شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير

عبد الكريم الخضير

أبواب الطهارة

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (1) مقدمة عن سنن الترمذي وشروحها الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فلسنا بحاجة إلى أن نبين أهمية العلم بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولسنا بحاجة أن نوضح كون السنة مصدر من مصادر التشريع، أو المصدر الثاني بعد كتاب الله --جل وعلا--، ولسنا بحاجة إلى أن نقول: إلى أن السنة هي المبينة وهي الموضحة للقرآن، ولو السنة ما عرفنا كيف نصلي؟ ولا كيف نزكي؟ ولا كيف نصوم؟ ولا نحج؟ إلا بعد بيانه -عليه الصلاة والسلام- بقوله وفعله، فمن يعرف أحكام الصلاة من خلال القرآن؟ ومن يعرف أحكام الزكاة من خلال من نزل في هذا القرآن العظيم الذي هو كلام الله؟ وكيف نحج لولا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بين لنا الحج وقال: ((خذوا عني مناسككم)) فالسنة غنية عن أن يتحدث عنها، والكتابات في هذا الموضوع كثيرة جداً عن المتأخرين، أما المتقدمون فإنهم لا يتعرضون لمثل هذا؛ لأن مثل هذه المسائل لا تثار عندهم، بل هي مما علم بالضرورة من دين الإسلام، لكن لما كثر أصحاب الأغراض والأهداف الذين يريدون هدم الدين احتيج لمثل هذا الكلام لبيان منزلة السنة، فلسنا بحاجة إلى هذه لأننا بين إخوانٍ يتفقون على هذا ويجمعون عليه.

السنة خدمة منذ أن صدرت من قائلها، وفاعلها، ومقررها -عليه الصلاة والسلام- خدمها الصحابة فحفظوها وضبطوها وأتقنوها، ثم بعد ذلك قاموا بواجب تبليغها لمن بعدهم، جاء النهي عن كتابتها في أول الأمر ((لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، ومن كتب شيئاً عن القرآن فليمحه)) في الصحيح من حديث أبي سعيد، وجاء الإذن بكتابتها كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتفق عليه ((اكتبوا لأبي شاه)) وقال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "ما كان أحدٌ أكثر مني حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" وهذا على حد ظنه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وإلا فعبد الله بن عمرو لا يقارب أبا هريرة ولا يدانيه في كثرة المرويات، فأبو هريرة -رضي الله عنه- حافظ الصحابة، بل حافظ الأمة على الإطلاق، حفظ من السنة ما لم يحفظه غيره، أو كانت مقالته هذه قبل أن يبسط رداءه فيدعو له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالحفظ وعدم النسيان، ثم بعد ذلك أتفق الأئمة وهذا من خلال الواقع على جواز الكتابة، وارتفع الخلاف المبني على حديث أبي سعيد، فكتبت السنة ودونت السنن، وأفاد الناس من ذلك خير عظيماً، ويعلل أهل العلم النهي عن الكتابة في أول الأمر لئلا تختلط بالقرآن، فلما أمن ذلك رخص في الكتابة، وبعضهم يقول: لئلا يعتمد الناس على الكتابة وينسون الحفظ؛ لأن الحفظ هو الأصل، والحفظ أمر لا بد منه لطالب العلم الشرعي، ولا يمكن أن يدرك طالب العلم الشرعي ما أراد إلا بالحفظ مع الفهم، فإذا توافر له الأمران الحفظ والفهم ووفق لسلوك الجادة من أول الأمر فقد تيسر له تحصيل العلم إذا أخلص فيه لله -جل وعلا-.

أُذن بالكتابة وأجمع الناس عليها والنتيجة؟ أن ضعف الحفظ، وهذه نتيجة حتمية؛ لأن الذي يعتمد على شيء يهتم به ويتعاهده لئلا ينساه، فالناس لما كان اعتمادهم على الحفظ كانت الحوافظ أقوى ولا بديل لها، لكن لما أذن بالكتابة واعتمد الناس عليها، وأجمعوا عليها، وأطبقوا عليها ضعفت الحافظة؛ لأنه وجد البديل، وجد البديل، وهذا يدركه كل إنسان، كل إنسان يدرك هذا، على سبيل المثال الأرقام التي يعنى بها الناس ويحتاجونها كانوا يحفظونها، ثم بعد ذلك من كتب الرقم في دليله نسيه، ثم بعد ذلك جاء ما هو أشد من ذلك، صاروا يخزنون الأرقام بالأسماء ويقسم بعضهم أنه لا يعرف رقم أمه؛ لأنه اعتمد على ها التخزين، حتى التخزين لا يخرج فيه الرقم ولا يراه، يضغط رقم مفرد فيتصل على والدته من دون أن يحفظ، وهذا لا شك له أثر على الحفظ، ونريد أن نخلص إلى فائدة وهي أن الإنسان يعتمد على حفظه بالدرجة الأولى، ولا مانع أن يستفيد من كتابه ويدون معلوماته، لكن لا يعتمد على الكتاب، ولا يعتمد على الكتابة، ويمثل أهل العلم من اعتمد على حفظه ومن اعتمد على كتابه بمن زاده التمر والبر، فالذي زاده التمر يأكل منه متى شاء، لا يحتاج إلى طبخ ولا يحتاج إلى طحن ولا يحتاج إلى خَبز، ولا يحتاج إلى شيء أبداً، مد يدك وكل، بينما من زاده البر أو غيره مما يحتاج إلى طبخ مثل هذا يحتاج إلى أن تنزل، تحتاج إلى أن توقد النار، تحتاج إلى أن تنقي وتطحن، ثم تخبز ثم تطبخ ثم تأكل، هذا ما يثمل به لما في الحفظ وما في الأوراق.

أهل العلم يقسمون الفقه أو الفقيه إلى قسمين: فقيه بالفعل، وفقيه بالقوة القريبة من الفعل، الفقيه بالفعل الذي فقهه في حافظته بمسائله، بفروعها، بأدلتها، وأما الفقيه بالقوة القريبة من الفعل ما يحفظ مسائل كثيرة وإنما العلم مدون عنده في كتابه، ويستطيع الرجوع إليه في أقرب وقت وأقصر مدة من مظانه، بحيث لا يترك منها شيئاً، وشتان بين شخص إذا سئل عن مسألة أجاب عنها فوراً وبين من يقول: حتى أراجع، حتى أراجع، فالحفظ الحفظ، وهذا أمر لا يختلف فيه، وأما ما يشاع ويذاع على ألسنة بعض من ينتسب إلى التربية أن الحفظ يبلد الذهن، فهذا يراد منه الصد عن تحصيل العلم الشرعي، فالعلم مبني على قال الله قال رسوله، ولا يمكن أن يؤسس على لا شيء، لا بد من الحفظ، أقول: بعد الإذن بالكتابة ضعفت الحوافظ ممن يعتمد على كتابه، وكثير منهم من الرواة الذين اعتمدوا على الكتب اختلطوا وضاعت علومهم بسبب ضياع كتبهم، والذي علمه في كتابه قد يدس فيه ما ليس منه لا سيما إذا أعاره إلى غير ثقة أو فرط في حفظه، وكم من الرواة من ضعف بسبب هذا، الكتابة لا شك أنها نعمة وحفظت لنا العلم الذي دون في الصحف، لكن الإشكال في الاعتماد عليها، استمر الناس على الكتابة، اتفقوا عليها إلى أن ظهرت المطابع، إلى أن ظهرت المطابع، الكتابة كتابة الكتاب من خلال التجربة تعادل قرأته عشر مرات، ففيها شيء من المعاناة، والمعاناة تحفر القلب وتودع فيه العلم، والعلم متين لا يستطاع ولا يدرك براحة الجسم، لما كان الناس يعانون الكتابة وينسخون ما يريدون مطالعته وقراءته وإقراءه فيه شيء من أسباب التحصيل مبذول من قبل طالبه، لما ظهرت المطابع صارت تدفع إلى الناس بالمجلدات عشرات المجلدات والمئات والآلف ومن أيسر الأمور أن يؤسس الإنسان مكتبة كبيرة، لكن ماذا عن محتويات هذه المكتبة؟ وماذا عما في بطون هذه الكتب بالنسبة لطالب العلم؟ لما ظهرت المطابع أفتى علماء الأزهر بعدم جواز طبع الكتب الشرعية، أذنوا في كتب اللغة والتأريخ والأدب، لكن الكتب الشرعية توقفوا فيها، لماذا؟ لأنهم يعرفون الأثر المترتب عليها، وقد وقع ما خشوه وخافوا منه، فصار الطالب -طالب العلم- يملك الألوف من الكتب لكنه

بالنسبة للتحصيل لا شيء يذكر، اللهم إلا معرفة الكتب ومعرفة الطباعات والعناوين، لكن ما في أجواف هذه الكتب لا شيء، ويبقى أن الطبع نعمة ووفر ويسر، لكن نعمة متى؟ إذا استغل واستفيد منه، أما أن تشترى الكتب وترص في الدواليب وبعض الناس همه ترتيب الكتب وتنظيف الكتب وتزويق هذه الكتب ونقلها من مكان إلى مكان، يضع التفسير يمين والحديث الذي يليه ثم بعد مدة ينقل هذا في مكان هذا وذا .. ؛ لأن ما عنده .. ، ليس عنده لهذه الكتب إلا هذا، ما عود نفسه لأن يفتح الكتاب ويقرأ، الكتب التي تقرأ لا قيمة لها، صار أثر الطباعة على التحصيل ظاهر، فضعف التحصيل عند الكثير؛ لأنه كان في السابق إذا أراد شيئاً كتبه، لكن لما توفرت المطابع وتيسرت الأسباب ضعف التحصيل؛ لأنه ما عليه ألا أن يخرج إلى المكتبة ويشتري ما يريد، ثم بعد ذلك جاء ما هو أيسر من الكتب وأسهل وهي هذه الآلات والحواسب التي من خلال ضغطة زر في ثانية أو أقل من ثانية تحصل على كل ما تريد، تريد أن تخرج حديث من عشرين من ثلاثين طريق في لحظة يحضر لك كل ما تريد، وكنتَ إذا أردت أن تخرج حديثاً تحتاج إلى يوم كامل، لكن ما النتيجة؟ النتيجة تضغط الزر مرة ثانية ثم تعود عامياً لا شيء، وإذا خرجت بيدك ثبت عندك العلم، يثبت عندك العلم، والعلم مثلما ذكر الإمام مسلم عن يحيى بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم، فهذه الأمور الميسرة بقدر ما هي نعم من نعم الله -جل وعلا- إلا أنها صوارف، فمن استغلها بحق واعتنى بها وأفاد منها، وتعب على تحصيل العلم تعينه وتفيده، أما من اعتمد عليها فلن يتخرج طالب علم فضلاً عن أن يكون عالماً، طالب علم ينبغي أن يتأهل على الجادة، على الجادة التي بها أخذ أول هذه الأمة العلم، علم الكتاب والسنة في الحاسب في الآلة في الجهاز في الكمبيوتر تضغط زر يخرج الحدث من عشرين ثلاثين أحياناً من خمسين طريق، وأنت تحتاج إلى الحصول على هذه الخمسين إلى مدد، كانت الفهارس مرفوضة عند أهل العلم ما في شيء عند أهل العلم يسمى كتاب تخريج، أو دارسة أسانيد، لا، هذه أمور عملية يثبت الطالب جدارته فيها ويتعلمها من خلال العمل والتمرين، أما أن ييسر له الفهارس إذا أراد مسألة من

كتاب ما وليكن جامع الترمذي مثلاً الذي هو موضوع حديثنا إذا أراد مسألة يبحث حتى يقف على هذه المسألة، وكم من مسألة يقف عليها في طريقه وهو يبحث عن مسألته، يقف على كثير من المسائل التي هي بعضها أهم من مسألته التي يبحث عنها، لكن إذا أراد مسألة وضغط زر قول فلان في فلان ما يظهر غيره، ابن حبان في كتابه: (الأنواع والتقاسيم) صحيح ابن حبان ألفه على طريقة لا يمكن الكشف عن الحديث إلا بقراءة الكتاب، وهذا مقصد له، ولا أريد من أراد حديثاً أن يذهب إلى موضع ومظنته ويستخرجه حتى يقرأ الكتاب كاملاً، هذه طريقة يربى عليها طالب العلم، ولذا ننصح طلاب العلم ألا يرجعوا إلى الفهارس، ولا إلى المختصرات ولا إلى الآلات، اللهم إلا إذا ضاق عليه الوقت واحتاج حاجة ملحة لشيء بيّن أو معين احتاج إلى .. ، إذا ضاق عليه الوقت، خطيب بقي له من الوقت خمس دقائق، وعنده حديث لا يعرف درجته ولبحثه يحتاج إلى ساعة، نقول: استفد من الآلة، خذ الحكم وأنت ماشي، لكن إذا رجعت ارجع إلى الكتب، لكي يغرس غرس النخل هذا العلم في قلبك فلا تنساه؛ لأن ما أخذ بسهولة يفقد بسهولة، ما أخذ بسهولة يفقد بلا شك، والذي يمر مرور مثل هذا مسح، هذا ما يفيد، وإلا وأنت في سيارتك وفي طريقك من مسجدك إلى منزلك أو إلى عملك تنظر في الشوارع تجد ألوف من الإعلانات، واللوحات واللافتات وغيرها، لكن كم يثبت في ذهنك منها؟ وفرق بين من يمشي على السيارة هذا مثل الآلة الحاسبة هذا، والذي يمشي بعد على رجليه يحفظ أكثر، مثل الذي يقرأ في كتاب نعم، بينما الذي كتب هذه اللوحات وعلقها حفظها كلها، ليس الهدف من هذا أننا نعنى بمثل هذه اللوحات، لا هذه على حساب غيرها، لكن نعنى بهذا العلم الذي نحن بصدد طلبه، والتشرف بحمله، فلا بد من المعاناة، لا بد من التعب على العلم، التيسير والتسهيل لا يزيد في تحصيل إلا البعد، وثقل المعاناة، الذي عنده آلة تعود عليها لا يمكن أن يرجع إلى كتاب إلا بمعالجة ومجاهدة جديدة لنفسه، مما يعين طالب العلم على التحصيل بالمعاناة التي ذكرناها أن يجمع العلم، وأحياناً قد يحتاج إلى تفريق، وأحياناً يحتاج إلى شرح، إذا كان الكتاب متن، وأحياناً يحتاج إلى اختصار، قد

يتعلم بالاختصار، وقد يتعلم بالشرح، وقد يتعلم بالتعليق والحواشي، المقصود أن العلم لا بد له من معاناة، فإذا كان معك كتاب مختصر تريد دراسته فراجع عليه الكتب المطولة، واقرأ عليه الشروح والحواشي واسأل عما يشكل عليك وبهذا يثبت، إذا كان الكتاب مطول خذ قلم وخطط عليه واختصر منه، واحذف ما لا تريد مما هو مجرد استطراد وافهم ما بقي وصغه بأسلوبك وتفهم العلم، الطريقة لفهم السنة لفهمها مع حفظها في آن واحد، أن يعمد طالب العلم إلى كتاب يكون محور البحث ومحور العمل، وليكن البخاري مثلاً، يقرأ الحديث الأول وينظر في إسناده ومتنه وترجمته ويربط بينهما، وينظر في الآثار التي ذكرها البخاري حول هذا الحديث، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الموضع الثاني لهذا الحديث، ويقارن بينه وبين الموضع الأول في إسناده، في متنه، في ترجمته، ثم الموضع الثالث والرابع والخامس والسادس السابع .. إلى آخره، ثم ينتهي من الحديث الأول بجميع أطرافه ثم يقارن به في صحيح مسلم، ثم في سنن أبي داود، ثم الترمذي .. إلى آخره، إذا انتهى من صحيح البخاري على هذه الطريقة يكون أحاط بالسنة من خلال الكتب الستة برجالها ومتونها، بأسانيدها، ويحصل له خير كثير، صحيح يحتاج إلى وقت، والعلم يحتاج إلى معاناة يحتاج إلى وقت، فأهل العلم أحياناً يختصرون، وأحياناً يشرحون، يأتي شخص لكتاب كبير يختصر، ثم يأتي أخر ليشرح هذا المختصر، قد يقول قائل: لماذا يختصر إذا كان يحتاج إلى شرح؟ يحتاج، العلم يحتاج إلى معاناة، يحتاج إلى تقليب من يمين إلى يسار من أجل أن يثبت، أما أن نعتمد على أمور ميسرة لا شك أنها نعم لكن لا بد أن تستغل على الوجه المطلوب، ولا يعتمد عليها، علم الصحابة كان محفوظ، ثم بلغوه وأدوا أمانة التبليغ إلى التابعين، ثم في عصر أتباع التابعين بدأ التدوين، في أخر عصر التابعين، وفي عصر أوائل أتباعهم بدأ التدوين الرسمي للسنة بأمر عمر بن عبد العزيز لابن شهاب الزهري، لما خشي من ضياع السنن أمره أن يدون فدون، وتتابع الناس على ذلك إلى أن جاء العصر الذي حفظت فيه السنة بتدوينها، المرفوع منها والموقوف، الأخبار والآثار في المصنفات القديمة التي ألفت في القرن الثاني، ومن أشهر هذه

المصنفات التي ألفت في هذا القرن موطأ الإمام مالك، موطأ الإمام مالك هذا من أعظم المصنفات القديمة، والتي هي عمدة وأصل من الأصول التي أعتمد عليها أصحاب الكتب الشهيرة، حتى قال الدهلوي في (بستان المحدثين): إن أصل الأصول كتاب مالك، وما عداه من الكتب الستة كلها مستخرجات عليه، لكن هذا الكلام فيه مبالغة، كتاب مالك كتاب عظيم، وأفاد من جاء بعده منه فائدة كبرى، لكن لا يعني أنه لا يوجد في غيره ما لا يوجد فيه، بل هو كتاب إذا نسبناه إلى البخاري مثلاً وجدنا أنه شيء يسير، فضلاً عن الكتب الستة مجتمعة أو مسند أحمد، على كل حال كتاب الإمام مالك صار أصل لهذه الكتب تلقته الأمة بالقبول، وخدموه، وعنوا به، وكثرت شروحه. ثم بعد ذلك جاء الإمام الشافعي فصنف كتباً في السنة وعلومها، كالمسند والسنن له أيضاً، ثم تتابع الأئمة على ذلك، فجاء الإمام أحمد -نقتصر على المشاهير؛ لأن العلماء لا يمكن الإحاطة بهم- ثم جاء بعده الإمام أحمد فنصف كتابه: الجامع المسند، الجامع ليس اسماً له لكن وصفه، جامع لأكثر السنة الموجودة المتداولة في الكتب، بحيث بلغ عدة أحاديثه: ثلاثين ألفاً، كانوا يقولون: أربعين ألف، لكنها عند التحرير هي ثلاثون ألفاً، ثم بعد ذلك تلاه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري فصنف كتابه: الجامع الصحيح، ثم بعده مسلم بن الحجاج، وألف صحيحه، ثم تلاهم بعد ذلك الأئمة الثلاثة: أبو داود والترمذي وابن ماجه، ثم ختموا بالنسائي -رحم الله الجميع-.

ومن خلال استعراض أسماء الكتب نجد الكتب في السنة أقسام وأصناف، فمنها الصحاح، ومنها المسانيد، ومنها السنن، ومنها الجوامع، ومنها المصنفات، ومنها الموطئآت، ومنها المعاجم، ومنها المستخرجات، ومنها الأجزاء والفوائد والمشيخات، أصناف وأنواع كثيرة، وكتابنا أعني كتاب الترمذي كتاب جامع، نظير البخاري ومسلم؛ لأنه يجمع جل أبواب الدين، بينما السنن لا تجمع إلا بعض أبواب الدين، المسانيد تجمع الأحاديث لكنها لا تصنفها على الأبواب وإنما تصنفها على أسماء الصحابة، قبل هذا الكتب الموطئآت والمصنفات هي نوع من أنواع السنن مرتبة على الأبواب وتشبه إلى حد كبير السنن، لكنها لا تقتصر على المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كما هو صنيع أصحاب السنن، يعني تجمع الآثار وهي كثيرة جداً بالنسبة إلى الأحاديث، بينما السنن إذا وجدت الآثار فهي قليلة، الآثار الموقوفة، تنوعت هذه الكتب، ومنها ما اشترطت الصحة فيه، اشترط المؤلف فيه الصحة كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم هذه اشترط فيها الصحة، لكن منهم من وفى بشرطه، ومنهم من قصر عن شرطه، ولذا صار كتابه مثل غيره لا بد من النظر فيه في أسانيده ومتونه، بينما البخاري ومسلم لا نحتاج إلى أن نبحث فيهما، كتابان عظيمان صحيحان تلقتهما الأمة بالقبول، بل قرر بعضهم أنه لو حلف شخص بالطلاق أن جميع ما في البخاري ومسلم صحيح لما حنث، بعد هذه الكتب أعني صحيح البخاري وصحيح مسلم تأتي الكتب الصحاح التي أشترط مؤلفها الصحة لكنهم ما وفوا، قصورا في شرطهم عن شرط الصحيح، وفي تطبيقه أيضاً، في تطبيق ما اشترطوه قصروا، كابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وخذ زيادات الصحيح إذا تنص ... صحته أو من مصنف يخص بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... وابن خزيمة وكالمستدركِ على تساهل. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .

هؤلاء تساهلوا في اشتراط الصحيح، في شروط الصحيح، وتساهلوا أيضاً في التطبيق، دون هذا الكتب السنن، وهي مظان الحديث الصحيح، كالصحاح المذكورة ففيها الصحيح كثير، وهي أيضاً من مظان الحسن، وفيها من الحسن الشيء الكثير، وفيها أحاديث ضعيفة، وفي كتابنا -كتاب الترمذي- هذا شيء كثير مما حكم أهل العلم بضعفه، والترمذي على وجه الخصوص من بين أصحاب السنن رمي بالتساهل، ما رمي ابن ماجه بالتساهل مثل ما رمي الترمذي، لماذا؟ لأن ابن ماجه لا ينص على درجة الحديث، ما يقول: هذا حديث صحيح وفيه ما فيه، ابن ماجه في الضعيف أكثر من الترمذي، لكن يبقى أنه ما يصحح، الترمذي ينص على الصحة مع أن الخبر فيه ضعف، ولذا رمي بالتساهل، خرج لكثير بن عبد الله وصحح له، وعامة أهل العلم على تضعيفه، وصحح أحاديث فيها انقطاع، وفي رواتها من رمي بشيء من التضعيف، فهو من هذه الحيثية متساهل، ونص على تساهله الحافظ الذهبي وغيره، وبعض أهل العلم دافع عنه، واشترط شروطاً طبقها في كتابه وهذا منهجه وهذا اصطلاحه ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن ما معنى رمي الترمذي بالتساهل؟ رمي الترمذي بالتساهل لأنه حكم على أحاديث بالصحة وهي لا تصل إلى درجة الصحيح وهذا التساهل، مثل ما رمي ابن حبان والحاكم وابن خزيمة، ولا يعني هذا قدح في الإمام كلا، الترمذي إمام من أئمة المسلمين، ولا يطعن فيه إلا من في قلبه شيء، إمام متفق على إمامته وجلالته، وأما ما يذكر وينقل عن ابن حزم أنه جهله وقال: من محمد بن عيسى بن سورة أنه جهله؟ فهذا قدح في ابن حزم لا في الترمذي، هذا قصور أو تقصير من ابن حزم، وهذا لا يضير الإمام الترمذي، فهو إمام متفق على إمامته وجلالته، ولا يعني أنه إذا اشترط شرطاً وطبقه في كتابه أنه يطعن فيه، أبداً، بل المسألة مسألة علم والعلم دين، العلم دين، يعني لو وقع الخطأ ينبه عليه ممن قاله كائناً من كان، لكن إذا كان الشخص خطأه يسير بالنسبة إلى ما عنده من صواب، وعرف منه نصر الدين، فمثل هذا يعتذر عنه، وأما إذا عرف عنه بخلاف ذلك فيبين خطأه ولا ينال من شخصه ولا من عرضه، اللهم إلا بقدر ما يحفظ الدين من شره وضرره.

وشيخ الإسلام لما يتحدث عن البدع يشدد في شأنها وفي أمرها ويفندها بقوة، لكن إذا سئل عن الأشخاص أعطاهم حقهم، ووفاهم ما يستحقونه، وأشاد بهم، وأثنى عليهم بقدر ما عندهم من حق، ثم بعد ذلك عقب على ما عندهم من ضعف، إذا خشي من ضرر شخص بعينه أن يتعدى ضرره، وأن يغتر به صغار الطلاب مثل هذا قد يقتصر على التنبيه على الخطأ فقط، وتجريد الأخطاء من الكتب مثل هذا .. ، تجريد الأخطاء تأتي إلى كتاب فتقول: أخطأ فلان، إلى فتح الباري فتقول: أخطأ ابن حجر تطلع لي مجلد ينفر طلاب العلم من هذا الكتاب هذا أمر غير محمود، ولم يفعله السلف، السلف ينبهون عن الأخطاء في مواضعها، لا سميا إذا خشي تعديها إلى طلاب العلم، وإلا التنفير من كتب العلم بهذه الطريقة هذا أمر غير محمود، وإلا فماذا يبقى لنا إذا نفرنا الطلاب من فتح الباري أو من شرح النووي أو من تفسير القرطبي أو من التفاسير المعتمدة عن أهل العلم؟ نعم ينبه على الخطأ في موضعه، لكن مع ذلك لا يجرد الخطأ بحيث يبرز ويوضح ويظهر مثل من استخرج ضعيف كتاب التوحيد مثلاً، ضعيف كتاب التوحيد هذا ينفر طلاب العلم من كتاب التوحيد، كتاب نفع الله به، ومع ذلك يستخرج ضعيفه هذا ليس بلائق، لكن لا يمنع أن يخرج الكتاب، ويذكر تحت كل حديث ما يليق به على أن الإمام المجدد -رحمه الله- لا يعتمد على الأحاديث الضعيفة، وإنما يعتمد على ما صدر به الباب من آية وحديث صحيح، أقول: هذه ليست طريقة لبيان الحق ونصر الحق، بقدر ما هي طريق لتنفير الناس من العلم وكتب أهل العلم، نعم إذا كثر الضرر من كتاب وصارت الأمة لا تفقد شيء بفقده وأبرزت أخطاؤه لا مانع، يعني يخشى على طلاب العلم من الضرر والتضرر بتفسير الزمخشري مثلاً، أو تفسير الرازي مثل هذا لا مانع أن ينبه على أن فيهما ضرر كبير، فضلاً عما هو أشد منهما ضرراً، كالفتوحات والفصوص وغيرها لأبن عربي، أما ما كان نفعه أكثر وأخطاؤه مغمورة بالنسبة إليه مثل هذا يكتفى على التعليق على الكتاب في مواضعه ويبين الحق.

الترمذي رماه أهل العلم بالتساهل كالحافظ الذهبي، وهذا لا يضيره أبداً؛ لأننا بين أمرين: إما أن يكون القارئ مبتدئ حكمه حكم العامي، والعامي حكمه التقليد عند أهل العلم، فمثل هذا لا بد أن يسأل عن هذا الحديث هل ثبت أم لم يثبت؟ وهل يعمل به أو لا يعمل به؟ هذا لا بد أن يسأل، وأما المتأهل فلا بد أن ينظر في الأسانيد والمتون، فإذا صحح الترمذي ووجد استدراك على تصحيحه لا مانع من أن يبين هذا الاستدراك لاسيما إذا عورض تصحيحه بتضعيف أحد الأئمة، فمن لديه أهلية النظر مثل هذا ينظر، أما المبتدئ الذي ليست لديه الأهلية هذا حكمه حكم العامي يقتدي بأهل العلم، فيقارن بين تصحيح الترمذي وحكم غيره من الأئمة، فإذا وافقه غيره أخذه وعمل به وإلا توقف. الترمذي: منسوب إلى ترمذ، المشهور على ألسنة الناس حتى المتقدمين منهم كسر التاء والميم، ومنهم من يفتح التاء ويكسر الميم تَرمِذ، ومنهم من يضمهما، وترمذ هذه بلدة في المشرق فيما وراء النهر، وبقربها قُريّة يقال لها: (بوغ) ينسب إليها الترمذي أيضاً فيقال: البوغي وهو أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، مترجم في كتب التراجم وكتب الأعلام تراجمه، أفاض أرباب التراجم في ذكرها، ومدحوه بما هو أهله من العلم والعمل، من الحفظ والضبط والإتقان، ووصف -رحمه الله تعالى- بقوة الحافظة، وكان يحفظ لأول مرة، وكتابه شاهد على ذلك، كتابه شاهد على ذلك، يدل على نبوغ، حتى قال بعضهم: إنه أنفع للمتعلم من الصحيحين، أنفع للمتعلم من الصحيحين، لماذا؟ لأن فيه جميع أنواع علوم الحديث، جميع ما يحتاجه طالب العلم من علوم الحديث ليتمرن عليها، ويتخرج منها موجودة في هذا الكتاب، ففيه المتون، وفيه الأسانيد، وفيه التفريق بين الأحاديث في أحكامها، وفيه التنبيه على علل، وفيه التنبيه على العمل وعدمه عند أهل العلم، وذكر المذاهب، والاختلاف على الرواة، فيه كل ما يحتاجه طالب العلم، بينما الكتب الأخرى كثير من هذا الأبواب لا توجد فيها، لا توجد فيها، فعلى طالب العلم أن يعنى به، وهذا هو سبب اختيار هذا الكتاب لهذه الدورة وما يليها من دورات -إن شاء الله تعالى-.

أبو عيسى ولد سنة تسع ومائتين، يعني بعد وفاة الإمام الشافعي بخمس سنوات، سنة تسع ومائيتين، ومات سنة تسع وسبعين ومائتين، عن سبعين عاماً، كتابه أحد الأصول الخمسة المتفق عليها بين علماء الإسلام، وقد يسميها بعضهم الصحاح الخمسة، وأطلق على كتابه الجامع الصحيح، لكن هذه التسمية فيها تجوز؛ لأنه إذا صح أن نسمي البخاري الجامع الصحيح ومسلم الجامع الصحيح بدون تردد فهل نسمي كتاب الترمذي الجامع الصحيح نظير البخاري ومسلم؟ من أهل العلم من قال .. ، من وصف جامع الترمذي بأنه صحيح، لكن هذا فيه تساهل، فيه سعة في الخطو، الترمذي خرج لضعفاء، خرج لمتهمين، لكن لا يعني أنه لا يستفاد منه، يستفاد منه، ويحكم على كل حديث بما يليق به، لكن يقال مثل هذا الكلام في مقابل من تجاوز ووصف الكتاب بأنه الجامع الصحيح، كما وصف سنن أبي داود بالصحيح، ووصف سنن النسائي بالصحيح، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: ومن عليها أطلق الصحيحا ... فقد أتى تساهلاً صريحا لأن فيها أحاديث حسنة كثيرة لا تبلغ درجة الصحة، وفيها الضعيف وهو كثير أيضاً. ومن عليها أطلق الصحيحا ... فقد أتى تساهلاً صريحا هذا الكتاب ثبتت نسبته إلى مؤلفه بالأسانيد المتصلة الموجودة إلى الآن، وما زال يروي بالأسانيد إلى مؤلفه إلى عصرنا هذا، وعني به العلماء عناية فائقة، وشرح بشروح لا تكاد تحصى، وحظهم من الشروح أكثر من حظ السنن الأخرى، شرح بشروح عظيمة، ممن شرحه ابن سيد الناس أبو الفتح اليعمري في كتابه: (النفح الشذي) وهذا الكتاب طبع منه مجلدان، توقف عن طبعه، وما زال العمل جارٍ عليه، ولكن ابن سيد الناس لم يكمل الكتاب فأكمله الحافظ العراقي -رحمه الله-، وأكمل التكملة ابن الحافظ العراقي الولي أبو زرعة، فجاء كتاباً حافلاً عظيماً، ممن شرحه أيضاً الحافظ ابن رجب -رحمة الله عليه-، لكن شرحه مفقود، أما شرح ابن سيد الناس تكملة العراقي موجودة، ومحققة وجاهزة للطبع، لكن شرح ابن رجب مفقود، ما وجد منه إلا قطع يسيرة جداً، منها ما طبع في شرح العلل، وأما الباقي ملزمة أو أقل من ذلك.

ممن شرحه أبو بكر بن العربي في كتاب أسماه: (عارضة الأحوذي) والكتاب مطبوع في ثلاثة عشر جزء مطبوع قديماً من سبعين سنة أو أكثر من سبعين سنة، لكنها طبعة سقيمة لا يعول عليها، فيها التصحيف والتحريف والتقديم والتأخير الشيء الكثير، بحيث صار وجودها مثل عدمها، لا يستفيد منها أحد، بل فيها بعض الجمل بغير العربية، فهذا الكتاب نسخ بهذه الطبعة، فيه فوائد وتنابيه وطرائف ونكات، ومع ذلك طبع بهذه الطريقة التي لو كان مخطوطاً لكان أولى، ليعنى الناس بالبحث عنه، والسعي في طبعه، لكنه طبعة جميلة وفاخرة من حيث الإخراج يبقى أنها من حيث العناية والتصحيح في غاية الرداءة، وأثناء طبع الكتاب استعاروا من الشيخ أحمد شاكر نسخته من الترمذي ليصححوا عليها فلما أنهوا طبع المجد الأول عرضوه على الشيخ فبادر بسحب نسخته، سحب نسخته يقول: لئلا أكون طرفاً وسبب في تحريف الكتاب؛ لأنهم جاءوا إلى تعليقات الشيخ بقلمه الجديد الطري فأدخلوها في الكتاب في الترمذي، تخريجات الشيخ أحمد شاكر للأحاديث دخلوها ضمن كلام الترمذي، أحياناً يقولون: رواه أحمد وأبو داود هل يمكن أن يقول الترمذي مثل هذا الكلام؟ أحياناً اختلاف على راوي ذكر فيه كذا وكذا ينبه الشيخ أحمد شاكر يعلق على كتابه فيدخلونها في الكتاب، فخرج الكتاب ممسوخاً لا يستفاد منه، إلا في بعض الفوائد المستقلة؛ لأنه يرتب الفوائد: الأولى الثانية الثالثة، يستفاد منها أحياناً مع حاجة إلى دقة في النباهة والخبرة والدربة على تصحيح الجمل عند أهل العلم، هذا الكتاب فيه فوائد لا سيما ما يتعلق بالاستنباط، وهو أيضاً على مذهب الخلف في تأويل الصفات، هناك شروح أخرى لكثير من علماء الهند، لهم حواشي، ولم تعليقات على الكتاب، ومن أحسنها وأجمعها (تحفة الأحوذي) للمبارك فوري، هذا شرح طيب ومناسب، وفيه نقول نافعة وماتعة، وفيه تخريج للأحاديث، وفيه أيضاً لبيان مواضع الأحاديث التي ينبه عليها الترمذي، في أخر كل باب يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، يخرجها صاحب التحفة، وقد يعجز عن التخريج فيقول: حديث فلان ينظر من أخرجه، وللحافظ العراقي كتاب اسمه: (فتح الباب في تخريج أحاديث ما قال فيه الترمذي: وفي الباب) في

تخريج ما قال فيه الترمذي وفي الباب، وللحافظ ابن حجر تخريجات أيضاً على هذا النوع، وما زال الكتاب محل عناية من أهل العلم، ودرس بدراسات كثيرة مستفيضة منها ما هو في مجلد، ومنها ما هو في مجلدين، ومنها ما هو في ثلاثة، المقصود أن الكتاب في جملته محط عناية في نظر كثير من الباحثين، وما زال الكتاب بحاجة إلى خدمة، وكتاب الترمذي على وجه الخصوص يوصي أهل العلم من قديم بالعناية بجمع نسخه الموثقة المقروءة على الأئمة المتصل إسنادها بالأئمة إلى مؤلفيها، وذلكم لاختلاف أحكامه، أحكامه مختلفة على الأحاديث لاختلاف النسخ، ولذلك تجدون حتى عند النووي ومن قبل النووي يقول: قال الترمذي: حسن صحيح، وفي نسخة صحيح فقط، وفي حديث يقال: قال الترمذي: حسن صحيح، وفي نسخة حسن، هذا تباين في الأحكام على الأحاديث، لكن مثل العناية بمثل هذا الأمر إنما نحتاج إليه إذا أردنا أن نقلد الترمذي، لكن إذا أردنا أن ننظر في أسانيده ومتونه ونحكم على كل حديث بما يليق به يسهل الأمر، ابن الصلاح يقول: ينبغي أن تجمع أصول، لا يكفي أصل واحد من كتاب الترمذي وتقابل وتأخذ بما اتفقت عليه هذه النسخ وكلام ابن الصلاح فرع عن كلامه في قفل باب الاجتهاد في التصحيح والتضعيف؛ لأنه لا يرى التصحيح والتضعيف بالنسبة للمتأخرين، فيعتمد قول الترمذي، لكن متى نعتمد قول الترمذي وأقواله مختلة من نسخة إلى نسخة؟ إلا إذا جمعنا أصول يمكن الاعتماد عليها وأخذنا ما تتفق عليه هذه الأصول، فالتحفة للمبارك فوري لا بأس بها، ترجم للرواة وأكثر التراجم مأخوذة من التقريب، وقد يستفيد من التهذيب هذا عمل جيد في الجملة، لكن أيضاً التقليد في الأحكام على الرواة من خلال التقريب أو غيره من المتأخرين الكاشف أو الخلاصة محل نظر أيضاً كفرع عن الأحكام على الأحاديث، فطالب العلم المتأهل لا يقتصر على التقريب، بل ينظر في أقوال الأئمة ويرجح من خلال قواعد التعارض والترجيح بين الأقوال في الجرح والتعديل بين أقوال الأئمة، ثم بعد ذلك يخرج بالرأي الذي يرتضيه، أما صاحب التحفة فمعوله على التقريب، وهو أيضاً التقريب هذا معول لكثير من العلماء المتأخرين، وقد يقول قائل: إن العمر لا يسعف ولا يستوعب أن

ننظر في كل راوٍ من الرواة بجميع ما قال فيه أهل العلم ونخرج بالقول الراجح من هذه الأقوال، ثم بعد ذلك إذا نظرنا في كل حديث خمسة ستة سبعة رواة نحتاج إلى وقت، ثم بعد ذلك متى ننتهي من الحديث؟ ثم بطرقه وشواهده نحتاج إلى أن نرقيه يحتاج إلى عمر، وهذا في حديث واحد وبعده الحديث الثاني إلى نهاية الكتاب نحتاج إلى وقت طويل، فيكتفى بالتقليد لكن يبقى أن المسألة أن النظر يكون قاصر إذا قلدنا، مثل ابن حجر وأقواله أحياناً تختلف، ابن حجر من كتاب إلى كتاب قد يختلف، قد يحكم على راوي في التقريب بأنه صدوق، وفي التخليص صدوق يهم مثلاً، وأحياناً في فتح الباري يقول ثقة، فهذا يجعل طالب العلم لا سيما المتأهل ألا يعتمد على أقوال الرجال لا سميا المتأخرين ينظر في أقوال الأئمة ويخرج بالقول الراجح منها إذا كان متأهلاً، أما غير متأهل فليس له إلا التقليد، أو كان مثلاً مشغول ما في وقت لينظر في جميع ما قيل في جميع الرواة مثل هذا يقلد، كثيراً ما يستعين الكبار بالتقريب، وحينما نقول مثل هذا الكلام ليس معناه أننا نقلل من شأن التقريب لا، معول الشيخ الألباني والشيخ ابن باز فمن دونهما على التقريب، لكن لا يعني أنهم يوافقون التقريب في كل شيء، لا، قد يخالفونه، نقول: طالب العلم المتأهل لا ينبغي له أن يقلد، لا في أحكامه على الرواة، ولا في أحكامه على الأحاديث، عليه أن ينظر ويوازن ويخرج بالقول الراجح الذي يدين الله تعالى به، لكن شريطة أن يتأهل.

معول صاحب التحفة في التراجم على التقريب، ثم بعد ذلك يشرح الحديث من خلال الشروح لكتاب الترمذي ولغيره، فإذا كان الترمذي تفرد برواية الحديث اقتصر على شروح الترمذي مع كتب الغريب، وقد يستفيد من كتب اللغة، والغريب ومعرفة الغريب من أهم ما يبحث في علوم الحديث، وطالب العلم عليه أن يعنى به من خلال كتبه وأصحابه وأهل العناية به، ولا يجوز له أن يفسر الحديث برأيه، أو يشرح الحديث بما يظهر له، حتى يرجع إلى أقوال أهل العلم في معنى الحديث، قد يقول قائل: نسمع شيوخنا مثلاً يُسألون عن حديث ويجيبون من غير إحالة إلى مرجع، وقد يستروحون ويميلون إلى قول أو إلى رأي يستنبطونه بأنفسهم، نقول: مثل هذا إذا تكونت لديه الملكة والخبرة والدربة في معرفة معاني الأحاديث النبوية لا بأس، أما أن يأتي طالب لا علم له ولا خبرة له بأقوال أهل العلم في شروح الأحاديث في نظائره من الأحاديث مثل هذا توقاه أهل العلم، وتثبتوا فيه، والإمام أحمد يقول: إن هذا العلم -علم غريب الحديث- حري بالتوقي، جدير بالتحري، ويسأل عن حديث فيقول: أنا لا أفسر كلام الله، سألوا أهل الغريب، والإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، ويقول هذا الكلام، والأصمعي يحفظ عشرين أو ما يقرب من عشرين ألف قصيدة، في بعضها ما يشتمل على مائتي بيت، ويُسأل عن السقب فيقول: أنا لا أفسر كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكن العرب تزعم أن السقب "اللزيق" طالب علم يقول: أنا عندي كتب اللغة والرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي إذا أشكل علي كلمة أذهب إلى القاموس ولسان العرب، أو كتب الغريب فأستفيد منها وأفسر، نقول: لا يا أخي لا يمكن أن تفسر حتى تجمع بين معرفتك باللغة وتضيف إليها معرفتك بالسنة؛ لأن هذه اللفظة معناها كذا هل يناسب السياق الذي من أجله سيق الخبر؟ وهناك بعض الألفاظ التي جاءت على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يكون لها أكثر من حقيقة شرعية، ترد كلمة المفلس مثلاً في كلامه -عليه الصلاة والسلام- فترجع إلى كتب اللغة وكتب الغريب فيفسرون لك المفلس، لكن هل اللفظ مناسب لهذا السياق، فضلاً عن كلمات لها عشر معاني مثلاً أو أكثر في كتب اللغة، فيقول أهل العلم: لا يكفي معرفة اللغة

لتفسير الحديث وشرح الحديث، قد يقول قائل: وجدنا أحاديث ما شرحت، ويسأل عنها العالم ويجيب عنها، نقول نعم: هذا العالم من خلال كثرة مراجعته ومداومة النظر في الشروح تكونت لدية ملكة وأهلية يستطيع أن يفسر بها كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما قيل نظيره في تفسير القرآن، وإلا فالأصل أن الباب مقفل، لا في تفسير كلام الله -جل وعلا-، وقد جاء التحذير من التفسير بالرأي، ومثله تفسير كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا بد من توقيف في المسألة.

يشرح المبارك فوري من الشروح إما من شروح الترمذي أو من شروح غيره إذا كان الحديث مخرج عند غير الترمذي كالبخاري مثلاً، قد يضعف شرحه في بعض المواضع في الأحاديث التي لم تشرح من قبل، ولذا يصعب على كثير من طلاب العلم أن يتصدوا لتدريس أو إقراء كتاب ما له شروح، فالعناية بالكتب المشروحة التي تداولها أهل العلم أولى، ومع ذلك على طلاب العلم أن يهتموا بالشروح ويقرؤوها ويعرفوا ما فيها، الإشكال أن الشروح مع ما شغل به الناس الآن تحتاج إلى أعمار تحتاج إلى وقت، يعني متى يتسنى لطالب علم أن يقرأ فتح الباري مثلاً أو عمدة القاري أو إرشاد الساري أو شروح مسلم أو شروح الترمذي أو شروح أبي داود؟ تحتاج إلى أعمار، لكنه إذا عود نفسه، ومرن نفسه على القراءة القراءة لا تكلف شيء، ولا تحتاج إلى جهد ولا .. ، إنما تحتاج إلى قلم يكتب على كل مسألة ما يناسبها، وشرحنا مراراً كيفية مراجعة الشروح والقراءة فيها، وقلنا: إن بعض العلم أتخذ ألوان أخضر وأحمر وأزرق وأسود، ويضع أمام كل فائدة ما يناسبها، فيجعل الأحمر لما يراد حفظه مثلاً، والأخضر لما يراد فهمه، الأزرق لما يحتاج إلى نقله في موضع من المواضع، الأسود لما يحتاج إلى كذا، المقصود أنه إذا أنهى الكتاب رجع إليه، فما يحتاج إلى حفظ يكرره حتى يحفظ، يحتاج إلى حفظ مثل هذا، ما يحتاج إلى فهم يرجع إليه مرة ثانية ويتأمله ويراجع عليه الشروح والكتب الأخرى والمراجع، ويسأل عنه أهل العلم وهكذا، وبهذا يتكون ملكة يستطيع أن يشرح بها أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- دون أن يرجع إلى شروح فيما بعد، أما الشرح الإنشائي، ومثل الكلام الذي لا أول له ولا آخر مثل هذا الذي يعطى بيان ولسان ما يعوزه أن يشرح، لكن الكلام في الشرح الذي ينفع، ويصيب المحز، ويصيب الهدف المطلوب، أما كلام إنشائي يريد النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا وكذا، صحابي جليل حضر الغزوات وبعدين؟ ما ينفع هذا، هذا إنشاء لو طالب ابتدائي قال هذا الكلام ما أعطيناه درجة، ويوجد من يتصدى للشروع لشرح السنة من يجي من يصف من هذا الكلام الإنشائي بما لا يفيد، فعلينا أن نعنى بالدقة من أول الأمر والتحري والتحرير في المتون والأسانيد، ولا نتكلم

إلا بشيء نحن على ثقة منه، إذا انتهى من شرح الحديث قال الترمذي: قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، يقول: وأخرجه فلان وفلان وفلان صاحب التحفة يخرج الأحاديث إذا انتهى منها، ثم إذا قال الترمذي: وهو في الباب عن فلان وفلان وفلان، والقصد من إيراد هذه الأسماء، إيجاد شواهد للحديث تدعمه وترقيه؛ لأنه قد يصحح الحديث فيستغرب الناظر كيف قال الترمذي: حسن صحيح وفيه انقطاع؟ صححه بالنظر لشواهده التي أشار إليها، بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان، فهو صحح بالمجموع، ما يذكره في قوله: وفي الباب عن فلان وفلان لا يلزم أن تكون بلفظ الحديث المذكور، ولا يلزم أن يكون بمعناه أيضاً، وإنما يكون قوله: في الباب يعني مما يصلح أن يدون ويذكر في الباب، إما موافق للحديث وهذا هو الكثير والغالب، وقد يذكر وفي الباب مما يشير إليه مما فيه شيء من المعارضة لتطّلع على هذا الحديث، تبحث عن هذا الحديث وتطلع عليه، وتنظر هل يوافق أو يخالف؟ هل يدعم الحديث أو يخالفه؟ المقصود أن الترمذي له مقاصد ومغازي في هذه الإشارات لا توجد عند غيره، وهذه من مزايا الكتاب، والمبارك فوري أشار إلى شيء منها، وخرج بعضها، بل خرج كثير منها، حديث أبي هريرة أخرجه البخاري، حديث أبي سعيد خرجه النسائي وهكذا، وحديث ابن عمر ينظر من أخرجه، ما يلزم أن يطلع على كل شيء، ما يلزم أن يحيط بكل علم، كم ترك الأول للآخر، كم ترك الأول للآخر، كم ترك الأول لمن يستدرك بعده، وهذا من نعم الله -جل وعلا- أن العلم ما زال فيه فرصة، ما زال فيه فرصة ومحل الاجتهاد لتعظم الأجور؛ ولتبنى الشخصيات العلمية على هذه الطريقة، وإلا لو كان العلماء الأوائل أحاطوا بكل شيء وما تركوا لنا شيء، معناه ما لنا قيمة، ما للمتأخر قيمة، لكن ترك له فرصة ليُجد ويجتهد ويبحث ويستخرج ويستنبط ((ورب مبلغ أوعى من سامع)) ليثبت له من الأجر نظير ما ثبت للمتقدمين، لكن شريطة أن يعطي من نفسه، ويبذل لخدمة هذا العلم، لا بد أن يبذل.

فكتاب التحفة يحتاجه طالب العلم، وأما العارضة فقراءتها على هيئتها المطبوعة الآن الفائدة منها قليلة جداً، إلا إنسان له خبرة ومعاناة لأساليب المتقدمين وطرائقهم يمكن أن يمشي معه بعض الفوائد، أما الكتاب بكامله ما يمشي، ومع طالب علم عادي ما يستفيد منه، والكتاب الأصل الذي هو الترمذي لا ينبغي أن يعول عليه في هذه الطبعة؛ لأنها طبعة محرفة ومصحفة، وأدخلوا فيها ما ليس منها.

الكتاب -أعني جامع الترمذي- طبع مراراً، طبع في بولاق الطبعة الأولى سنة ألف ومائتين واثنين وتسعين في مجلدين صغيرين، وهذه من أنفس الطبعات وأدقها وأتقنها، طبع في الهند مراراً، طبعوه الهنود وعلقوا عليه طبعات طيبة، لكن الإشكال أن الطباعات الهندية لا سيما القديمة منها أنها بخط فارسي، نعم الكلام عربي هو يقرأ عربي لكن نوع الخط فارسي، لا يستطيع كثير من صغار طلاب العلم أن يمشوا معه، يشكل معهم بعض الحروف في رسمها الفارسي، وإلا في طبعات وحواشي كثيرة في الطبعات الهندية، والشيخ أحمد شاكر رأى أن الكتاب بحاجة ماسة إلى العناية، ويوجد من طبعة بولاق نسخة للشيخ أحمد الرفاعي المالكي، اعتنى بها وقرأها وأقرأها في الأزهر، وعلق عليها، وصحح في مواضع، وضبط بالشكل بحيث صارت نسخته فريدة، فالشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- اعتنى بهذه النسخة، مع أنه قرأ الكتاب على والده الشيخ: محمد شاكر وضبط منه ما ضبط، وفاته بعض الأشياء، لكن مع طبعة الرفاعي مع نسخة الشيخ الرفاعي تكامل الكتاب، ورأى أنه بحاجة ماسة إلى النشر من جديد؛ لأن الحرف القديم حرف بولاق يعني على أن الترمذي على وجه الخصوص ومسلم حرف جميل، لكن طبعات بولاق بالجملة حرفهم ما يناسب كثير من المتعلمين الآن، الشيخ وقع له مجلد كبير فيه الكتب الستة في مجلد، كل الكتب الستة في مجلد، فيه الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي ستة في مجلد واحد، وهذا المجلد مراجع ومصحح من قبل الشيخ محمد عابد السندي، لما وقعت له هذه النسخة مع وجود نسخ أخرى عنده في مصر من مخطوطات الكتاب ونسخة الشيخ الرفاعي، ونسخته التي قرأها على والده وجدت الأرضية المناسبة لتحقيق الكتاب، فشرع في تحقيقه وطبع منه بتحقيق الشيخ أحمد شاكر طبع مجلدان فيهما ما يقرب من عشر الكتاب أو يزيد قليلاً عن العشر، يعني لو صدر الكتاب كامل يمكن يصير خمسة عشر مجلد بهذه الطريقة، بطريقة الشيخ وتعليقاته، وتنبيهاته على فروق النسخ وتوجيهه لبعض الروايات المتعارضة وتوثيقه وتضعيفه لبعض الرواة كلام جميل جداً، والشيخ مطلع، الشيخ من أهل الإطلاع الواسع، وتجده يأتي بالفائدة المناسبة لهذا الحديث من كتاب لا

يخطر لك على بال، من كتاب من كتب الأدب أو من كتب التواريخ، وهذه ميزة العالم المتفنن أنه يربط بين العلوم، أما العالم المتخصص ما يستطيع أن يصنع مثل هذا، ما في عند الترمذي شروح الترمذي فقط، يعني إن طلع إلى غيره من شروح أهل السنة معقول وسهل عليه، لكن يطلع إلى كتب أخرى، يشرح في حديث وينزع لك بنكتة تاريخية أو أدبية أو شيء من مقروءاته في اللغة، هذا لا يفعله إلا المتفنن، الكتاب طبعة الشيخ أحمد شاكر طبع الجزء الثالث بتحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، لكن أين هذا من هذا؟ محمد فؤاد عبد الباقي بالنسبة للشيخ أحمد شاكر لا شيء، ثم بعد ذلك طبع الرابع والخامس بتحقيق ادعى إبراهيم عطوة عوض، هذا لا شيء تحقيقه مجرد نشر طبع، وليس فيه أدنى مظهر من مظاهر العناية، بل فيه أخطاء كثيرة، هذا الذي جعل طبعة الشيخ: أحمد شاكر لا تنتشر؛ لأنها ناقصة وكملت بتكميل غير مناسب، يعني نظير ما يقال في المجموع للنووي، المجموع أتم النووي تسعة مجلدات في كلام لا نظير له عند أحد في كتب الفقه، وقلنا في مناسبات: إن جامعات الدنيا لو اجتمعت تؤلف مثل المجموع ما استطاعت، ثم بعد ذلك جاء السبكي وكمل ثلاثة أجزاء، لكن أين السبكي من النووي؟ على إمامة السبكي لكن أين هو من النووي؟ ثم جاء المطيعي وغير المطيعي وكمل وصارت المسألة لا شيء، فيبقى أن الأصل أحمد شاكر في المجلدين البقية لا قيمة لها، يعني إن استفيد من فؤاد عبد الباقي أما البقية فلا يستفاد منه، المجموع يستفاد من التسعة على الوجه المطلوب، وأما البقية فأقل، ثم طبع الكتاب بعد ذلك بتحقيق وتعليق وترقيم وفهرسة دقيقة لعزة عبيد الدعاس، في حمص في عشرة أجزاء، وهذا الطبعة مخدومة، وعليها تعليقات، لكن ما يظهر لهذا المعلق أنه له يد في الصناعة الحديثية يد راسخة، ولذلك تجد تعليقاته تعليقات فقهاء على كتاب حديثي، واستفيد من هذه الطبعة؛ لأنها كاملة ومفهرسة ومخدومة ومرقمة، استفيد منها بقدر ما فيها من نفع، ثم طبعه بشار عواد معروف، وهو معروف بالعناية بالتحقيق، عنده يعني خبرة في التحقيق، وجمع نسخ واستفاد من التحفة، وطبعته كاملة، ينقصها من الأحاديث ما لم يجده في التحفة بقدر ستين حديث، لكن هذه

تدرك من طبعات أخرى، المقصود أن طبعة الشيخ بشار هي أفضل الموجودة الآن باعتبار أنها كاملة، وإلا لو كملت طبعة الشيخ أحمد شاكر ما يدانيها شيء، فالمجلدان اللذان طبعهما الشيخ أحمد شاكر ما لهما نظير، النسخة الكاملة لطبعة بشار طيبة يستفاد منها، على أن الشيخ أحمد شاكر عنده سعة في الخطو في توثيق الرجال وتصحيح الأحاديث، يعني أشد تساهل من الترمذي، وأنا مدون في نسختي أكثر من عشرين راوي وثقهم الشيخ أحمد شاكر عامة أئمة النقد على تضعيفهم، جماهير النقاد على تضعيفهم، ومع ذلك يصر الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- إلا أنهم ثقات، هذا ما يمكن أن يقال في هذه المقدمة، وغداً -إن شاء الله- نبدأ بشرح الكتاب، وننظر الآن في الأسئلة. يقول: ما هي أفضل طبعات كتاب الترمذي؟ ذكرناها. قلتم: إن أفضل طريقة لجرد المطولات البخاري ومسلم لكن السؤال هل يمر طالب العلم ويحفظ أم يكتب أم يكفي أن يفهم؟ طالب العلم بالطريقة التي شرحناها، طريقة البحث التي شرحناها وجعل كتاب البخاري محور لهذا البحث لا ينتهي من صحيح البخاري إلا وقد حفظ جميع ما في صحيح البخاري، وقد حفظ زوائد مسلم، وحفظ زوائد الكتب؛ لأنه يحتاج في الطريقة إلى خمس سنوات على الأقل، نعم إن فضل أن يحفظ المتون المجردة من خلال المختصرات في أول الأمر في أقرب فرصة، ثم يعود إلى الطريقة التي شرحناها جيد نافع، أما أن يقتصر على مجرد حفظ المتون من غير نظر في الأسانيد، ومن غير نظر في التراجم التي هي في فقه أهل الحديث، والربط بين الأحاديث وبين ما ترجم به الأئمة هذه لا يمكن أن يستغنى عنها.

أفضل طباعات تحفة الأحوذي الطبعة الأولى، الطبعة الهندية الأولى، هذه إن تيسرت هي مصورة، لكن قد يكون في التعامل معها بالنسبة لطلاب العلم شيء من العسر؛ لأن الطلاب تعودوا على الحرف العربي الواضح هذا، لكن هذه مطبوعة على الحجر يسمونها بكتابة هندية إن استفاد منها طالب العلم فهي الأصل، ثم بعد ذلك طبع في المكتبة طبعته المكتبة السلفية بالمدينة المنورة في عشرة أجزاء، ومقدمة في جزأين بتحقيق شخص يدعى: عبد الرحمن محمد عثمان، وهذا ليس من أهل العناية، ولا من أهل الخبرة، يقرأ الطبعة الهندية الذي يعجز عنه يصوره تصوير، وهكذا فعل الكتب التي طبعها في عون المعبود، في الموضوعات لابن الجوزي، في فتح المغيث للسخاوي، وليس بمحقق، وإن قالوا: إنه محقق، وليس من أهل العناية. يقول: أنا شاب أشعر بضيق شديد وهم وكآبة لا يعلمه إلا الله فكيف العلاج؟ العلاج بالقرآن، العلاج في كتاب الله –عز وجل-، وفي كثرة الذكر {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] قراءة القرآن على الوجه المأمور به كفيلة بالعلاج الناجع لهذا المرض وغيره من الأمراض، لكن علاجه للأمور النفسية واضح وسريع أيضاً، وأثره ظاهر. وهل هناك تعارض بين الدعاء والذهاب إلى الطبيب النفسي؟ لا، لا تعارض؛ لأن كلها أسباب. يقول: هل يجوز قول: الحمد لله عند مصيبة الموت؟ المطلوب الحمد مع الاسترجاع، الحمد مع الاسترجاع. ما حكم الصلاة بثوب فيه نجاسة ناسياً المصلي؟ نعم إذا فرغ من صلاته وصلى بثوب فيه نجاسة فلا يخلو إما أن يكون قد علم هذه النجاسة ثم نسيها أو جهلها أو لا يكون له علم بها حتى انتهت صلاته، أما إذا كان لا علم له بها حتى انتهت صلاته فهذا لا إشكال فيه عند أهل العلم، أما إذا كان قد علم بها ثم نسيها أو جهلها عند الحنابلة يعيد، يعيد الصلاة، والمتوجه والمرجح أنها مثل المسألة الأولى، إذا نسيها وصلى بثوب فيها نجاسة فإن هذا لا يضيره -إن شاء الله تعالى- لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم عند أهل العلم. يقول: هل الذي لديه صعوبة في الحفظ يواصل طلب العلم؟

نعم يواصل طلب العلم، ويسلك الطريق، ويلتمس الطريق، ويسأل الله -جل وعلا-، ويثابر، ويردد، ويكرر، ويحفظ -إن شاء الله تعالى-. ما هو اسم جامع الترمذي؟ على كل حال الترمذي كتابه جامع؛ لأن فيه جُل أبواب الدين، وأما إرداف الجامع بالصحيح فجاء عن بعض أهل العلم كما أشرنا، لكن فيه تساهل، فهو جامع الترمذي، أو سنن الترمذي، يسميه بعضهم: سنن الترمذي. يقول: ما معنى عبارة: كم ترك الأول للآخر؟ كم ترك الأول للآخر، هذه شرح لقوله -عليه الصلاة والسلام- ((رب مبلغ أوعى من سامع)). هذا يقول: ذكرتم أن قيام الليل بكثرة الركعات أفضل من تقليلها مع طول الركوع والسجود؟ فما وجه التفضيل؟

مسألة خلافية بين أهل العلم يختلفون في أيهما أفضل؟ طول القيام الذي هو القنوت {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] مع طول القراءة، وطول السجود الذي هو أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، أو تكثير عدد الركعات؟ من أهل العلم من يرى أن المنظور له الوقت، قيام الليل حدد بالوقت، في سورة المزمل حدد بالقوت، وحينئذٍ لا يختلف أن يصلي في ساعة عشر ركعات أو عشرين ركعة، لا فرق عندهم عند من يحدد بالوقت، وكأن هذا هو الذي يعضده الدليل، أما من أراد الاقتصار على من أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- من الأحد عشرة فلينظر مع الكمية إلى الكيفية، ما ينقر لي إحدى عشرة ركعة كل ركعة بدقيقة ويقول: أنا مقتدي لا، مقتدي اقرأ مثل قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وانظر إلى الكمية والكيفية إذا أردت أن تقتدي مع أن العدد غير مراد، فقد ثبت الزيادة على الإحدى عشرة، ثلاثة عشر في الصحيحين، خمسة عشره في المسند، وفي بعض إشارات ما في الصحيح ما يشير إلى شيء من هذا، المقصود أن صلاة الليل مثنى مثنى، لا حد لها، فإذا خشي الصبح يوتر بواحدة توتر له ما قد صلى، يصلى ركعة توتر له ما قد صلى، وإذا تيسر طول القيام مع طول الركوع والسجود فهذا أولى إذا استوعب الوقت الذي يراد، أما أن يقتصر في الركعات ويقول: أنا أقتصر على العدد المأثور ولا ينظر إلى الكيفية هذا ليس بمقتدي، وإذا كان الشخص لا يطيق طول القيام أو يتضايق من طول السجود وأراد أن يكثر من الركعات فعند بعض أهل العلم أن هذا هو الأفضل، يفعل الأرفق به. يقول: ما المقصود بطريقة التصحيح والتضعيف عند المتقدمين؟ وما الفرق بينها وبين طريقة المتأخرين؟

طريقة المتأخرين عندهم قواعد منضبطة مضطردة لا تتفاوت ولا تتخلف، إذا قبلوا زيادة الثقة قبلوها باطراد، إذا رجحوا الوصل رجحوه باستمرار، إذا رجحوا الرفع .. إلى آخره، لكن المتقدمين ليس لهم شيء عندهم طرائق ثابتة بحيث يحكمون على جميع الأحاديث بحكم واحد، إنما عندهم القرائن، القرائن تؤيد قبول هذه الزيادة يقبلونها، تؤيد عدم القبول ما يقبلونها، القرائن ترجح الإرسال يرجحون الإرسال على الوصل، وقل مثل هذا في الرفع والوقف، ويأتينا شيء من هذا -إن شاء الله تعالى-. يقول: ذكرتم أن الشيخ محمد شاكر وجد مجلد يحوي الكتب الستة وعليها تعليق لبعض العلماء؟ نعم هذا المجلد نسخ في اليمن، في سنة ألف ومائتين وعشرين. . . . . . . . .، وقوبل أيضاً في الوقت نفسه من قبل الشيخ محمد عابد السندي قابله وصححه. يقول: هل قدحكم في بعض الكتب المعاصرة -ما أدري- يسلم أو يسلم من أمر النفاسة بين أهل العلم؟ -ويش النفاسة؟ يعني المنافسة؟ - مثل كتاب ضعيف التوحيد فهو مرجع لطالب العلم قاموسي؟ إذا لم يجد الحديث حصلت له الطمأنينة الكاملة بصحة الحديث وإذا وجده فيه أمعن النظر؟ أقول: لا مانع من أن يخرج الكتاب كامل ويحكم على كل حديث بما يليق به، لا مانع لكن إبراز الأخطاء التي تقلل من أهمية وشأن هذه الكتب، هذا أمر غير محمود لا سيما إذا كان الكتاب مما يعم نفعه مثل كتاب التوحيد. اشتريت قطة أرض على ثلاثة أقساط آجلة، والمبلغ الكامل الكلي موجود لدي؟ فهل علي زكاة هذه المبلغ؟ نعم عليك زكاة، والدين لا يمنع الزكاة. يقول: ما معنى المستخرج؟

المستخرج يعمد حافظ من علماء الحديث الذين يروون الأحاديث بأسانيدهم إلى كتاب معتمد مثل البخاري أو مسلم أو الترمذي عمل عليه مستخرج، يأتي إلى أحاديث هذا الكتاب فيخرج أحاديث هذا الكتاب بأسانيده هو من غير أن يمر بصاحب الكتاب، هذا يسمونه مستخرج، والمستخرجات كثيرة، وقول: لا يستطاع العلم براحة الجسم، هذا قاله: يحيى بن أبي كثير فيما نقله الإمام مسلم بين أحاديث المواقيت، وهو يسوق أحاديث مواقيت الصلاة، ذكر قال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم، والشراح ترددوا في سبب الإيراد، إيراد كلام يحيى بن أبي كثير في أحاديث المواقيت، لكن المرجح أن الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- أعجبه سياق الرواة لهذه المتون، وهذه الأسانيد بهذه الدقة المتناهية فأراد أن يشعر القارئ أن هذا ما جاء من فراغ، ولا جاء نتيجة نوم، ولا استراحات ولا رحلات، ولا نزهات، إنما جاء بالتعب، لماذا؟ لأن العلم لا يستطاع براحة الجسم. كيف يعرف طالب العلم أماكن تخريج الأحاديث في البخاري لكي يجمع بينها؟ سهل عندك الطبعات الجديدة بدءً من الطبعة التي مع فتح الباري التي اعتنى بها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي يذكر أطراف الحديث، ثم جاءت طباعات أخرى فيها الأطراف، ومن أنفع الطباعات التي يعتمد عليها طالب العلم بالنسبة للبخاري الطبعة السلطانية التي صورت أخيراً في أربعة مجلدات كبار، فيها الأطرف يذكر لك مواضع تخريج البخاري هذا الحديث في جميع المواضع، وفيها الإحالة على التحفة، تحفة الأشراف، وفيها من وافق البخاري من الأئمة على تخريج الحديث، وفيها الإحالة على الشروح، برقم الحديث ترجع إلى فتح الباري، في أعلى الصفحة يذكر لك موضع الحديث من عمدة القاري، وموضعه من إرشاد الساري، فهي طبعة نفيسة يستفيد منها طالب العلم. يقول: ما حكم مصافحة العجائز وتقبيل رؤوسهن؟ إذا لم يكن من المحارم فلا يجوز، ما رخص بالنسبة لهؤلاء العجائز التي لا يرجون نكاحاً إلا التساهل في الحجاب، وأن يستعففن خير لهن. البخاري اسمه؟ لماذا ينسب؟ ينسب إلى بخارى بلد في المشرق.

يقول: تحدثت عن من يفرد أخطاء كتاب بعينه وأنه لم يكن منهج السلف، فما تقولون فيمن يفرد أخطاء شيخ بعينه ويذكر في كتاب جميع أخطاء هذا العالم؟ أنا فصلت قلت: إذا كان الكتاب مما يعظم ضرره ويخشى انتشار شره على الناس لا مانع من إفراد أخطائه. يقول: ماهي أحسن طباعات فتح الباري؟ ذكرنا في مناسبات كثيرة أن أفضل طبعات فتح الباري طبعة بولاق، لكن قد لا تتيسر لكل أحد فيكتفى بالطبعة السلفية الأولى؛ لأنه طبع سلفية أولى وثانية وثالثة. يقول: قلت: أن أبا بكر حافظ الأمة على الإطلاق؟ ما قلت يا أخي، قلت: إن أبا هريرة حافظ الأمة. فهل هو حافظ القرآن؟ نعم ذُكر من القراء، أبو هريرة ذُكر من القراء. ماذا عن الكتابة أثناء إلقاء الشيخ للدرس؟ هل يؤثر على الحفظ؟ نعم بعض الطلاب يؤثر عليهم، ويشوش عليهم، وبعضهم لا يشوش عليهم، كما أن من أهل العلم من ذكر أنه يقرأ في كتاب أخر ويستمع لما يلقى ولا يؤثر هذا على هذا. هل تنصح باستخدام المسجل؟ نعم لكن أنتم قد كفيتم التسجيلات، تسجل وتوجد -إن شاء الله- الأشرطة. يقول: هل توجد المنظومة الميمية للشيخ الحافظ الحكمي؟ نعم موجودة لوحدها، هي مطبوعة ضمن مجموعة الشيخ حافظ، وكذلك اللؤلؤ والمرجان مطبوع، نعم. ما الحكمة من وضع الإمام مسلم لقول يحيى بن أبي كثير في باب المواقيت؟ ذكرناها. إذا أراد طالب العلم أن يبدأ بحفظ الحديث بأي شيء يبدأ بالعمدة أم بالبلوغ أما بالجمع بين الصحيحين؟ وكيف يرتبها طالب العلم على حسب الأولوية؟ الجادة أن يحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، أو المحرر. يقول: ما رأيكم في ذخيرة العقبى في شرح سنن النسائي؟ معروف هذا الكتاب كتاب مطول للشيخ محمد على آدم في أربعين جزء، كتاب نافع جداً لطالب العلم لا سيما وأن النسائي فقير في هذا الباب، والشيخ -حفظه الله- يسر، جمع المادة كاملة لطالب العلم، بإمكان طالب العلم أن ينظر فيما كتب، ويلخص منه شرح يكون من أنفع ما يكون، الشيخ نعم قصر في التوفيق بين التراجم؛ لأن تراجم النسائي عبارة عن علل، علل الأحاديث والاختلاف على الرواة. يقول: هل يجوز المرور مع المدينة وميقات ذو الحليقة والإحرام من رابغ أو السيل؟

الجمهور على أنه إذا مر بميقات ثم تجازوه من دون إحرام لزمه دم إلا أن يرجع إليه هو نفسه، نفس الميقات الذي مر به، ولا يكفيه أن يحرم من ميقات أخر، والإمام مالك -رحمه الله- يقول: يكفي، إذا أحرم من ميقات معتبر لا سيما إذا كان ميقاته هو، يعني جاء من نجد عن طريق المدينة وتجاوز ذو الحليفة وأحرم من السيل يلزمه دم عند الجمهور، وعند الإمام مالك لا يلزمه شيء، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (2)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (2) شرح: باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور، وباب: ما جاء في فضل الطهور، وباب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يسأل بعض الإخوان عن الشرب في مثل هذه هل هو شرب من في السقاء الذي جاء النهي عنه أو لا؟ لا شك أنه ورد النهي عن الشرب من في السقاء، ونهى عن اختناث الأسقية، يعني الشرب من أفواهها، وعلة النهي أن رجلاًَ شرب من فم السقاء فانساب في بطنه جان من الماء، فجاء النهي عن الشرب من فم السقاء، وإذا عرفنا العلة -علة النهي- وأنه قد يوجد في الماء ما يضر الإنسان مما لا يتمكن من رؤيته فمثل هذا الذي بين أيدينا في حكم الإناء؛ لأنه يرى ما في جوفه، يرى ما في بطنه فلا يتصور أن فيه ما يضر، لكن بالنسبة للعلب العلب الحديد التي لا يبين ما في جوفها مثل هذه يتجه النهي فيها، فلا بد أن يصب منها في إناء ويشرب، أما هذه يرى ما في جوفها كالإناء تماماً، فلا تظهر علة النهي في مثل هذا. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر لنا والحاضرين والمستمعين. قال المصنف -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم قال: أخبرني أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الترمذي الحافظ، قال: أبواب الطهارة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب ح وحدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن مصعب بن سعد عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) في حديثه: ((إلا بطهور)) قال أبو عيسى ... قال هناد، قال هناد في حديثه. قال هناد في حديثه: ((إلا بطهور)) قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي المليح ... قال أبو عيسى: هذا الحديث ..

قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وفي الباب عن أبي المليح عن أبي هريرة وعن أبيه وأبي هريرة وأنس، وأبو المليح بن أسامة اسمه: عامر، ويقال: زيد بن أسامة بن عمير الهذلي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- أبو عيسى محمد عيسى بن سورة الترمذي، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين، في كتابه الجامع الذي هو أحد أصول الإسلام الخمسة المتفق عليها، والسادس اختلف فيه أهل العلم الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، اختلف في السادس فمنهم من جعله موطأ الإمام مالك كرزين في تجريد الأصول، وابن الأثير في جامعه، ومنهم من جعله الدارمي، ومنهم من جعله السادس ابن ماجه كابن طاهر في شروط الأئمة وفي أطرافه. أما جامع أبي عيسى فمتفق على كونه من الستة لم يختلف فيه أحد، يقول -رحمه الله تعالى-: "أبواب الطهارة" جرت عادة المؤلفين أن يترجموا بتراجم كبرى ويفرعوا عليها، فيقولون: كتاب هذه هي العادة المطردة عندهم، ويدرجون تحت الكتاب أبواب، وتحت الأبواب أحاديث، وفي غير الحديث فصول، أبو عيسى -رحمه الله تعالى- لم يذكر كتب في ثنايا كتابه، لم يذكر كتباً، وإنما ذكر أبواب جمع باب، والباب في الأصل ما يدخل ويخرج منه، هذه حقيقته اللغوية والعرفية العامة، أما حقيقته العرفية الخاصة عند أهل العلم فهو ما يضم مسائل وفصول، أو ما يستنبط منه المسائل كالأحاديث. "أبواب الطهارة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الأبواب جمع باب كما ذكرنا، والطهارة مصدر طهر يطهر طاهرة، وطهراً، والمصدر طهّر تطهيراً، ويراد بها النظافة والنزاهة، هذه حقيقتها اللغوية، وأما حقيقتها الشرعية: فهي رفع الحدث سواء كان الأكبر أو الأصغر.

"عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا عن غيره، هذا الأصل فيما بني عليه الكتاب، أنه ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أبواب الدين التي منها أبواب الطهارة، وأما ما يذكره المؤلف من الآثار وأقوال فقهاء الأمصار فهي قليلة بالنسبة للأحاديث من جهة، ومن جهة أخرى هي مبنية على هذه الأحاديث، فالأصل في هذه الأبواب الأحاديث المرفوعة المروية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كتب السنة الستة كلها مترجمة بكتب، كتاب الإيمان، كتاب العلم، كتاب الطهارة، كتاب الوضوء، كتاب الصلاة .. إلى آخره، ما عدا صحيح مسلم فإنه لم يترجم، لم تذكر فيه تراجم، وإنما فيه أحاديث سرد هكذا، وإن كانت الأحاديث مرتبة على الكتب والأبواب، لكن مسلماً جرد كتابه من هذه التراجم لئلا يخلط كلامه بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأبو عيسى الترمذي بدل من أن يقول: كتاب كما يقول البخاري، أو يقول أبو داود أو النسائي أو ابن ماجه يقول: أبواب. يقول -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور" باب ما جاء يعني عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قال في الترجمة: "أبواب الطهارة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فلا يحتاج أن يكرر هذا، يكفي في الترجمة الكبرى أن يذكر المصدر، ولا يحتاج إلى أن يشير إليه في التراجم الفرعية "ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور" هذه الترجمة نص حديث ابن عمر الآتي تحتها، وهنا قدم الطهور والطهارة على غيرها من شروط الصلاة كما جرت بذلك عادة جماهير المصنفين خلافاً للأمام مالك الذي قدم "باب وقوت الصلاة" وهذا له دلالته في الأهمية؛ لأن الأولية لها دخل في الأولوية، فلما قدم الطهارة عن بقية شروط الصلاة صارت الطهارة عنده أهم الشروط، وهي مفتاح الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، والشرط يتقدم على المشروط، تقديم الطهارة للاهتمام بشأنها، والإمام مالك حينما قدم الوقوت دليل على أن اهتمامه بالوقت أعظم من اهتمامه بالطهارة، ولكلٍ وجهة، ويظهر مثل هذا الاختلاف فيما إذا استيقظ الإنسان من نومه أو تذكر صلاة نسيها وبقي من وقتها ما لا يستوعب فعلها مع الطهارة لها، فهل يتطهر ويصلي ولو بعد خروج الوقت أو يراعي الوقت ويترك الطهارة؟ يعني الطهارة الكاملة بالوضوء أو بالغسل مثلاً استيقظ قبل طلوع الشمس بخمس دقائق، وعليه غسل مثلاً، لو اغتسل خرج الوقت، وإن تيمم وصلى أدرك الصلاة في وقتها، على ترتيب الإمام مالك يدرك الوقت؛ لأنه أهم من الطهارة، وعلى قول جمهور أهل العلم يتوضأ ويغتسل ويأتي بالطهارة الكاملة ولو خرج الوقت فإنه وقتها ولو خرج ما دام ما فرط هو وقتها، على كل حال عامة أهل العلم على تقديم الطهارة، وأنها لا تصح الصلاة إلا بها مع القدرة عليها، أما مع العجز فلا، ولهذا قال: "باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طُهور" بضم الطاء، والمراد به ما يعم الوضوء والغسل والتيمم عند عدم الماء، يقول -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا قتيبة بن سعيد" أبو رجاء البغلاني، محدث خراسان، المتوفى سنة أربعين ومائتين "قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو عوانة" جرت عادة أهل الحديث أن يحذفوا (قال) في الخط من الإسناد، ويتلفظوا بها، وصرح كثير منهم بأنه لا بد من الإتيان بها، وإن قال بعضهم: إن حذفها في اللفظ تبعاً للخط لا يؤثر في الإسناد، ولذا لا يلزم الإتيان بها، وعامة أهل العلم أنه يلفظ بها، وإن لم يتأثر الإسناد بتركها "قال: حدثنا أبو عوانة" وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري، المتوفى سنة ست وسبعين ومائة، إمام ثقة حافظ، لم يتكلم فيه أحد بحجة، وإن قال بعض المعاصرين فيه ما قال اعتماداً على تصحيف وقع في كتاب، ورماه بالوضع، تصحيف قال: أبو عوانة وضاع، اسمه: وضاح هو، فقال: إنه وضاع تبعاً لهذا التصحيف، وذلك لهوى في نفسه؛ لأنه ورد عن طريقه حديث يهدم مذهبه، فقال: أبو عوانة وضاع، وهذا تصحيف جاء في كتاب من الكتب وإلا فاسمه وضاح، وتبادر إلى ذهنه أن المقصود الوصف لا الاسم، وصفه بكونه وضاعاً، لكن هذا رجل مفتون لا يلتفت إلى ما ذكر، والأئمة كلهم على توثيقه، وهو إمام متفق على إمامته، ومن رجال الكتب الستة، الوضاح بن عبد الله اليشكري قد يلتبس على من لا علم عنده ولا خبرة له بأبي عوانة صاحب المستخرج، أبو عوانة الإسفرايني صاحب المستخرج على صحيح مسلم، لكن من لديه أدنى معرفة بالتواريخ ومواليد الرواة ووفيات أهل العلم يعرف أن هذا غير هذا؛ لأن هذا متوفى سنة مائة وستة وسبعين، ولذلك له مستخرج على صحيح مسلم، يعني متأخر جداً عن الأئمة، في القرن الرابع، الالتباس بالكنية قد يظن بعض من لا خبرة له أنهما واحد وهما اثنان، ومثل هذا الالتباس لا يذكر في مثل كتاب: (الموضح لأوهام الجمع والتفريق) للخطيب الذي موضوعه التباس الرواة، حتى يجعل الواحد اثنين والاثنين واحد، قد يحصل الالتباس في الاسم يحصل الالتباس في الكنية، في النسبة، قد يحصل الالتباس في ذلك كله، وتتحد الطبقة فيجعل البخاري الراوي اثنين مثلاً أو العكس، ثم يُستدرك عليه، وغيره من الأئمة يحصل هذا كثير لوجود التشابه في الرواة، في أسمائهم، وأنسابهم، وكناهم، وطبقاتهم، وموضوع هذا أو هذا الموضوع

إنما محله مثل كتاب: (موضح أوهام الجمع والتفريق) لكن ما عندنا أبو عوانة مع أبي عوانة الإسفرايني لا يجعله الخطيب في كتابه؛ لأنه لا يلتبس بينهما بون شاسع ما يقرب من قرنين، فلا التباس بينهما. واستخرجوا على الصحيح كأبي ... عوانة ونحوه فاجتنبِ إلى أخره. "حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب" بن أوس، أحد أعلام التابعين، متوفى سنة ثلاث وعشرين ومائة "ح وحدثنا هناد" ح هذه ح مفردة هكذا ترسم بصورتها، في أثناء الأسانيد يراد بها التحويل من إسناد إلى أخر، ويستفاد منها الاختصار هذا معناها عند عامة أهل المشرق "ح وحدثنا هناد" المغاربة يقولون: إن المراد بالحاء هذه رمز الحديث، ويلفظون إذا وصلوها بالحديث عن سماك بن حرب الحديث وحدثنا هناد، وهي في مثل هذا لا يترجح قول المغاربة، لكن في مثل ما يفعله الإمام البخاري كثيراً يذكر الإسناد كامل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يقول: ح وحدثنا فلان، هذا لا يقصد منها التحويل ولا يستفاد منها اختصار الإسناد، لأنه ذكره كاملاً، فمثل هذه يتجه فيها قول المغاربة، ومنهم من يقول: إن الحاء هذه أصلها خاء في صحيح البخاري، ويكون المراد أن الإسناد رجع إلى المؤلف الذي هو البخاري ورمزه خاء، لكن وجودها في أسانيد صحيح البخاري لا تترتب عليها الفائدة التي من أجلها اختصار الأسانيد كما هنا، على أن البخاري إنما يستعملها على قلة بالنسبة لاستعمال مسلم أو أبي داود أو غيرهما، مسلم مكثر من تحويل الأسانيد، والإمام البخاري مقل.

"ح وحدثنا هناد" بن السري، الزاهد، شيخ الكوفة، المتوفى سنة ثلاثة وأربعين ومائتين "قال: حدثنا وكيع" هو ابن الجراح الرؤاسي، محدث العراق، الإمام العلم المشهور، توفي سنة سبع وتسعين ومائة "قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل" بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، المتوفى سنة أربع وستين ومائة "عن سماك" هو ابن حرب السابق، وهنا يلتقي الإسنادان "عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص" الزهري، المتوفى سنة ثلاث ومائة "عن ابن عمر" عبد الله، العابد، الناسك، الصحابي الجليل، المتوفى سنة ثلاث وسبعين "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) " هذا الحديث له مناسبة إيراد؛ لأن هناك مناسبة ورود ومناسبة إيراد، مناسبة الورود هي التي تبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- على قول الحديث، مثل سبب النزول بالنسبة للآيات، هذا يقال له: سبب ورود، ومعرفته من الأهمية بمكان لطالب العلم؛ لأنه يعرف به الظرف الذي ورد فيه الحديث، وإذا عرف السبب زال الإشكال وبطل العجب، يعين على فهم الحديث السبب، وهنا سبب إيراد لا سبب ورود، سبب إيراد للراوي عبد الله بن عمر لهذا الخبر، أنه زار ابن عامر، ابن عامر هذا أمير على البصرة والي وهو في عرفهم يسمى عامل، كان عاملاً على البصرة، فقال له ابن عامر: ادع لي، عاده وهو مريض فقال له: ادع لي، يعني ابن عمر وجد الناس محيطين بابن عامر هذا، كما جرت بذلك العادة عند الكبار من أهل الدنيا كلهم يدعو له بالعافية والسلامة من هذا المرض، لكن ابن عمر لا يلتفت إلى هذه الأمور؛ لأنه لا مطمع له فيما عنده، فقال له ابن عامر: ادع لي، "فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) وكنتَ على البصرة" والمناسبة بين الجملتين ظاهرة، يعني فكما أن الصلاة لا تقبل بغير طهور، الصدقة أيضاً لا تقبل إذا لم تكن من حلال، وكنت على البصرة، والإمارة مظنة، الإنسان إذا لم يكن فوقه رقيب ولا حسيب مظنة لأن يتساهل في بعض الأمور، ثم يتصدق بشيء منه، ولا تقبل صدقة من غلول، والغلول أعم من الأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم، هدايا العمال غلول، ومن استعملناه على شيء فليأتينا بقليله وكثيره، ابن عامر كان على

البصرة، مع أنه معروف بالفضل والخير والكرم والشجاعة، لكن مثل هذا لا يمشي عند ابن عمر، وإن مشى عند كثير من الناس.

((لا تقبل صلاة بغير طهور)) لا تقبل هنا نفي للقبول، ونفي القبول في النصوص يطلق ويراد به نفي الصحة، كما أنه يطلق ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، نفي الصحة كما هنا ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) يعني: لا تصح، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) هذه يراد به نفي الصحة، كما أنه يطلق نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، كما في قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) ((من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) والفرق بين القبولين الفرق بينهما متى يطلق القبول ويراد به نفي الصحة؟ ومتى يطلق القبول ويراد به نفي الثواب؟ إذا أطلق نفي القبول بسبب تخلف شرط من شروط الصلاة، أو ركن من أركانها، أو جزء لا تصح إلا به، يعني إذا ترتب على انتفاء شيء مؤثر في الصلاة، أم إذا أطلق بإزاء أمر خارج عن العبادة فإنه ينفى الثواب المرتب عليها وتصح ويسقط بها الطلب، وتجزأ عند أهل العلم، لكن لا ثواب له عليها، فالعبد الآبق، إباق العبد هل له ارتباط بالصلاة؟ هل من شروط الصلاة أن يبقى البعد عند سيده في خدمته؟ ما له علاقة بالصلاة لأمر خارج عن ذات العبادة وعن شرطها، أما إذا توجه نفي القبول إلى ذات العبادة أو إلى شرطها أو جزئها الذي لا تصح إلا به اتجه القول بالبطلان، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] لم يقل أحد من أهل العلم: إن صلاة أو جميع عبادات الفساق مردودة، لا تصح، بمعنى أنه إذا تاب من فسقه يعيدها، لم يقل أحد من أهل العلم بهذا، إنما عباداتهم صحيحة مجزئة مسقطة للطلب، لكن الثواب المرتب عليها باعتبار أن الإنسان يتقرب إلى الله -جل وعلا-، وهو متلبس بمعصية مثل هذا كيف يرجو ما عند الله من ثواب وقد تلبس بما يغضب الله -جل وعلا-؟ أهل العلم يفرقون بين أن يعود النهي إلى شرط كالسترة مثلاً، وبين أن يعود إلى أمر خارج عن شرط الصلاة أو عن ذاتها، فلا يؤثر فيها إنما يؤثر في ثوابها، فمن صلى وهو مسبل، من صلى وبيده

خاتم ذهب، من صلى وعلى رأسه عمامة حرير صلاته صحيحة، لكنه آثم بمعصيته الثواب المرتب على العبادة لا يحصل له في قول عامة أهل العلم، وأما بالنسبة إذا عاد النهي إلى الشرط، لو صلى وعليه سترة حرير ما صحت صلاته؛ لأنه مطالب بهذا الشرط لهذه العبادة، فكيف يطالب أو يتقرب بأمر يطالب به وهو في الوقت نفسه محرم عليه ومنهي عنه؟ هذا من باب الجمع بين الضدين ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) صلاة نكرة في سياق النفي، نكرة في سياق النفي فتعم جميع الصلوات، كل ما يطلق عليه صلاة في عرف الشرع لا تقبل إلا بطهور، لا تقبل إلا على طهارة، فالصلوات الخمس تدخل دخولاً أولياً، النوافل ذات الركوع والسجود تدخل دخولاً أولياً، الصلوات المعتادة داخلة بلا إشكال، الصلوات غير المعتادة مثل العيد والكسوف والجنازة أيضاً تدخل؛ لأنها صلاة يشملها لفظ صلاة؛ لأنها نكرة في سياق النفي، فلا تصح هذه الصلوات إلا بطهور، السجود المفرد سواء كان للشكر أو للتلاوة عند جمع من أهل العلم هو صلاة، يشترط له ما يشترط للصلاة، وقال بعضهم: إنه ليس للصلاة، ليس في صلاة فلا يشترط له ما يشترط للصلاة، وسجد ابن عمر على غير طهارة، وعلى غير استقبال، وهو الصحابي المؤتسي.

النبي -عليه الصلاة والسلام- سجد في سورة النجم، وسجد معه الناس كلهم من مسلمين ومشركين، يقول بعض أهل العلم: إنه لا يتصور أن جميع هذه الجموع كلهم على طهارة، ولا بين النبي -عليه الصلاة والسلام- أن سجودهم غير صحيح، لكن هل السجود المفرد يقال له: صلاة أو أن الصلاة أقل ما يقال فيها: ركعة بركوعها وسجدتيها؟ السجود المفرد، يعني لو إنسان سجد سجدة شكر يقال: صلى؟ وهل تتأدى تحية المسجد بسجود مفرد، يقول: صلى والعدد لا مفهوم له عند بعض أهل العلم أنه المقصود إيجاد صلاة، فنقول على هذا: يسجد سجدة شكر أو يسجد سجدة تلاوة ويكفيه يجلس، العلماء يختلفون في الركعة الكاملة هل تكفي أو لا بد أن يأتي بركعتين ليمتثل ما جاء في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وهذا هو المعتمد أنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولو أوتر بواحدة ما كفت، ما تجزئ عن تحية المسجد، على كل حال المسألة خلافية في سجود التلاوة، فمن يقول: هو صلاة يشترط له ما يشترط للصلاة من طهارة وستارة واستقبال وغيرها من .. ، ونية وتحليل وتسليم وتحريم وتحليل تكبير وتسليم، كل هذا يشترط لها إذا قلنا: صلاة، وإذا قلنا: إنه أمر بالسجود فسجد ولم يأمر بأكثر من ذلك، نقول: إنها ليست بصلاة، والسجدة المفردة ليست بصلاة، وأقل ما يطلق عليه صلاة ركعة بركوعها وسجودها، لكن الأحوط أن يتطهر لها، ويستقبل القبلة، ويستتر، ويأتي بها على ضوء ما يأتي به في صلاته. ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) طُهور بضم الطاء وفتحها طَهور، وفرقوا بين الضم والفتح بأن الطهور مصدر والمراد به فعل المكلف الذي هو التطهر والتطهير، والطهور ما يتطهر به كالوضوء، الوضوء بالفتح يقال للماء الذي يتطهر به، وبالضم يقال للتوضؤ الذي هو فعل المكلف المصدر، وجمع من أهل اللغة لا يفرقون بين الضم والفتح.

((ولا صدقة من غلول)) الأصل في الغلول أنه الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، لكن يراد به ما هو أعم من ذلك، وأن جميع ما يؤخذ على غير وجهه، ومن غير حله، ومن غير بابه الشرعي فإنه غلول، وابن عمر لما ساق الخبر، يقصد هذه الجملة ويرد أن يعظ ابن عامر بهذه الجملة، وأن يتوب وأن يتخلص مما أخذه من غير وجهه "قال هناد في حديثه: ((إلا بطهور)) " بدلاً من قول .. ، بدل من قول قتيبة، يعني هناد في روايته: ((إلا بطهور)) وقتيبة في روايته: ((بغير طهور)) وهل هناك فرق بين الاستثناء بـ (إلا) والاستثناء بغير؟ لا فرق بينهما، لكن التنصيص على مثل هذا مما يدل على دقة أهل الحديث، وأنهم يذكرون فروقاً لا أثر لها في الحكم إلا أنه من باب الأمانة، لفظ هذا الراوي يختلف عن ذاك، والرواية بالمعنى جائزة عند أهل العلم، ولو اقتصر على رواية قتيبة ولم يشر إلى رواية هناد ما لحقه تبعة؛ لأن الرواية بالمعنى جائزة، وإذا رواه بلفظ قتيبة دخل فيه من حيث المعنى لفظ هناد، والإمام مسلم يعنى بهذا أشد العناية، ببيان اختلاف الرواة، ولو في حرف غير مؤثر، بينما الإمام البخاري لا يعنى بذلك كثيراً، ومن هنا رجح بعضهم صحيح مسلم من هذه الحيثية على صحيح البخاري؛ لأنه يعتني بألفاظ الرواة، يوجه بعض من يقوم على تحفيظ السنة إلى العناية بصحيح مسلم وحفظ ألفاظه، ثم ذكر زوائد البخاري، ثم بعد ذلك زوائد مسلم، يعنى بالمتفق عليه من خلال لفظ مسلم، ثم زوائد البخاري ثم زوائد مسلم، وأقول: إنه لا بد من العناية بالبخاري قبل مسلم، وكون الإمام مسلم يعنى بهذه الألفاظ اختلاف ألفاظ الشيوخ لا يعني أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يمكن أن ينتقد من هذه الحيثية، الإمام مسلم يوافق الجمهور في جواز الرواية بالمعنى، وجواز الرواية بالمعنى شامل للصحابة فمن دونهم، وإذا كان هناد نص على أن الرواية: ((إلا بطهور)) فمن الذي يضمن أن وكيعاً وهناد يروي عنه ما سمع الحديث بلفظ: ((بغير طهور)) ثم رواه بالمعنى؟ يعني كون الإمام مسلم يعنى بألفاظ الرواة الذين يجيزون الرواية بالمعنى، ما في شك أن هذا دقة وتحري للإمام مسلم، لكن هل نضمن أن دقة الإمام مسلم تؤدينا إلى الجزم بيقين أن هذا هو اللفظ

النبوي؟ هو يروي عن رواة بألفاظ، وهم يرون جواز الرواية بالمعنى، فإذا كان الراوي يستجيز وهذا قول جمهور أهل العلم جواز الراوية بالمعنى يستجيز أن يروي الخبر بالمعنى، وقد يكون رواه بالمعنى، يمكن هناد سمعه كما سمعه قتيبة ((بغير طهور)) ثم رواه بالمعنى، واعتنى الترمذي بذكر لفظ هناد وذكر لفظ قتيبة، هل نجزم بأن لفظ هناد هو اللفظ النبوي؟ لا نجزم بهذا، لكن هذا من باب الأمانة في النقل رواه عن شيخه بهذا اللفظ، وإلا فالرواية بالمعنى توسع الدائرة قليلاً وتجعلنا لا نجزم بأن هذا لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- أو ذلك تبعاً لما جاء عن أهل العلم في الرواية بالمعنى.

"قال أبو عيسى: هذا الحديث أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ" أصح هذه أفعل تفضيل وكذلك أحسن، ومن مقتضى أفعل التفضيل أن يكون هناك شيئان اشتركا في وصف وهو هنا الصحة والحسن، وفاق أحدهما الآخر، فيكون هذا الحديث حديث ابن عمر أصح ما في الباب وأرجح من غيره، اشتركا في الوصف الذي هو الصحة وفاق أحدهما الآخر في هذا الوصف الذي هو الصحة، لكن من خلال الاستقراء لعمل أهل الحديث نجدهم لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، فقد يقولون في حديث ضعيف: هو أصح شيء في هذا الباب، يعني أقوى ما في هذا الباب وإن كان ضعيفاً، فهم لا يستعملونها على بابها، وقد جاءت في النصوص، نصوص الكتاب والسنة على غير بابها {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] يعني ممن؟ أصحاب الجنة خير ممن؟ من أصحاب النار، وأصحاب النار دلت النصوص أنه لا خير عندهم، لا خير لهم ولا عندهم ولا فيهم، ولا مقيل لهم، فضلاً أن يكون المقيل حسناً، فاستعمال أفعل هنا على غير بابها، هنا الترمذي يقصد الباب الذي يوافق فيه أهل اللغة، وأنه يرجح هذا الحديث على حديث أبي هريرة المخرج في الصحيحين ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) هذا حديث أبي هريرة في الصحيحين، ولا شك أن حديث أبي هريرة أرجح من حديث ابن عمر؛ لأنه متفق عليه "أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ، وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ" وهو مخرج في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه "وَأَبِي هُرَيْرَةَ" وهو متفق عليه، وقد أشرنا إليه "وَأَنَسٍ" عند ابن ماجه وأبي بكرة، وأبي بكر أيضاً، والزبير وأبي سعيد الخدري وغير هؤلاء، قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص، وفي الباب أيضاً عن عمران بن حصين وأبي سبرة وأبي الدرداء، وابن مسعود ورباح بن حويطب عن جدته، وسعد بن عمارة، وذكر أحاديثهم الهيثمي في مجمع الزوائد، المقصود أن الحديث مروي من طرق كثيرة جداً فثبوته قطعي، ثبوته قطعي، ولذا أجمع الأئمة وجميع فقهاء الأمصار على أن الطهارة شرط لا تصح الصلاة إلا بها.

باب: ما جاء في فضل الطهور:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وأبو المليح بن أسامة اسمه: عامر، ويقال: زيد بن أسامة بن عمير الهذلي" وقال الحافظ في التقريب: أبو المليح بن أسامة بن عمير أو عامر بن حنيف بن ناجية الهذلي، يقول: اسمه: عامر، وقيل: اسمه زيد، وقيل: زياد، وعلى كل حال فهو ثقة، وقد اشتهر بكنيته، وقد جرت العادة أن من يشتهر بالكنية يضيع الاسم، يضيع اسمه، كما أن من يشتهر بالاسم تضيع كنيته، ولذا الصحابي الجليل أبو هريرة -على ما سيأتي- اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة جداً، تزيد على ثلاثين قولاً، لماذا؟ لأنه اشتهر بكنيته، وقتادة بن دعامة ضاعت كنيته واختلف فيها، لكن من طلاب العلم من يعرف كنية قتادة؟ لأنه اشتهر باسمه، وأن كنيته أبو الخطاب، وكثير من الرواة الذين شهروا بالاسم يختلف في كناهم، فيذكر له عشر كنى للاختلاف في كنيته، وكذلك من عرف بالكنية يضيع الاسم، أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود منهم من يقول: اسمه كنيته، واختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، وهذا عند المتقدمين والمتأخرين، فمن شهر بشيء ضاع غيره. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في فضل الطهور: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز، قال: حدثنا مالك بن أنس ح وحدثنا قتيبة عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ... عن أبيه عن أبي هريرة. عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء -أو نحو هذا-، وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب)) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان، واسمه: ذكوان، وأبو هريرة اختلف في اسمه فقالوا: عبد شمس، وقالوا: عبد الله بن عمر، وهكذا قال محمد بن إسماعيل، وهو الأصح.

قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وثوبان والصنابحي، وعمرو بن عبسة وسلمان وعبد الله بن عمرو، والصنابحي الذي روى عن أبي بكر ليس له سماع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واسمه: عبد الرحمن بن عسلية، ويكنى أبا عبد الله، رحل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبض النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في الطريق، وقد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث، والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقال له: الصنابحي أيضاً، وإنما حديثه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إني مكاثر بكم الأمم فلا تقتتلن بعدي)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في فضل الطهور" في الباب السابق بين المؤلف -رحمه الله تعالى- أن الطهور شرط لصحة الصلاة، وأنها لا تقبل بدونه، ومع كونه شرط فقد رتب عليه الثواب العظيم، والطهور وإن كان في الأصل وسيلة إلى الصلاة إلا أنه باعتبار ما رتب عليه من ثواب وأجر هو غاية من هذه الحيثية، فقد يكون الشيء وسيلة إلى غيره من جهة وغاية من جهة أخرى، فباعتبار أنه لا يطلب إلا للصلاة وما لا يجوز فعله إلا به فهو وسيلة من هذه الحيثية، وباعتبار ما رتب عليه من ثواب وأجر صار غاية، ففيه فضل عظيم، وورد في مدح فاعله، ومن يصبر عليه، ومن يسبغه على المكاره، ومن يستوفيه، وأنه أمانة بين العبد وبين ربه الشيء الكثير الذي لا يحاط به من النصوص، وذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- من فضله أنه يكفر الذنوب. "قال: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري" الخطمي المديني المتوفى سنة أربعة وأربعين ومائتين "قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز" المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة، أحد الرواة المكثرين عن مالك، بل هو من رواة الموطأ، معن بن عيسى القزاز وروايته للموطأ من أتقن الروايات "قال: حدثنا مالك بن أنس" بن أبي عامر الأصبحي، إمام دار الهجرة، نجم السنن، الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، يقول فيه الإمام الشافعي: هو النجم. وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية كـ (مالك) نحم السنن

فلا يحتاج إلى أن يفاض في ذكره ومناقبه، وقد ألفت في مناقبه وشمائله كتب، فلسنا بحاجة إلى الإفاضة في هذا "ح وحدثنا قتيبة" تقدم الحديث على هذه الحاء المفردة وهكذا تنطق "حا" وحدثنا قتيبة هو ابن سعيد الذي سبق ذكره "عن مالك" بن أنس الإمام "عن سهيل بن أبي صالح" المدني صدوق بأخرة، مات في خلافة المنصور "عن أبيه" أبي صالح ذكوان السمان، المتوفى سنة إحدى ومائة عن الصحابي الجليل أبي هريرة حافظ الأمة، "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. إلى أخره.

أبو هريرة الصحابي الجليل، الفقيه القارئ المحدث المشهور، معدود من القراء ومن الفقهاء ومن المفتين المكثرين في عهد الصحابة مع توافرهم وكثرتهم، ورماه بعضهم بعدم الفقه، كما أن هذا أيضاً رمى ابن عمر بعدم الفقه، نظراً لميله إلى التنسك والعبادة، وبنى على ذلك أن أحاديث أبي هريرة وأحاديث ابن عمر لا تقبل في الأحكام وإنما تقبل في الفضائل، رتبوا على كون ابن عمر عابد وناسك أنه لا يعنى بالفقه، ورتبوا على كون أبي هريرة راوية للحفظ فقط، وأنه لا يعنى بالفهم، رتبوا عليه أنه غير فقيه، وفرعوا على ذلك أن الرواية في الفقه لا تقبل إلا عن الفقهاء، وهذا قول معروف في بعض المذاهب، لكن فقه ابن عمر لا يحتاج إلى استدلال، بل هو من فقهاء الصحابة، ومن العبادلة المشهورين بالفتيا، وأما أبو هريرة فأثبت شيخ الإسلام -رحمه الله- أنه من الفقهاء، وأستدل على ذلك بمسائل في الفتاوى رداً على من رماه بغير الفقه، منها: ما ذكره عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه سأل أبا هريرة فقال: إذا طلقت الرجعية ثم نكحت زوجاً أخر هل ترجع بطلقاتها أو تعود صفر كالبائن؟ المطلقة ثلاثاً إذا بانت من زوجها ونكحها زوج آخر ثم طلقها ورجعت إلى الأول تكون صفر من جديد تبدأ، ماذا عن من طلقت مرة أو مرتين ثم تزوجت زوج آخر تعود بطلقاتها الأولى والثانية أو تعود صفراً كالبائن؟ عمر سأل أبا هريرة هذا السؤال، فماذا قال؟ أبو هريرة قال له: تعود بطلقاتها السابقة، تعود بطلقاتها السابقة، وأنه لا تمحى الطلقات إلا بالبينونة التي لا يرتب عليها ما بعدها، أما ما أمكن ترتيب ما بعده عليه فإنها تعود به، هكذا قال أبو هريرة لعمر -رضي الله تعالى عنه-، وحينئذٍ شهد له بالفقه، وهناك مسائل كثيرة نقلها شيخ الإسلام وابن القيم للاستدلال على أن أبا هريرة من فقهاء الصحابة، خلاف لمن يرميه بغير ذلك، نقل عنه فتاوى وعده ابن القيم من المفتين في الصحابة في أعلام الموقعين ذكر المكثرين من الفتوى ثم المتوسطين وعد منهم أبا هريرة، المقصود أنه من فقهاء الصحابة، وذكر ابن العربي أنه في بغداد لما زار المشرق اجتمع في مجلس فتكلم شخص فقال: حدثنا شيخنا فلان أنه اجتمع نفر في مجلس فطعن أحدهم في أبي

هريرة فنزل من السقف حية بعض الروايات تقول: إنها لدغته في وقته فمات، وبعضهم يقول: إنه ذعر صاحب الذعر والهلع إلى أن مات، المقصود أن الكلام في الخيار خطر، لا سيما إذا كان الكلام فيهم لما عندهم من خير، والذي يظهر من المتكلمين في أبي هريرة عموماً إنما مرادهم الطعن في الدين، وحملة الدين لا الطعن في الأشخاص، ولذلك لا تجد أحد من المستشرقين أو من أذنابهم من يتكلم في أبيض بن حمال ونحوه من الصحابة الذي لا يروي إلا الحديث أو الاثنين أو الثلاثة، إنما يطعنون في أبي هريرة لينتهون من نصف الدين، إذا طعنوا في أبي هريرة، فالذي يطعن في أبي هريرة لا شك أنه طعن في الدين، وطعن فيما حمله من دين، ولم يصلنا الدين إلا بواسطة أبي هريرة وأمثال أبي هريرة، فالطعن في الصحابة طعن في الدين، وإذا ذكر له اللازم والتزم به خرج من الدين بلا شك، إذا طعن في الشاهد فهو طاعن في المشهود به، إذا طعن في الحامل فهو طاعن في المحمول به، وإذا طعن في الدين خرج منه. يقول: "عن أبي هريرة" أبو هريرة على ما سيأتي في كلام المؤلف -رحمه الله- اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة جداً زادت على الثلاثين قولاً، والمرجح عند الإمام البخاري على ما سيأتي أنه عبد الله بن عمرو، وقيل: عبد شمس، والمرجح عند غيره -عند الأكثر- أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، المتوفي سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين.

"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن)) هذا شك، هذا شك من الراوي هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: المسلم أو المؤمن؟ ((فغسل وجهه)) هذا عطف تفسير، غسل وجهه معطوف على توضأ من باب عطف التفسير، أو يقال: إذا توضأ أراد الوضوء، إذا توضأ أراد الوضوء فغسل وجهه يعني باشر الوضوء؛ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء كما هو الأصل باعتبار أن الفعل يدل على الحدث في الزمن الماضي، الفعل الماضي، ويطلق ويراد به الشروع في الشيء، ويطلق ويراد به إرادة الشيء، ففي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ من التكبير فكبروا ((إذا ركع فركعوا)) يعني إذا شرع في الركوع اركعوا {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [(98) سورة النحل] يعني إذا أردت القراءة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، وهنا إذا توضأ يعني أراد الوضوء. ((إذا توضأ -أراد الوضوء- العبد المسلم أو)) هذه للشك ((أو المؤمن فغسل)) الفاء عاطفة، وقلنا: إن هذا من باب عطف التفسير ((وجهه خرجت)) جواب (إذا) إذا توضأ فعل الشرط، وجوابه: خرجت، يعني: غفرت ((خرجت من وجهه كل خطيئة)) يعني كل ذنب ((نظر إليها بعينيه)) كل خطيئة، (كل) من ألفاظ العموم ((نظر إليها بعينيه مع الماء)) نظر إليها بعينيه، كل هذا "كل خطيئة" من ألفاظ العموم، وعلى هذا يدخل جنس الخطيئة، فيشمل الكبائر والصغائر، هذا من خلال هذا اللفظ الذي يفيد العموم، لكن الجمهور على أن العبادات إنما تكفر الصغائر، وإذا كانت الصلاة لا تفكر الكبائر فالوضوء من باب أولى الذي شرع من أجل الصلاة، إذا كانت الغاية لا تكفر الكبائر إذاً الوسيلة من باب أولى، فالجمهور على أن الذنوب المكفرة والخطايا الممحوة بهذه العبادات أعني الوضوء والصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان المراد بها الصغائر، وقد جاء ما يدل على ذلك بالنص ((ما اجتنت الكبائر))، ((ما لم تغش كبيرة)) وهذا قول الجمهور، وإن كان بعض أهل العلم يميل إلى أنها تكفر جميع الذنوب الكبائر والصغائر.

((خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه)) لكن ينبغي أن يعرف حقيقة هذه العبادات المكفرة، وهي أنها العبادات التي يؤتى بها على الوجه الشرعي، على الوجه الشرعي، يعني مثلما قال شيخ الإسلام: الصلاة التي لا يخرج صاحبها إلا بعشرها إن كفرت نفسها كفى فضلاً عن أن تكفر غيرها، كثير من الناس ومن طلاب العلم ومن ينتسب إلى العلم وممن اشتهر -نسأل الله العفو والمجاوزة- بطلب العلم قد يدخل في صلاته ويخرج منها وليس له من أجرها شيء، وغاية ما يهمه عند سلام الإمام ألا يقول له جاره: أعد صلاتك؛ لأنه قد يتصرف تصرفات لا يعيها، وهذه غفلة شديدة يحتاج الإنسان إلى مراجعة، مراجعة لنفسه، والإنسان طلاب العلم يقرؤون القرآن ولا يؤثر فيهم، يصلون الصلاة ولا أثر لها في سلوكهم، تجد الجهة منفكة يصلي، ويقرأ القرآن ويزاول ما يزاول من أموره العادية كآحاد الناس، فعلى الإنسان أن يراجع قلبه. ((خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع أخر قطر الماء)) لكن هل العين تغسل؟ لتخرج الخطايا مع الماء أو مع أخر قطر الماء؟ لماذا لا تخرج الخطايا من الأنف الذي يستنشق فيه الماء ويقطر منه الماء؟ لماذا لا تخرج الخطايا مع الفم الذي يتقاطر منه الماء؟ التنصيص على العينين، يقول أهل العلم: لأن العين طليعة القلب، العين طليعة القلب، فإذا خرجت الذنوب التي اقترفتها العين نظف القلب، والتنصيص على العين لا يخرج الفم وما يزاول به من معاصي وخطايا، ولا يخرج الأذن والسمع وما يزاول بها من استماع لما يحرم استماعه، لكن التنصيص على العين لأهميتها؛ لأنها البريد بريد القلب وهي طليعته، فالتنصيص عليها لأهميتها، وإلا فالفم واللسان وآفات اللسان تحتاج إلى ما يكفرها وكذلك الاستماع، وقد عم وانتشر استماع الخنا والفجور والكلام الذي كان يستحيا من الكناية عنه فضلاً عن التصريح به. ((خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه)) نظر إليها بعينيه النظر يكن بإيش؟ بالعين، النظر يكون بالعين، فذكر العينين بعد النظر لا شك أنه تأكيد وإلا فالنظر لا يكون إلا بالعينين.

((مع الماء)) يعني مع انفصال الماء ((أو مع أخر قطر الماء)) وهذا أيضاً شك من الراوي "أو نحو ذلك" ألا يحتمل أن يكون تقسيم وأن من الناس من تخرج خطاياه مع الماء يعني مع أوله أو في أثنائه، ومن الناس من لا تخرج خطاياه إلا مع أخر قطر الماء لعظمها بالنسبة للآخر يحتمل التقسيم وإن نص أهل العلم على أنها للشك. ((وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة)) وهذا كسابقه يحتمل الصغائر والكبائر، والجمهور على أنها الصغائر فقط ((بطشتها يداه)) يعني زاولت هذه الخطيئة يداه، سواء كان بالضرب أو بالأخذ ((مع الماء أو مع آخر قطر الماء)) الخروج هذا للخطايا والذنوب المراد به غفران هذه الذنوب، والتعبير عن الغفران بالخروج الذي هو في الأصل للمحسوسات ليبين أن هذه الذنوب وهذه المعاصي نظراً لتأثيرها في فاعلها مثل تأثير الأمور الحسية عبر عنها بما يعبر به عن الأمور الحسية، وإن كان بعضهم يرى أنه لا مانع من أن يكون الخروج حسياً، فتأثير الذنوب حسي، فالذنب يؤثر في القلب نكتة سوداء، نكتة سوداء لا بد من خروج هذه النكتة، وخروجها ما دام وجودها حسياً فخروجها حسي، حتى يخرج نقياً من الذنوب، يعني إذا انتهى من وضوئه انتهى من ذنوبه، والمراد بالوضوء الذي يؤتى به على وجه الشرعي.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج كسابقه في صحيح مسلم "وهو حديث مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان، واسمه: ذكوان" واسمه: ذكوان مولى جويرية الغطفانية، بعض الشراح مع تنصيص الترمذي على أبي صالح قال: هو أبو صالح واسمه: مينا، هذاك مضعف وهذا ثقة، وينص الترمذي ويخرج الحديث في مسلم صحيحه ويفسر بغير هذا؟ لا شك أن هذه غفلة من هذا الشارح؛ لأن الذي فسره به ضعيف، هذا حديث حسن صحيح، استشكل الجمع من قبل الإمام الترمذي بين الصحة والحسن، فالحسن حقيقة تختلف عن حقيقة الصحة، فالحديث الصحيح غير الحديث الحسن؛ لأن الحكم على الحديث بالصحة شهادة بأنه وصل إلى مرتبة عليا، وإرداف هذا الحكم بالحسن إنزال له عن بلوغ هذه المرتبة، ولا شك أن هذه التعبير مشكل، وأجيب عن هذا الإشكال بأجوبة كثيرة وصلت إلى بضعة عشر قولاً، جواب عن هذا الإشكال، يعني الإشكال متصور أو غير متصور؟ يعني لما يقال لك: ما تقديرك في الشهادة مثلاً؟ تقول: جيد جداً ممتاز، هذا ما في أحد ما يضحك عليك لما تقول هذا الكلام؛ لأنك بالامتياز أوصلت نفسك إلى الدرجة العليا ثم نزلتها بالجيد جداً، فجمعت بين وصفين مختلفين، لكن هذا مع اتحاد الجهة مشكل بلا شك، مشكل بلا شك، لكن مع انفكاك الجهة يزول الإشكال، فإذا كان تقديرك العام جيد جداً وتقديرك في مواد التخصص مثلاً ممتاز زال الإشكال، انفكت الجهة، وهنا يقول أهل العلم: إذا كان الحديث مروياً بأكثر من إسناد روي بإسناد صحيح وبإسناد حسن زال الإشكال، فغاية ما هنا لك أن يقال: هذا حديث حسن وصحيح، يعني حسن من طريق وصحيح من طريق آخر، أو يكون السبب في الجمع بينهما تردد الإمام الترمذي في الحكم على الخبر، هل يصل على درجة الصحة ويقصر دونها وتردد في حكمه فجمع بين الحكمين، وغاية ما في الأمر أن يكون الحكم عنده حسن أو صحيح، فحذف حرف التردد، منهم من يقول: إن حسن صحيح مرتبة بين الصحة والحسن فتكون صحة مشربة بحسن، أو حسن مشرب بصحة كما يقولون في ما إذا خلط الليمون مع السكر يقال: حامض حلو، يعني يشرب هذا بهذا، وهذا جواب استحسنه بعضهم، ومنهم من قال: إن الحسن لغوي، يعني حسن اللفظ،

والصحة ترجع إلى ثبوت الخبر، إلى غير ذلك من الأقوال، وعلى كل حال الحديث لا إشكال في صحته، فهو في صحيح مسلم. قال: "وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان واسمه: ذكوان، وأبو هريرة اختلف في اسمه فقالوا: عبد شمس -يعني هو عبد شمس- وقالوا هو: عبد الله بن عمرو وهكذا قال محمد بن إسماعيل" والمراد به الإمام البخاري، ويكثر الترمذي في النقل عن الإمام البخاري في جامعه في الكلام على الأحاديث والكلام على الرواة أيضاً، وفي العلل "وهو الأصح" عند الإمام البخاري، لكن الأكثر على أنه عبد الرحمن بن صخر. "قال أبو عيسى" هذه كنية المؤلف الترمذي "وفي الباب عن عثمان بن عفان" يعني وهو حديث متفق عليه، حديث عثمان متفق عليه، وفيه بيان فضل الوضوء "وثوبان" وهو مخرج عند مالك وأحمد وابن ماجه والدارمي "والصنابحي" عند أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم "وعمرو بن عبسة" مخرج عند مسلم "وسلمان" عند البيهقي "وعبد الله بن عمرو" قال المبارك فوري: إنه لم يقف على من خرجه، وذكر المنذري في الترغيب عدة من الصحابة غير هؤلاء.

ويوجد في بعض النسخ زيادة هنا: "والصنابحي هذا الذي روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل الطهور هو عبد الله الصنابحي" هذه لا توجد في النسخ المطبوعة، لكن هي موجودة في بعض النسخ المخطوطة الصحيحة كما نص على ذلك صاحب التحفة قال -يعني في أصل الترمذي-: "والصنابحي هذا الذي روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل الطهور هو عبد الله الصنابحي"، "والصنابحي الذي روى عن أبي بكر الصديق ليس له سماع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ويكنى أبا عبد الله، رحل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبض النبي -صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصل- وهو في الطريق" قبل وصوله بخمس ليالٍ "وقد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث" قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقال له: الصنابحي أيضاً" قال ابن حجر: وقد وهم من قال فيه الصنابحي: الصنابح بن الأعسر يقول ابن حجر: قال بعضهم: الصنابحي كما قال الترمذي هنا، لكن ابن حجر حكم على هذا القول بالوهم، والوهم يقابل الظن، يقابل الظن وبينهما الشك والعلم فوق الجميع؛ لأن المعلوم إما ألا يحتمل النقيض بوجه وهو ما يفيد العلم، أو يحتمله مع الرجحان وهو الظن، أو المساواة وهو الشك، أو المرجوحية وهي الوهم، فالاحتمال المرجوح يقال له: وهم.

"يقال له: صنابحي أيضاً، وإنما حديثه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إني مكاثر بكم الأمم، فلا تقتتلن بعدي)) " يعني مغالب ومباهي بكم الأمم ((فلا تقتتلن بعدي)) والاقتتال لا شك أنه يفضي إلى القلة، يفضي إلى القلة ضد الكثرة؛ لأن الاقتتال نتيجته القتل، من نتيجته ولازمه غالباً القتل، والقتل لا شك أنه قضاء على الإنسان الذي يرجى منه مع طول العمر النسل الذي يحصل به التكاثر، الذي يحصل به التكاثر، لكن قد يقول قائل: إن هذا المقتول قد علم الله -جل وعلا- أنه يقتل، وأن هذا حتفه وهذه مدته انتهت فهل للنهي عن الاقتتال أثر في المكاثرة وعدم المكاثرة؟ لا شك أنه من حيث الظاهر القتل قضاء على الإنسان الذي لو بقي هذا الإنسان لتزوج الزوجة والزوجتين والثلاث والأربع، وأنجب الأولاد، المكاثرة هذه هو لا شك أنه أكثر الناس تبعاً النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومع الأسف أنه يوجد من يكتب ويسخر من كثرة النسل، يسخر من كثرة النسل، ومع الأسف إذا كان شيء من هذه الكتابة بيد كانت تكتب الشيء الكثير لنصر الدين وأهل الدين مع الأسف أن يوجد مثل هذه الكتابات التي تطالب بتحديد النسل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)) ويكتب بأسلوب في غاية من السخرية، ويقرن المسلمين في تكاثرهم وامتثال أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بغيرهم من أمم الكفر الذين حددوا النسل وتفرغوا لتربية أولادهم مع الأسف ربوهم على إيش؟ ربوهم على الخنا والفجور، ويقول: تفرغ لتربية أولادهم، وأنتجوا وغلبوا المسلمين في مخترعاتهم وفي صناعاتهم، فإذا كانت هذه النظرة إلى الحياة وكان المنظور إليه والهدف من وجود الناس هو مسألة إقامة الحضارة وعمارة الدنيا فقط هذا إشكال كبير، هذا خلل في التصور، الجن والإنس إنما أوجدوا للهدف الأعظم والأسمى وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)) وهنا في حديث الصنابحي يقول: ((إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)) ويأتي من يكتب ويسخر ممن يتزوج الزوجات، وينجب الأولاد البنين والبنات، ثم بعد ذلك يربط هذا بضياع الأولاد، ما

باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور:

على المسلم إلا أن يفعل ما أمر به، والنتائج بيد الله -جل وعلا- يتزوج، ويبذل السبب في الإنجاب وفي المكاثرة والكثرة، ويبذل السبب في التربية، والنتائج بيد الله -جل وعلا-، أما أن يقال: لا يتزوج لأن التربية صعبة، أو يحدد النسل من أجل أن يسيطر، هناك ناس ما عندهم إلا على ولد واحد، وضاقت الدنيا بهم بسببه وهو واحد، وبعض الناس عندهم ما شاء الله عدد كبير يصلون إلى الأربعين والخمسين وتجد جلهم صالحين، وخير من يعينك على تربية أولادك أولادك الكبار سيعينونك على تربية الصغار، ومع هذا يقول يطالب بعضهم حتى مع الأسف ممن ينتسب إلى طلب العلم بتحديد النسل نظراً إلى تحقيق رغبات وافدة وليست نابعة من بين المسلمين. سم، تفضل. عفا الله عنك. باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور: حدثنا قتيبة وهناد ومحمود بن غيلان قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) قال: أبو عيسى هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، قال أبو عيسى: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل واسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: محمد وهو مقارب الحديث، قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر وأبي سعيد. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ الصَّلَاةُ، وَمِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الباب الثالث: "باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور" يقول -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا قتيبة وهناد" وكلاهما تقدم ذكره والترتيب هكذا قتيبة وهناد في كثير من النسخ، وفي الطبعة الهندية وهي متقنة: هناد وقتيبة، والأمر لا يختلف "ومحمود بن غيلان" العدوي المروزي، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائتين "قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان" جرت عادة الأئمة أنهم إذا رووا الحديث عن أكثر من واحد أنهم يعطفون الثاني على الأول والثالث على الثاني، وإذا كان هناك فروق بين ألفاظهم بينوا صاحب اللفظ، وهذا يعنى به الإمام مسلم كثيراً ويقول: حدثنا قتيبة وهناد ومحمود واللفظ لهناد مثلاً، وعلى هذا يكون المعنى لقتيبة ومحمود، وغير مسلم لا يعنى بهذا إلا أحياناً، والبخاري لا يذكر شيئاً من ذلك، يروي الحديث عن شيخين ولا يبين صاحب اللفظ، وإن كان الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول: ظهر بالاستقراء من صنيع الإمام البخاري أنه إذا روى الحديث عن اثنين فالفظ للآخر منهما، يعني للأخير، وهذا ظهر بالاستقراء وهو الكثير الغالب من صنيع الإمام البخاري، وعندنا أمثلة على خلاف ما يقوله ابن حجر، وما دامت الراوية بالمعنى سائغة فالخطب سهل، والأمر يسير -إن شاء الله تعالى-. "قالوا" الثلاثة قتيبة وهناد محمود بن غيلان "قالوا: حدثنا وكيع" بن الجراح الذي تقدم ذكره "عن سفيان" بن سعيد بن مسروق الثوري، عن سفيان هو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق، المتوفى سنة إحدى وستين ومائة، السنة التي ولد فيها أحمد، واحد وستين أو أربع وستين؟ طالب:. . . . . . . . .

أربع وستين، إمام من أئمة المسلمين لا يحتاج إلى تزكية، استفاض ذكره، واشتهر أمره، إمام في كل باب من أبواب الدين أعني سفيان، إمام في العلم، إمام في الفقه، إمام في العمل، في العبادة، في الزهد، لا يحتاج إلى إفاضة في ذكر مناقبه -رحمه الله تعالى-، وهو فقيه متبوع له تبع، له مذهب استمر أكثر من قرنين، ثم انقرض بعد ذلك، ومع ذلك تطالعنا الصحف أحياناً بذم الزهد، ويمثل بسفيان، كتب في إحدى الصحف عن الزهد وأنه خمول وتعطيل للدينا، تعطيل لما أمر الله به من عمارة الأرض، والآيات في الزهد والتزهيد في الدنيا والإعراض عنها، والنصوص الصحيحة الصريحة من الأحاديث النبوية لا تخطر على بال أمثال هؤلاء، ولا يلتفتون إلا إلى أمور الدنيا فقط، لا يهمهم إلا الدنيا، ثم يضرب بسفيان والإمام أحمد ومن نحا نحوهم في العلم والعمل، وقبل ذلك الصحابة ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر، وكان ابن عمر بعد ذلك يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" والكاتب هذا في صحف سائرة دائرة بين الناس يكتب عن الزهد ويذم الزهد، ويضرب أمثلة بسفيان وأحمد ونظرائه، يعني صار المدح قدحاً لما أختلت الموازين، وصار الهدف الدنيا، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، الإنسان إنما خلق لتحقيق العبودية، وأما الدنيا فمن أجل أن يتزود منها ما يعينه على تحقيق الهدف، ولذا النصوص كلها تأمر بالإعراض عن الدنيا، والإقبال عن الآخرة، ولم يرد إلا مثل قوله –جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لأنه مع كثرة النصوص التي تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة قد يوجد من بعض المسلمين من لا يكتسب إعراضاً عن الدنيا، يترك الكسب بالكلية يقال له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] يعني مما يعنيك ويبلغك إلى مرادك، ومع الأسف أن كثير من المسلمين الآن يحتاج أن يقال له: "لا تنس نصيبك من الآخرة" سفيان هذا إمام من أئمة المسلمين معروف بعلمه وزهده وورعه وروايته.

"ح" تقدم الكلام عليها "حدثنا محمد بن بشار" العبدي البصري المعروف ببندار، المتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين "قال: حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي" الإمام العلم ابن حسان الأزدي، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة "قال: حدثنا سفيان عن عبد الله" سفيان هذا في السند مهمل، ويحتمل أن يكون المراد به الثوري، ويحتمل أن يكون المراد به ابن عيينة، لكن كلهم أطبقوا على أن المراد به الثوري؛ لأنه جاء في بعض الطرق ما يدل عليه، وعلى كل حال هناك قواعد ذكرها أهل العلم، منها ما ذكره الحافظ الذهبي في أخر الجزء السابع من السير، قواعد لتمييز المهمل كسفيان وحماد ونحوهما، إذا جاءنا سفيان في سند ما نعرف سفيان هل هو الثوري أو ابن عيينة:؟ من القواعد التي ذكروها أنه إذا كان بينه وبين الأئمة المصنفين اثنين فالغالب أنه الثوري، وإذا كان بينه وبين الإمام واحد أنه ابن عيينة. يعني في حديث: الأعمال بالنيات قال الإمام البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، وهنا بينه وبين الترمذي اثنين إذاً الثوري، لكن ليست هذه قاعدة كلية مطردة، لكن هذا مما يرجح به ويمال ويستروح إليه، وعلى كل حال إذا استغلق الأمر وعجزنا عن تحديده فكيفما دار فهو على ثقة لا أثر له في الخبر، "حدثنا سفيان عن عبد الله بن عقيل" هنا سفيان يروي الحديث بصيغة العنعنة (عن) عبد الله بن محمد بن عقيل، وسفيان رغم إمامته وجلالته واتفاق الأئمة على إمامته إلا أنه وصف بشيء من التدليس، لكنه ممن احتمل الأئمة تدليسه، فحديثه مقبول ولو لم يصرح بالتحديث، لقلة تدليسه وندرته في جانب إمامته، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، توفي بعد الأربعين عم محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، محمد بن علي بن أبي طالب، أمه من بني حنيفة فنسب إليها، ليتميز عن أولاد فاطمة -رضي الله عنها-.

توفي سنة ثمانين، عبد الله بن محمد بن عقيل يروي عن محمد بن الحنفية يقولون: مات بعد الأربعين، وشيخه محمد بن الحنفية مات سنة ثمانين، كيف؟ هذا ينبغي أن يتنبه لها، ولذلك بالإمكان أن يقال: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري مات سنة أحدى وستين، وعبد الله بن محمد بن العقيل مات بعد الأربعين يعني ومائة، هم لا يذكرون المئات يذكرون الطبقات أن من بعد الطبقة الرابعة مات كذا، من بعد السابعة والثامنة مات بعد كذا، فلا يذكرون المئات، فينتبه لهذا، وهذا أمور واضحة لا تشكل على طلاب العلم، لكن التنبيه عليها مهم، عبد الله بن محمد بن عقيل سيأتي كلام المؤلف عنه، وأنه صدوق تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. "عن محمد" بن علي بن أبي طالب، المعروف بابن الحنفية "عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليها التسليم)) قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل صدوق تكلم بعض أهل العلم فيه من قبل حفظه" أولاً: نشوف الكلام في ابن عقيل عبد الله بن محمد بن عقيل، يقول المؤلف -رحمه الله-: هو صدوق تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، قال أبو حاتم وغيره: لين الحديث، وقال ابن خزيمة: لا يحتج به، وقال الذهبي: صدوق كقول الترمذي، وقال ابن حجر: صدوق في حديثه لين.

قولهم: صدوق لفظ الصدوق من ألفاظ التعديل، وإن كان الخلاف في قبول من وصف بها قوي عند أهل العلم، منهم من يقول: إن صدوق لا تشعر بشريطة الضبط، ولذا لا يقبل حديث الصدوق، لا يحتج به، وممن شهر هذا القول أبو حاتم الرازي، سئل عن أكثر من راوي فيقول: صدوق، ثم يقول ابنه: أتحتج به؟ فيقول: لا، وذلكم لأن لفظ الصدوق لا يشعر بشريطة الضبط، بمعنى أنه إذا كان الشخص ملازم للصدق قد يكون ملازم للصدق، ونضرب مثال بشخص مشهور ويطرق بابه عشرات المرات، وفي كل مرة يقول لولده: انظر من في الباب؟ فيأتي فيقول له: زيد، ثم يقول له: أأذن له، فيأتي فإذا هو بالفعل زيد، الولد صادق وإلا غير صادق؟ صادق، يطرق ثاني فيقول: عمرو، ويكون الخبر صحيح، وثالث ورابع وعاشر وعشرين ومائة، كلهم يخبر بالواقع هو صادق على كل حال، ولم يكذب ولا مرة من خلال المائة التي جرب فيها فهو يستحق لفظ المبالغة صدوق، لكن لو سأله أبوه من الغد فقال: اذكر من جاءنا وطرق الباب علينا بالأمس فيعد اثنين ثلاثة عشرة عشرين ويعجز عن ثمانين ضابط وإلا غير ضابط؟ غير ضابط، إذاً هو صدوق باعتباره ملازم للصدق ما كذب ولا مرة، لكن الضبط غير ضابط، فكلمة صدوق وإن كان فيها مبالغة في الصدق إلا أنها لا تشعر بشريطة الضبط، والذي معنا شاهد على ذلك. "تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه"

الفريق الثاني الذين يستدلون ويحتجون برواية الصدوق يقولون: صدوق صيغة مبالغة وعدل أهل العلم عن صادق إلى صدوق لنكتة، الذي لا يكذب يقال له: صادق، لكن أبلغ منه إذا كان يقال له: صدوق، وأبلغ من ذلك إذا كان صديق مثلاً، فالصدوق الذي يلازم الصدق في حياته كلها، والكذب لا يشترط فيه العمد والقصد، فيدخل فيه الخطأ، فلو أخطأ هذا الشخص الملازم للصدق مرة مرتين ثلاث ما استحق الوصف بصدوق؛ لأن الكذب لا يشترط له القصد والعمد، فمجرد ما يحصل الخطأ في كلامه لا يستحق الوصف بصدوق الذي هو المبالغة، فالصدوق الملازم للصدق في جميع أخباره بحيث يخبر بالواقع في كل ما يسأل عنه، ولا يقع الخطأ منه؛ لأنه لو وقع منه ما يخالف الواقع ولو عن طريق الخطأ وغير القصد فإنه لا يستحق الوصف بصدوق، إذاً هذا اللفظ والعدول عن اسم الفاعل إلى صيغة المبالغة تدل على أنه ضابط، أنها مشعرة بشريطة الضبط، وعلى كل حال الذي اعتمده أهل العلم المتأخرون الذهبي وابن حجر وغيرهم أن صدوق مشعرة بشريطة الضبط، لكنها ليست في أعلى درجاته، وإنما يتوسط في أمر الصدوق، ويقال في حديثه أنه حسن، وعلى هذا جرى العلماء في أحكامهم على الأحاديث. والحديث قال عنه أبو عيسى: "هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن" وأخرجه الشافعي وأحمد وأصاحب السنن إلا النسائي، وقال النووي في الخلاصة: حديث حسن، هو اللائق به، يعني الحكم بالحسن هو اللائق به.

"قال أبو عيسى: وسمعت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل" يحتجون به لأنه في عدالته لا مطعن فيه، الطعن فيه من قبل حفظه، ومثل هذا يحتمله الأئمة فيما لا يخالف فيه، إذا لم يكون هناك مخالفة فيقبل الخبر، "قال محمد -يعني البخاري-: وهو مقارب الحديث" مقارِب الحديث، وقد يقال: مقارَب، وهذه من الألفاظ التي تذكر في أدنى مراتب التعديل مقارِب الحديث ومقارَبه، يعني أنه يقارب الناس في حديثهم وهو اسم فاعل، أو يقاربه الناس في حديثه فهو مقارَب، فلا يبعد عن الرواة إذا روى حديثاً فإنه لا تقع منه المخالفة إلا قليلاً، فإذا كان مقارب للناس في حديثه ويقاربه الناس في أحاديثهم فإنه لا يوجد الخطأ الكثير عنده؛ لأنه لو وجد الخطأ الكثير في حديثه ما صار مقارباً لهم ولا صاروا مقاربين له، وهذا يدل على أنه يضبط. على كل حال الحديث لا ينزل عن درجة الحسن، ولذا قال الذهبي -رحمه الله تعالى- بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين: حديثه في مرتبة الحسن. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر" أخرجه أحمد، وسيأتي قريباً بعد هذا، وإن كان في بعض النسخ دون بعض على ما سيأتي "وأبي سعيد" وسيأتي حديث أبي سعيد في كتاب الصلاة، وأخرجه ابن ماجه، وقال الترمذي: حديث علي أجود إسناداً من هذا، يعني حديث أبي سعيد، وفي الباب أيضاً عن عبد الله بن زيد وابن عباس ذكر ذلك الزيلعي في (نصب الراية) وابن حجر في (التلخيص)، والكلام على متن الحديث -إن شاء الله- وما بعده من أحاديث يأتي غداً، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (3)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (3) شرح: باب: ما يقول إذا دخل الخلاء، وباب: ما يقول إذا خرج من الخلاء الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: النسخة المصورة المراد توزيعها من جامع الترمذي مأخوذة من مجموع الكتب الستة التي أشرف عليها الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وهي نسخة جيدة، لكن ليست الأجود، فإذا كانت تبي تصور على ورق متين مثل هذا، وعلى وجه واحد فهي ميزتها في صغر حجمها؛ لأنه جمع الشيخ الكتب الستة كلها في مجلد، ووفر على طالب العلم حمل عشرين أو ثلاثين مجلد بمجلد واحد، فإذا كان يراد تصوريها على ورق متين، وتصور على وجه دون وجه صارت مثل حجم غيرها، ذهبت ميزتها، وأما من حيث الصحة فالشيخ أشرف عليها إشراف إجمالياً ليس تفصيلياً؛ فالشيخ معروف بدقته وتحريه وتثبته لكن ليس أجود ما في السوق، لا سميا وأن الخدمة عليها ليس فيها تخريج إلا إجمالي، إحالة على التحفة وعلى المعجم، وهناك نسخ مخرجة الأحاديث بالتفصيل، وعليها تعليقات تنفع طالب العلم، وعرفنا أن ميزة المجموع الذي تولاه الشيخ -حفظه الله- صغر الحجم يجمع الكتب الستة في مجلد واحد، فإذا صور على ورق متين وعلى وجه واحد ذهبت هذه الميزة، ولا مانع من تصوريها وتوزيعها؛ لأنها نسخة جيدة في الجملة. أما بالنسبة للأسئلة فعلى كثرتها ننتقي منها ما تيسر. يقول: هل يعد تصحيح مثل الإمام الترمذي لحديث رجل توثيق له ويرفع الجهالة عنه؟ عرفنا أن الحافظ الذهبي -رحمه الله- قال: إن توثيق أو تصحيح الترمذي غير معتبر؛ لأنه متساهل، وأن أحمد شاكر قال: إنه معتبر وتوثيق لرجاله، والتوثيق العملي للراوي من قبل الأئمة كأن يخرج له البخاري أو مسلم أو غيرهما من الأئمة هذا توثيق عملي من قبلهم، لكنه شريطة أن يتفرد به هذا الراوي، إذا كان الحديث لا يعرف إلا من طريقه وصحح الخبر فهو توثيق عملي، وليس مثل التنصيص على توثيقه؛ لأن التوثيق العملي يعتريه ما يعتريه مما يحتف به، وعلى كل حال مثل ما ذكرنا عن الترمذي -رحمه الله- أنه يصحح بالمجموع، بمجموع ما في الباب.

يقول: جامع الترمذي، يقول: والشيخ أبو غدة يرى أن الاسم السابق مختصر، وأن العنوان الكامل: "الجامع المختصر من السنن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل" يقول: حبذا لو تطرقتم لهذه المسألة خاصة وأنكم في بداية الكتاب؟ أما الاسم المطول (الجامع المختصر من السنن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل) هذا شرح لواقع الكتاب، ووسمٌ مطابق لمضمون الكتاب، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- سمى كتابه: (الجامع الصحيح المسند من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحواله وأيامه) ولا يمنع أن يختصر الاسم بأن يقال: جامع الترمذي أو جامع البخاري أو صحيح البخاري أو الجامع الصحيح، لا مانع من ذلك -إن شاء الله-، المسألة فيها سعة. يقول: أنا وطالب علم أخر حضرنا دروس كثيرة في الفقه منها: شرح العمدة، ومنار السبيل، ونحوهما ونريد أن ندرس متناً في الفقه ونتوسع في الشرح لمعرفة بعض آراء المذاهب، وذلك جمعياً ... هذه من الطرق الجيدة المفيدة، وهل ... ؟ جمعياً يعني هو وزميله هذا. هذه من الطرق الجيدة المفيدة وهل من مقترح؟ أم كيف ندرس الفقه لنتوسع فيه؟

أما القراءة والدارسة الجماعية لا شك أنها نافعة، وهي أنفع من القراءة المفردة للجادين، إذا كانوا على مستوى واحد أو متقارب في الفهم والحفظ والجد نافعة لهم، لأن كل واحد يعين الآخر، أما إذا تفاوتوا في الجد والهزل وفي الحفظ والضعف مثل هذا يكون بعضهم عالة على بعض على حساب بعض، ويعوق بعضهم بعضاً، فمثل هذا الجاد ينفرد بنفسه، ولا يكون مع الهازل، ومن قويت حافظته ينفرد ولا يكون مع الضعيف؛ لأنه يثبطه عن المقدار الذي يريد حفظه، هذا من حيث الجمع والاجتماع على الدروس، ولا مانع من أن يجتمع خمسة، ستة، عشرة في مستوى واحد مما ذكرنا، يجتمعون على دراسة كتاب ومدارسته والنظر في مسائله، والرجوع إلى الشروح، وتداول الآراء فيما بينهم؛ هذا يعين بعضهم بعضاً، وهذا في المذاكرة أنفع، يعني بعد الفراغ من الدرس، التحضير للدرس بالإنفراد، حفظه ومراجعة الشروح والحواشي، حضور الدرس والتعليق على الكتاب يكون هذا الطالب بمفرده، لكن في حال المذاكرة بعد الفراغ من الدرس تنفع المذاكرة الجماعية. أما كيف ندرس الفقه؟ ذكرنا طريقة وهي أن يجعل محور الدراسة كتاب معين، ولكن مثلاً الزاد، زاد المستقنع لكثرة مسائله، كتاب مضغوط على صغر حجمه ولا يوجد في ما يقاربه في كثرة المسائل، هذا الكتاب يكون محور للدراسة، تأخذ مسائله مسألة مسألة وينظر فيها، وتتصور التصور الدقيق الصحيح، وتراجع عليها الشروح، ثم يستدل لهذه المسائل، كل مسألة تقرن بدليلها وتعليلها، من مراجعة الشروح والحواشي والكتب الأخرى، الكتب الأخرى بشروحها، ثم بعد ذلك ينظر من وافق المؤلف على هذا الحكم الذي ذكره بعد تصور الدليل، تصور المسألة، ثم ينظر من خالف، ودليل المخالف، فإذا تأهل الطالب لهذا صارت لديه أهلية الموازنة والترجيح بين الأقوال، ثم رجح القول المعتبر واستعان بترجيح أهل التحقيق من أهل العلم، ما ينتهي الكتاب إلا وعنده رصيد كافي من الفقه -إن شاء الله تعالى-، ويتأهل بذلك للفتوى وللقضاء وللتعليم وغيرها. ما الذي صح من السنن قبل صلاة العصر؟ حديث: ((من صلى أربعاً قبل العصر)) هذا لا بأس به -إن شاء الله تعالى-.

يقول: هل هناك شروحات لكتاب المحرر لابن عبد الهادي مطبوعة؟ وإذا كان نعم فأين توجد؟ لا يوجد كتاب مطبوع على المحرر لابن عبد الهادي، مع أنه أنفس ما كتب في أحاديث الأحكام، وهو أمتن من البلوغ في أحكام المؤلف على الأحاديث، لكن البلوغ فيه زوائد، وفيه ترتب قد يكون أنسب لكثير من الأحاديث من ترتيب المحرر، أما الشروح المسجلة فيها كثيرة وموجودة في محالات التسجيل. يقول: أيهما أفضل للحفظ المحرر أم البلوغ؟ لو اعتنى طالب العلم بالمحرر وأخذ الزوائد من البلوغ وعلقها على المحرر انتفع كثيراً -إن شاء الله-. يقول: ما رأيك في تفسير الرفاعي؟ الرفاعي إن كان المقصود به محمد نسيب الذي اختصر تفسير الحافظ ابن كثير فهو تفسير جيد، وعليه تعليقات للمؤلف نافعة. هذا يسأل عن قصة يأجوج ومأجوج ونقبهما للسد مع حديث زينب: ((ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه))؟ هذا لا يمنع أن .. ، لا تعارض بين ما ذكر عن يأجوج ومأجوج وأنهما ينقبان في السد، ثم يعيده الله -جل وعلا- كما كان، مع النقب الذي اخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لأن النقب الذي أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يسع أحداً للخروج منه، وأما ما ينقبونه فلعله أكبر من هذا ثم يعاد، ثم بعد ذلك يسأل يقول: في حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لم يحدث نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)) هل يقصد بهذا الكبائر والصغائر أم فقط الصغائر؟ الجمهور على أن المراد الصغائر، من أهل العلم من يحمله على العموم، لكن الجمهور يرون أن الكبائر لا بد لها من توبة. وهذا يقول: كيف نوجه حديث: عمرو بن عبسة في فضل الوضوء: ((خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) رواه أحمد ومسلم إذا قلنا: العبادات لا تكفر إلا الصغائر؟ على كل حال هذا قول عامة أهل العلم لورود القيد، لورود القيد ((ما لم تغشَ كبيرة)) ((ما لم تغش الكبائر)) هذه القيود لا بد من اعتبارها، وبهذا يقول عامة أهل العلم، وخالف في هذا بعضهم. يقول: وجدت كتاب جامع الترمذي بتحقيق بشار عواد في طبعتين، طبعة دار الغرب وطبعة دار الجيل، فأيهما أقتني؟

الأصل طبعة دار الغرب ودار الجيل مصور عنها. يقول: ما أفضل تحقيق لبلوغ المرام؟ وما رأيكم في تحقيق سليم الهلالي على عمدة الأحكام؟ أما تحقيق سليم الهلالي على عمدة الأحكام فما رأيته، لما أره بعد، وأفضل تحقيق لبلوغ المرام ظهر تحقيقات كثيرة منها سمير الزهيري هذا له عناية بالكتاب وتحقيق وتخريج على الأحاديث، لكن فيه شيء مما لا ينبغي أن يتربى عليه طالب العلم، فيه ردود على الأئمة وإن كان في جملته من أفضل الموجود، لكن فيه أحياناً رد صريح على أحمد أو على ابن معين أو على البخاري أو على .. ، ومع ذلك يصدر التخريج بقوله: صحيح، ولو كان الحديث في الصحيحين، فمثل هذا لا ينبغي أن يربى عليه طالب علم، مع أن الكتاب في جملته وفي نظري أفضل التحقيقات. ما حكم زراعة الأعضاء من الحي وإلى الحي من المتوفى إلى الحي؟ الإنسان ليس له أن يتحكم في شيء من بدنه، وبدنه ليس له، فليس له أن يؤخذ ولا أن يتبرع. وماذا يفعل لو طلب من رجل أن يتبرع، أو لو طلبت أم رجل منه أن يتبرع لها بجزء من كبده إذا كان محرم؟ إذا كان محرم فلا طاعة لأحد فيه، وإذا كانت الأم ألحت ونظر في القول الثاني له ذلك. ما حكم تصوير الدروس العلمية عبر الفيديو لنقلها وإفادة الآخرين مما لم يحضروا مثل هذه الدروس لتعلم الفائدة كنقلها مثلاً بقناة المجد العلمية؟ التصوير بجميع صوره وآلاته لذوات الأرواح محرم، وما عند الله لا ينال بسخطه. هل تكفير الصغائر مشروط باجتناب الكبائر؟ يعني هل إذا وجدت كبائر لا تكفر الصغائر؟ لا، تكفر الصغائر بالعبادات، واجتناب الكبائر بمفردة مكفر للصغائر. بعد الغسل من الجنابة هل يجب الوضوء أم لا؟ السنة أن يتوضأ وضوءه للصلاة قبل الغسل، لكن إذا عم بدنه بالماء مع النية والمضمضة والاستنشاق يكفيه عن الوضوء؛ لأنهما عبادتان من جنس واحد، عبادتان من جنس واحد تدخل الصغرى في الكبرى. ما حكم قول: "اللهم اغفر لي ولوالدي" في الجلسة بين السجدتين في الصلاة؟ هذه لم ترد، ولذا لا ينبغي أن تقال، لكن إذا قليت في السجود لأن الأمر فيه سعة، أو قيلت بعد الفراغ من التشهد لا بأس. يقول: هل للصلاة في الحجر في الحرم فضل؟

الصلاة في الحجر كالصلاة في جوف الكعبة لأنه منها. ما حكم الصبغ بالسواد وأخذ ما زاد عن القبضة؟ كل هذا لا يجوز؛ لأن العبرة بفعله -عليه الصلاة والسلام- وقد نهى عن السواد، فقال: ((وجنبوه السواد)) والعبرة ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من الأمر بالإعفاء والإكرام. هل يصلى في السيارة في السفر قياس على الراحلة؟ نعم النوافل فقط، تصلى النافلة على السيارة. يقول: سنن النسائي هل له شرح مختصر؟ نعم له شروح مختصرة، منها: (زهر الربى على المجتبى) للسيوطي، ومنها: حاشية للسندي، وكلاهما مطبوع. هل من الممكن أن يجتمع لطالب العلم الزواج مع النبوغ والإمامة في العلم؟ الزواج مما يسر طلب العلم ويعين عليه. يقول: ما أفضل طبعة لصحيح البخاري؟ أفضل طبعة لصحيح البخاري هي الطبعة السلطانية التي طبعة سنة ألف وثلاثمائة وإحدى عشر، وصورت أخيراً وانتشرت ولله الحمد. يقول: ما مدى صحة عبارة: "من رأى في نفسه الإخلاص فإن إخلاصه يحتاج إلى إخلاص"؟ على كل حال إذا كان الإنسان يرى من نفسه العمل الصالح، وهذا لا يتحدث به إلا من باب تحديث النفس من أجل العزم على الشكر والمزيد من ذلك لا بأس، أما إذا رآه بعين الإعجاب فهذا يحتاج إلى إخلاص؛ لأنه يحبط العمل. رجل دخل عليه وقت الظهر وهو مقيم ثم سافر فهل يجمعها مع العصر؟ وهل يقصر أو يتم؟ عليه أن يتم ولا يجمع. يقول: ما أفضل طبعة لتسفير ابن كثير؟ قلنا مراراً: إن أفضل الطبعات الآن طبعة مكتبة أولاد الشيخ في خمسة عشر جزءاً، طبعة مقابلة على نسخ ومخرجة الأحاديث والآثار، ومعتنى بها، وطبعة الشعب فيما يوجد فيها من أفضل ما طبع، طبعة الشعب فيها خروم كثيرة لكن الموجود فيها من أصح ما طبع، وطبعة السلامة مكتبة طيبة الطبعة الثانية أنفس من الأولى وأفضل، البداية والنهاية طبعة ابن تركي لا بأس بها، وما الطبعات الأولى ففيها تحريف وتصحيف كثير. يقول: أمي سألتني هل تقول في دعاء سيد الاستغفار: وأنا أمتك، أما تقول: وأنا عبدك فما هو الجواب؟ تقول ما يناسبها، وهي أمة لله -جل وعلا-. يقول: ما رأيكم بتحقيق حافظ السنة أحمد الحاج؟ ولا يضيره أني لا أعرفه، لكن هذا بيان الواقع.

يقول: هل يجوز للمرأة النظر إلى الرجال لفترات طويلة؟ لا يجوز لها النظر إلى الرجل، بل يجب عليها أن تغض البصر. يقول: كثر اللباس غير الساتر للكتفين بين النساء في المناسبات فهل من كلمة؟ عورة المرأة بالنسبة للمرأة كعورتها عند محارمها، فما تبديه لأبيها وأخيها ووالد زوجها وابن زوجها تبديه للنساء وما عدا ذلك لا يجوز؛ لأن النساء عطفن على المحارم في آية النور وفية آية الأحزاب. ونكمل شرح الحديث السابق. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور" انتهينا من الكلام على إسناده، وخلصنا إلى أن درجته لا تنزل عن الحسن، وكلام الترمذي الطويل حول عبد الله بن محمد بن عقيل انتهينا منه هذا، بقي الكلام على متنه، وفيه "عن علي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((مفتاح الصلاة الطهور)) " فلما كان الحدث مانع من الصلاة صار كأنه كالقفل الذي يمنع من الدخول في الشيء، الحديث يمنع من الصلاة فكأنه أغلق وأقفل على من أراد الصلاة إلا بهذا المفتاح.

الطهور أعم من الوضوء فقط أو الغسل فقط أو التيمم فيشمل الجميع " ((وتحريمها التكبير)) " التحريم جعل الشيء حراماً بعد أن كان حلالاً يقابله التحليل الذي هو جعل الشيء حلالاً بعد أن كان حراماً، وتحريمها وسمي التكبير تحريماً؛ لأنه به يحرم على المصلي ما كان يزاوله قبله، قبل التكبير كان يزاول الأكل والشرب والضحك وغيرها، والكلام ثم بعد ذلك حرم عليه هذا كله بدخوله بالصلاة بلفظ: "الله أكبر"، ((تحريمها التكبير)) تعريف الجملة جزئي الجملة ((تحريمها التكبير)) مبتدأ وخبر؛ لأن الواو استئنافية، "وتحريمها" مبتدأ و"التكبير" خبره، تعريف جزئي الجملة المبتدأ والخبر يدل على الحصر، وعلى هذا فلا يحرم على المسلم إذا أراد الدخول في الصلاة ما كان مباح له إلا التكبير، وعلى هذا فلا يدخل في الصلاة ولا يمنعه مما كان يزاوله قبل الدخول فيها إلا التكبير فقط، وفي هذا رد على من يقول: إنه يدخل في الصلاة بجميع ما يشعر بتعظيم الله -جل وعلا-، كقوله: الله الأعظم، الله الأعز، الله الأجل، الله العظيم، الله العزيز، كل هذا لا يدخل في الصلاة، لماذا؟ لأنه في الحديث قال: ((تحريمها التكبير)) وعرفنا أن جزئي الجملة المبتدأ والخبر كلاهما معرفة، وتعريف الجزأين يدل على الحصر، فعلى هذا لا يدخل في الصلاة إلا بلفظ التكبير، والتكبير مجمل يشمل جميع ما دل عليه من قولنا: الله أكبر، الله الكبير هذا يدخل في التكبير، لكن بينت النصوص الأخرى أنه لا يجوز إلا بلفظ: الله أكبر، كما بين ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله وقوله، فلا يجوز الدخول في الصلاة بغير التكبير، والتكبير لا يجوز إلا بلفظ: الله أكبر خلافاً لمن قال: يجوز الله الكبير أو الله الأكبر، فلا يجوز إلا بهذا اللفظ؛ لأن العبادات توقيفية، ولم يرد عليه -عليه الصلاة والسلام- أنه كبر بغير هذا اللفظ أو أنه أرشد إلى غير هذا اللفظ، في حديث المسي قال: تقول: ((الله أكبر)) فلا يجزئ التكبير بغيره، والتكبير المراد به هنا تكبيرة الإحرام، تكبيرة الإحرام وهي ركن من أركان الصلاة عند الجمهور، ويرى الحنفية أنها شرط من شروط الصلاة، وسواء كانت ركن أو شرط فالصلاة لا تصح إلا بها؛ أعني تكبيرة الإحرام،

لكن هناك فرق وفائدة للخلاف بين الجمهور وبين الحنفية أنها إذا كانت ركن فإنها تكون داخل الماهية جزء من الصلاة، وإذا كانت شرط تكون خارج الماهية؛ يعني خارج الصلاة، ويترتب على هذا أنه من كبر حامل نجاسة ثم ألقى هذه النجاسة مع فراغه من التكبير صلاته باطلة عند الجمهور؛ لأنه حامل هذه النجاسة داخل الصلاة، وصلاته صحيحة عند الحنفية لأن حمله للنجاسة كان خارج الصلاة. إذا كبر ومع نهاية التكبير قلب نيته من نفل إلى فرض أو العكس صحت صلاته؛ لأنه لم يدخل في الصلاة بعد كالوضوء، كما لو توضأ لفريضة يصلي بها ما شاء من نوافل، ولو توضأ لنافلة صلى الفريضة ولا يمنع من هذا مانع، هذا على القول بأنها شرط، أما على القول بأنها ركن فلا يجوز له أن يغير؛ ما دام دخل في الصلاة، والتكبير داخل الصلاة. هل يقول الحنفية تبعاً لقولهم: إن التكبير شرط لصحة الصلاة أنه يمكن أن يكبر في بيته ثم يصلي في المسجد، كما أن له أن يتوضأ في بيته ثم يصلي في المسجد، لا يقولون بهذا، وإنما يقولون: شرط ملاصق للصلاة غير منفصل عنها، فالخلاف في هذه المسألة إنما فائدته ما ذكرنا. ((تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) أي جعل ما كان حراماً حلالاً بأي شيء يكون؟ بالتسليم، ولا يخرج من الصلاة إلا بالتسليم لتعريف جزئي الجملة الدال على الحصر، كما قلنا في تحريمها التكبير، فلا يخرج من الصلاة إلا بالتسليم، التسليم أمر لا بد منه، ودل فعله -عليه الصلاة والسلام- وأقواله المتظافرة على لفظ: السلام عليكم ورحمة الله أنه لا يجزئ غيره، لا يجزئ غير هذا اللفظ، والحنفية يرون أن الخروج من الصلاة إنما يكون بالنية، وفي حديث ابن مسعود في التشهد يروون جملة: "وإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك" يعني إذا انتهيت من التشهد تمت صلاتك، وعلى هذا إذا خرج منها بالنية انتهت صلاته ولو لم يسلم، إذ خرج منها بما يخالف الصلاة، بما يخالف الصلاة بأن أحدث مثلاً فقد تمت صلاته عندهم، لكن عامة أهل العلم على أن التسليم ركن من أركان الصلاة بلفظه: "السلام عليكم ورحمة الله" والخلاف في التسليمة الثانية هل هي واجبة أو تجزئ الأولى؟ والمعروف عند الحنابلة أن التسليمتين كلاهما من الواجب.

بعد هذا حديث حديث جابر -رضي الله عنه- ويوجد في بعض النسخ دون بعض، يوجد في بعض النسخ دون بعض، وأثبته الشيخ أحمد شاكر؛ لأنه من النسخة التي أعتمد عليها، وهي نسخة الرفاعي من طبعة بولاق، وأيد ذلك بأن الحافظ ابن حجر نسب الحديث إلى الترمذي، قال: رواه الترمذي، فدل على أنه ثابت وإن كان أكثر النسخ لا يوجد فيها هذا الحديث، وفي طبعة التحفة -تحفة الأحوذي- وضع الحديث ذكر هذا الحديث لكنه بعد الترجمة اللاحقة، باب: ما يقول إذا دخل الخلاء. حدثنا أبو بكر محمد بن زنجويه البغدادي وغير واحد قالوا: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا سليمان بن قرن عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن جابر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء)) بعد "باب: ما يقول إذا دخل الخلاء" ووضعه بعد الترجمة خطأ؛ لأنه لا علاقة له بالترجمة، ولذا الذي يظهر أنه مقحم، مزيد من قبل الطابع، من قبل الطابع بدليل أن الشارح لم يشرح هذا الحديث، صاحب التحفة لم يشرح هذا الحديث، بل الذي يغلب على الظن أنه مزيد من الطابع، وجده في بعض النسخ وأقحمه هنا، ونظراً لجهله بالكتاب الذي يحققه تبعاً لجهله في هذا العلم جملة وضع هذا الحديث في غير موضعه، وضعه بعد الترجمة، وعرفنا أن الذي حقق هذه الكتب عبد الرحمن محمد عثمان، تحفة الأحوذي، وعون المعبود، وفتح الغيث، وموضوعات ابن الجوزي، وكتب أخرى لا علاقة له بعلم الحديث لا من قريب ولا من بعيد، بل لا علاقة له بالعلم الشرعي، فوضع الحديث بعد الترجمة التي لا صلة له بها. وعلى تقدير وجوده كما أثبته الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-، فأبو بكر محمد بن زنجويه البغدادي، أبو بكر الغزال ثقة مات سنة ثمان وخمسين يعني كم؟ هو من شيوخ الترمذي، قلنا: إنهم لا يذكرون المئات، فإذا ذكروا الطبقة عرفت طبقة الراوي لا يذكرون المئات لا يذكرون القرون، إنما يقتصرون على العشرات والآحاد، مات سنة ثمان وخمسين يعني ومائتين.

زنجويه هذا تنطق عند أهل اللغة، وكل ما ختم بويه، سيبويه، نفطويه، راهويه، أما أهل الحديث فيقولون: رَاهَوْيه، زَنْجَوْيه، سيبويه، وكل هذا على خلاف ما عليه أئمة اللغة، والمسألة المرد فيها إلى أهل اللغة، وأما شبهة المحدثين أنهم يتحاشون النطق بـ (ويه) قالوا: لأنه اسم من أسماء الشيطان، والخبر الذي ورد فيه لا يثبت. قال: "حدثنا أبو بكر محمد بن زنجويه البغدادي وغير واحد" وغير واحد هذه جهالة للرواة لكن المعول على ابن زنجويه وهو ثقة "وغير واحد قالوا" في الأصل (قال) مفردة، لكن ما دام يعود الضمير على جمع أبو بكر محمد بن زنجويه وغير واحد قالوا، كان الترمذي أضرب عن هؤلاء المجاهيل الذين لم يسمهم واعتمد وعول على ابن زنجويه فصار وجود هؤلاء المجاهيل كعدمهم وأفرد الضمير لذلك هذا له وجه، لكن الأصل أن يقال: قالوا؛ لأنه يعود على أكثر من واحد. "حدثنا الحسين بن محمد" وفي طبقة الحسين بن محمد من التاسعة والعاشرة أكثر من واحد، منهم الثقة ومنهم الضعيف، منهم الثقة ومنهم الضعيف، لكن الحديث ضعيف بدونه، ضعيف بدونه. "قال: حدثنا سليمان بن قرن" بن معاذ البصري، سيئ الحفظ، يتشيّع من السابعة، فهو مضعف بهذا، ومضعف أيضاً بأبي يحيى القتات، أبو يحيى القتات وهو مضعف عند أهل العلم، أبو يحيى القتات اسمه: زادان، وقيل: دينار، وقيل: مسلم، لين الحديث من السادسة، فهو مضعف، فالحديث في جملته ضعيف، الحديث ضعيف.

"عن مجاهد" بن جبر المكي المفسر المعروف، ثقة، إمام في التفسير، وإمام في العلم، توفي سنة أحدى ومائة "عن جابر" بن عبد الله -رضي الله عنهما- الصحابي الجليل ابن الصحابي الكبير "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((مفتاح الجنة الصلاة)) " هذه الجملة ضعيفة؛ لأنها جاءت في هذا الحديث، وأما الجملة الأخرى: ((ومفتاح الصلاة الوضوء)) فلها ما يشهد لها من الحديث السابق، ((مفتاح الصلاة الطهور)) فهي بهذا الشاهد ارتقت إلى درجة القبول، فالجمة الأولى ضعيفة والثانية حسنة على الأقل، وهذا الحديث رجحه ابن العربي على الحديث السابق، حديث جابر هذا رجحه ابن العربي في تحفة الأحوذي على الحديث السابق حديث علي، ولم يصب -رحمه الله- في ذلك؛ لأن الحديث السابق أقل أحواله أن يكون حسناً، وهذا الحديث مضعف عند أهل العلم، فالذي يظهر أن ابن العربي وهم في ذلك إن لم يكن هذا من تصحيف الطابعين لكتابه: (عارضة الأحوذي). سم. عفا الله عنك. قال الصنف -رحمه الله تعالى-: باب: ما يقول إذا دخل الخلاء؟ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَهَنَّادٌ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ)) قَالَ شُعْبَةُ: وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: ((أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ)). الذي يظهر أن اللفظ الثاني: "أعوذ بالله" أما إذا قال: "أعوذ بك" مرة ثانية ما يظهر هناك فرق بين الرواية الأولى والثانية، ما يظهر هنالك فرق بين الروايتين إلا أن نقول: الرواية الأولى: "اللهم إني أعوذ بك" والرواية الثانية: "أعوذ بالله" وهذا موجود في بعض النسخ هكذا "أعوذ بالله". عفا الله عنك. ِ ((منْ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ أَوْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ)). َقالَ أَبُو عِيسَى: وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُود.

قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ، وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ، رَوَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَادَةُ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- "كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ)). قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يقول إذا دخل الخلاء" الخلاء بالمد المكان الخالي، وهو في العرف وهو المراد هنا الموضع المعد لقضاء الحجة؛ لأنه يخلو ممن يسكن فلا يسكن، وهو الكنيف والحش، ويقال له: المرفق والمرحاض، وأما ما استفاض على ألسنة المتأخرين بأنه الحمام ليس كذلك، نعم وضعت المراحيض في الحمامات فغلب عليها، وإلا فالأصل أن الحمام موضع الاستحمام أو استعمال الماء الحميم الحار لتنظيف البدن، هذا الأصل في الحمام. قال -رحمه الله-:

"حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع" وهؤلاء كلهم تقدموا "عن شعبة" بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام، ثقة حافظ متقن، مات سنة ستين ومائة "عن عبد العزيز بن صهيب" البناني البصري ثقة، توفي سنة ثلاثين ومائة "عن أنس بن مالك" الأنصاري خادم النبي -عليه الصلاة والسلام-، الصحابي الجليل المتوفى سنة ثلاث وتسعين عن مائة وثلاث سنين، خدم النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر سنين، وعرفه واطلع من أحواله -عليه الصلاة والسلام- ما لم يطلع عليه غيره "قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء" إذ دخل إذا أراد أن يدخل كما في رواية الإمام البخاري في الأدب المفرد، في رواية للإمام البخاري في الأدب المفرد: "إذا أراد أن يدخل" عرفنا سابقاً أن الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الفعل وهذا هو الأصل، ويطلق ويراد به الشروع في الفعل، ويطلق ويراد به إرادة الفعل، وهذا بيناه، وهنا يراد به إرادة الدخول لا أنه إذا دخل فرغ من الدخول لا إذا أراد أن يدخل، قرب من الدخول "قال: ((اللهم إني أعوذ بك))

هذا القول يحتمل أن يكون من أجل المكان، هذا المكان الخالي تحضره الشياطين؛ لأنه مكان خالي، والشياطين تحب الإنفراد والتفرد، وعلى هذا ينهى عن مكث الإنسان منفرداً بحيث لا يسافر منفرداً ولا ينام منفرداً إلا إذا لم يوجد غيره، فالإنفراد مظنة، المكان الخالي مظنة للشياطين، ولذا جاء في الحديث: ((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)) فعلى هذا هذا المكان الخالي يكون موئل للشياطين، وهل هو لمجرد خلوه أو لما يزاول فيه من النجاسات التي تمنع دخول الملائكة، والمكان الذي لا تدخله الملائكة تدخله الشياطين، يكون مأوى للشياطين، ولذا الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، فالمكان الذي لا تدخله الملائكة لا شك أنه يكون مأوى للشياطين، وهذا المكان لا تدخله الملائكة لأنه مكان نجس ومستقذر، فيكون مظنة لوجود الشياطين، فيستعاذ بالله منها ومن شرها، فهل هذا لدخول المكان أو لمجرد الفعل؟ إذا كان لدخول المكان إذا دخل الخلاء لذات المكان فلا يشرع في غيره، يعني إذا أراد أن يقضي حاجته في غير هذا المكان لا يشرع له، وإذا كان الذكر لهذا العمل الذي هو قضاء الحاجة فيشرع في الخلاء وفي غيره، وعلى هذا إذا كان المكان محاط بالجدران فقبل أن يدخله يقول هذا الذكر وهذا الدعاء، وإن كان المكان غير معد لقضاء الحاجة فإذا شمر عن ثيابه وأراد أن يباشر هذا الفعل قال ما ذكر. "قال: ((اللهم)) " أصلها يا الله حذفت يا النداء وعوض عنها بالميم ((اللهم إني أعوذ بك)) أعوذ: يعني أعتصم وألتجئ وألوذ بك يا الله.

"قال شعبة: وقد قال -يعني عبد العزيز بن صهيب- مرة أخرى: ((أعوذ بالله)) " يعني في المطبوعة: ((أعوذ بك)) لكن في بعض النسخ: ((أعوذ بالله)) وكأنه أولى ليتم التغاير بين الروايتين، وإلا فلا فرق بين الرواية الأولى والثانية على اللفظ المثبت ((من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث)) الخبث بإسكان الباء وضمها، خبْث وخبُث، كان بعضهم يقول: الأصل الضم الخبُث، الخبُث جمع خبيث، وعطف الخبيث عليه الخبُث والخبيث يتجه الضم وإلا ما يتجه؟ إذا قلنا: خبُث جمع خبيث، فيكف يعطف عليه الخبيث؟ الخبُث جمع خبيث، من الخبث والخبيث، أو الخبث والخبائث، الخبْث والخبُث جاء بالضم والإسكان وإن كان بعضهم يقول: إن الأصل الضم والتسكين تسهيل وتخفيف، والخطابي يرى أن التسكين غلط، والصواب الضم، ضم الباء، وقال ابن العربي في شرحه معقباً على كلام الخطابي قال: هو الغالط، ولا شك أن الخطابي أمكن في العربية من ابن العربي، لكن المسألة مسألة رواية، وإذا قلنا: إن اللفظ من الخبث والخبيث ما يتجه الضم بحال؛ لأن الخبث جمع خبيث فنعطف الخبيث عليه لا يتجه، فإذا قلنا: الخبث الشر والخبيث هو صاحب الشر، وإذا قلنا: الخبُث والخبائث الخبُث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة، وعلى كل حال الألفاظ الواردة في هذا الحديث كلها تدل على الاستعاذة من الشر وأهله، أو من أهل الشر الذين هو الشياطين يستوي في ذلك ذكرانهم وإناثهم. "قال أبو عيسى: وفي الباب" ثبتت زيادة البسملة قبل ذلك، قبل أن يقول إذا أراد أن يدخل قال: ((بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) ثبتت هذه البسملة بإسناد كما قال الحافظ ابن حجر على شرط مسلم. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي" وهذا عند الترمذي وابن ماجه "وعن زيد بن أرقم" هو عند أبي داود وابن ماجه "وعن جابر" وهذا لم يقف عليه الشارح المبارك فوري، ولا من اعتنى بتخريج الشواهد التي يشير إليها الترمذي "وعن ابن مسعود" وهو عند الإسماعيلي في معجمه.

"قال أبو عيسى: حديث أنس" يعني حديث الباب "أصح شيء في هذا الباب وأحسن" وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما، حديث أنس مخرج عند البخاري ومسلم وعند غيرهما من الأئمة "وحديث زيد بن أرقم -المخرج في سنن أبي داود وابن ماجه- في إسناده اضطراب" هكذا يقول المؤلف "وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب" الاضطراب: أن يروى الحديث على أوجه مختلفة متساوية، يروى على أوجه مختلفة متساوية، فإن كانت روايته على وجه واحد فلا اضطراب، إن روي على أكثر من وجه لكنها غير مختلفة بل متفقة فلا اضطراب، إذا لم تكن متساوية بل أمكن ترجيح بعضها على بعض حينئذٍ ينتفي الاضطراب، وبيان هذا الاضطراب الذي أشار إليه المؤلف -رحمه الله تعالى- بينه بقوله: "روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة" أنهم رووا هذا الحديث، رواه كلٌ من هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة "فقال سعيد" بن أبي عروبة "عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم" فسعيد بن أبي عروبة يرويه عن زيد بن أرقم بواسطة القاسم بن عوف الشيباني، وهشام الدستوائي يرويه عن قتادة عن زيد بن أرقم، فالواسطة بينه وبين زيد بن أرقم قتادة بن دعامة، فالحديث مروي عن زيد بن أرقم إما عن طريق قتادة كما قال هشام أو عن طريق الشيباني كما قال سعيد.

يقول: "ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النظر بن أنس" ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النظر بن أنس فقال شعبة: عن زيد بن أرقم يعني عن النظر بن أنس عن زيد، وقال معمر: "عن النظر بن أنس عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" فالاختلاف في هذا الحديث يعني هل هو من حديث أنس أو من حديث زيد بن أرقم؟ هل هو من حديث أنس أو من حديث زيد بن أرقم؟ ولذا لوجود هذا الاختلاف والتردد في كونه من حديث أنس أو من حديث زيد بن أرقم عقب به على الحديث حديث الباب الذي هو عن أنس وإلا قد يقول قائل: فما الرابط بين تعقيب الترمذي بحديث زيد بن أرقم على حديث أنس حديث الباب؛ لأن حديث زيد بن أرقم هو نفس الحديث يروى أيضاً عن أنس بن مالك، فهذا من الاختلاف في الصحابي، ثم الاختلاف على الصحابي هل هو من حديث النظر بن أنس عن أبيه أو من حديث النظر بن أنس عن زيد بن أرقم وهذا الاختلاف لا شك أنه مؤثر وهو اضطراب عند أهل العلم، لكن الترمذي سأل محمداً -وهو البخاري- عن هذا الاضطراب فقال: "يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جمعياً" قتادة روى عنهما جمعياً، فيحتمل أن يكون قتادة سمع من القاسم والنظر كما صرح به البيهقي، سمع من القاسم، القاسم بن عوف الشيباني، وسمع أيضاً عن النظر بن أنس، وحينئذٍ إذا رواه عن القاسم بن عوف الشيباني يكون الصحابي زيد بن أرقم، وإذا رواه عن النظر بن أنس يكون الصحابي إما زيد بن أرقم فيتفق مع روايته عن القاسم أو عن أنس بن مالك عن أبيه -رضي الله عنه-.

هذا الاختلاف البخاري يرى أنه غير مؤثر؛ لأن الاحتمال قائم، وهذا مسلك لتصحيح ما يرد من الاختلاف في مثل هذا الصورة يسلكه كثير من أهل العلم صيانة للرواة عن التوهيم، صيانة للرواة عن التوهيم، وهذا يكثر في المتأخرين، أما الأئمة المتقدمون فيندر عندهم مثل هذا، بل يرجحون، ما يصححون الجميع ويثبتون الجميع إنما يرجحون بين هذه الطرق المختلفة على ما ترجحه الأدلة الأخرى والقرائن، فالإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً، وهذا المسلك لا شك أنه احتمال، ويبقى أن الترجيح مع عدم التمكن من حمل هذه الأوجه على وجه يصح أو دلالة القرائن على ترجيح بعضها على بعض، وإلا فالأصل أن هذا الاختلاف مؤثر، والترمذي سماه اضطراب، والاضطراب تضعيف للخبر، فلا بد من الترجيح بين هذه الأوجه المختلفة إذا أمكن الترجيح انتفى الاضطراب، ما أمكن الترجيح صار الاضطراب علة قادحة في الخبر، وهنا الإمام البخاري يرى أنه لا مانع من أن يروى الحديث هذا على أكثر من وجه، وتثبت جميع هذه الوجوه لأنها لا تناقض ولا تعارض بينها، وأن الاضطراب يمكن إذا كانت هذه الوجوه كلها مختلفة، هذا من حيث المعنى كلام البخاري له وجه، كلها تصب في معنى حديث حديث الباب، ولا يختلف بعضها عن بعض من حيث معنى الخبر، لكن الاضطراب في الإسناد أيضاً ولو اتحد المتن، ولو اتفق المتن لا شك أنه علة عند أهل الحديث، إذا لم يمكن حمل هذا الاختلاف وهذا الاضطراب على ما قال به البخاري من أنه يحتمل أن يكون رواهما جميعاً أو روى عنهما جميعاً، نظير ذلك فيما لو روى تابعي عن تابعي أخر عن صحابي، ثم روى ذلك التابعي الأول عن الصحابي مباشرة، روى نافع عن سالم عن ابن عمر، نافع عن سالم عن ابن عمر، ثم وجد الحديث من طريق نافع عن ابن عمر، كلاهما لقي ابن عمر وأخذ عنه، وله به اختصاص، لكن هذا مجرد مثال، يعني ما هو بمثال واقع، لكن للتنظير والتقريب، نافع عن سالم عن ابن عمر، أو نافع عن ابن عمر مباشرة، روي من طريق أخر عن نافع عن ابن عمر، هل نقول: إن نافع يروي الحديث بواسطة سالم عن مولاه ابن عمر؟ أو نقول: إنه يرويه عنه بغير واسطة؟ وأيهما المرجح؟ أو نقول: إنه مرة

رواه بواسطة ثم رواه مرة أخرى بغير واسطة؟ احتمال قائم، لكن قد ينص أهل العلم على أن هذا الحديث لم يروه نافع عن ابن عمر مباشرة إلا بواسطة سالم فيحكم على الرواية الأخرى بأنها فيها سقط في الإسناد، فتكون مضعفة بهذا الساقط، لكن ما دام عرفنا الساقط بطريق أخرى، أو من طريق أخرى وهو سالم، وسالم ثقة يرتفع الضعف، وهذا العلم وهذا النوع من الاختلاف يحتاج إلى خبرة ودربة ومعرفة بأقوال الأئمة وكيفية تصرفاتهم ومواقع استعمالهم في الأحكام على مثل هذا الاختلاف، وإلا قول البخاري واضح، لكن لو قال أبو حاتم مثلاً: طريق سعيد خطأ، طريق سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة لكن خطأ، وحكم على أن طريق هشام هو المحفوظ له ذلك، يعني دلته القرائن على ترجيح هذا على هذا والمرجوح خطأ. قال: "أخبرنا أحمد بن عبدة الظبي" أبو عبد الله "البصري" ثقة مات سنة خمس وأربعين ومائتين "قال: حدثنا حماد بن زيد" بن درهم الأزدي الحافظ المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة "عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) " في الطريق الأول عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وهنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وهناك يرويه من طريق شعبة، وهنا يرويه من طريق حماد بن زيد. "قال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) " لماذا أورد الإمام هذا الخبر بعد أن أورده بأكمل بأتم في الطريق السابق؟ وقد قال مرة يعني عبد العزيز، يعني عبد العزيز مرة يرويه على وجه بلفظ، ومرة يرويه بلفظ أخر، وهذا طريق شعبة الذي فيه هذا الاختلاف في اللفظ، وأما طريق حماد بن زيد فليس فيه اختلاف، إنما يرويه عن عبد العزيز بن صهيب على وجه واحد كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان، وعلى كل حال الاختلاف غير مؤثر، ومما يحتمله تجويز الرواية بالمعنى، يعني سواء قال القائل: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" أو قال: "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" لا فرق، لا فرق بينهما من حيث المعنى، فالمقصود الاستعاذة، قد يقول قائل: إن مثل هذه الألفاظ وهي الأدعية متعبد بها فكيف يغير لفظ بلفظ ونقول: لا يؤثر؟ أولاً: اللفظان ثابتان عن الرواة، ولا إشكال في ثبوتهما في الصحيحين وغيرهما، الأمر الثاني: أن التعبد بلفظ الاستعاذة، بلفظ الاستعاذة، وسواء قدمنا المستعاذ به أو أخرناه لا فرق، يعني في حديث البراء في ذكر النوم: ((ونبيك الذي أرسلت)) قال الراوي الصحابي حينما عرضه على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "ورسولك الذي أسلت" قال: ((لا! قل: ونبيك الذي أرسلت)) هنا الاختلاف مؤثر؛ لأن رسولك الذي أرست تكرار للكلام، بخلاف النبي الذي أرسل فللنبي معنى غير معنى الرسول في مثل هذا الموطن فيؤتى به بلفظه، أما: ((اللهم)) أو ((أعوذ بالله)) هذا ما في فرق بينهما؛ لأن المستعاذ به واحد، ولذا إذا كان الإسناد إلى ذات واحدة إلى ذات واحدة يعني المقصود الذات التي لا تتغير بتغير الأسماء فلا فرق، إذا كان اللفظ يتغير بتغير الأسماء يرد الفرق، الرسول والنبي الرسول غير النبي، يعني لا شك أن الرسالة غير النبوة، والرسول في الجملة غير النبي عند أهل العلم، لكن إذا كان المقصد التعبير عن ذات واحدة لا تتغير بتغير الأسماء فلا يمنع من إيراد هذا مكان هذا، أو هذا مكان هذا كما قرره أهل العلم في إبدال لفظ الرسول بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، في ذكر النوم يتأثر المعنى، لكن لو قال هنا: كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فرق وإلا ما في فرق؟ إحنا لا نريد التحدث عن ذات النبي -عليه الصلاة والسلام- نعم؟ لا نريد التحديث عن ذاته أو عن وصفه بالنبوة أو بالرسالة لا، نريد أن ننقل عنه قولاً من قوله أو فعلاً من أفعاله -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذٍ لا يتأثر المقصود والمراد بتغير لفظ النبي بالرسول أو العكس، النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه

باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء؟

معصوم من الشيطان، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكونه يستعيذ بالله من الشيطان، كونه -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله من الشيطان وقد عصم منه، أو كونه يقول: ((غفرانك)) إذا خرج من الخلاء وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لا شك أنه استشكله بعض أهل العلم، كيف يستعيذ من شيء عصم منه؟ الشيطان اللعين عرض للنبي -عليه الصلاة والسلام- في مواطن، عرض له في مواطن، يعني ليلة الإسراء عرض له، وفي صلاته عرض له، وكاد أن يوثقه -عليه الصلاة والسلام-، فخشية أن يعرض له يستعيذ منه، هذا قول لبعض أهل العلم، ومنهم يقول: إن استعاذته من الشيطان وهو معصوم لتعليم أمته للتشريع، وكذلك استغفاره -عليه الصلاة والسلام- تشريع لأمته وإلا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولا يمنع أن يكون مغفور له ويستغفر، ولا مانع من أن يكون معصوماً ويستعيذ؛ لأن هذا من باب الزيادة في الشكر لله -جل وعلا-، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تقدم وقام في الليل حتى تفطرت قدماه، وأجاب عن استشكال عائشة ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) الإنسان يهضم نفسه، ويزيد مما يطلب من غيره، ولو لم يطلب منه، النبي -عليه الصلاة والسلام- مغفور له، ومنهم من يقول: إنه مغفور له بشرط الاستغفار، ومعصوم من الشيطان بشرط الاستعاذة، لكن هذا لا دليل عليه، هو يستغفر من باب المزيد، ومن باب التعليم لأمته -عليه الصلاة والسلام-، وكذالك يستعيذ، نعم. عفا الله عنك. باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء؟

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إسماعيل عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: ((غُفْرَانَكَ)) قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى اسْمُهُ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَلَا نَعْرِفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثَ عَائِشَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء؟ " عرفنا ما يقول إذا أراد الدخول إلى الخلاء وأنه يستعيذ بالله -جل وعلا-، ويعتصم ويلتجئ إليه، ويلوذ به من شر هذه الشياطين التي تسكن هذه الحشوش، إذا خرج من الخلاء ماذا يقول؟ يقول كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل" وهو البخاري "قال: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إسماعيل" في كثير من الطباعات بما فيها النسخة التي شرحها واعتنى بها الشارح، يقول: "حدثنا محمد بن حميد بن إسماعيل" محمد بن حميد بن إسماعيل، وفي بعض النسخ: حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا حميد قال: حدثنا مالك بن إسماعيل، وكلاهما خطأ، كلاهما خطأ فإنه ليس في الشيوخ شيخ يدعى حميد، يعني من شيوخ البخاري، ويري عن مالك بن إسماعيل، كما أنه لا يوجد في شيوخ الترمذي من يدعى محمد بن حميد بن إسماعيل، والصواب ما أثبت وهو موجود في بعض النسخ المحققة الموثقة المقابلة المصححة.

"حدثنا محمد بن إسماعيل" وهو الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- "قال: حدثنا مالك بن إسماعيل" بن درهم النهدي ثقة متقن توفي سنة تسعة عشرة ومائتين "عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ" بن أبي إسحاق السبيعي المتوفى سنة ستين ومائة "عن يوسف بن أبي بردة" بن أبي موسى الأشعري "عن أبيه" أبو بردة بن أبي موسى واسمه: عامر، وأبو موسى اسمه: عبد الله بن قيس، فيوسف بن عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري "عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه-" يوسف بن أبي بردة قال عنه الحافظ: إنه مقبول، مقبول، ومتى يقال للراوي مقبول؟ المقبول عن الحافظ ابن حجر وضع ضابط وقاعدة في المرتبة الخامسة، وهو من ليس له من الحديث إلا القليل، راوي ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حديثه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، والكلام حول هذه القاعدة التي قعدها ابن حجر -رحمه الله- كلام طويل قد لا ينتهي؛ لأنه حين يوصف الراوي بأنه مقبول فيه إشكال كبير، أن لا نحكم على الراوي إلا إذا وجدنا له متابع، فإذا استعرضنا مثلاً الضحاك في التقريب، التقريب موجود مع أحد منكم؟ الضحاك بن حمرة مثلاً مقبول، الضحاك المعافري لين، الضحاك بن نبراس ضعيف، هؤلاء الثلاثة الذين حكم علهم بالأحكام الثلاثة المتفاوتة الذي قال فيه: مقبول إذا لم يتابع صار عنده لين مثل الذي بعده، واللين هذا إذا توبع صار مقبول مثل الذي قبله، الضعيف إذا توبع صار مقبول أيضاً، إذا توبع وكان ضعفه يسير وتوبع صار مقبول وارتفع حديثه إلى الحسن، فإشكال كبير حول هذا التقعيد؛ لأن الأصل أن الكتاب للرواة لا للمرويات، فينظر في حال الراوي مجرداً عمن يتابعه أو يخالفه، الراوي الضعيف إذا توبع ارتفع حديثه، الراوي اللين إذا توبع من باب أولى يرتفع حديثه، الراوي المقبول إذا لم يتابع نزل حديثه، فهذا التقعيد فيه ما فيه عند الحافظ -رحمه الله-؛ لأن أصل الكتاب إنما وضع للرواة لا للمرويات، وحينئذٍ ينظر في حال الراوي مجرد، مجرد عما يرويه، نعم إذا أردنا أن نحكم عليه في حديث خاص كما هنا ننظر في حاله نحكم عليه بما يليق به مجرداً ثم إذا وجد ما يتابعه وجد ما يشهد له نرقي حديثه، أما أن نحكم عليه بحكم بحيث

إذا توبع صار كذا، وإذا لم يتابع صار كذا ما نخرج بنتيجة. "عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-" أبوها أبو بردة بن موسى الأشعري، ثقة، واسمه: عامر، على ما سيأتي "عن عائشة -رضي الله عنه-" عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق الصحابية الجليلة الفاضلة الفقيهة المحدثة الراوية "-رضي الله تعالى عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: ((غُفْرَانَكَ)) " قال: ((غفرانك)) مفعول مطلق اغفر غفرانك، أو منصوب بفعل مقدر أي أسألك وأطلبك غفرانك، وهذا الاستغفار وطلب المغفرة مثل ما قيل في الاستعاذة قاله ليعلم أمته الاستغفار، وقد أثر عنه عليه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يستغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، ثبت عنه أنه قال: ((إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة)) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من الاستغفار، والاستغفار: هو طلب المغفرة، شأنه عظيم، حتى جاء في حق من لزمه أن الله -جل وعلا- يجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وهذا ديدن الصالحين، وشأن الأوابين المتقين، وشيخ الإسلام -رحمه الله- قد ذكر في بعض المواضع أنه قد يستغلق عليه فهم مسألة ثم يكثر من الاستغفار فتنحل له، ولا شك أن هذا من المخرج الذي أشار إليه الحديث. وعلى كل حال كونه يستغفر -عليه السلام- لأنه مكث مدة يقضي فيها الحاجة لا يذكر الله -جل وعلا-، فمثل هذا في حق المسلم ينبغي أن يجبر، وهو إن لم يكن ذنب لكنه تقصير؛ لأن الأصل في حياة المسلم أن تعمر بالعبودية بطاعة الله، بذكر الله -جل وعلا-، هذه الفترة انخرم فيها هذه الأصل، فيعوض عنها عن هذا الأصل بالاستغفار، الذي يجبر ما وقع من تقصير في الذكر الذي ينبغي أن يكون الديدن، وأيضاً تقصير شكر الذي أخرج هذه المادة الضارة من البدن فيطلب في المغفرة للتقصير في الأمرين.

"قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ" هذا الحدث أخرجه الخمسة إلا النسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال النووي في شرح المهذب: حسن صحيح، والإمام أبو عيسى يقول: هذا حديث حسن غريب، حديث حسن غريب، كما أستشكل الجمع بين الحسن والصحة استشكل الجمع من الحسن والغرابة، لأن الترمذي يعرف الحسن بأنه: . . . . . . . . . وقال الترمذي: ... من الشذوذ مع راوٍ ما أتهم ما سلم بكذب ولم يكن فرد ورد ... . . . . . . . . . حديث ليس بشاذ، ولا يكون في رواته من يتهم، ويروى من غير وجه، لا بد أن تتوافر هذه الشروط الثلاثة عند الترمذي ليكون الحديث حسناً، غير شاذ، وأيضاً لا يكون في رواته من يتهم، ويروى من غير وجه، فكيف يوصف الحديث الذي يروى من غير وجه بأنه غريب؟ هذا إشكال؛ لأن الحكم له بالحسن إثبات بأنه روي من غير وجه، والحكم عليه بالغرابة دليل على أنه تفرد به راوي، ولا شك أنه تفرد به إسرائيل كما نص على ذلك الإمام، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة، فكيف يصفه بأنه حسن وقد اشترط للحسن أن يرى من غير وجه ومع ذلك قال: لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة؟ لعل الحسن بالنسبة للنظر للمتن، والغرابة بالنسبة إلى السند، ويمشي مثل هذا التعليل عندهم بانفكاك الجهة، بانفكاك الجهة، لكن الحسن أيضاً الترمذي يقرنه بالسند، المراد بالحسن حسن السند، بأن لا يكون المتن شاذ، ويرى من غير وجه، وهذا مهم عند الترمذي إذا روي من غير وجه استحق أن يوسف بالحسن وأيضاً لا يكون في رواته من يتهم بالكذب، فالنظر إلى الإسناد للوصف بالحسن معتبر عند الإمام الترمذي فكيف يقال: إن الحسن منصب إلى المتن؟ قالوا: إن الترمذي إنما يطبق الشروط الثلاثة التي اشترطها للحسن حينما يحكم على الحديث بأنه حسن فقط من غير وصف أخر، أما إذا أردفه بوصف أخر فلا يشترط له تعدد الطرق، لا يشترط أن يروى من غير وجه، فإذا أردف الحسن بالصحة لا يشترط أن يروى من غير وجه إذا أردف الحسن بالغرابة لا يشترط أن يروى من غير وجه، ويكون هناك ما يجبروا هذا الشرط الذي اختل عنده.

