحم باطن الكف أو ظهر الكف، وهذا هو الصواب. وذهب جمع من أهل العلم: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء وأخذوا بحديث طلق، وقال آخرون من أهل العلم: إنما هذا إذا مسه بشهوة فإنه ينقض الوضوء، وإذا لم يمسه بشهوة فلا ينقض الوضوء. والصواب من الأقوال: أنه ينقض الوضوء مطلقاً إذا مسه ببطن الكف أو ظهره بدون حائل، أما إذا مسه بذراعه أو برجله فلا.

§1/1