"حديث حسن غريب لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى اسْمُهُ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَلَا نَعْرِفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-" يعني ما يقال إذا خرج من الخلاء لا يعرف إلا هذا الحديث، طيب في أحاديث كثيرة، الباب فيه أحاديث كثيرة، منها حديث أنس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)) رواه ابن ماجه، ومثله لأبي ذر عند النسائي ونحوه عند الدارقطني من حديث ابن عباس، وجاء حديث سهل بن أبي حثمة ذكره ابن الجوزي في العلل، وحديث ابن عمر عند الدارقطني ((الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى علي قوته، وأذهب عني أذاه)) هذه أحاديث تقال بعد الخروج، والترمذي يقول: لا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة، ومن حق الترمذي أن يقول هذا الكلام؛ لأن هذه الأحاديث ضعيفة، يعني لا نعرف في هذا الباب مما يثبت إلا حديث عائشة، كونه يرد في الباب من الأحاديث التي لا تثبت لا يرد على نفي الترمذي، فلا يرد عليه إلا لو وجد حديث ثابت يستدرك عليه، أما أحاديث ضعيفة لا تستدرك على الترمذي في نفيه وتعميمه عدم المعرفة لغير هذا الحديث، والله الباب هذا باب: النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول لا ينفك عن الباب الذي يليه، الرخصة في ذلك، فكونه يترك مع الباب الذي يليه وننظر في بعض الأسئلة ليكون الدرس القادم خالياً عن الأسئلة. هذا يقول: أعاني من مشكلة النعاس أثناء الدرس وضعف التركيز فهل هذا يدل على أني لست بأهل لطلب العلم؟ وما الحل عندكم؟

في الحديث جاء أن المصلي إذا نعس فليرقد، فلعله يريد أن يدعو لنفسه فيدعو عليها، لكن إذا كان ديدن الإنسان النعاس ماذا يصنع يرقد؟ إذا فتح المصحف نعس، إذا سجد نعس، إذا جلس في درس نعس فهل هذا حل أنه كلما نعس يرقد؟ هذا ليس بحل، بل يعالج هذا النعاس، أولاً: ينام النوم الكافي، ويتخفف من الشواغل التي تذهب نشاطه وقوته وتفكيره التي لا تفيده ولا تعينه على أمر دين ولا دنيا، كثير من الناس يشغل الذهن بأمور لا تنفعه في دينه ولا في دنياه بحيث إذا جاء إلى أمر ينفعه ما استطاع أن يستحضر القلب ولا التركيز ولا ينظر في ما يقال، حتى ولو كان يقرأ قرآن ما يدري ما يقرأ لأنه استغرق ذهنه فيما لا ينفع، ومع الأحداث التي تعيشها الأمة تجد كثير من طلاب العلم ينشغل بالقيل والقال، وينشغل بالأخبار، وينشغل بالصحف ووسائل الإعلام ينشد ذهنه مع هذه الأمور وتشغله عما هو بصدده من تحصيل العلم النافع الذي ينفعه في دينه ودنياه، مثل هذه الأمور لا شك أنها شواغل وصوارف ينبغي لطالب أو يتعين عليه أن يتخفف منها، ولا يؤخذ منها إلا بقدر البلغة، نعم هو يحتاج إلى أن يعرف ما يدور حوله لكن لا يؤخذ عليه هذا كل الجهد، فعلى طالب العلم أن يحرص على الاستعداد للدرس، يحرص على أن يستعد للدرس، ويتجه بكليته وهمته، ويترك الشواغل والصوارف التي تصرفه عن الاهتمام بالدرس والعناية به، والإقبال عليه، وحينئذٍ يعالج وضعه، بعض الناس مبتلى بكثرة النوم مثل هذا الحجامة فيها شئ من التخفيف. يقول هذا: أحب الإنفراد في السفر الذي هو داخل المنطقة وأشغل بعض الوقت في الدعاء وأسمع بعض الأخبار، وأقرأ أحياناً القرآن، وأنا منقطع من كثير من المجالس، ومنفرد من أهلي، فهل مثل هذا منهي عنه؟ أو من أسباب تسلط الشياطين على الإنسان؟

على كل حال من شغل وقته بذكر الله وطاعة الله، وأنس بالله، هذا الإنفراد خير له من الاجتماع، الإنفراد خير له من الاجتماع، أما إذا لم يشغل وقته بما يرضي الله -جل وعلا-، ولم يكن وقته معمور بذكر الله وشكره والإنس بالله فمثل هذا تسلط عليه الشياطين والوساوس كثيرة، والأمراض النفسية، والأزمات يشكو منها ويعاني منها كثير من الناس، لكن إذا وجد الأنس بالله فلا يعدله شيء، فلا يعدله شيء، في السفر يعني لا يلزم أن يكون الثلاثة في سيارة واحدة، يعني إذا وجد في الطريق سيارات تمشي ولو كان مفرداً بسيارته هذا ليس بمنفرد، إذا كان الطريق معمور سالك للناس كلهم فمثل هذا ليس بمنفرد، كما أن من ركب دابته وبجواره أخر على دابته وثالث على دابة ثالثة هؤلاء ركب، ولا يلزم أن يركب الثلاثة كلهم على دابة واحدة وكذلك السيارة ....

أبواب الطهارة (4)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (4) شرح: باب: في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول، وباب: ما جاء من الرخصة في ذلك، وباب: ما جاء في النهي عن البول قائماً، وباب الرخصة في ذلك. الشيخ/ عبد الكريم الخضير فأعربوا القرآن بمؤلفات كثيرة قديمة ومتأخرة، وإعراب القرآن للنحاس كتاب طيب، وكذلك للعكبري وغيرهما من المتقدمين، لكن كثير من كتب المتقدمين يطوون الأشياء التي يتوقعون أنها معروفة لدى طلاب العلم، فلا يعربون كل شيء، ولذا عني المتأخرون بإعراب كل شيء، فألف في إعراب القرآن كتب كثيرة من قبل المتأخرين، وفي تقديري أن من أفضل كتب إعراب القرآن: محي الدين درويش، هذا معاصر، شامي معاصر، أعرب القرآن على وجه تفصيلي يستفيد منه طالب العلم، وقلنا مرارا: إن طالب العلم في علوم العربية ينبغي أن يتمرن على القرآن الكريم، فإذا درس كتاب من كتب العربية وليكن الأجرومية مثلا، الأجرومية إذا أنهاها وأنهى شروحها والأشرطة المسجلة عليها يعرب الفاتحة ثم يقابل إعرابه بكتب إعراب القرآن فإذا طابق وعرف أنه أتقن الفن، ثم ينتقل إلى إعراب قصار السور، وهذه طريقة مألوفة عند المتقدمين عند العلماء يمرنون طلاب العلم على إعراب القرآن وهذا يعين على فهم العربية وعلى فهم القرآن في آن واحد، فعلى طالب العلم أن يعنى بهذا. يقول: كتاب شرح الأربعين النووية للنووي نفسه هل تصح نسبته إليه؟ نعم تصح نسبته إليه. يقول: ومن نسبه إليه من العلماء فإني راجعت كتب التراجم فلم أقف إلى الآن؟ هو الذي يشك فيه والذي أجزم بأنه لا تصح نسبته "شرح الأربعين لابن دقيق العيد" أما شرح الأربعين للنووي فنسبته صحيحة. يقول: سألني صاحبي عن (تفسير المنير) لوهبة الزحيلي فماذا سأقول ... ؟ تفسير تفصيلي تحليلي، فيه فوائد ونكات وطرائف، لكنه ليس مثل تفاسير الأئمة المحققين مثل ابن كثير أو ابن جرير أو غيرهما من أهل العلم، تفاسير المعاصرين يستفاد منها، يستفاد من تفاسير المعاصرين ما يزيدونه مما استجد على كتب الأئمة، وإلا فالمعول في هذا الباب على أهل التحقيق.

يقول: أريد شراء بعض كتب الحديث سنن البيهقي وصحيح ابن خزيمة ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق، فما هي أفضل الطبعات؟ وهل هي محققة؟ سنن البيهقي ما زالت الطبعة الهندية القديمة هي أفضل الطباعات؛ لأن ما طبع بعدها كله مأخوذ منها، وما في طبعات اعتمدت على نسخ وقوبلت بعد الهندية، يقول: صحيح ابن خزيمة معروفة طبعة الشيخ: محمد بن مصطفى الأعظمي، ومصنف ابن أبي شيبة هي طبعة حمد الجمعة والحيدان لا بأس بها، وإن كان فيها إعواز لكنها لا بأس بها، أفضل من الطبعات السابقة، مصنف عبد الرزاق أيضا طبعة المكتبة الإسلامية جيدة. يقول: في قول الترمذي: "وفي الباب" هل تعتبر شواهد لحديث الباب؟ نعم هي شواهد، جلها شواهد، وقد يطلق هذه اللفظة ويذكر أحاديث يصلح أن تذكر في الباب، يصلح أن تذكر في الباب، ولو لم تكن باللفظ أو بالمعنى. يقول: كيف يتمكن طالب العلم من تخريج حديث بشكل متقن؟ طالب العلم إذا كانت لديه خبرة ومعرفة بكتب العلم كتب الحديث على وجه الخصوص وترتيب هذه الكتب، وعرف هذا الترتيب يسهل عليه مراجعة الكتب، وكلما كثرت عنايته بهذا الباب وأكثر النظر وأدام النظر في هذه الكتب سهل عليه الرجوع إليها، ولا أقول لطالب العلم أن يراجع الفهارس أو الآلات، لا، إذا عجز وانتهى ما عنده من قدرة على استخراج الأحاديث من الكتب يستعين بالآلات لا بأس. ما أدري الاسم في الأعلى خطأ في الشرع وفي اللغة، كيف الاسم؟ لعله يقصد ... ، الاسم في الأعلى خطأ في الشرع وفي اللغة؟

إيه هو كاتب الاسم بدون (ابن) إيه يقصد الأعلى في الورقة هذه التي فيها السؤال، ورقة الأسئلة فيها الاسم بدون (ابن) وهذه اعتاد الناس عليها ودرجوا عليها "فلان فلان" محمد إبراهيم، على صالح، لا شك أن هذا خطأ، وأسوء منه اقتران ما يضاف إلى الله -جل وعلا- بـ (أل) مثل ما يقال: محمد البعد الله هذا خطأ شنيع؛ لأن الإضافة في عبد إلى الله -جل وعلا- هذه إضافة معنوية وليست لفظية يجوز اقتران (أل) بالمضاف، فلا يجوز اقترانها بـ (أل) على أي وجه، لو كانت الإضافة لفظية وليست معنوية جاز، إذا كان المضاف إليه مقترن بـ (أل)، أما والحالة هذه في هذه الصورة والإضافة معنوية لا يجوز بحال اقتران المضاف بـ (أل)، وإذا اقتربن بـ (أل) تغير المعنى تماما. يقول: تعلمون ما للذكر من فضل عظيم وخصوصا إذا كان مع حضور القلب، فما رأيكم إذا كان الذكر بغير استحضار للقلب مثل الذكر أثناء القيادة وغير ذلك مع العلم أن القلب منشغل بالقيادة لا بالذكر؟ عامة أهل العلم على أن الأجور المرتبة على الذكر إنما هي الذكر الذي يستحضر فيه القلب، وليس له من عبادته إلا ما عقل، كما جاء في الصلاة، لكن الحافظ ابن حجر رجح أن الأجور والآثار المرتبة على القول تثبت بمجرد القول، من قال كذا فله كذا يثبت، وأجر استحضار القلب قدر زائد على ذلك، فأجره أعظم. يقول: ما حكم إعادة قراءة الفاتحة في الصلاة حيث أني في بعض الأحيان أقرأ الفاتحة وقلبي غافل عن القراءة فأقوم بإعادة الفاتحة وأنا مستحضرا ما أقرأه نظرا لكون الفاتحة من أهم أركان الصلاة؟ الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب لكن إذا قرأها على أي وجه كان أدى الركن، لكن الأجر المرتب عليها قد يتخلف، وأهل العلم يقولون: يكره تكرار الفاتحة، ومثل هذا لا يقف عند حد، والشيطان إذا استجاب له الإنسان بمثل هذه الطريقة قد يمنعه من الصلاة، لا يزال يكرر الفاتحة، وإذا كرر -هذا أمر مجرب- إذا كرر شيئا بحجة أنه غفل عنه، الشيطان يجعله يغفل عن القراءة الثانية والثالثة حتى يكررها إلى ألا يعقل من صلاته شيء.

يقول: مسافر افتتح صلاته بالطائرة لجهة القبلة ثم أقلعت الطائرة فأصبحت القبلة خلفه، فما الحكم علما بأن الصلاة فريضة؟ على كل حال يدور مع جهة القبلة حيثما دارت، يدور إلى جهة القبلة حيثما دارت مع الإمكان، إذا استحال ذلك يصلي على حسب حاله. الحافظ ابن رجب -رحمه الله- ينقل في بعض مؤلفاته عن بعض المتصوفة مثل: ذي النون المصري وأبي يزيد البسطامي وغيرهما، وعلق بعضهم على ذلك وقال: الحافظ ابن رجب فيه نزعة صوفية إلا أن الله عصمه بمنهجه السلفي؟ على كل حال من مال إلي شيء أحب أهله، فابن رجب -رحمه الله- من العباد، وكذلك النووي يكثرون من ذكر أهل العبادة، وهؤلاء الذين ذكروا وإن كان عندهم شيء من المخالفات إلا أنهم أهل عبادة، ولذا فرق بين أن يترجم ابن حجر لراوي وبين أن يترجم له النووي مثلا، فتجد النووي ملحظه العبادة والعمل، يشيد بهذا الراوي ولو كان وزنه في الرواية أقل، لكن ابن حجر همه الرواية، ولذلك لا يعرج على ما سواها. شيخ الإسلام ابن تيمية يشيد بمثل هؤلاء بأبي سليمان الداراني وبأبي يزيد البسطامي وغيرهم يذكرهم كثيرا ويشيد بهم على ما عندهم من مخالفات، ويبين مخالفاتهم عند الحاجة. ذبيحة المشرك الذي قال عند الذبح: بسم الله؟ ذبيحة المشرك لا تحل بحال ما دام متلبس بشرك. يقول: نريد منكم أن توضحوا لنا كيف نخرج الأحاديث اختصارا؟ تخريج الأحاديث يكون بالرجوع إلى المصادر، مصادرها الأصلية من الكتب الستة وغيرها، ثم بعد ذلك ينظر في أسانيدها ومتونها. يقول: كيف ترون تحقيقات الشيخ أبو غدة؟ أبو غدة -الله المستعان- أفضى إلى ما قدم، وما قيل عنه بالنسبة لاعتقاده أمر يخصه، ولا يذكر أنه صرح بشيء في ذلك من كتبه أو في مجالسه التي يجلس فيها مع الطلاب، أما خواصه الذين يجلسون معه فلا ندري ما يدور بينهم، الله أعلم بحقيقة الحال، لكن تحقيقاته هو رجل دقيق في التحقيق، ودقيق في الطباعة، وعلامات الترقيم، وعنده سعة في الإطلاع بحيث يعلق على الكتب بكلام قد لا يخطر على بال القارئ، وعلى كل حال الرجل له وعليه، وقد أفضى إلى ما قدم. يقول: أيهما أصح "كل أمتي معافى إلا المجاهرون أو إلا المجاهرين"؟ الأصل المجاهرين؛ لأنه مستثنى تام موجب.

وعنده سؤال ثاني أيضا يقول: ما رأيكم فيمن يدرس الناس ويفتي وهو صغير ولكن عنده علم؟ إذا كان عنده علم فلا مانع من أن يدرس ويفتي، ومالك حدث الناس في السابعة عشر من عمره، لكن ينبغي أن يكون لديه أيضا حسن تعامل مع الكبار؛ لأنه في كثير من الأحوال الصغير إذا تصدر وإن كان عنده شيء من العلم يكون تعامله مع الكبار فيه ما فيه، لا سيما إذا كان لديه شيء من النبوغ والذكاء فقد لا يتعامل معاملة تناسب الكبار، والكبار لا شك أنهم لهم حق، وأهل العلم يقولون: الصغير لا ينبغي أن يتصدر في بلد فيه من هو أكبر منه، أو أحق منه، لكن ما يوجد ما يمنع في النصوص من أن يتصدر الصغير إن كان لديه علم شريطة أن يحسن التعامل مع غيره، لئلا يثير العداوة بينه وبين غيره فيترك مجال للشيطان في هذا الباب. من طلق امرأته ثلاثا يعني بلفظ واحد بعد العقد وقبل أن يدخل بها؟ هي بانت منه، بانت لكنها بينونة صغرى، تحل له مراجعتها إذا اعتبرنا الثلاث واحدة على ما يفتى به الآن بعقد جديد. هل يوجد ترتيب للتمهيد غير ترتيب عطية سالم ويكون مناسبا؟ في ترتيب أول ترتيب ظهر للكتاب ترتيب المغراوي، لكن في تقديري أن ترتيب عطية سالم أفضل؛ لأنه اعتمد ترتيب الإمام مالك، وأما الترتيب الجديد الذي لا يعتمد لا على ترتيب المؤلف ولا على ترتيب صاحب الأصل فهذا فيه ما فيه. يقول: ما رأيكم بطبعة عالم الكتب بتحقيق التركي لتفسير ابن كثير؟ ما رأيته هذا، تحقيق التركي لتفسير ابن كثير ما رأيته، ورأينا تفسير الدر المنثور وتفسير الطبري، أما تحقيق ابن كثير ما رأيته. هل طلب الرقية من الغير للغير ينافي كمال التوكل كطلب الرقية للنفس؟ لا هذا إحسان إلى الغير. يقول: الثقة إذا انفرد بحديث ولم يتابع عليه؟ لا ينقص عن درجة الحسن، الثقة إذا تفرد بالحديث وكان ممن يحتمل تفرده فمرويه صحيح، ما لم يتضمن مخالفة. وهنا يقول: ما معنى المتابعة؟ المتابعة أن يروى من طريق غيره، فكيف تتم المتابعة وتوجد المتابعة مع وصفه بالتفرد؟ يقول: هل يجوز دفع المال الحرام يعني المكتسب من الربا مثلا هل يجوز دفعه للأقارب المحتاجين؟

باب: في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول:

أما بنية الصدقة أو التقرب به إلى الله -جل وعلا- فلا؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإما بنية التخلص فهو مال خبيث مصرفه المصارف الخبيثة، فيصرف في دورات مياه ومجاري وما أشبهها، كما جاء في الحديث: ((كسب الحجام خبيث)) ثم قال: ((أطعمه ناضحك)). يقول: أنا شاب أعاني من ممارسة العادة السرية علما أن مظهري مظهر ملتزم، ما السبيل للخلاص منها؟ العادة السرية أو استخراج المني باليد أو بغيرها محرم على القول الراجح عند أهل العلم؛ لأن الله -جل وعلا- قصر الأمر على الزوجات أو ما ملكت اليمين، وما عدا ذلك محرم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى من لم يستطع الباءة أن عليه بالصوم فإنه له وجاء، ولو كانت حلالا لأرشد إليها، فالمرجح أنها حرام، لكن يبقى أنه لو كان في بلد أو في مكان عرض نفسه فيه للفتنة، مع أنه لا يجوز أن يعرض الإنسان نفسه للفتنة، تعرض للفتنة فإما أن يقع في الزنا أو يزاول هذه العادة ارتكاب أخف الضررين مع أنها تبقى محرمة، لكن ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، والآن الفتن في قعر البيوت، ما يحتاج إلى أن يخرج إلى الأسواق أو إلى المحلات أو إلى غيرها. يقول هذا: في أي سنة ولد الترمذي علما أنه في نسخة الشيخ: صالح آل الشيخ عام مائتين؟ أهل العلم يقولون: توفي سنة تسع وسبعين ومائتين عن سبعين سنة، فمن هذا استنبط أنه ولد سنة تسع ومائتين، وقيل غير ذلك. يقول: في وجوب قراءة الفاتحة يعني على المأموم قولان معروفان، فما حكم من جمع بين القولين فيقرأ في سكتة الإمام بعد الفاتحة فإذا قرأ الإمام ما تسير سكت المأموم عن قراءته ولو لم يكمل قراءة الفاتحة؟ على كل حال على القول بأنها ركن على كل مصل إلا المسبوق فلا بد من قراءتها ولو في أثناء قراءة الإمام. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، وبارك له في علمه وفي عمره، واغفر لنا وللحاضرين والمستمعين. قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب: في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول:

حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا)) فقال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت مستقبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، ومعقل بن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، وأبي أمامة وأبي هريرة وسهل بن حنيف. قال أبو عيسى: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وأبو أيوب اسمه: خالد بن زيد، والزهري اسمه: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وكنيته أبو بكر، قال: أبو الوليد المكي: قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: إنما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا ببول ولا تستدبروها)) إنما هذا في الفيافي، وأما في الكنف المبنية له رخصة في أن يستقبلها، وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم، وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: إنما الرخصة من النبي -صلى الله عليه وسلم- في استدبار القبلة بغائط أو بول، وأما استقبال القبلة فلا يستقبلها، كأنه لم ير في الصحراء ولا في الكنف أن يستقبل القبلة. "باب: في النهي عن استقبال القبلة" هي جهة الكعبة عند الجمهور وعند الشافعية عين الكعبة، على خلاف بين أهل العلم فيما يجزأ استقباله في الصلاة، فالجمهور على الجهة، والشافعي يرى إصابة عين الكعبة، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. "بغائط أو بول" يعني عند قضاء الحاجة، عند قضاء الحاجة.

قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا سعيد بن عبد الرحمن -أبي حسان- المخزومي" المكي، ثقة، توفي سنة تسعة وأربعين ومائتين "قال: حدثنا سفيان بن عيينة" الهلالي المكي الإمام الحافظ الثقة المعروف "عن الزهري" وسيأتي ذكر اسمه ونسبه في كلام المؤلف -رحمه الله- "عن عطاء بن يزيد الليثي" المدني نزيل الشام "عن أبي أيوب" وسيأتي ذكر اسمه أيضاً في كلام المؤلف "عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتيتم الغائط)) الأصل في هذه الكلمة أنها تطلق على المكان المطمئن يعني المنخفض، وعادة هذا المكان هو الذي يقصد لقضاء الحاجة، فأطلق على الحاجة نفسها اسم المكان، أطلق على الحاجة نفسها اسم المكان وإلا فالأصل أن هذه الكلمة للمكان المطمئن المنخفض الذي يقصد من أجل الاستتار لقضاء الحاجة لانخفاضه عن أعين الناظرين، فأطلق على الحال لفظ المحل.

((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة)) وقلنا: إن المراد بها الجهة عند الجمهور، وعند الشافعي العين، إصابة العين، ((فلا تستقبلوا القبلة بغائط)) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير "لا تستقبلوا"، أي لا تستقبلوا القبلة حال كونكم مقترنين بغائط أو متلبسين بغائط أو بول أو فاعلين أو غير ذلك مما يصح تقديره حالاً في مثل هذا، ((بغائط ولا بول، ولا تستدبروها)) يعني لا تتجهوا إليها بوجوهكم، ولا تجعلوها دبركم، ولا تستدبروها، يعني مستقبلين ولا مستدبرين ((ولكن شرقوا أو غربوا)) يعني توجهوا إلى جهة المشرق أو إلى جهة المغرب، توجهوا إلى جهة المشرق أو إلى جهة المغرب، وهذا الخطاب لأهل المدينة؛ لأن أهل القبلة بالنسبة لهم إلى جهة الجنوب، فمن كان في المدينة أو على سمتها مما هو شمال الكعبة أو في الجهة التي تقابلها، ممن هو جنوب الكعبة هذا ينهى عن أن يستقبل الكعبة أو يستدبرها متجهاً إلى الشمال أو الجنوب في الجهتين، ولا ينهى حينئذٍ من استقبال المشرق أو المغرب، أما من كان في جهة المشرق مثلاً كنجد أو في المغرب كمصر مثل هذا لا يقال له: شرق أو غرب، إنما ينهى عن الاستقبال والاستدبار، ولكن يشمل أو يجنب، يتجه إلى جهة الجنوب أو إلى جهة الشمال؛ لأنه إذا شرق أو غرب فإنه حينئذٍ يكون مستقبلاً للكعبة أو مستدبراً لها، فهذا الخطاب خاص بأهل المدينة ومن كان على سمتها أو مقابلاً لها، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولكن شرقوا أو غربوا)) فيه ما يرد على من منع استقبال النيرين معللاً ذلك بما فيهما من نور الله، والحديث صريح في الرد عليه؛ لأنه إذا شرق أو غرب استقبل، فإن شرق في أول النهار استقبل الشمس، وإن غرب في أخر النهار استقبل الشمس، وكذلك القمر، ولا يوجد ما يدل على المنع من ذلك ولا العلة.

((ولكن شرقوا أو غربوا)) فقال أبو أيوب الصحابي: فقدمنا الشام" يعني بعد فتحها قدموا الشام فوجدوا مراحيض "فوجدنا مراحيض" جمع مرحاض، وهو المتخذ لقضاء الحاجة "قد بنيت مستقبل القبلة" هذا في الشام يعني بنيت إلى جهة الجنوب، بنيت إلى جهة الجنوب إلى جهة القبلة "قال: فننحرف عنها" يعني نميل عن جهة القبلة ينحرفون يميناً أو شمالاً عنها "فننحرف عنها ونستغفر الله" يقول ابن العربي: هذا الاستغفار يحتمل ثلاثة أوجه: الأول: أن يستغفر الله من الاستقبال، من هذا الاستقبال؛ لأنه وإن انحرف فإنه لا يستطيع أن ينحرف كثيراً، لا يستطيع أن ينحرف كثيراً، إنما ينحرف قليلاً عن الجهة، ولا يستطيع أن يحرف تمام الانحراف إلى جهة مخالفة، إلى الشرق أو إلى الغرب، فلا يستطيع امتثال ((ولكن شرقوا أو غربوا)) فيستغفرون الله -جل وعلا- على ما بدر منهم وحصل، هذا الوجه الأول، الوجه الثاني: أنه يستغفر الله من ذنوبه، من ذنوبه فإن هذا الذي وقع فيه أو وُقع فيه من قبله ذنب، والذنب يذكر بالذنب، فيذكر الإنسان ذنوبه فيستغفر الله منها، وإلا فقد فعل في هذا الظرف وفي هذه الحال ما أمر به، انحرف عن القبلة ولم يرتكب محظور، وحينئذٍ ليس عليه استغفار، ومع ذلك الإنسان لو أدى جميع ما عليه على حد زعمه فإنه لن يستغني عن الاستغفار، التقصير لا بد منه ولا يمحوه إلا الاستغفار.

الوجه الثالث يقول: يستغفر الله لمن بناها فإن الاستغفار للمذنبين سنة، يستغفر الله -جل وعلا- لمن بناها، إذا ثبت أن الذي بناها مسلم وإلا فوقت فتحها الذي يغلب على الظن أن الذي بنى هذه المراحيض غير مسلمين فلا يتوجه الاستغفار لهم، بل لا يجوز الاستغفار لهم، وقد نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يستغفر لعمه، ونهي إبراهيم إن يستغفر لأبيه، فلا يجوز الاستغفار للكفار، ولا يجوز الترضي عليهم ولا يجوز الترحم، وإن وجد في أساليب بعض الأدباء وبعض المعاصرين المجاملين؛ لأن الكفار الذين حصل لديهم بعض ردود الأفعال من الأحداث الجارية، فلا يجوز بحال أن يترضى أو يترحم أو يستغفر للكفار، لكن إذا كان الذي بناها مسلم أو يغلب على الظن أنه مسلم، أو وجد على ذلك علامات أو أثار مسلمين فإنه يستغفر له، وعلى هذا الذي يبني بيته فيتعين عليه أن يصرف هذه الأماكن التي تقضى فيها الحاجة عن جهة القبلة، يعني المراحيض تصرف عن جهة القبلة على الخلاف الأتي في النهي، وأنه هل يختص بالصحارى دون البنيان أو يشمل الجميع؟ وعلى كل حال خروجاً من الخلاف من بنى بيتاً يحرف جهة هذا المرحاض عن جهة القبلة فلا يستقبلها ولا يستدبرها. "قال أبو عيسى -المؤلف الترمذي-: وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي" وهذا مخرج عند ابن ماجه وابن حبان، حديثه مخرج عند ابن ماجه وابن حبان، وهو صحابي شهد فتح مصر، ومات بها سنة ست وثمانين "ومعقل بن أبي الهيثم" وحديثه أيضاً عند أبي داود وابن ماجه، وهو معدود في أهل المدينة له ولأبيه صحبة مات في خلافة معاوية "ويقال له: معقل بن أبي معقل" معقل بن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، ولا يمنع أن يكون معقل بن أبي الهيثم ويكون أيضاً معقل بن أبي معقل، يمكن اجتماعهما لأن أباه يكنى بأكثر من كنية بأبي الهيثم؛ لأنه أكبر ولده وقد يكنى بمعقل؛ لأنه أقرب الناس إليه، كما صنع الإمام أحمد يكنى بأبي عبد الله وصالح أكبر منه "وأبي أمامة" وهذا ينظر من أخرجه، "وأبي هريرة" وهو مخرج عند مسلم وابن ماجه "وسهل بن حنيف" وحديثه عند الدارمي.

"قال أبو عيسى: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح" وأخرجه الشيخان، فالحديث متفق عليه، "وأبو أيوب اسمه: خالد بن زيد" بن كليب من كبار الصحابة مات سنة خمسين أبو أيوب يقول المؤلف اسمه: خالد بن زيد، وجده اسمه: كليب، وهو من كبار الصحابة مات سنة خمسين "والزهري اسمه: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وكنيته أبو بكر" متفق على إمامته وجلالته توفي سنة أربع وعشرين ومائة "قال أبو الوليد المكي" موسى بن أبي الجارود صاحب الإمام الشافعي من الآخذين عنه، من الملازمين له "قال أبو عبد الله -ينقل عن شيخه أبي عبد الله- محمد بن إدريس الشافعي" الإمام العلم صاحب المذهب المتبوع، المتوفى سنة أربع ومائتين "إنما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ((لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا ببول ولا تستدبروها)) هذا النهي الوارد في حديث الباب "إنما هذا في الفيافي" في الصحاري التي لا يوجد فيها حواجز بينه وبين القبلة "وأما في الكنف المبنية" جمع كنيف، وهي المتخذة لقضاء الحاجة "له رخصة" يعني يجوز له أن يستقبل وأن يستدبر "وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم" الحنظلي، الإمام المعروف بابن راهويه.

هذا الكلام من الإمام الشافعي ويوافقه عليه إسحاق وهو قول مالك أيضاً نبسه ابن حجر للجمهور، قال: وهو قول الجمهور، وهو أعدل الأقوال أن الحكم يختلف فإذا كان في الصحاري اتجه المنع، وإن كان في البنيان فالأمر فيه سعة، وفيه رخصة، يعني جائز، ونسبه ابن حجر للجمهور، ويدل عليه حديث ابن عمر الآتي، وحديث جابر أيضاً، هذا قول، القول الأول: التفريق بين الصحاري والبنيان، فيجوز في البنيان دون الصحاري، والقول الثاني: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: إنما الرخصة من النبي -صلى الله عليه وسلم- في استدبار القبلة بغائط أو بول، وأما استقبال القبلة فلا يستقبلها" يعني سواء كان في الصحاري أو في البنيان، فالاستدبار يجوز مطلقاً في الصحاري وفي النبيان، والاستقبال لا يجوز مطلقاً في الصحاري ولا في البنيان "كأنه لم ير في الصحراء ولا في الكنف أن يستقبل القبلة" وأما الاستدبار فلا بأس به، هذا ما نسبه الإمام المؤلف -رحمه الله- إلى الإمام أحمد، وعنه يعني عن الإمام أحمد كقول الشافعي التفريق بين الصحاري والبنيان، وعنه لا يجوز مطلقاً لا الاستقبال ولا الاستدبار لا في الصحاري ولا في البنيان، قول مالك كقول الشافعي الذي نسبه إليه المؤلف في الكتاب، وقول الحنفية كقول أحمد المذكور في الكتاب، يعني التفريق بين الاستقبال والاستدبار، وقيل: يجوز مطلقاً، وهو قول عروة وربيعة وداود الظاهري بناءاً على أن ما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- من استدبار للكعبة في حديث ابن عمر واستقبالها في حديث جابر يكون ناسخاً للنهي، ومثل هذا الذي فيه تعظيم لهذه الجهة المعظمة شرعاً لما فيها من بيت الله المعظم، ومن شعائر الله التي تعظيمها من تقوى القلوب، يرى بعض أهل العلم أن مثل هذا لا يقبل النسخ مثل هذا لا يقبل النسخ؛ لأن العلة قائمة ما ارتفعت وهو تعظيم البيت، من أهل العلم من يرى أن الفعل خاص به -صلى الله عليه وسلم- والنهي للأمة، يعني فعله -عليه الصلاة والسلام- في استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة خاص به، وأما نهيه فهو محمول على غيره على الأمة، ولا شك أن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، ومن جهة أخرى تخصيص النبي -عليه

الصلاة والسلام- بهذا الأمر لا وجه له، لا وجه له لماذا؟ لأن عدم الاستقبال وعدم الاستدبار أكمل من الاستقبال والاستدبار حال قضاء الحاجة، لا شك أن احترام الجهة المحترمة شرعاً أكمل من ضده، وكل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، فكيف تمنع الأمة من أجل تعظيم الكعبة ألا تستقبل ولا تستدبر ويباح للنبي أن يستقبل ويستدبر؟ مع أن هذا كمال يعني ما أمرت به الأمة كمال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بالكمال فتخصيصه غير وارد هنا، مع أن التخصيص لا بد له من مخصص، يعني نظير ما قيل في مسألة الكشف -كشف الفخذ- في حديث جرهد: ((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وحسر النبي -عليه الصلاة والسلام- فخذه كما في الصحيح من حديث أنس، يقولون: هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، وأما من عداه يجب عليه أن يغطي الفخذ. نقول: ستر الفخذ كمال أكمل من كشفه فكيف يطالب غيره بالكمال ويعفى -عليه الصلاة والسلام- من هذا الكمال؟! لا يمكن أن يقال مثل هذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق وأتقاهم وأورعهم وأخشاهم وأحياهم، فمثل هذا لا يتجه القول بتخصيصه، ثم بعد ذلك ينظر إلى مسلك أخر من مسالك الجمع.

باب: ما جاء من الرخصة في ذلك:

هذه المسألة مسألة الاستقبال والاستدبار للكعبة بالغائط أو البول عرفنا ما فيها من أقوال، منهم من يرى أن النهي محفوظ، وأنه لا يجوز مطلقاً لا الاستقبال ولا الاستدبار، لا في الفضاء ولا في البنيان، عملاً بحديث الباب، وقالوا: إنه محفوظ وما عداه يمكن الإجابة عنه، والعلة قائمة التي من أجلها نهي عن ذلك، والتفريق بين الصحراء والبنيان كما قال الإمام الشافعي: "إنما هذا في الفيافي، وأما في الكنف المبنية فله رخصة" قد يقول قائل: إنه هذا البنيان لا بد من وجوده، إذا كان خارج البيت لا بد من وجود البنيان، سواء كان ملاصقاً أو بعيداً يعني الذي يبول في الصحراء إلى الجهة يعني هل معنى هذا أنه ليس بينه وبين الكعبة بنيان ولو بعد؟ لا بد من وجود بنيان، فالتفريق بهذا فيه ما فيه، والذي يفرق بين الاستقبال والاستدبار لا شك أن الاستقبال قبيح وشنيع، الذي يجيز الاستقبال وكما نسب المؤلف للإمام أحمد وهي رواية عنه: "إنما الرخصة في استدبار القبلة بغائط أو بول وأما استقبال القبلة فلا يستقبلها" لا شك أن الاستقبال قبيح، لكن الاستدبار قد يكون أقبح من الاستقبال، فالتفريق بمثل هذا فيه ما فيه، وعرفنا الأقوال تبلغ خمسة أو تزيد، التفريق بين الصحراء والبنيان، التفريق بين الاستقبال والاستدبار، الجواز مطلقاً، المنع مطلقاً، التخصيص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: "باب: ما جاء من الرخصة في ذلك" سم. نكمل الباب. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء من الرخصة في ذلك: حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها. وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار بن ياسر. قال أبو عيسى: حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب.

وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن أبي قتادة أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبول مستقبل القبلة حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة، وحديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أصح من حديث ابن لهيعة، وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه. حدثنا هناد حدثنا عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر قال: "رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء من الرخصة في ذلك" أي في استقبال القبلة أو استدبارها بغائط أو بول، قال: "حدثنا محمد بن بشار" بندار الحافظ تقدم "ومحمد بن المثنى" بن عبيد العنزي أبو موسى الزمن، المتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين "قالا: حدثنا وهب بن جرير" بن حازم أبو عبد الله الأزدي البصري ثقة، توفي سنة ست ومائتين "قال: حدثنا أبي" جرير بن حازم ثقة توفي سنة سبعين ومائة "عن محمد بن إسحاق" بن يسار المطلبي، إمام أهل المغازي، صدوق يدلس، مات سنة خمسين ومائة "عن أبان بن صالح" ثقة، ووثقه الأئمة، وجهله ابن حزم، ولا غرابة في كون ابن حزم يجهل أبان بن صالح فقد جهل الترمذي وجهله وقال: من محمد بن سورة، وضعفه ابن عبد البر، والأئمة على توثيقه، وعندكم في الكتاب أبان مضبوطة بإيش؟ بالفتح، لماذا؟ ممنوع من الصرف وإلا مصروف؟ مأخوذ من الإباء أو من الإبانة؟ إذ كان من الإبانة فالنون أصلية فهو مصروف، وإذا كان من الإباء فهو ممنوع من الصرف، مثل حسان إن كان من الحسن فهو مصروف، وإن كان من الإحساس والحس مع أن الأصل أن يقال: حساس ما هو بـ .... ، فهو ممنوع من الصرف، وعلى كل حال مختلف في صرفه ومنعه، وقالوا: من منع أبان فهو إيش؟ هاه؟ من منع أبان فهو أتان، قالوا هذا، مع أن ممن منعه ابن مالك صاحب الألفية، الإمام النحوي المعروف، لكن هذا قولهم، فالأكثر على عدم منعه من الصرف.

"عن أبان بن صالح عن مجاهد" بن جبر المكي المفسر القارئ المعروف "عن جابر بن عبد الله" بن عمرو بن حرام السلمي صحابي ابن صحابي "قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" وهذا الحديث مخرج في المسند، وعند أبي داود وابن ماجه والبزار وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، فهو مصحح، لكن يبقى أن فيه ابن إسحاق، وابن إسحاق الكلام فيه كثير لأهل العلم، والإمام ملك رماه بالكذب قال: دجال، ووثقه جمع غفير من أهل العلم، وتوسط فيه آخرون فقالوا فيه: صدوق، يعني يقبل حديثه، لا يرتقي إلى درجة الصحيح، ولا ينزل عن درجة الحسن، ومع ذلك هو يدلس فلا بد أن يصرح، فلا بد أن يصرح بالتحديث، وفي رواية أحمد صرح بالتحديث، فأمن ما كان يخشى من تدليسه "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" واستدل بهذا الحديث من قال بجواز ذلك مطلقاً، وجعل حديث جابر ناسخاً لأحاديث النهي، وهو عمدة من يقول بالجواز مطلقاً كعروة وربيعة وداود الظاهري. "وفي الباب عن أبي قتادة" مخرج عند الترمذي "وعائشة" عند أحمد "وعمار بن ياسر" عند الطبراني في الكبير. "قال أبو عيسى: حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب" وعرفنا في درس الأمس ما في الجمع بين الحسن والغرابة من إشكال، حسن غريب وهو معارض بحديث أبي أيوب السابق وهو أصح منه، لكنه موافق من جهة، وأن النهي كان موجود وليس فيه ما ينفي النهي لتتم المعارضة عند من يقول بها، فهو مثبت للنهي لكنه رافع لهذا النهي في آخر الأمر، وعلى كل حال الذين يرون المنع مطلقاً يقول: إن العلة وهو تعظيم الجهة موجودة لم ترتفع فيرتفع الحكم المنوط بها.

"وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير" ابن لهيعة عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، كلام أهل العلم فيه كثير، كثير جداً، وقد ضعفه ثلاثة عشر من الأئمة، وقواه بعضهم، وسيأتي كلام الترمذي فيه "وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير" محمد بن مسلم بن تدرس المكي، من رواة الصحيح لكنه كثير التدليس، فلا يقبل إلا إذا صرح، فالحديث فيه علتان: ضعف ابن لهيعة، وتدليس أبي الزبير "عن جابر -بن عبد الله- عن أبي قتادة أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبول مستقبل القبلة، حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة" الواسطة بين الترمذي وابن لهيعة قتيبة بن سعيد، وهو من شيوخ الترمذي، وتأخير الإسناد في مثل هذه الصورة أو تقديمه بمعنى أنه لو قال الترمذي من الأصل: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر هل يختلف الأمر فيما لو حدث عن شيخ شيخه ثم ذكر الواسطة بعد ذكر المتن؟ يختلف وإلا ما يختلف؟ يختلف وإلا ما يختلف؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني الصورة التي معنا "وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر" .. إلى آخره "حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة" لو قال الترمذي: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر .. إلى آخره نعم؟ يختلف وإلا ما يختلف؟ طالب:. . . . . . . . . وهي إيش؟ طالب:. . . . . . . . . تقديم الإسناد وتأخيره فيه فرق؟ نعم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

وهو ذكر أولاً، قد روى هذا الحديث ابن لهيعة، وسوف يذكر حتى على الوجه الذي افترضناه، في كتب علوم الحديث يقولون: إنه لا فرق بين أن يقدم الإسناد أو يؤخر، كأن يقول البخاري -رحمه الله تعالى-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات)) ... الحديث، حدثنا بذلك الحميدي قال: حدثنا سفيان .. إلى آخره، يقول: لا فرق بين أن يذكر الإسناد متقدم أو متأخر؛ لكن لا بد من نكتة لتأخير الإسناد، ابن خزيمة -رحمه الله- نص على أنه إذا أخر الإسناد فالإسناد فيه كلام، فيه ضعف، الجادة أن يقدم الإسناد، لماذا أخره؟ لنكتة، لضعف فيه، لكن إذا وجد الضعف في تقديم الإسناد كما هنا يعني لو افترضنا أنه قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فالضعف في ابن لهيعة تقدم أو تأخر ما يفرق عند أهل العلم في مثل هذا، إنما الذي يؤثر تقديمه وتأخيره للإسناد ابن خزيمة فقط، وقد نص على ذلك. يقول بعد ذلك: "وحديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أصح من حديث ابن لهيعة" الطريق الأول اللي هو برقم تسعة والثاني برقم عشرة، عندكم في الباب نفسه، الحديث الأول من مسند من؟ جابر، والثاني من مسند أبي قتادة، ولو قال المؤلف: حديث جابر أصح من حديث أبي قتادة فيه إشكال؟ لأن الحديث إنما ينسب للصحابي ما ينسب إلى الرواة، الحديث وهو حديث جابر والثاني حديث أبي قتادة، لكن قد يلتبس لأن جابر موجود في الاسنادين، لو قال: حديث جابر هو موجود في الأول وموجود في الثاني، إذاً هو يقول: حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أصح من حديث ابن لهيعة الذي فيه عن جابر عن أبي قتادة أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإلا فالأصل أن الحديث ينسب إلى مخرجه وهو الصحابي، أصح من حديث ابن لهيعة هل يلزم من ذلك أن يكون حديث جابر صحيح؟ حديث ابن لهيعة ضعيف، لكن هل يلزم من ذلك أن حديث جابر الذي قبله صحيح؟ لا يلزم؛ لأن أهل الحديث يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، ليست على بابها للاشتراك في الصحة، وإنما يذكرون أنه أصح وأقوى يعني أقوى ما في هذا الباب، وإن كان ضعيفاً، وفيه عنعنة ابن إسحاق على ما تقدم وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد.

قال المؤلف: "وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه" وقال ابن معين: ليس بالقوي، وقال مسلم: تركه وكيع والقطان وابن مهدي، وعلى كل حال ثلاثة عشر من أئمة النقد كلهم ضعفوه، وبعضهم قواه مطلقاً، وبعضهم قواه قبل احتراق كتبه دون ما بعد ذلك، وبعضهم يقوي رواية العبادلة عنه، رواية العبادلة عنه دون غيرهم، وأحمد شاكر له كلام في تقوية ابن لهيعة، يقول الشيخ أحمد شاكر: وابن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة الغافقي، أبو عبد الرحمن المصري القاضي الفقيه، وهو ثقة صحيح الحديث، وقد تكلم فيه كثيرون بغير حجة من جهة حفظه، وقد تتبعنا كثير من حفظه وتفهمنا كلام العلماء فيه، فترجح لدينا أنه صحيح الحديث، وأن ما قد يكون في الرواية من الضعف إنما هو ممن فوقه، ممن هو فوقه أو ممن دونه، وقد يخطأ هو كما يخطأ كل عالم وكل راوٍ، وروى أبو داود عن أحمد بن حنبل قال: ومن كان مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه. وقال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع، وهذا الحديث الذي أعله الترمذي بابن لهيعة إنما أعله لأنه رواه عن أبي الزبير عن جابر عن أبي قتادة وغيره رواه عن مجاهد عن جابر فقط، ولا مانع من صحة الروايتين، كما تراه في كثير من الأحاديث، وليست إحداهما بنافية للأخرى، يعني يصحح الطريقين، وعلى كل حال تصحيح الطريقين من قبل المتأخرين في حديث نص العلماء المتقدمون على ضعف إحداهما وأن إحداهما محفوظ، والثاني يحكم عليه بأنه الذي يقابل المحفوظ يحكم على الرواية الأخرى بأنها شاذة، يعني ذكر أبي قتادة شذوذ في الحديث الثاني.

هذا الكلام الذي ذكره الشيخ أحمد شاكر يقول: ولا مانع من صحة الروايتين كما تراه في كثير من الأحاديث وليست أحداهما بنافية للأخرى، يأتي نظيره من كلام الشيخ أحمد شاكر نقلاً عن كلام الشارح المبارك فوري وأن تصحيح الرواية بالنظر لصحة إسنادها لا يقدح ولا يعارض به قول الأئمة في ترجيح بعض الروايات على بعض، فمثلاً هنا في الحديث الذي يليه قال العيني في شرح البخاري في قول الترمذي: هذا نظر، ماذا قال الترمذي؟ حديث بريدة في هذا غير محفوظ، يعني مثل ما حكم على حديث أبي قتادة، اسمعوا لتنظروا، قال العيني في شرح البخاري في قول الترمذي: هذا نظر؛ لأن البزار أخرجه بسند صحيح، قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا عبد الله بن داود قال: حدثنا سعيد بن عبيد الله قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من الجفاء أن يبول الرجل قائماً)) .. الحديث، وقال: لا أعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبيد الله، يقول الشيخ أحمد شاكر: قال العلامة المبارك فوري: الترمذي من أئمة هذا الشأن فقوله في حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه، وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ، يعني حتى على القول بتوثيق ابن لهيعة الذي جرى عليه أحمد شاكر لا يلزم من ذلك صحة حديثه، الكلام في الأول مثل الكلام في الثاني، عرفنا كيف نربط بين الحديثين وبين المقامين؟ الشيخ أحمد شاكر يستدرك على الترمذي نعم، وقول الترمذي هنا، الترمذي قال عن رواية ابن لهيعة أنها ضعيفة لضعفه، وحديث جابر أصح، ويقول الشيخ أحمد شاكر بعد أن وثق ابن لهيعة قال: ولا مانع من صحة الروايتين كما تراه في كثير من الأحاديث، وليست بإحداهما منافية للأخرى.

طيب الرواية الثانية التي بعدها، الحديث الذي يليه، لما استدرك العيني على الترمذي وقال في قول الترمذي نظر؛ لأن البزار روى الحديث بسند صحيح، يقول المبارك فوري ينقله الشيخ أحمد شاكر ويقره: الترمذي إمام من أئمة هذا الشأن، فقوله: حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه، وأما إخراج البزار حديث وهو بسند ظاهره الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ، طيب على توثيق ابن لهيعة عند الشيخ أحمد شاكر لا ينافي كونه غير محفوظ، يعني شاذ، ثم بعد ذلك قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة بن سليمان" الكلابي أبو محمد الكوفي "عن عبيد الله بن عمر" بن حفص بن عاصم العمري المصغر، الثقة الجليل، أحد الفقهاء، بخلاف أخيه عبد الله المكبر فإنه ضعيف سيئ الحفظ "عن عبيد الله بن عمر" بن حفص بن عاصم العمري "عن محمد بن يحيى بن حبان" بن منقذ، ثقة، فقيه، توفي سنة إحدى وعشرين ومائة، والعمري توفي سنة سبعة وأربعين ومائة "عن عمه واسع بن حبان" بن منقذ بن عمر الأنصاري صحابي ابن صحابي، على خلاف في صحبته "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: رقيت يوماً -يعني صعدت وعلوت- على بيت حفصة" يعني على سطحه، على بيت حفصة أخته أم المؤمنين، وفي رواية: "على بيت لنا" وفي رواية: "على بيتنا" وبيت أخته بيت له، أو باعتبار أن البيت آل إليه بعد وفاتها، آل إليه بعد وفاتها، فورثه منها؛ لأنه هو الشقيق بالنسبة لها "على بيت حفصة فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام -يعني مستقبل جهة الشمال- مستدبر الكعبة" لأن مكة بالنسبة إلى الشام جنوب، واستدل بهذا الخبر والخبر مخرج في الصحيحين والمسند وأبو داود والنسائي وابن ماجه حديث ابن عمر لا إشكال فيه.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" واستدل بهذا الحديث من قال بجواز ذلك مطلقاً، ولم ير أثر للبنيان وأن هذا متأخر عن النهي، وهو حديث صحيح ما هو مثل حديث جابر فيه كلام، هذا حديث صحيح، استدل به من قال بجواز ذلك مطلقاً، عرفنا أنه قول عروة وربيعة وداود الظاهري، ومن قال بجوازه في البنيان كالإمام الشافعي والاستدلال به ظاهر لقول الإمام الشافعي، ومن جوز الاستدبار دون الاستقبال وهو قول أحمد فيما نسبه إليه الترمذي على ما تقدم، وهو ظاهر من قوله: "مستدبر الكعبة" ففيه أكثر من دلالة، الدلالة على الجواز مطلقاً، وهذا ظاهر بإلغاء الوصف الذي اعتبره بعض أهل العلم مؤثر، وبعض أهل العلم يرى أن الحاجز والبناء مؤثر فأجازه في البنيان دون الفضاء، منهم من رأى أن الاستقبال أشد من الاستدبار، فإذا جاز الاستدبار يمنع في الاستقبال ولا عكس، فأجازه في الاستدبار لهذا الحديث ورأى أن الوصف مؤثر في الحكم، فقصره عليه، فعلى كل حال استدل به الفرق الثلاث، من يقول بالجواز مطلقاً، ويرى أن الوصفين لا تأثير لهما في الحكم، لا الاستدبار ولا البنيان، ومنهم من استدل به على جواز ذلك في البنيان ورأى أن كونه في البيت في البنيان وصف مؤثر في الحكم فلا ينافي النهي المطلق، ومنهم من رأى أن هناك فرقاً بين الاستقبال والاستدبار، وأن الاستدبار أخف، فأجازه في هذه الصورة دون ما هو أشد منها.

باب: ما جاء في النهي عن البول قائما:

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" الخلاصة أن المسألة النهي ثابت عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط، جاء ما يخالف هذا النهي من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في ظروف خاصة ليس مصادم للنهي من كل وجه بحيث يقال بالنسخ، يمكن حمله على وجه، وإذا أمكن الجمع لم يصر إلى النسخ، إذا أمكن التوفيق لم يصر إلى التخصيص، فمن أهل العلم كالشافعي من قال: هذا يجوز في البنيان دون الصحراء، دون الفيافي، وهذا ظاهر من حديث ابن عمر، الإمام أحمد فيما نسبه الترمذي يقول: يجوز الاستدبار دون الاستقبال عملاً بحديث ابن عمر، ومنهم من يقول: يجوز مطلقاً لأنه وجد الاستدبار وقد نهي عنه مع الاستقبال فحكمهما واحد، وكونهما في البنيان وصف غير مؤثر، ولا شك أن الأحوط والأبرأ للذمة عدم الاستقبال والاستدبار لا في الفضاء ولا في البنيان، لكن إذا حصل في البنيان ولم يستطع أن ينحرف فلا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى- لثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أهل العلم من يرى أن هذه النصوص المخالفة للنهي تجعل النهي للتنزيه لا للتحريم، يعني للكراهة، والصارف عن التحريم إلى التنزيه وجود مثل هذه الأفعال منه -عليه الصلاة والسلام-، ففعله لبيان الجواز، ويبقى النهي على حاله، وأنه محكم غير منسوخ ولا مخصص، وإنما يكون للكراهة، والكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، فيحتاج الإنسان إلى ذلك لا مانع منه ما دام الأمر على الكراهة، وكأن هذا هو الذي تجتمع فيه الأدلة. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في النهي عن البول قائماً: حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: "من حدثكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبول قائماً فلا تصدقوه؛ ما كان يبول إلا قاعداً". قال: وفي الباب عن عمر وبريدة وعبد الرحمن بن حسنة. قال أبو عيسى: حديث عائشة أحسن ... ما عندك وعبد الرحمن بن حسنة؟ قال: وفي الباب عن عمر وبريدة وعبد الرحمن بن حسنة.

قال أبو عيسى: حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح، وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبول قائماً فقال: ((يا عمر لا تبل قائماً)) فما بلت قائماً بعد. قال أبو عيسى: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أيوب السختياني، وتكلم فيه. بفتح السين، بفتح السين السختياني. عفا الله عنك. ضعفه أيوب السختياني، وتكلم فيه. وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر -رضي الله عنه-: ما بلت قائماً منذ أسلمت، وهذا أصح من حديث عبد الكريم، وحديث بريدة في هذا غير محفوظ، ومعنى النهي عن البول قائماً على التأديب لا على التحريم، وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال: إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم. نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في النهي عن البول قائماً" قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر" بن إياس السعدي المروزي، ثقة حافظ، توفي سنة أربع وأربعين ومائيتين "قال: أخبرنا شريك" بن عبد الله النخعي، الكوفي، القاضي، صدوق يخطأ، له أخطاء وأوهام وعدت أخطاؤه وأوهامه في حدث الإسرى فبلغت عشرة أوهام، ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، وذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري فهو يخطأ، توفي سنة سبع وسبعين ومائة "عن المقدام بن شريح" بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي، ثقة "عن أبيه" شريح بن هانئ من كبار أصحاب علي، ثقة مخضرم "عن عائشة قالت: "من حدثكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبول قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعداً" في هذا دليل على أن الهدي النبوي البول قاعداً، وهذه عادته وقاعدته المطردة، ولكنه هذا على حد علم عائشة -رضي الله عنها-، وهذا هي الجادة عنده -عليه الصلاة والسلام- قاعدة مطردة عنده أنه يبول قاعداً "ومن حدثكم أنه كان يبول قائماً فلا تصدقوه" وهذا على حد علمها، وإلا فسيأتي في حيث حذيفة -رضي الله عنه- عند الجماعة كلهم أنه انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فهذا على حد علمها، ويبقى أن الأصل البول قاعداً، وجواز البول قائماً -على ما سيأتي- مشروط بالاستتار، والأمن من الرشاش، ودليل على جوازه.

"قال: وفي الباب عن عمر" أخرجه ابن ماجه والبيهقي "وبريدة" عند البزار "وعبد الرحمن بن حسنة" عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الدارقطني وغيره "قال أبو عيسى: حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح" يعني في حديث النفي، وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه، وفيه شريك وهو يخطئ كثراً، هذا بالنسبة لحديث عائشة، وعلى تقدير ثبوته عنها على ما قيل في شريك القاضي من كثرة الأخطاء، على تقدير ثبوته يدل على أن هذه هي القاعدة والعادة منه -عليه الصلاة والسلام-، لكنها لا تنفي ما جاء في حديث حذيفة لعدم اطلاعها عليه؛ لأنها تذكر ما كان مما تتطلع عليه، وأما ما لم تتطلع عليه فالمثبت مقدم على النافي "وحديث عمر" المخرج عند ابن ماجه والبيهقي "إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق" أبو أمية البصري، متروك عند أئمة الحديث، أبو أمية عبد الكريم بن أبي المخارق هذا متروك، وخرج عنه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- على شدة تحريه وانتقاده للرجال، خرج عنه في الموطأ، والعادة أن مالك لا يروي إلا عن ثقة كما هو مقرر عند أهل العلم، لكن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- اغتر به "أغرني بكثرة جلوسه في المسجد" ولا شك أن الجلوس في المسجد محمدة، فالمسجد بيت كل تقي، وإذا اغتر الإمام مالك مع شدة تحريه ونقده للرواة بعبد الكريم بن أبي المخارق فله عذره وله وجه حينما اغتر بهذا الذي يكثر من الجلوس في المسجد، مع الأسف أن المسجد الآن يهجر إلا في أوقات الصلوات، مع أنه كان معمور على مر العصور معمور وهو محل الأعمال المتعلقة بالدين والدنيا كلها، حشا ما يصان عنه من لغو ولغط وبيع وشراء وما أشبه ذلك من أمور الدنيا، فإنه لم يبنَ لهذا؛ لكن الأمور التي تخص العامة من أمور دينهم ودنياهم أيضاً كل هذا كان موضعه المسجد، ولا مكان للنبي -عليه الصلاة والسلام- غير بيوته والمسجد.

الآن تجد الناس مجرد ما يسلم الإمام جلهم سرعان بما في ذلك بعض طلاب العلم، وكانت المساجد إلى وقت قريب معمورة، وفيها سكان، فيها غرف للمجاورين، الآن ما يوجد، وتجد بعض المساجد بعد صلاة الصبح يجلس فيها أكثر المصلين وبعض المساجد أقل لكن هذا موجود في مساجد المسلمين، والآن مع الأسف الشديد أنها صارت قاعدة مطردة إذا سلم الإمام من صلاة الصبح وأدوا الأذكار على قلتها تطفأ الأنوار ويغلق المسجد، حتى اعتاد الناس هذا، واستغربوا من يجلس، وقال قائلهم من المؤذنين الذين وكل إليهم إغلاق المساجد قال لبعضهم: من أراد الجلوس لا نستطيع أن نترك الكهرباء من أجلك، وهذا في بلد محط أنظار، محل علم وعمل، في هذا البلد مثلاً وقيلت هذه الكلمة، ورأينا الناس في بلدان أخرى ما يظن بها نصف ما يظن بهذا البلد وتجد صف كامل يجلسون إلى أن تنتشر الشمس، فالعلم والدين ليس له بلد، ليس له بلد فقد يوجد في وقت من الأوقات في مكان ويرحل عنه في وقت آخر والعكس، فيلاحظ في بلدنا هذا وما جاوره شيء من الانصراف، لا سيما عن العبادات الخاصة اللازمة، يوجد علماء وطلاب علم ويوجد إقبال لكن مع ذلك العمل قليل بالنسبة للعلم، فعلى طالب العلم أن يعنى بعمل الفضائل والرغائب التي جاءت النصوص في فضلها والحث عليها، وعلى كل حال هذا الذي غر الإمام مالك ضعيف مضعف عند أهل العلم، ولا يضيره أن يضعف في الرواية، ويبقى أن له عمله، لا يلزم أن يكون الإنسان عالم أو حافظ أو إمام أو مجتهد، عليه أن يبذل الوسع، ويجتهد ويحرص على التحصيل، وأهم من ذلك التطبيق. يقول: "وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبول قائماً فقال: ((يا عمر لا تبل قائماً)) فما بلت قائماً بعد" و (بعد) هذه مبنية على الضم؛ لأنها قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه، وقبل وبعد والجهات الست إذا قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه بنيت على الضم، {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم] "أما بعدُ" فما بلت قائماً بعدُ، أما إذا قطعت عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه فتعرب بالتنوين:

فصاغ لي الشراب وكنت قبلاً ... . . . . . . . . . وأما إذا أضيفت فتعرب {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [(137) سورة آل عمران]. "قال أبو عيسى: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أيوب -بن أبي تميمة كيسان- السختياني" البصري، تسمع بنطق بعض الكبار من الشيوخ بالكسر، والشيخ أحمد شاكر أظن ضبطها بالكسر، ضبطها بالكسر، وهو معروف ينص على أنه بفتح السين، بفتح السين، ضعفه هذا الإمام الجليل ثقة حجة من كبار الفقهاء "وتكلم فيه" وعلى كل حال أبو أمية هذا عبد الكريم متفق على تضعيفه "وروى عبيد الله عن نافع" عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري الذي تقدم، وهو ثقة أحد الفقهاء "عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: ما بلت قائماً منذ أسلمت" يريد الإمام -رحمه الله تعالى- أن يضعف رواية عبد الكريم بن أبي المخارق بهذه الرواية، هذه الرواية صحيحة هذه الرواية مروية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر بإسناد كالشمس "ما بلت قائماً منذ أسلمت" أخرجه البزار، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، قال الترمذي: "وهذا أصح من حديث عبد الكريم" يعني هذا الموقوف على عمر أصح مما ذكره من الحديث المرفوع من حديث أبي أمية، وقد أخرجه البزار، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، ولكن قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ثبت عن عمر وعلى وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياماً، ولا يمنع أن يكون عمر -رضي الله عنه- بال قائماً بعد ما قال ما قال من قوله: "من بلت قائماً منذ أسلمت" فلعله ما بال قائماً منذ أسلم حتى بلغه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بال قائماً ففعله، ولا يمنع من هذا مانع.

باب: الرخصة في ذلك:

"وحديث بريدة في هذا غير محفوظ" حديث بريدة في هذا غير محفوظ، وفيه كلام العيني السابق في قول الترمذي: في هذا نظر؛ لأنه البزار أخرجه بسند صحيح، قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا عبد الله بن داود قال: حدثنا سعيد بن عبيد الله قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من الجفاء أن يبول قائماً)) يعني أشار إليه الترمذي ولم يذكره، وهو مخرج عند البزار بسند صحيح ... الحديث، وقال: لا أعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبيد الله، أخرجه البزار بسند صحيح وهو يريد أن يتعقب الترمذي، ونظّر في كلامه قال: هذا فيه نظر، لكن الشارح المبارك فوري، وهذا سبق أن ذكرناه مقارنة بقول الشيخ أحمد شاكر السابق: الترمذي من أئمة هذا الشأن فقوله حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه، وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ. "ومعنى النهي عن البول قائماً على التأديب لا على التحريم" حديث بريدة الذي فيه أن من الجفاء أن يبول قائماً وحديث عائشة -رضي الله عنها- وغيرهما من الأحاديث التي بمجموعها تدل على أن المنع من البول قائماً وأنه من الجفاء، وأن من حدث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بال قائماً فقد كذب، كل هذا مصروفة عن وجهها عن المنع الجازم إلى التأديب لا على التحريم، والصارف حديث حذيفة الآتي. "وقد روي عند عبد الله بن مسعود أنه قال: من الجفاء أن تبول وأنت قائم" والجفاء غلظ الطبع، وأنت قائم جملة حالية، وحديث ابن مسعود هذا يقول المبارك فوري: لم أقف على من وصله، ذكره الترمذي معلقاً ولم يقف المبارك فوري على من وصله، نعم. سم. عفا الله عنك. باب: الرخصة في ذلك: حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى سباطة قوم فبال عليها قائماً، فأتيته بوضوء فذهبت لأتأخر عنه فدعاني حتى كنت عند عقبيه فتوضأ ومسح على خفيه".

قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يحدث بهذا الحديث عن الأعمش، ثم قال وكيع: هذا أصح حديث روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح، وسمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول: سمعت وكيعاً فذكر نحوه، قال أبو عيسى: وهكذا روى منصور وعَبيدة ... عُبيدة. عفا الله عنك. وهكذا روى منصور وعُبيدة الضبي عن أبي وائل عن حذيفة مثل رواية الأعمش، وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث أبي وائل عن حذيفة أصح، وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائماً، قال أبو عيسى: وعُبيدة ... وعَبيدة وعَبيدة بن عمرو السلماني روى عنه إبراهيم النخعي، وعبيدة من كبار التابعين، يروى عن عبيدة أنه قال: أسلمت قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين، وعُبيدة الضبي صاحب إبراهيم، هو عبيدة بن معتب الضبي، ويكنى أبا عبد الكريم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في ذلك" في الطبعة الهندية: "باب: ما جاء من الرخصة في ذلك".

"حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش" سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي ثقة حافظ "عن أبي وائل" شقيق بن سلمة ثقة مخضرم "عن حذيفة" الصحابي "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى سباطة قوم" سباطة قوم السباطة المزبلة الكناسة، محل إلقاء الكناسة والقمامة، سباطة قوم الإضافة هذه للاختصاص لا للملك؛ لأنها مشتملة على نجاسة والنجاسة لا تملك، ليست بمال فلا تملك فأضافتها إضافة اختصاص "فبال عليها قائماً" ولكونها لا تملك لم يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أهلها، ممن أضيفت إليهم "فأتيته بضوء فذهبت لأتأخر عنه" في هذا الموضع، وفي هذا المكان، وفي هذا الظرف يحسن الابتعاد عنه "فذهبت لأتأخر عنه فدعاني" وفي رواية البخاري: "فأشار إليّ" وليس في هذا دليل على جواز الكلام حال قضاء الحاجة؛ لأنه بالإشارة دعاه "فدعاني حتى كنت عند عقبيه، فتوضأ -عليه الصلاة والسلام- ومسح على خفيه" النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى هذه السباطة، وهي بين المساكن والبيوت، ولم يبعد على عادته -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي أنه إذا أراد المذهب أبعد، إما لكونه -عليه الصلاة والسلام-كان مشغولاً بمصالح المسلمين حتى احتاج إلى البول وتأخيره فيه ضرر، أو لتمكنه بالاستتار بالحائط الذي أمامه وبحذيفة من خلفه يستره، ففعله -عليه الصلاة والسلام- لبيان الجواز إذا تم ذلك، إذا تم الاستتار وأمن الرشاش يجوز ذلك، يجوز البول قائماً، ويجوز عدم البعد أثناء قضاء الحاجة، ومنهم من يقول: إن الذي يحتاج إلى البعد هو الغائط لا البول، البول لا يحتاج إلى بعد؛ لأنه ليست له رائحة مثل الغائط، ولا يمكن أن يخرج معه صوت كما لو كان في الحال الأخرى، فإذا أراد المذهب يعني إلى الغائط أبعد، أما بالنسبة إلى البول فلا يحتاج إلى بعد، ولا شك أن البول أخف من الغائط، وعلى كل حال الاستتار واجب على الناس، والبول في أماكنهم وطرقهم أمر محرم، فلا بد أن يذهب إلى مكان بحيث لا يكون في طريق الناس ولا في ظلهم، ولا الأماكن التي يحتاجون إليها.

"قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يحدث بهذا الحديث عن الأعمش، ثم قال وكيع: هذا أصح حديث روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذا الحديث عند الجماعة عند السبعة مخرج في المسند والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرها من دواوين الإسلام، فهو أصح في هذا الباب أصح ما ورد في هذا الباب، يعني سواء كان البول قائماً أو في المسح، هو أصح من حديث المغيرة وإن كان في الصحيح "هذا أصح حديث روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح" وعلى كل حال المسح متواتر، متواتر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- "وسمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول: سمعت وكيعاً فذكر نحوه".

"قال أبو عيسى: وهكذا روى منصور" يعني ابن المعتمر السلمي أبو عتاب الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة "وعُبيدة -بن معتب- الضبي" وهو ضعيف عند أهل العلم "عن أبي وائل" شقيق بن سلمة "عن حذيفة مثل رواية الأعمش، وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة" حماد بن أبي سليمان أبو سليمان اسمه: مسلم الأشعري الكوفي، فقيه، صدوق، له أوهام، يعني حماد، وعاصم بن بهدلة بن أبي النجود الأسدي مولاهم، أبو بكر المقرئ، صدوق، له أوهام، حجة في القراءة، مات سنة ثمان وعشرين ومائة؛ لأنه يشكل أنه إمام مقتدىً به متبع، قراءته متواترة، ومع ذلك إذا بحثنا في ترجمته في كتب الرجال وجدناهم يلمزونه بشيء من الضعف من جهة حفظه، له أوهام، وقع منه أوهام، ولا يعني أن الإنسان إذا كان عالماً إمام مجتهد في باب من أبواب الدين أن يكون في بقية الأبواب كذلك، ولا يعني أنه يكون وزنه أخف في باب أن يكون كذلك في باب أخر، ولذا يثير بعض المغرضين في هذه الأيام حينما كثر إثارة الشبهات في هذه القنوات وهذه الوسائل يقال: كيف يعتمد على قراءة شخص مرمى بالضعف وسيئ الحفظ؟ كيف يعتمد عليه في قراءة القرآن؟ نقول: نعم يعتمد عليه في هذا الباب، وهو إمام من أئمة المسلمين في القراءة، أما في الحديث فلا يلزم أن يكون حافظاً من حفاظ الحديث، القرآن محفوظ بين الدفتين يحفظه جل المسلمين من عامي ومتعلم، العامي يحفظ القرآن ويش المانع؟ عامي يحفظ القرآن ولا يحفظ من الحديث شيء، طفل صغير يحفظ القرآن، وقد لا يقرأ الحديث، قد لا يعرف يقرأ الحديث، فكون الإمام عاصم -رحمه الله تعالى- إمام في القراءة لا يعني أنه إمام في الحديث، وضعفه في الحديث لا يعني ضعفه في القراءة، كما أن الإمام أبا حنيفة -رحمه الله- مضعف في رواية الحديث، ومرمي بسوء الحفظ، أحد ينكر أو يطعن في إمامته في الفقه؟ لا يمكن، هو عند المسلمين هو الإمام الأعظم، إمام فقيه لا يمكن أن يقدح أحد في فقه، نعم أصوله التي أعتمد عليها في بعضها شيء مما يمكن أن يلاحظ، لكن يبقى أنه إمام بشهادة الخاص والعام، ولا يطعن ذلك في فقهه أن يكون عند أهل الحديث سيء الحفظ، وقد يكون إمام في التفسير وضعيف في

الحديث، إمام في الحديث عنده خلل في علوم أخرى؛ لأن العلوم متكاملة لا يمكن أن يحاط بها، والتخصص معروف من القدم، ولا شك أن التفنن أفضل والجمع بين العلوم كلها أفضل وأكمل يبقى أنه إذا كان لا يمكن أن يجمع بين أكثر من علم فيتخصص في علم واحد لا مانع من أن يتخصص فيه بحيث يلم به ويعرفه من جميع أطرافه، ويتقنه ويضبطه ويكون مرجعاً في هذا العلم، وبهذا يوصى بعض طلاب العلم الذين يتشتتون إذا دخلوا في أكثر من علم، يقال له: تلزم هذا العلم تنتفع وينفع الله بك، لكن إذا كان لا يتشتت بإمكانه أن يحفظ الحديث وبإمكانه أن يعرف التفسير، وبإمكانه أن يضبط العلوم الأخرى هذا هو الأصل؛ لأن العلوم مترابطة يفيد بعضها بعضاً، وبعضها معتمد على بعض. القرآن ضبطه وحفظه، حفظ حروفه هذا أمر مستقل عن جميع العلوم، وهذا فضل من الله -جل وعلا- أن يسره للأمة وجعل من الأمة من يضبطه ويتقنه بحيث لا يخل بنقطة، ويكون مرجعاً للناس في هذا الباب وإن كان ضعيفاً في أبواب أخرى، فلا وجه لمن طعن في عاصم لأنه غمز في حفظه بالنسبة للحديث، معروف الحديث كثير من الناس يحفظون القرآن لكن كم يحفظون من الأحاديث؟ قد يحفظ القرآن ولا يستطيع أن يحفظ البلوغ فضلاً عن أن يحفظ البخاري ومسلم وبقية الكتب، حفظ السنة فيه وعورة وفيه صعوبة، وكان الناس على يأس تام من حفظ السنة لكن الله -جل وعلا- يسر لهم وقيض لهم من فتح لهم الأبواب، وبث فيهم الآمال بأن الحفظ لم ينقطع، وأنه ممكن، كان الناس على يأس من الحفظ، غاية ما هنالك أن يحفظ البلوغ ويتوقف الإنسان، لكن ضرب الإخوان أمثلة يعني رائعة، يوجد من يحفظ زوائد البيهقي، يوجد من يحفظ زوائد المستدرك شيء عظيم، يعني ما كان الناس يؤملون أن يوجد مثل هذا، وإذا وجد من يفتح الباب لطالب العلم من أول الأمر لا شك أن هذا من علامة توفيقه، أن يفتح له الباب وأن ييسر له السبيل إلى طلب العلم من وجه ومن أبوابه وعلى الجادة، هذا لا شك أنه دليل على أن الله -جل وعلا- أراد به الخير، فهؤلاء الذين فتحوا هذا الباب لطلاب العلم باب الحفظ لا شك أنهم سنوا سنة حسنة نرجو أن يكتب لهم أجرها وأجر من علم بها إلى يوم القيامة.

وعلى كل حال الطعن في عاصم بالنسبة للحديث لا يعني أنه مطعون به بالنسبة للقرآن فهو إمام حجة في القراءة. يقول: "وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث أبي وائل عن حذيفة أصح" يعني أصح من حديثه عن المغيرة، وجنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين؛ لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصماً، كلام الترمذي -رحمه الله تعالى- حينما رجح حديث أبي وائل عن حذيفة عن حديثه عن المغيرة بن شعبة، لماذا؟؛ لأن حديث وائل عن حذيفة مروي من طريق منصور بن المعتمر، وحديثه عن المغيرة مروي عن حماد بن سليمان وعاصم بن بهدلة ولا شك أن منصوراً أوثق منهما وأقوى. هنا يقول في الحاشية: قال ابن حجر روى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصماً رواه له عن أبي وائل عن المغيرة، قال عاصم: وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة، وما حفظه يعني أن روايته هي الصواب، قال شعبة: فسألت عنه منصوراً فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة يعني كما قال الأعمش، يعني إذا جعلنا الأعمش ومنصور في كفة، ووضعنا حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة في كفة لا شك أن الأعمش ومنصور أرجح، وأهل العلم يعلون بمثل هذا، رواية الأرجح هي المحفوظة، والمرجوح هي الشاذة، تكون غير محفوظة، ولا يمنع أن تكون جميع الروايتين محفوظتان، لكن ما دام حكم الإمام الترمذي بأنها أصح لا بد أن يكون هناك مغمز في روايتهما، ولا شك أن الأعمش ومنصور أرجح من حماد وعاصم.

يقول: "وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائماً" واحتجوا بحديث حذيفة، وقد رواه الجماعة، وحديث عائشة مستند إلى علمها، وخفي عليها ما علمه حذيفة، ولا شك في جواز البول قائماً إذا أمن الرشاش واستتر، لا شك فيه؛ لأن ثبت عنه وهو قدوة، وقد رواه عنه السبعة لا مطعن فيهم، مخرج في الصحيحين وغيرهما، فإذا وجد الشرط أمن الرشاش واستتر؛ لأن كلاً من عدم الاستتار ووجود الرشاش كله محرم، فإذا أتقي هذا المحرم جاز، وبعضهم علل بوله -عليه الصلاة والسلام- قائماً أنه كان لوجع كان بمئبضه -عليه الصلاة والسلام- يعني باطن الركبة، لا يستطيع أن يثني الركبة فبال قائماً، وقال بعضهم: إن العرب كان تستشفي بالبول قائماً من وجع الصلب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما فعله لحاجة، ولا شك أن فعله دليل على الجواز، وما دام هو القدوة لا كلام لأحد مع فعله -عليه الصلاة والسلام-. قال بعضهم: ينبغي أن يمنع، لماذا؟ لأنه عمل غير المسلمين، الكفار يبولون من قيام، فينبغي أن يمنع، ولا وجه لمنعه ما دام ثبت عن القدوة، ما دام ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا وجه لمنعه، كما قال بعضهم ينبغي ما دام اليهود والنصارى الآن بدؤوا يعفون لحاهم فمن باب مخالفتهم أن نحلق، ما دام فعله والأمر به ثابت عن القدوة فلا كلام لأحد. "قال أبو عيسى: وعَبيدة بن عمرو السلماني" المرادي مخضرم، مات قبل سنة سبعين "روى عنه إبراهيم -بن يزيد بن القيس بن الأسود- النخعي" الفقيه، "وعبيدة من كبار التابعين، يروى عن عبيدة أنه قال: أسلمت قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين، وعبيدة الضبي ... " يريد أن يفرق بين وعَبيدة وعُبيدة "وعبيدة الضبي صاحب إبراهيم هو عبيدة بن معتب الضبي، ويكنى أبا عبد الكريم". والترمذي كما يقول الشيخ أحمد شاكر: يريد بهذا البيان الفرق بين شيخين يخشى من الغلط فيهما، أحدهما شيخ لإبراهيم النخعي، والآخر تلميذ للنخعي، فالأول عَبيدة بفتح العين المهملة ابن عمرو السلماني، والآخر عُبيدة بضم العين المهملة ابن معتب الظبي، والأول من كبار التابعين الثقات، والأخر من أتباع التابعين، وسيئ الحفظ، ضعيف الرواية، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (5)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (5) شرح: باب: في الاستتار عند الحاجة، وباب: في كراهية الاستنجاء باليمين، وباب: الاستنجاء بالحجارة. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يسأل عن أفضل طبعة لصحيح مسلم؟ وما هي أفضل طبعة لشرحه؟ أما صحيح مسلم فالطبعة العامرة طبعة اسطنبول العامرة، في ثامنة أجزاء متقنة إلى حد ما، أفضل طبعة لشرحه الذي يصبر على قراءة الحروف الصغيرة القديمة وعلى حواشي الكتب فشرح النووي على هامش إرشاد الساري في الطبعة السادسة أفضل الطبعات، الذي لا يصبر على هذه الطريقة في الطباعة القديمة يقتني الطبعة المصرية البهية المطبوعة من قبل سبعين عاماً في ثمانية عشر جزءاً. يقول: ذكرتم كيفية الاستفادة من صحيح البخاري ودراسته في مرة سابقة، فما هي المراجع من كتب الحديث تراجم وجرح وتعديل التي تنصحون باستعمالها مع هذه الطريقة؟ أما ما يتعلق برجال البخاري وتمييز المهمل فيه فما في مثل (إرشاد الساري) يعني اصطحاب (إرشاد الساري) للقسطلاني كفيل بهذا كله، هذا ما يتعلق بصحيح البخاري؛ لأنه هو الذي يكثر من إهمال الرواة فيميزون في (إرشاد الساري) كتب التراجم كلها موجودة، رجال الكتب الستة مخدومين، فالأمر ما يشكل فيهم، وجرح وتعديل يعني يمكن أن يكون هذا باختصار شديد، ولو اقتصر الطالب في هذه المرحلة وفي هذه المرة على التقريب كفاه. يقول: ما جودة طبعة الرشد لفتح الباري؟ وما أهي أفضل طبعة لفتح الباري موجودة في السوق؟ الآن موجود في الأسواق صورة عن الطبعة السلفية الأولى ألف وثلاثمائة وثمانين، قد توجد في الأسواق. ما معنى قول الحافظ: فلان من الطبقة الثانية أو من الثالثة؟ وما ضابط الطبقات؟ الطبقة عبارة عن مجموعة من الرواة يشتركون في السن وفي الشيوخ في الأخذ عن الشيوخ، والحافظ -رحمه الله- جعل الصحابة طبقة واحدة، ثم الطبقات التي تليها الثانية والثالثة والرابعة للتابعين، والطبقات عنده تقارب كل طبقة بينها وبين الأخرى ما يقارب عشرين سنة؛ لأنه رتب الكتاب على ثنتي عشرة طبقة إلى الأئمة.

يقول: لم أجد في السوق من طبعة تحفة الأحوذي سوى طبعة دار الحديث والمكتبة العملية وطبعة إحياء التراث فأيهما أقتني؟ على كل حال هذه الطبعات ما تسمى طبعات؛ لأنهم يصورون طبعات سابقة، فأفضل الطبعات الذي يصبر على الحرف الفارسي الطبعة الأصلية الهندية، التي فيها أربعة مجلدات والمقدمة في مجلد، هذه أفضل الطبعات ثم طبع عنها في المكتبة السلفية في المدينة طبعة ما تسلم من أخطاء لكنها أفضل من طبعة دار الكتب العلمية. يقول: أرجو توضيح حكم معاقبة النفس عند فعل محرم بالصيام والصدقة؟ أثر عن بعض السلف أنه نذر أنه إن اغتاب شخصاً تصدق بدرهم، يقول: فهانت عليه الغيبة، يقول: ثم نذر أنه كلما اغتاب شخصاً صام يوماً فترك الغيبة، هذا لا يعرف له أصل؛ لكن من نذر أن يطيع الله فليطعه، وإذا كان الهدف منه منع النفس وكف النفس مثل هذا كفارته كفارة يمين إذا عجز عنه، وهو مأثور عن بعض السلف. يقول: أنا رجل أفعل شيء قد يفسد علي ديني ودنياي وجهني؟ مثل هذا الذي يفسد عليك دينك ودنياك ما الذي يضطرك إليه، فعليك بالاستقامة {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [(30) سورة فصلت] وأي شرف وأي فخر أعظم من هذا؟ ((قل أمنت بالله ثم استقم)) يعني الزم الطريق. يقول: أي كتاب في مصطلح الحديث أحسن من المختصرات والمطولات؟ ذكرنا في تقدمة لألفية العراقي كيف يدرس طالب العلم مصطلح الحديث؟ وأنه يبدأ بالنخبة، وإن بدأ قبلها بالبيقونية وقرأ الشروح وسمع الأشرطة يستفيد، ثم النخبة مع شروحها، ثم اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، وما كتب عليه، ثم ألفية العراقي مع شروحها، وبهذا يتأهل -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما الفرق بين الشرح والحاشية؟ الشرح يكون على جميع الكتاب، على جميع جمل الكتاب، والحاشية تكون كالنكت على بعض جمله. يقول: لماذا اخترت شرح منتهى الإرادة على شرح الزاد حيث أن الزاد أكثر مسائل من المنتهى وأكثر فائدة؟

الزاد سبق أن شرحناه مع شرحه الروض المربع، وما زال يعني الزاد محل عناية وله دورات، وله أشرطة مسجلة، يعني ما أهمل الزاد، لكن شرح المنتهى مهمل، وهو أصعب كتاب على حد علمي، يعني إذا استثنينا (مغني ذوي الأفهام) يكون أصعب كتاب من كتب المذهب، وعلى مثله يربى طالب العلم؛ لأنه إذا فهم المنتهى خلاص ما يشكل عليه شيء. يقول: ما معنى قول بعضهم "دون هذا خرط القتاد"؟ أولاً: القتاد الشوك، والشوك يكون في العصا –الغصن- الذي هو فيه، فإذا أرد الإنسان أن يخرطه بيده هكذا من أشق الأمور، يعني تصور غصن طوله متر مملوء بالشوك وتأتي وتجعله بين أصبعيك لتخرطه فتزيل عنه هذا الشوك، هذا صعب نعم، لكن إذا استصعب أمر قيل: إن خرط القتاد دونه، أسهل منه، فهذا مثل يضرب لاستصعاب الأمر. يقول: هل هناك فرق بين المجلد والجزء؟ الجزء معروف وبينه وبين المجلد تداخل وتباين، فأحياناً يكون الجزء عبارة عن مجلد، جزء يكون عبارة عن مجلد، فتح الباري في ثلاثة عشر جزءاً كل جزء في مجلد، وأحياناً يكون المجلد يضم أكثر من جزء، فتفسير الطبري مثلاً ثلاثون جزءاً في اثني عشر مجلداً، وأحياناً يكون الجزء في أكثر من مجلد، وهذا إذا قسم الجزء الواحد إلى أقسام، مثل: (التاريخ الكبير) للإمام البخاري أو الجرح والتعديل لابن أبي حاتم أو غيرهما، والغالب أن هذه التقاسيم أن لم تكن من صنيع المؤلف كفتح الباري مثلاً فتكون من الناشر أو الطابع يرى الأبواب المناسبة لفصل بعضها عن بعض ليقف الجزء على موقف مناسب، فهم يقسمون الأجزاء على حسب اجتهادهم، ولذا تجد فتح الباري طبع في ثلاثة عشر مجلداً سوى المقدمة، وطبع في سبعة عشر مجلداً، وطبع في ثلاثين جزءاً، أحياناً تكون في ثلاثين مجلداً، وأحياناً تكون في خمسة عشر مجلداً. ما معنى كلمة مخضرم؟ مخضرم يعني أدرك زمانين بينهما نوع اختلاف، فالذي أدرك الجاهلية والإسلام مخضرم، والذي أدرك زمن النبوة وزمن التابعين ولم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا مخضرم، وغالب ما يطلق المخضرم على هذا، على من أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يسلم في وقته أو لم يدركه هذا مخضرم، وهم معددون في طبقة كبار التابعين.

يقول: ما رأيكم في مؤلفات عبد الرحمن رأفت الباشا لا سيما كتابيه: (صور من حياة الصحابة) (صور من حياة التابعين)؟ الشيخ -رحمه الله- أسلوبه أسلوب أدبي رفيع، قرأ كتب السير واستخرج منها هذه الكتب، وهي مناسبة للشباب، وهي مقررات تدرس في المدارس، وهي نافعة على كل حال. وما رأيكم في مؤلفات الشيخ: محمد رشيد رضا؟ وهل هو محدث أم فقيه؟ هو إلى الفقه أقرب، وإلى فقه الواقع أقرب منه إلى فقه الأئمة، وعلى كل حال هو معدود في أهل العلم، وله جهود لا تنكر، وعنده شيء من المخالفات، فتاواه لا تسلم من شيء مما يخالف عليه. يقول: أفضل طبعة لإرشاد الساري؟ وهل في الطبعات الجديدة ما يفيد طالب العلم؟ إرشاد الساري هو أحظى شروح البخاري بالطبع، أكثر طبع من فتح الباري، فتح الباري طبع في بولاق مرة واحدة، وطبع إرشاد الساري في بولاق سبع مرات، بينما عمدة الباري ما طبع ولا مرة في بولاق، بولاق مطبعة يشرف عليها علماء، يعرفون قيمة الكتب، إرشاد الساري شرح متوسط، ولا يشكل عليك شيء في الصحيح وهو بين يديك لا من الأسانيد ولا من المتون؛ لأنه لا يترك كلمة إلا ويبينها، سواء تقدمت أو تأخرت ما يكتفي بما تقدم، فهو مفيد من هذه الحيثية، ولذا طبع في بولاق سبع مرات، الأولى والثانية والثالثة مفرد والأولى والثانية والثالثة والرابعة طبعوه مفرداً، والخامسة والسادسة والسابعة على شرح النووي على مسلم، وطبع في المطبعة الميمنية مرتين، مرة على هامشه النووي على مسلم، ومرة على هامشه إضافة إلى النووي على مسلم تحفة الباري لزكريا الأنصاري شرح البخاري. ما هو أفضل كتب الرجال؟ وهل يكفي تهذيب التهذيب؟

كتب الرجال ما يقال فيها: أفضل ومفضول لا يغني بعضها عن بعض، يعني إذا نظرنا إلى كتب الأئمة الكبار التاريخ الكبير والجرح والتعديل والثقات والمجروحين، وسؤالات الدارقطني وغيرها، وكتب .. ، تواريخ يحيى بن معين، وعلل الإمام أحمد، كتب كثيرة جداً لا يمكن أن يستغني عنها طالب العلم، لكن جاءت كتب للمتأخرين فضمت أكثر ما في هذه الكتب، مثل: تهذيب الكمال، أولاً: الكمال للحافظ عبد الغني، ثم تهذيبه للحافظ المزي، ثم تهذيب تهذيبه للحافظ ابن حجر، وفي كل كتاب من الميزة ما يجعله عمدة في الباب، بحيث لا يستغنى عنه. يقول: ما رأيك في مؤلفات الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني حيث أفتتن الشباب بها؟ الأفغاني شيخ للشيخ محمد عبده، وصاحب المنار محمد رشيد رضا شيخ لهما، وهو لا يسلم حيث أتهم بعظائم فمثل هذا لا يقرأ له، أما محمد عبده فقد تأثر بهذا الرجل من الناحية العقلانية وأدخل عقله في كثير من الأمور التي مردها إلى الشرع، لكن في كتبه فوائد، وأنفع منهما محمد رشيد رضا، ولو اقتصر طالب العلم على أئمة التحقيق ومشى على الجادة كان أفضل له. يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة)) هل هذا الحديث يعني من يدرس علم الشريعة مثل الذين يدرسون في الجامعة وكان قصده الوظيفة؟ إذا تمحظ قصده للوظيفة دخل في هذا الحديث، وإذا جاهد نفسه وإن كان دخوله في أول الأمر فيه ما فيه ثم جاهد نفسه وتخلص من ذلك تنقلب النية -بإذن الله- وينتفع. كثير من الإخوان يساوره نفسه أن يترك الدراسة النظامية لأنه يخشى على نفسه؟ نقول: الترك ليس بعلاج، العلاج في المجاهدة.

ما معنى قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(32) سورة النور] هذا أمر بتزويج الجميع الذكور والإناث، الأحرار والعبيد، ولا ينظر حينئذٍ إلى ما عنده من مال؛ لأن التوجيه النبوي اقتصر على الدين {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(32) سورة النور] وجرب هذا الباب فكثير من الناس عاش فقيراً ثم تزوج ففتح الله عليه. كيف يحاسب الإنسان نفسه المحاسبة النافعة؟ قبل أن يأوي إلى فراشه أو إذا أوى إلى فراشه وجاء بأذكار النوم ينظر ماذا عمل من أعمل صالحة؟ فيحمد الله عليها، ويعزم على المزيد في الغد وما يليه، وما عمله من أعمال سيئة يتنصل منها ويتوب منها، وإذا كان أحدهم قد أخطأ عليه يحلله ويدعو له، وإذا كان قد أخطأ على غيره يبادر بالتخلص من هذا الخطأ. يقول: ما هو أكثر كتاب من حيث عدد مرات الطباعة في العالم؟ أنا لا أدري، لكن ما رأيت كتاب طبع أكثر من (جواهر الأدب) للهاشمي، طبع مرار كثيرة جداً لا يحاط بها. يقول: ما هو أفضل شرح سنن أبي داود مع أفضل طبعة له متن فقط؟ أفضل شرح لسنن أبي داود شرح الخطابي، هو الأصل في هذا الباب على اختصاره، وهو رغم اختصاره الشديد إلا أن فيه فوائد وقواعد وضوابط يحتاجها طالب العلم، وأما شرح ابن رسلان فهو من أوسع الشروح لكنه لم يطبع، إنما المطبوع (عون المعبود) وهو كتاب نفيس وبنفس أهل الحديث، يرجح على ضوء النصوص وأيضاً شرح السهارنفوري (بذل المجهود) شرح طيب، لكن ترجيحه لا يعتمد عليه؛ لأنه حسب المذهب، يرجح تبعاً لمذهب أبي حنيفة ولو خالف النص، هناك شرح اسمه: (المنهل العذب المورود) لمحمود خطاب السبكي معاصر، توفي ولما يكمل الكتاب، أكمله ابنه أمين، والكتاب في جملته جيد ومرتب ومنظم. أما أفضل طبعة للمتن أنا عمدتي على طبعة الدعاس، عزة عبيد الدعاس مرقمة ومفهرسة ومخرجة الأحاديث، والأخطاء فيها قليلة، ظهر أخيراً طبعة لمحمد عوامة اعتمد فيها على نسخة الحافظ ابن حجر، فمن جمع بين الطبعتين أنتفع -إن شاء الله تعالى-.

يقول: أيهما أفضل في تحقيق تفسير الإمام ابن جرير تحقيق الشيخ محمود شاكر مع علمكم أنه لم يكمله أم تحقيق الدكتور عبد الله التركي؟ تحقيق الشيخ محمود شاكر ومراجعة الشيخ أحمد لا يعدله تحقيق، بل طالب العلم لو قرأ هذا الكتاب لا لذات الكتاب إنما ليستفيد كيفية التحقيق لكفاه هذا، تحقيق الشيخ محمود شاكر لهذا الكتاب وتحقيق الشيخ أحمد للمسند ولرسالة الشافعي ولأوائل الترمذي منهج يسير عليه طالب التحقيق، الكتاب لم يكمل لا شك لكن ما فيه إلى سورة إبراهيم فيه كفاية لتمرين الطالب على التحقيق، ومع ذلك ما يوجد فيه من أصح ما طبع، حقيقة الدكتور التركي ظهر أخيراً وأنا ما تمكنت من قراءته لكن المؤمل أن يكون جيداً. يقول: هل القرآن الكريم أكثر مرات طباعة من الإنجيل؟ ما ندري يا أخي، الإنجيل ما ندري كم طبعه من يتدين به، وأما القرآن فالحمد لله يعني طبعاته ملأت الشرق والغرب، وطبع من أول بداية الطباعة، طبع قبل سنة ألف وستمائة حتى عند النصارى طبعوه قبل أربعمائة سنة ثم تتابعوا على طبعه إلى أن بدأت الطباعة عند المسلمين فطبعوه ولله الحمد، وأكثروا من طباعته، وزالت الحاجة إلى استعارته أو إلى كتابته، إلى أن نشأ هذا المجمع المبارك مجمع الملك فهد في المدينة هذا مجمع مبارك، طبعة نفيسة متقنة مضبوطة، ومع ذلك يطبع منه ملايين النسخ في كل سنة. هل هناك كتب تقرأ من أجل رفع الهمة؟ ذكرنا بعض ما يعين على الهمة في طلب العلم في شريط تداوله الإخوان، ولكن النصوص ومعرفة ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- في العلم وفضل وفضل أهله كفيل بذلك، والذي لا ترتفع همته بهذا يعالج قلبه، ومع ذلك يوصي أهل العلم بقراءات سير أهل العلم وتفانيهم وتضحياتهم من أجل التحصيل لا شك أنها تعين وتفيد في هذا. ما رأيكم في قراءة كتب الروايات والقصص والكتب الفكرية لطالب العلم؟

هذه تضييع وقت، الروايات والقصص لا سيما التي كتبت بأساليب المعاصرين تضيع الوقت، لكن أهل العلم مع قراءتهم لما ينفعهم في دينهم ودنياهم من العلوم الشرعية، وما يعين على فهمها يقرؤون في كتب التاريخ، ويقرؤون في كتب الأدب، وكل هذا للاستجمام والاعتبار، وفيها فوائد تعين أيضاً على فهم العلم، ومن سمع الدروس المشروحة وجد أهل العلم يذكرون النكت والطرائف من كتب الأدب والتاريخ تشجع على قرأتها.

ذكرنا مراراً قصة الحافظ ابن حجر مع قول أبي حاتم: "بين يدي عدل" وقد كان الحافظ العراقي يظنها تعديل فلما ابن حجر توقف فيها وكونها تدل على التعديل مع تشديد أبي حاتم وتضعيف الراوي من قبل الأئمة التي قيلت فيه هذه الكلمة ابن حجر تحرى لما قال أبو حاتم الرازي في جبارة بن المغلس: "بين يدي عدل" والأئمة على تضعيفه وأبو حاتم متشدد، الحافظ العراقي يقول: "بين يدي عدل" يعني تعديل للرجل، الحافظ ابن حجر أوجس خيفة من هذه الكلمة، فوجد قصة في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، يقول: كان طاهر القائد معروف على مائدة مع أولاد الرشيد، كان له ولد صغير اسمه: إبراهيم على مائدة، أخذ إبراهيم هذا هندوبات إما كوسة أو قرعة وإلا باذنجان وإلا شيء أخذها من الطعام فرمى بها عين طاهر، وكان أعور طاهر لا يبصر إلا بواحدة، فضرب السليمة، فشكاه إلى أبيه فقال: إن إبراهيم اعتدى على عيني السليمة، والأخرى بين يدي عدل، الحافظ ابن حجر مسك طرف الخيط الآن وذهب يبحث عن العدل هذا، ما معنى العدل؟ فوقف في أدب الكتاب لابن قتيبة أن العدل بن جزء بن سعد العشيرة كان على شرطة تبع، وكان معروف بالشدة والقسوة، إذا أراد تبع أن يقتل أحد سلمه إلى العدل هذا، فإذا هلك أحد قيل: بين يدي عدل، خلاص انتهى، فعلى هذا قول أبي حاتم: "بين يدي عدل" يعني هالك، وهو المناسب لحال الرجل وهو المناسب لتشدد أبي حاتم، فعرفنا هذا من أي شيء؟ يعني ما عرفناه إلا من خلال الأغاني في أول الأمر ثم من أدب الكاتب لابن قتيبة، فهذه الكتب ما تسلم من فائدة، نعم فيها أشياء وفيها سقط كثير وفيها .. ، لكن يقرأ فيها طالب العلم على حذر ويستفيد منها، ووجدنا نسخ من الأغاني عليها أسماء شيوخنا المعروفين بالعلم والعمل أهل الزهد والورع الذين ما يظن أنهم يقتنون كتب الأغاني، لكن نشره بين الصغار وبين الشباب الذين يتأثرون ببعض القصص؛ لأن الرجل ما يؤمن على الأخبار، متشيع لا يؤمن على الأخبار، لكن الكتاب لا يخلو من فائدة. يقول: ما رأيكم في تحقيق عبد الرزاق المهدي ومأمون شيحا نرجو التوضيح في تحقيقات هذين الرجلين لكثرة تحقيقاتهما؟ أنا لا أقرأ لمثل هؤلاء، ولا أتهمهما بشيء، فلا أحكم عليهما.

باب: في الاستتار عند الحاجة:

ذكرتم أكثر من مرة طريقة الحفظ في الصحيحين وغيرهما، ولكن لم أستوعب تلك الطريقة؟ أرجو من فضيلتكم التوضيح في هذا الموضوع لأهميته؟ هذا -إن شاء الله- يصدر فيه كتابة بالأمثلة -إن شاء الله تعالى-، هذا مطلوب ومطروق, وجاءت الطلبات كثيرة أول ما ذكرناه في الجامعة الإسلامية، وبسطنا فيه الكلام، ثم فرغ من جهات من البحرين ومن ليبيا ومن جهات أخرى، وطلبوا المزيد فيه والتوضيح، ثم ينشر -إن شاء الله تعالى-. ما هي الطريقة الجيدة لحفظ السند؟ وهل لحفظه كبير فائدة أم ما الفائدة؟ فأي فائدة أعظم من حفظ الأسانيد التي يتوقف عليها معرفة الصحيح من الضعيف؟ وأما طريقة الحفظ فمن خلال تحفة الأشراف، ينظر في الأسانيد للمكثرين فرب إسناد واحد تحفظه مرة واحدة ويروى به مئات الأحاديث، مثل هذا يعين، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه في الكثرة. لمن أراد الحفظ في الصحيحين وغيرهما هل يحفظ من نفس المجلد أو يصوره على أجزاء ويحفظ؟ وأي الطبعات المناسبة لمن يريد أن يحفظ الصحيحين؟ بعض الناس يستطيع أن يستجمع الفكر ويقرأ الكتاب على ما هو عليه ويحفظ، وبعض الناس لا يستطيع حتى يجزئ الكتاب ويراه خفيفاً بيده ينشط له، وبعض الناس لا يستطيعون الحفظ إلا بعد كتابة ما يريد حفظه، والكتابة مجربة ونافعة وترسخ الحفظ، إذا أردت حديث تحفظه اقرأه وقابله على الأصل مرة مرتين حتى تظن أنك أتقنته ثم احفظه يسهل عليك هذا. سم. بسم الله. والحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال الإمام الترمذي -رحمه الله-: باب: في الاستتار عند الحاجة: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن الأعمش عن أنس قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" هكذا روى محمد بن ربيعة عن الأعمش عن أنس هذا الحديث. وروى وكيع والحماني عن الأعمش قال: قال ابن عمر: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" وكلا الحديثين مرسل.

ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس بن مالك ولا من أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي فذكر عنه حكاية في الصلاة، والأعمش اسمه: سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي، وهو مولى لهم قال الأعمش: كان أبي حميلاً فورثه مسروق. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فيقول الإمام المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الاستتار عند الحاجة" في الاستتار عند الحاجة يعني عند قضاء الحاجة لما يتطلبه ذلك من كشف للعورة فلا بد من الاستتار. "قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي" أبو بكر الكوفي، ثقة حافظ، توفي سنة سبع وثمانين ومائة "عن الأعمش عن أنس" الأعمش سليمان بن مهران عن أنس بن مالك الصحابي الجليل "قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد الحاجة" يعني إذا أراد قضاء الحاجة، فأراد القعود لها "لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" يعني لا يترك مدة بين كشف العورة وبين قضاء الحاجة، بل يكون قضاء الحاجة مباشر لكشف العورة بعده مباشرة؛ لأن كشف العورة لا يتم قضاء الحاجة إلا به، فيكون كشف العورة للحاجة، والحاجة لا يتعدى بها موضعها، فقد جاء الأمر بالاستتار، ((احفظ عورتك)) وجاء الأمر بستر الفخذ ((غط فخذك)) فكيف بالعورة المغلظة؟ لا يجوز نظر أحد لا تنظر إليه ولا ينظر إليك، اللهم إلا ما كان بين الزوجين مما استثني. "كان -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" مبالغة في الاستتار "يدنو من الأرض" يعني يقرب منها، محافظة على التستر، واحترازاً عن كشف العورة. "قال أبو عيسى: هكذا روى محمد بن ربيعة" الكلابي الرؤاسي، ابن عم وكيع الإمام ابن الجراح المعروف، محمد بن ربيعة رواه عن الأعمش، يعني موافقاً لمن؟ لعبد السلام بن حرب المذكور في أصل الحديث، عن الأعمش عن أنس فهذه متابعة لمحمد بن ربيعة يتابع فيها عبد السلام بن حرب.

"قال: وروى وكيع و -أبو يحيى- الحماني" عبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي، وثقه ابن معين، وضعفه أحمد وابن سعد، قال ابن حجر: صدوق يخطئ "عن الأعمش قال: قال ابن عمر: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" الرواية الأولى والحديث الأول حديث أنس مخرج في الدارمي وهذا عند أبي داود والدارمي، يقول: "وكلا الحديثين مرسل" المرسل عند أهل العلم المعتمد في تعريفه أنه ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الذي عندنا مما وصفه الإمام المؤلف بالإرسال يرفعه أنس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والثاني يرفعه ابن عمر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فليس مرسلاً إرسال اصطلاحي، وإنما هو بالمعنى الأعم يعني منقطع، وما دام الإرسال انقطاع يشمله المعنى الأعم، ولذا يقول الحافظ العراقي في تعريف المرسل: مرفوع تابع على المشهورِ ... مرسل أو قيده بالكبيرِ أو سقط راوي منه ذو أقوالِ ... . . . . . . . . . يعني هذا سقط منه راوي، في الحديثين سقط من كل منهما راوٍ وهو ما بين الأعمش والصحابي، فالحديث يرويه الأعمش عن أنس بواسطة، ويرويه عن ابن عمر بواسطة، ولذا قال الإمام المؤلف -رحمه الله-: "وكلا الحديثين مرسل" يعني منقطع على التعريف الثالث للمرسل، وهو المعنى الأعم "ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني لم يسمع من أنس ولم يسمع من ابن عمر إذاً الحديث أو كلا الحديثين منقطع "وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي، فذكر حكاية عنه في الصلاة" قال على بن المديني: الأعمش لم يسمع من أنس إنما رآه بمكة يصلي خلف المقام، وقال المنذري: ذكر أبو نعيم أن الأعمش رأى أنس وابن أبي أوفى وسمع منهما، والذي قاله الترمذي هو المشهور، يعني لم يثبت سماع الأعمش عن أحد من الصحابة، ولذا يقول المؤلف -رحمه الله-: "لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" إنما له مجرد رؤية؛ ولذا عد من صغار التابعين، وإن لم يسمع من أحد منهم، وإنما رأى أنس بن مالك يصلي خلف المقام.

ثم قال المؤلف -رحمه الله-: "والأعمش اسمه: سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي" ثقة، حافظ، قارئ، معروف بالتدليس -رحمه الله- "وهو مولى لهم" مولى لبني كاهلة، وليس من أنفسهم "قال الأعمش: كان أبي حميلاً فورثه مسروق" حميل فعيل بمعنى محمول، مثل جريح وقتيل بمعنى مقتول ومجروح، والحميل هو الذي يحمل من بلده صغيراً ولم يولد في الإسلام، وهذا اختلف في توريثه "قال الأعمش: كان أبي حميلاً فورثه مسروق" يعني جاء مع أمه وادعته أمه وورثه مسروق منها، وهذا رأيه، ومسروق هو ابن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة، فقيه، عابد، مخضرم، معروف مشهور، سيد من سادات التابعين، ورثه مسروق وهذا رأيه، والخلاف في توريث الحميل معروف، يعني جيء به محمول من بلد إلى بلد، ولا يعرف ما نسبه ولا من أبوه إنما يدعيه هذا الذي حمله، حملته امرأة جاءت به فقالت: هذا ولدي ولم تحضر بينه ورثه مسروق، وغيره من أهل العلم لا يورثونه، وأبا عمر -رضي الله عنه- توريث مثل هذا النوع، ولو يستثنوا من ذلك إلا إذا جاء به رجل وادعاه قال: هذا ابني وصدقه الولد.

يقول المحشي: الحميل بفتح الحاء المهملة الذي يحمل من بلده صغيراً ولم يولد في الإسلام، ومنه قول عمر -رضي الله تعالى عنه- في كتابه إلى شريح: الحميل لا يورث إلا ببينة، سمي حميلاً لأنه يحمل صغيراً من بلاد العدو ولم يولد من بلاد الإسلام قاله في اللسان، وقال الشارح: وفي توريثه من أمه التي جاءت معه وقالت: إنه هو ابنها خلاف، فعند مسروق أنه يرثها، فلذلك ورث والد الأعمش أي جعله وراثاً، وعند الحنفية أنه لا يرث من أمه، قال محمد بن الحسن في الموطأ: أخبرنا مالك قال: أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب قال: أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحد من الأعاجم إلا ما ولد في العرب، قال محمد: وبهذا نأخذ، لا يورث الحميل الذي يسبى وتسبى معه امرأة فتقول: هو ولدي، أو تقول: هو أخي، أو يقول: هي أختي، ولا نسب من الأنساب يورث إلا ببينة إلا الوالد والولد، يعني إذا ادعى الوالد أن هذا ولده، وادعى الولد أن هذا أبوه يورث كل منهما من الآخر، فإن ادعى الوالد أنه ابنه وصدقه فهو ابنه ولا يحتاج في هذا إلى بينة، ولا يحتاج في هذا إلا بينة، هذا ما نقله محمد بن الحسن في موطئه عن مالك، يقول: أخبرنا مالك عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب قال: أبى عمر، وهذا صحيح إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وإلا لو لم يثبت هذا عن عمر لقلنا: ما الفرق بين الوالد والوالدة؟ وقد تكون دعاوى الرجال أكثر من دعاوى النساء، يعني الرجل يدعيه أكثر مما تدعيه المرأة، لكن ما دام ثبت هذا عن هذا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لا كلام لأحد، والمسألة ليس فيها نص، وإلا فالأصل أن الدعاوى لا تقبل إلا ببينة، البينة على المدعي، فإذا ادعى يحضر البينة وإلا فالأصل العدم، لكن مثل هذه الأمور -أمور الأنساب- تختلف عن أمور الأموال، فأمور الأنساب يكتفى فيها بالاستفاضة، يكتفى فيها بالاستفاضة، إذا استفاض بين الناس أن هذا ولد فلان، وأن هذا أبوه فلان يكفي، ويشهد عليه وإلا ففيه إثبات كثير من هذه الأمور وهذه الدعاوى خرط القتاد، يعني لو جاء واحد بيروح إلى الأحوال يبي إثبات جنسية، يبي يستخرج بطاقة، لو استدعى أحد الجيران الذين يعرفونه منذ أن ولد إلى أن

طلب هذا الطلب لا يمكن أن يشهد أحد بشهادة حقيقة باطنة على حقيقة الأمر، ما هناك إلا الاستفاضة؛ لأنه ما الذي يترتب على الشهادة الحقيقة الباطنة التي على مثلها فشهد وإلا فدع؟ ماذا يترتب عليه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

لا، لا، أنا أقول: في مثل هذه الصورة، يأتيك ابن جيرانك مثلاً وقد أكمل السن القانونية النظامية ويريد استخراج بطاقة يقول: تشهد لي أني ولد فلان، تشهد بالاستفاضة أنه ولد فلان، لكن حقيقة الأمر ما تدري، نعم، لكن مثل هذا يكتفى فيه بالاستفاضة عند أهل العلم، ودون إثبات حقيقة الأمر خرط القتاد، ما الذي شهد العملية من بدايتها إلى نهايتها، فالاستفاضة في مثل هذا كافية، وعلى كل حال فالحديث رغم انقطاعه والإشكال فيه أنه يرويه راوي الحديث الأول، وإلا فالانقطاع في مثل هذه الصورة ينجبر لو لم يكن الراوي هو راوي الحديث الأول، يعني لو كان راوي الحديث الثاني عن ابن عمر غير الأعمش؛ ولو كان منقطعاً، إذا كان يرويه غير من يروي المنقطع الأول، كما قيل فيما يعتضد به المرسل، أن يروى من غير طريق رجال المرسل الأول ينجبر أما في هذه الحالة فقد يكون من اختلاف الرواة عن الأعمش، اختلاف الرواة عن الأعمش، هل هو من حديثه عن أنس وإن كان منقطعاً أو هو من حديثه عن ابن عمر؟ وهذا لا شك أنه اختلاف مؤثر، مع ما فيه من الانقطاع، وعلى كل حال جاءت النصوص بالأمر بستر العورات، وأنها لا تكشف إلا للزوجة أو ما ملكت اليمين، وما اضطر الإنسان إليه في حالة قضاء الحاجة، أو في حالة علاج يُحتاج إليه، حاجة بالفعل ما هو بأدنى حاجة تكشف العورة، والآن التساهل من كثير من المرضى، وكثير من الأطباء ولو بغير حاجة تجده يكشف، والثياب التي يلبسونها المرضى لا تستر، وليست الحجة داعية إلى ذلك، تكون مفتوحة من الخلف أو من الأمام، ما في حاجة داعية إلى هذا، فعليهم أن يتقوا الله -جل وعلا-، ويقتصروا في هذه الأمور التي هي على خلاف الأصل على قدر الحاجة، وما عدا ذلك يبقى على المنع، تجده سليم معافى ما في شيء يذهب يصلي في المسجد ويرجع وعليه الثوب هذا اللي شبه عاري، نعم يحتاط لنفسه ويربطه وقد يلبس تحته شيء لكن يبقى ما الداعي إلى مثل هذا الثوب؟ أيضاً تساهل كثير من الأطباء وكثير من المرضى في الكشف عن العورات مع أنه قد لا يحتاج إليها، أمور قد يستغنى بالكلام عن مباشرة النظر إلى العورات، ويتساهل الرجال في النظر إلى النساء، والنساء في النظر إلى الرجال، وقد يزيد

باب: في كراهية الاستنجاء باليمين:

الأمر عن النظر باللمس ونحوه، كل هذا يجب أن يقدر بقدره، بقدر الحاجة بل الضرورة؛ لأن هذه محرمات بالنص، ليست عن اجتهاد أو مما يشمله قواعد عامة، محرمات بالنص يحتاط فيها، نعم الفقهاء يقولون: للطبيب المسلم النظر ولمس ما تدعو الحاجة إليه حتى الفرج وباطنه، لكن الحاجة، نحن نرى في المستشفيات يتجاوزون في هذا، بل قد يحضرون مجموعة من النساء بدعوى التعليم مثلاً لتشاهد رجل أو بالعكس مجموعة من الرجال يشاهدون امرأة ليتعلموا، أنا أقول: لا داعي لكثير من هذه التصرفات، فعليهم أن يتقوا الله -جل وعلا- فيما حرم الله عليهم، نعم. باب: في كراهية الاستنجاء باليمين: حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا سفيان بن عيينة عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه. قال أبو عيسى: وفي هذا الباب عن عائشة وسلمان وأبي هريرة وسهل بن حنيف. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأبو قتادة اسمه: الحارث بن ربعي، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم كرهوا الاستنجاء باليمين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى: "باب: ما جاء في كراهية الاستنجاء باليمين" و (ما جاء) هذه زيادة في بعض النسخ، وكراهة وكراهية أيضاً زيادة من بعض النسخ دون بعض، والاستنجاء: هو إزالة النجو الخارج من الدبر، وأيضاً القبل الخارج من السبيلين يقال له: نجو، والمراد به قطع هذا الخارج وأثره على البدن، من قولهم: نجوت الشجرة إذا قطعتها، فالمقصود بالاستنجاء القطع، قطع أثر الخارج من السبيلين، والاستنجاء يكون بالماء، والاستجمار يكون بالأحجار على ما سيأتي. "قال: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر" العدني، نزيل مكة، صدوق، توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين "قال: حدثنا سفيان بن عيينة" أبو محمد الهلالي، تقدم ذكره "عن معمر" بن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت أصله من البصرة، ثم نزل اليمن فلما أراد أن يرجع قيل: قيدوه، فزوجوه مو القيد بحبال؟ لا، بالفعل جلس، قيدوه فجلس، وإمام معروف ثقة ثبت، حافظ "عن معمر عن يحيى بن أبي كثير" الطائي مولاهم، ثقة ثبت أيضاً.

"عن عبد الله بن قتادة" الأنصاري المدني، وهو أيضاً ثقة "عن أبيه" أبي قتادة الأنصاري فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، اسمه: الحارث بن ربعي بن بلدمة السلمي، توفي سنة أربع وخمسين "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يمس الرجل ذكره بيمنه" تكريماً لليمين، وفي حكم الرجل أيضاً المرأة، تكريماً لليمين وجاء تقيد ذلك بحالة البول، الحديث مطلق "نهى أن يمس الرجل ذكره بيمنه" تكريماً لهذه الجهة، وجاء تقييد النهي بحالة البول، ففي الصحيحين وغيرهما: "نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه وهو يبول" وفي رواية: ((إذا بال أحدكم فلا يمسن ذكره بيمينه)) فهنا قيد، وهل يحمل المطلق على المقيد على الجادة؟ لأن النصوص بعضها مخرجها واحد، فيذكر القيد في بعضها دون بعض، وبضعها جاء مختلف المخرج، والحكم والسبب واحد، وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد، فعلى هذا القول القول بحمل المطلق على المقيد يكون النهي خاص بحال البول، وما عدا ذلك لا يشمله النهي، وهذه قاعدة حمل المطلق على المقيد إذا اتحدا في الحكم والسبب لا إشكال في هذا يحمل المطلق على المقيد، ومنهم من لا يرى حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة، لأنه إذا نهي عن مس الذكر باليمين مع أن الحاجة داعية إلى ذلك؛ فلئن ينهى عن ذلك في غير هذه الصورة في باب أولى، قد يحتاج إلى مس الذكر باليمين إذا أراد أن يبول، فمن باب أولى إذا لم يحتج إلى ذلك في غير هذه الحالة، وحينئذٍ لا يحمل المطلق على المقيد فيكون النهي شامل لهذه الصورة، ولغيره من الصور، ولا شك أن اليمين محل احترام وجاءت النصوص باحترامها، وأنها لا تستعمل فيما يستقذر، وأن الشمال لذلك، لهذا المستقذر، فعندنا من يقول بحمل المطلق على المقيد، وعلى هذا ينهى عن مس الذكر باليمين حال البول فقط، وهل يقاس عليه حال الجماع مثلاً أو لا؟ أو يقال: أن النهي في الحديث باقي على إطلاقه؟ وإذا نهي عن مس الذكر في الحالة التي يحتاج إليها فلئن ينهى عن غيرها مما لا تدعو الحاجة إليه من باب أولى، يعني نظير ما قالوا في الأكل والشرب من آنية الذهب الفضة، الأكل والشرب من آنية الذهب الفضة من أهل العلم من يقول: يقتصر على مورد النص، مورد المنع وما عدا

الأكل والشرب من سائر الاستعمالات لا يشمله النهي، ومنهم من يقول: إذا نهي عن الأكل والشرب مع أن الحجة داعية إلى ذلك فلان ينهى عن سائر الاستعمالات التي لا تدعو الحاجة إليها من باب أولى، وعلى كل حال هما مسلكان ومأخذان وفهمان لأهل العلم، ولكل منهما وجه، والأحوط ألا يمس الذكر باليمين مطلقاً، أحياناً تكون القواعد العامة والنصوص العامة التي تشمل هذه الصورة وغيرها قد ترجح الحمل أو عدم الحمل، فمثلاً حديث: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) نسأل الله السلامة والعافية وحسن الخاتمة، هذا الحديث مطلق جاء تقييده بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)) لكن ما نجد السلف يقيدون المطلق بهذا اللفظ، ما نجد أحد من السلف يقيد المطلق بهذا اللفظ، لماذا؟ لأن العمل بالنص المطلق أشد في التحرز والتوقي والخوف من سوء العاقبة الذي يجعل الإنسان يحتاط لأمر دينه، ولا يفرط في شيء، فمثل هذا النصوص العامة قد تحول دون حمل المطلق على المقيد، وهناك أمور تحول بين مثل هذا الطريق من طرق الجمع بين أهل العلم، قد يكون الجمع والطريقة التي يجمع فيها .. ، وإلا حمل المطلق على المقيد في هذه الصورة وفي صورة حديث: ((إن أحدكم)) للإتحاد في الحكم والسبب لا يختلف فيها أهل العلم، لكن لوجود ما يعارضها من نصوص عامة تقتضي احترام اليمين مطلقاً، ومن نصوص عامة تقتضي أن يكون الإنسان على حذر من سوء العاقبة، هذه تؤيد عدم حمل المطلق على المقيد، وأيضاً هناك ما يعارض حمل المطلق على المقيد من أمور خارجية عن النصين فمثلاً حديث: ((إذا لم يجد أحدكم النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا الحديث قاله النبي –عليه الصلاة والسلام- في المدينة، وهو مقيد بالقطع، لكنه في عرفة ذكر -عليه الصلاة والسلام- أن من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ولم يذكر قطعاً، والحكم والسبب واحد، فالقاعدة أن يحمل المطلق على المقيد فيقطع؛ من أهل العلم من يرى أن هناك من يمنع من حمل المطلق على المقيد؛ لأن النص المطلق متأخر عن النص المقيد، وأيضاً

سمع المطلق من لم يسمعه، من لم يسمع النص المقيد، وأضعاف أضعاف من سمع المقيد سمع المطلق وهذا وقت بيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وحينئذٍ لا يحمل المطلق على المقيد من هذه الحيثية، وقال به بعض العلماء. فأقول: حمل المطلق على المقيد له صور: أما إذا اتحدا في الحكم والسبب فلا خلاف، فإنه يحمل المطلق على المقيد، اختلفا في الحكم والسبب لا خلاف في إنه لا يحمل المطلق، إذا اتحدا في الحكم دون السبب الجمهور على الحمل، إذا اختلفا في الحكم دون السبب الجمهور على عدمه، لكن هنا اتفقا في الحكم والسبب وحينئذٍ الجادة أن يحمل المطلق على المقيد، ويؤيد حمل المطلق على المقيد حديث طلق بن علي لما سئل عن الرجل يمس ذكره قال: ((إنما هو بضعة منك)) وإن كان هذا من جهة أخرى فيه شيء من العموم، إذ المس يتناول اليدين معاً وما معنا مخصوص باليمين، فيحمل العام على الخاص باليمين، على كل حال هما مذهبان معروفان عند أهل العلم، والأحوط ألا يمس الذكر باليمين. قال -رحمه الله-: "وفي هذا الباب عن عائشة" وهو مخرج عند أبي داود "وسلمان" عند الإمام مسلم "وأبي هريرة" عند ابن ماجه "وسهل بن حنيف" لم يقف عليه الشارح "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الصحيحين فهو متفق عليه "وأبو قتادة الأنصاري اسمه: الحارث بن ربعي" ابن بلدمة السلمي "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم كرهوا الاستنجاء باليمين" مثل ما ذكرنا إكراماً لها، وصيانة لها عن الأقذار ونحوها، كرهوا الاستنجاء باليمين، الاستنجاء لا شك أنه داخل في النص المطلق، وداخل أيضاً في النص المقيد.

باب: الاستنجاء بالحجارة:

التعقيب بعمل أهل العلم "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم كرهوا الاستنجاء باليمين" النص في أن يمس الرجل ذكره بيمينه، نعم دلت النصوص الأخرى على التقييد بالقول والاستنجاء لكن مثل ما ذكرنا للتوثيق بين هذه النصوص، ليس هذه قصدي من إعادة الكلام في هذه المسألة، المسألة في إرداف الحديث الصحيح بالعمل هل هو من أجل التقوية أو من أجل التضعيف؟ أحياناً يقول الترمذي في غير هذا الحديث هذا الحديث متفق عليه لكن في أحاديث أخرى قال: "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم" حينما يردف الترمذي الحديث بالعمل عند أهل العلم، هل هو يريد أن يقوي الخبر بعمل أهل العلم أو يريد أن يغمز الخبر؟ لكنه عمل به أهل العلم فهو من هذه الحيثية لولا عمل أهل العلم يحتاج إلى شاهد؟ أحيان يقول: والعمل على هذا عند أهل العلم، أو عامة أهل العلم في حديث يحتاج إلى تقويه، وهو بهذا يقويه، وأحيان العكس، الحديث قوي لكن لولا عمل أهل العلم به لكان فيه ما فيه لوجود معارض له، لوجود حديث أخر معارض له، ويأتينا من الأمثلة ما يدل على هذا وهذا -إن شاء الله تعالى-، وإلا فالحديث الذي معنا في الصحيحين متفق عليه، ما فيه كلام، نعم. باب: الاستنجاء بالحجارة: حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قيل لسلمان: قد علمكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء حتى الخراءة فقال سلمان: أجل، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن نستنجي باليمين، أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عائشة وخزيمة بن ثابت وجابر وخلاد بن السائب عن أبيه. قال أبو عيسى: حديث سلمان حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعدهم رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ، وإن لم يستنج بالماء، إذا أنقى أثر الغائط والبول، وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

"باب: الاستنجاء بالحجارة" تقدم الكلام على الاستنجاء، وأن أهل العلم خصوه بقطع أثر الخارج بالماء، وأما الحجارة فيقال لها: استجمار، وهي استعمال الجمار التي هي الحجارة في قطع أثر الخارج، وقد يستعمل هذا في مقام هذه والعكس، يعني يستعمل الاستنجاء بدل الإستجمار والعكس، وهنا استعمل الاستنجاء بالحجارة، قال -رحمه الله-:

"حدثنا هناد" بن السري تقدم "قال: حدثنا أبو معاوية" الضرير محمد بن خازم، ثقة معروف من رجل الكتب الستة "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن إبراهيم" بن يزيد النخعي الفقيه "عن عبد الرحمن بن يزيد" بن قيس النخعي الكوفي ثقة "قال: قيل لسلمان" الفارسي الصحابي الجليل، والقائل لسلمان هم المشركون، قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء كما في رواية مسلم: قيل لسلمان: قد علمكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء حتى الخراءة هذا استهزاء، لكن هل في هذا منقصة أن يكون الإنسان على علم تام بما يلزمه في دينه؟ هذا من تمام التبليغ الذي أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد بلغ الأمانة، وأدى الرسالة على أكمل وجه -عليه الصلاة والسلام-، بلغ البلاغ المبين، ولم يترك لأحد قول ما لم يقله -عليه الصلاة والسلام- أو يقل أصله الذي يستنبط منه "علمكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم-" يعني هذه مزيدة من قول المسلمين وإلا فالسائل ما يقول هذا الكلام "كل شيء حتى الخراءة" بكسر الخاء ممدود الألف، المراد به أدب التخلي، والقعود عند الحاجة، وأما نفس الحدث فبحذف الفاء مع فتح الخاء وكسرها "فقال سلمان: أجل" أجل حرف إيجاب بمعنى نعم، كما في حديث ابن مسعود في الصحيح: "إنك لتوعك يا رسول الله وعكاً شديداً" قال: ((أجل إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم)) قال ابن مسعود: ذلك لأن لك أجرين؟ قال: ((أجل)) فهي جواب حرف جواب بمعنى نعم "فقال سلمان: أجل، نهانا -يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- أن نستقبل القبلة بغائط أو بول" نستقبل القبلة بغائط أو بول، وهذا تقدم الكلام فيه وفي مذاهب العلماء، في حكم الاستقبال والاستدبار، وأن نستنجي باليمين، وهذا تقدم أيضاً في الباب السابق، فإذا نهي عن مس الذكر باليمين فلئن ينهى عن الاستنجاء باليمين من باب أولى، أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، فيه بيان أن الاستنجاء بالأحجار أحد الطهرين وإن لم يستعمل الماء، الاستنجاء بالحجارة كافي وهو أحد الطهرين، ولا شك أن الماء أنقى منه، وإن جاء عن بعض السلف النهي عن الاستنجاء بالماء، وأنه لا يجزئ، لكن ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- فلا كلام

لأحد معه، وقد أجمع العلماء على إجزاء الاستنجاء بالماء، الأحجار إذا اقتصر عليها لا بد أن تكون ثلاثة أحجار "وأن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار" فالجمهور على اشتراط العدد الثلاثة، وأنه لا يجزئ أقل من ذلك، والحنفية اشترطوا الإنقاء فقط، اشترطوا الإنقاء، وحديث الباب دليل للجمهور "وأن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار" فيدل على أن أقل ما يستنجى به ثلاثة أحجار، وسيأتي ما في الاستنجاء بالحجرين في الباب اللاحق، والحنيفة يرون الإنقاء، وإن كان بحجر واحد، فإذا تم الإنقاء انتهى، والحديث رد عليهم، حديث: ((من استجمر فليوتر))، ((من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج)) هذا يستدل به الحنفية على أن الحجرين كافيان؛ لأن الاستجمار بالوتر سنة ((من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج)) يعارضون به هذا الحديث، حديث الباب وما جاء في معناه، فمن استجمر بحجرين يكفي عندهم؛ لأنه لا حرج فيه، لكن الحديث مجمل يبينه حديث الباب، وأن المراد بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من استجمر فليوتر)) ((من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج)) فيما زاد على الثلاثة، يعني إن لم ينقِ بثلاثة واحتاج إلى رابع يزيد خامس ليقعطه على وتر، إن فعل هذا فقد أحسن ولم لا فاقتصر على الأربع فلا حرج، لكن الحد الأدنى للاستنجاء ثلاثة أحجار "وأن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار" فعلى هذا لا بد من ثلاثة أحجار، وفي حكم الأحجار الأعيان الخشنة التي تزيل الخارج، إذا كانت مناديل خشنة أو خشب بحيث لا يتضرر بها، فإنها تقوم مقام الأحجار؛ لأن العبرة بالمعنى، العبرة بإزالة الأثر، وهذه تزيل الأثر، فمنهم من يقول: لا يزيله إلا الأحجار؛ لأن الأصل أن طهارة الاستجمار طهارة حاجة، وطهارة الحاجة يعفى فيها ما لا يعفى في غيرها، ولذا يقولون: الضابط في الإنقاء في الاستجمار ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، هذا الضابط في إنقاء الأحجار، أن لا يبقى في الموضع إلا شيء لا يزيله إلا الماء، يعني الحجر يرجع في أخر مرة لا شيء عليه، لكن هل معنى هذا أن المكان طهر مائة بالمائة؟ لا، لا يعني هذا، ولذا لو وجد مثل هذا في غير موضع الخارج ما أجزأ إلا الماء، يعني لو وقعت نجاسة على اليد مثلاً هل نقول:

يزيلها بالأحجار؟ ولو ذهبت عينها ما يزيلها إلا الماء، هذا الضابط في الإنقاء بالأحجار، وأما بالنسبة للماء فيقولون: عود خشونة المحل، إيش معنى عود خشونة المحل؟ أن يعود المحل خشن؛ لأنه مع وجود المادة ما ذهبت خشونته، يبقى في شيء من اللزوجة، يعني كمن يغسل بالصابون أو بالشامبو، ما دام الصابون موجود نعم فالخشونة مفقودة، فإذا ارتفع جميع ما على اليد من أثر الصابون أو الشامبو تعود اليد خشنة، فإذا عادت اليد خشنة عرفنا أن الصابون انتهى، وهذا يعرفه كل إنسان من نفسه، يعني إذا كانت اليد أنت تغسل بصابون وما زالت اليد لزجة هل معنى هذا أن الصابون انتهى؟ لا، أبداً حتى تعود خشونة اليد، وقل مثل هذا في الاستنجاء بالماء حتى تعود خشونة المحل "أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار" منهم من يقول: إن الاستنجاء بالأحجار طهارة حاجة وضرورة فلا تتعدى موضعها، وقد يكون في الأحجار مثلاً أو مما يشبهها على وجه الأرض من الأشياء التي تقاوم ما في هذا الخارج من قاذورات أو جراثيم أو ما أشبه ذلك؛ مثل ما قيل في التراب بالنسبة لغسل ما يلغ فيه الكلب، قد يقال هذا فتتعين الأحجار فلا يكفي مناديل ولا يكفي أخشاب، أما الشيء اللزج مثل الزجاج وما أشبهه فهذا لا ينقي اتفاقاً، ولا يحصل الإنقاء.

"أو أن نستنجي برجيع أو بعظم" نستنجي برجيع، الرجيع هو الروث، روث الدواب، والعذرة أيضاً يقال لها: رجيع، لماذا؟ لأنه رجع عن حالته الأولى، يعني لما دخل إلى الجوف على حال فلما خرج من مخرجه رجع عن حالته الأولى، ولذلك سمي رجيع "أو نستنجي برجيع أو بعظم" الرجيع هو الروث، والروث جاء فيه أنه زاد أو علف دواب إخواننا من الجن فلا نفسده عليهم، ومن باب أولى إذا كان هذا علف دواب الجن فينهى عن الاستنجاء بعلف دواب الإنس من باب أولى، أو بعظم كما في جاء في الحديث: أن العظم يعود أوفر ما كان، وهو طعام وزاد إخواننا من الجن، هذا إذا كان رجيع ما يؤكل لحمه، وإذا كان عظم ما يؤكل لحمه، فهو زاد إخواننا من الجن، وامرأة .. ، وهذا يوجد عند بعض الناس بعض العظام تكون لينة وبعض الناس مغرم بقضمها، بعد ما يأكل ما عليها من اللحم يقضم هذه العظام، هذا موجود عند بعض الناس، امرأة أصيبت بمس فلما قرئ عليها رقيت تكلم الجني وقال: إنها مسلطة علينا لا تترك لنا شيئاً من زادنا، تقضم العظام، فمثل هذا يتقى.

في حديث الذكاة وأنها تكون بكل ما أنهر الدم خلا السن والظفر ((ليس السن والظفر)) وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) التعليل بكونه عظم السن، وهو سن الآدمي بكونه عظم ولا يلوث بالدم المسفوح كما أنه لا يستنجى بالعظم الذي هو زاد إخواننا من الجن، يعني إذا أردنا أن نربط بين السن والعظم الذي نهي عنه بهذا الحديث، كلامهما عظم، وبغض النظر عن العلة، العلة مختلفة، السبب مختلف أما ما في حديث الباب فلأنه زاد إخواننا من الجن، لكن بالنسبة للسن والتعليل بكونه عظم، هل نقول: إن العلة تعبدية؟ أو نقول: إن الدم المسفوح نجس وحرام لا يجوز أن يباشره الإنسان؟ فلماذا لم يعلل به؟ يعني مقتضى كونه عظم قد يقول قائل: وبعدين صار عظم، هذا كل هذا بعد الرضا والتسليم والإذعان والاستسلام عما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن المسألة مسألة بحث، يعني كون الإنسان بسنه يذكي الصيد، لا شك أن الدم المسفوح محرم إجماعاً، قد يقول قائل: أنا أغسل فمي وكونه عظم ويش يعني؟ هل هذه علة يمكن أن يعلق ويناط بها الحكم؟ فكل عظم لا يجوز التذكية به، لا تجوز التذكية به لأنه عظم؟ وإذا حصلت التذكية به يجزي فيأكل أو لا يجزئ؟ يجزئ فيأكل مع التحريم أو لا يجزئ أصلاً؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- استثناه من كل ما أنهر الدم، ليس السن والظفر، فعلى هذا التذكية به لا تجزئ، لكن العلة هل هو كونه عظم أو لمباشرة النجاسة التي هي الدم المسفوح؟ العلة الوردة في هذا الحديث لا يمكن أن ترد هناك، لا يمكن أن ترد، لا يمكن أن يقال: إن السن إذا طاح يصير زاد إخواننا من الجن، لا يمكن أن ترد، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أما السن فعظم)) وعلى هذا كل عظم لا تجوز التذكية به، والعلة كونه عظم، العلة كونه عظم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- علل بذلك بعض النظر لو قال مثلاً: أنا لا أباشر، وأغلف العظم هذا الذي هو السن, ما عندي شيء أذكي به هذا الصيد، وإذا تركته مات، وما عندي إلا السن أو الظفر، النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أن هذا لا يجزئ ولا يحل الذبيحة، طيب التعليل كونه عظم لأننا نباشر النجاسة نغلف، في شيء اسمه غلاف فلا

نباشر النجاسة، يعني من وراء حائل يستطيع أن يذبح، فهل يجزي هذا؟ نقول: لا يجزي، ونقف عند النص، ولو ذكى بسنه قلنا: ميتة، وكذلك الظفر لأنه مدى الحبشة، وهل مقتضى كونه من مدى الحبشة كون الظفر من مدى الحبشة أننا لا نستعمله في التذكية ظاهر؟ لكن لا نستعمله بجميع ما تستعمل فيه المدية؟ نعم؟ أنت عندك مثلاً جزر وعلى هذا الجزر طبقة وسخ وتبي تزيله ولا عندك سكين تزيله بظفرك وإلا لا؟ من مدى الحبشة؟ لأن هذا مما يستعمل فيه المدية والظفر من مدى الحبشة وقد نهينا عن مشابهتهم، فهل نزيل ما على الجزر أو ما على الخيار بالظرف وإلا لا؟ طالب: نزيله. نعم لكن التعليل عموم العلة يشمل جميع ما تستعمل فيه المدية، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا بس عموم العلة يطرد عند أهل العلم، عموم العلة كونه الظفر مدى الحبشة وتستعمله فيما تستعمل فيه المدية، لو استعملته فيما يستعمل فيه الماء مثلاً أزلت شيئاً وقع على ثوبك نقول: ما تستعمل المدية هنا ما في إشكال، لكن ما تستعمل فيه المدية –السكين- نطرد وإلا ما نطرد بعموم العلة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

يعني نستعمل العلة في أعم من حقيقتها، الحقيقة يعني الذي ورد فيها النص المنع والتحريم، كوننا نستعمل نص واحد في أكثر من استعمال في التحريم أحياناً وفي الكراهية أحياناً وفي خلاف الأولى أحياناً هل هذا مطرد عند أهل العلم؟ أو يستعملونه مرة واحدة ثم يخرجون ماعدا ذلك في نصوص أخرى؟ ما أدري الإخوان معنا وإلا ما هم معنا؟ لأن المسألة مهمة، يعني كون الظفر مدى الحبشة هل معنى هذا أننا لا نستعمل الظفر لأنه مدى الحبشة في جميع ما تستعمل فيه المدية أو نقول: نقتصر على ما ورد فيه النص وهو التذكية، وماعدا ذلك الأمر فيه سعة؟ يعني العلة التي علل بها النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الظفر مدى الحبشة، مقتضى هذه العلة أن الظفر لا نستعمله فيما يستعمل في المدية، التي هي السكين، ما يحتاج إلى السكين ما ننيب الظفر مكان السكين؛ لأنها مدى الحبشة، هذا ما تقتضيه العلة والتعليل، فهل هذا مراد أو ليس بمراد؟ يعني مثلما قلنا في السن: إنه مثلاً لئلا يباشر الدم المسفوح وهو نجس، وعلى هذا يمنع بالسن كل ما كان فيه مباشرة نجاسة، نعم الضرورات تقدر بقدرها هذا أمور أخرى، لكن يبقى أن عموم العلة، عموم التعليل بكونه مدى الحبشة ألا نستعمله في جميع ما تستعمل فيه المدية، هذا ما يقتضي عموم العلة، ما الذي يخرج غير الذبح من هذا؟ لأن عموم العلة معتبر عند أهل العلم، إلا إذا عورض هذا العموم بما هو أخص منه، فحينئذٍ يقدم الخاص، في جواب وإلا ما فيه؟ وإلا تراجع المسألة؟ تراجع، لعلها تراجع إلى السبت. "أو أن نستنجي برجيع أو بعظم" وعرفنا العلة في ذلك بحديث رويفع: ((لعل الحياة تطول بك يا رويفع، فأخبر الناس أن من)) ... إلى أن قال: ((أو استنجى برجيع دابة أو عظم)) كل هذا محرم -نسأل الله السلامة والعافية-. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن عائشة" وهو مخرج عند أحمد وأبي داود والنسائي "وخزيمة بن ثابت" عند أبي داود وابن ماجه "وجابر" عند أحمد "وخلاد بن السائب عن أبيه" عند الطبراني في الكبير والأوسط بسند ضعيف.

"قال أبو عيسى: حديث سلمان في هذا الباب حسن صحيح" وهو صحيح مخرج في صحيح مسلم "وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ" لأنه ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- الاكتفاء به، وما ورد في مدح الجمع بين الماء والحجارة كما في قول عائشة: "مرن أزواجكن فإن أستحييهم أن يتبعوا الحجارة الماء" وما جاء في قصة أهل قباء، وأن الله مدحهم بأنهم من المتطهرين، وأنهم يتبعون الماء الحجارة، لا يسلم هذا من مقال، لكن لا شك أن إتباع الماء الحجارة أكمل، وأن الاستنجاء بالحجارة فقط مجزئ، وهو متفق عليه، وأن الاستنجاء بالماء مجزئ وهو محل إجماع. "وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعدهم رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ، وإن لم يستنج بالماء إذا أنقى أثر الغائط والبول" إذا أنقى بهذا الشرط، أما إذا لم ينقِ بالحجارة فلا بد من الماء، أيضاً إذا تعدى الخارج محله فلا بد من الماء؛ لأن هذه طاهرة ضرورة وحاجة يقتصر بها على موضعها، فلو تلوث ما حول الخارج لا بد من الماء، أما الخارج يكفيه الحجارة، إذا أنقى أثر الغائط والبول "وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" وعامة أهل العلم على هذا، ومن يخالف فيرى أن الماء وحده لا يكفي، وهذا موجود في الصدر الأول قالوا: لأنه طعام ولا يجوز الاستنجاء بالطعام، وما دام ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يذهب إلى المذهب الذي هو محل كما سيأتي في حديث ابن مسعود وحديث أنس: "فأنطلق أنا وغلام نحوي بإداوة من ماء يستنجي به النبي -عليه الصلاة والسلام-" ولا كلام لأحد معه، ثم حصل الإجماع على الماء، والحجارة أيضا ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قوله وفعله، الاستنجاء بالحجرين تكلم وأطال عنه الكلام -رحمه الله-، وفيه علل، وفيه أشياء تحتاج إلى مزيد من البسط، نتركه إلى يوم السبت -إن شاء الله تعالى-. نشوف أسئلة وردت يقولون من النساء، هذه أسئلة النساء.

يقولن: لو سمحت نود أن تكون قراءة الأسئلة بعد الشرح لأن جميع الأسئلة التي طرحناها لم نسمع إجابتها بسبب التأخر في المجيء، وإن لم يتيسر ذلك نود أن تعيد إجابة سؤالنا في يأجوج ومأجوج؟ في يأجوج ومأجوج أظن السؤال في كونهم ينقبون ثم يعاد إلى أن يريد الله -جل وعلا- خروجهم فلا يعاد، مع أن الحديث -حديث زينب- في الصحيح: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) قلت: أنا استظهرت في إجابته أنهم ينقبون شيئاً لا يستطيعون الخروج معه، أو يستطيعون الخروج معه ثم يعاد لئلا يخرجوا، وأما ما فتح في عهده -عليه الصلاة والسلام- فإنه مثل هذه مثل الحلقة الصغيرة. الرفاعي يقول: إنه لا يبقى منقوباً ألا أن يقول صاحبه: إن شاء الله فيبقى منقوباً فيخرجون للدنيا، وهل هناك فتحة لم تسد وهي التي يقصد بها الرسول. . . . . . . . .؟ نعم هناك فتحة هي التي أخبر عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنهم لا يستطيعون الخروج معها. من كبر وهو حامل النجاسة وأثناء الصلاة تذكر أو رأى النجاسة ثم أزالها؟ كبر وهو حامل يعني صف يصلي دخل في الصلاة وهو حامل النجاسة ولم يتذكرها إلا وهو في أثناء الصلاة، هذه يتخلص منها إن استطاع أن يتخلص منها إن استطاع إن كانت في نعلين في شماغ، في شيء لا يشترط لصحة الصلاة، أما إذا كان في السترة المشترطة للصلاة فلا يستطيع أن يتخلص منها، إذا كانت في خمار المرأة، أو كانت على عورة الرجل لا يمكن التخلص منها إلا بقطع الصلاة، أما إذا استطاع أن يتخلص منها فالنبي -عليه الصلاة والسلام- خلع نعله لما أخبره جبريل أن فيها نجاسة. تقول: حبذا لو اختصرتم الحديث عن رجال الإسناد وبعض علوم الحديث الأخرى؟ يعني ميزة الكتاب -ولهذا اخترناه- أن فيه الكلام على أكثر أنواع علوم الحديث. يقول: لو ركزتم على المسائل الفقيه والشرعية المتعلقة بذكر الأحاديث والأقوال وأدلتها والترجيح وسبب الترجيح وغير ذلك؟ على كل حلال أهمية هذه الأمور على حد سواء. عند قضاء الحاجة في غير البنيان هل يقال: غفرانك؟ نعم يقال: "غفرانك". ما رأيكم في السفر إلى الخارج وخاصة المرأة تسافر بحجة الذهاب مع زوجها وتقول: لا نذهب إلى الأماكن الحرام والفتنة؟

على كل حال الذهاب إلى الخارج أمره عظيم، وخطره على الدين واضح، وخطره على النساء والذراري أوضح، وكل إنسان يقدر المصلحة والمفسدة المتعلقة به. ما حكم تحويل النافلة إلى فريضة أو العكس؟ تحويل النافلة إلى فريضة لا يصح في القول المرجح عند أهل العلم، وأما العكس فقالوا: إذا قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز. هل يجوز للإنسان أن يصلي بعد الأذان مباشرة وخاصة وقت الفجر أو الظهر وعليه أن ينتظر للإقامة وهذا للنساء. . . . . . . . .؟ الأصل أن يكون الأذان إعلام بدخول الوقت، فإذا دخل الوقت تصلى الراتبة القبلية ثم تصلى الفريضة، لكن مع ما يثار من كون التقويم متقدم على الوقت لا سميا في صلاة الصبح فالاحتياط أن تؤخر الصلاة. ما حكم لو كان الإنسان مضطجعاً واستقبل القبلة برجليه يعني مدهما إلى جهة القبلة؟ لا شيء في أن يمد رجليه إلى جهة القبلة. تقول هذه: عند العامة دائماً ما يقولون عبارة: "انثبر" بمعنى اصمت عن الكلام، فهل هي دعاء بالثبور أو الهلاك؟ وهل يجوز قولها؟ لا هي تسكيت، يعني اسكت، لكنها من الكلام المرذول الذي ينبغي أن يترفع عنه المسلم لا سيما من له عناية بالعلم. تقول: في وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [(110) سورة الكهف] قيل: من قرأها بنية أن يقوم في ساعة محددة من الليل وذلك قبل المنام فإن الله يعينه على القيام في الساعة التي حددها؟ قيل ذلك لكن ليس له أصل. ما رأيكم في ألعاب الأطفال ذات الصور سواء على شكل إنسان أو حيوان؟ وهل هناك فرق بين ألعاب البنات والأولاد؟

جاء في النصوص في الصحيحين وغيرهما لعب البنات وأنها موجودة في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه كان يراها، لكن لعب البنات الموجودة في عصره -عليه الصلاة والسلام- عبارة -كما قال الشراح- عن وساد كبير في رأسه وساد صغير لا أكثر ولا أقل، ويتعلمون بهذه اللعب المشروحة تربية الأطفال، وهذا معروف ومتوارث إلى عهد قريب، ثم جاءت الصور المجسمة المجمع على تحريمها، الذي أجمع أهل العلم .. ، هذه صور، الموجودة الآن الصور الدقيقة وفيها مضاهات لخلق الله -جل وعلا-، إذا أوقفت فتحت عينيها، إذا أنيمت غمضت العين، بعضها إذا صُفق له رقص، وبعضها في يدها مكبر وتدور وتغني هذه لا يشك أحد في تحريمها، وقد جرت من ورائها .. ، مسألة خطوات شيطان أول ما جاءت على أشكال صغيرة ثم أكبر إلى أن جاءت بحجم بني آدم، ولو قيل وقد ذكر هذا من بعض الإخوان الذين يعملون في الحسبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه وجد أحجام بقدر النساء وبقدر الرجال، ووجد من يستعملها من الجنسين، وهذه خطوات الشيطان فلا شك في منعها وتحريمها. إذا كانت المرأة في سفر فهل الأولى لها قصر الصلاة وترك النوافل حتى ولو طالت المدة لمدة شهر أو أسبوعين؟ على كل حال الجمهور على التحديد، تحديد المدة، والأكثر على أربعة أيام، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (6)

شرح سنن الترمذي ـ أبواب الطهارة (6) شرح: باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين، وباب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به، وباب: ما جاء في الاستنجاء بالماء، وباب: ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . . . . . . . . في الناسخ والمنسوخ في القرآن وكذلك السنة؟ أما ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم فكتاب النحاس من أجمع ما كتب، وفي السنة (الاعتبار) للحازمي. السؤال الثاني يقول: أي كتاب في تراجم الصحابة أحسن؟ أجمع هذه الكتب الإصابة لابن حجر جمع الكتب التي تقدمت على المختصر في بعض التراجم. كيف ترون في تحقيقات الشيخ: شعيب الأرناووط وعبد القادر ومحمود، وكذلك نظر الفريابي وجزاكم الله خيراً؟ تحقيقات الشيخ شعيب والشيخ عبد القادر من أجود ما يعرض في الأسواق الآن، وأما محمود ابن الشيخ عبد القادر تحقيقاته جيدة، لكن ليس مثل أبيه، نظر الفريابي له تحقيقات طيبة على أن تحقيقه لتدريب الراوي أقل، وعهدي به يعمل على فتح الباري، ما أدري انتهى وإلا ما انتهى؟ على كل حال جيد في الجملة. يقول: أرى تقصيراً كثيراً من كثير من الملتزمين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هل من كلمة توجه بهذا الصدد؟ لا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة من شعائر الدين الظاهرة، وهي سبب خيرية هذه الأمة وتفضيلها على سائر الأمم، فهو أمر في غاية الأهمية، ونصوص الكتاب والسنة الواردة في هذا الباب لا تخفى على العامة فضلاً عن آحاد المتعلمين، فلا بد من القيام بها، فرض على الأمة فريضة من فرائض الدين، وليس منوط بجهة معينة، بل جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من رأى منكم)) يقول: من رأى المنكر عليه أن يغير، يجب عليه أن يغير حسب استطاعته وقدرته بالشرط الذي يتفق عليه أهل العلم ألا يترتب على تغير المنكر منكر أعظم منه. يقول: نرجو بيان الحكم في البيع والشراء في الأسهم المعاصرة عن طريق الإنترنت؟

هذه يفتي بها بعض طلاب العلم والمشائخ، ولست على راحة منها؛ لأن حقيقتها تعود إلى لا شيء، لا عين ولا منفعة إنما هي أسماء اعتبارية كما يقولون، لا حقيقة لها. ما هي أفضل الكتب التي فيها مواعظ كي يستيقظ العبد من رقاد الغفلة ويقصر أمله؟ ما جاء في كتاب الله -عز وجل-، وما صح ما سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- كافي، الله -جل وعلا- يقول في كتابه: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] ومن لم يعظه كتاب الله فلن يتعظ، وإذا قرئ القرآن على الوجه المأمور به نفع القلب نفعاً كبيراً، وكذلك ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ففي أبواب الدين التي يذكرها أهل العلم في كتب السنة من الرقاق والفتن وغيرها كفيلة بإيقاظ القلوب، ولأهل العلم أيضاً كلمات نافعة جداً من سلف هذه الأمة وأئمتها يستفاد منها. ما هي الطريقة المثلى للاستفادة من الأحاديث النبوية من الكتب الستة خاصة من ليس لديه شيخ يقرأ عليه؟ وكيف يحفظها؟ ثم كيف يدعو الناس إليها عملاً بحديث: ((نظر الله امرأ سمع منا حديثاً))؟ الطريقة التي ذكرتها وكررتها مراراً في الإفادة من الكتب الستة كفيلة بتحقيق ما أراده الأخ. لو أن إنساناً يشتكي من مرض في فرجه فهل ينفث على فرجه بالقرآن أم ماذا؟ لو قرأ بشيء أو نفث عليه مباشرة ما يوجد ما يمنع؛ لأن هذه الكراهة تزول بأدنى حاجة. هل يوصف الإمام الترمذي بأنه متساهل مع أن له كتاب العلل؟ إيه قد يوصف بالتساهل مع أن له كتاب في العلل، لكن لا يوصف بعدم المعرفة، أو بعدم الخبرة، أو أن تساهله مبني على ضعف في علمه لا أبداً. هل يقرأ سورة مع الفاتحة في صلاة الجنازة؟ نعم ثبت هذا من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. يقول: هل تقوم المناديل مقام الحجارة في الاستنجاء؟ نعم المناديل الخشنة تقوم مقام الحجارة. وهل يجوز الاقتصار عليها؟ نعم يجوز الاقتصار عليها إذا أنقت، وصارت ثلاثة فأكثر. ماذا يبدأ بالصلاة على الجنازة بعد التكبير بالاستعاذة أم بالاستفتاح؟ وماذا عن صحة حديث: ((اللهم اغفر لحينا وميتنا))؟

الحديث صحيح، ويبدأ بالاستعاذة؛ لأنها تفتتح بها القراءة {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] أما الاستفتاح فلا. يقول: هل الطواف لمن تلزمه الجمعة والإمام يخطب لغو تبطل به الجمعة؟ كل من دخل المسجد عليه أن يستمع، كل من دخل المسجد والإمام يخطب عليه أن يستمع. يقول: من هو أبو عيسى الوارد كثيراً في كتاب سنن الترمذي؟ هو أبو عيسى الترمذي المؤلف، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. سجود التلاوة وقت النهي هل الأفضل تركه؟ لا، يفعل ولو في وقت النهي؛ لأنه ليس بصلاة عند جمع من أهل العلم والمنهي عنه الصلاة. أيهما أولى لطالب العلم حفظ القرآن أم حفظ المتون وتأخير القرآن إلى بعد ذلك؟ وهل قال أحد من العلماء: إن حفظ المتون أولى من القرآن لطالب العلم في بداية تعلمه؟ هما طريقتان، المغاربة يبدؤون بحفظ القرآن ولا يقرؤون معه شيء، حتى إذا ما أنهوا حفظ القرآن كاملاً بدأوا بالعلوم الأخرى، والمشارقة ما يفعلون هذا، المغاربة يندر أن يوجد في طلاب العلم من لا يحفظ القرآن لهذا السبب؛ لأنه يضمن حفظ القرآن قبل أن يبدأ بحفظ العلوم الأخرى، المشارقة طريقتهم تختلف يحفظون في بداية الأمر شيئاً من القرآن وليكن المفصل مثلاً مع المتون، متون الطبقة الأولى ثم يزيدون من القرآن ما يناسب سن الطالب مع متون الطبقة الثانية ثم الثالثة وهكذا، ولا ينتهون من كتب الطبقات الأربع إلا وقد انتهوا من حفظ القرآن، لكن من يضمن أن طالب العلم يستمر فإذا ضمن طالب العلم حفظ القرآن الباقي كله ملحوق عليه، يعني سهل –إن شاء الله تعالى-، والقرآن يدعوه ويحدوه إلى مواصلة طلب العلم. يقول: بعض الأئمة يدلسون ومع ذلك يقبل حديثهم، متى يقبل تدليس المدلسين ومتى لا يقبل؟

باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين:

المدلسون على طبقات، الطبقة الأولى: من اغتفر الأئمة تدليسهم لندرته في جنب ما روى، فهؤلاء احتمل الأئمة تدليسهم، الطبقة الثانية: كذلك لأئمامتهم وكونهم لا يدلسون إلا عن الثقات، فهؤلاء اغتفر الأئمة تدليسهم وقبلوا أحاديثهم ولو لم يصرحوا بالتحديث، الطبقة الثالثة: من يدلس عن ثقة وغير ثقة، لكنه ثقة في نفسه، فمثل هذا لا يقبل إلا إذا صرح بالتحديث، وإما الطبقة الرابعة: من أنضم إلى تدليسه تضعيف أخر، ضعف بسبب أخر فمثل هذا لا يقبل ولو صرح، وأما الطبقة الأخيرة من المدلسين الذين لا يدلسون إلا عن الضعفاء فهؤلاء ترد أحاديثهم مطلقاً. يقول: ما هو أكثر فائدة من حيث الشرح هل هو كتاب بلوغ المرام أو المحرر؟ هما كتابان متقاربان، البلوغ يفوق المحرر بزيادة بعض الأحاديث التي يحتاجها طالب العلم؛ لأنه متأخر فزاد بعض الأحاديث، وأما المحرر فيفوق البلوغ في أحكام الإمام المؤلف، وهو إمام من أئمة الحديث، إمام معلل، وأحكامه على الأحاديث وتعقيبه للحديث في غاية الأهمية، طالب العلم يأخذ الزوائد من البلوغ ويحفظ المحرر. ما هو الجمع الصوري؟ وهل يجوز أن يفعل الجمع الصوري؟ الجمع الصوري أن يؤخر الصلاة الأولى إلى أخر وقتها ثم يصلي الصلاة الثانية في أول وقتها، وإذا افترضنا أن وقت العصر يدخل في الثالثة وأربعون دقيقة يصلي الظهر في الثالثة والنصف، فإذا فرغ منها فإذا وقت صلاة العصر قد دخل يقيم لصلاة العصر ويصليها في أول وقتها، هذا جمع لكون الصلاتين تصليان في آن واحد، لكنه صوري وليس بحقيقي؛ لأن كل صلاة تصل في وقتها، فمثل هذا إذا احتيج إليه لمرض وشبهه لا مانع منه -إن شاء الله تعالى-. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر لنا وللحاضرين والمستمعين. قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين:

حدثنا هناد وقتيبة قالا: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله، قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- لحاجته فقال: ((التمس لي ثلاثة أحجار)) قال: فأتيته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: ((إنها ركس)) قال أبو عيسى: وهكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله نحو حديث إسرائيل، وروى معمر وعمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله، وروى زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه الأسود بن يزيد عن عبد الله، وروى زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود بن يزيد عن عبد الله، وهذا حديث فيه اضطراب. حدثنا محمد بن بشار العبدي قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا، قال أبو عيسى: سألت عبد الله بن عبد الرحمن أي الروايات في هذا الحديث عن أبي إسحاق أصح؟ فلم يقض فيه بشيء، وسألت محمداً عن هذا فلم يقض فيه بشيء، وكأنه رأى حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبه، ووضعه في كتاب الجامع، قال أبو عيسى: وأصح شيء في هذا عندي حديث إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء، وتابعه على ذلك قيس بن الربيع. قال أبو عيسى: وسمعت أبا موسى محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان الثوري عن أبي إسحاق إلا لما اتكلت به على إسرائيل؛ لأنه كان يأتي به أتم، قال أبو عيسى: وزهير في أبي إسحاق ليس بذاك؛ لأن سماعه منه بأخرة، قال: وسمعت أحمد بن الحسن الترمذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث عن زائدةٍ وزهير ... زائدةَ، زائدةَ. عفا الله عنك. إذا سمعت الحديث عن زائدةَ وزهير فلا تبالي أن لا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبي إسحاق، وأبو إسحاق اسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي الهَمَدَاني. الهَمْداني. الهَمْداني. وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه ولا يُعرف اسمه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين" تقدم الكلام في الاستنجاء بالحجارة، وأنه مجزي إذا استوفى ثلاثة أحجار مع الإنقاء، وألا يقل العدد عن ثلاثة، وأهل العلم يجعلون الحجر الذي له شعب ثلاث يقوم مقام الأحجار الثلاثة، إذا كان الإجزاء لا يكون إلا بثلاثة فماذا عن الحجرين؟ تقدم في كلام الإمام أبي حنفية أنه يجزي الحجر إذا أنقى، وأن مرد ذلك إلى الإنقاء لعموم حديث: ((من استجمر فليوتر)) استجمر فليوتر فعلق صحة الاستجمار بالوتر، والوتر يحصل بواحد، لكنه حديث مجمل بينه الحديث الذي ساقه سابقاً من حديث سلمان الفارسي، وفيه: "وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار" وفي حديث الباب يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد" بن السري ثقة حافظ تقدم ذكره، "وقتيبة بن سعيد" كذلك "قالا: حدثنا وكيع" بن الجراح، الثقة الإمام، تقدم أيضاً "عن إسرائيل" بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي "عن أبي إسحاق" وسيأتي ذكر اسمه كاملاً في كلام المؤلف -رحمه الله تعالى- "عن أبي عبيدة" بن عبد الله بن مسعود، ثقة، وسيأتي تصريح المؤلف بأنه لم يسمع من أبيه ولا يعرف من حال أبيه شيئاً.

"عن عبد الله" بن مسعود بن غافل الهذلي ابن أم عبد، الصحابي الجليل "قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- لحاجته" كانوا لا يتخذون الكنف في البيوت، بل يخرجون لقضاء الحاجة، فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- كالمعتاد لحاجته "فقال" يعني لابن مسعود ((التمس)) أبحث لي ثلاثة أحجار ((التمس لي ثلاثة أحجار)) وهذا يؤيد حديث سلمان وأنه لا يجزئ الاستنجاء بأقل من الثلاثة "قال: فأتيته بحجرين وروثة" وفي رواية ابن خزيمة: "أنها روثة حمار"، "فأتيته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة" وفي بعض الروايات: ((أبغني ثالثاً)) يعني: آتني بحجر ثالثة، "فأخذ الحجرة وألقى الروثة وقال: ((إنها ركس)) والركس لغة في الرجس، الرجس هو النجس، ويقال: الركس الرجيع، وفي رواية أحمد قال: ((آتني بحجر)) يعني مكان الروثة، فعلى هذا لا يجزي الاستنجاء بحجرين ولو أنقى المحل، تضافرت على ذلك الأدلة، منها حديث الباب وما تقدمه من أحاديث، وهذا حديث عبد الله بن مسعود من طريق ابنه أبي عبيدة الذي لم يصح سماعه من أبيه، لكنه من رواية إسرائيل، ورجحه المؤلف على رواية غيره.

"قال أبو عيسى: وهكذا روى قيس بن الربيع" الأسدي، أبو محمد الكوفي صدوق، "وهكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق" السبيعي "عن أبي عبيدة عن عبد الله نحو حديث إسرائيل"، يقول: "وروى معمر" يعني ابن راشد "وعمار بن رزيق" الضبي الكوفي، وهو لا بأس به عند أهل العلم "عن أبي إسحاق" يعني السبيعي "عن علقمة بن قيس عن عبد الله" بن مسعود، هناك عن أبي عبيدة حديث الباب عن أبي عبيدة عن ابن مسعود من طريق إسرائيل، وأيضاً من طريق -كما قال المؤلف-: هكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة، فقيس بن الربيع متابع لإسرائيل، كلاهما يروي عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، ثم قال: "وروى معمر" يعني ابن راشد الثقة الإمام المعروف "وعمار بن رزيق" لا بأس به، يعني قريب منزلته قريبة من منزلة قيس بن الربيع "عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود" وعلقمة له اختصاص، علقمة بن قيس النخعي الثقة الفقيه له اختصاص بابن مسعود، فإذا كانت الرواية من طريق أبي عبيدة عن ابن مسعود، ولم يصح سماعه من أبيه بإقرار المؤلف، بإقرار أبي عيسى المؤلف، وسيأتي قوله: بإسناد صحيح، حدثنا محمد بن بشار هذا بندار من رجال الستة، وشيخه محمد بن جعفر غندر أيضاً كذلك، قال: "حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة" ثقة أيضاً "قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا" هذا تصريح وإقرار من المؤلف -رحمه الله تعالى- أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، إذا كان لا يذكر من حال أبيه شيئاً، والأفعال قد تدرك ويكون الإنسان على ذكر منها ولو كان صغيراً ويضبطها أكثر من الأقوال، فإذا كان لا يذكر شيئاً من حاله ففي أقواله من باب أولى، وهذا تصريح من المؤلف بأن أبا عبيدة لم يدرك من حال أبيه شيئاً، ولا يذكر شيئاً، بينما الحديث عن علقمة بن قيس النخعي وله اختصاص بابن مسعود، حتى قيل: إنه أصح الأسانيد، وروى زهير عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه الأسود بن يزيد عن عبد الله، وروى زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود بن يزيد عن عبد الله هذه الطرق الثلاثة عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله عن عبد الرحمن

بن الأسود عن أبيه الأسود بن يزيد عن عبد الله عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود عن عبد الله، قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وهذا حديث فيه اضطراب، هذا الحديث فيه اضطراب، يعني مرة يروى من طريق أبي عبيدة عن أبيه، ومرة يروى عن علقمة عن عبد الله، ومرة عن الأسود بن يزيد عن عبد الله، إذا عرفنا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ولم يذكر من حال أبيه شيئاً فهل يمكن أن يرجح على حديث علقمة؟ وهل يمكن أن يرجح على حديث الأسود بن يزيد عن عبد الله وقد أدركه إدراكاً بيناً؟ يقول: فيه اضطراب، الحديث المضطرب: هو الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، يروى على أوجه يعني على أكثر من وجه، وتكون هذه الأوجه مختلفة، إن كانت متفقة فلا اضطراب، إذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب، بحيث لا يمكن الترجيح بينها ليتحقق الاضطراب، الإمام المؤلف -رحمه الله تعالى- رجح حديث أبي عبيدة عن أبيه، فكيف يصف الحديث بالاضطراب مع إمكانه الترجيح؟ هذا خلاف ما عليه أهل العلم في حد المضطرب، مع أن الإمام البخاري رجح غير رواية أبي عبيدة على ما سيأتي، يقول: وهذا حديث فيه اضطراب، الترمذي -رحمه الله- بين في الروايات والطرق السابقة وجه هذا الاضطراب، وأن الرواة اختلفوا فيه في روايته عن عبد الله. قال: حدثنا محمد بن بشار العبدي، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، وهؤلاء كلهم ثقات أثبات، قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا، وعرفنا أن هذا نص صحيح صريح في أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، وهو الراجح من أقوال أهل العلم.

"قال أبو عيسى: سألت أبو عبد الله بن عبد الرحمن" يعني أبو عيسى ما رجح حتى سأل، لم يرجح حتى سأل "سألت عبد الله بن عبد الرحمن -يعني الدارمي الإمام- أي الروايات في هذا الحديث عن أبي إسحاق أصح؟ فلم يقضِ فيه بشيء"، يقول: "وسألت محمداً عن هذا فلم يقضِ فيه بشيء" يعني البخاري، كأنه تردد في الجواب، ثم أثبت في صحيحه رواية اعتمدها ورجحها "وسألت محمداً -يعني البخاري- عن هذا فلم يقضِ فيه بشيء، وكأنه -يعني البخاري- رأي حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبه" يعني بالصحة وأقرب إلى الصواب، ووضعه في كتابه الجامع، يعني خرجه في صحيحه في باب: لا يستنجى بروث. "قال أبو عيسى: وأصح شيء في هذا عندي حديث إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء" إذا كان يرجح حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله ويقر بأن أبا عبيدة لم يعرف من حال أبيه شيئاً ولم يسمع منه فهل رجح الرواية على رواية زهير من جهة التصحيح وإلا من جهة أنها أثبت لا من باب الصحة؟ لأن رواية أبي عبيدة عن أبيه منقطعة، فيكون الحديث عنده إذا كانت الرواية المنقطعة عنده أثبت من المتصلة فهل يعني هذا أنه يصحح المنقطعة، أو يطعن في المتصلة، يعني الترجيح الإجمالي لا شك أن المتصل أولى بالتصحيح من المنقطع، لكن ترجيح الترمذي للرواية المنقطعة مع إقراره بانقطاعها ترجيحه إياها على المتصلة لا شك أنه قدح في المتصلة لا أنه تصحيح للمنقطعة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ظاهر يا الإخوان وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه قد يقول قائل: كيف يقول الإمام الترمذي يسوقه بإسناده الصحيح أن أبا عبيدة لا يذكر من حال أبيه شيئاً، ثم يرجح هذا الذي جاء من طريق هذا الرجل الذي لا يذكر من حال أبيه شيئاً، ولم يصح سماعه من أبيه يرجحه على الرواية المتصلة، هل لأن الترمذي يرى أن المنقطع صحيح أو أنه أرجح من المتصل؟ لا، ليس لهذا، وإنما هو يقدح في الرواية المتصلة، لماذا؟ لأن راوي المنقطعة أحفظ وأثبت وأشبه على ما يقول.

"قال أبو عيسى: وأصح شيء في هذا عند حديث إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء" يعني من معمر بن راشد وعمار بن رزيق وزهير وزكريا بن أبي زائدة، أثبت من هؤلاء كلهم؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق، عرفنا السبب؟ إذا تعارضت الروايات وكان فيها المتصل وفيها المنقطع وفيها المرسل وفيها الموصول وفيها المرفوع وفيها الموقوف، الأقوال المعروفة عند أهل العلم الأربعة ممن يحكم على مثل هذا الاختلاف بأحكام مطردة، هذا مفروغ منه معروف، منهم من يحكم للاتصال مطلقاً والرفع، ومنهم من يحكم للإرسال والوقف مطلقاً، ومنهم من يحكم للأكثر، ومنهم من يحكم للأحفظ، وهنا الترمذي حكم للأحفظ على الأكثر، وكأنه تبع في هذا أبا حاتم الرازي، أبو حاتم الرازي هذا منهجه وهذه طريقته، وقد قال في الحديث مثل ما قال الترمذي، وهو إمام من أئمة الحديث لا يقدح فيه، لكن أين إمامته من إمامة الإمام البخاري؟ لا سيما ما أودعه البخاري في صحيحه، يعني إذا اختلف قول الإمام البخاري مع قول الإمام أحمد أو مع قول أبي حاتم، أو مع قول الأئمة الكبار فمن يرجح؟ نعم إن كان قول البخاري في صحيحه إن كان قوله مدون يعني ترجيحه مدون في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول فلا يرجح عليه أحد، وإن كان قوله مما يروى عنه في غير كتابه فقوله كغيره من الأئمة ينظر فيه، يعني لو كان الترجيح ذكره الإمام الترمذي عن البخاري ما هو في صحيحه إنما نقله الترمذي عن البخاري في جامعه نقول: ينظر، قول البخاري مثل غيره من الأئمة، يعني ليس بأحفظ من الإمام أحمد، وليس بأكثر تعليل للأحاديث من على بن المديني، هو كغيره من الأئمة ينظر فيه، لكن إذا أودع كلامه في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول، فيرجح على غيره مطلقاً، الإمام البخاري لما رجح رواية الرفع في حديث ابن عمر في رفع اليدين بعد الركعتين، والإمام أحمد رجح الوقف، يعني لو كان قول البخاري منقول من قبل الترمذي أو غيره، منقول عنه نظرنا في قوله مع قول الإمام أحمد، لكن ما دام في صحيحه، وصحيحه له شأن عند الأمة، تلقت الأمة بالقبول حتى اكتسب القطيعة بهذا القبول، قلنا: لا

ينظر لقول أحد مع قوله -رحمه الله-، مع أنه لا يلزم إمام بقول إمام، لا نقول: لماذا الترمذي ما قلد البخاري؟ قلد أبا حاتم ولم يقلد البخاري؟ لا يلزم مجتهد بقول مجتهد. يقول: "وسألت محمد عن هذا فلم يقضِ فيه بشيء، وكأنه رأى -يعني الإمام البخاري- حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبه" يعني أشبه بالصحة، وأقرب إلى الصواب "ووضعه في كتابه الجامع" وإذا وجدنا الترجيح من قبل الإمام البخاري في جامعه لم ننظر إلى غيره، أما إذا وجدنا ترجيحه فيما ينقل عنه خارج الجامع قلنا: إمام من أئمة المسلمين، وينظر في ترجيحه مع أقوال الأئمة الآخرين. "قال أبو عيسى: وأصح شيء عندي في هذا إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء" يعني من هؤلاء مجتمعين، معمر وهو إمام وعمار بن رزيق وزهير وزكريا بن أبي زائدة، وهنا رجح رواية الأحفظ على رواية الأكثر، وتابعه يعني إسرائيل على روايته عن أبي إسحاق، تابعه على ذلك قيس بن الربيع، قيس بن الربيع. "قال أبو عيسى: وسمعت أبا موسى محمد بن المثنى -العنزي المعروف، شيخ الأئمة- يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان، عن أبي إسحاق إلا لما اتكلت به على إسرائيل، لأنه كان يأتي به أتم" يعني يأتي به على وجهه لا يخرم منه كلمة، يعني أنه يضبط حديث أبي إسحاق، إسرائيل يضبط حديث أبي إسحاق، ولهذا رجح على غيره من قبل الإمام الترمذي، الترجيح في مثل هذه المواطن لا يتسنى لكل أحد، لا يتسنى لكل أحد، فلو نظرنا كيف رجح الإمام الترمذي رواية إسرائيل على رواية أئمة حفاظ ثقات مجتمعين أربعة أو خمسة يرجح عليهم رواية واحد لا شك أن القرائن دلته على ترجيح رواية إسرائيل، وغيره رجح رواية غير إسرائيل على روايته لا سيما وأن الحديث الذي من طريق إسرائيل يروى بسند منقطع، ورواية غيره متصلة، وعرفنا أن الترمذي لا يرجح المنقطع على المتصل لذات الانقطاع والاتصال، وإنما يعل المتصلة بهذه الطريق المنقطعة.

"قال أبو عيسى: وزهير" هو ابن معاوية ثقة ثبت عند الأئمة توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة "في أبي إسحاق ليس بذلك" يعني في روايته عن أبي إسحاق ليس بذاك، يعني ليس بذاك القوي "لأن سماعه منه بآخرة" كذا ضبط هنا، ويضبطه أهل العلم بأخرة بالقصر، يعني بعد ما تغير أبو إسحاق "قال: وسمعت أحمد بن الحسن -بن جنيدب- الترمذي" الحافظ، الجوال، أحد أوعية العلم، توفي سنة خمس ومائتين "يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث" لعله سنة خمسين ومائتين؛ لأنه يروي عنه الترمذي وهو يروي عن أحمد، "سمعت أحمد بن الحسن الترمذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير" زائدة بن قدامة الثقفي أحد الأعلام "إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تبالي ألا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبي إسحاق" لأنه سمع منه بعد الاختلاط "وأبو إسحاق اسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني" ثقة عابد، توفي سنة تسع وعشرين ومائة "وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه ولا يُعرف اسمه" وسماه الإمام مسلم في الكنى سماه عامر، لكنه مشهور بكنيته، وهذه هي العادة أن من اشتهر بشيء من اسم أو كنية أو لقب فإنه يضيع ما سواه. الشارح المبارك فوري: يقول: اعلم أن الترمذي رجح رواية إسرائيل على رواية زهير التي خرجها الإمام البخاري في صحيحه، يقول: اعلم أن الترمذي رجح رواية إسرائيل على رواية زهير التي وضعها الإمام البخاري في صحيحه، وعلى رواية معمر وغيره بثلاثة وجوه: الأول: أن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من زهير ومعاوية وغيرهما. الثانية: أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل على روايته عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عن عبد الله. الثالث: أن سماع إسرائيل من أبي إسحاق ليس في أخر عمره، يعني بعد الاختلاط والتغير وسماع زهير منه في آخر عمره، هذه الأوجه التي رجح الترمذي بها رواية إسرائيل على رواية غيره.

قلت -الشارح يقول كذا- قلت: في كل من هذه الوجه الثلاثة نظر، فما قال في الوجه الأول: فهو معارض بما قال الآجري: سألت أبا داود عن زهير وإسرائيل في أبي إسحاق فقال: زهير فوق إسرائيل بكثير، وما قال في الوجه الثاني من متابعة قيس بن الربيع لرواية إسرائيل فإن شريكاً القاضي تابع زهيراً، وشريك أوثق من قيس، وأيضاً تابع زهيراً إبراهيم بن يوسف عن أبيه وابن حماد الحنفي وأبو مريم، وزكريا بن أبي زائدة، وما قاله في الوجه الثالث فهو معارض بما قال الذهبي في الميزان. قال أحمد حنبل: حديث زكريا وإسرائيل عن أبي إسحاق لين، سمعا منه بآخرة أو بأخرة؟ بما في ذلك إسرائيل التي رجحها الترمذي، فظهر الآن أنه ليس لترجيح رواية إسرائيل وجه صحيح، بل الظاهر أن الترجيح لرواية زهير التي رجحها الإمام البخاري ووضعها في صحيحة، يعني إذا اعتبرنا الإمام الترمذي من أئمة هذا الشأن ولا يقدح فيه أحد، إمام يعني لا يتطاول عليه عالم فضلاً عن طالب علم، لكن أين إمامة الترمذي من إمامة البخاري في هذا الشأن؟ معول الإمام الترمذي في العلل على البخاري، سواء كان في جامعه أو في علله، هو يعول كثيراً على الإمام البخاري. يقول: قال الحافظ ابن حجر في مقدمته -مقدمة فتح الباري-: حكى ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة أنهما رجحا رواية إسرائيل، وكأن الترمذي تبعهما في ذلك، والذي يظهر أن الذي رجحه البخاري هو الأرجح، وبيان ذلك أن مجموع كلام هؤلاء الأئمة مشعر بأن الراجح على الروايات كلها، أم طريق إسرائيل وهي عن عبيدة عن أبيه وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه فيكون الإسناد منقطعاً، أو رواية زهير وهي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود فيكون متصلاً، وهو تصرف صحيح؛ لأن الأسانيد فيه إلى زهير وإلى إسرائيل أثبت من بقية الأسانيد، وإذا تقرر ذلك كان دعوى الاضطراب في الحديث منفية؛ لأن الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطرباً إلا بشرطين. أحدهما: استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم، ولا يعل الصحيح بالمرجوح.

وثانيهما: مع الاستواء أن يعتذر الجمع على قواعد المحدثين، أو يغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه، فحينئذٍ يحكم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب، ويتوقف في الحكم لصحة ذلك الحديث لذلك، وهاهنا يظهر عدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحاق فيه؛ لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسناد منها من مقال غير الطرقين المقدم ذكرهما عن زهير وعن إسرائيل، مع أنه يمكن رد أكثر الطرق إلى رواية زهير، والذي يظهر بعد ذلك تقديم رواية زهير؛ لأن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قد تابع زهيراً وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية يحيى بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق كرواية زهير، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود كرواية زهير عن أبي إسحاق، وليث وإن كان ضعيف الحديث فإنه يعتبر به ويستشهد، فيعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أصلاً انتهى كلام الحافظ. وعلى هذا يرجح ما خرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- واعتمده من الرواية المتصلة، وتكون رواية زهير محفوظة حينئذٍ، وإن كانت روايته عن أبي إسحاق بأخرة.

باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به:

كيف تكون الرواية محفوظة ورواية زهير عن أبي إسحاق بأخرة كما صرح بذلك الترمذي ووافقه ابن حجر في التقريب؟ وافقه بن حجر في التقريب فيكف تكون محفوظة وقد روى عنه بعد التغير؟ الراوي إذا تغير واختلط هناك التغير الكلي المطبق بحيث لا يحفظ شيئاً من حديثه، ولا يعي شيئاً من أقواله، ومثل هذا لا يمكن أن يروى عنه، لا يروي عنه زهير ولا غير زهير، حتى من دون زهير ما يمكن أن يروي عن مثل هذا، إنما يروي زهير عمن تغير ومثل زهير إنما يروي عن الراوي إذا تغير إذا كان يضبط شيئاً ولا يضبط شيئاً، يضبط بعض أحاديثه ولا يضبط بعض الأحاديث، فيكون ما رواه زهير عنه بعد التغير منه مما ضبطه وأتقنه، وكلكم يعرف الإنسان إذا تغير في أخر عمره إذا وصل الثمانين أو تعدها وحصل عنده بعض الاختلاف بعض القصص والأحداث يسوقها كما هي، كما كان يسوقها في العشرين من عمره، وبعضها يحصل عنده شيء من الاضطراب في سياقها، والتقديم والتأخير والنقص وبعض التغير؛ لئلا يقول: كيف يكون زهير روى عنه بعد التغير وتكون روايته عنه محفوظة؟ لماذا الحافظ ابن حجر يقول: محفوظة ويعترف أن زهير في التقريب إنما روى عن أبي إسحاق بعد التغير، نقول: نعم تكون محفوظة وروايته عنه بعد التغير لكن المتغير يحفظ شيئاً ويضيع أشياء، فيكون هذا مما ضبطه وأتقنه، إذاً هذا ظاهر. اقتراحات من بعض الإخوان أن مثل هذه الأمور لا نعرج عليها ولا نلتفت إليها، ونكتفي بمتن الحديث إذا صح، ونقرر المسائل الفقيهة على ضوئه. نقول: إذا ما تعرضنا ما تعرضنا لمثل هذه الأمور، نأخذ متن فقهي يكون أريح لنا شوي، لكن تخريج طالب العلم على مثل هذه الأمور في غاية الأهمية، نعم بعض الإخوان قد يكون تحصيله لا يؤهله إلى مثل هذه الأمور، لكن يلحق -إن شاء الله-. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به: حدثنا هناد قال: حدثنا حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن)). وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وجابر وابن عمر.

قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم وغيره عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن ... الحديث بطوله، فقال الشعبي: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن)) وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، وفي الباب عن جابر وابن عمر -رضي الله عنهما-.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به" أي بيان الأشياء التي يكره الاستنجاء بها، والكراهة هنا يراد بها التحريم، وجاءت بها النصوص من الكتاب والسنة وأكثر إطلاقات السلف لهذا اللفظ إنما يقصد به ويراد به التحريم، وإن اصطلح العلماء على جعل الكراهة للتنزيه، الكراهة القسيمة للتحريم حملوها على التنزيه، وأكثر النصوص نصوص الكتاب والسنة جاءت الكراهة يراد بها التحريم، وجاءت أيضاً على لسان الصحابة والتابعين والأئمة، حتى على لسان مالك وأبي حنفية وأحمد والشافعي، الأئمة الكبار يطلقون الكراهة ويريدون بها التحريم، ومنها ما معنا، "باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به" لئلا يقول قائل: الإمام ترجم بالكراهة، والكراهة تعني أن الحكم -حكم هذا مكروه- الاستنجاء بما يذكر مكروه، من روث وعظام، وإذا راجع كتب الأصول وجد أن المكروه ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، والكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، فإذا احتاج إلى ما ذكر زالت الكراهة، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، ويحصل خلط كبير حينما تختلف الحقائق العرفية الاصطلاحية مع الحقيقة الشرعية، حينما تختلف الحقيقة العرفية الاصطلاحية عند أهل العلم مع الحقيقة الشرعية، في مثل هذا إذا حملنا الكراهة على الكراهة الاصطلاحية ارتكبنا محظور كبير، وقل مثل هذا فيما إذا حملنا قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((غسل الجمعة واجب)) إذا حملنا هذا النص على الحقيقة العرفية الاصطلاحية وهو التأثيم وقعنا في المحظور نفسه، إلا أن هذا في ارتكاب المحظور، في التساهل في ارتكاب المحظور، وذاك في التشديد في أمر لم يوجب شرعاً، فهذه الاصطلاحات حصلت من أهل العلم واتفقوا عليها، وتداولوها وتناولوا عليها كتبهم، لكن إذا قارناها بالاصطلاحات سواء كانت اللغوية أو الحقائق الشرعة وجدنا فيها نوع من الاختلاف، نعم كل ما قرب الاصطلاح العرفي الاصطلاحي عند العلماء من الاستعمال الشرعي كان أولى، لئلا يحصل مثل هذا الاضطراب، لكن إذا حصل الاصطلاح ولا مشاحاة في الاصطلاح عند أهل العلم لا بد أن ننظر إلى الحقائق كل شيء في موضعه، كل حقيقة في موضعها، يعني لو نظرنا

إلى قول الحنفية في زكاة الفطر أنها ليست فرض وإنما هي واجبة بناءاً على أن الاصطلاح عندهم أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني، والصحابي يقول: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر" على كل حال مسألة اختلاف الاصطلاحات واختلاف الحقائق الثلاث لا بد من مراعاتها.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد" بن السري، الثقة الحافظ المعروف "قال: حدثنا حفص بن غياث" بن طلق بن معاوية النخعي، أبو عمر الكوفي أيضاً ثقة "عن داود بن أبي هند" القشيري مولاهم ثقة أيضاً "عن الشعبي" عامر بن شراحيل، ثقة فقيه معروف "عن علقمة" بن قيس النخعي، كذلك ثقة فقيه "عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن)) " لا تستنجوا (لا) ناهية، والأصل في النهي التحريم، ((بالروث)) يعني الرجيع، رجيع الدواب، ((ولا بالعظام)) جمع عظم، وتقدم الكلام فيهما، في الدرس الماضي والعلة في ذلك ((فإنه زاد إخوانكم من الجن)) وفي رواية مسلم في قصة ليلة الجن وسألوه عن الزاد فقال: ((لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة لدوابكم))، ((فإنه زاد إخوانكم من الجن)) فإنه يعود إلى أقرب مذكور وهو العظام، فإنه يعني العظام، وأما الروث فإنه علف دوابهم كما جاء مفصلاً على رواية مسلم، سألوه عن الزاد فقال: ((لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة لدوابكم)) جاء التعليل بهذه ((فإنه زاد إخوانكم من الجن)) وجاء التعليل في رواية الدارقطني: بكونهما لا يطهران، التعليل بأكثر من علة كونه زاد إخواننا من الجن، أو علف دوابهم ظاهر، تكون العلة لهذا، وهو إفساد للطعام والعلف، وعلى هذا يطرد في زاد الإنس وعلف دواب الإنس، لا يجوز الاستنجاء به، إذا قلنا: العلة الواردة في هذا الحديث هي مناط الحكم، فإنهما لا يطهران تطهير حقيقي أو تطهير حكمي؟ تطهير حقيقي وإلا تطهير حكمي؟ بمعنى أنه لو أتينا بروث أو عظم لو أتى شخص بروث أو بعظم ما وجد غيره فاستعملهما وأنقيا المحل، يكفي وإلا ما يكفي؟ أنقيا المحل، وطهراه كما تطهر الحجارة؟ نعم؟ فإنهما لا يطهران، المنفي هنا الطهارة الحقيقية أو الطهارة الحكمية؟ طالب: الطهارة الحكمية.

نعم الطهارة الحكمية، الطهارة الحكمية منتفية، وقد يقول قائل: إنه قد يحمل على الطهارة الحقيقية، بمعنى أن الروث ركس، والركس هو الرجس، والرجس النجس، فالنجس لا يطهر يزيد المحل نجاسة، لا سيما إذا كانت روثة حمار كما في الحديث السابق، لكن إذا كانت روثة مأكول اللحم لا يتجه إلى القول بأنها طهارة حكمية، أما الطهارة الحقيقية فقد تحصل، هذا بالنسبة للروث، بالنسبة للعظم قد تحمل الطهارة على الحقيقية، وهي فيما إذا كان العظم طري أملس لا يزيل النجاسة، لكن إذا كان خشن يزيل النجاسة حقيقة يبقى أنه لا يزيلها حكماً، وعلى هذا النهي عن الاستنجاء بالروث والعظام لذات المنهي عنه أو لأمر خارج؟ لأنه قد يقول قائل: النهي ثابت والتحريم حاصل والإثم لازم، لكن ما وجدت إلا هذا وتنظفت، تصح الطهارة حينئذٍ وإلا لا؟ عرفنا أنه إذا كان النهي عائد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإن العبادة تبطل، أو العقد أيضاً يبطل مع التحريم، إذا عاد إلى أمر خارج فإنه يصح مع التحريم، فالنهي هنا لذات المنهي عنه إذا قلنا: العلة فإنهما لا يطهران، صار لذات المنهي عنه؛ لأنه لا يطهر، أما إذا عللنا بأنه زاد إخواننا من الجن قلنا: النهي لأمر خارج فيحصل التطهير به مع التحريم، وإذا ثبتت رواية: "فإنهم لا يطهران" وهي عند الدارقطني، وأثبتها بعضهم انتهى الكلام، لكن لو لم يرد في النص إلا حديث الباب: ((فإنها زاد إخوانكم من الجن)) قلنا: النهي زاد لأمر خارج عن العبادة، ولا ارتباط له بها كمن صلى بعمامة حرير أو خاتم ذهب أو مسبل لا أثر لذلك على الصلاة وإن كان محرماً. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "في الباب عن أبي هريرة" وهذا عند الإمام البخاري "وسلمان" عند مسلم والأربعة "وجابر" عند مسلم "وابن عمر".

"قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم" بن مقسم الأسدي، المعروف بابن عُلية، ثقة ثبت "وغيره عند داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن، الحديث بطوله" بنصب الحديث أي: أتم الحديث، أو اقرأ الحديث بطوله "وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم" المعروف بابن عُلية ثقة "وغيره عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن .. الحديث بطوله، فقال الشعبي: أن البني -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن)) " لكن ثبت في صحيح مسلم وفي جامع الترمذي أن ابن مسعود قال: "ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجني "ما صحبه منا أحد" أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن في هذا الحديث الذي يرويه ابن عُلية عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود، سند ظاهره الصحة، في صحيح مسلم وجامع الترمذي ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- يقول: "ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجن، المؤلف -رحمه الله تعالى- يقول: "وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث" إسماعيل بن علية يقول: روايته أصح من رواية حفص بن غياث، يعني التي سيرويها المؤلف بإسناده فيما يأتي في كتاب التفسير، يعني متأخر جداً، وهي في صحيح مسلم أيضاً، والعلة في ذلك لأن راوية إسماعيل مقطوعة، ورواية حفص بن غياث مسندة ففي رواية إسماعيل هي من كلام الشعبي، وراية حفص إلى ابن مسعود.

انتبهوا لهذا يا إخوان، الآن رواية إسماعيل أصح، ورواية حفص أصح من رواية حفص لماذا؟ لأن رواية إسماعيل مقطوعة، كيف تكون أصح وهي مقطوعة ورواية حفص بن غياث مسندة؟ في رواية إسماعيل الكلام للشعبي وليس لابن مسعود، ورواية حفص من كلام ابن مسعود، ابن مسعود يقول: "ما صحبه منا أحد" والذي عندنا عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان ما قال: عن عبد الله كنت، ننتبه يا إخوان، الذي ينظر إلى إسناد الترمذي يقول: ما في إشكال، إسناد متصل ويش لونك تقول: رواية مقطوعة؟ يقول: عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الكلام لمن؟ ظاهر اللفظ، ظاهر الإسناد أنه لعلقمة، وعلقمة يحكي قصة لم يشهدها فهي مقطوعة، ورواية حفص بن غياث من كلام ابن مسعود قال: "ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجن، إذا كان الأمر كذلك رواية الشعبي مقطوعة، رواية إسماعيل مقطوعة، ورواية حفص مسندة، كيف يقول: رواية إسماعيل أصح من رواية حفص؟ هل لأن رواية إسماعيل مثبِتة ورواية حفص نافية والمثبت مقدم على النافي أو لماذا؟ لأن الأوجه التي ذكرت تقتضي العكس في الحكم، وجه الترجيح الذي ذكر رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث لماذا؟ رواية حفص هي التي خرجها المؤلف وخرجها مسلم، ورواية إسماعيل هي التي ذكرها الترمذي هنا، يقول: "رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث" العلة ويش السبب؟ السبب قالوا: لأن رواية إسماعيل مقطوعة وعرفنا وجه القطع فيها؛ لأن الراوي يحكي قصة لم يشهدها.

باب: ما جاء في الاستنجاء بالماء:

عن عبد الله أنه كان ما قال: إني كنت، يعني عن عبد الله يعني عن قصة عبد الله أنه كان؛ لأنها قد ترد عن ولا يقصد بها الرواية، وإنما يقصد بها القصة، لا يقصد بها الرواية فتحمل على الاتصال بالشرطين المعروفين لا، عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه (عن) هذه يقصد بها الرواية؟ يروى عن أبي الأحوص أو قصة أبي الأحوص؟ قصة بلا شك؛ لأنه خرج عليه خوارج وقتلوه ما يمكن أن يحدث، وهنا عن عبد الله أنه كان مع النبي يعني عن قصة عبد الله أنه كان مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الجن فتكون مقطوعة، طيب رواية حفص بن غياث مخرجة في مسلم أن ابن مسعود قال: "ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجن، مقتضى كونها مقطوعة والثاني مسندة هل يعني هذا أن المقطوع أصح من المسند أو مثلما قلنا في الحديث السابق أنه يعل الرواية المسندة بالرواية المقطوعة؟ نعم؟ يعلها. "والعمل على هذا عند أهل العلم" والعلم على هذا الحديث عند أهل العلم أنه لا يجوز الاستنجاء بالعظم والروث، نأتي إلى الحديث هل النفي أو الإثبات أرجح؟ أو يمكن الجمع بين الروايتين؟ وأنهم كانوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر، ثم افتقدوه وقلقوا عليه؟ يعني في أول الأمر مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم جاءه داعي الجن وذهب معه وليس معه أحد، يعني لما ذهب إلى الجن ما معه أحد، لكن قبل ذلك كانوا معه، وكان ممن معه ابن مسعود، فمن أثبت أراد أول الأمر، ومن نفى أراد أخر الأمر، وبهذا تجتمع الروايات، وعلى كل حال الحديث صحيح، حديث الباب صحيح حديث ابن مسعود، قوله: "وفي الباب عن جابر وابن عمر -رضي الله عنهما-" هذا تكرار، تقدم في أثناء الباب. عفا الله عنك. باب: ما جاء في الاستنجاء بالماء: حدثنا قتيبة ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب البصري، قالا: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن معاذة عن عائشة قالت: "مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله". وفي الباب عن جرير بن عبد الله البجلي وأنس وأبي هريرة.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وعليه العمل عند أهل العلم يختارون الاستنجاء بالماء، وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم، فإنهم استحبوا الاستنجاء بالماء ورأوه أفضل، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الاستنجاء بالماء"، يقول: "حدثنا قتيبة" يعني ابن سعيد "ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب -الأموي- البصري " صدوق من كبار العاشرة "قالا: حدثنا أبو عوانة" الوضاح بن عبد الله اليشكري "عن قتادة" بن دعامة السدوسي "عن معاذة" قتادة ثقة ثبت، لكنه يدلس وهنا بالعنعنة، ولا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالتحديث، خلا ما في الصحيحين من ذلك "عن معاذة" بنت عبد الله العدوية البصرية العابدة، ثقة "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت –للنساء-: "مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء" أن يستطيبوا يعني: يستنجوا، والاستنجاء هو الإستطابة "بالماء فإني أستحييهم" يعني أستحيي منهم "فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله" تعني الاستنجاء بالماء، وورد في أحاديث أنه كان يذهب لقضاء الحاجة فيتبع بإدارة فيها الماء -عليه الصلاة والسلام-. أولاً: الحديث فيه عنعنة قتادة، لكن يشهد له حديث جرير وأنس وأبي هريرة، فيه أيضاً قول عائشة للنساء: "مرن أزوجكن أن يستطيبوا بالماء" الأمر بالأمر بالشيء يعني لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال هذا الكلام "مرن أزواجكن" أو قال للأزواج: "مروا زوجاتكم" مسألة الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو لا؟ مسألة خلافية معروفة عند أهل العلم "مرن أزواجكن" هل معنى هذا أن عائشة تأمر الأزواج فقط أو يدخل فيه النساء؟ يعني أمر الرجال يدخل فيه النساء أو لا يدخل؟ الأصل أن يدخل النساء؛ لأن النساء شقائق الرجال، وكأن عائشة -رضي الله عنها- لما كلفت النساء بأمر الأزواج كأنها استغنت عن أمر النساء أنفسهن.

"مرن أزواجكن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم" أستحييهم بيائين لغة قريش، ولغة تميم ياء واحدة، ويظهر أثر ذلك في الجزم، إذا أدخلنا على المضارع جازم بقيت ياء في لغة قريش، وحذفت ياء، وعلى لغة تميم لا يبقى شيء، ((إذا لم تستحي)) كسرة وإلا ياء؟ قريش ياء ((إذا لم تستحي))، وعلى لغة تميم ((إذا لم تستحِ)) بكسرة؛ لأن على لغة قريش حذفت ياء وبقيت ياء {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [(26) سورة البقرة] بيائين، في البخاري الترجمة: "باب: إذا لم تستحِ" بكسرة على لغة تميم، والحديث بياء على لغة قريش. ((فإني استحييهم، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله" والأمر هنا للاستحباب؛ لأن مجرد الفعل لا يقتضى الوجوب، وتعني بذلك الاستنجاء بالماء. قال: "وفي الباب عن جرير" بن عبد الله البجلي، وخرجه في صحيح ابن خزيمة "وعن أنس" وهو في الصحيحين في البخاري ومسلم في حديث أنس: "فأنطلق أنا وغلام نحوي" والخلاف في الغلام هل هو ابن مسعود أو غيره معروف "وأبي هريرة" عند أبي داود والترمذي وابن ماجه في قصة أهل قباء، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سألهم لما أثنى الله عليهم قالوا: إنا نتبع الحجارة الماء، والحديث ضعيف.

باب: ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب:

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي "وعليه العمل عند أهل العلم يختارون الاستنجاء بالماء" لأنه أنقى "وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم، فإنهم استحبوا الاستنجاء بالماء، ورأوه أفضل، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" يقول العيني في شرح البخاري: مذهب جمهور السلف والخلف والذي أجمع عليه أهل الفتوى أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، فيقدم الحجر أولاً، ثم يستعمل الماء فتخف النجاسة بالاستنجاء بالحجر، وتقل مباشرة اليد بها، ولكونه أبلغ في النظافة، فإذا أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل، لكونه يزيل عين النجاسة وأثرها، والحجر يزيل العين دون الأثر، وعرفنا أن القدر المجزئ في الاستنجاء أو في الاستجمار بالحجارة يعني ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، وأما ضابط الإزالة بالماء فعود خشونة المحل كما يقول أهل العلم، والحجر يزيل العين دون الأثر لكنه متفق عليه، وتصح الصلاة معه، وجاء عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذاً لا يزال في يدي نتن، يعني رائحة، وعن ابن عمر أنه كان لا يستنجي بالماء، وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم، وما دام ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا كلام لأحد كائناً من كان، ثم حصل الإجماع عليه، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجته فأبعد في المذهب" قال: وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي قراد وأبي قتادة وجابر ويحيى بن عبيد عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وبلال بن الحارث. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرتاد لبوله مكاناً كما يرتاد منزلاً، وأبو سلمة اسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب" من أدبه -عليه الصلاة والسلام- ومن كمال خلقه أنه إذا أراد الحاجة أبعد، لئلا يتأذى الناس بما يخرج أثناء قضاء الحاجة، بالرائحة، بالحشرات، بالخارج نفسه، فيبعد، لئلا يتأذى الناس بذلك، وجاء اللعن ((واتقوا الملاعن)) الذي يبول في طريق الناس وفي ظلهم، لكن تقدم في حديث حذيفة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم، فبال قائم على ما تقدم فدل على أن أمر البول أسهل من أمر الغائط؛ لأن البول لا رائحة له، ولا يصاحبه صوت بخلاف الغائط، لكن ومع ذلك لا يجوز البول لا في طريق الناس ولا في ظلهم ولا تحت شجرة، ولا في الموارد ولا في غيرها مما جاء النهي عنه. "إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب" وهذا نص الحدث "قال: حدثنا محمد بن بشار" الإمام الحافظ، المعروف ببندار "قال: حدثنا عبد الوهاب -بن عبد المجيد الثقفي" أبو محمد البصري ثقة، توفي سنة أربع وتسعين ومائة "عن محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق، تكلم فيه من جهة حفظه، ومنهم من وثقه لعدالته، وعلى كل حال حديثه من قبيل الحسن، وإذا وجد له متابع أو شاهد صُحح، كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: والحسن المشهور بالعدالة ... والصدق روايه إذا أتى له طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن (لولا أن أشق) إذ تابعوا محمد بن عمرو ... . . . . . . . . . اللي عندنا هذا. . . . . . . . . . ... عليه فارتقى الصحيح يجري

"عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ثقة مكثر، فقيه، قيل: إنه أحد الفقهاء السبعة، وأبو سلمة أسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، على ما سيأتي في كلام الإمام -رحمه الله تعالى- "عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة" بن مسعود الثقفي، صحابي مشهور "قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجته فأبعد في المذهب" والمذهب إما مصدر ميمي يقال: ذهب يذهب ذهاباً ومذهباً، أو مكان الذهاب الذي يذهب إليه لقضاء الحاجة "قال: وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي قراد" الأنصاري صحابي، وحديثه في النسائي وابن ماجه "وعن أبي قتادة" وهذا لم يقف عليه الشارح، وجاء من عند أبي داود وابن ماجه "ويحيى بن عبيد عن أبيه وأبي موسى وابن عباس" وهذا عند الطبراني في الأوسط، لكن سنده ضعيف جداً "وبلال بن الحارث" عند ابن ماجه، وهو ضعيف أيضاً. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" إذا نظرنا إلى إسناده فمحمد بن بشار وعبد الوهاب الثقفي ثقتان، ومحمد بن عمرو صدوق، وأبو سلمة ثقة، والصحابي لا كلام فيه، فالإسناد ما فيه إلا محمد بن عمرو وحديثه حسن، يعني لو لم يرد إلا من هذا الطريق لكان حكمه الحسن، لكن يشهد له ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- من الشواهد، ولذا "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" صححه بشواهده، أخرجه الدارمي وبقية الأربعة، "ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرتاد لبوله مكاناً" يعني ليناً، سهلاً رخواً لئلا يرتد الرشاش عليه كما يرتاد منزلاً، يعني هو بحاجة إلى هذا كما أنه بحاجة إلى المنزل المناسب. يقول الشارح: لم أقف على من أخرج الحديث بهذا اللفظ؛ لأن المؤلف يقول: "ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني لو أخرجه بإسناده كفى، لكن ذكره بدون إسناد وصدره بصيغة التمريض لا بد أن يبحث عن مصدر أخر، يخرج فيه ليحكم عليه بما يليق به، فالشارح يقول: لم أقف على من أخرج حديثه بهذا اللفظ، وفي الأوسط للطبراني عن أبي هريرة بلفظ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله.

وروى أبو داود عن أبي موسى قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دمثاً في أصل جدار فبال ثم قال: ((إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله)) يعني ليطلب لبوله مكاناً رخواً لئلا يرتد عليه رشاش البول "وأبو سلمة أسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري" ومثل هذا الحكم لو لم يرد فيه نص مطلوب وإلا ما هو بمطلوب؟ يعني هل يقصد الإنسان المكان الصلب وإلا يقصد المكان الرخو؟ لا بد المكان الرخو لئلا يرتد إليه الرشاش، أو المكان المنحدر بحيث يجلس في أسفله بحيث يرجع إليه، على كل حال عليه أن يحتاط لنفسه وألا يترك للنجاسة سبيلاً إلى أن تصل إليه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ها؟ هذا سؤال يقول: من الإنترنت: هل معنى الحديث القدسي: ((وإذا ذكرني في نفسي ذكرته في نفسي)) أي نذكر الله بقلوبنا ولا نحرك شفتينا؟ وهل يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن في نفسه وهو ينظر بعينه دون أن يحرك الشفتين؟ على كل حال الأجر لا يترتب إلا على الذكر، والذكر قول، وجاء بهذا اللفظ في كثير من الأحاديث، من قال كذا، فلا يترتب الأجر عليه إلا بالذكر باللسان، لكن لا يلزم أن يكون محظوراً بحضرة أحد، يذكر الله وهو خالي ليذكره الله في نفسه، يعني خالياً عن الناس، ولا يلزم أن يكون بقلبه، بدليل المقابلة ((من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)). يقول: ما هي الصيغة التي كان -صلى الله عليه وسلم- يقولها وهو يستغفر مثلاً أكان يقول: أستغفر الله أو استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه؟ ثبت أنه يقول بعد دبر كل صلاة أنه يستغفر، وذكر الراوي أنه يقول: ((استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله)) والسين والتاء للطلب يعني يطلب المغفرة من الله -جل وعلا- وهذه جملة كاملة مفيدة يثبت بها ما رتب عليها، وإن قال: أستغفرك لا إله إلا أنت وأتوب إليك، كما جاء في بعض الروايات، وهذه صيغ تقال هذه أحياناً وهذه أحياناً. يقول: الذي مكتوب تحت الحديث في جامع الترمذي هل هي من الشواهد أم من المتابعات؟ لا هي شواهد؛ لأنه يذكرها عن صحابة آخرين، إذا اختلف الصحابي فهو الشاهد.

يقول: هل يجوز لنا الذين يسمعونكم عبر الإنترنت أن نروي عنك -حفظك الله- جامع الترمذي بصيغة حدثنا الشيخ؟ لا مانع إلا لم يكن هناك تدليس؛ لأن بعض الناس يستغل مثل هذه الأمور ويقول: سمعت فلان أو حدثنا فلان وهو عبر شريط وإلا آلة ويقصد بذلك أنه رحل من أجل الشيخ وطلب العلم، هذا يسميه أهل العلم تدليس، مثل تدليس البلدان، يقول: سمعت فلان بالقدس مثلاً، ويوهم الناس أنه رحل إلى القدس وطلب العلم على أهلها، ومراده بالقدس حي من أحياء بلده، أو بقرطبة أو بالحمراء أو بإشبيليا هذه أحياء، فإذا لم يقصد بذلك التدليس فهو سماع مع الأمن من تزييف الصوت؛ لأن هناك من يقلد الأصوات كما يوجد من يقلد الخطوط، فإذا صحت الرواية بالوجادة وصح لمن وجد بخط شيخٍ لا يشك أنه خطه يقول: وجدت بخط فلان كذلك يقول: سمعت صوت فلان بحيث لا يشك فيه. هل تشترطون الإجازة في الرواية عنكم أو يكفينا السماع فقط؟ يقول: وإشارتي لهذا الأمر لأنني أريد تحفيز طلاب العلم في المثابرة والجد معكم؟ على كل حال من سمع كلام لا يشك فيه يرويه وينقله شريطة أن يكون أمين فاهماً حافظاً ضابطاً؛ لأن الآفة في كثير من الأخبار هي الرواة، وتنقل الأقوال بالنفي والإثبات عن شيخ واحد في مجلس واحد. يقول: نرجو تذكير الإخوة بمسألة بحث حكم استخدام الظفر مع أنه من مدى الحبشة في غير الذكاة؟ قلنا: يبحث إلى يوم السبت ما أدري حضره أحد وإلا لا؟ نترك البقية للغد -إن شاء الله تعالى-. اللهم صلِ على محمد.

أبواب الطهارة (7)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (7) شرح: باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل، وباب: ما جاء في السواك، وباب: ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: إنه كان مواظب على الصلاة ولكن الوساوس تحول بينه وبينها حتى ترك الصلاة منذ عشرين يوماً قال: وأنا أيضاً كنت متزوجاً، ولا أشك أن العقد انفسخ بسبب تركي للصلاة، وأنا أريد أن أعود إلى أن أصلي حتى أدخل الإسلام من جديد، حتى أعيد العقد مرة أخرى، فهل تصح توبتي مع أني أريد أن أتوب حالاً، حتى يمكن لي أن أعيد هذه المرأة لتصبح زوجتي؟ يعني لو لم تكن هذه المرأة ربما لتأخرت عن التوبة من كثرت من أجد من الوساوس؟ فهل تصح توبتي أم لا؟ التوبة بابها مفتوح، وإذا تاب العبد التوبة النصوح بشروطها المعروفة عند أهل العلم فما الذي يحول دون قبولها؟! فعليه أن يبادر بالتوبة فوراً، بشروطها المعروفة عند أهل العلم، أن يقلع، وأن يندم، وأن يعزم على ألا يعود، ثم بعد ذلك يعقد عقداً صحيحاً إذا كان يرى أن هذا يبين منه زوجته كما أشار في سؤاله وإلا هو من أهل المغرب والمغاربة مالكية كما هو معروف، لكن إذا رأى ذلك ورأى أن الأحوط تجديد العقد فهو أكمل. يقول: ما رأيكم في الكتب التالية لطالب العلم: (تحفة الباري في شرح البخاري) ستة مجلدات طبعة دار الكتب العلمية؟ تحفة الباري هذا شرح للشيخ زكريا الأنصاري، شرح مختصر، وهو مطبوع قديماً في المطبعة الميمنية على هامش إرشاد الساري، وقديماً من مائة سنة، والكتاب مختصر نافع، أما طبعة دار الكتب العلمية فجميع طباعاتها على حد علمي أنها ليست متقنة. التفسير الشامل للدكتور أمير عبد العزيز ستة عشر جزءاً أو ستة أجزاء دار السلام؟ ما رأيت الكتاب أنا. هذا بالنسبة لمدى الحبشة والظفر هذا نقل من فتح الباري وكتابته رديئة، قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما الظفر فمدى الحبشة)) أي وهم كفار وقد نهيتهم عن التشبه بهم قاله ابن الصلاح وتبعه النووي وقيل: ينهى عنها لأن الذبح بها تعذيب للحيوان ... نقول: العلة منصوصة في الحديث لأنها مدى الحبشة.

يقول: ولا يقع به غالباً إلا الخنق الذي ليس هو على صورة الذبح، وقد قالوا: إن الحبشة تدمي مذابح الشاة بالظفر حتى تزهق نفسها خنقاً، واعترض على التعليل الأول بأنه لو كان كذلك لمتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار، وأجيب بأن الذبح بالسكين هو الأصل، وأما ما يلتحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبه لضعفها، ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وشبهها عما سيأتي واضحاً، ثم وجدت في المعرفة للبيهقي من رواية حرملة عن الشافعي أنه حمل الظفر في هذا الحديث على النوع الذي يدخل في البخور فقال: مقصود الحديث أن السن إنما يذكى بها إذا كانت منتزعة، فأما وهو ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة، يعني فدل على أن المراد بالسن السن المنتزعة، وهذا خلاف ما نقل عن الحنفية من جوازه بالسن المنفصلة، قال: وأما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قال في السن؟ لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة، وهو لا يفري فيكون في معنى الخنق. هذا نقله من فتح الباري. يقول: وفيه المنع من الذبح بالسن والظفر متصلاً كان أو منفصلاً، طاهراً كان أو متنجساً، وفرق الحنفية بين السن والظفر المتصلين فخصوا المنع بهما وأجازوا بالمنفصلين، وفرقوا بأن المتصل يصير في معنى الخنق، والمنفصل في معنى الحجر، وجزم ابن دقيق العيد بحمل الحديث على المتصلين، ثم قال: استدل به قوم على منع الذبح بالعظم مطلقاً لقوله: ((أما السن فعظم)) فعلل منع الذبح به لكونه عظماً، والحكم يعم بعموم علته، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة ظاهر هذا أنه من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو تنبيه على تعليل منع التذكية بالسن لكونه عظماً، فيلزم على هذا تقوية المنع من السن أو تعدية المنع من السن إلى كل عظم من حيث أنه عظم متصلاً كان أو منفصلاً، وإليه ذهب النخعي وغيره، وفقهاء أصحاب الحديث منعوا الذكاة بالظفر والعظم حيث كان، وأجازوه بما عدا ذلك للحديث، وهو أحد أقوال مالك.

يقول: منعوا الذكاة بالعظم حيث كان وأجازوه بما عدا ذلك من حديث وهو أحد أقوال مالك، ((وأما الظفر فمدى الحبشة)) يعني أن الحبشة يذبحون بأظفارهم ولا يستعملون السكاكين في الذبح، فمنعنا الشرع من ذلك لئلا نتشبه بهم، فقيل: إنهم كانوا يغرزون أظفارهم في موضع الذبح فتنخنق الذبيحة، وعلى هذا فيكون محل المنع إنما هو الظفر المتصل، ويكون حجة إلى ما صار إليه ابن حبيب من ذلك، انتهى. وقيل بالفرق بين المتصل منهما فلا تجوز الذكاة به، وبين المنفصل فتجوز الذكاة به قاله ابن حبيب، فالأول تمسك بالعموم، والثاني نظر للمعنى؛ لأنه يحصل بهما الذبح وهو ضعيف، والثالث بأن الظفر المتصل خنق، والسن المتصل نهش، والصحيح الأول، وما عدا ذلك فليس عليه معول. وهذا أيضاً في المسألة نفسها لكنه من اجتهاده لا نقلاً عن أحد. يقول: ذكرت في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وأما الظفر فمدى الحبشة)) وقلتم هل تطرد العلة في غير الذبح أم لا؟ وأعرض على فضيلتكم ما ظهر لي، فإن كان صواب فالحمد لله، وإن كان خطأ فهو فهم مني أرجو تصوبيه، ولم أقرأه في كتاب، بل نزلت هذا الفرع على الأصول ظهر لي أن هذا العموم مخصوص بالآتي: مخصوص بالعرف، حيث أن العرف والعادة تخصص العموم، ذكر ذلك صاحب المراقي قال: والعرف حيث قارن الخطابا ... . . . . . . . . . أي العرف من المخصصات للعموم، أيضاً هذا العموم مخصص بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث إن إعمال الظفر في غير الذبح لا شك أنه شائع، وتحيل العادة عدم حدوثه فإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه الأفعال مخصص للعموم، وأيضاً قوله: أما الظفر فمدى الحبشة هذه تعريف الجزأين المسند والمسند إليه يقتضي الحصر والقصر على الحبشة فقط ... وما أردي كيف؟ نعم التعريف الجزأين يدل على الحصر لكن الظفر مدى الحبشة، إذا قلنا: إنه خاص بهم ومنعنا من التشبه بهم، فسبب المنع التشبه.

باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل:

هذا تعريف الجزأين المسند والمسند إليه يقتصر الحصر على الحبشة فقط، يعني يمنع منه الحبشة فقط؟ والسؤال من المسلمين، والتعليل لمنع المسلمين منه لكونه من مدى الحبشة، وقد يقال: إن هذا مخصوص بما كانت أظافره كأظفار الحبشة فيكون العموم مخصوص بمن كانت أظفاره طويلة كالأحباش. بعض الفقهاء رخص في ترك الأظافير في السفر؛ لأنه قد يحتاج إليها ... يحتاج إليها في حل عقدة مثلاً يحتاج إليها في حل عقدة، وحل العقد لا تستعمل بالمدى، أما علة المنع لكونه مدية يستعملها الكفار، فمن هذه الحيثية إذا استعملناه فيما لا يستعمل إلا بالمدية كالذبح ونحوه مثل هذا يتجه المنع. والأسئلة كثيرة نقتصر على هذا. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل: حدثنا علي بن حجر وأحمد بن محمد بن موسى مردويه قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: ((إن عامة الوسواس منه)). قال: وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أشعث بن عبد الله، ويقال له: أشعث الأعمى، وقد كره قوم من أهل العلم البول في المغتسل وقالوا: "عامة الوسواس منه" ورخص فيه بعض أهل العلم منهم ابن سيرين، وقيل له: إنه يقال: إن عامة الوسواس منه، فقال: ربنا الله لا شريك له، وقال ابن المبارك: قد وسّع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء، قال أبو عيسى: حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي عن حبان عن عبد الله بن المبارك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل" ما جاء في كراهية البول في المغتسل.

"حدثنا علي بن حجر" السعدي "وأحمد بن محمد بن موسى" المروزي أبو العباس السمسار المعروف بمردويه الحافظ، توفي سنة خمس وثلاثين مائتين "قالا" يعني علي بن حجر وأحمد بن محمد مردويه "قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك" المروزي الذي اجتمعت فيه خصال الخير كما صرح بذلك الأئمة، توفي سنة إحدى وثمانين ومائة "عن معمر" بن راشد الذي تقدم مراراً "عن أشعث بن عبد الله" بن جابر البصري، وثقه النسائي وغيره، وتكلم فيه، ولذا قال ابن حجر: صدوق، تكلم فيه جمع من أهل العلم، ووثقه النسائي على تشدده وغيره "عن الحسن" بن أبي الحسن يسار البصري المتوفى سنة عشر ومائة التابعي الجليل، قد صرح الإمام أحمد بسماعه من عبد الله بن مغفل، لكنه كثير الإرسال والتدليس -رحمه الله- "عن عبد الله بن مغفل" لا بد أن يصرح الحسن بسماعه من عبد الله بن مغفل، ولو جزم أحمد بأنه سمع من عبد الله بن مغفل، مجرد سماعه من عبد الله بن مغفل في الجملة لا يعني أن سماعه لهذا الحديث على وجه الخصوص ثابت، وتدليسه -رحمه الله- شديد لا يقبل إلا إذا صرح "عن عبد الله بن مغفل" أبو عبد الرحمن صحابي جليل، توفي سنة سبع وخمسين "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبول الرجل في مستحمه" يعني في مغتسله، المستحم هو المغتسل، والأصل أن الاغتسال يكون بالماء الحار، الذي هو الحميم فسموا ما يغتسل به مستحم؛ لأن السين والتاء للطلب، يعني يطلب فيه الاستحمام بالماء الحار، والعلة في ذلك نُص عليها، العلة في النهي عن البول في المستحم -في المغتسل- "قال: ((إن عامة الوسواس منه)) وسبب ذلك أنه إذا بال في المستحم ثم وقع عليه الماء -ماء الاغتسال- لا بد أن يتصاعد شيء من هذا البول على جسده، فلهذا منع؛ لأنه ذريعة إلى الوسواس، ذريعة إلى الوسواس، والاحتمال القوي أنه إذا وقع عليه الماء لا سيما إذا كان المغتسل واقفاً ونزل الماء من الأعلى بقوة ينزل على البول ثم يصيب البدن، قد يقول قائل: إن نزول الماء على البول يطهر الأرض، نزول الماء على البول الواقع على الأرض يطهره الماء، هذا الماء الذي نزل على البول واختلط به، يعني إذا كوثر البول بالماء كما في حديث بول الأعرابي يطهره ((أريقوا عليه –أو

أهريقوا- عليه سجلاً من ماء)) يطهره بلا إشكال، لكن هذا الماء الذي اختلط بالبول وتعدى منه إلى البدن مثل هذا يؤثر وإلا ما يؤثر؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يؤثر في الجملة لكن هل هو مجزوم مقطوع به أو مظنون؟ مظنون، ومثل هذا الظن يتردد في النفس إلى أن يصير وسواس؛ لأن هذا التردد الهاجس والخاطر الذي حصل في النفس بسبب هذا يقوى من كثرة ما يردد في النفس حتى يصير هو الأرجح من ضده، فيصير الوهم ظن، ومن كثرة ما يقع منه مثل هذا الأمر يصير إلى حد الوسواس، والوسواس داء خطير أدى ببعض الناس إلى ترك الصلاة، والأسئلة لا تنقطع عن هذا الداء الخطير، ابتلي كثير من الناس بالوسواس ثم في النهاية تركوا الصلاة، وأدى بهم إلى ما يشبه الجنون، تجده في معاملاته العادية عاقل تصرفاته صحيحة، لكن في عباداته شبه مجنون، يطرق الباب في الساعة الثامنة صباحاً في الشتاء، وقد مضى على صلاة العشاء كم؟ اثنا عشر ساعة أو أكثر، ويقول: إنه إلى الآن يحاول يصلي العشاء فما استطاع، وترك الوظيفة بسبب أنه (مِن) يدخل في الوظيفة يتردد على الدورة ليتوضأ لصلاة الظهر ليصلي مع الجماعة ثم ترك الوظيفة، مثل هذا إشكال كبير في حياته اليومية، يعني خراب، وقد ابتلي به كثير، والأصل يكون بمثل هذا، يكون شيء يسير ثم بعد ذلك يتطور، فمثل هذه المادة التي تورث مثل هذا الداء الخطير يجب حسمها من بداية الطريق، ولا يلتفت إليها. "قال: ((إن عامة الوسواس منه)) " فإذا وقع الماء -ماء الاغتسال- على البول الذي باله في المغتسل والمستحم وأصابه الرشاش -رشاش الماء المختلط بهذا البول- لا شك أن هذا من أقوى ما يورث الوسواس "قال: وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" مخرج عند أبي داود والنسائي، عند أبي داود بلفظ: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبول في مغتسله" وسكت عنه أبو داود.

"قال أبو عيسى: هذا حديث غريب" خرجه مع الترمذي أبو داود والنسائي وابن ماجه "غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أشعث بن عبد الله ويقال له: أشعث الأعمى" أولاً: فيه عنعنة الحسن وهو شديد التدليس، فلا يقبل إلا ما صرح به، الأمر الثاني: تفرد أشعث بن عبد الله ووثقه النسائي وغيره، وتكلم فيه، وابن حجر توسط في أمره، وقال: صدوق، لكن هل مثل هذا مما يحتمل تفرده بالخبر، هل فيه من الثقة والضبط والإتقان بحيث يقبل ويحتمل تفرده؟ مثل هذا يحكم عليه بعض الأئمة بأنه منكر، وقد يقال عنه: شاذ، إذا تفرد بالحديث من لا يحتمل تفرده، فمثل هذا يضعف في هذا، لكن لا شك أن العلة لها حظ كبير من النظر، العلة لها حظ كبير من النظر، فالحكم ثابت ولو لم يثبت الخبر، الحكم ثابت؛ لأنه يؤدي إلى الوسواس، والوسواس ممنوع، وكل ما أدى إلى ممنوع فهو ممنوع، والوسائل لها أحكام المقاصد.

"وقد كره قوم من أهل العلم البول في المغتسل، وقالوا: عامة الوسواس منه" يعني إما استدلالاً بهذا الحديث أو عملاً بما يؤدي إليه هذا العمل من الوسواس "ورخص فيه بعض أهل العلم" رخصوا في البول في المستحم لا سيما إذا أجري عليه الماء، بال في مستحمه ثم أجرى عليه الماء ثم اغتسل فيه انتهى الإشكال، انتهى ما يحذر من الوسواس "ورخص فيه بعض أهل العلم منهم -محمد- بن سيرين" الأنصاري أبو بكر البصري المتوفى سنة عشر ومائة "وقيل له إنه يقال: إن عامة الوسواس منه، فقال: ربنا الله لا شريك له" يعني فهو المتوحد في خلقه، لا دخل للبول في المغتسل في شيء؛ لأننا إذا جعلنا البول في المغتسل يورث هذا الأمر كأننا أشركناه مع الله -جل وعلا- في الابتلاء، والله -جل وعلا- وحده لا شريك له هو المؤثر الحقيقي، لكن هل هذا كلام متجه؟ هذا مؤداه إلى إلغاء تأثير الأسباب، هو سبب، البول في المستحم سبب من أسباب الوسواس، والسبب ينكر الأشعرية أن له أثر في المسبب، يقولون: لا أثر له في المسبب البتة ووجوده مثل عدمه، وأن المسبب يحصل عنده لا به، ويقابلهم المعتزلة الذين يقولون: إن السبب يفعل بنفسه مؤثر بذاته، وأما أهل السنة يرون أن للأسباب تأثراً لكن بجعل الله -جل وعلا- هذا التأثير فيها، لا أنها تستقل بهذا التأثير، الأشعرية طرداً لمذهبهم هذا في إلغائهم تأثير الأسباب قالوا: يجوز لأعمى الصين أن يرى بقة الأندلس، كيف الأعمى في أقصى المشرق يرى أصغر البعوض في أقصى المغرب؟! قالوا: نعم لأن البصر سبب والسبب لا أثر له وجوده مثل عدمه، فيجوز عقلاً في عقولهم الكبار التي وصلت إلى هذا الحد، لما تبعوا ولهثوا وراء علم الكلام وأعرضوا عن النصوص، قد يلزمون في أول الأمر بلوازم تقتضيها مذاهبهم ثم تأخذهم العزة بالإثم فيلتزمون بهذه الوازم، قد لا يقول الأشعري في أول الأمر مثل هذا الكلام، لكنه إذا ألزم بهذا نتيجة لإلغائه تأثير الأسباب التزم، التزم به وقد صرحوا به ما هو مجرد إلزام، يعني الكلام الذي ذكرته بحروفه موجود في كلامهم، يجوز لأعمى الصين أن يرى بقة الأندلس، وكلام محمد بن سيرين الإمام لأنه قد يغفل أحياناً عن هذا السبب أو يكون بين أناس يبالغوا في تأثير

الأسباب فتكن ردة الفعل منه مثل هذا الكلام: "ربنا الله وحده لا شريك له" هذا ما في أحد يختلف فيه في أن الله -جل وعلا- لا شريك له، وأنه هو المتفرد بالخلق والإيجاد والنفع والضر، لكن الله -جل وعلا- جل في الأسباب شيء من التأثير، وإلا هل يمكن أن يقول الأشعري: إنه يغتسل ويخرج في أشد أيام البرد عريان ولا يتأثر؟ أو يقول: إن النار لا تدفئ، ما يكن أن يقول هذا، لكنه يقول: إن البرد حصل عند هذا لا به، وأن الدفء حصل عند النار لا بها، طرد لمذهبهم الفاسد في هذه المسألة، ولا شك أن إلغاء الأسباب خلل في العقل، والاعتماد على الأسباب خلل في الشرع في الديانة من قبل الأشخاص، ابن سيرين لما قيل له: إن عامة الوسواس منه قال: ربنا الله لا شريك له، يعني مثل هذا الكلام في الآثار التي هي مجرد احتمال قد يقال مثل هذا الكلام، لكن الآثار التي اطردت العادة بتأثيرها بإذن الله -جل وعلا- مثل الدفء والبرد مثلاً أمور مطردة، يعني هل يقول إنسان عاقل: إن تأثير الجو مثل هذه الأيام مثل تأثيره في أيام أشد أيام البرد، يخرج عاري سواء في مثل هذه الأيام أو أشد البرد لا فرق؟ هذا لا يقوله عاقل، في مثل المسألة التي معنا عامة الوسواس منه، ابن سيرين رأى أن هذا الرجل بال في المستحم وأتبعه الماء مثلاً بعد أن استنجى اتبع هذا الماء وذهب هذا الماء بذلك البول انتهى إشكاله، ما صار له أثر؛ لأنه طهر بهذه الطريقة، وعلى كل حال لا شك أن البول في المستحم مؤثر، مثل المستحمات الموجودة الآن محل قضاء الحاجة في جهة ومحل الاستحمام في جهة، يعني في الدورات المجودة الآن لا يتنزل مثل هذا الكلام، ولا يؤثر أن يبول الإنسان في جهة ويتبعه الماء بعد الاستنجاء ثم يغتسل في جهة أخرى، ولا أثر له البتة.

"وقال ابن المبارك: قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء" لأنه إذا جرى فيه الماء يطهر المكان لحديث الأعرابي الذي بال في المسجد فأتبعوه ذنوباً من ماء "قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء" بعضهم يحمل هذا النهي على أنه في المكان الذي ليس فيه منفذ للبول، يعني مكان يستحم فيه فقط، وليس فيه محل خاص للبول ينفذ منه، فإذا بال فيه واستقر في المكان ثم جاءه الرشاش وانتقل إلى البدن لا شك أن مثل هذا يتجه القول بمنعه.

"قال أبو عيسى: حدثنا بذلك" يعني خبر ابن المبارك: "قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء" قال: "حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي" أبو جعفر، صدوق من الحادية عشر "عن حبان عن عبد الله بن المبارك" حبان بن موسى بن سوار السلمي، ثقة، عن عبد الله بن المبارك، والوسواس بفتح الواو وكسرها مصدر وسوس يوسوس وسواساً ووسوسة، وقد يطلق الوسواس بالفتح ويراد به الشيطان، ولابن قدامة رسالة في ذم الموسوسين، ولا شك أن مثل ما تقدم أن الوسواس آفة تقضي على دين الإنسان وهو لا يشعر، وينسلخ من دينه من غير إرادته، يحمله هذا إلى أن يترك الدين بالكلية لأن يتعذب، فبدلاً من أن يرتاح بالصلاة تكون الصلاة عذاب عليه، ثم يترك مستدلاً بقول الله -جل وعلا-: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] وهذا أمر لا يطيقه إذاً لا يكلف بمثل هذا، كثير من الموسوسين وصل به الأمر إلى حد الجنون، وقد أفتي بعضهم بترك الوضوء، ترك النية، بعضهم يقول: إنه إذا مسك الباب -باب الحمام- تنجس ثم رجع يعيد الوضوء، ومرة جاء شخص إلى المسجد وقال: أنا ما استطعت أن أصلي المغرب فلو أحسنت وصليت بي، أستطيع أن أصلي مأموم لكن لا أستطيع أن أصلي منفرد ولا إمام، فلما كبرت جلس، أتممت الصلاة نافلة وسلمت قلت: ما بالك؟ وما شأنك؟ قال: لما كبرت على أني في صلاة المغرب وإذا أمامي الأجزاء الثلاثة المكتوب عليها العُشر الأخير فلما قرأت العشر الأخير ظننتها صلاة الأخير يعني العشاء فالتبس عليّ الأمر، أنا أريد أن أصلي المغرب فدخلت صلاة الأخير -نسأل الله العافية-، وذهب ما صلى، ما صلى، مرتين أكبر وثلاث ما في فائدة، فعلى الإنسان أن يحسم المادة إذا خشي من هذا الأمر ولو وقع في شيء من التساهل في الوسائل، يعني النية هذه التي هي كارثة بالنسبة للموسوسين يتوضأ ثم يقول: ما نويت، ويتوضأ ثانية ويقول: النية والله فيها شيء، يا أخي توضأ بدون نية، النية شرط لكن إيش معنى النية؟ النية إن قصدت هذا المكان لتغسل فروض الوجه واليدين وتمسح الرأس هذه هي النية، تقصد هذا المكان لهذا العمل هذه هي النية، لا أكثر ولا أقل، فيقال له: توضأ بدون نية، سبحان الله النية شرط

باب: ما جاء في السواك:

لصحة الوضوء، نعم شرط، لكن بالنسبة لك أنت ما هي بشرط، يكفي أنك تروح للمغتسل المغسلة وتغسل أطرافك، وهذا هو الوضوء وهذه هي نيته. يذكر عن امرأة كبيرة في السن أنها تسرف في الماء وتتوضأ مراراً، فقال لها ابنها: أنا أدعو الشيخ فلان وهو قدوة مقنع بالنسبة لها ولولدها ولأهل بلدها، فقالت: أبداً إذا توضأ الشيخ وشفت وضوءه اقتنعت، فأحضر للشيخ ماء للوضوء قليل جداً، ثم لما توضأ وهي تنظر فقال لها: اقتنعتِ؟ قالت: هي بحاجة إلى أن تعيد الصلوات التي صلتها خلفه، فمثل هذا يحتاج الإنسان أن يتقيه، ووقع فيه بعض طلاب العلم مع الأسف، ولا أبالغ أنني شاهدت بعض أهل العلم الكبار وقعوا في شيء منه يغسل العضو عشر مرات، وهم الكبار، والداعي إلى ذلك في بداية الأمر الحرص على الخير، وهذه من حبائل الشيطان، قد يوقع الإنسان في هذا الباب، من حرصه على الخير أن يزيده من هذا الأمر حتى يقع في البدعة. وذكر عن ابن دقيق العيد والحافظ العراقي أنهم يبالغون في الوضوء، ويغسلون العضو مرات، وقالوا: إن هذا لا يخرجهم عن المشروع، وإنما هو من باب الاحتياط، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إذا أدى الاحتياط إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، وهو وسواس وبدعة من أي شخص صدر، والأمر محدد شرعاً لا يجوز أن نزيد عليه. عفا الله عنك. باب: ما جاء في السواك: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)). قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه، وأما محمد بن إسماعيل فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح.

قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعلي وعائشة وابن عباس وحذيفة وزيد بن خالد وأنس وعبد الله بن عمرو وأم حبيبة وابن عمر وأبي أمامة وأبي أيوب وتمام بن عباس وعبد الله بن حنظلة وأم سلمة وواثلة بن الأسقع وأبي موسى. حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل)). قال: فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا أستن، ثم رده إلى موضعه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في السواك" السواك بكسر السين يطلق على الآلة التي هي العود، ويطلق على الفعل الذي هو التسوك، وهو المراد في هذا الباب الذي هو فعل المكلف، وجمع السواك ها؟ إيش؟ سُوُك، مثل: كتاب وكتب.

قال: "حدثنا أبي كريب" محمد بن العلاء بن كريب، الكوفي، ثقة حافظ "قال: حدثنا عبدة بن سليمان" الكلابي، أبو محمد الكوفي ثقة ثبت "عن محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق له أوهام "عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف الزهري "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا أن أشق)) " (لولا) عند أهل العلم حرف امتناع لوجود، لولا حرف امتناع، امتناع الأمر بالسواك لوجود المشقة، و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، يعني لولا المشقة والتشديد، والتثقيل على الأمة وهذا من رحمته ورأفته -عليه الصلاة والسلام- بأمته، ولولا ذلك لأمرتهم، والمراد بالأمر أمر الإيجاب، أما أمر الاستحباب فهو ثابت في نصوص كثيرة جداً، فاستحباب السواك مقطوع به، والنصوص متضافرة عليه، أعني أمر الاستحباب أما أمر الوجوب فلا، فامتنع لوجود المشقة، والحديث من أقوى الأدلة على أن الأمر المطلق يقتضي الوجوب، الأمر المطلق في النصوص يقتضي الوجوب؛ لأنه امتنع الأمر هنا، والمراد به أمر الوجوب أما أمر الاستحباب فهو موجود، فدل على أن الأمر إذا أطلق نفياً أو إثباتاً فالمراد به أمر الوجوب، إضافة إلى قول الله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور] فهذا الوعيد يدل على أن الأمر للوجوب، ولا وعيد إلا على ترك واجب. ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) الأمة تطلق ويراد بها أمة الإجابة، وتطلق ويراد بها أمة الدعوة، والمراد بها هنا أمة الإجابة ((لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وللبخاري تعليقاً عن أبي هريرة: ((عند كل وضوء)) ولأحمد: ((عند كل طهور)) فيجمع بينها، فيستحب السواك عند الوضوء وعند كل طهور بما يشمل الغسل، وعند كل صلاة، وهناك مواضع لإسحتبابه وهو مستحب في كل وقت، ويتأكد استحبابه عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم، وعند أمور وردت بها النصوص، ودعت إليها الحاجة، فكلما احتيج إلى السواك تأكد استحبابه، لطول السكوت وكثرة الكلام، وقلة الأكل أيضاً تتغير المعدة فتصدر روائح تعلق أو يعلق منها ما يعلق بالأسنان فيزال بالسواك.

((عند كل صلاة)) عند الحنفية يقدرون عند وضوء كل صلاة، ولا يرون استحبابه عند الصلاة، الحنفية لا يرون استحباب السواك عند الصلاة، لماذا؟ لأنه مظنة لجرح اللثة وخروج الدم وهذا يبطل الصلاة عندهم، وهو أيضاً من باب إزالة القذر، إزالة المستقذر، وهذا لا ينبغي أن يكون في المسجد، نعم عند الوضوء لا بأس، أما عند الصلاة فلا عندهم، ولكن إذا نظرنا إلى النصوص الواردة في السواك وجدناه عبادة، وأنه مطهرة للفم، وأنه مرضاة للرب، فهو عبادة من هذه الحيثية، ولذا من نظر إليه باعتباره إزالة قذر، قال: يكون التسوك بالشمال، باليد اليسرى، ومن نظر إليه باعتباره عبادة قال: يتسوك باليمين، ويمكن أن يجمع بين الأمرين، فإذا كان في الأسنان ما يقتضي السواك لإزالته فحينئذٍ يتجه القول وهو قول عامة أهل العلم أن التسوك يكون بالشمال، لكن إذا تسوك عند الوضوء، وأزال ما في الأسنان من وسخ، ثم أراد أن يتسوك في المسجد عند إقامة الصلاة، نقول: يتسوك باليمين؛ لأنه عبادة محضة، وليس فيه ما يدل على أنه إزالة مستقذر؛ لأن المستقذر أزيل عند الوضوء. وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: لا أعلم أحداً من الأئمة قال بالتسوك باليمين، مع أن جده أبا البركات المجد ابن تيمية يستحب التسوك باليمين، وإذا كان لإزالة القذر فلا شك أن المستقذرات لليد اليسرى، وإذا كان لا يوجد على الأسنان ما يقتضي ما يسمى به قذراً فإنه يتسوك بيده اليمني، وعلى كل حال ثبت استحباب السواك عند الوضوء، وثبت أيضاً التسوك عند كل صلاة، فلا وجه لقول الحنفية، لا وجه لقولهم مع ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"قال أبو عيسى: روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم" هناك فيه أبو كريب السند الأول، ثقة حافظ، وعبدة كذلك، محمد بن عمرو صدوق، يحتاج إلى متابع ليصحح حديثه "عن أبي سلمة" أحد الفقهاء المعروفين "عن أبي هريرة"، وهنا قال: "وروى هذا الحديث محمد بن إسحاق" صاحب المغازي، صدوق أيضاً، لكنه يدلس فلا بد من تصريحه "عن محمد بن إبراهيم" بن الحارث التيمي ثقة، راوي حديث: الأعمال بالنيات، الذي تفرد به وقبله عنه الأئمة وخرجوه، وتلقته الأمة بالقبول "عن أبي سلمة" فمحمد بن إبراهيم أوثق من محمد بن عمرو "عن أبي سلمة عن زيد بن خالد" الجهني، صحابي مشهور، مات سنة ثمان وستين "عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" وسيأتي ذكره في أخر الباب. قال المؤلف: "وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد" سواء كان ما جاء من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، أو طريق محمد بن إبراهيم التيمي "كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه" لماذا احتاج الإمام أن يقول مثل هذا الكلام؟ محمد بن عمرو بن علقمة صدوق له أوهام فلا يصحح حديثه إلا إذا توبع، يحتاج إلى متابع ليصحح حديثه، والحافظ العراقي ضرب للصحيح لغيره هذا الحديث مثالاً، هذا الحديث حديث محمد بن عمرو ضربه مثالاً للصحيح لغيره، فقال: والحسن المشهور بالعدالة ... والصدق راويه إذا أتى له طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن (لولا أن أشق) هذا الحديث، كمتن (لولا أن أشق). إذ تابعوا عليه محمد بن عمرو ... عليه فارتقى الصحيح يجري لما توبع محمد بن عمرو بن علقمة وروي من حيث .. ، لأنه قد روي من غير وجه قال الترمذي: هو عنده صحيح، ولا شك أنه صحيح وإن لم يكن صحيح لذاته فهو صحيح لغيره.

وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاهما عندي صحيح؛ لأنهما قد رويا من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه، وأما محمد بن إسماعيل البخاري فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح، يعني الحديث الثاني أصح من الأول، طيب حديث أبي سلمة عن أبي هريرة فيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو صدوق له أوهام، والحديث الثاني الذي رجحه الإمام البخاري فيه محمد بن إسحاق وهو وإن كان إماماً في المغازي إلا أن روايته للحديث فيها ما فيها، بل رمي بالكذب، لكن القول الوسط المعتدل فيه أنه صدوق، فهو بمنزلة محمد بن عمرو، ويزيد عليه أنه مدلس لا بد أن يصرح، فكيف رجح الإمام البخاري الحديث الثاني وفيه محمد بن إسحاق على الحديث الأول الذي فيه محمد بن عمرو بن علقمة؟ ما سبب الترجيح؟ يقول الحافظ ابن حجر: حكى الترمذي عن البخاري أنه سأله عن رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد فقال: رواية محمد بن إبراهيم أصح، لا شك أن محمد بن إبراهيم أوثق من محمد بن عمرو، لكن الراوي عن محمد بن إبراهيم لا يترجح على محمد بن عمرو بأي حال من الأحوال، قال: رواية محمد بن إبراهيم أصح، وقال الترمذي: كلا الحديثين صحيح عندي، وترجيح البخاري طريق محمد بن إبراهيم لأمرين: الأول: أن فيه قصة سيأتي في الحديث: "قال أبو سلمة: فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات -يعني الخمس- في المسجد -جماعة- وسواكه على أذنه موضع القلم من إذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه" هذه قصة، قصة الخبر، هذه قصة ذكرت في الخبر، ولا شك أن ذكر الحديث بفصه، بجميع ما يدور حوله بقصته بسببه يدل على أن الراوي ضبطه وأتقنه، بخلاف الحديث المجرد عن قصته وسببه، فإذا ذكر الراوي الحديث بقصته بسبب وروده بسبب إيراده من قبل الصحابي هذا كله يدل على أن الراوي ضبط الحديث وأتقنه بجميع ما يحتف به، وهذا مرجح عند أهل العلم، الأول: أن فيها قصة، وهو قول أبي سلمة التي ذكرناه.

الثاني: أنه توبع، تابعه يحيى بن أبي كثير على روايته ورواية يحيى بن أبي كثير عند الإمام أحمد بسند لا بأس به، هذه وجوه ترجيح الإمام البخاري لحديث زيد بن خالد على حديث أبي هريرة. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي بكر الصديق" رواه أحمد وأبو يعلى "وعلي" رواه الطبراني في الأوسط "وعائشة" عند النسائي وابن خزيمة وابن حبان، وعلقها البخاري "وابن عباس" عند الطبراني في الكبير والأوسط "وحذيفة" وحديثه متفق عليه "وزيد بن خالد" وحديثه عند الترمذي سيأتي، وعند أبي داود، "وأنس" وهو مخرج في البخاري "وعن عبد الله بن عمر" وأخرجه أبو نعيم في كتاب السواك "وابن عمر" عند الإمام أحمد "وأم حبيبة" عند أحمد وأبي يعلى "وأبي أمامة" عند ابن ماجه "وأبي أيوب" عند أحمد والترمذي "وتمام بن عباس" تمام بن عباس هذا من ولد العباس بن عبد المطلب، أخ لعبد الله وهو أصغر أولاده، له رؤية وليست له رواية "وتمام بن عباس" عند أحمد والطبراني في الكبير "وعبد الله بن حنظلة" لم يقف الشارح على من خرجه "وأم سلمة" عند الطبراني "وواثلة بن الأسقع" عند أحمد والطبراني أيضاً "وأبي موسى" عند الشيخين البخاري ومسلم، وفي الباب أحاديث كثيرة جداً تدل على فضل السواك، وجاء فيه ما يدل على أن الصلاة بسواك عن سبعين صلاة، وله طرق تدل على أن له أصلاً، له طرق تدل على أن له أصلاً، فالسواك مأمور به أمر استحباب، وهو مرضاة للرب -جل وعلا-، وأيضاً هو من باب أخذ الزينة للصلاة {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف].

باب: ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها:

قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم -بن الحارث التيمي- عن أبي سلمة عن زيد بن خالد الجهني قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)) أمر إيجاب كما تقدم ((بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل)) وأخر النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة إلى هذا الوقت، وقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق عليكم)) فيستحب تأخير العشاء ما لم يحصل بذلك مشقة على المأمومين إلى ثلث الليل، ووقت صلاة العشاء يمتد إلى نصف الليل، يمتد إلى نصف الليل، كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح. "قال -أبو سلمة-: فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات -يعني الخمس- في المسجد -مع الجماعة- وسواكه على أذنه" الجملة حالية والحال أن سواكه على أذنه موضع في "موضع القلم من أذن الكاتب" الكاتب يضع القلم على أذنه، أدركتم شيئاً من هذا وإلا .. ؟ غالباً النجار هو الذي يضع القلم، أما الكاتب ما يضع القلم على أذنه يضع القلم في جيبه هذا الذي أدرك، أما عندهم ما كنت لهم جيوب تحفظ الأقلام وأشياء مهيأة لهذا الأمر "وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا أستن" يعني إستاك "ثم رده -أي السواك- إلى موضعه" من الأذن. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ومخرج عند أبي داود والنسائي ولعله في الكبرى. يقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: اختلف العلماء في السواك -يعني في حكمه- فقال إسحاق: هو واجب ومن تركه عمداً أعاد الصلاة، هذا رأي إسحاق، ولكن حديث الباب يرد قوله، ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) فدل الحديث على عدم وجوبه، وقال الشافعي: هو سنة من سنن الوضوء، واستحبه مالك في كل حال يتغير فيها الفم، فأما من أوجبه يقول ابن العربي: فظاهر الأحاديث تبطل قوله، وعلى كل حال عامة أهل العلم على أنه متسحب، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها:

حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار الدمشقي يقال: هو من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده)). وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعائشة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. قال الشافعي: وأحب لكل من استيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها أن لا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له، ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة، وقال أحمد بن حنبل: إذا استيقظ من النوم من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها، فأعجب إلي أن يهريق الماء، وقال إسحق: إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها" قال: "حدثنا أبو الوليد أحمد -بن عبد الرحمن- بن بكار الدمشقي" صدوق، تكلم فيه "يقال: هو من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-" من ولد يعني من أولاده، الولد يراد به الجنس، وضبط بضم الواو وسكون اللام من (وُلْد) جمع ولد، بسر بن أرطاة صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، "قال: حدثنا الوليد بن مسلم" القرشي مولاهم الدمشقي، ثقة يدلس تدليس تسوية، وتدليس التسوية هو شر أنواع التدليس، بأن يأتي إلى راوي ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الأخر فيسقط هذا الضعيف فيستوي الإسناد، كان القدماء يسمون مثل هذا تجويد، يعني يجود إسناده، يجعل فيه الأجواد دون الأدنياء، ولا شك أن مثل هذا آفة، لا يستطيع الوقوف عليها إلا أهل العلم والمعرفة والخبرة التامة، وإلا إذا كان الثقتان قد لقي أحدهما الأخر فمن يشعر بمثل هذا التدليس، لولا أن الله قيض الأئمة لمثل هذا، لولا أن الله -جل وعلا- قيض الأئمة لمثل هذا التدليس ما أدركه أحد، يأتي لضعيف فيسقطه بين ثقتين بحيث لو بحث عن كتب الرجال وجد الإسناد كله ثقات، وكلهم السند ظاهره فيه الاتصال، كل واحد منهم لقي الأخر، لكن الأئمة ينصون على أن هذا الراوي الضعيف قد أسقط بين هاذين الثقتين، وأن فلان لم يسمع الخبر مباشرة ممن نسب إليه سماعه منه.

"حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي" عبد الرحمن بن عمر الفقيه، المشهور "عن الزهري" محمد بن مسلم بن عبيدة الله بن شهاب "عن سعيد بن المسيب" بن حزم أحد الأئمة أفضل التابعين عند الإمام أحمد "وأبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استيقظ أحدكم من الليل)) " وفي الصحيحين: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه)) من غير تنصيص على الليل إلا ما يفهم من العلة ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) والمبيت إنما يكون بالليل ((إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء)) وفي رواية: ((فلا يغمس يده في الإناء)) إناء الضوء ((حتى يفرغ)) يصب ((عليها مرتين أو ثلاثاً)) وفي رواية لمسلم وغيره: ((حتى يغسلها ثلاثاً)) من دون (أو) ((فإنه لا يدري أين باتت يده)) ((إذا استيقظ أحدكم من نوم الليل -أو من نومه- فلا يدخل يده في الإناء)) المقصود به إناء الوضوء ((حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً)) يعني حتى يغسلها ثلاثاً كما جاء في الصحيح ((فإنه لا يدري أين باتت يده)) هنا نهي والأصل في النهي التحريم، والعلة ((لأنه لا يدري أين باتت يده)) العلة شك، ولذا يرى بعضهم أن النهي هنا للتنزيه وليس للتحريم، والذي صرف النهي عن التحريم إلى التنزيه العلة، والعلة تصرف، كما في حديث أم عطية: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد يشهدن الخير ودعوة المسلمين" قالوا: الأصل في الأمر الوجوب، لكن العلة وهي شهود الخير ودعوة المسلمين مستحب، فلا يكون الأمر للوجوب والعلة ما ذكر، وهنا لا يكون النهي للتحريم والعلة ما ذكر ((لأنه لا يدري أين باتت يده)) وكونه لا يدري ويده طاهرة قبل النوم بيقين كونه لا يدري شك، والشك لا يزيل اليقين عند أهل العلم، الشك لا يزيل اليقين، قال الشافعي: أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة وبلادهم حارة فإذا ناموا عرقوا، فلا يؤمن أن تطوف على موضع النجاسة أو على بثرة أو قملة، والنهي قبل الغسل مجمع عليه، لكن الجمهور على أنه تنزيه ولا أثر له في الماء.

الشافعي يقول: إن سبب النهي إن أهل الحجاز يستنجون بالحجارة وبلادهم حارة ويعرقون وقد تطوف يده على موضع الاستنجاء بعد العرق، والاستنجاء معلوم أنه لا يزيل الأثر، يبقى أثر، فإذا طافت يده على هذا العرق المختلط بأثر الاستنجاء تأثرت، لكن الذي يقول بأن اليد تتأثر لماذا لا تتأثر الثياب والسراويل؟ الاستنجاء أثره لا حكم له، الاستنجاء أثره لا حكم له، وحينئذٍ لا فرق بين النائم والمستيقظ إذا أثر في اليد أثر في السراويل من باب أولى، فالذي يظهر أن هذا التعليل عليل، ويبقى النهي على إطلاقه وعمومه، مفاد كلام الشافعي أنه في البلاد الباردة مثلاً أو في الشتاء مثلاً لا يحتاج أن يغسل يده، مقتضى ما أبداه الإمام الشافعي أنه في البلاد الباردة أو في الشتاء حتى في الحجاز لا يغسل يده؛ لأن الداعي إلى ذلك غير موجود، والحكم يدور مع علته، العلة ((فإنه لا يدري أين باتت يده)) هذه هي العلة المنصوصة، وعلى هذا إذا درى أين باتت يده يرتفع الحكم وإلا ما يرتفع؟ إذا قلنا: إن الحكم يدور مع علته، إذا درى كيف يدري؟ لو أدخلها في كيس مثلاً أو ربطها، ربط يده بالسرير مثلاً، شدها وربطها وعرف أنها ما حلت ولا انحلت إلى أن استيقظ، إذا قلنا: إن العلة مطردة منعكسة قلنا: الحكم يدور معها، وحينئذٍ لا يحتاج إلى غسل لا سيما وأن العلة المنصوصة هذا مقتضاها عند أهل العلم، لكن هل من مما يتعبد به مخالفة مثل هذه العلة بمعنى أنه يأتي بكيس ويدخل يده أو يربط يده؟ يذكر أهل العلم أن من شؤم معارضة أهل السنة أن شخصاً قال: أنا أدري أين باتت يدي فأدخلها في كيس وربطها أيضاً، فلما قام إذا هي في دبره، داخلة في دبره، وهذا يذكره أهل العلم في شؤم مخالفة السنة والمعاندة، وذكر المؤرخون الحافظ ابن كثير وغيره من أهل التاريخ ذكروا أن الذي إستاك في دبره -يعني تسوك- وجد في بطنه ألام مدة ثم بعد ذلك شعر بحمل وبعد تسعة أشهر وضع قطعة من لحم فما زالت هذه القطعة تصرخ حتى جاءت ابنته فرضتنها بحجر، المقصود أن شؤم مخالفة السنة يؤرث مثل هذا، وأورث أهل العلم أمثلة كثيرة، يعني الشخص الذي وضع المسامير في نعاله ودخل المسجد في حلقة العلم، ويريد أن يطأ أجنحة الملائكة التي

تضعها رضاً لما يصنعه طلاب العلم خسف به، مثل هذه الأمور يذكرها أهل العلم لا على سبيل الاحتجاج أو الاستدلال، وإنما من باب استقصاء ما ينفر عن ارتكاب مثل هذه الأمور وإلا فالمعول في الأصل على النصوص. الجمهور على أن النهي للتنزيه؛ لأن العلة لا تقتضي تنجيس، بل هي مشكوك فيها، وأنه لا أثر له في الماء، ومنهم من يقول: النهي للتحريم، وأن غسل اليد قبل إدخالها في الإناء واجب، وإن لم تدرك العلة، كونه لا يدرك العلة ولا يدري ما العلة، ولا يدري أين باتت يده لا يعفيه من وجوب الغسل المأمور به، وتكون العلة من باب التعبد لله -جل وعلا- بامتثال هذا الأمر، وإذا قلنا: تعبدية حينئذٍ لا أثر له في الماء، إذا لم يكن تنجيس، عند الحنابلة أن غمس اليد -يد القائم من النوم- له أثر في الماء، فإذا كان قليلاً لا يبلغ القلتين أثر فيه، ولم يؤمر بغسلها إلا لوجود شيء مؤثر، وهذا المؤثر وإلا لم يكن نجاسة إلا أنه ينقل الماء من كونه طهور مطهر إلى كونه طاهر فقط، وعلى كل حال الأمر بالغسل واجب، وكونه يؤثر في الماء العلة تدل على عدم التأثير؛ لأن العلة كونه لا يدري، وكونه لا يدري الشك لا يزيل اليقين، يده طاهرة بيقين لكن يبقى أن الغسل واجب. "قال: وفي الباب عن ابن عمر" رواه الدارقطني "وجابر" وهو عند ابن ماجه والدارقطني "وعائشة" عند ابن أبي حاتم في العلل، وحكى عن أبيه أنه وهم. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الكتب الستة، مخرج في الصحيحين وغيرهما "قال الشافعي: وأحب لكل من استيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها" يعني في النهار أو في الليل، يستحب "لكل من استيقظ من النوم قائلة كان أو غيرها أن لا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها" لأن العلة هي العلة سواء نام بالليل أو بالنهار، التنصيص على الليل في رواية الباب، في رواية الترمذي، أو التنصيص على البيتوتة وهي لا تكون إلا في الليل؛ لأن الغالب أن النوم في الليل، الغالب في وقتهم أن النوم إنما يكون في الليل، فجرى على ما جرى عليه غالب الحال عندهم، بخلاف العصور المتأخرة حينما قلبت الفطر، وعكس الناس السنة الإلهية فصاروا ينامون بالنهار، ويسهرون بالليل.

يقول الشافعي -رحمه الله-: "وأحب لكل من استيقض من النوم قائلة كان أو غيرها" القائلة هي النوم في منتصف النهار "ألا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت له ذلك؛ لأن النهي نهي تنزيه، ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة" فحمل النهي على التنزيه والغسل على الاستحباب وهو قول الأكثر "وقال أحمد بن حنبل: إذا استيقظ من النوم من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها، فأعجب إلي أن يهريق الماء" لأنه انتقل من كونه طهور مطهر إلى كونه طاهر فقط، فلم يحكم بنجاسته؛ لأن طهارة اليد متيقنة وتغيرها مشكوك فيه، ولم يحكم بكونه مطهر يرفع الحدث؛ لأن النهي ثابت، وما دام نهي عن ذلك فلا بد أن يكون له أثر، وأقل الأحوال في الأثر أن يكون ناقلاً للماء من كونه طهوراً إلى كونه طاهراً. "فأعجب إلي أن يهريق الماء" وإلى هذا ذهب الحسن وداود إلى أن غمس اليد قبل غسلها ثلاثاً يؤثر في الماء، لكن الحسن وداود يذكر عنهما أن الماء يكون نجساً، وأما عند أحمد فليس بنجس وإنما هو طاهر "وقال إسحاق" بن إبراهيم الحنظلي الإمام المعروف بابن راهويه: "إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها" يعني مثل قول الإمام الشافعي إلا أن رأيه في التأثير مثل رأي أحمد فلم يخص الليل كما خصه الإمام أحمد، بل سوى بين الليل والنهار كقول الشافعي.

قال الشارح المبارك فوري: والظاهر أن الماء حكمه حكم المشكوك فيه، ما دامت العلة مشكوك فيها فإنه لا يدري أين باتت يده، فالماء الذي أدخلت فيه هذه اليد المشكوك فيها مشكوك فيه؛ لأنه أثر عن مشكوك فيه فيكون مشكوكاً فيه، يعني مثل لو جاء مال من شبهة هذا المال مشكوك فيه، ليس بحرام بين ولا حلال بين، ثم اشترى بهذا المال طعام، الطعام مشكوك فيه وهكذا، اليد مشكوك فيها فما وضعت فيه مشكوك فيه، والماء أقسامه عند أهل العلم منهم من يجعله قسمين طاهر ونجس، ومنهم من يجعله ثلاثة: طهور وطاهر ونجس، ومنهم من يجعله أربعة ويزيد المشكوك فيه، ويجعله في مرتبة بين الطاهرة والنجس كما أن الشبهة مرتبة بين الحلال البين والحرام البين، يعني إن احتاج إليه استعمله وإن وجد غيره فلا، يعني لا يعدل إلى التيمم مع وجوده لأنه ماء، ولا يتوضأ به مع وجود غيره؛ لأنه مشكوك فيه.

الشوكاني في نيل الأوطار يقول: ربط النهي بعلة، يعني مثل الحديث الأول: "نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: ((إن عامة الوسواس منه)) ومثل الحديث الثاني: "النهي عن غمس اليد في الإناء حتى تغسل، فإنه لا يدري أين باتت يده" ربط النهي بعلةٍ تكون العلة قرينة تصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة، العلة قرينة في صرف النهي من التحريم إلى الكراهة، لكن هذا ليس بمطرد، إذا كانت العلة غايتها أن تكون مكروه، فالمعلول يكون مكروه، لكن إذا كانت العلة محرمة، يعني الوسواس مثلاً كراهة وإلا تحريم؟ تحريم لأنه يوقعه في مخالفة صريحة للنصوص، لكن قد يغلب على الإنسان فيكون لا تصرف له ولا يوصف حكم وضعه بحكم شرعي، إذا غلب عليه بحيث لا يستطيع دفعه يكون مرض، لكن في البدايات هو مأمور أمر إيجاب في مدافعته، فالعلة نعم تصرف النهي من التحريم إلى الكراهة إذا كانت غاية ما فيها أنها تجر إلى مكروه، وقل مثل هذا في الأمر، مثل ما قلنا في حديث أم عطية: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى العيد يشهدن الخير ودعوة المسلمين" قلنا: العلة مستحبة، فالأمر مصروف من الوجوب إلى الاستحباب؛ لأن غاية ما يدرك في هذا الأمر شهود الخير ودعوة المسلمين، وهذا لم يقل أحد بوجوبه، فدل على أن الأمر أمر استحباب، وقل مثل هذا في النهي في البابين في النهي عن البول في المستحم، وفي غمس اليد إذا قام من النوم. يقول: عندما نجد كتب أهل العلم -رحمهم الله- قد سميت بالصغرى والكبرى، السنن للبيهقي والنسائي والأحكام الكبرى والوسطى للإشبيلي والمعاجم هل يغني الكبير عن الصغير منها والأوسط؟ لا في الصغير ما لا يوجد في الكبير، وفي الأوسط ما لا يوجد في الصغير وهكذا، فكلها كتب نافعة ومقصودة. يقول: ما رأيك في كتاب (بهجة الناظرين في شرح رياض الصالحين) لسليم الهلالي؟ على كل حال تحقيقاته جيدة، وهو من أفضل ما يقرأ له، لكن الكتاب ما قرأته. كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود كم عدد المجلدات التي زاد عليها ابنه في تكملة الشرح؟ أفيدونا بفوائد هذا الشرح، وهل له ميزة على غيره؟

للأب عشرة أجزاء، وأتمه الولد في ستة أجزاء ويقال: إنه الآن في أواخر الكتاب، أما فوائد الكتاب فهو مرتب منظم يشرح الحديث على الفنون، يفرد الرجال، ثم يأتي بغريب الحديث، ثم بفقه، ثم بعد ذلك يردفه بالآداب مثل طريقة العيني. يقول: اطلعت في المكتبة على مختصر لكتاب البخاري وهو مختصر من أبي جمرة فأعجبني؛ لأن مؤلفة فيما أحسب من رواة الصحيح، وقريب من أربع مائة حديث وأحببت أن أحفظه علماً أنني لم أحفظ العمدة ولا البلوغ؟ ابن أبي جمرة هذا اختصر البخاري وشرحه في مجلدين كبار، اسمه: (بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها) وهو شرح معتبر عند أهل العلم ومعتمد ينقلون عنه كثيراً، ومؤلفه لا يسلم من شوب البدعة، وينقل عن الكتاب فوائد، وفيه أيضاً ما ينفع طالب العلم، لكن يقرأ فيه على حذر. يقول: أريد أن أشتري إرشاد الساري دلني على أفضل نسخة موجودة في الأسواق؟ إذا تيسر لك الطبعة السادسة أو ما صور عنها فهي طبعة صحيحة. يقول: أريد أن أسألكم عن بعض الإخوة هنا في المغرب لا يدخلون المسجد حتى تقام الصلاة، ولا يستمعون لأي إمام حتى أنهم يقولون: إن خطبة الجمعة لو لم تكن واجبة ما حضرنا إليها، كما أريد أن أسألكم عن بعض أئمة المساجد يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويبينون السنة من البدعة إلا أنهم يفعلون بعض البدع؛ لأنهم يُكرهون من بعض الجهات كقراءة القرآن جماعةً، وقراءة سورة ياسين والدعاء في المقبرة وغير ذلك، هل يجب أن نحبهم في الله أم يجب علينا أن بغضهم ونصنفهم في المبتدعة؟ علماً بأنهم يخافون إن خرجوا من مساجدهم أن يقدم إليها أئمة مبتدعة لا ينكرون منكراً ولا يعرفون معروفاً، جزاكم الله خيراً. يقول هذا: مفاده أن هؤلاء الأئمة مفادهم الخير، وفيهم الأمر بالمعروف، وفيهم إتباع السنة لكنهم قد يُكرهون على ارتكاب بعض البدع أو قد يرتكبونها لا قناعة بها فمثل هذا هؤلاء يحبون بما عندهم من خير وفضل، ويكره ما يرتكبونه من بدعة، وإذا خشي أن يجلب أئمة يقررون البدع أو يرتكبونها عن قناعة فمثل هؤلاء لا شك أن من باب ارتكاب أخف الضررين، وأما من لا يدخل المسجد إلا إذا أقيمت الصلاة فمثل هذا إذا لم يكن له عذر لا شك أنه محروم.

هل يصح أن يقال: إن الترمذي متساهل بالتصحيح؟ وما قولكم فيمن يقول: إن الحسن عند الترمذي هو الضعيف وكذا مصطلح حسن غريب؟ الترمذي ذكر الحافظ الذهبي وغيره أنه متساهل، وكتابه شاهد على ذلك، يصحح أحاديث فيها ضعف، وصحح لكثير بن عبد الله عن أبيه عن جده وهو شديد الضعف، على كل حال المؤلف إمام من أئمة المسلمين، والكتاب كتاب عظيم، ولا يضيره مثل هذا الكلام، لكن ليس هو بمنزلة البخاري ومسلم. وما قولكم فيمن يقول: إن الحسن عند الترمذي هو الضعيف؟ هذا ليس بمطرد، وإن كان كثير من الأحاديث التي حكم عليها بالحسن لا ترتقي إلى درجة الحسن. يقول: نحن نعيش في بلاد الكفر وعندنا يوجد في المساجد أئمة وهو يصلي صلاة الجنازة للشيوعيين وللأفراد الذين قالوا: لا يكون يوم القيامة، وهؤلاء الأئمة حين صلوا قالوا: هم كفار ونحن نصلي عليهم لعدم فتنة ... أعجب بهذا الكاتب. وشباب في بلادنا لا يسلم عليهم ولا يصلى خلفهم، هم قالوا: يوجد في فتاوى ابن تيمية: من صلى على كافر فهو كافر، وبذلك هؤلاء شباب قالوا: من صلى خلف هؤلاء الأئمة يكون كافراً كما هو؛ لأن من لم يحسب الكافر كافر كما قال ابن بن باز يكون كافراً نرجو توضيح هذه في المسائل. . . . . . . . .؟ جاء النهي عن الصلاة عن الكفار وعن المنافقين، جاء النهي صريح في القرآن {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [(84) سورة التوبة] فلا تجوز الصلاة على من علم كفره ولا نفاقه، لا تجوز الصلاة عليه، لكن يبقى أن من صلى عليه خشية على نفسه لا يصل حد الكفر، لكنه ارتكب محرماً. يقول: ما معنى اطراد العلة؟ هذا من مصر. اطراد العلة والتي ذكرتم أن عند اطرادها فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فما معنى اطراد العلة؟ العلة إذا كانت منصوصة دار معها الحكم وجوداً وعدماً، وأما إذا كانت مستنبطة استنبطها بعض أهل العلم واختلفوا فيها ولم يتفقوا فيها فإن الحكم لا يدور معها. اللهم صل على محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.

أبواب الطهارة (8)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (8) شرح: باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء، وباب: ما جاء في المضمضة والاستنشاق، وباب: المضمضة والاستنشاق من كف واحد، وباب: ما جاء في تخليل اللحية. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: انتشر اليوم ساعات فيها تسجيل للأذان تؤذن في الوقت فهل يسن للإنسان متابعة المؤذن فيها إذا كان يؤذن لوقت قد دخل؟ الحديث الصحيح: ((إذا سمعتم المؤذن)) وهذا ليس بمؤذن إنما هو مسجل، قد يسمع الأذان من خلال الراديو مثلاً في الإذاعة، وأحياناً يكون تسجيل، وأحياناً يكون حي كما يقولون على الهواء، فالحي على الهواء يتابع لأنه بمثابة مكبر الصوت وموصل الصوت، أما ما كان عن تسجيل فهذا لا يتابع. يقول: انتشر في هذه الأيام بين طلبة العلم وبين الطيبين من الأطباء أن الوسواس قد يكون مرض حسي، وأنه يعالج بالعقاقير الحسية، وقد زاد أو زال هذا المرض من بعض الناس لما استعمل هذه العقاقير؟ على كل حال منه ما هو معنوي، ومنه ما هو حسي، ويوجد عقاقير يعالج بها شيء من هذا النوع من المرض، على كل حال منه ما هو حسي يعالج بالعقاقير وقد انتفع كثير من الناس بهذا العلاج، ومنه ما هو مرض معنوي وهمي يزول بالمعاندة للشيطان ومخالفته. هل يجوز اقتناء الطيور للزينة؟ أما بالنسبة للصغير الذي يباح له شيء من البعث على ألا يضر بها، فقد جاء في الحديث من حديث أنس وأن له أخاً يقال له: أبو عمير قد حبس طيراً يقال له: النغير، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يمازحه ويقول: ((يا أبا عمير ما فعل النغير)) هذا إذا كان لا يتأذى بحبسه، وأما الكبار فهو ضرب من العبث لا يليق بهم، والطيور منها المأكول فمثل هذا لا يحبس إلا لمأكله، وأما بالنسبة ما لا يؤكل فلا خير في اقتنائه، هذا إذا كان حياً أما إذا كان ميتاً فلا يخلو إما أن يكون مذكى وإما غير مذكى، فإن كان غير مذكى فهو نجس، واجتناب النجاسة واجب، واقتنائه من باب مخالطة النجاسة، وإذا كان مذكى فتذكيته لغير المأكلة أيضاً لا يجوز، وقد نهى عن قتل الحيوان إلا لمأكلة، وعلى كل حال مثل هذه الأمور من الترف التي ينبغي أن يترفع عنها طالب الآخرة.

يقول: ما الفرق بين هذه الكلمات: المجاملة، والمداهنة، والمدارة؟ المجاملة تشترك مع المداهنة ومع المدارة، كل من المداهنة والمدارة مجاملة، والمداهنة تكون بالتنازل عن شيء مما أوجب الله عليك، أو بفعل شيء مما حرمه الله عليك وهذه لا تجوز بحال {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم] أما المدارة فعند الحاجة إليها لا بأس بها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما طرق عليه الباب وعرف الطارق قال: ((بئس أخو العشيرة)) فلما دخل عنده وجلس معه انبسط معه في الكلام، وقيل له في ذلك فقال: ((إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره)) فهذه مدارة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا ترتب عليها تأليف لقلوب بعض الناس تكون مطلوبة حينئذٍٍ. يقول: يعمد بعض النساء عند الخروج من البيت بأن تجمع كفيها وتنفث فيها ببعض الآيات والأدعية التي تعوذ فيها أو التي فيها تعوذ، وتمسح بها على سائر جسدها خشية الإصابة، فهل لهذا العمل أصل من الشرع، ويسمونه تحصين؟ هذا لا أصل له، الوارد إذا أوى الإنسان إلى فراشه نفث في يديه، جمعهما ونفث فيهما بعد قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاثاً، وإذا خشي الإنسان وغلب على ظنه من أناس بأعيانهم يتعوذ بالله من شرهم، وفي السنة ما يدل على ما يقوله، من خاف شراً من أحد. ويقول: ما أحسن شرح لمسلم بعد شرح النووي؟ على كل حال كل شروح مسلم الموجودة لو جمعت ما جاءت شرح واحد من شروح البخاري، ومسلم شرح بسلسلة متتابعة من الشروح بدأت من (المعلم) للمازري، كتاب صغير في ثلاثة أجزاء مطبوع، ثم (إكمال المعلم) للقاضي عياض، ثم (إكمال إكمال المعلم) للأُبي، ثم (مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي، هذا الكتب يكمل بعضها بعضاً، النووي أخذ من الشروح السابقة أخذ من القاضي عياض ومن المازري ومن التحرير للأصفهاني وأكثر من النقل عنه، ولأبي العباس القرطبي مختصر لصحيح مسلم شرحه بشرح نافع جداً اسمه: (المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم) فإذا جمعت هذه الشروح استفاد طالب العلم منها، ويبقى أن هناك إشكالات لا تحلها جميع هذه الشروح. يقول: القبلة المائلة كمنطقة القصيم فمثلاً القبلة هنا جنوب شرق ... جنوب شرق ما تجي، جنوب غرب يا أخي.

فهل يجوز أن يقضي حاجته من جهة الشرق؟ الانحراف الذي يقبل لصحة الصلاة لا يجوز اعتماده لقضاء الحاجة، الانحراف اليسير الذي لا يؤثر في الصلاة لا يكفي للانحراف في قضاء الحاجة. يقول: ما أفضل طبعات تحفة الأحوذي من الطبعات الموجودة؟ قلنا: إن من يحسن قراءة الحروف الفارسية وإن كانت بالعربي فعليه بالطبعة الهندية الأولى، والذي لا يحسن ذلك فعليه بالطبعة السلفية. ما رأيكم بكتاب: (بصائر ذوي التمييز)؟ وإذا عطس الإنسان وهو وحده فهل يحمد الله؟ (بصائر ذوي التمييز) هذا لفيروز أبادي صاحب القاموس، هذا كتاب مهم جداً في خدمة كتاب الله -جل وعلا- في شرح مفرداته وتراكيبه وجمله وأشباهه ونظائره، لا يستغني عنه طالب علم. إذا عطس إنسان وهو وحده نعم يحمد الله -جل وعلا-، فعليه أن يؤدي ما عليه، ولو لم يشمت. يقول: الخبر الوارد في ذكر اسم الله عند إغلاق الباب وإيكاء السقاء ما طريقته؟ وما نوع اللفظ المراد؟ ذكر اسم الله يعني بالتسمية، وهل المراد بالباب باب البيت وإلا باب الشارع أو كلاهما؟ على كل باب يغلق، كل باب يغلق يذكر اسم الله عليه. يريد أن يتحدث عن أقسام الولائم مع الأدلة؟ أقسام الولائم ثمان ذكرها أهل العلم بأدلتها فليرجع إلى كلامهم. يقول: أفتيتم بأن صلاة الجالس تكون بالظهر إيماء مع أن لفظ حديث ابن عمر في البخاري: يومئ برأسه؟ أنا ما أذكر هذا، أنا ما أذكر أني تكلمت في هذا الموضوع. يقول: يذكر عن بعض المشايخ أنه أفاده بأن ترتيل كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعرف إلا عن مالك والأعمش فقط، والبقية على الجادة وهو عدم الترتيل فحبذا تنبه الأخ القارئ إلى هذا؟ لا مانع من ترتيله أبداً، على ألا يسلك به مسلك كلام الله -جل وعلا-، بأن تستعمل فيه قواعد التجويد، أما تحسين الصوت الذي ينشط السامع لا بأس به. يقول: ما صفة النزول إلى السجود هل على اليدين أم على الركبتين؟

هذا المسألة معروفة عند أهل العلم، وفيها حديث أبي هريرة وحديث وائل بن حجر، حديث أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) وحديث وائل: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" وحديث أبي هريرة مرجح عند أهل العلم على حديث وائل لأن له شاهد من حديث ابن عمر كما يقول الحافظ ابن حجر وغيره، وابن القيم يذهب إلى أن حديث أبي هريرة مقلوب انقلب على الراوي، وأنه بدلاً من أن يقول: وليضع ركبتيه قبل يديه، قال: وليضع يديه قبل ركبتيه، ولا قلب ولا إشكال في الحديث وهو أرجح، والمنهي مشابهة البعير في البروك، والبروك هو النزول على الأرض بقوة، فلا يقال: برك البعير إلا إذا أثار الغبار وفرق الحصى، فإذا نزل على الأرض بقوة أثار الغبار وفرق الحصى يقال: برك، أما إذا وضع يديه مجرد وضع قبل ركبتيه يقال له: بروك. ونزل عمر -رضي الله تعالى عنه- لما غضب النبي -عليه الصلاة والسلام- عند الأسئلة المكروهة عنده -عليه الصلاة والسلام-، برك عمر -رضي الله عنه- على ركبتيه بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في البخاري وغيره، فالبروك هو النزول بقوة، فإذا نزل الإنسان بقوة على الأرض وفرق الحصى وأثار الغبار قال: برك، أما مجرد وضع اليدين قبل الركبتين فهذا لا يقال له: بروك بل هو امتثال للأمر النبوي ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) منهم من يرجح حديث وائل في تقديم الركبتين على اليدين؛ لأنه لم أقل أحد فيه ما قيل في حديث أبي هريرة أنه مقلوب، وشيخ الإسلام يرى أن المسألة مسألة وضع، مجرد وضع برفق وهون، فإذا وضع يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه فالأمر لا يختلف سيان، فهو مخير بينهما، وكل إنسان يفعل الأرفق به، شريطة أن يكون نزوله على الأرض برفق، سواء قدم اليدين أو قدم الركبتين، أما إذا قدم اليدين ونزل بقوة برك مثلما يبرك البعير، وإذا قدم الركبتين بقوة ونزل على الأرض بقوة وقدم الركبتين أشبه بورك الحمار، وكلاهما منهي عن التشبه به؛ لأن بعض الناس إذا نزل على الأرض وأكثر ما يكون إذا نزل بالركبتين، إذا نزل بقوة تجد البلاط يتخلخل في المسجد.

يقول: هل يجوز استماع نشيد لمغني مشهور مع العلم أنها بدون موسيقى وهي في مدح بعض أهل العلم ورجال الحسبة؟ مغني يمدح أهل العلم؟! هذا غريب، على كل حال الأناشيد إذا سلمت من الآلات وسلمت ألفاظها من المنع سواء كانت في المدح الزائد والغلو والإطراء، أو الهجاء والذم، أو الفخر، أو التشبيب بالنساء، كل هذا ممنوع شرعاً، لا يجوز سواء كان نثراً أو نظماً، إذا خلا اللفظ من المنع، وأُدي بلحون العرب لا بلحون الأعاجم ولا لحون أهل الفسق وخلا من الآلة فقد أنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: ما حكم الصلاة في صف منقطع بسبب وجود المنبر؟ ما يقطع الصف مثل المنبر، ومثل السواري، ومثل من لا تصح صلاته، من متلبس ببدعة مكفرة، حكمه حكم السواري هذا يقطع الصف، فإن كان لغير حاجة فلا يجوز، وأهل العلم يفتون بالكراهة الشديدة في مثل هذا، يكرهون الصلاة بين السواري، لكن الكراهة تزول بأدنى حاجة، يعني عند أهل العلم إذا وجد حاجة من زحام شديد فلا مانع من الصلاة بين السواري، ومثلها المنبر المسئول عنه. يقول: أنا أعيش في منطقة صغيرة في ليبيا ويعلم الله أني على المنهج السلفي، ولكن عندنا العديد من المخالفين للمنهج السلفي، أي أن شوكتهم -أي نفوذهم- أكبر من شوكتنا، أي أكبر من نفوذنا أي معارفهم كثيرة، وهم متوغلون بين عامة الناس، ومتقربون منهم دائماً يسألونهم في أمور الدين، ويأخذون من الفتوى ونحن نفعل ما في جهدنا للرد عليهم، وبيان بطلان فتاواهم؛ لأنهم ليسوا على المنهج الصحيح، فماذا علنيا؟ هل يتم هجرهم في الله؟ نعم المخالف المبتدع الأصل فيه الهجر، أنه يهجر حتى يرتدع ويرعوي. فإذا تم الهجر سوف يأتي العوام في صفهم ويقولون: أنتم لا تفقهوا شيئاً في الدين، بل أولئك متعلمون أكثر منكم؟

باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء:

على كل حال إذا خشي الإنسان على نفسه، ودار بعض المدارة لعامة الناس بحيث لا يرتكب محظور ولا يترك واجب، تقدم الكلام في المدارة، والمسألة كما يقرر أهل العلم في الهجر والوصل علاج، إذا كان الأنفع والأجدى هو الأصل على ألا يظن بالإنسان الموافقة للمخالف، يعني مع بيان ما هو عليه من حق، فإذا كان الهجر يزيده في شره ويسلطه على الأخيار فمثل هذا يتقى بقدر الإمكان على ألا يفهم منه الموافقة على البدعة، وإلا فالأصل هجر المبتدع. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وبشر بن معاذ العقدي قالا: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد وأنس. قال أبو عيسى: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد، وقال إسحاق: إن ترك التسمية عامداً أعاد الوضوء، وإن كان ناسياً أو متأولاً أجزأه، قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن. قال أبو عيسى: ورباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها وأبوها: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ثفال المري اسمه: ثمامة بن حصين، ورباح بن عبد الرحمن هو أبو بكر بن حويطب، منهم من روى هذا الحديث فقال: عن أبي بكر بن حويطب فنسبه إلى جده. حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال: حدثنا يزيد بن هارون عن يزيد بن عياض عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته بنت سعيد بن زيد عن أبيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء" يعني قول: بسم الله، في بدايته يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا نصر بن علي بن نصر الجهضمي" ثقة ثبت، توفي سنة خمسين ومائتين "وبشر بن معاذ البصري" الضرير العقدي أبو سهل صدوق من العاشرة "قالا: حدثنا بشر بن المفضل" بن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت، عابد من الثامنة "عن عبد الرحمن بن حرملة" بن عمر الأسلمي، صدوق ربما أخطأ "عن أبي ثفال المري" ثمامة بن وائل بن حصين مشهور بكنيته مقبول من الخامسة، وقال البخاري: في حديثه نظر، مختلف في تضعيفه وتقويته، ولذا اختار الحافظ أنه مقبول والعادة أن من يصفه بأنه مقبول يكون فيه كلام كثير لأهل العلم، يختلف فيه اختلافاً كثيراً، وإن لم يكن مكثراًَ من الرواية، مقل من الرواية وليس في حديثه ما يترك حديثه من أجله، لكن قبوله يحتاج إلى متابع فإن توبع فمقبول وإلا فلين، يقول الإمام البخاري: في حديثه نظر، وهذا جرح شديد، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عفيف اللسان في الجرح، عفيف جداً، قد يكذبه ابن معين وأبو حاتم وجمع من أهل العلم ثم يقول البخاري: في حديثه نظر، أو فيه نظر، فهذا جرح شديد عند الإمام البخاري، وهو عند غيره غمز يسير، وليس بشديد، وعلى هذا إذا قيل في الراوي: فيه أو في حديثه نظر فإنه شديد الضعف عند الإمام البخاري.

"عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب" المدني، مقبول أيضاً "عن جدته" أسماء بنت سعيد بن زيد بن نفيل، أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، يقال: إن لها صحبة، يعني قال بعض أهل العلم: إنها صحابية، وذكرها الحافظ الذهبي في المجهولات من النساء "عن أبيها" زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة "قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الأصل قالت وإلا قال؟ قال؛ لأنها تروي عن أبيها ويش عندك؟ ويش عندك؟ نعم حتى في طبعة الشيخ أحمد شاكر مع أنه من أهل التحري والعناية يقول: قالت مع أنها تروي عن أبيه، فالأصل أن يقال: قال، والفاعل ضمير مستتر يعود إلى مذكر لا يجوز تأنيثه بحال "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) " هذا الحديث لو صح لكان نص على أن التسمية ركن أو شرط من شروط الضوء، كما أنها شرط لصحة التذكية، التسمية شرط لصحة التذكية، فلو صح مثل هذا الحديث لما صح الوضوء إلا بالتسمية، لكن الكلام في الحديث كثير، ولذا الجمهور على عدم وجوبها، ومنهم من يقدر على تقدير ثبوته: لا وضوء كامل، فإذا قدرنا: لا وضوء كامل فلا تشترط التسمية، ولا تكون ركناً من أركان الوضوء، وعلى كل حال لو صح لكان الظاهر من اللفظ الاشتراط، لكان الظاهر من اللفظ الاشتراط، لكن الخبر فيه كلام كثير لأهل العلم، ومر بنا ما في بعض رواته من الضعف. قال الترمذي: "وفي الباب عن عائشة" أخرجه البزار وابن أبي شيبة وابن عدي بسند ضعيف "وأبي سيعد" عند أحمد والدارمي وابن ماجه "وأبي هريرة" عند أحمد وابن ماجه والترمذي في العلل والدارقطني والحاكم، لكنه ضعيف "وسهل بن سعد" عند ابن ماجه والطبراني "وأنس" عند ابن حبيب عبد الملك بن حبيب في مصنفه، وكلها ضعيفة، يعني جميع ما جاء في الباب لا يثبت بمفرده، جميع الأحاديث الواردة في الباب على كثرتها لا تثبت بمفردها، لكن بمجموعها ولكثرتها يرى بعض أهل العلم أنها لكثرتها تدل على أن للتسمية أصلاً يرجع إليه، ويركن إليه، ويؤنس به.

"قال أبو عيسى: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد" والإمام أحمد يتحدث عن مفردات هذه الأحاديث، وقال البزار: كل ما روي في هذا الباب فليس بقوي، وقال ابن حجر الظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن لها أصلاً، يعني كلام أحمد والبزار نظر إلى المفردات، مفردات هذه الأحاديث، وأنه لا يوجد واحد منها يثبت بنفسه، وكلام ابن حجر يقويها مجتمعة، فاجتماعها وكثرتها تدل على أن لها أصل. "وقال إسحاق: إن ترك التسمية عامداً أعاد الوضوء، وإن كان ناسياً أو متأولاً أجزأه" تركه متعمداً أعاد الوضوء، وإن تركها ناسياً أو متأولاً أجزأه.

قول إسحاق بناءً على أن التسمية ركن وإلا شرط وإلا واجبة؟ واجبة، إذ لو كانت ركناً أو شرطاً ما عذر فيها الناسي، فدل على وجوبها عنده، ولو كانت مستحبة لما أمر بالإعادة بالنسبة للذاكر فهي عنده واجبة ليست بركن ولا شرط، وليست مستحبة فقط، وهذا قول الظاهرية وأحدى الروايتين عن أحمد القول بوجوبها، يوجبونها على العامد دون الناسي، وذهبت الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنها سنة، ذهب جمهور أهل العلم الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنها سنة وليست بواجبة، واحتج لهم بحديث: ((من توضأ وذكر اسم الله كان طهور لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهور لأعضاء وضوئه)) لكنه حديث ضعيف جداً، رواه الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر بسند فيه متروك، فلا يثبت به حكم، عرفنا من يقول بالوجوب أحمد وإسحاق وقول أهل الظاهر والأئمة الثلاثة على استحبابها، موقف الأئمة من حديث الباب، الذي لا يثبت الحدي لا يقول بوجوبها، والذي يثبت الحديث قد يقول بوجوبها، وقد يقول باستحبابها، كيف يقول بوجوبها مع ثبوت ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه))؟ والأصل أن مثل هذا النفي مثل ((إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) أما بالنسبة للحنفية فالقاعدة عندهم أن الزيادة على النص نسخ، يعني لو ثبت الحديث عندهم فهو زيادة على النص في كتاب الله؛ لأنه ليس فيه ذكر للتسمية، فيه ذكر الفروض الأربعة، وليس فيه ذكر للتسمية فهو زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ عندهم، والآحاد لا ينسخ القرآن لأنه قطعي، هذا بالنسبة للحنفية، بالنسبة للشافعية والمالكية، إذا اثبتوا الحديث فإما أن يقولوا: لا وضوء كامل وهنا يتجه القول بالسنية أو يقول: إن الحديث لا يثبت والاستحباب إنما هو مجرد استرواح للخروج من الخلاف، خشية أن يثبت الخبر، بعض أهل العلم يميل إلى أنه إذا لم يثبت الخبر الموجب فأقل الأحوال أن يقال بالسنية خروجاً من الخلاف، وعلى كل حال الحديث فيه كلام طويل لأهل العلم، والإمام البخاري يقول فيما نقله الترمذي عنه "قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن" أي الذي تقدم حديث الباب، وقال أحمد

وإسحاق: أصح حديث في التسمية حديث أبي سعيد، حديث أبي سعيد مخرج عند أحمد والدارمي وابن ماجه على ما تقدمت الإشارة إليه. "قال أبو عيسى: ورباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها وأبوها: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ثفال المري اسمه: ثمامة بن حصين" نسبه المؤلف لجده وإلا فهو ثمامة بن وائل بن حصين "ورباح بن عبد الرحمن هو أبو بكر بن حويطب، منهم من روى هذا الحديث فقال: عن أبي بكر بن حويطب فنسبه إلى جده" يعني جد أبيه وإلا فهو رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، فنسبته إلى جد أبيه. قال -رحمه الله-: "حدثنا الحسن بن علي -بن محمد الهذلي- الحلواني" أبو علي الخلال ثقة حافظ، توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين "قال: حدثنا يزيد بن هارون" بن زاذان السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة متقن، توفي سنة ست مائتين، فعندنا الحسن بن الحلواني ثقة حافظ، ويزيد بن هارون ثقة أيضاً "عن يزيد بن عياض" الليثي أبو الحكم المدني كذبه مالك "عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته بنت سعيد بن زيد عن أبيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله". فهذه متابعة من يزيد بن عياض لمن؟ لعبد الرحمن بن حرملة، نعم يزيد بن عياض يتابع عبد الرحمن بن حرملة، لكن متابعته لا تغني شيئاً، ولا تجدي في هذا الباب؛ لأن ضعفه شديد كذبه مالك، فمثل هذا لا يستفاد من متابعته التقوية، كما هو معروف عند أهل العلم.

يقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: قال علمائنا: إن المراد بهذا الحديث: ((لا وضوء لمن لم يذكر الله اسم الله عليه)) يقول ابن العربي: قال علمائنا: إن المراد بهذا الحديث النية، وليس المراد به التسمية؛ لأن الذكر لمن لم يذكر؛ لأن الذكر يضاد النسيان، والشيئان إنما يتضادان بالمحل الواحد، فمحل النسيان والذكر متفاوت في القلب وذكر القلب هو النية، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ لمن لم يذكر اسم الله عليه ظاهر اللفظ، هو الذي فهمه عامة أهل العلم أن المراد التسمية {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [(121) سورة الأنعام] يعني الذي ما يقال فيه: بسم الله، هذا الظاهر من اللفظ ولم يختلفوا في وجوب التسمية في التذكية، ولم يقل أحد: إن النية تكفي؛ لأن الذكر يضاد النسيان، نعم النية شرط لصحة الوضوء إلا ما يذكر عن أبي حنيفة أنها ليست بشرط، ويشترطها في التيمم دون الوضوء، النية شرط لصحة الوضوء لحديث: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) ودخل في ذلك جميع أبواب الدين.

يقول ابن العربي: يقول علمائنا: إن المراد بهذا الحديث النية؛ لأن الذكر يضاد النسيان والشيئان إنما يتضادان بالشيء الواحد فمحل الذكر والنسيان متفاوت في القلب، وذكر القلب هو النية، يريد أن يخرج الحديث على معنى له ما يشهد له من الأحاديث الصحيحة، وهو حديث: الأعمال بالنيات، فكثرة طرق والأحاديث في هذا الباب هي أحاديث لأنها مروية عن جمع من الصحابة كثرتها تدل على أن لها أصلاً، فابن العربي يريد أن يوجه هذه الأحاديث الواردة في الباب مع ما لا يتعارض مع مذهبه الذي لا يوجب التسمية، الذي لا يوجب التسمية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك فيرى ابن العربي أن التسمية كما أنها لا تجب أيضاً لا تستحب، لماذا؟ لأن النص الذي يثبت به الاستحباب هو النص الذي يثبت به الوجوب، فإذا لم نثبته دليلاً على الوجوب حينئذٍ لا يثبت دليلاً على الاستحباب، يعني هل يمكن أن يكون نص واحد يثبت أو لا يثبت؟ أو يستدل به ولا يستدل به في آن واحد؟ هو ما يرى مثل هذا الكلام، يعني إذا لم نقل بوجوب التسمية لثبوت الخبر، فإذا لم نثبت الخبر دليلاً على الوجوب فإننا لا نثبته دليلاً على الاستحباب لأن المناط واحد، المتعلق واحد، الجهة واحدة غير منفكة، يعني ما يكون جهة إثبات وجهة نفي والمناط واحد ما يمكن، لكن الذين قالوا بالاستحباب قالوا: الخروج من الخلاف خشية أن يثبت دليل المخالف مع أن من لم يذكر اسم الله عليه وضوؤه صحيح، فإذا ذكر وسمى الله -جل وعلا- على وضوئه ما تضرر، فإن ثبت الخبر فبها ونعمت وإن لم يثبت فإنه حينئذٍٍ لا يتضرر، لكن القول بالاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بما يثبت به الوجوب، حينما يقال: هذا الحديث إن لم يدل على الوجوب فأقل ما يستدل به على الاستحباب، يعني التنظير المطابق لمثل هذا القراءة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بأسانيد صحيحة لكنها خارجة عن المصحف، هي لا تثبت قرآن، لكن هل يجب العمل بها أو لا يجب؟ هي ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذا تأملنا في التطبيق، يعني في التنظير في هذه المسألة على المسألة التي معنا بان لنا الوجه الذي ذهب إليه ابن العربي، ابن العربي يقول: إذا نفينا الحديث ننفيه بالكلية، إيش معنى ننفيه من

جهة ونثبته من جهة؟ لأن المتعلق واحد هو الثبوت، فإن ثبت دل على الوجوب وإلا فلا، لا وجوب ولا استحباب، هذه القراءة التي ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بأسانيد صحيحة وقرأ بها بعض الصحابة مما لم يثبت في مصحف عثمان، هي لا تثبت قرآن ولا تصح الصلاة بها، لكن هل يعمل بمقتضاها "صيام ثلاثة أيام متتابعة"، "فقطعوا أيمانهما"؟ يجب العمل بهذا القراءة ونحن لا نثبتها قرآن؟ يعني مرد المسألتين هو الثبوت وعدمه، فإن أثبتنا رتبنا جميع ما يتعلق بالثبوت، وإذا نفينا الثبوت نفينا جميع ما يتعلق بالثبوت، فمن أهل العلم من يقول: إذا لم تثبت قرآن لا يستدل بها لأننا لا يمكن أن نحكم بأنه ثابت من وجه غير ثابت من وجه الثبوت جهة واحدة، فلا نعمل بالقراءة إذا لم نثبتها قرآن هي ما ذكرت على أساس أنها خبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأخبار النبوية إنما رويت على أنها قرآن ولو لم نثبتها قرآن، هذه حجة من يقول: لا يستدل بها ولا يحتج بها، ومن يقول: إنه يحتج بها ويستدل بها يقول: لم نثبتها قرآن؛ لأنه يطلب لثبوت القرآن أكثر مما يطلب لثبوت السنة، فأقل الأحوال إذا لم تثبت قرآن وأسانيدها صحيحة أقل الأحوال أن تكون في حكم الخبر النبوي، والحكم الشرعي يثبت بالحديث النبوي وبالقراءة التي لا تثبت على أنها قرآن، بعد هذا التنظير نعود إلى كلام ابن العربي ابن العربي يقول: إذا لم نثبت الوجوب لأننا لا نثبت هذه الأحاديث فالاستحباب أخ الوجوب، الاستحباب أخ الوجوب، وكلاهما يحتاج إلى دليل، والاستحباب والوجوب من الأحكام الشرعية، والأحكام لا تثبت بالضعيف، عامة أهل العلم على أن الأحكام لا تثبت إلا بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، سواء كان صحيحاً أو حسناً، أما الضعيف فلا يثبت به حكم شرعي، يثبتون به الفضائل، الجمهور يثبتون بالضعيف الفضائل، وقد يقول قائل: إن هذه فضائل، فإذا قلنا: إن مثل التسمية فضيلة من الفضائل، وأنها تندرج تحت أصل عام، والضعف ليس بشديد، وعند العمل بها لا يعتقد الثبوت وإنما يعتقد الاحتياط هذه يشترطها أهل العلم للعمل بالضعيف في الفضائل، وقالوا: إن التسمية من الفضائل، لكن إذا قلنا: إن التسمية من الفضائل، وقلنا

باستحبابها أتينا على أصل الجمهور بالنقض، لماذا؟ لأن الضعيف لا يثبت به أحكام، والاستحباب حكم شرعي اتفاقاً، ولهذا يذهب جمعٌ من أهل التحقيق أنه لا يثبت بالضعيف ولا الفضائل؛ لأن مؤدى الفضيلة إثبات أجراً مرتب على هذه الفضيلة، وإذا ترتب الأجر على الفعل ولم يترتب الإثم على الترك فهذه حقيقة المستحب، والمستحب والمسنون والمندوب مترادفة لحكم شرعي، وهو ما طلبه الشرع لا على سبيل الإلزام والإيجاب. قال: وكما لا تجب كذلك لا تستحب، وقد سئل مالك عن ذلك، سئل مالك عن التسمية على الوضوء، فقال: أتريد أن تذبح؟ إشارة إلى أن التسمية إنما هي مشروعة عند الذبح، لكن التسمية مشروعة عند الذبح وغير الذبح، عند دخول المنزل، وعند إغلاق الباب، وعند الأكل، وعند الشرب، مشروع في كثير من الأعمال، فليست خاصة بالذبح ليقال: أتريد أن تذبح؟ على كل حال سمعنا ما في الحديث من ضعف وأن جميع ما في الباب لا يثبت به حكم بمفرداته وإن كان مجموع الأحاديث لكثرتها تدل على أن لهذه المسألة أصلاً يجعل لمن قال بالوجوب أو الاستحباب وجه.

الشيخ: أحمد شاكر -رحمه الله- بعدما سمعنا في كلام أهل العلم في أبي ثفال وقول البخاري: في حديثه نظر، الشيخ -رحمه الله- يقول: إسناد حديث الباب وهو حديث سعيد بن زيد إسناد جيد حسن، فأبو ثفال المري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: في القلب من حديثه هذا، فإنه اختلف فيه عليه، ورباح بن عبد الرحمن قاضي المدينة ذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين، وجدته هي أسماء بنت سعيد بن زيد، قال الحافظ في التلخيص: قد ذكرت في الصحابة وإن لم يثبت لها صحبة فمثلها لا يسأل عن حالها، مثلها لا يسأل عن حالها يعني هي مختلف في صحبتها أو هي من كبار التابعين، وبنت سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة فمثلها يعني تميل النفس إلى أنها ثقة، بل زاد الحافظ فقال: إن مثلها لا يسأل عن حالها، وقولهم في الراوي: فلان لا يسأل عن مثله في أعلى درجات التوثيق، لكن هل يلزم من كون المرء ذكراً كان أو أنثى نشأ في بيت صالح أن يكون ثقة؟ لا، المسألة مترددة بين كونها صحابية أو من كبار التابعين الذين قرر ابن الصلاح أنهم من الذين تقادم العهد بهم، وأنهم في القرون المفضلة، فمثلهم لو قيل بتوثيقهم لما بعد، وارتفاع الجهالة عنهم بذلك، وإلا فالحافظ الذهبي عدها في المجهولات من النساء.

باب: ما جاء في المضمضة والاستنشاق:

يقول: وإن لم يثبت لها صحبة فمثلها لا يسأل عن حالها، وقال أيضاً بعد تخريج ما ورد في الباب من الأحاديث: والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله؛ لأنه نظر إلى المجموع، وعلى كل حال المسألة مثل ما ترون فيها الخلاف القوي، فمن ضعف نظر إلى المفردات، ومن أثبت نظر إلى المجموع، وأما المتابع يزيد بن عياض فهو ضعيف جداً كذبه مالك، ورماه مالك وابن معين وغيرهما بالكذب، يقول أحمد شاكر: وكان الأجدر بالترمذي أن يدع رواية حديثه، وقد سبق أن رواه بإسناد جيد؛ لأن عبد الرحمن بن حرملة راوي الإسناد الأول ثقة فلا حاجة للانتقال بعده إلى راوٍ أخر غير ثقة، يعني وجوده مثل عدمه، الراوي شديد الضعف لا يستفاد منه شيء، لا إثبات أصل ولا تقوية، وعلى كل حال من ذكر التسمية وسمى من باب الاحتياط لا يلام خروجاً من خلاف الأئمة، نعم. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في المضمضة والاستنشاق: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حماد بن زيد وجرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأت فانتثر، وإذا استجمرت فأوتر)). قال: وفي الباب عن عثمان ولقيط بن صبرة وابن عباس والمقدام بن معدي كرب ووائل بن حجر وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح، واختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق، فقالت طائفة منهم: إذا تركها في الوضوء حتى صلى أعاد الصلاة، ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء، وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال أحمد: الاستنشاق أوكد من المضمضة. قال أبو عيسى: وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء، وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة، وقالت طائفة: لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة لأنهما سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا تجب الإعادة على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة، وهو قول مالك والشافعي في آخرة.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المضمضة والاستنشاق" المضمضة في اللغة التحريك، ويراد بها وضع الماء في الفم وتحركيه، وهل المج من مسماها من مسمى المضمضة؟ مسألة خلافية، يعني الأصل في المضمضة أنها وضع الماء في الفم، وإدارة هذا الماء، وتحريكه في الفم، لكن هل من مسمى المضمضة مج الماء وإخراجه من الفم أو يكفي في المضمضة أن يوضع الماء ويحرك في الفم بحيث لو ابتلعه المتوضأ سمي متمضمضاً أو لا؟ خلاف بين أهل اللغة، يعني هل من مسماها المج أو ليس مسماها؟ فعلى القول بأنه من مسمى المضمضة لا تتم المضمضة إلا إذا مج الماء، وإذا قلنا: إنه ليس من مسماها قلنا: إنه إذا ابتلعه كفى، إذا وضعه في فمه وحركه ثم ابتلعه يكفيه. والاستنشاق: هو إدخال الماء في الأنف بالنفس جذبه إلى داخل الأنف بالنفس، والاستنثار: إخراجه من الأنف بالنفس كذلك، فلا بد من إدخال الماء، وبعض الناس لا يتأكد من هذا، بل بعض الناس مجرد ما يضع الماء على طرف أنفه يظن أنه استنشق، وهذا لا يكفي، حتى يبالغ في الاستنشاق الذي جاء به الأمر في حديث لقيط بن صبرة: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)). قال -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المضمضة والاستنشاق"

قال: "حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حماد بن زيد" وكلاهما تقدم "وجرير" هو ابن عبد الحميد بن قرط الظبي الكوفي، نزيل الري، ثقة، توفي سنة ثمان وثمانين ومائة "عن منصور" بن المعتمر، ثقة ثبت، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة "عن هلال بن يساف" يَساف ويِساف بفتح الياء وكسرها، وبالهمز إساف، الأشجعي مولاهم، ثقة، من أوساط التابعين "عن سلمة بن قيس" الأشجعي صحابي سكن الكوفة "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأت فانتثر)) " الانتثار الأصل فيه إخراج الماء بعد الاستنشاق، الانتثار هو من نثر الماء وإخراجه من الأنف بعد الاستنشاق، لكن منهم من يرى أن الانتثار هو الاستنشاق، فيقول ابن العربي: الانتثار هو إدخال الماء في الأنف مأخوذ من النثرة وهو الأنف، يعني إذا أخذناه من النثرة قلنا: هو الاستنشاق، وإذا أخذناه من النثر فهو إخراج الماء لا إدخاله، ((إذا توضأت فانتثر)) وهذا أمر ((وإذا استجمرت فأوتر)) يعني إذا استعملت الجمار وهي الحجارة الصغيرة في الاستنجاء فأوتر يعني اقطعه على وتر على ألا يقل العدد عن ثلاث كما تقدم في حديث سلمان، فإذا أنقى بالثلاث فبها ونعمت، وإذا احتاج إلى رابعة فليوتر بخامسة امتثالاً لهذا الأمر ((وإذا استجمرت فأوتر)) وهذا هو الظاهر من لفظ الحديث، وعلى هذا فهمه عامة أهل العلم، وقال بعضهم: إذا استجمرت إذا استعملت المجمرة في الطيب فأوتر، يعني تطيب منها ثلاثاً، لكن هذا بعيد، فهم بعيد، وليس هو الظاهر من لفظ الخبر، ففي الحديث الأمر بالانتثار، ولا يكون إلا بعد الاستنشاق إن لم يكن هو الاستنشاق على قول ابن العربي وغيره. "قال: وفي الباب عن عثمان" متفق عليه "ولقيط بن صبرة" رواه أحمد والأربعة "وابن عباس" عند أبي داود وابن ماجه "والمقدام بن معد كرب" عند أبي داود "وائل بن حجر" عند الطبراني في الكبير والبزار "وأبي هريرة" عند الشيخين، متفق عليه.

"قال أبو عيسى: حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند النسائي "واختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق، فقالت طائفة منهم: إذا تركهما -يعني المضمضة والاستنشاق- في الوضوء حتى صلى أعاد الصلاة" يعيد الصلاة؛ لأن وضوءه ناقص "ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء، وبه يقول ابن أبي ليلى" يعني المضمضة والاستنشاق واجبان معاً، المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى في الوضوء والغسل "وبهذا يقول ابن أبي ليلى" ابن أبي ليلى عندنا مجموعة مترجم لهم منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة متقن من رواة الصحيح، ومنهم ابنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى مضعف في الحديث، فأيهما المراد؟ يعني في كتب الفقه التي تذكر المذاهب لا تخلو مسألة عن ذكر لابن أبي ليلى ولا يسمونه، وبهذا يقول: ابن أبي ليلى وفلان وفلان وفلان كما عندنا، وقد بحث فقه ابن أبي ليلي في رسالة -رسالة دكتوراه- لكنه أشكل على الباحث تعيين أبي ليلى؛ لأن في أكثر من واحد ابن أبي ليلى، فعبد الرحمن الأب ثقة متقن من رجال الكتب، من رجال الصحيحين وغيرهما، وابنه محمد رمي بسوء الحفظ، فأيهما المقصود؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الابن وإلا الأب؟ طالب:. . . . . . . . . الغالب الأب لأنه ثقة. طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب: أقول: في الفقه الابن.

الابن، يقول النووي والذي حل الإشكال يقول في شرح مسلم: وابن أبي ليلى -لما تكلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الحافظ الثقة المتقن المحدث المشهور- قال: وابن أبي ليلى الذي يدور اسمه كثيراً عند الفقهاء هو ابنه محمد، القاضي الفقيه، الفقيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وليس الأب، وانتم مر بكم من الفقهاء الكبار من لا تقبل روايته، من القراء الكبار من تكلم في حفظه كما تقدم لنا في عاصم بن أبي النجود، فلا يدل هذا على الضعف المطلق، نعم قد تكون الحافظة عند بعض الناس أقل من الفهم، وبعض الناس الحافظة عنده أقوى من الفهم، وهذا يغلب عليه الرواية وذلك تغلب عليه الدراية، وكل يستفاد منه في فنه، وإذا جمع الله للإنسان الأمرين معاً الحفظ والفهم نعمة، إن استغلت فيما يرضي الله -جل وعلا- فهذا شكرها، وإن لم تستغل فكم في أسواق المسلمين من العباقرة الذين لم يستفيدوا من ذكائهم لا في دينهم ولا دنياهم، تجدهم من أكثر الناس حيل ونصب، وحيل تدل على دهاء، لكن ما الفائدة تجدهم أفقر الناس، المقصود أن الحفظ مع الفهم نعمة من نعم الله وهما بعد الإخلاص لله -جل وعلا- وسلوك الطريق والجادة هما من أقوى ما يعين على التحصيل. "وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك" الإمام المجاهد المعروف الذي جمعت له أبواب الخير "وأحمد -بن حنبل- وإسحاق" بن إبراهيم الحنظلي، المعروف بن راهويه، واستدلوا بحديث الباب: ((إذا توضأت فانتثر)) لكنه يدل على الاستنشاق دون المضمضة، والمضمضة جاء ما يدل عليها: ((إذا توضأت فمضمض)). "وقال أحمد: الاستنشاق أوكد من المضمضة" نعم لأن الوارد فيه من النصوص أكثر مما ورد في المضمضة، ولو لم يكن فيه إلا حديث: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)).

"قال أبو عيسى: وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء، وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة" وهو قول أبي حنفية ومن تبعه فعندهم أنهما واجبتان في الغسل دون الوضوء لحديث: ((توضأ كما أمرك الله)) فأحاله على الآية، وليس في الآية ذكر المضمضة والاستنشاق، وأيضاً الغسل يطلب فيه الاستيعاب دون الوضوء، الغسل يطلب فيه استيعاب البدن وهما من البدن دون الوضوء، فأوجبا في الغسل دون الوضوء هذا عندهم، كون المضمضة والاستنشاق لم يذكرا في آية المائدة هل يدل هذا على عدم الوجوب؟ وفي الحديث: ((توضأ كما أمرك الله)) فأحاله على الآية، الآية ليس فيها تنصيص على المضمضة والاستنشاق، لكن الخلاف في فهم الآية بين أهل العلم كل منهما، كل منهم يستدل بالآية لمذهبه، فالذي يقول: بالوجوب -بوجوب المضمضة والاستنشاق- يقول: إن الفم والأنف من مسمى الوجه الذي جاء الأمر بغسله، من مسمى الوجه الذي جاء الأمر بغسله، والذي يقول: لا يجب لا مضمضة ولا استنشاق يقول: ليس من مسمى الوجه؛ لأنهما لا تحصل بهما المواجهة، فإذا أردت أن تواجه مخلوقاً من المخلوقين هل تفغر فاك لمواجهته ليكون الفم من مسمى المواجهة؟ هذه حجة من يقول: إن المضمضة والاستنشاق لا تدخلان في الآية، وعلى كل حال جاء ما يدل على وجوبهما من السنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على المضمضة والاستنشاق، وكل من وصف وضوءه -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه تمضمض واستنشق، وهذا بيان للمجمل المأمور به في الآية. "وقالت طائفة: لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة لأنهما سنة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا تجب الإعادة على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة، وهو قول مالك في آخرة" يعني في آخر أمره. قال الشارح: ليس لهذا الطائفة دليل صحيح، وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار قاله في النيل. ابن العربي يقول: اختلف العلماء في المضمضة والاستنشاق في الطهرين على أربعة أقوال: الأول: أنهما سنتان في الطهارتين، قاله مالك والشافعي والأوزاعي وربيعة. والثاني: أنهما واجبتان فيهما قاله أحمد وإسحاق.

باب: المضمضة والاستنشاق من كف واحد:

والثالث: أن الاستنشاق واجب والمضمضة سنة قاله أبو ثور. والرابع: أنهما واجبتان في الغسل سنتان في الوضوء قاله الثوري وأبو حنيفة، وعلى كل حال المتجه القول بالوجوب لورود الأمر بهما؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه أنه توضأ دون مضمضة واستنشاق، وفعله -عليه الصلاة والسلام- بيان للمجمل في آية الوضوء، نعم. عفا الله عنك. باب: المضمضة والاستنشاق من كف واحد: حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي قال: حدثنا خالد بن عبد الله عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثاً". قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن عباس. قال أبو عيسى: وحديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب، وقد روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو بن يحيى ولم يذكروا هذا الحرف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وخالد بن عبد الله ثقة حافظ عند أهل الحديث، وقال بعض أهل العلم: المضمضة والاستنشاق من كف واحد يجزئ، وقال بعضهم: تفريقهما أحب إلينا، وقال الشافعي: إن جمعهما في كف واحد فهو جائز، وإن فرقهما فهو أحب إلينا. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة" أو كف واحد، جاء بهذا وهذا، والكف يذكر ويؤنث كما قال أبو حاتم، يذكر ويؤنث كما ذكر ذلك أبو حاتم، ومن أبو حاتم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ الرازي؟ أبو حاتم الرازي؟ هذا قصدك؟ طالب:. . . . . . . . . غيره. طالب:. . . . . . . . . أبو حاتم بن حبان، غيره. طالب:. . . . . . . . .

كل يرجع إليه في فنه، هل هذا من اهتمام أبي حاتم الرازي؟ هل هذا من اهتمام أبي حاتم بن حبان؟ هذا أبو حاتم السجستاني من كبار الأئمة في اللغة، يعني كما ينقل في كتب اللغة كثير كثير يمكن في كل صفحة من صفحات لسان العرب وغيره "قال الليث" الليث من؟ ابن سعد هذا اهتمام ابن سعد؟! لا بد من التحري في مثل هذه الأمور والانتباه لها، يعني واحد ممن يزعم التخصص في السنة مثلاً يقرأ في فتح الباري مثلاً، وفي كل حديث مثلاً يقول الحافظ: رواية أبي ذر، قال أبو ذر، والذي في رواية أبي ذر، ثم يأتي مستغرباً يقول: الذي كنا نحفظه أن أبا هريرة هو أحفظ الصحابة، لكن لما قرأنا في فتح الباري رأينا أن أبا ذر أحفظ بكثير من أبي هريرة، مثل واحد يعلق على صحيح البخاري: قال أبو موسى: "والهرج القتل بلسان الحبشة" فترجم لأبي موسى المديني المتوفي سنة خمسمائة وأربعين، هذا جهل، فلا بد أن ينظر للإنسان وما يحسنه وما يتقنه، قال الليث في لسان العرب وفي كل صفحة نقول: الليث بن سعد؟ أو هنا أبو حاتم الرازي أو غيره قال أبو موسى: ترجم لأبي موسى المديني بعد البخاري بثلاثمائة سنة، والخبر في البخاري وأبو موسى المراد به الراوي أبو موسى الأشعري راوي الحديث، وهنا أبو حاتم السجستاني والليث بن المضفر إمام من أئمة اللغة، فلا بد من الانتباه لمثل هذه الأمور وإلا يقع الإنسان في الخطأ المضحك، ويتكايس بعضهم يقول في تعريف لغوي في مسألة يقول: إن لم يكن ابن سعد فلا أدي من هو؟ نعم لا تدري من هو.

قال: "حدثنا يحيى بن موسى" بن عبد ربه الحداني البلخي أبو زكريا لقبه: خت، قد يخلط بعض القراء من مبتدئي الطلبة فيقول: خت هذه لعل المراد خرج له البخاري تعليقاً كما هي رمز لتحفة الأشراف، وأيضاً كتب الرجال إذا خرج البخاري لراوي تعليقاً علم عليه بالعلامة هذه، "خ، ت" خت، وهو لقبه: خت، ثقة مأمون، توفي سنة أربعين ومائتين "قال: حدثنا إبراهيم بن موسى" بن يزيد التميمي أبو إسحاق الفراء الحافظ "الرازي" المتوفى سنة عشرين ومائتين "قال: حدثنا خالد بن عبد الله" بن عبد الرحمن مولاهم الواسطي الطحان، ثقة ثبت "عن عمرو بن يحيى" بن عمارة بن أبي حسن المازني، سبط عبد الله بن زيد، ثقة "عن أبيه" يحيى بن عمارة "عن عبد الله بن زيد" عن عاصم، عبد الله بن زيد عن عاصم راوي حديث الوضوء، ويروي أحاديث أخرى غير حديث الوضوء، لكنه يختلف عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الآذان، راوي قصة الآذان يختلف عنه، وإن وهم سفيان بن عيينة فجعلهما واحداً، ورد عليه، رد عليه الإمام البخاري في صحيحه وغيره، فهما اثنان عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الوضوء، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الآذان "قال عبد الله بن زيد: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد" ولو قرأنا تعليق الشيخ على هذه الجملة يقول الشيخ: في جميع الأصول واحد بالتذكير إلا في (ب) يعني بولاق، فإن فيها واحدة بالتأنيث، وأخشى أن يكون هذا من تصرف المصححين في مطبعة بولاق، ومن المستغرب أن عنوان الباب في كل النسخ بما فيها (ب) التي هي بولاق "من كف واحد" بالتذكير، والكف يذكر ويؤنث كما نقله في عون المعبود عن أبي حاتم السجستاني، ونقل السيد مرتضى في شرح -يعني الزبيدي- في شرح القاموس عن شيخه ابن الطيب الفاسي قال: هي مؤنثة، وتذكيرها غلط غير معروف، وإن جوزه بعضهم تأويلاً، وقال بعض: هي لغة قليلة، فالصواب أنه لا يعرف، وما لم يعرفه ابن الطيب عرفه غيره والعبرة بالأصول الصحيحة، وأطال في تقرير هذه المسألة، وأن الكف يذكر ويؤنث "قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثاً" قال النووي: فيه حجة صريحة للمذهب الصحيح المختار أن

السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون ثلاث غرفات، يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها، وقال الحافظ في الفتح: وهو صريحٌ في الجمع في كل مرة. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن عباس" وهو مخرج عند البخاري والنسائي، ورواه الدارمي وابن حبان والحاكم بإسناد جيد.

"قال أبو عيسى: وحديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب" حديث عبد الله بن زيد مخرج في الصحيحين، وفيه ما ذكره المؤلف -رحمه الله- فكيف يقول: حديث حسن غريب والحديث مخرج في الصحيحين؟ على كل حال المؤلف ليس بملزم بتقليد أحد، يعني لا يعني أن الحديث في الصحيحين أن الترمذي ملزم بتقليد البخاري أو مسلم، لا هو يقرر بما يعتقد ويدين الله به، يقول: حديث حسن وغريب، وسبب الحكم عليه بالغرابة لأنه تفرد بالزيادة خالد بن عبد الله الطحان "وقد روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو بن يحيى ولم يذكروا هذا الحرف" أي هذا اللفظ "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد" هذا الحرف يعني هذه الجملة التي تفرد بها خالد بن عبد الله قال: "وإنما ذكره خالد بن عبد الله عن الطحان، وخالد بن عبد الله ثقة حافظ عند أهل الحديث" يعني ممن يحتمل تفره، فالزيادة مقبولة من مثله، الزيادة من مثله مقبولة، يقول ابن العربي: إذا تفرد الحافظ بزيادة فهي مسألة من أصول الفقه والصحيح قبولها، ووجوب العمل بها كما بيناه هناك، يعني في كتابه في أصول الفقه، وانظر تفصيل القول في ذلك في اختصار علوم الحديث لابن كثير وشرحنا عليه، وإنما استغرب الترمذي هذا الحديث لزيادة خالد هذا الحرف، والغرابة لا تنافي الصحة كما هو معروف في علم المصطلح، فحديث: إنما الأعمال بالنيات غريب وهو مخرج في كتب السنة بما في ذلك الصحيحان، وقد قال الترمذي في كتاب العلل من هذا الكتاب: ورب حديثٍ إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، فهذا وجه صنعه هنا، يعني حكم عليه بأنها غريبة لتفرد خالد بن عبد الله الطحان، ومعلوم أن الغرابة والغريب من الحديث فيه الصحيح وفيه الحسن وفيه الضعيف، فالغرابة لا تنافي الصحة، وقال بعض أهل العلم: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة يجزئ، مع أنه ثابت في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، وقال بعضهم تفريقهما أحب إلينا وهذا قول الإمام أبي حنيفة، وقال الشافعي: إن جمعهما في كف واحد فهو جائز، وإن فرقهما فهو أحب إلينا هذا قول للشافعي، والثاني: ترجيح الوصل، وهو

باب: ما جاء في تخليل اللحية:

المنصوص عليه في الأم للإمام الشافعي، والتفريق نقله البويطي عن الإمام الشافعي، يقول ابن القيم في زاد المعاد: وكان هديه -صلى الله عليه وسلم- الوصل بين المضمضة والاستنشاق كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تمضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثاً، وفي لفظ: تمضمض واستنثر بثلاث غرفات، فهذا أصح ما روي في المضمضة والاستنشاق، ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة، والوصل بينهما هو مذهب أحمد والشافعي، ومذهب أبي حنيفة الفصل بينهما بأن يتمضمض ثلاثاً بثلاث غرفات، يعني ويستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات، على كل حال الصور الجائزة في مثل هذا متعددة، منها ما دل عليها حديث الباب ثلاث غرفات في كل غرفةٍ مضمضة واستنشاق من كف واحدة، يغترف بيده يتمضمض ويستنشق في آن واحد ثلاث مرات، أو يتمضمض من كف واحدة ثلاث مرات ويستنشق من كف واحدة ثلاث مرات أو يتمضمض ثلاث مرات بثلاثة أكف ويفعل بالاستنشاق مثل ذلك فيكون ستة أكف للمضمضة والاستنشاق، وتمام القسمة عندهم أن يتمضمض ويستنشق من كف واحدة ثلاثاً ثلاثاً، لكن مثل هذا يحتاج إلى كف كبيرة، يقول: ومذهب أبي حنيفة الفصل بينهما بأن تمضمض ثلاثاً بثلاث غرفاتٍ ثم يستنشق كذلك لحديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "توضأ فمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً فأخذ لكل واحدةٍ ماء جديداً" رواه أبو داود وسكت عنه والطبراني، في اسناديهما ليث بن أبي سليم ضعيف، ومصرف والد طلحة مجهول، واختلف الأئمة في الفصل والوصل إنما هو في الأفضلية لا في الجواز وعدمه، وعلى كل حال المرجح في المسألة الوصل، وعلى هذا يدل على حديث الصحيحين، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في تخليل اللحية: حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية عن حسان بن بلال قال: رأيت عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته، فقيل له أو قال: فقلت له: أتخلل لحيتك؟ قال: وما يمنعني ولقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخلل لحيته؟

حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان وعائشة وأم سلمة وأنس وابن أبي أوفى وأبي أيوب. قال أبو عيسى: وسمعت إسحاق بن منصور يقول: قال أحمد بن حنبل: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم من حسان بن بلال حديث التخليل. قال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان. قال أبو عيسى: وقال بهذا أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية، وبه يقول الشافعي، وقال أحمد: إن سها عن تخليل اللحية فهو جائز، وقال إسحاق: إن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه، وإن تركه عامداً أعاده. حدثنا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق عن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان بن عفان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخلل لحيته. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تخليل اللحية" التخليل المراد به إدخال الماء في خلل شعر اللحية، يعني بين الشعرات، بين الشعر، هذا هو التخليل بين الخلل وهي الفروج التي بين الشعر، ومنه الخلال الذي يخلل به ما بين الأسنان، ومنه أيضاً الخلل لوجود فجوات وأشياء بين الأمور المتماسكة، واللحية أسم لجمع الشعر على الخدين والذقن. "باب: ما جاء في تخليل اللحية"

"حدثنا -محمد بن يحيى- بن أبي عمر" العدني تقدم "قال: حدثنا سفيان بن عيينة" أبو محمد الهلالي المكي "عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية" ضعيف، وقد تقدم، وإن روى عنه مالك لكنه ضعيف، وسبق الكلام عنه "عن حسان بن بلال" المزني البصري، وثقه ابن المديني "قال: رأيت عمار بن ياسر" بن عامر بن مالك العنسي أبو اليقظان صحابي من السابقين الأولين "رأيت عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته" أي أدخل أصابعه في خلال لحيته "فقيل له" أي قيل لعمار "أو قال" حسان بن بلال "فقلت له" أي لعمار "أتخلل لحيتك؟ قال: وما يمنعني ولقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخلل لحيته؟ " وهو القدوة، فإذا رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن بد من الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-. قال: "حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة" سفيان بن عيينة يروي عن عبد الكريم بن أبي المخارق في الطريق الأول، وفي الثاني عن سعيد بن أبي عروبة اليشكري البصري ثقة حافظ "عن قتادة" بن دعامة السدوسي، مكثر من التدليس "عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله" علة الطريق الأول علته عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف، هذا علة الطريق الأول، علة الطريق الثاني ابن أبي عمر ما فيه إشكال، وكذلك سفيان بن عيينة وسيعد بن أبي عروبة وقتادة وحسان كلهم ثقات، لكن الإشكال في التدليس، يقول الحافظ في التلخيص: حسان ثقة لكن لم يسمعه ابن عيينة من سعيد، يقول حسان يعني الراوي عن عمار ثقة، لكن الآفة في الطريق الثاني أن ابن عيينة لم يسمعه من سعيد بن أبي عروبة وقتادة لم يسمعه من حسان، فالحديث بالإسنادين ضعيف، الإسناد الأول فيه ضعف عبد الكريم بن أبي المخارق، والثاني فيه الانقطاع في موضعين، يقول ابن حجر: لم يسمعه ابن عيينة من سعيد ولا سمعه قتادة من حسان، ففيه انقطاع باثنين.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان" وهذا سيأتي ذكره قريباً "وعائشة" عند أحمد "وأم سلمة" عند الطبراني والعقيلي والبيهقي "وأنس" عند أبي داود "وابن أبي أوفى" عند أبي عبيد في الطهور "وأبي أيوب" عند ابن ماجه والعقيلي، وفي الباب أحاديث كثيرة جداً ذكرها الزيعلي في نصب الراية، والحافظ ابن حجر في التلخيص، وهذا الحديث يشبه الحديث السابق حديث: التسمية، له طرق كثيرة جداً، وله رواة جمع من الصحابة لكن كلها لا يسلم منها شيء بمفرده. "قال أبو عيسى: وسمعت إسحاق بن منصور -الكوسج- يقول: قال أحمد بن حنبل: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم من حسان بن بلال" يعني على ضعفه، عبد الكريم بن أبي المخارق ضعف، وفيه أيضاً انقطاع "لم يسمع من حسان بن بلال حديث التخليل" فهو منقطع كالطريق الثاني "وقال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان" يعني الذي يأتي قريباً، أصح شيء هل يلزم من هذا أن يكون صحيحاً؟ مر بنا مراراً أن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها "أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان" قال ابن أبي حاتم في العلل: سمعت أبي يقول: لم يثبت في تخليل اللحية حديث، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح، لكن كثرة هذه الأحاديث تدل على أن لتخليل اللحية أصلاً فلا أقل من الاستحباب، وإلا فالأصل أن البشرة من المفروض محل الفرض إذا غطي بالشعر يكفي غسل الشعر دون ما تحته كمسح شعر الرأس. "قال أبو عيسى: وقال بهذا -يعني تخليل اللحية- أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية، وبه يقول الشافعي، وقال أحمد: إن سها عن تخليل اللحية فهو جائز" نعم عنده لا يثبت في الباب شيء فإن سها عنه فهو جائز، معناه إن ذكره فليخلل اللحية ليخرج على أقل الأحوال من الخلاف "وقال إسحاق: إن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه، وإن تركه عامداً أعاد" الوضوء، يعني كما تقدم عنه في التسمية سواء.

قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا عبد الرزاق" بن همام "عن إسرائيل" بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي "عن عامر بن شقيق" الأسدي الكوفي، وهو لين الحديث "عن أبي وائل عن عثمان بن عفان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخلل لحيته" وفي حديث أنس عند أبي داود: "وأخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل لحيته" خلل به لحيته. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" قال الترمذي في علله الكبير: قال محمد بن إسماعيل: أصح شيءٍ في التخليل حديث عثمان وهو حديث حسن، وأشار إليه فيما تقدم: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان، وعلى كل حال الحديث له طرق، ومروي عن جمع من الصحابة، فالاستحباب متجه. يقول: ما حكم صلاة المرأة إذا علمت بخروج شعرها بعد انتهائها من الصلاة؟ جاء في الحديث: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) فتغطية الشعر مما يشترط لصحة الصلاة. هل تكون باطلة وهل تعيدها أم لا؟ على كل حال إذا طال الفصل لا بد من الإعادة؛ لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، وهذه عادمة للسترة فنسيانها لا يبرئها من التبعة، فلا بد من الإعادة. هل ورد النهي عن الشرب قائماً؟ نعم ورد النهي وصح به الخبر، ومن شرب قائم فليقء، وشرب النبي -عليه الصلاة والسلام- من شن معلق، وشرب من زمزم قائماً، فمنهم من يقول: إن شربه لبيان الجواز والنهي للكراهة، ومنهم من يقول: ناسخ، ومنهم أنه شرب قائماً لأن المكان غير مناسب للجلوس، وعلى كل حال على الشارب أن يشرب جالساً. في هذا الوقت هل الدعوة إلى الله فرض عين أم فرض كفاية؟ الدعوة في كل وقت فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي بهذا الشرط، إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين. تقول: ما طريقة المضمضة والاستنشاق على سنة رسول الله؟ اللهم صل على محمد. المضمضة إدخال الماء بالكف في الفم وإدارته ثم مجه وهذا هو الأحوط، وأما بالنسبة للاستنشاق فهو جذب الماء داخل الأنف بالنفس ثم إخراجه منه. ما حكم من تأكل حبوب لمنع الدورة الشهيرة لحضور الدروس العلمية؟ إذا كانت لا تضرها فلا بأس بذلك -إن شاء الله تعالى-.

ما أقل ركعات الوتر وما أكثرها؟ أقلها ركعة واحدة، وأكثرها أحدى عشر. ما حكم قول: صدق الله العظيم بعد الانتهاء من تلاوة القرآن؟ اتخاذ ذلك عادة وديدن من الأمور المبتدعة. ما الفرق بين المؤمن والمسلم؟ المؤمن أكمل فمن أتى بجميع شرائع الإسلام وكمُل إيمانه ولم يرتكب المحرمات ولم يصر على الكبائر هذا مؤمن، وإن اقترف شيء من الكبائر انتفى عنه الإيمان المطلق، وإن لم ينتفِ عنه مطلق الإيمان وصار في دائرة الإسلام. وهل أحدهما أعم من الآخر؟ الإسلام أعم نعم، كل مؤمن مسلم ولا عكس، أسئلة كثيرة وفيها المكرر. يقول: ما أسهل كتاب في تعلم أصول الفقه؟ الجادة عند أهل العلم أن الورقات أول ما يبدأ به في أصول الفقه، ثم بعد ذلك .... الطالب (قواعد الأصول ومعاقد الفصول) ثم بعد ذلك (مختصر التحرير) أو (مختصر الروضة) للطوفي، يستفيد طالب العلم كثيراً -إن شاء الله تعالى-. تقول: كانت لي أخت لا تصلي جميع الأوقات لمدة سنتين وبعد ذلك منّ الله عليها بالهداية وبدأت تصلي وهي نادمة جداً، وتكثر من النوافل هل تعيد هذه الصلوات التي تركتها في هاتين السنتين أم لا؟ تكفيها التوبة، التوبة تهدم ما قبلها، لا سيما مع المشقة الشديدة؛ لأن صلاة سنتين فيها مشقة، فإذا تمت التوبة بشروطها، وندمت على ما فات، وعزمت على ألا تعود، وأكثرت من النوافل فالتوبة تهدم ما كان قبلها. تقول: ما معنى: "أمرنا أن نخرج العواتق"؟ ما المقصود بالعواتق؟ العواتق هن البالغات أو المقاربات للبلوغ. تقول: ما نصيحتك لمن يكذب، وإذا ذكر له ذلك قال: ليس قصدي كذا وإنما كذا؟ الكذب لا شك أنه معصية، والإنسان لا يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، والكذب -نسأل الله العافية- إذا تساهل فيه الإنسان واستمرأه صار لا يتورع على الكذب على .. ، قد يجره الكذب في حديثه العادي إلى أن يكذب على الله وعلى رسوله كما هو مجرب ومشاهد -نسال الله السلامة والعافية- فالسيئة لا تنتهي عند حد. تقول: صلاة العشاء تأخيرها كيف يكون بالساعة؟

إيش؟ ثلث الليل، ثلث الليل يقسم الليل من غروب الشمس إلى طلوع الصبح على ثلاثة، ثم بعد ذلك يعرف الثلث، وأما خروج وقتها فبالنصف، نصف الليل. إذا صلى جاهل على جنابة لم يعلم بها هل يعيد الصلاة؟ نعم يعيد الصلاة. إذا لم يعلم عدد الصلوات التي صلاها على جنابة ماذا يصنع؟ عليه أن يتحرى حتى يخرج من عهدة الواجب بيقين، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (9)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (9) شرح: باب: ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره، وباب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس، وباب: ما جاء أن مسح الرأس مرة، وباب: ما جاء أنه يؤخذ لرأسه ماء جديداً. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ذكرتم أن ألفية العراقي أفضل من ألفية السيوطي وغيركم يقول: السيوطي فيها زيادات فهل الزيادات للسيوطي قليلة تحصل أم كثيرة؟ وهذا سؤال قريب منه: يقول: بعض الناس يفضلون ألفية السيوطي على ألفية العراقي ما ندري أيهما أحسن بالنسبة للحفظ والفهم وجزآكم الله خيراً؟ على كل حال وجوه التفضيل كثيرة، ولو لم يكن فيها إلا إمامة الحافظ العراقي بالنسبة للسيوطي، وأنه إمام يقلد في هذا الباب، والعلم دين فانظر عمن تأخذ دينك، على أن ألفية العراقي أسهل وأوضح وأكثر في الأمثلة والتعاريف والخلاف والأدلة، نعم هناك زيادة أنواع في ألفية السيوطي، وزيادة بعض المسائل يمكن أن تؤخذ من ألفية السيوطي، لكن ألفية العراقي هي الأصل في هذا الباب، وهناك وجوه كثيرة للمفاضلة بينهما بالأمثلة تصدر -إن شاء الله تعالى- مع شرح السخاوي. يقول: وغيركم ... إلى أخره؟ المقصود أن وجود الخلاف في مثل هذه المسائل كغيرها من المسائل، المفاضلة بين الصحيحين معروفة بين أهل العلم بين البخاري ومسلم، مع أنه لا نسبة بينهما ولا مقارنة لمن تأمل في حقيقة الأمر، لكن مع ذلك الخلاف لا بد أن يوجد، وألفية العراقي هي الأصل، السيوطي يعترف بهذا ويقول: واقرأ كتاباً تدري منه الاصطلاح ... كهذه أو أصلها وابن الصلاح وبين أن المراد بالأصل هو ألفية العراقي، ألفية العراقي هي الأصل، ولذا تجد في كثير من المواضع نصف البيت شرط البيت يأخذوه من العراقي ثم يكمله هو، نعم فيها زيادات تؤخذ منها لا بأس، لا بأس أن تؤخذ منها، لكن أصل العلم موجود في ألفية العراقي. يقول: إذا ورد الحديث بعدة طرق وكل طريق فيه راوي ضعيف فهل نقول: إن هذا الحديث صحيح أو حسن بمجموع هذه الطرق؟

إذا كان الضعف منجبراً في هذه الطرق فإنه يرتقي إلى درجة القبول، وأكثر أهل العلم على أنه يصل إلى درجة الحسن، بمعنى أنه لا يرتقي أكثر من درجة، ومنهم من يرى أنه إذا كثرت هذه الطرق، وارتقى ببعضها إلى الحسن لا مانع من أن يرتقي بباقيها إلى الصحيح لغيره، منهم من يقول هذا، وكأن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يميل إلى هذا، لكن إذا كان الشاهد للحديث في الصحيحين أو في أحدهما ولو كان الخبر الأصل ضعيف لا مانع من الحكم عليه بالصحة. هل إذا كبر تكبيرة الانتقال عندما يستقر قائماً صحيح أم خطأ؟ تكبيرة للانتقال فتكون بين الركن الأول والذي يليه في حال الانتقال، لكن إذا تأخر في التكبير إلى أن استقر قائماً أو استوى جالساً أو ساجداً أو راكعاً الصلاة صحيحة، لكنه أخطأ؛ لأن الأصل في التكبير أنه للانتقال. يقول: دخل علينا رجل ونحن في المجلس وبدأ يسلم علينا من يمين المجلس يعني من يساره هو وقلنا له: الصحيح أنك تبدأ بيمينك وعن يسار المجلس ومن المصيب .... ؟ الأصل أن يبدأ بيمينه هو، اللهم إلا إذا بدأ بالأكبر، إذا ترتبوا ووجد في صدر المجلس شخص كبير السن أو القدر وبدأ به ثم من عن يمنيه فهو أولى. يقول: رجل مسبوق وعلى الإمام سجود سهو فماذا يفعل؟ إذا كان السجود قبلي أو كان بعدي؟ إذا كان السجود قبلي قبل أن يسلم الإمام يسجد معه، يسجد معه للمتابعة ولا ينفصل عنه إلا إذا سلم، أما إذا كان السجود بعد السلام وهو لم يدرك هذا السهو وانفصل عنه بعد سلامه فإنه لا يلزمه، اللهم إلا إذا كان ما انفصل عنه، ما بعد استقل عنه، ما استتم قائماً ولا فارقت فخذه ساقيه فإنه حينئذٍ يتابعه. يقول: ما المراد بحديث معاذ -رضي الله عنه- أنه كان يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة؟ هل المراد أنه يعيد نفس هيئة الصلاة أربع كعات؟ نعم، يعيد نفس الصلاة، ويصلي بهم العشاء، وهم مفترضون وهو متنفل. وإذا تصدق إنسان على أخر بالصلاة معه ليكون له فضل الجماعة وصلى إماماً فهل يصلي كامل الهيئة؟ نعم يصلي على هيئتها. يقول: ما الفرق بين المتابعة والشاهد وبين قولهم: مثله ونحوه؟

المتابعة إذا كان الحديث الأصل والمتابع عن صحابيٍ واحد فإذا جاء عن طريق أخر عن ذلك الصحابي فهو المتابع، وإن اختلف الصحابي فهو الشاهد، وهذا هو الذي استقر عليه الاصطلاح، وإن كان بعضهم يميل إلى أن المتابعة ما جاء باللفظ سواء كان اتحد الصحابي أو اختلف، والشاهد ما يختلف فيه اللفظ ويتحد فيه المعنى وإن اتحد الصحابي، لكن الذي استقر عليه الاصطلاح النظر إلى المخرج الذي هو الصحابي بين قولهم مثله ونحوه أما مثله فهو بحروفه، وأما نحوه فهو بمعناه. يقول: ما رأيك في مؤلفات الشيخ على الطنطاوي الأدبية؟ الشيخ علي -رحمه الله- من خير ما يقرأ له بالنسبة للأدباء، أدبه مشوب بدين وعلم، بخلاف أدب غيره، مشوب بدين وعلم، عنده مخالفات لكن لا يعني أنه يهدر جميع ما يقول، ومذكراته فيها من الطرائف والفوائد العلمية ما لا يوجد في غيرها. يقول: ما لنا نحب الدنيا حباً شديداً مع رؤيتنا للأهوال والأموات وتغير الأحوال؟ على كل حال السبب في حب الدنيا هو الركون إليها، والسعي في عمارتها، والغفلة عما خلق له الإنسان. ما أفضل جمع بين الصحيحين؟ يقول أهل العلم أنا ما قارنت بينهن لكن يقولون: إن عبد الحق أفضل من الحميدي، والذي أراه أن طالب العلم يجمع بينهما بنفسه ولا يعتمد على أحد. متى يبدأ وقت الورد الصباحي والمسائي؟ هو منسوب إلى الصباح فإذا أدي في الصباح كان في وقته وكذلك المساء، لكن اقترانه في كثير من النصوص بغروب الشمس وطلوع الشمس يدل على أنه كلما قرب من غروبها وقرب من طلوعها كان أفضل، كما قرر ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله-. يقول: كيف يقول الإمام أحمد بالوجوب في رواية عنه، ويقول أيضاً: لا أعلم في هذا الباب حديث له إسناد جيد؟ يعني كيف يثبت حكم ومستنده ضعيف؟ معلوم أن الإمام أحمد من أصوله العمل بالحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب غيره؛ لأنه عنده أقوى من أراء الرجال، فقد يقول بهذا أحياناً لا سيما إذا توجه له الحكم بعمومات ووجد من يخصه ولو كان ضعيفاً.

يقول: نقل عن أحد السلف قوله: خلقت الملائكة بعقل بلا شهوة، وخلقت البهائم بشهوة بلا عقل، وخلق ابن آدم بعقل وشهوة فمن غلب عقله شهوته فهو أفضل من الملائكة، ومن غلبت شهوته علقه فهو أضل من البهائم، ما صحت هذه المقولة؟ ومتى يكون ابن آدم أفضل من الملائكة؟

أما ما ذكر في أن الملائكة بلا شهوة فهذا صحيح وأنهم عقلاء ولهم عقلاء خلافاً لمن يقول: إنهم غير عقلاء يعني وجد من يقول هذا، ممن ينتسب إلى العلم؛ لأنه لم ينص على أن لهم عقول، ولا نثبت إلا ما ثبت عن الله عالم غيبي لا نثبت لهم إلا ما ثبت، لكن ضد العقل الجنون، ولا يمكن أن يقال لمن هم في الخدمة أنهم غير عقلاء، وفي هذا مصنفات وردود على من قال بهذا، فلا شك أنهم عقلاء لكن لا شهوة لهم، جردوا من الشهوة، والبهائم لا عقول لها وإن كان لها قوات مدركة، قوى مدركة تدرك بعض ما ينفعها وبعض ما يضرها، وبه تهرب البهيمة ممن يريد الإضرار بها، وتسعى لتحصيل رزقها، لكنها ليست هذه عقول إنما قوى مدركة كما يقول أهل العلم، وأما بنو آدم ففيهم العقول وفيهم الشهوات، المسألة سجال بين هذا وهذا، ولا شك أن من غلب عقله شهوته والمراد بالعقل المخطوم بخطام الشرع وإلا قد يمتنع الإنسان من الشهوة ويدعي أنه عاقل لكن لا يمتثل شرعاً؛ لأنه وجد من يصوم ويترك الشهوات، لكنه صيام غير شرعي، وأحمد أمين يقول: إنه درسهم شخص في مدرسة القضاء الشرعي، وأعجبه علمه وخلقه وعبادته، ثم إنه فقده مدة طويلة وبحث عنه فلم يجده وبعد سنين يقول أحمد أمين: إنه ذهب إلى تركيا فوجد هذا الرجل وقد انقطع عن الدنيا وتفرغ للعبادة حتى صار صواماً قوماً، يصوم الدهر لكن متى يبدأ صيامه يقول: يبدأ من الساعة التاسعة صباحاً، هذا ترك الشهوات، يبدأ من التاسعة صباحاً والعذر أقبح من الفعل، لماذا؟ يقول: العمارة التي يسكنها في شقة تحت الشقة التي يسكنها أسرة يهودية ويخشى أنه إذا قام لإعداد السحور في وقته أن يزعج هذه الأسرة، هذا ترك الشهوات لكن إلى إيش؟ إلى ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، وذكروا عن الفارابي أنه جاور في أخر عمره ولزم المسجد الحرام، وانقطع للعبادة والصيام والقيام والتأله إلا أنه يفطر على الخمر المعتق وأفئدة الحملان، مثل هذا ترك الشهوات لكن تركه بعقل أو بعقل مخطوم بخطام الشرع؟! هذا ضلال نسال الله السلامة والعافية. يقول في نهاية السؤال: ومتى يكون ابن آدم أفضل من الملائكة؟

باب: ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره:

المسألة خلافية بين أهل العلم أيهما أفضل الملائكة أو الصالحين من بني آدم؟ ولا شك أن الأنبياء أفضل من الملائكة، هذا قول مقرر عند أهل العلم، لكن يبقى سائر بني آدم المسألة خلافية بين أهل العلم، والأدلة في الفريقين تكاد تكون متوازنة، وما على الإنسان إلا أن يسعى في إصلاح نفسه وفعل ما ينفعه، وإذا حدثته نفسه الشخص إذا حدثته نفسه أنه يسعى لئن يكون أفضل من الملائكة فليراجع نفسه، يعني غاية ما في الإنسان أن يسعى لخلاصه، وما يوصله إلى مرضات الله -جل وعلا- وجنته، وأن ينجو من عذابه، والمسألة تحتاج إلى توازن، تحتاج إلى توازن، فلا الشخص الذي تعبد سبعين سنة ويقول: إنه لم يسأل الجنة ولا مرة واحدة، يقول: ليس بكفء للجنة إنما يكفيه أن ينجو من النار، لا هذا ولا الشخص الذي إذا جلس في المسجد دقائق معدودة مع غلفة تامة وقلب غير حاضر ينتظر التشميت والتسليم، ممن ينتظر التشميت والتسليم؟ من الملائكة، إذا عطس وهو وحده في المسجد جالس كأنه فعل ما لم يفعله غيره -نسأل الله العافية-، لا هذا ولا ذلك الذي تعبد سبعين سنة ولا يسأل الجنة، طالب:. . . . . . . . . وذاك أيضاً قنوط ويأس، لا هذا ولا هذا، لعلنا نكتفي بهذا، الأسئلة كثيرة جداً، ما يستوعبها الوقت. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز قال: حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه. قال أبو عيسى: وفي الباب عن معاوية والمقدام بن معدي كرب وعائشة. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد أصح شيء في الباب وأحسن، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في مسح الرأس" مسح الرأس فرض من فروض الوضوء، لا يصح إلا به، وهو منصوص عليه في آية الوضوء، وأيضاً في جميع الأحاديث التي جاءت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في صفة وضوئه بياناً لما أمر الله به -جل وعلا-، فمسحه فرض لا يصح الوضوء إلا به، والمراد بمسحه مسح جميعه كما هو الأصل في الإطلاق، وأن الباء فمسحوا برؤوسكم هذه للإلصاق، يعني أنه لا بد من المسح، وإنه لا يكفي مسحه هواء، وأنه لا بد أن يسمح بالماء خلافاً لمن قال: إنها للتبعيض، وأنه يكفي مسح بعضه، والآية وإن كانت مجملة فقد بينت بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وبيان الواجب واجب، ولم يذكر في حديث واحد أنه -عليه الصلاة والسلام- اقتصر على مسح بعض الرأس، وأعني بذلك الرأس المكشوف على ما سيِأتي في مسح العمامة. "أنه يبدأ بمقدم الرأس" يعني بيان كيفية المسح، وأنه يُبدأ بمقدم الرأس، أو يَبدأ بمقدم الرأس ذاهباً إلى مؤخره، والمؤلف في الترجمة بيّن ما جاء في الأحاديث في معنى الذهاب، ذهب بهما، وأقبل بهما وأدبر، وما يحتمله من البداءة بالمقدم أو بالمؤخر، فالمؤلف بيّن بهذه المقدمة أن البداية تكون بمقدم الرأس، وإن كان في قوله: "أقبل بهما وأدبر" ما يفهم منه عكس ذلك. يقول -رحمه الله-:

"حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري" هذا تقدم الكلام فيه "قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز" وأيضاً مضى الكلام فيه، وأنه من كبار الآخذين عن الإمام مالك ومن ثقاتهم وأثباتهم "قال: حدثنا مالك بن أنس" الإمام، إمام دار الهجرة "عن عمرو بن يحيى" بن عمارة بن أبي حسن "عن أبيه" يحيى بن عمارة "عن عبد الله بن زيد" بن عاصم الصحابي، راوي حديث الوضوء، تقدم ذكره، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه" كله كما جاء في رواية ابن خزيمة "بيديه" هذا هو الحاصل، لكن لو مسح الرأس بغيره يديه يجزئ وإلا ما يجزئ؟ عنده منشفة مبلولة بالماء ومسح بها الرأس؟ نعم؟ لأن المقصود المسح، المقصود المسح، ولو أعانه غيره، ووضأه غيره، ولو من غير حاجة، وضأه غيره وغسل وجهه، وغسل يديه ومسح برأسه، وغسل رجليه أجزئه، فقوله: "بيديه" حديث عن الواقع، أن هذا ما وقع منه -عليه الصلاة والسلام- "فأقبل بهما وأدبر" فأقبل هذا بيان لكيفية المسح "فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه" فأقبل بهما وأدبر هذا بيان لكيفية المسح، وبدأ مقدم رأسه بيان لكيفية الإقبال والإدبار "فأقبل بهما وأدبر" الواو هذه لا تقتضي ترتيب؛ لأن مقتضى قوله والظاهر من قوله أقبل وأدبر لو قلنا: إنه ترتيب لكان المفاد أنه بدأ بمؤخر رأسه؛ لأن الإقبال إلى جهة الوجه، والإدبار إلى جهة الدبر وهو القفا، فيكون مفاد هذه الجملة مخالف ومعارض للجملة التي تليها، بدأ بمقدم رأسه، وعلى هذا يقال: إن الواو هذه لا تقتضي الترتيب، وأن الأصل: أدبر بهما وأقبل بدأ بمقدم رأسه، وإذا قدم أحد المتعاطفين بالواو فلا مانع من ذلك، ولا تدل على الترتيب، في بعض الروايات عند البخاري وغيره، فأدبر بيده وأقبل، فدل على أن الحديث مروي بالتصرف، وأن الراوي جرى على ما تقتضيه الواو، وأنها لا تدل على الترتيب، وسواء قدم المعطوف أو المعطوف عليه لا أثر له، وإلا فمقتضى الإقبال أن يبدأ بمؤخر رأسه ثم يقبل بهما إلى جهة الوجه ثم يذهب بهما إلى جهة الدبر الذي هو الخلف، لكن جاء البيان بالجملة المحكمة بدأ بمقدم رأسه، منهم من يقول: الإقبال والإدبار أمر نسبي إضافي، إيش معنى هذا الكلام؟ يوجه ابن دقيق العيد قوله: فأقبل بهما وأدبر يعني

أقبل بهما إلى جهة القفا وأدبر بهما عنه، لكن هذا خلاف الظاهر، ولا يسلم من تكلف، وعلى كل حال كون الواو لا تدل على الترتيب، وجاءت الجملة بالعكس المعطوف معطوف عليه، والمعطوف عليه معطوف، عملاً بالنص في قوله: بدأ بمقدم رأسه، هذا نص لا يحتمل ما تحتمله الجملة الأولى، فإذا وجد الإجمال يؤخذ بيانه من النص الذي لا يحتمل مثل هذا. "بدأ بمقدم رأسه -يعني الذي يلي الوجه- ثم ذهب بهما إلى قفاه"، "بدأ بمقدم الرأس ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه" وهو مقدم الرأس "ثم غسل رجليه".

في حديث عبد الله بن زيد -حديث الباب- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مسح بيده فأقبل بهما وأدبر)) إلى هنا متفق على كونه مرفوع، وقوله: بدأ بمقدم رأسه هل هو من كلام عبد الله بن زيد يحكي ما فعله -صلى الله عليه وسلم- أو مدرج من كلام مالك يفسر به ما نقله عبد الله بن زيد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يقول ابن حجر: الظاهر أنه من أصل الحديث، وليس مدرج من كلام مالك، الظاهر أنه من أصل الحديث، إذاً هو قد يرد في بعض الروايات أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، دون التوضيح الذي يليه، ويرد كاملاً كما هنا، فهل نقول: إن من رواه ناقصاً اقتصر على الأصل، ومن رواه كاملاً روى الأصل وروى البيان والتفسير المدرج من كلام مالك؟ أو نقول: إن الراوي مرة يرويه ناقصاً ومرة يرويه كاملاً ولا مانع من أن ينشط الراوي ويسوق الخبر بكماله، وأحياناً يقتصر على بعضه؟ والاقتصار اقتصار الحديث واختصاره يجوز عند أهل العلم بشرطه، إذا كان المذكور لا يتوقف فهمه على المحذوف، يعني اختصار الأحاديث جائز عند أهل العلم، شريطة ألا يتوقف فهم المذكور على ما حذف منه، يعني لو تقول مثلاً: ((إنما الأعمال بالنيات)) وتسكت، يلام من يقول هذا الكلام؟ لأنه جملة كاملة مستقلة تستقل بمعناها، كما أنه لا يلام إذا قال: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] أو نقول: لا بد أن يكمل الآية؟ ما يلزم، لكن إذا كان المحذوف لا بد منه لفهم المذكور فلا بد من ذكره، إذا كان وصف مؤثر في الحكم إذا كان استثناء لا بد من ذكره، يستطع أحد أن يقول: ((فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)) ويترك ((إذا كان يداً بيد))؟ لا؛ لأن هذا يترتب عليه خلل في الحكم، فلا بد من ذكره، وهنا لا يتأثر الحكم إنما هو مجرد بيان، فيرويه الراوي مرة ناقصاً ومرة كاملاً، ويكون حينئذٍ مقبولاً.

باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس:

ومن شرط الحكم بالإدراج أن يرد ولو في رواية ما يبين أنه مدرج، يعني لو أنه جاء في رواية عن عبد الله بن زيدٍ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، قال مالك: بدأ بمقدم رأسه إلى أخره، حكمنا عليه بأنه مدرج؛ لأن هذه الرواية بينت، لكن لم يرد في رواية من الروايات إضافته إلى مالك، فدل على أنه من أصل الحديث كما قرر ذلك ابن حجر. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن معاوية" وهو مخرج عند أبي داود، حينما حكا وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- "والمقدام بن معد كرب" وهو عند أبي داود أيضاً "وعائشة" عند النسائي. "قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد أصح شيء في هذا الباب وأحسن" وهو مخرج عند بقية الجماعة في الصحيحين وبقية السنن، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، قال ابن عبد البر: المشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءة من مقدم الرأس إلى مؤخره، يعني وإن كانت جملة: "فأقبل بهما وأدبر" تحتمل هذا، تحتمل العكس، بل هو الظاهر منها لو جاء بحرف العطف الذي يقتضي الترتيب لتعين حمله على هذا "فأقبل بهما ثم أدبر"، أو "فأقبل بهما فأدبر" تعين حمله على أنه بدأ بالمؤخرة، لكن لما جاء بالواو التي لا تقتضي الترتيب، وجاء بيانه بنصوص صحيحة صريحة، لا محيد عن القول به، نعم. عفا الله عنك باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه، ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً، وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث، منهم وكيع بن الجراح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء أنه يَبدأُ -أو يُبدأُ- بمؤخر الرأس" يعني خلاف ما دل عليه الحديث السابق والترجمة السابقة، والترمذي لم يحكم بحكم يعني لم يترجم بحكم شرعي يجزم به لكن هو يحيل في ذلك كله على ما جاء منقولاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني الترمذي في الغالب لا يترجم بحكم يجزم به، وإنما يترجم بكلام خبري يحيل به إلى ما يورده من دليل، يعني لو قال: باب البداءة بمقدم الرأس، ويحيل على ما جاء، باب ما جاء في مسح الرأس، باب: ما جاء في أنه يبدأ بمؤخر الرأس، وباب: ما جاء أن مسح الرأس مرة، فهو يُحيل على ما في الخبر من حكم، ولا يجزم بشيء معين، اللهم إلا في تعقيبه للأحاديث هذا أصح وهذا أرجح، ولذا تجدون الترمذي يورد النص ويورد ما يخالفه، يعني ميزة السنن وترجيح أهل العلم للسنن على المسانيد لماذا؟ لأن أهل السنن يترجمون بأحكام شرعية، باب: حكم كذا، ثم يورد ما يدل عليه، فإذا ترجم بحكم شرعي فهل يعدل إلى ذكر المرجوح مع وجود الراجح، ويترجم بحكم شرعي، ويريد أن يستدل لهذا الحكم الشرعي، هو أثبت هذا الحكم ويريد أن يؤيد هذا الحكم بدليل شرعي، فهل يذهب إلى دليل مرجوح مع وجود ما هو أرجح منه؟ لا، ولذلك أهل السنة ينتقون أقوى ما عندهم يستدلون به على ما يترجمون به من أحكام، وأما صاحب المسند فإنه يترجم باسم صحابي، وعلى هذا يورد ما بلغه من مرويات هذا الصحابي سواءً منها ما ثبت وما لم يثبت، ولذا رجحت السنن على المسانيد من هذه الحيثية، ولذا يقول الحافظ العراقي: ودونها -يعني دون السنن-. ودونها في رتبة ما جعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا

يعني تدعى الأحاديث بالعموم من غير تعيين لآحادها، يعني دعوة الجفلا يعني حينما يقف الواحد بباب المسجد ويقول: الليلة زواج فلان لا يخلين أحد، كما كان يفعل قبل البطاقات، هذا يختلف عما لو دخل المسجد وجلس عند فلان وقر في أذنه ثم جلس عند فلان ترك اثنين ثم ذهب إلى الرابع فقر في أذنه، ثم ذهب إلى العاشر فقر في أذنه هذه. . . . . . . . .، يعني يخصص من يريد، وهذه طريقة أهل السنن، أما المسانيد ويدعون الجفلا أي حديث ورد عن فلان يوريدونه ويثبتونه، هذا المزية التي يذكرها أهل العلم للسنن ويبرهنون عليها بأن صاحب السنن يترجم بحكم شرعي يستدل له بأقوى ما يجد في الباب، توجد عند الترمذي وإلا ما توجد؟ الآن هل الترمذي يجزم بأحكام شرعية في الترجمة ثم يورد ما يدل لها؟ أو يحيل على ما ورد في الاستنباط يحيل على ما ورد من دليل باب ما جاء في كذا؟ نعم؟ يعني له نستطيع أن نقول: اختيار الترمذي رأي الترمذي من خلال الترجمة أنه يبدأ بمقدم الرأس أو بمؤخر الرأس من خلال التراجم ما نستطيع أن نحكم بهذا، لكن في ترجيحاته وتعقيباته في أواخر الأبواب نأخذ اختيارات الترمذي، ولذا تجدونه يترجم باستنباط من حديث ثم يترجم بنقيضه؛ لأنه يروي حديثاً يخالف الحديث الأول، يقول: باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس؛ لأن القارئ حينما يقرأ الترجمة الأولى: باب: ما جاء أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره، ثم باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس ويش يستفيد القارئ؟ هل استفاد حكم ثابت متقرر من خلال الترجمتين؟ لا، بينما فقه الأئمة في تراجمهم، فقه الأئمة إنما تؤخذ من تراجمهم للأحاديث.

يقول: "حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن المفضل" بن لاحق الرقاشي، وهذا تقدم، ثقة، ثبت توفي سنة سبع وثمانين ومائة "عن عبد الله بن محمد بن عقيل" وهذا أيضاً تقدم في الحديث الثالث، تقدم في الحديث الثالث، وتقدم قول الترمذي فيه: صدوق تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وتقدم قول البخاري: مقارب الحديث "عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء" من المبايعات تحت الشجرة -رضي الله عنها وأرضاها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه" البيان: مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، البيان هذا بيان للمسح أو بيان للعدد حينما قالت: مسح برأسه مرتين ثم بينت بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه؟ نعم؟ بيان للمسح، يعني كرر هذا مرتين لا شك أن أكثر ما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- مفصلاً من فعله -عليه الصلاة والسلام- أن المسح مرة واحدة، وأما ما جاء ما يدل على أنه كرر المسح هذه من أحاديث مجملة، أما من قول الراوي: "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" فأدخلوا فيها الرأس، وسيأتي أن مسح الرأس مرة يأتي الخلاف فيه -إن شاء الله تعالى-، لكن لكي تمشي الأحاديث في مساق واحد قال أهل العلم: قولها: بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه بيان للمرتين، بيان للعدد، أنه مرة بدأ بمؤخر الرأس ثم المرة الثانية بدأ بمقدمه، بمعنى أنه أمر اليدين على الرأس مرتين ذهاباً وإياباً، ولا يعني أن المسح وقع مرتين، فقولها: بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه بيان للمرتين وليستا مسحتين، كما يفيده ظاهر اللفظ؛ لتتفق النصوص، وقال ابن العربي: هذا تحريف من الراوي بسبب فهمه، فإنه فهم من قوله: "فأقبل بهما وأدبر" أنه يقتضي الابتداء بمؤخر الرأس فصرح بما فهم منه وهو مخطئ، يعني فهم منه أن الإدبار والإقبال مسحة، فحكم بأن المسح مرتين، الراوي أحياناً مع قول جماهير أهل العلم بجواز الرواية بالمعنى قد يهجم على ذهنه فهم معين ثم يروي الحديث من خلال هذا الفهم، يعني كما جاء في صحيح مسلم في حديث أنس: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" فهم الراوي أنهم لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم فصرح بما

فهم، فقال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في أخرها، صرح بما فهمه من المتن من النص، أولاً: هو فهم من الراوي ثم بعد ذلك لما فهم صرح بفهمه بناء على جواز الرواية بالمعنى، وفي هذا يقول الحافظ العراقي: وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله وابن حجر يقول: إنه يحمل عدم الذكر على عدم الجهر، يعني لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً في أول قراءة ولا في أخرها، ومثل هذا يستحسن صيانة للصحيح، فهنا الراوي لما سمع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقبل بيده ويدبر أنه يمسح مرتين، مرة للإقبال ومرة للإدبار، وهذا تحريف معنوي، هذا ما قاله ابن العربي في العارضة، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، الرواية هنا (ثم) الراوية الأولى أقبل وأدبر، نقول: الواو لا تقتضي الترتيب لكن (ثم) إذا أثبتنا هذه الرواية لا بد أن نقول: إنه يبدأ بمؤخر الرأس، كما قلنا في السابق: إنه يبدأ بمقدمه، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، ولا شك أن الحديث السابق حديث عبد الله بن زيد أرجح؛ لأنه في الصحيحين، فمقدم على هذا الحديث ولذا قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً" لأنه في الصحيحين، وحسن حديث الباب للكلام المذكور في عبد الله بن محمد بن عقيل الذي تقدم، ومثله يحسن له. "بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه" إذا قلنا: بالترجيح رجحنا حديث عبد الله بن زيد كما فعل الإمام الترمذي، وإذا قلنا كما قال بعضهم أنه ثبت مثل هذا الفعل بالبداءة بمؤخر الرأس لبيان الجواز، وأنه لا مانع من أن يبدأ بمقدم الرأس أو بمؤخره، الأمر فيه سيان، المقصود أنه يعم الرأس مرتين ذهاباً وإياباً، لا أن المسح يكون مرتين إنما الإقبال والإدبار يكون مرتين، الذهاب مرة والإياب مرة، والفائدة من الإقبال والإدبار والمسح ذهاب وإياب، قالوا: ليعم المسح الشعر، ما أقبل منه وما أدبر، يعني الجهة؛ لأن كل شعرة لها جهات، الشعرة له جهات، يعني لو مسحه مرة من هنا إلى الآخر ما أدبر به مرة ثانية كان مسح وجه واحد للشعر، لكن لما أعاده مسح الوجه الثاني من الشعر.

باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة:

"وبأذنيه وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما" وسيأتي كيفية مسح الأذنين، يقول: وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث منهم وكيع ابن الجراح، والحسن بن صالح بن حي، وروي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يبدأ من وسط رأسه ولا يصح، ولا شك أن المرجح أن يبدأ بمقدم رأسه، كما جاء في المتفق عليه، وإذا فعل ما في هذا الحديث في بعض الأحيان بأن يبدأ من مؤخر الرأس فلا مانع منه -إن شاء الله تعالى-، فإذا قلنا بالترجيح رجحنا حديث عبد الله بن زيد لأنه في الصحيحين، وإذا قلنا: إنه يجوز هذا وهذا وفعل هذا مرة لبيان الجواز فلا مانع منه -إن شاء الله تعالى-، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة: حدثنا قتيبة قال: حدثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بنت عفراء أنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ قالت: مسح رأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه، وأذنيه مرة واحدة". قال: وفي الباب عن علي وجد طلحة بن مصرف بن عمرو. قال أبو عيسى: وحديث الربيع حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح برأسه مرة، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول جعفر بن محمد وسفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا مسح الرأس مرة واحدة. حدثنا محمد بن منصور المكي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سألت جعفر بن محمد عن مسح الرأس أيجزئ مرة؟ قال: إي والله. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة" باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة واحدة.

"قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل" قتيبة هو ابن سعيد تقدم مراراً "قال: حدثنا بكر بن مضر" بن محمد بن حكيم، وثقه أحمد وابن معين، توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة "عن محمد بن عجلان" المدني، صدوق "عن عبد الله بن محمد بن عقيل" تقدم، وأنه تكلم فيه من قبل حفظه "عن الربيع بنت معوذ بن عفراء" الصحابية التي تقدم ذكرها في الحديث السابق "أنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ قالت: مسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه، وأذنيه، مرة واحدة".

في حديثها السابق: "مسح رأسه مرتين" وفي هذا الحديث: "مسح رأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرة واحدة" وهناك حكم الإمام الترمذي -رحمه الله- على الحديث بأنه حسن، وهنا حكم عليه بأنه صحيح، يعني حسن صحيح، وحكم على ذلك بأنه حسن؛ لأنه من رواية ابن عقيل، وابن عقيل موجود هنا أيضاً، فكونه حسن له في الموضع الأول، وصحح له في الموضع الثاني هذا اضطراب في الحكم وإلا ما هو باضطراب؟ نعم؟ نعم يا إخوان؟ هل نقول: إن هذا اضطراب في الحكم؟ نعم يعني الحديث الأول ورد من طريق ابن عقيل عبد الله بن محمد بن عقيل ويحسن لمثله، لا مانع أن يحسن لمثله، والكلام فيه لأهل العلم معروف، تقدم في كلام الترمذي أيضاً، وهنا موجود في الإسناد نفسه وقال: حديث حسن صحيح نعم، هناك حسنه لعدم وجود ما يشهد له، يعني حكم عليه بمفرده، يعني قولها: مسح برأسه مرتين وبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه هذا لا يوجد ما يشهد له، وحقه بمفرده أن يحكم عليه بأنه حسن، لكن هذا الشواهد تدل عليه بأنه مسح رأسه ما أقبل منه وما أدبر، الأدلة كلها تدل على هذا "وصدغيه وأذنيه مرة واحدة" فقولها: إنها رأت النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ، قالت: ومسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، العطف هنا للمغايرة أو هو عطف تفسيري؟ هل نستطيع أن نقول: للمغايرة؟ المعطوف غير المعطوف عليه؟ لا هذا عطف تفسيري، لقوله: مسح رأسه أي مسح من مقدم الرأس إلى منتهاه ثم رد يديه من مؤخر الرأس إلى مقدمه، فهو عطف تفسيري، "وصدغيه" الصدغ: الموضع الذي بين العين والأذن، والشعر المتدلي على ذلك الموضع، الصدغ وهو ما بين العين والأذن تبع الوجه وإلا تبع الرأس؟ وصدغيه وأذنيه مرة واحدة، ومقتضى الحديث أنه مسح الصدغين ولم يغسل الصدغين، ومقتضاه أيضاً أن هذا المسح مرة واحدة، فعلى هذا الصدغان تابعان للرأس، وهما ما بين العين والأذن وتحديد الوجه عند أهل العلم طولاً وعرضاً ممن منابت شعر الرأس إلى الذقن طولاً وعرضاً من إيش؟ نعم من الأذن إلى الأذن، فالأصداغ على هذا داخلة في الوجه، فهذا الحديث مقتضاه أن الأصداغ تابعة للرأس، هذا ظاهر اللفظ، مسح رأسه، مسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرة واحدة،

الأذنان على ما سيأتي الخلاف فيهما والأكثر على أنهما من الرأس لا إشكال فيه، لكن الصدغين هل المتجه كونهما من الوجه أو من الرأس؟ عرفنا أن مقتضى الحديث أنهما من الرأس، وأنهما تابعان للرأس، فمرة واحدة متعلق بمسح، والحديث يدل على مشروعية مسح الصدغ والأذن وأنهما يمسحان مع الرأس مرة واحدة، لكن مقتضى تحديد الوجه عند أهل العلم أن الصدغين داخلان في الوجه. "قال: وفي الباب عن علي" عند الترمذي وابن ماجه "وجد طلحة بن مصرف بن عمرو" يعني عن أبيه عن جده طلحة بن مصرف بن عمرو عن أبيه عن جده، وهو مخرج عند أحمد وأبي داود، لكنه ضعيف. "قال أبو عيسى: وحديث الربيع حديث حسن صحيح" قال الشوكاني: في تصحيحه نظر؛ لأن في إسناده ابن عقيل وفيه ما تقدم، يوجد ما يشهد لقولها مرة واحدة في مسح الرأس، لكن هل يوجد ما يشهد لكون الصدغين من الرأس؟ الإمام الترمذي صحح الحديث وحسن الذي قبله والعلة واحدة، قلنا: إنه صحح الثاني لوجود ما يشهد له، نعم نجد ما يشهد لكون المسح مرة واحدة، لكن هل نجد ما يشهد لمسح الصدغين مع الرأس، ولذا الشوكاني يقول: في تصحيحه نظر؛ لأن في إسناده ابن عقيل، وقد تقدم ما فيه، وقد روي من غير وجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح برأسه مرة، أنه مسح برأسه مرة، وهذا رواه الطبراني من حديث أنس، قال ابن حجر: وإسناده صالح، وفيه أحاديث أخرى مذكورة في نصب الراية والتلخيص ونيل الأوطار. الحديث فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ كون المسح مرة واحدة لا إشكال فيه، له ما يشهد له، ويصحح من هذه الحيثية، لكن كون الصدغين تابعين للرأس هذا هو محل الإشكال.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم" يعني أنه يمسح مرة واحدة، الرأس يمسح مرة واحدة، وكلام الترمذي في هذا الباب منصب على هذه المسألة، وهو مسح الرأس مرة واحدة دون ما عداها، يقول: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول جعفر بن محمد" جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب المعروف بجعفر الصادق، ابن علي بن الحسين زين العابدين "وسفيان الثوري وابن المبارك" معلوم أن أهل السنة أهل إنصاف يعني جعفر بن محمد إمام من أئمة المسلمين، وثقة من ثقات الرواة، مخرج له في الصحيح، وتنقل أقواله عند الفقهاء، ولا يضيره ما نسج عليه وافتري عليه، وكذب عليه من قبل من يزعمون إتباعه "وبه يقول جعفر بن محمد وسفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا المسح مرة واحدة" قال الإمام البغوي في شرح السنة: اختلفوا في تكرار المسح هل هو سنة أم لا؟ فالأكثر على أنه يمسح مرة واحدة، ومنهم الأئمة الثلاثة والمشهور من مذهب الشافعي أن المسح بثلاثة أصابع، بثلاثة مياه جديدة، يعني يكرر المسح ثلاث مرات، لكن لبعض الرأس لا لجميعه، فيكرر المسح والتبعيض عندهم معروف، ويختلفون فيما يمسح من الرأس، منهم من يقول: ثلاثة أصابع، ومنهم من يقول: قدر الربع، ومنهم من يقول: يكفي ولو ثلاث شعارات، ثم من يخالف في مثل هذا يقول: يكرر المسح، ولا شك أن السنة مع تعميم مسح الرأس، يعني يمسح جميع الرأس مرة واحدة، وعلى هذا دلت الأخبار، يقول: فعلم أن للشافعي قولين في مسح الرأس، أن الترمذي ذكر الإمام الشافعي فيمن يقول: إن المسح مرة واحدة، والمعروف عند أتباعه من الشافعية أنهم ينقلون عنه أنه يقول بالتكرار، كغير الرأس من الأعضاء، وسيأتي تكرار المسح وسيٍأتي أيضاً تكرار غسل الأعضاء وإفراد الأعضاء جميعها والوضوء مرتين، والوضوء ثلاث، والوضوء الملفق بعضه مرة وبعضه مرتين وبعضه ثلاث كل ذلك في حيز الجواز.

باب: ما جاء أنه يؤخذ لرأسه ماء جديدا:

قال: "حدثنا محمد بن منصور" بن داود الطوسي العابد ثقة، قال: "حدثنا محمد بن منصور المكي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سألت جعفر بن محمد -اللي هو الصادق- عن مسح الرأس أيجزئ مرة؟ قال: إي والله" إي بكسر الهمزة حرف إيجاب، مثل (نعم) و (أجل) إي والله، وأكد ذلك بالقسم، وأكثر النصوص على أن المسح مرة واحدة، النصوص المبينة المفسرة تدل على أن المسح مرة واحدة، وسيأتي من النصوص المجملة ما يستدل به من يقول: بتكرار المسح، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء أنه يؤخذ لرأسه ماء جديداً: حدثنا علي بن خشرم قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: حدثنا عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ، وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه، ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسه ماء جديداً، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا أن يأخذ لرأسه ماء جديداً. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أنه يؤخذ لرأسه ماء جديداً" نعم لأنه فرض مستقل وليس تابعاً لغيره، يمسح بما بقي من غسل غيره، هو فرض مستقل يؤخذ له ماء جديد، وليس بتابع كالأذنين تمسحان بما بقي من ماء الرأس.

"قال: حدثنا علي بن خشرم" المروزي، ثقة، "قال: أخبرنا عبد الله بن وهب" بن مسلم القرشي مولاهم المصري الفقيه، الحافظ، توفي سنة تسع وتسعين ومائة، يعني كم مر علينا من تراجم الرواة من قول أهل العلم: القرشي مولاهم، الكذا مولاهم، مولاهم كم مر علينا؟ كثير جداً، وفي عصر التابعين السادة في أكثر أقطار الإسلام وأقاليم المسلمين كلهم من الموالي إلا ما ندر، يدل على أن: ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) فالمسألة مسألة دين وعمل، والله -جل وعلا- لا ينظر إلى الأنساب، لا ينظر إلى الصور والأشكال ينظر إلى القلوب والأعمال، وأكثر الموالي حازوا قصب السبق، ولا يعني هذا أن العرب تخلفوا لا، لكن حكمة إلهية؛ لبيان أن الأنساب لا تنفع، فعلى الإنسان أن يجتهد ويجد ويحصل، عطاء بن أبي رباح يفتي في عصر الصحابة، بل الصحابة يدلون عليه من جاء يستفتي، عطاء بن أبي رباح، وفيه أكثر العاهات، معوق رجل معوق، وفيه عاهات بدنية كثيرة، ومع ذلك الملوك تهابه هيبة لا نظير لها عند غيره، والمسألة مسألة دين وإرث نبوي، بقدر ما يرثه الإنسان من علم وعمل يرث من: ((نصرت بالرعب)) والله المستعان، فمثل هذا شوف هذا ابن وهب إمام من أئمة المسلمين مولاهم. "حدثنا عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم" كم مر مولاهم من مرة في كل حديث مرار، فلا يتكل الإنسان على نسبه ولا يعتمد عليه، النسب لا يقدم ولا يؤخر. "قال: حدثنا عمرو بن الحارث" بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري، أبو أيوب، ثقة، مات قبل الخمسين ومائة "عن حبان بن واسع" بن حبان بن منقذ، صدوق من الخامسة "عن أبيه" واسع بن حبان، صحابي وقيل: من كبار التابعين "عن عبد الله بن زيد" بن عاصم المازني "أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه" أي بماء جديد، لا بما بقي بعد غسل يديه، بل أخذ ماء جديداً للرأس؛ لأنه فرض مستقل، ولا يجزئ أن يمسح الرأس بما بقي من فضل اليدين.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في صحيح مسلم بأطول من هذا السياق، قال الإمام الترمذي: "وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه" هكذا عندكم؟ في غير هذا عندكم يا الإخوان؟ طالب:. . . . . . . . . إيش. طالب: غبر ...

طيب نعم غبر أيضاً، إيه؛ لأنه يقول: وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه، ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسه ماء جديداً، الكلام هذا والمفاضلة، يمكن أن يقول هذا الكلام ويرجح بين حديثين متفقين من حيث المعنى أو مختلفين؟ الآن حينما يرجح رواية عمرو بن الحارث على رواية ابن لهيعة، هل يمكن أن يتعرض للترجيح مع الاتفاق في المعنى أو مع الاختلاف؟ مع الاختلاف، وإذا مشينا على الرواية التي عندنا في تحقيق الشيخ أحمد شاكر وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه ما في اختلاف، فلا نحتاج الترجيح، ولذا جاء في بعض الأصول: بماءٍ، أو بما غبر، أو بماء غبر، النسخ ليس فيها من ... ، نقرأ كلام الشيخ أحمد شاكر الطويل في تعليقه على هذه الجملة يقول: وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه كذا في (ع) وهي من أصح الأصول، وفي (هـ) و (ك): بماء أو بما غبر فضل يديه؛ لأن ما فيها من بما وليست بماءٍ بما يعني بالذي وغبر فضل يديه، وفي (ب) الذي هي طبعة بولاق: بماءٍ غبر من فضل يديه، يقول الشيخ -رحمه الله- وهذا الموضع من المواضع المشكلة في كتاب الترمذي، وتحقيقه عسير، أولاً: لا بد من أن نقرر أن هذا الموضع مخالف للذي قبله، وإلا لما احتاج الترمذي إلى الترجيح؛ لأنه لو كانت هذه الرواية موافقة للذي قبلها ما احتاج إلى الترجيح، يقول: وتحقيقه عسير فإن الترمذي عقد الخلاف في هذا الحرف بين عمرو بن الحارث وابن لهيعة، فعنده أن رواية كل منهما تخالف الأخرى، ولذلك رجح رواية ابن الحارث، ويفهم من كلامه أن رواية ابن لهيعة تدل على أن مسح الرأس لم يكن بماء جديد؛ لأن لو كانت بماء جديد لوافقت راوية عمرو بن الحارث التي تقدمت، بل كان بفضل الماء أعني بالبلل الذي في اليدين، وقد اضطرب الشراح هنا في ضبط الكلمة، فبعضهم ضبطها بما غبر فضل يديه، وجعل (ما) موصولة، يعني بالذي غبر، وغبر بفتح العين والباء أي فعلاً ماضياً، وأعرب فضل بالجر بدلاً من (ما) الموصولة وهو تكلف شديد، يبقى أن اللفظ فيه ركة، يقول الشيخ: والذي أظنه أن نسخة الترمذي إما أن تكون بما غبر من فضل يديه، يعني كما

جاء في نسخة بولاق، أي بما بقي؛ لأن غبر معناها بقي، والغابر الباقي؛ لأن غبر معناها بقي، والغابر الباقي، لما طبع كتاب الذهبي -رحمه الله- (العبر في خبر ... ) للذهبي كتاب في خمسة مجلدات في التاريخ اسمه: (العبر في خبر من غبر) طبع في الكويت طبعته الأولى كثر الكلام حوله، وأن صواب التسمية: (العبر في خبر من عبر) بالعين المهملة لا بالغين؛ لأن من غبر يعني بقي، وهل الكتاب في أخبار من بقوا وإلا من عبروا ومضو؟ طالب: من عبروا. من عبروا، وكتب في المجلات العلمية تحقيقات حول هذا، حتى قال بعضهم: إن غبر من الأضداد تطلق على الباقي وعلى الماضي، لكن حق التسمية أن تكن عبر في تاريخ الحافظ الذهبي -رحمه الله-.

نعود إلى ما عندنا يقول: والذي أظنه أن نسخة الترمذي إما أن تكون بما غبر من فضل يديه، يعني كما جاء في طبعة بولاق، أي بما بقي؛ لأن غبر معناها بقي، والغابر الباقي، هذا إذا ثبت في النسخ حرف (من)، وإذا لم يثبت كان الراجح بماء غُبْر فضل يديه، وتضبط غبر يديه بضم الغين وإسكان الباء، وهو بمعنى الباقي، قال في اللسان: "وغُبْر كل شيء بقيته" وهذا كله لضبط الرواية عند الترمذي على ما فهمه هو من التغاير بين روايتي ابن الحارث وابن لهيعة، هو لما رجح فهمنا أنه فهم التغاير، لما رجح بينهما؛ لأن الراوية المتفقة لا تحتاج إلى ترجيح، وهذا كله لضبط الرواية عند الترمذي على ما فهمه هو من التغاير بين روايتي ابن الحارث وابن لهيعة، وقد أخطأ الترمذي في هذا يقول الشيح أحمد شاكر، أو أخطأ أحد شيوخه الذين بينه وبين ابن لهيعة في الرواية، وهو لم يذكرهم حتى نعرف درجتهم من الضبط والإتقان، والصواب أن رواية ابن لهيعة كرواية عمرو بن الحارث؛ لأنه قد يقول قائل: ما دام الترمذي فهم هذا، ورجح بينهما لماذا الشيخ أحمد شاكر يثبت رواية ابن لهيعة مثل رواية عمرو بن الحارث؟ ما غير في الكتاب، قال: وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه، خليكم معنا يا الإخوان هذا الموضوع مهم في بباب التحقيق، الآن الترمذي فهم التغاير وأنت أيها المحقق المعلق فهمت عدم التغاير، وأن رواية ابن لهيعة مثل رواية عمرو بن الحارث لا تختلف، وأن الترمذي أخطأ في فهمه، وترجيحه في غير محله، يقول: وقد أخطأ الترمذي في هذا أو أخطاء أحد شيوخه الذين بينه وبين ابن لهيعة في الرواية، وهو لم يذكرهم حتى نعرف درجتهم من الضبط والإتقان، والصواب أن رواية ابن لهيعة كرواية عمرو بن الحارث، فقد رواه الدارمي في سننه قال: حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد المازني قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالجحفة، فتمضمض واستنشق ثم غسل وجه ثلاثاً، ثم غسل يديه ثلاثاً، ثم مسح رأسه وغسل رجليه حتى أنقاهما، ثم مسح رأسه بماء غير فضل يديه".

قال أبو محمد -هو الدارمي-: يريد به تفسير "مسح" الأول، هذا نص رواية الدارمي وهو إمام ثقة حجة، وشيخه يحيى بن حسان كان ثقة مأموناً عالماً بالحديث، وقد فهم الدارمي الحديث على وجهه، وأنه كرواية عمرو بن الحارث، ولذلك جعل عنوان الباب الذي ذكره فيه: "باب: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذ لرأسه ماء جديداً، وروه أحمد في المسند مرتين عن موسى بن داود عن ابن لهيعة، وفيه: "بماء غير فضل يديه" ورواه أيضاً مرة ثالثة عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة قريباً من رواية الدارمي، ورواه مرة رابعة عن علي بن إسحاق وعتاب عن ابن المبارك عن ابن لهيعة، وفيه: "بماء من غير فضل يديه" فظهر لنا من كل هذا أن نقل الترمذي عن ابن لهيعة أن روايته مخالفة لرواية ابن الحارث نقل غير صواب، والله أعلم ما رأيكم في هذا الكلام؟ الشيخ أحمد -رحمه الله- من أهل التحري وأهل التحقيق، لكن أين مقام أحمد شاكر من مقام الترمذي في عصر الرواية؟! عاصر الرواة، وعرف ألفاظهم، ونقل من أفواههم، هذا التصحيف الذي جاء في كتاب الترمذي ألا يمكن أن يسري على كتاب الدارمي؟ التصحيف بين (غير وغَبَر أو غُبْر) كما وجد في كتاب الترمذي يوجد في كتاب الدارمي، ونخطئ إمام من أئمة المسلمين في فهمه وقد تلقى الحديث مشافهة من الرواة، ما اعتمد على صحف مثلنا إحنا وجدنا هذه الأحاديث في هذه الكتب، يعني غاية ما عندنا أننا نقارن رواية هذا برواية هذا، ونوجد فروق، ونرجح ما نميل إليه، ويظهر لنا حسب اجتهادنا بقدر ما أوتينا من فهم، لكن الوضع يختلف عندنا وعندهم، هم تلقوا الأحاديث بالمشافهة، فكيف يجرأ الشيخ أحمد شاكر على إمام حافظ مثل الترمذي ويقول: إنه أخطأ في فهم الحديث، نعم الترمذي ليس بمعصوم، وقد يوجد عند المتأخر شيء من يوفق لفهم معين قد يخفى على من قبله، هذا ما في إشكال ((ورب مبلغ أوعى من سامع)) لكن يبقى أن الجرأة والتخطئة لإمام بهذه الطريقة، الأخطاء والأوهام ما سلم منها أحد، لكن لأننا وجدنا في الترمذي وفي مسند أحمد ما يقتضي هذا أننا نخطأ، تعقيب الترمذي بالتخطئة والتوهيم والترجيح لرواية عمرو بن الحارث على رواية ابن لهيعة دل على أنه تلقاها مشافهة فمثل هذه الجرأة

وإن كان الشيخ -رحمه الله- من أهل التحري والتثبت والتحقيق والإطلاع الواسع والاستقراء لكن هو في مقابل من؟ هو مقابل محقق ثاني من المتأخرين؟ لا، حتى لو قال هذا بالنسبة لابن حجر أو الذهبي الأمر سهل؛ لأنهم مثلنا يعني تلقوا من الصحف، لكن يبقى أنه في إمام تلقى من أفواه الرواة، يقال مثل هذا الكلام؟ هذا لا شك أنه يحتاج إلى تأني وتثبت. يقول: "ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسه ماء جديداً" استدلالاً بحديث الباب، وفي حديث الربيع بنت معوذ عند أبي داود ما يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه من فضل كان بيده، جاء في حديث الربيع بنت معوذ عند أبي داود ما يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسه ماء جديداً، أنه يقول: في حديث الربيع بنت معوذ عند أبي داود ما دل على أنه -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه من فضل ماء كان في يده، وهذا تؤيد رواية: "ما غبر". قال السيوطي: استدل به من يرى طهورية الماء المستعمل، لكن في إسناده ابن عقيل وفيه ما تقدم، فإن صح حمل على جواز الأمرين، يعني أنه مرة يمسح بماء جديد، ومرة بماء بقي من يديه، طيب نقف على هذا. ما أدري لماذا تكرر الأسئلة؟ هل إذا كبر تكبيرة الانتقال عندما يستقر قائماً صحيح أم خطأ؟ هذا سبق الجواب عنه. يقول: في سوق الأغنام بعض الباعة يستقبلون الزبائن عند مدخل السوق فما الحكم؟ إذا وصل البائع السوق، إذا وصل إلى السوق ما صار من التلقي، إنما التلقي المنهي عنه تلقي الركبان قبل أن يصل إلى السوق. هذه من المغرب تقول: وإنا واضعة السماعات في إذني أستمع لدرسكم في نفس الوقت داخلة أغسل الملابس في الخلاء فهل يجوز لي فعل ذلك؟ إذا كانت الملابس تغسل في محل قضاء الحاجة فلا يجوز أن يدخل مثل هذا الكلام الذي فيه ذكر لله، وذكر لرسوله -عليه الصلاة والسلام- في هذه الأماكن، أما إذا كان مجرد غسيل دون محل قضاء الحاجة فلا بأس. يقول: ما الفرق بين الحديث الحسن لغيره والحسن لذاته؟

الحسن لذاته خف ضبط راويه، توافرت فيه شروط القبول وخف ضبط راويه، وأما الحسن لغيره فهو الضعيف القابل للإنجبار إذا تعددت طرقه. هل يجوز للحائض إذا أذنبت ذنباً أن تتوضأ لتخرج كل الذنوب بالوضوء دون أن تصلي؟ إذا أذنبت تتوب وتستغفر وتقلع على الذنب وتعزم على ألا تعود، تأتي بالتوبة بشروطها، فالتوبة لا بد منها التوبة واجبة {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [(31) سورة النور] ولا نعتمد على ما جاء في مثل هذه النصوص، ونترك الأوامر الشرعية بالتوبة. يقول: ذكرتم أن الشخص الذي تحدثه نفسه أن يكون أفضل من الملائكة فل يراجع نفسه؟ على كل حال مثل هذا يدل على الاغترار بالعمل والإعجاب بالنفس. يقول: ما حكم تطبيق العلم أو السنة إذا كان مرجوحاً من أجل حفظ العلم، وحفظ الحديث الوارد فيه والقائلين به مثل البداءة بمؤخر الرأس أو مسح الرأس؟ هذا لا بأس به؛ لأن التطبيق العملي يرسخ العلم النظري. يقول: إذا وضأ أحد غيره مع أن الذي وضئ قادر على وضوئه بنفسه فهل يكون هذا من الكبر أم لا؟ إذا كان الإنسان مخدوم يعني مثلما ما يحضر له الماء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخدم في مثل هذا، والصغار يعني من باب التقدير للكبار يخدمونهم، وأهل العلم ينصون على أنه تباح معونته وتنشيف أعضائه، يعني إذا وجد من يخدمه من ابن أو زوجة أو خادم أو .. ، ينشف أعضاءه لا بأس، لكن كون الإنسان يتولى هذا الأمور بنفسه لا شك أنه أولى. بالنسبة لرواية ابن لهيعة ألا يكون التصحيف منه -من ابن لهيعة- خاصة وأنه اختلط في أخر عمره؟ ما يمنع، لكن الشيخ ما يمكن ينسب هذا لابن لهيعة؛ لأنه ثقة عنده.

أبواب الطهارة (10)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (10) شرح: باب: ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، وباب: ما جاء في تخليل الأصابع، وباب: ما جاء: ((ويل للأعقاب من النار)). الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما معنى قولهم في الكتب: "قرأت على الشيخ كتاب كذا وكذا" هل هو حفظ أم قراءة بنفسه أم مع طلاب؟ القراءة على الشيخ طريق صحيح مجمع عليه من طرق التحمل يسمونه العرض، ومر وبطريق العرض يقول: أخبرنا فلان، من روى أو تحمل على الشيخ بطريق العرض الذي هو القراءة على الشيخ يقول: أخبرنا فلان، وإن كان بقراءة غيره أخبرنا فلان فيما قُرئ عليه وأنا أسمع هذه الصيغة صيغة الأداء المناسبة لطريق العرض بقراءة غيره، وإذا كان هو القارئ قال: أخبرنا قراءة عليه، أو بقراءتي عليه، وهو طريق من طرق التحمل، ويقصد به مجرد القراءة على الشيخ من أجل الرواية هذا في الأصل، أما القراءة على الشيخ من أجل الشرح والتوضيح فهي كذلك تكون بقراءته هو أو بقراءة غيره وهو يسمع والشيخ يشرح ويقرر، على ما هو معروف عند أهل العلم. هذا لديه اقتراح يقول: لدي اقتراح لعل العمل به مناسب خاصة وأنكم في أوائل شرح الكتاب وإقامة الدروس على فترات متقطعة من العام، فنظراً لأن جامع أبي عيسى لم يحقق التحقيق اللائق به فطبعة أبي الأشبال -يعني الشيخ أحمد شاكر- لم تكتمل، وطبعة بشار عواد على تأخرها إنه لم يتيسر له الرجوع إلى الأصول الخطية، وقد ذكر اثنتا عشرة نسخة إحداها في القرن الخامس وستة في القرن السادس، فلو يضاف مع شرحكم المبارك للسنن تحقيق للكتاب يلقى مع الدروس، ويقوم فيه النص لكان عملاً جليلاً، ولا مانع من أن يقوم بجلب النسخ إمام هذا المسجد، ويوضح منهج التحقيق يقوم به بعض طلبة العلم؟

هذه النية موجودة، وجمعنا بعض النسخ، لكن باعتبار النسخ إلى الآن لم تكتمل، النسخة التي أشار إليها من القرن الخامس وصلت -ولله الحمد-، وكذلك نسخ عتيقة وصلت، لكن بقية النسخ لم تصل بعد، والنية قائمة لتحقيق الكتاب مع شرحه، فنظراً لتأخر وصول النسخ القدر الذي شرحناه ما تم النظر فيه ولا تحقيقه من حيث إقامة النص، واكتفينا بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، لكن مع ذلك في الدورات اللاحقة يتيسر -بإذن الله- ويتحقق هذا الطلب. يقول: لم أجد متن حائية ابن أبي داود ولا مجمع الأصول لابن عبد الهادي الذي شرحتم أين أجد هذا في المكتبات علماً أنني لم أجد ... ؟ هذه الكتب وزعت في الدورة، وزعت في الدورة وتم شرحها كاملة -ولله الحمد-. يقول: ما رأيك في تفسير الشعراوي للقرآن الكريم هل تنصح به؟ هو تفسير بالرأي في الغالب، أنا سمعت منه بعض الشيء لما كان يلقيه في الإذاعة، لكن هو تفسير بالرأي، والمعول في هذا الباب على أئمة التحقيق من المفسرين الكبار مثل الطبري وابن كثير وغيرهما. يقول: لماذا لا يتم تكملة شرح الجامع من المحرر في المدينة بدلاً من شرح تقريب الأسانيد الذي تم شرحه؟ تقريب الأسانيد كتاب بدأنا به وشرحنا منه ما يقرب من خمس الكتاب، ويكمل في المدينة -إن شاء الله تعالى- على دورات، مثل الدورات التي تقام هنا -إن شاء الله-، وفي الشرقية وفي مكة يكمل هذا الكتاب، وأما الجامع من المحرر الذي شرح هذا له ظرف خالص، هذا لطالب الجامعة الإسلامية الخرجين، ويكمل -إن شاء الله تعالى- في السنة القادمة، في الدورة اللاحقة. يقول: نريد منكم وصايا خاصة لطلبة العلم الذي ينفعنا في طلب العلم؟ هذه الوصايا موجودة في أشرطة لكن منها (معالم في طريق الطلب) فيه بعض الوصايا. هؤلاء يسألون عن الدورات اللاحقة التي في الإجازة؟ كل الدورات معلنة بأوقاتها وأماكنها. هذا يقول: يلاحظ على كثير من طلاب العلم الضعف في النحو واللحن الكثير؟

هذا ملاحظ، ولكن على طالب العلم أن يعنى به؛ لأن من يتصدى لعلم الكتاب والسنة بلسان العرب وبلغتهم، فلا بد من تعلم ما يعين على فهم الكتاب والسنة من علوم العربية وبفروعها العشرة المعروفة عند أهل العلم، ولا يمكن أن يتصدى لتفسير القرآن أو لشرح كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بعد معرفة قدر كافي من العربية، أهل العلم لا سيما أهل الحديث يشددون في هذا الباب، حتى أن بعضهم جعل اللحان يدخل في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) ووجه ذلك أن اللحان إذا قرأ ((إنما الأعمالَ بالنيات)) كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي ما قال هكذا، وقوله ما لم يقل، فعلى طالب العلم أن يعنى بهذا الشأن، لكن كثير من طلاب العلم قد يتقن القواعد النظرية، وإذا قيل له: أعرب هذه الجملة أو هذا الكلام أعربه إعراباً صحيحاً، لكنه إذا تكلم حصل الخلل الكبير، وأقول: في معرفة القواعد العربية أمران: الأول: تقويم اللفظ واللسان، وهذا مهم جداً للمعلم وللخطيب وللداعية هذا في غاية الأهمية، لكن إذا لم يتم هذا فيحصل الأمر الثاني وهو فهم الكلام، لأن فهم الكلام مبني على إعرابه، والشخص الذي لا يتولى خطابة ولا تعليم ولا دعوة ولا شيء قد يكتفي بالأمر الثاني، وكلها مبنية على التعود والمران، الذي تعود القراءة على الشيوخ الذين يعنون بتقويم الألفاظ مثل هذا يستفيد فائدة كبيرة. يقول: أيهما أولى لطالب العلم لقراءة التفسير تفسير المصباح المنير مختصر ابن كثير أم يبدأ مباشرة بتفسير ابن كثير الأصل؟ ذكرت مراراً في مناسبات أن طالب العلم يبدأ في التفسير بتفسير الشيخ: فيصل بن مبارك (توفيق الرحمن في دروس القرآن) وإن قرأ معه تفسير الشيخ السعدي أو جعله مرحلة ثانية طيب، فيهما فائدة كبيرة لطالب العلم المبتدأ، ثم بعد ذلك يقرأ في تفسير ابن كثير مباشرة. أنا طالب علم مبتدئ في طلب العلم وأنا صغير فبماذا تنصحوني وأنا قد حفظت القرآن ولله الحمد؟ عليه أن يعنى بالمتون التي ألفت للمبتدئين الصغار من طلاب العلم، أُلف لهم متون تناسبهم، ويحضر الدروس في شرح هذا المتون.

يقول: هل يجوز في طلب الدعاء من الغير؟ إذا كان الجواب لا فبماذا نجيب على أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تنسنا))؟ من يتوقع منه أو فيه أو يتوسم فيه الخير، وأنه مجاب الدعوة فمثل هذا لا مانع من طلب الدعاء منه، وعمر -رضي الله تعالى عنه- طلب من أويس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حث الصحابة أن يطلبوا الدعاء منه، ويستغفر لهم، وطلب النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تنسنا)) قاله لعمر، المقصود أن مثل هذا لا بأس به -إن شاء الله تعالى-. يقول: أنسب الشروح للمتون الآتية: الأربعين النووية، الأصول الثلاثة، منظومة البيقوني، حائية ابن أبي داود، المنظومة للسعدي، منظومة ابن تيمية: "يا سائلي" -القدرية-؟ ما رأيكم في المتون للشمراني؟ أنسب الشروح الأربعين النووية في شرح للشيخ عبد المحسن العباد شرح مختصر مناسب، وشرح للنووي نفسه أيضاً هذا شرح طيب، وكل الصيد في جوف الفراء في جامع العلوم والحكم، الأصول الثلاثة والقواعد الأربعة شيوخنا كلهم شرحوها، وشروحهم مسجلة ومطبوعة، وفي كلها خير -إن شاء الله تعالى-، منظومة البيقوني في حاشية المشاط، وفيها أيضاً شروح مطبوعة للمشايخ طيبة في الجملة، ولنا أشرطة مسجلة على هذه الكتب، وحائية بن أبي داود هذه شرحها عبد الرزاق البدر ابن الشيخ عبد المحسن شرح جيد نافع، المتون التي جمعها الشمراني هذه ليست له إنما تولى جمعها، وهي متون علمية معتبرة عند أهل العلم. يقول: قلتم بالفرق وانفكاك الجهة بين التصوير وتحريمه ومشاهدة المباريات نرجو التوضيح حتى يتبين الفرق .... ؟ ما أدري هل المباريات الذي مسكت وهي لا أصل لها، يعني الاحتياطات والقيود التي ذكرت لا يمكن أن تشاهد معها، لكن بعض الناس يصير حساس من بعض الأمور وتصير هي همه، وإلا لا يمكن أن تشاهد المباريات من خلال كلامي الذي قررته هنا، ولا في غيره من الأماكن. يقول: بماذا تنصح إمام المسجد بالقراءة على الجماعة بعد العصر؟

الناس اعتمدوا ومشوا على رياض الصالحين، وهو كتاب نافع، فيه أحاديث في الآداب يوصي جمع من أهل العلم بحفظه، وألا يقتصر على أحاديث الأحكام، وإن قرئ في الجزء الحادي عشر من الدرر السنية الذي فيه النصائح والرسائل لأئمة الدعوة أحياناً فهو طيب. هل تنصح باقتناء قناة المجد؟ لا أنصح أحد باقتناء أي قناة، لكن المبتلى بالقنوات والدشوش هي خير موجود. يقول: انتشرت في الآونة الأخيرة جوال الكاميرا وللأسف أنه بدأ ينتشر بين أوساط طلبة العلم فما توجيهكم؟ هذا حصل فيه إشكال كبير جداً يعني، وحصل فيه هدم بيوت بسببه، فهو آفة عظيمة، شر مستطير بسببه واقتناؤه حرام لا يجوز، سواء كان استعمله في التصوير لذوات الأرواح أو غيرها، لماذا؟ لأنه يسهل ارتكاب المعصية، وكم من شخص من الأخيار من طلاب العلم ممن لا يرى التصوير جره إلى التصوير، في بداية الأمر يقول: أنا أحتاط ولا أصور، أصور مناظر، أصور الربيع، أصور المناظر الطبيعية، ثم بعد ذلك ينظر إلى ولده الصغير يحبو وإلا يقوم ويتعثر ويمشي الخطوات الأولى يطيب له هذا المشهد ثم يصوره، يقول: المشايخ الآن يفتون بالتصوير ونستغفر الله ونتوب إليه، هذا أول الأمر، ثم يصور ثاني وثالث ثم يصير التصوير عنده عادي. يقول: هل حضور دوراتكم كل عام يحق لنا بها أن نقول: شيخنا فلان؟ لا مانع، من استفاد يقول، الذي يستفيد لا مانع أن يقول. يقول: هل الشيخ أحمد شاكر -رحمه له- له تحقيق على تفسير ابن جرير -رحمه الله- ومشاركة أخاه محمود في التحقيق لأني وجدت حديث ذكره ابن كثير في تفسيره في تحقيق الشيخ أحمد شاكر، والحديث عند الطبري مخرج، وقال: إسناده ضعيف كما فصلناه هناك؟ الذي فهمته أن الشيخ فصله عند الطبري فأرجو التوضيح؟ التحقيق للشيخ محمود، الشيخ محمود شاكر هو الذي حقق الطبري، وأما الشيخ أحمد فهو خرج الأحاديث، الشيخ خرج الأحاديث، وأما تحقيق الكتاب فلمحمود، يعني الجهد الأكبر وجمع النسخ، وضبط النص، والتعليق على الكتاب كله للشيخ محمود، ماعدا تخريج الأحاديث فهو للشيخ أحمد. يقول: ما رأيكم في كتاب دع القلق وابدأ الحياة؟

باب: ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما:

هذا كتاب قديم، يعني قديم بالنسبة للكتب الجديدة الوافدة مما فتن الناس به من الكتب العصرية، وقرأه بعض الشيوخ ويقول: إن فيه فوائد، لكن أنا ما قرأت الكتاب، ولا أنصح به أحداً، والقلق يعالج بالنصوص الشرعية، يعالج بتدبر القرآن. يقول: جاء عن بعض طلبة العلم فتواه بترك قراءة الفاتحة بالجهرية، وقالوا: أن الإمام قدوة ويتحملها عن المأموم ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) وجاء في لفظ أخر: ((أقول: مالي أنازع القرآن)) فا انتهى الناس عن ذلك ... وقال بعض العلماء .... هذا الشافعي؟ المقصود أن الخلاف في القراءة خلف الإمام خلاف قديم، وأدلته كثيرة، وأدلة الفريقين تكاد تكون متكافئة، والترجيح في المسألة قد يصعب، وهي كما يقرر أهل العلم من عضل المسائل ليست بالمسالة السهلة الهينة بحيث يتصدى للفتوى فيها صغار طلاب العلم، وعلى كل حال المعول على قوله -عليه الصلاة والسلام- ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) فهي لازمة لكل مصلٍ ما عدا المسبوق المستثنى بحديث أبي بكرة. يقول: أيهما أفضل للشيخ أن يقرأ عليه من عدة كتب أو يخصص كل يوم لفن؟ وما ميزة كل طريقة؟ كل شيء له ضريبة، تعداد الكتب على حساب المشي في كل كتاب على حدة، يعني بعد صلاة الصبح أحياناً بعض المشايخ يقرأ عليه بعشرة كتب، وبعضهم في كتاب واحد، المسألة ما تختلف يعني في عشرة كتب يقرأ في كل كتاب صفحة أو صفحتين أو ثلاثة بدون تعليق، ويقرأ في كتاب واحد إما عشرين أو ثلاثين صفحة بدون تعليق، نظير ما قرأ في عشرات الكتب، أو يقرأ خمس صفات أو أربع صفحات بالتعليق، فالمسألة كل شيء له ضريبة، يعني سواء كان كتاب أو كتب، أو طال التعليق أو قصر، كل شيء على حساب شيء، من أراد الفراغ من الكتاب فليخصص له الوقت كامل، ويقل من التعليقات، من أراد أن ينفع الطلاب، ويبسط لهم الشرح، ويوضح لهم ما يريدون صار على حساب تكميل الكتاب، سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. باب: ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما:

حدثنا هناد قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. قال أبو عيسى: وفي الباب عن الربيع. قال أبو عيسى: وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما" في مسح الأذنين ظاهرهما بدل بعض من كل، وباطنهما معطوف عليه. يقول: "حدثنا هناد" وهو ابن السري، ثقة حافظ "قال: حدثنا عبد الله بن إدريس" يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي، ثقة أيضاً، توفي سنة اثنتين وتسعين ومائة "عن محمد بن عجلان" المدني، وهو صدوق من الخامسة، "عن زيد بن أسلم" العدوي مولاهم، ثقة أيضاً "عن عطاء بن يسار" الهلالي المدني ثقة "عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما" ظاهرهما بدل من الأذنين، على ما جاء في الترجمة، والظاهر هو الخارج مما يلي الرأس، والباطن الداخل، داخال الأذنين، وجاءت الكيفية في صحيح ابن حبان من حديث ابن عباس أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فغرف غرفة فغسل وجهه .. الحديث، وفيه: "ثم غرف غرفة فمسح برأسه وأذنيه داخلهما وخارجهما" داخلهما بالسبابتين، وخالف بإبهاميه إلى ظاهرهما، يمسح ظاهرهما وباطنهما، هذه كيفية مسح الأذنين، يدخل السبابتين في الأذنين، وأما الإبهامان فللظاهر هكذا، يعني طريقة سهلة ما تكلف شيء، وهذه الطريقة واردة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو حديث صححه ابن خزيمة وغيره. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن الربيع بنت معوذ" مخرج عند أبي داود والترمذي والحاكم.

"قال أبو عيسى: وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح" وصححه ابن خزيمة وابن مندة "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما" باعتبار أنهما من الرأس على ما سيأتي من الباب الذي يليه، فالأذنان تمسحان مع الرأس، ومن أهل العلم على ما سيأتي من يقرر على أنهما من الوجه، فيجب غسلهما مع الوجه على ما سيأتي، نعم. الباب الذي يليه: حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- فغسل وجهه ثلاثاً، ومسح برأسه، وقال: ((الأذنان من الرأس)). قال أبو عيسى: قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هذا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من قول أبي أمامة. قال: وفي الباب عن أنس. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، ليس إسناده بذاك القائم، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم أن الأذنين من الرأس، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: ما أقبل من الأذنين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس، قال إسحاق: واختار أن يمسح مقدمهما مع الوجه، ومؤخرهما مع رأسه. وقال الشافعي: هما سنة على حيالهما يمسحهما بماء جديد. يقول: "باب: ما جاء أن الأذنين من الرأس" قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة" قتيبة ثقة قتيبة بن سعيد تقدم، وحماد بن زيد بن درهم ثقة أيضاً تقدم، وسنان بن ربيعة الباهلي البصري، صدوق فيه لين، يعني لا يقبل حديثه إلا حيث يتابع "عن شهر بن حوشب" الأشعري الشامي، كلام أهل العلم فيه كثير جداً، وهو مضعف عند الأكثر، والمتوجه تضعيفه شهر بن حوشب، وأما سبب تضعيفه فالخلاف معروف عند أهل العلم، والقصة المذكورة التي قد تثبت وقد لا تثبت، والذي يغلب على الظن عدم ثبوتها، وهي سرقة الخريطة حتى قال قائلهم: لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر

فمثل هذا يروج على الناس، يعني لو .... ظهر إشاعة حول شخص من أهل العلم والفضل يروجها بعض الناس حتى يقول القائل من الشعر ما يقول، فتنطلي على الناس وتروج، والذي يغلب على الظن أنها غير ثابتة، وضعفه عند أهل العلم معروف، في مقدمة مسلم عن ابن عون قال: إن شهراً نزكوه، نزكوه يعني اتهموه بالنيزك، المقصود أنه الغالب عليه الضعف، والشيخ أحمد شاكر –رحمه الله- شدد في مسألة توثيقه، وأنه لا حجة بمن قال بضعفه، وكلام أهل العلم فيها كثير، والمرجح تضعفيه، وإن كان حديثه مما يعتبر به ويعتد به في الشواهد لا مانع من ذلك. "عن أبي أمامة قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً، ومسح برأسه وقال: ((الأذنان من الرأس)) " يعني فيمسحان معه لا من الوجه فيغسلان معه. "قال أبو عيسى: قال قتيبة: قال حماد" يعني ابن زيد: "لا أدري هل هذا" يعني قوله: ((الأذنان من الرأس)) هل هو "من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من قول أبي أمامة" يعني هل مدرج من قول أبي أمامة أو ثابت في أصل الحديث؟ يقول حماد: لا أدري هو سمعه ممن فوقه عن سنان بن ربيعة عن شهر عن أبي أمامة، لكن هل هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو مدرج من قول أبي أمامة؟ يقول ابن حجر: ورد أن الأذنين من الرأس بثمانية أحاديث، فذكر منها حديث أبي أمامة، وبين أن قوله: "الأذان من الرأس" مدرج من قول أبي أمامة، ولم يثبت رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث. "قال: وفي الباب عن أنس" أخرجه الدارقطني، وفيه ضعف.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن ليس إسناده بذاك القائم" حسنه، هو ليس إسناده بذاك القائم، يعني ليس بالقوي، يعني إذا كان إسناده ليس بالقوي كيف يحسن؟ كيف يحسن إسناده وهو ليس بالقائم؟ إذا عرفنا الشروط التي اشترطها الإمام الترمذي لتحسين الحديث وهي: ألا يكون الحديث شاذاً، ولا يكون في رواته من يتهم بالكذب، وأن يروى من غير وجه، بهذه الشروط يصفه الإمام الترمذي بأنه حسن، لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ما في من يتهم بالكذب، فيه ضعيف، لكن ليس فيه من يتهم بالكذب، يعني فيه الضعيف دون الاتهام بالكذب، وليس الحديث بشاذ؛ لأنه روي من طرق له من يؤيده، ولا يوجد ما يعارضه، فلا يحكم عليه حينئذٍ بالشذوذ، ويروى من غير وجه، والأذنان من الرأس ورد في ثمانية أحاديث كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر، هذا سبب حكم الإمام الترمذي عليه بالحسن، وأما قوله: ليس إسناده بذاك القائم، يعني ليس بالقوي.

قال ابن دقيق العيد في (الإمام) هذا الحديث معلول بوجهين، يعني له أكثر من علة، معلل بعلتين، الكلام في شهر بن حوشب هذه العلة الأولى، الثانية: الشك في رفعه، ثم قوى شهراً بذكر من وثقه، ورجح أن الحديث حسن، هذا ابن دقيق العيد في كتابه: (الإمام) له كتب ابن دقيق العيد منها (الإمام) ومنها: (الإلمام) ومنها: (شرح الإلمام) ثلاثة كتب، (الإلمام) مطبوع في مجلد متداول ومعروف مطبوع من أربعين سنة تقريباً، وهو أصل (المحرر) لابن عبد الهادي؛ لأنه مختصر منه، ومطبوع ولا ذكر له عند طلاب أهل العلم، يعني ما لا يتداولونه ولا يقرؤونه، والشيوخ لا يقرؤونه؛ لأنه يذكر المتون كاملة، والطلاب بحاجة إلى من يختصر لهم المتون كالبلوغ وغيره، يعني يحتاج إلى أن يقتصر إلى موضع الشاهد، بسطر بنصف سطر بسطرين بقدر الحاجة، وأما بالنسبة لـ (للإلمام) يسوق الحديث كاملاً، وهذا يصعب استيعابه أو حفظه على طلاب العلم، وإلا فهو أصل كتاب ابن عبد الهادي (المحرر)، و (المحرر) لو قال قائل: بأنه أصل البلوغ لما بعد، هذا (الإلمام) متن في أحاديث الأحكام مطبوع ومشهور ومتداول، و (الإمام) متن في أحاديث الأحكام لكنه أوسع من (الإلمام)، متن معلل ذكرت فيه علل الأحاديث، وهو أشبه ما يكون بكتب العلل، كتاب نفيس جداً، أما شرح الإلمام فهذا أيضاً شرح مستفيض، أطال فيه النفس ابن دقيق العيد على عادته، وعادت ابن دقيق العيد في الشرح تختلف اختلاف جذري عن طريقة ابن رجب، يعني ابن رجب يعني لو وازنا بين ابن دقيق العيد وابن رجب وجدنا ابن رجب يشرح النصوص بأقاويل السلف فقط، قد يتصرف وقد يجمع بين النصوص, قد يستعمل بعض القواعد، لكن ما هو مثل ابن دقيق العيد، ابن دقيق العيد يحشد العلوم كلها لفهم الحديث، وهذه ميزته، يعني طالب العلم الذي يتخرج على شرح العمدة له بحيث لا يشكل عليه فيه شيء يستحق أن يقال: إنه طالب علم يستطيع أن يشرح ما يشكل من الأحاديث، والكتاب صغير، يعني في مجلدين صغار، لكن يحتاج إلى فهم، فهم لكلام ابن دقيق العيد، وفيه شيء من الوعورة والصعوبة، لكن إذا تخرج عليه طالب العلم يسهل عليه ما دونه، ابن دقيق العيد ذكر العلتين، والأولى هي ضعف شهر بن حوشب والكلام

فيه، ثم بعد ذلك عاد فقواه بذكر من وثقه، والثانية: الشك في رفعه ووقفه، ثم حكم على الحديث بأنه حسن، الشيخ أحمد -رحمه الله- بالنسبة لشهر بن حوشب أطال الكلام، وقال عن الحديث: الحديث رواه أبو داود عن مسدد وقتيبة عن حماد بن زيد، ونقل الشك يعني في رفع الأذنان من الرأس، ونقل شك حماد كما نقله الترمذي يعني أبا داود ورواه عن أيضاً عن سليمان بن حرب عن حماد وقال: قال سليمان بن حرب يقولها أبو أمامة، يعني فجزم بأنها مدرجة، وروى ابن ماجه عن محمد بن زياد عن محمد بن زيد بإسناده بلفظك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الأذنان من الرأس)) فجزم بأنها مرفوعة، وكان يمسح رأسه مرة، وكان يمسح الماقين، وهذا اللفظ لا يحتمل أن تكون كلمة الأذنان من الرأس مدرجة في الحديث، لا يحتمل أن تكون كلمة الأذنان من الرأس مدرجة في الحديث، يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الأذنان من الرأس)) وكان يمسح رأسه مرة، وكان يمسح الماقين، إذا كان الإدراج في أول الخبر كما هنا، يعني: "الأذنان من الرأس" احتمال تكون مدرجة وأن تكون من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، الشيخ أحمد يقول: ما دامت في أول الخبر كما هنا، والقول مسلط عليها لا يحتمل أن تكون مدرجة، الإدراج عند أهل العلم أكثر ما يكون في أخر الخبر، أكثر ما يكون في أخر الحديث، وقد يكون في أثنائه وهو أقل، وقد يكون في أوله وهو نادر، فإذا كان حديث: "أسبغوا الوضوء ((ويل للأعقاب من النار)) أسبغوا الوضوء المقرر أنها مدرجة؛ لأنه جاء الفصل "أسبغوا الوضوء" وفي بعض الروايات: "فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويل للأعقاب من النار)) " فلا مانع أن يكون الإدراج في أول الخبر، الشيخ أحمد لما رأى القول قول النبي -عليه الصلاة والسلام- مسلط على هذه الجملة قبل غيرها يمتنع عنده الإدراج، نعم إذا لم يوجد نص يفصل الكلام ويبين المدرج فالذي يغلب على الظن أنه كله مرفوع، أن كل الخبر مرفوع، لا سيما إذا كان الإدراج في أول الخبر والقول مسلط عليه، لكن إذا كان في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-، منسوب إلى النبي، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أسبغوا الوضوء ((ويل للأعقاب من

النار)) جاء في بعض الروايات قال أبو هريرة: "أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويل للأعقاب من النار)) عرفنا أن الصحابي يدرج من غير بيان، وهذا لا شك أنه في عصور الرواية لا يخفى، في عصور الرواية لا يخفى، لكن بعد ذالك يخفى على المتعلمين المزيد من الأصل، فلا بد من البيان، وقد يسر الله وقيض لهذا العلم من يقوم به وينو به، ويبين الألفاظ الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والمزيدة في كلامه. يقول: هذا اللفظ يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الأذنان من الرأس)) وكان يسمح رأسه مرة ويمسح الماقين، وهذا اللفظ لا يحتمل أن تكون كلمة: "الأذنان من الرأس" مدرجة في الحديث، وبينا أنه لا مانع، بل وجد الإدراج في أول الحديث، بل هو نص في أنها من اللفظ النبوي، يعني لو لم يوجد في الروايات الأخرى ما يدل على أنها مدرجة فالقطع في بأنها مرفوعة لا إشكال فيه، لكن جاء ما يدل على أنها مدرجة والإدراج في أول الخبر وجد من بعض الصحابة، إذاً ما المانع من أن تكون مدرجة ولو كانت في صدر الخبر؟ بل هو نص في أنها من اللفظ النبوي، وقد أطال العلماء البحث في هذه الكلمة، وهل هي مدرجة من كلام أبي أمامة أو مرفوعة؟ ورجح كثير منهم الإدراج، يعني أنها من قول أبي أمامة، انظر التلخيص ونصب الراية، والراجح عندي أن الحديث صحيح، فقد روي من غير وجه بأسانيد بعضها جيد، ويؤيد بعضها بعضاً، ونقل الزيلعي في نصب الراية عن كتاب (الإمام) لابن دقيق العيد أنه قال في حديث أبي أمامة: وهذا الحديث معلول بوجهين: أحدهما: الكلام في شهر بن حرشب، والثاني: الشك في رفعه، ولكن شهراً وثقه أحمد ويحيى والعجلي ويعقوب بن شيبة، وسنان بن ربيعة اخرج له البخاري وهو وإن كان قد لين فقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقال ابن معين: ليس بالقوي، فالحديث عندنا حسن، والله أعلم، هذا كلام ابن دقيق العيد.

ثم نقل عن البيهقي في سننه أنه قال: حديث: ((الأذنان من الرأس)) أشهر إسناد فيه حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة، يعني حديث الباب، وكان حماد يشك في رفعه في رواية قتيبة عنه، فيقول: لا أدري من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من قول أبي أمامة، وكان سليمان بن حرب يرويه عن حماد بن زيد ويقول: هو من قول أبي أمامة، ثم قال الزيلعي: قلت: وقد اختلف فيه على حماد فوقف ابن حرب عنه ورفعه أبو الربيع، واختلف أيضاً فيه على مسدد عن حماد فروي عنه الرفع، وروي عنه الوقف. وإذا رفع ثقة حديثاً ووقفه أخر، أو فعلهما شخص واحد في وقتين ترجح الرفع أو يرجح الرافع؛ لأنه أتى بزيادة، ويجوز أن يسمع الرجل حديثاً فيفتي به في وقت ويرفعه في وقت أخر، وهذا أولى من تغليط الراوي ثم نقل حديث: ((الأذنان من الرأس)). الشيخ أحمد شاكر جرى على طريقة المتأخرين في الحكم بحكم عام مضطرد لكل زيادة، لكن هذا ليس بلازم، وليس عليه عمل الأئمة، ثم نقل حديث: ((الأذنان من الرأس)) من حديث عبد الله بن زيد مرفوعاً في سنن ابن ماجه، وقال: هذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رواته، وهو كما قال، ثم نقله من حديث ابن عباس مرفوعاً أيضاً من سنن الدارقطني من طريق أبي كامل الجحدري عن غندر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ثم قال: قال ابن القطان: إسناده صحيح لاتصاله وثقة رواته.

قال: وأعله الدارقطني بالاضطراب في إسناده، وقال: إن إسناده وهم وإنما هو مرسل، ثم أخرجه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، وتبعه عبد الحق في ذلك، وقال: إن ابن جريج الذي دار الحديث عليه يروي عنه عن سليمان بن موسى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرسلاً، قال: وهذا ليس بقدح فيه، وما يمنع أن يكون فيه حديثان مسند ومرسل انتهى، ثم قال الزيلعي: فانظر كيف أعرض البيهقي عن حديث عبد الله بن زيد وحديث ابن عباس هذين، واشتغل بحديث أبي أمامة، وزعم أن إسناده أشهر لهذا الحديث، وترك هذين الحديثين وهما أمثل منه، ومن هنا يظهر تحامله، وكتب الحافظ ابن حجر بخطه على نسخة نصب الراية المحفوظة بدار الكتب المصرية ما نصه: البيهقي إنما قال: إن حديث أبي أمامة أشهرهما، ولا يلزم من الشهرة الصحة ولا غيرها، وأما كون حديث ابن عباس وابن زيد أمثل منه فلا يلزم منه الشهرة الموجودة في حديث أبي أمامة فتأمله. يعني لا ملازمة بين الشهرة والصحة، وهذا من الحافظ تكلف واضح في الدفاع عن البيهقي، ولكن يفهم منه أنه موافق على صحة حديثي ابن عباس وعبد الله بن زيد، والذي قاله الزيلعي دقيق مطابق للقواعد الصحيحة عند علماء هذا الفن، انتهى كلامه -رحمه الله-، ولا شك أنه متساهل في توثيق بعض الرواة، وقد ضبطنا عليه في قسمه الذي حققه من جامع الترمذي توثيق أكثر من عشرين راوي، أكثر من عشرين راوي يوثقهم جمهور الأئمة على تضعيفهم، وعلى كل حال الحديث فيه العلتان التي هي ضعف شهر بن حوشب، وفيه أيضاً الاختلاف في الرفع والوقف. يقول الترمذي: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعدهم أن الأذنين من الرأس فيمسحان معه، وهو القول الراجح" هذا الراجح أنهما من الرأس، ويمسحان معه "وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" وأبو حنيفة "وقال بعض أهل العلم: ما أقبل من الأذنين" يعني ما أقبل من جهة الوجه "فمن الوجه، وما أدبر" يعني من القفا "فمن الرأس" وإليه ذهب الشعبي والحسن بن صالح بن حي، وفي هذا حديث ذكره الطحاوي في شرح معاني الآثار عن علي لكن فيه مقال وضعفه البخاري.

"قال إسحاق: وأختار أن يسمح مقدمهما مع الوجه، ومؤخرهما مع رأسه، وقال الشافعي: هما سنة على حيالهما يمسحهما بماء جديد" سنة مستقلة بماء جديد، يعني بالنسبة للرأس أو للوجه لا تابعة لا للرأس ولا للوجه، وإنما هي سنة مستقلة تمسح بماء جديد، وهذا هو الذي دعا البيهقي أن يقول ما يقول، ويرجح حديث أبي أمامة على غيره؛ لأن حديث أبي أمامة مختلف في رفعه ووقفه، وإذا اختلف في رفعه ووقفه احتمال أن يرجح الوقف كما رجح ابن حجر وغيره، وأنها مدرجة، فلا يعارض قول إمامهم؛ لأن البيهقي شافعي، وابن حجر شافعي فيضطرون إلى ترجيح مثل هذا، وهذا هو التعصب الذي أشار إليه الزيلعي من البيهقي، وأشار إليه الشيح أحمد شاكر بالنسبة للحافظ ابن حجر. فكأنهما قال: هما يؤيدان المذهب "وقال الشافعي هما سنة على حيالهما يمسحهما بماء جديد" وقال بعض أهل العلم: هما من الوجه لا من الرأس، يعني وجه الشبه بكونهما من الوجه ما فيه إلا أنهما مكشفتان مثل الوجه بدون شعر، والرأس مغطى بالشعر، فوجه الشبه بينهما يعني لو قلنا: نحتاج إلى قياس الشبه، إذا قررنا أن الأذنين فرع، وليس بأصل مستقل برأسه، ليس من فروض الوضوء المستقلة المعروفة، فهي فرع، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يمسحهما، فهما فرع، فرع متردد بين أصلين، إذا تردد الفرع بين أصلين يلحق هذا الفرع بأي شيء بأقربهما شبهاً، وهذا يسمى عند أهل العلم قياس الشبه، أيهما أشبه بالأذنين الوجه أو الرأس؟ الوجه أشبه؛ لأنه مكشوف بدون شعر، لكن فيه شعر بالنسبة للعارضين بالنسبة للحية؛ لأنه من مسمى الوجه، لكن هما الأذنان أقرب إلى الوجه شبهاً من الرأس، فإذا استعملنا قياس الشبه قلنا: هما من الوجه، كما قال هؤلاء، قال بعضهم: هما من الوجه فيغسلان معه، وإليه ذهب الزهري وداود.

دليل هذا القول، هم ما اعتمدوا على قياس الشبه، لكن من باب ما يدعم به القول إذا أمكن أن يدعم أي قول من الأقوال بدليل لم يطلع عليه أصحاب القول أو بقاعدة عند أهل العلم، أو بأصل من الأصول يمكن أن يلحق به تستقصى المسالة، وإلا هم ما استعملوا قياس الشبه، استدلوا بما رواه أصحاب السنن عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في سجوده: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره)) فأضيف السمع إلى الوجه، كما أضيف البصر إليه، يعني بعض الناس ينزع منزع بعيد، بعيد جداً قد يستغرب كيف طرأ على باله يستدل بمثل هذا الحديث؟! هذه دقة في الاستنباط، لكن يبقى أن هل مثل هذا النص على بعده عن محل الخلاف هل هو أقرب من الأحاديث التي نصت على غسل .. ، على أحاديث الوضوء أقل الأحوال، يعني هذا باب باب السجود غير باب الوضوء، باب السجود باب مستقل، يعني مثل من يقرر أن الحائض تقرأ القرآن، الحائض تقرأ القرآن لماذا؟ قال: لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) الحاج يقرأ القرآن إذاً تقرأ الحائض القرآن، يعني هل في هذا مستمسك لمن يقول: إن الحائض تقرأ القرآن؟ بعد الحاج يصلي تصلي؟! الحاج إذا لم يجد هدي يصوم تصوم؟! إذا لم نستثنِ إلا ما استثناه النبي -عليه الصلاة والسلام- قلنا: إن الحاج تصلي وتصوم إذاً الحائض تصلي وتصوم، إذا منعت من الصلاة ومن الصيام بالأدلة بالنصوص الصحيحة الصريحة فلئن تمنع من غيرها من غير الصلاة والصيام، يعني نغرب في الاستدلال، إغراب هذا في الاستدلال وإبعاد وسعة في الخطو كوننا نستعمل أعم العمومات في مسألة خاصة، وعندنا من الأدلة ما يمكن أن نبني عليه ما هو أقرب من هذا، فعندنا أحاديث الباب وأحاديث الوضوء وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على الأذنين بما بقي من مسح الرأس، والأدلة في هذا متكاثرة، نذهب إلى حديث السجود سجود التلاوة نعم قال في سجود القرآن: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره)) فإضافة السمع إلى الوجه كإضافة البصر إلى الوجه، فما دامت العينان من الوجه إذاً الأذنان من الوجه بمقتضى هذا الحديث، لكن يأتي أن كونه

باب: ما جاء في تخليل الأصابع:

من الوجه هل يلزم غسلهما أو مسحهما؟ العنان من الوجه إجماعاً، لكن هل يلزم غسل العينين؟ يعني إذا غسلنا ظاهر العنين يعني البشرة التي تغطي الأجفان مثلاً هل يلزم أن ندخل الماء داخل العنين كما يطلب هنا أن ندخل الماء داخل الأذنين؛ لأننا إذا قلنا: أنهما من الوجه لزمنا أن نغسلهم كغسل الوجه، وهل قال أحد بغسل داخل العنين من أجل أن نقول بغسل داخل الأذنين لأنهما من الوجه؟ ما فعل هذا إلا ابن عمر وعمي بسبب ذلك ولا وافقه أحد، وهذا من احتياطه، قالوا: وليس بصريح، ولم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غسل الأذنين، بل ثبت عنه المسح، ولو كان تبعاً للوجه لغسل مثله، ومما يدل على أنهما من الرأس قوله في حديث الصنابحي الذي تقدم: ((فإذا مسح رأسه خرجت خطاياه من رأسه حتى تخرج من أذنيه)) أيهما أقرب هذا الحديث أو حديث: ((سجد وجهي))؟ هذا أقرب بكثير، قال ابن القيم في الهدي: لم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أخذ له ماء جديداً، وإنما صح ذلك عن ابن عمر، وفعل ابن عمر ذكره مالك في الموطأ يعني أخذ له ماء جديد وغسلهما غسل كما غسل داخل الأذنين وهذا من مخالفته -رضي الله عنه وأرضاه-، وعلى كل حال المرجح والمختار هو قول جمهور أهل العلم، وأنهما من الرأس ويمسحان تبعاً له، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في تخليل الأصابع: حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي هاشم عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأت فخلل الأصابع)). قال: وفي الباب عن ابن عباس والمستورد، وهو ابن شداد الفهري، وأبي أيوب الأنصاري. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يخلل أصابع رجليه في الوضوء، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال إسحاق: يخلل أصابع يديه ورجليه في الوضوء، وأبو هاشم اسمه: إسماعيل بن كثير المكي. حدثنا إبراهيم بن سعيد هو الجوهري قال: حدثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك)).

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. حدثنا قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد الفهري قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ دلك أصابع رجليه بخنصره. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تخليل الأصابع" والأصابع جنس يشمل أصابع اليدين وأصابع الرجلين. "قال: "حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع عن سفيان" وهو الثوري، وذكرنا من القواعد التي يميز بها بين السفيانين أن يكون بينه وبين الأئمة راويان، أما إذا كان راوي واحد فالذي يغلب على الظن أنه ابن عيينة، "عن سفيان" الثوري "عن أبي هاشم" إسماعيل بن كثير الحجازي المكي ثقة "عن عاصم بن لقيط بن صبرة" العقيلي ثقة أيضاًَ "عن أبيه" لقيط بن صبرة صحابي مشهور، وهو أبو رزين العقيلي، فيما رجحه جمع من أهل العلم، والأكثر على أنهما اثنان، أبو رزين العقيلي غير لقيط بن صبرة، قاله ابن حجر "قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأت فخلل الأصابع)) " توضأ فعل ماضي، وعرفنا أن الماضي يطلق ويراد به الفراغ كما هو الأصل في كونه ماضياً بمعنى أن الحدث حصل في الزمن الماضي هذا الأصل، فهل معنى هذا أنه إذا توضأت وفرغت من الوضوء خلل بين الأصابع؟ كما يقال: إذا أكلت فخلل بين أسنانك؟ تخلل ما بين أسنانك أثناء الأكل أو إذا أردت الأكل أو إذا فرغت من الأكل؟ نعم؟ إذا فرغت، هنا إذا توضأت فخلل الأصابع، يعني إذا فرغت؟ طالب:. . . . . . . . . نعم: إذا أردت أو إذا شرعت يعني في أثنائه؟ في أثنائه بلا شك. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن عباس" مخرج في المسند وابن ماجه والترمذي، "والمستورد بن شداد" المستورد هو ابن شداد مخرج عند الأربعة "وأبي أيوب الأنصاري" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ومخرج في المسند وأبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وصححه البغوي وابن القطان، إسناده ما فيه إشكال إلا من جهة من؟ قتيبة وهناد وسفيان ووكيع أئمة، أبو هاشم هذا إسماعيل بن كثير الحجازي ثقة أيضاً، وعاصم بن لقيط ثقة، فيه إشكال وإلا ما في إشكال؟ نعم؟ لا أحتمل الأئمة تدليسه، سفيان احتمل الأئمة تدليسه لإمامته وندرت تدليسه بالنسبة لما رواه، احتمل الأئمة تدليسه، ما في إشكال -إن شاء الله تعالى-. "قال: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج أيضاً عند الإمام أحمد في المسند وأبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وصححه البغوي وابن القطان، ما يظهر فيه إشكال -إن شاء الله تعالى- "والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يخلل أصابع رجليه في الوضوء" رجليه، الآن الحديث: ((فخلل الأصابع)) والأصابع تشمل أصابع اليدين وأصابع الرجلين، يقول: "والعلم على هذا عند أهل العلم أنه يخلل أصابع رجليه عند الوضوء، وبه يقول أحمد، وإسحاق" قال ابن سيد الناس: قال أصحابنا: من سنن الضوء، الآن الأمر: "خلل" والأصل في الأمر الوجوب، يقول ابن سيد الناس: قال أصحابنا: من سنن الوضوء تخليل أصابع الرجلين في غسلهما، وقال: هذا إذا كان الماء يصل إليها من غير تخليل، فلو كانت الأصابع ملتفة لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل فحينئذٍ يجب التخليل لا لذاته لكن لأداء فرض الغسل؛ لأنه لا يتم الواجب إلا به فهو واجب التخليل، تعقبه الشوكاني في نيل الأوطار بأن الأحاديث صرحت بوجوب التخليل، يعني جاءت بالأمر ولا صارف، جاءت بالأمر: ((خلل أصابع)) ولا صارف، قد صرحت بوجوب التخليل ولا فرق بين إمكان وصول الماء بدون تخليل وعدمه، ولا بين أصابع اليدين والرجلين فالتقييد بأصابع الرجلين أو بعدم وصول الماء لا دليل عليه "وقال إسحاق: يخلل أصابع يديه ورجليه في الوضوء" وهذا هو الراجح للإطلاق في حديث الباب، "وأبو هاشم اسمه: إسماعيل بن كثير المكي".

قال: "حدثنا إبراهيم بن سعيد هو الجوهري" أبو إسحاق الطبري نزيل بغداد، ثقة حافظ، قال: "حدثنا سعد" يعني "ابن عبد الحميد بن جعفر" الأنصاري، أبو معاذ المدني، صدوق، له أغاليط، قال: "حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد" المدني، صدوق، فقيه، ما حدث به في المدينة فصحيح، وما حدث به في بغداد والعراق فمضطرب "عن موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة" موسى بن عقبة مولى آل الزبير، ثقة، إمام في المغازي، توفي سنة إحدى وأربعين ومائة "عن صالح مولى التوأمة" صدوق اختلط، لكن سماع موسى بن عقبة منه قبل الاختلاط "عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك)) ". وهذا نص في ... ، نص مفسر، يعني الحديث الأول نص مجمل، وهذا نص مفسر، فهو حجة على من قال أو من خص التخليل بأصابع الرجلين فقط دون اليدين، وجاء في بعض الأحاديث ذكر الرجلين فقط، يعني جاء في بعض الأحاديث خلل أصابع رجليك، يعني جاء التنصيص على الرجلين فقط، لكن هل هذا يقتضي تخصيص؟ هذا تنصيص على بعض أفراد العام، وإذا جاء اللفظ بصيغة العموم، وجاء ما يدل على الخصوص بحكم موافق لحكم العام هذا لا يقتضي التخصيص عند أهل العلم؛ لأنه تنصيص على بعض أفراد العام بالحكم الموافق، وهذا لا يقتضي التخصيص عندهم. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" قال الشوكاني: فيه صالح مولى التوأمة ضعيف، وحسنه البخاري لأن سماع موسى بن عقبة من صالح قبل الاختلاط. قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي" ثقة أيضاً، ويزيد بن عمرو المعافري صدوق "عن المستورد بن شداد الفهري" الذي أشار إليه الترمذي سابقاً بقوله: "وفي الباب" "قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ دلك" أي خلل "أصابع رجليه بخنصره" هذا التنصيص على الرجلين، نعم هذا التنصيص على الرجلين، وهذا تنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص عند أهل العلم، بخنصره يعني خنصر يده اليسرى.

باب: ما جاء: ((ويل للأعقاب من النار)):

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة" لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة، يعني حديث هذا الصحابي لا يعرف إلا من حديث ابن لهيعة، وأما ما جاء عن غيره من الصحابة فهو معروف من طرق، على ما ذكره الترمذي في هذا الباب. قال ابن سيد الناس: شارك ابن لهيعة في روايته عن يزيد بن عمرو الليث وعمرو ابن الحارث، فالحديث إذاً صحيح سالم عن الغرابة، قاله في النيل، ولا مفر ولا محيد بعد سماع ما ذكر من تخليل الأصابع، سواء كانت ملتفة أو يمكن وصول الماء إليها، ويستوي في ذلك أصابع اليدين والرجلين، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء: ((ويل للأعقاب من النار)): حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويل للأعقاب من النار)) قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعائشة وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن الحارث هو ابن جزء الزبيدي، ومعيقيب وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار)). قال: وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء ويل للأعقاب من النار" الترجمة بلفظ الحديث. قال: "حدثنا قتيبة" وهو ابن سعيد تقدم الكلام فيه "قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد" الدراوردي، أبو محمد، الجهني مولاهم، صدوق، توفي سنة سبعة وثمانين ومائة، ومع ذلك حديثه مخرج في الصحيحين وغيرهما، "عن سهيل بن أبي صالح" أبو صالح اسمه: ذكوان السمان، وابنه سهيل صدوق، تغير حفظه بأخرة "عن أبيه" ذكوان السمان أبو صالح، ثقة "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويل للأعقاب من النار)) ".

الويل اختلف في معناه، لكن جاء من حديث أبي سعيد مرفوعاً: ((ويل وادي في جنهم)) وهذا مخرج في الترمذي، والويل في اللغة: الحزن والهلاك والمشقة، وفسره ابن سعيد كما جاء في الحديث مرفوعاً: ((ويل وادي في جهنم)) نسأل الله السلامة والعافية، والأعقاب: جمع عقب، وهو مؤخر القدم، والمراد من قصر في غسلهما، وإذا عذبت الأعقاب فالعذاب على جميع البدن، نسأل الله السلامة والعافية؛ لأن بعض الناس يسمع مثل هذا الكلام لا سيما في مثل حديث الإسبال ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) ما الذي في النار؟ الإزار وإلا صاحبه؟ طالب:. . . . . . . . . صاحب الإزار بلا شك، وهنا صاحب العقل هو المتوعد، وقل مثل هذا ((وكل ضلالة في النار)) صاحبها المراد صاحبها. "قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" متفق عليه عند البخاري ومسلم "وعائشة" عند مسلم "وجابر" عند بن أبي شيبة وابن ماجه "وعبد الله بن الحارث هو ابن جزء الزبيدي" وهو الذي سيأتي ذكره في أخر الباب، "ومعيقيب" أخرجه أحمد والطبراني في الكبير "وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان" مخرجة عند ابن ماجه. "قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" ومخرج في الصحيحين، وفي الباب عن عمر بن الخطاب أخرجه مسلم، وعن ابنه عبد الله أخرجه ابن أبي شيبة، وعن خالد بن معدان أخرجه الإمام أحمد، "وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار)) ". وهذا الحديث رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مرفوعاً، ورواه أحمد موقوفاً عليه، وهو الذي تقدمت الإشارة إليه، وعلى كل حال فقه الحديث كما قال الإمام -رحمه الله تعالى- قال: "وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان".

لأنه إذا توعد على التفريد بغسل العقب الذي هو مؤخر القدم، فإذا توعد عليه بالنار فهل يتصور أن المسح جائز؟ نعم؟ إذاً المسح لا يجوز، لا بد من غسل العقب وبطون الأقدام كما جاء في الرواية الأخرى والحديث الأخر، فإذا وجب غسل العقب وباطن القدم فالظاهر من باب أولى، ويذكر عن ... ، بل هو المعتمد عند الرافضة عموماً أن المسح يكفي عملاً بقراءة الجر: "وأرجلِكم" عطفاً على الرأس الذي هو ممسوح، وينسب هذا القول للإمام أبي جعفر بن جرير الطبري، أما بالنسبة للرافضة فلا عبرة بوفاقهم ولا خلافهم. ابن جرير الطبري كلامه في التفسير وإن أوهم المسح بل صرح بالمسح، لكن مراده بالمسح الغسل، مراده بالمسح الغسل؛ لأنه يطلق المسح ويراد به الغسل في لغة العرب بدليل أنه احتج على ما اختاره بحديث: ((ويل للأعقاب من النار)) وذكره بطرقه، فهل يتصور أن ابن جرير يرى المسح وهو يورد هذا الحديث لشرح كلامه وتوضيح كلامه؟ ما يتصور، نعم نقل عن ابن جرير أنه يرى هذا القول في التفاسير كلها، ويقولون: محمد بن جرير الطبري، لكن في تفسير الألوسي يقول: وقال أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، هذا رافضي ذا، هذا ليس الإمام ابن جرير المعروف، وهنا حصل اللبس، إضافة إلى أن ابن جرير قرر المسح في تفسيره، مراده المسح الغسل؛ لأنه يطلق المسح ويراد به الغسل في لغة العرب، وقرره ودعم كلامه بحديث: ((ويل للأعقاب من النار)) كيف يورد ابن جرير الطبري الحديث بطرقه ويريد بذلك المسح؟ فحصل اللبس من جهتين: أولاً: أنه قرر المسح ومراده به الغسل.

الأمر الثاني: اتفاقه مع من يرى المسح من الشيعة في الاسم والكنية والنسبة، وغسل الرجلين محل إجماع بين كل من يعتد بقوله من أهل العلم، وأنه لا يجوز المسح بحال، طيب قراءة الجر: "وأرجلِكم" منهم من يقول: إن الجر للإتباع، لمجرد الإتباع لا لإرادة المسح الحقيقي، ومنهم من يقول: مسح كل شيء بحسبه، فمسح الرأس بمجرد إمرار اليد المبلولة عليه، ومسح الرجل بغسلها كما قرر ذلك ابن جرير، ومنهم من يقول: إنه ثبتت القراءتان، فقراءة النصب يؤخذ منها غسل الرجل، وقراءة الجر يؤخذ منها مسح القدم إذا كان عليها خف أو جورب، فتكون الآية دليل للأمرين، وعلى هذا إذا كانت الرجل مكشوفة فلا بد من غسلها، إذا كانت مغطاة بخف أو جورب يكفي في هذا المسح، والنصوص في هذا متواترة، يكفي فيها المسح، لكن إذا كانت مكشوفة لا مغسولة ولا ممسوحة تصح الصلاة وإلا ما تصح؟ ما تصح، إذاً من مسح على الخف وخلع الخف هل هذا يصلي بقدم مغسولة أو ممسوحة أو لا مغسولة ولا ممسوحة؟ إذاً وضوؤه ناقص، فلا تصح صلاته حينئذٍ، ولا يتجه أن يقول: إن خلع الخف أو خلع الجورب مبطل للوضوء أصلاً ما في وضوء، هذا وضوء ناقص، لا رجل مغسولة ولا خف ممسوحة، فالقول ببطلان صلاته هو المتجه، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- في المسح على الخفين، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (11)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (11) شرح: باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة، وباب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين، وباب: ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وباب: في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، وباب: فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. قال المؤلف -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا ولجميع المسلمين: باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة: حدثنا أبو كريب وهناد وقتيبة قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة". وفي الباب عن عمر وجابر وبريدة وأبي رافع وابن الفاكه، وحديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وروى رشدين بن سعد وغيره هذا الحديث عن الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، وليس هذا بشيء، والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة" ويحتاج إلى تكرار المرة إذا كان ما تعود إليه مكرراً، أما لو كان عضواً واحداً لقيل: باب: ما جاء في الوضوء مرة، يعني لو كان المراد مرة عائدة إلى الوضوء لما احتجنا إلى تكرارها؛ لأن الوضوء إنما يكون مرة واحدة، الواجب للعبادة مرة واحدة، لكن لما كانت المرة عائدة إلى الأعضاء كررت، مرة مرة، يعني لكل عضو مرة، وليس المراد به الوضوء مرة واحدة؛ لأن هذا معروف؛ لأن تكرار الوضوء وتجديد الوضوء سنة إذا فعل به عبادة، أما أن يجدد من غير إحداث عبادة به فهذا زيادة على القدر المشروع، يعني يحتاج إلى تجديد الوضوء إذا فعل بالوضوء الأول عبادة، وليس هو المراد هنا في هذا الباب، المراد غسل الأعضاء مرة مرة، يعني لكل عضو مرة واحدة. يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو كريب" وهو محمد بن العلاء، من ثقات الرواة من شيوخ الأئمة، "وهناد" بن السري كذلك، "وقتيبة" بن سعيد، وكلهم مروا سابقاً، "قالوا" يعني الثلاثة: "حدثنا وكيع" وهو ابن الجراح، الإمام العلم الزاهد المعروف "عن سفيان" وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري، الإمام صاحب المذهب المتبوع، المشهور بعلمه وورعه وزهده، والمقصود به هنا -وإن كان مهملاً- الثوري، كما صرح به أبو نعيم في مستخرجه، كما صرح به أبو نعيم في مستخرجه، وهذه من فوائد المستخرجات تمييز المهمل، فإذا كان في الطبقة الواحدة أكثر من شخص ويهمل، فيقال: حدثنا سفيان ولا يبين، فمن وظائف المستخرجات تمييز المهمل، وتعيينه من بين من يشاركه في الاسم والطبقة والشيوخ والآخذين، وفوائد المستخرجات تزيد على العشرين كما بينت في مواضعها من كتب المصطلح.

"عن سفيان ح" تقدمت الإشارة إلى أن هذه الحاء إنما هي رمز للتحويل من إسناد إلى آخر، وتستعمل عند أهل العلم بكثرة عند مسلم، وعند أبي داود والترمذي والنسائي، وقد يستعملها البخاري -رحمه الله تعالى- بقلة، واستعماله لها قد يختلف عن استعمال غيره لها، فاستعمال مسلم كاستعمال الترمذي هنا، يقصد بها اختصار الأسانيد، والاجتماع على ملتقى .. ، ما تلتقي به الرواة من الشيوخ، فيستفاد منها الاختصار، أما البخاري فكثيراً ما يضعها بعد ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-، عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ح وحدثنا محمد بن بشار، قد يقول هكذا البخاري، وهذا بكثرة عنده، وقد يستعملها للاختصار كاستعمال الأئمة، لكن إذا استعملها بعد نهاية الإسناد ما فيها اختصار، ولذا يترجح قول من يقول من المغاربة: إن المراد بها الحديث، أو هي اختصار لاسمه خاء، ثم أهملت، ظن من النساخ أنها هي حاء التحويل، على كل حال هذه الحاء رمز عند أهل العلم يستعملونها بين الأسانيد في أثنائها للاختصار، وهي حاء التحويل، وتقرأ هكذا ح وقال. قال- يعني الترمذي-: "وحدثنا محمد بن بشار" المعروف ببندار ثقة من ثقات الشيوخ الأئمة المعروفين، "قال: حدثنا يحيى بن سعيد" وهو الأنصاري "قال: حدثنا سفيان" وهو الثوري السابق في الإسناد الذي قبله، والأئمة الثلاثة الشيوخ الثلاثة أبو كريب وهناد وقتيبة يروون الحديث عن وكيع، ومحمد بن بشار يرويه عن يحيى بن سعيد، وكلاهما –أعني وكيعاً ويحيى بن سعيد- يرويانه عن سفيان الثوري "عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس" حبر الأمة، ترجمان القران، ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة". يعني لكل عضو مرة، فغسل كفيه مرة، وغسل وجهه مرة واحدة، وغسل يديه مرة مرة، ومسح برأسه مرة، وغسل رجليه مرة، مع أن من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه بالنسبة لغسل الكفين لغسل الكفين قبل الشروع في الوضوء يذكر ثلاثاً، ولا يذكره مرة واحدة، فالمراد بقوله: "توضأ مرة مرة" يعني الفرائض، فرائض الوضوء الأربعة المعروفة التي هي غسل الوجه، واليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر" وسيأتي ذكره -إن شاء الله تعالى- في الباب نفسه من هذا الكتاب، "وجابر -عند ابن ماجه- وبريدة -عند البزار- وأبي رافع -عند الدارقطني والبزار- وابن الفاكه" واسمه: سبرة بن الفاكه، وحديثه أخرجه البغوي في معجمه. وفي الباب أيضاً عن ابن عمر عند البزار وعكراش بن ذؤيب ذكره الخطيب، وكعب أخرجه ابن ماجه، فالحديث مستفيض مروي في دواوين الإسلام، وحديث ابن عباس حديث الباب مخرج عند الجماعة عدا الإمام مسلم -رحمه الله- فإنه لم يخرجه. "قال أبو عيسى: وحديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح" أحسن شيء في هذا الباب وأصح، يعني من الأحاديث التي أشار إليها الترمذي -رحمه الله- بقوله: "وفي الباب" فهو أحسنها وأصحها، ولا يعني أن جميع ما روي في الباب صحيح؛ لأن أهل الحديث قد لا يجعلون أفعل التفضيل على بابها، فقد يستعملونها في غير بابها، إلا أن أكثرها صحيح، ومنها الحسن، وفيها من فيه مقال عند أهل العلم، لكنها بمجموعها تقرب من التواتر، تقرب من التواتر فهي مستفيضة ومشهورة في دواوين الإسلام، ولو لم يكن في ذلك إلا تخريج الإمام البخاري للحديث، مع من وافقه من الأئمة، فالحديث مخرج عند أحمد والبخاري وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، فلم يخرجه مسلم -رحمه الله تعالى-. "وروى رشدين بن سعد" المصري أبو الحجاج كان صالحاً في دينه إلا أنه في روايته ضعيف، في دينه صالح ما فيه إشكال، يعني عدالته لا مطعن فيها، لكن ضبطه وإتقانه فيه ضعف، يقول من ترجم له في كتب الرجال: أدركته غفلة الصالحين، وهذا شأن من ينشغل عن العلم، شأن من ينشغل عن مدراسة العلم ومذاكرته، أنه يقع في حديثه الخطأ الكثير؛ لأن العلم يحتاج إلى مدارسة ومذاكرة ومراجعة، يحتاج إلى استذكار مستمر، ومدارسة مع الأقران ومساءلة للشيوخ، وبهذا يثبت العلم، أما بالنسبة لرشدين فإنه انشغل بالعبادة عن المذاكرة والمدارسة فأدركته غفلة الصالحين.

وللشيخ -رحمه الله- الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- تعليقات على التقريب وقال: إن إطلاق مثل هذا الكلام لا ينبغي "أدركته غفلة الصالحين" إنما يقال: بعض الصالحين، إنما يقال: بعض الصالحين فإن في بعضهم غفلة، لا سيما إذا انشغلوا عما هم بصدده من العلم، وأقبلوا على العبادة وتركوا مذاكرة العلم، أما إطلاق غفلة الصالحين فيلزم منه أن جميع من كان صالحاً فإنه مغفل وليس الأمر كذلك، فأصلح الناس وأتقاهم وأخشاهم وأعبدهم لله -جل وعلا- على الوجه المشروع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصحابته الكرام بدءاً من الخلفاء الأربعة وحفاظ الأمة مثل أبي هريرة وابن عمر وابن عباس وغيرهم، فلا يطلق مثل هذا الكلام، وهذه لفتة طيبة من الشيخ -رحمة الله عليه- لأن الوصف بالغفلة هذا طعن في الراوي، طعن في الراوي، وإذا قلنا: غفلة الصالحين أضفناها إلى الصالحين كلهم، طعنا في الصالحين كلهم، وليس الأمر كذلك، فعلى رأس الصالحين النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام، وحفاظ الأمة وأئمتها هم رؤوس وسادة الأمة وصالحوها، فلا ينبغي أن تنسب الغفلة إلى جميعهم، إنما بعضهم نعم فيه غفلة، ينصرف عن مذاكرة العلم، وقد يكون حفظه من الأساس في ملكة الحفظ عنده فيها ضعف، وهذا معروف ولا يحتاج إلى استدلال، فالناس يتفاوتون في هذا الباب، لكن من كان ضعف حافظته بسبب غفلته عن مدارسة العلم إما لصلاحه وإقباله على العبادة، أو لأنه منشغل بأمر آخر من أمور الدين أو الدنيا، فلا تضاف هذه الغفلة إلى الجميع. "وروى رشدين بن سعد وغيره" كابن لهيعة "الحديث عن الضحاك بن شرحبيل" الغافقي المصري، وهو صدوق كما قال الحافظ يهم، من الرابعة، "عن زيد بن أسلم عن أبيه" أسلم مولى عمر -رضي الله عنه-، "عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة"، وهذه الرواية أخرجها ابن ماجه وفي إسنادها رشدين بن سعد وهو ضعيف كما تقدم آنفاً، وابن لهيعة ضعفه الجمهور، والضحاك بن شرحبيل صدوق يهم، يعني يخطئ له أوهام، فالرواية فيها ما فيها، ولذا قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "وليس هذا بشيء"، "وليس هذا بشيء".

قد يقول قائل مثلاً: ابن رشدين ضعيف، وابن لهيعة مختلف فيه والجمهور على ضعفه، وروايته إذا انضمت إلى ابن لهيعة صارت شيئاً، إذا انضمت رواية ابن لهيعة إلى رواية رشدين يشد بعضها بعضاً، فتصير شيء، فبانضمام ابن لهيعة إلى رواية رشدين قد يحكم على الحديث بأنه حسن لغيره، أما الترمذي قال: وليس هذا بشيء، يعني ابن لهيعة متابع لرشدين، يعني متابعة لرشدين، والضعيف إذا كان ضعفه ليس بشديد يقوى بالمتابع، يقوى بالشاهد، وضعف ابن لهيعة ليس بشديد، بل وثقه بعض أهل العلم، وجرحه آخرون، والمرجح ضعفه، لكن على هذا يكون ضعفه ليس بشديد، وحسّن له ابن حجر بمفرده. قول الإمام -رحمه الله تعالى-: "وهذا ليس بشيء" هل لأن الرواية لا ترتقي بالمتابع أو لأنه حكم عليها بأنها من باب الخطأ؟ يعني لو لم يرد حديث ابن عباس السابق، يعني رشدين بدلاً من أن يجعلها من حديث ابن عباس عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس جعلها رشدين عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، فهل نقول: إن هذا شاهد لحديث ابن عباس ويتقوى برواية رشدين إذا انضمت إلى رواية ابن لهيعة؟ أو نقول: إن إضافتها إلى عمر خطأ من هؤلاء الضعفاء؟ والصواب ما تقدم مما خرجه البخاري عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس؛ لأن هذه من المضايق التي لا يدركها آحاد الطلاب، بل هي من العلل الخفية؛ لأن من ينظر إلى الإسناد الأول يحكم عليه بالصحة بلا شك، وهو مخرج في الصحيح، وليس لأحد له فيه كلام، الحديث الثاني يقول: لماذا لا يكون عن ابن عباس وعن عمر -رضي الله عنهما-؟ فيكون حديث عمر شاهد لحديث ابن عباس المخرج في الصحيح فيحكم له بالصحة، لا سيما وأنه ليس فيه مخالفة في المتن، قول الإمام الترمذي: "ليس هذا بشيء" يدل على أن إضافة الخبر وإسناده إلى عمر خطأ، وأن المحفوظ أنه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس. يقول: والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

لذا قال: ليس بشيء، وقال: والصحيح يعني ما رواه الجماعة الأئمة الثقات، جمع من الثقات رووه مخالفين لما ذكره رشدين، فلا شك أنه ليس بشيء في مقابلة هؤلاء، وعلى هذا يحكم على روايته بأنها خطأ، والصحيح ما رواه الجماعة؛ لأن بعض الناس ممن له عناية بالمتون فقط ويقرأ الكتب مجردة عن أسانيدها قد لا يلوح له مثل هذا الكلام، وهذا له شأن عظيم عند أهل العلم؛ لأنه قد يقول قائل مثلاً من المتفقهة الذين لا عناية لهم بالحديث يقول: توضأ النبي مرة مرة سواءً كان هذا من حديث ابن عباس أو من حديث عمر إيش الفرق؟ ما الفرق؟ المقصود أنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة، نقول: هذا بالنسبة للفقيه لا فرق، لكن بالنسبة لأهل الحديث هذا شأنه عظيم، وإذا كان الأمر فيما اتحد لفظه كما هنا، فماذا يصنع فيما يختلف لفظه؟ بل بما يختلف معناه؟ لأنه قد يقول قائل مثلاً: لو روي بهذا الإسناد مثلاً بغير هذا اللفظ بما يخالف حديث ابن عباس يقول: حديث آخر، حديث آخر، لكن أهل الحديث أطباء الصنعة لا يخفى عليهم مثل هذا الكلام ولا يمشي عليهم، ولا يطوف عليهم مثل هذا.

يقول النووي -رحمه الله تعالى- في شرح مسلم: أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وبهذا يتم الامتثال، ليس من كلام النووي، لكن لتوضيحه، هذا الإجماع مستند إلى الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] إلى آخرها، يتم امتثالها بالغسل مرة مرة، وقد بينها النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله، بفعله في أحاديث، وبيان الواجب واجب، يقول النووي -رحمه الله تعالى-: أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن الثلاث سنة، وقد جاءت السنة الصحيحة بالغسل مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وبعض الأعضاء ثلاثاً وبعضها مرتين، يعني ملفق، والاختلاف دليل على جواز ذلك كله، واختلافها دليل على جواز ذلك كله، وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ، الواحدة تجزئ والثلاث هي الكمال، وسيأتي في الأبواب اللاحقة الوضوء مرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، والاختلاف في غسل الأعضاء على ما سيأتي. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين. حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع قالا: حدثنا زيد بن حباب عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال: حدثني عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرتين مرتين. قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله من الفضل وهو إسناد حسن صحيح، وقد روى عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين" وهذا يقال فيه ما قيل في سابقه، وأن التثنية ليست للوضوء وإنما هي لغسل الأعضاء، كل عضو يغسل مرتين مرتين، لا أنه يتوضأ مرتين.

يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع" القشيري النيسابوري، وهو ثقة عابد، من الحادية عشرة، "قالا: حدثنا زيد بن حباب" أبو حسين العكلي، صدوق من التاسعة، قال: "عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان" العنسي الزاهد، صدوق يخطئ، من السابعة "قال: حدثني عبد الله بن الفضل" الهاشمي، ثقة من الرابعة "عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج" هو الأعرج، هو الأعرج، وبعض النسخ: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وفي بعضها: عبد الرحمن بن هرمز هو الأعرج، وتقدمت الإشارة إلى أن الأئمة يأتون بضمير الفصل (هو)، وأحياناً يقولون: يعني الأعرج، إذا لم يكن الراوي منسوباً من قبل الشيخ، وإنما زاده من بعده، فيبين أن هذه الزيادة من عنده بقوله: (هو) أو (يعني) وإلا لو حذفناها أو ذكرناها لا يختلف الكلام، "عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرتين مرتين" يعني غسل أعضاء الوضوء مرتين مرتين، فغسل الوجه مرتين، وغسل اليدين مرتين، ومسح الرأس، مقتضى ذلك مرتين، مقتضى الإطلاق هنا، وسيأتي تفسير ذلك وتفصيله في أحاديث لاحقة -إن شاء الله تعالى-، وأن الرأس إنما يمسح مرة واحدة وقد تقدم. مرتين مرتين، يعني كل عضو من أعضاء الوضوء يغسل مرتين. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر" وهو مخرج عند ابن ماجه "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" في الباب عن جابر قلنا: إنه أخرجه ابن ماجه، وعن عبد الله بن زيد أخرجه البخاري وأحمد، "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" أخرجه أبو داود، قال: "لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله من فضل وهو إسناد حسن صحيح".

في الأول قال: هذا حديث حسن غريب، وفي النهاية قال: وهو إسناد حسن صحيح، فهو يحكم على المتن بالحسن مع الغرابة، ويحكم على الإسناد بالحسن مع الصحة، أيهما أولى مثل هذا الكلام أو العكس من الناحية الاصطلاحية؟ هذا حديث حسن غريب، ويريد بذلك المتن، ثم قال: وهو إسناد حسن صحيح، يعني هل هناك تلازم بين المتن والإسناد؟ بمعنى أنه لا يصح المتن إلا إذا صح الإسناد أو العكس؟ أو قد يصح المتن مع ضعف الإسناد ويصح الإسناد مع ضعف المتن؟ نعم لا تلازم بينهما، لا تلازم بينهما، فقد يصح الإسناد ولا يصح المتن لوجود مخالفة، وقد يصح المتن والإسناد ضعيف لوجود المتابع والشاهد، لوجود الطرق التي يصح بها، وهنا قال: عن الحديث يعني عن المتن: حسن غريب، وقال عن الإسناد: إنه حسن صحيح، فهل فيه مخالفة ليصح الإسناد ولا يصح المتن؟ أما بالنسبة لغرابته فقد بينه بقوله: "لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل" وهذه الغرابة نسبية وإلا مطلقة؟ نسبية، نسبية يعني من هذا الوجه فقط، وإلا فهو معروف من طرق أخرى عن غير أبي هريرة، له طرق عن جابر وعن عبد الله بن زيد، حديث عبد الله بن زيد في الصحيح، وستأتي الإشارة إليه، بل يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-، الآن في كلام الترمذي: "هذا حديث حسن غريب" ويريد بذلك المتن، مع قوله: "هذا إسناد حسن صحيح" يريد بذلك الإسناد. في حاشية الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- يقول: كتب العلامة الشيخ أحمد الرفاعي بخطه بحاشية نسخته عند قوله: "حسن غريب" ما نصه: "ما هنا متعلق بالحديث وما بعده بالإسناد، ولا يلزم من غرابة الحديث غرابة الإسناد ولا عكسه، وإيضاحه في مصطلح الحديث"، قال الشيح أحمد شاكر: وهذا غير جيد، وهذا غير جيد؛ لأن المتن معروف من غير هذا الإسناد؛ لأن المتن معروف من غير هذا الإسناد، وإنما الغرابة في الإسناد حيث انفرد به ابن ثوبان، ثم صحح الترمذي الإسناد نفسه ولا منافاة بين الغرابة والصحة وفيه .. إلى آخره.

ماذا نفهم من كلام الرفاعي؟ يقول: "ما هنا متعلق بالحديث، هذا حديث حسن غريب هذا صحيح، وما بعده وهو إسناد حسن صحيح متعلق بالإسناد هذا واضح من كلام الترمذي -رحمه الله-، ولا يلزم من غرابة الحديث غرابة الإسناد ولا عكسه، ذكرنا أنه لا تلازم بينهما، لا تلازم بينهما، وإيضاحه يقول: في مصطلح الحديث، قال الشيح أحمد -رحمه الله-: وهذا غير جيد؛ لأن المتن معروف من غير هذا الإسناد، وإنما الغرابة في الإسناد حيث انفرد به ابن ثوبان، كلام الرفاعي توجيهاً لكلام الترمذي إنما يقصد بالحديث حديث أبي هريرة، وتعقب الشيخ أحمد شاكر في قوله: هذا غير جيد؛ لأنه نظر إلى مجموع الأحاديث الواردة في الباب، كحديث عبد الله بن زيد وجابر، إضافة إلى حديث أبي هريرة، فالرفاعي ويومئ إليه كلام الترمذي، بل هو ظاهر كلام الترمذي أنه نظر إلى حديث أبي هريرة بمفرده، فهو غريب لأنه تفرد به ابن ثوبان، وكلام الشيخ أحمد شاكر لأنه قال: المتن معروف من غير هذا الإسناد، يعني كلام الشيخ أحمد شاكر لم يصب المحز الذي أراده الترمذي ولا ما أراده الرفاعي حينما علق على كلام الترمذي، فالترمذي كلامه منصب على حديث أبي هريرة بغض النظر عن الأحاديث الأخرى، وكلام الشيخ أحمد شاكر ضم هذا إلى هذا وقال: المتن معروف من غير هذا الإسناد هذا ما فيه إشكال، والترمذي أشار إلى شيء من ذلك بقوله: وفي الباب عن جابر، وذكر الترمذي حديث عبد الله بن زيد يعني لا يخفى عليه، بحيث يستدرك عليه مثل هذا الكلام، وكلام الرفاعي في توجيه كلام الترمذي كلام ظاهر الصحة.

"قال أبو عيسى: وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء" وهذا الكلام لا يوجد في بعض النسخ، "وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً"، حديث أبي هريرة الأول توضأ مرتين مرتين، حديثه الثاني: توضأ ثلاثاً ثلاثاً وهذا سيأتي، سياقه هنا للحديث الثاني والترجمة مرتين مرتين هل يفهم منه أن الترمذي -رحمه الله- يعل إحدى الروايتين بالأخرى؟ أو أن هذه رواية تختلف عن الأخرى بل هي حديث آخر؟ يعني هل مراد الترمذي -رحمه الله تعالى- إعلال إحدى الروايتين بالأخرى؟ أولاً: رواية: توضأ ثلاثاً ثلاًًثاً من حديث أبي هريرة ستأتي -إن شاء الله تعالى- قريباً، فهل إيراده لهذا إعلال للرواية السابقة أو العكس؟ أو أنه يريد أن يشير إلى أنه كما أن أبا هريرة روى المرتين مرتين، روى ثلاثاً ثلاثاً وهذا سيأتي، وكلها صحيحة، يعني كلامه في الباب السابق في مسألة الإعلال ظاهر، لكن هنا لماذا أتى بالحديث الثاني وهو حديث آخر غير الحديث الأول؟ هل بإيراده حديث أبي هريرة الثاني نفهم منه أنه يعل الرواية الأولى أو العكس؟ يعل إحدى الروايتين بالأخرى أو أنه أراد أن يبين مستعجلاً خبر أبي هريرة قبل أوانه؟ وإلا فالترجمة للوضوء مرتين مرتين، أما ثلاثاً ثلاثاً فسيأتي ذكرها في الباب الذي يليه. طالب: يسموه إعلال؟ إعلال للأولى أو للثانية؟ يعني حديث أبي هريرة أن النبي توضأ مرتين مرتين، يعل بها أنه لم يثبت من حديث أبي هريرة إلا ثلاثاً ثلاثاً، وإنما ثبت مرتين مرتين عند عبد الله بن زيد في البخاري؟ .... رواية حديث أبي هريرة: ثلاثاً ثلاثاً سيأتي قريباً، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

باب: ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا:

حديث أبي هريرة: ثلاثاً ثلاثاً، حديث أبي هريرة: ثلاثاً ثلاثاً، هذا سيأتي إشارة إليه في الحديث الذي يليه، من حديث علي؛ لأنه قال: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان وأبي هريرة، هل نقول: إنه ذكره هنا لأنه يريد الإشارة إليه إشارة، ولا يريد أن يبسطه في الموضع اللاحق فقط؟ وهما حديثان ولا يبعد أن يروي أبو هريرة المرتين ويروي الثلاث ويروي المرة؛ لأنه ملازم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد حصل منه جميع ذلك، يقول: "وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً" وهذه الرواية أشار إليها وهي موجودة في المسند من رواية همام عن عامر عن عطاء عن أبي هريرة بإسناد صحيح في المسند، وهنا في حديث أبي هريرة: مرتين مرتين إسناد حسن صحيح، أنا لا يظهر لي الإعلال وإنما هو استعجال؛ لأنه في الباب اللاحق إشارة وهنا ذكره، مع أنه من المفترض أنه لا يذكره هنا، إنما يذكره في الباب الذي يليه ولو لم يشر إليه، إنما يذكره كما هنا، عندكم: "وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء"؟ موجود وإلا ما هو موجود؟ ويش الموجود عندك يا أبا عبد الله؟ طالب: في نسخة بشار عواد .... بإسناد حسن صحيح؟ طالب: إي نعم في النسخة الأخرى يا شيخ موجود. لا، اللي معك، اللي أنت قرأت؟ طالب: لا ما هو موجود. ويش يقول؟ طالب: وقد روي عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً. وقد روي؟ نعم؟ عندنا: "وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة" وهل يسوغ بمثل هذا الإسناد أن يقال: روي مع أنه صحيح؟ نعم؟ ما يسوغ، ما يسوغ أن يقال: روي لأنه إسناد صحيح، على كل حال أنا لا يظهر لي الإعلال في مثل هذا، وإنما هو مجرد استعجال وإلا فموضعه الترجمة اللاحقة. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن أبي إسحق عن أبي حية عن علي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً.

وفي الباب عن عثمان وعائشة والربيع وابن عمر وأبي أمامة وأبي رافع وعبد الله بن عمرو ومعاوية وأبي هريرة وجابر وعبد الله بن زيد وأبي، حديث على أحسن شيء في هذا الباب وأصح، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن الوضوء يجزىء مرة مرة، ومرتين أفضل وأفضله ثلاث وليس بعده شيء. وقال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم، وقال أحمد وإسحق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً" ويقال فيه ما قيل في سابقيه أن المراد به غسل الأعضاء، كل عضو يغسل ثلاث مرات. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار" الملقب ببندار، قال: "حدثنا -الإمام الجليل- عبد الرحمن بن مهدي" العنبري مولاهم، "عن سفيان" الثوري، "عن أبي إسحق" السبيعي "عن أبي حية" الهمداني، قيل: اسمه عمرو، وقيل: عبد الله، وقيل: عامر، وقيل: لا يعرف اسمه، وهذا كثير فيمن اشتهر أو اشتهر بالكنية، أن اسمه يضيع فلا يضبط، مقبول من الثالثة قاله ابن حجر، مقبول من الثالثة، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- وثقه، وثقه كعادته -رحمة الله عليه- في التساهل في توثيق مثله، ابن حجر -رحمه الله- قال: مقبول، والمقبول عنده ضابطه من ليس له من الحديث إلا القليل، يعني لا يروي إلا أحاديث قليلة، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، وذكرنا في دروس مضت ما على هذه القاعدة .. ، ما على التقعيد من الإشكال وفيه إشكال كبير؛ لأن الحكم هنا بمقبول هل هو على الراوي أو على المروي؟ يعني عموم الكتاب الذي هو التقريب حكم على الرواة، حكم على الرواة، هذا الراوي أبو حية هذا الراوي يندرج تحت القاعدة التي ذكرها ابن حجر، بل أدرجه تحتها، ليس له من الحديث إلا القليل، لم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين.

نأتي إلى أبي حية هنا وهو مثال لهذه القاعدة، هذا يصلح أن يقال فيه: مقبول ويصلح أن يقال فيه: لين، متى يقال فيه مقبول؟ ومتى يقال فيه لين؟ نعم، إذا توبع قيل فيه: مقبول، إذا لم يتابع قيل فيه: لين، هذا الحديث توبع عليه، فهو مقبول، لو نفترض أنه لم يتابع عليه بما يحكم عليه ابن حجر؟ بلين، إذن حكم ابن حجر على الراوي أو على المروي؟ لو كان على الراوي ما اختلف، لو كان الحكم على الراوي ما اختلف؛ لأنه قد يحكم عليه في هذا الإسناد في هذا الحديث لأنه توبع عليه أنه مقبول، ويحكم عليه في حديث لم يتابع عليه بأنه لين، وابن حجر لما حكم عليه بالتقريب بأنه مقبول نظر إلى هذا الحديث أو نظر إلى أحاديث أخرى توبع عليها أو لم يتابع عليها؟ نقول: كلامه يطرد إذا كان عن استقراء تام لجميع مرويات من قال فيهم: مقبول أنهم توبعوا عليها ولم يتفردوا بحديث البتة، وجميع من قال فيهم: لين أنهم تفردوا بها ولم يتابعوا عليها، إذا كان ناشئ عن استقراء تام فأحكامه على هؤلاء الرواة منضبطة، لكننا نجد بعض الرواة ممن حكم عليه بأنه مقبول من أحاديثه ما توبع عليها ومنها ما لم يتابع عليه، ومن حكم عليه بلين من أحاديثه ما لم يتابع عليه، وفيها ما توبع عليه، إذن أحكامه هنا على الأحاديث وليست على الرواة، وهذا لا شك أنه يخل بقاعدة الكتاب التي هي في الأصل حكم على الرواة.

الآن يا إخوان الإشكال ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الإشكال هذا ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني ثقتنا بابن حجر، وعلم ابن حجر، ودقة ابن حجر، وإتقان ابن حجر هذا لا يعني أننا نسلم بجميع ما يقول، بل هو كغيره يعرض قوله على أقوال الأئمة، يعني لو أن أبا حية روى حديث ثاني ما توبع عليه على قاعدة ابن حجر يكون مقبول وإلا يكون لين؟ لين في التقعيد، لكنه في التطبيق في أثناء التراجم في التقريب قال: مقبول وانتهى، يعني حكم عليه بأنه مقبول مطلقاً، وهو في التقعيد لا يستحق أن يكون مقبولاً إلا إذا توبع، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم توبع على هذه الرواية فيستحق الحكم، ابن حجر قد يكون مستحضر لهذه الرواية، وقد يكون غير مستحضر لها، حينما قال: مقبول، يمكن استحضر روايات أخرى، لكن ماذا عن الروايات التي لم يتابع عليها بل تفرد بها إن وجدت، ولذا أقول: إن كان حكم ابن حجر على هؤلاء الرواة بعد الاستقراء التام لمروياتهم فكلامه منضبط، كلامه منضبط، وإن كان حكمه على الرواة الذين قال فيهم: لين بعد استقراء تام لجميع مروياتهم أنهم لم يتابعوا عليها فكلامه منضبط، لكن لا ينبغي أن يقعد، يعني يحكم عليهم بأحكام تفصيلية في أثناء الكتاب والقاعدة تلغى؛ لأننا إذا ربطنا بين الأحكام وما قعده في مقدمة الكتاب لا يمكن أن تنضبط؛ لأننا في التطبيق نحتاج إلى دراسة أحاديث أمثال هؤلاء وعددهم كثير. الأمر الثاني: في هذه القاعدة وما يتعلق بها أنه في ثلاثة من الرواة الضحاك بن نبراس، الضحاك بن حمرة، الضحاك المعافري، واحد مقبول وواحد لين وواحد ضعيف، وأنا أطلب الفرق بين هؤلاء الثلاثة، ما الفرق بينهم؟ هؤلاء الثلاثة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . طيب المقبول توبع، اللين هذا لو توبع إيش يصير؟ لو توبع؟ لو توبع؟ طالب:. . . . . . . . .

يصير مقبول، طيب والضعيف إذا توبع إيش يصير؟ ما يصل إليه، هو من أصله ضعيف توبع، معروف أنه إذا كان ضعفه غير شديد وتوبع يرتقي إلى الحسن لغيره، أنا أريد فرق عملي بين الأحكام الثلاثة؛ لأن المقبول إذا لم يتابع رجع إلى اللين، واللين إذا توبع ارتقى إلى مقبول، الضعيف إذا توبع ارتقى إلى الحسن، إذا كان الإخوان مدركين للإشكال نتابع، وإذا كان ما هو بمدرك ما له داعي نكرر كلام وأصله ما هو بواضح، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كلهم هو اللين لم ليس له من الحديث إلا القليل. طالب:. . . . . . . . . لكن إذا توبع إيش يصير؟ يرتقي، يرتقي إلى الحسن لغيره في قول أهل العلم، أنا أريد فرق حقيقي بين الثلاثة الأحكام، لا سيما وأننا نحكم على رواة، والحكم على الرواة ينبغي أن يكون مطرد، ما يكون مرة كذا ومرة كذا، أما الأحكام على الأحاديث فيحكم على كل حديث بمفرده، في أحد له عناية بالتقريب؟ ترى بعض طلاب العلم يحفظ التقريب مثل ما يحفظ البلوغ، ومثل ما يحفظ الزاد، ومثل .. ، يعني متن هذا، لكن مع الحفظ ينبغي أن يكون هناك فهم، في حل لهذا الإشكال وإلا ما في حل نتجاوز؟ نعم؟ أنا منذ سنين أبحث عن حل فلم أجد، إلا أن هذه القاعدة ليست منضبطة، ولا ينبغي أن تكون قاعدة؛ لأنه لو قال في القاعدة مثلاً القاعدة تنضبط إذا لم يطبق عليها، لا يطبق على القاعدة، يطبق بأحاديث ما يطبق برواة، يعني في التطبيق يقول: لين ويسكت، ثم في التطبيق على المرويات ينظر في كل رواية رواية، إن توبع حكم له بمقبول وإلا فلين، أو يحكم عليه بأنه ضعيف مثلاً، ثم يرتقي بالإسناد الثاني. أنا يهمني الآن أن يتضح الإشكال، وإلا فالحل الظاهر أنه ما في حل، لكن إذا عرفنا الإشكال يمكن يعني أن يتعامل مع القاعدة على وجه تمشي بدون التطبيق على الرواة، أما التطبيق على الرواة فالكتاب كتاب أحكام على رواة لا على المرويات، والقاعدة تصلح في المرويات، مع أننا إذا سلمنا لابن حجر في أحكامه على هؤلاء الرواة وعددهم كثير، عددهم كثير يعني مقبول عند ابن حجر رسائل، رسائل دكتوراه يمكن ما أدري والله خمس أو ست رسائل، نعم، فلنتجاوز مثل هذا.

على كل حال الشيخ أحمد شاكر معروف بالتساهل وقد وثق أبا حية؛ لأنه لم يثبت عنده ما يترك حديثه من أجله، ويوثق بمثل هذا، ووثق ابن لهيعة، ووثق الإفريقي، ووثق يزيد بن أبي زياد، وثق مجموعة ممن حكم الأئمة أو جمهور الأئمة بضعفهم. "عن أبي حية عن علي -رضي الله تعالى عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً"، وسيأتي بسياق أطول بعد ثلاثة أحاديث. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان" عند مسلم وأحمد، وعائشة عند ابن ماجة، والربيع عند الترمذي، وأبي داود وابن ماجه، وابن عمر عند ابن حبان، وأبي أمامة، وأخرجه -كما يقول أهل العلم-: ثابت بن قاسم في الدلائل، بسند لا بأس به، ثابت بن قاسم، الدلائل كتاب في غريب الحديث، وهو من أنفس كتب الغريب، والأصل للابن، وتوفي الابن ثابت قبل إكماله فأكمله أبوه، وأبي رافع عند الطبراني في الأوسط، وعبد الله بن عمرو عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، ومعاوية وأخرجه أبو داود في التفرد، وعن أبي هريرة عند ابن ماجه، وجابر وعبد الله بن زيد وأبي بن كعب، وسيأتي بعضها -إن شاء الله تعالى-.

"قال أبو عيسى: حديث على أحسن شيء في هذا الباب وأصح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن علي -رضوان الله عليه-" والحديث مخرج أيضاً عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، فهو مروي من غير وجه، يعني من غير طريق أبي حية، فأبو حية توبع عليه، فالحديث بهذا يثبت "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم" والعمل على هذا عند عامة أهل العلم "يجزىء مرة مرة" يعني كما تقدم الإجماع الذي نقله النووي، يجزئ مرة مرة "ومرتين أفضل من مرة وأكمل، وأفضله ثلاث وليس بعده شيء" وليس بعده شيء، يعني الأربع تدخل المتوضئ في حيز البدعة، يكون حينئذٍ مبتدعاً إذا توضأ أربع أربع، ولذا إذا شك هل غسل الوضوء اثنتين أو ثلاث، يعني تقدم أو عند أهل العلم في الصلاة، أنا ما أدري شرحنا هذه المسألة فيما تقدم أو ما شرحناها، لكن لطول العهد يعني كون الدرس تخلله فترة طويلة يحتاج إلى شيء من الإعادة، في الصلاة عند أهل العلم إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاثاً؟ يبني على اليقين، يبني على اليقين، والمتيقن هو اثنتان فيجعلهما اثنتين ويأتي بثالثة، إن كانت مغرب أو ثالثة ورابعة إن كانت عشاء، إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ يجعلهما ركعتين ويزيد ما بقي من صلاته، وإذا تردد في الوضوء هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟ هل نقول: الجادة مطردة يبني على المتيقن ثنتين أو يبني على الأكثر؟ الفقهاء يطردون هذه، ويقولون: يبني على الأقل لأنه المتيقن، ويزيد ثالثة، يقولون هذا، لكن أنا عندي فرق كبير بين المسألتين، في مسألة الصلاة إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاثة إن اقتصر على الاثنتين وزاد ثالثة الصلاة لا تتأثر، الصلاة لا تتأثر؛ لأن النسيان يجعل الموجود بمنزلة المعدوم، الموجود بمنزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني إذا شك هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ فأتى بثالثة قلنا: اجعلها ركعتين وزد ثالثة، هذه الركعة إن كانت في حقيقة الأمر زائدة وهو في الحقيقة إنما صلى ثلاثاً وما زاده زائد، فالنسيان يجعل هذه الركعة بمنزلة المعدوم، لكن لو قلنا له: اجعلها ثلاث، أنت ترددت هل هي ثنتين وإلا ثلاث؟ اجعلها ثلاث، القاعدة لا تجعل النسيان ينزل الموجود المعدوم منزلة الموجود، فإذا أتى بثالثة هذه

الركعة زائدة كأنها معدومة، لكن لو لم تكن زائدة فعدم الإتيان بها مبطل للصلاة، مبطل للصلاة، هنا في مسألتنا إذا تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثة؟ إذا اعتبرناها غسلتين فهل يتأثر الوضوء؟ إذا جعلناها ثلاث هل يتأثر الوضوء؟ الوضوء لا يتأثر في الحالين، لكنه إن جعلها ثلاثاً ولم يزد فإن كانت ثلاثاً فبها ونعمت، وإن كانت اثنتين في حقيقة الأمر فقد رجع إلى سنة، لكنه إن جعلهما اثنتين وزاد ثالثة فإن كانت ثالثة فهذا هو المطلوب، وإن زاد رابعة خرج إلى حيز البدعة، فكونه من سنة إلى سنة أولى من خروجه من السنة إلى البدعة، فعلى هذا إذا تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاث يجعلها ثلاث لا كالصلاة، والفرق بينهما ظاهر. "وليس بعده شيء، وقال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم" لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم، يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: ((من زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم)) ((أو أساء أو تعدى أو ظلم)) بالواو أو بـ (أو) رواه النسائي وابن ماجه، وقال ابن العربي في (العارضة) عن هذا الحديث: إنه لم يثبت، لكن صححه غيره، صححه غيره، ومعناه صحيح، أن من زاد على القدر المشروع زاد على العبادة المحددة من قبل الشارع لا شك أنه يخرج من الاتباع إلى الابتداع، قد يقول قائل: إنه يزيد من باب الاحتياط، يزيد من باب الاحتياط، وعرف عن بعض أهل العلم كابن دقيق العيد والحافظ العراقي أنهم يزيدون في غسل الأعضاء، ويقولون: إنه من باب الاحتياط، ولا يخرجهم ذلك إلى الوسوسة، وبعض الشيوخ الكبار ممن له عناية بالسنة واقتفاء واقتداء شاهدته يتوضأ ويزيد كثير، ويقول: إنه أعمى لا يدري هل أسبغ أو لم يسبغ، وعلى كل حال الحكم في ذلك النص، ولا ينظر إلى قول فلان ولا فعل علان، وكونهم يفعلون ذلك احتياطاً لا وجه له، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: إذا أدى الاحتياط إلى ترك مأمور أو فعل محذور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط.

"وقال أحمد وإسحق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى" يعني مبتلى بوسواس، مبتلى بوسواس، يقول ابن حجر: وقد شاهدنا من الموسوسين من يغسل يده بالمئين، يعني مئات من يغسل يده بالمئين، وهو مع ذلك يعتقد أن حدثه هو المتيقن، يعني والوضوء مشكوك فيه هل حصل أو لم يحصل؟ والآن الأسئلة تكثر جداً من قبل هؤلاء الموسوسين، وبعضهم يمكث في الوضوء الساعات الطوال، خمس ساعات، ست ساعات وهو يحاول يتوضأ لصلاة ولا يستطيع، وبعضهم يقول: إن لكل مفصل في الأصابع، كل عقدة من العقد نية مستقلة -نسأل الله العافية-، وهذا سببه الاسترسال مع الشيطان فيما يمليه على المسلم، فإذا استرسل في أول الأمر زاده، يزيده، ولا شك أن هذا ناتج عن حرص مقترن بجهل، وإلا لو حسم المادة وقطع الطريق على الشيطان ما حصل له مثل هذا، ثم يتحول بعد ذلك إلى مرض عضال، لا يستطيع التخلص منه إلا بكل مشقة، بكل حزم وعزم، وصدق لجأ إلى الله -جل وعلا-، وإلا بعض الناس ممن يأتون للأسئلة نهاره وليله كله يقضيه في الوضوء، ثم بعد ذلك يحاول الصلاة فلا يستطيع، له وسواس آخر في الصلاة، فيكبر تكبيرة الإحرام مراراً، ثم بعد ذلك يعيدها، يعيدها يكبرها بصوت منخفض، ثم يعيدها بصوت مرتفع، ثم يعيدها بصوت مفزع، وهكذا -نسأل الله السلامة والعافية-، فلا بد من قطع الطريق على قاطع الطريق الشيطان، الذي يريد أن تترك هذه العبادة التي هي في الحقيقة رأس مال كثير من المسلمين، يعني بعض المسلمين لهم أبواب أخرى من أبواب الخير يعني مع الصلاة، لكن بعض المسلمين ممن ليس له زكاة، ولا يستطيع حج، ولا جهاد، ولا عنده والدين يبر، يعني هذا رأس ماله الصلاة، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.

يقول الشارح: لا يزيد عن الثالث إلا رجل مبتلى يعني: بالجنون؛ لظنه أنه بالزيادة يحتاط لدينه، يحتاط لدينه، ولا شك أن بعض الصور عند بعض الموسوسين جنون، وقد يأتي يسأل يقول: أنا ما استطعت أن أحقق النية، تقول له: توضأ بدون نية، توضأ بدون نية، صل بدون نية، يقول: النية شرط لصحة الوضوء، شرط لصحة الصلاة نقول: صحيح لكن بالنسبة لغيرك، أنت ما بقي إلا خيط رقيق ونقول: اترك الصلاة، قال: هو مجنون؟! قلنا: لست من المجانين ببعيد، يعني يأتي في الساعة الثامنة صباحاً في ليالي الشتاء مع طول الليل يقول: إنه إلى الآن يحاول يصلي العشاء ما استطاع، هذا ما بينه وبين الجنون شيء -نسأل الله العافية-، فمثل هذا لا بد من الاهتمام به، وكون الإنسان يقتصر على أقل الواجب أفضل من أن يزيد ليدرك الفضل فيقع في المحظور، يعني مثل هؤلاء يقال: توضأ مرة مرة، وهذا علاجه، فإذا برئ من دائه لاحق على السنة -إن شاء الله تعالى-، في شيء؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . المقصود أن الغسل لا بد أن يستوعب العضو، الغسلة الواحدة تستوعب العضو، ولذا ابن العربي له كلام في المراد بالثلاث، هل المراد بها ثلاث غرفات ولو قصرت الغرفة الواحدة عن استيعاب الوضوء؟ أو المراد بذلك الاستيعاب؟ لا شك أن المراد بذلك الاستيعاب، لكن مع ذلك كم يغرف من غرفة ليستوعب اليد مثلاً، واليد مثلاً ينساب فيها الماء لأن أطرافها منحدرة، لكن يبقى أن الوجه مع كثرة غضونه وتجاعيده، المقصود أن على الإنسان أن يسدد ويقارب، وأن لا يزيد على القدر المشروع، وإذا خشي من الوسواس خشي من تدخل الشيطان في عبادته أن يقتصر على أقل الواجب، وأما بالنسبة للاستنشاق فجاء الأمر بالمبالغة فيه: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) نعم. طالب: الراوي الذي يقول فيه ابن حجر: إنه المقبول ألا يمكن أن يقال: إنه في الأصل لين ثم بعد ذلك ننظر في هذه الرواية التي يطبق؟ لكن هو حكم عليه بأنه مقبول في التقريب، وحكم على من بعده الترجمة التي تليها بأنه لين، ويش الفرق بين الاثنين؟

باب: في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا.

طالب: لكن بعد نقض هذه القاعدة -عفا الله عنك- حينما أوردتم على هذه القاعدة يعني ألا يمكن أن نقول: إنه بعد هذا الإيراد نقول: إنه لين؟ يعني كلهم، كل الاثنين كل المقبول واللين نقول: لين، ثم ننظر في أحاديثه، ما توبع عليه نقول: مقبول، يبقى الإشكال، يبقى أن الإشكال موجود في الكتاب، الإشكال موجود في الكتاب، ولذا أنا أقول: ينظر في أقوال الأئمة ويحكم على كل راوٍ بما يليق به، على ضوء القواعد، قواعد التعارض والترجيح عند أهل العلم. سم. عفا الله عنك. باب: في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا. ً حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال: حدثنا شريك عن ثابت بن أبي صفية قال: قلت لأبي جعفر: حدثك جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً؟ قال: نعم. وروى وكيع هذا الحديث عن ثابت بن أبي صفية قال: قلت لأبي جعفر: حدثك جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة؟ قال: نعم، حدثنا بذلك هناد وقتيبة قالا: حدثنا وكيع عن ثابت، وهذا أصح من حديث شريك؛ لأنه قد روى من غير وجه هذا عن ثابت نحو رواية وكيع وشريك كثير الغلط، وثابت بن أبي صفية هو أبو حمزة الثمالي. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً".

يعني إذا كان الباب الأول للوضوء مرة مرة، في جميع أعضائه، والثاني: مرتين مرتين في جميع الأعضاء، والثالث ثلاثاً ثلاثاً على جهة الاتساق في جميع الأعضاء ما عدا الرأس على ما تقدم، فإن هذا الباب معقود للوضوء الملفق، وكلمة التلفيق يعني تستعمل لما يختلف فيه أجزاؤه، وليست بكلمة مذمومة أو مرذولة كما هو الاستعمال الشائع، إذا قيل: هذا ملفق معناه أنه لفظ يوحي بالذم، لا، لا يلزم منه الذم، لا يلزم منه الذم، كما أن التعبير بكلمة مشوش لا يعني منه الذم، ولا يفهم منها الذم، يعني في كلامهم في كلام أهل العلم اللف والنشر المرتب، واللف والنشر المشوش، هذا جاء في القرآن وهذا جاء في القرآن، لف ونشر مرتب جاء في القرآن {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ. . . . . . . . . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ} [(105 - 108) سورة هود] مرتب، ولف ونشر مشوش ناس يفهموا من هذه الكلمة أنها ذم، ليست بذم، ما يفهم منها الذم، إنما هو في مقابل المرتب، وجاء في آية آل عمران: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ} [(106) سورة آل عمران] هذا غير مرتب يقولون: مشوش ولا يضر مثل هذا التعبير إذا كان سائغ وموجود في لغة العرب لا يفهم منه أنه مفضول، لا، ما دام ثابت في لغة العرب، واستعمل بإزاء النصوص، بل في أفصح الكلام لا يؤثر مثل هذا الكلام، وهنا في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً يعني ملفقاً عضو مرة وعضو مرتين وعضو ثلاث. يقول السندي: أي باب الحديث الذي ورد فيه الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، يعني لا يراد بذلك الوضوء كامل مرة مرة، ولا يراد بذلك الوضوء كاملاً مرتين مرتين، ولا يراد بذلك الوضوء كاملاً ثلاثاً ثلاثاً لماذا؟ لأنه بهذا الاعتبار تقدمت أبوابه، فلا يحتاج إلى إعادة؛ ولأنه لو كان المراد الوضوء مرة كاملاً ومرتين كاملاً وثلاثاً كاملاً لقال في الترجمة: باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، على ما تقدم ذكره، لكنه في الوضوء الواحد يغسل عضواً مرة وعضواً مرتين وعضواً ثلاثاً.

يقول السندي: أي باب: الحديث الذي ورد فيه الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، يعني في الحديث الواحد في الوضوء الواحد المشتمل على ثلاث أوصاف، وصف مرة، ووصف مرتين، ووصف ثلاث، يعني لو أريد به ثلاث، وضوء ثلاث مرات مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً لكرر المرة والمرتين والثلاث على ما تقدم، ولكان تكراراً مع الأبواب السابقة. قال -رحمه الله-: "حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري" الكوفي أبو محمد، صدوق يخطئ، وقد رمي بالرفض، قال: "حدثنا شريك عن ثابت بن أبي صفية" الثمالي، وهو كوفي رافضي ضعيف جداً، "قال: قلت لأبي جعفر" أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين، وهو من ثقات التابعين، مخرج له في الصحيح، وإن كان ممن افتري عليه، وكذب عليه من قبل أشياعه وأتباعه، لكنه عندنا ثقة، وأهل السنة أهل عدل وإنصاف، لا يعني أن كونه إمام يقتدى به عند غيرنا وافتري عليه، وادعيت له العصمة، لا يعني أن هذا قدح فيه، هذا من قبل غيره، وإلا فعيسى عبد من دون الله وهذا لا يضيره "قلت لأبي جعفر: حدثك جابر -بن عبد الله-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة" مرة مرة: يعني توضأ تارة مرة مرة "ومرتين مرتين" يعني وتارة مرتين مرتين، وتارة "وثلاثاً ثلاثاً؟ قال: نعم".

الآن الترجمة تدل على الوضوء الملفق، وهذا الحديث الذي ذكره يدل على أنه توضأ مرة مرة وضوءاً مستقلاً، ومرتين مرتين وضوءاً مستقلاً، وثلاثاً ثلاثاً وضوءاً مستقلاً، يعني خلاف ما قررناه في الترجمة، خلاف ما قررناه في الترجمة، والترجمة توحي بأنه وضوء واحد مشتمل على التنوع في الأعضاء، لا أنه يدل على التنوع في الوضوء الكامل، "قال: نعم" قوله: نعم إجابة لقوله: حدثك جابر؟ والأصل أنه استفهام أحدثك جابر؟ فالجواب بنعم إنما هو لقوله: حدثك، وإذا سكت الشيخ لو قال: حدثك جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً وسكت، إذا سكت الشيخ ولم يجب بنعم فإن دلت القرائن الظاهرة على الإقرار فإنه لا يشترط النطق بنعم، على الصحيح الذي جزم به جماهير أصحاب الفنون، واشترط بعض الشافعية والظاهرية النطق، يعني أنه لا بد أن يقال: نعم، إذا لم يقر فإنه لا ينسب إليه الخبر، ولكن الجماهير أنه إذا قيل: حدثك وسكت ودلت القرائن على الموافقة أنه يكفي. الحديث يرويه المؤلف -رحمه الله تعالى- عن طريق أو من طريق موسى بن إسماعيل الفزاري، وهو صدوق يخطئ، ورمي أيضاً ببدعة وهي الرفض، وشريك القاضي شريك بن عبد الله النخعي، معروف أن في حفظه شيء، وتأتي الإشارة إلى ما فيه من كلام المؤلف، عن ثابت بن أبي صفية وهو رافضي ضعيف، قلت لأبي جعفر عرفنا أنه الباقر وهو ثقة عن جابر وهو صحابي. "قال أبو عيسى: وروى وكيع هذا الحديث عن ثابت بن أبي صفية قال: قلت لأبي جعفر: حدثك جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة؟ قال: نعم، وحدثنا بذلك هناد وقتيبة قالا: حدثنا وكيع عن ثابت بن أبي صفية" يعني إلى هذا الحد هذا الحديث مكرر مع في الأبواب السابقة، مع ما أورده المؤلف في الأبواب السابقة. "قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث شريك؛ لأنه قد روى من غير وجه هذا عن ثابت نحو رواية وكيع وشريك كثير الغلط، وثابت بن أبي صفية هو أبو حمزة الثمالي" ضعيف جداً على ما تقدم، والحديث حسنه القاري في المرقاة، ولعله لما جاء في معناه وإلا فهو ضعيف جداً، لحال ثابت، وفي الباب أحاديث صحيحة.

باب: فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا:

الحديث السابق ذكرنا أنه مختلف مع الترجمة، والوضوء ملفقاً الذي تدل عليه الترجمة لإفراد المرة والمرتين والثلاث، إضافة إلى ما قاله السندي لا شك أنه مكرر مع الأبواب الثلاثة السابقة، الوضوء بالتلفيق دلالته الظاهرة في الباب الذي يلي هذا، وعلى هذا الباب الذي ذكرناه آنفاً -الباب الأخير وفيه الحديث الضعيف- لا داعي لذكره، والمؤلف كغيره من أهل الحديث قد يذكر الخبر لبيان ضعفه، ولذا قال: "وشريك كثير الغلط" وحفظ له من الأخطاء في حديث الإسراء فقط عشرة أخطاء، بينها ابن القيم في زاد المعاد، وبينها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وعلى كل حال هو كثير الغلط، في الباب الذي يليه بيان الوضوء ملفقاً، نعم. عفا الله عنك. باب: فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً: حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه مرتين مرتين، ومسح برأسه، وغسل رجليه، هذا حديث حسن صحيح. وقد ذكر في غير حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ بعض وضوئه مرة وبعضه ثلاثاً، وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك لم يروا بأساً أن يتوضأ الرجل بعض وضوئه ثلاثاً، وبعضه مرتين أو مرة.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً" قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن أبي عمر" محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، قال: "حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى" بن عمارة بن أبي حسن المازني، سبط عبد الله بن زيد الصحابي، وهو ثقة "عن أبيه" يحيى بن عمارة ثقة أيضاً "عن عبد الله بن زيد" بن عاصم، وهو راوي حديث الوضوء في البخاري وغيره، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان على ما سيأتي "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فغسل وجهه ثلاثاً" غسل وجهه ثلاًثاً ما قال: ثلاثاً ثلاثاً لماذا؟ لأنه واحد، الوجه واحد، "وغسل يديه مرتين مرتين" كرر لأن المغسول مكرر، "ومسح برأسه" يعني مرة واحدة على ما تقدم "وغسل رجليه مرتين" وهذه اللفظة مرتين لا توجد في أكثر النسخ، نسخ الجامع للترمذي، والشارح يقول: إنه نقلها من نسخة قلمية عتيقة صحيحة، المباركفوري يقول: إنه وقف عليها في نسخة قلمية يعني مخطوطة، مكتوبة بالقلم، عتيقة صحيحة، وبناءً على ما ذكرناه وأن المغسول متعدد يكرر العدد، فيقال: وغسل رجليه مرتين مرتين كما قال في يديه، مرتين مرتين، وعلى كل حال هذا معروف، هل يفهم أحد أنه أن غسله لرجله مرتين يعني مقسومة على الرجلين فيغسل اليمنى مرة واليسرى مرة ويجتمع من غسل الرجلين غسلتين أو غسلتان؟ هل يفهم هذا أو لا يفهم؟ يعني السياق دلالة السياق تبعد مثل هذا الفهم وإلا ليس ببعيد؛ لأن مقابلة التثنية بالتثنية كمقابلة الجمع بالجمع، تقتضي القسمة أفراد، لكن السياق يأبى مثل هذا الفهم. قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم مطولاً. "وقد ذكر في غير حديث" يعني في عدد من الأحاديث "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ بعض وضوئه مرة وبعضه ثلاثاً" يعني وبعضه مرتين كما في هذا الحديث "وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك لم يروا بأساً أن يتوضأ الرجل بعض وضوئه ثلاثاً وبعضه مرتين أو مرة". ولا شك أن هذا هو المعول عليه والمتعين ولا يسوغ القول بخلافه؛ لأنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

وقوله: "قد رخص بعض أهل العلم" يدل على أن العزيمة خلاف هذا الوضوء؛ لأن المقابل للرخصة العزيمة، فالعزيمة خلاف هذا الوضوء، فالوضوء على الاتساق هو العزيمة، وأكثره ثلاث، ثلاث غسلات لكل عضو على ما تقدم، فالأكمل والعزيمة أن تتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، لك أن تتوضأ مرتين مرتين، ولك أن تتوضأ مرة مرة، ولك أن تتوضأ بتفاوت الأعضاء فتغسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثاً؛ لأن ذلك كله ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاختلاف في مثل هذا من باب اختلاف التنوع، من باب اختلاف التنوع، فالمكلف له أن يتوضأ مرة ومرتين وثلاثاً، وله أن يلفق، لكن إذا توضأ مرة ومرة كذا ومرة كذا والأكثر الثلاث فيكون أكثر ما يتوضأ ثلاثاً ثلاثاً؛ لأنه الأكمل، وقد يتوضأ مرة مرة، لا سيما إذا كان بحضرة من ينظر إليه ممن يظن أنه يزيد ولا يقتنع؛ لأن بعض العامة لا يكفيهم ما يكفي بعض أهل العلم؛ لأن بعض أهل العلم إذا اقتصر على أدنى الواجب مرة مرة قد لا يقنع بذلك العامي، وهناك قصة معروفة أن عجوز هي متداولة بين طلاب العلم عجوز مسرفة في استعمال الماء قال لها ولدها: إن هذا إسراف ولا يجوز ومحرم، ومن زاد على الثلاث فابتدع، فردت عليه قال: ألا يقنعكِ فلان، وهو من كبار أهل العلم في بلده، بل هو كبيرهم ومقدمهم قالت: بلى يكفيني، يقنعني، فدعا به وأعطاه ماءً ليتوضأ ماءً قليلاً بقدر المد، والعجوز هذه لا يكفيها البرميل، فأحضر ماءً بقدر المد فتوضأ الشيخ وضوءاً مجزئاً مسقطاً للطلب، ثم ذهب الولد إلى أمه وهي ترى الشيخ فقال لها: هل اقتنعت؟ فذكرت أنها تنوي إعادة كل ما صلته خلف هذا الشيخ، هذا بلا شك أنه وسواس، والموسوس لا يقتنع بمثل هذا، فإذا كان في الحضرة من هو من هذه الشاكلة فيقتصر على الأدنى، وكما أنه إذا كان في الحضرة من يظن فيه التفريط وعدم إكمال الوضوء فإنه يؤتى بالأكمل. يقول: هل في الصحيح أحاديث ضعيفة؟ وإن كان به هل يجوز ذكرها؟ إن كان في صحيح الترمذي؛ لأنه يسمى الجامع الصحيح، ففيه أحاديث ضعيفة، بل فيه أحاديث شديدة الضعف، وفيه ما حكم بوضعه، نعم؟ اجهر يا أخي. طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب: ....

إيه مرة مرة، هذا مجزئة مسقطة للطلب إجماعاً، ما فيها إشكال. طالب:. . . . . . . . . إيه لكن ما هو بمسح، غسل، إيه. يقول: هل يؤخذ من كلام الترمذي أن الأفضل أن يداوم الإنسان على غسل الأعضاء ثلاث مرات أم أن الأفضل أن يعمل بجميع الصفات فمرة يغسل أعضاءه مرة مرة، ومرة يغسلها مرتين مرتين، ومرة يغسلها ثلاثاً؟ لا شك أن الأكمل الثلاث، لكن إن فعل الأقل لبيان السنة أو جعل ذلك من خلاف التنوع فتوضأ مرة فلا يلام. يقول: محمد بن نصر المروزي هل هو من أهل السنة والجماعة؟ وهل .... ؟ إن كان المراد به الإمام المعروف محمد بن نصر صاحب تعظيم قدر الصلاة، وصاحب قيام الليل وغيرها من الكتب فهو إمام من أئمة أهل السنة، ومعروف رأيه كرأي الإمام البخاري في مسألة الإيمان وأنه مرادف للإسلام، لكن هذا وإن خالف جمهور أهل العلم إلا أنه لا يخرجه عن دائرة أهل السنة. يقول: ألم يثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- الزيادة عن ثلاث في غسل الأعضاء ثم إذا دعت الحاجة إلى الزيادة فما الحكم كمن كان على يده حائل كطين وإسفلت وما أشبه ذلك؟ إذا كان على اليد حائل يزيل الحائل قبل أن يشرع في الوضوء، كما أنه إذا كان على العضو نجاسة يزيلها قبل أن يبدأ بالوضوء ثم يتوضأ وضوءاً شرعياً، أما ما ثبت عن ابن عمر من الزيادة فهو يبالغ في الغسلة الوحدة، يبالغ فيها وكان -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- يزيد على .. ، وهذا من تشديداته حتى كان يدخل الماء في عينيه إلى أن عمي -رضي الله تعالى عنه-. ما هي أفضل شروحات جامع الترمذي؟ أفضلها شرح ابن سيد الناس مع تكملة الحافظ العراقي لها، مع الأسف أنه ما طبع منه إلا الشيء اليسير، ومن أفضل الشروح شرح ابن العربي وعنايته بالدراية والفقه، وأما العارضة فهو جامع بين الرواية والدراية لكنه مختصر، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (12)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (12) شرح: باب: في وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كان؟ وباب: في النضح بعد الوضوء، وباب: في إسباغ الوضوء. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا كلام لبعض الإخوة يتعلق بمسألة المقبول الذي أوردنا الإشكال عليه بالأمس وهو يقول: ذكرتم بالأمس إشكالاً وهو فيما يتعلق بمرتبة المقبول عند ابن حجر -رحمه الله تعالى- فإنه قال: السادسة من المراتب في الكلام على أحوال الرواة من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث. وذكرتم أنكم تتطلبون الفرق بين الأحكام على هؤلاء الرواة: الضحاك بن حمرة ضعيف من السادسة، الضحاك بن نبراس لين الحديث من السابعة، الضحاك المعافري مقبول من السادسة. هذا الكلام كله ذكرناه بالأمس، ثم قال: وبحثت عنها في التقريب فوجدت أمثلة لهذا الإشكال. أنا ما قلت: إن ما في التقريب إلا هذه الأسماء الثلاثة، فيه كثير ممن حكم عليه بمقبول، وكثير ممن حكم عليه بلين، وكثير أيضاً ممن حكم عليه بضعيف، وأتيت بهؤلاء الثلاثة؛ لأن تراجمهم متقاربة كلهم اسمهم: الضحاك، يعني تكاد تكون في صفحة واحدة من التقريب الأسماء الثلاثة، ولم أقصد بذلك الاستيعاب، قلنا: إن المقبول كثير في التقريب، والضعيف كذلك، واللين كذلك. قال: وبحثت عنها في التقريب فوجدت أمثلة لهذا الإشكال عباد الأسدي الكوفي ضعيف من الثالثة، عباد بن أبي علي البصري مقبول من الرابعة، عباد بن ميسرة المنقري لين الحديث من السابعة. هذه أيضاً تصلح أمثلة لكن ليس على سبيل الحصر.

يقول: وقد توجه -والله أعلم- حل لهذا الإشكال عندي: وهو أن من الأسانيد ما يقبل الحكم عليها، إما بإطلاق الصحة، إما بإطلاق الصحة على الإسناد لكون رجاله متسلسلين بالثقات وهو متصل، أو بإطلاق الضعف لوجود راوٍ ضعيف أو لين، وبعض الأسانيد لا يقبل هذا الحكم الإجمالي، بل لا بد من الفحص والبحث والتنقيب، مثل من قيل فيه: مقبول حتى نتأكد من المتابعة أو لا، ومثله من قيل فيه: صدوق يخطئ حتى نعرف هل هو من صوابه أو من خطأه، ومثله من قيل فيه: صدوق يهم، فلا نحكم على السند إجمالاً حتى يتبين لنا هل هذا الحديث مما وهم فيه أو ما تيقن فيه. مفاد كلام الكاتب -وفقه الله- أننا حينما نحكم على الإسناد المجرد، الإسناد المجرد، الإسناد الخاص لحديث ما، وقد وجد فيه ضعيف نقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وجد فيه لين، نقول: الإسناد، الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وجد فيه مقبول نتوقف، لا نحكم عليه بالصحة ولا بالضعف حتى نبحث، فإن وجدنا له متابعاً قبلناه وإلا رددناه إلى لين وضعفناه، وأنا أقول: لا يزال الإشكال باقياً، لا يزال الإشكال باقياً، كوننا نتوقف عن الحكم عليه لا يعني أننا نقبله، مما يفيد فيه لفظ مقبول حيث يتابع، فإننا لا نستطيع أن نحكم على هذا الراوي بأنه مقبول إلا إذا وجدنا متابعة.

يعني الكلام الذي ذكره الأخ يعني في ظاهره أوجد فرقاً، لكن في باطنه وحقيقة الأمر لا فرق؛ لأنه حيث نتوقف في حديث المقبول حتى نجد المتابع، وكوننا نجزم برد حديث الضعيف أو اللين دون النظر فيه، إذا وجدنا متابع لهذا الضعيف أو لهذا اللين، فما الحكم؟ ألا يرتقي؟ وإذا حكمنا على حديث بأنه ضعيف هل معنى هذا أننا أجهزنا على الحديث ووجوده مثل عدمه بالكلية؟ لا ليس الأمر كذلك، بل نبحث عما يرقيه، فإن وجدنا قبلناه سواء في ذلك الحديث الضعيف الذي ضعفه ليس بشديد، أو حديثه أو راويه ممن وصف بأنه لين، وهذا الضعف أيضاً ليس بشديد، فإن وجدنا ما يتابعه قبلناه وإلا فلا، وكذلك المقبول سواءً حكمنا عليه بالضعف حتى نجد المتابع، أو توقفنا فيه حتى نجد المتابع لا فرق؛ لأننا ما دمنا متوقفين فيه فإننا لن نعمل به، لن نعمل حتى نجد المتابع، وهذا الفرق في نظري لا يحل الإشكال، لا يحل الإشكال، اللهم إلا عند من يقول: إن الضعيف لا يقبل الترقية مهما كان ضعفه، وأن المتقدمين لا يقوون بالطرق، كما يتردد على لسان بعض الناس، وإن كان فيه ما فيه الكلام، الكلام فيه ضعف، وإلا لا يختلف اثنان في أن الحديث الذي يأتي من طريقين أقوى من الحديث الذي يأتي من طريق واحد مساوٍ لأحد الطريقين، فالإشكال باقٍ، الإشكال باقي، سواءً حكمنا مباشرة أو حكمنا عليه بالتوقف ثم بحثنا عن متابع، علماً بأننا نحكم عليه باللين حتى نجد المتابع، حتى نجد المتابع. يقول: وبعض الأسانيد لا يقبل هذا الحكم الإجمالي، بل لا بد من الفحص والبحث والتنقيب مثل من قيل فيه: مقبول حتى نتأكد من المتابعة أو لا. يعني لو نظرنا إلى مرويات هؤلاء الذين قيل فيهم: مقبول أو لين، يعني إذا كان حكم ابن حجر ناتج عن استقراء تام لمرويات هؤلاء الرواة، وأنه وجد أحاديث من قال فيه: مقبول في الجملة أقوى من أحاديث من قيل فيهم: لين، فهذا ينفع عند التعارض، فهذا ينفع عند التعارض، فإذا تعارض حديث من قيل فيه: لين ووجدنا له متابع مع حديث من قيل فيه: مقبول ووجدنا له متابع فإننا نقدم حديث من قيل فيه: مقبول، وهذا عند التعارض لا عند أصل الحكم على الأحاديث.

يقول: ومن القواعد عند أئمة النقد من المحدثين القول في الراوي الذي فيه تفصيل غالباً ما يكون صواباً مثل ما نقل عن يحيى بن معين في جرير بن حازم فقال عنه: ثقة إلا في قتادة فهو ضعيف، يقول: أرجو النظر في هذا الكلام وتعليقكم عليه، والله أعلم. على كل حال هو يدل على عناية واهتمام لا شك، وشيء من الخبرة والدربة، لكنه لم يحل الإشكال، الإشكال عندي ما زال باقياً. يقول: ما هي أفضل طريقة لضبط التقريب، أرجو توضيح طريقة عملية في ذلك؟

الحفظ المجرد قد لا يثبت في الذهن، وإنما يثبت بالتطبيق، يثبت بالتطبيق، ولذا من قرأ في إرشاد الساري أو حتى الكرماني، إذا انتهى من الكتاب يكون عنده تصور عن رجال البخاري أكثر مما لو قرأ تراجمهم في التقريب؛ لأن الراوي مربوط بمرويه، التصور يكون تام، وأيضاً عبارة هؤلاء أبسط من عبارة التقريب، فيستفيد من قرأ في الشروح ونظر في الرجال، لكن من أراد كيفية حفظ الرجال بما قيل فيهم من أقوال أهل العلم يجعل التقريب محور، يقارنه بما في الكاشف والخلاصة، فإذا انتهى رجع مرة أخرى، فراجع عليه تهذيب الكمال، وتقريب التهذيب بزياداته، فينظر كيف انتقى ابن حجر هذه اللفظة التي لا يقل بها أحد من أهل العلم من أقوالهم التي قد تبلغ عشرين، ابن حجر ينتقي لفظ مناسب لحال هذا الراوي من وجهة نظره، من وجهة نظره هو، فينظر في أقوال أهل العلم في هذا الراوي فيرى أن التوسط فيه أن يقال: صدوق، نص بعضهم على أنه يخطئ قال: ربما يخطئ، وإذا نص أكثر من ذلك على أنه يخطئ قال: صدوق يخطئ، وهكذا إذا كانت الأقوال متجهة إلى توثيقه قال: ثقة، وإذا كانت الأقوال متجهة أو أكثرها متجه إلى تضعيفه قال: ضعيف، وهكذا فهذا اجتهاد ابن حجر، ووقفنا على اختلاف في أحكامه على الرواة في التقريب وفي مؤلفاته الأخرى، فعبيد الله بن الأخنس من رواة البخاري، قال فيه في فتح الباري: ثقة، ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، لماذا؟ لأنه استصحب الخبر الذي رواه في صحيح البخاري، وغفل عنه في التقريب، نظر في أقوال أهل العلم وغفل عما قرره في الفتح، وعن روايته في الصحيح، فقال: عبيد الله بن الأخنس صدوق، قال ابن حبان: يخطئ، فلنعلم جميعاً أن الأحكام في التقريب اجتهادات بشر، نعم حافظ ومطلع وصاحب استقراء واطلاع واسع وصاحب فهم ثاقب ولكنه ليس بمعصوم، فطالب العلم المبتدئ يمكن أن يتدرب ويتمرن على التقريب لا بأس، كما يتمرن على كتب المصطلح المؤلفة للمتأخرين، لا مانع، لكنه إذا تأهل صارت لديه الأهلية لا يعول على التقريب، يعني لا يكتفي بالتقريب، يراجع التقريب ثم يراجع كلام أهل العلم، فقد يخالف، يخالف ما جاء في التقريب، الرجل ثقة لماذا أنزله ابن حجر إلى مرتبة صدوق؟ الرجل ضعيف في أقوال

أهل العلم، المترجح منها أنه ضعيف لماذا رفعه الحافظ إلى صدوق؟ فمثل هذا لا بد أن يكون اعتباره في ذهن طالب العلم وهو يراجع التقريب، نعم من شيوخنا من يراجع التقريب ولا يراجع غيره، ومعوله عليه في الجملة، لكن هذا في اعتباري وتقديري ليس بسديد، يعني التعويل عليه وعدم النظر في غيره، نعم من ليست لديه أهلية من المبتدئين يريد أن يتمرن لا ليحكم حكماً جازماً به، ملزماًَ به غيره، له أن يعتمد على التقريب كما يعتمد متون الفقه، وكما يعتمد كتب المصطلح عند المتأخرين، أو أصول الفقه عند بعض المذاهب، المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من العناية بها. الذي تسعفه الحافظة، ويستطيع أن يحفظ يمسك التقريب ويحفظه مثل ما يحفظ الزاد، وإذا قيل: إن حفظ الزاد مهم فحفظ التقريب أيضاً مهم، لكن يبقى أنه مثل ما قلنا: لا بد أن يعنى بالأحكام، لماذا اختار ابن حجر هذا اللفظ لهذا الراوي؟ لماذا اختلف قوله في التقريب وفي غيره من مؤلفاته؟ نجد اختلاف في عدد سجل أظن ثلاث رسائل، اختلاف أقوال الحافظ ابن حجر في التقريب مع أقواله في فتح الباري أو التلخيص أو غيرهما من كتبه، فهو حينما يحكم على الراوي في الفتح مثلاً، نأخذ مثلاً ابن لهيعة ثلاثة عشر من العلماء ضعفوه، ووثقه عدد قليل جداً، ووثقه بالنظر الخاص إلى رواية العبادلة بعضهم، فالجمهور على تضعيفه، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق، وقال في أكثر من موضع من فتح الباري: ضعيف، وقال في موضع في حكمه على حديث قال: أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن مع أن فيه ابن لهيعة، فمثل هذا يجعل طالب العلم لا سيما الذي لديه الأهلية لا يتعجل في أخذ الحكم من التقريب، لا سيما إذا كان الراوي في الصحيحين أو في أحدهما؛ لأنه قد يقول مثلاً: صدوق يخطئ، مثل ما قال في عبيد الله بن الأخنس وهو من رجال الصحيح، فمثل هذا لا يتعجل فيه، فعندي أن التخريج للراوي في الصحيحين أقوى بكثير من أقوال من جرح هذا الراوي، اللهم إلا إذا كان التجريح نسبي، إضافي، بالنسبة لراوي من الرواة فيتقى بالنسبة لهذا الراوي، كما أشار أخونا كاتب الرسالة.

بعض الناس لا يستطيع أن يحفظ لا متون الأحاديث، ولا أسانيد الأحاديث، فمثل هذا يوصى -وذكرناه مراراً- أنه بالنسبة للأسانيد يعنى بالسلاسل المشهورة التي يروى بواسطتها أحاديث كثيرة، وتعرف هذه السلاسل بواسطة تحفة الأشراف، سند واحد مكون من أربعة رواة فيه مائة حديث، أنت إذا حفظت هؤلاء الأربعة فلان عن فلان عن فلان ارتحت من مائة سند، وهكذا تبدأ بالأكثر ثم الذي يليه ثم الذي يليه، على سبيل التدلي، هذا بالنسبة للنظر في الأسانيد وبالنسبة لما قيل في الرواة ممن لا .. ، أقول: بالنسبة لحفظ ما قيل في الراوي من الأقوال يكون المحور مثلاً التقريب، فيراجع في هذا الراوي الراوي الأول يراجع فيه في العرضة الأولى الكتب المختصرة الكاشف والخلاصة، ويسجل قال الذهبي كذا، وقال في الخلاصة كذا، إلى أن ينتهي، ثم يعود إلى الكتاب مرة ثانية، فيراجع عليه المطولات، ولو اكتفى في هذه المرة بتهذيب الكمال للحافظ المزي وتهذيبه للحافظ ابن حجر بزياداته يستفيد كثيراً، وتتكون لديه الأهلية أهلية الموازنة بين أقوال أهل العلم في الراوي بعد النظر في كتب المصطلح، والنظر أيضاً في مواقع الاستعمال عند أهل العلم، في مواقع الاستعمال عند أهل العلم، فابن حجر مثلاً على سبيل المثال عندنا بيجينا راوي العلاء بن عبد الرحمن، العلاء بن عبد الرحمن قال: هو ثقة عند أهل الحديث يقوله الترمذي، يعني ملاحظة مواقع الاستعمال عند أهل العلم مهمة جداً، يقول الترمذي: العلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني الحرقي ثقة عند أهل الحديث، وفي التقريب صدوق ربما وهم، صدوق ربما وهم، مع أنه مخرج له عند مسلم، فإذا نظرنا إلى مواقع الاستعمال ما نظرنا النظر المجرد، علم نظري فقط نستفيد كثيراً، ونضير ذلك ما ذكرناه في المناسبات بالنسبة للتفقه من كتب السنة، التفقه من كتب السنة لا يكون .. ، إن كانت الحافظة تسعف وأراد أن يحفظ الكتب بأسانيدها بتراجمها بآثارها بفقه أهل الحديث طيب، لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف ليجعل المحور صحيح البخاري، ويراجع عليه الكتب الأخرى مثل ما شرح، وأفضنا فيه في مناسبات كثيرة. سم.

باب: في وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كان؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: في وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كان؟ حدثنا هناد وقتيبة قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: رأيت علياً توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه مرة ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وفي الباب عن عثمان وعبد الله بن زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو والربيع وعبد الله بن أنيس وعائشة. حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد خير ذكر عن علي مثل حديث أبي حية إلا أن عبد خير قال: كان إذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربه، حديث علي رواه أبو إسحاق الهمداني عن أبي حية وعبد خير والحارث عن علي، وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي حديث الوضوء بطوله، وهذا حديث حسن صحيح، وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال: مالك بن عرفطة وروى عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي، وروي عنه عن مالك بن عرفطة مثل رواية شعبة، والصحيح خالد بن علقمة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: في وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كان؟ " يعني في صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام-، من أقرب الناس إليه علي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- ابن عمه، وزوج بنته.

قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد وقتيبة" هناد بن سري، وقتيبة بن سعيد، "قالا: حدثنا أبو الأحوص" سلام بن سليم الحنفي، مولاهم الكوفي، ثقة متقن، أبو الأحوص، "قالا: حدثنا أبو الأحوص" وجاء في تاريخ ابن أبي خيثمة عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، عندنا هنا التحديث بالصريح، حدثنا أبو الأحوص، في تاريخ ابن أبي خيثمة عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، معقول وإلا غير معقول؟ كيف؟ طالب: حدث فقتل. يعني التحديث بعد قتله، لكن عن هذه لا يراد بها التحديث ولا يراد بها الرواية، لا يراد بها الرواية، ويأتون بها مثالاً لـ (عن) في غير الرواية، يعني عن قصة أبي الأحوص، عن قصة أبي الأحوص لا رواية عنه، على كل حال اسمه: سلام بن سليم، كوفي ثقة متقن، "عن أبي إسحاق" عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وإسحاق السبيعي ثقة متقن من رجال الكتب الستة "عن أبي حية" بن قيس الهمداني الوادعي مقبول من الثالثة وتقدم ذكره، "قال: رأيت علياً توضأ" علي بن أبي طالب الخليفة الراشد الرابع من الخلفاء الراشدين، شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، مناقبه وفضائله أكثر من أن تحصر "توضأ" يعني شرع في الوضوء، شرع في الوضوء؛ لأن الفعل الماضي الأصل فيه الفراغ منه، إذا قلت: جاء زيد فقد حضر لا شك، وقام زيد استتم القيام، الأصل فيه الفراغ، ولذلك يقال فيه ماضٍ لأنه حصل قبل الكلام، في الماضي قبل الكلام، هذا الأصل فيه، وقد يطلق ويراد به الشروع كما هنا رأيت علياً توضأ يعني شرع في الوضوء، وكما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وإذا ركع فاركعوا)) ليس معناه إذا فرغ من الركوع، بل إنما إذا شرع في الركوع، يطلق أيضاً ويراد به إرادة الفعل، إرادة الفعل، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] إذا أردت القراءة.

"رأيت علياً توضأ" بعضهم يقول: بدلاً من شرع بالوضوء يعني أراد الوضوء، أراده، لكنه بالفعل شرع وباشر، فغسل كفيه، شرع فيه فغسل كفيه، ومنهم من يقول: إن توضأ هنا على بابها، توضأ وفرغ من الوضوء، توضأ وهذا تعبير عما حصل إجمالي، تعبير إجمالي عما حصل، توضأ والتفصيل بالفاء، فالفاء تفريعية على ما تقدم على المجمل، "فغسل كفيه" والكف من أطراف الأصابع إلى الرسغ إلى المفصل، هذا الكف "فغسل كفيه -يعني إلى الرسغين- حتى أنقاهما" أنقاهما يعني أزال ما عليهما من وسخ إن وجد، أنقاهما يعني: أسبغ غسلهما "ثم مضمض ثلاثاً" والمضمضة إدخال الماء في الفم ثم إدارته باللسان والشدقين ثم مجه، والمج على هذا من المضمضة، وعلى هذا لو أدخل الماء في الفم ثم أداره فيه فابتلعه هل نقول: مضمض وإلا ما مضمض؟ نعم، على هذا التعريف لا يكون تمضمض، ومنهم من لا يدخل المج في المضمضة، وحينئذٍ إذا أدخله في فمه ثم أداره تمت المضمضة ثم إن شاء مجه وإن شاء ابتلعه، وإذا كان المقصود من المضمضة تنظيف الفم قد يقول قائل: الفم نظيف، اللعاب ينظفه باستمرار، وهو مغلق لا يدخل إليه غبار ولا شيء. على كل حال الوضوء إنما هو للتنظيف، حكمته الظاهرة التنظيف، وإخراج الوسخ الحسي والمعنوي، المعنوي إخراج الوسخ المعنوي فالذنوب تخرج مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فالفم لا شك أنه أحياناً يكون فيه بقايا طعام فيحتاج إلى تنظيف، قد يكون فيه رائحة من كثرة كلام أو من إطالة سكوت يحتاج إلى تنظيف، وعلى هذا المج من المضمضة، المج من المضمضة؛ لأنه إذا ابتلعه، والشرع جاءت الأدلة المتظافرة على حثه على النظافة ونظافة الباطن أهم من نظافة الظاهر، ليس معنى هذا أنه إذا نظف ظاهره انتهى، بل الشرع يعتني بالنظافة الباطنة والظاهرة، فإذا ابتلعه ما اهتم بنظافته الباطنة التي قد يتسبب عنها بعض الأمراض، فالمج حينئذٍ من المضمضة.

"واستنشق ثلاثاً" استنشق، الاستنشاق: جذب الماء بالنفس داخل الأنف، داخل الأنف، ثم إخراجه من الأنف أيضاً بالنفس، كثير من الناس لا يحسن الاستنشاق، يجعل الماء بكفه ثم يدخله في أدنى أنفه، والاستنشاق جاءت المبالغة فيه: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) فيستنشق الماء بنفسه حتى يصل إلى خياشيمه، والشيطان يبيت على خيشومه، فالمقصود أن مثل هذا صحيح كثير من الناس ما يتحمل، ويتأذى بوصول الماء إلى خيشومه على كل المشقة تجلب التيسير، إذا كان يشق عليه بحيث لا يطيقه أو يتضرر به فالضرر لا بد من إزالته، والشرع لا يأتي بما يضر، لكن عليه أن يبالغ امتثالاً للأمر النبوي. "استنشق" الاستنشاق هو إدخال الماء وجذبه بالنفس، والاستنثار إخراجه بالنفس، وجاء في بعض الروايات: "استنثر ثلاثاً"، استنثر ثلاثاً، ويراد بالاستنثار هنا الاستنشاق جذبه بالنفس، أو يكون من لازمه الاستنثار، الاستنثار من لازم الاستنثار الاستنشاق، لا يمكن أن يستنثر إلا بعد أن يستنشق، فيكون التعبير من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، وهو الاستنشاق، وبعضهم يقول: إن الاستنشاق والاستنثار بمعنىً واحد، لكن واضح أن النثر غير الجذب. "وغسل وجهه ثلاثاً" معروف حدود الوجه من منابت الشعر إلى الذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، "وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً" ذراعيه ثلاثاً، في الآية آية الوضوء: {وَأَيْدِيَكُمْ} {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة]

وهنا قال: "وذراعيه ثلاثاً" مقتضى الآية وما جاء في بيانها من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه يغسل يديه إلى المرافق، فغسله لليدين وإطلاق اليدين في آية الوضوء يشمل من أطراف الأصابع إلى المرافق، من أطراف الأصابع إلى المرافق، والحديث حينما يقول: ذراعيه ثلاثاً إنما هو من المفصل إلى المرفق، وهذا يفعله كثير من الناس، إذا غسل يديه قبل الوضوء ما عاد إليهم مرة ثانية، إنما يكتفي بغسل الذراعين، يكتفي بغسل الذراعين، واليد الوارد ذكرها في الآية وفي الأحاديث الصحيحة من فعله وقوله -عليه الصلاة والسلام- تشمل ما بين أطراف الأصابع من أطراف الأصابع إلى المرافق، ولذا لو اقتصر على الذراعين فقط دون غسل الكفين الوضوء غير صحيح، غير صحيح؛ لأن اليد المطلقة في الآية تشمل الكف، قد يقول قائل: إذا غسل الكفان بنية الوضوء ثم اقتصر على غسل الذراعين بعد غسل الوجه فقد تم المقصود، فهل هذا يجري على قول من يرى الترتيب أو على قول من لا يرى الترتيب؟ نقول: يجزئ على قول من لا يرى الترتيب، لكن من لا يرى الترتيب هل يسوغ تفريق العضو الواحد؟ يعني هل عند الذين يقولون، لا يرون الترتيب يقول: يغسل نصف وجهه ثم إذا مسح رأسه غسل النصف الثاني؟ يسوغ هذا عندهم؟ إذن لا يسوغ حتى على قول من لا يرى الترتيب، لا يسوغ حتى على قول من لا يرى الترتيب، فهذه الرواية لا شك أنها يحكم بشذوذ هذا اللفظ، يحكم بشذوذ هذا اللفظ، أو أنه أطلق الذراع وأراد اليد من باب إطلاق البعض وإرادة الكل وهو سائغ، سائغ في لغة العرب.

"وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه مرة" وهذا اللفظ مفسر لما أجمل في الأحاديث السابقة "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" الذي يستدل به من يرى تثليث المسح، وأن الرأس يمسح ثلاثاً، فهذه الرواية مفسرة، ومسح برأسه ثلاثاً، ولها ما يشهد لها، والذين وصفوا فعله -عليه الصلاة والسلام- بالتفصيل ما ذكروا التثليث في المسح، ويقتضيه المعنى إذ لو كرر المسح لطلب الغسل، لو كرر المسح لطلب الغسل، وإنما اكتفي بمسحه تخفيفاً، فإذا كررناه ثلاثاً فلنفرق بينه وبين الغسل، وهذا قول الأكثر، يرى الشافعية التثليث، لكن الأكثر على إفراد المسح، مسح الرأس مرة واحدة، وهذا تقدم الكلام فيه في الحديث رقم (34) باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة، حديث الربيع أنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ قالت: ومسح رأسه، مسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرة واحدة، مرة واحدة، ثم قال أبو عيسى: وقد روي من غير وجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح برأسه مرة، المقصود أن هذا هو المرجح عند أهل العلم.

"ثم مسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل قدميه إلى الكعبين" ثم غسل قدميه إلى الكعبين، وفيه رد على القائلين بمسح القدمين، مسح القدمين، وهذا تقدم، قد تقدم في أظن في آخر درس في العام الماضي، في آخر درس نعم، باب: ما جاء ويل للأعقاب من النار، وذكرنا قول المخالفين من الرافضة أنهم يكتفون بالمسح، وأن هذا القول منسوب لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الإمام المشهور، والنسبة إليه لا تصح، لا تصح، والمفسرون ينسبونه بعضهم ينسبه إلى محمد بن جرير بن رستم الطبري، وهو من الشيعة، ولا يبعد أن يثبت هذا عنه؛ لأن هذا قولهم؛ لأن هذا قول الشيعة، وأما ابن جرير فالذي أوقع في الإشكال تعبيره بالمسح في تفسيره، ويريد بذلك المسح الغسل والمبالغة في الدلك على لغة، بدليل أنه أردف هذا القول بحديث: ((ويل للأعقاب من النار)) بطرقه، ولو كان يرى المسح والاكتفاء بظاهر القدم كما يقول الشيعة ما جاب حديث ((ويل للأعقاب من النار)) فلا تصح نسبة القول بالمسح إلى الإمام محمد بن جرير الطبري، ففي فعله فعل علي -رضي الله تعالى عنه- ثم غسل قدميه إلى الكعبين رد على القائلين بمسح القدمين ممن يزعم الاقتداء بعلي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، هم يعتقدون عصمته ويقتدون به، ويرون أنه هو المتبوع، ومع ذلك يخالفونه هو غسل قدميه إلى الكعبين وهم يقولون بالمسح.

"ثم قام فأخذ فضل طهوره" يعني بقية مائه، بقية مائه "فشربه وهو قائم" فشربه وهو قائم، "ثم قال -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ " يعني وضوءه، يعني شرح الوضوء عملياً، والتعليم بالفعل لا شك أنه أثبت من التعليم بالقول وأرسخ، "فشربه وهو قائم" جاء في رواية: ثم قال: "إن أناساً يكرهون الشرب قائماً وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صنع مثل ما صنعت" "إن أناساً يكرهون الشرب قائماً وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صنع مثل ما صنعت" النهي عن الشرب قائماً، والزجر عنه، والتشديد في أمره ثابت في صحيح مسلم عن أنس قال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشرب قائماً، وجاء في الحديث: ((من نسي فشرب قائماً فليقئ)) هذا لا شك أنه تشديد في أمر الشرب قائماً، وعلي -رضي الله تعالى عنه- شرب وهو قائم، وأضاف رفع ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه شرب من شن معلق وهو قائم، وشرب من ماء زمزم وهو قائم، فماذا عن النهي والزجر الثابت في صحيح مسلم؟ من أهل العلم من يرى أن النهي منسوخ، منهم من يرى أنه منسوخ، وعلى هذا يكون الشرب قاعداً أو قائماً لا فرق بينهما، ومنهم من يرى أن الشرب قائماً مع ثبوت النهي صارف، صارف عن التحريم إلى الكراهة، وعلى هذا يكون الشرب جالساً أفضل من الشرب قائماً، وإن كان بعضهم يرى أن الشرب من ماء زمزم على وجه الخصوص، شربه قائماً أفضل، وبعضهم يرد ذلك إلى الأصل وهو النهي، والحظر مقدم على الإباحة، ويحمل شربه من ماء زمزم قائماً أن الأرض قد تلوثت بالمياه فلا يستطيع الشرب وهو جالس. على كل حال النهي ثابت والزجر صحيح من حديث أنس في صحيح مسلم، والشرب قائماً أيضاً ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، فإما أن نقول: إنه صارف عن التحريم إلى الكراهة وهذا أولى، فيبقى الشرب جالساً أفضل، أو كما قال بعضهم بالنسخ وحينئذٍ يستوي الأمران. ثم قال علي -رضي الله تعالى عنه-: "أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ".

قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان في الصحيحين وغيرهما، وعبد الله بن زيد فيهما أيضاً، وفي السنن، وابن عباس عند البخاري، وعبد الله بن عمرو عند أحمد وأبي داود والنسائي، وابن ماجه، والربيع عند أبي داود، وعبد الله بن أنيس وعائشة، وقال الشارح: إنه لم يقف على حديثهما، لم يقف على حديثيهما. ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد خير" الإسناد متحد، حدثنا قتيبة هناد وقتيبة قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق إلى هنا متحد، ثم بعد ذلك الأول عن أبي حية، والثاني عن عبد خير، عن عبد خير بن يزيد الهمداني أبي عمارة الكوفي مخضرم ثقة، لم يصح له صحبة، من كبار أصحاب علي، "ذكر عن علي مثل حديث أبي حية، إلا أن عبد خير قال: كان إذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربه"، وأبو حية قال: أخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم، فالاختلاف بينهما في هذه الجملة فكأنه في حديث أبي حية لم يبق إلا الشيء اليسير بحيث يستوعب شربه، أخذ فضل طهوره يعني ما بقي منه فشربه وهو قائم، وفي حديث عبد خير: أخذ من فضل طهوره، يعني من بقيته بكفه فشربه. (من) هذه تبعيضية وإلا بيانية؟ تبعيضية وإلا بيانية؟ إذا قلنا: تبعيضية وجد الاختلاف بين الحديثين، وإذا قلنا: بيانية ارتفع الخلاف، ما صار بينهما فرق، وأيهما أولى الائتلاف مع إمكانه أو إثبات الاختلاف؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . بلا شك أن التأليف بين النصوص أولى، فإذا قلنا: (من) هذه بيانية انتهى الإشكال، فلا يكون هناك فرق بينهما. قال أبو عيسى: "حديث علي رواه أبو إسحق الهمداني" إسحاق السبيعي "عن أبي حية وعبد خير والحارث عن علي". أما حديث أبي حية وعبد خير فالحديثان اللذان تقدما في الباب، والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الكوفي يروي عن علي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، كذبه الشعبي وغيره، وهو معروف بالتشيع والغلو فيه، وعلى هذا المرجح عند أهل العلم ضعفه، بل الشعبي كذبه، قال: حدثنا الحارث الأعور وكان كذاباً، هذا في مقدمة صحيح مسلم.

وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن علقمة عن عبد خير عن علي حديث الوضوء بطوله، وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة، خالد بن علقمة، وكنيته أبو حية، وهو وادعي همداني، هناك عن أبي حية بن قيس الهمداني الوادعي، وهذا أيضاً خالد بن علقمة وادعي همداني وكنيته أبو حية يلتبس بالسابق لكنه غيره، ذاك أبو حية بن قيس، وهذا أبو حية خالد بن علقمة، فهو غيره، أبو حية بن قيس يروي عن علي مباشرة، وهذا يروي عن عبد خير عن علي -رضي الله عنه- حديث الوضوء بطوله، وحديثه مخرج عند أبي داود والنسائي والدارمي والدارقطني، وهذا حديث حسن صحيح، هذا حديث حسن صحيح، الحديث صحيح حديث علي -رضي الله تعالى عنه- في الوضوء صحيح لا إشكال فيه. قال: "وروى شعبة هذا الحديث -وننتبه لهذا الاختلاف- وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال: مالك، بدل خالد" خالد بن علقمة، قال شعبة: مالك بدل خالد، وعرفطة بدل علقمة، فبدلاً من أن يقول: خالد بن علقمة قال: مالك بن عرفطة، عن عبد خير عن علي، واتفق الحفاظ الترمذي وأبو داود والنسائي على أن شعبة وهم في هذا التصحيف، وهم في هذا التصحيف، إنما هو خالد بن علقمة، وشعبة يقول: مالك بن عرفطة، ويمثلون به لتصحيف السمع؛ لكون الكلام على وزن صرفي واحد، يلتبس على السمع، يعني قد يقول لك: قال عاصم، تقول: عامر، تظنه عامر وهو عاصم، قال: أحدب، تظنه الأحول، هذا قريب، السمع أحياناً يلتقط خطأ ويصحف، فمثل هذا تصحيف سمع عند أهل العلم، كما صحف عاصم الأحول بعامر الأحدب، لكون الكلمتين على ميزان صرفي واحد، يلتبس عند السامع فلا يحدد المقصود والمراد، وهنا مالك بن عرفطة بدل خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي.

قال: "وروى عن أبي عوانة" عوانة اسمه إيش؟ الوضاح بن عبد الله اليشكري، الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو من الثقات الحفاظ، معروف الوضاح بن عبد الله اليشكري، خلافاً لمن رماه بالوضع، الكوثري قال: وضاع، معتمداً على تصحيف وقع في كتاب سئل من أبو عوانة إمام من الأئمة؟ قال: ذاك وضاع، وهو يريد ذاك الوضاح يريد اسمه، فوقع التصحيف ففرح به هذا المبتلى بمثل هذا -نسأل الله السلامة والعافية-، وأهل الأهواء يفرحون بمثل هذه الأخطاء والتصحيفات، أبو عوانة اسمه: الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة من ثقات الرواة، رواه عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي، قال: وروى عنه عن مالك بن عرفطة مثل رواية شعبة والصحيح خالد بن علقمة. يعني أبو عوانة مرة قال: خالد بن علقمة، ومرة قال: مالك بن عرفطة، فأيهما الأولى؟ منهم من يقول: إنه روي عنه مالك بن عرفطة ثم قيل له: إن شعبة وهم في ذلك فرجع إلى قول غيره، فرواه عن خالد بن علقمة وفي كلام أبي داود الموجود في بعض نسخه في رواية ابن العبد فقط، أن أبا عوانة رواه عن خالد بن علقمة على الصواب عند الجمهور فقيل له: إن شعبة يرويه عن مالك بن عرفطة فقال شعبة: أحفظ، فرواه عن مالك بن عرفطة، فعلى هذا يكون مالك بن عرفطة عند أبي عوانة بعد الرواية عن خالد بن علقمة، والصحيح خالد بن علقمة. هذا كلام الترمذي يوهم شعبة في تصحيفه خالد بن علقمة إلى مالك بن عرفطة، وكذلك النسائي قال: وهم شعبة، وأبو داود في رواية ابن العبد نص على ذلك.

هذا الراوي من شيوخ شعبة، من شيوخه، وشعبة من أهل التحري والتثبت وشدة النقد، حتى قال جمع من أهل العلم: إنه لا يروي إلا عن ثقة، هذا شيخ من شيوخه فكيف تصحف عليه؟ نعم شعبة ليس بالمعصوم، شعبة ليس بالمعصوم، لو كان من طبقة متقدمة ويسمع اسم هذا الراوي من غيره قد يتصحف عليه، لكن هو شيخه كيف يتصحف عليه اسم شيخه؟ قد يقول قائل: إن هذا سبق لسان، ويحصل كثير سبق اللسان، بل الناس يتفاوتون في هذا، بعض الناس لا يخلو مجلس من مجالسه إلا وفيه سبق لسان مرة أو مرتين أو ثلاث، وبعض الناس -ما شاء الله- ضابط ومتقن ما يسبق لسانه إلا في القليل النادر، وشعبة من هذا النوع، حافظ ضابط متثبت، ولو قدر أنه سبق لسانه لصحح، قد يقول قائل: إنه حدث به بعد زمن طويل ونسي اسم شيخه، احتمالات لا شك أنها واردة، لكن من مثل شعبة في حفظه وضبطه وإتقانه وتحريه ودقته، لا يتصور مثل هذه الأمور، والشيخ أحمد شاكر له كلام يعني الذين وهموا شعبة أئمة حفاظ كبار جبال، والشيخ أحمد شاكر له كلام، يعني له وجه، كلام له وجه، فلنقرأ كلام الشيخ أحمد -رحمه الله-، عندك يا أبا عبد الله؟ في نسخة أحمد شاكر؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم هكذا ذكر، ذهب الترمذي إلى آخر الكلام، وهو طويل، لكن نصبر عليه؛ لأنه كلام مهم، ويفيد طالب العلم، ويدل على دقة عند الشيخ -رحمه الله-، وعلى عناية واهتمام بالحديث ورجاله، لكن لا يعني أنه صواب في كل ما يقول، لا، نعم. عفا الله عنك. قال الشيخ أحمد شاكر: هكذا ذهب الترمذي إلى أن شعبة أخطأ في اسم شيخه، وكذلك قال النسائي في سننه، فإنه روى حديث أبي عوانة عن خالد بن علقمة، ثم روى حديث شعبة عن مالك بن عرفطة، ثم قال: هذا خطأ، والصواب خالد بن علقمة، ليس مالك بن عرفطة، وكذلك صنع أبو داود في سننه، فروى الحديث من طريقين عن خالد بن علقمة، ثم رواه من طريق شعبة قال: سمعت مالك بن عرفطة، ثم قال أبو داود: ومالك بن عرفطة إنما هو خالد بن علقمة، أخطأ فيه شعبة.

قال أبو داود: قال أبو عوانة يوماً: حدثنا مالك بن عرفطة عن عبد خير، فقال له عمرو الأغضف: رحمك الله أبا عوانة هذا خالد بن علقمة، ولكن شعبة مخطئ فيه، فقال أبو عوانة: هو في كتابي خالد بن علقمة، ولكن قال شعبة: هو مالك بن عرفطة، قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا أبو عوانة عن مالك بن عرفطة، قال أبو داود: وسماعه قديم. قال أبو داود: حدثنا أبو كامل، قال: حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة، وسماعه متأخر كأنه بعد ذلك رجع إلى الصواب، وهذا الذي قاله أبو داود في شأن مالك بن عرفطة لم يوجد في كل نسخ السنن، وإنما وجد في رواية أبي الحسن بن العبد عن أبي داود كما ذكره الحافظ ابن حجر في التهذيب، وكما نقله في عون المعبود عن كتاب الأطراف للحافظ المزي. وقال أبو زرعة الحافظ فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في كتاب العلل: وهم فيه شعبة، قال ابن حجر في التهذيب وقال البخاري وأحمد وأبو حاتم وابن حبان في الثقات وجماعة: وهم شعبة في تسميته حيث قال: مالك بن عرفطة. يعني يضاف إلى من تقدم الترمذي وأبو داود والنسائي يضاف البخاري وأحمد وأبو حاتم وابن حبان، وجماعة أيضاً كلهم وهموا شعبة، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- يتصدى لهؤلاء الجبال لينطحها بقرنه -رحمه الله-، نعم. عفا الله عنك. وعاب بعضهم على أبي عوانة كونه كان يقول: خالد بن علقمة مثل الجماعة، ثم رجع عن ذلك حين قيل له: إن شعبة يقول: مالك بن عرفطة، وقال: شعبة أعلم مني، وحكاية أبي داود تدل على أنه رجع عن ذلك ثانياً إلى ما كان يقول أولاً، وهو الصواب. وهذا الإسناد قد جعله علماء المصطلح مثالاً لتصحيف السماع، أي أن الراوي يسمع الاسم أو الكلمة فتقع في أذنه على غير ما قال محدثه. نعم لكونها على نفس الوزن الصرفي المراد، نعم. فيرويها عنه مصحفة، انظر مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي وتدريب الراوي، وشرحنا على ألفية السيوطي، وشرحنا على اختصار علوم الحديث لابن كثير. وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن محمد بن جعفر وحجاج بن شعبة عن مالك ... وحجاج عن .... عفا الله عنك.

وحجاج عن شعبة عن مالك بن عرفطة عن عبد خير عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الدباء والحنتم والمزفت، ثم رواه أيضاً عن روح بن شعبة قال: حدثنا .... عن روح عن ... عن روح عن شعبة قال: حدثنا مالك بن عرفطة، وقال أحمد: إنما هو خالد بن علقمة الهمداني وهم شعبة. وأنا أتردد كثيراً فيما قالوه هنا، أما زعم أن تغيير الاسم إلى مالك بن عرفطة من باب التصحيف فإنه غير مفهوم؛ لأنه لا شبه بينه وبين خالد بن علقمة في الكتابة ولا في النطق، ثم أين موضع التصحيف؟ وشعبة لم ينقل هذا الاسم من كتاب إنما الشيخ شيخه رآه بنفسه وسمع منه بأذنه وتحقق من اسمه، نعم قد يكون عرف اسم شيخه ثم أخطأ فيه، ولكن ذلك بعيد بالنسبة إلى شعبة، فقد كان أعلم الناس في عصره بالرجال وأحوالهم حتى لقد قالوا عنه: "إنه لا يروي إلا عن ثقة". وفي التهذيب عن عبد الله بن أحمد عن أبيه قال: كان شعبة أمة وحدة في هذا الشأن، يعني في الرجال، وبصره بالحديث وتثبته وتنقيته للرجال، وفيه عن تاريخ ابن أبي خيثمة قال شعبة: ما رويت عن رجل حديثاً إلا أتيته أكثر من مرة، والذي رويت عنه عشرة، أتيته أكثر من عشر مرار، فمثل هذا الرجل في تحريه وتوثقه في شيوخه لا يظن به أنه يجهل اسم شيخه الذي روى عنه، وأتاه أكثر من مرة كما يقول، نعم قد يخطئ في شيء من رجال الإسناد ممن فوق شيخه، أما في شيخ نفسه فلا، أما الحكاية عن أبي عوانة التي نقلها أبو داود فإنها إن صحت لا تدل على خطأ شعبة، بل تدل على خطأ أبي عوانة، وأنا أظنها غير صحيحة، فإن أبا داود لم يذكر من حدثه بها عن أبي عوانة، وإنما الثابت إسناده أن أبا عوانة روى عن خالد بن علقمة، وروى عن مالك بن عرفطة، فالظاهر عندي أنهما راويان، وأن أبا عوانة سمع من كل واحد منهما.

كلام الشيخ -رحمه الله- الذي سمعناه يدل على دقة فهم بلا شك، لكنه في مقابل هؤلاء الأئمة الكبار لا يعتبر به، وكلامه يتجه لو وجدنا في كتب الرجال راويين بهذين الاسمين من هذه الطبقة بعينها، يعني لو وجدنا خالد بن علقمة، ومالك بن عرفطة في نفس الطبقة وجدناهما خالد بن علقمة مترجم له، ومالك بن عرفطة مترجم له، ووجدناه في نفس الطبقة، ووجدنا الآخذين عنهما ومن رووا عنه، يشتركون في بعض الشيوخ، وبعض التلاميذ قلنا: إنه يحتمل أنه رواه مرة عن هذا ومرة عن هذا، لكن إذا بحثنا في كتب الرجال ما وجدنا مالك بن عرفطة، ما وجدنا إلا واحد منهم إما هذا أو هذا، فلا شك أن كلام الأئمة هو المتعين، وأن شعبة مهما بلغ في الحفظ والضبط والإتقان أنه يهم. مالك -رحمه الله- نجم السنن وهم، عمرو بن عثمان الحفاظ كلهم على أنه عمرو بن عثمان ومالك يسميه عمر، وهو متثبت منه، ومتحقق منه، وكان إذا مر بداره أشار إليها، هل نقول: إن مالك في مقابل الأئمة كلهم هو الصواب مع أنه متأكد من الاسم ومتحقق منه؟ أو نقول: إنه بالنسبة لخلاف مالك سهل؛ لأن الاسم عمر وعمرو متقاربان، وقد يكون للشخص أكثر من اسم، يكون بعض الأسماء ثقيل فيخفف.

الآن الخطابي أبو سليمان يختلف في اسمه الأكثر على أنه حمد بن محمد، مصدر حمد، ومنهم من يقول: اسمه: أحمد، وأن هذا اسمه في الأصل ثم خفف، فيختلفون في اسم الواحد وهو من المعروفين، لكن يبقى أن الصواب شيء واحد، وما عداه يحكم عليه بالوهم إذا لم يحتمل، فإذا وجدنا راويين بهذين الاسمين من طبقة واحدة يتفقان قلنا: كلام الشيخ متجه، ويش المانع؟ لا سيما وأن شعبة إمام، وأبو عوانة أيضاً إمام حافظ، فالجرأة على تخطئة مثل شعبة الجرأة على تخطئة مثل شعبة يعني فيها صعوبة، لكن يبقى أن حكم الأئمة أحمد والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة والترمذي وأبو داود والنسائي كلهم يقولون: أخطأ، وابن حبان في الثقات ينص على أنه أخطأ، الشيخ أحمد كلامه لا شك أن له وجه، لا نقول: إنه باطل من كل وجه، نقول: له وجه ويدل على دقة في النظر، لكن ليس هو الصواب، ليس هو الصواب، يعني مثل هذا الكلام لو أن الشيخ أحمد شاكر في آخر عمره اقتنع بكلام الأئمة، ورجع عن قوله قبل طبع الكتاب هل من الأفضل أن يذكر هذا الكلام وإلا ما يذكره؟ يعني هل الأفضل أن يذكر مثل هذا الكلام قبل الكتاب ورجع عنه أو لا يذكره أصلاً؟ أو يذكره ثم يبين أنه رجع عنه؟ أنا أقول: ذكر مثل هذا الكلام مفيد جداً لطالب العلم، هذا الكلام يفتح آفاق أمام طالب العلم في كثير من المضايق، في غاية الأهمية، يعني كيف شخص من الحفاظ المتقنين المتثبتين يخطئ في اسم شيخه، يعني الأئمة في كفة، لو جعلت في مقابلهم ألف من الحفاظ ما عادلوا هؤلاء الأئمة الذين ذكروا، فكيف بشخص متأخر معاصر؟ لكن هذا يدل على إمامة في هذا الباب، وليس كل كلام مرجوح ينسف بالكلية، لا، يستفاد منه، يعني يستفاد منه في مسائل نظائر لهذه المسألة، فهذا الكلام على طالب العلم أن يتأمله ويدقق فيه، ولو لم يكن راجحاً، يستفيد منه في مواطن، في حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) الإمام البخاري رجح الوصل مع أن من أرسله كالجبل شعبة وسفيان، هم الذين أرسلوه، نقول: البخاري قوله راجح وإلا مرجوح؟ النظر في مثل هذه المسائل في غاية الدقة، من أراد الدقة عند أهل الحديث يرجع إلى حديث ((لا نكاح إلا بولي)) عند الترمذي يشوف إيش قال الترمذي -رحمه الله- في سبب

باب: في النضح بعد الوضوء:

ترجيح رأي البخاري؟ يعني كلام لا يخطر على البال، ما يقوله عالم معاصر أو جاء بعد الأئمة من تلقاء نفسه أبداً، ليس هذا مما يدرك إلا عن طريق الأئمة، فكلام الشيخ أحمد شاكر ترى في غاية الدقة، وفي غاية الشفافية، لكن يبقى أنه في مقابل كلام الأئمة الحفاظ الكبار مرجوح، نعم. عفا الله عنك. باب: في النضح بعد الوضوء: حدثنا نصر بن علي وأحمد بن عبيد الله السليمي البصري قالا: حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((جاءني جبريل فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح)) هذا حديث غريب، وسمعت محمداً يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث، وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان وابن عباس وزيد بن حارثة وأبي سعيد وقال بعضهم: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان، واضطربوا في هذا الحديث. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في النضح بعد الوضوء" والواضح من الترجمة أنه يأخذ قليلاً من الماء فيرش مذاكيره بعد الوضوء؛ ليتقي الوسواس، وهذا لا شك أنه علاج فيمن ابتلي بالوسواس، أو ظهرت مبادئه، ينضح على فرجه وعلى سراويله الماء ليحيل إليه ما يلقي الشيطان عليه، فإذا قال الشيطان: إنك خرج منك شيء بعد الوضوء قال: لا هذا من الماء الذي نضحناه، وقد يغلب على ظنه خروج شيء فإن كان نضح ورش لم يلتفت إليه، وإن كان لم ينضح ولم يرش فاختبر نفسه ووجد بالفعل أنه قد خرج منه لا شك أن هذا ناقض، لكن إذا كثر مثل هذا لا بد من النضح، ولا يمكن أن يتقى الوسواس إلا بمثل هذا.

قال -رحمه الله-: "حدثنا نصر بن علي –الجهضمي- وأحمد بن أبي عبيد الله السليمي" البصري الوراق ثقة من العاشرة "قالا: حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة" الخرساني، قالوا: صدوق من التاسعة "عن الحسن بن علي -بن محمد بن علي بن ربيعة بن نوفل- الهاشمي" ضعيف جداً، يقول البخاري: منكر الحديث -على ما سيأتي-، "عن عبد الرحمن -بن هرمز- الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((جاءني جبريل فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح)) يعني إذا فرغت من الوضوء فانتضح، إذا توضأت يعني إذا فرغت من الوضوء فانتضح، وعرفنا السبب والحكمة من هذا الانتضاح؛ ليحيل إليه ما يظن خروجه، فإذا ظن أنه خرج منه قال: إنه من هذا الماء المنضوح. يقول ابن العربي في العارضة: اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث على أربعة أقوال: الأول: معناه إذا توضأت فصب الماء على العضو صباً ولا تقتصر على مسحه فإنه لا يجزئ فيه إلا الغسل، وعلى هذا يكون مفاد الحديث الإسباغ، إسباغ الوضوء، على العضو يعني جنس العضو المغسول من وجه أو يد أو رجل، إذا توضأت فصب الماء على العضو يعني المغسول صباً، ولا تقتصر على مسحه فإنه لا يجزئ فيه إلا الغسل، والثاني: معناه استبرئ الماء بالنثر والتنحنح، وهذا لا شيء، هذا القول لا يعتمد عليه، ولا يعول عليه، بل نص أهل العلم على أن مثل هذا الفعل بدعة، الثالث: معناه إذا توضأت فرش لإزالة الذي يلي الفرج؛ ليكون مذهباً للوسواس، وهذا ما ذكرناه سابقاً، الرابع: معناه الاستنجاء بالماء، الاستنجاء بالماء إشارة إلى الجمع بينه وبين الأحجار، يعني لا تقتصر على الاستجمار، بل استنجي بعده، فإن الحجر يخفف الوسخ والماء يطهره. وعلى كل حال الأكثر على الفهم الأول، وأن المراد به رش الماء على المذاكير والسراويل وما يلي المخرج.

((إذا توضأت فانتضح)) قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجه، قال: "وسمعت محمداً يقول –يعني محمد بن إسماعيل البخاري-: "سمعت محمداً يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث" والبخاري إذا قال: منكر الحديث، يعني البخاري شديد الورع في أحكامه على الرواة فلا تجده يقول: كذاب ولا وضاع ولا دجال ولا متهم، إنما يكتفي بقوله: منكر، أو يقول: تركوه، أو متروك، أو نحو هذه العبارات، وعلى كل حال ضعفه أحمد والنسائي وأبو حاتم والدارقطني، وهذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف، ضعيف لضعف الهاشمي هذا. يقول الشارح: حديث الباب ضعيف وفي الباب أحاديث عديدة مجموعة يدل على أن له أصلاً، يدل على أن له أصلاً. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان" عند أبي داود وابن ماجه، وعند أحمد في المسند أيضاً، وابن عباس عند عبد الرزاق في الجامع، وزيد بن حارثة عند ابن ماجه والدارقطني، وفي إسناده ابن لهيعة، وأبي سعيد الخدري قال الشارح: لم يقف عليه، وقال بعضهم -يعني بعض الرواة-: سفيان بن الحكم، وقال: "وفي الباب عن أبي الحكم ابن سفيان" قال بعض الرواة: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان -على الشك- واضطربوا في هذا الحديث. في التقريب الحكم بن سفيان وقيل: سفيان بن الحكم، قيل: له صحبة، لكن في حديثه اضطراب، في حديثه اضطراب، هل الاضطراب في الحديث أو في اسمه؟ الاضطراب أن يروى الخبر على أوجه مختلفة متساوية فهل روي هذا الخبر بألفاظ مختلفة أوجه مختلفة متساوية؟ مختلفة من حيث المعنى متساوية من حيث الحكم بحيث لا يستطاع ترجيح بعضها على بعض؟ فيبقى الاضطراب؟ وإذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب، أو الاختلاف في اسمه؟ كما اختلفوا في اسم عمرو بن حريث، أو أبو عمرو بن حريث، أو ابن عمرو بن حريث في حديث الخط، ومثلوا به للمضطرب، ففرق بين أن يكون مضطرب المتن، وأن يكون مضطرب السند، والاضطراب لا شك أنه موجب للضعف، لكن يبقى أن هذا شيء وذاك شيء آخر.

باب: في إسباغ الوضوء:

هذه الأحاديث التي ذكرها الشارح مثل حديث أبي الحكم بن سفيان وحديث ابن عباس، وزيد بن حارثة وحديث أبي سعيد، وأيضاً في الباب عن جابر أخرجه ابن ماجه وعن أسامة بن زيد رواه أحمد، وفي إسناده رشدين بن سعد الذي تقدم ذكره، وعلى كل حال وجود هذه الأحاديث الذي يدل مجموعها على مشروعية النضح لرفع أو لدفع الوسواس، لرفعه إن كان موجوداً، أو لدفعه إن لم يكن موجوداً، لا شك أن مجموع هذه الأحاديث تدل على أن له أصلاً، وبعض الناس إنما ابتلي بالوسواس بهذا السبب، إذا توضأ قال: إنه خرج منه شيء، ثم إذا توضأ ثانية خيل إليه الشيطان أنه خرج منه شيء، والشيطان يلعب بمقاعد بني آدم بمذاكيرهم حتى يظن أنه خرج منه شيء وهو لم يخرج في الحقيقة، ولذا قال: ((إذا أحس أحد أو أدرك أحد شيء من ذلك فلا ينصرف))، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ((حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) يعني حتى يتيقن؛ لأن الأصل الطهارة، نعم. سم. عفا الله عنك. باب: في إسباغ الوضوء: حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ )) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط)) وحدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء نحوه، وقال: قتيبة في حديثه: ((فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) ثلاثاً. وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعَبيدة ويقال: عُبيدة بن عمرو وعائشة وعبد الرحمن بن عائش الحضرمي وأنس. حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني، وهو ثقة عند أهل الحديث. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في إسباغ الوضوء" أي إتمامه وإكماله، ومنه درع سابغ يعني تام كامل وافي، يغطي البدن.

قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر" السعدي، وهو ثقة حافظ "قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر" بن أبي كثير الأنصاري الزرقي، من الثقات أيضاً "عن العلاء بن عبد الرحمن" بن يعقوب الحرقي، قال ابن حجر: صدوق، وذكر الترمذي أن أهل الحديث وثقوه "عن أبيه" عبد الرحمن بن يعقوب ثقة "عن -الصحابي الجليل- أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا؟ )) ألا: استفهام، ولا، نافية وليست للتنبيه بدليل إجابتهم بـ (بلى) قالوا: بلى يا رسول الله، فهو يستفهم، وإذا دخل الاستفهام على نفي لا بد أن يكون الجواب بـ (بلى) ولو كان الجواب نعم انقلب المعنى {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} [(172) سورة الأعراف] ولو قالوا: نعم، قال: لكفروا؛ لأنها تقلب المعنى. ((ألا أدلكم؟ )) قالوا: بلى، فائدة السؤال ليكون الكلام أوقع في النفس؛ ليكون الكلام أوقع في النفس، كثيراً ما يأتي النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأخبار على جهة الاستفهام، يسأل ثم يجيب، وقد يجيبون ويصوبهم ويسددهم، وقد يكلون العلم إلى الله ورسوله إلى عالمه ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا .. ، يعني يعرفونه المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرد هذه الحقيقة وإن كانت شرعية، لكنه لم يردها إنما أراد أن ينبه على أمر أهم، وهو أن الإنسان يتعب في تحصيل الحسنات ثم يفرقها ويوزعها بحيث لا يبقى منها شيء، هذا هو المفلس الحقيقي، أما من جمع الدراهم والدنانير ثم فرقها هذا أمره سهل، هذا خسر شيء من الدنيا وذاك خسر الآخرة. ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا)) {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [(39) سورة الرعد] يعني المحو هذا من كتاب الحفظة، من كتاب الحفظة، يحمى مثل هذا، وهو دليل على غفرانها، دليل على غفران هذه الخطايا، قاله النووي.

((ويرفع به الدرجات؟ )) أي يعلي به المنازل في الجنة، قالوا: بلى يا رسول الله قال: ((إسباغ الوضوء)) أي إتمامه باستيعاب المحل بالغسل ((على المكاره)) المكاره: جمع مكره، والمراد به ما يكرهه الإنسان، ويشق عليه كالبرودة الشديدة، أو الحرارة الشديدة، وغلاء الثمن، أو ما يمنع في البدن من الارتياح إلى الماء، ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى)) جمع خطوة، وهي ما بين القدمين، وكثرة الخطى إنما تكون ببعد الدار عن المسجد، وكثرة التردد إلى المساجد، كثرة الخطى إنما تكون ببعد الدار عن المسجد، فمن كان بيته بعيداً عن المسجد لا ينتقل إلى قرب المسجد، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لبني سلمة: ((بني سلمة دياركم، تكتب آثاركم)) كما أن القريب من المسجد لا يبحث عن بيت بعيد من المسجد لأجل هذا؛ لأن البعد والقرب ليس مقصوداً لذاته، ليس مقصوداً لذاته، والمشقة إنما يؤجر عليها الإنسان إذا كانت تابعة للعبادة، أما لذاتها فليست من مقاصد الشرع، بعض الناس إذا خرج من بيته وهو يرى المسجد دار على الحي ثم دخل المسجد، هذا لا يكتب له إلا ما بين بيته وبين المسجد، هذا يكتب له التقدم إلى المسجد، هذا يدخل المسجد قبل من بيته بعيد، هذا له أجره وذاك له أجره، فليس القرب والبعد من المقاصد، اللهم إلا إن بعض الناس البعد قد يبعث في نفسه الكسل، أحياناً يقول: والله الآن ما يمدينا على الصلاة، المسجد بعيد إذا كان قريب تشجع، فمثل هذا يقرب من المسجد؛ ليكون عوناً له على الصلاة حيث ينادى بها مع الجماعة. ((وكثرة الخطى إلى المساجد)) في الذهاب أو في الذهاب والإياب، أما بالنسبة للجمعة فالحديث ثابت في أنه في ذهابه وإيابه تكتب له الخطى، أما بالنسبة لغيرها فهو المأمول من فضل الله وكرمه، والقياس على الجمعة صحيح؛ لأنه خرج من بيته لا ينهزه إلى المسجد إلا الصلاة، فتكتب له هذه الخطى، وليس بحاجة إلى الخطى في الرجوع إلا من أجل الصلاة، فتكتب له -إن شاء الله تعالى-.

((وانتظار الصلاة بعد الصلاة)) انتظار الصلاة يعني وقت الصلاة بعد فراغه من الصلاة السابقة، فيكون القلب معلق بها، معلق بالصلاة، معلق بالمساجد، فيكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ((رجل قلبه معلق بالمساجد)) ليس المراد بالمساجد ذاتها، وإنما المراد الصلاة ((وانتظار الصلاة بعد الصلاة)) ويمكن انتظار صلاة العصر بعد صلاة الظهر، يمكن انتظار المغرب بعد صلاة العصر، يمكن انتظار العشاء بعد صلاة المغرب، لكن هل يمكن انتظار الفجر بعد صلاة العشاء؟ لا يمكن، وهل يمكن انتظار الظهر بعد صلاة الفجر؟ هذا لا يمكن، الإمكان والذي لا يشق انتظار الصلوات الثلاث، لا يمكن انتظار صلاة الظهر أو صلاة الفجر إلا بالاعتكاف شخص معتكف نعم، مع أنه لا ينتظر، بل قد ينصرف عن انتظار الصلاة لنوم أو نحوه. ((فذلكم الرباط)) فذلكم الرباط المرغب فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} [(200) سورة آل عمران] وإن كان الرباط إذا أطلق فالمراد به ملازمة الثغور، والجهاد في سبيل الله، وربط النفس وحبس النفس على ذلك هذا هو المراد به إذا أطلق في النصوص، لكن هذا الرباط حبس للنفس على هذه الطاعة العظيمة، ففيه شبه من المرابطة في سبيل الله، ((فذلكم الرباط)) تعريف جزئي الجملة، تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، يعني لا غيره، وهذا حصر إضافي بلا شك، ومما يدل على فضل مثل هذا العمل وإن كان غيره لا سيما الرباط في سبيل الله الذي هو الجهاد أعظم منه، وجاء فيه أكثر النصوص، والرباط أيضاً والمرابطة لطلب العلم وتعليمه، والمرابطة من أجل الدعوة إلى الله -جل وعلا-، كل هذه من أبواب الخير التي جاءت النصوص بالحث عليها. "وحدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد" يعني هو الدراوردي "عن العلاء بن عبد الرحمن نحوه" العلماء إذا قالوا: نحوه فإنما يريدون به المعنى، ولا يريدون به اللفظ، بخلاف ما إذا قالوا: مثله.

"نحوه وقال: قتيبة في حديثه: ((فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط)) ثلاثاً" كررها ثلاثاً، إما أن يكون من أجل تعظيم الأمر والاهتمام بشأنه، أو لكونه على عادته أنه -عليه الصلاة والسلام- إذا تكلم تكلم ثلاثاً، ولا شك أن مثل هذا في غاية الأهمية في حياة المسلم، والحديث مخرج في صحيح مسلم، وعند الإمام مالك في الموطأ، وعند النسائي وابن ماجه. قال أبو عيسى: "وفي الباب عن علي" عند أبي يعلى والبزار والحاكم "وعبد الله بن عمرو" عند البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، وأيضاً هو عن ابن عمر لأن بعض النسخ: عبد الله بن عمرو وبعضها عبد الله بن عمر، وهو مروي عنهما، أما حديث عبد الله بن عمرو فهو في الصحيحين والسنن، وأما حديث ابن عمر فهو عند ابن خزيمة "وابن عباس" عند الترمذي سيأتي في اختصام الملأ الأعلى "وعَبيدة ويقال: عُبيدة بن عمرو" وليس هو السلماني وإنما هو الكلابي، أما عبيدة بن عمرو السلماني فهو عبيدة بالفتح، "عبيدة ويقال: عُبيدة بن عمرو" وهو عند أحمد في المسند والبزار والطبراني "وعن عائشة وعبد الرحمن بن عائش الحضرمي" وعائشة لا يدرى .. ، لم يقف الشارح على من أخرجه، عبد الرحمن بن عائش الحضرمي أخرجه البغوي في شرح السنة "وأنس" عند البزار. قال أبو عيسى: "حديث أبي هريرة في هذا الباب حديث حسن صحيح" وعرفنا أنه مخرج عند مسلم "والعلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني" الحرقي نسبة إلى الحرقة بطن من جهينة "وهو ثقة عند أهل الحديث". وذكرنا فيما تقدم أن الحافظ في التقريب قال: صدوق ربما وهم، ولكنه ما دام مخرج له في الصحيح فقد جاز القنطرة، فالمتجه توثيقه على ما قال الترمذي، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (13)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (13) شرح: باب: المنديل بعد الوضوء، وباب: ما يقال بعد الوضوء، وباب: الوضوء بالمد، وباب: كراهية الإسراف في الماء. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذه كتابة من بعض الإخوة عن المقبول عن المقبول يقول: راجعت التقريب فأخذت انظر في تراجم من ذكر عنهم ذلك، وأرجع إلى تهذيب التهذيب، وأقرأ ما قال عنهم فلاحظت الآتي: أولاً: كلمة (مقبول) بحد ذاتها ليست ذماً، فقد أوردها في ترجمة سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وقد خرج له مسلم. ومن قال: إن كلمة مقبول ذم؟ هو الإشكال في كونها مدح، مع أنه في الأصل لين، مع أنه في الأصل لين، إلا إذا توبع، فالقبول ليس من أجله، فوصف المدح هذا ليس من أجله، وإلا هو في الأصل إذا تفرد لا يستحق إلا لين، التي هي تضعيف وقدح، وإطلاق مقبول عليه ليست ذم وإنما هي مدح، والإشكال في كونها مدحاً مع أنه في ذاته لين، واكتسب القبول من موافقة غيره له، كل من ذكر عنه أنه مقبول لا يكون في الغالب له في الغالب سوى شيخين أو ثلاثة، وكذلك تلاميذه أو طلابه. هذا نص القاعدة التي قعدها ابن حجر في أنه ليس له من الحديث إلا القليل، فهذا الكلام ما أضاف جديداً، ولا الذي قبله، وهذا يجعل حصر أحاديثه متيسراً نوعاً ما على ابن حجر، أقول: ومثله من قال فيه: لين، مقل من الرواية، وننظر في أحاديثه حصرها متيسر هل هو توبع عليها أو لم يتابع؟ إذن الحكم واحد، وأنه لا يستحق القبول إلا إذا توبع، وقبل القبول هو لين، واللين هذا هو الأصل فيه فإن توبع فهو مقبول، فما الفرق؟ ثالثاً: يقول: يذكر ابن حجر بعد ترجمة من قال عنه: مقبول في الأغلب أن له حديث أو حديثين عن فلان وفلان، وما شابه ذلك، بمعنى أن الحافظ قد حصر أحاديثه في الكتب الستة. هو في الأصل في الجملة ليس له من الأحاديث إلا القليل، ليس له من الأحاديث إلا القليل، ومع ذلك اللين مثله، ليس له من الأحاديث إلا القليل ويشتركان في كون كل واحد منهما لم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله.

أنا أقول: استحقاق كلمة قبول وهي مدح بالمتابع لا لذاته، واستحقاق كلمة لين وهي قدح لبعض الرواة لعدم المتابع، فهل صدور هذه الأحكام من الحافظ ابن حجر بعد استقراء تام لمرويات من حكم عليه بالقبول أو اللين؟ فإن كان كذلك فالحكم للأحاديث لا للرواة، الحكم للأحاديث لا للرواة، والكتاب كتاب أحكام على الرواة. رابعاً: يلاحظ غالباً أن المقبول لم يوثقه أحد، وقد يذكره ابن حبان في ثقاته، أما لين الحديث فالغالب أنه ينقل جرح لأحد الأئمة فيه أو تضعيف. لكنهما يشتركان -أعني المقبول واللين- في كون كل منهما لم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله. يقول: فالخلاصة أن كل من قلت روايته في الكتب الستة فإن الحافظ يحصر روايته فيها، فإن لم تنكر عليه ولم يتكلم فيه أحد من الأئمة فهو مقبول، وإن كانت روايته منكرة أو تكلم فيه أحد من الأئمة فهو لين الحديث. أنا أقول: هذا يخالف ما قعده ابن حجر، وأنهما يشتركان في الأصل، في الذات هما مشتركان لا فرق بينهما، الفرق في المتابع وعدمه، الفرق في المتابع وعدمه، والإشكال ما زال باقياً. يقول: فالأصل أن مقبول من المرتبة الرابعة، وإنما اختلف عنهم لقلة روايته، هذا ما أوصلني فيه إليه جهدي بعد توفيق الله، وإن كان لكم ما تلاحظونه فأرجو أن تفيدونا به؟ وأنا أقول: لا زال الإشكال باقياً. يقول: هل الإمام الصنعاني -رحمه الله- يرى تقديم علي -رضي الله عنه- على الشيخين؟ لم أقف على صريح كلامه في ذلك، لكن لا يذكر، لا يمر ذكر علي إلا ويقول: -عليه السلام- وكرم الله وجهه، وقد يمر ذكر الشيخين دون ترضي، وهذا لا يقتضي التقديم، وإنما هو من التأثير البيئي اللاشعوري، لا يقتضي تقديم، إنما هو من تأثير البيئة حيث يصدر مثل هذا الكلام من لا شعور. وتسميته بالوصي هل هو صواب؟ في ديوان الصنعاني ما يشعر بأن الوصية ثابتة لعلي -رضي الله عنه-، لكن هذا لا شك أنها هفوة وزلة عظيمة، وبعض المسائل يتلقاها الإنسان من بيئته ومن شيوخه ومن مجالسيه بحيث لا يتأمل فيها، ومثل هذه المسألة الكبرى ينبغي أن يتأمل فيها مثل الصنعاني، والوصية لم تثبت.

قرر الصنعاني -رحمه الله- في كتابه: (ثمرات النظر) أن أهل الحديث قبلوا رواية الروافض هل هذا يوافق عليه؟ البدع عموماً منها الصغرى ومنها الكبرى، والمبتدعة منهم الغالي في بدعته، ومنهم المتوسط فيها، فهم يقبلون رواية المبتدع بدعة صغرى، ويقبلون رواية غير الغلاة من المبتدعة، وغير الدعاة منهم، على أن هذا الكلام أيضاً ليس على إطلاقه، قد ينتقون من أحاديث الدعاة، وقد ينتقون من أحاديث بعض الغلاة، وكلام الحافظ الذهبي في أوائل الميزان في ترجمة أبان بن تغلب، كلام واضح في رواية الأئمة عن المبتدعة، ولا شك أن كتب السنة طافحة بالرواية عنهم، حتى الصحيحين، فيها رواية مبتدعة، لكن هل فيها رواية من عرف بالرفض الكامل؟ أبداً، مثل هذا لا يروى عنه ولا كرامة، لكن من فيه تشيع، أو فيه شيء من النصب، ميل إلى الصحابة وجفاء لبعض أهل البيت مثل هذا يروون عنه، وأما الخوارج فهم يخرجون أحاديثهم، حتى أن البخاري خرج لعمران بن حطان وهو من غلاتهم ودعاتهم؛ لأن الخوارج كما قرر أهل العلم عرفوا بصدق اللهجة، ومدار الرواية على الصدق، فإذا عرف المبتدع بصدق اللهجة فإنه يخرج عليه، مع أن الحافظ دافع عن البخاري في روايته عن عمران بن حطان بما ذكرنا بأن الخوارج يرون أن المرتكب للكبيرة كافر، فيتحاشون من الذنوب أكثر من غيرهم لا سيما الكذب، والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- كبيرة من عظائم الأمور يكفر من ارتكبها عندهم، فهم يتاحشون في ذلك، ويوصفون بصدق اللهجة، والعيني في عمدة القاري استدرك على ابن حجر فقال: أي صدق في لهجة مادح قاتل علي؟ أي صدق في لهجة مادح قاتل علي؟ عمران بن حطان مدح عبد الرحمن بن ملجم في قصيدة مشهورة فهل مثل هذا يستحق أن يوصف بصدق اللهجة؟ نقول: صدق فيما يعتقد، هذه عقيدة عندهم، ومدح من يعتقد أنه ينصر الدين، وهذا ما أداه إليه اجتهاده وإن كان اجتهاد باطل، لكنه ما زال محافظ على صدق اللهجة، ينصر ما يراه الحق، وعرف الخوارج من بين المبتدعة بالصدق. يقول: رجح الصنعاني أن العبرة في الرواية هي ظن صدق الراوي وضبطه، وأن هذا شرط متفق عليه، وأن ما عدا الكذب لا يقدح به الراوي في روايته هل هذا صحيح؟

ليس بصحيح، هذا ليس على إطلاقه، فالفاسق لا شك أنه يتوقف في روايته ولا يقبل، كما أنه في الشهادة لا يقبل إلا العدل المرضي، فكذلك الرواية لا بد من العدالة؛ لأن من جانب العدالة لا يؤمن أن يكذب، ظن صدق الراوي وضبطه، ما عدا الكذب، يعني ما دون الكذب لا يقدح، الاتهام بالكذب، كون الراوي متهم بالكذب دون رميه بالكذب فهل كلامه يفيد بأن المتهم بالكذب مقبول الرواية؟ أبداً ما قاله أحد من أهل العلم، بل حديثه شديد الضعف، لا يقبل الانجبار، وجوده مثل عدمه. يقول: ما رأيكم بتحرير التقريب للشيخ شعيب الأرناؤوط ومن معه، ونأمل تكرار هذه الدروس في بريدة؟ أما التكرار فسوف يكون -إن شاء الله تعالى- حسب القدرة والاستطاعة، وأما تحرير التقريب للشيخ شعيب الأرناؤوط، فمرده إلى ما ذكرت سابقاً، وأنهم جعلوا التقريب محور عمل، راجعوا فيه المطولات وأثبتوا ما أداه إليه اجتهادهم، وافقوا ابن حجر وخالفوه، فما وافقوه فتركوه، وما خالفوه ذكروا رأيهم بوضوح، وأنا أوصي طلاب العلم بهذا لا سيما من لديه الأهلية. يقول: ألا يقوي خطأ شعبة ما أطبق عليه المحدثون من أن شعبة يخطئ في أسماء الرجال، وأنه كان من شدة عنايته بحفظ المتون يخطئ بأسماء الرجال، إذن فليس بغريب على شعبة الخطأ خاصة مع مخالفة غيره وكذلك كبار المحدثين قالوا: وهم شعبة؟ لا إشكال في ترجيح قول الأئمة الكبار على قول الشيخ أحمد شاكر، وأن شعبة وهم وأخطأ، ومع ذلك قول الشيخ أحمد شاكر يدل على دقة في الفهم؛ لأن الراوي الذي أخطأ فيه شعبة على قول الأئمة هو شيخه، يعني إذا أخطأ في أسماء الرجال فلن يخطئ في اسم شيخه، نعم قد يذهل الإنسان، وقد يدهش لأمر من الأمور، وقد يغفل، وقد يخطئ في اسمه أحياناً، ولا شك أن مثل هذا يدل على غفلة، على شيء من الغفلة، وشعبة لا شك أنه من أشد الناس تحرياً، وأشدهم تثبتاً وأشدهم نقداً للرجال، ومع ذلك ليس بمعصوم، وعلى كل حال المرجح قول الأئمة. وهذا نقل من كلام الشيخ الدكتور بشار عواد يقول:

قال بشار عواد في تعليقه على تهذيب الكمال عند ترجمة خالد بن علقمة بعد أن نقل قول المزي في التحفة وقول البخاري في التاريخ الكبير، وقول أحمد شاكر في الترمذي، قال: قال أفقر العباد أبو محمد بشار عواد: قد يكون الحق مع الشيخ أحمد شاكر في مسألة التصحيف التي أشار إليها بعض مؤلفي كتب المصطلح، لكن المتقدمين لم يقولوا: إن شعبة صحفه وحرفه، بل قالوا: وهم أو أخطأ فيه، والخطأ والوهم جائز لا يستبعد عن أي كان، وأشار إلى خطأ شعبة جهابذة العلماء والنقاد أحمد والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان وجماعة آخرون، فلو كان هناك راوياً اسمه: مالك بن عرفطة فكيف لا يعرفه كل هؤلاء؟ ثم كيف يكون ثقة وهو مجهول من كل هؤلاء؟ فأي ثقة في هذا الذي يروي عنه شعبة ولا يعرفه أحمد والبخاري والرازيان وأبو داود الترمذي والنسائي، وشعبة يخطئ كما يخطئ غيره، وخطأه قليل جداً على كثرة روايته، قال الإمام أحمد في العلل: أخطأ شعبة في اسم خالد بن علقمة فقال: مالك بن عرفطة، وأخطأ أيضاً في سلم بن عبد الرحمن فقال: عبد الله بن يزيد في حديث الشكال من الخيل، قلب اسمه وأخطأ شعبة في اسم أبي الثورين، فقال: أبو السوار، وإنما هو أبو الثورين، وقد أخطأ عظماء المحدثين، وتعقبهم من جاء بعدهم كما هو معروف، وأشار الإمام الذهبي في غير ما موضع من كتبه إلى خطأ شعبة على جلالته عند رده لبعض من ضعف بعض الرواة بسبب خطأ قليل، وهو أمر يعرفه أهل الفن فخطأ شعبة جائز، لا سيما وهذا الشيخ خالد بن علقمة من المقلين جداً، ولا نعلم شيخاً اسمه مالك بن عرفطة ولا عرفه المتقدمون فهما واحد -إن شاء الله تعالى-. قلت: يقول الكاتب هذا: قلت: قال الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على الترمذي قبل تعليقه على خالد بن علقمة بورقتين فقط، والخطأ لا يأمن منه إنسان.

ما في أحد يدعي لأحد العصمة غير النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شعبة ولا غير شعبة، لكن كلام الشيخ أحمد شاكر قوته في كون الراوي الذي أخطأ فيه شعبة شيخه، ويبعد أن يخطئ الإنسان في اسم شيخه، نعم قد يخطئ في من لم يلقه بل سمع عنه قد يخطئ فيه، لكن شيخه هذا يندر أن يخطئ فيه ومع ذلك الصواب مع الأئمة، الصواب مع الأئمة، وكون الراوي يعد واحداً أو اثنين هذه مسألة فيها كلام طويل لأهل العلم، والبخاري -رحمه الله- تعالى جعل بعض الرواة وهو واحد اثنين في تاريخه والعكس، وتعقبه ابن أبي حاتم في بيان خطأ البخاري في تاريخه، وللخطيب البغدادي -رحمة الله عليه- كتاب في غاية الأهمية في هذا الباب، يتعقب فيه البخاري وغير البخاري، اسمه: (موضح أوهام الجمع والتفريق) فبعض الرواة واحد ويجعله بعضهم اثنين والعكس، والكتاب في مجلدين، وحافل في هذا الفن، ومع ذلكم لما كان موضوع الكتاب يوحي بأن الخطيب -رحمة الله عليه- وهو متأخر عن عصر الرواية وعن عصر الأئمة، يعني في القرن الخامس، قدم بمقدمة على كل طالب علم أن يقرأها لزاماً دون اختيار؛ ليعرف قدر نفسه بالفعل، فالخطيب لما كان يستدرك على البخاري قد يظن فيه أنه يترفع على أهل العلم، فعلى طالب العلم أن يقرأ هذه المقدمة مقدمة (موضح أوهام الجمع والتفريق). يقول: هل يعد متابعاً للجنازة من صلى عليها ثم صلى الراتبة ثم تابعها إلى المقبرة؟ لا، لا بد أن يصلي عليها ثم يتبعها، وبعد ذلك يصلي الراتبة؛ لأن بعض الناس يقول: الطريق مزدحم، لا سيما إذا كانت المقبرة بعيدة، والطريق يكون فيه زحام، وإذا وصلت الجنازة إلى المقبرة خف الطريق، فيقول: بإمكاني أن أصلي الراتبة وأقرأ جزءاً من القرآن وأتبعهم إلى المقبرة، هذا ليس متابعاً لها. يقول: نرجو التأني في عزو الأحاديث في سنن الترمذي أي عند قوله: وفي الباب؟ هذا يريد التفصيل في جميع ما قال فيه الترمذي: وفي الباب، لكن التفصيل دونه خرط القتاد، الكتاب طويل جداً، تعرفون أنه منذ سنة ونحن في الأحاديث الخمسين وما يليها، يعني ما أكملنا ولا شيء بالنسبة للكتاب، لا شيء بالنسبة للكتاب، فنحتاج إلى شيء من السرعة، وننبه على أهم ما يرد في إسناد الحديث أو متنه.

يقول: ما أفضل طبعة لسنن النسائي؟ سنن النسائي الكبرى معروف أنها طبعها الأرنأووط وجماعته، طبعة مخرجة، ومحققة، مفهرسة، وهي نفيسة جداً، وأما بالنسبة للمجتبى فيستفاد من الكبرى مع الطبعة المصرية البهية التي في ثمانية أجزاء مع حاشية السندي والسيوطي. الموطأ طبعة بشار طيبة جداً، ومنار السبيل طبعة المكتب الإسلامي الأولى جيدة إذا ضم إليها إرواء الغليل. هل تنصح المتوسط أو المبتدئ في الطلب بقراءة أحد شروح البخاري أو أحد شروح الكتب الستة، وإن كان حسن فما تلك الكتب السهلة؟ نعم على طالب العلم في بدايته بالقراءة أن لا يعمد إلى الكتب المتينة، يعني لا تكون البداية في فتح الباري مثلاً أو تفسير ابن كثير؛ لأنها كتب متينة ومملة لطالب العلم المبتدئ الذي لم يتعود على القراءة، فليقرأ في شيء يشجعه على القراءة، ويحثه عليها، فلو بدأ بشرح النووي على مسلم، أو بشرح الكرماني على البخاري هذا لا شك أنها بداية طيبة، وفيها طراتف ونفائس تجعل طالب العلم يتابع القراءة، وبالنسبة للتفسير ذكرنا أنه لو بدأ بتفسير الشيخ ابن سعدي، أو تفسير الشيخ فيصل بن مبارك يستفيد كثيراً. يقول: ما هي الكتب التي لا يستغني عنها طالب العلم -أعني الكتب الجامعة الشاملة في علم الرجال-؟ يعني من كتب المتقدمين التاريخ للبخاري، التاريخ الكبير، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وثقات ابن حبان، والكامل لابن عدي، ثم بعد ذلك نأتي إلى من جاء بعدهم من الكمال وتهذيبه، وتهذيب تهذيبه، والتذهيب للحافظ الذهبي، والكاشف، والميزان والخلاصة، وغيرها من كتب، ولسان الميزان كلها لا يستغني عنها طالب العلم، وفي كل كتاب ما ليس في غيره. ما رأيك في طبعة تحفة الأشراف التي حققها دار الغرب وتحقيق بشار عواد؟ هذه طبعة طيبة وجيدة، لكن أنا معولي واعتمادي على طبعة عبد الصمد شرف الدين، الطبعة الهندية. ما رأيك في كتاب موسوعة الحديث لبسيوني زغلول. . . . . . . . .؟ موسوعة الحديث هذه فهارس ما هي .. ، هذه مجرد فهرس يستفاد منها في الدلالة على مواضع الأحاديث، وأما الأحاديث فالمعول فيها على الكتب الأصلية. هل في صحيح البخاري أحاديث ضعيفة؟

"باب: المنديل بعد الوضوء"

ليس فيه أحاديث ضعيفة، البخاري أصح كتاب بعد القرآن، هذا بالنسبة للأصول التي من أجلها ألف الكتاب، وقد يكون في المعلقات التي ليست هي من مقاصد الكتاب غير الموصولة في الكتاب من المائة والستين من بين المائة والستين حديثاً معلقاً مما لم يوصل في الكتاب نفسه، قد يكون فيها بعض الضعف، ومنها ما نص البخاري على ضعفه، ويذكر عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح. ما رأيك في كتاب توضيح المبهمات من السند والمتن؟ اسمه: (المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) هذا أوسع كتاب في المبهمات، ولا بد منه لطالب العلم حينما يأتي راوٍ مبهم في السند أو في المتن هذا مرجعه. في حديث علي -رضي الله تعالى عنه- في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما شرحه بفعله ثم رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. ذكرنا بالأمس عند قوله: "وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً" أن المفهوم من الذراع أنه ما بين الرسغ إلى المرفق، وبعدما خرجت تأملت في الذراع الذي هو المقياس المقابل للباع، والشبر؛ لأن المقاييس عندهم بالشبر وبالذراع وبالباع، فجزمت بأن الكف داخله في الذراع الذي هو المقياس، الكف داخله في الذراع الذي هو المقياس، فالذراع يبدأ من رؤوس الأصابع إلى المرفق ثم راجعت فوجدت في المصباح المنير: الذراع اليد من كل حيوان، الذراع اليد من كل حيوان، لكنها من الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصابع، فالكلام المبني على فهمنا السابق لا شك أنه يتبعه، لكن لا شك أنه تابع له، فيصحح. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: المنديل بعد الوضوء" حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح، قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن زيد بن حباب عن أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: "كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرقة ينشف بها بعد الوضوء". حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب شيء، وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيف عند أهل الحديث، وفي الباب عن معاذ بن جبل.

حدثنا قتيبة قال: حدثنا رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه" هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف، ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي يضعفان في الحديث، وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء، ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري، حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا جرير قال: حدثنيه علي بن مجاهد عني وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري قال: إنما أكره المنديل بعد الوضوء لأن الوضوء يوزن". الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التمندل بعد الوضوء" التمندل: استعمال المنديل بعد الوضوء والغسل لتنشيف الأعضاء من أثر الماء، والمنديل بالكسر والفتح منديل ومَنديل، ومِندَل كمنبر الذي يتمسح به، ويقال: تمندل أي تمسح، فالتمندل هو التمسح، يعني استعمال المنديل بعد الوضوء، بعد الوضوء، ومثله الغسل، وقد يكون التنشف بعد الغسل الحاجة تدعو إليه أكثر منه بعد الوضوء.

قال -رحمه الله-: "حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح" يقول الحافظ: كان صدوقاً، إلا أنه ابتلي بورّاقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه، من العاشرة، كان صدوقاً، إلا أنه ابتلي بورّاقه، يعني بعض الناس تكون عنده الكتب من مروياته قد يضبطها ويتقنها ثم لا يحفظها بعد ذلك، فتتعرض للزيادة والنقص، فتتعرض للزيادة والنقص، ومنهم من يعير الكتب إلى غير ثقة، فغير الثقة هذا قد يزيد وقد ينقص، والكتب كما هو معلوم في السابق كتب خطية قلمية ليست مطبوعة، يتميز أصل الكتاب مما زيد فيه، كتب قلمية والتزوير قديم، تقليد الكتابة قديم، فقد يبتلى الإنسان بولد سوء، يزيد في كتبه وينقص، وقد يبتلى بربيب ابن الزوجة، وقد يبتلى بورّاق، يعني ممن يعينه على تحصيل العلم وتأديته، وتحمله وأدائه، ثم بعد ذلك يزيد وينقص، والتدخل من قبل الأتباع معروف، ولهم أثر حتى في وقتنا المعاصر تجد من حول الشيخ يؤثرون عليه، لا أقول: إنهم يؤثرون في علمه ويضللونه لا، لكن هناك أمور تقبل مثل هذا التأثير، يعني في المفاضلة بين أمرين مثلاً، يقدم أحدهما أو يؤخر فتجد من حول الشيخ يقدم ويؤخر، ويشير على الشيخ بأن هذا أهم أو ذاك، المقصود أن التأثير موجود، فمثل هذا الوراق الذي ليس بمأمون ولا ثقة أدخل في كتب سفيان بن وكيع وهو ابن الإمام وكيع ابن الجراح أدخل في كتبه ما ليس منها، نصح سفيان هذا وكأن ثقته بهذا الورّاق صارت أرجح من قول من نصحه فلم يقبل؛ لأن بعض الناس إذا اقتنع بشخص ما يسمع فيه الكلام، إذا اقتنع ما يسمع الكلام فيه مهما كان، وعلى كل حال هذا واقع سفيان بن وكيع، أدخل في حديثه ما ليس منه فترك سقط حديثه، وهذه هي القاعدة عند أهل العلم فيمن زيد عليه فلم يقبل، ومن لقن فتلقن كذلك، ومن أخطأ وبين له خطأه فأصر على الخطأ أيضاً يترك حديثه.

قال: " ح دثنا سفيان بن وكيع بن الجراح قال: حدثنا عبد الله بن وهب" بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه، ثقة حافظ عابد من التاسعة "عن زيد بن حباب" تقدم ذكره وأنه صدوق من التاسعة "عن أبي معاذ" واسمه: سليمان بن أرقم، سليمان بن أرقم ضعيف عند أهل الحديث كما قال الإمام الترمذي، "عن الزهري" الإمام العلم محمد بن مسلم بن شهاب الزهري "عن عروة بن الزبير عن -خالته- عائشة -رضي الله عنها - أم المؤمنين قالت: "كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرقة ينشف بها بعد الوضوء". "كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرقة ينشف بها" أصل النشف دخول الماء في الأرض والثوب ونحوهما، يعني ذهاب أثره على الماء والثوب، ذهاب الرطوبة من الأرض أو الثوب، وذلك بالدخول في جوف الأرض، وأما بالنسبة للثوب فبذهاب الأثر من غير دخول؛ لأنهم يقولون: أصل النشف دخول الماء في الأرض والثوب، ما دام داخل في الثوب فإنه لم ينشف الثوب، أما إذا دخل في أعماق الأرض ويبس أعلاها يكون نشف. وفي القاموس: نشف الثوب العرق كسمع ونصر شربه، نشف الثوب العرق كسمع، نشف ينشف، كسمع يسمع، ونصر نشف ينشُف، كنصر ينصر، شربه، ومثل هذا لا يحتاج إلى إطالة. "ينشف بها بعد الوضوء"، "ينشف بها بعد الوضوء لإزالة الماء الباقي على الأعضاء بعد تمام الوضوء. قال أبو عيسى: "حديث عائشة ليس بالقائم يعني ضعيف، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الباب شيء" والحديث صححه الحاكم في المستدرك، لكن المرجح ضعفه على ما قال أبو عيسى: "ولا يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب شيء" يعني في اتخاذ المنديل للتنشيف.

"وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث" الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- له كلام حول كلام الترمذي هذا، والشيخ -رحمة الله عليه- في الغالب إنما يتعقب الترمذي؛ لأن الترمذي قد يضعف الحديث، وقد يضعف الراوي ويتعقبه لتقوية الحديث والراوي، فالشيخ -رحمة الله عليه- معروف بالتساهل، معروف بالتساهل، لكن هذا التساهل لم يأتِ من فراغ، ليس بمجرد ميل واسترواح فقط، وإنما هو مبني على أصل يؤول إليه، وعلى كل حال بمجموع تعليقاته -رحمة الله عليه- يحكم عليه بشيء من التساهل. يقول: أولاً: في التقريب، سليمان بن أرقم البصري أبو معاذ ضعيف من السابعة، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو داود والدارقطني: متروك، يعني انتهى كلام ابن حجر إلى قوله: من السابعة، وابن معين: ليس بشيء، وقال أبو داود والدارقطني: متروك. ننظر ما كتب الشيخ أحمد شاكر معلقاً على كلام الترمذي: "وأبو معاذ يقولون" يعني ما نسب إلى نفسه، يقولون: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيف عند أهل الحديث. يقول الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-: إسناد المؤلف هنا فيه سفيان بن وكيع بن الجراح، وهو في نفسه ثقة، صادق، إلا أن وراقه أفسد عليه حديثه فأدخل عليه ما ليس منه، ونصح بتغييره فلم يقبل فضعف حديثه باختلاطه بما ليس منه، ولكنه لم ينفرد برواية هذا الحديث، فقد رواه الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن عبد الله بن الحكم عن ابن وهب، يعني فيكون ابن عبد الحكم متابع لسفيان بن وكيع، ورواه البيهقي عن الحاكم وغيره من طريق عبد الحكم، وقد ضعف الترمذي هذا الحديث من أجل سليمان بن أرقم فإنه ضعيف، ولكن الترمذي لم يجزم بأن أبا معاذ هو سليمان بن أرقم، بل قال: يقولون، والبيهقي تبع الترمذي في ذلك غير أنه جزم بأنه سليمان، وكذلك ابن حجر جزم بأنه سليمان بن أرقم، غير أنه جزم بأنه سليمان، وأما الحاكم فقال: أبو معاذ هذا هو الفضيل بن ميسرة، أبو معاذ هذا هو الفضيل بن ميسرة، بصري روى عنه يحيى بن سعيد وأثنى عليه، وأقره الذهبي على ذلك فلم يتعقبه، وبذلك يكون إسناد الحديث صحيحاً، إسناد الحديث صحيح، والفضيل بالتصغير، ووقع في نسخة المستدرك المطبوعة الفضل بالتكبير، وهو خطأ مطبعي.

يعني لا شك أن قول الترمذي: "أبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم" لا شك أنه يدل على أن الترمذي لم يجزم بأنه هو سليمان بن أرقم، لكن جزم به البيهقي، وجزم به أيضاً الحافظ ابن حجر، الحاكم جعل الحديث عن أبي معاذ الفضيل بن ميسرة، فسره بقوله الحاكم: أبو معاذ هو الفضيل بن ميسرة، بصري روى عنه يحيى بن سعيد وأثنى عليه، ويحيى بن سعيد معروف أنه لا يروي إلا عن ثقة، متشدد في هذا الباب، وأثنى عليه، وأقره الذهبي على ذلك فلم يتعقبه فيه، لكن هل الذهبي صرح بالإقرار أو مجرد سكوت؟ إذا كان مجرد سكوت فدلالتها على الإقرار ضعيفة، وبذلك ما دام التردد بين راويين أحدهما: ضعيف والثاني قوي في الجملة، يميل إلى التوثيق، فلا شك أن الشيخ أحمد شاكر يميل إلى التقوية في الغالب، لا سيما وأن الترمذي ما جزم بأنه سليمان بن أرقم، قال: يقولون: سليمان بن أرقم، وأما بالنسبة لسفيان بن وكيع المضعف بإدخال ما ليس من حديثه فيه، فقد توبع على ذلك من قبل محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن وهب، وعلى هذا يصح الحديث، إسناد الحديث صحيح عند الشيخ أحمد شاكر، وضعفه الإمام الترمذي وغيره. قال: "وفي الباب عن معاذ بن جبل" وهو الآتي بعده برقم أربعة وخمسين، قال الشارح: وفي الباب أيضاً عن سلمان الفارسي، عن سلمان الفارسي، أخرجه ابن ماجه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح وجهه بجبة صوف كانت عليه، وحسنه الألباني، وعن أبي بكر أخرجه البيهقي وأنس ورجل من الصحابة -رضي الله عنهما-، ومنيب بن مدرك الأزدي قال الشارح: وكلها ضعيفة إلا حديث رجل من الصحابة فإنه قواه العيني وغيره. ثم قال: "حدثنا قتيبة، قال: حدثنا رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم" الإفريقي، ورشدين تقدم ذكره، والتنصيص على ضعفه من قبل الأئمة، أما الإفريقي فاسمه: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، ضعيف أيضاً في حفظه، وإن كان صالحاً في نفسه.

"عن عتبة بن حميد" الضبي، وثقه ابن حبان، وضعفه أحمد، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام "عن عبادة بن نسي" وأيضاً ثقة فاضل "عن عبد الرحمن بن غنم" الأشعري، مختلف في صحبته "عن معاذ بن جبل قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه" أي نشف أعضاء الوضوء، يعني نشف وجهه بطرف ثوبه. "قال أبو عيسى: هذا حديث غريب وإسناده ضعيف، ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي يضعفان في الحديث" وللشيخ أحمد شاكر أيضاً كلام في رشدين وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم. أولاً: الشيخ أحمد شاكر -رحمة الله عليه- وثق في حاشيته على الترمذي أكثر من عشرين راوياً الأئمة على تضعيفهم، الأئمة على تضعيفهم. قال -رحمه الله-: أما رشدين بن سعد فإن ضعفه محتمل، فقد روى الميموني أنه سمع أحمد بن حنبل يقول: رشدين بن سعد ليس يبالي عن من روى، لكنه رجل صالح، قال: فوثقه الهيثم بن خارجة وكان في المجلس فتبسم أبو عبد الله ثم قال: ليس به بأس في أحاديث الرقاق، يعني ضعفه محتمل، فيحتمل في .. ، تقبل رواياته في أحاديث الرقاق في الترغيب والترهيب، وما أشبه ذلك، هذا عند الإمام أحمد، أما في الأحكام فلا، وقال أحمد: أرجو أنه صالح الحديث، وقال ابن يونس: كان رجلاً صالحاً، لا يشك في صلاحه وفضله فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث، وتكلمنا على إطلاق غفلة الصالحين فيما تقدم.

ومثل هذا يكون حديثه حسناً -هذا كلام الشيخ أحمد شاكر- ومثل هذا يكون حديثه حسناً، إذا لم نوقن بأنه أخطأ فيه، وأما عبد الرحمن بن زياد بن أنعم فإنه ثقة، ومن ضعفه فلا حجة له، قال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: يحتج بحديث الإفريقي؟ قال: نعم، قلت: صحيح الكتاب؟ قال: نعم، وقال أبو بكر بن أبي داود: إنما تكلم الناس في الإفريقي وضعفوه؛ لأنه روى عن مسلم بن يسار فقيل له: أين رأيته؟ قال: بإفريقية، فقالوا له: ما دخل مسلم بن يسار إفريقية قط، يعنون البصري، ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر يقال له: أبو عثمان الطنبذي، وكان الإفريقي رجلاً صالحاً، وقال أبو العرب التميمي في كتاب طبقات علماء إفريقية: سمع من جلة التابعين، وكان قد ولي قضاء إفريقية، وكان عدلاً صلباً في قضائه، وأنكروا عليه أحاديث، ثم ذكر الأحاديث الستة التي أنكرت عليها. وروى أبو العرب عن عيسى بن مسكين عن محمد بن سحنون، قال: قلت لسحنون: إن أبا حفص الفلاس قال: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، فقال سحنون: لم يصنعا شيئاً، عبد الرحمن ثقة، وأهل بلد الرجل أعرف به، والذي ظهر لي بعد التتبع أن كثيراً من علماء الجرح والتعديل من أهل المشرق كانوا أحياناً يخطئون في أحوال الرواة والعلماء من أهل المغرب مصر وما يليها إلى الغرب، وبهذا يكون الشيخ -رحمه الله- قد قوى شأن الإفريقي، وإن كان الجمهور على تضعيفه، وممن نص على ضعفه الإمام الترمذي كما سمعتم. "ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعفان في الحديث.

وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء" في التمندل بعد الوضوء، رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كعثمان والحسن بن علي، وأنس، وبشير بن مسعود، ومن بعدهم كالحسن وابن سيرين، وعلقمة والأسود، ومسروق والضحاك رخصوا في التمندل بعد الوضوء، وكان مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي لا يرون به بأساً، لا يرون به بأساً، "ومن كرهه -ومن كره التمندل- إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن" إن الوضوء يوزن، فتكره إزالته بالتنشيف، يعني نظير دم الشهيد، فلا يغسل الشهيد؛ لأن دمه يأتي اللون لون الدم، والرائحة رائحة المسك، فلا ينبغي أن يزال مثل هذا، يعني وكما قالوا في خلوف فم الصائم: لا ينبغي أن يزال بالسواك ولا بغيره، مع أن الصواب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يستاك بعد الزوال وقبل الزوال ويحث على السواك مع كل وضوء، ومع كل صلاة، إن الوضوء يوزن فتكره إزالته بالتنشيف، وقيل: لأن الماء يسبح ما دام على أعضاء الوضوء، وقيل: لأنه نور يوم القيامة، وقيل: لأنه إزالة لأثر العبادة. "وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري" وكره التنشيف عبد الرحمن بن أبي ليلى، والنخعي، وابن المسيب، ومجاهد وأبو العالية، ثم ذكر خبر الزهري الذي أشار إليه. قال: "حدثنا محمد بن حميد -بن حيان- الرازي" حافظ، لكنه مضعف "قال: حدثنا جرير" وهو ابن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، "قال: حدثنيه علي بن مجاهد" بن مسلم القاضي متروك "عني"، "حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا جرير قال: حدثنيه علي بن مجاهد عني" يعني جرير بن عبد الحميد يرويه عن علي بن مجاهد عن نفسه، كأنه حدثه به ونسيه، ثم لما ذكّره به لم يذكره فصار يحدث عنه عن نفسه، قال: "وهو عندي ثقة" وأهل العلم على أنه متروك "عن ثعلبة" بن سهل التميمي الطهوي الكوفي "عن الزهري قال: إنما أكره المنديل بعد الوضوء لأن الوضوء يوزن" هذا يدل كله على عدم التنشف، تنشيف الأعضاء بعد الوضوء. وفي البخاري من حديث ميمونة في غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: "فناولته ثوباً فلم يأخذه، وانطلق وهو ينفض يديه"، وانطلق وهو ينفض يديه.

استدل بهذا على كراهة التنشيف بعد الغسل، ومثله الوضوء، وقال الحافظ ابن حجر: لا حجة فيه؛ لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، واقعة حال يمكن هذا الثوب فيه ما يقتضي الامتناع من التنشف فيه، إما لكونه محرماً على الرجال كالحرير مثلاً، أو لكونه فيه شيء من الوسخ، فالتنشيف به لا يسوغ، المقصود أن الاحتمال يتطرق إلى هذا الخبر. وقال التيمي: إتيانها بالثوب، إتيانها بالثوب دليل على أنه كان يتنشف، إتيانها بالثوب دليل على أنه كان يتنشف. وقال ابن دقيق العيد: نفضه الماء بيده يدل على ألا كراهة في التنشيف؛ لأن كل منهما إزالة، يعني نفض اليدين لينزل الماء منهما مثل التنشيف، قال ابن دقيق العيد: نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف لأن كل منهما إزالة. أقول: العلة في عدم التنشيف من وجهة نظري هي ما جاء في ثاني أحاديث الكتاب، ثاني أحاديث الكتاب في أوله الحديث الثاني، الحديث الثاني في الكتاب هذا هو العلة الحقيقية. "باب: ما جاء في فضل الطهور" ثم قال: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء)) التنشيف لا يحقق مثل هذا، بل الأولى أن يترك الماء يتقاطر ليخرج كل خطيئة مع آخر قطرة من هذا الماء ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا، وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب)).

باب: ما يقال بعد الوضوء:

هذه العلة الحقيقية في عدم التنشف، لكن هذه العلة هل تقتضي تحريم؟ لا، لا تقتضي تحريم، بل لو قيل: إنها لا تقتضي ولا كراهة، وإنما تقتضي أن يكون التنشف خلاف الأولى، تقتضي أن يكون التنشف خلاف الأولى، وإذا كانت الكراهة تزول بأدنى حاجة الكراهة تزول بأدنى حاجة فمن باب أولى أن يزول خلاف الأولى بأدنى منها، فإذا وجدت الحاجة للتنشف الجو بارد يتوضأ ولا يستطيع أن يخرج من البيت وهو يتقاطر منه الماء، أو اغتسل والأمر أشد في الشتاء وأراد أن يتنشف لا أحد يمنعه من ذلك، ولو قيل بأن هذا لا سيما إذا كان الضرر يغلب على الظن بل قد يوجب التنشف، إذا كان الضرر غالباً على الظن، يعني إذا اغتسل وخرج في الشتاء وغلب على ظنه أنه يتضرر يجب عليه أن يتنشف، وعلى كل حال المسألة مسألة حاجة، فإذا وجدت الحاجة فلا مانع من التنشف البتة، وإذا انتفت هذه الحاجة فلا شك أن التنشف خلاف الأولى؛ ليترك الماء يتقاطر من أعضاء الوضوء ليخرج من ذنوبه نقياً، لتخرج خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، وهذا هو المتجه في مثل هذا. سم. عفا الله عنك. باب: ما يقال بعد الوضوء: حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي قال: حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)). وفي الباب عن أنس وعقبة بن عامر، حديث عمر قد خولف زيد بن حباب في هذا الحديث، وروى عبد الله بن صالح وغيره عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر وعن ربيعة عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عمر، وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب كبير شيء، قال محمد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئاً. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما يقال بعد الوضوء" باب: ما يقال بعد الوضوء، أما قبل الوضوء فالتسمية، وتقدم ما فيها من الأخبار والأقوال، وأما ما يقال بعد الوضوء فما تضمنه هذا الحديث، وغيره من الأحاديث الواردة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما ما يقال في أثنائه من أدعية وأذكار فإن هذه لم يثبت منها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، لم يثبت أنه دعا عند غسل وجهه، ولا عند غسل يديه، ولا عند مسح رأسه، ولا عند غسل رجليه، وهناك أدعية وأذكار ابتدعت لهذه الأعضاء، وهي موجودة في كتب الرقاق، وكتب الوعظ وبعض الفقهاء مع الأسف يذكرها، لكنه لم يثبت منها شيء، بل هي كلها مبتدعة، كلها مبتدعة فيما يخص به هذه الأعضاء عند غسلها، ولذا ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول في الهدي: ولم يحفظ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول على وضوئه شيئاً غير التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق، لم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، منه، ولا علمه لأمته، ولا يثبت عنه غير التسمية في أوله، وقول: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) في آخره.

ما ثبت غير هذا، لكن هذا مع القصد، قصد هذه الأعضاء بالأذكار، لكن لو أن الإنسان تعود، عود لسانه أن يكون رطباً بذكر الله، فصار يذكر الله: سبحان الله، والحمد لله، يستغل الوقت وهو يتوضأ، يمنع وإلا ما يمنع؟ لم يتعبد بهذا الذكر لهذه .. ، مرتبطاً بهذه الأعضاء، أو مرتبطاً في هذا الوقت، أو بهذا المكان لا أحد يمنعه، وكذا لو كان يقرأ القرآن وهو يتوضأ يستغل الوقت، واستغلال السلف للوقت شيء لا يخطر على البال، وذكرنا في شريط الهمة لطلب العلم أن من شيوخنا من حفظ ألفية العراقي وهو يتوضأ، حفظ ألفية العراقي وهو يتوضأ، ومع الأسف أن أذهان بعض الطلاب ما تحتمل مثل هذه الأمور، فظن أني أدعي أن هذا الشيخ حفظ الألفية في وضوء واحد، حفظها وهو يتوضأ، هل مثل هذا الكلام هل مثل هذا التصور يمشي؟ لا، يحفظ في كل وضوء بيت بيتين، ومع الوقت يعني الذي يصب عليه الماء، في واحد آخر يقرأ بيت أو بيتين فيحفظهم، فمثل هذا الفهم السقيم يمكن أن يتداول بين طلاب العلم؟ لا يمكن، يعني عند غيرنا من المتصوفة والمبتدعة يرون مثل هذه الأمور أن الإنسان قد يحفظ الشيء الكثير بزمن يسير. يعني في إرشاد الساري شرح البخاري يقول: بلغنا عن فلان من الشيوخ أنه كان يقرأ القرآن في أسبوع، هذا طيب يقرأ القرآن في أسبوع ما فيه إشكال، لكن هل يريد الأسبوع السبعة الأيام؟ لا، يريد الطواف، بدليل أنه قال: وقيل: في شوط، يعني يقرأ القرآن كاملاً في شوط هذا معقول وإلا غير معقول؟ ما يمكن أن يكون هذا، وأصحاب البرمجة العصبية يسعون لتحقيق مثل هذه الخرافات، يعني بإمكانك تقرأ مجلد بلحظة ويش المانع عندهم؟ المسألة مسألة تمرين، أنا أقول: هذا مستحيل. فعلى الإنسان أن يستغل الوقت لكن بالمقدور، يعني بدون استعانة بما لا يجوز الاستعانة به، وإلا قد يعاني الإنسان وهو لا يشعر، فيستدرج من قبل شياطين ومن قبل كذا يمكن، لكن على الإنسان أن يتحرى السنة، ويطبق السنة فيبتعد عن الشياطين؛ لأن الشياطين يقدمون إعانات شعر بها الإنسان أو لم يشعر، بحيث إذا تورط وتوسط في الطريق وعرف بهذا، تخلوا عنه، حتى يقرب ويقدم لهم، فسلوك السبيل والجادة هو الأصل، فلا يجوز أن يقال على هذه الأعضاء شيء.

قال -رحمه الله-: "حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي -صدوق- الكوفي قال: حدثنا زيد بن حباب" تقدم مراراً، أبو الحسين العكلي صدوق من التاسعة "عن معاوية بن صالح" عن معاوية بن صالح بن حدير الحضرمي، قاضي الأندلس، ثقة أيضاً "عن ربيعة بن يزيد الدمشقي" ثقة عابد "عن أبي إدريس الخولاني" عائذ الله بن عبد الله، عالم الشام بعد أبي الدرداء، ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- "عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان" قيل: اسمه: سعيد بن هانئ الخولاني، وقيل: حريز بن عثمان، وإلا فلا يدرى منه، إن لم يكن هذا أو هذا فلا يدرى منه، فهو مجهول "عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)). والحديث مخرج في صحيح مسلم، دون قوله: ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) أوله: توضأ ثم قال: ((أشهد ألا إله إلا الله)) وكذلك لم يثبت رفع البصر إلى السماء، وأما رفع الأصبع مع الشهادة فهو مطرد، يرفعها النبي -عليه الصلاة والسلام- كلما شهد أو استشهد ربه كما في التشهد وغيره، فلا مانع من رفع الأصبع عند الشهادة، لكن رفع البصر إلى السماء لم يثبت.

وكذلك قوله: ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) لا توجد في صحيح مسلم، فمن أهل العلم من حكم عليها بالشذوذ، من أهل العلم من حكم عليها بالشذوذ؛ لأنها لو كانت محفوظة ما أهملها مسلم، ولا أهملها الرواة الثقات، ومنهم من يقول: إنها زيادة ثقة ليست مخالفة فلا مانع من قبولها، والأئمة الحفاظ كثير منهم لا يثبتها؛ لأن الثقات من الرواة لم يرووها، ومن أهل العلم من يرى أنها .. ثقة، وهي جارية على من يطرد قبول زيادات الثقات، هي جارية على قوله وعلى طريقته ومنهجه، من يقول بقبول الزيادات مطلقاً يقبل مثل هذه الزيادة، مثل ((إنك لا تخلف الميعاد)) في آخر الذكر بعد إجابة المؤذن، مثل هذه الزيادة يقبلها ويصححها الشيخ الألباني، والشيخ ابن باز -رحمة الله على الجميع- لكن الأئمة الحفاظ الكبار يحكمون عليها بالشذوذ؛ لأنها لو كانت محفوظة ما تركها من هو أحفظ، ولا خرجها ورواها المسلم في صحيحه، ولما عدل عنها وتركها دل على أنها ليست بمحفوظة، وعلى كل حال بعض الناس يتسامح في اللفظ إذا كان أصله، إذا كان معناه صحيحاً، يقولون: ما المانع أن يقال: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين هذا دعاء؟ ويدل عليه قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] يشهد له هذا ولا مانع من قبولها ما دام القرآن يشهد لها، وبعض الناس يدقق في هذه الأمور لا سيما في العبادات المؤقتة، يعني ما في مانع أن تدعو بدعاء مطلق: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين" أنت لو قلت: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين ما في ما يمنع؛ لأن الله -جل علا-: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] لكن التوقيت بعد الوضوء بعد هذا الذكر الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي لا يراه كثير من أهل التحقيق؛ لأن مثل هذا لا بد له من حجة ملزمة، ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والجمع بين التوبة لطهارة الباطن، والوضوء لطهارة الظاهر، الجمع بينهما ظاهر "اجعلني من التوابين" ليطهر الباطن، "واجعلني من المتطهرين" ليطهر الظاهر، كما

في قوله: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] الجمع بينهما ظاهر، وتقديم التوبة على طهارة البدن لأنها أهم؛ لأن تطهير السريرة أولى من تطهير العلانية. قال أبو عيسى: "وفي الباب عن أنس" مخرج عند ابن ماجة "وعقبة بن عامر" أخرجه مسلم "قال أبو عيسى: حديث عمر قد خولف زيد بن حباب في هذا الحديث" يعني خالفه عبد الله بن صالح وغيره على ما سيذكر الترمذي، قال أبو عيسى: "وروى عبد الله بن صالح وغيره عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر" عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر، والحديث في الباب: عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر، فدل على أن أبا إدريس يروي الخبر عن عمر مباشرة، وكلامه الأخير الذي يعل به كلامه السابق فيه الواسطة بين أبي إدريس وبين عمر عقبة بن عامر "وعن ربيعة عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عمر" فحديث الباب يرويه أبو إدريس عن عمر بدون واسطة، ويرويه أبو عثمان عن عمر بدون واسطة، والأخبار التي أوردها بعد الأسانيد التي أوردها بعد ذلك تدل أن هناك واسطة بين أبي إدريس وبين عمر، وبين أبي عثمان وعمر -رضي الله عنه-.

قال: "وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب كبير شيء" لكنه صح في حديث مسلم أول الحديث: ((من توضأ فأحسن الوضوء)) أحسنه: أتمه وأسبغه، وفي رواية: ((نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه دخل من أي أبواب الجنة الثمانية شاء)) قال الإمام البخاري بعده: ولا تغتروا، ولا تغتروا، ولا أدري هل هي من أصل الحديث؟ من كلام عثمان: "ولا تغتروا" أو هي من كلامه -عليه الصلاة والسلام- أو من كلام من بعده؟ المقصود أنها في صحيح البخاري في أصل الخبر "ولا تغتروا" لأن بعض الناس يقول: لماذا أكلف نفسي بعبادات شاقة، أو أترك بعض المحرمات التي يصعب علي تركها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه دخل الجنة)) لا تغتروا بمثل هذا الكلام، أحاديث الوعد لا يغتر بها؛ لأن الإنسان لا يأمن من مكر الله، عليه أوامر لا بد أن يأتي بها، ويتجه نحوه نواهٍ لا بد من اجتنابها وهذه حقيقة التقوى، فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، ولا يعتمد على مثل هذه الأخبار، يعني يفعل ما اقتضته هذه الأخبار، ويوسع الرجاء بالله برحمة الله -جل وعلا-، ومع ذلك لا يأمن من مكر الله، فلا بد أن يتقي المحرمات، ويفعل الواجبات والمستحبات، كما في هذه الأحاديث، ويسأل ربه الثبات. "ولا يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب كبير شيء" وقلنا: إنه في صحيح مسلم، أعني حديث عقبة بن عامر.

قال محمد -يعني البخاري- "قال محمد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئاً" وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئاً، أبو إدريس ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولد في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعمر توفي سنة (23هـ) إذاَ يكون عمر أبي إدريس على أقل احتمال ثلاث عشرة سنة، ثلاث عشرة سنة، هذا على أقل احتمال، والمعاصرة موجودة والسن يحتمل، السن يحتمل، فعلى قول الجمهور الذين يرون الاكتفاء بالمعاصرة يصححون رواية أبي إدريس عن عمر وإلا ما يصححونها؟ يصححونها، لكن البخاري الذي يشترط اللقاء لا يصحح مثل هذا، حتى يثبت عنده اللقاء، ولذا قال: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئاً، لم يسمع من عمر شيئاً. في تعليق طويل جداً للشيخ أحمد شاكر يقول: أبو إدريس الخولاني اسمه: عائذ الله بن عبد الله، وهو من كبار التابعين، وقد اختلف في سماعه من معاذ، معاذ مات قبل عمر بخمس سنين، مات قبل عمر بخمس سنين، بالطاعون، طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، فإذا اختلف في سماعه من معاذ الاحتمال في سماعه من عمر أقوى.

يقول: وقد اختلف في سماعه من معاذ بن جبل، وقال ابن عبد البر: سماع أبي إدريس من معاذ عندنا صحيح، من رواية أبي حازم وغيره، وهو يشير إلى ما رواه مالك عن أبي حازم عن أبي إدريس قال: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بفتىً براق الثنايا، فسألت عنه فقالوا: معاذ، فلما كان الغد هجرت فوجدته يصلي فلما انصرف سلمت عليه .. الحديث، ومعاذ مات سنة ثمان عشرة، وعمر مات سنة ثلاث وعشرين، فقد أدركه أبو إدريس يقيناً، فقد أدركه أبو إدريس يقيناً، والبخاري يشدد في شرطه في الرواية ويشترط اللقي، وسائر المحدثين يخالفونه ويكتفون بالمعاصرة إذا كان الراوي ثقة وبريء من التدليس، وهكذا كان أبو إدريس -رحمه الله-، ومع ذلك فإنه لم يروِ هذا الحديث عن عمر، بل رواه عن عقبة بن عامر كما سيأتي، لكنه في حديث الباب يرويه عن عمر، في الحديث الأصلي عن أبي إدريس وأبي عثمان عن عمر، فهو يرويه عن عمر مباشرة، ومع ذلك فإنه لم يروِ هذا الحديث عن عمر بل رواه عن عقبة بن عامر كما سيجيء، وأبو عثمان اختلف فيه من هو؟ فقال أبو بكر بن منجويه: يشبه أن يكون سعيد بن هانئ الخولاني المصري، وكذا قال أبو علي الغساني، وقال ابن حبان: يشبه أن يكون حريز بن عثمان، وأياً كان فإنه تردد بين ثقتين لا أثر له في صحة الإسناد، وقد أخطأ الترمذي فيما زعم من اضطراب الإسناد في هذا الحديث. الحديث الترمذي يقول: هذا حديث في إسناده اضطراب، الشيخ أحمد شاكر يقول: وقد أخطأ الترمذي فيما زعم من اضطراب إسناد هذا الحديث. لكن هل مثل هذا الكلام يمكن أن يقال في حق أبي عيسى الإمام الحافظ؟ لا شك أن الأدب مع الكبار هو المطلوب، فلو أن الشيخ -رحمه الله- أبدل هذه العبارة بعبارة ألطف منها لكان أولى. يقول: وقد أخطأ الترمذي فيما زعم من اضطراب الإسناد في هذا الحديث ومن أنه لا يصح في الباب كبير شيء، وأصل الحديث صحيح مستقيم الإسناد، وإنما جاء الاضطراب في الأسانيد التي نقلها الترمذي منه، يعني من الترمذي نفسه هذا الاضطراب وهذا الاختلاف منه أو ممن حدثه بها.

باب: الوضوء بالمد:

المقصود أن كلام الشيخ أحمد شاكر طويل في هذا يريد أن يرد على الترمذي ما قال، وعلى كل حال الحديث أصله في صحيح مسلم، والإشكال في الزيادة: ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) هذا الإشكال في هذه الجملة، وعلى كل حال من أثبتها فله سلف، والزيادة عند أهل العلم من الثقة يطلقون قبولها، ومن نفاها وقال: إنها لو كانت محفوظة لذكرها مسلم في صحيحة، ورواها الثقات من الرواة وما دام الأمر كذلك فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-، نعم. عفا الله عنك: باب: الوضوء بالمد: حدثنا أحمد بن منيع وعلي بن حجر قالا: حدثنا إسماعيل ابن علية عن أبي ريحانة عن سفينة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع. وفي الباب عن عائشة وجابر وأنس بن مالك، حديث سفينة حديث حسن صحيح وأبو ريحانة اسمه: عبد الله بن مطر، وهكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد، والغسل بالصاع، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: ليس معنى هذا الحديث على التوقيت أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه، وهو قدر ما يكفي. يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: "بابٌ: في الوضوء بالمد" والمد إناء يسع رطل وثلث عند الجمهور، وعند أبي حنيفة يسع رطلين، والصاع أربعة أمداد، وهي خمسة أرطال وثلث، وعند الحنفية ثمانية أرطال، والمد أصله ما يملأ كفي الرجل المعتدل، ما يملأ كفي الرجل المعتدل.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع" بن عبد الرحمن أبو جعفر البغوي، ثقة حافظ، من العاشرة، وعلي بن حجر السعدي ثقة حافظ أيضاً "قالا: حدثنا إسماعيل" يعني بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم، أبو بشر المعروف بابن علية، ثقة حافظ من الثامنة، إسماعيل بن علية وكان يكره أن ينسب إلى أمه أو إلى جدته علية، يكره ذلك كراهية شديدة، ولذا الإمام أحمد يقول: حدثنا إسماعيل الذي يقال له: ابن علية، فلا ينسب القول لنفسه "عن أبي ريحانة" عن أبي ريحانة قال الترمذي -رحمه الله-: وأبو ريحانه اسمه: عبد الله بن مطر، مشهور بكنيته، قال الحافظ: صدوق من الثامنة "عن أبي ريحانة عن سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" كان اسمه: مهران وسفينة لقب؛ لأنه حمل من الأمتعة الشيء الكثير فشبه بالسفينة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ بالمد" وعرفنا أن المد إناء يسع رطلاً وثلثاً، وقال الحنفية: يسع رطلين، وهو في الأصل ما يملأ كفي الرجل المعتدل "ويغتسل بالصاع" الذي يسع خمسة أرطال وثلث، وعلى مقتضى مذهب الحنفية أنه يسع ثمانية أرطال؛ لأن الصاع أربعة أمداد. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عائشة" في البخاري ومسلم "وجابر" في المسند وأبي داود وابن ماجه "وأنس" في الصحيحين وغيرهما "قال أبو عيسى: حديث سفينة حديث حسن صحيح" وهو مخرج في صحيح مسلم وعند الإمام أحمد وابن ماجه "وأبو ريحانة اسمه: عبد الله بن مطر" عرفنا أنه مشهور بكنيته وهو صدوق من الثالثة، والحديث على كل حال صحيح، ليس فيه كلام، مخرج في صحيح مسلم، وله شواهد في الصحيحين وغيرهما "وهكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد والغسل بالصاع" أي بالتوقيت والتحديد، لا زيادة ولا نقصان، "وهكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد والغسل بالصاع" أي بالتوقيت والتحديد، لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه "وقال الشافعي وأحمد وإسحق: ليس معنى هذا الحديث على التوقيت أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه وهو قدر ما يكفي".

وكونه لا على التحديد، يعني على التقريب لو زاد أو نقص قليلاً أو زاد قليل لا بأس، وهذا هو الراجح المعول عليه؛ لأنه ما عرف عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يكيل الماء، ولا عرف عن سلف هذه الأمة أنهم يكيلونه، إنما المسألة مسألة تقدير وتحديد، نعم تقدير وتقريب. وقد جاء من حديث عائشة أنها كانت تغتسل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، والفرق وهو ثلاثة آصع، يغتسلون من هذا الإناء، ويمكن حمله على حديث الباب إنهما اثنان فيحتاجان إلى صاعين ويغتسلان من، من هذا الإناء، من هذا الإناء، وقد لا يستوعبانه، وقد لا يستوعبانه فيتفق مع حديث الباب. وعلى كل حال المسألة ما عرف من هديه -عليه الصلاة والسلام- ولا من هدي صحابته الكرام أنهم يكيلون الماء للوضوء، ولا يزيدون عليه ولا ينقصون، إنما فيه حث على الاقتصاد، حث على الاقتصاد بالماء، ويأتي في الباب الذي بعده باب: ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء، وبعض الناس يفتح الماء على أعلى ما يمكن ثم يتوضأ ويترك الماء ينساب ويضيع ويهدر من غير حاجة، ولا شك أن هذا لا يجوز، لا يجوز، نعم الماء موجود ومتيسر ومتوفر، وكان الناس يجلبونه من بعيد بالأواني على رؤوسهم، مما يضطرهم إلى الاقتصاد، أما الآن فموجود تفتح الصنبور وينهال عليك الماء وأنت لا تحسب له أي حساب، ولا تقدر الخسائر التي تنفق عليه، ولا تحسب حساب أنه في يوم من الأيام تطلبه فلا تجده، أحياناً قد تكون الحاجة داعية إلى شيء من هذا الإهدار، قد تدعو الحاجة إلى ذلك. في الشتاء إذا فتح السخان الماء الذي ينزل من السخان الذي في المواصير بارد، وقد يكون الوضوء به مؤذي، فيحتاج إلى أن يترك هذا الماء ينساب حتى يأتي الساخن الذي يتوضأ به، فمثل هذا قد تكون الحاجة داعية إلى ذلك، لكن لو حفظ في إناء أو جعل هذا الماء البارد ينزل في إناء ثم يتبعه الحار شديد الحرارة ثم يختلط هذا بهذه فلا يضيع من الماء شيء، هذا لا شك أنه أولى، لكن الاغتسال بعض الناس يقول: كيف أغتسل من إناء وعندي الدش؟ ما يحتاج إلى أن أجمع هذا الماء وذاك الماء وأخلطهما ثم أتناول من الإناء الأمر أهون من ذلك.

باب: كراهية الإسراف في الماء:

على كل حال إذا دعت الحاجة إلى مثل هذا فالأمر يقبل، أما مع عدم الحاجة فلا، ولذا أردف المؤلف -رحمه الله تعالى- هذا الباب بقوله: "باب: ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء" سم. عفا الله عنك. باب: كراهية الإسراف في الماء: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن للوضوء شيطاناً يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء)). وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مغفل، حديث أبي بن كعب حديثه غريب وليس إسناده بالقوي، والصحيح عند أهل الحديث لأنا لا نعلم أحداً أسنده غير خارجة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن قوله: ولا يصح في هذا الباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا وضعفه ابن المبارك. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء" وهذا الحكم مجمع عليه بين أهل العلم، ويطلقون الكراهة، وهي أعم من كراهة التنزيه أو التحريم، ففي بعض الصور تتجه كراهية التنزيه، إذا كان الإسراف يسير ومحتمل، أما إذا كان الإسراف كثيراً فالمبذرون هم إخوان الشياطين، كما قال الله -جل علا-: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [(27) سورة الإسراء]

قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود" سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، أحد الأئمة الأعلام، صاحب المسند، توفي سنة أربع ومائتين، يعني مع الإمام الشافعي -رحمه الله- "قال: حدثنا خارجة بن مصعب" أبو الحجاج السَرَخْسي، أو السَرْخَسي، متروك كذبه ابن معين "عن يونس بن عبيد" العبدي مولاهم، أحد الأئمة "عن الحسن" البصري "عن عتي بن ضمرة -التميمي- السعدي" البصري، ثقة من الثالثة "عن أبي بن كعب" الصحابي الجليل "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن للوضوء شيطاناً)) أي للوسوسة في الوضوء له شيطان ((يقال له: الولهان)) الولهان مأخوذ من الوله، وهو ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد سمي شيطان الوضوء بذلك لشدة حرصه على طلب الوسوسة، وإذا اشتد الحرص على الشيء أصابه شيء من التحير والخفة والطيش خشية أن يفوت هذا الأمر، فالشيطان لحرصه هذا على وقوع المسلم في الوسواس وخشية أن يفوته هذا المسلم الذي يتوضأ لا شك أنه يصاب بشيء من الخفة والوله، أو لأن المتوضئ إذا ابتلي بهذا اتباعاً لهذا الشيطان أصيب بشيء من الحيرة فيحتار في أمره، ومن نظر في حال الموسوسين وجد الحيرة في تصرفاتهم، وجد الحيرة في تصرفاتهم، منهم من إذا خرج من الدورة ومس الباب عاد إليها، وقال: إن الباب نجس، واليد رطبة وتنجست فيعود ثانية وثالثة وعاشرة وأحوالهم مزرية، أحوالهم مزرية جداً. ((إن للوضوء شيطان يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء)) وسواس الماء: الوسوسة في الوضوء يعني هل وصل الماء إلى أعضاء الوضوء أو لم يصل؟ وهل غسل مرتين أو مرة؟ وهل الماء طاهر أو نجس؟ وهل الماء عند من يقول بالتفريق بين القليل والكثير هل بلغ القلتين أو لم يبلغ؟ وهل ما وقع فيه طاهر أو نجس؟ إلى كثير من الاحتمالات التي أوجدها هؤلاء ((فاتقوا وسواس الماء)).

قال: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" عند النسائي وابن ماجه، وفي بعض النسخ: عبد الله بن عمر، وله حديث عند ابن ماجه أيضاً، "وعبد الله بن مغفل" عند أبي داود وابن ماجه "قال أبو عيسى: حديث أبي بن كعب حديثه غريب" وأخرجه ابن ماجه "وليس إسناده بالقوي"، "ليس إسناده بالقوي والصحيح" يعني ليس بالقوي وليس بالصحيح "عند أهل الحديث؛ لأنا لا نعلم أحداً أسنده -يعني رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "غير خارجة" بن مصعب، وعرفنا أنه متروك، وكذبه ابن معين، فمثله لا يعول عليه "لا نعلم أحداً أسنده غير خارجه، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن" يعني من قوله، موقوفاً عليه، ويسمى عند أهل العلم مقطوع، إذا وقف على التابعي هو المقطوع: "ولا يصح في هذا الباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا" يعني أهل الحديث "ليس بالقوي عند أصحابنا" يعني أهل الحديث "وضعفه ابن المبارك". قال الذهبي في الميزان: وهاه أحمد، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال أيضاً: كذاب، والحديث لا شك في ضعفه، لكن الوسواس موجود عند كثير من المسلمين، لا سيما في الوضوء وفي الطهارة عموماً، وفي الصلاة وما يتعلق بها، وبعضهم يكون الوسواس عنده في النكاح وفي الطلاق، ويصدر من بعض الناس أشياء لا تدري كيف حصلت من هؤلاء وهم عقلاء؟ شخص يسأل يقول: في آخر الفصل الدراسي -مدرس ومن سنين يدرس- في آخر الفصل الطلاب عندي ربع العدد، وفي الفصل الثاني الذي بجواري قريب النصف، فقال المدرس الذي في الفصل الثاني: ما دام طلابك عددهم قليل دعهم يحضروا عندي واخرج أنت، فقلت، يعني قال بلهجته: بصرك يعني ما يخالف، فلما خرجت من المدرسة وأنا في طريقي إلى البيت قلت: ما أدري هل قال: خل الطلاب يدخلون عندي، أو قال: تريد أن تطلق زوجتك، أو قال: ما أدري أنت طلقت زوجتك، شو اللي أدخل هذا بهذا؟ يعني الشيطان حريص على مثل هذه الأمور، ويجري من ابن آدم مجرى الدم، فعلى المسلم أن يحذره، ويقطع الطريق عليه من أوله، سواءً كان في عبادته، سواءً كان في معاملته، سواءً كان في معاشرته لأهله.

بعض الناس هذه الوسواس لا تزال تحوك وتدور في ذهنه حتى يجزم بيقين أنه طلق، يطلق زوجته التي يرغب فيها ويحبها وتحبه وليست بينهم أدنى مشكلة، لكن يقول: أنا والله ما أدري أنا مطلق وإلا ما طلقت؟ هل بلغت العدد؟ أو بانت أو ما بانت؟ خلي المسألة تصير متيقنة ونرتاح، هذا يحصل لكثير من الناس، وأما الوسواس في الطهارة وفي الصلاة فحدث ولا حرج، فعلى المسلم .. ، مع الأسف أن بعض طلاب العلم يسألون عن مثل هذه الأمور، وما ذلكم إلا لأنهم انقادوا للشيطان، وتبعوه في أول الأمر ثم استرسلوا في هذا فوافقوه فحصل لهم ما حصل. فالنصيحة لطالب العلم على وجه الخصوص والمسلمين عموماً ألا يسترسلوا مع الشيطان، ويكون خطرهم على النقص أكثر من الزيادة، النقص في مثل هذه الأمور مع الاعتراف بالتقصير والاستغفار أفضل من أن يزاد على المشروع، كما يقرر بعض أهل العلم ويقول: إن البياض إذا زاد صار برصاً -نسأل الله العافية-، يعني ما في شك أن الحد الأعلى من البياض القريب من البرص يعني إذا نقص عنه فصار إلى الأدمة أقرب أفضل؛ لأنه إذا كان البياض الشديد لا تفرق بينه وبين الأبرص إلا بكل صعوبة فالسمرة أفضل منه، فعلى كل حال المبالغة في التكميل، الموسوس بزعمه أنه يكمل، إذا بالغ وزادت عنده هذه المبالغة لا شك أنه يقع في مثل هذا الوسواس الذي هو بمثابة البرص الذي يقذره الناس به، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (14)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (14) شرح: باب: الوضوء لكل صلاة، وباب: ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد، وباب: ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما المقصود بالطبقة؟ إذا قال ابن حجر: من العاشرة، من الحادية عشرة، من التاسعة، من الثالثة ما المقصود بهذه الطبقة؟ المقصود بها الجماعة المتشابهون في السن، المتقاربون فيه، المشتركون في الأخذ عن الشيوخ، يعني الزملاء، أقرب ما يكون في اصطلاحنا وعرفنا إلى الزملاء، يعني إذا قيل: فلان من دفعة فلان، أو زميل لفلان، أو معه في الدراسة هذا المراد بالطبقة، وطبقات رواة الكتب الستة قسمها الحافظ ابن حجر إلى اثنتي عشرة طبقة، معدل كل طبقة عشرين سنة، عشرين سنة، وبعد ذلك تتابع أهل العلم على ذكر تصنيف وترتيب المحدثين على طبقات، إلى أن وصلوا إلى ما وصلوا إليه في تذكرة الحفاظ وغيرها إلى طبقات عديدة. يقول: من المعلوم أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يحافظ على السنن في سفره إلا قيام الليل وسنة الفجر وسنة الضحى، وهناك من العلماء من يقول: إن فعله -عليه الصلاة والسلام- لا يعني المنع من المحافظة على السنن الرواتب؟ يعني الترك لا الفعل، الترك لا يعني عدم الفعل، لكن يدعم ذلك قول ابن عمر: "لو كنت مسبحاً لأتممت" فلما خفف عن المسافر في الفريضة بإعفائه من نصفها، في صلاة الظهر والعصر والعشاء فهذه رخصة من الله -جل وعلا- فلتقبل رخصته، وإذا أراد الإنسان أن يتنفل ويتطوع بقدر زائد على ذلك ما في ما يمنع، لكنه يكتب له ما كان يعمله مقيماً، فإذا كان محافظ على السنن الرواتب في إقامته فتكتب له. والسؤال: ما هو الأفضل لي عندما أكون مسافراً المحافظة أم الترك لهذه السنن؟ تترك السنن الرواتب؛ لأنك إن كنت محافظاً عليها في إقامتك فأجرك جارٍ لك في حال سفرك، وأكثر من التطوع المطلق، ومن مدارسة العلم، وقراءة القرآن، وكثرة الذكر، هذه أبواب مشرعة -ولله الحمد- للمسلم. هل الترخص بترك هذه السنن له وقت ينتهي كوقت القصر مثلاً؟ أو المسح أو جميع وقت السفر؟

مقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام- أنه يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً أنه مادام الوصف قائماً، ما دام الوصف قائماً وهو وصف السفر ولم يرتفع هذه الوصف ويحل محله الإقامة والحضر فإنه يترك، وإذا ارتفع الوصف ارتفع الترك. هذا يقول: لو وضعت دورة في شهرة ذي القعدة من هذا العام لشرح كتاب الحج من هذا الكتاب أعني جامع الترمذي أو من عمدة الأحكام؟ عمدة الأحكام شرحت كاملة وموجودة في الأسواق، لكن هذا الكتاب محل نظر بلا شك، يعني كوننا نقدم بعض الأبواب، أو بعض الكتب لأجل مناسبة داعية إلى ذلك، هذا له حظ من النظر. يقول: وكذلك نود دورة في شهر صفر بداية الدراسة في الفصل الثاني ولو لمدة أسبوع؟ على كل حال أنا وعدت الإخوان أن يكون الموعد ثابت لمدة أسبوعين في الإجازة مثل هذه الأيام -إن شاء الله تعالى-، ويومان في الفصل الأول فيهما أربعة دروس، ويومان أيضاً في الفصل الثاني فيهما أربعة دروس. يقول: أيهما أولى إذا فاتت الصلاة تقديم صلاة الجنازة أم صلاة الفرض؟ تقدم الجنازة لأنها تفوت، ثم تصلى الفريضة. يقول: هل القيام محرم في المجلس؟ وهل السنة عدم القيام للرجل المقبل؟ أما بالنسبة للقيام على الرجل وهو جالس فهذا صنيع الأعاجم، وهو ممنوع محرم، القيام على رأس الرجل وهو جالس، أما القيام له .. ، القيام عليه هذا لا يجوز، أما القيام له فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((قوموا إلى سيدكم)) هذا بالنسبة للطرف المأمور بالقيام، لكن الداخل الذي طلب القيام له لا يجوز له أن يحب أن يتمثل الناس له قياماً. يقول: سمعنا أن لك فتوى تمنع استعمال صرافات البنوك التي تتعامل بالربا؟ وهل لمن أعوزه صراف الراجحي وشق عليه الذهاب إليها من حرج أن يستعمل صرافات باقي البنوك؟ لا شك أن استعمال صرافاتهم مما ينفعهم ويدعمهم، ولا شك أن في هذا شيء من التعاون على الإثم والعدوان، فالأصل هو المنع، لكن يبقى أن مثل هذا مثل الإيداع عندهم، إذا لم يوجد غيرهم فالحاجة قائمة لذلك، ولعله يعفى عنه -إن شاء الله-. يقول: ما رأيكم في أخذ الفقه من أحكام القرآن للقرطبي وقراءته لغير الفقيه بل لطالب العلم المبتدئ؟

أما أحكام القرآن التي ذكرها القرطبي في تفسيره وهو مؤلف لبيان الأحكام، وإن كان التفسير شاملاً لجميع ما يطلبه من يحتاج إلى التفسير، لكن الغالب فيه بيان الأحكام وبيان المذاهب، نعم يؤخذ منه المذهب المالكي؛ لأنه مالكي المذهب، يؤخذ منه مذهب مالك، أما غيرها من المذاهب فتؤخذ من كتب أصحابها؛ لأن المفسرين وهم يذكرون مذاهب الأئمة، وكذلك شراح الحديث قد يذكرون بعض الروايات غير المشهورة في المذاهب، يذكرون بعض الروايات غير المشتهرة في المذاهب، فالإمام أحمد له في بعض المسائل أربع روايات خمس روايات ثلاث روايات، فينتقي منها قد ينتقي منها غير المعمول به في المذهب، فالمذاهب تؤخذ من كتب أصحابها وأربابها. يقول: هل طبع من كتاب الفنون لابن عقيل شيء؟ وأين يوجد؟ طبع منه منذ ثلاثين أو أكثر من ثلاثين سنة طبع منه مجلدان، وأما البقية فلم تطبع، وهو كتاب كبير، يقول ابن الجوزي: وقفت على الجزء الثامن بعد الخمسمائة، كتاب كبير. يقول: يلاحظ على بعض طلاب العلم التوسع في بعض الأمور منها التصوير؟ التصوير لا شك أن النصوص صحيحة وثابتة وصريحة في تحريمه، بل التشديد في أمره، وأما كون هذه النصوص تنطبق على التصوير الآلي فينازع بعض العلماء ممن يرى حل مثل هذا النوع، وعلى كل حال بالنسبة لي أنا الذي أراه أنها داخلة دخولاً أولياً، والمضاهاة والمشابهة أكثر من تصوير اليد، وهم يقولون: كيف تكون هذه النصوص القوية لم يرح رائحة الجنة يكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ لمجرد ضغطة زر، لمجردة ضغطة زر تطلع الصورة ولا يرح رائحة الجنة، هذا أمر يحتجون به ويستدلون به، وما علموا أن القاتل الذي .. ، القاتل عمداً الذي حكم بخلوده في النار كما في آية النساء، وقرن بالشرك كما في آية الفرقان، يكون بمجرد ضغطة زر، فسهولة الأمر لا تعني أن هذا حلال وهذا حرام، لا، لا ينظر إلى هذا، كلمة واحدة يهوي بها في النار سبعين خريفاً، قد لا يلقي لها بالاً، فليس مرد ذلك إلى سهولة الأمر أو شدته، إنما ينظر ما ورد فيه من نصوص، وهي التي تحدد وتقرر الحكم الشرعي.

عنده أيضاً يقول: السفر إلى الخارج، الزواج بنية الطلاق، جوال الكاميرا، النقاب للزوجة والبنات، غشيان مكان الترفيه، فهل من كلمة حول الورع؟ مسألة التصوير ذكرناها، وأما السفر إلى الخارج فإن كانت بلاد كفر فلا يجوز السفر بحال، بعض العلماء يفتيه من أجل الدعوة، والدعوة لا شك أنها وظيفة الأنبياء، فإذا قام بها ولم يخف على نفسه من التأثر بما في هذه البلدان فيرجى -إن شاء الله تعالى- أن يكون هذا يقاوم هذا، وأما السفر للنزهة والمتعة إلى بلاد الكفار فلا. وقد برئ المعصوم من كل مسلمٍ ... يقيم بدار الكفر غير مصارمِ وأما السفر إلى البلاد التي تكثر فيها البدع والمنكرات ولا يستطاع إنكارها فكذلك، فإذا كانت إجابة الإجابة إلى وليمة العرس وهي واجبة كما دل على ذلك النصوص أنها لا تجوز الإجابة إذا كان ثم منكر، فكيف بالمنكرات الظاهرة شبهات وشهوات وشرك ظاهر؟! يقول: الزواج بنية الطلاق؟ الزواج بنية الطلاق لا شك أن كثير من الممارسات التي يفعلها بعض من يعقد مثل هذا العقد لا شك أنها غير شرعية، وتساهلوا في هذا الأمر بما يجعله يقرب من السفاح، حتى أن بعضهم لا يصرح باسمه الصحيح، بل يذكر في العقد اسم مستعار، أما إذا توافرت الشروط والأركان، وانتفت الموانع فلا مانع منه -إن شاء الله تعالى-، ولو كان في نية الزوجة أنه يطلق لكن على ألا يعلم الطرف الثاني من قريب ولا من بعيد، لا بلفظ ولا بقرينة تدل على أنه يريد أن يطلق، فإذا عرف الطرف الثاني أن الزوج يريد أن يطلق وأنه لا ينوي الاستمرار بأي دلالة سواءً كان صريح اللفظ وحينئذٍ يكون من المتعة المجمع على تحريمها، وأنها من الزنا، وأنها موجبة للحد، أو بالقرائن القوية التي تدل على أنه يريد الطلاق، فمثل هذا يحرم بلا شك. نعم. طالب:. . . . . . . . . الزوج يعقدون على. . . . . . . . . يعني يعقد على امرأة ما يدرى عن عفتها أو غيره؟ المقصود أن مثل هذا دخله ما دخله، والإنسان عليه أن يحتاط لنفسه ولعرضه ولدينه.

جوال الكاميرا؟ يقولون: إنه آلة إن استعمل في المباح صار مباحاً، وإن استعمل في الحرام صار محرماً كالسكين تذبح به بهيمة الأنعام فتكون مباحة، وتذبح به مسلماً معصوم الدم فتكون من أعظم المنكرات، والسلاح لا يجوز بيعه في وقت الفتنة، لكن جوال الكاميرا يختلف، يختلف اختلاف كبير؛ لأنه يسهل عملية التصوير، ورأينا بعض الإخوان من الشباب أصحاب التحري والتثبت في كثير من الأمور تساهلوا في اقتنائه فتساهلوا في التصوير، وهناك مواقف قد لا يملك الإنسان نفسه دون تصويرها، يعني الشباب والإخوان اللي في الخمس والعشرين والست والعشرين والثلاثين إذا ولد له مولود أول ما يجلس المولود تدفعه نفسه دفعاً ليصوره، وإذا بدأ يحبو كذلك، ويقول: المسألة فيها سعة والخلاف موجود، ونستغفر الله ونتوب إليه، ثم في خطواته الأولى يصوره، لا شك أن النفس لا يملكها الإنسان، فإذا كان ملك هذا الجوال يسهل المعصية فلا إشكال في منعه. النقاب للزوجة والبنات؟ النقاب جاء في حديث المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين، فمنع المحرمة يدل على جوازه لغيرها، وهذا أمر معروف عند أهل العلم، وعند العرب في السابق واللاحق، لكن ما النقاب المباح؟ وما معنى النقاب؟ النقاب هو النقب فيما يستر الوجه بقدر سواد العين بقدر سواد العين، فإن ظهر من البشرة ولو مليم واحد صار سفور، ما صار نقاب؛ لأن بعض الناس يلبس على الناس، يجعل ربع الوجه ظاهر ويقول: هذا نقاب، لا هذا سفور، حتى ولو ظهر من البشرة أدنى شيء يدل على لونها فإن هذا سفور وليس بنقاب، والنقاب الشرعي لا شك أن تغطية الوجه أسهل منه بالنسبة للناظر، فالإنسان لا شك أنه عليه أن يتحرى، وبعض العلماء يمنع النقاب بالكلية منعاً باتاً لما يرى من ممارسات النساء في تسميته نقاب وهو في الحقيقة سفور، فيقول: نقفل الباب، لكن لا يمنع أن يبين الحكم الشرعي، ومسألة إقفال الباب في كل مسألة هذا لا شك أن فيه تضييق على الناس، امرأة نظرها ضعيف ماذا تفعل؟ لو غطت وجهها سقطت، لكن يبقى أنه لو وضعت في غطائها وفي خمارها نقباً يسيراً لا يظهر إلا سواد العين صارت موحشة، ليست بفتنة هنا. غشيان أماكن الترفيه؟

الترفيه الذي لا يخالطه محرم هذا لا إشكال فيه، ومزاولة المباح لا إشكال فيه، لكن الإكثار من المباحات يجر بلا ريب إلى المكروهات، والمكروهات تدعو إلى المحرمات؛ لأن الإنسان إذا عود نفسه على الإكثار من المباحات قد تدعوه نفسه إلى شيء فلا يجده من وجه مباح فيتعدى ويتجاوز إلى الوجه المكروه ثم بعد ذلك يتساهل في المحرم، ولا بد من وضع سياج أمني، احتياطات للإنسان، ولذا كان السلف يتركون تسعة أعشار الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام، ولذا منعنا من ارتكاب الشبهات، الأمور المشتبهة التي لا يتبين حلها ولا حرمتها؛ لأنها تدعو إلى المحرمات. يقول: الزواج بنية الطلاق يجوز إذا لم تعلم الزوجة بذلك، أما إذا علمت فهو المتعة المحرمة، ألا يكون هذا فيه ظلم من المرأة إذا قبلت الزواج وهي تريد بناء أسرة ولو علمت نية الزوج لم تقبل؟ على كل حال ما في النوايا لا يطلع عليه إلا الله -جل وعلا-، فنوايا الرجال لا يمكن أن يتدخل فيها، والجواز هو قول عامة أهل العلم. يقول: هل جلسة الاستراحة سنة؟ يعني أريد بذلك الجلسة بين الركعتين الأولى والثانية وبين الثالثة والرابعة؟ هذه سنة بلا إشكال، ثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام- في الصحيح من حديث مالك بن الحويرث، وفي بعض طرق حديث أبي حميد، وجاءت من أمره -عليه الصلاة والسلام- للمسيء في صلاته في صحيح البخاري، أمره بها، في كتاب الاستئذان من صحيح البخاري. يقول: رجلان آواهما المبيت إلى إحدى الشقق المفروشة فلم يجدا إلا غرفة واحدة فيها سرير واحد لشخصين، فهل ينامان عليه ولكل واحد منهما كساء خاص أم هذا منهي عنه أفيدونا؟ النهي جاء أن لا يفضي الرجل إلى الرجل في كساء واحد في ثوب واحد، أما إذا كانا في ثوبين، وكل واحد له غطاؤه الخاص فهذا لا يدخل في النهي، على أنه ينبغي أن يفرق بينهم في المضاجع؛ لأنه إذا أمر بالتفريق بين من بلغ العشر فأمر هذين من باب أولى، يفرق بينهم في المضاجع، وقد يتصرف الإنسان وهو نائم تصرفات لا يملكها.

هذا يقول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة من أميز سمات هذه الأمة والملاحظ على كثير من الناس وخصوصاً المتمسكين بالدين التقصير الواضح في هذا الأمر على مستوى العوائل والأحياء والأماكن العامة؟

نعم الأمر كما قال السائل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الدين، وبها فضل الله هذا الأمة على غيرها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [(110) سورة آل عمران] وقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان للاهتمام بشأنه والعناية به، وإلا فلا يصح من غير إيمان، فقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان لا شك أنه لأهميته، للاهتمام بشأنه، وإلا لو قدم الإيمان فالأمم السابقة كلها تؤمن بالله، يعني من صدق الرسل واتبعهم ما يكون لنا ميزة عليهم ولا خصيصة، ما دمنا نؤمن بالله ولا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر فلا ميزة لنا ولا خصيصة، ولا شك أن التقصير حاصل، حاصل من كافة طبقات الناس، من أهل العلم، ومن طلاب العلم، ومن عامة الناس، ومن الأخيار ومن غيرهم، على حد سواء التقصير حاصل، وهناك من يقوم به من الرسميين ومن غيرهم ممن احتسب الأجر من الله -جل وعلا-، ولعل الله -جل وعلا- أن يدفع عنا بسببهم، وإلا فالبلد لا شك أنه يعج بمنكرات، يعج بمنكرات طرأت عليه لم تكن، وسنة الله -جل وعلا- ماضية، ومثل هذه الأمور يخشى أن يحل بالبلد قارعة ترد الناس إلى حظيرة الالتزام والتمسك، فإذا تضافرت الجهود على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دفع الله -جل وعلا- عنا هذه القوارع وهذه المحن التي حلت بمن حولنا، المثلات قريبة من ديارنا، فما الذي يؤمننا؟ ما استثني أبداً على مر التاريخ إلا قوم يونس، فنحن مثل غيرنا، وإذا عرفنا أن لعن بني إسرائيل إنما هو بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدة] نسأل الله السلامة والعافية، فننتبه لهذا الأمر، فعلى الإخوان والشباب لاسيما من يشاهد المنكر إذا مر بمجموعة والصلاة تقام لا بد من حثهم على الصلاة وأمرهم بها، مر على شباب يدخنون أو بينهم أمور مريبة أو غريبة ينهاهم ويزجرهم عن ذلك بالوسائل والطرق التي تحقق المصلحة، ولا يترتب عليها مفسدة. يقول: جلسة الاستراحة في صلاة المسيء شاذة إذ لو كانت ثابتة لكانت واجبة؟

المأمورات في حديث المسيء ليست كلها واجبات، ليست كلها واجبات، فبينت الأحاديث الأخرى ما يصرف هذه الأوامر إلى الاستحباب أحياناً، فما أمر به المسيء ولم يفعله أو تركه أحياناً -عليه الصلاة والسلام- لا يدل على الوجوب. يقول: ما حكم توزيع أو بالأصح وضع الماء البارد داخل المقبرة؟ إن احتيج إليه ولم يتعبد بذلك بهذا المكان على وجه الخصوص، واحتيج إليه في وقت حار، والحاجة داعية إليه فلا أرى ما يمنع -إن شاء الله تعالى-، وإن كان بعض العلماء يفتي بمنعه سداً للذريعة، على أن لا يكون من أهل الميت. يقول: ورد في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من النوم غسل كفيه ثلاثاً واستنثر فهل هذا داخل في أفعال الوضوء؟ لا، هذا إن توضأ بعده فله ذلك وإن كان لا يريد الوضوء فليفعل ذلك بدون وضوء. ومن فصل بين المضمضة والاستنشاق هل يعتبر مخالفاً للسنة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- تمضمض واستنشق ثلاثاً من كف واحدة، من كف واحدة، يعني مضمض واستنشق من كف واحدة، ثم يكرر ذلك ثلاثاً، وأهل العلم يقولون: إن الصور الجائزة في مثل هذا أن يفعل هذا وهو أولى، بثلاثة أكف يتمضمض ويستنشق، أو بكفين مما يتمضمض من كف ثالث مرات، ويستنشق من كف واحدة ثلاث مرات، أو يجمع الست ثلاث وثلاث من كف واحدة، لكن مثل هذا يحتاج إلى كف كبيرة، على كل حال الصور الجائزة في مثل هذا، لكن أولى هذه الصور أن يتمضمض ويستنشق من كف واحدة ويكرر ذلك ثلاثاً. يقول: إذا مسحت المرأة رأسها من المقدمة إلى مؤخرة الرأس هل يجزئها ذلك يعني إذا أعادت ذلك؟ تقبل بهما وتدبر، تقبل بهما وتدبر كالرجل والمراد مسح الشعر، لا وصول الماء إلى أصول الشعر؛ لأنه إذا وصل إليه صار غسلاً. يقول: وإذا لم تقم بإرجاع المسح من الخلف إلى الأمام هل تكون خالفت السنة؟ نعم خالفت السنة. هذا يسأل عن حديث طويل في شعب الإيمان للبيهقي؟ وأنا .. ، طويل تحتاج قراءته إلى وقت، ويحتاج أيضاً إلى مراجعة. ويسأل أيضاً عن مصطلحات الترمذي: حديث حسن، وحديث غريب، وغريب مقصود؟ هذه تمر بنا وتشرح في وقتها، مع أنها شرحت مراراً. يقول: ما رأيكم بشرح التفتازاني للأربعين النووية؟

باب: الوضوء لكل صلاة:

التفتازاني معروف أنه بالنسبة للعقيدة ماتريدي، فيتقى من هذه الحيثية وإلا فالشرح فيه فوائد. هل ورد حديث في فضل لبس السروال للمرأة تحت ملابسها؟ لا أعرف شيئاً من ذلك إلا أنه من باب الستر، وكل ما كان من باب الستر فهو أفضل. يقول: ما حكم من ذهب لزيارة الأماكن كغار حراء وغار ثور، ليس للتعبد ولكن يقول: بقصد الزيارة، ورؤية الأماكن التي كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتعبد فيها، ويقوم بوضع بعض أجزاء من جسده كالجبهة يسجد لعله أن يوافق آثار؟ هذه من البدع التي لا يختلف فيها أهل العلم. يقول: ما نصيحتك لطالب العلم المبتدئ في التقليد والاجتهاد؟ لا، هو في هذه المرحلة حكمه حكم العامي فرضه التقليد وسؤال أهل العلم حتى يتأهل. ما المراد بعبارة: ووافقه الذهبي، هل المراد أن الذهبي صرح بالحكم أو المراد أنه سكت عنه؟ يطلق على هذا ويطلق على هذا، لكن سكوته لا يكفي، أما إذا صرح بموافقة الحاكم فهذا لا يختلف في أنه هذا رأيه. هل جد الزوج من ناحية الأم يعتبر محرماً بالنسبة لزوج هذه الزوجة؟ نعم لأنه أب، لأنه أب. وهل يجوز لها كشف وجهها أمامه؟ نعم؛ لأنه أب. يقول: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن اشتمال الصماء فما معناه؟ هو التلفلف بالثوب الواحد بحيث لا يستطيع إخراج يديه عند الحاجة إلى ذلك، فقد يعرض له ما يؤذيه فلا يستطيع أن يخرجهما بسهوله. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: الوضوء لكل صلاة: حدثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن حميد عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر، قال: قلت لأنس: فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءاً واحداً. حديث أنس غريب من هذا الوجه، والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر عن أنس، وقد كان بعض أهل العلم يرى الوضوء لكل صلاة استحباباً لا على الوجوب.

وقد روي في حديث عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)) وروى هذا الحديث الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، حدثنا بذلك الحسين بن حريث المروزي قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن الأفريقي وهو إسناد ضعيف، قال علي: قال يحيى بن سعيد القطان: ذكر لهشام بن عروة هذا الحديث فقال: هذا إسناد مشرقي. حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا: حدثنا سفيان عن عمرو بن عامر الأنصاري قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ عند كل صلاة طاهراً أو غير طاهر، قلت: فأنتم ما كنتم تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث، هذا حديث حسن صحيح. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء لكل صلاة" الوضوء لكل صلاة، يعني ولو لم يحدث، أما إذا أحدث فمثل هذا لا يحتاج إلى تنبيه؛ لأن الله -جل وعلا- لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، فالمراد بالباب ما لم يحدث يتوضأ وهو على طهارة، وأمره لا يخلو من حالين: الحالة الأولى: أن يكون قد فعل بالوضوء الأول عبادة لا تفعل إلا بالطهارة، وفي هذا ما يسمى تجديد الوضوء، وهو مستحب عند عامة أهل العلم.

والحال الثانية: أن يكون في وضوئه الأول لم يستعمل في عبادة لا تؤدى إلا بالطهارة، فمثل هذا عامة أهل العلم على عدم استحبابه؛ لأنه زيادة على القدر المشروع في الوضوء من غير حاجة، يفرقون بين هذا وهذا، وإلا فما الذي يمنع من أن الإنسان إذا فرغ من وضوئه أعاده ثانية ثم أعاده ثالثة بزعم تجديد الوضوء؟ فالفارق بين هذا وهذا أن يستعمل الوضوء الأول في عبادة لا تؤدى إلا بطهارة، يعني لو قلنا: إن تجديد الوضوء مستحب ولو لم يستعمل في طهارة لقال من قال: إنه إذا فرغ من الوضوء أعاده ثانية، الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ثم يعيده ثلاثاً ثلاثاً ثانية وهكذا، ويزعم أنه يفعل تجديد الوضوء المستحب، وهذا لا يمكن أن يقال به، بل هذا أمر مبتدع، لا سيما مع قرب الفاصل بين الوضوئين، أما إذا فعل به عبادة انتفى المحظور، يكون الوضوء الأول للعبادة الأولى والتجديد للثانية وهكذا. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن حميد -بن حيان- الرازي" حافظ، ضُعف من قبل أهل العلم، ضعفوه، توفي سنة ثمان وأربعين، يعني ومائتين "قال: حدثنا سلمة بن الفضل" الأبرش، مولى الأنصار، قاضي الري، صدوق كثير الخطأ، من التاسعة "عن محمد بن إسحاق" إمام أهل المغازي، كلام أهل العلم فيه طويل جداً، كذبه مالك، وقال: دجال من الدجاجلة، ووثقه غيره، والتوسط في أمره أن يقال: صدوق، صدوق، أما إذا حدث في المغازي فلا يقدم عليه غيره، اللهم إلا إن كان من ثقات الأئمة كموسى بن عقبة وغيره، أما ابن إسحاق فهو إمام أهل المغازي، والكلام في روايته عند أهل العلم معروف، الكلام فيه يستوعب مصنف، والتوسط في أمره أن يقال: صدوق، لكنه أيضاً مدلس، فيحتاج في روايته إلى التصريح بالتحديث أو السماع "عن حميد" بن أبي حميد الطويل، ثقة عند أهل العلم "عن -الصحابي الجليل- أنس -بن مالك- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ لكل صلاة" يعني مفروضة "طاهراً أو غير طاهر" طاهراً أو غير طاهر،

"قال: قلت لأنس" يعني حميد يقول: "قلت لأنس: فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءاً واحداً" يعني لجميع الصلوات ما لم نحدث، على ما سيأتي في الحديث الذي يليه، يصلون الصلاة بوضوء واحد، قال: كيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءاً واحداً، فيصلون به الصلوات ما لم يحدثوا، يتصور أن الإنسان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد، هذا متصور لتقارب ما بين هذه الصلوات، لكن هل يصلي الظهر بوضوء الفجر أو الفجر بوضوء العشاء؟ هذا بعيد، لكن ذكر عن بعض أهل العلم أنه مكث سنين يصلي الفجر بوضوء العشاء، لكن مثل هذا يلزم عليه إحياء الليل كله، وما عرف عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أحيا ليلة كاملة كما تقول عائشة وغيرها، لكنه في العشر الأواخر على وجه الخصوص يشد المئزر، يشد المئزر فالظاهر أنه كان يُحيي الليل كله في العشر الأواخر، وأما ما عداها فلم يعرف عنه أنه أحيا ليلة كاملة، فالسنة أن ينام الإنسان ليتقوى بهذا النوم على عباداته من نافلة في قيام الليل أو صلاة الصبح يتقوى بها والجلوس بعدها إلى انتشار الشمس، فلا شك أن النوم إذا قصد به التقوي على العبادة فهو عبادة، يكون عبادة يؤجر عليه الإنسان. "قال أبو عيسى: حديث حميد عن أنس حديث حسن غريب" قالوا: تفرد به محمد بن إسحاق، قاله الشارح وغيره، قالوا: غريب؛ لأنه تفرد به محمد بن إسحاق، لكن الحديث الذي يليه برقم ستين، قال: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن هو ابن مهدي قالا: حدثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن عامر الأنصاري قال: سمعت أنس" فعمرو بن عامر متابع لحميد عن أنس، متابع لحميد عن أنس، وأيضاً: سفيان الثوري متابع لابن إسحاق فارتفعت الغرابة، اللهم إلا إذا كان يريد غرابة نسبية يعني من طريق حميد فقط فقد تفرد بالرواية عنه محمد بن إسحاق، فالغرابة هنا يمكن أن توجه بأنها نسبية.

"حسن غريب من هذا الوجه" يعني من طريق حميد فقط "والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر الأنصاري عن أنس" الذي سيأتي ذكره في آخر الباب "وقد كان بعض أهل العلم يرى الوضوء لكل صلاة استحباباً لا على الوجوب" يرى الوضوء لكل صلاة استحباباً لا على الوجوب، بل أكثر العلماء على ذلك، يعني استحباب تجديد الوضوء إذا فعل بالأول عبادة أكثر العلماء على استحباب التجديد، وذهب بعضهم إلى وجوب فعل ذلك لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، أنه يتوضأ لكل صلاة، فيجب على المكلف أن يتوضأ لكل صلاة، لكن دلت الأدلة الأخرى أن مثل هذا العمل كان في أول الأمر ثم نسخ. يقول ابن حجر في فتح الباري: اختلف السلف في معنى قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] الآية فقال الأكثرون: التقدير إذا قمتم محدثين، إذا قمتم محدثين، يعني منهم من قال: إذا قمتم من النوم، وهو داخل في كلام ابن حجر؛ لأن النوم مظنة للحدث، فقال الأكثرون: التقدير إذا قمتم محدثين ومن العلماء من حمله على ظاهره، وقال: الوضوء لكل صلاة، الوضوء لكل صلاة كان واجباً ثم اختلفوا هل نسخ أو استمر حكمه؟ هل نسخ أو استمر حكمه؟ ومما يدل على نسخه حديث عمرو بن عامر الذي يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-. وذهب إلى استمرار الوجوب قوم كما جزم به الطحاوي، ثم استقر الإجماع بعد ذلك على عدم الوجوب، يعني ارتفع الوجوب وبقي الاستحباب هذا في التجريد. "وقد روي في حديث عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)) "

"قال: وروى هذا الحديث الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدثنا بذلك الحسين بن حريث المروزي قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن الأفريقي وهو إسناد ضعيف" الآن المؤلف -رحمه الله تعالى- قدم المتن مع الصحابي على الإسناد، الأصل أن يقول: حدثنا الحسين بن حريث المروزي قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه هي الجادة أن يقدم الإسناد ثم يذكر المتن، وهنا قدم المتن وأخر الإسناد، وأهل العلم يقولون: سواء قدم المتن أو أخر الإسناد لا فرق، لا فرق، المقصود أن الصورة واضحة، الإسناد متكامل سواءً قدم أو أخر، والمتن ما فيه إشكال، يعني سواءً قدم أو أخر، إلا عند ابن خزيمة في صحيحه، ابن خزيمة يرى بل نص على أنه إذا قدم المتن فإنه لا يقدمه إلا لعلة في الإسناد، إلا لعلة في الإسناد، والجادة عنده تقديم الإسناد على المتن فإذا أخره كان ذلك لعلة، وأما غيره من أهل العلم فلا يعرف عندهم تفريق. قال" وقد روي في حديث عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من توضأ على طهر -يعني مع كونه طاهراً- كتب الله له به عشر حسنات)) يحتمل أن يكون المراد كتب الله به عشر وضوءات، يعني كأنه توضأ عشر مرات، ويحتمل أن يكون أجره على هذا الوضوء عشر حسنات، وهل يكفي في الوضوء الحسنة الواحدة؟ حسنة واحدة ثم يكتب له بالتجديد عشر حسنات، أي حسنة يفعلها المسلم حسنة مقبولة فإنها تضاعف إلى عشر، فله عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، يعني فضل الله واسع؛ لأنه جاء في حديث عند أحمد في المسند وفيه كلام لأهل العلم قالوا: إن الله يضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة، إلى مليونين حسنة، فضل الله واسع، لكن الحديث فيه كلام لأهل العلم، يبقى أن أقل مضاعفة عشر حسنات، فما ميزة هذا الوضوء الذي يضاعف إلى عشر حسنات؟ أو نقول: إن هذا من باب الترغيب؟ الترغيب في تجديد الوضوء، وأنه يضعف إلى عشر حسنات كغيره، وأنه عمل صالح بدليل المضاعفة؟

يقول البغوي في شرح السنة: تجديد الوضوء مستحب إذا كان قد صلى في الوضوء الأول، وكرهه قوم إذا لم يصلي بالأول، ذكرنا سابقاً أنه إذا لم يصل بالأول سواءً تأخر عن الوضوء الأول أو صار قريباً منه، أكثر أهل العلم على أنه ... طالب:. . . . . . . . . نعم، لا سيما إذا قرب، يعني توضأ وانتهى، ثلاث وثلاث، ثم توضأ ثانية مباشرة لا شك أن هذه بدعة، لا يقول أحد لمجرد الكراهة، بل المتجه تحريم مثل هذا الفعل؛ لأنه زاد على ما شرع الله -جل وعلا-، متعبداً بذلك. قال: ((من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)) قال: وروى هذا الحديث الأفريقي" تقدم اسمه: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، والجمهور على تضعيفه، وإن قواه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه، لكن الجمهور على أنه ضعيف "عن أبي غطيف الهذلي" وهو مجهول، لا يدرى من هو؟ "عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، حدثنا بذلك الحسين بن حريث المروزي" وهو إمام ثقة من الطبقة العاشرة، "قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي" وهو أيضاً ثقة عابد "عن الأفريقي وهو إسناد ضعيف". قلنا: إنه لضعف الإفريقي وجهالة أبي غطيف، لضعف الإفريقي وجهالة أبي غطيف "قال الإمام علي بن عبد الله السعدي المعروف بابن المديني، إمام من أئمة المسلمين، كأن الله -جل وعلا- خلقه لهذا الشأن، والأئمة الكبار يستصغرون أنفسهم عنده كأحمد وغيره "قال يحيى بن سعيد القطان: ذكر لهشام بن عروة هذا الحديث فقال: هذا إسناد مشرقي" ما معنى مشرقي؟ استشكل كلمة مشرقي، يعني مقتضاها أن الرواة كلهم من المشرق، والإفريقي من إفريقية من المغرب، قال: هذا إسناد مشرقي، واستشكل كون في إسناده الإفريقي وهو مغربي، من إفريقية في المغرب، فالإشكال قائم، لكن بعض أهل العلم يطلق الكلام لأدنى مناسبة، فلعل سياق الحديث أو سياق الإسناد أو ما أشبه ذلك فيه شبه من سياق المشارقة، فيه شبه من سياق المشارقة، لا سيما من قبل الإفريقي نفسه؛ لأنه مغربي، والمغاربة لهم طريقتهم في سوق الأسانيد والمتون وتتبعهم لها، والمشارقة لهم ذلك فلعل هذا هو المراد وإلا فالأمر مشكل؛ لأن الإفريقي مغربي.

قال الترمذي -رحمه الله-: "سمعت أحمد بن الحسين يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان" يعني يحيى بن سعيد القطان هو الذي ذكر لنا الخبر السابق عن هشام بن عروة، وأمر آخر لعل هشام بن عروة يقصد من بعد الأفريقي، يعني من بعد الإفريقي في صياغة الإسناد؛ لأن الإفريقي بعد هشام بن عروة فوفاته بعده بخمسة عشر سنة، يقول أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان، أحياناً يقول العالم: ما رأيت مثل فلان، بل ولا رأى مثل نفسه إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: ما رأيت مثل فلان، بل ولا رأى مثل نفسه هل معنى هذا أنه معجب بنفسه ما رأى أن غيره مثله؟ أو أن المراد أنا ما رأيت في شيوخي مثل فلان وهو أيضاً ما رأى في شيوخه مثله؟ ولو لم يصرح بذلك، يعني إذا نظرنا في الطبقات شيخ الشيخ أو شيوخ الشيخ مثلاً إذا جئنا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية قد يقول ابن القيم: إني ما رأيت مثل شيخ الإسلام كلام حق، وقد يقول ابن القيم: "ولا رأى مثل نفسه" يعني شيخ الإسلام كلام حق؛ لأنه رأى شيوخه وعاصرهم وليسوا مثله، فشيخ الإسلام لا يقول: بأني ما رأيت مثل نفسي ما يمكن، لكن ابن القيم يقولها لجزمه بأن شيوخ شيخ الإسلام دونه في المنزلة، دونه في المرتبة في العلم والعمل، فيقال مثل هذا الكلام، ولا يظن به أن الشيخ صرح بذلك أنه ما رأى مثل نفسه؛ لأنه توجد مثل هذه العبارة كثير في التراجم فقد يظن طلاب العلم أن الشيخ نفسه قال هذا الكلام.

قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد -وهو القطان- وعبد الرحمن -وهو ابن مهدي وكلهم أئمة، محمد بن بشار شيخ الأئمة المعروف ببندار، ويحيى بن سعيد القطان إمام مثلما قال الإمام أحمد، وعبد الرحمن بن مهدي أشهر من نار على علم "قالا: حدثنا سفيان بن سعيد" بن مسروق الثوري وهو أيضاً ليس دونهم "عن عمرو بن عامر الأنصاري" وهو ثقة، كوفي ثقة "قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ عند كل صلاة" كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ عند كل صلاة، وكان تدل على الاستمرار، وظاهره أن تلك عادته، أن تلك عادة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم عدل عنها عام الفتح وقبل ذلك في خيبر، صلى الصلاتين بوضوء واحد، وسيأتي في الباب الذي يليه، عدل عن ذلك عام الفتح وقبله في خيبر "يتوضأ لكل صلاة، قلت" القائل عمرو بن عامر التابعي: "فأنتم" يعني الصحابة -رضوان الله عليهم- ما كنتم تصنعون؟ يعني يسأل أنس ومن بحضرته إن وجد من الصحابة فأنتم؛ لأنه جمع "فأنتم ما كنتم تصنعون؟ " أو يسأل أنس عن حال الصحابة -رضوان الله عليهم-، "ما كنتم تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث" يعني بهذا القيد، أما إذا وجد الحدث فلا كلام؛ لأن الله لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في البخاري وغيره، مخرج في البخاري وغيره "وحديث حميد عن أنس حديث جيد غريب حسن" حديث جيد غريب حسن، يعني جيد من الألفاظ النادرة عند الترمذي، يعني ما أطلقها إلا في مواضع يسيرة، حديث جيد غريب حسن، فإذا قال: جيد حسن فكأنه قال: حسن صحيح، عند أهل العلم جيد، مثل صحيح، إلا أن ابن حجر -رحمه الله- أبدى نكتة لطيفة وهو أن الترمذي لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، خدش يسير إما في الإسناد أو في المتن، ولولا ذلك لقال: حسن صحيح كعادته. وفي إسناده –يعني حديث حميد عن أنس الذي تقدم- في إسناده ابن إسحاق وأيضاً الفضل بن محمد وعرفنا أنه صدوق وهو يخطئ، فلا شك أنه أنزل من حديث عمرو بن عامر عن أنس، ولذا قال: "هذا حديث حسن صحيح، وحديث حميد عن أنس حديث جيد غريب حسن". طالب:. . . . . . . . .

إيش فيه؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا موجود في كثير من النسخ، في بعض النسخ موجودة. يقول: الزيادة من عين، وهي زيادة لا بأس بها. طالب:. . . . . . . . . نعم، كلام الشيخ أحمد شاكر، طالب العلم ترى لا يمكن أن يستغني عن طبعة الشيخ أحمد شاكر، طبعة أحمد شاكر حقق جزأين فقط الأول والثاني، وأما الثالث فكمله محمد فؤاد عبد الباقي، وضعيف يعني إخراجه ضعيف، وهو أفضل من الرابع والخامس الذي وجودهما مثل عدمهما، إبراهيم عطوة عوض، وجودهما مثل عدمهما، فيعنى طالب العلم بالمجلدين أعني تحقيق الشيخ أحمد شاكر، وإذا ضم إلى ذلك نسخة بشار عواد معروف فيجتمع له الأمران. يقول: الزيادة من عين وهي زيادة لا بأس بها، وحديث حميد عن أنس متابعة جيدة لرواية عمرو بن عامر، واستغراب الترمذي له لا أوفقه عليه، فإن الحديث الغريب من ينفرد به أحد الرواة، والذي ينفرد .. ، وهذا لم يتفرد به حميد إلا إن كان يريد غرابته عن حميد نفسه، ولذا قيد قوله: غريب في بعض النسخ بأنه من هذا الوجه، وفي بعضها: من حديث حميد، ولا عبرة بقول الشارح إلى آخره، يعني الذي ذكرناه أولاً. سم. عفا الله عنك باب: ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر: "إنك فعلت شيئاً لم تكن فعلته؟ قال: ((عمداً صنعته))

قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، وروى هذا الحديث علي بن قادم عن سفيان الثوري وزاد فيه: توضأ مرة مرة، قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضاً عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ لكل صلاة، ورواه وكيع عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه، ورواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل، وهذا أصح من حديث وكيع، والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث، وكان بعضهم يتوضأ لكل صلاة استحباباً، وإرادة الفضل، ويروى عن الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)) وهذا إسناد ضعيف، وفي الباب عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر بوضوء واحد. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد" على خلاف عادته -عليه الصلاة والسلام- السابقة لخيبر أو الفتح، كان يصلي والصلوات بوضوء واحد، جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد، خلافاً لعادته لما اعتاده، ولذلك قال له عمر: إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله؟ قال: ((عمداً فعلته، أو صنعته)) ليبين الجواز، وأن ما كان يفعله سابقاً إنما هو على طريق الاستحباب أو لنسخ ما كان يصنعه سابقاً إن قلنا: إنه كان يفعله على جهة الوجوب. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار" مر ذكره مراراً "قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن علقمة بن مرثد" وثقه أحمد والنسائي "عن سليمان بن بريدة عن أبيه" هذا الإسناد صحيح لا مطعن فيه من وجه البتة "قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح" فلما كان عامَ أو عامُ؟ إذا قلنا: عامُ قلنا: كان تامة، يعني وجد في عام الفتح، وإذا قلنا أيضاً: عامَ فهو منصوب على الظرفية أو بحرف محذوف خافض، وإذا نزع الخافض انتصب ما بعده، عامَ يعني في عام الفتح.

"صلى الصلوات كلها بوضوء واحد" صلى الصلوات كلها، كلها مقتضاه أنه صلى الصلوات الخمس، لكن هو صلى ما اجتمع له مما أمكن اجتماعه من هذه الصلوات بوضوء واحد "ومسح على خفيه، فقال عمر: "إنك فعلت شيئاً لم تكن فعلته؟ " كذا في نسخة الشيخ، في بعض النسخ: تفعله "قال: ((عمداً)) وهذا تمييز ((فعلته)) أو: ((صنعته)) كما في بعض الروايات والنسخ، ((عمداً فعلته)) لبيان الجواز، والضمير في فعلته راجع لما ذكر في الحديث، راجع لما ذكر بالحديث. "إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله؟ " هل المراد بقول عمر في هذا الاستفهام جمع الصلوات بوضوء واحد أو المراد به المسح على الخفين أو الجميع؟ لأن الضمير يعود الأصل إلى الجميع، لكن إذا لم يمكن عوده إلى الجميع فيعود إلى ما يمكن أن يعود إليه، ويخرج بالأدلة والقرائن ما لا يمكن عوده إليه "فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد ومسح على خفيه، ثم قال: ((عمداً فعلته)) " يعني ليس بسهو أو غفلة، لا، إنما فعله عمداً ليبين الجواز، لبيان الجواز؛ لأنه لو استمر على الصلوات كل صلاة بوضوء مستقل واستمراره من عدم إخلال على ذلك يدل على الوجوب مع الأدلة الأخرى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] ونحوها. والضمير في فعلته راجع للمذكور، وهو جمع الصلوات الخمس بوضوء واحد، وبعضهم يقول: والمسح على الخفين أيضاً، والوجه أن يكون راجعاً إلى الصلوات فقط، إلى الصلوات فقط، وأما المسح على الخفين فكان قبل ذلك.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ولا إشكال في صحته؛ لأن إسناده متصل، ورجاله ثقات، ومخرج في صحيح مسلم، يعني لا كلام في الحديث، أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه، قال: "وروى هذا الحديث علي بن قادم" الخزاعي الكوفي، صدوق "عن سفيان الثوري وزاد فيه: توضأ مرة مرة" توضأ مرة مرة،، علي بن قادم صدوق تقبل زيادته، تقبل زيادته عند من يقبل الزيادات مطلقاً، وأما من ينظر إلى الإثبات والنفي بالقرائن فإنه يقول: السند الذي كالشمس ما ذكر فيه مرة مرة، والذي دونه ذكر فيه مرة مرة، ولو كانت هذه محفوظة لذكرها الأئمة: عبد الرحمن بن مهدي وسفيان، ومن سواهم من رجال الإسناد، فقد تعل هذه الرواية بأنها لم تذكر في رواية الثقات، ومن يقبل الزيادات مطلقاً يلزمه قبول هذه الزيادة.

"قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث" وعلى كل حال هذه الزيادة لها ما يشهد لها من أدلة أخرى، المقصود أنه توضأ وضوءاً مجملاً بينته هذه الزيادة، ولو لم توجد هذه الزيادة فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ مرة مرة "قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضاً عن محارب بن دثار" محارب بن دثار السدوسي الكوفي القاضي، ثقة إمام زاهد "قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضاً عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ لكل صلاة" هذه الرواية هذا الطريق مرسل بلا شك؛ لأن سليمان بن بريدة لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما يروي هذا الخبر عن أبيه "ورواه وكيع عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه" نعم يروى عن محارب من طريقين، عن سفيان عن محارب من طريقين، الأول يرويه سفيان الثوري عن محارب عن سليمان بن بريدة مرسلاً "ورواه وكيع عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه، قال: ورواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، وهذا أصح من حديث وكيع" يعني حديث وكيع المتصل، حديث وكيع المتصل، الذي أشار إليه بقوله: "ورواه وكيع عن سفيان عمن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه، رواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً" فرجح رواية عبد الرحمن بن مهدي لموافقة غيره له على رواية وكيع لتفرده بها وإن كان إماماً، وإن كان إماماً، ومعلوماً أن الوصل والإرسال إنما هو في رواية محارب، أما رواية علقمة بن مرثد الذي تقدمت فإنه موصول على كل حال.

قال: "رواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، وهذا أصح من حديث وكيع" فالمرسل عند الترمذي هنا أصح؛ لأن رواته أكثر، والاختلاف إنما هو في رواية محارب فقط، أما الرواية الأولى فهي سالمة من هذا الاختلاف، وإذا اختلف في الوصل والإرسال بالنسبة للخبر، في الوصل والإرسال، يرويه بعضهم مرسلاً ويرويه بعضهم موصولاً، فالخلاف بين أهل العلم في الترجيح بين هذه الروايات المختلفة معروف، وفيها أقوال، منهم من يقول: الحكم لمن وصل؛ لأن الوصل زيادة ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، ووكيع إمام، هذا الوصل زيادة من إمام الذي هو وكيع فلا مناص ولا مفر من قبولها، وأطلق الاتفاق على ذلك، "بعضهم حكى بذا إجماعاً" كما قال الحافظ العراقي، ومنهم من يقول: الحكم لمن أرسل؛ لأن الإرسال هو المتيقن، وذكر بريدة في الخبر مشكوك فيه، مرة يذكر ومرة ما يذكر، فهو مشكوك فيه فالحكم لمن أرسل. ومنهم من يقول: الحكم للأحفظ، ولا شك أن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد كما قال الإمام الشافعي، ومنهم من قال: الحكم للأكثر، وهذان القولان يؤيدان قول الترمذي كالقول الذي قبله، يعني ثلاثة أقوال تتظافر في ترجيح كلام الترمذي، الحكم لمن أرسل هذا يؤيد كلام الترمذي، الحكم للأكثر هذا أيضاً يؤيد كلام الترمذي، الحكم للأحفظ ولا شك أن الأكثر أحفظ، فالجماعة أولى بالحفظ من الواحد كما قال الإمام الشافعي، فالمرسل أصح؛ لأن الرواة أكثر، والكلام كله في رواية محارب بن دثار، أما الرواية الأولى فلا كلام فيها، مخرجة في صحيح مسلم ومتصلة ما فيها إشكال.

باب: ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد:

والعمل على هذا عند أهل العلم أن يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث، ما لم يحدث، واستقر الإجماع على ذلك على ما تقدم ذكره، وكان بعضهم يتوضأ لكل صلاة استحباباً، لا على سبيل الوجوب وإرادة الفضل، واستمر ابن عمر على ذلك، استمر ابن عمر على ذلك، الذي هو التجديد، استمر على التجديد وأنه لا يصلي الصلاة إلا بوضوء جديد؛ لأنه يحمل نفسه دائماً على العزيمة، ويروى عن الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)) وهذا إسناد ضعيف، وتقدم الكلام فيه لضعف الأفريقي وأبي غطيف، تقدم الكلام فيه، وأورده المصنف -رحمه الله- في الباب السابق، وحديث أبي غطيف أخرجه أبو داود وابن ماجه وضعفه الألباني أيضاً. وفي الباب عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر بوضوء واحد، أخرجه ابن ماجه، وهو موافق لما تقدم ذكره من حديث أنس، إلا أنه مفسر للصلوات، الصلوات صلى الصلوات يحتمل أنها الخمس، لكنه هنا قال: صلى الظهر والعصر بوضوء واحد، فهذا مفسر لما أجمل سابقاً، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد: حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال: حدثتني ميمونة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد من الجنابة". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول عامة الفقهاء: أن لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد، وفي الباب عن علي وعائشة وأنس وأم هانئ وأم صبية الجهنية وأم سلمة وابن عمر، قال أبو عيسى: وأبو الشعثاء اسمه: جابر بن زيد. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد" من إناء واحد الوضُوء هنا بالضم لا غير؛ لأن المراد به الفعل، فالرجل والمرأة يتوضئان من إناء واحد كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

قال -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر" وهو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني تقدم ذكره "قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار" المكي الجمحي مولاهم، ثقة ثبت من الرابعة، وكثرة مولاهم أنها مرت بنا أكثر مما يأتي من الرواة من العرب صلبية يعني من صلب العرب، مرت بنا كثيراً مولاهم، وأئمة الحفاظ، وعلى رأسهم الإمام البخاري -رحمه الله-، كلهم من الموالي، والقصة التي حصلت بين يدي الرشيد من يسود أهل مكة؟ قال: عطاء، من يسود أهل كذا؟ من يسود أهل كذا؟ إلى أن عدد البلدان كلها إلا واحد، ثم يقول له هارون الرشيد: أمن العرب أم من الموالي؟ يقول: من الموالي، من الموالي، من الموالي إلى أن جاء إلى آخر واحد قال: من العرب، فهذا يدل على أن الإنسان إنما يشرف بهذا العلم، يشرف بهذا العلم، ويرفعه الله به الدرجات، وإن لم يكن له أصل ولا نسب، فعلى الإنسان أن يهتم به ويعنى به ليرتفع، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، والتنابز بالأنساب والتفاخر بها من قبل بعض الناس لا شك أنه حي إلى الآن، وأنه لا يترك في هذه الأمة، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه من صنيع الجاهلية، ومر بنا في الدرس الواحد يمكن مرتين أو ثلاث أو أكثر من ذلك ولا يقول: مولاهم، وهنا عمرو بن دينار من الأئمة الثقات الأثبات جمحي مولاهم "عن أبي الشعثاء" واسمه كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى- جابر بن زيد في آخر الباب، الأزدي ثم الخزاعي، البصري مشهور بكنيته فقيه من الثالثة كذا في التقريب "عن ابن عباس" الإسناد يلاحظ أنهم كلهم ثقات "قال: حدثتني خالتي ميمونة بن الحارث قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد من الجنابة"، "كنت أغتسل أنا" أنا هذا ضمير فصل مؤكد لضمير الرفع المتصل، ويجوز ذكره في هذه الصورة وحذفه؛ لأن الفصل بين ضمير الرفع المتصل وما عطف عليه قد حصل بقوله: كنت أغتسل، لو قالت: ورسول الله صح، لو قالت: كنت أغتسل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- صح العطف، ولا يلزم الإتيان بضمير الفصل، أما ضمير الفصل فلا بد من الإتيان به إذا لم يوجد فاصل، إذا لم يوجد فاصل، لو قالت: كنت ورسول الله -صلى

الله عليه وسلم- نغتسل قلنا: لا يصح، لا بد من الإتيان بضمير الفصل. وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما. . . . . . . . . يعني مثل ما عندنا. . . . . . . . . . وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد فضمير الفصل هنا لا شك أن فيه تأكيد وتقوية، لكنه ليس بلازم لحصول الفصل بقولها: "أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد من الجنابة"، يقولون: الواو هذه الأرجح أن تكون عاطفة، ويجوز أن تكون للمعية، والمعنى ظاهر يعني تغتسل مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكونها عاطفة هو الأصل، وهو الأرجح من حيث العربية، لكن كونها للمعية أنسب للسياق، لماذا؟ كونها تغتسل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يؤثر تقديمها على ذكره -عليه الصلاة والسلام-، لكن كونها تغتسل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمعية تشعر بالتبعية فيرجح من حيث المعنى، أما من حيث العربية فالعطف أقوى هنا، النصب يختار لدى ضعف النسق، والنسق قوي هنا، اللي هو عطف النسق قوي، لكن المعنى يقتضي ترجيح المعية؛ لأن المعية تقتضي التبعية، يعني حينما تقول: فلان معي يعني يتبعك، لكن لما تقول: أنا مع فلان، فأنت تابع له، وحينما نقول: أنها تغتسل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني تابعة له. يقول ابن الجوزي: يستدل على ذكاء الصبي من الصغر، فإذا قال: من يلعب معي؟ دل على أنه ذكي، وإذا قال: من ألعب معه، دل على أنه دون؛ لأنه تابع من الآن تابع، أما ذاك من الصغر وهو رأس. "أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد من الجنابة"، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري، يعني غسل واجب، لا تعني أنه غسل مستحب يتوسع فيها ما لا يتوسع في الواجب، وإنما هو غسل واجب من الجنابة، والحديث مخرج في الصحيحين.

وهو قول عامة الفقهاء أن لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد، قال النووي: بالإجماع، يعني يجوز أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد بالإجماع، وحكى الإجماع أيضاً قبله الطحاوي ثم القرطبي، يغتسلان من إناء واحد، وهذا الإجماع الذي حكاه الطحاوي ثم القرطبي ثم النووي قال الحافظ: فيه نظر، قال الحافظ ابن حجر: فيه نظر، لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عن ذلك، أنه كان ينهى عن ذلك أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد، وكذلك حكاه ابن عبد البر عن قوم، والحديث حجة عليهم، والحديث حجة على هؤلاء على أبي هريرة وعلى هؤلاء القوم الذين ذكر ابن عبد البر ما مالوا إليه. العيني تعقب ابن حجر، ابن حجر يقول: وفيه نظر، يعني الإجماع الذي ذكره الثلاثة فيه نظر؛ لأن أبا هريرة كان ينهى، وابن عبد البر نقل عن هؤلاء القوم أنهم ينهون ولا يرونه. العيني تعقب ابن حجر في تنظيره للإجماع الذي ذكره الثلاثة قال: في نظره نظر، في نظره نظر، لماذا؟ قال: لأنهم قالوا: بالاتفاق، ما قالوا: بالإجماع؛ لأنهم قالوا: بالاتفاق ولم يقولوا: بالإجماع، ولا شك أن بين اللفظين اختلاف من حيث القوة فنقل الإجماع وحكاية الإجماع أقوى من قولهم اتفقوا؛ لأن الاتفاق قد يذكر في اتفاق الأئمة الأربعة مثلاً كما هو صنيع الوزير بن هبيرة في الإفصاح ينقل الاتفاق ويريد به اتفاق الأئمة الأربعة، وقد يكون اصطلاح لغيره، لكن في القوة الإجماع أقوى من نقل الاتفاق؛ لأن الإجماع قول الكل، قول الكل بحيث لا يشذ عنهم أحد، والاتفاق قد يذكر اتفاق طائفة من الطوائف يشملهم وصف واحد، اتفق أهل الحديث، اتفق أهل الفقه، وإن خالفهم غيرهم، اتفق الأئمة الأربعة وإن خالفهم غيرهم.

المقصود أن العيني ينتقد كلام أو تنظير ابن حجر في كلام العلماء الثلاثة الذين نقلوا الإجماع؛ لأنهم قالوا: بالاتفاق دون الإجماع، فهذا القائل لم يعرف الفرق بين الاتفاق والإجماع، انتهى كلام العيني، لكن النووي نص بالحرف قال: بالإجماع، فتنظير ابن حجر صحيح، تنظير ابن حجر صحيح، لكن يبقى أن النووي قد يتساهل في نقل الإجماع، ولعله نظر إلى اتفاق الأئمة وإجماع الأئمة على الحكم بعد أبي هريرة، وبعد هؤلاء الأقوام الذين نقل عنهم ابن عبد البر. "قال: وفي الباب عن علي" وهو عند أحمد في المسند، "وعائشة" عند البخاري، "وأنس" كذلك عند البخاري، "وأم هانئ" عند النسائي، "وأم صبية الجهنية" عند أبي داود، "وأم سلمة" عند ابن ماجه، "وابن عمر" عند النسائي وابن ماجه. "قال أبو عيسى: وأبو الشعثاء اسمه جابر بن زيد" وذكرنا نقلاً عن التقريب أنه أزدي ثم خزاعي البصري، مشهور بكنيته، فقيه من الثالثة، فالحديث السابق يدل دلالة واضحة صريحة على أنه لا مانع من أن يغتسل الرجل مع زوجته من إناء واحد. وجاء في الخبر ويثار الآن مثله ولعلنا ذكرناه فيما سبق أن الرجال والنساء كانوا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضئون جميعاً، يتوضئون جميعاً، فيثار مثل هذا لتعزيز الاختلاط، يعني مع أن الوضوء يلزم عليه تكشف، والقائل من أجهل الناس بأساليب العربية، لماذا؟ الرجال والنساء مقابلة جمع بجمع، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، ومعنى ذلك أن الرجال والنساء كل رجل مع زوجته يتوضئون جميعاً، إذا قلنا: إن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد أن كل فرد مع فرد، يعني كل رجل مع زوجته، يعني لو قلنا: ركب القوم دوابهم إيش معنى هذا الكلام؟ يعني كل واحد من هؤلاء القوم ركب دابته، هل يختلف في مثل هذا؟ هذا مقتضى العربية، وبعض الناس يتشبث يتمسك بأدنى شبهة، والهوى يحمل صاحبه على مثل هذا، والله المستعان، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (15)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (15) شرح: باب: ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة، وباب: ما جاء في الرخصة في ذلك، وباب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، وباب: منه آخر. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: هو متزوج من امرأتين، يقول: ما حكم الدين ... ؟ ما ينبغي أن يقال: ما حكم الدين، يسأل عن الحكم، ومعروف أن الإجابة هي على ضوء ما يفهمه المجيب من أدلة الشرع الذي هو الدين، وهي خاضعة للاجتهاد، قد تكون صواب، وقد تكون خطأ، فيقال: ما الحكم في لبس المرأة في البيت هل تكون تلبس الزي الكامل أم تكون متبرجة؟ ما الجواب أن تلبس بالكامل ولكن وضعي البيت ضيق عندي غرفتان فقط؟ سؤال ركيك، وفيه سقط بعض الكلمات التي لا بد منها، لكن الذي فهمت أنه متزوج من امرأتين، متزوج من نساء اثنتين، وأنا حاب أسأل سؤال، يعني سؤاله بالعامية، لكن ما يمنع أن يكون فهمنا له أنه متزوج من امرأتين، وبيته ضيق، وفيه غرفتان فقط، والسائل من فلسطين، فيه غرفتان فقط يعني لكل واحدة غرفة، في مثل هذه الحالة إذا كان البيت فيه غير الزوج، أما إذا كان البيت خالي ما فيه إلا الزوج والزوجة فلا مانع أن يكون اللباس على ما يريدان، على أن الله -جل وعلا- أحق أن يستحيا منه من الناس عند الخلوة، لكن ما في أحد يمنع أن تخرج الزوجة لزوجها أي شيء يريده، فإذا جاز له الجماع جاز له النظر لأي شيء من جسمها، أما عند ضرتها وعند أولادها أو عند الخادمة فضلاً عن الأجانب فهذه لا تبدي لهم إلا ما تبديه لمحارمها، إلا ما تبديه لمحارمها، فعورة المرأة عند المرأة كعورتها عند المحارم، فإذا كانت تخرج من هذه الغرفة إلى مكان يجمعها مع ضرتها فلا بد أن تستر عنها ما تستره عن أبيها وأخيها وعمها وخالها، وإذا كان كشف شيء من بدنها مما يخرج للأجانب مما يغيض الضرة أيضاً ويوجد العداوة والبغضاء فلتستره أيضاً. يقول هذا أيضاً بلال من فلسطين: السلام عليكم ورحمة الله؟ وعليكم السلامة ورحمة الله وبركاته. يقول: أنا بلال من فلسطين الله يزورنا البيت الحرام ويزوركم البيت الأقصى؟ آمين.

يقول: أنا شاب مستقيم، ولكن أحب فتاة صغيرة جداً في السن عمرها ثلاثة عشرة، وأحبها حباً شديداً، حباً فطرياً لا أدري لماذا؟ أحبها وأتمنى الزواج بها علماً أنني أعاني من التفكير فيها دائماً، أرجو منكم توجيهي لما فيه الخير والسلامة؟ عمرها ثلاث عشرة هذه محتلمة أو تناهز الاحتلام، وتزويجها لا إشكال فيه، ليس فيه أدنى إشكال، وعائشة تزوجت دون هذا السن، بنى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمرها تسع سنين، فأنت تقدم لخطبتها، فإن رضيت ورضي ولي أمرها فما المانع أن تتزوجها؟ وإن رفضت أو رفض وليها فعليك أن تنصرف عنها، وتصرف تفكيرك عنها. هذا يقول: الراوي عبد خير، يعني التعبيد لغير الله -جل وعلا-؟ التعبيد لغير الله -جل وعلا- أجمع أهل العلم على تحريمه، كل اسم معبد لغير الله يجب تغييره، يجب تغييره، وغير النبي -عليه الصلاة والسلام- كثير من الأسماء، إلا أن ابن حزم يستثني عبد المطلب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتسب إليه ولم يغيره، أما عدم تغييره فلأن تغييره لا فائدة منه؛ لأنه قد مات، والتغيير إنما يكون للحي الذي ينادى به، أما هذا فقد مات فلا فائدة من تغييره، وما عدا ذلك من الموجودين فلا بد من تغييره. من الرواة من الصحابة من اسمه: عبد المطلب كما جاء في روايته في حديثه عند أبي داود وغيره، واستدل به من يجز التسمية بعبد المطلب، ابن حزم يستدل بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتسب إليه، وقال: ((أنا ابن عبد المطلب)) وعرفنا أن التغيير لا يكون إلا للحي، وإلا فكثير من أسماء الجاهلية تعبيد لغير الله -جل وعلا-، فيه عبد مناف، وعبد الكعبة، وعبد العزى، وعبد كذا، هذا لا فائدة من تغييره إلا إذا أسلم في وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا يغيره وقد حصل، عبد المطلب هذا الصحابي الذي له حديث في السنن قد يقول قائل: لماذا لم يغيره النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ واستدل به من أهل العلم غير ابن حزم على جواز التسمية بعبد المطلب.

أولاً: اسمه مختلف فيه، هل هو عبد المطلب أو المطلب؟ والمرجح أنه المطلب، هذا إذا كانت العبودية تعني الخضوع، أما إذا كانت عبودية رق، مثل: عبد خير هذا فلا مانع من أن ينسب الإنسان لسيده، فهو عبد لفلان، عبد لفلان لا معنى العبودية التي هي التذلل والخضوع إنما هي الملك والرق، فهذا ما يظهر فيه -إن شاء الله- شيء. الزيادة في الذكر بعد الوضوء: سبحانك الله وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت .. إلى آخره هل هي ثابتة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أم عن الصحابة؟ تقدم في كلام ابن القيم -رحمه الله- أنه لم يثبت بالنسبة للوضوء إلا التسمية في أوله، يعني على خلاف فيها تقدم، وقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. إلى آخره في آخره، ونص جمع من أهل العلم أن الدعاء بمثل هذا أو الذكر بمثل هذا غير ثابت. يقول: ماذا عن قناة المجد وإدخالها في البيت لمن لا يعرف التلفاز من قبل؟ نقول: السلامة لا يعدلها شيء، وعليها ملاحظات كثيرة، عليها ملاحظات وفيها نفع، فيها نفع، انتفع منها الناس، لكن عليها ملاحظات، فالذي ليس عنده شيء من المرئيات فالسلامة لا يعدلها شيء، ومن كان مبتلاً بهذه الآلات فهي خير الموجود. رجل يريد السفر ولم يرتحل فصلى الظهر ثم صلى العصر جمع تقديم من غير قصر؟ أولاً: الجمع لا يجوز في الحضر، الجمع معلق بوصف، الجمع والقصر والفطر والمسح كلها معلقة بوصف، وهو السفر، وما دام في بلده لم يرتحل فهذا لم يتحقق فيه الوصف فلا يجوز له الجمع. يقول: هل صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أحب الأسماء إليه هو الرحمن؟ الذي صح عنه أن أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأما المفاضلة بين الأسماء الحسنى فلفظ الجلالة الذي هو الله هو الاسم الأعظم عند جمع غفير من أهل العلم، فهو أعظم هذه الأسماء. يقول: العمرة إلى العمرة مكفرات، والحج والصلاة والوضوء والخطى إلى المساجد هل يلزم استحضار النية في جميع هذه الأمور حيث أن الغالب منا لا يستشعر هذا الشيء؟

استحضار النية عندما يسمع الخبر، ثم يستصحب هذه النية، ولو عزبت عن ذهنه ما تؤثر، ما تؤثر؛ لأن هذه الأمور مرتبة على هذه الأفعال، مرتبة على هذه الأفعال، لكن استصحاب الحكم مطلوب، لا استصحاب الذكر، مثل ما قالوا في نية الوضوء، نية الوضوء يجب استصحاب حكمها ولا يجب استصحاب ذكرها، بحيث لو عزبت عن البال ما ضر، لكن استصحاب الحكم لا بد منه، بمعنى أنه ذهب إلى مكة يريد تجارة فقط، أو ذهب يريد العمرة ثم عرض له نية أخرى يقطع بها هذه النية، أو ذهب إلى المسجد متوضئاً فالخطى تكتب له إذا خرج لا ينهزه إلا الصلاة الخطى تكتب له ولو لم يستحضر إذا كان ذاهب إلى الصلاة، لا ينهزه إلا هي، لكن إن عرض له ما يعرض قال: لو أمر المحل الفلاني قبل أو شيء من هذا انقطعت. يقول: هل من كتاب في الأدب يستفيد منه طالب العلم جيد؟ نعم في كتب كثيرة، أما بالنسبة للأدب الشرعي أدب النفس فقد ألف فيه العلماء مؤلفات كثيرة مثل الآداب الشرعية لابن مفلح، ومنظومة الآداب لابن عبد القوي، والأدب المفرد للإمام البخاري، والكتب في هذا كثيرة، غذاء الألباب للسفاريني، شرح منظومة الآداب، ومنظومة الشيخ حافظ الحكمي الميمية في الوصايا والآداب العلمية، إلى غير ذلك من الكتب من المنثور والمنظوم.

أما ما يسمى بأدب الدرس فيقصد به ما يسمى بفن الأدب، الفن المستقل عن العلوم الشرعية، الذي يجمع الأخبار والطرائف والأشعار هذا ألفت فيه كتب كثيرة كبيرة وصغيرة منها عشرات المجلدات، وفيه الغث والسمين، فيه ما يمكن أن يستفاد منه، وفيه ما يشتمل على إباحية وشيء من المجون، فمثل هذا يقرأ بحذر، وزهر الآداب للحصري طيب في هذا الباب، وأنقى هذه الكتب في الجملة، وعتب عليه أنه أغفل جانب مهم وحيوي على ما يقولون من جوانب الأدب وهو المجون، فعتب عليه في هذا، الأدباء تكلموا فيه؛ لأنهم اعتادوا من يقرأ في مثل الأغاني أو كتب الجاحظ هذه فيها مجون شديد، يعني كتاب: العقد الفريد أفضل من الأغاني لكنه لا يسلم، كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة أيضاً كتاب طيب، فيه فوائد وأخبار وأشعار وطرائف تجم الذهن، على أن كتب الأدب على ما فيها لا يقال: إنها خالية بالكلية من الفائدة، على ما فيها من مجون، لكن طالب العلم يشح بوقته أن ينفقه في مثل هذه الكتب، وفيها فوائد، وفيها عبرة، وفيها استجمام للذهن بعد أن يكون الإنسان قد أمضى وقتاً طويلاً في مدارسة العلم، وهو على خلاف ما تهواه النفس، وتشتهيه ينظر في مثل هذه الكتب، وذكرنا مثال يبين أن هذه الكتب وإن كان جلها الغث، لكن فيها ما يستفاد منه، بل فيها ما ينفع في دقائق العلم، فيها ما ينفع من دقائق العلم، وقول الإمام أبي حاتم الرازي في جبارة بن المغلس: "بين يدي عدل" هذه كان الحافظ العراقي يظنها لفظ تعديل، وكانوا يقرؤونها: "بين يديَّ عدل" يعني جبارة بن المغلس، ابن حجر لما رأى أقوال أهل العلم في جبارة وأنهم كلهم أو جلهم على التضعيف، وأبو حاتم من أشدهم كيف يقول: بين يديَّ عدل؟ أوجس منها ريبة وشك، لا بد أن ينظر في أصلها إيش معناها؟ يقول: فوقفت على قصة في كتاب الأغاني لطاهر، القائد طاهر مع ولد للرشيد هارون، كان يأكل في مائدة طاهر القائد هذا مع مجموعة من الناس منهم ولد للرشيد صغير فأخذ طاهر أعور فأخذ هندبات إما قرع وإلا كوسة وإلا باذنجان، أخذها هندبات فرماها في عين طاهر التي تبصر، فشكاه إلى أبيه، اشتكاه إلى أبيه وقال: هكذا فعل بالسليمة والأخرى بين يدي عدل، الأخرى تالفة ما تبصر عمياء،

والأخرى بين يدي عدل، الآن ابن حجر مسك طرف الخيط، فصار يبحث عن أصل هذه الجملة، يقول: فوقف في أدب الكاتب لابن قتيبة أن العدل ابن جزئ بن سعد العشيرة كان على شرطة تبع، وتبع إذا أراد قتل أحد سلمه للعدل هذا، اسمه: العدل، فقال الناس: بين يدي عدل، يعني هالك بيقتل هذا، فصارت الجملة بين أن كانت في فهم بعضهم من ألفاظ التعديل صارت من أسوأ ألفاظ التجريح، من أسوأ ألفاظ التجريح، فهذه الكتب لا شك أنه يستفاد منها، ولو لم فيها إلا راحة الذهن واستجمامه، وأهم منها كتب التواريخ التي فيها الاعتبار، وفيها الاتعاظ، وفيها الادكار، وفيها الاستجمام أيضاً، لكن التواريخ من العلماء الموثوقين؛ لأن التواريخ يخلط فيها الصحيح الصدق والكذب، ولذا يقول القحطاني: لا تقبلن من التوارخ كلما ... جمع الرواة وخط كل بنانِ إذا وجد تاريخ الإمام كالطبري أو ابن كثير أو غيرهما ابن الأثير مثلاً هذه تواريخ موثوقة لعلماء أئمة، والعبر للذهبي، المقصود أن التواريخ كثيرة وفيها العبرة، وفيها أيضاً كما يقولون: ما أشبه الليلة بالبارحة، يعني لو أن الإنسان قرأ في كتب التواريخ ونزل بعض الدول المنقرضة في أواخر أيامها وطبقها على بعض الواقع الذي نعيشه وجد أن التاريخ يعيد نفسه، فمن قرأ في الجزء السادس من نفح الطيب وطبق ما ذكر في ذلك الجزء الذي عقبه مباشرة سقوط الأندلس، لا شك أنه يضع يده على قلبه؛ لأننا وقعنا في أمور كثيرة من الترف والإعراض عن الدين يمكن أعظم مما وقعوا فيه، والإنسان إذا تكلم عن الأمة ما يتكلم عنها في بلد واحد، يعني قد يوجد بلد أمثل من بلد، وبلد فيه خير، وفيه علم، وفيه هدى وصلاح وتقى، لكن عموم الأمة والله المستعان. يقول: ما حكم تقديم الصدقة بين يدي الدعاء؟ أهل العلم يحثون على الصدقة قبل الاستسقاء، ولا شك أن هذا مما يعين على قبول الدعوة -إن شاء الله تعالى-. هل يحرم يقول: بلع المخاط لأجل الاستقذار؟ يقول أهل العلم في المفطرات: ويحرم بلع النخامة، ويفطر بها فقط إن وصلت إلى فمه. (لا تكذب ولو كنت مازحاً) هل هذا موجود في السنة؟ الذي في السنة: ((تكفل الله ببيت في ربض الجنة لمن ترك الكذب ولو كان مازحاً)).

يقول: إذا طهرت المرأة في وقت صلاة فهل تجب عليها ما يجمع معها؟ مذهب جمع من أهل العلم يقول عثمان -رضي الله تعالى عنه-: إنها تصلى وما يجمع معها من باب الاحتياط؛ لأن وقت الصلاتين واحد في جمع التأخير في مثل هذه الصورة، والله -جل وعلا- لم يوجب في الوقت إلا صلاة واحدة هذا الأصل، يعني إذا صلت فهو أحوط، وإن لم تصليها فالأصل أنه لا يجب عليها إلا فرض الوقت. وإذا شكت في الطهر ولم تتحقق إلا بعد منتصف الليل فهل تجب عليها الصلاة؟ إذا انتهى وقت الصلاة فلا تجب عليها. بعض من يتكلم في المقابر يختم كلمته غالباً بالدعاء فهل يشرع مثل هذا أو يمنع سداً للذريعة؟ إذا وجد من يظن أن هذا من مواطن إجابة الدعاء، الدعاء عند القبور من مواطن الإجابة فيمنع سداً للذريعة، كما يمنع تكميل الورد اليومي، الذكر، ذكر الصباح والمساء إذا دخل المقبرة، وباقي عليه من أذكاره وأوراده شيء إذا دخل المقبرة يمسك سداً للذريعة؛ لأن هذه ليست محل للعبادة. يقول: إذا كنت أريد بيع بعض الأشياء الخاصة بالمسجد كالمكيفات مثلاً هل يجوز بيعها أو عرضها أو سومها والمفاوضة عليها داخل المسجد؟ لا شك أن البيع والشراء داخل المسجد محرم، والمقصود به عقد البيع، أما ما قبل العقد من مفاوضة وشبهها هذا لا يدخل عند أهل العلم في مثل هذا، مع أن المساجد ما بنيت لهذا، والتقاضي طلب الوفاء وطلب السداد في المسجد ما في إشكال، تقاضى ابن أبي حدرد مع شخص معه في المسجد عند النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أنه لا يبرم العقد في المسجد. يقول: ما رأيكم فيما انتشر عند بعض طلبة العلم من فتوى لبعض المشايخ أن الأشاعرة من أهل السنة؟

السفاريني في شرح منظومته لوامع الأنوار قرر أن أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية: وإمامهم الإمام أحمد بن حنبل، والأشعرية: وإمامهم أبو الحسن، والماتريدية: وإمامهم أبو منصور، هذا ما قرره السفاريني لكن رد عليه أهل العلم بردود كثيرة، إذ كيف يعتبر من أهل السنة من لا يحتج بالسنة؟ بل من ينكر الاحتجاج بالسنة في بعض المسائل، من ينكر الصفات الواردة في صحيح السنة، هل يعد هذا من أهل السنة؟ لا يعد من أهل السنة إلا من عمل بالسنة، وعني بالسنة، واقتفى أثر النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا من أهل السنة، أما من ألغى السنة في بعض أبواب الدين فهذا ليس من أهل السنة، وإن كان من أهل السنة في أبواب، في أبواب مثلاً الأشعري في باب الصحابة من أهل السنة، يعني في مقابل الرافضة، الأشعري في باب القدر من أهل السنة في مقابل المعتزلة، الأشعري من أهل السنة في باب الأحكام مثلاً في مقابل المرجئة والخوراج، هم من أهل السنة في كثير من أبواب الدين لكن القول بالإطلاق أنهم من أهل السنة لا سيما فيما يتعلق بالصفات هذا حقيقة ليسوا من أهل السنة في هذا الباب لمخالفتهم لمذهب أهل السنة. يقول: ما أفضل شروح بلوغ المرام في المتقدمين والمتأخرين؟ بلوغ المرام عني بل حظي من قبل أهل العلم قديماً وحديثاً بالعناية وحفظوه وحفّظوه وقرؤوه وأقرأوه وشرحوه، وما زال، مازالت الحظوة له عند العلماء وطلاب العلم حتى إلى يومنا هذا، فمن أفضل شروحه سبل السلام للصنعاني، فإذا ضم إليه من الشروح المتأخرة توضيح الأحكام للشيخ عبد الله البسام مع ما سجل عليه من شروح وأشرطة يستفيد طالب العلم -إن شاء الله تعالى-. إذا كان فيه مسجدان مسجد يصلي فيه خمسمائة مصلي، ومسجد فيه مائة، هل توجد أفضلية لأحدهما؟ نعم الذي يصلي فيه الأكثر أفضل وصلاة الرجل مع الواحد أفضل من صلاته وحده، ومع الاثنين أفضل، وهكذا. يقول: كيف نحدد أن أحد الرواة في طبقة كذا؟ لا شك أن الراوي لا بد أن يكون له موقع في السند، وله شيخ، وله آخذ، طالب، تلميذ، فنعرف الطبقات من خلال موقعه في السند، ومن خلال ترجمته ومولده ووفاته وشيوخه وتلاميذه تحدد الطبقة بهذا.

يقول: نرجو توضيح مؤلفات ابن الجوزي؟ وكيف التعامل معها وقد سمعت من بعض أهل العلم تقسيمها إلى أقسام؟ أما تفسيره المعروف بزاد المسير وهو تفسير طيب نفيس جداً، يعني فيه خلاصة أقوال السلف، يذكر في الكلمة عدة معاني يضيفها إلى من قالها من سلف هذه الأمة، فيذكر في الكلمة اللفظة الواحدة أربعة أقوال خمسة أقوال إلى ستة أقوال أو سبعة وينسبها إلى من قال بها، فالتفسير جيد، يستفاد منه ومختصر نافع، وأما بالنسبة لكتابه (الباز الأشهب) فهذا كتاب سيء للغاية، رمى فيه مذهب أهل السنة والجماعة بالتشبيه، فهذا الكتاب من أسوأ كتبه، وفي الجملة الرجل فيه شوب بدعة، حتى قيل فيه: إن فيه تجهم، نعم هو يتأول في بعض الصفات، وعلى هذا يقرئ في كتبه بحذر، وكتبه الوعظية نافعة في الجملة إلا أنه يتقى ما فيها من أحاديث موضوعة، فقد أودعها بعض الموضوعات، وفي هذه الأحاديث ما نص على وضعه هو في كتابه الموضوعات، فيقرئ في مثل (صيد الخاطر) ومثل بعض كتبه الوعظية يستفاد منها، والموضوعات أيضاً له كتاب قيم إلا أنه بالغ فيه وغالى وأدخل فيه بعض الأحاديث الثابتة. يقول: إذا فاتت الشخص صلاة الجماعة في المسجد وصلى مع زوجته في البيت هل بتلك الصلاة يدرك فضل الجماعة؟ الصلاة لا بد أن تؤدى حيث ينادى بها، فإذا شغل الإنسان من غير قصد ولم يكن ذلك ديدنه، وقصد الجماعة فوجدهم قد صلوا هذا جاء في الحديث أن له مثل أجورهم، لكن لا يكون هذه عادة أو يتراخى أو يتساهل، بل عليه أن يهتم لصلاته، فإذا صلاها مع زوجته فهي أفضل من أن يصليها وحده. يقول: ما رأيك بكتاب العزلة والخلطة للشيخ سلمان العودة وشرح البلوغ له؟

باب: ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة:

أما بالنسبة للعزلة فلا أرى كتاباً يعدل كتاب الخطابي، كتاب العزلة لأبي سليمان الخطابي هذا لا يعدله كتاب، وأما كتاب الشيخ المشار إليه في السؤال فأنا ما قرأته، ولذلك لا أستطيع الحكم عليه، وشرح البلوغ له سمعت شيئاً يسيراً قديم أيضاً من أوائل بدايته سمعت شرح حديث أو حديثين، الشيخ ما في شك أنه يجود إذا بحث، وعنده شيء من النباهة فإذا قرأ في كتب أهل العلم يجيد التعامل معها، ويجيد إلقاءها وتبسيطها ففيه فائدة -إن شاء الله تعالى- وأما بقية الكتاب فلم أطلع عليه. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن سليمان التيمي عن أبي حاجب عن رجل من بني غفار قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة". قال: وفي الباب عن عبد الله بن سرجس قال أبو عيسى: وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة، وهو قول أحمد وإسحاق، كرها فضل طهورها ولم يريا بفضل سؤرها بأساً. حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو داود عن شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا حاجب يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة أو قال: بسؤرها. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وأبو حاجب اسمه: سوادة بن عاصم وقال محمد بن بشار في حديثه: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، ولم يشك فيه محمد بن بشار. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة"

والمراد به ما يبقى من سؤرها بعد وضوئها في الإناء، والسؤر البقية، والمراد به بقية ما تتوضأ به المرأة لا سؤر الشرب، ويطلق عليه سؤر، وسيأتي في رواية شعبة أنه نهى أن يتوضأ بفضل طهور المرأة أو قال: بسؤرها، والمراد بالسؤر الذي فيه الكلام في الباب فضل الوضوء، فضل الوضوء، الذي يبقى بعد الوضوء، وهو سؤر وهو البقية، السؤر البقية، سواءً كان من الوضوء أو من الشرب، لكن المراد به هنا الوضوء، وهل المراد به السؤر الباقي في الإناء مما لم تستعمله أو المراد به الماء المستعمل الذي يتقاطر من أعضائها؟ الذي يظهر أنه البقية، الذي يبقى في الإناء، وهو الذي يطلق عليه سؤر في اللغة، أما ما يتقاطر من أعضائها من الماء المستعمل فحمل بعضهم هذا الحديث عليه لكنه بعيد، يعني من يتوضأ بما يتقاطر من أعضاء المرأة، هل يمكن الوضوء بما يتقاطر منها؟ نعم إذا أسرفت في الماء، ومر الماء على أعضائها وتلقي في إناء يمكن أن يخرج منه ما يمكن أن يتوضأ به، لكن هذا على خلاف الاستعمال اللغوي والعرفي للكلام، والسياق يأباه وإن حمله بعضهم على هذا لكي تتحد الأحاديث في الباب. قال -رحمه الله-:

"حدثنا محمود بن غيلان" العدوي مولاهم، أبو أحمد المروزي، ثقة من العاشرة، توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين "قال: حدثنا وكيع" بن الجراح أبو آسيا، الإمام المشهور "عن سفيان" بن سعيد الثوري الإمام العلم "عن سليمان -بن طرخان- التيمي" ثقة من العباد "عن أبي حاجب" واسمه كما قال المؤلف سوادة بن عاصم، سوادة بن عاصم العنزي صدوق من الثالثة "عن رجل من بني غفار" هو مبهم، بين في الرواية اللاحقة، في رواية شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا حاجب يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري، وهذه من أعظم الفوائد التي يستفاد منها في جمع الطرق، فإذا جمعت الطرق استبان كثير من الأمور المشكلة سواءً كان ذلك في الإسناد أو في المتن، ومن ذلك تبيين المبهم على أن الإبهام هنا لا يضر، الإبهام لا يضر في هذه الطبقة التي هي طبقة الصحابة "عن رجل من بني غفار قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والمراد به كما سيأتي الحكم بن عمرو الغفاري وهو صحابي معروف "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا خلاف فيه، بخلاف ما لو كانت الصيغة نهينا، والجمهور على أنه مرفوع لو قال: نهينا؛ لأنه لا يمكن أن ينهى أو يأمر كما لو قال: أمرنا إلا من له الأمر والنهي وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هنا بصريح الإضافة "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" وهو مرفوع قطعاً، ودلالته على النهي كدلالة لا تفعلوا، كما لو قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: لا تتوضئوا بفضل طهور المرأة، مع أنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" وفي الرواية الثانية اللاحقة: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، حديث الباب فيه إجمال، فيه إجمال.

"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" وبعدين؟ نهى عن شربه؟ نهى عن الوضوء به؟ نهى عن الطبخ فيه؟ النهي عن إيش؟ لكن هذا الإجمال بين في الرواية اللاحقة: "نهى أن يتوضأ الرجل" يتوضأ الرجل، ومن المنهي في الرواية الأولى؟ "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" وهو أيضاً مجمل لم يفصل، فلا يدرى من المنهي الرجل أو المرأة؟ وهنا الرواية الأخرى: "نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" وهذا مثل ما قلنا: من فوائد جمع الطرق، الطرق قد يكون في بعضها إجمال، يبين ويفسر بالطرق الأخرى، وجاء في الحديث: ((يقطع صلاة أحدكم إذا مر بين يديه)) وذكر المرأة، هذا اللفظ: "أحدكم" يشمل الرجل والمرأة فهل المرأة تقطع صلاة المرأة إذا مرت بين يديها؟ الرواية الأخرى: ((يقطع صلاة الرجل)) فهل نقول: إن المرأة لا تقطع صلاة المرأة بناءً على الرواية المفسرة الموضحة؟ أو نقول: إن المرأة تقطع صلاة المرأة كما في الرواية المجملة؟ نعم؟ المفسرة لا تقطع، والمعنى يؤيد ذلك، وهو أن المرأة لا يتعلق قلبها في المرأة بخلاف الرجل إذا مرت بين يدي الرجل تعلق قلبه به، لكن ماذا عن عطف الحمار والكلب بالنظر إلى الإجمال والتفصيل؟ هل نقول: إن الثلاثة تقطع صلاة الرجل فقط، أو نقول: تقطع صلاة أحدكم بما في ذلك الرجل والمرأة؟ أو نقول: إن المرأة تقطع صلاة الرجل دون المرأة، والكلب والحمار يقطع صلاة الجميع؟ ويش الفرق بين أن يمر الحمار بين يدي رجل أو يد امرأة، قلنا: بالنسبة للمرأة المعنى واضح، الرجل يتعلق قلبه بالمرأة، لكن المرأة ما يتعلق قلبها، لكن الحمار في فرق بين الرجل والمرأة أو الكلب؟ في فرق وإلا ما في فرق؟ ما في فرق أبداً، الذي يظهر يبقى الحديث على الإجمال، وأن النساء تدخل في خطاب الرجال كما هو الأصل. "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" أي عن ما فضل من الماء بعد ما توضأت منه.

قال: "وفي الباب عن عبد الله بن سرجس" عند ابن ماجه، عبد الله بن سرجس صحابي سكن البصرة، بلفظ: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان جميعاً" وهذا الحديث مصحح، وإن قال ابن ماجه: والصحيح الأول، يعني حديث الحكم بن عمرو، لا حديث عبد الله بن سرجس، والثاني وهم يعني حديث عبد الله بن سرجس، كيف صار الأول محفوظ والثاني وهم؟ كيف صار الأول هو الصحيح والثاني وهم ضعيف؟ هل التضعيف للجملتين أو لجملة واحدة دون الأخرى؟ "نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة" هذا شاهد لحديث الباب، الجملة الأخرى: "والمرأة بفضل الرجل" هذه التي لا يوجد ما يشهد لها، فلعلها هي المقصودة بكلام ابن ماجه. "قال أبو عيسى: وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة، وهو قول أحمد وإسحاق، كرها فضل طهورها، ولم يريا بفضل سؤرها بأساً" ولم يريا بفضل سؤرها بأساً يعني: ما يبقى من الماء في الإناء بعد شربها هذا ما فيه بأس، هذا لا بأس به، ولم يقل أحد بكراهته.

يقول ابن قدامة في المغني: اختلفت الرواية عن أحمد، والمشهور عن أحمد: أنه لا يجوز إذا خلت به، وحينئذٍ يكون من النوع الطاهر غير المطهر عند الحنابلة ويذكرونه، إذا خلت به لطهارة كاملة عن حدث، إذا خلت به لا يجوز للرجل أن يتوضأ به، فيجوز للمرأة ويجوز للرجل أن يتوضأ به إذا لم تخل به، إذا وجد من ينظر إليها، أو كانت طهارتها غير كاملة، يعني كملت وضوءها، أو كانت طهارتها كاملة لكن على غير حدث، تجديد وضوء مثلاً ما يؤثر، هذا المشهور عند الحنابلة، قال: والثانية، يعني الرواية الثانية: يجوز، اختارها ابن عقيل وهو قول أكثر أهل العلم، وهل الكراهة المذكورة في كلام الترمذي -رحمه الله- كراهة تنزيه أو تحريم؟ منهم من يقول: إنها كراهة تحريم، وهو المشهور عند الحنابلة، وأنه لا يجوز للرجل أن يتوضأ به بالشروط المذكورة، أن تخلو به عن طهارة كاملة وأن تكون الطهارة عن حدث، وحينئذٍ لا يكون نجساً، ولكنه غير مطهر، فهو طاهر غير مطهر، يستعمل في غير الوضوء، يمكن أن يشرب منه، يمكن أن يطبخ فيه ما فيه إشكال؛ لأنه طاهر، لكن لا يتوضأ به، وهذا ظاهر صنيع المتأخرين من فقهاء الحنابلة أن المنع تحريم، وأن الوضوء لا يجزئ به. ومنهم من يقول: إن الكراهة كراهية تنزيه، وذلكم للجمع بين هذا والرخصة الآتية، فالجمع بين النصوص يقتضي أن يحمل النهي في حديث الباب على التنزيه لا على التحريم، والصارف للنهي من التحريم إلى التنزيه الحديث الذي يأتي في الباب اللاحق إن شاء الله تعالى. "وهو قول أحمد وإسحاق كرها فضل طهورها ولم يريا بفضل سؤرها بأساً". قال -رحمه الله-:

"حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان" محمد بن بشار بندار المعروف، شيخ الأئمة، ثقة من الأثبات، محمود بن غيلان الذي مر ذكره في الرواية السابقة "قالا: حدثنا أبو داود" هو الطيالسي، سليمان بن داود بن الجارود، إمام "عن شعبة" بن الحجاج "عن عاصم" بن سليمان الأحول، ثقة "قال: سمعت أبا حاجب" سوادة بن عاصم العنزي، الذي تقدم في الطريقة السابقة "يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري" صحابي نزل البصرة، "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" النهي هذا إما أن يكون للتحريم كما هو ظاهر صنيع متأخري الحنابلة، وأنه لا يجوز بحال أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة إذا خلت به لطهارة كاملة عن حدث، ويحتمل أن يكون أيضاً للتنزيه، تطلق الكراهة على هذا وهذا، فالكراهة تطلق على كراهة التحريم وكراهة التنزيه، والأصل فيها أنها للتحريم إلا إذا وجد صارف، والصارف ما سيأتي من الرخصة في الباب اللاحق -إن شاء الله تعالى-. "نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة أو قال: بسؤرها" بسؤرها يعني ما يبقى في الإناء، والسؤر لما يبقى في الإناء بعد الوضوء، ولما يبقى بعد الإناء في الشرب، بعد الشرب، ولذا نص الإمام الترمذي على أن أحمد وإسحاق الذين يكرهون سؤرها في الوضوء أنهم لم يريا بفضل سؤرها يعني في الشرب بأساً، و (أو) هنا للشك، والشك من شعبة، ولا شك أن يتوضأ بفضل طهور المرأة أو قال: بسؤرها إنما هو احتياط في باب الرواية، فشعبة لم يتثبت من اللفظة هل قال: بفضل أو قال: بسؤر، مع أنه لا يخالف في جواز الشرب فيما بقي بعدها من الإناء.

باب: ما جاء في الرخصة في ذلك:

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن" قال ابن حجر: أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، والنووي -رحمه الله تعالى- يقول: اتفق الحفاظ على تضعيفه، والبيهقي يقول عن الطريق السابقة الأولى: مرسل، وهذه عادته فيما إذا لم يذكر الاسم، إنما ذكر على الإبهام؛ لأن منهم من ينعت ما فيه راوٍ مبهم بالإرسال، لكن إذا عرفنا أن سلسلة الإسناد لم يسقط منها شيء ما سقط من سلسلة الإسناد شيء فكيف يكون إرسال؟ والإرسال سقط حتى على أوسع معانيه سقط من أي موضع من مواضع الإسناد، فغاية ما فيه أنه متصل، فيه راوٍ لم يسم، وسمي في طريق أخرى فانتفى ما يقوله البيهقي -رحمه الله تعالى-، وأما قول النووي أنه اتفق الحفاظ على تضعيفه فهذا الاتفاق فيه ما فيه؛ لأنه صححه ابن حبان، وحسنه الترمذي، ولا وجه لنقل مثل هذا الاتفاق. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقال أبو حاجب، قال: وأبو حاجب اسمه سوادة بن عاصم" سبق أنه حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه صدوق من الثالثة، وإذا كان ممن يستحق هذه المرتبة صدوق، فحديثه حسن، حديثه حسن لا يصل إلى الصحيح، وهو موجود في الطريقين، فمدار الخبر عليه، فالخبر يدور عليه، لذا الحكم عليه بالحسن هو المتجه. "وقال محمد بن بشار في حديثه: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة"، "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة،، ولم يشك فيه محمد بن بشار" يعني ما قال كما قال شعبة: أو بسؤرها، فجاء به على الجزم. وعلى كل حال جمهور العلماء على أن الوضوء بفضل طهور المرأة لا إشكال فيه، لما سيأتي في الباب اللاحق، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في الرخصة في ذلك: حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: "اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جفنة، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ منه فقالت: يا رسول الله إني كنت جنباً، فقال: ((إن الماء لا يجنب)) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي. يقول المؤلف -رحمه الله-:

"باب: ما جاء في الرخصة في ذلك" وهذه عادته -رحمه الله- حينما يذكر الحكم السابق يتبعه بالحكم اللاحق، يتبعه بالحكم اللاحق، ولذا ينبغي أن يقرئ البابان في مجلس واحد، ولا يقتصر طالب العلم على قراءة باب ثم يترك الثاني؛ لئلا يعمل بما جاء في الباب السابق، كما صنع بعضهم في باب: ما جاء في قتل الكلاب والأمر به، قرأ هذا الباب وأخذ المسدس وخرج فإذا رأى كلباً قتله، وفي الباب الذي يليه باب: ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلاب، باب: ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلاب، وهو يليه مباشرة، بينهما صفحة، فماذا يصنع بما قتل؟ المقصود أن مثل هذا يجعل طالب العلم يأخذ العلم متكاملاً، ويكون تصوره للمسائل متكامل، ما يأخذ طرف المسألة ثم يعمل بها، فإذا بلغه الناسخ كأنه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يلزمه القول أو العمل بالناسخ حتى يبلغه، لا، الآن بلغك الناسخ، وليس هذا لك ولأمثالك من المبتدئين، نعم الأئمة قد يخفى عليهم الناسخ لا يبلغهم حديث فيعملون بالمنسوخ وهم في ذلك معذورون؛ لأنهم أهل للاجتهاد، أما أوساط الطلبة وعوام الناس إذا سمع خبر وهو لا يدري هل هو ناسخ أو منسوخ ذهب ليعمل به، هذا يضل ويُضل، كما قال علي -رضي الله تعالى عنه- لقاص من القصاص: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت، فالذي ينادي صغار الطلاب بالاجتهاد والتفقه من الكتاب والسنة يرد عليه مثل هذا، يرد عليه مثل هذا، لكن لا تجد في كتب الفقه مثل هذا الكلام يأتيك المنسوخ في باب ثم الناسخ في باب آخر، أبداً، المسألة في موضع واحد، لكن من الفقهاء من يرى النسخ، فيثبت الناسخ وقد يشير إلى المنسوخ، ومنهم من لا يرى النسخ في هذه المسألة فيثبت الحكم الأول، على كل حال هذا يرد على من يطالب المبتدئين أو يطالب كل أحد بالتفقه من الكتاب والسنة، ولا شك أن الأصل في التفقه هو الكتاب والسنة، لكن يبقى أن ذلك للمتأهل، ولذلك يقول: باب: ما جاء في الرخصة في ذلك، وفي كثير من الأبواب يذكر الأمر على ما كان عليه أولاً ثم يتبعه بالرخصة. "باب: ما جاء في الرخصة في ذلك"

قال: "حدثنا قتيبة" وهو ابن سعيد "قال: حدثنا أبو الأحوص" وهو سلام بن سليم ثقة متقن تقدم مراراً "عن سماك بن حرب" عن سماك بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي الكوفي أبو المغيرة، صدوق في روايته عن عكرمة اضطراب، من الرابعة مات سنة ثلاث وعشرين يعني ومائة "عن عكرمة" بن عبد الله مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة ثبت، عالم بالتفسير، قالوا: لم يثبت تكذيبه من ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، كذا في التقريب، ولا يثبت عنه بدعة؛ لأنه رمي ببدعة الخوارج، رمي ببدعة الخوارج، ودافع عنه الحافظ الذهبي في السير، وابن حجر في مقدمة الفتح، وقالوا: إن مثل هذا لا يثبت عنه، ولوجود بعض من تُكلم فيه في الصحيحين قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: ففي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة "ففي البخاري احتجاجاً عكرمة" يعني احتج به البخاري، فلا ينظر إلى ما قيل فيه. ففي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة "عن عكرمة" لكن يرد علينا ما قيل في ترجمة سماك، وأن في روايته عن عكرمة اضطراب، في روايته عن عكرمة اضطراب، لكن هل يلزم من هذا أن كل ما يرويه عن عكرمة مضطرب؟ أو أنه قد يضبط شيئاً ويحصل الاضطراب في أشياء؟ كما هي عادة من رمي بسوء الحفظ مثلاً قد يضبط، ولذا إذا خرج في الصحيح بهذه السلسلة لا شك أن هذا يكون على سبيل الانتقاء مما ضبطه سماك عن عكرمة. "عن ابن عباس قال: "اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-" وهي ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس، كما بينت في الروايات الأخرى "اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جفنة" الجفنة: القصعة الكبيرة "فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، "اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جفنة" (في) هذه ظرفية وإلا إيش؟ طالب:. . . . . . . . . اغتسل في جفنة؟ طالب:. . . . . . . . . بمعنى من؟ طيب، وإلا لو كانت ظرفية لكان مقتضاها أنها انغمست في الجفنة، وقد جاء النهي عن الاغتسال في الماء الدائم، جاء النهي عن الاغتسال في الماء الدائم ولو كثر، فضلاً عن أن يكون جفنة، وحينئذٍ يكون معناها (من) (في) بمعنى (من) له شاهد وإلا ما له شاهد؟

طالب:. . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . ذا؟ الحديث اللي معنا؟ حديث إيش؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا أنا أريد شاهد للتقارب بين (في) و (من) تأتي (في) بمعنى (من)؟ يحفظ شاهد وإلا ما يحفظ؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [(71) سورة طه] يعني من جذوع وإلا على؟ طالب:. . . . . . . . . إيه، على كل حال مسألة التقارب بين الحروف وأنه ينوب بعضها عن بعض هذه معروفة في لغة العرب وفي النصوص موجودة بكثرة، لكن هل الأولى القول بمثل هذا وأن هذا الحرف معناه الحرف الثاني يعني بمعنى الحرف الثاني أو الأولى تضمين الفعل بفعل يتعدى بالحرف المذكور؟ يعني هل الأولى أن نقول: (في) هنا بمعنى (من) وهذا له شواهده وله نظائره ويقول به جمع من أهل العلم أو نقول: لا (في) هي (في) الظرفية لكن لا بد أن نضمن اغتسل معنى فعل يتعدى بـ (في)؟ شيخ الإسلام يميل إلى الثاني، شيخ الإسلام في مقدمة تفسيره وفي مواضع من كتبه يميل إلى الثاني وهو أن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف؛ لأن تضمين الحرف استغله بعض المبتدعة، وهل استغلال بعض المبتدعة للمعنى الصحيح أو لما له أصل في لغة العرب يجعلنا ننكر هذا الأصل؟ يعني كون بعض المبتدعة يستغل هذا الكلام، يستغله لنصر بدعته، هل معنى هذا أننا نقضي عليه بالكلية ونقول: هذا لا يجوز بل نضمن الفعل؟ وشيخ الإسلام إمام بلا شك، لكنه من غيرته على العقيدة الصحيحة ووجود من يستغل مثل هذا الكلام فإنه قال: إن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، مع أن تضمين الحرف موجود يعني في لغة العرب وفي النصوص، ولا يمنع من أن يقال: (في) بمعنى (من) والداعي إلى هذا التوفيق بين النصوص، ولو حملت (في) على معناها لقلنا: إنها انغمست في هذه الجفنة وحينئذٍ يكون الحديث مخالفاً لحديث النهي عن الاغتسال في الماء الدائم.

"فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ منه" يعني من هذا الماء الذي بقي في هذه الجفنة "فقالت: يا رسول الله إني كنت جنباً" والجنب من أصابته الجنابة، يطلق على الذكر والأنثى والمفرد والمثنى والجمع جنب، بلفظ واحد وقد يطابق، فيقال: هذا جنب وهذه جنب، وهذان جنب، وهؤلاء جنب، وهن جنب، وقد يطابق تقول: هذا جنب، وهذه جنبة، وهذان جنبان إلى آخره، لكن الأكثر الأول. "إني كنت جنباً" ما قالت: إني كنت جنبةً أو مجنبة "فقال: ((إن الماء لا يجنب)) " أي لا يصير جنباً، يعني لا تنتقل الجنابة منك إلى الماء ((إن الماء لا يجنب)) أي لا يصير جنباً، وفي رواية الدارقطني: ((إن الماء ليس عليه جنابة)). "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه يعني عند الخمسة، وصححه ابن خزيمة والحاكم، قال ابن حجر: وقد أعله قوم بسماك بن حرب لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم، الذي عندنا من طريق أبي الأحوص عن سماك عن عكرمة، وهو أيضاً مروي في المستدرك من طريق الثوري وشعبة عن سماك، وعرفنا أن شعبة شديد التحري، وشديد الانتقاء من أحاديث الشيوخ فينتفي ما اتهم به سماك. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي" وجمهور العلماء يقولون: إن خلوة المرأة ووضوءها من الماء لا أثر له في الماء، ويجمع بينه وبين ما تقدم بأن النهي محمول على ما تساقط من الأعضاء، على ما قاله بعضهم، والجواز على ما بقي في الإناء، وعرفنا أن الحديث السابق حمله على ما تساقط من الأعضاء بعيد مباعد للسياق، قاله الخطابي، وبأن النهي محمول على التنزيه بقرينة أحاديث الجواز وهذا أظهر، وقيل: إن قولها: إني كنت جنباً، يعني استنكارها استعمال النبي -عليه الصلاة والسلام- لها دليل على أنه كان ممنوعاً، نعم، وقيل: إن قولها: إني كنت جنباً دليل على أن النهي كان متقدم كان ممنوع، ولذلك قالت: إني كنت جنباً بناءً على ما تقدم، قال ذلك ابن العربي، وعلى هذا حديث الجواز ناسخ لحديث النهي.

باب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء:

وقال ابن عربي أيضاً: يحتمل معناه أن يكون معناه كراهة الوضوء بفضل الأجنبية، يعني بعض الرجال إذا جاء إلى ماء وقد قيل: توضأت به فلانة لا شك أن ذهنه ينشغل ويذهب ذهنه كل مذهب، يأخذ يفكر بفلانة لا سيما إن كان يعرفها بشيء مشغل للبال، يقول: ويحتمل أن يكون معناه كراهة الوضوء بفضل الأجنبية، ليذكرها أثناء الغسل والاشتغال بها، والله أعلم. هذا قاله ابن العربي، ولا شك أن له حظ من النظر؛ لأنه إذا قيل له: هذا ماء بعد فلانة توضأت فلانة إن كانت هذه فلانة مذكورة بشيء مما يشغل البال لا شك أنه ينشغل به، هذا كلام ليس في الروايات ما يدل عليه لكنه استنباط، نعم، والقول بأن حديث الباب صارف للنهي الوارد في الباب السابق من التحريم إلى التنزيه هو الأصل. وفي صحيح مسلم ومسند أحمد عن ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يغتسل بفضل ميمونة، وأولئك يحملونه على أنها لم تخلو به، على أنها لم تخلو به، لكن إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يغتسل معها فمن يشاهدها؟ هي تغتسل وهي جنب، كيف لا تخلو به والنبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ بعدها؟ يعني لو كان النبي -عليه الصلاة والسلام- موجود أثناء اغتسالها لاغتسل معها كما يفعل مع عائشة، مما يدل على أنه يغتسل بعدها، فلا وجه لقولهم أن المسألة أنه يوجد من يشاهدها، إذ لا يمكن أن يشاهدها غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني هل يتصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يشاهدها ويغتسل وينتظر بعدها إلى أن تنتهي ثم يغتسل بعدها هذا بعيد، وأولى ما يقال: إن النهي للتنزيه. روي عن ابن عمر كراهة الوضوء بفضل المرأة إذا كانت حائضاً أو جنباً وخلت به، إذا كانت حائض أو جنب، وأما ما عدا ذلك فلا، يعني إذا كانت تتوضأ عن حدث أصغر فلا أثر لها، وعلى كل حال الكراهية للتنزيه، فإذا وجد غيره فهو أولى وإلا فالوضوء به والاغتسال منه لا إشكال فيه -إن شاء الله-. سم. طالب: عفا الله عنك: من خرج رواية شعبة؟ رواية شعبة عند الحاكم في المستدرك، هي ورواية الثوري، عند الحاكم في المستدرك. عفا الله عنك. باب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء:

حدثنا هناد والحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث فلم يروِ أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد، وفي الباب عن ابن عباس وعائشة. قال -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء" يعني بلفظ الخبر.

قال: "حدثنا هناد" وهو ابن السري "والحسن بن علي الخلال" الحلواني، المكي، ثقة ثبت، متقن، توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين "وغير واحد، قالوا: حدثنا أبو أسامة" فالحديث يرويه الإمام الترمذي عن جمع من الشيوخ، هؤلاء كلهم "قالوا: حدثنا أبو أسامة" وهو حماد بن أسامة القرشي مولاهم ثقة ثبت، توفي سنة إحدى ومائتين "عن الوليد بن كثير" المدني ثم الكوفي، وثقه ابن معين وأبو داود "عن محمد بن كعب" القرضي، ثقة عالم "عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج" قالوا: مستور، من الرابعة، والمستورد يطلق بإزاء المجهول، يعني الستارة تعادل الجهالة، ويطلق أيضاً بإزاء مجهول الحال لا مجهول العين، كما يطلق بإزاء مجهول الحال باطناً لا ظاهراً، يطلق المستور ويراد به مجهول الحال في الباطن دون الظاهر، ويطلق ويراد به مجهول الحال مطلقاً، ويطلق ويراد به المجهول بجميع أنواعه، والجهالة سواءً كانت العامة بجميع الأنواع أو الخاصة بالحال أو خاصة الخاصة بالباطن دون الظاهر محل كلام لأهل العلم في كونها جرح أو ليست بجرح، يعني هل الجهالة جرح أو عدم علم بحال الراوي؟ هل هي جرح؟ فإذا وجد مثل هذا نقول: الحديث ضعيف؛ لأن فيه عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج وهو مستور، والحديث ضعيف مباشرة لأن الجهالة جرح؟ أو نقول: يتوقف فيه حتى نعرف حال هذا الراوي؟ فالجهالة في تصرف بعض أهل العلم ما يدل على أنها جرح، ويجرح بها مباشرة، ويضعف الخبر بسببها، وهذا مقتضى جعلهم المجهول في ألفاظ التجريح، مقتضى جعلهم المجهول في ألفاظ التجريح، وأما كون الجهالة عدم علم بحال الراوي ولا تقتضي الجرح ولا يحكم على الحديث بالضعف لمجرد إطلاق الجهالة على أحد رواته فهو ما يدل عليه صنيع أبي حاتم حينما قال في كثير من الرواة: مجهول أي لا أعرفه، مجهول أي لا أعرفه، وعلى هذا عدم معرفة أبي حاتم بالراوي لا تجعلنا نضعف الحديث فضلاً عن أن يبحث الباحث المعاصر عن ترجمة راوي فلم يجد له ذكر فيما بين يديه من الكتب، لذا بعض الطلاب يقول: لم أجد لهذا الراوي ذكراً فيما بين يدي من الكتب فهو مجهول، ثم في النتيجة يقول: الحديث ضعيف؛ لأن فيه فلان وهو مجهول، يعني تقول: لم أقف عليه فيما

بين يدي من الكتب، وفي الحكم لا تقول: ضعيف، قل: أتوقف حتى أجد ما يدلني على ثقة الراوي أو ضعفه، كلام ابن حجر -رحمه الله- في النخبة يدل على أن الجهالة عدم علم بحال الراوي، ولذا يقول: ومن المهم معرفة أحوال الرواة تجريحاً أو تعديلاً أو جهالة، فجعل الجهالة قسيم للتجريح والتعديل، لا قسم من التجريح كما فعله في التقريب، في مراتب الرواة مراتب الجرح والتعديل جعل الجهالة من الجرح، وغيره ممن كتب في المراتب، وعلى هذا إذا أردنا أن نحكم على هذا الإسناد هل نقول: ضعيف لأن فيه مجهول؟ أو نقول: نتوقف فيه حتى نعرف حال هذا المجهول؟ لا شك أن اللفظ يختلف إطلاقه من إمام إلى إمام، فإذا عرفنا أن أبا حاتم يطلق الجهالة ويريد به عدم معرفته بحال هذا الراوي وإن عرفه غيره فالمسألة مسألة توقف، على أن أبا حاتم قد يطلق الجهالة على من هو مقل من الرواية ولو كان ثقة، إذا كانت روايته قليلة قال: مجهول، ولو كان ثقة، ولو كان من الصحابة، وقال في ترجمة راوٍ نسيت اسمه يقول: من المهاجرين الأولين مجهول، يعني يكفيه أنه صحابي، الصحبة ترفع الجهالة، بل أعلى درجات التوثيق وصفه بالصحبة. "عن أبي سعيد الخدري" سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري "قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ " وفي بعض الرواية: "أتتوضأ؟ " لأن أبا سعيد رآه يتوضأ، فقال له: أتتوضأ من بئر بضاعة؟ بضم الباء وأجيز كسرها، وبالضاد المعجمة كما هو المعروف بضاعة، وحكي بالصاد بصاعة، بئر معروفة في المدينة في دار بني ساعدة، والدار تطلق ويراد بها الحي، خير دور الأنصار يعني خير قبائلها، وأمر أن تبنى المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب، يعني في الأحياء والقبائل لا أن المراد بها داخل البيوت.

"أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض" جمع حيضة الخرقة التي تستعمل في دم الحيض، الخرقة التي تستعمل في دم الحيض "ولحوم الكلاب والنتن؟ " النتن بإسكان التاء، أو النَتِن فعِل، المراد به المنتن الذي تغيرت رائحته كالجيف مثلاً "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) إن الماء: الماء هذه للجنس هذا الأصل فيها، وقد يراد بها العهد يعني الماء المسئول عنه، المذكور في السؤال، الماء ماء بئر بضاعة طهور: يعني طاهر مطهر لا ينجسه شيء مما يلقى فيه، يعني لكثرته، لكثرته فإن بئر بضاعة كثير الماء لا يتغير بوقوع هذه الأشياء، لا يتغير له لون ولا طعم ولا رائحة. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وقد جود أبو أسامة هذا الحديث" يعني ضبطه وأتقنه، وصححه أحمد وابن معين والحاكم، وابن حزم، ومقتضى التصحيح من هؤلاء الأئمة أن عبيد الله الذي حكم عليه بأنه مستور أنه معروف عند هؤلاء الأئمة لا مستور، يعني مقتضى التصحيح أنه معروف لا مستور. "فلم يروِ أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد" وهذا الحديث لا شك أنه حجة لمن يقول: إن الماء يبقى على أصله مهما وقع فيه من النجاسات إذا لم يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه، أما إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه فهذا محل إجماع إلا ما يذكر عن الظاهرية من العمل بإطلاق هذا الحديث أنه لا ينجسه شيء ولو تغير، هذا ذكر في بعض الشروح عن الظاهرية والذي يفهم من كلام ابن حزم في المحلى أنه مع الأئمة، إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه هذا محل إجماع؛ لأن المباشر المستعمل لهذا الماء المتغير بالنجاسة إنما هو مباشر للنجاسة، إنما هو مستعمل للنجاسة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد، يعني إذا روي عن أبي سعيد من غير وجه معناه أنه رواه غير عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، فيكون قد توبع عليه، إذا كان روي من غير وجه عن أبي سعيد فيكون قد توبع عليه، وتصحيح الأئمة لا يرفع الجهالة عن عبيد الله؛ لأن المجهول حديثه يرتقي بالطرق الأخرى، فيبقى مستور وحديثه منجبر برواية غيره، وعلى كل حال الحديث صحيح.

"وفي الباب عن ابن عباس" خرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان "وعائشة" مخرج عند الطبراني في الأوسط، وأبي يعلى، والبزار، وابن السكن، وفي الباب أيضاً عن جابر أخرجه ابن ماجه وهو ضعيف جداً. والحديث قال بعض أهل العلم: أنه استدل به الظاهرية على ما ذهبوا إليه من أن الماء لا يتنجس مطلقاً وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بوقوع النجاسات فيه، وهذا نسبه بعض الشراح إلى الظاهرية، والمعروف والذي يفيده كلام ابن حزم في المحلى أنه إذا تغير بالنجاسة أنه نجس كقول الأئمة، وأما غيرهم فخصوه، فمنهم من خصه بالتغير فقط وهم المالكية، المالكية الماء عندهم باقٍ على طهارته وعلى طهوريته، والماء طهور لا ينجسه شيء إلا إذا تغير قليلاً كان أو كثيراً، يعني لو أن هذا الماء في هذه العلبة وقع فيها نقطة نجاسة ثم نظرنا فيه ما تغير شيء، لا لونه ولا طعمه ولا ريحه نعم وقعت فيه هذا طاهر وإلا نجس؟ عند المالكية طاهر، عند الجمهور نجس؛ لأنه لاقى النجاسة وهو يسير قليل، وهو يسير، فالمالكية خصوه بالتغير، وجاء فيه حديث أبي أمامة: إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه، لكن هذا الاستثناء ضعيف باتفاق الحفاظ، والمعول في هذا الحكم على الإجماع، وأنه إذا تغير قليلاً كان أو كثيراً فإنه حينئذٍ يكون نجساً، وأما الشافعية والحنابلة فخصوه بحديث القلتين، فخصوه بحديث القلتين الذي يلي هذا، وسيأتي -إن شاء الله تعالى-، وأما الحنفية فلهم في المسألة أقوال، منهم من قال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا إذا كان قليلاً، ويختلفون عن الحنابلة والشافعية في التحديد بالقلتين، فمنهم من يقول: القليل ما إذا حرك طرفه تحرك الطرف الآخر، فتحرك التطرف الآخر دليل على أن النجاسة إذا وقعت في هذا الطرف وصلت إلى الطرف الآخر، سرت إلى الطرف الآخر، أما إذا كان من الكثرة بحيث لا يتحرك طرفه إذا حرك طرفه الأدنى فإن النجاسة لا يتصور أنها تسري من هذا المكان إلى مكان آخر.

باب: منه آخر:

ومنهم من حده بعشرة في عشرة، عشرة أذرع بعشرة أذرع؛ لأن محمد بن الحسن مثل بمسجده وهذه مساحته، قال: لو كان الماء في غدير بقدر هذا المسجد ما يحتمل النجاسة، ومنهم من قال: عشرين بعشرين، ومنهم من قال: خمسة عشر، أقوال كثيرة في هذا عند الحنفية، وكلها تخلو عن الدليل الصريح، وجميعها تخلو عن الدليل الصريح، يعني لهم أدلة في كتب المذهب، ولهم كلام طويل حول تقرير هذه المسألة، لكن الدليل الصحيح الصريح الذي يدل على ما ذهبوا إليه لا دليل ... ، على هذا لا يشتغل بأقوالهم، لا يشتغل بأقوالهم إنما العناية ينبغي أن تكون بمذهب مالك ومذهب الشافعي وأحمد؛ لأن فيها الأدلة، فمالك يستدل بعموم حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) والحنابلة والشافعية يستدلون بحديث ابن عمر في القلتين، الحنفية يرون أن الإضافة لا تؤثر في الماء، الإضافة لا تؤثر في الماء، فإذا قلنا: ماء الباقلاء، ماء الورد، هذه الإضافة لا تؤثر، ونصوا على هذا، ما دام نقول: ماء فالإضافة لا تؤثر، يعني مثل ما نقول: ماء البئر الإضافة لا تؤثر، إذن ماء الورد وماء الباقلاء لا تؤثر. وأقول على ذلك: فماذا عن ماء الرجل وماء المرأة مؤثرة وإلا غير مؤثرة؟ هم يقولون: الإضافة ما تؤثر، وقالوا: إن قولنا: ماء الباقلاء وماء الورد مثل قولنا: ماء البئر وماء الإناء وماء ... ما تؤثر، فيستدرك عليهم بمثل هذا أن الإضافة قد تؤثر وقد لا تؤثر، الإضافة قد تؤثر وقد لا تؤثر، وهم لا يختلفون أن ماء الرجل وماء المرأة ما يمكن أن يتطهر به. نأخذ الحديث الذي يليه. عفا الله عنك. باب: منه آخر: حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)).

قال عبدة: قال محمد بن إسحاق: القلة هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها، قال أبو عيسى: وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ما لم يتغير ريحه أو طعمه، وقالوا: يكون نحواً من خمس قرب. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: منه آخر" يعني باب منه أي من الباب السابق وأن الماء لا ينجسه شيء، لكنه أخص من الباب السابق، فالذي لا ينجسه شيء ما زاد على القلتين ليتفق مع الحديث السابق، وأما ما نقص عن القلتين فإنه يختلف عن الباب السابق. "قال: حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة" بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت "عن محمد بن إسحاق" إمام أهل المغازي، صدوق مدلس "عن محمد بن جعفر بن الزبير" بن العوام، ثقة "عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر" بن الخطاب، شقيق سالم، ثقة أيضاً "عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يسأل" والجملة حالية "عن الماء يكون في الفلاة" القفر والمفازة البعيدة في الصحراء "الماء يكون في الفلاة" جمعها: فلوات "من الأرض، وما ينوبه" عطف على الماء "وما ينوبه" أي يتردد عليه وينتابه مرة بعد أخرى "من السباع والدواب، قال ابن عمر: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)) قلتين: تثنية قلة، والقلة اختلف فيها اختلاف كبير، جاء في كلام الترمذي "قال محمد بن إسحاق: القلة هي الجرار" جمع جرة، وفي القاموس القلة: بالضم الحُب العظيم، يعني ما نسميه إيش؟ الزير، والجرة العظيمة وجمع القلة قلال معروفة بالحجاز، ومنه الحديث في صفة سدرة المنتهى ((نبقها مثل قلال هجر)) وهجر تطلق على البحرين شرق الجزيرة من الأحساء وما والاها، كما أنها تطلق على قرية قريبة من المدينة. "هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها" ثم قال في الأخير: "وقالوا: يكون نحواً من خمس قرب" وخمس القرب قدرت بخمسمائة رطل عراقي، وكل هذا اعتماداً على قول ابن جريج، قال: رأيت قلال هجر فإذا القلة تسع قربتين وشيئاً، تسع قربتين وشيئاً، وجعلوا الاحتياط أن يكون الشيء نصف، فقالوا: القلتان خمس قرب، خمس قرب.

((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)) والخبث المراد به النجس، أي لم ينجس، كما جاء في بعض الروايات: ((لم ينجس)) في رواية أبي داود، كما يقال: فلان لا يحمل الضيم يعني يدفعه عن نفسه، ويمتنع قبوله، ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [(5) سورة الجمعة] أي لم يقبلوا حكمها، لم يقبلوا حكمها، فقوله: لم يحمل الخبث أي يدفعه عن نفسه. "قال عبدة" بن سليمان الراوي عن محمد بن إسحاق "قال محمد بن إسحاق: القلة هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ما لم يتغير ريحه أو طعمه" ما لم يتغير ريحه أو طعمه وأيضاً اللون، إلا أن اللون يحتملون فيه الشيء اليسير بخلاف الطعم، ويقع هذا كثير كثير جداً في بيوت الناس الآن، في بيوت الناس إذا فتح الصنبور ثم شم الماء وجد فيه رائحة وقد يجد طعمه متغير، وقد يتغير لونه وماذا يصنعون؟ هل يقال: كل مرة تجدون مثل هذا فرغوا ما في الخزان وابحثوا عن ماء نظيف تماماً؟ أو نقول: الاحتمالات واردة الرائحة يمكن من الجو أو يمكن من طول مكثه في الخزان أو تغير بطول المكث فيكون حكمه حكم الآجن؟ وما دام هذه الاحتمالات موجودة فلا يحكم بنجاسته، والآن الخزانات بعضها مكشوف، وبعضها يسقط فيه شيء من الطيور، ويسأل كثيراً أقربها أمس سؤال عن أناس وجدوا الماء متغير فتوضئوا منه وصلوا أيام، ثم بعد ذلك خرج عليهم ريش فإذا الخزان فيه حمام ميت، وتغيرت رائحة الماء وطعمه، على كل حال الماء نجس، إذا وقفنا على الحقيقة لا إشكال في نجاسته، وهؤلاء وقفوا على الحقيقة، لكن المسألة فيما إذا لم يوقف على الحقيقة، والاحتمالات قائمة فالأصل الطهارة، الأصل الطهارة "وقالوا: يكون نحواً من خمس قرب" وعرفنا اعتمادهم على قول ابن جريج.

هذا الحديث ضعفه جماعة من أهل العلم بالاضطراب في سنده ومتنه، بالاضطراب في سنده ومتنه، فجاء في الحديث كما هنا: إذا كان الماء قلتين وجاء فيه: ثلاث قلال، وجاء فيه قلة أو قلتين، وجاء فيه قلتين أو ثلاث، وجاء فيه أربعين قلة، واختلف في مقدار القلة؟ منهم من يقول: القلة ما يستطيع أن يقله الرجل، يعني يحمله الرجل المتوسط، وقيل بقول ابن جريج على ما تقدم، وقيل: القلة المراد بها رأس الرجل، يعني إذا وصل إلى رأس الرجل صار قلة، وقال بعضهم: ما يغطي رؤوس الجبال، وعلى هذا ينبغي أن يكون كالطوفان؛ ليدفع الخبث عن نفسه، وجود مثل هذا الخلاف لا شك أنه مؤثر، كما أن الخلاف في إسناده أيضاً يوجب اضطراب الخبر، وعلى كل حال الحديث مقدوح فيه في اضطراب سنده ومتنه، وصححه جماعة من العلماء، صححه آخرون، بل قال العراقي في آماليه: صححه جم غفير، وقال الحافظ في فتح الباري: رجاله ثقات، وصححه جماعة من أهل العلم، فالحديث مختلف فيه بين التصحيح والتضعيف، مختلف فيه بين التصحيح والتضعيف، أما الذي يضعفه فلا إشكال عندهم، أنه يبقى على حديث أبي سعيد وأن الماء طهور لا ينجسه شيء، ولا يخرج من هذا العموم إلا ما يخرجه الإجماع مما تغير بلونه أو طعمه أو ريحه، والذي يصحح هذا الحديث بين أمرين: إما أن يعمل بمنطوقه ومفهومه أو يعمل بمنطوقه دون مفهومه. العمل بالمنطوق دون المفهوم هو قول شيخ الإسلام -رحمه الله-، يقول: الحديث صحيح، يصحح حديث القلتين، لكن مفهومه معارض بمنطوق حديث أبي سعيد، مفهومه أنه إذا كان دون القلتين يحمل الخبث معارض بحديث: ((إن الماء لا ينجسه شيء)) والمنطوق أقوى من المفهوم فيرجح حديث أبي سعيد عليه، ومنطوقه أنه إذا كان قلتين فأكثر أنه لا يحمل الخبث موافق لحديث أبي سعيد، ما في مخالفة إذاً يعمل بحديث أبي سعيد بمنطوقه ومفهومه وأما حديث ابن عمر في القلتين يعمل بمنطوقه دون مفهومه؛ لأنه معارض بحديث أبي سعيد، والمنطوق مقدم على المفهوم، هذا من وجه، ماذا يقول الحنابلة والشافعية؟

عرفنا أن رأي مالك لا إشكال فيه، يعمل بحديث أبي سعيد ولا يشكل عنده الماء إلا إذا تغير، الحنابلة والشافعية يقولون: ينظر فيه فإن بلغ القلتين لا يترك حتى يتغير وإن لم يبلغ القلتين فإنه بمجرد ملاقاة النجاسة ينجس، شيخ الإسلام يقول: نعمل بحديث أبي سعيد بمفهومه ومنطوقه وأما حديث ابن عمر فإننا نقتصر على منطوقه الموافق لحديث أبي سعيد، ولا نعمل بمفهومه المخالف لما هو أقوى منه وهو حديث أبي سعيد، لأن حديث أبي سعيد منطوق وهذا مفهوم. ماذا عن الحنابلة والشافعية؟ الحنابلة عملوا بهذا الحديث بمنطوقه ومفهومه فيفرقون بين القليل والكثير، مذهب الحنفية انتهينا منه، بقي عندنا ما يتعلق بالحديث فيقولون: يعمل بمنطوقه ومفهومه إذا كان ماء كثير أكثر من قلتين فهذا لا يتأثر إلا إذا تغير عملاً بحديث ابن عمر، أما إذا كان دون القلتين فإنه يعمل بمفهومه فيتأثر بمجرد الملاقاة ولو لم يتغير. كيف يجيبون عن عموم حديث أبي سعيد يقولون: المسألة واضحة لا شك أن حديث ابن عمر في محل الخلاف مفهوم، وحديث أبي سعيد منطوق، والمنطوق مقدم على المفهوم، لكن عندنا جهة ترجيح أخرى، حديث ابن عمر خاص بما دون القلتين، يعني مفهومه خاص بما دون القلتين، ومنطوق حديث أبي سعيد عام بما دون القلتين وما فوق القلتين، والخاص مقدم على العام، كلامهم واضح وإلا ما هو بواضح؟

يعني تخصيص العموم بالمفهوم، تخصيص العموم بالمفهوم وارد وإلا غير وارد؟ نخصص العموم بالمفهوم وإلا لا نخصص؟ العلماء يخصصون بما هو دون ذلك، المخصصات كثيرة حتى بما دون المفهوم، لكن يبقى أنه إذا كان المنطوق العام من القوة بحيث يكون محفوظ من المخصصات، وهو محافظ على قوته لا شك أنه أقوى من المفهوم، يعني عندنا مثل تحريم الربا، تحريم الربا عمومه يشمل القليل والكثير، والنهي عن أكل الربا أضعاف مضاعفة نعم خاص بالكثير، ومفهومه أن القليل لا يؤثر، فالمفهوم معارض لعموم النهي عن الربا بجملته قليلاً كان أو كثيراً فهل نقول بالتخصيص؟ هل نقول بالتخصيص أو نقول: النص لا مفهوم له لأنه معارض بمنطوق أقوى منه؟ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهومه أنه إذا استغفر لهم واحد وسبعين مرة أنهم يغفر الله لهم، وعموم قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه} [(48) سورة النساء] يشمل ولو استغفر ألف مرة فهل نقول: يخصص العموم بالاستغفار أكثر من سبعين مرة؟ ما قال بهذا أحد من أهل العلم، فهذا يقوي قول شيخ الإسلام في إلغاء المفهوم، قد يقول قائل: إن الحديث وجوده مثل عدمه ما دام ألغينا المفهوم لا قيمة له، نعم، نقول: هو مثل قول الله -جل وعلا-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] وغيره من المفهومات الملغاة، هو مثلها، وعلى هذا المترجح في هذه المسألة قول من؟ طالب:. . . . . . . . .

المالكية، وأن الماء لا يترك حتى يتغير لونه أو طعمه أو ريحه، واختيار الحنابلة والشافعية لا شك أنه أوقع المتفقهين والعاملين في أبواب الطهارة في حرج شديد، حرج شديد، في المجموع للنووي مثلاً من الصور أنه إذا كان عندك ماء في برميل مقداره قلتان أو يزيد قليلاً ثم وقعت فيه نجاسة فأخذت منه في سطل، أخذت منه في سطل يقولون: اللي في داخل السطل طاهر ما فيه إشكال، نعم، والذي في خارجه ويتساقط منه إيش يصير؟ نجس؛ لأنه نقص عن القلتين، ظاهرة المسألة وإلا ما هي بظاهرة؟ ظاهرة، نعم الذي في داخله مأخوذ وهو أكثر من قلتين، والذي في خارجه باشر الماء ما انفصل من الماء بسرعة، باشر الماء بعد أن نقص عن القلتين، يعني هذه من الصور التي جعلت الغزالي يتمنى أن لو كان مذهب الشافعي مثل مذهب مالك، يقول: ليت الشافعي فعل مثل ما فعل مالك وخلصنا من هذه الإشكالات، يقول: ما الذي جعل في عنقك الحبل ليجره الشافعي أو غير الشافعي، وأنت عندك النصوص؟ والحمد لله الدين مبني على اليسر، فمثل هذه التعقيدات التي تذكر في كتب الفقه مما يتعلق بهذه المسألة لا شك أنها مخالفة ليسر الشريعة، فالمرجح في مثل هذا مذهب الإمام مالك، وأن الماء لا يترك حتى يتغير، أما من ضعف حديث ابن عمر هذا ما عنده أدنى إشكال، لكن المشكلة فيمن صححه، من صححه لا شك أنه إذا صح عنده الخبر يلزمه العمل به، فإذا تعارض عندنا المنطوق والمفهوم قدمنا المنطوق وهو دلالة اللفظ في محل النطق، والمفهوم دلالة اللفظ لا في محل النطق، ولهم أيضاً مما يرجح قولهم من أن المنطوق عام والمفهوم خاص، والخاص يقدم على العام، وعرفنا ما في ذلك، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (16)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (16) شرح: باب: ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد، وباب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور، وباب: ما جاء في التشديد في البول. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: ما حكم قول: إن شاء الله بعد الدعاء مثل قول: جزاك الله خيراً إن شاء الله، وغفر الله لك إن شاء الله، أم هذا لا بأس به وغير داخل في ربط المشيئة بالدعاء، ومماثل لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء للمريض: ((طهور إن شاء الله))؟ أما إذا جاء الدعاء بلفظ الأمر: اللهم اغفر لي، ارحمني، اللهم اغفر لفلان، هذا لا يجوز ربطه بالمشيئة، إذا جاء بلفظ الأمر لا يجوز ربطه بالمشيئة، وجاء النهي عن ذلك، أما إذا جاء بلفظ الخبر وإن كان دعاء فلا مانع من أن يقال: غفر الله لك إن شاء الله، وجزاك الله خيراً إن شاء الله، لا مانع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((طهور إن شاء الله)) وقال: ((وثبت الأجر إن شاء الله)) لما أفطر، فمثل هذا لا بأس به، إذا جاء بلفظ الخبر، لا بصيغة الأمر. ما صحة حديث: الانتعال واقفاً؟ حديث ثابت لكنه محمول عند أهل العلم على من يخشى عليه أن يسقط إذا انتعل واقفاً، فهذا عليه أن ينتعل وهو جالس؛ لئلا يتضرر. يقول: ما رأيك بكتاب (تغريب الألقاب العلمية) للشيخ بكر أبو زيد؟ يعني مثل الألقاب التي تلقب لحامل بعض الشهادات العلمية الآن، لا شك أنها وافدة، وليست من عرف المسلمين، ولا من عاداتهم فالتشبه فيها حاصل، لكنها عمت بها البلوى وإنكارها هو الأصل، لكن يبقى أن مثل هذا الإنكار لا يجدي، أما البيان بمثل كتاب وشبهه يحصل به -إن شاء الله- الإنكار، والكتاب ممتاز يعني. يقول: إذا سلم أحد علي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهل هناك رد أحسن من ذلك استجابة للأمر بالآية؟ هل ورد بذلك شيء؟

نعم، إذا قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وزاد مما جاءت به السنة كـ (مرحباً) نعم، من أهل العلم من يقول: إن مرحباً تكفي في رد السلام، ولذا لما سلمت أم هانئ على النبي -عليه الصلاة والسلام- وفاطمة -رضي الله عنها وأرضاها- على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((مرحباً بأم هانئ)) ولم يحفظ أنه قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وكذلك قال: ((مرحباً بابنتي)) ومن أهل العلم من يقول: إن مثل هذا لا يكفي، لا بد من رد السلام، وإذا زيد مرحباً فهو من الرد الأحسن -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما رأيك بقول من يقول: لا حاجة اليوم لدراسة الأسانيد ولحفظها لأنها دونت في الكتب؟ أما دراسة بعض من يحسن مثل هذا الأمر فهو متعين، البعض متعين عليه أن يدرس الأسانيد، وهذا من فروض الكفايات؛ لأن تعلم العلم عمومه فرض كفاية، وهذا من أهم العلوم، أما كون جميع طلاب العلم يلزمون بهذا فلا، يعني إذا كان طالب العلم وقته لا يسعفه بدراسة الرجال وتحرير الأقوال في كل راوٍ من وجهة نظره هو من غير تقليد ولا يتيسر له أن يدرس أسانيد كل حديث على حدة، ويخرج برأي يستقل به عن غيره، إذا كان وقته لا يسعفه بذلك، أو كان لا يميل إلى ذلك بطبعه ويرى أن الأحاديث الصحية التي صححها الأئمة ويقلدهم في هذا ويكتفي بالتفقه والاستنباط والدراية هذا له ذلك، وهو على خير -إن شاء الله تعالى-، أما القول بأنه لا حاجة لها، لا، لا ما هو بصحيح، هذا ليس بصحيح. يقول: بمناسبة توزيع الماء داخل المقبرة يلاحظ عندنا في المقابر المجاورة الإنكار يصل إلى المشاجرة برفع الصوت وقد يصل إلى الضرب فلو كتب توجيه بذلك؟

المقصود أن مثل هذه المسألة لا يشدد فيها، لا سيما إذا كانت الحاجة داعية لمثل هذا التوزيع، يعني الذي يظهر من حال الموزع أنه يقصد بذلك الأجر لا لذات المكان، ولا من أجل المقبور، وليس من مال أهل الميت، فإذا قصد بذلك أن المقبرة .. ، هل يوزعون بالليل؟ هل يتم التوزيع بالليل مع عدم الحاجة إلى ذلك؟ إنما يوزع في وقت الظهر والعصر عند شدة الحاجة إلى ذلك، وأي شيء أفضل من بذل الماء؟ على أن لا يقصد بذلك أن هذا المكان له خصوصية أو أن الميت أو بحضرة الأموات، لا يدعى من ذلك شيء، ولا يكون من مال أهل الميت، وحينئذٍ يكون حكم التوزيع في المقبرة كحكمه في غيرها، الحاجة إليه داعية، والأجر -إن شاء الله- ثابت، ونعرف أن من أهل العلم من أفتى بتحريم ذلك سداً للذريعة، لكن إذا كانت الحاجة قائمة، يعني العطش شديد في ظهر أو في عصر ماذا يقال عن مثل هذه الحالة؟ هل يظن بهذا أنه وزع من أجل المقبرة؟ يعني لو وجد إنسان عطشان في أي مكان من الأماكن يشرع أن يدفع له ماء يرد عطشه. يقول: جاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- علق سفر المرأة بيوم وليلة فهل هذا يدل على أن ما كان أقل من ذلك جائز؟ جاء ذكر اليوم والليلة، وجاء ذكر ثلاث ليال، وجاء منع السفر مطلقاً، فهذه على ما يقول أهل العلم وقائع، وحوادث، أعيان، لا يستدل بها، وإنما يستدل بالمطلق منها، لا سيما وأنها تعددت هذه الوقائع فدل على أن الممنوع السفر بغير محرم، السفر -سفر المرأة- بغير محرم، طال السفر أو قصر، ما دام يسمى سفراً طالت مدته أو قصرت، ما دام يسمى سفراً، فلا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم مطلقاً. إذا كان المذي نجساً وهو يخرج مع المني فكيف يصلي بالثوب المحتلم فيه؟ المني عند أهل العلم طاهر، والمذي نجس، لكن ما يلزم من خروج هذا خروج هذا، اللهم إلا إذا كان الإنسان مصاب بالمذي، رجل مذاء فإنه يغسل ثوبه ولا يكفيه الحت ولا القرص ولا الحك والفرك. يقول: هل جواز فك السحر بالسحر يقول: هل المسألة خلافية؟

أوتي من أفتى بذلك من قبل جواز النشرة، والنشرة فك السحر، فمن حمله على إطلاقه قال: النشرة عامة، للسحر، وللرقية، وللأدوية المباحة، المقصود أنه فك سحر، وهذا ليس بصحيح، بين ابن القيم -رحمه الله- بياناً شافياً في هذه المسألة، وأن من النشرة ما هو ممنوع، ومنها ما هو مباح، فما كان بمباح فهو مباح، وما كان بمحرم فهو محرم، وأي محرم أعظم من الشرك بالله تعالى؟! والسحر من الشرك. يقول: لماذا تكلم المبتدعة في أبي هريرة ولم يتكلموا في أحد غيره؟ أبو هريرة حافظ الأمة فإذا تكلموا فيه ارتاحوا من جميع ما يرويه، وهذا ظاهر من صنيع المستشرقين وأبواق المستشرقين، يعني بدلاً من أن يطعن في حديث أو حديثين لأنه طعن في أبيض بن حمال أو غيره من المقلين يطعن في أبي هريرة فيرتاح من خمسة آلاف وأربعمائة حديث، فيحتاج إلى أن يطعن في أكثر من ألف صحابي في مقابل أبي هريرة، ولا شك أن الطعن في مثل أبي هريرة من قبل المغرضين المفسدين المستشرقين وأذناب المستشرقين يريحهم من كثير من السنة، فإذا طعنوا فيه بدلاً من أن يطعنوا في ألف من الصحابة الذين رووا مقدار ما رواه أبو هريرة، لا شك أن هذا أيسر عليهم، ولذلك اتجهوا إليه ولم يتجهوا إلى المقلين. يقول: هل يصلح نظم مراقي السعود للحفظ للطبقة المتوسطة؟ وما أفضل شروحه؟ المتوسطة لا يصلح لها، إنما يصلح للمتقدمة، ومع ذلك النظم كَل، يعني فيه صعوبة ليس بسلس، وذلكم لأنه ليس مطروقاً عندنا، هو طارئ على البلد، وألسنتنا لم تلكه ولا شيوخنا ولا غيرهم، فيبقى أنه نظم كَلٌّ صعب، فيتجه إلى غيره إما نظم الورقات أو نظم جمع الجوامع للسيوطي. هل تنصح بقراءة كتاب: (درء تعارض العقل والنقل) للمتوسطين؟

لا، أنا أعرف من شيوخنا الكبار من يطوي عشرات الصفحات؛ لأنها غير مفهومة، وقراءة الكتاب تحتاج إلى مقدمات، إلى نظر، وإلى خبرة، ودربة لأقوال المخالفين، مع إتقان لعلم الكلام قبل ذلك، مع أن هذا لا يصلح لكل الطلاب، إنما يصلح للواحد من الألف الذي يريد أن يتصدى للرد على المبتدعة والمخالفين، وأما الكتاب فهو في غاية الصعوبة، يعني فيه صفحات أحياناً تصل إلى مائة صفحة يسترسل فيها شيخ الإسلام -رحمه الله- ومع ذلك من شيوخنا المتخصصين في العقيدة من يتركها؛ لأنه كلامه لا يفهم بدون المقدمات التي ذكرتها، وطالب العلم يسمع مدح ابن القيم لهذا الكتاب فيعمد إليه ثم يُصدم، يسمع ابن القيم يقول: اقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثانِ ثم يعمد إلى هذا الكتاب فيقرأه فيترك القراءة كلها، أو يسمع مدح ابن كثير -رحمه الله- لعلل الدارقطني فيقرأ في علل الدارقطني ولا يستفيد شيئاً. يقول: هل الأفضل حفظ (نظم قصب السكر) أم حفظ (اللؤلؤ المكنون)؟ على كل حال كلاهما نافع، هذا نظم للنخبة، وهذا نظم للشيخ حافظ -رحمه الله- وهو نظم جيد، كلاهما نافع. منهج الشيخ حافظ الحكمي العلمي؟ إيش منهجه؟ منهج أهل العلم المتبعين المقتدين أهل السنة والجماعة الذين لهم عناية بالنصوص. يقول: هل تنصح بحفظ المنظومة العلمية للشيخ حافظ؟ نعم، المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية، الوصية بكتاب الله، الوصية بالسنة، الوصية بالعلم، هذه لا بد من حفظها، طالب العلم يستفيد منها فائدة كبيرة. يقول: لو يشار على إحدى دور النشر أن تعتني بآثار الشيخ حافظ فتنشرها كما فعل المجمع الفقهي عندما جمع آثار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي؟ هذا اقتراح طيب ويعرض -إن شاء الله-. يقول: أرجو أن تحيل كل سائل يريد طريقة التدرج في طلب كل علم إلى الأشرطة التي سجلت: (كيف يبني طالب العلم مكتبته؟ ) فقد سئمنا من كثرة هذا السؤال ولا يمل السامع والمتكلم؟ المقصود أن هذه الأشرطة فيها ما أشار إليه المقترح جزاه الله خير. هل باستطاعتكم إقامة درس شهري في بريدة نرجو تلبية طلبنا؟ لا، هذا فيه صعوبة، الدرس الشهري فيه صعوبة، التزمت لبعض الجهات وما وفيت، ما استطعت.

هل اتباع الجنازة بالسيارة يدخل في التشييع أم المشي أفضل؟ نعم المشي أفضل ومع ذلك الركوب جائز وسائغ، لكن الراكب يمشي خلف الجنازة. ثم هل الدفن يدخل في القيراط أم وضع الجنازة؟ جاء ما يدل على مجرد الجنازة إذا وضعت في القبر ترتب عليه الأثر، وجاء ما يدل على الفراغ منها، فإذا انتظر حتى يشارك في الدفن ويفرغ منها، ثبت له الأجر كاملاً -إن شاء الله تعالى-. الحديث الذي حكم عليه الحفاظ بالحسن هل هو: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)) أو ((عند كل صلاة))؟ يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-: والحسن المعروف بالعدالة ... والصدق راويه إذا أتى له طرقاً أخرى نحوها من الطرق ... صححته كـ (متن لولا أن أشق) إذ تابعوا محمد بن عمروِ ... عليه فارتقى الصحيح يجري عند كل وضوء هذا في الصحيح، وعند كل صلاة هذا هو الذي صحيح لغيره. يقول: كثر في الآونة الأخيرة دروس وكلمات عمرو خالد في الفضائيات ويوجد عليه كثير من الأخطاء والطوام بين بعضها الشيخ الشذري فما موقفنا من ذلك؟ هل نقول للناس بعدم السماع له؟

هذا الرجل لا شك أنه عنده مخالفات، ومظهره ليس من أهل العلم بلا ريب، ولكن استفاد منه بعض المنحرفين وبعض الفساق وبعض الفجار، طالب العلم لا يأخذ منه علم، المستقيم لا يستمع إليه، لكن من كان مبتلىً بانحرافات شديدة أو بعظائم من الأمور أو لا صلة له بالدين هذا إن استفاد منه طيب، كما نستفيد من رد الأشاعرة على المعتزلة نستفيد من هذا ونستفيد من رد المعتزلة على النصارى مثلاً، فيستفاد من الشخص في إفادة من هو أقل منه شأناً، لا يمنع لكن من هو أفضل منه ممن يريد العلم الشرعي، ممن يريد الاستقامة الحقة على منهج الكتاب والسنة هذا لا يستفيد من مثل هذا، هذا يعنى بأهل العلم والعمل الذين عرفوا بعلمهم وعملهم وإخلاصهم، ولا نقول في الرجل شيئاً أكثر مما نعرف عنه، ونبرأ إلى الله من ذلك، لكن مثل هذا إذا تاب على يده رجل لا يصلي، نقول: لا يسمع منه هذا الذي لا يصلي إلا يسمع منه مثلاً، أو تاب على يده مغنٍ فاجر ماجن مثل هذا ما يمنع من السماع لمثله؛ لأنه أفضل منه، يعني مثل ما نظرنا يستفاد من رد الأشاعرة على المعتزلة، هل يقال: ما نقبل رد الباقلاني على المعتزلة أو رده على النصارى لأنه أشعري؟ يمكن نقول هذا؟ ما نقول هذا؛ لأن كل شخص يدفع من وراءه لا مانع من هذا -إن شاء الله-. ما حكم تقسيط الذهب؟ هذا هو عين الربا، ربا النسيئة، لا بد أن يكون يداً بيد. إذا نوى الإنسان السفر هل يجوز له الجمع وهو داخل البلد؟ لا، لا يجمع ولا يقصر ولا يترخص حتى يتحقق الوصف المؤثر الذي رتب عليه الرخص وهو السفر. يقول: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه أو عالم أو متعلم كما في الترمذي؟ هو حديث فيه كلام لأهل العلم، وبعضهم يحسنه، وعلى كل حال كل شيء يصد عن ذكر الله فلا خير فيه. يقول: هذا مسألة احتار فيها كثيراً وسأل عنها كثيراً من طلبة العلم فلم يجد جواباً وهي: إذا كنت مسافراً ودخلت المسجد في طريق السفر، وأنا قد صليت المغرب، وأنا أريد أن أصلي العشاء فوجدت جماعة يصلون فدخلت معهم فأدركت الركعة الأخيرة من صلاتهم المغرب فماذا أفعل؟ هل أقضي الركعة بنية القصر لصلاة العشاء أو أقضي ثلاث ركعات بنية أن الإمام متم؟

هذا الذي يظهر، الذي يظهر لي أنك تصلي أربع ركعات. يقول: إذا صلى الإنسان الفجر ثم جلس يأتي بالذكر الوارد بعد الصلاة ثم يأتي بأذكار الصباح ويستغرق تقريباً من الثلث إلى النصف ساعة ثم قام وأتى بركعتي السنة الراتبة لصلاة الفجر التي لم يتمكن من أدائها قبل الصلاة فهل تأخير أداء السنة بعد الصلاة لا بأس به؟ هناك أذكار متعلقة بالصلاة، أما أذكار الصلاة المتعلقة بها فلا تصلى الراتبة قبلها، إذا فرغ من أذكار الصلاة يصلي الراتبة، وأما الأذكار، أذكار الصباح فيؤخرها بعد أن يأتي بالراتبة، وإن أخر الراتبة إلى ارتفاع الشمس فهو أفضل، لكن لو قضاها بعد الصلاة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من قضاها بعد الصلاة. ما هي أفضل طبعة لكتاب التقريب؟ يظهر أن طبعة أبي الأشبال طيبة، الباكستاني طبعته طيبة، وطبعة محمد عوامة أيضاً جيدة. يقول: والدتي وأخواتي مسحورات أرجو الدعاء لهن وهل انتشار السحر في هذا الوقت من علامات الساعة؟ هو من علامات الغفلة، هو من علامات الغفلة عن الأذكار الواقية الثابتة في صحيح السنة. يقول: ((نعم المال الصالح للرجل الصالح)) ما معناه؟ المال الصالح عند الرجل الصالح إنما يسخره فيما ينفع في أمر الدين والدنيا فهذا يمدح، وأما المال عند الرجل الفاسق الذي يسخره فيما لا ينفعه أو يتخبط في أموال الله فقد جاء الوعيد على ذلك. يقول: كيف نجمع بين حديثي: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين)) وحديث: ((كان إذا خلى بمحارم الله انتهكها))؟

لا شك أن المعصية في السر أخف منها في العلن؛ لأن العلن يدل على الاستخفاف بأمر الله -جل وعلا-، أما السر فقد يكون هناك داعياً وهناك دافع قوي عنده ويستحي لذلك من الناس، فهذا معافى في الجملة، وهو أخف بكثير من المجاهر، أما الذي إذا خلى بمحارم الله انتهكها فهذا الذي يظهر للناس التقوى، ثم إذا خلى بمحارم الله انتهكها، فرق بين شخص تظهر عليه علامات الفسق لكنه لا يجاهر بفسقه، ولا يتهم بتقوى، ومن الناس من يتهم بأنه أزهد الناس لكنه إذا خلى انتهك المحارم، يعني يظهر للناس أنه تقي صالح، ثم إذا خلى بمحارم الله انتهكها هذا -نسأل الله العافية- أمره خطير، وهذا نظير من أبدى للناس أنه يصوم وهو في الحقيقة ليس بصائم، وجاء ذمه في الحديث: ((فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) إذا أظهر للناس أن الهجرة لطلب العلم لا للدنيا ولا للزواج، وهو في الحقيقة بحث عن زوجة فلم يجد، فقال: نهاجر إلى البلد الثاني، ولا نظهر للناس أننا هاجرنا من أجل الزوجة، وإنما من أجل العلم، فهذا يلام، ومثله -هذا مثال يكاد يكون مطابق لما نحن فيه- يعني لو وجد إنسان في كل يوم اثنين إذا بقي على الأذان نصف ساعة أذان المغرب خرج من بيته ومعه القهوة والشاي وفك السماط في المسجد وانتظر الأذان وهو ما صام، وكل من دخل قال له: تفضل افطر، وهو ما صام، ثم بعد ذلك لما أذن المغرب بدأ يأكل بسم الله، ويأكل من التمر والماء، يشرب من الماء والقهوة، هذا يظهر للناس أنه صائم، وإلا فأصل المسألة ما فيها إشكال، أكل مباح في مكان مباح، في المسجد ما في إشكال، لكن لو أكل الظهر ما يضر، ما يقال: إنه يظهر للناس أنه صائم، فإذا كان يظهر للناس أنه صائم وهو في الحقيقة ليس بصائم هذا الذي يذم، أما مجرد الأكل في مثل هذا المكان لا شيء فيه، فهذا الذي يظهر للناس التقوى بحيث يتفق الناس على الثناء عليه بأنه رجل صالح، ثم إذا خلى بمحارم الله انتهكها، هذا الذي يرد فيه الذم.

يقول: نقل الحافظ في الفتح عن الميموني أن أحمد قال عن أحاديث النهي عن الوضوء بفضل المرأة قال أحمد: إن أحاديث النهي مضطربة، كيف يجاب عن ذلك مع أن أحمد من الأئمة الكبار وأيضاً روي عنه القول بتحريم ذلك؟ ذكر الموفق في المغني عن الإمام أحمد روايتين: منها وهي المشهورة: منع الوضوء بفضل طهور المرأة إذا خلت به لطهارة كاملة عن حدث، والرواية الأخرى كقول الجمهور وهو عدم المنع، ولا إشكال في أن يكون للإمام أكثر من قول في المسألة فهو يحكم عليه بالاضطراب، ولذلك قال بقول الجمهور، وأحياناً يترجح لديه ثبوت النهي فيقول به. يقول: عند الوضوء مرتين مرتين أو ثلاثاً ثلاثاً فهل يكون المسح على الشراب أو الكنادر ثلاث مرات أيضاً؟ هذا المسح على الخفين باعتباره مسح فحكمه حكم الرأس، باعتباره مسح حكمه حكم الرأس، وباعتباره بدل عن غسلٍ مكرر وهو غسل الرجلين تغسل مرتين تغسل ثلاث، والبدل عند أهل العلم له حكم المبدل، فمن مسح ثلاثاً باعتبار أن المبدل منه وهو الغسل ثلاثاً، والفرع له حكم الأصل، والبدل له حكم المبدل له وجه، ومن مسح مرة واحدة بناءً على أنه مسح، والمسح مبناه على التخفيف كمسح الرأس، وهذا كأنه أوجه. إذا كان الإنسان مستعد للسفر هل يجوز له الجمع وهو داخل البلد؟ ذكرنا هذا مراراً وأنه لا بد أن يتلبس بالوصف المؤثر وهو السبب، ويفارق البلد، من الإسفار وهو الخروج والبروز عن البلد. كيف يميز الطالب المبتدئ أن هذا الكتاب يصلح لمستواه ويصلح للقراءة في هذا الوقت وهل يقرأ المبتدئ في علوم القرآن للسيوطي؟ الطالب بنفسه المبتدئ لا يستطيع التمييز، إنما يميز له الشيوخ، وهم الذين يرتبون له الكتب والطبقات، طبقات الكتب تبعاً لطبقات المتعلمين، فهو يسأل عن هذا الكتاب هل يناسبه أو لا يناسبه؟ علماً بأن تأثير الشارح للكتاب أعظم من تأثير الكتاب في الطالب، فقد يتولى شيخ من الشيوخ شرح أصعب الكتب فيجعله سهلاً يستفيد منه المبتدئ والمنتهي على حد سواء، وقد يشرح شيخ أسهل الكتب المؤلفة للمبتدئين فيجعلها لا تناسب إلا المتقدمين.

فالكتاب له دور، وأيضاً الشارح له أثر في المسألة، يعني بعض الناس لو يشرح ثلاثة الأصول قلنا: لا يحضره إلا القضاة والدعاة ما ينفع للطلاب أبداً، وبعض الناس مستعد يشرح أصعب كتاب ويجعله سهلاً ميسراً لآحاد المتعلمين، وعلى كل حال على طالب العلم لا سيما وأنه لم يجد من يشرح ما يريده من الكتب من أول الكتاب؛ لأن بعض المشايخ بعضهم تقدم في نصف الكتاب، وبعضهم تجاوز الكتاب الذي يراد شرحه، وبعضهم قد لا يتيسر له في بلده شرح هذا الكتاب، على كل حال طالب العلم عليه أن يعنى بالكتب التي ألفت لمثله، وهذه مبينة وموضحة ويستفيد منها ومما كتب عليها من شروح، ومما سجل عليها من أشرطة ويستفيد -إن شاء الله تعالى-. هل يقرأ المبتدئ في علوم القرآن للسيوطي؟ أما بالنسبة للإتقان فلا؛ لأنه كتاب طويل على المبتدئ، وأما المقدمة -مقدمة أصول التفسير- للسيوطي المأخوذة من النُقاية فهي صالحة للمبتدئ وعليها شروح يستفيد منها. ما حكم مخاطبة المخطوبة عبر الهاتف للضرورة أو مصلحة الزواج؟ وما قدر الرؤية لها؟ حكم مخاطبة الخاطب للمخطوبة هذا لا يصح ولا يجوز إلا بحضرة الولي، ولي الأمر، وكم من مصائب وكوارث حصلت بسبب التساهل في ذلك، يعني يتساهل الخاطب مع المخطوبة ويسترسلون في الكلام، ثم بعد ذلك يحصل ما يحصل ولا يتم في الغالب الزواج بهذه الطريقة. قدر الرؤية التي يتحقق من رؤية ما يدعوه إلى الإقدام عليها أو الإعراض عنها. ما حكم تجمع أهل الميت للعزاء في المقبرة؟ وهل اتخاذ ذلك عادة فيه شيء؟ على كل حال إذا كان القصد من ذلك التيسير على المعزين لا غير، فهذا مما لا يتم المستحب إلا به. زيارة أهل الميت في البيت وجلوس أهل البيت في بيوتهم واستقبالهم في البيوت لمدة ثلاثة أيام أحياناً هل يكون بدعة؟ المقصود مثل ما ذكرنا، إذا كان الميت له أقارب كثر ممن يعزى به، ممن أصيب به، وقصدهم بذلك التيسير على المعزين على ألا يتكلفوا للناس شيئاً، فإذا اجتمع الاجتماع مع الطعام صار نياحة، أما إذا كان اجتماع فقط من أجل التيسير على الناس فهذا يرجى أنه لا بأس به.

يقول: أهل الميت قد يأتيهم من خارج منطقتهم أناس يعزونهم فهل على أهل الميت إثم أذا هم أكرموهم وذبحوا الذبائح لهم؟ نعم عليهم إثم، هذه هي النياحة كما في حديث جابر، لكن إذا أكرم وصنع لهم الطعام صنع لهم الطعام من قبل غيرهم، فقد جاء الأمر بذلك: ((اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنهم قد جاءهم ما يشغلهم)) فإذا أكل الناس من هذا الطعام لا شيء فيه؛ لأنه غير مقصود من أهل الميت. يقول: هل يليق بطالب العلم المبتدئ أو المتوسط أن يقدم على شرح كتب العلم المتينة كالبخاري والموطأ والزاد ويقيم لها الدورات المعلنة ويتم تسجيلها وتوزيعها، وكأن الشارح لها من كبار المحدثين ألا ترى أن في هذا فتنة له وعبثاً بالعلم؟ هو الأخ ذكر الكتب التي أنا أشرحها البخاري والموطأ والزاد. يقول: هل يليق بطالب العلم المبتدئ أو المتوسط أن يقدم على شرح كتب العلم المتينة كالبخاري والموطأ والزاد ويقيم لها الدورات المعلنة ويتم تسجيلها وتوزيعه ا -هذا الله يستر- وكأن الشارح لها من كبار المحدثين ألا ترى أن في هذا فتنة له وعبثاً بالعلم؟ نعم لو كان درس خاص، نعم إذا كان طالب مبتدئ أو متوسط، ومع الأسف أننا نقول هذا الكلام ونحن في هذا الحكم، طالب مبتدئ ومتوسط لا يغر الناس ولا يغتر بقولهم، فعليه أن يكمل، يكمل الطلب ويتابع التحصيل، فإذا تأهل يجلس للتعليم، إذا تأهل يجلس للتعليم، وقد يحتاج إليه في وقت أو في ظرف ما في البلد أمثل منه، فيحتاج إلى أن يعلم غيره، نعم لو كان درس خاص على مجموعة من طلابه الخاصين من غير إعلانات لكان الأمر أخف، ومكثنا مدة طويلة لا نرضى بالإعلان ولا بالتسجيل -والله المستعان- ثم بعد ذلك استدرجنا حتى حصل ما حصل. يقول: أرجو توجيه نصيحة لبعض طلاب العلم الذين ينتسبون لبعض حلق الحديث أو حب السنة ومع ذلك ربما يلمزون الشيخ الألباني -رحمه الله- بالتساهل، ورد كثير من جهوده مع ما له من فضل في نشر السنة، لا شك أنه كغيره من العلماء ليس بمعصوم، فأرجو توجيه نصيحة لمثل هؤلاء بالإنصاف مع معرفة الفضل لأهله؟

هذا إذا كانوا يستطيعون أن يعرفوا منزلة الشيخ؛ لأن بعض الناس لا يستطيع أن يعرف منزلة الشيخ، ثم مع الأسف الشديد يقع في الشيخ، الشيخ –مثل ما ذكر الكاتب- ليس بمعصوم، ولوحظ عليه تساهل في شيء لا يعد شيئاً بالنسبة لجهوده -رحمه الله-، ومع ذلك هو إمام محدث، مجدد، ما عرفت السنة إلا به في هذا العصر، نعم يوجد من يعنى السنة لكن لا على مستوى الشيخ، الشيخ أخذ أكثر من ستين سنة متجرد لهذا العلم، والله المستعان، وهذا الذي يلمز الشيخ لعل حبه للسنة بسبب الشيخ. ما أفضل طبعات تفسير ابن كثير؟ أفضلها طبعة أولاد الشيخ مكتبة أولاد الشيخ في خمسة عشر جزءاً، وطبعة السلامة طبعة مكتبة طيبة الطبعة الثانية أمثل من الأولى يستفاد منها، وطبعة الشعب أيضاً في ثمانية أجزاء طبعة مصرية طيبة؛ لأنها طبعت عن أقدم الطبعات عن أقدم النسخ الخطية النسخة الأزهرية فهي مفيدة. ما رأيك بكتاب مسائل الإمام أحمد؟ هذا يذكرنا بشخص يعني كثير أخطاؤه الإملائية، يقول: بكتاب حاط (بيكتاب) فالإملاء حقيقة في غاية الأهمية لطالب العلم، يقبح بطالب العلم أن يقدم كلام مكتوب بمثل هذا الإملاء والتعلم سهل يعني ليس بالصعب وكتب الإملاء موجودة، ومن أفضلها كتاب الإملاء للشيخ حسين والي، كتاب مؤلف منذ أكثر من مائة سنة، ومعه كتاب تمرين الإملاء له للشيخ نفسه، يعني هذا تطبيقات على ذلك الكتاب. يقول: ما رأيك بكتاب مسائل الإمام أحمد للسجستاني؟ -مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني بقلم يعني تحقيق (بيقلم) لا كل هذا ما يصلح يا أخي- محمد رشيد رضا الطبعة الأولى المنار في مصر؟ هذه الطبعة هي أقدم الطبعات لكن فيها أخطاء مطبعية كثيرة. يقول: هذا رجل على ولده عتق رقبة ويريد أن يشارك معه في عتق الرقبة هل يجوز له ذلك؟ لو تبرع الوالد بالإعتاق عن ولده مما لا منة له فيه جاز، على أن يملكه المال ثم هو يعتق بنفسه، أما إذا وجدت المنة فلا. ما رأيكم بمن يقول بالأخذ من اللحية قدر القبضة وأدلتهم في ذلك فعل ابن عمر وابن عباس وغيرهم من الصحابة؟ وما ضابط قدر القبضة على فهم الصحابة؟

القبضة معروف أنها قبضة اليد، كان ابن عمر إذا حل من نسكه أخذ ما زاد على القبضة، متأولاً في ذلك {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] يعني إذا حلق رأسه بالموس فماذا يبقى للتقصير؟ لأنه يرى أن الواو واو جمع، لا بد أن يجمع بين التحليق والتقصير، فإذا حلق رأسه بالموس فماذا يبقى للتقصير على فهمه هو -رضي الله عنه وأرضاه-؟ ما يبقى إلا اللحية، فيقصر من لحيتها ما زاد على القبضة، وهذا فهم لم يوافق عليه، ولم يوفق فيه لمخالفته النصوص الصحيحة الصريحة المرفوعة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يعارض بقول أحد، وإذا جاء كما قال الإمام مالك: نهر الله بطل نهر معقل، فلا عبرة بقول أحد ما دام الأمر ثابتاً عنه -عليه الصلاة والسلام-. يقول: ما رأيك بطبعة جامع الأصول تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي؟ هذه طبعة طيبة في اثني عشر جزءاً، وأحسن منها وأجود طبعة الشيخ عبد القادر الأرنؤوط، وطبعات التركي لكتب الفقه وشروح الموطأ طبعات طيبة، لكن تحتاج إلى مزيد من التخريج والتعليق وإلا هي أفضل من سوابقها. يقول: هل يضر السحر والعين بمن يحافظ على ورده في الصباح والمساء؟ الغالب لا، لكن الأوراد والأذكار أسباب، والأسباب قد تترتب عليها آثارها وقد تتخلف هذه الآثار لوجود موانع، فعلى الإنسان أن يحافظ على بذل الأسباب وانتفاء الموانع، يعني ما يأتي بالأذكار ويملأ بيته من الصور والمعازف والمزامير التي تجمع الشياطين، يأتي بأسباب ويأتي بموانع، لا، أنت إذا فعلت الأسباب وبذلت الأسباب فعليك بانتفاء الموانع، ولا يعني هذا أن هذا مضمون مائة بالمائة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل الناس وأتقى الناس وأورع الناس وأكثرهم ملازمة لذكر الله ومع ذلك سحر. هذا سؤال أقرأه من غير تعليق:

يقول: هل إذا لم يستطع عموم المسلمين الغزو في سبيل الله لما يظهر من واقعهم يأمنون من عاقبة قوله تعالى في سورة التوبة: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا} [(39) سورة التوبة]؟ وما النصيحة الواجبة على العلماء لعامة المسلمين في هذا؟ والسلام عليكم. أظن مثل هذا لا يحتاج إلى تعليق. هل يجوز الحمد لله ثم فلان؟ لا، الحمد خاص بالله -جل وعلا-، وأما المدح فله أن يمدح. بماذا يرد على الشيعة حين يقولون: إن الصحيح في الوضوء مسح القدمين لقوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} يعني على قراءة الكسر {إلى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة]؟ هذا تقدم في الدروس السابقة. هذا من الإمارات يقول: كيف تكون محاسبة النفس بالنسبة للمسلم؟ وما صفة المحاسبة؟ الإنسان إذا أوى إلى فراشه وأتى بأذكار النوم ذكر ما فعله من الطاعات واستغفر عن التقصير ولام نفسه على ذلك، وإن وجدت مخالفات أو ذنوب صغائر أو كبائر، بادر بالتوبة منها، فلا ينام إلا على مثل ذلك، وابن عمر -رضي الله عنه- لا ينام إلا بعد صلاة؛ لتكون خاتمة أعماله. يقول: رجل مات وصلوا عليه ودفنوه ولما انتهوا من الدفن تذكروا أنهم لم يغسلوه فما العمل؟ إذا كانت المدة قصيرة بحيث تذكروا في الوقت ولا يغلب على الظن أنه تغير، أو أصابه ما أصابه من دود ونحوه، فلا مانع من أن يخرج ويفعل هذا الواجب وإن كان طالت به المدة فيكتفى بما حصل. أنا شاب منَّ الله عليه بالهداية وطلب العلم لكنني أعاني كل فترة من الوقوع في العادة السرة فما نصيحتكم لنا؟ ونرجو أن تدعو الله أن يعصمني من الوقوع في هذا الذنب؟

لا شك أن هذا ذنب، ومحرمة، الاستمناء الذي يسمونه العادة السرية محرم؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(5 - 6) سورة المؤمنون] والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)) مثل هذا عليه بالصوم، وعليه قبل ذلك ألا يعرض نفسه للفتن، فلا يخرج إلى المحافل التي توجد فيها النساء، ولا ينظر إلى القنوات التي تظهر بها النساء، فإذا حمى نفسه من هذه الفتن وقاه الله -جل وعلا-، وإذا علم الله منه صدق التوبة والإنابة أعانه على ذلك. هذا من فرنسا ما عاد أدري رجل وإلا امرأة: يقول: صديقتي توفي الجنين في بطنها وعمره خمس شهور وقد طلبت مني تغسيله فهل أغسله وأكفنه أم لا؟ ما دام له خمسة شهور قد نفخت فيه الروح فله الأحكام، يغسل إذا كانت أمه مسلمة وأبوه، إذا كانت أمه مسلمة فأحكامه أحكام المسلمين يغسل ويكفن ويصلى عليه. يقول هذا: يستصعب علينا حفظ النثر من المتون ولو حفظناه فسرعان ما ننسى، فهل المنظومات تغني عن حفظ النثر؟ إن كان كذلك فنرجو منكم بيان أهم المنظومات في كل فن؟ هذا استدراج، نعم النظم أثبت، النظم أثبت من النثر، وأما بالنسبة للمنظومات فهي موجودة في المجاميع العلمية التي تضم المتون. ما الطريقة المثلى لمن أراد حفظ القرآن ومراجعته؟ (هذه امرأة من الإمارات).

باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد:

القرآن يسره الله -جل وعلا- {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(22) سورة القمر] القرآن ميسر، ومع ذلك يحتاج إلى متابعة، وهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها، أشد تفلتاً فعلى من يحفظ أن يكثر المراجعة، ولا يكلف نفسه أكثر مما يطيق يختبر حافظته إن كان يستطيع أن يحفظ وجه صفحة أو وجهين ورقة يختبر نفسه أو لا يستطيع يحفظ خمس آيات نصف وجه، ثلاث آيات، آيتين، آية إذا كان لا يستطيع ويش المانع؟ وإذا حفظ آية في كل يوم في عشرين سنة ينهي القرآن، أحسن من لا شيء، ولو حفظ ورقة في أقل من سنة ينهي القرآن، على كل حال يختبر الإنسان نفسه فإذا استقر أمره على قدر معين، آية، آيتين، ثلاث، خمس، صفحة صفحتين، على قدر استطاعته، يجعل هذا حزب ورد يومي يكرره حتى يحفظه، ثم بعد ذلك يقرأ الحزب الذي يليه، ثم من الغد يراجع ما حفظه بالأمس خمس مرات، ويحفظ الورد الذي يليه الخمس الآيات الثانية، ثم بعد ذلك في اليوم الثالث يقرأ نصيب اليوم الأول الذي حفظه في اليوم الأول أربع مرات، ونصيب اليوم الثاني خمس مرات، ثم في اليوم الرابع يقرأ ثلاث مرات، أربع مرات، خمس مرات، ويحفظ نصيب اليوم الجديد، في اليوم الخامس يقرأ مرتين، ثلاث، أربع، خمس .. إلى آخره، بهذه الطريقة يحفظ ويتقن الحفظ، وعليه أن يثابر ويتابع، والله يهدي إلى سواء السبيل. اللهم صل على محمد. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه)). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن جابر. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد" والنهي: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) الأصل فيه التحريم، وعلى هذا فالكراهية هنا كراهية التحريم. "باب: كراهية البول في الماء الراكد" الراكد جاء تفسيره في رواية البخاري: الذي لا يجري، وهو الدائم، كما جاء في بعض الروايات. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمود بن غيلان" العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي، ثقة من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين، يعني ومائتين. قال: "حدثنا عبد الرزاق" بن همام الصنعاني، إمام معروف "عن معمر" بن راشد، ثقة حافظ "عن همام بن منبه" بن كامل الصنعاني المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" وهذه جملة من الصحيفة صحيفة همام عن أبي هريرة المشتملة على أكثر من مائة وثلاثين جملة، يعني أكثر من مائة وثلاثين حديث، ساقها الإمام أحمد مساقاً واحداً، في مسند أبي هريرة، وانتقى منها الإمام البخاري ما انتقى، ومسلم انتقى منها أيضاً، لكن جرت عادة البخاري -رحمه الله- أنه إذا أراد شيئاً من هذه الصحيفة مما يحتاجه، مما يستدل به على ما ترجم عليه "قال: عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) ... إلى آخره. وأما بالنسبة للإمام مسلم فهو ينتقي من هذه الصحيفة ويقول: فذكر أحاديث لما يذكر الإسناد يقول: فذكر أحاديث منها: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) هذه طريقة البخاري وهذه طريقة مسلم ليدلا على أن الحديث ليس بمستقل يعني كامل بهذا السياق، إنما هو قطعة من أحاديث. "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يبولن)) " (لا) هذه ناهية، ويبولن: فعل مضارع مجزوم بـ (لا) الناهية منع منه البناء؛ لأن المضارع هنا مبني على الفتح، المضارع مبني على الفتح ومحله الجزم بـ (لا) الناهية، مبني على الفتح لماذا؟ لاتصاله بنون التوكيد المباشرة التي لم يفصل بينها وبين الفعل بفاصل. . . . . . . . . . ... وأعربوا مضارعاً إن عريا من نون توكيد مباشر ومن ... . . . . . . . . .

فإذا كانت نون التوكيد مباشرة ملتصقة بالفعل بني على الفتح، يعني جاء في التحذير من ترك الجمعة: ((لينتهين أقوام)) هذا مبني؛ لأن النون متصلة بالفعل ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكوننّ من الغافلين)) ليكونن هذا ما هو بمبني هذا معرب؛ لأن النون فصل بينها وبين الفعل بالواو، واو الجماعة. " ((لا يبولن أحدكم)) " وهو شامل للذكر والأنثى " ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) " في البخاري: ((الذي لا يجري)) وهو تفسير للدائم، وجاء بلفظ: ((الراكد)) " ((ثم يتوضأ منه)) " وعند الشيخين وغيرهما: ((ثم يغتسل فيه)) يتوضأُ ويغتسلُ هنا قال ابن حجر: بضم اللام على المشهور: يغتسلُ ومثلها ثم يتوضأُ، إذا كانت ثم عاطفة فشأن الفعل أن يكون مجزوماً؛ لأنه معطوف على مجزوم، لكن لماذا قال: المشهور ضم اللام ثم يغتسلُ؟ لأن يغتسل أو يتوضأ كما في لفظ الحديث الذي معنا ليس من عطف الفعل على الفعل، وإنما هو من عطف جملة على جملة، فيقدر هو ثم هو يغتسل منه، ومثله حديث: ((لا يضرب أحدكم امرأته ثم يضاجعها)) لأنه قد يحتاج إليها، ثم هو يضاجعها، فلا يكون معطوف الفعل على الفعل، وهنا: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) ثم يحتاج إليه فهو يتوضأ منه، أو يغتسل منه، هذا على القول المشهور أو الرواية المشهورة بضم اللام. وقال ابن مالك: يجوز الجزم عطفاً على يبولن؛ لأنه مجزوم الموضع بـ (لا) الناهية، يبولن مجزوم، وإن كان مبنياً على الفتح لكنه مجزوم بـ (لا) الناهية، ويجوز أن يعطف عليه بالجزم ثم يتوضأ منه، هذا قاله ابن مالك: يجوز الجزم عطفاً على يبولن؛ لأنه مجزوم الموضع بـ (لا) الناهية. بعضهم قال: لا يجوز الجزم؛ لأنه لو جاز لقال: ولا يغتسلن، أو ولا يتوضأن، كما قال: لا يبولن، لكن لا يمنع أن يعطف الفعل غير المؤكد على الفعل المؤكد، لا يمنع أن يعطف الفعل غير المؤكد على المؤكد، وذلك للتفاوت بينهما، النهي عن الاغتسال مثل النهي عن البول؟ لا، تأثير البول في الماء أشد من تأثير الاغتسال ومن تأثير الوضوء فلا مانع من العطف حينئذٍ، ولو لم يؤكد الثاني. قال القرطبي: لا يجوز النصب، ومنهم من قال: يجوز النصب ثم يتوضأَ.

يقول القرطبي: لا يجوز النصب إذ لا تضمر (أن) بعد (ثم)، نعرف أن (أن) تضمر بعد واو المعية، وبعد فاء السببية، إذا تعقبت الأمور التسعة المعروفة عند النحاة. لا تضمر (أن) بعد (ثم) وأجازه ابن مالك بإعطاء ثم حكم الواو، تعطى ثم حكم الواو، وحينئذٍ يجوز النصب، وتعقبه النووي تعقب ابن مالك، إذا قلنا: بجواز النصب تعقبه النووي بأن ذلك يقتضي أن يكون النهي عن الأمرين معاً، النهي عن الجمع بين الأمرين، ولا يدل على النهي عن البول وحده أو الاغتسال والوضوء وحده، وهذا يبطل فائدة الحديث على حد زعم النووي؛ لأنه إذا قلنا: النهي عن الأمرين معاً، جاز البول وحده، وجاز الوضوء وحده، وفي الأحاديث ما يدل على منع البول وحده، وما يدل على منع الاغتسال وحده، فهذا يبطل دلالة هذا الحديث، هذا كلام النووي. وقال ابن دقيق العيد: أنه لا يلزم أن تؤخذ جميع الأحكام من حديث واحد، يعني يؤخذ تحريم البول وحده من إفراده في بعض الروايات، ويؤخذ تحريم الاغتسال والانغماس وحده مما جاء في بعض الروايات، ويؤخذ الجمع بينهما من رواية النصب، من رواية النصب التي جوزها ابن مالك. وقال ابن دقيق العيد: إنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد فيؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث على رواية النصب إن ثبتت وإلا هذا مجرد تجويز من ابن مالك، ويؤخذ الإفراد من حديث آخر، فجاء عند مسلم من حديث جابر: "نهى عن البول في الماء الراكد" وعنده من حديث أبي هريرة: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) فجاء النهي عن البول وحده، وجاء النهي عن الاغتسال وحده، والجمع بينهما من باب أولى، سواءً ثبتت رواية النصب أو لم تثبت، سواءً ثبتت رواية النصب أو لم تثبت؛ لأن النصب تجويز من ابن مالك، ولم يذكر في ذلك رواية، وعلى كل حال إذا ثبت البول وحده والاغتسال وحده يثبت من باب أولى الجمع بينهما، يثبت النهي عن الجمع بينهما من باب أولى. ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه)) قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح" ومخرج في الصحيحين وغيرهما، حديث الجماعة، "وفي الباب عن جابر" عند مسلم نهى عن البول في الماء الراكد، هذا عند مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه-.

البول المقصود به: إيصاله إلى الماء بأي طريقة أو وسيلة، ولا يختلف أن يبول فيه مباشرة، أو يبول في إناء ثم يصبه فيه، أو يبول خارجه ثم ينساب إليه كل هذا لا يختلف إذا قصد من المكلف، ومن لازم المذهب عند الظاهرية أنه إذا بال في إناء ثم صبه فيه لا يدخل في النهي، وهذا لائق بظاهريتهم، والنهي عن البول عند الجمهور من باب أولى ما هو أشد منه، كالغائط من باب أولى، لكن عند الظاهرية أن التغوط فيه ما فيه إشكال، وهذا لازم على مذهبهم، من حيث الجمود على الظاهر، لكن عامة أهل العلم على أن التغوط أشد وهو من باب أولى لا يجوز. ((أحدكم في الماء الدائم)) الدائم هو الساكن، وهو الذي لا يجري، والدائم من الأضداد يطلق على الساكن كما أنه يطلق على المتحرك، فهو من الأضداد كما بين ذلك ابن الأنباري وغيره، والمراد به هنا ما جاء تفسيره في بعض الروايات أنه الذي لا يجري وهو الراكد. ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه)) في بعض الروايات: ((ثم يغتسل فيه)) وسئل أبو هريرة ماذا يصنع؟ قال: يتناوله تناولاً. منهم من يقول وهذا قريب جداً من مذهب الظاهرية أنه يتحايل على الماء الدائم فيلقى فيه حصاة مثلاً فإذا تحرك انغمس فيه، انتفى عنه الوصف، وهذا قريب من رأي الظاهرية، يتحايل عليه. من أنواع الماء ما له معين ينبع مستمر مثل العيون الكبيرة التي لها معين فالماء فيها متجدد، ومثل ذلك الماء، البرك التي فيها فلتر، فلتر معروف في المسابح فلتر، يجدد الماء ويغيره باستمرار فهل هذا نقول: راكد وإلا ساكن؟ هذا حكمه حكم الجاري. هناك قاعدة من قواعد ابن رجب في الماء الراكد أو الماء الجاري هل حكمه حكم الماء الراكد أو كل جرية لها حكم الماء المنفصل؟ فتراجع هذه في أوائل قواعد ابن رجب، وفيها فروع تنفع في شرح هذا الحديث.

باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور:

البول في الماء الدائم إن غير لونه أو طعمه أو ريحه نجس بالإجماع، نجس الماء بالإجماع، وإن لم يتغير وكان دون القلتين نجس عند الحنابلة والشافعية، وإن لم يتغير قليلاً كان أو كثيراً لم ينجس عند المالكية، وإن كان غديراً مساحته عشرة في عشرة أو إذا حرك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر كان كثيراً عند الحنفية فلا ينجس إلا بالتغير، وإن كان دون ذلك نجس ولم يتغير، فعلى هذا البول في الماء الدائم عند المالكية النهي لئلا يقذره على من أراد استعماله، قليلاً كان أو كثيراً إذا لم يتغير، وإن تغير فهو لتنجيسه، والنهي عند الحنابلة والشافعية إن كان قليلاً فلتنجيسه ولو لم يتغير وإن كان كثيراً فلتقذيره كقول المالكية، ثم إذا توضأ فيه أو اغتسل فيه، توضأ فيه أو اغتسل فيه فإنه لا ينجس عند الجمهور؛ لأن المؤمن لا ينجس، فلا ينجس ما باشره، لكنه عند الحنابلة والشافعية إن كان دون القلتين انتقل من كونه طهور مطهر إلى كونه طاهراً فقط؛ لأنه ارتفع به حدث، والحنفية يقولون: ينجس؛ لأنه معطوف على البول والبول ينجس، لكن هذا استدلال بدلالة الاقتران وهي ضعيفة عند أهل العلم. نأتي إلى الفرق بين مذهب الحنابلة ومذهب الشافعية: إذا انغمس في ماء قليل، إذا انغمس في ماء قليل أقل من القلتين من جنابة يرتفع الحدث أو لا يرتفع؟ طالب:. . . . . . . . . عند من؟ طالب:. . . . . . . . . عند الحنابلة لا يرتفع، وعند الشافعية؟ طالب:. . . . . . . . . لا، عند الشافعية يرتفع؛ لأنه ما يصير مستعملاً إلا برفع الحدث، إذا رفع الحدث صار مستعملاً عندهم، وعند الحنابلة يتحول من كونه مطهر إلى طاهر بمباشرة أول أعضاء الجسم التي يجب إزالة الحدث عنها، يعني بمجرد وصول الرجلين خلاص صار مستعمل، وكأن مذهب الشافعية في هذا أقعد، وأنه لا يسمى مستعمل حتى يرفع حدث. نقرأ الحديث الذي يليه. عفا الله عنك. باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور:

حدثنا قتيبة عن مالك ح وحدثنا الأنصاري إسحاق بن موسى قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: سأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)). قال: وفي الباب عن جابر والفراسي. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم أبو بكر وعمر وابن عباس لم يروا بأساً بماء البحر، وقد كره بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الوضوء بماء البحر منهم ابن عمر وعبد الله بن عمرو، وقال عبد الله بن عمرو: "هو نار". نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور" والبحر معروف لا يحتاج إلى تعريف، أنه طهور، يعني مطهر، مطهر. الماء المستعمل الذي ذكرناه في الحديث في شرح الحديث السابق الذي رفع به الحدث لا يطهر مرة ثانية عند الحنابلة والشافعية، لكنه عند المالكية لا يزال طهوراً مطهراً، حتى قال البغوي نقلاً عنهم: إنه أولى بالتطهير من غير المستعمل، إنه أولى بالتطهير من غير المستعمل، لماذا؟ قالوا: لأن طهور صيغة مبالغة، وهذه تنفعنا: ((هو الطهور ماؤه)) يعني سواءً شرحنا هذه الكلمة بالحديث هذا أو الذي قبله.

قالوا: إن طهور صيغة مبالغة، والذي يقع به التطهير مرة واحدة لا يستحق هذه الصيغة، لا يستحق هذه الصيغة، فالشكور مثلاً الذي يشكر الله مرة واحدة يقال له: شكور؟ لا، حتى يتصف بالوصف الذي عدل فيه إلى المبالغة، يعني مثل صادق وصدوق، صادق قد يطلق على شخص يصدق مرة واحدة يقال: صادق، وصدوق يطلق على الملازم للصدق وكذلك الشكور الملازم للشكر، والطهور الملازم للتطهير، كذا قيل عنهم، يعني نقل البغوي في شرح السنة هذا الكلام، وأن الماء المستعمل في الطهارة أولى بالتطهير من غير المستعمل؛ لأنه لا يستحق صيغة مبالغة حتى يتكرر منه التطهير، وهذا نظر إلى الصيغة، ومن حيث المعنى الكلام يستقيم وإلا ما يستقيم؟ هل يستقيم وإلا ما يستقيم؟ من حيث المعنى لا يستقيم، لماذا؟ لأن الاستعمال

للماء سواءً كان في الوضوء أو في الاغتسال أو في أي تنظيف كان هل يزيده طهارة؟ نقول: استفاد زيادة في الطهارة بنفسه، يعني أيهما أنقى الماء الذي نزل من السماء مباشرة ما استعمل أو نبع من الأرض ما استعمل أو تكرر به التطهير جاء هذا وغسل يديه، وهذا غسل رجليه، وذا غسل إناء، وذا غسل إبريق، وهذا غسل، مشكلة، هل هذا أدخل فيما نحن فيه أو أبعد؟ الآن المسألة مسألة دقيقة يعني الكلام الذي نقله البغوي قد يقبله بعض الناس؛ لأن الصيغة تساعد لما تكرر منه التطهير يستحق الوصف بالمبالغة فعول، طهور، لكن نقول: هل التطهر بالماء يستفيد منه الماء زيادة طهارة وإلا ما يستفيد؟ ما يستفيد، معنى الطهور الذي يفيد في هذا الباب ما كرر تطهيره فهو طهور، يعني لو أنه عرض على فلتر وخرج نقول: طاهر، ثم عرض على فلتر ثاني وخرج أنظف من الأول، ثم على فلتر ثالث، ثم على فلتر رابع، نقول: هذا طهور صحيح يستحق صيغة المبالغة، الطهور بمعنى التطهير، والطهارة في نفسه، لكن باستعمالاته المتكررة نعم يضعف وصفه شيئاً فشيئاً حتى ينسلب بالكلية، فالطهور في بابنا مضعف، يعني تكرار التطهير مضعف بخلاف تكرار التكرير، والفلترة، نقوي، يعني المسألة حصل فيها لبس، يعني عادي الناس من غير نظر في صيغة ولا غيرها، من غير نظر في الصيغة عادي الناس يحكم بأن الماء المستعمل أقل من الماء غير المستعمل، والمناسب لصيغة المبالغة الوصف بطهور يعني قبل الاستعمال، طهور قبل الاستعمال، يعني تكرر تطهيره، لا التطهر به، فقول البغوي فيما نقله عن بعض المالكية لا وجه له. ويبقى أن المستعمل محل خلاف بين أهل العلم، المستعمل محل خلاف بين أهل العلم، وإن كان المرجح أنه لا ينسلب الطهورية. "باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور"

قال: "حدثنا قتيبة" بن سعيد قال: "عن مالك" نجم السنن، مالك بن أنس إمام دار الهجرة "ح" هذه ح التحويل من إسناد إلى آخر، ويقصد منها اختصار الأسانيد "ح وحدثنا الأنصاري إسحاق بن موسى" وكل ما يقول الترمذي حدثنا الأنصاري فالمراد به إسحاق بن موسى، الخطبي، أبو موسى المدني، ثقة متقن، مات سنة أربع وأربعين ومائتين، قال: "حدثنا معن" وهو ابن عيسى القزاز أحد الرواة "عن مالك" وله موطأ من الموطئات مما يروى عن مالك -رحمه الله-.

"حدثنا معن قال: حدثنا مالك عن صفوان بن سليم" الزهري مولاهم، المدني، ثقة عابد "عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق" وثقه النسائي من السادسة "أن المغيرة بن أبي بردة" الكناني، وهو من بني عبد الدار وثقه النسائي أيضاً، أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجل، الرجل المبهم هو كما جاء في بعض الروايات عبد الله المدلجي العركي الملاح، الملاح قائد السفينة "سأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر" نركب البحر، يعني بواسطة ما يثبت على البحر من قارب أو سفينة أو باخرة أو ما أشبه ذلك، نركب البحر زاد الحاكم: "نريد الصيد، ونحمل معنا القليل من الماء" وقد يستدرجهم الصيد إلى الإبحار البعد في عمق البحر، ثم ينفذ هذا الماء الذي معهم "ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ " وكأنهم ترددوا في الوضوء به لما رأوا من تغير لونه وطعمه ورائحته، رائحة البحر متغيرة، بسبب ما يموت فيه من أسماك وحيتان وغيرها، وطعمه أيضاً متغير، ولونه متغير أحياناً، لا سيما إذا قرب من الساحل، شكوا في طهارة ماء البحر، فأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)) الطهور بفتح الطاء أي المطهر، والصيغة مبالغة، ومنه قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} [(48) سورة الفرقان] ولم يقل في جوابه نعم، ما قال في جوابه نعم، يريد أن يجيب بحكم مقرون بعلته، الغرض من هذا اقتران الحكم بعلته، ما قال نعم تطهروا، قال: ((هو الطهور ماؤه)) وذكر العلة تقتضي أن الجواب نعم تطهروا به؛ لأنه هو الطهور ماؤه، وليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها. ((الطهور ماؤه)) ماؤه فاعل لصيغة المبالغة، وأيضاً: الحل فاعل المصدر، حل يحل حلاً، فالحل مصدر وماؤه .. ، ميتته فاعل والمصدر يعمل عمل فعله، فماؤه طهور، وميتته حلال، وأجيبوا بأكثر مما سألوا للحاجة الداعية إلى ذلك، الحاجة تدعو إلى ذلك. وقولهم: يجب مطابقة الجواب للسؤال معناه أن لا ينقص الجواب عن السؤال، أما إذا زيد في الجواب مما يحتاجه السائل، وقد غفل عنه، هذا أمر مطلوب ومحمود.

((الحل ميتته)) الذي يتردد في طهورية الماء، ماء البحر المستبحر الكثير، الذي يتردد في هذا ألا يتردد في أكل الميتة من البحر وقد سمع تحريم الميتة؟ نعم يتوقف ويستشكل من باب أولى، يستشكل من باب أولى، فأجابهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بما هو أهم من ذلك، وأكثر إشكالاً مما سألوا عنه. وميتة البحر حلال إذا كانت مما لا يعيش إلا به، وأما ما يعيش في البر والبحر فلا، والمراد بذلك كما قلنا: مما لا يعيش إلا به، فلو مات إنسان في البحر صح أن نقول: إنه ميتة بحر، لكنه مع ذلك لا يجوز أكله، لو مات حمار في البحر غرق، أو مات جمل في البحر وغرق فيه لا يجوز أكله وإن كان ميتاً في البحر. طالب:. . . . . . . . . إيه تخرج، نعم. المراد بالميت ميتة البحر ما لا يعيش إلا فيه.

وقال الحنفية وهو أضيق المذاهب في الباب قالوا: يحرم كل ما سوى السمك، والحديث محمول على السمك وقال أحمد: يؤكل كل ما في البحر إلا الضفدع والتمساح، يعني جاء النهي عن قتل الضفدع والتمساح له ناب، وقال مالك: كل ما في البحر حلال، وهذا هو المطابق لقوله: ((الحل ميتته)) لأن ميتة مفرد مضاف فيعم المفرد المضاف من صيغ العموم، وقيل: يؤكل ما له نظير في البر، ويحرم ما يحرم نظيره في البر، يعني إذا وجدنا كلب البحر على رأي مالك نأكل، على رأي أبي حنيفة ما نأكل، على رأي الإمام أحمد نأكل، على القول الأخير له نظير في البر، لكن نظيره محرم، ما نأكل، ما له نظير في البر مما يؤكل يؤكل، وما له نظير في البر مما لا يؤكل لا يؤكل، فالخنزير مثلاً، خنزير البحر على قول مالك يؤكل، على قول غيره كالحنفية مثلاً لا يؤكل، لا سيما والنزاع في تناول النص القرآني لخنزير البحر بناءً على أن اللفظ عام، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [(3) سورة المائدة] فمنهم من يقول: إن لحم الخنزير شامل، شامل لما كان في البر والبحر، وما له ناب مما جاء منعه في السنة شامل لما في البر والبحر ومخصص لهذا الحديث، المقصود أن القول قول مالك له وجه، وهو ما يفيده الحديث، ويقول الله -جل وعلا-: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [(96) سورة المائدة] قال البخاري في صحيحه قال عمر: صيده ما اصطيد، وطعامه ما رمى به.

وقال أبو بكر: الطافي حلال، يعني مات في جوف البحر ثم طفا على سطحه سطح البحر حلال، ويمنعه الحنفية ويقولون: الطافي لا يؤكل، وفي حديث جابر عند أبي داود قال: "ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه" أخرجه أبو داود لكن الصحيح وقفه على جابر، أنه موقوف على جابر وهو معارض بكلام أبي بكر من قوله: "الطافي حلال" وهو المناسب قول أبي بكر وحل الطافي وهو قول الجمهور القول المناسب للحديث: ((الحل ميتته)) فالطافي ميتة بحر، في أحد يخرج الطافي من ميتة البحر؟ إذا ماتت في البحر ثم إذا لم تتناول الطافي كيف تتناول؟ لأن من لازم ما يموت أنه يطفو، فعلى هذا يدخل الطافي دخولاً أولياً في حديث الباب، وما أشكل عند الحنفية من حديث جابر فالصواب وقفه عليه. قال الترمذي: "وفي الباب عن جابر" عند أحمد وابن ماجه "والفراسي" عند البيهقي، "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن المنذر والبغوي، والإمام البخاري -رحمه الله- حكى عنه الترمذي في علله أنه صحح الحديث، صحح الحديث الإمام البخاري، قال: "وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر وابن عباس، لم يروا بأساً بماء البحر" وهو الصحيح الذي لا يسوغ غيره، الصحيح الذي لا يسوغ ولا يليق غيره "وقد كره بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الوضوء بماء البحر منهم ابن عمر وعبد الله بن عمرو، وقال عبد الله بن عمرو: "هو نار".

باب: ما جاء في التشديد في البول:

قال ابن العربي: أراد به أنه طبق لنار، جاء النهي عن ركوب البحر فإن تحت البحر ناراً، فعلى هذا كونه نار يعني طبق لنار، غطاء لنار، ليس بنار في نفسه، وابن قدامه في المغني يقول: قولهم: هو نار، إن أريد به أنه نار في الحال يعني الآن هو نار، إن أريد به أنه نار في الحال فهو خلاف الحس، ما في أحد يقول: إن البحر نار، إن أريد به أنه في الحال نار، وإن أريد به أنه يصير ناراً يعني فيما بعد يصير ناراً لم يمنع ذلك الوضوء به حال كونه ماءاً، فهو ماء يصح أن يتوضأ به، ولا يعدل عنه إلى التيمم؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء] وهذا ماء، فيتطهر به ولا يعدل عنه، ولم يقم دليل على الكراهة، دليل صحيح على الكراهة لم يقم، وإنما هو من أقوال ابن عمر وعبد الله بن عمرو أنهم كرهوا أن يتعرض الإنسان للبحر؛ لأنه مظنة الخطر، وجاء النهي عن ركوب البحر إلا حاجاً أو معتمراً أو غازياً في سبيل الله، وعلى كل حال ركوب البحر عند هيجانه لا شك أنه من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، لكن إذا كانت الريح ساكنة، والأمور كما يقولون: طبيعية راكدة، فلا مانع من ركوبه، وقد ركبه الصحابة وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن من أصحابه من يغزو في البحر، وقد تم ذلك، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في التشديد في البول: حدثنا هناد وقتيبة وأبو كريب قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاووس عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر على قبرين فقال: ((إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة)). قال أبو عيسى: وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي بكرة وأبي هريرة وأبي موسى وعبد الرحمن بن حسنة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس ولم يذكر فيه عن طاووس، ورواية الأعمش أصح. قال: وسمعت أبا بكر محمد بن أبان البلخي مستملي وكيع يقول: سمعت وكيعاً يقول: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التشديد في البول" التشديد في البول، و (أل) هذه جنسية أو عهدية، وحديث الباب يدل على أن المراد بالبول بول الإنسان؛ لأنه يقول: ((لا يستتر من بوله)) فدل على أن المراد به بول الإنسان، وفي حكمه بول ما لا يؤكل لحمه فهو نجس، أما بول ما يؤكل لحمه فإنه طاهر ولا يدخل في هذا، والباب الذي يليه، الباب الذي يلي الذي يليه يعني بعد باب، باب: ما جاء في نضح بول الغلام، أيضاً داخل في البول إلا أنه مخفف، وباب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه، يأتي ما يدل على أنه طاهر -إن شاء الله تعالى-. قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد وقتيبة وأبو كريب قالوا: حدثنا وكيع" بن الجراح "عن الأعمش" سليمان بن مهران "قال: سمعت مجاهداً" بن جبر "يحدث عن طاووس" بن كيسان اليماني الحميري مولاهم ثقة، فقيه، متقن، فاضل "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر على قبرين" وعند ابن ماجه: "جديدين"، "فقال: ((إنهما يعذبان)) " ويعني صاحبي القبرين، ولا يعني القبرين، هل المراد القبران يعذبان أو صاحبا القبرين؟ صاحب، طيب ((ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)) هل المراد به الذي ينزل من الإزار هو في النار أو صاحبه؟ صاحبه ((كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)) هل المراد البدعة في النار أو صاحبها؟ صاحبها، وهنا صاحبا القبرين هما اللذان يعذبان. ((وما يعذبان في كبير)) في بعض الروايات في الصحيح: ((بلى، إنه كبير)) وفي بعضها: ((إنه لكبير)) ((وما يعذبان في كبير)) يعني في نظرهما، أو يكبر عليهما ويشق اجتنابه بالنسبة لهما، يعني اجتناب هذا ليس بكبير ولا بصعب عليهما، فلا يشق عليهما ترك البول والاستبراء من البول ولا ترك النميمة، وفي أعين الناس وفي نظر الناس أن هذا سهل، يعني في أعينهما وأعين غيرهما أن هذا أمره يسير، وهو في حقيقة الأمر كبير، ولذلك عذب، بل قدم العذاب، عذابهما في القبر قبل القيامة، ويقول أهل العلم: إن أكثر عذاب القبر من هذين.

((وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستتر من بوله)) يعني لا يجعل بينه وبين بوله سترة، فلا يتحفظ منه ولا يحتاط لنفسه، ما يحتاط في الاستنجاء والاستجمار، قد يترك يستنجي استنجاء غير مجزئ، أو يستجمر استجمار غير كافي، أو يتساهل فيقول: إنه يستنجي عندما يجد الماء، والآن ليس عنده ماء، ثم بعد ذلك يتلوث بدنه وثوبه، هذا لا يستتر ولا يجعل بينه وبين بدنه سترة، وفي رواية: ((لا يستبرئ)) يعني لا يبرئ ذمته من مباشرة البول، وفي بعضها: ((لا يستنزه)) لا يطلب النزاهة والنظافة من هذا البول، وفي بعض الروايات لا سيما المستخرج ((لا يتوقى)) وكلها دلالاتها واضحة وواحدة، على أنه يتساهل ويتهاون في أمر البول، يتهاون في أمر البول. أما هذا يشير إليه ((فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة)) وهي نقل كلام الغير بقصد الإضرار به، وقصد الإفساد، نقل كلام الغير، وهذا أمر خطير، وجاء أنه لا يدخل الجنة نمام وقتات، هذا أمره جد خطير، ويتساهل كثير من الناس في هذا الأمر، وتجد بعض الناس يسمع كلمة من عالم أو من فاضل أو من متدين أو من غير متدين ثم مباشرة ينقلها إلى غيره بقصد الإضرار، وبعض الناس يكتب في بعض -نسأل الله السلامة والعافية-، هذه عين النميمة التي جاءت في هذا الحديث وغيره، فالإضرار محرم، والنميمة من عظائم الأمور، ويعظم أمرها إذا زاد الأثر المترتب عليه، يعني كم من شخص ظلم بسبب كتابة مغرضة خاطئة، فهذا أمره عظيم، بعض الناس يسجن سنين من أجل كلام ليس بصحيح، فهذا من أعظم أنواع النميمة -نسأل الله السلامة والعافية-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح قال: ((لا تنقلوا لي شيئاً عن أصحابي)) هذا الأصل أن الناس يعيشون مع بعضهم مع سلامة صدر، أما إذا تكلم بكلمة نقلها الثاني، نقلها الثالث وفسرها واحد على مراده، وثالث فسرها على غير مراده مشكلة، الناس يصير بعضهم أعداء لبعض وتنتشر البغضاء والفحشاء، التباغض والتناحر والتدابر كله بسبب هذا -نسأل الله السلامة والعافية-، فلا يجوز أن يحمل الكلام على غير ظاهره، ولا يحمل على محمل سيئ، وهو يوجد له محمل طيب.

على كل حال مثل هذا أمره خطير، وكثير مما ينقل إما سببه فهم خاطئ أو إغراض أو قصد الإضرار بالآخرين، وهذا كله لا يجوز، أما إذا وجد شخص يخشى منه الضرر المتعدي على أديان الناس، يبيت نشر بدعة مثلاً، هذا يبين أمره ويكتب عنه ويوضح، ينصح إن أفاد وإلا يمنع بالطرق المناسبة، المبيت بدعة يضل بها الناس، أو يبيت شر خطر على الناس في أديانهم، في أبدانهم، في أموالهم، في أعراضهم، مثل هذا لا بد من هتكه، ولا بد من نقل صنيعه الباطل لا سيما إذا لم ينزجر، فالأمور تقدر بقدرها. الظاهر من اللفظ وأن العذاب بسبب هذين أنهما مسلمان؛ لأنه مر بقبرين جديدين، وفي رواية: "بالبقيع" والبقيع مقبرة المسلمين، وجديدين يعني بعد النبوة، والظاهر أنهما مسلمان وإلا لما كان لقوله: ((لا يستتر)) والثاني يمشي بالنميمة معنى، يعذبان على الكفر أعظم من ذلك، وقيل: كانا كافرين، لما رواه جابر بسند فيه ابن لهيعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية، فسمعهما يعذبان في البول والنميمة وهو ضعيف؛ لأنه من رواية ابن لهيعة، وحديث الباب أقوى منه. "قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة" عند ابن ماجه وأحمد والحاكم "وأبي موسى" عند الطبراني، "وعبد الرحمن بن حسنة" عند ابن ماجه وابن حبان "وزيد بن ثابت" وهذا لم يقف عليه الشارح "وأبي بكرة" عند ابن ماجه وأحمد والطبراني في الأوسط.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما، في الصحيحين وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عمد إلى جريدة يعني عصى فشقها نصفين وغرز على كل قبر نصفاً وقال: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)) وهذا لا شك أنه من إطلاع الله -جل وعلا- نبيه على مثل هذا، ولا يتسنى لأحد أن يطلع على عذاب القبر ولو سمعه الناس لصعقوا، وعلى هذا ما يشاع من أشرطة وغيرها من أصوات المقبورين هذا ليس بصحيح؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لولا أن تدافنوا)) وفي رواية ((لولا أن لا تدافنوا لأسمعتكم)) فدل على أن الناس لا يسمعون، ويضرب بعد الامتحان بمرزبة من حديد يسمعها كل من يليه إلا الثقلين، ولو سمعها الإنسان لصعق، ما يتحمل الصوت، صوت العذاب، فعلى هذا فعله -عليه الصلاة والسلام- للجريدة خاص به، فهو الذي أطلع، وهو الذي يعلم أنه يخفف عنه، هذه شفاعة لهذين القبرين، ومن يملك مثل هذه الشفاعة ممن لم يطلع على حال المقبول وليست إلا بعد إذن الله له -جل وعلا- بالشفاعة؟! إذا أذن له أن يشفع ورضي عن المشفوع له نعم، لكن من أين الإذن من شخص غير مؤيد بالوحي غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، فليس لأحد أن يصنع هذا.

الأمر الثاني: بعض الناس وهذا وجد على مر العصور من يصنع مثل هذا، حتى أنه زاد بهم الأمر أن تفرش القبور من الداخل بخوص أخضر، رطب ويقال: إنه يسبح، ويقال: إنه يخفف عنه العذاب ما لم ييبس، ما الذي يدريك؟ وما الذي خولك لمثل هذا؟ فعل خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، مؤيد بالوحي، أطلع على العذاب، وأذن له بالشفاعة، وهو معصوم لا يصنع إلا ما أمر به أو وجه إليه، فكيف يفعله غيره؟! ثم استرسل الناس حتى فصاروا يضعون الورود الرطبة على القبور تقليداً للنصارى، واستحضاراً لهذا الحديث، ثم استمر العهد حتى صاروا يضعون الورود والزهور على القبور من البلاستيك، يعني ورود صناعية ليست رطبة حتى يقال: ما لم ييبسا، فصارت المسألة تقليداً محضاً للكفار، ومع ذلك لو استدل مستدل بأننا نضع شيئاً رطباً لعله نقول: لا، هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يفعله لا أبو بكر ولا عمر ولا أحد من الصحابة إلا ما أثر عن من؟ واحد من الصحابة فعله نسيته؟ طالب:. . . . . . . . . لا. طالب:. . . . . . . . . نسيت والله اسمه. د طالب:. . . . . . . . . لا، المقصود أن مثل هذا ما فعله أبو بكر وعمر ولو كان خيراً لسبقونا إليه.

قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "وروى منصور" يعني ابن المعتمر "هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس، ولم يذكر فيه طاووس" سمعت قال هنا الأعمش يقول: سمعت مجاهداً يحث عن طاووس عن ابن عباس، ومنصور يقول: مجاهد عن ابن عباس بدون طاووس، أيهما أصح؟ يقول الترمذي: "وروى منصور -يعني ابن المعتمر- هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس ولم يذكر فيه عن طاووس، ورواية الأعمش أصح" يعني بذكر طاووس، يعني أنه أسقط طاووس، منصور أسقط طاووس، ورواية الأعمش أصح من رواية منصور، يعني بذكر طاووس، يعني بيان وجه كونه أصح، كون رواية الأعمش أصح من رواية منصور بيان ذلك في قوله: "وسمعت أبا بكر محمد بن أبان البلخي -المعروف بحمدويه ثقة حافظ- مستملي وكيع" مستملي يعني الذي يبلغ كلامه إذا كثرت الجموع، يعني بدون مكبرات، والمجلس فيه عشرة آلاف ما يسمعون كلام الشيخ فيتخذ مستملي، الشيخ يبلغ إلى الصف العاشر مثلاً، وفي الصف العاشر المستملي يبلغ إلى العاشر من الخلف وهكذا إلى الآخر، وقد يكثر المستملون في المجالس الكبيرة؛ لأنه ما في مكبرات، فلا بد من المستملين، مستملي وكيع، ولا بد أن يكون المستملي ثقة؛ لأنه في حكم المترجم، إذا قال الشيخ كلام يمكن يحرفه والناس ما يسمعون، ثقة حاذقاً فاهماً، يفهم الكلام، يقول: "سمعت وكيعاً" محمد بن أبان أبان ويشع عليها في الضبط؟ مصروفة وإلا ممنوعة من الصرف؟ طالب:. . . . . . . . . عليها فتحة يعني إيش؟ طالب:. . . . . . . . . ممنوعة، والأكثر على أنه مصروف، حتى قالوا: من منع أبان فهو أتان، مع أن ابن مالك الإمام المشهور يمنعه من الصرف، وعلى كل حال إن كان من الإبانة والنون أصلية فهو مصروف، وإن كان من الإباء وهو الامتناع فهو ممنوع من الصرف، وعلى كل حال المسألة سهلة، ومثله حسان وشبهه إن كان من الحسن أو الحس يمنع أو لا يمنع. يقول: "سمعت وكيعاً يقول: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور" وعلى كل حال كلاهما إمام ثقة، والحديث في البخاري مروي على الوجهين، الحديث في الصحيح مروي على الوجهين، يعني بذكر طاووس وبحذف طاووس. قال الحافظ: وإخراجه -يعني البخاري- له على الوجهين يقتضي صحتهما عنده، فيحمل على أن مجاهداً سمعه من طاووس عن ابن عباس، ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس، فحينئذٍ يحدث به بالواسطة وحيناً يحدث به بلا واسطة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (17)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (17) شرح: باب: ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم، وباب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه، وباب: ما جاء في الوضوء من الريح. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا سائل يقول: هل صيغ التسليم في الصلاة واردة وصحيحة وتقال ليعرفها العامة؟ إن كان المراد التسليم على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد قال الصحابة: عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي؟ وإن كان المراد به التسليم الذي به يكون تمام الصلاة، وهو تحليلها: السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المحفوظ الكثير الثابت، وزيادة: "وبركاته" جاءت من طرق تثبت بها إلا أن الأكثر دونها، فلو قيلت في بعض الأحوال لما وجد ما يمنع -إن شاء الله تعالى-. هل يشترط للطواف في البيت طهارة؟ نعم هذا قول عامة أهل العلم، هذا قول جمهور العلماء؛ لأن الطواف جاء تشبيهه بالصلاة، ومن شرطها الطهارة، والحديث وإن كان مختلفاً في إثباته وتضعيفه إلا أنه مع قوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) وقد طاف النبي -عليه الصلاة والسلام- على طهارة، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) هذا هو معول الجمهور، فالصواب أنه شرط لصحة الطواف. ما حكم أخذ أكثر من عمرة في رحلة واحدة أو في رحلتين منفصلتين لكن بينهما أسبوع مثلاً؟

((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) ((تابعوا بين الحج والعمرة)) فالمتابعة بينهما لا شيء فيها، من أهل العلم من يرى أن ذلك غير مشروع لأنه لم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل ذلك، وكون النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يفعل شيئاً لا يدل على عدم شرعيته إذا ثبت بقوله -عليه الصلاة والسلام-، فقوله: ((تابعوا بين الحج والعمرة)) ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) ترغيب في كثرة العمرة، وإقراره -عليه الصلاة والسلام- لعائشة حينما طلبت أن تعتمر بين حجها، وقد اعتمرت مع حجها؛ لأنها قارنة يدل على ذلك، لكن المسألة ترجع إلى الموازنة بين الفضائل، لا يكون تكرار العمرة عائقاً له عما هو أفضل منه، عما هو أفضل منه، وسواءً كانت العمر برحلة واحدة أو بأكثر من رحلة الأدلة تدل على جواز ذلك، وأما المنع من ذلك باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يفعل فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعتمر في رمضان أيضاً وقد حث على ذلك نترك لأن النبي لم يفعل؟ هذا الكلام ليس بصحيح. هذا يقول: دخلت المسجد أريد أن أصلي على الجنازة وأنا قد صليت في مسجد آخر فوجدت الإمام في الصلاة فماذا أفعل؟ الأصل أن تصلي مع الإمام هذا إذا صليت في رحلك، والنص يدل على هذا دلالة واضحة ((إذا صليتما في رحالكما)) هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا صلى في رحله يصلي مع الإمام إذا جاء فهي له نافلة، والمعنى يتناول من صلى في مسجد آخر ثم جاء إلى المسجد والصلاة قد أقيمت يصلي معهم؛ لأن العلة موجودة سواءً كان صلى في رحله أو صلى في مسجد آخر؛ لئلا يظن به ظن سوء، فالأولى أن يصلي مع الإمام. إذا ذكر في المتن اسم رجل سفيان مثلاً يعني مهمل لم يقل ابن عيينة ولا الثوري كيف نعرف أنه الثوري مثلاً من غيره؟ القاعدة الأولية عند أهل العلم أنه إذا كان بين سفيان وبين أصحاب الكتب الستة واحد فقط فهو ابن عيينة، وإن كان أكثر من واحد فهو الثوري؛ لأن الثور أقدم، وهناك أمور وقرائن تدل على المراد، هذا إذا لم نستطع بواسطة الشيوخ والتلاميذ فالحافظ الذهبي ذكر بعض الضوابط والقواعد في آخر المجلد السابع من السير.

رجل عليه عتق رقبة ورجل يريد أن يدفع معه بعض قيمة الرقبة ويريد أن يجعله عن والده المتوفى؟ هذا لا يصح؛ لأن الذي عليه عتق الرقبة عليه أن يعتق رقبة كاملة ولا تقبل التشريك. تدفن الجنائز بعد صلاة العصر وهو وقت نهي، وفي حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا" فكيف يتم الجمع بين الأمرين؟ بعد صلاة العصر وقت النهي موسع، والشمس بيضاء نقية حية مرتفعة، هذا لا إشكال فيه، أما إذا ضاق الوقت واصفرت الشمس وتضيفت الشمس للغروب فلا، وهذا الذي يدل عليه حديث عقبة. يقول هنا: هناك أوقات نهي مضيقة وموسعة، فالموسعة معلومة، نرجو منكم توضيح وبيان الأوقات المضيقة الثلاثة؟ هي التي جاءت في حديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب، هذه ثلاثة مضيقات، ووقتان موسعان. يقول: أنا -ولله الحمد- أقرأ القرآن من غير لحن جلي، ولكني لست مجوداً وأريد أن أحفظ فهل تنصحني أن أحفظ وأجود على القراء أم أشرع في الحفظ؟ لا لو ضبط على قارئ مجود لكان أفضل، لكان أفضل للخروج من الخلاف؛ لأن من أهل العلم من يؤثم الذي يقرأ بغير تجويد. يقول: هل من المستطاع أن أجد الكتب القديمة في هذا الوقت إذا أردت أن أشتري كتبي؟ نعم هي موجودة لكنها غالية الثمن، فهي موجودة وتباع على نطاق ضيق، وقد تجد بعض الكتب ولا تجد البعض، لكنها موجودة. ما حكم النظر إلى المرأة التي لا يجد فيها فتنة؟ النظر إلى المرأة داخل في الأمر بالغض، بغض البصر سواءً كانت ذات فتنة أو ليست ذات فتنة، ولكل ساقطة لاقطة، وقد لا تفتن من النظرة الأولى، قد يقذف الشيطان في القلب من أمرها ما يفتن المرء وإن كانت في الأصل غير فاتنة. ما حكم المسبحة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- وجه أم المؤمنين التي كانت تسبح بالحصى وجهها أن تسبح بأناملها؛ لأن الأنامل مستنطقات، وأقل ما يقال فيها الكراهة، وبعضهم يحكم بأنها بدعة.

قوله: ((إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) بعد ذكر الوضوء هل هو صحيح؟ ذكرنا في وقته أن من أهل العلم من صححه وأنه زيادة ثقة، وأن منهم من حكم عليه بالشذوذ، ومن صحح هذه الزيادة ذكرنا أن الشيخ ابن باز يصححها، والشيخ الألباني وغيرهم. ومثلها قوله: ((إنك لا تخلف الميعاد)) بعد ذكر الأذان؟ مثلها سواءً بسواء. ما حكم نظر المرأة إلى الرجل؟ حكم نظر المرأة إلى الرجل كنظر الرجل إلى المرأة، لا سيما إذا كررت النظر، أما إذا نظرت إلى عموم الرجال الخارجين من مسجد أو في سوق أو ما أشبه ذلك، أو وهم يصلون أو نظر إلى مجموع نساء لا يحدد في امرأة واحدة، والمرأة لا تحدد في رجل واحد فهذا الأمر فيه سعة، لكن إن حدد الرجل في امرأة واحدة فهو حرام ومثله المرأة، وسواءً كان ذلك على الطبيعة أو في الصور. يقول: لدي طفل كثيراً ما أراه فوق الكتب ويطأها برجليه في بعض الأحيان وهو صغير عمره دون السنتين، وكلما رأيته أنهاه ولكن دون جدوى فهل عليّ إثم بعد ذلك؟ ارفع الكتب عنه، ولا تجعلها في متناوله، وبعض الناس يتسامح في هذا جداً، بعض الناس يتسامح في مثل هذا، وبعضهم يحضر الطفل إلى المسجد، ويؤذي المصلين ويعبث بالمصاحف والوالد لا يحرك ساكناً، فلا شك أنه لو عبث بشيء مما اشتراه من متاع دنياه، لا شك أنه لا يمكنه من ذلك، ولو أراد الذهاب إلى شيء يضره، المصاحف في قبلة المصلين يعبث بها، لكن دعه يذهب إلى المروحة هذه التي جنب المصاحف وهي تشتغل ما يتركه أبوه أبداً؛ لئلا تؤذيه. يقول: إذا دفنت الجنازة بعد العصر يجوز الصلاة عليها في وقت النهي بعد الدفن؟ مقتضى قول من يمنع الصلاة مطلقاً في أوقات النهي ولا سيما أن الصلاة الأولى على الجنازة تأدى بها الواجب والباقي سنة أن يمنع الصلاة فيها حتى قبل الدفن؛ لأن الصلاة الثانية سنة، وجاء النهي عن الصلاة، وصلاة الجنازة صلاة، ولكن عموم أهل العلم لا يرون بالصلاة على الجنازة لا سيما قبل الدفن شيئاً، أما بعد الدفن فينظر إلى ما بعد خروج وقت النهي فيصلى عليها؛ لأن الأمر فيها سعة، ولا يتحدد بحد. هل للإمام أحمد تفسير؟ نعم ذكر له تفسير في ترجمته، وللإمام البخاري وغيرهما من الأئمة.

لماذا أكثر التفاسير توجد أو يعثر عليها في ألمانيا؟ هذا إن كان سبب هذا القول ما ذكره المبارك فوري في مقدمة التحفة وأنه تكلم على المكتبة الجرمنية والكتب فيها، وذكر فيها الغرائب والعجائب فلا إخال مثل هذا الكلام كثير منه يثبت، مثل هذا الكلام الذي ذكر في مقدمة التحفة وأن في المكتبة الجرمنية كتب الدنيا كلها، بخطوط الأئمة، هذا بعد أن فتحت ألمانيا، وصار الناس يذهبون إليها وتساهلوا فيها ما وجدوا شيء من ذلك، وجدوا القليل النادر، وإن كان الكاتب هذا عنده شيء من الخبر يوجد عليها في ألمانيا، ما أظن ألمانيا تميزت بشيء، نعم فيها مكتبة المكتبة الجرمنية معروفة لكن مع ذلك ليس فيها كل ما يقال. ما سبب انعدام وجود تفاسير بعض الأئمة مثل بقي بن مخلد والقرطبي وابن المنذر وابن ماجه وابن مردويه؟ حقيقة هذه التفاسير قد تكون موجودة في المكتبات الخاصة عند أفراد من الناس مما لم يطلع عليه، قد تكون موجودة، ولكن البحث لا بد من أن يكون جاداً عن هذه الكتب، حتى يتم إخراجها للناس؛ لأن فيها فوائد عظيمة تشتمل على تفاسير السلف. يقول: ما حكم قصد مسجد قباء للصلاة فيه إذا كان الوقت وقت نهي فيصلي ركعتين ويخرج؟ قصده في غير يوم السبت ضحىً كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل لا مزية له أكثر من ذلك، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقصده يوم السبت ضحى، وأما ما عدا ذلك في أوقات النهي فلا. دعاء السوق هل يقال أم لا؟ لا شك أن دعاء السوق كلام أهل العلم فيه كثير وواضح، لكن جمهور أهل العلم يرون أنه يقال لأنه من باب الفضائل، وأما من يمنع الاحتجاج بالضعيف مطلقاً فإنه لا يقوله. أرجو التنبيه على لبس بعض النساء العباءة ذات الأكمام أو الضيقة وكذلك ملابس الأطفال غير المحتشمة التي تدل على اتباع للغرب والفساق في الكثير من لبسهم وخصوصاً بعض طلبة العلم الذي قد لا يدري وتلك مصيبة أو يدري والمصيبة أعظم عن ملابس قريبته من زوجة أو أخت أو بنت وهم بذلك يكونون قدوة لغيرهم في السفور، ودليل لكل عامي يريد الفساد، وعذرهم في هذا عند النصيحة أن بعض من سبقهم في طلب العلم يفعل ذلك؟

هذا ليس بعذر وليس بدليل، أما من كانت في السن فوق سبع سنين، فلا بد من الحشمة، وعروتها عورة لا يجوز الاطلاع عليها، وأما من دون السبع فيقرر أهل العلم أنه ليس له عورة لا من ذكر ولا من أنثى، ويقولون: إن ابن السبع يغسله النساء لا مانع السبع فما دون ومثله البنت، ولكن مثل هذا لا شك أنه في عصرنا الذي تغيرت فيه الفطر وانتكست فيه الموازين ينبغي أن يحتاط فيه أكثر؛ لأنه يرد أسئلة كثيرة من افتتان بعض الرجال بمن دون الخمس والأربع، والعكس من النساء تفتتن ببعض الأطفال، فمثل هذا ينبغي أن يسد بابه لئلا تلج هذه الشهوة إلى قلوب الرجال والنساء حتى تستعصي، فعلى كل حال السفور محرم، ولبس العباءات الضيقة التي تصف بدن المرأة أو الشفافة أو ما أشبه ذلك كله محرم، أو فيها شيء من الزينة والتطريز لا شك أن هذا من إبداء الزينة المحرم، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، ويحتاط لعرضه، ولا يكون قدوة سوء، ولا يفتح على المسلمين باب شر، أو يكون يسن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من علم بها. يقول: لماذا لا تتصدى لكتاب النسائي شرحاً خطياً لقلة شروحه وصعوبته؟ النسائي له شروح مختصرة، ووجد له شرح مطول للشيخ محمد علي آدم الأثيوبي، مطول جداً، والحقيقة هذا الشرح يشتمل على مادة تسهل الشرح لمن أراده، فجمع المادة من جميع المصادر، ووفر على طالب العلم النظر في الكتاب وفوائده، إلا أنه لم يتعرض لعلل الكتاب، وعلل الكتاب أعظم ما يبحث فيه، وفي تقديري أن هذه العلل هي التي صدت كثيراً من العلماء لشرحه، وإذا تيسر الوقت ووجدنا فرصة لشرحه أو غيره من الكتب المسألة على البال. يقول: رأيت في مقدمة تحقيق الشيخ طارق عوض الله لفتح الباري لابن رجب قال: جوده فلان؟

لا يعني من أكثر من أنه أسند الحديث أو رفعه، لكن لا بد أن يكون في هذا الإسناد أو الرفعة جودة، لا بد؛ لأنهم لا يتكلمون من عبث أو فراغ، لا بد أن يكون هناك تجويد في إسناده، يعني في كيفية سياق الإسناد، أو في كيفية الرفع بحيث ينتقى طريقاً معيناً يثبت فيه الرفع دون غيره إذا كان غيره من الحفاظ يرويه مرسلاً أو موقوفاً بصرف النظر عن كونه أصاب فيما زاد أو لم يصب، لكن لا بد من أن ينظر من ملحظ دقيق أن فيه تجويداً، وإلا فأهل العلم لا يطلقون مثل هذا الكلام عبث، ونسب هذا المصطلح لابن عبد البر. إشكالي يقول: هل هذا المصطلح خاص بابن عبد البر أم أنه عام فتكون كلمة جوده أو جيد لها عدة معاني منها ما اختاره ابن عبد البر -رحمه الله-، ومنها ما ذكرتموه في شرح الألفية في دورة سابقة، وفي هذه الدورة أن فيه تحسين للحديث وتقوية له فيكون صحيح؟ هذا الكلام هذا إذا قيل: حديث جيد فلا شك أنه تقوية، وأنه قد يكون فوق الحسن ودون الصحيح؛ لأن العدول عن صحيح لا يكون عند أهل العلم إلا لنكتة، فعدولهم من صحيح إلى جيد لا بد أن يكون لنكتة، والتجويد معروف أنه تقوية. يقول: لو تقدم رجلان لخطبة امرأة أحدهما ينتسب لقبيلة والآخر من الموالي والمرأة تنتسب لقبيلة وتساووا في جميع الصفات فمن يقدم في هذه الصورة؟ هل يقدم الرجل الذي ينتسب لقبيلة أم لا ينظر إلى هذه الصفة البتة؟ فيكون الجواب كلاهما مناسب لهذه المرأة مع أني قرأت في المغني لابن قدامة وغيره أن الكفاءة بالنسب ليست شرطاً، ولكنه وصف معتبر، كأنه يقول: شرط تكميلي على حد فهمي القاصر؟

هذا ليس بشرط عند أهل العلم البتة، والأولوية في هذا للسابق منهما، إذا تساووا من كل وجه، اللهم إلا إذا كان تقديم من ينتسب إلى القبيلة من باب درء المفاسد المترتبة على هذا الأمر؛ لأنه وجد مشاكل ترتبت على تزويج غير القبيلي بقبيلية، والعكس أيضاً وجد مشاكل، وترتب عليه مفاسد على كل حال إذا كان النظر إلى مثل هذه المفاسد وهذه المشاكل من شخص لا يستطيع أن يتصدى لها، أو يكون قدوة لغيره في إلغاء هذه العصبية الجاهلية فالأمر لا يعدوه؛ لأن ما يترتب عليه مفاسد ينبغي أن يدرأ بقدر الإمكان، وأما الكفاءة فهي في الدين، والبخاري -رحمه الله تعالى- قال: "باب: الأكفاء في الدين" في كتاب النكاح قال: "الأكفاء في الدين" ثم ذكر حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وكانت تحت المقداد، وكان مولى -رضي الله عنه وأرضاه-، وفاطمة بنت قيس قال لها: ((انكحي أسامة)) وبلال أيضاً تزوج وسلمان وغيرهم تزوجوا من العرب. يقول: هل طبع كتاب التمييز للإمام مسلم أم لا؟ وما رأيكم في هذا الكتاب وإذا تم شرحه في مجلس قادم فلكم الأجر والمثوبة؟ هذا الكتاب على طريقة المتقدمين في التعليل لكنه لم يوجد كاملاً، طبع منه قطعة، طبع منه قطعة، لا يوجد كامل، والكتاب بالنسبة للطلبة المتقدمين لا بد منه، لا يستغني عنه طالب علم يريد هذا العلم، إلا من استغنى عن هذا العلم بالكلية، أما بالنسبة للطلاب المبتدئين، أو يشرح في دورة يحضرها الخليط من الطلاب المبتدئ والمتوسط والمنتهي، لا، هذا ما يصلح أبداً، إنما يشرح لمجموعة من الطلاب ممن تأهلوا لذلك. يقول: سمعت قول: إن الحديث المعلق الذي لم يوصل عند مسلم لم يصل مسلم له طريق إلا عن طريق البخاري ولذلك لم يروه عنه هل هذا صحيح؟

المقصود أن معلقات مسلم كلها موصولة في الصحيح، في صحيح مسلم، هي أربعة عشر حديثاًً، ثلاثة عشر موصولة في مسلم، والرابع عشر موصول في البخاري، فلا داعي لبحثها، أما كون مسلم لم يروِ عن البخاري، ولم يخرج في كتابه عنه شيئاً، وكذلك البخاري لم يروِ عن الشافعي، وروايته عن أحمد نادرة في حديثين أو ثلاثة مثل هذا سببه عند أهل العلم أن أحاديث هؤلاء الأئمة محفوظة في مؤلفاتهم ومن طلابهم فهم يحرصون على الأئمة الثقات الذين يقل عندهم الطلاب أو لا تكون عندهم مؤلفات. يقول: سمعت أن بين السخاوي والسيوطي خلاف وألف كل منهما في الآخر كتاباً يذمه فيه هل هذا صحيح؟ ولماذا هذا الخلاف؟ هذا صحيح، ولكل منهما كتاب يذم فيه الآخر، وترجمة السخاوي للسيوطي في الضوء اللامع مظلمة، كما أن ترجمة السيوطي للسخاوي في نظم العقيان أيضاً مظلمة، ولا شك أن هذا من تنافس الأقران، ولا ينبغي أن يكون هذا بين أهل العلم، لكنه قد يوجد ثم بعد ذلك التحريش من قبل الطلاب يزيده حتى يصل إلى هذا الحد، والله المستعان. يقول: هل سفيان مصروف أو غير مصروف؟ هو غير مصروف. يقول: ما رأيكم في كتاب (بين الإمامين مسلم والدارقطني) للشيخ ربيع؟ وهل تنصح بقراءته للمتوسطين؟ هذا مثل كتاب التمييز للإمام مسلم، هذا يعني علل خفية في أحاديث لا يدركها المبتدئون، أما الطالب المتأهل فيقرأ في هذا الكتاب فهو كتاب نافع. إلى متى ينتهي وقت إدراك تكبيرة الإحرام؟ ينتهي بالشروع في الركن الذي يليها وهو الفاتحة، فإذا شرع الإمام في الفاتحة انتهى وقت تكبيرة الإحرام. وإذا شرعت في السنة فلم أنتهِ إلا مع شروعه في الفاتحة فهل أكون أدركت تكبيرة الإحرام؟ لا، فاتتك تكبيرة الإحرام، لكنك منشغل بعبادة يرجى أن يكون أجرك أعظم -إن شاء الله تعالى-. كثيراً ما يصرف جمهور العلماء النهي الوارد في النصوص إلى التنزيه والعلة عندهم أنه من الآداب فهل لهذا أصلاً ومستند؟

الأصل في النهي التحريم، لكنه في أحاديث الآداب؛ لأن أصل الأدب أصل الباب فيه خفة، ما هو مثل الأحكام، فهم تبعاً لهذا الأصل يرون أن ما جاء من الأوامر أو من النواهي منطوياً تحت هذا الأصل أخف مما جاء في غيره من الأبواب كالأحكام والعقائد ونحوها، فيجعلون الأصل صارف، الأصل أن الأدب يعني أدب يختلف مع الحكم، يعني إذا قيل: هذا من باب الأدب، يعني من لفظه، تفهم أن هذه المسألة يختلف عن الحكم الذي، الملزم الذي يأثم تاركه. على كل حال هذا الصارف موجود عند الجمهور، لكن إذا وجد أمر صريح أو نهي صريح ما المانع أن يكون مقتضى الأمر أو مقتضى النهي حكم من الأحكام؟ ((كل بيمينك)) إيش المانع أن يكون هذا حكم؟ فيكون الحكم واحد فالأمر للوجوب والنهي للتحريم. يفعل البعض أنه يسافر إلى المدينة ويمر بالميقات ثم يتجه إلى ينبع ونحوها ولا يحرم من الحليفة مع نيته العمرة ثم يحرم بعد ذلك من الجحفة فما رأيك بهذا؟ على كل حال مثل هذا إذا كان من أهل نجد ومر بالمدينة وتجاوز الميقات؛ لأنه يريد أن يتنزه أيام في ينبع أو في جدة ثم بعد ذلك يذهب إلى أقرب ميقات له الجمهور يلزمونه بالدم إلا أن يرجع إلى ذي الحليفة، والإمام مالك يقول: إن أحرم من ميقات معتبر لا سيما إذا كان ميقاته، فالنجدي إذا تجاوز ذا الحليفة ثم سكن في جدة أيام أو في ينبع وانتهت نزهته سافر إلى السيل وأحرم منه، فالإمام مالك يرى أن لا شيء عليه؛ لأنه ميقاته الأصلي، وما فعل أكثر مما وجه إليه، نعم تجاوز ميقات و ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) فإذا فرط في جملة أدرك جملة أخرى عند الإمام مالك، أما الجمهور فيرون أنه آثم، ويلزمه الرجوع، أو يلزمه الدم، وقول الإمام مالك لا شك أن فيه سعة للناس، والجملة الأخرى تدل على رجحانه -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما الفرق بين الآيات والمخلوقات في كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-؟

الآيات هي العلامات والدلالات التي تدل على الرب -جل وعلا- على وجوده وعلى عظمته وكبريائه، والمخلوقات هي الموجودات، هي الموجودات فهي أعم من الآيات، فالمخلوقات فيها آيات لكن الآيات فيها المخلوقات أيضاً، لكن المخلوقات فيها آيات وغير آيات، فيها ما يستدل على عظمته، وفيها ما لا دليل فيه؛ لأنها أشياء صغيرة أو حقيرة بالنسبة لعظمة الخالق، وفيها أيضاً ما يدل على عظمته، وأما الآيات فهي ما يدل على العظمة فقط، فالمخلوقات أعم. ما رأيك بالموعظة أحياناً بعد الفريضة وقبل صلاة الجنازة لوقت يسير تذكيراً للناس بالموت؟ إذا لم يكن ذلك عادة وديدن فلا مانع منه -إن شاء الله تعالى-. ما حكم الصلاة بالثياب التي أصابها بول أو روث الحيوانات التي يؤكل لحمها؟ بول ما يؤكل لحمه على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في هذا الدرس طاهر، على المرجح طاهر، فالصلاة فيها صحيحة. ما حكم قيء الرضيع؟ قيء الرضيع إذا كان كثيراً فلا شك أنه خرج من المعدة وهو كثير حكمه حكم بوله، حكمه حكم بوله، وأما إذا كان قليل ويسير دسعة أو قلس شيء يسير فيكتفى بمسحه ولا يضر -إن شاء الله تعالى-. هذه رزان من الكويت تقول: يخصص لكل مرحلة من مراحل طلب العلم كتب مخصصة ويغفل عما يرقق القلوب ولا نراها تذكر وتصنف للطلبة، فماذا يفعل الطالب المبتدئ؟ وماذا يقرأ في هذا الجانب؟ عرفنا في شرح كتاب الرقاق من صحيح الإمام البخاري أو الفتن أو غيرهما من الكتب أن هذه الموضوعات لا بد منها لطالب العلم المبتدئ والمنتهي وللكبير والصغير والمتعلم والعامي وللعالم والجاهل وللناس كلهم؛ لأنها هي التي تسوق الناس إلى العمل، والغفلة عنها من قبل طلاب العلم لا يعني عدم أهميتها، والفقه في الدين الذي جاء مدحه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) تدخل فيه هذه الأبواب دخولاً أولياً، يعني بعد العقائد والأحكام لا بد من النظر في هذه؛ لأنه ما الذي يحث العالم أو المتعلم على العمل إذا لم يوجد مثل هذه الأبواب؟ وهذا زائر من الكويت يقول: بالنسبة لفقه الأحاديث من العمدة والبلوغ هل يتبع المبتدئ مذهب معين في دراستها أم ماذا يفعل؟

باب: ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم:

على كل حال مثل هذه المبتدئ لا بد أن يقرأ مثل هذه الكتب على شيخ، والشيخ يستنبط له من الأحكام ويستحضر ما قاله في الكتاب الذي درّسه أو دَرَسه هذا الطالب المبتدئ من كتب الفقه ويقارن بينهما. العلماء دائماً يوصون بتقييد الفوائد، فكيف تكون كتابتها، فبعض الناس يفرغون كل كلمة يذكرها الشيخ في الدرس وهذا متعب جداً فكيف يكون تقييد الفوائد؟ هذا مودع في شريط اسمه: (المنهجية في قراءة الكتب) يعني لو رجع هذا الزائر إلى هذا الشريط وجد -إن شاء الله- ما ينفعه. هذه أيضاً من الكويت تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته- بأي شيء يبدأ الطالب المبتدئ هل بالفقه أم بأصوله؟ وكذلك بالنسبة للتفسير هل يبدأ بالتفسير أم بأصول التفسير؟ وهل يبدأ طالب العلم بدراسة كتب العقيدة كلها ومن ثم يبدأ بالفقه أم يبدأ بالتدريج لكتاب مقرر في كل مستوى تدريجياً وبعد ما ينتهي ينتقل إلى المستوى الذي يليه وهل يدرس الفنون كلها أم كل واحد على حدة؟ أما بالنسبة لدراسة الفقه مع الأصول معاً في آن واحد هذا هو الأصل؛ لأن كل واحد يفيد الآخر، فالأمثلة التطبيقية لعلم الأصول هي موجودة في كتب الفقه، فهذا يفيد هذا، هذا تأصيل، وهذا تفريع وتنظير، وقل مثل هذا في قواعد التفسير وأصول الحديث وغيرها، وأما كون الطالب يبدأ في أكثر من فن في آن واحد أو يقتصر على فن واحد فهذا يختلف باختلاف الطلاب، فالطالب الذي يتشتت إذا قرأ في أكثر من فن يقال له: إلزم فناً واحداً، والطالب الذي يمل من قراءة فن واحد يقال له: اقرأ في أكثر من فن. هل يجوز الذبح؟ ذبح مثل الدجاجة للمرأة في حال عدم وجود رجل؟ نعم يجوز للمرأة أن تذبح الدجاجة وتذبح البعير وتذبح الفرس وتذبح كل ما يؤكل لحمه، تذبحه، وكما أنها تذبح الحربي أيضاً، تذبح ما يوجد ما يمنع من ذبح المرأة -إن شاء الله تعالى-. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم:

حدثنا قتيبة وأحمد بن منيع قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن قالت: دخلت بابن لي على النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأكل الطعام فبال عليه فدعا بماء فرشه عليه. قال: وفي الباب عن علي وعائشة وزينب ولبابة بنت الحارث وهي أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب وأبي السمح وعبد الله بن عمرو وأبي ليلى وابن عباس. قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل أحمد وإسحاق قالوا: ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعاً. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم" النضح: يقال: نضحت الثوب أنضحه من باب ضرب ونفع، نضح ضرب ونفع، ويبين الفرق في المضارع ينضح كـ (يضرب) وينضح كـ (ينفع) وهو البل والرش وهو دون الغسل. بول الغلام: وهو الابن الصغير، وجمع القلة غِلمة، والكثرة غلمان، وقد يطلق على الرجل، يقول أنس: كنت أحمل أنا وغلام نحوي، يعني نحوه في الخدمة وإلا فابن مسعود أكبر منه بسنين، وابن مسعود في وقتها رجل كبير مسن، فقد يطلق الغلام ويراد به الكبير وإلا فالأصل فيه أنه الصغير. قبل أن يطعم: وفي حديث أم قيس: لم يأكل الطعام، يعني ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والدواء الذي يداوى به من عسل أو نحوه، هذا لا يسمى طعام؛ لأنه لا يستقل به، فمثل هذا لا يرد على قولهم قبل أن يطعم، وعلى قولها: لم يأكل الطعام. قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة وأحمد بن منيع" بن عبد الرحمن أبو جعفر البغوي، ثقة، حافظ، توفي سنة أربع وأربعين ومائتين "قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود" الهذلي أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة الذين يجمعهم: "فخذهم عبيد الله" هذا أول واحد. فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة سبعة.

"عن أم قيس بنت محصن" الأسدية أخت عكاشة بن محصن، الذي قال: أدعو الله أن يجعلني منهم في حديث السبعين الألف فقال: ((أنت منهم)) اسمها: آمنة، صحابية مشهورة من المهاجرات الأُول، طال عمرها بسبب دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني عمرت "عن أم قيس بنت محصن قالت: دخلت بابن لي" الابن خاص بالذكر بخلاف الولد الشامل للذكر والأنثى {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] فالولد شامل للذكر والأنثى، وأما الابن فهو خاص بالذكر، كما أن البنت خاصة بالأنثى. "دخلت بابن لي على النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأكل الطعام" لم يأكل الطعام الجملة هذه صفة وإلا حال؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال، والابن نكرة "بابن لي" قد يتجوز بعضهم ويجعل هذا حالاً؛ لأن الابن موصوف يعني نكرة موصوفة، فهي أخص من النكرة المطلقة قريبة من المعرفة موصوف بكونه لها؛ لأن الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره كائن، وهو صفة، على كل حال المتجه كون الجملة صفة. "لم يأكل الطعام" ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والدواء الذي يداوى به، قد يقال: إن في قولها: "لم يأكل الطعام" ما يكفي، بحيث لا نحتاج أن نستثني لا لبن ولا غير لبن، لماذا؟ لأن اللبن يشرب ما يؤكل، والأكل مقابل الشرب، فإذا قيل: لم يأكل معناه أنه لم يأكل ما يمكن أن يؤكل من الأطعمة غير اللبن؛ لأنه يشرب، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

لكن لم يأكل الطعام، كونه لم يأكل الطعام لا يعني أنه لا يشرب اللبن، لا يشرب الماء، لا يشرب العصير، لا يشرب ... ، يعني هل نحن بحاجة إلى أن نقول: ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به، التمر إذا حنك به هل يسمى أكل؟ لأنه يؤخذ منه الشيء اليسير ويخلط بالماء ويدلك به الحنك، يعني هل "لم يأكل" كافي في إخراج ما عدا اللبن؟ نعم يدخل فيه جميع السوائل، يدخل فيه السوائل، فعلى هذا لو كان الطعام ليناً جداً بحيث يشرب شرب، ويوجد من الأطعمة التي يقوم بها البدن، وتحفظ الصحة -بإذن الله- ما هو من هذا النوع، فالاستثناء لا بد منه، ما عدا اللبن، لا بد أن يكون معوله على اللبن، لا يستقل بغيره. "فبال عليه" يعني على ثوبه كما في رواية البخاري، ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام-، "فدعا -عليه الصلاة والسلام- بماء فرشه عليه" وفي رواية البخاري: "فنضحه ولم يغسله" وفي رواية لمسلم: "فلم يزد على أن نضحه بالماء". "قال: وفي الباب عن علي" مخرج عند أحمد في المسند وأبي داود والترمذي وابن ماجه "وعن عائشة" متفق عليه "وزينب" عند الطبراني "ولبابة بنت الحارث" عند أبي داود وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي، وهي أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب، أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وهي أم عبد الله بن عباس "وأبي السمح" عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، وهو صحابي خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- يقال: اسمه إياد، ليس له إلا حديث واحد في السنن قُطع، بعضهم قطعه إلى جمل منها هذه الجملة "وأبي ليلى" والد عبد الرحمن بن أبي ليلى صحابي اسمه: بلال، شهد أحداً وما بعدها، وحديثه عند الطحاوي "وابن عباس" وحديثه عند الدارقطني.

"قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم" يعني العمل بمقتضى هذا الحديث وهو أن الذكر من الأولاد إذا لم يطعم الطعام فإن بوله نجس، نجس ليس بطاهر، لكنها نجاسة مخففة، يكفي فيها النضح والرش، وقال بعضهم بطهارته؛ لأنه لو كان نجساً لغسل كما تغسل النجاسات، وهذا ليس بصحيح، لو كان نجساً لترك، وعلى كل حال هو نجس كالمذي يكفي فيه النضح والرش، وهذا هو ما يفيده الحديث بالقيد المعروف المذكور المنصوص عليه لم يأكل الطعام، أولاً: لا بد أن يكون ذكراً، وأن يكون صغيراً لم يأكل الطعام. "قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم، مثل أحمد وإسحاق قالوا" بمقتضى الحديث "قالوا: ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، وهذا ما لم يطعما" يعني عملاً بالحديث، تطبيقاً للحديث تطبيقاً حرفياً "وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعاً" وهذا قول قتادة -رحمه الله- رواه أحمد والترمذي. قال ابن حجر: اختلف العلماء في المسألة على ثلاثة مذاهب: أصحها: الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو ما ذكره الترمذي عن أحمد وإسحاق، وهو مقتضى النص، ويشهد له الأحاديث التي أشار إليها الترمذي. والقول الثاني: يكفي النضح فيهما، وهذا محكي عن مالك والشافعي والأوزاعي، النضح فيهما فالبنت كالولد، ما الفرق؟ ما الفرق بين الولد والبنت إذا كان كل منهما لم يأكل الطعام؟ ووجود الولد في النصوص دون الأنثى لا يعني أن هناك فرقاً بينهما، وهذا محكي عن مالك والشافعي والأوزاعي. والثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية والمالكية. فالمذاهب ثلاثة، بل أكثر من ذلك، لكن هذه أهمهما وأشهرها. القول الأول: التفريق بين الذكر والأنثى من الغلمان الصغار الذين لم يأكلوا الطعام، فيكتفى برش ونضح بول الغلام، ويغسل بول الأنثى كالكبير من الذكور والإناث، والنص خاص بالذكور، والقصص الواردة في هذا كلها التنصيص على الذكر، وجاء التنصيص على أن بول الغلام في بعض الأحاديث: يغسل بول الجارية وينضح من بول الغلام.

والقول الثاني: النضح فيهما، وأنه لا فرق بين الذكر والأنثى ما دام لم يأكلا الطعام والبول إنما هو من أثر ذلك المشروب، وأثر الشيء إذا استوى فيه الذكر والأنثى، إذا استويا في المؤثر يستويان في الأثر، ما دام الأكل هو المعول على اللبن بالنسبة للذكر والأنثى، وأثر هذا اللبن بول، سواءً كان عند ذكر أو أنثى فإذا اتحد المؤثر اتحد الأثر، هذا وجه القياس عند مالك فيما يحكى عنه والشافعي، قياس الأنثى على الذكر، وأنه لا فرق بينهما، والأحاديث كلها في الذكر، بل فيها التنصيص، في بعضها التنصيص على التفريق بين الذكر والأنثى، إضافة إلى العلة التي ذكرها ابن القيم وغيره: أن الذكر يكثر حمله من قبل الآباء فتكون المشقة أعظم ببوله دون الأنثى، والأمر الثاني: أن الذكر ينتشر بوله في أكثر من موقع على هذا يصعب تتبع هذا البول المنتشر بالغسل دون بول الأنثى الذي يصب في مكان واحد، الذي يصب في مكان واحد، فلا يصعب غسله، ويقول ابن القيم أيضاً: أن في بول الذكر من الحرارة ما لا يوجد في بول الأنثى، فيه حرارة تقضي على جزء مما يشتمل عليه هذا البول من النجاسة فتخفف نجاسته، وعلى كل حال هذه العلل وغيرها من العلل لا شك أنه يستأنس بها، لكن المعول على النص، المعول أولاً وأخراً على النص. والقول الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية والمالكية وحملوا ما جاء في هذا الحديث وغيره من الأحاديث من الرش والنضح أن المراد به الغسل. فالغسل أصله نضح، وأصله رش، فإذا كوثر وكرر هذا النضح وهذا الرش صار غسلاً ولا فرق، لكن رواية البخاري: "فنضحه ولم يغسله" رد على هذا القول، لا يبقى لأهل هذا القول مستمسك، وفي رواية لمسلم .. ، رواية البخاري: "فنضحه ولم يغسله" وفي رواية مسلم: "فلم يزد على أن نضحه بالماء" لم يزد على ذلك بحيث يصل إلى حد الغسل. فالراجح من هذه الأقوال القول الأول، قول أحمد وإسحاق، وعليه تدل هذه الأحاديث. ومنهم من يلحق الكبير بالصغير، يعني وجد من يلحق الكبير بالصغير فيقول: يكتفى بالنصح في بول الصغير والكبير من الذكور دون الإناث.

باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه:

يعني منهم من قاس الأنثى على الذكر الأنثى الصغيرة على الذكر الصغير، ومنهم من نظر إلى أن الوصف نظر هنا إلى أن الوصف المؤثر الصغر، والمؤثر لهذا البول وهو اللبن، فقاس الأنثى الصغيرة على الذكر الصغير، ومنهم من نظر إلى أن الوصف المؤثر الذكورة فقاس الكبير على الصغير دون الإناث، وهذا أيضاً لا حظ له من النظر من الأدلة الكثيرة المتظاهرة المتظافرة على أن بول الكبار نجس نجاسة مغلظة ليست مخففة، ومنها حديث الذي يعذب في قبره. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا حميد وقتادة وثابت عن أنس أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إبل الصدقة، وقال: ((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) فقتلوا راعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام، فأتي بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم، وألقاهم بالحرة. قال أنس: فكنت أرى أحدهم يكد الأرض بفيه حتى ماتوا، وربما قال حماد: يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أنس، وهو قول أكثر أهل العلم قالوا: لا بأس ببول ما يؤكل لحمه. حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي قال: حدثنا يحيى بن غيلان قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: إنما سمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ عن يزيد بن زريع، وهو معنى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة]. وقد روي عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا قبل أن تنزل الحدود. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه".

بول ما يؤكل لحمه: يعني من بهيمة الأنعام وغيرها، ما حكمه؟ ثم أورد الحديث الدال على أنه طاهر، فقال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني" أبو علي البغدادي صاحب الشافعي، ثقة من الثقات، مات سنة ستين ومائتين "قال: حدثنا عفان بن مسلم" بن عبد الله الباهلي، ثقة ثبت، مات سنة عشرين ومائتين "قال: حدثنا حماد بن سلمة" بن دينار البصري، ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت، توفي سنة سبع وستين ومائة "حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا حميد" بن أبي حميد الطويل، ثقة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة "وقتادة" وهو ابن دعامة السدوسي الأكمه الحافظ المعروف "وثابت" وهو ابن أسلم البناني، البصري، ثقة عابد، معروف "عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-" الصحابي الجليل، خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن ناساً من عرينة" عرينة حي من بجيلة، وحي أيضاً من قضاعة، والمراد هنا الحي الأول من بجيلة، كما قال ذلك موسى بن عقبة وغيره، وبجيلة بفتح الباء عند عامة أهل العلم، والنسبة إليها بجلي، وضبطه العيني في بعض المواضع من عمدة القاري بالضم بُجيلة، وضبطه هو بالفتح في مواضع أخرى، وقوله مخالف لقول عامة أهل العلم، بل المعروف في هذه القبيلة الفتح بَجيلة، والنسبة إليها بجلي، جرير بن عبد الله البجلي "أن ناساً من عرينة قدموا" يعني جاءوا إلى "المدينة فاجتووها" أي كرهوا هواءها وماءها لتضررهم به، وأصابهم الجوى بسبب الهواء والماء الذي تضرروا به، وهو داء في الجوف، يصيب جوف الإنسان، "فاجتووها، فبعثهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في رواية: "استوخموا" استوخموها، في رواية: "فعظمت بطونهم"، "فبعثهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إبل الصدقة فقال: ((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) " وفي ذلك من العلاج والطب النبوي الذي يدركه من عاناه، فأهل الإبل يستعملونه، وكثير من الناس يستعمله لعلاج أمراض البطن، وفيه شفاء -بإذن الله-، فيه شفاء، وثبت في الصحيح أنهم صحوا، لما صحوا قتلوا راعي النبي -عليه الصلاة والسلام-، برئوا من مرضهم فهذا علاج نبوي، علاج وطب نبوي، من أصابه مثل هذا فليتداوى بمثل هذا.

"وقال: ((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) فقتلوا راعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا الإبل" أي ساروا بها سيراً حثيثاً "وارتدوا عن الإسلام، فأتي بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف" يعني أمر بذلك، أمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، يعني قطعت اليد اليمنى مع الرجل اليسرى. ومنهم من يقول: إنه قطع أيديهم وأرجلهم، قطع اليدين والرجلين، وتركهم في الحر يستسقون فلا يسقون، ولكن النص صريح في أنه قطع يداً واحدة ورجلاً واحدة من خلاف، وهو الذي يدل عليه لفظ: من خلاف؛ لأنه لو كان القطع لليدين والرجلين ما صار لقوله من خلاف فائدة، إنما يقال: من خلاف يعني مع المخالفة بين اليد والرجل، فتقطع اليمنى من الأيدي، واليسرى من الأرجل "فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم" سمر أعينهم: وقع التصريح بالمعنى في رواية البخاري بلفظ: "ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها" سمر أعينهم، في نسخة: "سمل" بعض الروايات: "سمل" والسمل: فقأ العين بأي شيء كان قاله الخطابي، فإحماء المسامير وكحلهم بها فقءٌ لأعينهم فيصح أن يقال عنه: سمل وسمر؛ لأن السمر يقع بأي شيء، إذا كان فقأ العين بأي شيء يقال له: سمل فهل يخالف ما جاء من أنه أحمى مسامير فكحلهم بها؟ لا يخالف؛ لأن من لازم كحلهم بهذه المسامير المحماة فقأ أعينهم. "وألقاهم بالحرة" الحرة أرض معروفة بالمدينة في شرقها وغربها حرتان، وهما اللابتان، وهما عبارة عن أرض تكسوهما الحجارة السود "وألقاهم بالحرة" فكانوا يستسقون فلا يسقون، "قال أنس: فكنت أرى أحدهم يكد الأرض بفيه" يعني يحكها "فكنت أكد الأرض بفيه" يعني يحكها "حتى ماتوا، وربما قال حماد: يكدم الأرض" أي يعضها، "بفيه حتى ماتوا". "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وقد روي من غير وجه عن أنس، وهو قول أكثر أهل العلم. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وهو قول أكثر أهل العلم" وهو الضمير يعود على ما يدل عليه الحديث من طهارة أبوال وأرواث ما يؤكل لحمه "وهو قول أكثر أهل العلم قالوا: لا بأس ببول ما يؤكل لحمه" وبه قال مالك وأحمد، وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، قاله الحافظ. الآن لا بأس ببول ما يؤكل لحمه وبه قال مالك وأحمد وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، وذهب الشافعي والجمهور عندنا مالك وأحمد وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، ثم قال الحافظ: وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، كيف يقول والجمهور مع أنه قال بطهارتها مالك وأحمد وطائفة من السلف وكثير من الشافعية الذين ينتسبون للمذهب الشافعي؟ يمكن أن يقال الجمهور في مقابل هؤلاء؟ لا، يعني إذا نظرنا إلى الأئمة المتبوعين فإمامان في مقابل إمامين، فلا يمكن أن يقال الجمهور، ولذا وجد في بعض من نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال: وذهب الشافعي والجمهور من أصحابه، يعني الجمهور من الشافعية، يعني كثير من الشافعية قالوا بطهارتها، لكن جمهور أصحابه جمهور الشافعية وافقوه على قوله، وهذا قيد لا بد منه، أي لا يمكن أن يقال: الجمهور مع أنه في الطرف الآخر أحمد ومالك وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، فالجمهور من أصحاب الشافعي لا من جمهور أهل العلم. القائلون بطهارتها عمدتهم حديث الباب، حديث الباب: ((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) ومن أدلتهم الإذن بالصلاة في مرابض الغنم، أنصلي في مرابض الغنم؟ قال: ((نعم)) ولا تسلم من أبوالها وأرواثها، ومن أدلتهم أيضاً طوافه -صلى الله عليه وسلم- على الدابة وهي لا يؤمن أن تبول أو تروث في المسجد، فدل على أن بولها وروثها طاهر، وهذه الأدلة لا شك أنها صحيحة وصريحة في المطلوب.

يستدل من يقول بالنجاسة بأدلة مجملة تشمل الأبوال النجسة والطاهرة، بأدلة عامة ((أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول)) قالوا: هذا عام بوله وبول غيره، بول ما يؤكل لحمه وبول ما لا يؤكل، لكن الرواية المفسرة تقول: ((فكان لا يستتر من بوله)) فيراد به بول الإنسان لا مطلق البول، لا عموم البول إنما يراد به بول الإنسان. قالوا في حديث الباب: أن الأمر بشرب ألبانها وأبوالها للضرورة للعلاج، وما كان في مثل هذا لا يؤخذ على أنه حكم مطرد عام، يقتصر على مورده، من أراده للعلاج لا بأس. نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)) وأيضاً العلاج ليس بواجب، ولذا يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: لا أعلم سالفاً أوجب العلاج، فكيف يرتكب المحرم من أجله؟ وأيضاً الخمرة إنها داء وليست بدواء، ولم يجعل الله -جل وعلا- شفاء الأمة فيما حرم عليها، هذه مما يجاب بها عن قولهم: إنه خاص بالدواء، والمضطر يباح له مثل ذلك. يقال لهم: إن المحرم لا يمكن أن يرتكب إلا لدفع ما هو أعظم منه، يعني لضرورة، والضرورة تبيح المحظورات، لكن بما أجابوا عن هذا القول؟ كيف يجيبون عن هذا القول؟ يعني كيف نرتكب محرم من أجل أمر غير واجب وهو العلاج؟ فنرتكب من أجله محرم؟ طالب: مضطر. ما هو مضطر، قد لا يكون مضطر، وهذا غير واجب، نعم المضطر يأكل الميتة، لكن هذا علاج، والعلاج ليس بواجب، فكيف يرتكب محرم من أجل أمر غير واجب أصلاً؟ قالوا: الفطر في رمضان محرم ويرتكب من أجل السفر وهو غير واجب، صح وإلا لا؟ كلامهم صحيح، لكن يبقى أن هذا نظر في مقابل نظر، لكن يبقى لنا الأثر، ومعولنا عليه: ((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) أيضاً الإذن بالصلاة في مرابض الغنم دليل على طهارة أبوالها وأرواثها، وطوافه -عليه الصلاة والسلام- على الدابة وهي لا تؤمن أن تبول أو تروث في المطاف، وكل هذه أدلة ترجح القول بطهارتها. قال -رحمه الله-: "حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي" صدوق من الحادية عشرة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ما في إشكال، يتبع، كل فضلاته طاهرة.

"حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي" وهو صدوق من الحادية عشرة "قال: حدثنا يحيى بن غيلان" يحيى بن غيلان بن عبد الله بن أسماء الخزاعي أو الأسلمي ثقة من العاشرة "قال: حدثنا يزيد بن زريع" البصري، ثقة ثابت، ثقة ثبت من الثامنة "قال: حدثنا سليمان" وهو ابن طرخان التيمي ثقة عابد "عن أنس بن مالك قال: إنما سمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة" يعني فعل ذلك على سبيل القصاص والمماثلة في القصاص، لا على سبيل المثلة "إنما سمل النبي -عليه الصلاة والسلام- أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة". "قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ" الشيخ الذي ذكره عن يزيد بن زريع إنما هو يحيى بن غيلان، وكونه تفرد به وهو ثقة ما فيه إشكال كونه يتفرد بمثل هذا لا يمنع من قبوله؛ لأنه ممن يحتمل تفرده، أما لو نقص عن درجة الثقة قليلاً بحيث لا يحتمل تفرده، يمكن يحكم بشذوذه، لكن مثل هذا ممن يحتمل تفرده فهو صحيح، ولو كان غريباً. "لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ عن يزيد بن زريع، وهو معنى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة] أي يقتص فيها، ما دام فعلوا بالراعي كذا يفعل بهم كذا، هذا قصاص، سملوا أعين الراعي تسمل أعينهم، أي يقتص فيها إذا أمكن، وهذا وإن كان مكتوباً في التوراة على بني إسرائيل إلا أنه مقرر في شرعنا، يعني ما جاء في شرعنا ما ينفيه إلا النهي عن المثلة، لا النهي عن المماثلة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] فهذه مماثلة لا وليست مثلة. "وهو معنى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة] وقد روي عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا قبل أن تنزل الحدود". وهذا ثابت عن ابن سيرين، صحيح عن ابن سيرين، فقول الإمام -رحمه الله تعالى- روي لا شك أنه خلاف الاصطلاح؛ لأن ما ثبت لا يقال فيه روي.

"عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا قبل أن تنزل الحدود" وآية المحاربة والنهي عن المثلة فعلى هذا هو منسوخ، ذكر ذلك ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، فعلى هذا يكون منسوخاً فمن فعل مثل فعلهم لا يفعل به مثل ما فعل بهم، يكتفى بقتله؛ لأن الحدود كافية، وأيضاً النهي عن المثلة ثابت، وقيل: إنه من باب المماثلة لا من باب المثلة، من باب المماثلة في القصاص فليس بمنسوخ؛ لأنهم فعلوا ذلك بالرعاة .... قاله ابن الجوزي وغيره، فعلى هذا الحكم محكم، وللإمام أن يجتهد في مثل هذا، إذا رأى أن مثل هذا الفعل قد يفتح باب على الناس، وأنه مجرد أن يقتلوا إذا ظفر بهم لا ينكل بمن فعل مثل هذه الأفعال، ورأى أن يماثل ما فعلوه بهم، يفعل بهم مثل ما فعلوا، فالإمام له ذلك، لا سيما وأن القولين محتملان، يعني القولين القول بالنسخ محتمل، والقول أيضاً بالمماثلة محتمل، وعلى هذا يرجع إلى اجتهاد الإمام. طالب:. . . . . . . . . هم قالوا: رعاة، سملوا أعين الرعاة. طالب:. . . . . . . . . إيه قد يطلق الواحد ويراد به الجنس جنس الراعي، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إذا ثبت نفعه، يعني إذا ثبتت باطراد لأنها سبب، والسبب لا بد أن يكون شرعياً أو عادياً مطرداً، نعم لو قيل لك: إن هذه الورقة إذا غسلتها وشربت ماءها شفيت، نقول: هل جاء في الشرع ما يدل على ذلك؟ لا، هل ثبت بالعادة والاطراد أن مثل هذا النوع من الورق فيه مادة يشفي من كذا؟ لا، نقول: هذا شرك، لا يجوز استعماله، لكن إذا ثبت أن أبوال الغنم أو أبوال البقر تنفع في مرض من الأمراض المسألة طب يعني كغيرها من الأدوية، أما ما ثبت عن الشرع فلا إشكال فيه.

وجاء في العسل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] هذا نص قرآني، العسل فيه شفاء، قد يقول قائل: إنه يضر بعض الناس، نقول: كل الأدوية فيها ما ينفع وفيها ما يضر، والأطعمة التي يبنى عليها الجسم فيها ما ينفع وفيها ما يضر، فلا شك أن مثل هذا العلاج يناسب هذا البدن، وذاك العلاج يناسب ذاك البدن، وإن كان الأصل فيه شفاء، وكان عند المنصور شخص والمنصور من آل البيت كما هو معروف عباسي، قال: لما تليت هذه الآية: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] قال: يخرج من بطونها يعني بطون أهل البيت، يخرج من بطونها يعني بطون أهل البيت، فقال أحد الحاضرين: جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون أهل البيت، التزلف والتقرب والنفاق يصل إلى هذا الحد، يعني يحرف القرآن من أجل شخص، لكن وجد من يرد عليه، ما أدري هل قال: جعل الله شفاءك أو جعل طعامك، المقصود أنه يصل إلى مثل هذا الحد، والله المستعان.

مثل هذا الحديث -حديث العرنيين- وفيه مثل هذه القوة والصرامة في تنفيذ الحد لا شك أنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس لأحد كلام، إلا أنه عيب من حدث به على الحجاج، يعني ذكر قصة العرنيين للحجاج، والحجاج هل هو بحاجة إلى مزيد من الظلم؟ نعم؟ فمثل هذا الحديث يحجب عن مثل الحجاج، عيب من حدث به على الحجاج، لا شك أن مثل هذا الحديث يحجب عن مثل الحجاج في ظلمه وطغيانه؛ لأن هذا يزيده، يجد في هذا مستمسك، ولذلك يقال: إن النصوص علاج لأمراض الأفراد وأمراض المجتمعات، يعني إذا وجدت شخص متساهل ومتراخي مثل هذا تورد عليه من نصوص الوعيد ما يجعله يلزم الطريق الجادة، وإذا وجدت شخص متشدد تورد عليه من أحاديث الوعد ما يجعله يسلك الجادة، فالخوارج يعالجون بنصوص الوعد، والمرجئة يعالجون بنصوص الوعيد، قل مثل هذا فيما يغلب على المجتمعات من تشدد أو تساهل، ولذلك عابوا على من حدث الحجاج بهذا الحديث، وقلنا مراراً: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر لعبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في شهر مع أنه حث على قراءة القرآن والإكثار منها، وأن بكل حرف عشر حسنات، هل يقال هذا لكل الناس؟ اقرأ القرآن في شهر، شخص لا يقرأ القرآن إلا في رمضان، يقال له: اقرأ القرآن في شهر؟ نقول: عثمان يختم في ركعة، ولعله يقرأ القرآن في شهر، لكن شخص يقرأ القرآن باستمرار وعاقه قراءة القرآن عن بعض الواجبات وشغله عن بعض ما أوجب الله عليه من بعض المهمات نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في شهر)) لأنه يخشى أن يعطل ما هو أوجب من ذلك، فالمسألة مسألة معالجة، قال لعبد الله بن عمرو في آخر الحديث: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) ومع ذلك زاد عبد الله بن عمرو؛ لأنه نظر إلى هذا النص باعتبار أنه من باب الرفق به لا من باب الإلزام، ولذا لا يكره أهل العلم أن يقرأ القرآن في ثلاث، فمثل هذه النصوص نحتاج إليها في معالجة أوضاع الناس.

باب: ما جاء في الوضوء من الريح:

يعني شخص من أهل العلم يحذر من الربا، وفي مكان فيه من يملك منع الربا، ويشدد في أمر الربا، ودرهم من ربا أشد من ست وثلاثين زنية، والربا حرب لله ورسوله، وأكلة الربا يبعثون يوم القيامة مجانين، ثم ينبغ من ينبغ فيقول: ((لا ربا إلا في النسيئة)) نسأل الله العافية، يعني هل مثل هذا الخبر -هو صحيح- يقال في هذا المجلس؟ لا والله ما يقال مثل هذا المجلس، والذي يجزم به أن هذا ما قالها لله، نسأل الله السلامة والعافية، ويبقى كل شيء على ما هو عليه لوجود مثل هذا، ولا شك أن النصوص علاج وبعضها يأتي على سبب خاص ثم يلقى به في مثل هذه الأماكن العامة أبداً، هذا لا شك أن في تضييع للدين، وإن كانت نصوص صحيحة وثابتة، لكن النصوص تؤخذ بجملتها، لا يؤخذ بعضها عن بعض، وحديث: ((لا ربا إلا في النسيئة)) لا ربا أعظم منه مثل عظمه في النسيئة، يعني ربا النسيئة أعظم من ربا الفضل، ومع ذلك ربا الفضل محرم إجماعاً، ما قال به أحد، ما قال بجوازه أحد، وحديث التمر صاع بصاعين ربا فضل يد بيد، ومع ذلك حرام بالإجماع، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- رده، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في الوضوء من الريح: حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح)). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بنِ محمد عن سهيل ... ابنُ ابنُ. عفا الله عنك: قال: حدثنا عبد العزيز بنُ محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً بين أليتيه فلا يخرج حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول العلماء ألا يجب عليه الوضوء إلا من حدث يسمع صوتاً أو يجد ريحاً. وقال عبد الله بن المبارك: إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقاناً يقدر أن يحلف عليه، وقال: إذا خرج من قبل المرأة الريح وجب عليها الوضوء، وهو قول الشافعي وإسحاق.

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) قال: وفي الباب عن عبد الله بن زيد وعلي بن طلق وعائشة وابن عباس وابن مسعود وأبي سعيد. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء من الريح" من الريح التي هي إما أن تكون بصوت وتسمى حينئذٍ الضراط كما قال أبو هريرة، أو بدون صوت برائحة فقط، وهو ما يسمى بالفساء. قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة وهناد" قتيبة بن سعيد وهناد بن السري "قالا: حدثنا وكيع" وهو ابن الجراح، "عن شعبة بن الحجاج عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا وضوء)) " والمراد به الوضوء الواجب الذي هو شرط لصحة الصلاة لا الوضوء المستحب كالتجديد ((إلا من -سماع- صوت أو -من شم- ريح)) لا بد أن يتحقق ويتأكد؛ لأن الشيطان يتلاعب بمقاعد بني آدم، فيخيل إليهم أنه خرج منه شيء ولم يخرج. والحصر بالصوت والريح لعله بحسب حال السائل، يعني السائل سأل عما يجده في صلاته مما يشبه خروج الريح فقيل له مثل هذا الكلام، والرجل يجد أو يسمع أو يخيل إليه في الصلاة ثم أجيب بهذا بحسب حال السائل، وإلا فالنواقض كثيرة، مقتضى الحصر لو كان حقيقياً أنه لا يتوضأ من البول ولا من الغائط، إنما يتوضأ من الصوت والريح، لكنه حصر إضافي بالنسبة لحال السائل. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وكلام الترمذي في هذا الباب فيه تقديم وتأخير في بعض النسخ، وأخرجه أحمد وابن ماجه.

قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد" هو الدراوردي "عن سهيل بن أبي صالح عن أبي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان أحدكم في المسجد)) " في المسجد لأن الأصل أن يصلى في المسجد حيث ينادى بها وهو مكان الصلاة ((إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً بين أليتيه)) تثنية ألية بفتح الهمزة وهي العجيزة، وما ركبها من لحم أو شحم، وفي رواية مسلم: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا ينصرف حتى يسمع الصوت أو يجد الريح)) ((فلا يخرج)) من المسجد من أجل أن يتوضأ ((حتى يسمع صوتاً)) مصاحباً للريح ((أو يجد ريحاً)) خرجت منه، والمراد أنه إذا كان على طهارة متيقنة لا يخرج ليتوضأ حتى يتيقن الحدث. والمراد والمخاطب لهذا الحديث من يسمع ويشم، فماذا عن الأصم المتعطل حاسة الشم؟ إذا كان لا يسمع ولا يشم؟ هو يحس من تلاعب الشيطان بمقعده يحس، نعم يسأل من بجواره ويش يقول؟ شميت شيء؟ إحراج، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هو لن يصل إلى يقين، لا يسمع صوت ولا ... طالب:. . . . . . . . . أو يقال له: إن كان هذا شيء قليل بالنسبة لك يعني ما يصل إلى حد الوسوسة فالاحتياط مطلوب؟ وإن كان يصل إلى حد الوسوسة فلا؟ على كل حال المسألة اجتهادية، يعني مثل هؤلاء ترى عددهم ليس بالكبير بحيث تأتي النصوص لعلاجهم، تأتي النصوص لعلاج العامة ثم بعد ذلك يخرج ما خرج عنها، فمثل هذا إذا كان باستمرار يتلاعب الشيطان بمقعده نقول: هذا لا تلتفت إليه؛ لأنه قريب من الوسواس، وإذا كان قليلاً وشيئاً يسيراً مرة في الشهر أو مرة في السنة هذا يقال له: تأكد، يعني جدد الوضوء، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ((حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) طالب:. . . . . . . . . ما في إشكال، ما في. في الحديث دليل وعمدة لقاعدة كلية أن الشك لا يزال باليقين، الشك لا يزول باليقين، وعندهم في مثل هذا أنه لو ترجح أحد الاحتمالين ترجح احتمال أنه خرج منه شيء لا يخرج عن اليقين حتى يتيقن، فترجح أحد الاحتمالين وهو الظن داخل في الشك، يعني ما يرفع اليقين إلا بيقين مثله.

قال: "وفي الباب عن عبد الله بن زيد وعلي بن طلق وعائشة وابن عباس وابن مسعود وأبي سعيد". أما حديث عبد الله بن زيد المؤخر في كثير من النسخ حديث عبد الله بن زيد متفق عليه، وحديث علي بن طلق في الترمذي وأبي داود، حديث عائشة عند أحمد والبزار والطبراني، وحديث ابن عباس عند البزار والبيهقي، وحديث ابن مسعود عند الطبراني، وحديث أبي سعيد عند أبي يعلى. وحديث الباب مخرج في صحيح مسلم. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في مسلم. على كل حال القاعدة الثانية من القواعد الكلية عند أهل العلم: اليقين لا يزال بالشك، قال السيوطي: ودليلها قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة، وأصله في الصحيحين. وهذه القاعة قاعدة في غاية الأهمية، ولها فروع كثيرة جداً، فالمطلوب من الإخوان أن يراجعوا هذه القاعدة في الأشباه النظائر، نعم يراجعوها قبل الحضور غداً، ونكمل الكلام على الحديث، وعلى هذه القاعدة غداً -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (18)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (18) شرح: باب: ما جاء في الوضوء من النوم. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: إذا كان الشريط أو الكتاب له حقوق محفوظة فهل يجوز نسخه أو تصويره ولو كانت نسخة واحدة؟ الممنوع في مثل هذه الحالة ما يضر بصاحب الحقوق الذي خسر الأموال على إنتاج هذا الشريط أو الكتاب لا يجوز ما يضر به، وهذا في الطبع العام، أما في تصوير باب من الكتاب أو نسخ نسخة من الشريط، أو تصوير الكتاب كاملاً لشخص لم يجده في الأسواق واحتاج إليه فمثل هذا لا يضر بالناشر، إنما يضر به من طبعه طبعة عامة يتداولها الناس، الطبعات المستقرة للكتب فهذا لا يجوز بحال، حتى يستوفي حقه، فإذا استوفى حقه بدأ بالأرباح صار حكمه كحكم غيره. يقول: سمعت أن شيخ الإسلام يرى الزواج من الرافضية فهل هذا صحيح؟ شيخ الإسلام كلامه في الرافضة ورده عليهم في غاية القوة في المنهاج، وذكر كثير من الأمور التي تقتضي كفرهم عند من بلغته الحجة، وإن كان يرى أن عوامهم لهم أحكام المنافقين، والتزاوج منهم لا سيما مع من خفي حاله منهم، وأنه لا يقول بالمكفرات الواضحة ولا يدرى عن حقيقته، إلا أن البعد عن هؤلاء لا شك أنه هو القول الصائب الراجح عند أهل العلم، وإن كانت عوامهم الذين لم تبلغهم الدعوة، هؤلاء لهم حكم يختلف عن حكم من بلغتهم الدعوة من رؤوسهم وأئمتهم فمن يقول: يا حسين، يا علي، يشرك الشرك الأكبر، هذا لا يجوز الزواج منه؛ لأنه مشرك، والمشركة لا يجوز نكاحها من قبل المسلمين، يجوز نكاح الكتابية اليهودية والنصرانية لكن المشركة لا يجوز بحال. يقول: هل يجوز رفع السبابة للمأموم أثناء الصلاة بعد سماعه لقراءة الإمام التسبيح؟ الأصل أن كل فقار يعود إلى مكانه فيكون مستقراً حيث وضع ولا يحرك، لا يحرك إلا في موضع التحريك، في التشهد وما عدا ذلك تبقى اليد اليسرى مقبوضة باليمنى على الصدر، ولا تحرك، وعلى الركبتين في الركوع، أو على الفخذين في الجلسة بين السجدتين، ولا تحريك إلا في التشهد. يقول: ما رأيك بتعليق أحمد شاكر على الجامع الصحيح طبعة هشام سمير؟

إيش؟ والله ما أدري البخاري، سمير وإلا صحيح، الخط مثل ما ذكرنا سابقاً هذا خط الأخ رديء يحتاج إلى أن يتعلم الخط والإملاء ليستفيد ويستفاد من كتابته. على كل حال تعليق الشيخ أحمد شاكر على الجامع الصحيح إن كان المراد به الترمذي كما سماه وسماه غيره فتعليقه من أنفع ما يكون لطالب العلم، ومن أدق المحققين على الإطلاق، ومقدمته لتحقيقه على كتاب الرسالة للإمام الشافعي مثال يحتذى في التحقيق. ما رأيك بطبعة تحقيق جابر يوسف علي كتاب روضة المحبين لابن القيم؟ الطبعة المعتمدة هي طبعة أحمد عبيد، الطبعة الأولى هي المعروفة عند أهل العلم، وهي التي نعتمد عليها، والكتاب على كل حال فيه فوائد وفيه أيضاً يعني ما هو من أنفس كتب ابن القيم، ليس من أنفس كتب ابن القيم لكن يستفاد منه. يقول: كيف أجيد القراءة في الكتب؟ وكيف أجيد النحو؟ هذا له أشرطة بينت فيها كيفية التعامل مع كتب أهل العلم المطولة والمختصرة. هل في ما يأتي أدلة صحيحة أن من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين في النار، وأن درجات الجنة مائة بين كل درجتين أبعد ما بين المشرق والمغرب؟ وأنه يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له: هل رأيت خيراً قط فيقول: لا؟ نعم هذه كلها لها ما يدل عليها من السنة، إلا أن بين كل درجتين مثل ما بين السماء والأرض. هذا يقول: ما حكم الموعظة قبل صلاة الجنازة أحياناً ولوقت يسير بانتظار من يتمون صلاتهم؟ هل في ذلك بأس خصوصاً عندما يكون المتوفى من الشباب؟ لا يكون هذا عادة ولا ديدن، والإمام إذا رأى ما ينكر، أو رأى ما يستحق التنبيه في أي مناسبة كانت نبه، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يستغل المناسبات في بيان ما يحتاج إلى بيانه، وأما اتخاذ ذلك عادة وديدن فلا. يقول: قررت حفظ التقريب ولكن لو كل يوم أحفظ ثلاثة رجال أحتاج إلى ثمان سنوات؟ لا، تحتاج إلى أربع سنوات، ما تحتاج إلى ثمان. فهل هذا يعتبر من ضياع الأوقات أم هو من العلم الذي يؤجر عليه؟

أنا عندي حفظ التقريب مجرداً نفعه أقل مما لو قرن بالأحاديث، يعني تبدأ بالبخاري، وتستخرج رجاله من التقريب، وتعلق على إسناد الحديث، وتردد هذا التعليق حتى تحفظه مقروناً بالحديث الذي يرويه، هذه هنا تكون الفائدة أكبر وأعظم، وإذا نظرت إلى ما قاله الشراح في هذا الراوي وجدت عندهم ما ليس في التقريب، وعندهم من الطرائف مما يشجع على استمرار القراءة، يعني لو قرأت في تراجم النووي لبعض الرواة، تراجم الكرماني وجدت إلى أن نفسك بحاجة إلى المزيد من النظر في الأسانيد، وعلى كل حال ضياع العمر في العلم وطلبه هذا ليس من ضياع الوقت، وإنما هو من حفظ الوقت. إذا قيل في التقريب: صدوق من العاشرة، فهل المقصود بالعاشرة الطبقة أم المرتبة؟ لا، المقصود بها الطبقة، وأما المرتبة فهو صدوق، صدوق يعني من المرتبة المتوسطة. يقول: هل دفن الجنائز بعد صلاة العصر هو وقت نهي معارض لحديث عقبة بن عامر أرجو منكم ذكر أوقات النهي وجزاكم الله خيراً؟ أوقات النهي الخمسة منها وقتان موسعان بعد صلاة الصبح أو من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس هذا موسع، ومن طلوعها حتى ترتفع هذا مضيق، ومن حين يقوم قائم الظهيرة -كما في الحديث- إلى أن تزول هذا مضيق، ومن صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس إلى الغروب هذا موسع، ومن تضيفها للغروب إلى غروبها هذا مضيق، فالأوقات الثلاثة هي التي يمنع فيها الدفن والصلاة على الميت. يقول: بما يحصل القيراط واتباع الجنازة هل يثبت بمجرد البدء بدفن الميت؟ حتى توضع، يعني إذا وضعت في القبر كما جاء في بعض الأخبار أنه يكفي، لكن تمام الأمر في إذا تم الدفن وشاركت فيه فلا شك أن هذا لا خلاف بين أهل العلم أنك تستحق القيراط المرتب على ذلك. وهل الثوب على الميت سنة ثابتة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما غسل وكفن سجي ببرد حبرة. ما رأيك بمن يحضر للصلاة على الجنازة في هذا المسجد وكان قد صلى الفريضة في غيره ثم يتنفل لوحده خشية أن تفوته صلاة الجنازة؟

على كل حال إذا صلى في المسجد وتقدم الكلام فيه إذا صلى في المسجد من غير هذا المسجد ثم حضر والصلاة مقامة يصلي معهم، وتكون له حينئذٍ نافلة، لكن إذا كان يعرف أنهم في التشهد الأخير، وإذا قضى أربع ركعات أو ثلاث ركعات فاتته صلاة الجنازة مثل هذا لا شك أن المحافظة على صلاة الجنازة أولى من الصلاة مع الجماعة وإن كانت نافلة. يقول: أنا شاب بار -ولله الحمد- بوالدي وعندي أختي مطلقة وقد تحدث بعض المشاكل، وعندما أكلم أمي قد تغضب علي، وتحدث مشاكل بين أمي وزوجتي؟ عليك أن تبر بوالديك، وإذا كان برهما لا يتم إلا بمراعاة أختك، والحنو عليها، والنظر في خاطرها، وقضاء حوائجها فهذا من تام البر، فعليك أن تسعى في إرضاء الجميع، كما أن عليك ألا تهمل حقوق زوجتك. يقول: هل تنصحني بحفظ القرآن أولاً أم بضبطه وتجويده ومن ثم حفظه مع العلم أني أقرأه من غير لحن جلي؟ هذا لا يمنع هذا، فأنت إذا سمعت أو قرأت على مجود ثم ضبط التجويد وحفظت القدر الذي قرأته على هذا الشيخ يتم لك هذا مع هذا، وإذا كنت تريد حفظه بمفردك؛ لأنك بذهابك إلى الشيخ يضيع عليك شيء من الوقت مع أن هذا ليس بضياع، كونك تحفظ على مجود أفضل، وأما إن قلت: إني أتقن القرآن على طريقتنا في هذه البلاد وغيرها، يعني قراءة مجزئة ومؤثرة -ولله الحمد-، لكنها ليست على قواعد التجويد في الجملة يعني حفظ شيوخنا ليس على قواعد التجويد بدقة، فالحفظ على هذه الطريقة كاف -ولله الحمد-، لكن إذا سمعت أشرطة المجودين، وضبطت أحكام التجويد لا شك أنه أتم خروجاً من الخلاف. يقول: ما رأيك بالأناشيد الإسلامية؟

ذكرنا مراراً أن الشعر والنشيد ألقي بين .. ، أنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان لفظه مباح ولم تصحبه آله وأدي على لحون العرب لا على لحون الأعاجم وأهل الفسق فإنه لا شيء فيه البتة، أما إذا كان لفظه فيه ما يمنع من أجله فإنه يمنع لذلك، يعني كما يمنع الكلام القبيح في النثر يمنع في الشعر، فمنعه لا لأنه نشيد، وإذا كان أداءه على لحون الأعاجم وأهل الفسق منع من أجل ذلك، وإذا صحبته آلة فالآلات ممنوعة، وإذا كان تجميع الأصوات الذي يتذرعون به الآن ويقولون: إن هذا مجرد أصوات مجتمعة وليس بآلات إذا أدى في الإطراب ما تؤديه الآلات أخذ حكمها، أخذ حكم الآلات. دخل علي الوقت وأنا في بريدة ثم فارقت البنيان وقصرت الصلاة فما الحكم؟ لا، عليك أن تعيد الصلاة. ما حكم لمس القرآن من غير طهارة؟ لا يجوز، فالقرآن لا يمسه إلا طاهر، {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة] والمرجح أن الآية في الملائكة، وشيخ الإسلام يستدل بالآية وإن كانت في الملائكة على أن البشر لا يمسه منهم إلا طاهر؛ لأنه إذا منع الملائكة من مسه إلا بطهارة فلأن يمنع غيرهم من باب أولى. ما الحكمة من نهي الرجل أن يتوضأ بفضل طهور المرأة؟ الأصل أنه إذا ثبت الخبر لزمنا العمل به، سواءً عرفنا الحكمة أو لم نعرفها، والحكمة ظاهرة في كلام أهل العلم أن المتوضئ يستحضر في خاطره وفي باله المرأة التي استعملت هذا الماء فينشغل بها، وقد يسترسل في ذلك فيخرج منه شيء، المقصود أن مثل هذه الحكم التي ذكروها وإن لم تثبت الحكم ثابت، على أن النهي إنما هو للتنزيه لا للتحريم. يقول: ما رأيكم في حديث أبي هريرة في الصحيح: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) وهل يشمل غفران الذنوب الكبائر؟ وإذا قلنا: إنه لا يشمل الكبائر فقد صرفنا ظاهر الحديث عن معناه الحقيقي لأنه لا يمكن أن يوصف بالمولود إلا الذي ليس عليه ذنوب نريد جواباً مفصلاً إذا كنتم ترون أن المغفرة لا تشمل الكبائر؟

هذا الحديث: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) معناه أن من اتصف بالتقوى كفرت ذنوبه، اتصف بالتقوى، من تمام التقوى التوبة من الذنوب، وفي هذا المعنى قول الله -جل وعلا-: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] بهذا الشرط، فكونه يرجع كيوم ولدته أمه من لازمه أن يتقي الله -جل وعلا- كما في الآية، والآية يفهمها كثير ممن يقرأها على غير معناها الصحيح {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] فلمن اتقى يشمل المتعجل والمتأخر، فمن اتقى لا إثم عليه سواءً كان متعجلاً أو متأخراً، يعني يرتفع عنه الإثم، فيرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه بهذا القيد {لِمَنِ اتَّقَى} المنصوص عليه في الآية، فإذا قرنا الحديث ومعناه هو معنى الآية قلنا: إن هذا خاص بمن اتقى، فمن اتقى الله -جل وعلا- لم يرتكب كبيرة، وإن كان قد ارتكبها سابقاً فيوفق للتوبة منها، هذا إذا تحققت فيه التقوى، ولا يتم التكفير إلا لمن اتقى، فلا إثم عليه، لا يرتفع إثمه إلا إذا تحقق فيه الشرط وهو التقوى. بعض الناس يفهم أن {لِمَنِ اتَّقَى} خاص بمن تأخر، وأن التأخر أقرب للتقوى هذا الكلام ليس بصحيح، إنما يعود للأمرين جميعاً، من تعجل فلا إثم عليه، يعني يرتفع عنه إثمه، فيكون الحج كفارة لذنوبه، شريطة أن يتقي الله -جل وعلا-، ومن تأخر فلا إثم عليه يرتفع عنه الإثم الذي ارتكبه سابقاً شريطة أن يكون قد اتقى الله -جل وعلا-، فلا بد من أن تؤخذ النصوص متكاملة، علماً بأن الذي لا يتقي الله -جل وعلا- لن يوفق من ترك الرفث والفسوق، الذي لا يتقي الله -جل وعلا- فإنه لن يوفق، والتجربة شاهدة بذلك، كثير من الناس يقول: الحج الآن أربعة أيام، أحج بمفردي ولا أختلط بأحد، ولا أتكلم بكلام لا يرضي الله -جل وعلا-، وأستغل هذا الوقت للعبادة المحضة بحيث لا يفوتني من الوقت شيء، نقول: إذا كان عمرك كله مشغول بالقيل والقال لن توفق لمثل هذا.

يقول: معلوم أن وقت صلاة الفجر متأخر عن ما في التقويم، فهل من نصيحة سواءً كبيرات السن يصلين بعد أذان الفجر مباشرة؟ على كل حال هذا ليس محل اتفاق، والفتوى الآن قائمة على التقويم، وكون بعض طلاب العلم يخرجون إلى الأماكن خارج البلدان، ويتحرون ذلك، ويقرر بعضهم أن التقويم متقدم ما زالت الفتوى على التقويم، لا زالت الفتوى على التقويم، لكن مع ذلك مع كثرة ما يثار وبعض من انتدب لهذا الأمر من الثقات أهل المعرفة، لكن ما دامت الفتوى على التقويم فلا شيء على من صلى عليه، لكن الأفضل والأحوط أن لا يصلي إلا بعد مضي وقت كاف، المساجد تقيم الصلاة حسب النظام بعد مضي خمس وعشرين دقيقة، يعني لو زاد خمس دقائق وأقام الصلاة بعد نصف ساعة ونبه على من كان يصلي في بيته أن يتأخر من باب الاحتياط كان أولى وأبرأ للذمة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . اللي هو إيش؟ طالب:. . . . . . . . . الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- في سنة سبع عشرة وثمان عشرة، ندب لجنة تخرج ترقب التوقيت وقرروا أنه على التقويم ونشر هذا في الصحف، وأكد الشيخ ما في التقويم -رحمه الله-، وما زالت الفتوى عليه، وإن كان الذين يشككون في الأمر أهل ثقة ومعرفة أيضاً أهل خبرة يعرفون، فلا شك أن كلامهم يوجد في النفس شيء مما في التقويم، لكن يبقى أن ما دامت الفتوى عليه فالذمة تبرأ به. إذا تخلف الإمام عن بعض الصلوات أحياناً بعذر وأحياناً بغير عذر فكيف تبرأ ذمته إذا كان يستلم مقابلاً عن ذلك؟ وماذا يفعل في السنوات الماضية؟

هو إن كان يستلم المقابل في مقابل الصلوات يستلم المكافئة في مقابل الصلاة وأنها أجرة له فتحرم عليه من الأصل، لا يجوز له أخذها، وإن كان يأخذها جعلاً من بيت المال فالأمر فيه أخف، فإذا تخلف تخلفاً جرت العادة به بين الأئمة بما فيهم المشايخ وأهل العلم فهذا لا يلام؛ لأن كل إنسان له ظروفه، وليست هذه وظيفة بحيث يعاتب عليها، يحاسب على الفرض أو على الركعة كما يقوله بعضهم أبداً؛ لأنه إذا اعتبرها وظيفة والراتب الذي يأخذه أجرة على صلواته حرم عليه أخذه؛ لأن الصلاة عبادة محضة لا يجوز أخذ الأجرة عليها، وكذلك الأذان إنما إذا قلنا: إنه أجر مقرر أو جعل مقرر من بيت المال فهذا لا يضر -إن شاء الله تعالى-، على أن لا يكثر ذلك لكن إذا فاضل بين أن يصلي مثلاً العصر بجماعته أو يحضر الدرس من أوله؟ هل نقول: يصلي بجماعته وإلا يحضر الدرس؟ لا سيما وأن العصر لا تشق الإنابة فيه على أحد بخلاف المغرب والعشاء والفجر تشق على المأمومين، يعني أن ينوبوا عنه، فمثل هذا تحصل فيه الموازنة، والأمر فيه سعة -ولله الحمد-، لكن يبقى أن تضييع المسجد بعد أن التزم به لا يجوز بحال، أو يسافر مدة طويلة ويترك الناس بغير خليفة له لا يجوز، وأما بالنسبة للأسفار التي يحتاج إليها على أن ينيب غيره هذا يفعلون، المشايخ كلهم يفعلون هذا، كلهم يسافرون ينتابهم أمور وينيبون غيرهم، والله المستعان، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا الوظائف ما يجوز، الوظائف لا يجوز إطلاقاً، اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً، لا، يأثم إذا اتخذها على أنها وظيفة، أما كون ولي الأمر يرى من المصلحة أن يزيد في هذا الجعل، وفي هذه المكافئة ليتفرغ الناس لهذا الأمر، وينفعوا المأمومين أكثر هذا له حظ من النظر -إن شاء الله-. يقول: هل تؤجر المرأة على عملها في بيتها ولو لم تنوِ الاحتساب؟ ((إنما الأعمال بالنيات)) لا بد أن تنوي بذلك امتثال ما أمره الله به من القرار في البيت، وخدمة الزوج، ومن تربية الأولاد، فإذا نوت ذلك واستصحبته ولو غفلت عنه أحياناً فأجرها ثابت -إن شاء الله تعالى-. هل يجوز للمرأة أن تزور قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ وهل يجوز لها زيارة البقيع وجبل أحد؟

إيش معنى زيارة قبر الرسول؟ يعني معناه أنها تفتح الباب وتدخل للقبر أو من وراء السور؟ من وراء الجدران الثلاثة؟ هذه ليست زيارة، كما لو مرت بجوار مقبرة من الشارع، ولا يمكن أن تمكن، لكن إن مكنت من زيارته وفتح لها الباب وتقف على القبر: ((لعن الله زوارات القبور)) وكذلك زيارة البقيع. وجبل أحد لا شك أنه مثار فتنة للزوار إذا كانوا يقصدون بذلك التبرك أو خشية أن يقتدى بهم ممن يزوره لأجل هذا، أما الزيارة المجردة باعتبارها معلم من معالم البلد أو المدينة أو أنه وقعت في هذه الوقعة من غير أن يتقرب إلى الله -جل وعلا- بشيء من ذلك، أو يتعبد له بشيء من هذا فلا مانع -إن شاء الله تعالى-. أين أجد ما كتب عن تراجم النساء اللواتي نبغن في العلوم الشرعية لنقرأها لعلها تنشطنا إلى الطلب؟ في كتاب في خمسة مجلدات اسمه أعلام النساء، وفي أيضاً كتاب (الدر المنثور في تراجم وطبقات ذوات الخدور) في مجلد كبير مطبوع من أكثر من مائة سنة، وصور مراراً، وهذا فيه تراجم، وفيه فوائد، وقد يترجمون لبعض من عندهن شيء من المخالفات أو البدع؛ لأن الكتب تجمع، وكتب التراجم كتب الرجال في الحديث وغيره يفردون النساء، يعني النساء لهن حض ونصيب من كتب التراجم. ما هي أسباب إجابة الدعاء؟

أسباب إجابة الدعاء: أولاً: لا بد من بذل الأسباب وانتفاء الموانع، والنظر إلى الموانع أشد؛ لأنه لو بذلت الأسباب كلها، ومع ذلك وجد مانع من الموانع لم تقبل، يستبعد أن يستجب الله -جل وعلا-، النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، هذه كلها من أسباب الإجابة، يقول: يا رب يا رب، يدعو بهذا الاسم من الأسماء الحسنى، ومع ذلك يقول فيه أهل العلم: إنه أولى ما يدعى به، وإذا كرره الإنسان خمس مرات حري بالإجابة، لكنه وجد المانع ((ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)) استبعاد، وكثير من المسلمين متورط في هذا الأمر، إما في مسائل البيع والشراء، أو الوظيفة التي لا يبرئ ذمته منها، أو الدخول في أمور ومساهمات فيها شبهات، كل هذه من الموانع، فعلى الإنسان أن يحرص على انتفاء الموانع، ثم إذا انتفت هذه الموانع يأتي بالأسباب من تحين أوقات الإجابة، وبالدعاء المأثور ولا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، ويجتنب السجع، ويجتنب الاعتداء بالدعاء، ويرفع يديه، ويبتهل إلى الله -جل وعلا- مقدماً التعظيم لله -جل وعلا- والصلاة على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذٍ ترجى الإجابة. وما هي علامات حسن وسوء الخاتمة؟ على كل حال من عمل صالحاً وجده، ومن عمل سيئة وجدها إلا أن يتجاوز الله -جل وعلا- عنها، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، لكن إن وجد بياض في الوجه، أو ختم له بكلمة التوحيد، فهذه من علامات حسن الخاتمة، وإن وجد خلاف ذلك فهي من علامات سوء الخاتمة، ولا يقطع لأحد لا بجنة ولا نار، وإنما نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء. وهل صحيح أن من يموت في يوم الجمعة يوقى من عذاب القبر؟ جاء الخبر بذلك. يقول: ما رأيكم بكتاب: (نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب) للشيخ البسام؟ وهل يستفيد منه الطالب المبتدئ؟ نعم يستفيد منه الطالب المبتدئ والمتوسط، والشيخ -رحمه الله- زين الكتاب باجتهاداته وآرائه، والنقول عن اللجان والمجامع الفقهية. هذا يقول: هل تجوز الصلاة -هذا من ليبيا- هل تجوز الصلاة بين السواري والأعمدة؟

الصلاة بين السواري والأعمدة مكروهة، ولكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك ما في المسجد مكان ضاق المسجد ووجد بين السواري من يستوعب بعض المصلين لا بأس به -إن شاء الله تعالى-، فالكراهة تزول بأدنى حاجة. يقول: هل الأفضل التركيز على المتون والكتب المتعلقة بأحد فنون العقيدة مثلاً حتى الانتهاء من المراحل الأولية ثم الانتقال إلى فن آخر وهكذا، أم دراسة متن مختصر من كل فن ثم التكرار، أي دراسة متن آخر من كل فن، وهكذا علماً بأن عيب الطريقة الأولى أنها تبعث أحياناً على الملل، وعيب الطريقة الثانية أنها تبعث على اليأس؛ لأن الطالب قد يمضي من عمره عدة سنين وهو يشعر أنه لم يحصل له أي شيء على الإطلاق؟ هذا ذكرناه مراراً أن الأصل أن تكون العلوم متواكبة، يقرأ في كل وقت من أوقاته في فن من الفنون، وتتكامل لديه الرؤية والصورة في مرحلته الأولى، في مرحلة المبتدئين، ثم المتوسطين، ثم المتقدمين، لكن بعض الناس إذا قرأ في أكثر من كتاب يتشتت ولا يستوعب، فنقول له حينئذٍ: إلزم هذا الكتاب حتى تفرغ منه، ثم انتقل إلى الكتاب الآخر. إذا أصيب المسلم بمصيبة في نفسه أو ماله أو غير ذلك كيف يكون تصرفه صحيحاً موافقاً للشرع؟ إذا أصيب بمصيبة فعليه أن يحمد الله -جل وعلا- ويسترجع، وقد أخبر ابن عباس بوفاة ابنة له وهو في سفر على دابته، فاجتنب الطريق، ونزل عن الدابة وقال: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون، وصلى ركعتين، وتلا قول الله -جل وعلا-: {اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [(153) سورة البقرة] فمثل هذه لا شك أنها تعينه على الصبر.

ما زلنا في الحديث السابق في باب: ما جاء في الوضوء من الريح، وشرحنا حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح)) وعرفنا أن الحصر بحسب حال السائل، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل الرجل يجد أنه خرج منه شيء وهو في الصلاة؟ قال: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) ثم بعد ذلك الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً بين أليتيه فلا يخرج حتى يسمع صوتاً)) "في المسجد" نص على المسجد لأن الأصل بالنسبة للرجال أن تكون في المسجد حيث ينادى بها ((فوجد بين أليتيه يعني ريحاً فلا يخرج من المسجد)) من أجل أن يتوضأ ((حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) وهو كسابقه. والمراد من ذلك أنه لا ينصرف بعد تيقنه للطهارة بمجرد شك، ويلحقون بذلك الظن، وهو الرجحان، رجحان خروج الريح، مع أن جل الأحكام مبنية على غلبة الظن، ((أو يجد ريحاً)) وهذا الحديث وما جاء في معناه هو مبنى القاعدة عند أهل العلم وذكرنا أننا نقرأ في كلام العلماء في القاعدة الثانية من القواعد الكلية التي قالوا فيها: الشك لا يرفع اليقين، القاعدة الثانية: اليقين لا يزال بالشك، ودليلها قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً)) الذي هو حديث الباب ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة وأصله في الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال: شكا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) أحد معه الأشباه؟ ذكرت هذا بالأمس، يعني راجعتم الأشباه والنظائر؟ طيب.

"وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وابن عباس، وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبنِ على ما استيقن)) وروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا سها أحدكم في صلاته فلا يدري واحدة صلى أم اثنتين؟ فليبنِ على واحدة، فإن لم يتيقن صلى اثنتين أم ثلاثاً؟ فليبنِ على اثنتين، فإن لم يدرِ أثلاثاً صلى أم أربعاً؟ فليبنِ على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم)) قال السيوطي: اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر، ولو سردتها هنا لطال الشرح ولكن أسوق منها جملة صالحة، فأقول: يندرج في هذه القاعدة قواعد: منها قولهم: الأصل بقاء ما كان عل ما كان، الأصل بقاء ما كان عل ما كان، فمن أمثلة ذلك: من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر، أو تيقن في الحدث وشك في الطهارة فهو محدث. قال: ومن فروع الشك في الحدث إن شك هل نام أو نعس؟ أو ما رآه رؤيا أم حديث نفس؟ أو لمس امرأةً أو بشراً أو شعراً؟ أو هل نام متمكناً أو لا زالت إحدى إليتيه؟ إيش؟ أو شك: هل كان قبل اليقظة أو بعدها؟ أو مس الخنثى ... إلى آخر كلامهم في التفاصيل التي يذكرونها في مثل هذا. ثم قال: شك في الطاهر المغير للماء هل هو قليل أو كثير؟ فالأصل بقاء الطهورية، أحرم بالعمرة ثم بالحج وشك هل كان أحرم بالحج قبل طوافها فيكون صحيحاً أو بعده فيكون باطلاً؟ حكم بصحته، قال الماوردي: لأن الأصل جواز الإحرام بالحج حتى يتيقن أنه كان بعده، ثم شك هل طلع الفجر أم لا؟ صح صومه بلا خلاف. تعاشر الزوجان مدة مديدة ثم ادعت عدم الكسوة والنفقة فالقول قولها؛ لأن الأصل بقاؤهما في ذمته، وعدم أدائهما. قاعدة: الأصل براءة الذمة ولذلك لم يقبل في شغل الذمة شاهد واحد ما لم يعتضد بآخر أو يمين المدعي، وكذا أيضاً إذا كان القول قول المدعي لموافقته الأصل وفي ذلك فروعاً منها ... إلى آخره.

قال: قاعدة، قال الشافعي -رضي الله عنه-: أصل ما أنبنى عليه الإقرار أني أعمل اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة. وهذه قاعدة مطردة عند الأصحاب ومرجعها إلى أن الأصل براءة الذمة كقولهم فيما لو أقر أنه وهبه وملكه لم يكن مقراً بالقبض؛ لأنه ربما اعتقد أن الهبة لا تتوقف عل القبض ... إلى آخره. لا شك أن الأصل هو عليه العمل الذي يعمل به الأصل، لكن إن عارضه ظاهر هم يقولون: الأصل مقدم على غلبة الظن، لكن إذا عارضه الظاهر فما الحكم؟ إذا عارض الأصل الظاهر تعارض الأصل مع الظاهر فما الذي يقدم؟ ومثلنا بمثال يستفيد منه طلاب العلم، إذا زرت زميلك، وأجلسك في مكتبته، وأخذت تدور في الكتب وتناظر، وأخذت هذا الكتاب فوجدت عليه اسمك، ملك فلان، وهو موجود في مكتبة فلان –الزميل-، الأصل أن الكتاب لك، عليه اسمك الأصل أن الكتاب لك، والظاهر أنه له لأنه في حوزته فما الذي يقدم الأصل أو الظاهر؟ يعني الظاهر أن الكتاب لمن؟ لصاحب المكتبة؟ لكن الأصل أنه لفلان ملك فلان. طالب:. . . . . . . . . أو إعارة؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

وقد يكون استعاره ونسي، كم من شخص استعار ونسي؛ لأنه مع طول المدة يظن أنه اشتراه أو وهبه إياه وهو في الحقيقة عارية أو العكس، المقصود أن مثل هذا هل يقدم الأصل فنقول: الكتاب لصاحبه حتى يدعي بدعوى مقبولة ويقيم البينة عليه أنه اشتراه أو وهبه إياه؟ لا يحكم بهذا ولا هذا، ينظر إلى حال الأصل، وحال صاحب اليد الذي هو الظاهر، فما الذي ترجحه العادة والحال من الطرفين؟ إذا كانت عادة صاحب الكتاب الذي عليه اسمه عادته يبيع الكتب، عادته يبيع الكتب، فهذه العادة لا شك أنها محكمة، ويحكم بسببها للظاهر، وإذا كان هذا الرجل ليس من عادته أن يبيع ولا يهب، بل هو شحيح على كتبه ومن عادته أن يعير؟ غلبنا جانب الأصل، هناك قرائن تدل على تغليب أحد الأمرين، إذا كان الكتاب حضر به دروس، وملئ بالتعليقات، ننظر هذه التعليقات هل هي لصاحب الأصل الذي عليه الاسم، فيغلب على الظن أنه لن يبيع هذه النسخة، أو الذي بيده الكتاب، صاحب المكتبة هو الذي حضر به الدروس وعلق عليه فالأصل أنه لا يتصرف بملك غيره إلا بطريق شرعي معتبر، والمسألة مفترضة في طالب علم ليس بسارق، نعم، فالقرائن لا شك أنها ترجح في مثل هذا، وإلا فالأصل أن الكتاب لمن كتب عليه الاسم، اسمه، كتب عليه اسمه، لكن لو وجدنا الكتاب مكتوب عليه ملك الفقير إلى الله -جل وعلا- فلان ابن فلان ابن فلان هذا الزائر، ثم صاحب المكتبة قال: ثم انتقل إلى ملك فلان ابن فلان ابن فلان بالشراء الشرعي أو بالهبة أو بالهدية أو ما أشبه ذلك، نقول: هذه دعوى يقيم عليه البينة وإلا يحلف الطرف الثاني ويستحق الكتاب، هذه مسائل ترى تحصل كثيراً من طلاب العلم يجد كتاب عليه اسمه أو ختمه ثم بعد ذلك يدعيه صاحبه الذي هو بيده لطول العهد أحياناً شخص يستعير كتاب عشرين سنة، أنا أعرت واحد من الزملاء قبل ثلاثين سنة كتاب، ولقيته قبل سنتين أو ثلاث، قال: كل ما رأيت هذا الكتاب دعوت لك، قلت: لماذا؟ قال: لأن الكتاب كان مهترياً فأخذته -وجزاك الله خيراً- وجلدته وأعدته إليّ، كأن العلاقة بس إني أخذت الكتاب وجلدته، يعني ما هو لي فأخبرته، يعني ما أخبرته يعني بحقيقة الحال يعني أبحته وحللته عن هذا.

الآن يأتي مع الكتب ومع المكتبات ومع التركات التي تعرض للبيع بعد موت أصحابه، يحصل من هذا شيء كثير، تشتري مكتبة فلان ويكون فيها كتاب عليه اسم فلان فكيف تتصرف؟ هل نقول: إن هذا الكتاب ملكه فلان قبل وفاته أو يعاد إلى صاحبه الأصلي؟ لا شك أن هذا حرج كبير، ويوقع في إشكال، وأحياناً تأتي كتب عليها ختوم رسمية مكتبات عامة، ونعرف أننا في الداخل لا يمكن أن يباع كتاب من مكتبة عامة أو يهدى أو شيء من هذا، فلا بد من التحري والتوقي في مثل هذه الأمور، والكتبيين الآن يحكون الأختام، ويأتون من الآفاق من مصر والشام وتركيا وغيرها كتب عليها أختام مكتبات عامة، ويدعون في ذلك أن أولئك عندهم نظام اسمه تحديث، نظام التحديث، إيش معنى هذا؟ أن هذه البلدة التي فيها المكتبة العامة، وهي من بيت المال، وعليها الأختام أتيح لهم مسألة التحديث، إيش معنى التحديث؟ المكتبة فيها كتب قديمة لا تصبر على استعمال الناس، الكتاب القديم ما يصبر على استعمال الناس من قبل الباحثين الذين يترددون كثيراً ويتعاقبون على الكتاب الواحد، فالتحديث يجتمع المجلس البلدي ويقرر أن قيمة هذه المكتبة كذا من الكتب القديمة، فيشتريها أحدهم أو غيرهم، تباع على غيرهم، ثم يشترى بقيمتها أكثر من الكتب القديمة، يعني يشترى بقيمتها ثلاثة أضعاف مثلاً من الكتب الجديدة التي تصلح للاستعمال، ولا شك أنه إذا كان هذا من مصلحة الوقف والكتب القديمة تعطل نفعها لا مانع من بيعها، ويشترى بقيمتها ما يمكن الانتفاع به على أوسع نطاق، لكن ما الذي يصدق هذا الكلام؟ أحياناً يأتي ما يدل على ذلك من بيان للاتفاق وما أشبه ذلك، هذا أمره واضح، لكن كثير من الحالات ما يأتي معها شيء، لنستصحب هذا الأصل أن فكرة التحديث موجودة أو نقول: إنه هذا الكتاب تبع المكتبة الفلانية ولا يجوز بيعه ولا شراءه؟ هذا الأصل تبع المكتبة، لكن إذا استفاض بين الناس أن هذه الجهة عندها نظام التحديث، وبالفعل هذا ما يصبر هذا الكتاب على استعمال من يتعاقب على استعماله، وتأكدنا بالفعل أنهم اشتروا مكانه، هذا ما في ما يمنع -إن شاء الله تعالى-.

أحياناً يأتينا وقف صحيح البخاري مثلاً مخطوط قيمته مائة ألف، وهو وقف موقوف على ضريح فلان أو على زاوية فلان، زاوية صوفية لا يستفيدون من البخاري ولا من شيء، أو على ضريح فلان –قبر-، هل نقول: الوقف باطل فيجوز بيعه أو نقول: الوقف صحيح فيصرف إلى أقرب مصرف شرعي له؟ على ضريح نجعله في المسجد يستفاد منه، على زاوية نجعله في مكتبة، نقول: الوقف صحيح وإلا باطل؟ هذه أمور تدور بين طلاب العلم، ويعانيها من يهتم بالكتب القديمة، ولا بد من بيان حكمها، الوقف على ضريح لا شك أنه باطل، الوقف على زاوية صوفية هذا لا شك أنه باطل، فهل نقول: باعتبار أن الوقف بطل فيجوز بيعه أو نقول: إن الوقف صحيح وموضعه غير شرعي فينقل إلى موضع شرعي؟ وهذا يكون من جنس تصحيح الوصية، وهذا من الجنف الذي يجب تعديله، لذلك قلنا: إن الوقف مراد الواقف التقرب إلى الله -جل وعلا-، لكنه أخطأ في وضعه في هذا المكان ننقله إلى مكان ينتفع به، هذا الكلام لا يوجد في بلادنا -ولله الحمد-؛ لأنها بلاد على السنة -إن شاء الله تعالى-، نرجو الله -جل وعلا- أن يديم هذه النعمة، لكن في البلدان الأخرى موجودة وبكثرة، وطلاب العلم يتحرجون من مثل هذا، يعني كتاب طالب العلم بأمس الحاجة إليه، صحيح البخاري نسخة مصححة ومقابلة وخطية، ويحتاجها طلاب العلم، ومع ذلك موقوفة على قبر، على ضريح أو موقوفة على زاوية صوفية ما عندهم ولا أذكار صحيحة فضلاً عن العلم الشرعي، فمن صحح الوقف وعدل المصرف قال: يصرف إلى أقرب جهة لمثل هذا ويستفاد منه، ومن أبطل الوقف بجملته قال: يجوز بيعه وشراءه ولا إشكال فيه، ويعتبر هذا من الإنقاذ للكتاب، من الإنقاذ له، بدلاً من أن تأكله الأرضة عند هذا القبر، أو في تلك الزاوية يستفاد منه، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم كثير من الناس وبعض طلاب العلم لا يقدرون الكتب قدرها، فيوجد كتاب قديم وقيمته مرتفعة جداً، يعني أحياناً الكتاب يباع بثلاثة آلاف أربعة آلاف خمسة آلاف ويشرى بقيمته عشرين نسخة من المطبوعات الجديدة نفس الكتاب، يعني لو افترضنا سنن البيهقي الطبعة الأصلية يشترى مكانها عشرين نسخة من الطبعات الجديدة، أو ثلاثين نسخة، وقل مثل هذا في فتح الباري وغيره، فهل يمكن أن يتصرف القائم على المكتبة باعتبار أن هذا هو الأصلح للمكتبة، مكتبة موقوفة في مسجد، ورأى أن طلاب العلم لا يستفيدون من هذه الكتب القديمة المتهرية المتقطعة متناثرة أوراق ملمومة، وطالب العلم ينظر إليها حسرة، ويريدها ولا تتيسر له، فإذا قال: أنا أضع مكان هذا الكتاب عشر نسخ هل من المصلحة أن يتصرف في هذه الكتب؟ وهذه مصلحة ظاهرة بدل نسخة واحدة عشر نسخ ما أحد يشك فيها، فإذا وجد من يقوم الكتب تقويم صحيح ولا ينظر إلى مصلحة نفسه يقول: أضع نسختين وهو يقابل عشر نسخ، لا، لا مانع أن يقول: الكتاب قيمته ثلاثة آلاف والمصور بثلاثمائة أدفع عشر نسخ، وإذا كان المسجد لا يحتمل العشر يحتمل نسخة نسختين ينظر إلى أقرب مكان آخر مسجد آخر ويضع فيه بقية النسخ وهكذا. فإذا لوحظت المصلحة ما لوحظ المصلحة العامة، إذا لوحظت فذمته تبرأ -إن شاء الله تعالى-، لكن إن لاحظ الإنسان مصلحته الخاصة فهذا لا أبداً، لا يجوز له أن ينظر إلى مصلحته ويهمل مصلحة الوقف والواقف. يقول: قاعدة: من شك أفعل شيئاً أم لا؟ فالأصل أنه لم يفعله، ويدخل فيها قاعدة أخرى: من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حمل على القليل؛ لأنه المتيقن، من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حمل على القليل؛ لأنه المتيقن، يعني تأكد أنه أوتر البارحة، لكن تردد هل صلى سبع أو خمس، أو ثلاث، المتيقن أنه صلى ثلاث، فإذا أراد أن يكمل إذا قلنا بقضاء مثل هذا بعد ارتفاع الشمس، وكان من عادته أن يصلي سبع قال: أراد أن يكمل أو يترك يصلي أربع ركعات تكميلاً لما اقتصر عليه في الليل، على القول بأن مثل هذا يقضى، فيبني على الأقل لأنه المتيقن. يقول: منها: سها وشك هل يسجد للسهو؟ سجد كيف؟ لعله منها: سها وشك هل سجد للسهو؟ إيش عندك؟

طالب:. . . . . . . . . هل سجد للسهو؟ سجد، يعني اجتمع عندنا سهو وشك، الشك يقتضي سجود للسهو أو لا يقتضي؟ نعم؟ يقتضي، إذاً عندنا سهو وشك، يعني شك هل سجد للسهو أو لم يسجد؟ هل نقول: إن هذا في حكم من سها مراراً فيكفيه سجدتان تكفيان عن السهو والشك أو لكل موجب سجدتين؟ يعني يكفيه سجدتان هذا هو الأصل. ومنها: شك في أثناء الوضوء أو الصلاة أو غيرهما من العبادات في ترك ركن وجبت إعادته فلو علمه وشك في عينه أخذ بالأسوأ، فإن احتمل أنه النية وجب الاستئناف، فلو ترك سجدة وشك هل هي من الركعة الأخيرة أم من غيرها لزمه ركعة؛ لاحتمال أن تكون من غيرها فيكمل بركعة ويلغو باقيها. ولو شك في محل سجدتين أو ثلاث وجب ركعتان؛ لاحتمال ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثانية فيكمل الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة وهكذا. المقصود أن فروع هذه القواعد كثيرة جداً، وهي من القواعد الكلية المعروفة. وسائل يسأل عن أفضل الطبعات للأشباه والنظائر؟ وآخر يسأل عن منظومة القواعد للأهدل هل تحفظ؟ نعم منظومة القواعد الفرائد البهية نظم القواعد الفقهية لأبي بكر الأهدل هي في الحقيقة نظم مأخوذ من الأشباه، لذا يقول: سميتها: الفرائد البهية ... لجمعها الفوائد الفقهية لخصتها بعون رب قادرِ ... من لجة الأشباه والنظائرِ

فهي منظومة نافعة لطالب العلم يحفظها ويراجع عليها الشروح، ولها شرح مطبوع، ومعروف متداول مفرد، ومن أراد أن يقتصر على الأشباه والنظائر في هذه الطبعة طبعة مصطفى محمد سنة (1355هـ) وعلى هامشها (المواهب السنية) لعبد الله بن سليمان الجوهزي الشافعي شرح الفرائد البهية نظم القواعد الفقهية، فالأشباه في الأصل والنظم مع شرحه في الحاشية، طبعة طيبة في الجملة، لكن أصح منها طبعة الشيخ حامد الفقي، الطبعة الأولى سنة (1357هـ)، طبعة طيبة وعليها تعليقات نافعة جداً للشيخ حامد على هذا الكتاب فيحرص عليها، وأيضاً الفرائد هذه المتن مطبوع مفرد، والشرح مطبوع أيضاً في جزأين، وصور أخيراً، أو طبع طبعة جديدة في مجلد كبير النظم والشرح معاً، فيستفاد منها، إلا أن فيها طول، فيها ما يستغنى عنه، فيما ما يمكن أن يستغنى عنه؛ لأن حفظ النظم كاملاً فيه عسر، النظم كثير منه يمكن أن يستغنى عنه. ومن أراد أن يقتصر على الأشباه النظائر وينظر في هذه القواعد، ويلخص عليها بعض ما يتخرج من هذه القواعد والفوائد التي تستنبط من هذه القواعد والفروع لهذه القواعد يستفيد فائدة كبيرة، وإذا ضم إلى ذلك القواعد لابن رجب وهو كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم، قواعد فقهية ومعروفة ومطبوعة وعلى كل قاعدة فروع كثيرة أحياناً عشرين فرع عشرة فروع، ثلاثين فرع، يستفيد منها طالب العلم، أما مجرد تجريد القواعد بدون فروع فهذا الفائدة منه قليلة، الفائدة منه قليلة، لا بد أن تربط القواعد بفروعها، والمثال هو الذي يوضح المقال، ما يمكن أن تتضح القاعدة إلا بمعرفة الفروع.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول العلماء أن لا يجب عليه الوضوء إلا من حدث يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، قال عبد الله بن المبارك: إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقاناً يقدر أن يحلف عليه" فإذا تيقن وبإمكانه أن يحلف على أنه خرج منه ما خرج من صوت أو ريح، إذا تيقن ذلك فإنه حينئذٍ يجب عليه الوضوء قد يقول قائل: إن الحلف يجوز على غلبة الظن فهل يتوضأ يجب عليه الوضوء لمجرد غلبة الظن أو لا يجب؟ ذكرنا فيما سبق أن أهل العلم ألحقوا غلبة الظن في الشك في هذا، وأن اليقين لا يرفعه إلا يقين، ولذلك قال: حتى يستيقن استيقاناً يقدر أن يحلف عليه، كونه يستيقن يعني يتيقن ولا يكفي في هذا شك ولا غلبة ظن على قولهم حتى يستيقن؛ لأن اليقين الذي لا يحتمل النقيض وغلبة الظن تحتمل النقيض مع المرجوحية، والشك مع التساوي، فهل نقول: إذا غلب عليه الظن يتوضأ أو لا يتوضأ؟ لا يتوضأ لأن اليقين لا يرفعه إلا يقين، ولذا قال: حتى يستيقن استيقاناً، لكن يشكل على هذا أنه قال: يقدر أن يحلف عليه، مع أن له الحلف على غلبة الظن، له الحلف على غلبة الظن، الذي جامع امرأته في رمضان، وأتي بالطعام وقيل له: خذ هذا فتصدق به، فقال: "والله ما بين لابتيها" أقسم، هذا على غلبة ظن وإلا على يقين؟ على غلبة ظن بلا شك، ولذا يقول أهل العلم: يجوز أن يحلف على غلبة الظن، فقوله: يستيقن استيقاناً يقدر أن يحلف فيه ما فيه، اللهم إلا إذا كان عند عبد الله بن المبارك أنه لا يحلف إلا على اليقين ولا يحلف على غلبة الظن ممكن فيطرد. "وقال: إذا خرج من قبل المرأة الريح وجب عليها الوضوء، وهو قول الشافعي وإسحاق" الأصل أن الريح إنما يخرج من الدبر؛ لأن ارتباطه بالبطن واضح، والبطن هو محل الرياح والغازات، أما القبل فلا ارتباط له بالبطن "قال: إذا خرج من قبل المرأة الريح وجب عليها الوضوء، وهو قول الشافعي وإسحاق" ويشهد له أو يدل له ما في الحديث: ((حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) وهذا وجد ريح.

قال أصحاب أبي حنيفة: خروج الريح من القبل لا يوجب الوضوء؛ لأنه نادر فلا يشمله النص، كذا في المرقاة، وقال ابن الهمام: لأن هذه الريح ليست في الحقيقة بريح وإنما هي اختلاج لا ريح، فلا تنقض الوضوء، إنما هي اختلاج وليست بريح، يعني كما لو حرك إبطه فصدر منه صوت أو ركبته فصدر من جوفها صوت، هذا مجرد اختلاج ليس بريح خارج من البطن بالفعل، وألحق ابن العربي خروج الريح من فرج المرأة -من قبل المرأة- ألحقه بالجشاء، الجشاء ريح مقارن بصوت ولا ينقض إجماعاً، لماذا؟ لأنه من غير المخرج الطبيعي، من غير المخرج الأصلي الذي منه الناقض، فالمرجح أن ما يخرج من قبل المرأة ولو وجد منه الصوت أو الريح أنه لا ينقض الوضوء.

ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) " لا يقبل: المراد بنفي القبول هنا نفي الصحة لا نفي الثواب المرتب على العمل؛ لأنه قد يرد نفي القبول ويراد به نفي الصحة، وذلك إذا كان الأمر متعلقاً بأمر مؤثر في الصلاة، أما إذا كان نفي القبول بسبب أمر لا أثر له في الصلاة، فإن الصلاة حينئذٍ تكون صحيحة مسقطة للطلب، لكن هو نفي للثواب المرتب عليه ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) ((من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) ((أربعين صباحاً)) كل هذا هذه الأمور وهذه الأفعال بالفعل محرمة، لكن لا ارتباط لها بالصلاة فنفي القبول بالصلاة فيها إنما هو نفي للثواب المرتب على العبادة، ولو كان لهذه الأمور أثر مباشر للصلاة لقلنا: إنه نفي صحة، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فهل معنى هذا أن غير المتقين لا تصح عباداتهم، يعني فاسق يؤمر بإعادة الصلاة، ويؤمر بإعادة الحج، يؤمر بإعادة الصوم؟ لا، فسقه أمر خارج عن هذه العبادات، نعم لو كان فسقه بسبب خلل مؤثر في عبادة من العبادات لترتب عليه بطلانها، لكن إذا كان من يشرب الخمر أو يزني أو يسرق -نسأل الله السلامة والعافية- نقول له: أعد صلاتك لأنك فاسق، والله -جل وعلا- إنما يتقبل من المتقين؟ ما قال بهذا أحد من أهل العلم، فنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، وفي الحديث: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث)) نفي القبول هنا نفي للصحة لا للثواب. ((إذا أحدث)) أي صار ذا حدث قبل الصلاة، يعني قبل الدخول فيها، أو قبل الفراغ منها، يعني في أثنائها، فإذا أحدث عليه أن يعيد الصلاة؛ لأن صلاته غير مقبولة، يعني غير صحيحة. ((حتى يتوضأ)) بالماء أو ما يقوم مقامه، و ((الصعيد الطيب وضوء المسلم حتى يجد الماء)) والمراد مع الإتيان بباقي الشروط. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" وهو مخرج في الصحيحين، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

هو ملحق بالجشاء. طالب:. . . . . . . . . لا، ما يخرج من قبل المرأة ملحق بالجشاء؛ لأنه صوت وقد يقارنه ريح، إذا أكل ثوم وإلا بصل وإلا فجل يخرج منه رائحة مقرونة بصوت من غير المخرج المرتبط بالمعدة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هو فرق بين المخرج المعتاد للبول والغائط يختلف عن غيره، وإلا لو فتح فتحة في جانب الإنسان وصار يخرج منها ما يخرج ولو خرج ما خرج، المقصود أنه إذا خرج البول نقول: إنه خارج فاحش نجس لا لأنه بول خارج من المخرج. طالب:. . . . . . . . . المقصود أنه إذا خرج من المخرج مر من الأمعاء وتحول إلى فضلات، بينما الجشاء ما مر بالأمعاء ولا تحول، ومثله ما يخرج من قبل المرأة لأنه لا يخرج عن طريق المعدة وعن طريق الأمعاء، فرق واضح. طالب:. . . . . . . . . أيوه؟ طالب:. . . . . . . . . باعتباره فاحش نجس، فاحش. طالب:. . . . . . . . . الفاحش، فاحش ونجس. طالب:. . . . . . . . . لا، فاحش، وهناك مسائل قد يطول بنا شرحها وفهمها أيضاً وإيضاحها وإلا قد يقول قائل في التفريق بين نفي القبول ونفي الصحة ونفي الثوب على حسب ما قرره أهل العلم أن الصحة تنفى إذا كانت بسبب خلل متعلق بالعبادة كشرطها مثلاً أو ركنها وهنا عاد إلى الشرط، وعند أهل العلم القاعدة: إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإن العبادة تبطل مع التحريم، وإذا عاد النهي إلى أمر خارج عن الشرط والذات فإن العبادة صحيحة مع التحريم، ويفرقون بين من يصلي بسترة التي هي شرط من شروط الصلاة، سترة حرير أو عليها عمامة حرير، يفرقون بين هذا، أو خاتم ذهب، أو مسبل، كل هذا لا أثر له في الصلاة، يحرم ويأثم لكنه لا يبطل الصلاة، بينما لو عاد النهي إلى الشرط كالسترة مثلاً لا شك أن الصلاة تكون حينئذٍ باطلة، لكن قد يقول قائل: إذا نظرنا في مثل حديث الباب وقلنا: إن نفي القبول هنا نفي للصحة لأنه عاد إلى الشرط، ونحن ما عرفنا أن الطهارة شرط إلا بهذا الخبر فهل يلزم عليه الدور أو لا؟

الحديث نفسه الذي قلنا: إن النفي فيه نفي للقبول والصحة بسبب أنه يعود إلى شرط مؤثر، إحنا ما عرفنا أن الطهارة شرط إلا بهذا الخبر، فنفينا القبول والصحة اعتماداً على الشرط، واعتمدنا هذا العمل شرطاً اعتماداً على نفي القبول، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يلزم عليه دور وإلا ما يلزم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، يسمونه دور؛ لأنه ترتيب شيء مترتب عليه، إحنا نفينا الصحة؛ لأنه متعلق بشرط، ونحن ما عرفنا أنه شرط إلا لما ثبت من النفي، فرتبنا شيء على شيء مترتب عليه، رتبنا نفي الصحة على اشتراط الطهارة، واشتراط الطهارة رتبناه على نفي القبول في دور، كيف نخرج من هذا الدور؟ نعم أحاديث أخرى أثبتت شرطية الطهارة وإلا لو لم يرد فيها إلا هذا الحديث للزم عليه الدور، والدور ترتيب شيء على شيء مترتب عليه، يعني كما يقول القائل: لولا مشيبي ما جفا ... لولا جفاه لم أشب أيهما السابق؟ طالب:. . . . . . . . . إي نعم، أيهما السابق؟ طالب:. . . . . . . . . كل واحد مرتب على الثاني هذا يلزم عليه الدور، ولا يصح، يقاربه التسلسل، التسلسل الذي هو عبارة عن شيء مرتب على غيره وغيره على غيره إلى ما لا نهاية، نعم. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الوضوء من النوم: حدثنا إسماعيل بن موسى كوفي وهناد ومحمد بن عبيد المحاربي المعنى واحد وقالوا: حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ، ثم قام يصلي فقلت: يا رسول الله إنك قد نمت، قال: ((إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله)). قال أبو عيسى: وأبو خالد اسمه: يزيد بن عبد الرحمن. قال: وفي الباب عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة. حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، قال: وسمعت صالح بن عبد الله يقول: سألت عبد الله بن المبارك عمن نام قاعداً معتمداً؟ فقال: لا وضوء عليه. قال أبو عيسى: وقد روى حديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه. واختلف العلماء في الوضوء من النوم فرأى أكثرهم أن لا يجب عليه الوضوء إذا نام قاعداً أو قائماً حتى ينام مضطجعاً، وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد قال: وقال بعضهم: إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء وبه يقول إسحاق، وقال الشافعي: من نام قاعداً فرأى رؤيا أو زالت مقعدته لوسن النوم فعليه الوضوء. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء من النوم" النوم معروف وهو موتة صغرى، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ} [(42) سورة الزمر] فسمى النوم موتاً، وذلكم لمفارقة الروح للجسد، فهو مشبه للموت، إلا أنه ليس بموت تفارق فيه الروح الجسد مفارقة دائمة، مستمرة حتى البعث، فبالإمكان أن تعود بأدنى سبب، بأدنى سبب بصوت أو لمس أو ما أشبه ذلك، والناس يتفاوتون في هذا، منهم من يستغرق استغراقاً بحيث لا يحس بمن حوله، ومنهم من هو سريع الانتباه، فيتفاوتون في هذا تفاوتاً كبيراً ولهذا التفاوت أثر في النقض، نقض الوضوء وعدمه، ولذلك قال: "باب: ما جاء في الوضوء من النوم" قال: "حدثنا أحمد بن موسى" الفزاري أبو محمد "كوفي" صدوق يخطئ، ورمي بالرفض، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومائتين "وهناد" وهو ابن السري "ومحمد بن عبيد بن محمد" بن واقد "المحاربي" الكوفي، صدوق من العاشرة أيضاً "المعنى واحد" يعني معنى ما يرويه هؤلاء واحد، وإن اختلفت ألفاظهم، وأبو داود كثيراً ما يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان المعنى، ويرد بذلك مثل ما أراد الترمذي هنا المعنى واحد وإن كانت الألفاظ مختلفة.

المعنى واحد وقالوا هؤلاء الشيوخ "قالوا: "حدثنا عبد السلام بن حرب" عبد السلام بن حرب بن سلم النهدي، "الملائي" ثقة حافظ، له مناكير، من صغار التاسعة "عن أبي خالد الدالاني" الأسدي الكوفي، صدوق يخطئ كثيراً من السابعة "عن قتادة" بن دعامة الثقة المعروف "عن أبي العالية" رفيع بن مهران الرياح، ثقة كثير الإرسال من الثانية "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- نام وهو ساجد" وهو ساجد الجملة حالية "رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- نام وهو ساجد حتى غط" يعني سمع له صوت يخرج مع نفسه -عليه الصلاة والسلام- "حتى غط أو نفخ" أو هذه للشك أو نفخ تنفس بصوت، وهو قريب من .. ، النفخ قريب من الغطيط والخطيط "ثم قام يصلي" من غير أن يتوضأ وضوءاً جديداً "فقلت: يا رسول الله إنك قد نمت؟ " قال: ((إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعاً)) أي: واضعاً جنبه على الأرض ((فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله)) جمع مفصل وهي رؤوس العظام، إذا استرخت يعني فترت وضعفت، والمفاصل رؤوس العظام، التي تجمع بين عظمين، وهي السلامى التي عدتها ثلاثمائة وستون عضواً. هذا الخبر ضعيف "قال أبو عيسى: وأبو خالد اسمه: يزيد بن عبد الرحمن" الدالاني، والحديث ضعفه الإمام أحمد والبخاري فيما نقله الترمذي في العلل المفرد، العلل الكبير، وأبو داود في السنن قال: ذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له، وقال: ما ليزيد الدالاني، ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ولم يعبأ بالحديث. وقال البيهقي: أنكره عليه جميع الحفاظ، فالحديث ضعيف، يعني الوضوء ((إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله)) الكلام صحيح، لكن لا يثبت مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه إذا نام مضطجع استرخت مفاصله، والحصر أيضاً: ((إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعاً)) الحصر هذا أيضاً فيه ما فيه؛ لأن هناك من الهيئات بالنسبة للنائم ما هو أشد من حال الاضطجاع كالسجود مثلاً، إذا نام على هيئة الساجد فإن مثل هذا أشد من أن ينام مضطجعاً.

"قال: وفي الباب عن عائشة وابن مسعود" وكلاهما عند ابن ماجه "وأبي هريرة" عند البيهقي. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون". ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح". وأخرجه مسلم وأبي داود، وفي رواية أبي داود: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون". قال الشارح: فظهر من هذه الرواية أن المراد من قوله: "ينامون" أنهم كانوا ينامون قعوداً، ظهر من هذه الرواية رواية أبي داود أنهم كانوا ينامون قعوداً وهم ينتظرون الصلاة. وقال في القاموس: خفق فلان رأسه إذا نعس، يعني مجرد نعاس، ولا سيما أنهم جلوس ينتظرون صلاة العشاء، فهو مجرد نعاس، وقد تمكنوا من الأرض، فالذي يغلب على الظن أنه لا يخرج منهم شيء، فالنعاس والسنة مع تمكن المقعدة ليس بناقض للوضوء، أما النوم المستغرق غير المتمكن من مضطجع أو ساجد أو غير ذلك، لا شك أنه ناقض كما جاء في حديث صفوان بن عسال، ولكن من غائط أو بول أو نوم، أمرنا أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة، ولكن من غائط أو بول أو نوم، فدل على أن النوم ناقض للوضوء، وجاء في الحديث ما يدل على أن النوم ليس بناقض، ولا بد من التوفيق بين هذه النصوص بحمل النوم الناقض على المضطجع الذي لا يأمن من خروج الخارج منه وهو لا يشعر، مع الاستغراق بحيث لا يشعر بما يدور حوله، أما إذا كان النوم سنة، يعني خفيف، أو كان متمكناً جالساً، أو واقفاً بحيث إذا نام سقط، فمثل هذا لا ينقض الوضوء. "قال: وسمعت صالح بن عبد الله" بن ذكوان الباهلي الترمذي، صدوق مات سنة تسع وثلاثين ومائتين، "سمعت صالح بن عبد الله يقول: سألت عبد الله بن المبارك عمن نام قاعداً معتمداً؟ فقال: لا وضوء عليه" أي لا يجب عليه الوضوء؛ لأنه متمكن، معتمد متمكن بحيث لا يخرج منه شيء، وإلا فالأصل أن النوم مظنة للحدث، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف يستند؟ يطيح، يسقط. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . .

ما يستطيع يستند وهو جالس أو واقف يسقط. طالب:. . . . . . . . . غير متكئ على شيء؟ طالب:. . . . . . . . . بأي شيء؟ طالب:. . . . . . . . . محتبي مثلاً. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، مستند ذا، لا المقصود به الجالس الذي لم يستند على شيء، أما إذا استند بإمكانه الساعات الطوال ينام وهو جالس خمس ساعات ست ساعات، يخرج منه ما يخرج، ويؤخذ منه ما يؤخذ، ويتحدث الناس حوله وهو لا يشعر، لا، لا هذا ينقض الوضوء. "سألت عبد الله بن المبارك عمن نام قاعداً معتمداً؟ فقال: لا وضوء عليه" إن كان معتمداً على شيء من جدار أو عمود أو ما أشبه ذلك فهذا لا شك أنه ناقض لأنه يستغرق، أما معتمد يعني متمكن من الأرض، ممكناً مقعدته من الأرض بحيث لا يخرج منها شيء فهذا لا ينقض الوضوء، إذا لم يعتمد على شيء يسنده بحيث لو استغرق في النوم لسقط، كما كان الصحابة ينتظرون العشاء، فمثل هذا لا ينقض الوضوء. "قال أبو عيسى: وقد روى حديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله" روى حديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس، وعن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس، فأدخل بين قتادة وابن عباس أبي العالية، ولا شك أن سعيد بن أبي عروبة أوثق وأقعد بحديث قتادة وغيره من أبي خالد الدالاني، "رواه عن قتادة وابن عباس قوله ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه" فكان موقوفاً على ابن عباس وهذا أصح.

"واختلف العلماء في الوضوء من النوم فرأى أكثرهم أن لا يجب عليه الوضوء إذا نام قاعداً أو قائماً" يعني غير معتمد على شيء؛ لأنه غير مستغرق، فلو استغرق لسقط "إذا نام قاعداً أو قائماً، حتى ينام مضطجعاً" يعني كما جاء في خبر ابن عباس "وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد" واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس المذكور، وفيه ما عرفت من المقال، حتى ينام مضطجعاً، يعني ما فيه إلا إذا اضطجع "وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد" والحديث فيه لا يجب إلا على من نام مضطجعاً استدلالاً بهذا الحديث والحديث مضعف، ضعيف كما سمعنا، استدلوا على ذلك بحديث ابن عباس المذكور وفيه ما عرفت من المقال، لكن قال الشوكاني في النيل: والمقال الذي فيه منجبر بما له من الطرق والشواهد، ورجح هذا المذهب، يعني ما فيه إلا إذا اضطجع، أما إذا كان جالساً أو قائماً لا ينقض الوضوء، ويقاس على الاضطجاع يعني من باب أولى إن كان ساجد فإنه ينقض من باب أولى؛ لأن خروج الريح أسهل من خروجها من المضطجع. "قال: وقال بعضهم: إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء، وبه يقول إسحاق" يعني إذا كان لا يعرف ما يدور حوله فهذا مظنة أن يخرج منه ما يخرج وهو لا يشعر. وعن إسحاق قول آخر وهو أن النوم حدث ينقض الوضوء قليله وكثيره، فمجرد ما يصح أن يقال: نام فلان فإن وضوءه قد انتقض، ونقله ابن المنذر عن بعض الصحابة والتابعين من المصير أن النوم حدث، يعني مثل ما قال إسحاق لعموم حديث صفوان بن عسال: "إلا من غائط أو بول أو نوم" فسوى بينها في الحكم بين الغائط والبول والنوم، والغائط ينقض قليله وكثيره، والبول ينقض قليله وكثيره، فكذلك النوم قليله وكثيره ناقض، لكن في الباب ما يدل على أنه ناقض، وفي الباب ما يدل على أنه غير ناقض، لكن لم يرد في البول والغائط ما يدل على أنه ناقض وما يدل على أنه ليس بناقض لنحتاج أن نفرق بين الصور، وما دام ثبت في النوم ما يدل على أنه ناقض، وثبت فيه ما يدل على أنه ليس بناقض لا بد من حمل النقض على حالات، وعدم النقض على حالات.

"وقال الشافعي: من نام قاعداً فرأى رؤيا أو زالت مقعدته لوسن النوم فعليه الوضوء" فعليه الوضوء، والوسن هو السنة، والمراد به: أول النوم، والهاء عوضاً عن الواو، أصله وسن، فعوض عن الواو الهاء فصارت سنة. في فتح الباري للحافظ ابن حجر: "وقيل: لا ينقض نوم غير القاعد مطلقاً، وهو قول الشافعي في القديم، وعنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا، وفصل في الجديد بين القاعد المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض". على كل حال المقرر عند أهل العلم أن النوم مظنة للنقض، وباعتبار اطراد هذه المظنة هذه المظنة مطردة، يعني كثير من النوام يخرج منهم ما يخرج وهم لا يشعرون، جعلت المظنة موضع المئنة، يعني موضع الحقيقة وإلا فالأصل أنه متوضئ بيقين، والناقض متيقن وإلا مشكوك فيه؟ مشكوك فيه، واليقين لا يزال بالشك، لكن هذا الشك بمثابة اليقين، والداعي لمثل هذا وجود النص، وإلا لولا النص الذي يدل على أن النوم ناقض لاستصحبنا الأصل وهو الطهارة، القاعدة التي دل عليها الحديث السابق وقرأنا شيئاً من فروعها في الأشباه يرد عليها مثل هذا، لكن هذا خرج بالنص، ويرد عليها: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده)) الآن هو متيقن، نام بعد أن غسل يديه بالماء والصابون بعد الأكل فيده طاهرة بيقين، فلا يجوز له أن يغمسها في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً والطهارة متيقنة، وعلة المنع مشكوك فيها ((فإنه لا يدري أين باتت يده)) العلة مشكوك فيها، ما يدري، فكيف يؤمر بغسلها وهي طاهرة، واحتمال تغيرها وانتقالها من الطهارة إلى غيرها مشكوك فيه، هل نقول: لأنها تنجست؟ ولهذا لو جزمنا بأنها ما طرأ عليها شيء، غسلها بالماء والصابون ثم أدخلها بكيس وربطها بمكان بحيث لا تمر على شيء فيه نجاسة، هل نقول: إن العلة ارتفعت وإلا نقول: العلة تعبدية والله أعلم إنما علينا أن نمتثل ما أمرنا به ولو خرج عن القاعدة؟ نعم؟ المسألة تعبدية، ويكون مثل هذا الفرع قد خرج عن القاعدة بالنص، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (19)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (19) شرح: باب: ما جاء في الوضوء مما غيرت النار، باب: ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار، وباب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير هذا يقول: هل الإنسان مخير أو مسير؟ هو مخير من وجه، وبين له الطريق، وهدي الصراط المستقيم، هداية الدلالة والإرشاد، ومع ذلك فهو مسير باعتبار أن خيرته تابعة لخيرة الله ورسوله، فله مشيئة، وله إرادة، لكنها خاضعة وتابعة لمشيئة الله -جل وعلا-. هذا يقول: لم أفهم كلمة ثقة من المرتبة الثاني، أو العشر، وما أشبه ذلك، وكلمة على شرط مسلم أو على شرط البخاري ماذا يقصد بهذا؟ وما اسم الكتاب كي أحصل على هذا كله؟ وجزاك الله خيراً. الإشكال أن بعض الكلام في السؤال يدل على أن الشخص بعيد عن فهم هذه الأمور؛ لأنه لم يسمعها من قبل، أو لم يكن متدرجاً في العلم بحيث يتأهل لفهم هذه الأمور، وعلى كل حال كلمة ثقة تعني مرتبة الراوي من حيث القبول، ومن الطبقة الثانية، لا يقال من المرتبة الثانية من الطبقة الثانية التي هي عبارة عن مثل ما ذكرنا سابقاً أن المراد بالطبقة القوم المتشابهون في السن، والأخذ عن الشيوخ، والمشاركة في الشيوخ، فهم قوم متشابهون متقاربون في السن، وقلنا: إنه في تعبيرنا أقرب ما يقال فيهم أنهم الزملاء. هذا يقول: الحسبة دورة تطبيقية واقعية للشيخ يوسف الأحمد ألبوم يتكون من شريطين لدى مكتبة المجتمع أرجو إبلاغ الطلاب بذلك، وهي مهمة جداً لأهمية الموضوع، لا سيما في زمن تقاعس فيه أهل الخير وطلبة العلم عن الإنكار. يقول: ما هي أفضل طبعة لصحيح مسلم وذلك لمن أراد أن يحفظه ويختصره؟ أفضل طبعات الصحيح هي الطبعة التركية، الطبعة العامرة في ثمانية أجزاء. سؤال يقول: إني أريد أن أتزوج وقال لي أحد الإخوان: إن أول أسبوع يجوز أن تصلي في البيت، وهل ورد دليل على ذلك من الكتاب والسنة؟ لم يرد في ذلك دليل إنما الوارد ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)). يقول: إني رجل مستقيم ولست بالكبير، وأعمل ما لا يعمله الكبير من المحرمات، ومستحي أن أذكرها هنا، وأقول: سوف أترك الاستقامة لأني منافق؟

باب: ما جاء في الوضوء مما غيرت النار:

هذا الكلام ليس بصحيح، أولاً: وصفك لنفسك بأنك مستقيم مع أنك تزاول المحرمات، هذا الوصف ليس بصحيح، إنما أنت مسلم مقارف للذنوب، عليك أن تتوب إلى الله -جل وعلا-، وأن تقلع عما أنت عليه من معاصي، أما كونك مستقيم فلا، الاستقامة لزوم الجادة الالتزام بالأوامر والنواهي، وكونك تترك الاستقامة إيش معنى الاستقامة التي أنت عليها؟ قلنا: أنك مسلم، لكنك مسرف على نفسك بارتكاب هذه المحرمات، وقولك: أنك سوف تترك هذه الاستقامة معناه أنك تزيد في المعاصي، وهذا ليس بحل، الحل أن تتوب إلى الله -جل وعلا-، وأن تقلع فوراً عما تزاوله من معاصي، وأن تندم على ما فات، وأن تعزم ألا تعود. يقول: أنا مؤذن، وإذا انتهيت من الأذان أخرج من المسجد وأنادي الصلاة الصلاة فهل هذا بدعة؟ الأولى الاقتصار على ألفاظ النداء، لكن إذا وجد من يدعو إلى الصلاة في غير مكان الأذان وبغير صيغه، فهذا من الأمر بالمعروف، لكن يبقى أن خروجك من المسجد بعد الأذان معصية، قال بعض التابعين كما في الموطأ عن الإمام مالك: كانوا يرون أنه لا يخرج من المسجد بعد الأذان إلا منافق، فعليك أن لا تخرج من المسجد بعد الأذان، نعم إن ناديت ونبهت إلى الصلاة قبل دخول المسجد هذا المطلوب. هذا يقول: ما حكم جماع الرجل لزوجته في المسجد؟ إذا كان الجنب لا يجوز له أن يمكث في المسجد فمن باب أولى مزاولة هذا في المسجد، لا يجوز بحال مثل هذا الأمر، امتهان للمسجد، وبعض من يسكن في مرافق المسجد أحياناً يزاول مثل هذا الأمر، أحياناً يكون السكن لإمام المسجد أو لمؤذن المسجد أو حارس المسجد يكون حكمه حكم المسجد؛ لأنه يفتح على المسجد، وحينئذٍ لا يجوز له أن يفعل فيه شيئاً مما يخل بكرامة المسجد؛ لأن له أحكام المسجد، أما إذا كان يفتح على خارج المسجد فهذا أمره أخف. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف -رحمه الله تعالى: باب: ما جاء في الوضوء مما غيرت النار:

حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الوضوء مما مست النار ولو من ثور أقط)). قال: فقال له ابن عباس: يا أبا هريرة أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من الحميم؟ قال: فقال أبو هريرة: يا ابن أخي إذا سمعت حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تضرب له مثلاً. قال: وفي الباب عن أم حبيبة وأم سلمة وزيد بن ثابت وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي موسى. قال أبو عيسى: وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء مما غيرت النار، وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء مما غيرت النار" مما غيرت النار، يعني مما مسته من المطبوخ، "باب: ما جاء في الوضوء مما غيرت النار" يعني قلبته من حال إلى حال، من نيئٍ إلى ناضج، ونحو ذلك. قال -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر" تقدم أنه محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني "قال: حدثنا سفيان" وهو ابن عيينة، وإن جاء في بعض النسخ الثوري، لكنه معروف من حديث ابن أبي عمر عن ابن عيينة، والقاعدة: أنه إذا كان بين المؤلفين من أصحاب الكتب الستة وبين سفيان واحد فقط فهو ابن عيينة، وإن كان بينهما اثنين فالمراد به الثوري غالباً، وقد ينزل المؤلف فيروي عن سفيان بن عيينة بواسطة اثنين، وقد يعلو سنده فيروي عن سفيان وهو متقدم، سفيان الثوري، بواسطة واحد، لكن هذا قليل نادر، والجادة أنه إذا كان بين الإمام المصنف من أصحاب الكتب الستة واحد فقط، فالذي يغلب على الظن أنه ابن عيينة، وإذا كان الواسطة اثنين فالذي يغلب على الظن أنه الثوري، وذكرنا مراراً أن الحافظ الذهبي -رحمه الله- ذكر قواعد وضوابط في آخر المجلد السابع من السير، للتفريق بين السفيانين والحمادين وغيرهما.

"قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق، حديثه حسن، فيه شيء من الكلام لأهل العلم بسبب حفظه وضبطه، وإلا فهو عدل لا إشكال فيه من حيث العدالة، لكن حفظه فيه شيء، وحديثه إذا توبع عليه يرتقي إلى الصحيح لغيره، كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: والحسن المشهور بالعدالة ... والصدق راويه إذا أتى له طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كـ (متن) لولا أن أشق) إذ تابعوا محمد بن عمرو ... عليه فارتقى الصحيح يجري محمد بن عمرو هذا هو، حديثه من قبيل الحسن يرتقي إلى الصحيح بالمتابعة. "عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قيل: اسمه: عبد الله، وقيل: اسمه: إسماعيل، وهو ممن اشتهر بالكنية، فضاع اسمه كغيره، العادة أن الإنسان إذا اشتهر بشيء ضاع ما عداه، وهذا معروف في القديم والحديث، كثير من الناس يكون من أصدقاء والده شخص اشتهر بأبي محمد أو أبي علي، أو أبي سعيد، أو أبي زيد، أولاد هذا الشخص ما يعرفون اسمه، وين راح أبو علي؟ وين جاء أبو علي؟ ما عمره ذكر باسمه، ومعاصر من أصدقاء أبيه، بعض المعاصرين الآن تتردد أسماؤهم في الصحف يومياً ومع ذلك لا تعرف أسماؤهم، حتى لأقرب الناس، أو لمن قرب منهم؛ لأنهم اشتهروا بالكنى مثلاً، وأبو سلمة ممن اشتهر بذلك فضاع اسمه، وأقرب وأوضح مثال على ذلك أبو هريرة اشتهر في الكنية فاختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً كما قال ابن عبد البر -رحمه الله-، ثقة مكثر، من الطبقة الثالثة، توفي سنة أربعة وتسعين، وأربعة وتسعين هذه سنة الفقهاء، التي توفي فيها الفقهاء السبعة، ومنهم أبو سلمة على قول.

"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الوضوء مما مست النار)) " يعني الوضوء واجب أو لازم مما مست النار، وفي رواية مسلم بالأمر: ((توضئوا مما مست النار)) ((ولو من ثور أقط)) الثور القطعة، والأقط هو اللبن المجفف المستحجر، ويختلف الناس في تسميته، هذا اسمه الفصيح، بعض الناس يسمونه بجل، بقل، يسمونه بجل، حتى عندنا ذا، نعم يسمونه في جهة أخرى مضير في جهة الوشم وما والاه هناك، نعم، المقصود أنه هو الأقط، وجاء ذكره في حديث الفطرة، زكاة الفطر من رمضان، وأيضاً له ذكر في كثير .. ، في نصوص كثيرة. "قال: فقال له ابن عباس: يا أبا هريرة أنتوضأ من الدهن؟ " الدهن مسته النار؛ لأنه شحم يصفى "أنتوضأ من الدهن أنتوضأ؟ أنتوضأ من الحميم؟ الماء الحار الذي مسته النار، نتوضأ منه؟ "فقال أبو هريرة: يا ابن أخي" خاطبه بذلك لصغر سنه، فإذا كان أحدهما كبير والثاني صغير فالصغير يقول: يا عم، كما قالت خديجة أم المؤمنين لورقة بن نوفل: يا عم، والكبير يقول للصغير: يا ابن أخي، والخطاب بمثل هذا يذكر بالصلة والأخوة، ومع الأسف تجد بعض الناس يقول لأبيه: يا أبا فلان، أو لعمه يا أبا فلان، ما يقول: يا عم، وهذا يوحي بانقطاع الصلة بينهم، التي تربط بينهم.

"يا ابن أخي إذا سمعت حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تضرب له مثلاً" يعني بل اعمل به، واسكت عن ضرب المثل له، وبادر بالامتثال، ابن عباس -رضي الله عنهما- حينما قال لأبي هريرة معتمداً على نصوص، يستدل بها على عدم الوضوء مما مست النار، فهو لا يعارض الحديث برأيه، ابن عباس لا يعارض الحديث باجتهاده ورأيه، وإنما يستدرك على أبي هريرة ظناً منه أن هذا اجتهاد من أبي هريرة أو فهم يعارضه فهم ابن عباس، فيعارضه بفهمه يقول: أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من الحميم؟ وإلا فابن عباس من أحرص الناس على الاتباع والمبادرة والإنكار على من يعارض السنن، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر" هو لا يعارض بقول أبي بكر وعمر فضلاً عن رأيه واجتهاده، لكنه فهم أن هذا اجتهاد من أبي هريرة، ولو نسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيكون مرده فهم أبي هريرة لما رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهم أن الوضوء مما مست النار، وعارضه بفهمه لما فهمه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من ترك الوضوء مما مست النار، وسيأتي الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-.

"فقال أبو هريرة: يا ابن أخي إذا سمعت حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تضرب له مثلاً" لأن بعض الناس إذا سمع الخبر ينظر يقول: هذه المسألة التي اشتمل عليها الخبر نظير المسألة الأخرى التي جاء فيها كذا باجتهاده، والكلام من صريح قوله -عليه الصلاة والسلام- هذا لا يمكن التنظير فيه، فضلاً عن أن يقول كما قال بعض الشراح: في هذا الحصر نظر، يعني في حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) قال بعض الشراح: في هذا الحصر نظر، من الذي قال: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة))؟ الذي لا ينطق عن الهوى في الحديث الصحيح، الذي لا كلام لأحد فيه، قال: في هذا الحصر نظر، فالتنظير في مثل هذا لا شك أنه سوء أدب، وإن كان يعي ما يقول فالأمر خطير جداً؛ لأنه معارضة لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا كان سبب المعارضة ظن المعارض أن هذا من فهم الراوي، وأن المسألة تقبل النقاش، وعندي من الفهم ما يعارض به هذا الفهم، فالمسألة أوسع كما في حديث الباب. "قال أبو عيسى -رحمه الله-: وفي الباب عن أم حبيبة" وهو مخرج في المسند وسنن أبي داود والنسائي، فيه أيضاً عن "أم سلمة" وهو مخرج عند أحمد في المسند والطبراني، وفيه عن "زيد بن ثابت" عند مسلم، "وأبي طلحة" عند الإمام أحمد والطحاوي والطبراني "وأبي أيوب" عند النسائي والطبراني، ومن حديث "أبي موسى" عند أحمد والطبراني أيضاً. "قال أبو عيسى: وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء مما غيرت النار" عملاً بحديث الباب "وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار" وسيأتي في الحديث اللاحق ما يدل على النسخ على أن العلماء اختلفوا في التوفيق بين هذا الحديث والذي يليه هل هو من باب النسخ فلا وضوء مطلقاً؟ أو هو من باب الصرف من التحريم إلى الكراهة فيستحب الوضوء مما غيرت النار؟ لأن الأمر به ثابت ((توضئوا مما مست النار)) في صحيح مسلم.

يقول الحازمي في (الاعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار) وهذا كتاب من أفضل كتب الناسخ والمنسوخ بالنسبة للسنة، يعني طالب العلم لزاماً عليه أن يقرأ هذا الكتاب؛ لأن معرفة الناسخ والمنسوخ من أهم الأمور لطالب العلم، فقد يعمل بحديث منسوخ والعبرة بالمتأخر، ولذا وقف علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- على قاص فقال له: "أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت"؛ لأن النسخ معروف في النصوص {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا} [(106) سورة البقرة] فالنسخ ثابت بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، ولا عبرة بمن ينفيه كاليهود ويزعمون أنه يدل على البداء، كما يقولون، يعني بدا لله -ظهر له-، ويقول به أيضاً الرافضة وأبو مسلم الأصفهاني، ومن المعاصرين من كتب في التفسير تفسير القرآن للقرآن اسمه: عبد الكريم الخطيب، قال من عناوين الجزء الأول من تفسيره: النسخ ولا نسخ في القرآن، ولا شك أن هذا مخالفة لما اتفق عليه سلف هذه الأمة وأئمتها. قولهم: إنه يدل على البداء وأن الله -جل وعلا- بدا له أي ظهر له أمراً كان خافياً عليه، الله -جل وعلا- يعلم السر وأخفى، يعلم ما كان وما يكون، وإنما النسخ من أجل مصلحة المكلف فقد يكون الحكم في هذا الوقت أنفع له، ثم تغييره في وقت آخر أنفع له، وفيه أيضاً امتحان واختبار وابتلاء للمكلفين إذا نقلوا من حال إلى حال ينظر كيف امتثالهم للأوامر والنواهي، في حديث الثلاثة في الصحيح الثلاثة: الأقرع والأعمى والأبرص ((ثم بدا لله أن يختبرهم)) واللفظة ثابتة في الصحيح، وهذه اللفظة تفسر بما جاء في الصحيح أيضاً ((ثم أراد الله أن يختبرهم)) فقوله: بدا يفسر بـ (أراد) كما في الرواية الأخرى الصحيحة.

باب: ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار:

يقول الحازمي في الاعتبار: اختلف أهل العلم في هذا الباب فبعضهم ذهب إلى الوضوء مما مست النار، منهم ابن عمر وأبو طلحة وأنس وأبو موسى عائشة وزيد بن ثابت وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز، نقلوا عنه بالأسانيد الثابتة أن عمر بن عبد العزيز يتوضأ من السكر، وأبو مجلز وأبو قلابة والحسن، وذهب أكثر أهل العلم كما قال الإمام الترمذي -رحمه الله- وفقهاء الأمصار إلى ترك الوضوء مما مست النار، ورأوه آخر الأمرين، يعني كما سيأتي في حديث جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" ورأوه آخر الأمرين من فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم، وسالم والقاسم بن محمد والإمام مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق. على كل حال هو قول الجمهور ترك الوضوء مما مست النار، والقول الذي يقابله الوضوء من جميع ما مست النار، يعني القول في لحم الإبل على جهة الخصوص يأتي بعد هذا، لكن الخلاف هنا فيما مست النار، هل جميع ما مست النار يتوضأ منه أو لا يتوضأ منه؟ فالخلاف في العموم، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إي في مقابل النص، إنكار القياس في ما يقابل النص، وهذا قول عامة أهل العلم. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يقول: إذا جاءك الخبر، إذا سمعت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نعم فهو في مقابل النص، لا شك أنه فاسد الاعتبار، وهذا قول جميع أهل العلم، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار: حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابراً قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنكدر عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا معه فدخل على امرأة من الأنصار فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقناع من رطب فأكل منه، ثم توضأ للظهر وصلى، ثم انصرف فأتته بعلالة من علالة الشاة فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ".

قال: وفي الباب عن أبي بكر الصديق وابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وأبي رافع وأم الحكم وعمرو بن أمية وأم عامر وسويد بن النعمان وأم سلمة. قال أبو عيسى: ولا يصح حديث أبي بكر في هذا الباب من قبل إسناده، إنما رواه حسام بن مِصك عن ابن سيرين عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصحيح إنما هو عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، هكذا روى الحفاظ، وروي من غير وجه عن ابن سيرين عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورواه عطاء بن يسار وعكرمة ومحمد بن عمرو بن عطاء وعلي بن عبد الله بن عباس وغير واحد عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكروا فيه عن أبي بكر الصديق، وهذا أصح. قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا ترك الوضوء مما مست النار، وهذا آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار" الحديث الأول: فيه الوضوء مما غيرت النار، والثاني: فيه ترك الوضوء مما غيرت النار فدل على أن الفعل المتعقب للترك أنه متقدم، والترك إنما يكون لفعل متقدم، فالمتروك هو الأول والمصير إليه هو الثاني. يقول -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر" العدني الذي مر في الحديث السابق "قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل" بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد، صدوق في حديثه لين، من الرابعة، مات بعد الأربعين، يعني ومائة، صدوق في حديثه لين، حديثه من قبيل الحسن "سمع جابراً قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنكدر، محمد بن المنكدر" بن عبد الله التيمي ثقة فاضل من الثالثة، وهو متابع لعبد الله بن محمد بن عقيل متابعة صحيحة ما فيها إشكال، فيرتقي حديث ابن عقيل إلى الصحيح.

قال: "وحدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا معه فدخل على امرأة من الأنصار فذبحت له شاة فأكل" فدخل على امرأة من الأنصار يعني مثل هذا الخبر يطير به أهل الأهواء والأغراض الفاسدة الذين يرون أو يريدون ويخططون لتضييع المرأة، ويوردون مثل هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل على امرأة من الأنصار، والذي حرره وحققه جمع من أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا حجاب عنه من قبل النساء، لا حجاب عنه -عليه الصلاة والسلام-، أنه لا يجب الحجاب عنه من قبل النساء.

"فدخل على امرأة من الأنصار فذبحت له شاة فأكل" وهذا لعلمها أن زوجها يأذن لها في مثل ذلك، بل يفرح، والمرأة إذا دلت القرائن عندها على التصرف في مال زوجها أنه لا تثريب عليها ولا إثم عليها "فذبحت له شاة فأكل -عليه الصلاة والسلام-، وأتته بقناع" يقولون: هو الطبق الذي يؤكل عليه "بقناع من رطب فأكل منه -عليه الصلاة والسلام-، ثم توضأ -للظهر- وصلى، ثم انصرف فأتته بعلالة" البقية من السابق، من اللحم السابق "بعلالة من علالة الشاة فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ" ومعلوم أن اللحم لا يؤكل إلا بعد أن تمسه النار، مطبوخ، فدل هذا الحديث على أن الأمر بالوضوء مما مست النار منسوخ، فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار ليس بواجب بل منسوخ، وإن أمكن أن يصرف الأمر السابق من الوجوب إلى الاستحباب فقد قال بهذا بعض العلماء، وبعضهم يرى أنه منسوخ، فإذا توضأ من لحم الغنم مثلاً بناءً على ما سئل عنه -عليه الصلاة والسلام- أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: ((إن شئت)) قال: أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: ((نعم)) على ما سيأتي، فقوله: ((إن شئت)) دليل على الاستحباب أو الإباحة؟ نعم مرده إلى المشيئة يدل على الإباحة، لكن هذه الإباحة في مقابل المنع من الإسراف وتضييع الماء، يعني عندنا الأصل أن اللفظ دلالته ظاهرة في الإباحة ((إن شئت)) لأنه رد الأمر إلى مشيئته، فإن شاء فعل وإن شاء ترك، لكن إذا كان هذا في مقابل يعني في مقابل المنع من الإسراف وتضييع الماء، فهل يرجع مثل هذه المشيئة إلى التجديد أو أن هذا مما يتوضأ منه، لكن لا على سبيل الوجوب، يعني لو أن أمراً لا علاقة له بالأكل والشرب، سأل واحد قال: أتوضأ إذا ذهبت إلى المحل -إلى الدكان- فقيل له: إن شئت، ولا داعي لهذا الوضوء البتة، فرده إلى مشيئته، هل نقول: هذا إباحة أو أنه تجديد لغير عبادة أو أنه ليبقى الإنسان على طهارة؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، يعني بقاء الإنسان على طهارة باستمرار لا شك أنه هو الأولى، فهذه المشيئة مردها على أن .. ، المسألة فيها غاية الدقة ترى، المسألة دقيقة؛ لأن قوله: ((إن شئت)) يعني هل تتوضأ وضوء شرعي مباح؟ يعني هل يمكن أن يوجد الإنسان وضوءاً شرعياً مباحاً مستوي الطرفين إن شاء تركه وإن شاء فعله؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، يعني مسألة التجديد ذهب بحثها، لكن الآن أكل لحم غنم قال: ((إن شئت)) توضأ من لحم الغنم قال: إن شئت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أكل من لحم الشاة ولم يتوضأ، فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان على وضوء، صلى به الظهر، ثم أكل من لحم الشاة، من علالة لحم الشاة، الذي بقي منها، ولم يتوضأ، الكلام ويش هو عليه؟ هل قوله: ((إن شئت)) إباحة وإلا استحباب في مقابل المنع من تضييع الماء والإسراف فيه؟ لأن مسألة مستوي الطرفين لا بد لها من مرجح، إما أن تفعل أو لا تفعل، يعني هل وجد ما يوجب الوضوء؟ لا، ما وجد؛ لأنه قال: ((إن شئت)) فما دام رده إلى مشيئته فلا وجوب، نعم. لكن هل وجد ما يستحب منه الوضوء؟ اللي هو الأكل مما مسته النار، عملاً بحديث الباب السابق، استصحاباً له إلا أن الوجوب المفهوم من الأمر صرف إلى الاستحباب بهذا الحديث، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك ما أمره به للدلالة على أنه لا على سبيل الوجوب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث أتي بالعلالة من علالة الشاة فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ، وفي هذا دليل على أن ما جاء في الحديث السابق إما منسوخ كما هو قول أكثر أهل العلم، أو مصروف من الوجوب إلى الاستحباب، فيبقى أن من أكل لحم غنم يستحب له أن يتوضأ؛ لأنه مما مسته النار، وجاء الأمر به.

كونه -عليه الصلاة والسلام- صلى ولم يتوضأ لا يعني أنه لا يستحب، وقوله: ((إن شئت)) ورده إلى المشيئة دليل على أنه لا يأثم بترك الوضوء، وأن الأمر فيه سعة، لا يعني أنه مستوي الطرفين على القول الآخر، وكثير من الأوامر والنواهي تصرف من الوجوب والتحريم بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وكونه يفعل خلاف المستحب أو يفعل المكروه الذي صرف إليه النهي هذا في حقه هو الأفضل؛ لأنه مشرع، والنص تشريع، وصرفه للأمر من الوجوب إلى الاستحباب هذا تشريع، كما أن صرفه النهي من التحريم إلى الكراهة تشريع. "قال: وفي الباب عن أبي بكر" عند أبي يعلى والبزار، وفيه كلام الترمذي من قوله: لا يصح على ما سيأتي بيانه "وابن عباس" في الصحيحين "وأبي هريرة" عند ابن حبان وابن خزيمة والبزار وأبي يعلى "وابن مسعود" عند أحمد وأبي يعلى "وأبي رافع" عند مسلم وأحمد في المسند "وأم الحكم" أو أم حكيم كما جاء في بعض الروايات عند أحمد في المسند والطبراني "وعن عمرو بن أمية" عند الشيخين "وأم عامر" عند الإمام أحمد في المسند والطبراني "وسويد بن النعمان" في الصحيحين "وأم سلمة" عند أحمد والطبراني. على كل حال الأحاديث متظافرة على أنه لا يتوضأ مما مست النار، وأن هذا آخر الأمرين منه -عليه الصلاة والسلام-. "قال أبو عيسى: ولا يصح حديث أبي بكر" الذي أشار إليه في الباب عن أبي بكر الصديق "حديث أبي بكر في هذا الباب من قبل إسناده، إنما رواه حسام بن مصك، وعامة أهل العلم على تضعيفه" هذا ضعفه عامة أهل العلم "عن ابن سيرين عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" والصحيح إنما هو عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "هكذا روى الحفاظ، وروي من غير وجه عن ابن سيرين عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورواه عطاء بن يسار وعكرمة ومحمد بن عمرو بن عطاء وعلي بن عبد الله بن عباس وغير واحد عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكروا فيه عن أبي بكر الصديق وهذا أصح". ويريد بذلك كله أن يعل حديث أبي بكر -رضي الله عنه-.

"قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" فالبخاري في صحيحه قال: وأكل أبو بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- لحماً فلم يتوضئوا، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذكره البخاري في صحيحه عن أبي بكر وعمر، وعثمان أنهم أكلوا لحماً فلم يتوضئوا "من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا ترك الوضوء مما مست النار" رأوه الرؤيا هنا من الرأي، يعني اعتقدوه؛ لأن الرؤية تأتي ... ، يأتي الفعل رأى بالبصر، رأى كذا ببصره، ورآه أيضاً بعقله ورأيه، ورآه أيضاً رؤيا في المنام، المقصود أنه هنا من باب الاعتقاد والرأي "وهذا آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول" قال: كأن، فأتى به على صيغة التشبيه، لا على صيغة الجزم، ما قال: وهذا الحديث ناسخ، قال: كأن هذا الحديث ناسخ للأول، فدل على أن القول بأنه صارف، صارف للحديث الأول من الوجوب إلى الاستحباب فيبقى الاستحباب، استحباب الوضوء عن كل ما مسته النار "وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار" والحديث الثاني بدل من الحديث الأول، يعني ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء، يعني إعادة المعرفة معرفة تدل على أنه هو عينه عين الأول، فالحديث معرف بـ (أل) وحديث الوضوء معرف بالإضافة فهو هو نفسه، فبدل، حديث الوضوء مما مست النار، وكان الزهري يرى الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة، الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة، يعني عكس ما يراه الأكثر. حديث الباب: النبي -عليه الصلاة والسلام- أكل من علالة الشاة فلم يتوضأ، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل:

أكل من علالة الشاة فصلى العصر ولم يتوضأ، يرى الزهري أن هذا هو المتقدم، وأن الأمر بالوضوء مما مست النار هو المتأخر، فيرى أن الحكم الأمر بالوضوء هو المتأخر فيكون ناسخاً لأحاديث الإباحة؛ لأن الإباحة سابقة، كيف الإباحة سابقة؟ يعني عندنا نصان متعارضان، متعارضان إذا عرفنا التاريخ فلا إشكال، المتأخر ينسخ المتقدم، لكن عندنا حديث يدل على الإباحة، وحديث يدل على المنع، ولا نعرف المتقدم من المتأخر، لو جهلنا التاريخ لكان كلام الزهري متجه، كلامه متجه، كيف؟ لأن الأكل من لحم الشاة من علالة الشاة والصلاة من دون وضوء جاري على البراءة الأصلية، على الإباحة الأصلية، وحديث: الأمر بالوضوء مما مست النار ناقل عن البراءة الأصلية، وحينئذٍ يكون أقوى، أو ينضوي الأمر تحت قاعدة أخرى: التأسيس أولى من التأكيد، فكونه -عليه الصلاة والسلام- يصلي بدون وضوء بعد أن أكل من علالة الشاة هذا ماشي على البراءة الأصلية ومؤكد لها، وحديث: الأمر بالوضوء مما مست النار مؤسس لحكم جديد، والتأسيس أولى من التأكيد عند التعارض، هذا إذا لم نعرف التاريخ، كيف عرفنا التاريخ أن الترك هو المتأخر؟ من قول جابر -رضي الله عنه-: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" ولولا هذا لقلنا: إن رأي الزهري وجيه؛ لأن الصلاة بدون وضوء مما مست النار مؤكد وجارٍ على الإباحة الأصلية، وعلى الأصل، والأمر بالوضوء ناقل عن هذا الأصل ومؤسس لحكم جديد. وكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة؛ لأن الإباحة سابقة، واعترض عليه بحديث جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار". وقال النووي: كان الخلاف معروفاً بين الصحابة والتابعين ثم استقر الإجماع على أن لا وضوء مما مست النار، إلا ما استثني من لحوم الإبل. وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب، واختار هذا المجد في المنتقى، فلا يكون فيه نسخ، وإنما يكون فيه صرف، ويبقى الأمر على الاستحباب، نعم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل:

حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: ((توضئوا منها)) وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: ((لا تتوضئوا منها)). قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة وأسيد بن حضير. قال أبو عيسى: وقد روى الحجاج بن أرطاة هذا الحديث عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، والصحيح حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، وهو قول أحمد وإسحاق، وروى عبيدة الضبي عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة الجهني، وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة فأخطأ فيه، وقال: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أسيد بن حضير، والصحيح عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث البراء وحديث جابر بن سمرة، وهو قول أحمد وإسحاق، وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم أنهم لم يروا الوضوء من لحوم الإبل، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة. يعني ما تقدم ذكره من الأمر ثم العدول عنه بالنسبة للوضوء مما مست النار على جهة العموم، وفي الباب في لحوم الإبل على سبيل الخصوص. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل" قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد" وهو ابن السري "قال: حدثنا أبو معاوية" محمد بن خازم الضرير أحد الأئمة، ثقة من الثقات الأثبات "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن عبد الله بن عبد الله الرازي" عبد الله بن عبد الله الهاشمي مولاهم الرازي الكوفي القاضي وثقه أحمد "عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" الأنصاري المدني ثم الكوفي، ثقة، من الثانية، تابعي "عن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: ((توضئوا منها)) " أمر صريح ((توضئوا منها)) وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: ((لا تتوضئوا منها)).

وفي الرواية الأخرى: أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: ((إن شئت)) أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: ((نعم)) ففي الغنم رده إلى مشيئته، وفي الإبل لا خيرة في ذلك، نعم، وهنا قال: ((لا تتوضئوا منها)). "قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة" مخرج في صحيح مسلم "وأسيد بن حضير" وأخرجه ابن ماجه "وابن عمر" أخرجه ابن ماجه أيضاً، لكنه لا يثبت في الباب إلا حديث البراء وحديث جابر بن سمرة، ففي الباب حديثان صحيحان في الأمر بالوضوء من لحم الإبل. "قال أبو عيسى: وقد روى الحجاج بن أرطاة هذا الحديث عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير" يعني بدلاً من البراء بن عازب، فخالف الحجاج بن أرطأة الأعمش، يعني حديث الباب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، ورواه الحجاج بن أرطأة، وهو معروف بضعفه وسوء حفظه، فذكره عن أسيد بن حضير، ولا شك أن رواية الأعمش مقدمة، ولذا قال: حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب "والصحيح حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب" لأن الأعمش أوثق وأحفظ من الحجاج. يقول الحافظ ابن حجر في التلخيص: قال ابن خزيمة في صحيحه: لم أرَ خلافاً بين علماء الحديث أن هذا الخبر -أي حديث البراء- صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه، وذكر الترمذي -هذا كلام الحافظ في التلخيص- يقول: ذكر الترمذي الخلاف فيه على ابن أبي ليلى هل هو عن البراء أو عن ذي الغرة أو عن أسيد بن حضير، وصحح أنه عن البراء، وكذا ذكره ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه، وصحح في ذلك حديث البراء.

المقصود أن المسألة -أعني الأمر بالوضوء من لحم الإبل- فيه حديثان صحيحان، وهما: حديث البراء حديث الباب، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم "وهو قول أحمد وإسحاق، وروى عبيدة الضبي" عبيدة بن المعتب الضبي أبو عبد الرحمن الكوفي، ضعيف علق له البخاري "عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة الجهني" وهذا مخرج في زوائد عبد الله على مسند أبيه، ومداره على عبيدة الضبي، وفيه ما سمعت من الضعف "وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة فأخطأ فيه" أخطأ فيه الحجاج في مقامين: المقام الأول: "قال فيه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه" والخطأ الثاني: قوله: عن أسيد بن حضير، والصحيح عن عبد الله بن عبد الله الرازي لا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والصواب في الشق الثاني عن البراء بن عازب لا عن أسيد بن حضير. "قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان" أي في باب الوضوء من لحوم الإبل "صح فيه حديثان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وذكر "حديث البراء -حديث الباب- وحديث جابر بن سمرة" عند مسلم "وهو قول أحمد وإسحاق" يعني القول بموجب ذلك، وهو وجوب الوضوء من لحوم الإبل، وأنه ناقض من نواقض الوضوء "وهو قول أحمد وإسحاق، وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم أنهم لم يروا الوضوء من لحوم الإبل، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة". يقول النووي -رحمه الله-: اختلف العلماء في أكل لحم الجزور، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض، وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي، هذا قول الجمهور بلا شك، يعني قول الأكثر أنه لا ينقض. وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة والبيهقي، يعني كثير من أصحاب الشافعي -رحمه الله- ذهبوا إلى أن لحم الإبل ينقض الوضوء. وحكي عن أصحاب الحديث مطلقاً، يعني هو لازم لكل من يعتمد على الحديث؛ لأنه صح فيه، صح فيه حديثان، فلا مناص ولا مفر من العمل بهما.

قوله: حكي عن أصحاب الحديث، يعني إذا كان مالك والشافعي لا يرون نقض الوضوء من لحم الإبل فكيف ينسب هذا العمل إلى أهل الحديث؟ يعني أهل الحديث من أهل العناية به والتفقه فيه من غير المتبوعين، يعني من غير المتبوعين. وحكي عن أصحاب الحديث مطلقاً، وحكي عن جماعة من الصحابة احتجاجاً بحديث البراء وجابر بن سمرة. يقول النووي: وهذا المذهب أقوى دليلاً وإن كان الجمهور على خلافه، ومذهبه أعني الشافعي النووي شافعي المذهب، لكنه رجح أن الأكل من لحم الإبل ناقض من نواقض الوضوء، وخرج عن ربقة التقليد اتباعاً للحديث، وهذا كثير عنده -رحمه الله- ومثله ابن المنذر والبيهقي وكثير من الشافعية ميلهم إلى الحديث، وهم في ذلك يتبعون إمامهم؛ لأنه أثر عنه أنه قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" ولو صح كذا لقلت به، فإذا صح عند أتباعه كانوا تابعين لإمامهم ولو خالفوه، باعتبار أنه لو صح الخبر عنده لعمل به، وما دام صح عندهم فأصولهم تقتضي العمل به وإن لم يقل به الإمام. وعلى كل حال المرجح في هذه المسألة أن الأكل من لحم الإبل ناقض للوضوء لهذين الحديثين، وما جاء في لحم الإبل خاص، وما جاء من قوله -من قول جابر-: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار" عام.

وأيضاً الأمر بالوضوء من لحم الإبل منطوق، ومعارضه من عموم حديث: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار" مفهوم، والمفهوم لا يعارض المنطوق، وبهذا يترجح القول بأن أكل لحم الإبل ناقض، لكن لو كان الشخص ممن لا يرى النقض من أتباع مالك أو الشافعي أو أبي حنيفة، وصار إماماً ويأكل لحم الإبل ويؤم الناس فهل يقتدي به من يرى النقض؟ نعم يقتدي به؛ لأنه يقتدي بأئمة تبرأ الذمة بتقليدهم، ولهم مستند ولهم معتمد فقولهم له حظ من النظر وإن كان مرجوحاً، ففي مثل هذا تصح إمامته، ويصلي خلفه من يرى النقض بلحم الإبل، ولا شك أن المسائل مختلفة، يعني من يعمل بحكم لا دليل له عليه هذا ما يصلي خلفه من يرى الحكم بمقتضى الدليل، ولذا في رسالة الشيخ عبد الله بن الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة يقول: ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يرى الطمأنينة، لكن لو اطمأن الحنفي صلينا وراءه، لكن حنفي ولا يرى الطمأنينة ركن فينقر الصلاة هذا ما نصلي وراءه؛ لأن الطمأنينة عندنا ركن، ودلالة الحديث -حديث المسيء- عليها واضحة وظاهرة، لكن الدلالة على الجهر بالبسملة أو عدم الجهر فيها أدلة لكل من الفريقين، وإن كان الأرجح عدم الجهر بالبسملة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (20)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (20) شرح: باب: الوضوء من مس الذكر، وباب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر، وباب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير سم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: الوضوء من مس الذكر: حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن بسرة بنت صفوان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مس ذكره فلا يصلِ حتى يتوضأ)). وفي الباب عن أم حبيبة وأبي أيوب وأبي هريرة وأروى ابنة أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو. هذا حديث حسن صحيح، هكذا روى غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة، وروى هذا الحديث أبو الزناد عن عروة عن بسرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. عندك وروى أبو أسامة؟ وروى أبو أسامة وغير واحد؟ طالب: بعد ذلك. لا هذه الجملة في غاية الأهمية في بيان درجة الحديث. عفا الله عنك. وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه حدثنا بذلك إسحاق بن منصور قال: حدثنا أبو أسامة بهذا، وروى هذا الحديث أبو الزناد عن عروة عن بسرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: حدثنا بذلك علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن بسرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، قال محمد: وأصح شيء في هذا الباب حديث بسرة، وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب أصح، وهو حديث العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة. وقال محمد: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان وروى مكحول عن رجل عن عنبسة غير هذا الحديث، وكأنه لم يرَ هذا الحديث صحيحاً.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الوضوء من مس الذكر" قال -رحمه الله-: "حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن بسرة بنت صفوان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مس ذكره فلا يصلِ حتى يتوضأ)).

بالنسبة لإسناد الحديث كالشمس، ما فيه أدنى مطعن لمن أبرز من رجاله، فكلهم ثقات، ومتنه وإن تكلم بعض أهل العلم في معناه، وفي إسناده من جهة من أخفي منهم؛ لأنه عندنا حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عروة بن الزبير عن بسرة بنت صفوان، يعني مباشرة من دون واسطة، مع أنه سيأتي إشارة من الإمام الترمذي أن عروة إنما أخذه عن مروان، مروان بن الحكم، ومروان ما أخذه مباشرة من بسرة، وإنما أرسل واحداً من رجاله من شرطه إلى بسرة فحدثته بهذا، ليتأكد، أرسل إلى ... ؛ لأن مروان كان في مجلس فتذاكروا فيه نقض الوضوء من مس الذكر، فبعضهم أثبت، وبعضهم نفى، فأرسل مروان من شرطته ومن أتباعه من يتأكد من بسرة، ولم يسمّ هذا الرجل، فذهب إلى بسرة فحدثته بهذا، فالذي يريد أن .. ، أو من أراد أن يطعن في سند الحديث قال: إن عروة بن الزبير لم يأخذه من بسرة مباشرة، وإنما هو بواسطة مروان، ومروان أرسل رجلاً لم يسمّ إلى بسرة، فلا يدرى هل هو ثقة أو غير ثقة؟ ومن صححه وهو الراجح أن عروة بن الزبير بعد هذه الحادثة ذهب وتأكد من بسرة، فكان يقول: حدثتني بسرة، فيكون عروة بن الزبير حينئذٍ أخذ الحديث من بسرة بواسطة مروان ومن أرسله، ومرة أخرى أخذه من بسرة مباشرة فتأكد من ذلك، ولذا يقول الترمذي قال: "وفي الباب عن أم حبيبة وأبي أيوب وأبي هريرة وأروى ابنة أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو" وغيرهم أيضاً، فالحديث ليس من أفراد بسرة، وإنما رواه جمع من الصحابة، أم حبيبة نبت أبي سفيان أخرجه ابن ماجه، وحديث أبي أيوب أيضاً كذلك أخرجه ابن ماجه، وأبي هريرة عند ابن حبان، وأروى بنت أنيس عند البيهقي، وأم المؤمنين عائشة عند الدارقطني، وجابر عند ابن ماجه، وزيد بن خالد عند أحمد في المسند، وعبد الله بن عمرو عند الإمام أحمد وعند البيهقي. يقول أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه بقية أصحاب السنن مع المسند، يعني رواه الخمسة.

ثم أراد أن يبين ما علل به الحديث، قال: "هكذا رواه غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة" وجزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة، هذا الوجه الأول، في الحديث أن عروة بن الزبير سمعه من بسرة بغير واسطة، قال: "وروى أبو أسامة وغير واحد" هذه الجملة ساقطة من بعض النسخ لكنها لا بد منها، قال: "وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان بن الحكم عن بسرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، حدثنا بذلك إسحاق بن منصور قال: حدثنا أبو أسامة بهذا". يعني إذا نظرنا إلى المدار وجدناه على هشام بن عروة عن أبيه، رواه عنه يحيى بن سعيد القطان، وهو من أئمة هذا الشأن من النقاد، بل من المتشددين في هذا الباب، يرويه عن بسرة بدون واسطة، وإسحاق بن منصور يرويه عن هشام بن عروة عن أبيه ... ، إسحاق بن منصور قال: حدثنا أبو أسامة، أما إسحاق بن منصور فموجود في الطريقين، الاختلاف على هشام من قبل يحيى بن سعيد القطان، ومن قبل أبي أسامة حماد بن أسامة وهو أيضاً ثقة، فهما ثقتان، ومثل هذه الصورة، يعني لو لم نقف على أن عروة تأكد بنفسه من بسرة وأنه ذهب إليها فحدثته فصار يروي عنها بغير واسطة لو لم نقف على هذه القصة ووجدناه مرة بواسطة ومرة بدون واسطة الاحتمال قائم أنه سمعه منها مباشرة، لكن أهل العلم يعللون بمثل هذا، يعلون الرواية التي سقط منها ما سقط، ويجعلونها مرسلة، مع أن منهم إذا دلت القرائن على أنه يروى بالوجهين وجه بواسطة ووجه بدون واسطة أنه يصحح وهذا وارد أن الإنسان قد يروي الحديث عن شخص بواسطة ما سمعه حتى في أمور الناس العادية وفي كلام أهل العلم المعاصرين، قد تنقل فتوى عن شيخ من المشايخ بواسطة أحد نقلها لك، ثم بعد ذلك تسمعها منه، فمرة تروي بواسطة ومرة تروي بدون واسطة هذا ما فيه إشكال.

المقصود أن يحيى بن سعيد القطان رواه على الوجه الذي ليس فيه واسطة، وأبو أسامة حماد بن أسامة وهو ثقة أيضاً رواه بالواسطة بواسطة مروان، وهو مروي على الوجهين، ولو لم نقف على هذه القصة التي فيها أن المجادلة حصلت في مجلس مروان، ثم إن مرواناً أرسل شرطيه إلى بسرة فحدثته بهذا الحديث أيضاً ثبت عن عروة أنه ذهب بنفسه إلى بسرة وتأكد من الخبر وحدثته به، فصار يقول: حدثتني بسرة، ولا يمكن أن يقول عروة بن الزبير: حدثتني وهي لم تحدثه، لا يمكن أن ينقل عنها بواسطة ويقول: حدثتني، فدل على أنه صحيح من الوجهين، وأن أحدهما لا يعل الآخر. فهذه الجملة التي سقطت من بعض النسخ في غاية الأهمية في بيان وجه الاختلاف في هذا الحديث، والترمذي يعنى بهذا الشأن عناية فائقة، وله مزية في هذا الباب، قال: وروى أبو أسامة ... ، المقصود أن الوجه الأول وهو ما صدر به الباب رواية الحديث الأصلية يقول: هكذا رواه غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة، وقلنا: إنه جزم به ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة بدون واسطة. قال: "وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه حدثنا بذلك إسحاق بن منصور قال: حدثنا أبو أسامة بهذا" أبو أسامة وغير واحد، يحيى القطان وغير واحد يجتمعون على هذين الوجهين، ولو لم نستطع الترجيح ولا عرفنا مثل هذه القصة لقلنا بالاضطراب، لقلنا بأن الخبر مضطرب، لكن ما دام عرفنا أن عروة بن الزبير رواه بواسطة مروان، ثم رواه بدون واسطة قلنا: إن الوجهين كلاهما صحيح.

قال: "وروى هذا الحديث أبو الزناد عن عروة عن بسرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" وأبو الزناد متابع لهشام بن عروة، أبو الزناد عبد الله بن ذكوان ثقة، تابع هشام بن عروة على روايته عن عروة عن بسرة بدون وساطة، وقال: "حدثنا بذلك علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن بسرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه" وهذه متابعة جيدة لحديث الباب، عن أبيه عن عروة عن بسرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه "وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق" كلهم يقولون: بأن مس الذكر إذا أفضى الإنسان بيده إلى ذكره فقد انتقض وضوءه يعني من غير حائل، كما جاء بذلك بعض الروايات، والإفضاء إنما يكون بباطن اليد لا بظاهرها "وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق" وهو المشهور من قول مالك، إذاً عندنا الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، إضافة إلى الأوزاعي وهو إمام من أئمة المسلمين، وكذلك إسحاق كلهم يقولون: بأن مس الذكر ينقض الوضوء، وبه قال عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر وعائشة وبسرة وأم حبيبة وعروة وعطاء وغيرهم جمع من الصحابة والتابعين يقولون بهذا. "قال محمد -يعني البخاري-: وأصح شيء في هذا الباب حديث بسرة" حديث بسرة وهي امرأة تنقل ما يختص بالرجل وهو مس الذكر، الحنفية لا يقولون بهذا، يقولون بحديث طلق بن علي الآتي، لكن تعليلهم لهذا الحديث وإن كانوا يصححون إسناده إلا أنهم يقولون: لو كان هذا الخبر ثابتاً لنقله الرجال؛ لأنه يهم الرجال ولا يهم النساء فكيف ينقله النساء؟ نقول: نقل النساء كثيراً مما يختص بالرجال ونقل الرجال كثيراً مما يختص بالنساء؛ لأن المسألة مسألة ديانة، حمل العلم ديانة، والأمر بالتبليغ لكل من بلغه أو شهد الخبر يلزمه التبليغ رجلاً كان أو امرأة، فإذا سمع الصحابي رجلاً كان أو امرأة خبراً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتجه إليه الأمر بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) ولو قلنا: إن الرجل لا يهتم ولا

ينقل ما يختص بالنساء والعكس لأولف للنساء كتب خاصة، وللرجال كتب خاصة، فإذا نقلت عائشة مثلاً حديثاً في الجهاد نقول: هذا حديث لا يختص بالنساء ينقله الرجال؟ يمكن أن نقول هذا؟ لا يمكن، فالمدار في ثبوت الخبر على صحة الأسانيد، ثقة الرواة، اتصال الأسانيد، عدم المخالفة لمن هو أوثق، عدم الشذوذ والعلل القادحة في المتن، ولا يوجد من هذا شيء في هذا الحديث. يقول الإمام البخاري: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة، حديث بسرة أصح شيء في هذا الباب، يعني في مس الذكر، فهو أرجح عنده، بل عند جمهور أهل العلم من حديث طلق بن علي الآتي، وبه يقول جمع غفير من الصحابة والتابعين، والأئمة الثلاثة، وأيضاً تؤيده القواعد؛ لأن هذا مثبت، وحديث طلق -على ما سيأتي- نافي، والمثبت مقدم على النافي، أيضاً هذا ناقل عن الأصل وحديث طلق -على ما سيأتي- مبقٍ على الأصل، الأصل عدم النقض، فالذي ينقل عن الأصل أرجح مما يشهد للأصل، إذ لا يمكن أن يقال في باب النسخ الأصل عدم النقض ثم ثبت النقض بحديث بسرة، ثم ارتفع هذا الحكم بحديث طلق، على أن التاريخ يؤيد أن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق بن علي على فرض صحته؛ لأن طلقاً إنما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الهجرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يبني المسجد، والرواية بهذا صحيحة، أن طلقاً إنما وفد على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يبني المسجد، وهذا في أول الأمر، وحديث بسرة متأخر، ويشهد له حديث أبي هريرة وهو متأخر الإسلام، أسلم سنة سبع، فما نقله من وَفِد على النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر ينسخه ما نقله من تأخر إسلامه، ولهذا عامة أهل العلم على القول بأن مس الذكر ينقض الوضوء، وأيدوا هذا بقولهم: إن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق بن علي وهذا على فرض صحته، وفيه من الكلام ما سيأتي.

"وقال أبو زرعة -الرازي-: حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح" في بعض النسخ: أصح، يعني كلام البخاري حديث بسرة أصح شيء في هذا الباب، وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح، مع أنه يوجد في بعض النسخ أصح، والشيخ أحمد شاكر قال: وما هنا أجود، يعني صحيح أجود مما جاء في بعض النسخ أنه أصح، ولا شك أن حديث بسرة أصح من حديث أم حبيبة، لكن قد يقول قائل: إنه في نظر أبي زرعة حديث أم حبيبة أصح، ولا يمنع أن يقول مثل هذا الكلام إذا ترجح عنده وهو إمام، قال: "وهو حديث العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة". "وقال محمد" يعني الإمام البخاري، ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي: "لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان" مكحول بن عبد الله الشامي لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان "وروى مكحول عن رجل عن عنبسة غير هذا الحديث" مكحول أدخل بينه وبين عنبسة رجل غير هذا الحديث، فالذي يغلب على الظن أن هذا الحديث أيضاً فيه واسطة بين عنبسة ومكحول لا سيما وأن هؤلاء الأئمة البخاري وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي قالوا: إنه لم يسمع منه "لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، وروى مكحول عن رجل عن عنبسة غير هذا الحديث" وأثبت سماعه منه دحيم، عبد الرحمن بن إبراهيم، وهو إمام من أئمة الحديث قالوا: وهو أعرف بحديث الشاميين، فأثبت سماعه من عنبسة، قاله ابن حجر. الآن أئمة خمسة نفوا سماعهم من عنبسة، ودحيم أثبت سماعه قالوا: وله مزيد عناية ومعرفة بأحاديث الشاميين، ومكحول شامي، فهل يقال: إن هذه المعرفة وهذه العناية من دحيم تجعل قوله أرجح من الأئمة الخمسة البخاري ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي؟ يعني لو كان الخلاف مع البخاري فقط أو مع يحيى بن معين فقط قلنا: يمكن، لكن خلاف مع خمسة من الأئمة، كلهم نفوا سماعه من عنبسة، قالوا: مكحول لم يسمع من عنبسة، ودحيم وله عناية بأحاديث الشاميين ومعرفة أثبت سماعه منه، فلو كان الخلاف مع واحد منهم رجحنا قوله، لكن الخلاف مع خمسة لا يمكن أن يرجح قوله ولو كانت له عناية، يعني معرفته بأحاديث الشاميين مرجح، لكن لا يعني أن قول غيره من الأئمة يهدر.

باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر:

وكأنه يعني البخاري لم يرَ هذا الحديث صحيحاً، يعني حديث أم حبيبة، لم يره صحيحاً، ونقل تصحيحه عن الإمام أحمد وأبي زرعة وغيرهم. وعلى كل حال هو شاهد لحديث بسرة، شاهد لحديث بسرة، ويحتمل في الشواهد ما لا يحتمل في الأصول، وعلى تقدير ضعفه وعدم الاحتجاج به فحديث بسرة كافٍ في هذا الباب مع أنه ورد عن جمع غفير من الصحابة. عفا الله عنك. باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر: حدثنا هناد قال: حدثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي هو الحنفي عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وهل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه؟! )). قال: وفي الباب عن أبي أمامة. قال أبو عيسى: وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك، وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب، وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه، وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر وأيوب بن عتبة، وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن.

لما ذكر الإمام -رحمه الله تعالى- على عادته الحديث وما يخالفه ذكر الحديث الأول في النقض، ثم أتبعه بالحديث الثاني وهو عدم النقض، فقد يقول قائل: المناسب في الترتيب أن يذكر حديث طلق قبل، ثم يذكر حديث بسرة، يذكر ترك الوضوء، ثم يذكر الوضوء، ثم يذكر الوضوء من مس الذكر؛ لأن الوضوء هو المرجح وهو المتأخر وهو الناسخ، وما تقدم زمناً ينبغي أن يذكر قبل، ثم بعد ذلك يتبع بالناسخ، وهو أيضاً المناسب لكيفية التحمل، فيذكر الخبر الأول ثم يذكر ناسخه؛ لأن الطالب القارئ قد يقرأ الحديث الأول ثم إذا أتبع بما يخالفه إنما يقر في ذهنه المخالف الثاني، الثاني الذي هو إيش؟ المنسوخ، ولا شك أن التقدم الزمني يقتضي أن يذكر حديث طلق بن علي قبل حديث بسرة، يعني كما صنعوا على باب ما جاء في الأمر بقتل الكلاب، ثم بعد ذلك أردفوه وأتبعوه بباب ما جاء أو باب نسخ الأمر بقتل الكلام، أو ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلام، فالمنسوخ متقدم زمناً فيقدم لفظاً والناسخ يؤخر، لكن قد يرد على هذا أن الطالب قد يقرأ الباب الأول ولا يتسنى له قراءة الباب الثاني إلا بعد مدة فيعمل بالحديث الأول المنسوخ، ثم بعد ذلك إذا بلغه الناسخ فيما بعد يكون قد عمل بالحديث الأول وهو منسوخ، يعني كما صنع بعضهم في المثال الذي ذكرته: باب: ما جاء في قتل الكلاب، لما قرأ هذا الباب أخذ آلة مسدس أو نحوه فما رآه من كلب قتله، فلما جاء من الغد وقرأ في الباب الثاني باب: ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلاب، فلو قدم له الناسخ ما حصل له مثل هذا، ولا شك أن هذا إنما يقع لشخص مبتدئ، تفقه على النصوص، قبل أن يتدرج في العلم على الجادة المعروفة عند أهل العلم، الذي يتفقه على كتب الفقه ما يمكن أن يحصل له مثل هذا، لكن من يقال له وهو مبتدئ ويخاطب على أنه مبتدئ وفارغ الذهن من العلم يقال: تفقه من الكتاب والسنة يحصل له مثل هذا، سواءً قدمنا الناسخ أو قدمنا المنسوخ.

على كل حال الإمام -رحمه الله- يمكن أنه لحظ مثل هذا أن طالب علم قد يقرأ الباب الأول ولا يتسنى له قراءة الباب الثاني إلا بعد وقت فيمس ذكره فيتوضأ، فقدم له الناسخ ليعمل به، ثم بعد ذلك من باب العلم يستفيد الطالب من الباب الثاني. "باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر" يعني هل يقال في ترك الوضوء يعني ما تفيده هذه الجملة ترك الوضوء من مس الذكر هل يستفاد من هذه الترجمة أن الوضوء من مس الذكر كان مقرراً ثم ترك؟ لأن ترك الوضوء ليس معناها عدم الوضوء فقط، يعني لو قال: باب: ما جاء في عدم الوضوء من مس الذكر انتهى الإشكال، لكن ترك الوضوء من مس الذكر، يدل على أن مس الذكر كان ينقض الوضوء ثم ترك، العبارة تفهم هذا؛ لأن الترك لا يكون إلا بعد فعل، كما جاء في الحديث الصحيح: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" كان يتوضأ مما مست النار ثم ترك، فهل كان يتوضأ من مس الذكر ثم ترك؟ يعني اللفظ هنا يفيد أنه كان الوضوء من مس الذكر ثم ترك، يعني هل ترك بمعنى عدم؟ عدم الوضوء من مس الذكر؟ عدم الوضوء ما يدل على أنه كان مأموراً به ثم ترك، يعني هل الكلمتين متوازيتين من كل وجه؟ لا، الترك إنما يكون بعد فعل، فهل نقول: إن الترمذي يرى أن حديث بسرة متقدم وحديث طلق متأخر فهو ناسخ له؟ لأنه صحح، صحح حديث بسرة، وترتيبه أيضاً وقوع المنسوخ قبل ثم الناسخ على حد ما فهمنا من ترك الوضوء من مس الذكر، جمهور أهل العلم على خلاف هذا، أنه كانت المسألة على البراءة الأصلية، استصحاب الأصل يقتضي عدم الوضوء من مس الذكر، والتعليل ظاهر، ((وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك؟! )) التعليل ظاهر، يعني كما لو مسست أنفك أو أصبعك أو ما أشبه ذلك، ما هو إلا بضعة منك، يعني قطعة منك، وهذا على الأصل مما يدل على أن حديث بسرة ناقل عن هذا الأصل فهو متأخر عنه، والتاريخ يشهد بهذا، كلهم يتفقون على أن طلق بن علي إنما وفد على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يبني المسجد، وله خبرة بالبناء، له خبرة ماهر في خلط الطين، فوكل إليه هذا الأمر، واستفيد منه في هذا الباب، ولدغته عقرب فرقاه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقصود أن هذا الكلام يدل على أن قدومه في أول الهجرة، في أول الهجرة والنبي -عليه الصلاة والسلام- يبني المسجد مع أن حديثه فيه كلام لأهل العلم، يعني ما هو بمثل حديث بسرة في القوة لا، بينهما بون شاسع. قال: "حدثنا هناد" وهو ابن السري، إمام ثقة "قال: حدثنا ملازم بن عمرو" صدوق، من الطبقة الثامنة "عن جده" عبد الله بن بدر، وهو ملازم بن عبد الله بن بدر السحيمي اليمامي، فهو يرويه عن جده لأبيه عن عبد الله بن بدر، جده عبد الله بن بدر ثقة "عن قيس بن طلق بن علي" صدوق، وبعضهم ضعفه، بعض أهل العلم ضعفه، لكن حديثه ليس بشديد الضعف إذا وجد ما يرفعه من متابع أو شاهد يرتقي "عن قيس بن طلق بن علي هو الحنفي" اليمامي "عن أبيه" طلق بن علي صحابي، قلنا: إنه حضر بناء المسجد مع النبي -عليه الصلاة والسلام- "عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- هل ينتقض الوضوء بمس الذكر فأجاب قال: ((وهل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه؟! )) يعني من الرجل، ومضغة وبضعة معناهما واحد، وهو القطعة، لكن يبقى أن المضغة بقدر ما يمضغ، بقدر ما يمضغه الإنسان من الطعام، والبضعة إما أن تكون أقل أو أكبر أو مساوية، فلا يتطابق اللفظان، ولذلك جيء بحرف الشك. قال: "وفي الباب عن أبي أمامة" وهو عند ابن ماجه، لكن في سنده جعفر بن الزبير وهو متروك، وعلى كل حال الحديث ضعفه الزيلعي وغيره، في الباب عن أبي أمامة فقط يشهد لحديث طلق بن علي، ووجود حديث أبي أمامة مثل عدمه، لماذا؟ لأن ضعفه شديد فلا يستفاد منه، ما دام فيه راوي متروك لا يستفاد منه، فيبقى حديث طلق بن علي متفرد في الباب وحديث بسرة له ما يشهد له من أحاديث جمع غفير من الصحابة يبلغون العشرة من الصحابة.

"قال أبو عيسى: وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك" من الصحابة علي وعمار وابن مسعود وابن عباس وحذيفة وأبي الدرداء والنخعي وربيعة والثوري وأبو حنيفة كل هؤلاء يقولون: لا ينقض الوضوء، يعني في مقابل من تقدم من الصحابة والتابعين والأئمة، الجمهور على النقض، ولم يقل بهذا من الأئمة المتبوعين إلا أبو حنيفة. من الصحابة علي وعمار، وهناك عمر وابنه وابن مسعود، قالوا: إذا اختلف عبد الله بن عمر وابن مسعود فيقدم ابن مسعود، لا شك أن ابن مسعود أفقه من ابن عمر، لكن يبقى أنه إذا قلنا: إن حديث طلق منسوخ، حديث طلق بن علي منسوخ فقد لا يطلع ابن مسعود على الناسخ، كما في التطبيق في الركوع منسوخ، ثبتت الأحاديث الصحيحة بنسخه، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يضع يديه على ركبتيه حال الركوع، التطبيق منسوخ بالاتفاق، لا قائل به من أهل العلم، ومع ذلك استمر ابن مسعود عليه؛ لأنه لم يبلغه الناسخ، فلا يبعد في هذا أن لا يبلغه الناسخ، وإن كان فقيهاً من جلة الصحابة في هذا الباب، يعني قوله إذا اختلف مع غيره قد يقدم على كثير من الصحابة، لكن ما دامت المسألة فيها ناسخ ومنسوخ فقد يخفى الناسخ على ابن مسعود، ولا يفترض أن يكون مثل ابن مسعود -مع جلالته وإمامته وفقهه- أن يطلع على كل شيء، فقد خفي على أبي بكر وعلى عمر ما وجد عند غيرهما من الصحابة من هو أقل شأناً منهما.

وقال الترمذي: "وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب" يعني حديث طلق بن علي، وفي هذا الباب هل هو في باب الوضوء من مس الذكر أو في باب عدم الوضوء من مس الذكر؟ فرق بين الأمرين، إذا قلنا: في هذا الباب في السلب والإيجاب، في النقض وعدمه قلنا: إنه يرجح هذا على حديث بسرة، ومع ذلكم هو قال في حديث بسرة "قال أبو عيسى: حديث بسرة حديث حسن صحيح" وهنا قال: "وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب" إذا قلنا: إنه في الباب الخاص لا في الباب العام في باب ترك الوضوء قلنا: إن حديث طلق بن علي أحسن من حديث إيش؟ أبي أمامة الذي هو ضعيف، وكلاهما في الباب في باب ترك الوضوء، وإذا نظرنا إلى المسألة بعمومها قلنا: إنه يرى أن حديث طلق أحسن من حديث بسرة، خليكم معنا يا الإخوان ترى المسألة خفية، إذا قال: وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب، هل هو يرى أنه أحسن حديث روي في الباب بعمومه في الوضوء وعدمه، أو في ترك الوضوء فقط؟ فيكون أحسن من حديث أبي أمامة الذي أشار إليه؟ لا شك أنه أحسن، وإذا قارنا بين حديثين أحدهما ضعيف والثاني وإن كان ضعيفاً إلا أنه أقوى منه فلو قال الترمذي حديث طلق أصح من حديث أبي أمامة لا يلزم منه صحة الحديثين، فضلاً عن كونه يقول: أحسن، يعني ألفاظ أهل العلم لها دلالاتها، مسألة أحسن وأصح هذه أفعل تفضيل، كثيراً ما يستعملها أهل العلم على غير بابها، لا سيما أهل الحديث، فيقولون: أصح شيء في هذا الباب حديث كذا، والحديث ليس بصحيح، أحاديث الباب كلها ضعيفة، لكن أقواها هذا الحديث، وهي كلها ضعيفة، ولا يعني تصححه، فإذا قالوا: أحسن يعني هذا أفضلها وإن لم يكن صحيحاً؛ لأنه لو حاسبنا الترمذي على أفعل التفضيل على معناها عند أهل اللغة لقلنا: إنه يرى أن حديث أبي أمامة حسن؛ لأنه قال: أحسن، وحديث طلق أحسن من حديث أبي أمامة، ومقتضى أفعل التفضيل أن يوجد أمران يشتركان في وصف، يعني وهو هنا الحسن يفوق أحدهما الآخر فيه، يفوق أحدهما الآخر فيه، فكلاهما حسن، وهذا لا يقول به الترمذي ولا غير الترمذي إذا وجد في الإسناد مترك لا يمكن أن يرتقي، هذا إذا قلنا: إن قوله هذا منصب على الباب باب ترك الوضوء من مس الذكر، وإذا قلنا:

إنه يرى أن هذا الكلام أحسن شيء حديث طلق حتى من حديث بسرة فإنه لا يقول بهذا، فإنه أشاد بحديث بسرة وذكر له شواهد كثيرة من روايات الصحابة، وحكم عليه بأنه حديث حسن صحيح، ونقل عن البخاري: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة. حديث طلق بن علي أخرجه أيضاً أبو داود والنسائي وابن ماجه على أنه موجود عند الترمذي، وصححه ابن حبان والطبراني وابن حزم، وقال ابن المديني: هو أحسن من حديث بسرة، هذا تصريح، وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي، وقال ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون: منسوخ؛ لأن قدوم طلق بن علي متقدم عن رواية من روى الحديث ممن تأخر إسلامه ممن أشار إليهم الترمذي، يعني بسرة كانت لها سابقة، كانت لها سابقة، وعلى كل حال لا نعتمد في القول بالنسخ على الموازنة بين بسرة وطلق، لكن من روى الحديث مثل أبي هريرة أسلم سنة سبع، وهذا جاء في السنة الأولى في أوائل أيام الهجرة فحديث أبي هريرة متأخر ومن معه، بعض الصحابة ممن ذكر معه متأخر الإسلام. قال: "وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه" وأخرجه أبو داود وابن ماجه، وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر، ضعفه ابن معين، وقال الفلاس: متروك، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة، ولا يعني هذا التوثيق، وأيوب بن عتبة ضعفه أحمد، وقال ابن معين: ليس بالقوي، وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر يعني عن جده حديث الباب الأصل في الباب أصح وأحسن. الكلام في الحديثين لا شك من حيث العموم أن حديث بسرة أصح من حديث طلق، ومن صححه أكثر، ومن عمل به أكثر، وحديث طلق قابل للثبوت، قابل للتحسين أقل الأحوال، والحسن مما يجب العمل به فلا بد من التوفيق.

الجمهور الذين عملوا بحديث بسرة وقالوا: إن مس الذكر ينقض الوضوء، قالوا: إن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق، حديث بسرة ناسخ لحديث طلق، هذا من حيث إذا أثبتنا حديث طلق، وإذا قلنا: إنه معارض بما هو أقوى منه مع ما في قيس من الكلام قلنا: حديث طلق أرجح، والعمل إنما هو بالراجح، لكن إذا أمكن الجمع ولو بالقول بالنسخ هو أولى، جمع بعضهم من وجه آخر قال: الأمر بالوضوء من مس الذكر في حديث بسرة محمول على الاستحباب، ((من مس ذكره فليتوضأ)) اللام لام الأمر والأصل في الأمر الوجوب، قال بعضهم -ولعل هذا مما يميل إليه شيخ الإسلام-: إن الأمر هنا للاستحباب، والصارف حديث طلق. إذا تقرر هذا فعندنا أمور: الأول: رجحان حديث بسرة على حديث طلق عند الجمهور. الأمر الثاني: تقدُم حديث طلق على حديث بسرة. الأمر الثالث: التقدم هذا يقتضي النسخ، ومن عمل بحديث بسرة من الصحابة والتابعين والأئمة أكثر ممن عمل بحديث طلق، وسبب ذلك مثل ما ذكرنا القول بالنسخ أو الترجيح أو الترجيح، بالمقابل أعل حديث بسرة بما ذكرناه سابقاً أن هذا الأمر .. ، وهذه من تعليلات بعض الحنفية، بعض الحنفية يصادمون النصوص بمثل هذه التعليلات العليلة، قالوا: إن الحديث مما يختص به الرجال فكيف لا ينقله إلا امرأة؟ نقول: نقله كثير من الرجال، وهو مروي عن جمع من الصحابة، فلم تستقل به هذه المرأة، ولو قدر أنه استقلت بروايته هذه المرأة فإنه لا يعني الطعن في الحديث؛ لأنها صحابية والصحابة كلهم عدول، والأمر بالتبليغ كما هو متجه إلى الرجال متجه أيضاً إلى النساء، فالرجال والنساء في باب التبليغ واحد، والمعول لذلك على الثقة والضبط. قال: "وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن" يعني من الحديث الذي ذكره وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس، حديث ملازم عن جده أصح من حديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر، وكلاهما مضعفان.

العلة في الأمر بالوضوء من مس الذكر أنه قد يحرك الشهوة، وهو مظنة لتحريك الشهوة، والمظنة إذا غلبت على الظن نزلت منزلة المئنة، يعني كالنوم، النوم مظنة للحدث، وليس بحدث مظنة للحدث، لكنها مظنة غلبت على الظن، وغالب الأحكام مبنية على غلبة الظن، فنزلت هذه المظنة منزلة المئنة يعني الشيء المحقق. إذا مس ذكره من غير شهوة نقول: ينقض الوضوء كما لو نام ولم يحدث، إذا مس ذكره وأفضى بيده يعني بباطن كفه فإنه ينتقض وضوءه، لكن لو مسه بظهر الكف، أو مسه من غير قصد، توضأ ثم اغتسل وأراد أن يلبس سراويله فمس ذكره من غير قصد، في هذه الصورة الاحتياط أن يتوضأ، إذا مس من بدنه ما يثير الشهوة بالنسبة للمرأة عندها ما يثير الشهوة في مواضع من بدنها ما يثير الشهوة غير الفرج، هل نقول: إن هذا مقيس على مس الذكر، وقبل ذلك نقول بالنسبة لفرج المرأة هل ينزل منزلة الذكر؟ جاء في بعض الروايات من حديث بسرة: ((من مس فرجه فليتوضأ)) وهذا حينئذٍ يشمل الذكر والأنثى، يشمل الذكر والأنثى، وعلى هذا إذا مست المرأة فرجها تتوضأ، وقلنا: إن هذا يثير الشهوة فهل إذا مست المرأة من بدنها ما يثير الشهوة نقول: هو بمثابة مس الذكر؟ يلحق به أو لا يلحق؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . لا، هو جاري على قواعد الظاهرية ما يخالف، لكن أهل العلم الذي يجرون العلل في الأحكام فإذا وجدت العلة وجد الحكم وإذا انتفت انتفى الحكم، وهل يكون إلحاق ما يثير الشهوة بمس الذكر هو من باب القياس أو من باب عموم العلة؟ إذا قلنا: من باب عموم العلة دخل دخول مع الحديث مع الذكر مثله صار مثل الفرج، وإذا قلنا: من باب القياس على الفرج قلنا: العبادات لا يدخلها القياس، وإذا قلنا: إنه من باب عموم العلة قلنا: العلة ليست منصوصة من أجل أن تعم، إنما هي مستنبطة، والعلل القوية التي يقول أهل العلم أن الحكم يدور معها وجوداً وعدماً هي العلل المنصوصة لا المستنبطة، وعلى كل حال ما يثير الشهوة غير ما نص عليه لا يدخل، سواءً قلنا بالقياس فالقياس لا يدخل العبادات، أو قلنا: بعموم العلة فالعلة ليست منصوصة فهي أضعف من أن تعمم.

إذا مس ذكر غيره، وهذا يحصل كثير بالنسبة للأمهات مع الأطفال، يحصل كثير بالنسبة للأمهات مع الأطفال، في الحديث: ((من مس ذكره)) يعني ذكر نفسه ((من مس فرجه)) يعني فرج نفسه، فماذا عما لو مس فرج غيره؟ إذا كانت العلة أن الفرج مظنة للنجاسة، قلنا: إن من مس فرج غيره العلة موجودة، لكن إذا قلنا: إن العلة تحريك الشهوة فمن مس ذكر غيره لا سيما الطفل الذي لا يتبعه شهوة، قلنا: لا ينقض الوضوء، المسألة معلقة أولاً: بذكر نفسه أو فرج نفسه، فإذا مس فرج غيره، فإذا قلنا: إن السب أو من العلل المركبة في الباب أن يكون الفرج مظنة للنجاسة، وعلى كل حال النجاسة لا تنقض الطهارة، لا تنقض الوضوء، حتى لو مس نجاسة محققة يغسل يده وينتهي الإشكال، ما انتقضت طهارته، فلا ينقض إذا قلنا بهذا، وإذا قلنا: العلة الشهوة فلا سيما ما يتعلق بالصبيان الأطفال فإنه لا شهوة بمس الفرج بالنسبة له، فعلى هذا لا نقض بمس فرج الطفل، لكن من أراد أن يحتاط، لا سيما وأنه قد يوجد من يفتي بأن مس الذكر ولو كان من صغير وهو مقتضى مذهب الظاهرية الذين لا يفرقون بين الكبير والصغير، مقتضى قولهم النقض، لا يفرقون بين الصغير والكبير، ولذلك قالوا في البول في التخفيف والتشديد، بول الصبي الذي لم يأكل الطعام بشهوة جاء في السنة أنه يرش وينضح بخلاف بول الجارية، قالوا: النظر في هذا إلى الذكورة والأنوثة، فالذكر يرش ولو كان كبيراً، والأنثى تغسل ولو كانت كبيرة، يغسل بولها ولو كانت كبيرة، فمقتضى مذهبهم عدم التفريق بين الكبير والصغير، ولكنه قول ضعيف، فمس ذكر الصغير لا يثير شهوة، وأيضاً الأصل متجه إلى من مس ذكره لا ذكر غيره.

أهل العلم في هذا الباب يبحثون مسألة فرج الخنثى، وهو من له آلة ذكر وآلة أنثى، الخنثى إذا مس فرجه المسألة مفترضة في المشكل، أما من تبين أمره فينتقض وضوؤه بما حكم له به، فإن كان الأصلي هو الذكر حكم عليه بأنه ذكر انتقض بمسه، وإن كان الأصل الفرج بالنسبة للمرأة فينتقض وضوءها بمسه ولا ينتقض بمس الآلة الأخرى، لكن إذا كان مشكل لا يدرى أذكر هو أم أنثى؟ فالطهارة وجدت بيقين فلا ترتفع بالشك، فلا ينتقض الوضوء، وإن قيل من باب الاحتياط وخشية أن يكون عموم الحديث يتناوله، فهو ذكر على كل حال، ويصح نسبته إليه، وإن لم يتبين أمره وقال بنقض الوضوء لم يبعد. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة: قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار الحسين بن حريث قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت. قال أبو عيسى: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا: ليس في القبلة وضوء. وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في القبلة وضوء، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد. قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جداً، وقال: هو شبه لا شيء. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة، وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبلها ولم يتوضأ، وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعاً من عائشة -رضي الله عنها- وليس يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب شيء. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة" ترك الوضوء من القبلة يرد عليه ما جاء في الترجمة السابقة، ترك الوضوء من مس الذكر، وأن لفظ الترك يشعر بالفعل قبله فهل كانت القبلة مما يتوضأ منها ثم ترك كما قلنا في الباب السابق؟ أو أن المراد بترك عدم فيكون باب: ما جاء في عدم الوضوء من القبلة؟ لم يذكر في هذا الشأن كما ذكر في الباب السابق، يعني ما جاء بباب الوضوء من القبلة ثم جاء بباب ترك الوضوء من القبلة لماذا؟ لأنه لم يرد في القبلة حديث يدل على الوضوء، وإنما ورد فيه قول الله -جل وعلا-: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] وهذا ليس من شأنه، هو لا يتكلم في أحكام القرآن، هو الكتاب كتاب حديث، فيبين في هذا الباب ما جاء في السنة أما ما جاء في القرآن فله أهله، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني لو جاء حديث في القبلة في الوضوء من القبلة لصنع كما صنع في الباب السابق، الوضوء من مس الذكر ثم ترك الوضوء من مس الذكر، ويأتي بهذا وهذا كثيراً، إذا ورد في البابين النفي والإثبات أحاديث، لكن هنا ترك الوضوء من القبلة نعم جاءت به السنة، لكن هل جاءت السنة بالوضوء من القبلة التي هي محل عناية المؤلف ما جاء شيء، لكن من قال بالوضوء من القبلة عمدته ومعوله على الآية. قال -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة" قال: "حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار الحسين بن حريث قالوا" خمسة من شيوخه "قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة" عن عروة عن عائشة عروة بن الزبير عن خالته عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل بعض نسائه" يعني أزواجه، والأزواج أخص من النساء؛ لأن النساء يشمل بقية المحارم، لكن المراد هنا الأزواج "قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" يعني لم يتوضأ وضوءاً جديداً بل صلى بالوضوء السابق مما يدل على أن التقبيل واللمس لا ينقض الوضوء. "قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت"

أولاً: عروة بن الزبير علاقته بعائشة؟ نعم خالته، يعني هو ابن أسماء، فإذا كانت خالته يمكن أن يقول لها: من هي إلا أنت؟ فتضحك ما في إشكال، لكن هو عروة يسمى في الاصطلاح إذا لم يقل الراوي عن عروة بن الزبير وإنما قال: عروة يعني لو كان عن هشام بن عروة عن عروة قلنا: هذا أبوه، هذا الذي يغلب على الظن، هذه الجادة، لكن قال: عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة قال بعضهم: المراد بعروة هذا عروة المزني، لكن يرد هذا أن عروة المزني أجنبي عن عائشة، لا يمكن أن يتبسط معها إلى هذا الحد، فيقول: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت، فالمرجح في هذا قول أكثر الرواة وأكثر أهل العلم على أن المراد به عروة بن الزبير وتكون خالته ويقول مثل هذا الكلام يتبسط معها.

"قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت" وهذا إقرار، يعني ما يحصل بين الرجل وزوجته لا شك أن الأصل فيه أنه يستر، وجاء النهي عن أن يفضي الرجل إلى امرأته بشيء أو العكس ثم ينشره، لكن هذا دين يتعلق به حكم شرعي، لا بد من ذكره، ولذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- وعلى رأسهم أم المؤمنين في هذا الباب يعني ما تورعت أن تقول مثل هذا الحديث؛ لأن تبليغ العلم واجب، والكتمان في مثل هذا الباب محرم، وأخذ العهد والميثاق على البيان، وأمر بالتبليغ، على كل حال مثل هذا ليس مما يدخل في حديث النهي عن إفشاء ما أمر بكتمانه، وبعض الجفاة من البادية سمع هذا الحديث من إمام مسجد يسمعه يقرأ في الحديث على الجماعة قبل بعض نسائه وخرج ولم يتوضأ وضحكت ومدري إيش؟ قال هذا الأعرابي: ما بالهم فضحوا نبيهم، جاهل ما يدري، فضحوا نبيهم، هذا علم هذا دين لا بد من أن يبين، الأمور التي لا يحتاج إليها الأصل فيها أن يكنى عنها مما لا يحسن ذكرها، مما لا يحسن ذكرها لا بد من التكنية عنها، وديننا دين الأدب الرفيع، وأعظم الناس أدباً النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كان التصريح يترتب عليه حكم شرعي لا يمكن أن يؤدى بغيره لا بد من أن يؤدى باللفظ الصريح، وجاءت ألفاظ صريحة قد يتقزز منها السمع وينفر منها، لكن لا بد منها، يعني حينما يقول ماعز: إني زنيت، الأصل في هذا أن يقول: هو زنى، والرواة يقولون: هو زنى، كما قال: هو على ملة عبد المطلب، والأصل أنه يتحدث عن نفسه، هو على ملة عبد المطلب، لكن الكلام الشيء ينبغي أن يكنى عنه، لكن مثل هذا الذي يترتب عليه حكم لا بد من بيانه "قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت" رضي الله عنها وأرضاها. "قال أبو عيسى: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين" أن القبلة والمس لا ينقض الوضوء، قال: "وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا: ليس في القبلة وضوء" وإليه ذهب علي وابن عباس وعطاء وطاووس وأبو حنيفة.

"وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق" الأئمة الثلاثة ومعهم الأوزاعي وإسحاق، يعني نظير المسألة السابقة الذي يقول بنقض الوضوء من مس الذكر يقول بالوضوء من القبلة، والذي يقول بعدمه يقول بعدمه، فالأئمة الثلاثة ومعهم الأوزاعي وهو إمام متبوع وكذلك إسحاق في البابين قولهم واحد، وأبو حنيفة ومن معه قولهم واحد. "وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في القبلة وضوء، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين" يعني إليه ذهب ابن مسعود وابن عمر والزهري لقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] واللمس والملامسة حقيقة في لمس اليد، مجاز في الوطء، والأصل الحقيقة، ويؤيده قراءة حمزة والكسائي: "أو لمستم"، اللمس إنما يكون باليد، وإن جاءت المماسة والملامسة في الجماع لكن يؤيد المجاز قوله -جل وعلا-: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [(237) سورة البقرة] لا يقول قائل من أهل العلم: إنه مسها بيده أبداً، لا يقول قائل: إن المجرد المس {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [(237) سورة البقرة] هذا يؤيد أن المراد بلمستم أو لامستم الجماع.

قال -رحمه الله-: "وإنما ترك أصحابنا -يعني أهل الحديث- حديث عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد" فهو ضعيف لكنه منجبر بكثرة رواياته وشواهده، يعني من شواهده أن عائشة كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي وهي معترضة بين يديه، فإذا سجد غمزها، يعني فكفت رجليها، فإذا قام بسطتهما، فهذا فيه دليل وهذا الحديث متفق عليه فيه دليل على أن مجرد المس لا ينقض الطهارة، هذا يشهد لحديث الباب أن المس لا ينقض الطهارة، وإذا كان المس باليد لا ينقض والقبلة مثله بل أشد، القبلة أشد من مجرد المس فإذا كان المس لأنه مظنة الشهوة فالقبلة أشد منه، نعم قد يوجد في بعض الأحوال وبعض الظروف أن القبلة لا تعني شهوة في بعض الأحوال وفي بعض الأشخاص لكن الأصل أن الزوج إذا قبل زوجته أنه لشهوة، وعلى هذا يختلف أهل العلم في الناقض هل هو مجرد المس أو المس بشهوة؟ مالك وأحمد يقولون: لا بد من الشهوة إذا مسها بشهوة انتقض ضوءه، والشافعي يقول: مجرد المس ينقض الوضوء ولو لم يوجد شهوة، ولذا يحصل للشافعية حرج كبير في المطاف، يعني لو وقعت يده أو شيء من هذا على جسد امرأة انتقض وضوءه ولو لم يشعر، ولو كانت خلفه وهو يمشي أو بجانبه ولم يلتفت إليها، ولم يدرِ هل هي يد رجل أو يد امرأة حتى التفت يقول: ينتقض وضوءه، وجمهور من يقول بأن المس ينقض الوضوء يقولون: لا بد من قيد الشهوة. الملموس: الملموس قالوا: لا ينتقض وضوءه ولو وجد منه شهوة؛ لأن المقصود من يمس لا من يُمس، مع أن مقتضى يعني قراءة: "لمستم" يدل على شيء من هذا، لكن {لاَمَسْتُمُ} [(43) سورة النساء] وحملها على مجرد المس وقلنا: إن المفاعلة من الطرفين، الملامسة مفاعلة والمفاعلة من الطرفين، فإذا حصل من أحد الطرفين المس انتقض وضوءه، مع أن المعروف عند أكثر أهل العلم أن الملموس لا ينتقض وضوءه ولو وجد منه شهوة.

"قال: وسمعت أبا بكر -أحمد بن محمد- العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعَّف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جداً، وقال: هو شبه لا شيء" يعني ضعيف، والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه، ما سبب التضعيف؟ تضعيف الحديث؟ سببه كما قال الإمام البخاري -رحمه الله- فيما نقله الترمذي قال: "وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة" قاله يحيى بن معين وأحمد إضافة إلى الإمام البخاري. إذا ضعف هذا الحديث وبقيت الآية والآية تحتمل الأمرين فحقيقتها اللمس باليد، ومجازها الملامسة تعني الجماع، كناية عن الجماع، والأصل الحقيقة عند عامة أهل العلم، لكن إذا ضعفت الحقيقة أمام المجاز أحياناً يكون اللفظ وضع لشيء معين، هذا الأصل فيه، واستعمل في غيره، ثم غلب هذا الاستعمال على الحقيقة حمل عليه، مثل الغائط مثلاً الأصل في الكلمة أنها المكان المطمئن الذي يرتاده الناس لقضاء الحاجة، ثم استعمل في الخارج نفسه، من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، ولا شك أن الإطلاق الحادث أو الاصطلاح الحادث الذي يسمونه مجاز غلب على الحقيقة الأصلية اللغوية، وإذا أردنا أن نعبر بأسلوب غير المجاز الذي يمنعه أهل العلم قلنا: إن هذه حقيقة لغوية، وإطلاقه على الخارج حقيقة عرفية، عندنا حقيقة لغوية وحقيقة عرفية، والحقيقة الثالثة حقيقة شرعية، الحقيقة الشرعية ما هي؟ في لفظ الغائط هل يطلق ويراد به الحقيقة الشرعية بمعنى الخارج أو يراد به المكان؟ طالب:. . . . . . . . . بدليل؟ طالب:. . . . . . . . .

{أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [(6) سورة المائدة] هل المراد منه أو من مكانه؟ يعني اللي يتصور المجيء منه المكان، "إذا أتى أحدكم الغائط" المراد به المكان وإلا الخارج؟ نعم المكان، فجاء في الشرع ما يؤيد الحقيقة العرفية وما يؤيد الحقيقة الشرعية، في حديث صفوان بن عسال: "أمرنا أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة، لكن من بول أو غائط أو نوم" البول والغائط والنوم هذه أحداث، فأطلق على الحدث نفسه غائط، كما أنه أطلق عليه أيضاً أطلق اللفظ هذا على المكان "إذا أتى أحدكم الغائط" في قوله -جل وعلا-: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [(6) سورة المائدة] مثلاً المجيء هنا هل هو من المكان أو يراد به الحدث؟ لا شك أن الذي يؤتى ويؤتى منه هو المكان هذا الأصل في الاستعمال، لكن مجرد الإتيان من المكان هل يوجب وضوء؟ ما يوجب وضوء، إنما يراد به الخارج، فاستُعمل اللفظ في الشرع في حقيقتيه اللغوية والعرفية، ولا مانع أن يستعمل اللفظ في حقيقتين تكونان كلاهما شرعية، إذا جاء استعمال الشرعي النص جاء فيما يوافق اللغة وما يوافق العرف تكون الحقيقتان كلاهما شرعية، مثل المفلس: المفلس استعمل في الشرع بمن لا درهم له ولا متاع، أو كانت موجوداته أقل من ديونه ((إذا وجد أحدكم متاعه عند رجل قد أفلس)) فهذه حقيقة شرعية، وإذا قيل لك: ما المفلس؟ لا مانع أن تقول: من عليه ديون أكثر من أمواله، أو من ذهبت أمواله وهو مدين هذا مفلس، ولا مانع من أن تجيب بقوله -عليه الصلاة والسلام- لما سأل الصحابة عن المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال)) كلاهما مفلس، فهذه حقيقة شرعية وهذه حقيقة شرعية، وعلى هذا تطلق حقيقة شرعية على المكان وحقيقة شرعية على الخارج.

قال: "وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبلها ولم يتوضأ" قلنا: إن اللمس له حقيقة شرعية وحقيقة لغوية، الحقيقة اللغوية اأنه مجرد المس، له حقيقة وله مجاز يعني استعمل أصل اللفظ في مجرد اللمس، واستعمل في مجازه في غير ما وضع له في الجماع كناية عن الجماع، وقلنا: أن الأصل الحقيقة وهو الذي دعانا إلى الكلام في الغائط، قلنا: إن الأصل الحقيقة إلا إذا كان استعمال اللفظ في مجازه أكثر وغلب عليه أكثر من غلبته على حقيقته فحينئذٍ يحمل عليه. وفي تفسير الطبري أنه اختلف جماعة من العرب وجماعة من الموالي في {لاَمَسْتُمُ} [(43) سورة النساء] فالموالي يقولون: الملامسة هي اللمس، وجمع من العرب قالوا: المراد به الجماع، فابن عباس حكم بينهم وقال: المراد به الجماع، وهذا تفسير من حبر الأمة وترجمان القرآن، دعي له بأن يعلم التأويل، فقوله أرجح من غيره. وعلى هذا يحمل اللمس والملامسة على القراءتين على أنه يراد به الجماع، ويؤيده أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل ولم يتوضأ. قال: "وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبلها ولم يتوضأ" وهذا أخرجه أبو داود والنسائي "وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعاً من عائشة" أو أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عائشة في حديث الباب، وإبراهيم التيمي أيضاً لم يسمع من عائشة في هذا الحديث فكلاهما مرسل أو منقطع إن شئت فقل، الإشكال أن موضع الانقطاع في طبقة واحدة، في من يروي عن عائشة، وإلا لو كان الراوي عن عائشة مبين في هذا الحديث قلنا: إن ما ضعف بسبب الانقطاع يمكن انجباره، لكنه مع ذلك في طبقة واحدة، يعني مداره على هذا المجهول، قال: "وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعاً من عائشة" قاله الدارقطني في سننه وغيره "وليس يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب شيء" أي في باب ترك الوضوء من القبلة. الخلاصة أن الحنفية قالوا: لا ينقض مطلقاً، وحملوا الملامسة في الآية على الجماع، واستدلوا بحديث الباب وما في معناه.

وأوجبه الجمهور بناءً على أن اللمس في الآية هو باليد، وضعفوا حديث الباب، واشترط الحنابلة والمالكية على ما ذكرنا أن يكون اللمس بشهوة ولم يشترط ذلك الشافعية. في بداية المجتهد لابن رشد وهو كتاب في فقه الخلاف متين، يعني يبين منشأ الخلاف عند أهل العلم، يستفيد منه طالب العلم على أوهام في نسبته المذاهب أحياناً، لكنه كتاب جيد في الجملة. يقول ابن رشد في بداية المجتهد: سبب اختلافهم في هذه المسألة اشتراك اللمس في كلام العرب، فإن العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد، ومرة تكني به عن الجماع، فذهب قوم إلى أن اللمس الموجب للطهارة في آية الوضوء هو الجماع في قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] وذهب آخرون إلى أنه اللمس باليد، ثم قال: وقد احتج من أوجب الوضوء من اللمس باليد بأن اللمس ينطلق حقيقة على اللمس باليد، وينطلق مجازاً على الجماع، وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز فالأولى أن يحمل على الحقيقة حتى يدل الدليل على المجاز؛ لأنه لا يعمل بالمجاز ... ، أو المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له لا يمكن أن يعمل به كالتأويل إلا لدليل يصرفه عن إرادة الأصل الذي هو الحقيقة، وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز فالأولى أن يحمل على الحقيقة حتى يدل الدليل على المجاز، ولأولئك أن يقولوا: إن المجاز إذا كثر استعماله كان أدل على المجاز منه على الحقيقة كالحال في اسم الغائط الذي هو أدل على الحدث الذي هو فيه مجاز منه على المطمئن من الأرض الذي هو فيه حقيقة. يقول: والذي أعتقده أن اللمس وإن كانت دلالته على المعنيين بالسواء أو قريباً من السواء أنه أظهر عندي في الجماع، وإن كان مجازاً لأن الله تعالى قد كنى بالمباشرة والمس عن الجماع، وهما في معنى اللمس {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [(49) سورة الأحزاب] نعم وهذا المراد به الجماع اتفاقاً، وعلى هذا التأويل في الآية يحتج بها في إجازة التيمم للجنب دون تقديم فيها ولا تأخير على ما سيأتي بعد، وترتفع المعارضة التي بين الآثار والآية على التأويل الآخر، يريد ابن رشد بالآثار هنا حديث عائشة في القبلة.

وأما من فهم من الآية اللمسين معاً فضعيف، فإن العرب إذا خاطبت بالاسم المشترك إنما تقصد به معنى واحداً من المعاني الذي يدل عليها الاسم، لا جميع المعاني التي يدل عليها وهذا بين بنفسه في كلامهم. يعني استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي الجمهور يمنعونه، يعني الجمهور وإن قالوا بالمجاز فإن الجمهور يمنعون استعمال اللفظ في الحقيقتين في آن واحد، نقول: الملامسة واللمس في الآية ينطلق على الجماع، وعلى المس باليد، نقول: استعمال اللفظ في معنييه هذا ممنوع عند جمهور أهل العلم، والشافعية يقولون به، يعني نظير ذلك لو صوت وقلت: يا محمد فالتفت اثنان، أنت في الأصل لما تكلمت بالكلام لا تريد إلا واحد؛ لأنك لو أردت الاثنين لقلت: يا محمدان، أنت تريد واحد التفت الاثنين، وأنت في الأصل لا تريد إلا واحد منهما فقلت: ما دام التفتوا نوجه الكلام إليهما، قلت لهما: عندنا اليوم مناسبة لا تتركوننا، عندنا وليمة عرس لا تتركوننا، وهو في الأصل ما يريد إلا واحد منهما الثاني ما خطر على باله يصح وإلا ما يصح؟ يعني إرادة شيئين الأول غير مقصود لذاته، وهل التنظير بهذا مطابق أو غير مطابق؟ يعني هل إذا نودي شخص أو قصد شيء واحد ثم دخل معه ما يشركه في الاسم هل يلزم من هذا أن يكونا مقصودين في آن واحد للمنادي؟ ما يلزم، وهنا لا يلزم أن يكون المقصود منه الحقيقة والمجاز، وهذا شامل لجميع الألفاظ المشتركة بين شيئين، يعني لو قيل: وجدت عيناً قال واحد من الحاضرين: امنحني من هذا الذهب الذي وجدته، وقال الآخر: اسقني من هذا الماء الذي وجدته؛ لأن العين تطلق على هذا وتطلق على هذا، هل يكون من مقصود المتكلم أنه يريد الأمرين معاً أو يريد واحد منهما؟ يريد واحد، وعلى هذا القول باستعمال اللفظ الواحد في معنييه ضعيف، والجمهور على خلافه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (21)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (21) شرح: باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف، وباب: ما جاء في الوضوء بالنبيذ، وباب: في المضمضة من اللبن، وباب: في كراهة رد السلام غير متوضئ، وباب: ما جاء في سؤر الكلب، وباب: ما جاء في سؤر الهرة. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: من ظننت أنه يستحق الزكاة ثم دفعتها وتبين أنه لا يستحق فهل أعيد؟ إذا دفعتها بعد أن تحريت التحري التام ثم تبين لك أنه لا يستحقها لا تعد، لكن إذا فرطت عليك الإعادة. يقول: في حديث مراجعة عمر لأبي بكر -رضي الله عنهما- في قتال مانعي الزكاة هل كانت المراجعة في قتال المرتدين أو قتال مانعي الزكاة؟ جواب أبي بكر في قوله: "لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" تدل على أن المجادلة كانت في مانعي الزكاة. يقول: هل يصح القول بأن عمر استدل بالعموم وأبا بكر استدل بالقياس على الصلاة مما يدل على أن العموم يخصص بالقياس؟ العموم عند أهل العلم يخصص بالقياس بدليل في قول الله -جل وعلا-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النور] وجاء في الإماء: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء] ثم قيس الذكر من العبيد على الأنثى من الإناث فخصص الإناث من عموم الجلد مائة جلدة بالنص، وخصص الذكور بالقياس، وهذا من أوضح الأدلة على ذلك أن العموم يخصص بالقياس. يقول: ما حكم الحفلات التي تقام لحفظة كتاب الله مع الأدلة؟ أنا ما أعرف دليل يدل على ذلك، لا أعلم دليلاً يدل على ذلك، لكن شيوخنا أهل الأثر يحضرون هذه الاحتفالات بدءاً من الشيخ ابن باز وغيره، كلهم يحضرونها، وإن كنت أنا لا أحضرها، لكن الشيوخ المظنون بهم أنهم لا يعملون إلا بدليل، لا سيما من أهل التحري منهم، مثل الشيخ ابن باز من أهل التحري في هذا الباب. يقول: ما معنى كلام ابن حجر في التقريب حين كلامه على الراوي حيث يقول: من الثالثة أو الخامسة هل المراد به الطبقة أو المرتبة؟ لا، مراده الطبقة، أما المرتبة فيبينها باللفظ، ثقة، صدوق، ضعيف، مجهول، يبينها باللفظ.

ما أحسن شروح سنن الترمذي؟ أحسنها على الإطلاق شرح ابن سيد الناس مع تكملة الحافظ العراقي. يقول: في باب الإيمان هناك مبحث مشهور وهو أن الإيمان يزيد وينقص؟ هذا هو الصحيح، وهو الذي تدل عليه الأدلة، وإن كان غالب الأدلة إنما هو في الزيادة، وأهل العلم على أن ما قبل الزيادة قبل النقص. وهو أن الإيمان يزيد وينقص، لكن كيف يجاب على من يقول: إن التصديق نفسه لا يزيد ولا ينقص، بل لو وصف بالزيادة والنقصان لكان قابلاً للشك؟ أولاً: أن الإيمان حقيقته في الأصل التصديق مع اليقين، وهذا اليقين له درجات، منه ما هو في أعلاه، ومنه ما هو في أدناه، ومن هنا قبل الزيادة والنقص، مع أن الإيمان في حقيقته الشرعية لا يطابق التصديق من كل وجه، نعم هو تصديق في الجملة لكن له إضافات كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان: أن الحقائق الشرعية لا تنافي الحقائق اللغوية لكنها تزيد عليها، ليس من لازم التصديق الاتباع التصديق المجرد ليس من لازمه الاتباع، لكن الإيمان من لازمه الاتباع، والعمل بمقتضاه، فلا شك أن الإيمان الشرعي إيمان لغوي وزيادة، والحقائق الشرعية إذا تأملناها نجدها تقر الحقائق اللغوية وتزيد عليها، فليس مطابقاً للتصديق من كل وجه، بل هو تصديق وزيادة، على أن التصديق نفسه يقبل الزيادة ويقبل النقصان، يعني إذا أخبرك من تثق بخبره أن زيداً قد حضر تصدقه، لكن لو أخبرك من هو أوثق منه، يكون تصديقك له أشد، ولو أخبرك من هو دونه ممن يقبل خبره لكان تصديقك أقل. هل ورد في السنن ذم البناء والعمارة؟ لا شك أن التطاول في البنيان من علامة آخر الزمان، التطاول في البنيان من أشراط الساعة كما جاء في الحديث الصحيح، ومع ذلك جاء أيضاً ما يدل على أن النفقات كلها مخلوفة إلا ما يوضع في التراب، فغاية ما يهتم به المسلم الذي يُعنى بما خلق من أجله أن يبني بيتاً يكنه ويكن من تحت يده من الحر والبرد، وما زاد على ذلك فهو سرف. من دخل مجلس فما الذي ينبغي له في المصافحة هل يبدأ بيمينه أم بيمين المجلس أم يبدأ بالأكبر والأقدر؟

نعم يبدأ بالأكبر سواءً كان سناً أو قدراً، ثم من عن يمينه هو، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الإناء يمين هذا الأكبر. يقول: ما رأيكم في شرح الموقضة للذهبي للشيخ عبد الله السعد؟ وهل تكفي في شرح الأصول؟ والله ما قرأت هذا الشرح، والشيخ -حفظه الله ووفقه- مظنة للتجويد، لكن مع ذلك لا يكفي عن كتب المصطلح. يقول: إذا أحب العبد مع الله غيره فهل يكون مشركاً؟ إذا أحب العبد مع الله غيره إذا كانت المحبة الشرعية التي من مقتضاها تقديم ما يهواه المحبوب على غيره فهذا شرك، وإن كانت المحبة الجبلية التي فطر الناس عليها فهذه لا تنافي محبة الله -جل وعلا- ومحبة رسوله. يقول: ما حكم التشجيع الكروي؟ وهل يصل إلى الشرك؟ إذا أدى إلى الموالاة والمعاداة فإن هذا شأنه خطير -نسأل الله العافية-. مع العلم أن غالب المشجعين يغضبون للنادي ما لا يغضبون لله؟ لا شك أن هذه مخالفة عظيمة، فعلى الإنسان أن يكون هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: بعض أهل العلم لا يرى النسخ لأمرين: النسخ لا يمكن إلا عند تعذر الجمع والجمع هنا ممكن؟ ما أدري ويش يعني حديث بسرة مع حديث طلق؟ طيب. أنه لا يمكن القول بالنسخ؛ لأن وفد طلق بن علي مع أبيه أول الهجرة وأبو هريرة روى حديث بسرة؛ لأن أبا هريرة قد يكون رواه عن غيره كما هو موجود كثير كما روى قصة دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمه أبي طالب عند الوفاة، أن الشيء إذا رتب على علة فلا يمكن أن يزول هذا الحكم إلا بزوال العلة، ولا يمكن أن يكون الذكر ليس بضعة منه فما الجواب؟

أولاً: من حيث الترجيح لا شك أن حديث بسرة أرجح، أرجح من حيث الإسناد، ومن حيث المتن، ومطابقته للقواعد العامة؛ لأنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق للأصل، فالذي يغلب على الظن أنه متقدم، وإذا عرفنا هذا الترجيح وأن حديث بسرة أرجح، والذي يغلب على الظن أن حديث طلق وإن قيل: إن أبا هريرة قد يروي حديث بسرة عن غيره ممن تقدم إسلامه لكن هذا خلاف الأصل، هو قد يروي، والصحابي قد يروي عن غيره من الصحابة ويكون من مراسيل الصحابة، لكن هذا خلاف الأصل، فالذي يظهر أن حديث طلق متقدم، أما القول بأن الحكم رتب على علة ولا يزول إلا بزوال العلة، نعم إذا كانت العلة طارئة، أما إذا كانت أصلية لا يمكن تزول هذه لا يرتب عليها، لا يمكن أن يقال بمثل هذا. ما حكم تغميض العينين في الصلاة إذا كان يؤدي إلى الخشوع؟ على كل حال قالوا: إن تغميض العينين من فعل اليهود، وفعله مشابهة لهم، لكن ابن القيم -رحمه الله- يقول: إذا كان الشخص لا يقصد مشابهة اليهود في هذا، وليس له وسيلة في الخشوع إلا هو فيرجى. ما حكم أخذ مكافئة ابني الذي يدرس في التحفيظ وأتصرف فيها كيف أشاء؟ أنت ومالك لأبيك ما لم يكن مضراً به، ما لم يكن الأخذ مضراً بالولد، وإلا فالأصل أن الذي يصرف له له. يقول: الآيات في القرآن التي حكاها الله -عز وجل- عن أشخاص هل نقول: إنها قوله أم هي قول الله؟ وهل يستدل بها على بلاغة قائله وتصديقه مع أنه قد يكون كافراً؟ ما يذكره الله -جل وعلا- على لسان بعض الكفار من الأمم السابقة لا شك أن أصل الفكرة منهم، وإلا فلغاتهم غير عربية، هم ليسوا من العرب، فنقل كلامهم بالعربية هو كلام الله -جل وعلا- في بلاغته وفصاحته، لكن محتواه وما يتضمنه من معنى هو قول من نسب إليه. يقول: ما الصحيح في حجية دليل سد الذريعة، هل هو دليل صحيح أم غير معتبر؟ لا، هو معتبر، معتبر سد الذرائع الموصلة إلى الحرام، الذرائع الموصلة إلى الحرام حرام، فلا بد من سدها، {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [(108) سورة الأنعام] فلما تسبب إلى سب الله -جل وعلا- حرم سب آلهتهم، وهذا من سد الذرائع.

يقول: بعض المعاصرين يقول: لا يمكن إبطال ما ثبتت إباحته في أصل الشرع بقاعدة لا دليل عليها؟ الأدلة عليها لا يمكن حصرها، النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصد جميع الأبواب الموصلة إلى الشرك، وما تحريم النظر إلى النساء من قبل الرجال أو العكس إلا لسد الذريعة الموصلة إلى الفاحشة. يقول: في حديث وفد عبد القيس لم يذكر في بعض رواته صوم رمضان؟ على كل حال إذا ثبت اللفظ في رواية من الروايات فاختصار الحديث عند أهل العلم جائز. يقول: ولم يذكر الحج مع أن قدوم الوفد كان عام الفتح فهل يدل هذا على أن الحج لم يفرض إلا في السنة التاسعة؟ هذا هو المرجح عند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أنه ما فرض إلا في السنة التاسعة، ورجحه ابن القيم. يقول: إذا قلتم بأن {لاَمَسْتُمُ} [(43) سورة النساء] تعني النكاح في الآية، فماذا نقول في الحديث الذي يقول فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لأن يضرب أحدكم بمخيط من حديد في رأسه خير من أن يمس امرأة لا تحل له))؟ المس على كل حال أصله باليد، ويكنى به عن الجماع، هذا ما يخالف فيه، لكن هل المرجح في مثل الآية {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] في قراءة حمزة والكسائي: "لمستم" وهذا يرجح قول من يقول: إن المراد به الناقض اللمس فقط باليد، وهذا هو حقيقة اللفظ، وأما الملامسة بمعنى الجماع فمن لازم الجماع الملامسة، من لازمه الملامسة، لكن لا يعني أن المس لا يطلق أو الملامسة لا تطلق على الجماع أو العكس، لكن يأتي هذا وهذا والسياق هو الذي يحدد المراد. يقول: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هل المقصود جد عمرو بن شعيب أو جد أبيه؟

باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف:

هذا الاختلاف في عود الضمائر في أبيه وجده هو الذي أوجد خلاف في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فمن قال: عن أبيه شعيب عن جده محمد جد عمرو محمد، قال: لا يحتج بهذه السلسلة؛ لأن الخبر يكون مرسلاً، محمد ليس بصحابي تابعي، ومن قال: إن جده يعود إلى الأب الذي هو شعيب فيكون جد عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون حينئذٍ الخبر متصلاً إن ثبت سماع شعب من جده عبد الله بن عمرو، على كل حال المسألة مختلف فيها، والذي يراه أهل التحقيق وأهل الإنصاف والاعتدال من أهل العلم أن السند قابل للتحسين إذا صح إلى عمرو، فإذا صح السند إلى عمرو فالخبر لا ينزل عن درجة الحسن. يقول: ما صحة قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، أدبار صلاتي المغرب والفجر؟ صحيح. وكذلك سورة الإخلاص أدبار الصلوات؟ هي جاءت سورة الإخلاص مع آية الكرسي، وأما المعوذتان فلا إشكال فيهما، لكن سورة الإخلاص أقل مما جاء في المعوذتين. يقول: بعض الأئمة تكون أصواتهم بالتكبير بالصلاة لها نغمات معينة؟ يعني يختلف أدائهم بالتكبير تكبير الركوع، تكبير السجود، تكبير الجلوس، تكبير القيام. يقول: بحيث لو كان المأموم مغمض العينين لعرف أنه يركع أو يسجد أو أنه في التشهد الأخير؟ لا شك أن هذا مما يعين المأموم على ضبط صلاته، لا سيما إذا كان لا يرى الإمام، وإذا كان القصد إعانة المأموم والمأموم كما يقال: إذا كان سبب المنع أننا نعينه على الغفلة هو غافل غافل، الغافل غافل لا نعينه ولا نزيده، على كل حال هذه من الأمور المتروكة التي لم يرد فيها صفة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكيفما أديت صحت. سم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- وغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين: باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف:

حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر وإسحاق بن منصور قال أبو عبيدة: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه. قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة، قال أبو عيسى: وابن أبي طلحة أصح، قال أبوعيسى: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء وهو قول مالك والشافعي، وقد جود حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب، وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان وإنما هو معدان بن أبي طلحة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف" القيء: ما يخرج من المعدة عن طريق الفم، والرعاف الدم الذي يخرج من طريق الأنف، الخارج النجس من البدن لا يخلو إما أن يكون من المخرجين السبيلين فهذا ينقض الوضوء بالاتفاق، قليه وكثيره، أو من غيرهما، فإن كان نجساً محكوم بنجاسته فلا يخلو إما أن يكون فاحشاً، فهذا ينقض عند جمع من أهل العلم، وعليه يدل ما في الباب، وإن كان يسيراً فلا عند الجميع.

يقول -رحمه الله تعالى- قال: "حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر وهو أحمد بن عبد الله الهمداني الكوفي" يقول عنه ابن حجر: صدوق يهم "وإسحاق بن منصور" الكوسج، ثقة ثبت "قال أبو عبيدة -بن أبي السفر-: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا" الترمذي ميز بين صيغ الأداء، فبين أن صيغة شيخه أبو عبيدة: حدثنا، وصيغة رواية إسحاق عن شيخه عبد الصمد: أخبرنا، وهذا جارٍ على الاصطلاح الذي استقر عليه الأمر بين التفريق بين الصيغتين، الأصل أن التحديث والإخبار بمعنىً واحد {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] فالتحديث والإخبار معناهما واحد، وإن كان الإخبار أوسع من التحديث بدليل أن من قال لعبيده: من أخبرني بكذا فهو حر، أنه يعتق إذا أخبره بأي طريق يفهم الإخبار، سواءً كان بالمشافهة أو بالكتابة أو بالإشارة المفهمة، لكن لو قال: من حدثني بكذا فهو حر، فإنه لا يعتق حتى يشافهه بالخبر، حتى يشافهه بالخبر، فهذا التعميم والتخصيص، العموم والخصوص بين اللفظين لم يلتفت إليه كثير من أهل العلم وعلى رأسهم الإمام البخاري، فسواءٌ قال الراوي: حدثنا أو قال: أخبرنا لا فرق، بينما الاصطلاح استقر على التفريق بينهما، وهو الذي يعتني به ويهتم به الإمام مسلم، والترمذي كما هنا، والإمام أحمد في مسنده قبلهما، وأبو داود والأكثر من علماء الحديث في المشرق، كلهم أو جلهم يفرقون، جلهم يفرقون بين التحديث والأخبار، ولذا احتاج الترمذي أن يقول: قال أبو عبيدة حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا، ولا شك أن هذا من دقته وتحريه، حينما استقر الاصطلاح على ذلك ينبغي متابعة الاصطلاح في هذا، فمتى يقول المحدث حدثنا ومتى يقول أخبرنا؟ يقول: حدثنا إذا روى الحديث بطريق السماع من لفظ الشيخ، إذا سمع من لفظ الشيخ قال: حدثنا، وإذا قرأ على الشيخ أو قرئ بحضرته على الشيخ قال: أخبرنا.

يقول: "قال أبو عبيدة: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث" وهذا صدوق "قال: حدثني أبي" عبد الوارث بن سعيد ثقة "عن حسين المعلم" وقد يقال: المكتب، ومعناهما واحد، المكتب الذي يعلم الناس في الكتاب، يعلمهم القراءة والكتابة، حسين بن ذكوان المعلم ثقة، المعلم والمكتب، كان الناس يتعلمون في الكتاب، وأدرك هذا الكتاب حتى بعض من حضر أدرك الكتاب، ويوجد من يعلم الناس الحروف بالألواح أو بالأوراق، ويعلمهم الكتابة ومبادئ القراءة وقصار السور، هذا يقال له: معلم أو مكتب، المقصود به أنه صاحب كُتاب، وصاحب الكُتاب هو معلم صبيان، أجره عند الله عظيم، وهو في زمرة المعلمين؛ لأن التعليم لا يختص بالكبار، بل الرباني عند جمع من أهل العلم يقولون: من يعلم صغار العلم قبل كباره، وبعض الناس يأنف من هذه المهنة، لا سيما وقد سطر في كتب الأدب الذم لهؤلاء الذين يعلمون الصبيان، وقالوا: إنهم لا يلبثون إذا اقتصروا على ذلك أن عقولهم تنزل على مستوى الصغار، ويألفون ذلك، فتضعف عقولهم، لكنها مهنة لا بد من القيام بها، ولا يعني هذا أن الإنسان إذا بدأ يعلم الصغار أنه لا يجالس الكبار، ولا يتعلم مع الكبار، ولا يكمل دراسته مع الكبار، لا، نعم إذا اقتصر على الصغار وصار معهم ليله ونهاره، وكتب الأدب فيها التندر بهم كثير، حتى المتأخرين منهم، يعني كتب الأدب القديمة هذا كثير حدث ولا حرج، يعني معلم الصبيان عندهم صفة ذم.

أحمد أمين في فيض الخاطر ذكر عن نفسه أنه لما دخل الكتاب وجد في مصر يسمون المعلم هذا الفقيه، وقد يحذفون الهاء، المقصود أن الفقيه عندهم هذا من طول ممارسة هذه المهنة ومعاملة الصبيان يحتاج إلى طرق في التعامل معهم قد لا تكون مناسبة، والأديب هذا أحمد أمين أسفّ كثيراً في وصف هذا الكُتاب وهذا المكتب هذا المعلم في فيض الخاطر، وقال: إن عنده عصا طويلة للبعيد، وعصا قصيرة للقريب، ويحذف العصا أحياناً فتصيبه في مقتل، وذكر من عدم النظافة الشيء الذي تتقزز منه النفوس، يعني فيما يُشرب في المكتب في محل الدرس، وفيما يجلس عليه، وفيما يأكل من أرغفة سوداء، وأخذ يذم ذماً بالغاً، يقول: ثم جاء الولد فلما بلغ سن التمييز، قبل ذلك قبل التمييز يعني قبل خمس أدخلته الروضة ذهبت به إلى الروضة فاستقبلتنا آنسة في فناء مزروع مظلل، ما أدري، أخذ يمدح مدح لا نظير له، في مقابل ذم الكُتاب عنده، وهو رجل بليغ يعني أديب كبير يعني إذا أراد أن يذم استطاع يعني بقوة، وإذا أراد أن يمدح رفع شأن الممدوح وإن كان الأصل أن هذا لله -جل وعلا-، يعني هو يذم ويبالغ ويمدح ويبالغ، لكن الذي يضر ذمه ومدحه هو الله -جل وعلا-، في النهاية ختم كلامه بعد أن ذم الكُتاب ذماً بليغاً ومدح الروضة التي استقبلته فيها الآنسة والمكان المزروع والمكيف، أخذ يمدح مدح شيء، ولا يقبل الطالب لو يكح أو يعطس لا يقبل من الغد إلا بتقرير طبي، يقول: نحن في الكُتاب إلى الكتف ندخل اليد في الزير لنتناول الكأس لنشرب به، إلى الكتف، يقول، إلى الإبط، ندخل اليد في الزير، كل هذا من أجل ذم هذا ومدح هذا، يقول: وفي النهاية -شوف النتيجة- وفي النهاية حفظت القرآن ولم يحفظ ولدي شيئاً، يعني حفظ القرآن في الكُتاب وولده ما استفاد شيء، لكن الأسلوب الذي ذم به الكُتاب وهو يريد أني يتوصل إلى هذه النتيجة هذا الكلام ليس بصحيح، يعني إذا أراد الإنسان أن يقرر نتيجة طيبة لا بد أن يمهد لها بكلام طيب، وأن هذا يعني يمكن تصحيحه، ويمكن يغتفر في مقابل أن الإنسان يحفظ القرآن؛ لأن هذا أمر عظيم، لكن ماذا عن الذين استقبلوا بالورود وفرشت لهم الأراضي بالزروع؟ وما أدري إيش؟ ما حفظ، يقول: ولا سورة واحدة،

فحقيقة أنا ما استطعت تأويل ذمه الشديد لهذا الكُتاب وفي النهاية فحظ القرآن، ومدحه الشديد للروضة، روضة الأطفال وفي النهاية لا شيء، يعني الأصل أنه إن كان يهمه حفظ القرآن كان يهمه حفظ القرآن، إن كان بالفعل يعنى بحفظ القرآن يقدم بمقدمات تجعل السامع يقدم على هذا الأمر، ما يصرف الناس عن هذا المكتب الذي في النهاية حفظ القرآن، ويمدح الروضة التي في النهاية لم يحفظ شيئاً. ينبغي أن تكون مقدمات مناسبة للنتائج، إذا كان هناك أخطاء يسعى في تصحيحها، إذا كان هناك ما يجلب الأمراض، وهناك أوساخ وكذا تصحح، لكن ليس بهذه الطريقة إلا إذا كان وهذا أستبعده يعني؛ لأنه وإن كان أديباً له عليه ملاحظات كثيرة، لكنه مدرس في مدرسة القضاء الشرعي، يعني إذا كان لا يهمه حفظ القرآن، يهمه النظافة، يهمه الترتيب يهمه كذا، فالمقال ماشي، يعني ماشي على ما يريد، وإن كان يهتم بحفظ القرآن فليست هذه الصياغة المناسبة لإغراء الناس بحفظ القرآن، وإلحاق أطفالهم بالكتاتيب التي تحفظ القرآن، هذه جاءت بمناسبة المكتب هذه.

"عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي" ابن أبي كثير ثقة، والأوزاعي إمام "عن يعيش بن الوليد المخزومي -وثقه النسائي- عن أبيه" الوليد بن هشام الأموي "عن معدان بن أبي طلحة" اليعمري شامي ثقة "عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاء فأفطر فتوضأ" قاء: يعني خرج من معدته ما خرج عن طريق الفم، "قاء فأفطر" الفاء هذه إن كانت سببية فالقيء مفطر، يعني أفطر بسبب القيء، فتوضأ إن كانت سببية كذلك توضأ بسبب القيء، وإن كانت تعقيبية يعني أنه حصل منه لما قاء أفطر، يعني أجهد بعد ذلك وتعب فاحتاج إلى أن يفطر فأفطر، وتلوث بدنه وثيابه فتوضأ، يعني وضوءاً لغوياً، ولذا اختلف في مفاد هذا الحديث، ومنهم من لا يثبت: "فتوضأ" من لا يثبتها، إنما يقول: قاء فأفطر، ولذلك أورده الترمذي في كتاب الصيام، يقول: قاء فأفطر، الفاء على القول الأول سببية، فدل على أن الفطر مرتب على القيء وبسببه، وكذلك الوضوء، ولكنها ليست نصاً صريحاً في أن القيء ناقض للوضوء؛ لاحتمال أن تكون الفاء للتعقيب من دون أن تكون سببية، ومنهم من يقول: إن "فتوضأ" ليست محفوظة في الحديث، إنما الحديث: "قاء فأفطر" لكن قول ثوبان: "صدقت" تصديقاً لأبي الدرداء: أنا صببت له وضوءه، تدل على أن الوضوء محفوظ، يعني سواءً جاء مع الإفطار أو دونه، فهو محفوظ بدليل أن ثوبان هو الذي صب الوضوء للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو الماء الذي يتوضأ فيه أو يتوضأ منه. قال معدان: "فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له" ذكرت له أن أبا الدرداء حدثني بذلك "فقال ثوبان: صدق أبو الدرداء، أنا صببت له -صلى الله عليه وسلم- وضوءه" أي الماء بفتح الواو الذي يتوضأ منه.

"قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة" رواية الباب ابن أبي طلحة، وإسحاق بن أبي منصور قال: معدان بن طلحة، الآن الحديث يرويه الإمام الترمذي عن طريق أبي عبيدة بن أبي السفر، وإسحاق بن منصور، الترمذي بين الفرق بين صيغتي الأداء قال أبو عبيدة: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا، ثم بعد ذلك أبو عبيدة قال: عن معدان بن أبي طلحة، وإسحاق بن منصور قال: معدان بن طلحة، لماذا لم يبين هذا وهو أهم من بيان صيغة الأداء لم يبينه في الإسناد؟ الآن الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- بين صيغة الأداء بالنسبة لأبي عبيدة فقال: حدثنا، وبالنسبة لإسحاق بن منصور الكوسج قال: أخبرنا، وأبو عبيدة بن أبي السفر قال: عن معدان بن أبي طلحة، وإسحاق بن منصور قال: معدان بن طلحة، فاهتم الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- لبيان الفرق بين صيغتي الأداء من قبل الشيخين ولم يبين الفرق بين معدان بن طلحة وابن أبي طلحة وهذا أهم، لماذا؟ يعني الاختلاف في الصحابي لا شك أن الاهتمام به أولى من الاهتمام بصيغة أداء الأثر فيها ضعيف؛ لأنه حتى لو قدر أن هذا تلقاه بصيغة السماع، وذاك تلقاه بصيغة العرض على الشيخ كلاهما مجمع على صحة الرواية به، ولذا الإمام البخاري لا يلتفت إلى هذه الأمور، بينما الخلاف في الراوي "قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة" بحذف أبي، ابن أبي طلحة، قال أبو عيسى: "وابن أبي طلحة أصح" طيب أبو عيسى ما الذي أثبته في الكتاب في أصل الكتاب؟ ابن أبي طلحة، وهو عنده أصح، وإذا كانت رواية إسحاق: معدان بن طلحة، إذاً اللفظ الثاني رواية أبي عبيدة الراوي الثاني، الذي رواه الترمذي، هذا الذي رجحه الترمذي يخالف ما رجحه يحيى بن معين، يقول الإمام يحيى بن معين: أهل الشام يقولون: ابن طلحة، وقتادة وهؤلاء يقولون: ابن أبي طلحة وأهل الشام أثبت فيه، وعلى كل حال هو متميز، سواءً قلنا: ابن طلحة أو ابن أبي طلحة، يعني لا يختلط بغيره ولا يلتبس بغيره، وسواءً قلنا: ابن طلحة وابن أبي طلحة الأثر العملي وثمرة الخلاف في هذا معدومة، ولهذا قال: هذا أصح، يحيى بن معين قال: ابن طلحة أصح، وأهل الشام أثبت فيه، وقد يختلف في اسم الراوي في اسمه، وقد

يختلف في كنيته فضلاً عن كونه يختلف في اسم أبيه أو في كنيته، ولا يؤثر مثل هذا الاختلاف إلا إذا وجد راوٍ آخر يلتبس به، فيذكر معدان بن طلحة، ويختلف فيه هل هو ابن طلحة ويلتبس بآخر اسمه: معدان بن طلحة أو ابن أبي طلحة، وفيه ضعف، حتى لو قدر أنهما ثقتان، عندنا اثنان: معدان بن طلحة، ومعدان ابن أبي طلحة كلاهما ثقة هذا لا يضر، كما لو قيل: سفيان، ولم ندر أيهما، هل هو الثوري أو ابن عيينة؟ كلاهما ثقة، أو حماد ولا ندري هل ابن سلمة أو ابن زيد كلاهما ثقة، لكن الإشكال حينما يشترك معه في الاسم ويلتبس معه في الاسم بحيث لا يستطاع تمييزه مع ضعيف، هذا المؤثر، مع أن معدان بن طلحة لا يشاركه في اسمه أحد، سواءً قلنا: ابن طلحة أو ابن أبي طلحة، فهذا الاختلاف غير مؤثر. "قال أبو عيسى: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق" استدلالاً بحديث الباب، وهو قول الزهري وعلقمة والأسود والشعبي وعروة والنخعي وقتادة والحكم وحماد والثوري والأوزاعي، جمع غفير من أهل العلم، "وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي" فعند مالك لا يتوضأ من رعاف ولا قيء ولا قيح، ولا يجب الوضوء إلا من حديث يخرج من قبل أو دبر أو نوم. قال البخاري في صحيحه: وقال الحسن: مازال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وصلى عمر -رضي الله عنه- وجرحه يثعب دماً، استدلوا بهذا، وبمثله، استدلوا بأنه ثبت عن جمع من الصحابة أن الواحد منهم يحرك أنفه فينزل منه الدم ولا يقطع صلاته، وقد يعصر البثرة فيخرج منها الدم، ولا يعيد صلاته ولا وضوءه لكن هذا محمول على القليل، لكن: "ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وصلى عمر وجرحه يثعب دماً" هذا دليل قوي لمن يقول بعدم النقض، لكن الإجابة عنه ممكنة: أن الجرح إذا لم يمكن إيقافه فيكون صاحبه بمنزلة من حدثه دائم، مثل المستحاضة، ومثل من به سلس، لا يستطيع إيقافه، فإذا كان لا يستطيع إيقافه يصلي على حسب حاله.

والذين لا يقولون بالنقض عرفنا أنهم يجيبون عن حديث الباب بأن الفاء ليست للسببية وإنما هي للتعقيب، وأيضاً قالوا: إن لفظ: "فتوضأ" ليس بمحفوظ؛ لأن الحديث روي بلفظ: "قاء فأفطر" لكن مثل ما ذكرنا سابقاً أن قول ثوبان: أنا صببت له وضوءه، يدل على أن اللفظة محفوظة، وكونه يقتصر على بعض الحديث لا يعني أن من زاده -وهي زيادة ثقة- أن من زاده لا تثبت به الزيادة، فالزيادة من الثقة مقبولة، وكون الترمذي يورده في كتاب الصيام لما يناسبه من قوله: قاء فأفطر.

البخاري -رحمه الله تعالى- ذكر عن أبي هريرة وغيره قاعدة في الصيام وفي النقض، نقض الوضوء قال: الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء مما خرج لا مما دخل، الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء مما خرج لا مما دخل، لكن مثل هذا الكلام لا يوافق عليه طرداً ولا عكساً، فبالنسبة للصيام الحجامة إخراج وليست إدخال وهي مفطرة عند جمع من أهل العلم، وبالنسبة للطهارة أكل لحم الإبل إدخال وليس بإخراج وهو ناقض على القول الصحيح، إذا عرفنا هذا فالقول بنقض الوضوء والفطر بالقيء والرعاف ونحوه، أما بالنسبة للرعاف فلا شك أنه يفضي إلى ضعف البدن، كالحجامة، ثم بعد ذلك قد يحتاج الصائم إلى أن يفطر، وكونه يفطر، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) مع أنه جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه احتجم وهو صائم، وفي رواية: "صائم محرم" على كل حال المسألة خلافية، ونقض الوضوء والصيام بهذه الأمور إنما هو احتياط؛ لأن النصوص محتملة، يعني كونه قاء فأفطر، هذه حكاية خبر، حكاية خبر، نعم إن كان الصيام صيام رمضان فلا يمكن أن يفطر إلا إذا كان القيء مفطراً، وإن كان في صيام تطوع فالقيء والرعاف يضعفانه، فيحتاج إلى شيء من الأكل؛ ليعوض كالحجامة مثلاً، لا شك أن هذا لا يدل على أنهما مفطران، وعلى كل حال الذي يترجح عندي أن الفطر والوضوء إنما هو احتياط للاحتمال المذكور في الفاء هل هي سببية أو تعقيبية؟ إن قلنا: إنها سببية قلنا: أفطر بسبب القيء، بسبب الرعاف، توضأ بسبب القيء، على أن أهل العلم عندنا الحديث: "قاء فأفطر" يستدلون بحديث: ((من ذرعه القيء)) ذرعه القيء: يعني قاء من غير قصد ولا اختيار، فإنه لا يفطر، بينما من استقاء يعني من طلب القيء وتسبب له فإنه يفطر، وفي الحديث: "قاء فأفطر"، هل يعني هذا أنه تسبب له أو ذرعه القيء؟ هل هذا ذرعه القيء أو استقاء؟ الحديث ما فيه ما يدل على هذا، وإذا قلنا: إنه استقاء فلن يكون هذا في رمضان، لن يطلب ما يبطل صيام الفرض، ونعود إلى أن المتطوع أمير نفسه، ولو لم يلزمه الفطر إنما أفطر لحاجته إلى الفطر، وما دام النص بهذه المثابة من الاحتمالات فيكون الفطر احتياط، وقضاء مثل هذا اليوم احتياط، وكذلك إعادة

باب: ما جاء في الوضوء بالنبيذ:

الوضوء بسبب القيء أو الرعاف إنما هو من باب الاحتياط، قال: "وقد جود حسين المعلم هذا الحديث" جوده هل نقول: إنه صححه وقال: بأنه حديث جيد؟ أو نقول: بأنه ضبطه وأتقنه؟ هذا الذي يظهر، أنه جوده يعني ضبطه وأتقنه "وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب" يقول ابن منده: هو صحيح متصل. "وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان وإنما هو معدان بن أبي طلحة". يعني أخطأ في موضعين، أسقط الأوزاعي وقال: عن خالد بن معدان، وإنما هو معدان بن أبي طلحة، فيحيى بن أبي كثير حفظ عليه هذا الخطأ، وإن كان ثقة في الأصل، ومن يعرى من الخطأ والنسيان كما قال الإمام أحمد. سم. عفا الله عنك يا شيخ في القيء في الوضوء هل يقال: إنه إذا استقاء عمداً كالصيام؟ بمعنى أنه إذا ذرعه ... إذا استقاء، يعني مفهوم حديث: ((من ذرعه القيء)) أنه إذا تطلب القيء واستدعاه فإنه يفطر. عفا الله عنك. في نقض الوضوء إذا ذرعه القيء في حال وضوءه، هل يقال: إنه ينقض أو لا بد أن يتذرع هو بذلك يستقيء؟ يعني يطلب يستدعي القيء، يستقيء، على كل حال المسألة في البابين في الوضوء وفي الصيام إنما هو احتياط، نعم. طالب:. . . . . . . . . نعم، الإجماع نقل على هذا، نقل على هذا، نقل على هذا، وإن كانت الأدلة لا تنهض للاستدلال على نجاسته، لا تنهض الأدلة على ... ، كما نقل الإجماع على نجاسة الخمر، مع أن الأدلة لا تنهض، وقد يكون الإجماع استند على أدلة لم نطلع عليها، فإذا وجد الإجماع الإجماع الملزم غير المخروق والمخروم الذي يوجد من يخالف؛ لأن دعاوى الإجماع كثيرة، دعاوى الإجماع ممن يعتني به كثيرة ويوجد مخالف، هذا غير ملزمة، لكن الكلام في الإجماع الذي لم يخرق، يعني ما يوجد مخالف البتة، فهذا نقول: يجب العمل بمقتضاه ولو لم نقف على دليله، نعم. عفا الله عنك. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الوضوء بالنبيذ:

حدثنا هناد قال: حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألني النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما في إداوتك؟ )) فقلت: نبيذ، فقال: ((تمرة طيبة، وماء طهور)) قال: فتوضأ منه. قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث، لا تعرف له رواية غير هذا الحديث، وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان الثوري وغيره. وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال إسحاق: إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي. قال أبو عيسى: وقول من يقول: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء]. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء بالنبيذ"

النبيذ: ما يعمل من الأشربة من التمر أو الزبيب أو العسل أو الحنطة أو الشعير كله نبيذ، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- ينبذ له، ينبذ له: يعني يلقى ويطرح التمرات أو الحبات من العنب في الماء ليكون طعمه حلواً ليلة واحدة يتخمر فيه شيء يؤثر في الطعم، ولا يؤثر في الإسكار، والفرق بين مذهب الجمهور ومذهب الحنفية في مسألة شرب النبيذ أن الجمهور يقولون: إذا كان لليلة واحدة فلا مانع من شربه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان ينبذ له، والحنفية يقولون: يشرب ما لم يغلب على الظن أنه يسكر، يعني لو كان ثلاث ليال، لو تغير واشتد وقذف بالزبد، ما لم يغلب على الظن أنه يسكر فيشرب من أي نوع كان إلا العنب، فإنهم لا يرون إلا من العنب فقط، ولا يطلقون الخمر إلا ما تخمر عن العنب، مع أن الجمهور يقولون: الخمر ما خامر العقل من أي مادة كان، وهذا هو الصحيح؛ لأنه نزل تحريم الخمر وما بالمدينة إلا التمر، لم يكن فيها عنب، فدل على أن الخمر المأخوذ من التمر خمر حقيقة شرعية ولغوية وعرفية، والحنفية يخصونه بالعنب، فيقولون: هذا النبيذ الذي يلقى فيه شيء من التمر أو غيره مما يمكن أن يتخمر ويسكر فيما بعد، إذا لم يغلب على الظن أنه يسكر ولو اشتد وقذف بالزبد فإنه يشرب، ولا شك أن قول الجمهور هو الحق الموافق للأدلة والنصوص، وقول الحنفية يجعل الإنسان على خطر لا يهاب الخمر؛ لأنه قد يغلب على ظنه أنه لا يسكر ثم يسكر، وشنع الأئمة على الحنفية في شربهم للنبيذ وإباحة شرب النبيذ، ويتفرع على هذا أن النبيذ إذا أثر فيه ما وضع فيه فقد سلبه اسم الماء لا يسمى ماء، والله -جل وعلا- كما أشار المؤلف قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] فعلق جواز التيمم على عدم الماء، وهذا ليس بماء، إذا تغير الماء ولو بطاهر انتقل عن كونه ماء، والإضافة مؤثرة يعني تقول: ماء التمر، ماء الورد، إلى غير ذلك إذا أضيف إلى غيره تأثر، فلا يسمى ماء مطلق وحينئذٍ لا يتوضأ به، الحنفية قالوا: يتوضأ به ولو أضيف؛ لأن الإضافة غير مؤثرة عندهم، يعني مثل إضافة ماء الورد وماء الحناء وماء التمر وماء كذا، كل ما أضيف لا تؤثر فيه الإضافة، كما أنها لا تؤثر

في قولنا: ماء النهر، ماء البئر، ما البحر، إضافة غير مؤثرة، لكن فرق بين إضافة إلى ظرف لا يتأثر به الماء، وبين الإضافة إلى أمر يمازج الماء ويخالطه ويتأثر به، يريدون أن ماء الورد الذي اختلط بالورد وأثر فيه مثل ماء القارورة هذه، هذه إضافة وهذه إضافة ما تؤثر. طيب ماذا عن ماء الرجل وماء المرأة مؤثرة وإلا ما هي مؤثرة؟ إذا قيل: ماء الرجل هو مثل ماء البئر وإلا مثل ماء البحر وإلا، هل يمكن أن يقول الحنفية بمثل هذا؟ يعني الإضافة أثرت وإلا ما أثرت؟ أثرت قطعاً، الحنفية يتوضئون بالنبيذ وعمدتهم هذا الحديث المجمع على ضعفه، مجمع على ضعفه، ومخالف لقواعد الحنفية في كونه يتضمن زيادة على النص، يعني على ما جاء في كتاب الله، والزيادة على النص عندهم نسخ، والنسخ لا يثبت إلا بقطعي، فلا يثبت بالحديث الآحاد ولو صح –النسخ- عندهم، فكيف يثبت بحديث أجمع العلماء على ضعفه؟ اتفق الأئمة على ضعف حديث الباب فكيف؟ لكنه التعصب للمذهب.

محمود بن سبكتوكين هذا حاكم في المشرق ومعروف بالعلم ومحبته لأهل العلم وإجلاله لأهل العلم، أشار عليه من أشار أن يتحول من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة فقال بعض أئمة الشافعية: نريد أن نصلي بين يديك على مذهب الشافعي وعلى مذهب أبي حنيفة ثم اختر، الصلاة عمود الإسلام، عمود الدين، فتوضأ وضوءاً كاملاً وأدى الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها بخشوعها على مذهب الشافعي -رحمه الله- ثم هذا الشافعي صلى على مذهب أبي حنيفة فتوضأ بنبيذ والجو حار فاجتمعت عليه الذبان، حلو، وجاء بجلد ميتة وجعل ما يلي اللحم هو الظاهر والباطن هو الشعر فتكاثرت عليه الحشرات، جلد ميتة مدبوغ أو على كل حال هذا مما يختلف فيه الحنفية عن الشافعية؛ لأن الشافعية يقولون: يصلى عليه ولا يصلى به كالحنابلة ولذلك يقولون: صلى به، هذا الفرق بينهم، ثم صلى ركعتين نقرهما؛ لأن الحنفية عندهم الطمأنينة ليست بركن، ثم بعد ذلك لما انتهى من تشهده وقبل السلام أحدث، فالتفت محمود بن سبكتوكين إلى الشيخ الحنفي قال: إيش رأيك في الصلاة صحيحة عندكم وإلا ما هي بصحيحة؟ قال: والله هذه المسائل مصححة عندنا، لكن ما يمكن أن يقال: مجتمعة هكذا الصلاة صحيحة، لكن الوضوء بالنبيذ صحيح، وإذا أحدث قبل السلام صلاته صحيحة، وإذا يعني اجتمعت كل المساوئ في هذه الصلاة فعدل عن رأيه، يقول: هذا المذهب الذي هذا عمود الإسلام وركن الإسلام الأعظم يؤدى على هذا الكيفية ما لازم مذهب، خلونا على مذهب الشافعي، كيف نتقرب إلى الله بمثل هذه العبادة؟ صاحب دائرة معارف القرن العشرين ذكر هذه القصة وأخذ يفند ما جاء فيها، لم ينكرها هو، ما أنكرها، وإنما قال: هب أن المسلم توضأ بالنبيذ والنبيذ فيه كحول، والكحول معقم، مطهر، يعني هو أولى بالوضوء من الماء، يعني عكس القضية، فجعل هذه محاسن بعد أن كانت مساوئ، لكن العبرة بالاتباع، العبرة بقال الله وقال رسوله، سواءً كانت أعظم في التنظيف، عاد إلا نبي واحد يتوضأ بكلوركس بعد كان يمكن أنظف منه بعد، نعم. طالب:. . . . . . . . .

لا، ليس المرد إلى الرأي ولا إلى العقل، الدين قال الله وقال رسوله، والاتباع هو الأصل بل هو شرط لقبول العبادة، ومعول الحنفية في الوضوء بالنبيذ على هذا الحديث. قال: "حدثنا هناد" يعني ابن السري، وهو ثقة "قال: حدثنا شريك" بن عبد الله النخعي القاضي، صدوق، له أخطاء وأوهام "عن أبي فزارة" راشد بن كيسان "عن أبي زيد" مجهول لا يدرى من هو، ولا من أبوه، وما بلده "عن عبد الله بن مسعود قال: سألني النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما في إداوتك؟ )) يعني الإناء الذي يحمله فيه الماء ((ما في إداوتك؟ )) فقلت: نبيذ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((تمرة طيبة، وماء طهور)) أي النبيذ ما هو في الحقيقة إلا تمرة وهي طيبة، وما هو أيضاً إلا ماء، وهو طهور فليس فيها ما يمنع التوضؤ، يعني لو صح الخبر حمل على هذا " ((تمرة طيبة، وماء طهور)) قال: فتوضأ منه". "قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي -عليه الصلاة والسلام-" ورواه أيضاً أبو داود وابن ماجه "وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث، لا يعرف له رواية غير هذا الحديث". يقول ابن حبان: أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود لا يدرى من هو ولا أبوه ولا بلده، ومن كان بهذا النعت ثم لم يروِ إلا خبراً واحداً خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه. قال: "وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان الثوري وغيره" ومنهم أيضاً: أبو حنيفة -رحمه الله- في المشهور عنه، وأنه يتوضأ من النبيذ ولا يتمم بعده، وعند الحنفية أنه يتمم ولا يتوضأ، وهذا قول أبي يوسف، ومنهم من قال: يجمع بينهما وهو محمد بن الحسن، توضأ من النبيذ ويتيمم، هذا ذكره الجصاص في أحكام القرآن، ذكر الروايات الثلاثة. "وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" بل هو قول جماهير العلماء، "وقال إسحاق: إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي" يعني كأنه جعل وجوده مثل عدمه.

باب: في المضمضة من اللبن:

مثل ما قال بعض القضاة جيء له بشخص من الأعيان فهاب أن يقول: لا أقبل شهادته؛ لأنه كذا وكذا، قال: فلان ونِعِم، لكن نبي معه شاهدين، هذا يبي يتوضأ منه ويتيمم، ما له داعي مثل هذا، ما دام الماء متغير وسلب الاسم المطلق، مطلق الماء فلا يتمم به، ولا يلتفت إليه، مثل العصير الآن الذي يباع في الأسواق، لو واحد توضأ به، على مقتضى قول الحنفية ما في إشكال يتوضأ به؛ لأنه في حكم النبيذ "إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي". "قال أبو عيسى: وقول من يقول لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] والنبيذ ليس بماء، يقول ابن حجر: هذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه. ومثله عند الملأ علي قاري في المرقاة، ومما يضعفه قول ابن مسعود؛ لأن هذا الحديث في بعض رواياته ما يدل على أنه حصل في ليلة ذهاب النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الجن، وابن مسعود صرح بسند يثبت عنه أنه لم يكن ليلة الجن مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتمنى أن لو كان معه. بعض من تكلم على الحديث قال: كان أبو زيد نباذاً بالكوفة "عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود" أبو زيد هذا نباذ، يعني يصنع النبيذ، وفي عارضة الأحوذي لابن العربي يقال: إن أبا فزارة كان نباذاً بالكوفة، لكن أبو فزارة قد لا يليق به مثل هذا، أما بالنسبة لأبي زيد فمجهول لا يدرى من هو ولا من أبوه ولا بلده، يمكن أن يكون نباذ، وإذا جاء الخبر عن مثل هذا فيما يستفيد منه يعني أهل الأطعمة كثر وضعهم للحديث، الهراس قال: "عليكم بالهريسة فإنها تشد الظهر" وصاحب العدس يقول: "عليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبياً" وأبو فزارة نباذ قال: "تمرة طيبة، وماء طهور" فهؤلاء يبثون هذه الدعايات لتجاراتهم مع ضعفهم في الأصل، فلا يقبل قولهم، وإذا كان المبتدع الذي تدين بالبدعة لا تقبل روايته فيما يؤيد بدعته فمثل هذا الفاسق المجهول لا تقبل روايته من باب أولى. سم. عفا الله عنك. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: في المضمضة من اللبن:

حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرب لبناً فدعا بماء فمضمض، وقال: ((إن له دسماً)). قال: وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وأم سلمة. قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، وقد رأى بعض أهل العلم المضمضة من اللبن، وهذا عندنا على الاستحباب، ولم يرَ بعضهم المضمضة من اللبن. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: في المضمضة من اللبن" وجاء: ((توضئوا من اللبن، إن له دسماً)) ويحمل على هذا أنه تمضمض، اقتصر على المضمضة، والمضمضة لا شك أنها وضوء لغة، يعني غسل، غسل للفم، وضوء لغوي. قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن عقيل" هو ابن خالد "عن الزهري" الإمام محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري "عن عبيد الله بن عبد الله -بن عتبة- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب لبناً فدعا بماء فمضمض" في بعض النسخ: "تمضمض", "وقال: ((إن له دسماً)) الدسم: هو الدهن والودك، وهذه علة المضمضة مما يدل على استحباب المضمضة من كل شيء يبقى أثره وغسله من البدن والثوب لا سيما إذا كان مما ينبعث له رائحة. "قال: وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وأم سلمة". "قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح" أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي "قال: وقد رأى بعض أهل العلم المضمضة من اللبن، وهذا عندنا على الاستحباب، ولم يرَ بعضهم المضمضة من اللبن" ولا شك أن هذا من باب النظافة؛ لأن ترك هذه الأمور سواءً كانت في الفم أو في اليد أو في شيء من البدن، هذه الدهونات التي تبقى لا شك أنها إذا تراكمت انبعث منها روائح كريهة، تؤذي الجليس، تؤذي المصلي، تؤذي الملائكة. يقول ابن العربي في العارضة: النظافة محبوبة شرعاً، محثوث عليها ديناً، فلذلك استحبها العلماء، ولم يوجبوها، إلا ما ورد من إيجاب الغسل والوضوء ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) فهو داخل في حيز النظافة، أما ما عدا ذلك فهو على الاستحباب.

يقول: ولم يوجبوها، إلا أن تكون غالبة من صناعة أو ملازمة شعث، يعني مهنة تجعل الإنسان ملازم للوسخ والقذر فإن هذا لا ينبغي أن يغشى بيوت الله ويؤذي المصلين، ويؤذي الملائكة بروائحه، ويتسبب في تقذير المسجد والمصلين، لأن بعض الناس يحضر بثياب فيها أوساخ، يأنف المصلي أن يصلي بجانبه، وإذا سجد على الفرش لوثه، فمثل هذا لا يجوز له ذلك، لا يجوز له أن يغشى المسجد بهذه الثياب التي تؤذي المصلين، وتلوث المسجد، وبعض المساجد يوضع فيها سجاجيد صغيرة بقدر المصلي من أجل أن يصلي عليها العمال، لكن هذا يتلافى فيه تقذير المسجد، لكن ماذا عن المجاور؛ لأن النفس تأنف، يعني من الرواة من ترك الصلاة مع الجماعة، لماذا؟ قال: والله يصلي جنبي حمال وزبال وكذا وكذا، هذا لا يجوز له أن يترك صلاة الجماعة بسبب هذا، لكن الأذى لا بد من رفعه، أما أن تترك الجماعة بسبب هذا يقول: والله بجنبي حمال وإلا زبال .... الآن في يوجد من يصلي مع الناس وقد يتعذر ويترك الصلاة بهذا العذر هؤلاء أصحاب الصرف الصحي، أهل الوايتات الذين يسحبون البيارات -أكرم الله الجميع- هؤلاء يصل إلى ثيابهم وأيديهم وأبدانهم، ويقولون: لا نستطيع التغيير إلا أن نذهب إلى البيت، وتجدهم يزاولون هذه المهن والناس يصلون بحجة أنه لا يستطيع أن يصلي، فلا معنى لإيقاف العمل وقت الصلاة، إذا كان لا يستطيع أن يصلي وهو يريد أن يؤدي الصلاة في أقرب وقت يقول: يكمل ويمشي ويروح يغير ويصلي، لكن مثل هذا لا بد من إيقافه وقت الصلاة، ولا بد من إلزامه أن يتهيأ للصلاة قبل أن تقام، وإلا فتكون فوضى على هذا، كل من تعذر بشيء أو تذرع بشيء لا يؤمر ولا ينهى ثم يضيع الأمر، بل نجدهم بكثرة، يعني يمكن في هذا البلد قلة، لكن في الرياض ما تمر على شارع إلا وايت يسحب ووايت ما أدري إيش؟ ويتذرعون بملابسهم، وأنا لا نستطيع أن نصلي في المسجد الملابس نجسة، يا أخي ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يجب عليك أن تتوقف قبل الصلاة وتتهيأ للصلاة بوقت كافي.

باب: في كراهة رد السلام غير متوضئ:

يقول: إلا أن تكون غالبة من صناعة أو ملازمة شعث فتكره، فتكون إزالتها واجبة، والخروج عن الجماعة لأجلها فرض كالثوم والبصل يأكلهما المرء وكل ما يضر بالجليس فيمنع من الجماعات المشروعة، والمساجد المطيبة؛ لئلا تتأذى الملائكة وعَمَرَة بيوت الله وجلساء المسلمين، ولأجل عظيم كراهية النبي -صلى الله عليه وسلم- للرائحة الخبيثة قال له أزواجه في حال الغيرة من شرب العسل عند زينب: أكلت مغافير، وهو نبت كريه الرائحة، فقال: ((بل شربت عسلاً)) فقلن له: جرست نحله العرفط، يعني أخذت وأكلت النحل هذه التي خرج من بطنها هذا العسل جرست العرفط، وهو أيضاً نبت كريه الرائحة فتعين يقيناً في الشريعة حسن المحافظة على النظافة من كل طريقة. وهذا هو اللائق بالمسلم، الإسلام لا شك أنه دين الطهارة، ولذلك أوجب الغسل والوضوء وغسل النجاسات، وجعلها شرط لأعظم العبادات البدنية، ويذكر أن غسال ثياب في بلاد الكفر أعلن إسلامه من غير دعوة، ما دعي، فقيل له: ما الذي دعاك إلى الإسلام؟ قال: أنا غسال فتأتيني ثياب المسلمين ليس لها رائحة إن لم تكن مطيبة فأقل الأحوال ليس لها رائحة، وثياب الكفار منتنة؛ والسبب في ذلك هو الاستنجاء، المسلمون يستنجون، والكفار لا يستنجون، فالنجاسات ملازمة لهم، وهذا من محاسن هذا الدين العظيم. سم. عفا الله عنك. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: في كراهة رد السلام غير متوضئ: حدثنا نصر بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فلم يرد عليه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسر بعض أهل العلم ذلك، وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب. قال أبو عيسى: وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ وعبد الله بن حنظلة وعلقمة بن الفغواء وجابر والبراء. يقول: -رحمه الله تعالى-:

"باب: في كراهة" في بعض النسخ: "كراهية"، "في كراهة رد السلام غير متوضئ" فيستحب الوضوء للذكر، وأن يذكر الله -جل وعلا- على طهارة، مع أنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يذكر الله في جميع أحيانه وأحواله، هنا في هذا الحديث الصحيح المتفق عليه، النبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم لرد السلام. قال: "حدثنا نصر بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فلم يرد عليه". هذا القدر من الحديث ليست فيه مطابقة للترجمة، إذا كان وهو يبول فقط ولم يرد عليه، وأنه رد عليه بعد أن فرغ من بوله ليس فيه ما يدل على أنه توضأ لرد السلام، ورد السلام يشتمل على دعاء بالسلامة، والسلام من أسماء الله الحسنى، فلا يذكر في هذه الحال، حال قضاء الحاجة، تمام الحديث: أن رجلاً سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول، فسلم فلم يرد عليه حتى فرغ من حاجته، ثم وضع يده على الجدار ثم تيمم ورد عليه، أراد أن يذكر الله -جل وعلا- على طهارة، وهذا فيما لا تشترط له الطهارة، إذا كانت طهارة مشترطة لا يجزئ التيمم مع وجود الماء، لكن إذا كانت من باب الكمال وليست من باب الاشتراط فإنه يجزئ الوضوء.

وعلى هذا لو وجدت جنازة لو وجدت جنازة وخشي من رفعها إن ذهب يتوضأ، يقول شيخ الإسلام: يتيمم، ولا يفوت هذه الجنازة؛ لأنها بالنسبة له مستحبة، والواجب قام بها غيره، وإذا ذهب يتوضأ رفعت هذه الجنازة فجوز التيمم في هذه الصورة، والجمهور يقولون: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) وهذه صلاة، هل يتسامح في النوافل فتؤدى بغير طهارة يتيمم لها مع وجود الماء؟ لا، الحكم واحد، فما يشترط للفرض يشترط للنفل، أما ما لا يشترط للفرض، ما لا يشترط له مثل الذكر يشترط له الطهارة فيكفي فيه التيمم، لكن لو اشترطت الطهارة للذكر لا بد من الوضوء، سلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم ينكر عليه كما سيأتي في كلام ابن العربي فدل على أن المشغول يسلم عليه، سواءً كان مشغول بقضاء حاجة مثلاً، أو مشغول بقراءة أو مشغول بصلاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسلم عليه وهو يصلي فيرد بالإشارة، لهذا لم ينكر النبي -عليه الصلاة والسلام- على من سلم عليه، وإنما انتظر حتى فرغ من حاجته ثم تميم فرد عليه السلام. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا البخاري "وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسر بعض أهل العلم ذلك" لم يرد عليه وهو يبول؛ لأن السلام من أسماء الله -جل وعلا-، وهو دعاء بالسلامة أيضاً للمسَّلِم لا يذكر في هذه المواطن. قال: "وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب". "قال أبو عيسى: وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ" هذا عند أبي داود والنسائي وابن ماجه "وعبد الله بن حنظلة" عند الإمام أحمد في المسند "وعلقمة بن الفغواء" عند الطبراني في الكبير "وجابر" إن كان جابر بن عبد الله فهو عند ابن ماجه، وإن كان جابر بن سمرة فهو عند الطبراني، فهو مروي عنهما "والبراء" عند الطبراني في الأوسط. ابن العربي يقول: في الحديث خمس مسائل:

يقول: فيه الجري على سنة المار، وأنه يبدأ بالسلام، هذا الأصل أن المار يسلم، الماشي يسلم على الجالس، يسلم على الجالس، لكن إذا ما سلم المار تترك السنة أو يسلم الجالس؟ يعني هذا على سبيل الإلزام أو نقول: خيرهما الذي يبدأ بالسلام؟ وأن الماشي هو الأولى أن يسلم؟ يعني كما لو التقى كبير وصغير، الصغير يسلم على الكبير، لكن ما سلم الصغير ألا يسلم عليه الكبير؟ نعم؟ طالب: يسلم. يسلم، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسلم على الصبيان، لكن الأولى بهذا أن الصغير يسلم على الكبير، والأولى بهذا أن الماشي يسلم على الجالس، الراكب يسلم على الماشي وهكذا، لكن إذا لم يسلم وفوت الأجر والفضل فإن خيرهما الذي يبدأ بالسلام. وبعض الناس إذا مر مثلاً وهذه توجد أحياناً مع العمال، العمال تجده جالس فإذا مر اللي يسمونه المواطن يعني السعودي أهل البلد قال العامل: السلام عليكم، يبادره بالسلام، يعني كأنه من منطلق، هذا من منطلق قوة وهذا ضعف، هذه أمور يعني ما جاء به شرع ولا عقل، لكن حاصلة يعني، فتجد العامل يبادر على ما قالوا المواطن بالسلام، كله من باب أن هذا وافد ومحتاج إلى التأليف بخلاف المواطن المتعزز بنفسه وبعشيرته وببلده، هذا ليس من أخلاق المسلمين، بل عليك أن تسلم على كل مسلم، وإذا سلمت لك الأجر، هذا بالنسبة للبداءة بالسلام سنة، والرد واجب، فإذا سلم عليك أن ترد، عليك أن ترك مطلقاً، في السلام تسلم على من يغلب على ظنك أنه مسلم، وقد لا تسلم على عاصي أو مبتدع من باب الهجر، إذا كان الهجر أنفع، لكن إذا سلم عليك لا بد أن ترد {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [(94) سورة النساء] لا بد أن ترد السلام، إن كان مسلماً فتقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن غلب على ظنك أنه غير مسلم تقول: وعليكم، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يرد على اليهود، ويعامل المبتدع الذي يكفر ببدعته على هذا الأساس. يقول: فيه الجري على سنة المار وأنه يبدأ بالسلام. ثانياً: أنه لم ينكر على من سلم حال البول حتى فرغ، ولو كان مكروهاً لما أقره عليه. ثالثاً: ترك الكلام بذكر الله على قضاء الحاجة.

باب: ما جاء في سؤر الكلب:

رابعاً: التيمم لذكر الله على الطهارة وهو أفضل، لا سيما إذا كان دعاءً كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور)) الصلاة تشمل اللغوية والشرعية، فاللغوية هي الدعاء، فإذا كان دعاء فيكون على طهارة، مع أن استعمال اللفظ في معنييه اللغوي والاصطلاحي فيه ما فيه يعني، فيه ما فيه؛ لأن الصلاة الشرعية يشترط لها الطهارة، والصلاة اللغوية التي هي الدعاء لا يشترط لها طهارة، فتناول اللفظ للأمرين اللغوي والاصطلاحي يرد فيه ما ورد من إطلاق اللفظ في أكثر من معنى، وكان مالك لا يقرأ عليه الحديث حتى يتوضأ. يقول: خامساً: تيممه -صلى الله عليه وسلم- على الجدار وهو من حجارة أو من لبن، وفي ذلك رد على الشافعي في قوله: لا يتيمم إلا بتراب له غبار، وسيأتي هذا -إن شاء الله تعالى-. سم. عفا الله عنك. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في سؤر الكلب: حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أيوب يحدث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن أو أخراهن بالتراب)) وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو هذا، ولم يذكر فيه: ((إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة)) قال: وفي الباب عن عبد الله بن مغفل. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في سؤر الكلب" السؤر: هو بقية الشراب، يعني ما يبقى في الإناء بعد الشرب، هذا يقال له: سؤر.

قال: "حدثنا سوار بن عبد الله العنبري" التميمي ثقة "قال: حدثنا المعتمر بن سليمان" التيمي، وهو أيضاً ثقة ثبت "قال: سمعت أيوب" بن أبي تميم السختياني، إمام "يحدث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات)) " ولغ: يعني شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه شرب أو لم يشرب ((سبع مرات أولاهن أو أخراهن)) (أو) هذه للشك أو للتخير، يعني إن شاء جعلها الأولى، وإن شاء جعلها الأخيرة، أو للشك هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام- أولاهن أو أخراهن؟ ورواية مسلم: ((أولاهن)) يقول ابن حجر: وهي رواية الأكثر وهي الأرجح؛ لأن تتريب الأخيرة يحتاج إلى غسلة أخرى لتنظيفه، وعلى هذا إذا خلط التراب بالماء في الغسلة الأولى ثم تواردت عليه الغسلات الباقية لا يحتاج إلى غسله قدراً زائداً على المأمور به شرعاً ((أولاهن أو أخراهن بالتراب)) التراب كما قال أهل الخبرة فيه ما يقضي على الجرثومة التي يفرزها الكلب مع لعابه، ولا يوجد ما يقوم مقام التراب في هذا، لا صابون ولا أشنان، ولا جميع المنظفات والمزيلات لا تزيل هذه الجرثومة؛ لأنها لا تزول إلا بالتراب "وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة" وهذه الجملة ليست من المرفوع، وأول الحديث فيما يتعلق بالكلب رواه الجمعة، وأما ذكر الهرة فليس بمرفوع إنما هو موقوف. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" وإليه ذهب ابن عباس وعروة وابن سيرين وطاووس والأوزاعي ومالك وأبو ثور وأبو عبيد وداود.

باب: ما جاء في سؤر الهرة:

مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ومن معهم يقولون: بأنه يغسل سبعاً على خلاف بينهم، هل غسله لنجاسته، كما في قوله: ((طهور إناء أحدكم)) أو لا لنجاسته بل الكلب عند الإمام مالك طاهر يغسل تعبداً، ولو كان للنجاسة لكفى فيه ثلاث، كما يكفي في العذرة، أبو حنيفة يقول: يكفي غسله ثلاث مرات، ولا يلزم سبع؛ لأن أبا هريرة أفتى بالثلاث، والعبرة عندهم بما رأى لا بما روى؛ لأنه لو كان يراه ثابتاًً أو يراه محكماً غير منسوخ لما أفتى بخلافه، لكن هذا مردود؛ لأن أبا هريرة ثبت عنه الفتوى بالسبع، وهي أقوى وأرجح من الفتوى بالثلاث، والعبرة مع ذلك بما روى لا بما رأى. احتج الحنفية بأن العذرة أشد في النجاسة ولم تقيد بالسبع، وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد في الاستقذار أن تكون أشد في تغليظ الحكم، وبأنه يرد عليهم أيضاً بأن هذا قياس مع وجود النص، والقياس مع النص فاسد الاعتبار. ابن العربي أطال في تقرير مذهب مالك في قوله: بطهارة عين الكلب ولعابه وأن الغسل من ولوغه مجرد تعبد لا للنجاسة، والجمهور على أنه نجس، يستدلون بأدلة كثيرة منها: ((طهور إناء أحدكم)) الطهارة لا تكون إلا من حدث أو خبث ولا حدث هنا إذاً تعين الخبث، ومالك لهم أجوبة، لا سيما ابن العربي أطال في تقرير هذه المسألة وأنه طاهر، وأن المسلم يتوضأ ويغتسل وهو طاهر، يجب غسله بدنه وهو طاهر، والمسلم إذا مات يغسل وهو طاهر، ولا يقترن تقترن الطهارة الحكمية مع النجاسة العينية. على كل حال عامة أهل العلم على أنه نجس، كما يستدل المالكية بأن ما صاده بفمه يؤكل من غير غسل، فدل على طهارته، وأن ما باشره بفمه ولعابه طاهر، والمسألة يعني البحث فيها طويل، والأدلة كثيرة من الطرفين، والمرجح هو قول الجمهور. سم. عفا الله عنك. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في سؤر الهرة:

حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت عند ابن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن أبا قتادة دخل عليها قالت: فسكبت له وضوءاً قالت: فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ فقلت: نعم، قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات)) وقد روى بعضهم عن مالك: وكانت عند أبي قتادة، والصحيح ابن أبي قتادة. قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة بأساً، وهذا أحسن شيء روى في هذا الباب، وقد جود مالك هذا الحديث عن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأتِ به أحد أتم من مالك. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في سؤر الهرة" وأنه طاهر، خلافاً لما تقتضيه الجملة الأخيرة في الباب السابق مما يدل على أنها غير مرفوعة ولا محفوظة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسؤر هنا هو السؤر هناك، يعني بقية الشراب، بقية ما شرب منه أو شربت منه الهرة. قال: "حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن" بن عيسى بن يحيى الأشجعي، وهو ثقة ثبت "قال: حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة" مالك إمام دار الهجرة نجم السنن، ولا يحتاج أن يقال فيه: ثقة ولا غير ثقة، ما يحتاج إلى أن يوثق، ولا يحتاج أن يراجع له الكتب، ولا يحتاج أن يراجع له أقوال أهل العلم، هو نجم السنن، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية كـ (مالك) نجم السنن

لأنه ما يحتاج إلى تزكية مالك قال: "عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة" الأنصاري المدني، وهو ثقة أيضاً "عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة" قال ابن حجر: مقبولة، الأنصارية "عن كبشة" زوج إسحاق بن عبد الله "عن كبشة بنت عبد الله" يعني زوج إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الراوي عنها، وهي تروي "عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت عند ابن أبي قتادة" عبد الله بن أبي قتادة، يقول ابن حبان: لها صحبة "أن أبا قتادة" وهو الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "دخل عليها" أي على كبشة، وهي زوجة ابنه "قالت: فسكبت له وضوءاً" يعني صببت له ماءً يتوضأ به "قال: فجاءت هرة تشرب فأصغى" يعني أمال لها "الإناء" ليسهل عليها الشرب "حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه" نظر المنكر أو المتعجب "فقال: أتعجبين من شربها من وضوئي يا بنت أخي؟ يعني في الإسلام؟ "فقلت: نعم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنها ليست)) " يعني الهرة ((إنها ليست بنجس)) ونجس مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع، فتقول: هو نجس وهي نجس وهما نجس وهن نجس {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] يستوي فيه المذكر والمؤنث، يعني ليست نجسة ((إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات)) الطوافين الخدم في البيوت، وجاء بالواو أيضاً ((إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات)) فـ (أو) هذه إما أن تكون للشك أو للتنويع، الطوافين الذكور والطوافات الإناث. ونظراً لهذه العلة وهي أنها إنما حكم بطهارتها لأنها طوافة، فيشق الاحتراز عنها، ولذا يقول أهل العلم: وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر؛ لأنه إذا شق التحرز عن الهرة، شق التحرز عما هو دونها في الخلقة من باب أولى. "وقد روى بعضهم عن مالك: وكانت عند أبي قتادة -الحارث بن ربعي- والصحيح عند ابن أبي قتادة" عند ابنه وليست عنده، ولذلك قال: يا ابنة أخي؛ لأنه لا يحسن أن يقال للزوجة: يا ابنة أخي، فتدعى بما يدعى به المحارم.

"قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة" عائشة عند أبي داود والدارقطني وابن ماجه، وحديث أبي هريرة عند الدارقطني أيضاً، وأيضاً رواه أنس فيما ذكره الزيلعي في نصب الراية. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، وقال الحافظ في التلخيص: صححه البخاري والترمذي، الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح. "وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق" ومالك والليث والأوزاعي، كلهم "لم يروا بسؤر الهرة بأساً" يعني فهو طاهر من غير كراهة، وقال الحنفية: هو طاهر مع الكراهة، وحديث الباب يدل على أن لا كراهة فيه "وهذا أحسن شيء روى في هذا الباب، وقد جود مالك هذا الحديث عن عبد الله بن أبي طلحة" يعني صححه وجعله جيداً، واحتج به في موطئه "ولم يأتِ به أحد بأتم مما جاء به مالك" يعني مما ذكره في موطئه واحتج به، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (22)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (22) شرح: باب: في المسح على الخفين، وباب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم، وباب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله، وباب: ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما، وباب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين، وباب: ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: أين أجد شرح الكرماني بحثت عنه في المكتبات فلم أجده؟ على كل حال هو مطبوع قديماً، ومصور، ومتداول بين أهل العلم، ويجري الآن تصويره من جديد. يقول: الموعظة يومياً في المقبرة هل عليها دليل؟ أصل المسألة عليه دليل، النبي -عليه الصلاة والسلام- وعظ على القبر، هذا أصل المسألة، وأما اتخاذه ديدناً وعادة يومية فلا. يقول: قرأت في كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد فوجدت فيه كلاماً شديداً على الإمام أبي حنيفة في مسألة الإيمان؟ هذه عادة السلف التشديد على من ارتكب بدعة، يعني في وقت نشوء البدع؛ ليزجروا الناس عنها، ويكفوهم عنها، ولا بد أن يكون الأسلوب قوياً. يقول: قراءة سورة الزلزلة في ركعتي الفجر هل هي سنة؟ نعم جاء بها الخبر، وإن كان في بعض ورايته أنه في السفر، لكن لا مانع من قراءتها أحياناً. يقول: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" يعني ما ضبطها بالشكل؟ لا ينفع ذا الجدِ منك الجدُ، يعني لا ينفع صاحبَ الحظِ حضُه دون الله -جل وعلا-. يقول: هل يجوز أخذ عمرة - الظاهر - أنه لأكثر من شخص في آن واحد؟ كيف في آن واحد؟ يعني عمرة واحدة تكون لأكثر من شخص لا، لكن لو اعتمر وأهدى الثواب لشخص أو اعتمر عن فلان، ثم اعتمر عن ثاني اعتمر عن أمه، ثم اعتمر عن أبيه لا بأس، لكن يعتمر عن أمه وأبيه في نسك واحد لا. يقول: ذكرتم في الدرس الماضي بعضاً من حالات عبادة معتنقي المذهب الحنفي المخالفة لهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في العبادة فما موقف الإمام الحنفي؟ -يعني موقف أبي حنيفة لعله - من هذه الأعمال المخالفة؟ وهل هذه أعمال من تبعه؟

على كل حال مذهب أبي حنيفة مشهور ومعروف ومتداول، ويتبعه أكثر المسلمين، أكثر المسلمين على مذهب أبي حنيفة، وقوله راجح في كثير من المسائل، يعني هو كغيره من الأئمة، ومذهبه كغيره من المذاهب فيها الراجح وفيها المرجوح، لكن دخل عليهم الدخل من أمور: الأول مسألة الوضوء بالنبيذ، يعني أمور منفردة مسائل فقهية قابلة للبحث، لكن إذا اجتمعت وضم بعضها إلى بعض أساءت إلى الإمام، يعني الوضوء بالنبيذ معروف عامة أهل العلم على أنه لا يجوز الوضوء به، وهو عند الحنفية جائز، أيضاً مسألة قراءة الفاتحة لا تتعين، قراءة الفاتحة لا تتعين في الصلاة، وتجوز ترجمة القرآن عنده في الصلاة، فلما كبر الشافعي هذا قال ترجم التكبير من باب أولى ثم قال: دوسبز، دوسبز، يعني مدهامتان، وركع، يعني جمع جميع الأقوال الضعيفة والشاذة في مذهب أبي حنيفة في عبادة واحدة، لكن ما يقول أبو حنيفة بهذه العبادة مجتمعة، ثم بعد ذلك نقر الصلاة؛ لأن الطمأنينة ليست بركن، ولا يعني أنها ليست بواجبة، يعني لا تبطل الصلاة بتركها، ومع ذلك في النهاية أحدث بصوت؛ لأنه إذا تم تشهده وصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد تمت صلاته كما في حديث ابن مسعود، لكن الجمهور على أن التسليمتان ركن، بهذا قال أهل الكوفة، يذكر أقوال أهل الكوفة وهو منهم. يقول: ما رأيكم بقراءة المرأة على الرجل القرآن الكريم لضبط التلاوة أو أخذ إجازة منه مع ذكر الأدلة؟ معلوم أن الصحابة أخذوا عن أمهات المؤمنين، وروى بعضهم عن بعض لكنه من وراء حجاب، من وراء حجاب كما في قول الله -جل وعلا-: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] بعد ذلك إذا أمنت الفتنة لا بد من أمن الفتنة، وأن يكون من رواء حجاب. يقول: هل من كلمة حول قسوة القلوب وقلة الخشية وقحط العين؟ أقول: ما المسئول بأفضل من السائل، فعليه أن يعالج نفسه. يقول: ما ذكرتموه من تعليق حول المكتب أو المعلم فلعل الكاتب أراد أن يبين المظاهر الخارجية لا تؤدي إلى تحقيق الهدف، ولربما كانت المظاهر سيئة ولكن الأهداف واضحة وتحقق الغاية من حفظ القرآن ونحو ذلك، والله أعلم.

لا، لو قرأت كلامه عرفت أنه يسخر، يسخر من الكتاب، ولا شك أن ما ذكره إن كان موجوداً، يعني مجال لمن أراد أن يستهزئ، لكن هذه الأخطاء لا بد من إصلاحها، وأما كون طريق الطلب يسهل تيسيراً بالغاً فهذا لا يجدي ولا يحصل طالب العلم منه فائدة، فالعلم لا يستطاع براحة الجسم. يقول: هل يجوز أن أذهب لزيارة قبر شخص في مقبرة للمسيحيين؟ زيارة القبور سنة جاء الحث عليها، لما فيها من المصلحة للزائر والمزور، لكن ما الفائدة من زيارة مثل هذا إذا كان القصد أن المقبرة للمسيحيين والمقبور مسيحي، يعني نصراني؟ هل يستفيد من زيارته؟ هل تريد أن تدعو له؟ لا يجوز الدعاء له بحال، بل مثل هذا يبشر نسأل الله العافية بالنار؛ لأنه كافر. هل يجوز التعامل مع المسيحيين أو تارك الصلاة في بيت واحد؟ هؤلاء يجب هجرهم، ومؤاكلتهم ومجالستهم هذه كلها مناقضة للهجر إلا إذا كانت الصلة تجدي، إذا كانت الصلة تنفع بحيث يرجى إسلامه ويرجى استقامته، فإن هذه يستعمل بقدرها أيضاً، إن أفادته وإلا رجع إلى الهجر؛ لأنه هو الأصل، والهجر علاج كما يقول أهل العلم. يقول: هل يجوز إقامة عرس مختلط؟ لا يجوز، لا يجوز إقامة عرس مختلط، بل لا بد من الفصل بين الرجال والنساء، وإذا وجد عرس من هذا النوع لا تجب إجابته، بل لا يجوز الحضور إليه. يقول: هل يجوز حضور عرس مسيحي؟ إذا كانت هناك مخالفات ظاهرة فلا يجوز البتة كأعراس المسلمين، إذا كانت هناك منكرات لا يجوز، وإذا لم يكن ثم منكر فإجابة دعوته إذا رجي إسلامه كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بإجابة اليهودي لا بأس. يقول: في حديث: سؤر الهرة سؤالان وإن كانا طريفين خطرا في ذهني: هل يجوز أكل الهرة باعتبارها طاهرة؟ لا، جاء ما يدل على أن الهر سبع، وله ناب، فلا يجوز أكله. وهل حكم الهررة المتوحشة حكم الهرة المعروفة؟ نعم الحكم واحد؛ لأن النصوص لم تفرق، لم تقيد بالأهلية كما قيد الحمار. يقول: هل هناك فرق بين العجب والرياء؟ الفرق دقيق جداً، الفرق دقيق، العجب: قد يعجب الإنسان بنفسه، ويتيه بشكله أو بماله أو بعلمه أو بعمله يعجب الإنسان ولو لم يكن بحضرة أحد، وأما الرياء فهو مراءاة الغير لا بد أن يكون بحضرته أحد.

يقول: يمكن أن نقول: يحرم رد السلام أثناء قضاء الحاجة من بول أو غائط باعتبار أن رد السلام واجب، ونستفيد من ترك الواجب في هذه الحالة تحريم الرد؟ هو ترك الرد -عليه الصلاة والسلام- بنية القضاء، بنية القضاء حتى يفرغ من حاجته، فيرد عليهم. وكيف يكون رد السلام إذا ألقي بالصيغة الكاملة؟ يكون بمثلها، إذا لم يمكن الزيادة عليها من المشروع ترد بمثلها. ما مدى صحة قول من قال: إن أبا هريرة -رضي الله عنه- لم ينفرد عن غيره من الصحابة إلا برواية سبعة أحاديث صحيحة وما عدا ذلك فهو إما ضعيف أو شاركه غيره من الصحابة؟ هذا الكلام ليس بصحيح، أبو هريرة حافظ الأمة، ودعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- وبسط رداءه، فلم ينسَ بعد هذه الدعوة شيئاً. يقول: هل ورد شيء في صلاة الإمام السنة في مكان الفرض نسمع كثيراً من الشباب قولهم: كلام لا علاقة له بالسؤال هذا. على كل حال جاء في صحيح البخاري يذكر عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح، يعني لم يصح النهي عن صلاة السنة في مكان الفرض. يقول: إذا خرج المرء إلى الشارع تقع عينه على منكرات كثيرة قلّ أن يحصيها، هل هو مطالب بإنكارها؟ وما السبيل إلى الرشد؟ ينكر الأشد فالأشد، يبدأ بالأشد فينكره، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإذا عمت البلوى بمنكرات بحيث لا يستطاع إنكارها فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومع ذلك ينكر ما يستطيع، عليه أن ينكر ما يستطيع. تقول إحدى الأخوات: بأنها إذا دعت الله -جل وعلا- بتحسين خلقها كأن تكون دميمة المنظر أو هناك تشوه في الخلق هل يعتبر هذا اعتداء في الدعاء؟ نعم، الذي يظهر أن هذا اعتداء؛ لأن تغيير الخلقة جرت السنة الإلهية أنه لا يتغير. امرأة تركب مع سائقة نصرانية، وهذه المرأة التي تقود السيارة تضع في السيارة علامة الصليب وأجراس معلقة علماً بأنها لا تجد غيرها في توصيلها إلى المكان الذي تريده؟ لا يجوز الركوب معها البتة. يقول: عملي شديد الصلة بالعلم الشرعي إلا أني أجد كسلاً في طلب العلم، ولا أعرف ماذا أفعل فألتمس نصيحتكم؟

باب: في المسح على الخفين:

أولاً: عليك بإدامة النظر في النصوص من الكتاب والسنة التي تحث على طلب العلم، وتبين منزلة العلماء، ثم بعد ذلك عليك أن تقرأ في سير أهل العلم وصبرهم على شدائد العلم وتحصيله، ثم بعد ذلك تنبعث الهمة -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما ضابط العالم الذي يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان؟ هو العالم المحقق العامل بالكتاب والسنة المعتصم بهما، المعلم لهما. يقول: نصراني أسلم منذ عام تقريباً ولديه عدة أسئلة يرجو الرد ليطمئن قلبه: هل يجوز أن أذهب لزيارة قبر شخص في مقبرة النصارى؟ قلنا: إذا كنت تستفيد أنت؛ لأن الزيارة إنما شرعت لإفادة الزائر والمزور، أما المزور فلن يستفيد، وأما بالنسبة للزائر فقد تحصل العبرة والاتعاظ بهذه الزيارة، مع أن قبور المسلمين أولى بالزيارة لتحقق جميع الأهداف والحكم التي من أجلها شرعت الزيارة. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولنا وللحاضرين ولجميع المسلمين يا رب العالمين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: في المسح على الخفين: حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: بال جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أتفعل هذا؟ قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله. قال إبراهيم: وكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلامه، كان بعد نزول المائدة، هذا قول إبراهيم يعني كان يعجبهم. قال: وفي الباب عن عمر وعلي وحذيفة والمغيرة وبلال وسعد وأبي أيوب وسلمان وبريدة وعمرو بن أمية وأنس وسهل بن سعد ويعلى بن مرة وعبادة بن الصامت وأسامة بن شريك وأبي أمامة وجابر وأسامة بن زيد وابن عبادة ويقال: ابن عمارة أو أبي بن عمارة. قال أبو عيسى: حديث جرير حديث حسن صحيح. ويروى عن شهر بن حوشب قال: رأيت جرير بن عبد الله توضأ ومسح على خفيه، فقلت له في ذلك فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على خفيه فقلت له: أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة.

حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا خالد بن زياد الترمذي عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير قال: وروى بقية عن إبراهيم بن أدهم عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير، وهذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- على الخفين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين بعد نزول المائدة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: في المسح على الخفين" الخف معروف، ويقول ابن العربي: هو جلد مبطن مخروز يستر القدم كلها، قالوا: والموق: جلد مخروز لا بطانة له، وقال الخطابي: هو خف قصير الساق في قول بعضهم، وفي قول آخر خف على خف، فما يستر القدم إما أن يسمى خف، أو موق، أو جرموق، أو جورب، أو نعل، وهذا الباب للخفين، والمسح على الخفين، يقول ابن عبد البر: لا أعلم عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك مع أن الرواية الصحيحة عنه مصرحة بإثباته. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد" هو ابن السري "قال: حدثنا وكيع" هو ابن الجراح "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن إبراهيم" هو النخعي "عن همام بن الحارث" النخعي الكوفي، وهو ثقة، وأما من قبله كلهم ثقات "قال: بال جرير بن عبد الله" الصحابي، البجلي، الشهير يوسف هذه الأمة، يقول: ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا وتبسم "قال: بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له: أتفعل هذا؟ " أي أتمسح على الخفين؟ مع أن الله -جل وعلا- يقول: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] يعني: واغسلوا أرجلكم "أتفعل هذا؟ " أي أتمسح على الخفين؟ "قال: وما يمنعني؟ " أي: أي شيء يمنعني من المسح؟ "وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله". "قال إبراهيم: وكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة".

يعني لقائل أن يقول لمن قال له: إن المسح على الخفين ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، له أن يقول: إنه منسوخ بآية المائدة؛ لأن نزول المائدة متأخر، يقال له: إن إسلام جرير بن عبد الله البجلي متأخر، ما أسلم إلا بعد نزول المائدة، حتى قيل في إسلامه: إنه أسلم سنة عشر في آخر عمر النبي -عليه الصلاة والسلام-. "قال إبراهيم: وكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة" هذا قول إبراهيم يعني كان يعجبهم، وفيها الأمر بغسل الرجلين، فلو كان إسلام جرير متقدماً على نزول المائدة لاحتمل كون الحديث منسوخاً بآية المائدة، وعلى هذا تكون الآية مخصصة بالسنة، مخصصة أو مقيدة؟ مخصصة، يعني حال من عموم الأحوال، يعني ولو كانت مقيدة لوجب حمل المطلق على المقيد فلا تغسل الرجل مطلقاً، لكن هذا من باب: التخصيص، ابن العربي بحث مسألة نسخ القرآن بالسنة، لكن هل هذا من باب النسخ؟ يعني ما بين قول الله -جل وعلا-: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] وبين مسح النبي -عليه الصلاة والسلام- على خفيه هل هذا من باب الناسخ والمنسوخ أو من باب العموم والخصوص؟ نعم هو من باب العموم والخصوص؛ لأن حكم غسل الرجلين باقي، ما رفع، نعم هو رفع جزئي، وليس برفع كلي، وكثير من السلف يسمون مثل هذا نسخ، لكن الذي استقر عليه الاصطلاح أن النسخ إنما يطلق على الرفع الكلي للحكم، لا الرفع الجزئي وهو التخصيص أو التقييد. يقول: مسألة نسخ القرآن بالسنة، وأن الصحابة كانوا يرون ذلك، قال: هو الصحيح عندهم، أن القرآن ينسخ بالسنة، وقد منع قوم يقول: من أصحابنا وغيرهم ذلك، وجوزه آخرون.

هذه المسألة لا تدخل في حديثنا، لكن نسخ القرآن بالسنة الجمهور على أن السنة لا تنسخ القرآن؛ لأنها دونه في الرتبة، والذي عليه جمع من أهل التحقيق أنه كلها وحي، القران وحي والسنة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] فعلى هذا ينسخ القرآن بالسنة إذا صحت، ومما يستدل به لهذا حديث عبادة بن الصامت قال: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) قالوا: هذا ناسخ لآية النساء، ومنهم من يقول على رأي الجمهور أنه مبين وليس بناسخ. "قال: وفي الباب عن عمر وعلي وحذيفة والمغيرة وبلال وسعد وأبي أيوب وسلمان وبريدة وعمرو بن أمية وأنس وسهل بن سعد ويعلى بن مرة وعبادة بن الصامت وأسامة بن شريك وأبي أمامة وجابر وأسامة بن زيد وابن عبادة ويقال: ابن عمارة أو أبي بن عمارة". يقول ابن عبد البر في الاستذكار: روى المسح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- نحو أربعين من الصحابة. وقال الحسن: حدثني سبعون من الصحابة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على الخفين، فلا مجال لإنكاره، وإنكار المسح على الخفين من سيما المبتدعة، يعني أهل السنة قاطبة يقولون بالمسح على الخفين، ولم ينكره إلا المبتدعة من الخوارج والروافض، ولذا يدخل في كتب العقائد، في كتب العقائد عند أهل السنة يقولون: ونرى المسح على الخفين؛ لأنه استقل بإنكاره أهل البدع، فصار هذا من بدعهم، وحينئذٍ يكون من أصول الدين. ما يذكر عن مالك أنه لا يرى المسح على الخفين، ذكر عنه بأسانيد أصح أنه يرى المسح على الخفين. "قال أبو عيسى: حديث جرير حديث حسن صحيح" وأخرجه الستة، الأئمة كلهم.

قال: "ويروى عن شهر بن حوشب" الأشعري الشامي صدوق كثير الأوهام، وسبق الحديث عنه، وأنه مضعف عند أهل العلم، وإن وثقه الشيخ أحمد شاكر، لكن الشيخ تساهل في هذا، وثقه ووثق كثير من الضعفاء، على كل حال هو ضعيف عند الجمهور، وبمقدمة مسلم مقدمة صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: إن شهراً نزكوه، يعني رموه واتهموه، رموه بالنيزك، في بعض النسخ تركوه، المقصود أنه مضعف، وذكرنا قصة الخريطة التي اتهم بها، بسرقتها، ولعلها لا تثبت، ولذا استغلت هذه الحادثة وإن لم تكن صحيحة، استغلت من قبل بعض المغرضين فطعن في جميع القراء من أجل شهر، يعني نبهنا على هذا في دروس سابقة، قال: لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر يعني ألصق التهمة بجميع القراء أنهم سراق، وهذا مثل ما يدور الآن على ألسنة بعض المفتونين أنه إذا حصل أدنى مخالفة من مستقيم، ممن ظاهره الاستقامة، أو من المحسوبين على أهل الخير والصلاح، قال: كلهم على هذه الشاكلة، وطعن في حلقات التحفيظ من أجل أخطاء يسيرة حصلت من بعضهم، ومن يعرى من الخطأ، ومن المعصوم من الوقوع في الزلل، وطعن في أرباب الحسبة، وأصحاب الأمر والنهي، القائمين بهذه الشعيرة العظيمة، طعن فيهم بسبب أخطاء وتصرفات من بعض الأفراد التي قد يعجز في بعض المواقف وفي بعض المواطن يعجز أن يتصرف التصرف الصحيح، فيضيق الوقت عليه، وقد يحصل في خطأ؛ لأنه لا يتمكن من النظر التام، والمنكر يفوت، فإذا حصل اجتهاد في بعض هذه المسائل من بعض الأفراد ألصق بالجميع، وأن هذا ديدنهم وشأنهم، وصار الكتاب يكتبون عن هذا الجهاز، وهذه الشعيرة، وتطاولوا على ما ثبت بالنصوص القطعية. قال: "ويروى عن شهر بن حوشب قال: رأيت جرير بن عبد الله توضأ ومسح على خفيه فقلت له –أي لجرير- في ذلك –يعني في المسح على الخفين- فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على خفيه" وهذا يشهد له الحديث السابق وهو صحيح "فقلت له: أرأيت ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة".

يقول الترمذي: "حدثنا بذلك قتيبة" يعني ابن سعيد "قال: حدثنا خالد -بن زياد- الترمذي" قاضي ترمذ، وهو صدوق عند أهل العلم "عن مقاتل بن حيان" البلخي، وهو أيضاً صدوق "عن شهر بن حوشب عن جرير" يعني تقديم المتن على الإسناد عند عامة أهل العلم لا إشكال فيه، سواءً تقدم الإسناد على المتن أو تأخر لا فرق، إلا أن ابن خزيمة ينص على أنه إذا قدم المتن، فإنما يقدمه لكلام في الإسناد، لضعف في الإسناد، وهنا قدم المتن ولا إشكال في ذلك، يعني لو قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا خالد ... إلى آخره، وجاء بخبر ما يفرق عنده. "قال أبو عيسى: وروى بقية" وهو ابن الوليد الحمصي، ثقة، كثير التدليس، وقال ابن حجر: صدوق، كثير التدليس، شديد التدليس أيضاً، إلا أنه صرح بالتحديث عند البيهقي، هنا صرح بالتحديث عند البيهقي "عن إبراهيم بن أدهم" بن منصور البلخي ثم الشامي، أحد الزهاد الأعلام "عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير" وهذه متابعة لإبراهيم بن أدهم، من إبراهيم لخالد بن زياد الترمذي، ومداره على شهر، وعلى كل حال الحديث سبق ما يشهد له من الصحيح. قال: "وهذا حديث مفسر" يعني واضح، لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى بيان، ولا إلى مراجعة أحاديث أخرى توضحه وتبينه، هذا حديث مفسر يعني مبين؛ "لأن بعض من أنكر المسح لأن بعض من أنكر المسح" يعني لو كان أحاديث المسح على الخفين المتواترة هذا الحديث يبينها كلها، هذا مفسر بالنسبة لها كلها؛ لأنه لقائل أن يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صحيح مسح على الخفين، لكن قبل ما. . . . . . . . .، فجاء الحديث -حديث جرير- مفسر، وأنه ما أسلم إلا بعد نزول المائدة. يقول: "وهذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخفين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين بعد نزول المائدة".

باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم:

قال ابن المنذر: يختلف العلماء في الأفضل المسح على الخفين أو غسل الرجلين؟ قال: والذي أختاره أن المسح أفضل، المسح على الخفين أفضل؛ لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض، قال: وإحياء ما طعن فيه المخالفون أفضل من تركه، ومن أهل العلم من يرى أن الغسل هو الأصل فهو أفضل، والخلاف في الرخصة والعزيمة، أيهما أفضل الرخصة أو العزيمة؟ لكل مسألة ما يحتف بها، فالتوقيت أفضل من الجمع، والقصر أفضل من الإتمام، وهنا الأفضل الأرفق بالمكلف، فإن كان لابساً للخف فالأفضل أن يمسح؛ لأن هذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان نازعاً للخف فلا يقال: البس من أجل أن تمسح، لا هذا ولا هذا، لكن الأرفق به يفعله. سم. عفا الله عنك. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم: حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن المسح على الخفين؟ فقال: ((للمسافر ثلاثة، وللمقيم يوم)) وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت في المسح، وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد، ويقال: عبد الرحمن بن عبد، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن علي وأبي بكرة وأبي هريرة وصفوان بن عسال وعوف بن مالك وابن عمر وجرير. حدثنا هناد قال: حدثنا أبو الأحوص عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى الحكم بن عتيبة وحماد عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت ولا يصح.

قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح، وقال زائدة: عن منصور كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح على الخفين، قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي. قال أبو عيسى: وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن. قال أبو عيسى: وقد روى عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس. قال أبو عيسى: والتوقيت أصح، وقد روي هذا الحديث عن صفوان بن عسال أيضاً من غير حديث عاصم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم" السفر كما جاء في الحديث الصحيح أنه قطعة من عذاب، ففيه المشقة، ومظنة المشقة حاصلة، فخفف عن المسافر في مسائل منها المسح، فجعل له ثلاثة أيام، بدلاً من يوم وليلة للمقيم، وأبيح له القصر والجمع والفطر في رمضان، المقصود أن أحكام المسافر تختلف عن أحكام المقيم، ومنها المسألة التي معنا. "باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم" قال: "حدثنا قتيبة" وهو ابن سعيد "قال: حدثنا أبو عوانة" وضاح بن عبد الله اليشكري "عن سعيد بن مسروق" ذكرنا في درس سبق أنه قد يلتبس على بعض الطلاب بأبي عوانة الإسفرائيني صاحب الصحيح المسند، وأبو عوانة وضاح هذا الذي معنا متقدم، وأما بالنسبة لصاحب المسند المستخرج على صحيح مسلم فهو متأخر.

"عن سعيد بن مسروق" الثوري والد سفيان وهو ثقة أيضاً "عن إبراهيم التيمي" ثقة أيضاً "عن عمرو بن ميمون" الأودي، ثقة عابد "عن أبي عبد الله الجدلي" الطائي، ثقة أيضاً "عن خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" يقول: "عن خزيمة بن ثابت" بن الفاكه الأنصاري، ذو الشهادتين، بدري، شهد بدراً، وجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- شهادته عن شهادة رجلين؛ لأنه شهد للنبي -عليه الصلاة والسلام- في عقد لم يشهده، والقصة مشهورة "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن المسح على الخفين؟ " أي: عن مدته؟ "فقال: ((للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة)) " كما في رواية أبي داود، وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت في المسح؛ لأن السند رجاله كلهم ثقات "وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد، ويقال: عبد الرحمن بن عبد". "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن أبي شيبة والبزار "قال: "وفي الباب عن علي" أخرجه مسلم "وأبي بكرة" عند ابن خزيمة والدارقطني "وأبي هريرة" عند ابن أبي شيبة والبزار "وصفوان بن عسال" عند الترمذي، الحديث الذي يليه "وعوف بن مالك" عند أحمد في المسند والطبراني والبزار "وابن عمر وجرير" عند الطبراني، كلاهما عند الطبراني. قال بعد ذلك: "حدثنا هناد قال: حدثنا أبو الأحوص" سلام بن سليم الحنفي مولاهم، ثقة متقن، وجاء في ترجمته عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، وعن هذه تستعمل في غير الرواية، عن ذكر القصة، قصة أبي الأحوص، وليس المراد الرواية عن أبي الأحوص بعد ما قتل هذا لا يتصور.

"عن عاصم بن أبي النجود" عاصم بن بهدلة بن أبي النجود، القارئ المشهور، إمام في القراءة، تكلم في حفظه بالنسبة للرواية "عن زر بن حبيش" الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم "عن صفوان بن عسال" المرادي صحابي "قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفْراً" جمع سافر، كصحب جمع صاحب، وركب جمع راكب، أي إذا كنا مسافرين، سفراً من السفور وهو البروز عن البلد والخروج منه، ومنه السفور بالنسبة للنساء إذا أبرزن بعض أو شيئاً من بشرتهن سمي سفوراً "يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم" يعني في الطهارة الصغرى في الحدث الأصغر في الوضوء يمسح على الخفين، وأما بالنسبة للغسل فلا يمسح على الخفين، ولكن من غائط وبول ونوم، عطف على مقدر يدل عليه إلا من جنابة، كما في رواية النسائي: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة، وعلى هذا حديث الباب فيه تقديم وتأخير. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الإمام الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي، وخرج في كثير من الدواوين إلا أنه لا يوجد في الصحيحين.

"وقد روى الحكم بن عتيبة" وهو ثقة ثبت، حجة "وحماد" بن أبي سليمان "عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت ولا يصح" والسبب بينه الترمذي بقوله: "قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح" ففيه انقطاع، هناك عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي، حديث حسن صحيح، وهنا إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي قال: لا يصح؛ لأن فيه انقطاع، قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح، وقال زائدة: قوله: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح هل يدل على أنه لم يسمع منه مطلقاً؟ لا، لا يدل على أنه لم يسمع منه مطلقاً، ولو قيل بأن العبارة تدل على أنه سمع منه بعض الأحاديث إلا أنه لم يسمع منه حديث المسح لكان له وجه، وإلا لقال: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي، فيسكت أو يقول شيئاً، لكن لما قال حديث المسح يفهم منه أنه سمع غير حديث المسح. "وقال زائدة عن منصور: كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي" في بعض الروايات العكس: كنا في حجرة إبراهيم النخعي ومعنا إبراهيم التيمي "فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون" وهذه المسألة لا يترتب عليها شيء، سواءً كانوا في بيت أو في حجرة إبراهيم التيمي أو النخعي، المقصود أنهما موجودان معناً "فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح على الخفين"، "حدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت في المسح على الخفين" فتبين أن هناك واسطة بينهما إبراهيم التيمي والنخعي عمرو بن ميمون. "قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي" إذا كان هناك انقطاع بين إبراهيم النخعي وأبي عبد الله الجدلي فهناك أيضاً انقطاع آخر. "قال محمد بن إسماعيل -وهو البخاري-: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي".

وقال البخاري أيضاً: لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة، وقال يحيى بن معين: هو صحيح، صححه لما يشهد له، لا بمفرد إسناده، وإنما لما يشهد له، وأما البخاري فقد ضعفه بالانقطاع، وإن قال .. ، الإمام البخاري يرى أن حديث صفوان هو أحسن شيء في هذا الباب، يعني في التوقيت، وأما حديث خزيمة ففيه انقطاع في أكثر من موضع. "قال أبو عيسى: وهو - أي التوقيت - قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن" وعلى هذا جمهور أهل العلم وهو الحق والصواب؛ لأن الدليل دل عليه. "قال أبو عيسى: وقد روى عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس" مالك لا يرى التوقيت، والليث بن سعد كذلك. يقول ابن العربي في العارضة: سمع مطرف مالكاً يقول: التوقيت في المسح على الخفين بدعة، مطرف بن عبد الله سمع مالكاً يقول: التوقيت في المسح على الخفين بدعة، وروى عنه أشهب كقول الجمهور، التوقيت، لكن مثل هذا يدخله الابتداع؟ يعني أصل المسألة إذا كان الخلاف فيها مع مبتدعة، وهي في الأصل فرعية نقلت إلى مسائل الاعتقاد فصارت أصلية، أصل المسألة، مسألة المسح على الخفين، أما التوقيت فالخلاف فيها بين مالك وبين أئمة كبار، لهم أدلتهم فهي مسألة فرعية، فلا يمكن أن يبدع فيها، إلا على قول من يقول: إن كل مخالفة في العبادات بدعة، وهو الذي يميل إليه الشيخ الألباني -رحمه الله-، لكن هذا القول يلزم عليه لوازم كثيرة أن كل من رجح قولاً مرجوحاً أو عمل بدليل ضعيف أو ارتكب مكروهاً، لو ارتكب مكروه صار مبتدع، فضلاً عن أن يرتكب محرم، وهذا مخالف لقول عامة أهل العلم في تحديد البدعة. يقول: التوقيت في المسح على الخفين بدعة، وروى عنه أشهب كقول الجمهور.

باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله:

"قال أبو عيسى: والتوقيت أصح" ودليله ما ذكر في الباب، ودليل من يرى عدم التوقيت حديث أبي بن عمارة أنه قال: أمسح يا رسول الله على الخفين؟ قال: ((نعم)) قال: يوماً؟ قال: ((نعم)) قال: ويومين؟ قال: ((نعم)) قال: وثلاثة؟ قال: ((نعم وما شئت)) يعني فلا توقيت، أخرجه أبو داود، وقال: ليس بالقوي، وضعفه البخاري، وقال: لا يصح، ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه، وعلى كل حال لا يعارض به ما صح من أحاديث الباب. "وقد روى هذا الحديث عن صفوان بن عسال أيضاً من غير حديث عاصم". لأن عاصم فيه كلام لأهل العلم من جهة حفظه، فأراد الترمذي أن يبين أن عاصماً لم يتفرد بالحديث بل توبع عليه، ولذلك صححه، يقول النووي: مذهب الشافعي وكثيرين أن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف، وهذا أيضاً معروف عند الحنابلة، من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس، ولا من حين المسح، وهو قول أبي حنيفة، ونقل عن الأوزاعي وأبي ثور وأحمد، أنهم قالوا: أن ابتداءها من وقت اللبس، أنه من وقت اللبس، إما من أول حدث أو من وقت اللبس، والمرجح أنه لا هذا ولا هذا، أنه من أول مسح؛ لأنه في الحديث قال: ((يمسح المقيم)) يمسح يوم وليلة، ما قال: يلبس المقيم، قال: ((يمسح المقيم يوماً وليلة)) فدل على أن العدد يبدأ من المسح، وهذا هو الراجح -إن شاء الله تعالى-. سم. عفا الله عنك. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله: حدثنا أبو الوليد الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح أعلى الخف وأسفله. قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق، وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم.

قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن مبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة قال: حُدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُذكر فيه المغيرة. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفَلِه" لأن الأعلى بدل من الخفين، بدل بعض والأسفل معطوف عليه، وعلى الخفين مجرور، كما هو معلوم الخفين مجرور، أعلاه وأسفله، ولو قال: أعلاهما وأسلفهما طابق الوصف أو البدل المبدل، تطابق المتبوع مع التابع، والمطابقة مطلوبة إذاً لا بد من تقدير، مع أنه جاء في بعض النسخ: "أعلاهما وأسفلهما" وهنا نحتاج إلى تقدير نقول: باب ما جاء في المسح على كل واحد من الخفين أعلاه وأسفله. قال: "حدثنا أبو الوليد" أحمد بن عبد الرحمن بن بكار "الدمشقي" صدوق فيما قاله أهل العلم "قال: حدثنا الوليد بن مسلم" القرشي مولاهم، ثقة، مدلس، شديد التدليس "قال: أخبرني ثور بن يزيد" أبو خالد الحمصي، ثقة "عن رجاء بن حيوة" الكندي، ثقة فقيه "عن كاتب المغيرة" جاءت تسميته بأنه وراد، وهو ثقة أيضاً "عن المغيرة بن شعبة" وهو صحابي "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح أعلى الخف وأسفله" وأخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد. "قال أبو عيسى: وهذا -يعني مسح أعلى الخف وأسفله- قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كابن عمر والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق" وقال أبو حنيفة: لا يمسح إلا الأعلى. قال المؤلف: "وهذا حديث معلول" معلول يعني فيه علة، والتعبير المفضل عندهم أن يقال: معل، لا معلول ولا معلل، إنما يقال: معل، والعلة سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة منها، "معلول لم يسنده -يعني يصله ويرفعه- عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم"

باب: ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما:

"قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل البخاري" أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري "عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن مبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة وقال: حدثت عن كاتب المغيرة" وهنا عن رجاء عن كاتب المغيرة بدون واسطة، قال: "لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور" أن ابن المبارك جعل هناك واسطة مجهولة بين رجاء بن حيوة وكاتب المغيرة، بينا الوليد بن مسلم جعله عن رجاء عن كاتب بدون واسطة "قال: حدثت عن كاتب المغيرة بصيغة المجهول مرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر فيه المغيرة" مرسل، حدثت عن كاتب المغيرة ولم يذكر فيه المغيرة، فهو مما يرفعه كاتب المغيرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أنه روي عن رجاء بن حيوة بواسطة مجهول، قال: فالحديث ضعيف، فعلى هذا فالحديث ضعيف. يقول الشارح المباركفوري: لم أجد في هذا الباب حديثاً مرفوعاً صحيحاً خالياً عن الكلام، وصح خلافه عن علي وغيره كما سيأتي في الباب الذي يليه، الباب الذي يليه يقتصر فيه على مسح أعلى الخف، على ظاهر الخف. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين على ظاهرهما". قال أبو عيسى: حديث المغيرة حديث حسن وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة على ظاهرهما غيره، وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وأحمد، قال محمد: وكان مالك بن أنس يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد. هذا يسأل يقول: كيف يكون الوليد بن مسلم ثقة مدلس؟ نعم التدليس وجد عند الأكابر، وجد عن الحسن البصري، تدليسه شديد، ووجد أيضاً على قلة وندرة عند السفيانين، وعلى كل حال التدليس لا ينافي التوثيق، فإذا صرح المدلس بالتحديث فلا يكون له أثر. هل الرسول -عليه الصلاة والسلام- يفعل المكروه؟ وكيف يكون ذلك؟

الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأمر بالشيء أو ينهى عن الشيء، ثم يترك ما أمره به لبيان الجواز، يعني لبيان أن الأمر للاستحباب، والصارف هذا الفعل، والترك بالنسبة له تشريع يؤجر عليه، وكذلك إذا نهى عن شيء فإن الأصل في النهي التحريم، لكن إذا فعله يكون النهي للكراهة، مصروف من التحريم إلى الكراهة، والصارف هو فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفعله ليس بمكروه لأنه تشريع. قال -رحمه الله-: "باب: ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما" "حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد" القرشي مولاهم، المدني، صدوق، قال: "عن أبيه" عبد الله بن ذكوان أبي الزناد "عن عروة بن الزبير" هنا صرح الترمذي وغيره أيضاً صرح بأنه ابن الزبير، وفي مسند الطيالسي عن عروة بن المغيرة يعني ابن شعبة، عن عروة بن المغيرة لا عروة بن الزبير، وعلى كل حال سواءً كان هذا أو هذا فهما ثقتان، لا يقدح عدم تمييز أحدهما عن الآخر "قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين على ظاهرهما" أي أعلاهما، وهذا دليل من اقتصر على مسح أعلى الخف. "قال أبو عيسى: حديث المغيرة حديث حسن" وأخرجه أبو داود وسكت عليه يعني فهو صالح؛ لأن ما يرويه أبو داود ويسكت عليه كما قال: وما سكت عنه فهو صالح، ولا شك أنه أصح من حديث المغيرة السابق أنه مسح أعلاه وأسفله.

قال: "وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة على ظاهرهما غيره" يعني غير عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، غير عبد الرحمن بن أبي الزناد لا يذكره، فالمسح على الخف يحتاج إلى أن يقال: على ظاهره؟ يعني جاءت صفة المسح وأنها بالأصابع تكون كالخطوط على ظهر الخف، وهنا يقول: على ظاهرهما؛ ليبين ضعف الحديث السابق، والتنصيص على الظاهر لا شك أنه لبيان حقيقة المسح، وإلا لو قلنا: المسح ما جاء بيانه في السنة لاختلف فيه أهل العلم كاختلافهم في مسح الرأس على ما تقدم، من مسح ثلاث شعرات إلى مسح جميع الرأس؛ لأن البدل له حكم المبدل، المسح على الخف بدلاً عن غسل الرجل والرجل يغسل أعلاها وأسفلها وجوانبها، تغسل من جميع جهاتها، إذن المسح كمسح الرأس يمسح من جميع جهاته، لكنه بهذا الحديث يبين ضعف الحديث السابق، وأن المسح إنما هو على الظاهر فقط. قال: وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وأحمد، يعني وأبو حنيفة، يعني المسح على الظاهر فقط، وقال علي -رضي الله عنه-: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على خفيه ظاهرهما، أخرجه أبو داود، وحسنه الحافظ في البلوغ، وقال في التلخيص: إسناده صحيح، لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه؛ لأنه هو الذي يباشر الأرض، يباشر الأقذار، يباشر الأوساخ، وقد يباشر نجاسات، فيكون أسفله أعلى، لكن الدين دين اتباع، ليس عليك إلا أن تقول: سمعنا وأطعنا، ولا تعارض برأيك. "قال محمد: وكان مالك بن أنس يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد". يعني يضعفه، وصحح الترمذي عدة من أحاديثه، وقال في اللباس: ثقة حافظ، فعلى هذا الحديث أقل أحواله أنه حسن، يجب العمل به.

يقول الشوكاني في نيل الأوطار: ليس بين الحديثين تعارض يعني الذي يقول: يمسح أعلاه وأسفله والذي يقول: يمسح أعلاه فقط، ظاهره فقط، ليس بينهما تعارض، يقول: غاية الأمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح تارة على باطن الخف تارة على باطن الخف وظاهره، وتارة على ظاهره فقط، ولم يرو عنه ما يقتضي المنع من إحدى الصيغتين فكان جميع ذلك جائز وسنة. أقول: كلام الشوكاني متجه أنه يخير بينهما لو صح حديث المغيرة في مسح أسفل الخف وأعلاه، لكنه لم يصح، والعبادات توقيف، فلا يتجه كلام الشوكاني حينئذٍ. المسح على الخفين فرع عن غسل الرجلين، وثبت بالسنة أن الرجل اليمنى تغسل قبل الرجل اليسرى، والبدل له حكم المبدل، وعلى هذا تمسح الخف اليمنى قبل الخف اليسرى، تمسح الخف اليمنى قبل اليسرى، وإذا أدخل الخفين ورجلاه طاهرتان ساغ له أن يمسح، شريطة أن يكونا طاهرتين معاً؛ لأن هذا الأصل في الحال، ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) وعلى هذا لو غسل الرجل اليمنى ثم أدخلها الخف ثم غسل الرجل اليسرى ثم أدخلها الخف على قول الأكثر لا يصح؛ لأنه أدخل اليمنى حال كون القدمين غير طاهرتين، والمطلوب طاهرتين معاً، حتى قال بعض أهل العلم: لتصحح مثل هذه الصورة إذا غسل اليمنى ثم أدخلها الخف ثم غسل اليسرى ثم أدخلها الخف لتصحيحها أن ينزع الخف اليمنى ثم يلبسها، من غير إحداث غسل، حتى قال من يقول: إن هذا عبث، مجرد يخلع الخف ثم يلبسه ليصحح المسح هذا عبث، لكنه اتباع أيضاً ((دعهما فإني أدخلتهما)) حال كونهما ((طاهرتين)) يعني معاً، مجتمعتين فلا بد أن تتم الطهارة ليسوغ المسح، ثم إذا تمت الطهارة ولبس الخفين وبدأ المسح من أول مسح، بدأت المدة من أول مسح كما تقدم، فإذا انتهت المدة صلى الفجر بالوضوء الكامل، غسل رجليه ولبس الخفين، ثم بعد ذلك لم يمسح عليهما إلا لصلاة الظهر، ينتهي المسح بوضوء الظهر؛ لأنه مسح الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

الذي يقول من أول حدث يقول: إنه يبدأ المسح إذا جاء من صلاة الصبح وانتقضت طهارته من أول حدث بعد لبس، وهذا قول معروف عند أهل العلم يقول به الشافعية والحنابلة، والذي يقول من اللبس يقول: ما يمسح عليها الفجر؛ لأنه لبسها قبل صلاة الفجر، والقول المرجح أنه من أول مسح، مثل ما ذكرنا أنه في الحديث قال: ((يمسح المقيم)) فالعدة إنما هي للمسح، لا للبس ولا للحدث. إذا تمت هذه المدة فإنه حينئذٍ لا يسوغ له أن يصلي حتى ينزع الخفين ويتوضأ وضوءاً كاملاً. قد يقول قائل: إن تمام المدة أو نزع الخفين على الطهارة لم يذكر في نواقض الوضوء، نقول: نعم ليس بناقض للوضوء، لكنه إن صلى بالخفين بعد تمام المدة أو بعد نزعهما ولو لم تتم المدة قلنا: إنه صلى بقدم غير مغسولة، وخف غير مأذون بمسحها، فلا هذا ولا هذا، طهارة ناقصة، يعني الذي استمر وعليه الخف الطهارة لم تنتقض، يعني تمت المدة لصلاة الظهر جاءت صلاة الظهر وهو على طهارة، يقولون: لا يجوز أن تصلي صلاة الظهر حتى تنزع؛ لأن المدة تمت، أذن لك أن تمسح يوم وليلة، ما زاد على ذلك يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز، هذا حد من حدود الله لا تتعداه، لا تتعدى ما حد الله لك، فلا يجوز لك أن تتعدى هذه المدة. يقول قائل: مثل الطهارة ما انقطعت، الطهارة تامة، نقول: هو يصلي بقدم غير مغسولة، هل يستطيع أن يقول: إني غسلت قدمي؟ يستطيع؟ ما يستطيع، هل يقول: إني أصلي بخف مأذون لي فيها؟ غير مأذون لك فيها، مأذون لك أن تمسح يوم وليلة فقط، وإذا خلعها مسح فرض فرضين ثم خلعها، لا يجوز له أن يصلي كذلك؛ لأنه ليس عليه خف ممسوح ولا رجل مغسولة، وعلى هذا المرجح أنه إذا تمت المدة لا يجوز له أن يستمر، وكذلك إذا خلع الخف فإنه لا يجوز له أيضاً أن يصلي ولو كانت الطهارة باقية؛ لأننا لو قلنا: إنه إذا خلع الخف طهارته كاملة، يرد على هذا أنه لو مسح أربعة أوقات ثم نزع الخف المدة ما زالت باقية، المدة المحددة شرعاً مازالت باقية، نزع الخف ثم لبسه، هل يمسح بعد لبسه وقت واحد، أو خمسة أوقات؟ نعم؟ هو بقي له وقت وما زال على طهارته، وأراد أن يلبسها. طالب:. . . . . . . . .

هو الآن مسح أربعة أوقات، قلنا: إنه مسح صلاة الظهر، ثم بعد ذلك صلى الفجر فنزعها، ثم لبسها، القول الذي قررناه أن الطهارة انتهت، الآن لا بد من لبسها على كمال الطهارة، يعني هل نقول بعد نزعه الخف وطهارته لم تنتقض، ومدته لم تنتهِ هل نقول: طهارته كاملة وإلا ناقصة؟ نعم؟ لا يخلو إما أن نقول: طهارة كاملة وإلا ناقصة؟ إن قلنا: ناقصة قلنا: خلاص بطلت، وإن قلنا: كاملة فله أن يلبس الخفين ويمسح خمسة أوقات، ولا قائل بهذا من أحد من أهل العلم، لا يقول بهذا من أهل العلم أحد. ننتبه لهذه المسألة، يعني الذين يقولون: إنه إذا نزع الخف بعد أن مسح عليه وقتين ثلاثة ولم يحدث يقولون: هو طاهر، كما لو مسح على رأسه ثم حلقه، وهذا ما يقرره شيخ الإسلام -رحمه الله-. نقول: إذا نزع الخف شيخ الإسلام يقول: طاهر، نقول: يا شيخ الإسلام هل طهارته ناقصة وإلا كاملة؟ لا يخلو إما أن يقول: ناقصة وإلا أن يقول: كاملة، إن قال ناقصة، قلنا: لا يصلي فيها؛ لأنه لا تصح الصلاة بطهارة ناقصة صح وإلا لا؟ إذا قال: كاملة يلزم عليه أنه يلبس الخفين على هذه الطهارة الكاملة ويستقبل خمسة أوقات جديدة؛ لأنه أدخلهما طاهرتين، أدخلهما حال كون الرجلين طاهرتين، وشيخ الإسلام ما يقول بهذا؛ لأنه يلزم عليه أن يمسح تسعة أوقات، هل يقول شيخ الإسلام بهذا؟ ما يقول بهذا، وعلى هذا لو نزع الخفين انتهت الطهارة، صارت الرجل لا مغسولة، وليس عليها خف، وكذلك لو تمت المدة الطهارة ناقصة، الرجل غير مغسولة، والخف غير مأذون بمسحها، وقياس الخف بعد نزعه على مسح الرأس ثم حلقه قياس مع الفارق، نقول: مسح الرأس طهارة أصلية، ومسح الخف على خلاف الأصل طهارة فرعية، ولا يقاس الفرع على الأصل، حتى في كلام شيخ الإسلام لو رجعتم إلى الاختيارات وجدتم أنه لا ينزل الفرع منزلة الأصل، وإن كان يقول: بقياس الخف على الرأس، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، إذا قلنا ... ، لو قال: أدخلتهما طاهرتين، إذا كانت الطهارة كاملة ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)). طالب:. . . . . . . . .

باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين:

ما يمكن، ما يمكن، إن كانت ناقصة انتهى الإشكال انحلت، وإن كانت كاملة فليلبسهما وليستقبل خمسة أوقات، هذا مفاده ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) أدخلهما طاهرتين فليستقبل خمسة أوقات، أما أن تلفق من هذا وهذا ما تجي. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين: حدثنا هناد ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الجوربين والنعلين". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم يكن نعلين إذا كانا ثخينين. قال: وفي الباب عن أبي موسى. قال أبو عيسى: سمعت صالح بن محمد الترمذي قال: سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول: دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئاً لم أكن أفعله مسحت على الجوربين غير منعلين. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين" والجوربان تثنية جورب، يقول في القاموس: الجورب لفافة الرجل، جمعه جواربة وجوارب. قال ابن العربي: الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفء وهو التسخان، يعني المسح على التساخين يعني الجوارب، والنعلين تثنية نعل، قال في القاموس: النعل ما وقيت به القدم من الأرض جمعه نعال، والمراد هنا إذا كان تحتهما جوربان، أما النعال التي لا تستر الكعبين فإنه لا يجوز المسح عليه، ما لا يستر المفروض لا يجوز المسح عليه. قال: "حدثنا هناد ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا وكيع عن سفيان" وهو الثوري "عن أبي قيس" عبد الرحمن بن ثروان الأودي، صدوق "عن هزيل بن شرحبيل" ثقة مخضرم "عن المغيرة بن شعبة قال: "توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الجوربين والنعلين".

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان، وضعفه جمع من أهل العلم، منهم النسائي في الكبرى، وقال أبو داود في سننه: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به، وقال البيهقي: حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري وابن مهدي وأحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة المسح على الخفين، يعني لا على الجوربين والنعلين، مع أنه جاء عن جمع من الصحابة، وصححه الترمذي كما سمعتم، ولما نقل الشيخ أحمد شاكر أقوال من ضعفه وهم جمع غفير من أهل العلم قال: وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة، والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر، يعني إذا جعلنا هذا الحديث هو حديث المسح على الخفين قلنا: لا بد من تضعيفه، إذا قلنا: إنه حديث واحد إلا لو جاء الجمع بين مسح على الخفين، والجوربين، والنعلين، قلنا: حديث مشتمل على جمل أفرد بعضها وجمعت أحياناً، لكن من قال: إن حديث المسح على الخفين حديث المغيرة واحد، حديث واحد بجميع ألفاظه فلا شك أن بعض ألفاظه أرجح من بعض، ولذا يقول: وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر؛ لأنه يلتبس على بعض طلاب العلم، لا يلتبس على الأئمة الذين ذكروا، لا، لكن يلتبس على بعض طلاب العلم أن يرد حديث في الباب عن صحابي ويرد حديث آخر في الباب عن نفس الصحابي، إذا كانت القصة واحدة فالحديث واحد، وإذا كانت القصص متعددة فأحاديث؛ لأن المدار في الجمع والتفريق على الراوي، على المخرج، على الصحابي، يعني إذا روي عدة جمل فمثلاً روى البخاري بإسناده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وعن أبي هريرة أيضاً قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه)) هل هذه أحاديث ثلاثة أو ثلاث جمل من حديث واحد؟ هل هي أحاديث ثلاثة، أو حديث واحد فرقه البخاري؟ هو مخرجه واحد، الذي عندنا أيضاً مخرجه المغيرة واحد، ويقول أحمد شاكر: وهو حديث

آخر، هذا لا يمكن الجزم بقاعدة مطردة أن كل ما جاء من هذا النوع حديث واحد أو أحاديث، بل لا بد من قرائن تحتف بذلك، وهنا الأئمة كلهم جعلوه حديثاً واحداً، وضعفوا هذا اللفظ؛ لأن حديث المسح على الخفين أرجح، فحكموا للراجح بأنه هو المحفوظ، والمرجوح بأنه شاذ. أحمد شاكر قال: ليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في الوضوء، فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها بمخالف للآخر، إذ هي أحاديث متعددة، وروايات عن حوادث مختلفة، نعم إذا أثبتنا أنها حوادث مختلفة لا شك أنها تكون أحاديث، ولو كان الصحابي واحد، والمغيرة صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- نحو خمس سنين، فمن المعقول أن يشهد من النبي -عليه الصلاة والسلام- وقائع متعددة في وضوئه ويحكيها، فيسمع بعض الرواة منها شيئاً، ويسمع غيره شيء آخر، وهذا واضح بديهي. على كل حال مثل هذا الكلام للشيخ أحمد شاكر هو لا شك من علمه ومعرفته وخبرته واطلاعه على خفايا العلل ودقائقها، لكن قوله لا يقابل أو يقارن بأقوال الأئمة السابقين. قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد عمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس، وقال ابن المنذر: يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأوصلهم ابن القيم إلى ثلاثة عشر صحابياً. يعني المسح على الجوربين معوله على الحديث، وقد ضعفه من سمعتم من أهل العلم، أو المعول على صنيع هؤلاء الصحابة مجتمعين، وأنهم لا يمكن أن يعملوا؟ علي بن أبي طالب، ابن مسعود، البراء، أنس، أبو أمامة، سهل بن سعد، عمرو بن حريث، عمر بن الخطاب، ابن عباس، هؤلاء تسعة، قال ابن المنذر: يروى المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة، وأوصلهم ابن القيم إلى ثلاثة عشر صحابياً.

باب: ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة:

يعني هؤلاء مجتمعين فيهم القدوة، ومن عمل بالمسح على الجوربين قال: أولاً: عمل هؤلاء الصحابة واحتمال ثبوت الحديث، ولما في الجورب من معنى الخف؛ لأنه يستر القدم ويشق نزعه كالخف. قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم تكن نعلين" يعني وإن لم يوجد نعلان، وإن لم يكن مع الجوربين نعال، فإنه يمسح عليها، أي وإن لم يوجد نعلان أو لم يكن الجوربان منعلين والتنعيل بالنسبة للجورب ليس معنى هذا أنه يلبس الجورب ويلبس النعل فوقه، لا، إنما ينعل من الأسفل، فيوضع الجلد على أسفله. "إذا كانا ثخينين" أي غليظين، يستران المفروض، فالمخرق الذي لا يستر المفروض أو الخفيف الذي تبدو معه البشرة هذا لا يسمح عليه؛ لأن ما ظهر من محل الفرض فرضه الغسل بخلاف ما خفي، وإذا وجد خرق أو خفة في الجورب تبين معها الرجل وتظهر فإنه حينئذٍ لا يمسح عليه؛ لأن ما برز وظهر محله أو فرضه الغسل. "إذا كانا ثخينين" أي غليظين، وعلم من هذا القيد أن الجوربين إذا كانا رقيقين لا يجوز المسح عليهما عند هؤلاء الأئمة، وبقولهم قال: صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد. "قال: وفي الباب عن أبي موسى" وهو مخرج عند ابن ماجه. "قال أبو عيسى -يعني هذا المقطع الجاي أربعة أسطر لا توجد في كثير من النسخ زيادة-: "سمعت صالح بن محمد الترمذي قال: سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول: دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئاً لم أكن أفعله مسحت على الجوربين وهما غير منعلين". وهذا يدل على أن المسح على الجوربين كان آخر الأمرين من حال أبي حنيفة كقول صاحبيه وقول بقية الأئمة. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة:

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الخفين والعمامة، قال بكر: وقد سمعت من ابن المغيرة، قال: وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر أنه مسح على ناصيته وعمامته، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة، ذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية. وسمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان. قال: وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة. قال أبو عيسى: حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح على العمامة. قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه للأثر. فيه تقديم وتأخير، ففي طبعة الشيخ أحمد شاكر قال: "وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي. قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ ... إلى آخره. على كل حال هو سيأتي في النسخ الأخرى، نعم. عفا الله عنك. حدثنا هناد قال: حدثنا على بن مسهر عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار. حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق هو القرشي عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: "سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين فقال: السنة يا ابن أخي، قال: وسألته عن المسح على العمامة فقال: أمس الشعر الماء.

وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المسح على العمامة" العمامة معروفة، وهي ما يوضع على الرأس، ولبسها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال جمع من أهل العلم بسنيتها، وجاء ما جاء في تفضيل الصلاة بالعمامة، وإن كان فيه ضعف. على كل حال العمامة جاءت بها النصوص الكثيرة، ويختلفون هل هي من باب الاقتداء فتكون سنة أو هي من باب العادات والألبسة مردها إلى العادات والأعراف فلا تكون سنة حينئذٍ إلا إذا عرفت في بلد من البلدان؟ قال: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد -القطان- عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني -ثقة- عن الحسن -البصري- عن ابن المغيرة بن شعبة -حمزة بن المغيرة بن شعبة- عن أبيه قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الخفين" وهذا أدلته كثيرة "والعمامة" وهو ما يغطى به الرأس، جمعها عمائم.

"قال بكر: وقد سمعت من ابن المغيرة" يعني سمعت هذا الحديث من ابن المغيرة أي: بلا واسطة الحسن، يعني مرة سمعه منه بواسطة، ومرة سمعه منه بغير واسطة، قال: وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر أنه مسح على ناصيته وعمامته، والناصية مقدم الرأس، وفي رواية لمسلم: "مسح على الخفين ومقدم رأسه، وعلى عمامته" يعني إذا كان المسح على الناصية والعمامة عند من يقول بإجزاء مسح بعض الرأس كالأئمة الثلاثة ومن يقول بقولهم، هذا ما فيه إشكال، إلا إذا كان الظاهر بعد العمامة أقل من الربع على ما يقوله الحنفية، هم يقولون: بمسح بعض الرأس، جزء من الرأس كقول الشافعية والمالكية، وعلى هذا إذا مسح على الناصية سقط فرضه ومسحه على العمامة استحباب، والذي يقول بوجوب تعميم الرأس بالمسح يقول: المسح على العمامة مقصود شرعي، وحكم شرعي ثبت بمثل هذا الحديث وغيره، أما الذي يقول: بمسح بعض الرأس هذا ما عنده إشكال، لو لم يمسح العمامة ما تأثر وضوؤه، لكن الإشكال فيمن يرى مسح جميع الرأس، فلا بد أن يقول بجواز المسح على العمامة، أو بوجوب نزعها عند الوضوء واستيعاب الرأس بالغسل. "وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة، وذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية". ولا شك أن الذاكرين للناصية ثقات حفاظ، فزيادتها مقبولة، ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئاً من الرأس لم يجزه عند الثلاثة، وذهب أحمد إلى جواز الاقتصار على العمامة قاله النووي، ويدل لمذهب أحمد حديث الباب، مسح على الخفين والعمامة. أما حديث مسح على ناصيته وعمامته فلا يدل على مذهب أحمد، وإن دل على مذهب الجمهور، الذين يقولون بالاكتفاء بمسح بعض الرأس.

"وسمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان" إمام من أئمة المسلمين صاحب تحري وتثبت، بل يرمى بالتشديد، على كل حال هو من أئمة المسلمين حتى قال: الإمام أحمد: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان، ويلتبس بأبي الحسن بن القطان الفاسي، يلتبس به؛ لأن أقواله تدور قال ابن القطان، قال ابن القطان في كتب الرجال، في كتب الحديث، يلتبس بهذا، وهذا متقدم وذاك متأخر، أبو الحسن بن القطان الفاسي صاحب (بيان الوهم والإيهام). قال: "وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة". أما حديث عمرو بن أمية فهو مخرج في المسند والبخاري وابن ماجه، وسلمان في المسند والترمذي، وثوبان في المسند أيضاً وأبي داود، وحديث أبي أمامة عند الطبراني، وكذلك عنده أحاديث خزيمة بن ثابت، وأبي طلحة وأبي ذر وأنس عند البيهقي، وله طرق، وفي الباب أحاديث كثيرة عن جمع من الصحابة يراجع لها نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي. "قال أبو عيسى: حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم لكن بزيادة الناصية، ووهم ابن المنذر حيث قال: متفق عليه؛ لأن البخاري لم يخرجه "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد واسحاق قالوا: يمسح على العمامة". واختلفوا: هل يشترط أن تلبس على طهارة كالخف؟ وهل لها وقت محدد كالخف يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر؟ فقال أبو ثور: يشترط، وبه يقول أيضاً الحنابلة أنها كالخف، يعني غاية أمرها مع الخلاف فيها أنها كالخف، والخف يشترط فيه ذلك، إذاً يشترط فيها ذلك، وورد التوقيت عند الطبراني لكنه ضعيف، "وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة" يعني يكمل مسح الرأس بمسح العمامة "وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي".

قال ابن حجر: اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل: إنه كمل عليها بعد مسح الناصية، وبه قال الجمهور، وتقدم في كلام الترمذي ذكر القائلين بالاقتصار على مسحها، وأنها كالخف، تمسح على سبيل الاستقلال. "قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه للأثر" يعني للحديث الوارد في ذلك. قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا على بن مسهر عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار". نعم مسح على الخفين، ومسح على العمامة، لكن كيف يمسح على الخمار والخمار للنساء؟ المراد به ما هو أعم من ذلك، وهو ما يخمر ويغطى به الرأس، فالمقصود به العمامة. قال: "حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق -بن عبد الله بن الحارث- القرشي" العامري المدني ثقة "عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر" أخو سلمة، وقيل: هو سلمة، مقبول كما قال ابن حجر، قال: "سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين؟ فقال: هو السنة يا ابن أخي، قال: وسألته عن المسح على العمامة؟ فقال: أمس الشعر الماء" يعني لا تمسح على العمامة فقط، بل لا بد من الجمع بين العمامة ومسح الشعر. "فقال: أمس الشعر الماء" قال ابن قدامه: وان نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته. أمس الشعر: فعل أمر من الرباعي أمس يمس، وجاء: مُس الماء من الثلاثي. يقول ابن قدامة: وان نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته نص عليه أحمد، يعني كما لو نزع الخف، قال: والتوقيت فيها كالتوقيت في مسح الخف، وفي موطأ محمد: أن المسح على العمامة منسوخ، لكنه لم يذكر المستند، ولا شك أنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل تمسح على جهة الاستقلال، أو تمسح تكميلاً لمسح الرأس، هذا محل الخلاف، فالحنابلة يقولون: بشروطها: أن تكون محنكة، وأن تكون ذات ذؤابة، تمسح استقلالاً ولو لم يمسح معها شيء من الرأس، والجمهور يقولون: لا بد من مسح جزء من الرأس. طالب:. . . . . . . . . يعني مسح على الخفين؟ طالب:. . . . . . . . .

هذه ما في شك أن (على) تدل على العلو، لكن لقائل أن يقول: لو لم يرد نص في ذلك لقلنا: إن البدل له حكم المبدل، وما دام الرجل تغسل من جميع الجهات فالخف يمسح من جميع الجهات، وجاء ما يدل على أنه مسح على الخف وأسفله، نعم، وعلى كل حال المرجح أن المسح لأعلى الخف. يقول: ذكرتم أن دميم الخلقة إذا دعا بتحسين خلقه يعتبر اعتداء في الدعاء، فما تقولون: في حديث الأبرص والأقرع والأعمى؟ هذا في شرع من قبلنا، وعلى كل حال السنن الإلهية لا تتغير، يعني لو دعا أن تنقلب سيارته من كذا إلى كذا؛ لأن بينهما فرق وبون شاسع في القيمة وفي الشكل وفي الاستعمال، أو زوجته تنقلب من كذا إلى كذا، أو بيته ينقلب من كذا إلى كذا، هذا مخالف للسنن الإلهية فلا يدعى به؛ لأنه اعتداء.

أبواب الطهارة (23)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (23) شرح: باب: ما جاء في الغسل من الجنابة، وباب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟ وباب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة، وباب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل، وباب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل، وباب: ما جاء أن الماء من الماء. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول ما الدليل على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول؟ وكيف الجمع بينها وبين ما صحت به السنة أنه -عليه الصلاة والسلام- كأنه على الرضف، يعني الحجار المحماة؟ أولاً: صحت به السنة لم تصح به السنة، الحديث ضعيف عند أهل العلم، وأما الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول فقال به جمع من أهل التحقيق، وإن كان الجمهور على خلافه، وأن التشهد الأول ينتهي بالشهادة، وما يستدل به بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الثاني يستدل به في التشهد الأول، هذه حجة من يقول: بأنه يصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول، ويقول: وكذلك أن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- من جنس الدعاء لا من جنس التشهد ثم ليتخير من المسألة ما شاء يعني بعد انقضاء التشهد، وعلى كل حال سواء تشهد أو لم يتشهد الأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-. فعلى هذا لو أطال الإمام التشهد الأول فهل يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو يكرر التشهد الأول أو يسكت؟ الذين لا يرون الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول وأنها ركن في غير موضعه قالوا: يسكت أو يكرر التشهد، لكن الذين قولون: الأمر في سعة، وأن الدليل الذي يثبت به الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الثاني هو نفسه الدليل الذي يثبت به في التشهد الأول، ومثلما قلنا: الأمر -إن شاء الله- فيه سعة. قال: ما حكم من يجمع بين قراءتين أو روايتين مثلاً يقرأ بحفص وشعبة في آن واحد؟

التلفيق عند جمع من أهل العلم مردود، مردود عند جمع، وإن كانت القراءة كلها متواترة، ومنهم من يرى أنها ما دامت ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالسند المتواتر، وأنها قراءة تجوز القراءة بها إجماعاً فلا مانع أن يقرأ آية أو كلمة على قراءة والثانية على قراءة أخرى، وعموماً أهل العلم يكرهون مثل هذا التلفيق كراهة شديدة حتى في الحديث، الذي بابه أوسع من القرآن، حتى في الحديث، والمسألة مفترضة فيما يقرأ بينه وبين نفسه أو يقرأ لنفسه أما من يقرأ للناس في الصلاة فلا يجوز التشويش عليهم، والتطرق الخلل إلى معتقدهم في القرآن؛ لأن عامة الناس لا يعرفون هذه الأمور. يقول: وكذلك لو سمعت إماماً يقرأ بالصلاة ثم أخطأ وهذا الخطأ موافق لقراءة أخرى فهل أرد عليه مثل يعملون وتعملون؟ مثلما قلنا: عند من يمنع ويشدد في المنع وهذا قول معروف عند أهل العلم ترد عليه ما دام ماشي على قراءة وما قرأه في التعقيب: يعملون وتعلمون مخالف لهذه القراءة ترد عليه، وعند ما يسامح في هذا ويتوسع والتشويش على عامة الناس أمر مرفوض، وكان السبب الأول في جمع القرآن هو خشية أن يفتتن الناس؛ لأن هذا الخلاف في أصل من أوصل الدين، الذي هو القرآن فإذا وقع فيه الاختلاف لا شك أن القلوب تتنافر ويحصل الخلل والفرقة؛ لأن أعظم ما يجمع الناس كلام الله -جل وعلا- القرآن الذي لا اختلاف فيه. يقول: كيف نشأت القراءات ونحن نعلم أن القراءات بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني وجود القراء بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعني أن القراءات بعد زمنه -عليه الصلاة والسلام- بل كل هذه القراءات متلقاة عنه -عليه الصلاة والسلام-، عنه عن جبريل عن رب العزة -جل وعلا-، ما دامت متواترة فهي ثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يجوز أن يقال: أنها بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم القراء بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هم يتلقونها بالأسانيد المتواترة القطعية، تواتر الطبقة جيل عن جيل إلى أن وصلوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: وأن عثمان -رضي الله عنه- جمع القرآن على حرف قريش؟

نعم كانت القراءة على الأحرف السبعة توسعة على الناس، لما دخلوا في الإسلام وهم متفاوتون متباينون في السن وفي اللهجات يصعب على القبيلة هذه أن تنطق بهذا الحرف، ويصعب على القبيلة الأخرى أن تنطق بالحرف الآخر، ويصعب على الكبير أن ينطق بما ينطق به الصغير وهكذا؛ لأن كبار السن يصعب عليهم التعلم، وشواهد الأحوال موجودة الآن، لو تأتي بكبير ستين سبعين سنة وتعلمه الحروف وتعلمه القرآن من جديد صعب عليه جداً، بل بعضهم يستحيل تعليمه، بعض كبار السن يستحيل تعليمه، وبعضهم يقبل التعليم على صعوبة، على كل حال هذه توسعة القراءة على سبعة أحرف، ثم لم رأى عثمان -رضي الله عنه- أن جمعهم على حرف واحد هو الذي يجمع قلوبهم على هذا الأصل الأصيل، ووافقه جميع الصحابة لم يخالفه أحد منهم، وثبت هذا بإجماع من الصحابة، والإجماع لا يثبت إلا بدليل يعني يكون له أصل ومستند من مشكاة النبوة، فعلى هذا لا يجوز القراءة على .. ، أو القراءة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان، على هذا يقرر أهل العلم. يقول: في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) فهل هذا يدل على أن العبادات كالنوافل في الصلاة والذكر أفضل من غيرها أم أنه مجرد خبر؟

من أهل العلم من يرى أنه مجرد خبر، مجرد خبر كما جاء في النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة، مثلها أنها لا مزية لها على غيرها، ولو لم يرد إلا هذا لقلنا: إن هذه الروضة مثل تلك الأنهار، يعني ما يشرع أن الإنسان يذهب إلى النيل أو إلى الفرات يغتسل فيها؛ ليغتسل بينها، لا، لكن ورود مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) يدل على أن هذه الروضة لها مزية، لها مزية وهي من رياض الجنة، ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) وأما تفسير رياض الجنة بأنها حلق الذكر فهذا تفسير بفرد من أفراد العام لا يقتضي التخصيص، كما في قوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] ((ألا إن القوة الرمي)) يقول -عليه الصلاة والسلام-، تخصيص القوة بالرمي لا يعني أن نقتصر عليه ولا نستعمل غيره مما نتقوى به على الأعداء، فهذا تنصيص على فرد من أفراد العام وهو عند أهل العلم لا يقتضي التخصيص، فروضة من رياض الجنة ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) يبقى مسألة وهي مسألة سد الذريعة، يعني لو كان الشخص ممن ينظر إليه ويقتدى به ويظن بعض الجهال أن لهذا الروضة مزية غير ما يتعبد به من قراءة، من تلاوة، من صلاة، من ذكر، قد يظن أنه يتبرك بها، ولولا أنه يتبرك بها ما جاء إليها هذا الشخص الذي ينظر إليه ويقتدى به، إذا خشي من ذلك أن يضل الناس بسببه يترك سداً للذريعة، وإلا فالأصل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)). يقول: ماذا عن كتاب إحياء علوم الدين؟

إحياء علوم الدين للغزالي كتاب معروف ومشهور ومتداول، وهو في جميع الأقطار الإسلامية له شأن عظيم، هو ديدن عند كثير من المسلمين، في كثير من الأقطار، لكنه فيه شوب البدعة واضحة، والخروج عن منهج السلف الصالح في كثير من المباحث العقدية، وفيه أيضاً أخبار باطلة لا أصل لها، وأحاديث موضوعة، هذا موجود، وفيه فوائد لا سيما ما يتعلق بأمراض القلوب، ومن هنا جاء التشديد في أمره بالنسبة لشيوخنا وشيوخهم إلى أئمة الدعوة كلهم لا يرون القراءة في هذا الكتاب لما فيه من مخالفات عقدية، وفيه أحاديث باطلة، وفيه مسائل معروفة، ومعروف أن الغزالي من حيث الاعتقاد أشعري من الأسماء والصفات وغيرها وهو أيضاً متصوف، قد شاب الزهد الديني بالفلسفة القديمة، فمنهجه في هذا خاطئ وباطل -نسأل الله العافية- وعنده طوام، لكن لا يعني أن طالب العلم الذي يميز بين الحق والباطل يمنع من الإفادة منه، نعم لما كان الأمر على الحيطة والحذر وإمكان تحقيق هذه الحيطة بمنع الكتاب كان لا يوجد في البلد مثلاً إلا نسخة واحدة هذه يمكن منع الإطلاع عليها، لكن الآن كم طبع الكتاب من طبعة؟ وكم من نسخة في كل طبعة؟ وكم من نسخة في بيت كل طالب علم من طلاب العلم الآن؟ هذا لا يمكن منعه، وعلى هذا ينبه على خطأه، وفي تقديري أن لو انبرى له طالب علم بارع متميز وقرأه وعلق عليه وبين الأخطاء التي فيه يمكن أن يستفاد منه، أما في وضعه الحالي فطالب العلم المتوسط قد لا يتخلص من كثير من مخالفاته. يقول: ما صحت حديث: ((رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً))؟ الحديث حسن، فليحرص طالب العلم على هذه الأربع الركعات. يقول: بيع السواك بين الأذان والإقامة ما حكمه؟ إذا كان خارج المسجد فلا بأس به. يقول: ما مفهوم قول الإمام أحمد: فقه الحديث أحب إليّ من حفظه؟

واضح أن الثمرة العظمى من النصوص هي العمل، هي العمل والعمل لا يتم إلا بعد الفقه والاستنباط، هذا مهم جداً بالنسبة لطالب العلم فهم النصوص والاستنباط من النصوص، العمل بالنصوص هذه هي الثمرة العظمى، وما الحفظ سواء كان في الصدر أو في الكتاب إلا من أجل أن تفهم هذه النصوص، ويستنبط منها، ويعمل بها، لكن لا يعني هذا أننا نقلل من شأن الحفظ، لا، الحفظ هو الذي يسعفك في كل وقت، مثل ما قيل: "من عمدته الحفظ كمن زاده التمر، ومن معوله على الكتاب كمن زاده البر" التمر في أي وقت احتجت إليه تأكله، لكن البر، البر يحتاج إلى طحن، يحتاج إلى طبخ، يحتاج إلى معاناة، فالذي حفظه في كتابه يحتاج إلى مراجعة الكتاب، وأما الذي حفظه في صدره فلا يحتاج، والحافظة موهبة من الله -جل وعلا- قد لا يستطيعها كثير من الناس، لكن الفهم الفهم، مثلما قلنا: إن المعول على هذا التفقه والاستنباط والعمل، التفقه والاستنباط من أجل العمل، فعلى هذا الفقه له شأن عظيم في هذه النصوص. يقول: هل هناك من جمع اختيارات ابن حجر الفقهية وكذلك الحديثية؟ في بحوث كثيرة جداً حول ابن حجر لا سيما ما يتعلق بالحديث، أما بالنسبة للفقه فهي قليلة. يقول: هل يجوز النظر إلى المرأة الكبيرة التي لا أجد في النظر إليها فتنة لأجل السلام عليها؟ النظر ممنوع من الرجال إلى النساء، وكونها كبيرة أو لا تشتهى نعم هذا يخفف في المسألة، لكن لا يبيح لك أن تنظر إليها من غير حجاب، يجب عليها الحجاب إلا إذا كانت من القواعد التي لا ترجو نكاحاً فيخفف في أمر حجابها. يقول: هل قال أحد بطهارة المذي؟ أولاً: حكمه أنه نجس نجاسة مخففة عند أهل العلم يكتفي فيها بالنضح ليست كنجاسة البول، ومنهم من نظر إلى هذا التخفيف الوارد من الشرع فقال بطهارته كالمني. يقول: إذا أعطيت شخصاً زكاة على أنه يصلي في بيته ثم تبين عدم صحة ذلك يعني أنه لا يصلي البتة -نسأل الله السلامة والعافية-، فهل أعيد دفع الزكاة؟

باب: ما جاء في الغسل من الجنابة:

إذا كنت تحريت وبحثت وسألت وأعطيته من أجل أن يستمر على ملازمة العبادة؛ لأنه لا يستطيع الحضور إلى المسجد، أما إذا كان يصلي في بيته وهو يستطيع الحضور إلى المسجد فمثل هذا يهجر، ولا يعطى من الزكاة، ويبين له أن منعه من الزكاة من أجل عدم حضوه الجماعة لعلى ذلك أن يكون رادع له عن معصيته التي ارتكبها؛ لأن الصلاة مع الجماعة واجبة وهو عاصٍ بتركها. يقول: أليس إذا غسل رجلاً ثم أدخلها ثم غسل الثانية ثم أدخلها في الخف يكون قد أدخلهما طاهرتين؟ فقوله: ((طاهرتين)) حال للثنتين جميعاً وليس لواحدة، فلو قال: إني أدخلتهما طاهرتين أي أحد القدمين صح الاستدلال فما قولكم؟ هذه المسألة، السؤال هذا استعجلنا أو أعجلنا في مسألة بحثها أهل العلم ونذكرها في موطنها -إن شاء الله تعالى-، لكن نشير إليها الآن، يعني إذا غسل العضو ارتفع الحديث عنه وإلا الحدث شيء واحد لا يرتفع إلا إذا اكتملت الطهارة؟ بمعنى أنه لو غسل وجهه وغسل يديه يجوز أن يمس المصحف قبل أن يغسل قدميه؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ إذاً لا يرتفع الحدث ولا يصح وصف الرجل بأنها طهارة حتى يغسل الثانية. يقول: إذا كان من أصول الحنفية أن الزيادة على القرآن نسخ فكيف يرون المسح على الخفين مع أن الآحاد عندهم لا ينسخ القرآن؟ أولاً: المسح على الخفين ورد بالتواتر القطعي، وينسخ به القرآن عند من لا يرى نسخ القرآن بالآحاد، لكن هناك مسائل كثيرة ثبتت بأحاديث آحاد وقالوا بها، مسائل كثيرة لم تثبت إلا أنها وردة بأحاديث ضعيفة وقالوا بها، فبهذا يلزمون، يلزمون بنقض هذه القاعدة. سم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الغسل من الجنابة:

حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن خالته ميمونة -رضي الله عنها- قالت: "وضعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- غسلاً فاغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفيه، ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه، ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض على سائر جسده، ثم تنحى فغسل رجليه". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة. حدثنا بن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم غسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفرغ على رأسه ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ثم يغسل قدميه، والعلم على هذا عند أهل العلم. وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الغسل من الجنابة" الجنابة في الأصل البعد، الجار الجنب يعني البعيد، سمي جنباً لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [(43) سورة النساء] ومنهي أن يقرب موضع الصلاة اللي هو المسجد، فعليه أن يبتعد عنه، وقيل: لمجانبته الناس حتى يغتسل، مع أن المسلم طاهر، وفي حديث أبي هريرة أنه لما لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- انخنس، ابتعد عنه؛ لأنه كان جنباً، فالأصل في التسمية هو هذا، وأن الجنب يبتعد عن الناس، ويبتعد عن مواطن الصلاة.

والجنب يقع على الواحد والاثنين والجمع المذكر والمؤنث، فتقول: هذا جنب وهذه جنب وهذان جنب وهؤلاء جنب {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] فاللفظ يقع على هذه الأحوال المختلفة في حال الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، مثل طفل ثم إيش؟ {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [(67) سورة غافر] ما قال: أطفالاً فيستوي في المذكر والمؤنث والمثنى والمفرد والجمع، والجنب المراد به الذي يجب عليه الغسل بجماع أو إنزال. قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد" وهو ابن السري مر مراراً "قال: حدثنا وكيع" هو الإمام وكيع بن الجراح الرؤاسي "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن سالم بن أبي الجعد" الأشجعي الكوفي ثقة، وهو من رجال الكتب الستة "عن كريب" بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم، ولى ابن عباس، وهو ثقة أيضاً "عن -عبد الله- ابن عباس" -رضي الله عنه- حبر الأمة، وترجمان القرآن -رضي الله عنهم- "عن خالته ميمونة" بن الحارث الهلالية، زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- وبنى بها في سرف، وماتت سنة إحدى وخمسين بسرف، نفس المكان "قالت: وضعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- غسلاً" يعني ماء يغتسل به، الماء الذي يغتسل به يسمى غسل، كالأكل لما يؤكل {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} [(35) سورة الرعد] يعني ما يؤكل "فاغتسل" يعني: أراد الاغتسال، لأنه مر بنا مراراً أن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء، وهذا هو الأصل، ولذا سمي ماضياً، ويطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع فيه، ويطلق ويراد به إرادة الفعل، هنا أراد أن يغتسل "فاغتسل من الجنابة" أو يقال: شرع فيها؟ و (من) في قوله: "من الجنابة" سببية، يعني بسببها "فأكفأ الإناء" يعني أماله، ومثله أصغى "فأكفاء الإناء بشماله على يمينه، فغسل كفيه" يعني أخذ بيمينه فغسل بها الكفين، اليمنى واليسرى، والكف إلى المفصل إلى الرسغ "ثم أدخل يده في الإناء" في الجملة الأولى "فأكفأ بشماله على يمينه فغسل كفيه" ثم بعد ذلك لما غسل كفيه ساغ أن يدخل اليد في الإناء، فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها، إما على سبيل الاستحباب أو على سبيل الوجوب في حالة ما إذا قام من النوم.

"ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه" يعني صب الماء على فرجه بيده اليمنى وغسله باليسرى "ثم دلك بيده الحائط" الحائط الجدار "أو الأرض" شك هل دلك بيده؟ أو شكت هل دلك بيده -عليه الصلاة والسلام- الحائط أو الأرض؟ المقصود أنه إذا غسل فرجه يدلك يده بالأرض أو بالحائط ليذهب إن كان فيها شيء علق بها من هذا المكان، ومنهم من يقول: إن هذه من أجل إذهاب الرائحة؛ لأن مثل هذا الدلك يقضي على الرائحة، وإلا فالماء يذهب عين النجاسة "ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، ثم مضمض واستنشق" مضمض واستنشق، غسل يديه ثم غسل فرجه وما تلوث بسبب الجماع ثم مضمض واستنشق "وغسل وجهه وذراعيه" يبدأ بالمضمضة والاستنشاق ثلاثاً كما هو السنة في الضوء من كف واحدة "وغسل وجهه وذراعيه" غسل وجهه المعروف الحدود: من منابة شعر الرأس طولاً ومن الذقن إلى الأذن عرضاً "وذراعيه" والذراع يطلق على الكف والساعد "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً" ثم أفاض يعني الماء على رأسه ثلاثاً، وظاهره أنه لم يمسح رأسه، لم يمسح رأسه، ولم يكمل وضوءه، يعني غسل يديه وفرجه، ثم مضمض واستنشق، غسل وجهه وذراعيه، ثم بعد ذلك أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، وهذه الإفاضة تابعة للوضوء وإلا للغسل؟ للغسل؛ لأنه لو كان وضوءاً لاكتفى بالمسح كما هو شأن الوضوء، فعلى هذا الوضوء كامل وإلا ناقص؟ ناقص "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً" وأهل العلم يبحثون مسألة إجزاء غسل الرأس عن مسحه، فمنهم من يقول: إنه مسح وزيادة، فيجزئ، ومنهم من يقول: إن غسل الرأس مردود؛ لأنه على خلاف ما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) مردود، ولا يجزئ الغسل عن المسح، فمن قال: إن الغسل يجزئ عن المسح قال: إنه توضأ، وأخر غسل الرجلين، وسيأتي ما في هذا من كلام حكم تأخير غسل الرجلين عن الغسل، فجاء ما يدل على تقديمهما، وجاء ما يدل على تأخيرهما، توضأ وضوءه للصلاة، مقتضى هذا أنه توضأ إلى أن غسل رجليه ثم اغتسل فقدم غسل الرجلين، وهنا قال: "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض على سائر جسده" يعني باقي جسده، والسائر هو الباقي، وقد يستعمل للجميع، وقد يستعمل للجميع، وقد وقع عند البخاري من حديث عائشة ثم

يفيض الماء على جلده كله، قال ابن حجر: والتأكيد يدل على أنه عمم جميع الجسد لا غالب الجسد، وهذا يدل على أنه بعد ذلك يعمم جميع بدنه بما في ذلك ما غسل للوضوء، يعني إذا توضأ وضوءه للصلاة ثم بعد ذلك أفاض الماء على رأسه، ثم غسل سائر جسده هل يغسل ذراعيه ورجليه؟ أو لا يغسلهما باعتبار أنه غسل هذه الأعضاء في الوضوء؟ فإذا قلنا: سائر الباقي، أن المراد بسائر هو الباقي قلنا: ما يلزم أن يغسل ذراعيه؛ لأنه غسلهما مع الوضوء، ولا يلزم أن يغسل رجليه؛ لأنه غسلهما مع الوضوء، أو سوف يغسلهما بعد ذلك كما في هذا الحديث، على كل حال قوله: ثم يفيض الماء على جلده كله يشمل أعضاء الوضوء التي سبق غسلها، قال: "ثم تنحى" أي تحول عن مكانه إلى ناحية أخرى "فغسل رجليه" وفي هذا تأخير غسل الرجلين عن بعد الغسل، والانتقال عن مكان أخر، وهو مخالف لحديث عائشة الآتي: "توضأ وضوءه للصلاة" فإما أن يقال: إن حديث عائشة: "توضأ وضوءه للصلاة" يعني في غالبه، محمول على الغالب، وأنه لا يبقى إلا الرجلين تغسل بعد، وإما أن يقال: هذه صورة وهذه صورة، ويمكن حمل الصورتين على حالين بأن يقال: إذا كان المكان نظيفاً ولا يلوث الرجلين فمثل هذا المكان أقول: ففي مثل هذا المكان يتوضأ الوضوء الكامل كما يتوضأ للصلاة ويغسل رجليه قبل الغسل، وإذا كان المكان قد يلوث القدمين بعد الغسل بأن يكون فيه طين وما أشبه ذلك فإنه يتحول عن مكانه ويغسل رجليه. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" هذا حديث حسن صحيح، ورواه الجماعة، رواه الجماعة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، يعني مخرج في دواوين الإسلام كلها.

"قال: وفي الباب عن أم سلمة" وهذا عند مسلم "وجابر" عند ابن ماجه "وأبي سعيد" عند ابن ماجه أيضاً "وجبير بن مطعم" عند البخاري ومسلم وابن ماجه والنسائي "وأبي هريرة" عند ابن ماجه، يعني ابن ماجه خرج كل هذه الأحاديث حديث أم سلمة في مسلم جابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة كلهم عند ابن ماجه، ما يدل على أن ابن ماجه تفرد بأحاديث لم تذكر عند غيره، فزوائده على الكتب الخمسة كثيرة، زوائده على الكتب الخمسة كثيرة، وهذا هو ما جعل ابن طاهر يجعل ابن ماجه هو سادس الكتب، أول من أدخل ابن ماجه مع الكتب وجعله السادس أبو الفضل بن طاهر لكثرة زوائده على الكتب الخمسة، وهنا هذه الأحاديث التي أشار إليها الترمذي يعني جلها عند ابن ماجه يعني ما في إلا واحد لا يوجد عن ابن ماجه، وخمسة موجودة عنده، مما يدل على أن هذا الكتاب ينبغي أن يعتنى به، ففيه زوائد كثيرة، وإن كان كثير مما يتفرد به ضعيف، لكن يحتاج إليه.

"قال: حدثنا بن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغتسل من الجنابة" قلنا: فيما تقدم أن (من) هذه سببية "بدأ فغسل يديه" وفي نسخة: "بغسل يديه"، بدأ بغسل يديه أو بدأ فغسل يديه، وفيه ما تقدم من مشروعية ذلك، إما وجوباً كما في حال الاستيقاظ من النوم على ما تقدم، أو استحباباً، وجوباً واستحباباً، "قبل أن يدخلهما الإناء ثم غسل فرجه" وفي نسخة: "ثم يغسل"، "ثم غسل فرجه ويتوضأ" يعني قوله: "ويتوضأ" مناسب للنسخة الأخرى التي فيها: "ويغسل فرجه"، "ويتوضأ وضوءه للصلاة" وضوءه منصوب على نزع الخافض، يعني توضأ كوضوئه للصلاة، يعني مثل ما في حديث: ((ذكاة الجنين ذكاة أمه)) يعني: كذكاة أمه منصوب على نزع الخافض، هذا على رواية النصب، ويستدل بها من يقول: إن الجنين يذكى مثل ذكاة أمه، وهو قول الحنفية، والجمهور على أن الراوية الراجحة: ((ذكاة الجنين ذكاة أمه)) يعني هي ذكاة أمه فتكفي، فلا تحتاج إلى تذكية "ويتوضأ وضوءه للصلاة" ومقتضى ذلك أنه يغسل رجليه قبل أن يفرغ على أو يفيض على رأسه الماء، وفيه ما تقدم أنه أحياناً يقدم غسل الرجلين كما في حديث عائشة، وأحياناً يؤخر غسل الرجلين كما في حديث ميمونة "ثم يشرب شعره الماء" يشرب من التشريب، يعني يسقي رأسه الماء، يسقي الماء رأسه، "ثم يشرب شعره الماء" كما في قوله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [(93) سورة البقرة] يعني أدخل في قلوبهم حب العجل، وهنا يشرب شعره الماء، وشعره مفعول أول والماء مفعول ثاني، ليشرب "ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات" ثلاث حثيات يعني: غرفات بيديه واحدها حثية.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ورواه الشيخان وأبو داود والنسائي، قال: "وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضأه للصلاة -كاملاً- ثم يفرغ -أي يصب- على رأسه ثلاث مرات ثم يفيض -يعني يسيل- الماء على سائر جسده"، قال: "ثم يغسل قدميه" يعني على ما جاء في حديث ميمونة، ثم يغسل قدميه، "والعمل على هذا عند أهل العلم وقولوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكروا أنه توضأ وضوءه للصلاة، إجمالاً وتفصيلاً، بعض الأحاديث مجمل توضأ وضوءه للصلاة، وبعضها تفصيل: غسل يديه ثم مضمض واستنشق وغسل وجه إلى أن أكمل الوضوء، فكل من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه توضأ قبله، كل من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكروا أنه توضأ قبله، ثم أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض الماء على سائر جسده، وليس فيه تثليث، يعني يغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ولم يذكر فيه تثليث، وهذا هو الغسل الكامل، وإن كان بعضهم يرى أنه يفيض الماء على شقه الأيمن ثلاثاً ثم على شقه الأيسر ثلاثاً، يعني لم تأتِ به الرواية، وإنما قالوا: إن التثليث مستحب في الوضوء وفي غسل الرأس في الغسل فينبغي أن يكون مستحباً في الباقي، على كل حال الغسل الكامل هو ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، والمجزئ هو تعميم الجسد بالماء، ولا يلزم منه أن يتوضأ قبله ولا بعده، قال: وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، يعني أن الوضوء ليس بواجب في غسل الجنابة، لماذا؟ لأنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد، عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضيه والأخرى مؤداة قالوا: دخلت الصغرى في الكبرى، يعني كمن جاء والإمام راكع يكبر تكبيرة الإحرام وتدخل فيها تكبيرة الركوع، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، يعني ابن رجب -رحمه الله- في قواعده ذكر أمثلة كثيرة لهذه القاعدة، "وهو وقول الشافعي وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة أيضاً وأصحابه، ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل.

قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: فرض الله تعالى الغسل مطلقاً لم يذكر فيه شيئاً يبدأ به قبل شيء، فكيف ما جاء به المغتسل أجزأه، إذا أتى بغسل جميع بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة، يعني في حديث الباب: "يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات" ثم بعد ذلك يفيض الماء على بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة، وقال ابن عبد البر: إن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل؛ لأن كل من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه توضأ، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل، الآن قال: إن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، وابن بطال نقل الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وتعقب ابن حجر دعوى الإجماع فقد ذهب جماعة بقوله: ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء، الغسل لا ينوب على الوضوء للمحدث، انتهى كلام ابن حجر، وقال ابن العربي في العارضة، قال أبو ثور: يلزم الجمع بين الضوء والغسل، كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعنه ثلاثة أجوبة؛ لأن ابن العربي يري أنه بالإجماع لا يلزم، ولم ذكر كلام أبي ثور أجاب عنه بثلاثة أجوبة. الأول: أن ذلك ليس بجمع وإنما هو غسل كله، غسل كله يعني كونه غسل يديه وغسل وجهه وذراعيه، وأفاض الماء على رأسه، ثم عمم هذا غسل وليس بوضوء، يعني هذه أبعاض للغسل وليست من الوضوء، أن ذلك ليس بجمع وإنما هو الغسل كله. الثاني: أنه إن كان جمع بينهما فإنما ذلك استحباب، استحباب بدليل قوله تعالى: {حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء] وقوله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني ما ذكر غير الاغتسال، وما ذكر غير التطهر، فهذا هو الفرض، يقول: فهذا هو الفرض. الثالث: أن سائر الأحاديث ليس فيها ذكر الوضوء، سائر الأحاديث يعني غير ما ذكر من حديث ميمونة وحديث عائشة يقول: ليس فيها ذكر للوضوء، وإنما إذا سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أن تفعل كذا وكذا، وليس فيه ذكر للوضوء.

باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟

يقول الشارح المبارك فوري: في كل من هذه الأجوبة الثلاثة عندي نظر، أما الأول فلأن ظاهر حديث ميمونة وعائشة هو الجمع بينهما وهذا ظاهر، يعني أما في حديث عائشة نص ويتوضأ وضوءه للصلاة، وأما الثاني: فلأن المراد بقوله: {حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء] هو الاغتسال الشرعي المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وفيه الوضوء، وكذلك التطهر. وأما الثالث: فلأن عدم ذكر الوضوء في بعض أحاديث الغسل ليس بدليل على أنه ليس بواجب في غسل الجنابة، والله أعلم. يعني كونه يشرح في غسله -عليه الصلاة والسلام- من الجنابة ثم لا يذكر في نصوص أخرى إما لأن المشروح له الغسل قد علم ذلك فيما قبل، والسنة إذا ثبتت بحديث واحد لا يلزم بيانها في كل مناسبة، كما هو معلوم، فبهذه الأجوبة الثلاثة عن قول ابن العربي في إجابته عن إيجاب أبي ثور للوضوء ومخالفته للإجماع الذي نقلوه. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟ حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "قلت: يا رسول الله: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفانقظه لغسل الجنابة؟ قال: ((لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك الماء فتطهرين)) أو قال: ((فإذا أنتِ قد تطهرتِ)). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها. يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟ " لأن الشعر إذا ظفر ونسج وأدخل بعضه في بعض قد ينبو الماء عن أصوله، قد لا يصل الماء إلى أصوله، والمطلوب في الغسل أن تروى أصول الشعر، ويشرب الشعر الماء على ما تقدم.

يقول: "حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان" هو ابن عيينة كما في رواية أبي داود "عن أيوب بن موسى" بن عمرو بن سعيد بن العاص، الأموي، الفقيه، وهو من رجال الكتب الستة "عن سعيد" بن أبي سعيد "المقبري" وهو ثقة أيضاً "عن عبد الله بن رافع" المخزومي المدني، مولى أم سلمة وهو ثقة "عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله" أم سلمة هند بنت أبي أمية زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، "قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي" أشد يعني: أحكم "ضفر رأسي" يعني نسجه وفتله "ضفر رأسي" يعني شعر رأسها "أفانقضه؟ " أي أفرقه ليصل الماء إلى باطنه "لغسل الجنابة" وفي رواية مسلم: "للحيضة والجنابة" لأن هذا الرواية نحتاجها -رواية مسلم- نحتاجها لمناقشة قول من يقول بالتفريق بين غسل الحيض، أقول: نحتاج رواية مسلم: "للحيضة والجنابة" لمناقشة من يقول بالتفريق بين غسل الحيض فينقض له الشعر، وغسل الجنابة فلا ينقض له "أفانقضه لغسل الجنابة قال: ((لا، إنما يكفيك أن تحثين)) " وفي نسخة: "تحثي" يعني تصبي ((على رأسك الماء ثلاث حثيات)) وتحثي معروف أن (أن) تنصب، تنصب الفعل المضارع وتحثين إلغاء لفعلها، وقد جاء إلغاؤها وإثبات النون معها في شواهد كثيرة، منها قول الشاعر: أن تقرأنِ على أسماء ويحكما ... مني السلام وألا تشعرا أحداً يعني في صدر البيت ألغاها، ألغى عملها، وفي أخره "وألا تشعرا" أعملها وحذف النون. ((أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء)) بإثبات النون تحثين، كما قرره أهل العلم لغة، يقول ابن مالك في ألفيته: وبعضهم أهمل (أن) حملاً على ... (ما) أختها حيث استحقت عملاً يعني أهمل (أن) وجعلها لا تنصب الفعل المضارع كما في البيت. أن تقرأنِ على أسماء. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .

((على رأسك ثلاث حثيات من ماء)) مع أنه جاء في نسخ أخرى: ((أن تحثي)) بدون نون على الجادة ((ثم تفيضين)) وفي النسخ التي أشير إليها: ((تفيضي)) بحذف النون ((على سائر جسدك فتطهرين))، قال: ((إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفضين)) ليس فيه ذكر للوضوء قبل الغسل ((على سائر جسدك فتطهرين)) لكن قد يقول قائل: إن الحديث جاء إجابة لسؤال، وهو نقض الشعر المضفور يعني المنسوج المدخل بعضه في بعض، فيكون الجواب مطابق للسؤال، وذكر الوضوء قدر زائد على ما جاء في السؤال، وعلى هذا لا يقال: إن مثل هذا بيان ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، هو بيان لشعر الرأس هل ينقض أو لا ينقض؟ وما عدا ذلك ثبت بأدلة أخرى ((فتطهرين)) أو قال: ((فإذا أنت قد تطهرت)). "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ورواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، يعني رواه الجماعة ما عدا البخاري، "قال: والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها".

"المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها" وهذا هو مذهب الجمهور لا يلزم نقض ضفر الرأس، الضفائر لا تنقض، وقال الحسن وطاووس: يجب النقض في غسل الحيض دون الجنابة، وهو مروي عن أحمد، التفريق بين الحيض والجنابة، واستدل بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة بنقضه، وحمله الجمهور على الندب لرواية مسلم: "للحيضة والجنابة" في حديث أم سلمة، الآن أم سلمة قيل لها: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، يعني لا يلزم نقض الرأس وفي حديث عائشة أمرها النبي -عليه الصلاة والسلام- بنقض رأسها، هذه سألت عن الجنابة وعائشة الحيض، أشار الصنعاني في سبل السلام أن غسل عائشة كان للإحرام، لما حاضت كان للإحرام فليس إلا غسل تنظيف ومن لازم التنظيف أن ينقض الشعر، يعني من فرق بين غسل الحيض فينقض وغسل الجنابة لا ينقض، قال: حديث عائشة غسل حيض، وحديث أم سلمة أفانقضه لغسل الجنابة؟ الدليل واضح، يعني لو لم ترد رواية مسلم: "للحيضة والجنابة" في حديث أم سلمة لكان هذا القول متجه، لكن لما ورد عرفنا أن الحيض والجنابة حكمه واحد، فكيف أمرت عائشة ولم تؤمر أم سلمة؟ عائشة أمرت لأن الغسل غسل تنظيف للإحرام، وليس بغسل واجب، وأما غسل أم سلمة فهو معروف أنه للواجب، للحيضة والجنابة، قد يقول قائل: لماذا لا يحتاط للواجب أكثر من غيره؟ فإذا قلنا: بنقضه في الغسل المستحب قلنا: بنقضه في الغسل الواجب من باب أولى، وعلى كل حال عائشة -رضي الله عنها- لا تريد بغسلها رفع الحدث، وإنما تريد التنظف للإحرام، ومعلوم أن الإحرام يسن له الاغتسال ولا يجب، ومن تمام النظافة أن ينقض الشعر ويعتنى به وينظف، منهم من لحظ ملحظ أخر ليفرق بين أمره -عليه الصلاة والسلام- لعائشة وبين قوله لأم سلمة حين قالت له: إني أشد ضفرة رأسي أفانقضه لغسل الجنابة؟ قال: عائشة فتاة صغيرة شعرها كثيف وأم سلمة كبيرة السن وشعرها خفيف، فالعشر الكثيف ينقض والشعر الخفيف الذي يمكن أن يصل الماء إلى أصوله دون نقض لا يحتاج إلى نقض، يقول بعضهم: إن هذا لا دليل عليه، هذا التفريق لا دليل عليه ولم ينقل أن شعر أم سلمة خفيف وشعر عائشة كثيف، لكن هذا هو

الغالب أن المرأة كلما تقدم بها السن يخف شعرها، ليست مثل الفتاة الصغيرة، أم سلمة كبيرة جداً لما تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أبي سلمة، بينما عائشة مات عنها النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمرها ثمان عشرة سنة، ففرق بين شعر امرأة عجوز كبيرة وبين امرأة صغيرة، وعندي أن هذا الوجه وجيه جداً وإن لم ينص عليه أنما يحتاج إليه في مثل هذا الموقف يعني في للتوفيق بين النصوص نحتاج إلى مثل هذا الكلام، ولو لم ينص عليه، ما يحتاج ينص عليه، لماذا؟ للتوفيق بين النصوص، وأهل العلم يسلكون مسالك أضعف من هذا لرفع التعارض بين النصوص، يعني وجوه الجمع كثيرة جداً عند أهل العلم وعند التعارض، فالحازمي ذكر منها أكثر من خمسين وجهاً في مقدمة الاعتبار، والحافظ العراقي -رحمه الله- زاد بها على المائة وجه لرفع الاختلاف بين النصوص، وفي تقديري أن هذا من أفضل ما يجمع به بين هذه النصوص؛ لأن التفريق بين غسل الحيض وغسل الجنابة لا شك أنه قوي لو لم ترد رواية مسلم في سؤال أم سلمة "للحيضة والجنابة" فهذا جعل غسل الحيض أو غسل الجنابة مثل غسل الحيض لا فرق، فلم يبقَ وجه للتفريق بينهما إلا أن يقال: إن عائشة أمرت بنقض شعرها لأنها فتاة صغيرة وشعرها كثيف لم يتساقط بعد، أما العجائز فالغالب أن شعرها يكون خفيفاً متمزقاً متساقطاً وهذا ظاهر، ومثل هذا التفريق وإن لم يرد به نص إنما يستفاد منه رفع الاختلاف بين هذه الأحاديث. سم. طالب: عفا الله عنك يا شيخ: هل العلة مشقة النقض بمعنى لو جمعت المرأة شعرها بغير الضفائر هل يلزمها أن تنقض الشعر لأنه لم يكن بضفيرة؟ هو الملحوظ في مثل هذا أن تروى أصول الشعر أن يشرب الشعر الماء، فإذا كان يصل بنفسه لا يحتاج إلى نقض، وإذا كان لا يصل إلا بالنقض لا بد من نقضه، ولهذا التفريق بين المرأة الكبيرة والصغيرة إنما هو من أجل النظر إلى الغالب، الغالب أن النساء الصغار الفتيات شعرهن كثيف، فلا يصل الماء إلى أصوله إلا بنقض، والغالب أن النساء كبار السن شعرها خفيف فلا تحتاج إلى نقض، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لحظة. طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . . لا لا أكثر أكثر.

باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة:

طالب:. . . . . . . . . نعم تسع وخمسين، يعني بعده، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا هي أكبر يوم تزوجها النبي تناهز الأربعين، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . إيه في الغسل لا بد سواء في جنابة أو حيضة خلاف الوضوء، الوضوء ما يحتاج تمسح أعاليه ويكفي. طالب:. . . . . . . . . لا أصول لا بد أن يصل البشرة، يعني أطرافه، مقتضى مسحه في الوضوء يلزم بغسله في الجنابة، في الغسل إيه، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . النقض؟ طالب:. . . . . . . . . يعني هذه مسلك من مسالك الجمع، يمكن أن يقال ... ، أقول: هذا مسلك من مسالك الجمع بأن يقال: أن الأمر في حديث عائشة مصروف إلى الندب بحديث أم سلمة، وعندي أن المسألة مردها إلى تشريب الشعر الماء، بحيث يصل إلى أصوله، فأن وجد ما يمنع من وصله لزم إزالته وإلا فلا، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا الحارث بن وجيه قال: حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر)). قال: وفي الباب عن علي وأنس. قال أبو عيسى: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار، ويقال: الحارث بن وجيه، ويقال: ابن وجبة. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة" قال: "حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا الحارث بن وجيه" أبو محمد الراسبي البصري، ضعيف عند عامة أهل العلم، قال: "حدثنا مالك بن دينار" البصري الزاهد "عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحت كل شعرة جنابة)) " مقتضى هذا أنه لو بقيت شعرة لم يصلها الماء بقي شيء من هذه الجنابة بقدر ما بقي من الشعر ((فاغسلوا الشعر)) يعني جميعه ((وأنقوا البشر)) البَشَر ظاهر جلد الإنسان، ((أنقوا البشر)) يعني من الأوساخ التي تمنع من وصول الماء إلى البشرة، ولو بقي شيء يمنع من وصول الماء إلى البشرة لم ترتفع الجنابة. هذا الحديث أولاً: هو ضعيف، ضعفه وأنكره أهل العلم بالحديث، استدل به من يستدل بالتفريق بين المضمضة والاستنشاق فيوجب الاستنشاق في الغسل، ولا يوجب المضمضة، فما وجه الاستدلال؟ طالب:. . . . . . . . . نعم لأن في داخل الأنف في شعر، بخلاف الفم يعني استنباط دقيق جداً لو صح الخبر، هذه نباهة من جهة وغفلة من جهة. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن علي" عند أحمد وأبي داود وابن ماجه، يعني مسألة الاهتمام بالشعر يعني من ترك شيئاً من شعره أو من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل الله به كذا وكذا في النار، قال علي: "فمن ثم عاديت رأسي" وهو صحيح إلى علي -رضي الله عنه-، منهم من يقول: موقوف، لكن لا شك أن أمارات الرفع عليه ظاهرة؛ لأن الوعيد بالنار لا يمكن أن يقوله علي من تلقاء نفسه، حدث علي ثابت إلى علي -رضي الله عنه- عند أحمد وأبي داود وابن ماجه. وفي الباب أيضاً "عن أنس" عند أبي يعلى والطبراني، لكنه ضعيف.

باب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل:

"قال أبو عيسى: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه" أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي، ومداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف جداً حتى عند غير الترمذي إنما يرويه الحاث بن وجيه، قال البيهقي: أنكره أهل العلم بالحديث البخاري وأبو داود وغيرهم، قال: "وهو -يعني الحارث- شيخ ليس بذاك" شيخ ليس بذاك يعني ليس بذاك القوي، كما هو معروف في ألفاظ الجرح والتعديل، لكن قد يقول قائل: إن شيخ تعديل، ومع ذلك هو تعديل ضعيف، وهو أقرب ألفاظ التعديل إلى الجرح، وليس بذاك القوي من ألفاظ التجريح، فلعله من حيث الديانة يستحق بوصف شيخ، ومن حيث الضبط والإتقان ليس بذاك، قال: "وقد روى عنه غير واحد من الأئمة" يعني الجهالة مرتفعة لكن الضعف ثابت "وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار، ويقال -يعني في اسمه- الحارث بن وجيه، ويقال: ابن وجبة" الحارث بن وجبة، يختلفون في والده هل هو بالياء أو بالباء؟ وعلى كل حال هو ضعيف، والخبر لا يستدل به لضعفه، والحرص على تروية أصول الشعر سواء كانت في الرأس أو في غيره أمر لا بد منه، نعم. عفا الله عنك قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل: قال: حدثنا إسماعيل بن موسى قال: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يتوضأ بعد الغسل". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين أن لا يتوضأ بعد الغسل. يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل"

قال: "حدثنا إسماعيل بن موسى" الفزاري، صدوق يخطأ "قال: حدثنا شريك" يعني ابن عبد الله القاضي صدوق، لكن تابعه زهير كما في رواية أبي داود "عن أبي إسحاق" السبيعي "عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يتوضأ بعد الغسل" يعني في حديثها السابق أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة قبل الغسل، في حديثها هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يتوضأ بعد الغسل اكتفاءً بوضوئه الأول، أو باندراج ارتفاع الحدث الأصغر تحت ارتفاع الحدث الأكبر بإيصال الماء إلى جميع أعضائه، الماء وصل إلى جميع أعضاء الوضوء فلا داعي لتكراره بعد ذلك، وأما قبله فالسنة جاءت به، لكن لو طرأ ما يقتضي إعادة الوضوء بعد الغسل، توضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل فمس ذكره أو انتقض وضوؤه بأي ناقض فإنه يلزمه إعادة الوضوء. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة. "قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين أنه لا يتوضأ بعد الغسل". بل لم يختلف فيه العلماء كما صرح بذلك ابن العربي، وابن العربي بحث هنا مسألة مهمة جداً وهي هل يرتفع الحدث عن كل عضو على حدة؟ أو لا يرتفع إلا بعد تمام غسل جميع الأعضاء؟ هل يرتفع الحدث عن كل عضو على حدة أو لا يرتفع إلا بعد تمام غسل جميع الأعضاء؟ معروف أن الحدث هو الوصف القائم بالبدن الذي منه الأكبر والأصغر، الأكبر من الجنابة والحيض، والأصغر من البول والغائط والنوم، والأمور مختلف فيها، أما بالنسبة لما لا تشترط له الطهارة كالنوم مثلاً أو الأكل فإن مثل هذا الجنب يخفف، يخفف الحدث بالوضوء، لكن إذا أراد رفع الحدث ليزاول ما منع منه بسبب الحدث فهل يرتفع الحدث عن كل عضو على حدة؟ أو لا يرتفع إلا بعد تمام غسل جميع الأعضاء؟ بمعنى أنه لو غسل وجه ويديه في الوضوء هل يجوز له أن يمس المصحف بيده باعتبار أنه رفع الحدث عنها أو لا يجوز باعتبار أن الحدث لم يرتفع إلا بعد غسل الرجل اليسرى؟ نعم؟

ابن العربي أبطل الاحتمال الأول وهو أن الحدث يرتفع عن كل عضو بغسله، ولو لم يتم الوضوء، أبطله للإجماع على أن الرجل لو غسل وجه ويديه في الوضوء لم يجز له أن يمس المصحف، وإنما غسل الوجه وارتفاع الحدث عنه موقوف مراعاً فيه كمال الوضوء، فإن كمل الوضوء ثبت له الحكم وإن لم يكمل بطل، بدليل أن الموالاة من فروض الوضوء، يعني لو قلنا: إنه يرتفع قلنا: إذا غسل وجه ويديه ثم أجل مسح الرأس وغسل الرجلين، لا يحتاج إلى أن يعيده؛ لأنه ارتفع الوضوء عنهما، لا يحتاج إلى أن يعيد غسل الوجه واليدين لأن الوضوء ارتفع عنهما، ولكن هذا جارٍ عند من يقول: بأن الموالاة ليست من فرائض الوضوء، أما من يقول: أن الموالاة فرض من فروض الوضوء فإن مثل هذا الكلام لا يجري عنده.

قال: كركعة من الصلاة، يعني الصلاة ثلاثية أو ثنائية أو رباعية صلى منها ركعة هل نقول: يعتد بهذا الركعة؟ لا يعتد بها؛ لأنها موقوفة على تمام الركعة التي تليها، أو على تمام ما يريده من الصلاة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، وهذا الكلام ينفعنا في مسألة الخف، فإذا غسل رجله اليمنى وأدخلها في الخف، ثم غسل اليسرى وأدخلها في الخف لم يصح عند الحنابلة وجمع من أهل العلم؛ لأنه لا يصح أن يكون أدخلها وهو طاهرة لا منفردة ولا مجتمعة، يعني هذه مسألة يحتاج إليها كثيراً، يعني المنازعة من شيخ الإسلام وغير شيخ الإسلام الذين يقولون: إن مجرد خلع اليمنى ثم لبسها هذا عبث، نقول: لا هذا ليس بعبث ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) حتى لو غسل اليمنى ما نقول: طاهرة حتى يغسل اليسرى، الوجه ليس بطاهر حتى يغسل الرجل اليسرى، فلا يتحقق قوله: ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) حتى تكمل الطهارة، لهذه المسائل التي لشيخ الإسلام فيها قول، وقد اطلع عليه طلاب العلم وعرفوه، ونصره من أهل العلم من يوثق بعلمه ويقتدى به، وتبرأ الذمة بتقليده يعني يحصل فيه مشادة من بعض الإخوان، يعني إذا قررنا مسألة ثم قال شيخ الإسلام يقول: لا يخفى علينا قول شيخ الإسلام ومن يقول بقول شيخ الإسلام، لكن كل إنسان ملزم بما يترجح عنده، ولذلك من الأمس واليوم كمسألة إذا نزع الخف، أو من أين يبدأ؟ أو إذا لبس خف قبل غسل الثانية، يعني كثر فيها السؤال فما له داعي يا الإخوان، كل إنسان يقرر ما يترجح عنده، وأما كون الإنسان يلزم بقوله غيره فهذا ليس بصحيح، يعني لا يظن أن الإخوان يبي يذكرونا بقول شيخ الإسلام، أو أننا بنرجع عن قولنا؛ لأن شيخ الإسلام قال، ما نرجع، إلا إذا .. ، نعم شيخ الإسلام إمام، وقدوة، وتبرأ الذمة بتقليده وإذا قالت حذامِ فصدقوها ... . . . . . . . . .

باب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل:

كثير من الناس إذا سمع لشيخ الإسلام قول خلاص أقفل ذهنه عن الاجتهاد هذا الكلام ليس بصحيح، شيخ الإسلام إمام، لكنه كغيره يخطأ ويصيب، يرجح الراجح في الغالب لكنه قد يرجح مرجوح، يعني مسألة الطهارة الأصلية والفرعية حينما يناقش فيها شيخ الإسلام فيمن خلع الخف واستمر على طهارته ويقيسه على شعر الرأس إذا مسحه ثم خلعه، لو تقرأ المسح على الخفين في الاختيارات رجعت عن هذا القول، وتفريق شيخ الإسلام بين الطهارة الأصلية والفرعية، في كتابه الاختيارات يفرق، ومع ذلك يقول: يقاس القدم على الرأس إذا حلق الشعر، فما أحد يلزم بقول أحد، كما أننا أيضاً لا نلزم الإخوان بترجيح ما رأينه أبداً، المسألة لا حجر لمن لاح له شيء، ليس معنى هذا أن الإنسان إذا ترجح عنده قول أنه هو الصواب ما يلزم، نعم؟ أنا أقول هذا لأنه كثر السؤال يعني واحد يجلس واحد يقوم واحد يصلي معي وواحد يتبعني واحد ... على شان إيش؟ إحنا قررنا هذه المسائل في دروس كثيرة جداً يعني، وكون الإنسان يقول لك: والله الشيخ فلان قال نعم الشيخ قال وهل يخفى علينا قول فلان أو علان؟ ما يخفى. عفا الله عنك. باب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا". قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ورافع بن خديج. حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل)). قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح. قال: وقد روى هذا الحديث عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه: ((إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)). وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. عندك واو، مثل سفيان ها؟ طالب: نعم؟ مثل ...

طالب: مثل سفيان الثوري. في واو؟ نعم؟ طالب: عفا الله عنك. مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: إذا التقى الختانان وجب الغسل. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" والختان بالنسبة للرجل معروف، وهو واجب لأن الطهارة لا تتم إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا مختلف في وجوبه، وأما بالنسبة لختان المرأة ويقال له: الخفاض فمسالة مختلف فيها، فمنهم من أوجبه وأما استحبابه فلا إشكال فيه ((إذا التقاء الختانان وجب الغسل)) ختان وخفاض فقيل: الختانان من باب التغليب، كما يقال: العمران، والقمران، والأبوان. قال: "حدثنا أبو موسى محمد -بن موسى أبو موسى بن- المثنى" المعروف، العنزي، ثقة، من شيوخ الأئمة، "قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم" بن محمد بن أبي بكر، وهو ثقة "عن أبيه" القاسم بن محمد، أحد الفقهاء السبعة، فقهاء المدينة السبعة. فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة الفقهاء السبعة. "عن عائشة قالت: "إذا جاوز الختان الختان" يعني إذا حاذى أحدهما الأخر، والمراد الجماع، وهو تغيب الحشفة "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" يعني الاغتسال من هذه الجنابة، يعني ولو لم ينزل. "قالت عائشة -رضي لله عنها- فعلته" أي ما ذكر من مجاوزة الختان الختان "أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" والتصريح بمثل هذا لا ينافي الأدب؛ لأن المصلحة راجحة، لكن حينما لا يكون هنالك مصلحة فالتصريح بمثل هذا مخل بالأدب، ومذموم في النصوص، وهو من الرفث الذي جاء النهي عنه، لكن قراءة مثل هذا الحديث في نهار رمضان أو في الحج مثلاً هل هو مخل بالصيام أو مخل بالحج أو لا يخل بهما؟ يقرأ في سنن الترمذي أو في الصحيحين أو في غيرهما؟ يقرأ مجموعة من الشباب حاجين يقرؤون في عرفة مثل هذا الكلام. طالب:. . . . . . . . .

تقول: ليس من الرفث، ابن عباس يخص الرفث بما تواجه به النساء، يعني لو كان الكلام بين الرجال ما يضر، لكن إذا وجهت به النساء فإنه يسمى رفث، مع أنه الرفث ينظر فيه إلى الكلام ذاته، ولو لم يكن بحضرة نساء، فالإسفاف في الكلام رفث، وما يتعلق بأمور النساء وما يقع بينهن مع رجالهن مع أزوجهن كلها رفث، وإن قال ابن عباس ما قال، وذكر عنه في كتب التفسير وكتب اللغة البيت المعروف الذي لا يقال في حال السعة فضلاً عن حال النسك، يذكر هذا عن ابن عباس، والنكارة فيه ظاهرة، يعني يثبتونه، الأئمة كلهم يثبتونه عن ابن عباس. وهن يمشين بنا هسيسا ... . . . . . . . . . ... البيت، بيت كله رفث، يعني ما يقال في حال السعة فضلاً عن مثل هذه الأوقات. "إن تصدق الطير" هذا تطير بعد هذا مخالف للمعروف من النصوص، فقراءة مثل هذه الأحاديث يعني إن لم تكن الحاجة داعية إليها فيفضل أن يقرأ غيرها من أبواب العلم في وقت الصيام وفي وقت الحج، وإن دعت إليها الحاجة تقرأ؛ لأنه ليس المقصود الرفث إنما المقصود العلم. "فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" والضمير ضمير المتصل (أنا) يؤتى به لتجويز العطف على ضمير الرفع المتصل، لو قالت: "فعلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا هنا لا يجيزون العطف على ضمير الرفع المتصل إلا بفاصل. وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت ففصل بالضمير المنفصل يعني كما هنا. أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد على كل حال هنا جاءت بضمير الفصل على الجادة، قد يقول قائل: إنها فصلت بضمير نصب المتصل، فصلت بين ضمير الرفع المتصل والمعطوف عليه بضمير نصب "فعلته ورسول الله" يكفي وإلا ما يكفي؟ لأنه يقول: "أو فاصل ما" أي فاصل، يعني ما تقول: جئت وزيد، تقول: جئت أنا وزيد وتقول: جئت اليوم وزيد هذا فاصل، لكن ضمير النصب كما هنا يكفي وإلا ما يكفي؟ "فعلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" مقتضى قوله: "أو فاصل ما" أنه يكفي؛ لأنه وجد الفصل بين ضمير الرفع المتصل وما عطف عليه.

"قال: وفي الباب عن أبي هريرة" وهذا مخرج في الصحيحين والمسند "وعبد الله بن عمرو" عند ابن ماجه "ورافع بن خديج" عند الإمام أحمد. قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد" بن جدعان، وهو ضعيف عند جماهير أهل العلم، وإن وثقه الشيخ أحمد شاكر، فقد وثق مجموعة من الضعفاء في حواشيه على المسند، وعلى الترمذي أيضاً يعني في الجزأين وثق أكثر من عشرين جمهور أهل العلم على ضعفهم، ومنهم على بن زيد، ومنهم ابن لهيعة، ومنهم ابن إسحاق، وجمع من الرواة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . والإفريقي محمد تقدم هذا عبد الرحمن بن زياد، المقصود أن عشرين أو يزيدون قليلاً أو ينقصون كلهم وثقهم وجماهير أهل العلم على ضعفهم. "عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل)). يقول الشوكاني: ورد الحديث بلفظ المحاذاة وورد أيضاً بلفظ الملاقاة، وبلفظ: المجاوزة كما هنا، وبلفظ الملامسة، وبلفظ الإلصاق، والمقصود من ذلك كله أنه إذا أولج فقد وجب الغسل وقد وقت الملاقاة. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأصله في صحيح مسلم بلفظ: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جاهدها فقد وجب الغسل)) وفي بعض الروايات: ((وإن لم ينزل)) يعني الغسل مرتب على مس الختان الختان الذي يعبر به عن الإيلاج. "قال: وقد روى هذا الحديث عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه: ((إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)). وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: إذا التقاء الختانان وجب الغسل".

باب: ما جاء أن الماء من الماء:

يقول النووي: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل مع الجماع وإن لم يكن معه إنزال، يعني كان الخلاف بين الصحابة معروف، قال: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل مع الجماع وإن لم يكن معه إنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال، ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين، وأردف الترمذي هذه الترجمة بالترجمة: "ما جاء أن الماء من الماء" وكان هذا في صدر الإسلام فهو منسوخ، ونقرأه لصلته بحديث الباب، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء أن الماء من الماء: حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب -رضي الله عنهما- قالا: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها". حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبي بن كعب ورافع بن خديج، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا. حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إنما الماء من الماء في الاحتلام". قال أبو عيسى: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك، قال أبو عيسى: وأبو الجحاف اسمه: داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري قال: حدثنا أبو الجحاف وكان مريضاً. مرضياً، مرضياً. عفا الله عنك. "وكان مريضاً". قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((الماء من الماء)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء أن الماء من الماء" وهذا مثل ما تقدم بحثه في تقديم الناسخ على المنسوخ، والترتيب الطبيعي أن يقدم هذا لقدمه في الزمان في الوقت، قال: "باب ما جاء أن الماء من الماء" الماء هو الماء الذي يغتسل به من الماء الذي هو الخارج من الإنسان إثر الجماع، لا ماء إلا من الماء، مقتضاه أنه لا غسل إلا بالإنزال، والترمذي عقد هذه الترجمة لبيان أن هذا الحديث أن الترجمة بلفظ حديث أنه منسوخ لبيان أن ما ورد مما يدل على أن الماء من الماء منسوخ، وقوله: الماء من الماء هذا فيه الجناس التام، يأتي اللفظ واحد والمعنى مختلف. قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد" الأيلي، وهو ثقة "عن الزهري عن سهل بن سعد" بن مالك الأنصاري الخزرجي، له ولأبيه صحبة "عن أبي بن كعب قال: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها" يعني وفرض الغسل بمجرد الإيلاج، فلا يلزم نزول الماء. قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند الإمام أحمد وأبي داود والدارمي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، في العلل التي في أخر الجامع لما ذكر الحديث حديث: "الماء من الماء" قال: بينا علته في الكتاب، وعلته أنه منسوخ، ولذا ذكروا من أجناس العلل النسخ، وقالوا: إن الترمذي سمى النسخ علة، ويريدون بهذا الكلام هذا الموضع من الترمذي، قال: إنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وحديث أبي صريح في النسخ، وقال في العلل: بينا علته في الكتاب وهي النسخ، فالترمذي سمى النسخ علة، فإن قصده أنها علة مؤثرة في الصحة فلا، الحديث صحيح، وإن قصده أن العلة مؤثرة في العمل بالحديث فصحيح، لو لم نعرف المتقدم من المتأخر، وجاءنا حديث: ((إنما الماء من الماء)) مع حديث: ((إذا التقى الختانان)) فما الذي يقدم منهما؟ نعم؟ أيهما الماء من الماء؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ طيب، ها؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم جاء حمله على الاحتلام، لكن يبقى أيضاً أنه من حيث ... نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أنه إيش؟ يعني أنزل أو لم ينزل. أيضاً حديث: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ولو لم ينزل)) هذا منطوق، ودلالة حديث: ((الماء من الماء)) على عدم الاغتسال من مجرد الإيلاج مفهوم وليس بالمنطوق، منطوق الحديث دلالته في محل نطقه أن الماء الذي هو الاغتسال يجب إذا أنزل، مفهومه أنه لا يجب إذا لم ينزل، منطوق الحديث غير مخالف لمنطوق الحديث السابق، منطوق الحديث غير مخالف، لكن المخالفة بين الحديث السابق مع مفهوم هذا الحديث، والمنطوق مقدم على المفهوم، يعني مثل ما قالوا في حديث القلتين أن ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) وحديث القلتين: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) قالوا: إن حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) مخصص بحديث: ((إذا بلغ الماء قلتين)) ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) فيه عموم مخصوص بحديث: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) قالوا: لكنه تخصيص بالمفهوم، يعني المعارضة بين هذا وهذا ليست منطوق مع المنطوق، إنما هي منطوق مع المفهوم، ولذلك شيخ الإسلام يرى أن حديث القلتين صحيح، لكن دلالته على مراد الشافعية والحنابلة بالمفهوم لا بالمنطوق، ومخالفه منطوق فالمنطوق مقدم على المفهوم، وهنا كذلك، يعني حديث: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ولو لم ينزل)) هذا منطوقه ظاهر في أنه يلزمه الغسل نعم ولو لم ينزل، وحديث: ((إنما الماء من الماء)) أو الماء من الماء منطوقه أنه يجب الغسل إذا أنزل، مفهومه أنه لا يجب الغسل إذا لم ينزل، المنطوق مع المنطوق ما في مخالفة، المخالفة بين منطوق الحديث الأول ومفهوم الحديث الثاني، وحينئذٍ المنطوق مقدم على المفهوم، مع أن القول بالنسخ واضح كانت رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها، أيضاً التصريح هنا: "ثم نسخ ذلك" وسيأتي حمله على الاحتلام.

"قال: وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبي بن كعب" حديثه تقدم في الباب نفسه "ورافع بن خديج" وروايته خرجها الحازمي في الاعتبار "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا". مسألة تتعلق بالحديث السابق ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)) وهي مما يحتاج إليها، ويسأل عنها، إذا أولج بحائل، مع حائل مثلاً يعني من غير مباشرة لا سيما مع ما يرد على هذه البلاد من مصنوعات قد تستعمل على وجه مشروع أو على وجه غير مشروع، المقصود أنه يوجد حوائل وجودها مثل عدمها، يعني لا تحول دون كمال اللذة، فهل نقول: إن هذا إيلاج بحائل أو مباشرة، إذا جامع بحائل منهم من يقول: إنه إيلاج مطلقاً، ولو كان هذا الحائل خشن يحول دون كمال اللذة، ومنهم من يقول: ليس بإيلاج مطلقاً، ولو كان ناعماً، والصواب التفريق بين الخشن الذي يحول دون كمال اللذة، وبين الناعم الذي لا يحول دون كمال اللذة، فالناعم وجوده مثل عدمه، يعني يكون إيلاج ويجب الغسل من الطرفين، ولو لم يحصل إنزال، بينما الذي يحول دون كمال اللذة من حائل خشن مثل هذا لا يأخذ حكم المباشرة. أيضاً لو أولج في غير القبل؛ لأن في الحديث: ((إذا التقى الختان)) والدبر ليس فيه ختان، فهل الحكم واحد أو يختلف؟ هذه مسألة من المسائل الكبار ترى ليست سهلة، يعني ولا يعني أن العلماء إذا بحثوا مثل هذه المسألة أنهم يبيحون العمل، لا العمل حرام، يعني سواء كان الإيلاج بالنسبة للمرأة من الدبر أو في اللواط -نسأل الله السلامة والعافية-، كل هذا من عظائم الأمور، لكن يبقى أن له أحكام مترتبة أخرى، هل يلزم اغتسال أو لا يلزم؟ هذه مسألة من كبار المسائل، ولا بد من بحثها، منهم من يقول: ما دام فرج الحكم واحد، ولعل هذا هو الظاهر.

قال: "حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا شريك" بن عبد الله القاضي "عن أبي الجحاف" داود بن أبي عوف، كما ذكر الترمذي، وهو صدوق "عن عكرمة عن ابن عباس قال: "إنما الماء من الماء في الاحتلام" إنما الماء من الماء في الاحتلام، يعني لا في الجماع، ولا شك أنه إذا احتلم ولم ينزل فإنه لا غسل عليه، لحديث أم سلمة قالت: "هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ " قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) إذا رأت الماء، إذا رأت الماء يلزم الغسل، مفهومه أنها إذا لم تر الماء فإنه لا غسل عليها. "قال أبو عيسى: سمعت الجارود" بن معاذ السلمي الترمذي ثقة "يقول: سمعت وكيعاً" الإمام ابن الجراح، "يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك" ومعروف شريك أنه يخطأ، وقال الإمام مسلم في حديث الإسراء الذي رواه من طريقه فقال: إن شريكاً زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، وأورد ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد من أوهام شريك في الإسراء، وكذلك الحافظ ابن حجر ما يصل إلى العشرة، عشرة أوهام في حديث الإسراء "يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك" أولاً: هذا الخبر موقوف على ابن عباس واجتهاد منه، الأمر الثاني: أنه سواء كان ثبت عن ابن عباس أو لم يثبت فالقول به من أجل التوفيق بين النصوص لا شك أنه وجه من وجوه رفع التعارض، ومسلك من المسالك التي يسلكها أهل العلم للتوفيق بين النصوص، وهو قول جيد في الجملة، يعني إذا أمكن الجمع فلا يعدل عنه إلى النسخ، ويمكن حمل حديث: ((الماء من الماء)) على الاحتلام، ولا يحتاج إلى أن نقول: إنه منسوخ؛ لأن النسخ يقتضي إلغاء الحديث، رفع الحكم بالكلية، والقول بأنه محمول على صورة خاصة وهو الاحتلام يبقي دلالة الحديث قائمة، وينفي التعارض بينه وبين الأحاديث الأخرى. قال أبو عيسى: وأبو الجحاف اسمه: داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري أنه قال: حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً" مرضياً، سفيان الثوري يقول: حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً، وهذه من ألفاظ التعديل المتوسطة، يعني تدل على قبول خبره وإن لم يكن على درجة من التوثيق.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((الماء من الماء)). الحديث لم يرد عنهم جميعاً بهذا اللفظ، وإنما وردوا في قصة، وردت أسماؤهم في قصة واحدة عند البخاري، في صحيح البخاري عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو سلمة أن عطاء بن يسار أخبره أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أريت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمنِ؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني معناه معنى حديث: ((الماء من الماء)) فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك، يعني المعنى واحد وليس بلفظ الخبر. طالب:. . . . . . . . . إيه، يعني سبب الورود يرد قول ابن عباس، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن قد يلجأ إلى خصوص السبب عند التعارض، فيحمل أو يقصر الخبر على سببه، قول وكيع: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك يدل على أنهم يسمون الأخبار الموقوفة والمقطوعة حديث، يسمون الموقوفات والمقاطيع يسمونها أحاديث، ولذلك هذا ينفع في رفع الإشكال الذي يرد عند ذكر ما يحفظه الأئمة، إذا قيل: الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، طيب سبعمائة ألف حديث لو بحثت في الدواوين الموجودة ما وجدت ولا مائة ألف، وين راحت؟ ضاعت على الأمة؟ لا ما ضاعت، كانوا يعدون المكررات أحاديث فربما حديث يرد من مائة طريق يعدونها مائة حديث، يعدون أقوال الصحابة أحاديث كما هنا، نعم، سمى كلام ابن عباس حديث، يعدون أقوال التابعين حديث، فإذا جمعنا هذه الأمور مجتمعة بلغت أضعاف ما يحفظه الإمام أحمد، فلا يقال: إن شيء من الدين قد ضاع على الأمة، يعني الأمة معصومة في أن تفرط في شيء من دينها. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

أبواب الطهارة (24)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (24) شرح: باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً، وباب: ما جاء في المني والمذي، وباب: ما جاء في المذي يصيب الثوب، وباب: غسل المني من الثوب، وباب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل، وباب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام، وباب: ما جاء في مصافحة الجنب. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: إذا كان بعض الأئمة يضعفون راوياً وبعضهم يوثقونه أو يحسنونه فيكف يمكن التعامل مع هذا الراوي؟ يمكن التعامل معه على ضوء قواعد الجرح والتعديل، عندهم مسألة هي مسألة تعارض الجرح مع التعديل، وهناك قواعد وضوابط معروفة عند الأئمة يرجحون بها إما الجرح وإما التعديل، والأصل أنه إذا كان الجرح مفسراً فإنه مقدم على التعديل؛ لأن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل، وعلى كل حال كل راوٍ بحسبه، فقد يكثر عدد الجارحين، وقد يكثر عدد المعدلين، وقد يتساوى العددان، وقد يكون الجرح شديداً والتعديل خفيفاً أو العكس، كل هذه لها أثر في الجنوح والميل إلى التعديل أو الجرح. هل يقبل حديثه أم لا؟ على حسب ما يترجح من حاله إما القبول وإما الرد. وهل ينطبق هذا على كل حديث رواه؟ نعم إذا تفرد به انطبق، وإذا توبع عليه ارتقى حديثه إن كان ضعفه غير شديد. يقول: هل يعد العلامة أحمد شاكر من المتساهلين في الحكم على الرجال أم لا؟ وهل يعتد بحكمه عليهم باعتبار توثيقه لبعضهم .... ؟ لا، الشيخ متساهل جداً، لكن قراءة كتبه لا بد منه لطالب الحديث. يقول: هل تنصح الطالب المبتدئ في بداية طلبه دراسة الفقه أم دراسة الحديث؟ يدرس العلمين معاً فلا فقه إلا بحديث، ولا فهم للحديث إلا من خلال فهم أهل العلم، لا سيما سلف هذه الأمة فالجمع بين العلمين هو الذي يحقق للطالب فقه النفس. يقول: يا حبذا لو أعدت الجواب الذي ذكرته بالأمس وهو إذا أطال الإمام الجلوس في التشهد الأول هل يعيد التشهد أو يسكت أو يكمل؟ الأولى أن يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: حديث: ((هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي)) هل يستدل به على أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وكذلك قصة سارة مع الظالم يضاف إلى ذلك قصة جرير وأنه توضأ؟ فالوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، بل الذي من خصائصها الغرة والتحجيل. يقول: ما رأيكم في طباعة دار الكتب العلمية؟ وهل تنصحون بها؟ لا، طباعة دار الكتب العلمية ضعيفة، يعني من أضعف المطابع. يقول: ما أفضل تحقيق للمنار المنيف لأبن القيم؟ أفضل تحقيق هو طبعة حلب تحقيق أبو غدة، يعني استدرك على المؤلف أحاديث كثيرة، فعمله في هذا الكتاب جيد. يقول: معلوم أن ابن الأثير أكثر من عالم؟ نعم فيهم المحدث أبو السعادات صاحب النهاية وجامع الأصول، وفيهم المؤرخ صاحب الكامل، وفيهم الأديب صاحب المثل السائر. يقول: لقد قرأت أن هناك عالم يسمى ابن حجر المكي؟ نعم هذا الهيتمي معروف، غير ابن حجر العسقلاني، وهناك أيضاً من يقول له: ابن حجر متأخر جداً، متأخر يعني في أيامنا، لكنه توفي ابن حجر صاحب قطر. يقول: ما حكم جمع الجمعة مع العصر للمسافر؟ لا يجوز لأن الجمعة فرض مستقل كالفجر، لا تجمع ولا يجمع إليها. يقول: إذا كان سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر هل يدخل في ذلك سؤر الفأرة؟ نعم يدخل في ذلك سؤر الفأرة. هل يحتج بحديث الآحاد بكل شرائع الدين؟ نعم، يحتج بخبر الواحد إذا بلغ درجة الحسن أو الصحيح في جميع أبواب الدين حتى في العقائد. كيف الرد على من خالفه؟ يرد بأن الدين واحد، جاء من إله واحد، بواسطة جبريل -عليه السلام- على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو واحد متساوي الأقدام كما يقول أهل العلم، فما يثبت في الفضائل يثبت بالعقائد، والتفريق الذي يحتاج إلى دليل. وهل من مثال لحديث آحاد في السنن أو في المسانيد أو في المعاجم؟ موجودة الأحاديث كلها في الغالب آحاد؛ لأن الضابط في الآحاد ما لم يبلغ درجة التواتر. قولكم: مرضياً من أوسط صيغ التعديل كيف توفق بينها وبين حديث الصحيحين: ((شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر))؟

باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما:

المسائل الاصطلاحية لا يخلط بينها وبين ما جاء في النصوص هذه مسألة اصطلاحية يعني لو رجعت إلى ألفاظ التعديل وجدت مرضي دون ثقة، فأعلى درجات التوثيق عند ابن حجر في التقريب الصحابة، وعند غيره ما جاء بأفعل التفضيل أوثق الناس أعدل الناس، أصدق من رأيت من البشر، ثم بعد ذلك ما كرر من ألفاظ التعديل، ثقة ثقة، بعد ذلك ما أفرد من ألفاظ التعديل، ثقة فقط، ثم بعد ذلك يأتي ما دونها في التعديل من مرضي ونحوه. ألا يمكن أن يقال: رواية الحيضة شاذة؟ رواية الحيضة في صحيح مسلم، هي في صحيح مسلم. يقول: ما صحت حديث: ((إذا مررتم برياض الجنة فرتعوا))؟ هذا الحديث ليس فيه إشكال، ثابت. ثم لو صح أليس فسره نفسه بتمام الحديث قيل: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر))؟ حلق الذكر، أيضاً فسر قوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا إن القوة الرمي)) يعني ما نستعد إلا بالرمي؟ هذا كلام ليس بصحيح، يعني ذكر بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص. من مؤلف كتاب: الأربعين المكية؟ الأربعون المكية هذه جمعت من قبل مشروع تعظيم بيت الله الحرام، كتاب معاصر مؤلف حديث من قبل هذه الجمعية ألف هذه الكتاب، ولا أعرف من كلف بهذا التأليف، وعلى كل حال هي موضوعها ما يتعلق بالبلد الحرام. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً: حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا حماد بن خالد الخياط عن عبد الله بن عمر هو العمري عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة -رضي الله عنها - قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً؟ قال: ((يغتسل)) وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً؟ قال: ((لا غسل عليه)) قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: ((نعم، إن النساء شقائق الرجال)).

قال أبو عيسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل، وهو قول سفيان الثوري وأحمد، وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول الشافعي وإسحاق، وإذا رأى احتلاماً ولم يرَ بلة فلا غسل عليه عند عامة أهل العلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء فيمن يستيقظ -يعني من نومه- فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً" يعني يرى البلل –الرطوبة- في ثيابه ولا يذكر احتلاماً، الموجب للغسل عند أهل العلم التقاء الختانين على ما تقدم، أو خروج المني من مخرجه إن كان من مستيقظ فلا بد أن يكون بلذة، وإن كان من نائم فلا يلزم ذلك، لا بد أن يتحقق أنه ماء نطفة على ما سيأتي مني، أما إذا وجد ماء وشك فيه، هل هو ماء نطفه ماء المني أو المذي أو غيرهما؟ فإنه لا يجب عليه الغسل؛ لأن الحدث مشكوك فيه، الحدث الأكبر هذا مشكوك فيه والأصل الطهارة، فلا يلزمه فإذا استيقظ فرأى بللاً ولا يذكر احتلاماً فإنه ينظر في هذا البلل فإن كان منياً وجب عليه الغسل، وإن لم يذكر احتلام، وإن كان مذياً فعليه أن يغسله؛ لأنه نجس، ينضحه نجاسة مخففة، وإن كان عرقاً أو ما أشبه ذلك فلا شيء فيه، فعليه أن يتأكد.

قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا حماد بن خالد الخياط" القرشي أبو عبد الله البصري ثقة "عن عبد الله بن عمر" بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب "العمري" المكبر الأصغر "عن -أخيه- عبيد الله" الأكبر المصغر، يعني أوصاف متضادة، أوصاف متنافرة، عن عبد الله بن عمر هذا المكبر الأصغر، الأصغر سناً وقدراً وهو مكبر في اسمه عبد الله، وأخوه مصغر عبيد الله وهو أكبر منه سناً وقدراً، فلا مانع أن يوصف الإنسان بوصفين متنافرين إذا انفكت الجهة فيقال: عن عبد الله بن عمر المبكر الأصغر، هذه انفكت الجهة مكبر باعتبار اسمه وأخوه مصغر باعتبار الاسم عبيد الله، وهذا باعتبار السن أصغر من عبيد الله، الأصغر في السن هو المبكر، والأكبر في السن هو المصغر، وقل مثل هذا في القَدْر، ومع تنافر هذا اللفظ أو هذين اللفظين مع انفكاك الجهة يجوز إطلاقه، كما تقول: جاء الطويل القصير، يعني طويل في عمره قصير في قامته، ومن ذلك قول الله -جل وعلا-: {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} [(4) سورة الحج] انفكت الجهة فلا مانع، وإن كان أهل العلم يقولون: إن المقطوع والمضاف إلى التابعي لا يطلق عليه أنه متصل للتنافر اللفظي، كيف نقول: مقطوع متصل؟ مع أنه إذا استحضرنا مثل هذا الكلام، وأنه إذا انفكت الجهة فلا مانع من إطلاق اللفظين المتنافرين، فهو مقطوع باعتبار الإضافة إلى التابعي، وهو متصل باعتبار أن كل واحد ممن يرويه يرويه عمن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل، فهو متصل من هذه الحيثية، وإن كان أهل العلم يتحاشون أن يجمع بين اللفظين للتنافر.

عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المكبر، هذا ضعيف عند أهل العلم، ضعيف، والشيخ أحمد شاكر على عادته في تساهله وثقه، وجمهور أهل العلم على تضعيفه "عن عبيد الله" عن أخيه عبيد الله، وهو أكبر منه سناً وقدراً، وهو ثقة عند عامة أهل العلم "عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد" وهو أحد الفقهاء السبعة "عن عائشة قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجد البلل –الرطوبة- ولا يذكر احتلاماً؟ " والاحتلام افتعال من الحلم وهو ما يراه النائم في نومه، والمراد به –بالاحتلام- الجماع في النوم، يرى أنه يجامع "يجد البلل ولا يذكر احتلاماً" في هذه الحالة إذا وجد البلل "قال: ((يغتسل)) " هذا خبر بمعنى الأمر المراد به ليغتسل، يعني عليه الغسل، يجب عليه الغسل، وجاء في حديث أم سلمة أو أم سليم كما في الصحيح أنها سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها ترى في المنام ما يراه الرجل هل على المرأة من غسل إذا هي احتملت؟ قال: ((نعم إذا رأت الماء)) فعلق الغسل بوجود الماء، علق الغسل برؤية الماء، والمراد بالرؤية أعم من أن تكون بصرية؛ لأنه يلزم الأعمى إذا وجد الماء أن يغتسل، المبصر في الظلام لا يرى، لكن إذا تيقن أنه ماء يجب عليه الغسل ولو لم يرَ.

وهذا نظير قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من رأى منكم منكراً)) لا يزم أن يكون بعينه، يكفي أن يكون بحاسة من حواسه أو بإخبار ثقة، أذا أخبره ثقة عن وجود منكر عليه أن ينكر، يعني إذا جاء شخص من الثقات إلى آخر وقال: رأيت منكراً في مكان الفلاني يقول: لا يلزمني تغييره؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رأى منكم منكراً)) لا إذا بلغك بطريق صحيح عليك أن تنكر، يقول لك هذا الذي رأى المنكر: اتصل وبلغ المسولين يقول: والله أنا ما رأيت المنكر، هذا الكلام ليس بصحيح، وإن كان بعضهم يتبناه الآن ويؤكد عليه، أقول: هذا أكثر أحكام الدين إنما لزمت بهذه الطريقة بخبر الثقة، فإذا أخبر ثقة أن هناك منكر، وعرفت من حال هذا الثقة أنه يتثبت ليس من المتعجلين بحيث حصل له مراراً أنه أخبر عن شيء إنما هو عن مجرد إشاعة أو ما أشبه ذلك، فإن مثل هذا إذا كان يصدر عن إشاعات لا عن حقائق مثل هذا لا يقبل خبره ويتثبت في أمره؛ لأنه كم من شخص يأتي ويقول: المنكر الفلاني، رأينا، قرأنا، سمعنا، ثم إذا تؤكد منه فإذا هو ليس بصحيح، يعني قد يكون للخبر أصلاً لكنه ليس على الوجه الذي شرحه، أو قد يكون يحتف به ما يدفعه من دون إنكار، المقصود أن هناك أمور إذا بلغت المكلف بطريق ثابت يعني ما فيه مستنده الحس، يعني أنه رأى يعني من بلغ رأى أو بلغه بطريق يثبت به العلم فإن هذا يكفي في إنكار المنكر، ملزم بإنكار المنكر ولا يلزم أن يراه بعينه، بل إذا أخبره من يثق بخبره ويصدر عن حسن عن يقين، لا عن إشاعات فإن مثل هذا يلزم قبول خبره، وحينئذٍ كأنك رأيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خوطب بالرؤية في مواضع كثيرة لم يرها {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] لا ترى، الرسول -عليه السلام- ما رأى، لكنه بلغه بخبر يثبت فكأنه رأى، ونسمع من يقول: إن الرؤية لا بد أن تكون بالعين المجردة، إذا لم ترَ منكر بعينك لا تنكر، لكن إذا بلغك بطريق صحيح عن شخص متثبت لا يصدر عن إشاعات فإن عليك أن تنكر عاد بالطريقة المناسبة، وهنا: ((نعم إذا هي رأت الماء)) فإذا رأت الماء

ولو كانت عمياء أو كان أعمى راءه بطريق معتبر لا يلزم بالعين المجردة، باللمس، بالشم، بما يثبت به مثل هذا فإنه يجب عليه أن يغتسل، وإلا لو قلنا: إن الرؤية تختص بالعين، قلنا: إن الأعمى ما يلزمه غسل إذا احتلم لأنه ما يشوف، ما رأى، فمثل هذا لا بد من اعتباره، لا سيما وأن مسائل الأمر والنهي يعني عليها كلام كثير في هذه الأيام، نسأل الله أن يحسن العواقب. "سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجد البلل -يعني الرطوبة- ولا يذكر احتلاماً، قال: ((يغتسل))، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً، قال: ((لا غسل عليه)) " فالحكم معلقاً بالماء وجوداً وعدماً، الحكم معلق برؤية الماء وجوداً وعدماً "قالت أم سلمة" وعند أبي داود: فقالت أم سليم: يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: ((نعم)) كالرجل يعني مثل الرجل ((إن النساء شقائق الرجال)) وهذه جملة استئنافية فيها معنى التعليل؛ لأنه إذا كانت المرأة شقيقة الرجل فجيب عليها ما يجب الرجل، فالنساء نظائر الرجال، وأمثال لهم، كأنهن شققن منهم، وإذا نظرنا في أصل الخلقة وأن حواء شقت وخلقت من ضلع آدم -عليه السلام-. "قال أبو عيسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر" حديث عائشة وهو مخرج عند أبي داود وابن ماجه أيضاً "حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يرى احتلاماً، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سيعد من قبل حفظه في الحديث" مضعف عند جمهور أهل العلم، يقول الذهبي في الميزان: صدوق في حفظه شيء.

وعن ابن معين: ليس به بأس يكتب حديثه، وقواه أحمد، وضعفه النسائي وابن المديني، والسبب أنه غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار قاله ابن حبان، والغالب أن من اتجه إلى شيء غفل عن غيره، اتجه إلى العبادة فضعف في جانب الحفظ والعلم؛ لأنه استغرق وقته في العبادة، حتى شاع على ألسنة أهل العلم أن فلاناً أخذته غفلة الصالحين، الصالحون لأنهم لا يلقون بالهم لكل شيء، فتجد فيهم غفلة عن كثير من الأمور لا سميا التي لا تنفعهم في دين ولا في دنيا، وهذه صفة مدح، بخلاف من ينتبه لكل شيء ولا يفوته شيء سواء كان مما يعنيه أو مما لا يعنيه، مثل هذا وإن كان فيه نباهه ويقظة وينتبه لماذا خرج فلان؟ لماذا قام فلان؟ لماذا قعد فلان؟ الصالحون لا ينتبهون لمثل هذه الأمور، حتى ينسبون إلى الغفلة، يعني تجد الصالح أحياناً يزاول جاره أعمال هو في غفلة عنها، وبينما غيره ممن لا يهتم بعبادة ولا يقضي وقته فيها ولا يستغرق وقته فيها منتبه لكل شيء، هذا متى يخرج؟ وهذا متى يطلع؟ وهذا متى يسافر؟ ومتى يرجع؟ الصالح ما له علاقة بهذه الأمور، إنما هو منصرف لما خلق من أجله وهو تحقيق العبودية، فقولهم: غفلة الصالحين هذه ليست مذمة، إلا إذا شغلت العبادة عما هو أهم منها، العبادة إذا استغرق الإنسان وغفل عن طلب العلم مثلاً أو عن واجب أخر فإن هذه لا شك أنها مفضولة، ومسألة المفاضلة بين العبادات مسألة عظيمة كبرى عند أهل العلم، فلا يوفق لها كثير من الناس، تجده ينشغل بالمفضول ويترك الفاضل، لكن الموفق من يبدأ بالمهم فالمهم، أو بالأهم فالمهم، يرتب، المسألة أولويات، فالواجب مقدم على المستحب، وهكذا فعبد الله بن عمر هذا المكبر اشتغل بالعبادة ووصف كثير من المحدثين أو ممن يروي الحديث بهذا الأمر، وغفل عن حفظ الحديث وعن تذكره، ومدارسته فضعف فيه ساء حفظه فيه، هذا أمر جبلي، الإنسان إذا انصرف عن شيء ضعف فيه، تجد بعض الناس لا يحسن من التجارة شيئاً، وبعض الناس حاذق في التجارة لماذا؟ لأن هذا انشغل بها، وصارت لديه خبرة بها، بينما الأخر لا يرفع بها رأساً، وعلى كل حال هو مضعف عند أكثر أهل العلم، والحديث معروف وله شواهد، وله طرق، فأصل الحديث يعني ما

باب: ما جاء في المني والمذي:

يدل عليه الحديث ثابت بما لا ريب فيه. قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين" منهم عطاء والشعبي والنخعي "إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل" وعلى هذا أي بلة إذا وجد أي بلل يغتسل "وهو قول سفيان الثوري وأحمد" يعني وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق بدليل المقابلة بالقول الآخر، يعني يلزمه الغسل وإن لم يكن تحقق أنه المني، وقال أحمد: أعجب إلي أن يغتسل، وقال أكثر أهل العلم: لا يجب، يعني من مجرد البلل من مجرد الرطوبة لا يجب، حتى تكون بلة نطفة "وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة" يعني مني بخلاف المذي، بخلاف ... ، قد يكون عرق، قد يجد في سراويله عرق فيظنها شيئاً وهي ليست بشيء، فهذه لا يلزم غسلها، ولا يلزم الوضوء منها، ولا الاغتسال، "وهو قول الشافعي وإسحاق" قال: "وإذا رأى احتلاماً ولم ير بلة فلا غسل عليه عند عامة أهل العلم" لأن الاغتسال إنما علق برؤية الماء، هل على المرأة من غسل إذا ... ؟ قال: ((نعم إذا رأت الماء)) وحديث الباب يدل على ذلك، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المني والمذي: حدثنا محمد بن عمرو السواق البلخي قال: حدثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد " ح" قال: وحدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن يزيد بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي فقال: ((من المذي الوضوء، ومن المني الغسل)). قال: وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن علي بن أبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه، من المذي الوضوء، ومن المني الغسل، وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في المني والمذي" المني بتشديد الياء كما هو معروف، والمذي بتخفيفها إسكان الذال وتخفيف الياء، ويقال بالتشديد كالمني، وهناك أمر ثالث، أولاً: المني ماء بالنسبة للرجل أبيض غليظ، وماء المرة أصفر رقيق، والمذي ماء لزج خفيف ليس كالمني يخرج مع المقدمات أو التفكير أو ما أشبه ذلك، والودي ماء أبيض كدر لا رائحة له يخرج بعد البول، ولذا لم يرد فيه ما يدل على حكمه، يعني جاء حكم المني وجاء حكم المذي وأما الودي ما جاء فيه شيء لماذا؟ لأنه مصاحب للبول فله حكمه، يعني إذا انتهى البول خرج هذا السائل الماء الأبيض الكدر فحكمه حكم البول، يعني يجب الاستنجاء منه.

قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن عمرو السواق البلخي قال: حدثنا هشيم" بن بشير الواسطي "عن يزيد بن أبي زياد "ح" قال: وحدثنا محمود بن غيلان" (ح) هذه حاء التوحيل من إسناد إلى آخر يستفاد منها الاختصار في الأسانيد بحيث يحذف ما اتفق عليه إسنادان "قال: وحدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا حسين الجعفي عن يزيد بن أبي زياد" القرشي الهاشمي مولاهم ضعيف عن الجمهور، وإن وثقه الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- كعادته في توثيق مثله "عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" قيل: لم يسمع من علي، مع أنه مولود قبل وفاة عمر، فالمعاصرة حاصلة لعلي -رضي الله عنه-، ومن يقول بالاكتفاء بها مع إمكان اللقاء يصحح مثل هذا الإسناد على قول مسلم وهو قول كثير من أهل العلم "عن علي -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي" فهذا يدل على أن علي -رضي الله عنه- هو الذي سأل بنفسه عن المذي، وفي الصحيحين أنه أمر المقداد، قال: "كنت رجلاً مذاء فاستحييت أن أسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- لمكان ابنته مني فأمرت المقداد" وفي رواية: فأمر عمار، فسأل المقداد النبي -عليه الصلاة والسلام- وجاء أن عمار أيضاً سأل، وهنا يقول: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فإما إن يقال: إنه سأل بالواسطة، أمر من يسأل، وحينئذٍ يصح أن يقول: سألت، كما أن الأمير يصح أن يقال: بنى مسجد وبنى مدرسة وإن لم يبنها بنفسه وإنما أمر بها، واحتمال أخر وهو أنه أمر المقداد فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم أمر عمار ليتأكد، ثم بعد ذلك سأل بنفسه ليقف على حقيقة الأمر بنفسه ما في ما يمنع إطلاقاً، لا سيما وأن الروايات جاءت بهذا كله. "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي فقال: ((من المذي الوضوء)) يعني لا الغسل، فهو ناقض للوضوء لا موجب للغسل ((ومن المني الغسل)) وعلى هذا موجب للغسل لكن بشرطه، من المني الغسل من النائم ما يحتاج شيء، إذا وجد مجرد وجوده يكفي للاغتسال؛ لأن الاغتسال علق بمجرد الرؤية وأما من المستيقظ فلا بد أن يكون من مخرجه كما يقول أهل العلم دفقاً بلذة بخلاف النائم.

باب: ما جاء في المذي يصيب الثوب:

"قال: وفي الباب عن المقداد بن الأسود" المقداد قصته وسؤاله النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيح عند أبي داود والنسائي وابن ماجه أيضاً "وأبي بن كعب" وأخرجه ابن ماجه وابن أبي شيبة. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، وأخرجه الشيخان مختصراً، لكن كيف يصححه أبو عيسى وفيه يزيد بن أبي زياد وقد ضعف؟ الترمذي عرفت قاعدته بأنه يصحح بالشواهد، يعني صحح حديث علي الذي فيه يزيد بن أبي زياد حديث الباب لما في الباب من حديث المقداد وأبي ابن كعب وغيرهما، طريقة الترمذي معروفة فلذلك صححه، وأما أحمد شاكر وافق الترمذي على تصحيحه ولم ير فيه طعن لطاعن، لم ير فيه مطعن لماذا؟ لأن يزيد بن أبي زياد ثقة عنده، وابن أبي ليلى ما دام عاصر علي -رضي الله عنه- فتكفي المعاصرة. قال: "وقد روي عن علي بن أبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه ((من المذي الوضوء، ومن المني الغسل)) وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم" قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني لم يوجب أحد منهم الغسل بالمذي، ولم يعفِ أحد منهم من رأى المني من الغسل "وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق" وقال الحافظ ابن حجر: هو إجماع، إجماع أنه إذا رأى الماء الذي هو المني يجب عليه الغسل، وأن من رأى المذي فقط فإن عليه الوضوء لا الغسل، ونقل الإجماع على هذا أكثر من واحد. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المذي يصيب الثوب: حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد هو ابن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف -رضي الله عنه- قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء، فكنت أكثر منه الغسل، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألته عنه؟ فقال: ((إنما يجزئك من ذلك الوضوء)) فقلت: يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: ((يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه)).

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ولا نعرف مثل هذا إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا، وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب، فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل، وهو قول الشافعي وإسحاق، وقال بعضهم: يجزئه النضح، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح بالماء. قال -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المذي يصيب الثوب" المذي معروف ماء رقيق يخرج عند المقدمات من الملاعبة، ولا يجب فيه الغسل، وهو نجس ناقض للوضوء، وإن كانت نجاسته مخففة يكفي فيه النضح عند جمع من أهل العلم على ما سيأتي، يصيب الثوب هل يجب غسله أو يترك بدون غسل أو ينضح أو يحك ويقرص؟ على ما سيأتي في المني. قال -رحمه الله-:

"حدثنا هناد" وهو ابن السري "قال: حدثنا عبدة" بن سلميان الكلابي وهو ثقة "عن محمد بن إسحاق" صدوق مدلس، لكنه صرح بالتحديث عند أبي داود، يقول: "حدثنا سعيد بن عبيد" وهنا روى الخبر بصيغته عن محمد بن إسحاق عن سعيد، وجمع من أهل العلم ضعفوه، وكلام الإمام مالك فيه شديد جداً، ومنهم من وثقه، وعلى كل حال التوسط في أمره أن يقال: صدوق، وهو أيضاً مدلس لا بد أن يصرح بالتحديث، وقد صرح بالتحديث في رواية أبي داود، والشيخ أحمد شاكر وثقه -رحمه الله- "عن سعيد بن عبيد هو ابن السباق" ثقة "عن أبيه" ثقة أيضاً "عن سهل بن حنيف" بن واهب الأنصاري صحابي بدري "قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء" يعني مثلما كان علي -رضي الله تعالى عنه- يلقى من الشدة، وكل منهما كان يكثر الاغتسال منه، حتى قال بعضهم: أنه تشقق ظهره من كثرة الاغتسال "قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء" يعني مشقة شديدة "فكنت أكثر منه الغسل" يعني بسببه كنت أكثر الغسل "فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألته عنه" يعني مثل ما سأل المقداد النبي -عليه الصلاة والسلام- لعلي -رضي الله عنه- "فذكرت ذلك لرسول الله -صلى لله عليه وسلم- وسألته عنه" ذكرت هذه المشقة وهذا العناء وهذه الشدة وسألته عن الحكم؟ "فقال: ((إنما يجزئك)) " يعني يكفيك ((من ذلك)) من ذلك أي من خروج المذي ((الوضوء)) الوضوء فاعل يجزيك "فقلت: يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه؟ " قال: ((يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث تُرى)) أو تَرى سواء تحققت أو ظننت ((أنه أصاب منه)) لأن تُرى يعني تظن، وتَرى بعينك ((أنه أصابه منه)) فعلى هذا هو نجس، نجس لكنها نجاسة مخففة يكفي فيها النضح، ولا يلزم غسله غسلاً كما يغسل البول ((فتنضح به ثوبك حيث ترى -أو ترى- أنه أصاب منه)) "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا، يعني انفرد بروايته محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد، والترمذي إنما صححه لما يشهد له من حديث علي وحديث المقداد، من أن المذي ينضح، يعني يرشح كما يرش بول الغلام، يأخذ كف من ماء وينضح هكذا يرش، ولا يلزم غسله وفركه مثل البول.

قال -رحمه الله-: "وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل" لماذا؟ لأنه نجس، والنجس يجب غسله؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في حديث علي: ((يغسل ذكره)) وفي رواية: ((وأنثييه ويتوضأ)) والنضح إذا بولغ فيه وصل إلى طريقة الغسل فلا اختلاف، لكن النضح حقيقته غير حقيقة الغسل، النضح والرش حقيقتهما غير حقيقة الغسل، قال: "وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل، وهو قول الشافعي وإسحاق" لأنه محكوم بنجاسته والنجس لا بد من غسله "وقال بعضهم: يجزئه النضح، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح بالماء" وذلك استدلالاً بحديث الباب، ورواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع، لكن هل يمكن أن يركب من القولين قول وهو أنه يغسل في الفرج وينضح في الثوب فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه؟ وقال في حديث علي: ((يغسل ذكره)) وفي رواية: ((وأنثييه)) يعني هل تختلف حقيقته في الثوب عن حقيقته في البدن؟ يعني جاء في حديث علي: ((يغسل ذكره)) وفي حديث الباب: ((فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصابه منه)) يعني هل لقول من فرق بين البدن والثوب هل له وجه أو ليس له وجه؟ يعني الجمع بين هذه الأحاديث لو حلمنا حديث علي على حقيقة الغسل قلنا: إنه في البدن يغسل، وفي الثوب ينضح، ولو قال قائل مثلاً: إن العكس أولى، لماذا؟ يعني لو قال قائل من حيث التعليل: إن العكس أولى من هذا القول؛ لأن الثوب يشرب، يتشرب النجاسة والبدن لا يتشرب النجاسة، فغسل الثوب أشد من غسل البدن، والحقيقة واحدة، يعني ما تغير، وطهارة الثوب شرط لصحة الصلاة كطهارة البدن، يعني من فرق بينهما فقال: إنه يغسل في البدن وينضح في الثوب هذا ماشي مع النصوص، لكن لقائل أن يقول: العكس أولى، أولاً: الحقيقة واحدة هو المذي سواء كان في الثوب أو كان في البدن، واحد ما يتغير لكنه في الثوب أشد منه في البدن يتشرب النجاسة والبدن لا يتشرب النجاسة، فلو نضح البدن وسال عليه الماء كفى، لكن الثوب تشرب النجاسة فلا بد من غسله، وهذا من حيث النظر له حظ من النظر بينما الأثر يشهد لضده، وعامة أهل العلم على أنه لا فرق بين الثوب

باب: ما جاء في المني يصيب الثوب:

والبدن، فإما أن يغسل أو ينضح، جاء النضح بأدلة صحيحة صريحة وجاء الغسل، فإما أن يقال: إنه نضح يبالغ فيه حتى يصل إلى الغسل، يعني بدايته نضح ونهايته غسل، وإما أن يقال: غسل خفيف شبيه بالنضح، وعلى كل حال جاء بهذا وهذا، وكون نجاسته مخففة أمر لا يشك فيه أحد، فنجاسة المذي ليست كنجاسة البول قولاً واحداً، وما دام حكمه التخفيف فيكفي فيه النضح على ما في حديث الباب، والرش كما في غيره، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المني يصيب الثوب: حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: ضاف عائشة ضيف فأمرت له بملحفة صفراء فنام فيها فاحتلم، فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء ثم أرسل بها، فقالت عائشة: لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصابعي. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: في المنى يصيب الثوب يجزئه الفرك، وإن لم يغسل، وهكذا روي عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل رواية الأعمش، وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وحديث الأعمش أصح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المني يصيب الثوب" يعني هل يجب غسله أو يكتفي بنضحه كالمذي أو الأمر فيه أخف فيكتفى بحكه أو حته؟ قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: ضاف عائشة ضيف" يعني نزل بها ضيف "فأمرت له بملحفة صفراء" ملحفة يعني ما يلتحف به أو يتغطى به "فنام فيها فاحتلم، فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام" استحياء أن يردها لعائشة وبها أثر الاحتلام "فغمسها في الماء ثم أرسل بها، فقالت عائشة: لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه" يعني يكفيه أن يدلكه بأصابعه حتى يذهب أثره "قالت: وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصابعي"،

وفي رواية مسلم عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال: كنت نازلاً على عائشة فاحتلمت في ثوبي فغمسته في الماء، فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها، ليس معنى أنه كان ضيفاً عندها أنه نام معها في غرفتها إنما في ضيافتها، ولا يلزم أن يكون في منزلها إنما نزل في ضيافتها؛ لأن مثل هذا الخبر قد يتلقفه من يتلقفه من الذين يتبعون الشبهات والشهوات، فيستدل به على أن المرأة وإن كانت بمفردها في البيت يمكن أن ينزل بها رجل ضيف، هذا الكلام ليس بصحيح، قال عبد الله بن شهاب الخولاني: كنت نازلاً على عائشة يعني ضيف عندها فاحتلمت في ثوبي، وهنا يقول: فأمرت له بملحفة، ولا يمنع أن ينسبه إلى نفسه لأنه قد تغطى به، والنسبة تكون لأدنى ملابسة، فاحتلمت في ثوبي فغمسته في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها فبعثت إلي عائشة كل هذا يدل على أن عائشة ليست بحضرته وليس بحضرتها، فبعثت إلي عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبك؟ قال: قلت ... إلى آخره أنه استحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام، ثم قالت له: إنما كان يكفيك أن تفركه بأصابعك، تدلك بأصابعك، وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصابعي.

الذي ينزل ضيف لا شك أن مسألة أن يختلط بنسائهم هذا أمر مفروغ منه، مفروغ منه لا يجوز بحال، وكونه يخلو الخلوة محرمة بالنصوص الصريحة الصحيحة، وكونه يحتلم وهو في بيتهم وإن كان بعيداً عنهم لا شك أنه ... ، لا سيما إذا كان فيه نساء من بنات وغيرهن، فيه حرج عليه كبير، حرج كبير فماذا يصنع؟ شيخ الإسلام في مثل هذا الصورة يقول: له أن يتيمم، لئلا يتهم لأنه يعني ما شعور الإنسان وعنده ضيف نائم عنده في المجلس وبناته في غرفهن نائمات، ثم إذا قام صاحب البيت ليوقظ هذا الضيف يجده يغتسل، هذا يقع في نفسه شيء وحرج، والشيطان يحرص حرصاً شديداً أن يوقع في النفوس في مثل هذه المواقف أشياء عظيمة، شيخ الإسلام يقول: إنه في مثل هذه الصورة له أن يتيمم، ليدفع الحرج عن نفسه وعن غيره، ولا شك أن هذه شجاعة من شيخ الإسلام وجرأة، ولكن عنده من العلم بنصوص الدين وقواعده العامة والمصالح والمفاسد يعني عنده بسبب اطلاعه الواسع ما يجعله يقول مثل هذا الكلام، لكن هل لأي عالم أو لطالب علم أن يقول مثل هذا الكلام، والنصوص إنما أباحت التيمم لمن لم يجد الماء، وهذا واجد للماء لا يمكن أن يقول بهذا أحد دفعاً لهذا الحرج والمشقة، يعني له أن يقول: يتوضأ، له أن يحتال، فيتوضأ في بيت هذا الرجل، وله أيضاً أن يوري تورية أنه يريد أن يصلي في مكان آخر له ذلك ثم يذهب فيغتسل، أما أن يقال له: تيمم وأنت واجد للماء هذا ... ، لا شك أن شيخ الإسلام ليس في هذا إلا أجر واحد، يعني أجر الاجتهاد أم أن يتمم وهو واجد للماء فلا، هذا الذي احتلم وهو في ضيافة عائشة أولاً: ليس عنده نساء يتهم بهن احتلم وجاءت الجارية لتحضر له شيء أو تأخذ منه شيء من غير ريبة ولا ظنة ولا تهمة فرأته يفعل ذلك، فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها فبعثت إلي عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبك؟ قال: قلت ... الحديث، وفي رواية مسلم تبين أنه ليس عند عائشة وليس في غرفتها، إنما نزل ضيفاً عليها، والآن بالإمكان أن ينزل الضيف على من يشاء ويضيفه من شاء ولا يحصل شيء من الخلوة، أو شيء من الاختلاط أو شيء من المحظور، وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه،

وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الشاهد من الحديث، وأن المني يصيب الثوب يكفي فيه الفرك، وبهذا يستدل من يقول بطهارته. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه "وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: في المنى يصيب الثوب يجزئه الفرك وإن لم يغسل" وهذا على أساس أنه طاهر، فهذه النصوص تدل على أنه طاهر، وهو قول أبو حنيفة إذا كان يابساً، أما إذا كان رطباً فلا بد من غسله، وقال مالك: لا بد من غسله مطلقاً يابساً كان أو رطباً.

يقول النووي في شرح مسلم: اختلف العلماء في طهارة المني فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال: يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابساً، وهو رواية عن أحمد، وقال مالك: لا بد من غسله رطباً كان أو يابساً، وفرق الحسن بين الثوب والبدن فقال: لا تعاد الصلاة إذا كان في الثوب وتعاد إذا كان في البدن، ونستحضر ما أسلفناه في المذي وأن البدن يختلف عن الثوب على قول، وذهب كثيرون إلى أنه طاهر، روي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث، دليلهم ما جاء في فركه، ودليل مالك على نجاسته ووجوب غسله رواية وحديث الغسل على ما سيأتي: أنها غسلت مني من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الآحق، فجاء الفرك وجاء الغسل، والأدنى يقضي على الأعلى، إيش معنى هذا؟ أن الفرك أدنى والأعلى الغسل، وإذا جاز الأدنى صار الحكم له، وأما الأعلى فيمكن تأوليه، الغسل ليس خاص بالنجاسات، الغسل ليس خاص بالنجاسة، فإذا وقع على البدن شيء أو على الثوب شيء مما يُقَذره ويؤثر فيه فإنه يغسل، ولو ترك ما أثر في الصلاة، لكنه نظر لستقذاره يعني كالمخاط والبصاق وما أشبه ذلك يغسل، وكذلك لو وقع على الثوب أو على البدن شيء من الطاهرات، لو أنسكب على ثوبك مرق مثلاً وقيل لك: اغسله، هل الغسل لنجاسته؟ لكن لأنه لوث الثوب ويشوه الثوب وكذلك ما جاء في غسل المني على ما سيأتي محمول على هذا، فإنه يقذر الثوب كالبصاق فإن كان يابساً يحك بالظفر، وأن كان رطباً لا يفيد فيه الحك يغسل على ما سيأتي.

باب: غسل المني من الثوب:

قال -رحمه الله-: "وهكذا روي عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل روية الأعمش" وهذا في صحيح مسلم، رواية منصور في صحيح مسلم "وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة" الخبر مداره على إبراهيم النخعي، إبراهيم يرويه مرة عن همام ومرة عن الأسود يروي طريق همام منصور، ويروي طريق الأسود أبو معشر، قال -رحمه الله-: "وحديث الأعمش أصح" يعني حديث الباب أصح، أصح من رواية منصور وأصح من رواية أبي معشر، ورواية منصور ورواية أبي معشر في صحيح مسلم، لكن ما الداعي لقوله: أصح هل بين هذه الروايات اختلاف؟ ليس بينها اختلاف ليقال: هذه أصح وهذه أرجح وهذه مرجوحة، ليس بينها اختلاف، ولذا يقول الشارح: ما أدري ما وجه كونه حديث الأعمش أصح فإن الأعمش لم يتفرد برواية الحديث عن إبراهيم وكذلك أبو معشر لم يتفرد بروايته عن إبراهيم بل كلاهما صحيحان، ليس واحد منهما أصح من الآخر. الشيخ أحمد شاكر علق على قول الترمذي وحديث الأعمش أصح، قال: هكذا قال الترمذي وهو خطأ منه، فإن الحديث ثابت من رواية همام بن الحارث عن عائشة، ومن رواية الأسود عن عائشة وأبو معشر وزياد بن كليب التميمي الحنظلي الكوفي وهو ثقة، قال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، ومع ذلك فإنه لم ينفرد برواية الحديث عن إبراهيم عن الأسود، بل تابعه عليه غيره، ومنهم الأعمش نفسه كما سترى، فليس من الصواب ترجيح إحدى الروايتين عن الأخرى، فإن كلتيهما روايتان صحيحتان، لا سيما وأن رواية منصور في مسلم ورواية أبي معشر أيضاً في مسلم، فلا داعي لترجيح هذه الرواية على غيرها، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: غسل المني من الثوب: حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية عن عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة -رضي الله عنها- أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن ابن عباس، وحديث عائشة أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بمخالف لحديث الفرك؛ لأنه وإن كان الفرك يجزئ فقد يستحب للرجل أن لا يرى على ثوبه أثره، قال ابن عباس المني بمنزلة المخاط، فأمطه عنك ولو بإذخرة. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: غسل المني من الثوب" قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية" محمد بن خازم الضرير "عن عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار" أحد الفقهاء السبعة "عن عائشة -رضي الله عنها- أنها غسلت منياً من ثوب النبي -صلى الله عليه وسلم-". وعرفنا أنه استدل به من يقول بنجاسته، استدل به من يقول بنجاسة المني، وهو محمول عند من يقول بطهارته على الاستحباب لئلا يرى الأثر. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وخرجه الأئمة الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، إضافة إلى الترمذي "وفي الباب عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وحديث عائشة أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بمخالف لحديث الفرك" يعني حديث الغسل المذكور في هذا الباب ليس بينه وبين الفرك اختلاف، ليس بمخالف لحديث الفرك لماذا؟ "لأنه وإن كان الفرك يجزئ فقد يستحب للرجل أن لا يرى على ثوبه أثره، قال ابن عباس: المني بمنزلة المخاط، فأمطه عنك ولو بإذخرة".

باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل:

أمطه يعني: أزله، ولو بإذخرة واحدة الإذخر الذي استثناه النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال له عباس: إلا الإذخر لما ذكر لا يختلى خلاها، ولا يحش أو يحتش حشيشها قال العباس: إلا الإذخر، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إلا الإذخر)) وهو نبت طيب الرائحة يستعملونه في أسقف البيوت وفي القبور وغير ذلك، ولو بإذخرة يعني بشيء من الشجر يحك به، قال: "فقد يستحب للرجل أن لا يرى على ثوبه أثره" يقول ابن حجر في هذا: ليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض؛ لأن الجمع بنيهما واضح، على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب، وهي طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، يعني الذين قالوا بطهارته، وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على الرطب والفرك على اليابس، وهذه طريقة الحنفية، الحنفية يقولون: نجس، لكن إزالة النجاسة إذا زالت عينها بفرك أو بغسل كفى، يعني كما يطهر النعل بالدلك بالتراب، والشمس تطهر الأرض عندهم، ولا يحتاج غسلها، والاستحالة عندهم كافية في ارتفاع النجاسة فعندهم لا يستقل الماء بإزالة النجاسة، يعني عند الحنفية، والجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على الرطب والفرك على اليابس وهذه طريقة الحنفية، والطريقة الأولى أرجح؛ لأن فيها العمل بالخبر والقياس معاً؛ لأنه لو كان نجساً لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه، يعني كالدم وغيره من النجاسات يعني لا يكتفى بفركها، وهم لا يكتفون -يعني الحنفية- فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك، وأما الإمام مالك فالغسل عنده على كل حال، والفرك لا يجزئ، والحك لا يجزئ، كل هذا لا يجزئ لا بد أن يغسل، وأما مالك فلم يعرف الفرك وقال: إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات، وحديث الفرك حجة عليهم، فإما أن يقال: إنه طاهر والفرك علامة عليه، إذا لو كان نجساً للزم غسله على كل حال، أو يقال: إنه نجس نجاسة مخففة كما يقول الحنفية، ويكفي في ذلك الفرك إن كان يابساً، والغسل إن كان رطباً، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل:

حدثنا هناد قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب ولا يمس ماء. حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق نحوه. قال أبو عيسى: وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره، وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتوضأ قبل أن ينام، وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود، وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل" الجنب يلزمه الغسل، لكن متى يلزمه الغسل؟ والمحدث يلزمه الوضوء لكن متى يلزمه الوضوء؟ اللزوم إنما هو إذا أراد أن يباشر عملاً لا يصح مع الحدث كالصلاة والتلاوة، إذ أراد أن يباشر الصلاة لا بد أن يغتسل، وإذا كان محدثاً حدث أصغر لا بد أن يتطهر، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) إذا أراد أن ينام أو أراد أن يؤكل والنوم والأكل لا يشترط لهما طهارة، فماذا يصنع يأكل وهو جنب؟ ينام وهو جنب أما ماذا؟ هل يغتسل أو يخفف الجنابة بالوضوء؟ قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا أبو بكر بن عياش" الأسدي الكوفي، ثقة عابد "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب ولا يمس ماء"، ينام ولا يمس ماء: واستدل به من قال بجواز النوم للجنب دون وضوء ولا غسل، وهذا الحديث على ما سيأتي فيه مقال. قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق نحوه"

باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام:

"قال أبو عيسى: وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره" يجوز له أن ينام ولا يمس ماء، يعني لا ماء غسل ولا ماء وضوء ولا غيرهما "وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتوضأ قبل أن ينام" يتوضأ قبل أن ينام، يعني أن هؤلاء غير واحد أكثر من واحد خالفهم أبو إسحاق فرواه باللفظ السابق، ينام وهو جنب ولا يمس ماء "وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود" يعني حديث الباب حديث أبي إسحاق عن الأسود ينام وهو جنب ولا يمس ماء، والأصح منه فيما رواه غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يتوضأ قبل أن ينام، يعني يخفف، يخفف الجنابة بالوضوء، ومعلوم أن الجنابة ومجالسة الناس على جنابة والنوم على جنابة والبقاء والمكث على جنابة مفضول ليس بفاضل، فالملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب، وعلى أقل الأحوال يخفف هذه الجنابة بالوضوء، وإذا أراد أن يأكل أيضاً خفف هذه الجنابة "وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق" أبو إسحاق السبيعي هذا ثقة، لكن الثقة قد يغلط. قال الإمام أحمد هذا ليس بصحيح، يعني ينام ولا يمس ماء بل أمر بالوضوء، وكان يتوضأ قبل أن ينام، قال أحمد: ليس بصحيح، وقال أبو داود: هو وهم، وقال يزيد بن هارون: هو خطأ، وقال ابن مفوز أبو طاهر ابن المفوز: يقول أجمع المحدثون على أنه خطأ يعني ولا يمس ماء، أجمع المحدثون على أنه خطأ،، خطأ من أبي إسحاق، قال الحافظ: تساهل في نقل الإجماع، فقد صحح البيهقي هذا الحديث، صححه البيهقي وقال: إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه. الذي يخشى أن يكون أبو إسحاق قد دلسه، وأسقط راوياً؛ لأنه معروف بالتدليس ولم يصرح في حديث الباب لكنه قال: صححه البيهقي وقال: إن أبا إسحاق بين أن سماعه من الأسود في رواية زهير، فارتفع ما كنا نخشى أو ما كان يخشى من تدليسه، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق، ويأتي في الباب الذي يليه إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على الوضوء، نعم. عفا الله عنك. قال الإمام -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام:

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر -رضي الله عنهما- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) قال: وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة. قال أبو عيسى: حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول: سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا أراد الجنب أن ينام توضأ قبل أن ينام. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام" في الباب السابق جاء في الحديث باب الأصل أنه ينام ولا يمس شيئاً، وذكر الترمذي أنه بهذا اللفظ ضعيف، وأن زيادة: "لا يمس شيئاً" خطأ من أبي إسحاق، وأن الرواة الثقات الإثبات رووه دون هذا اللفظ، ثم أردفه بباب ما يصنعه الجنب إذا أراد أن ينام، فقال: باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أرد أن ينام. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) " يعني بهذا القيد، ومفهومه أنه لا ينام قبل أن يتوضأ، واللفظ مشعر بوجوب الوضوء، لكنه عند الجمهور غير واجب بل مستحب؛ لأنه مثلما ذكرنا أن الحدث إنما يطلب رفعه لمباشرة ما يشترط له رفع الحدث، أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) اختلف العلماء في حكم الوضوء للنوم فقال الجمهور: غير واجب، واستدلوا بالحديث السابق: "ولا يمس ماء" وفيه ما تقدم من الكلام، وأنه مضعف، وذهب داود وجماعة إلى وجوبه، وجوب الوضوء كما هو مفاد: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) يعني بهذا الشرط، وأما بغيره دون هذا الشرط فإنه لا يجوز له أن ينام، وذهب داود وجماعة إلى وجوبه ففي البخاري وغيره: ((ليتوضأ)) هذه لام الأمر ((ليتوضأ ثم لينم)) قال الشوكاني: يجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، يجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، ولا شك في أن الوضوء مستحب للجنب قبل أن ينام وقبل أن يأكل.

((ليتوضأ ثم لينم)) اللام هذه لام الأمر في قوله: ((ليتوضأ)) فماذا عن هذه اللام في: ((لينم))؟ هل نقول: إنها لام الأمر فكما ألزمناه بالوضوء نلزمه بالنوم؟ أو نقول: إن وجود هذه اللام في: ((لينم)) دليل على أن اللام في قوله: ((ليتوضأ)) ليست للأمر، يعني في البخاري ((ليتوضأ)) لما سئل عن الجنب يريد النوم قل: ((ليتوضأ ثم لينم)) قالوا: هذه لام الأمر والأصل في الأمر الوجوب، وإلى هذا ذهب داود وجماعة إلى وجوب الوضوء قبل النوم بالنسبة للجنب لهذه الرواية رواية: ((ليتوضأ)) واللام لام الأمر والأصل في الأمر الوجوب، لكن إذا قلنا: هل يقول: داود وجماعة الجماعة الذين معه مثلما أوجبوا الوضوء يوجبون النوم؟ هل يفعلون هذا؟ ما يوجبون، وإن كان مقتضى اللفظ أنه واجب مثلما ما أوجبوا ((ليتوضأ)) يوجبون ((لينم)) وقال الشوكاني: يجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، والصارف له ما عرف من عموم أبواب الطهارة أن الطهارة إنما تطلب للعبادات التي منها القراءة ومنها الصلاة، لا للعادات والنوم عادة، يعني هل نشترط للنوم نية ليصح؟ ما يشترط له نية، نشترط له ما يشترط للصلاة للعبادة؟ ما نشترط له، هل نشترط إخلاص؟ ما نشترط لهذا العادات لا نشترط من شروط القبول شيء لكن مع ذلك إذا أردناها أن تنقلب عبادات نوينا بها التقوي على طاعة الله -عز وجل-، فإذا نوينا بالنوم التقوي على طاعة الله –عز وجل- قلنا: صار عبادة ويؤجر عليه، فإذا تحقق أن رفع الحدث إنما يجب للعبادات دون العادات قلنا: إن الوضوء للنوم مستحب وليس بواجب، حتى ولو جاء بلفظ الأمر، ولو جاء بلفظ بالمضارع المقترن بلام الأمر؛ لأن مما اقترن بلام الأمر أو جاء على صيغة الأمر الصريح ما حمل على الاستحباب، رواية: "ولا يمس شيئاً" ضعيفة لا نستطيع أن نقول: إنها صارفة من الوجوب إلى الاستحباب لضعفها، لكن الضعيف يرجح به أو لا يرجح؟ يعني إذا وجد عندنا في مسألة من المسائل أدلة متكافئة، وعندنا ... طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . بين إيش؟ طالب:. . . . . . . . .

ما أنا بقول لك في هذه المسألة، عموماً إذا كان عندنا في المسألة أدلة متكافئة فهل نرجح بالضعيف أو لا نرجح بالضعيف؟ ابن القيم -رحمه الله- وهو ممن يرى عدم العمل بالضعيف مطلقاً قال: يرجح بالضعيف، يعني في تحفة المودود أشار إلى أنه قد يرجح بالضعيف، عندنا: ((ليتوضأ)) ((نعم إذا توضأ)) الأسلوب محتمل للوجوب والاستحباب، هذا اللفظ محتمل، وإن كان الأصل الوجوب، والقواعد العامة تدل على عدم الوجوب، القواعد العامة من نصوص الشريعة مجتمعة تدل على أن الوضوء ليس بواجب للنوم، الطهارة عموماً ليست بواجب وإنما هي مستحبة، والحديث ضعيف "ولا يمس ماء" لكن هل نحتاج أن نرجح بهذا الحديث بين هذه الاحتمالات التي ذكرنها؟ أنت أفترض أن الحديث ما وجد أصلاً "لا يمس ماء" وأنت تعرف من قواعد الشرع أن النوم لا يحتاج إلى شروط، لا يحتاج إلى نية ولا يحتاج إلى طهارة، ولا يحتاج إلى شيء بإمكانه أن ينام وهو محدث، مع أنه جاء الحث على النوم على الطهارة، فهل الجنب مثله أو نقول: لا بد أن تخفف الجنابة؟ هل مكث الجنب على جنابته يعني أجنب بعد صلاة الصبح وبيجلس سبع ساعات إلى صلاة الظهر هل نقول: يجب عليك الغسل فوراً؟ أو خفف هذا الغسل يجب عليك؟ إنما الواجب رفع الحدث للصلاة، قراءة القرآن للطواف لما يشترط له الطهارة وأما ما عدا ذلك فعلى سبيل الاستحباب، يعني ينبغي للمسلم أن لا يمكث جنباً، ويدل على ذلك أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب، فهو مسألة استحباب فقط. قال: "باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام"

باب: ما جاء في مصافحة الجنب:

قال: "حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) " قد يقول قائل: إن المراد بهذا وضوء لغوي، يغسل يديه ويغسل ما لوث وينام ما يحتاج يتوضأ وضوء كامل؛ لأن هذا الوضوء لا يفيده، هل ينفعه الوضوء؟ لا ينفعه، لا يستطيع أن يقرأ ولا يستطيع أن يصلي ما يستفيد منه، كما لو احتلمت الحائض، ورأت الماء هل نقول: اغتسلي للجنابة؟ وهل تستفيد من هذا الغسل أو لا تستفيد؟ لا تستفيد، لا تستفيد من الغسل، وهل يقال للحائض: توضئي قبل أن تنامي؟ لا يقال لها، إذاً ما معنى أن الجنب يأمر بالوضوء؟ من أجل تخفيف الجنابة والحيض لا يخف، مهما بذلت ما يخف إلا بانقطاع الدم، والمراد هنا الوضوء الشرعي لا اللغوي، بين ذلك في رواية البخاري: ((توضأ للصلاة)) قال ابن حجر: أي توضأ كما لو توضأت للصلاة، يعني وضوء شرعي وليس بوضوء لغوي. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة" عن عمار عند أحمد في المسند والترمذي، وعائشة حديثها عند الجماعة عند السبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود الترمذي النسائي ابن ماجه، وحديث جابر قال الشارح: لم نقف عليه، وأهمل حديث أبي سعيد وأم سلمة عند الطبراني. "قال أبو عيسى: حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح" عن ابن عمر عن عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وروه أيضاً الجماعة "وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وبه يقول: سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا أراد الجنب أن ينام توضأ قبل أن ينام" لكن الجمهور على أن هذا الوضوء مستحب؛ لأنه لا تترتب عليه آثاره، فلا يستطيع أن يقرأ به، ولا يستطيع أن يصلي به، ولا يستطيع أن يطوف به على القول باشتراط الطهارة، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في مصافحة الجنب:

حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه وهو جنب قال: فانخنست أي فانخنست. قال قال. قال: فانخنست. أي. أي فنخست فاغتسلت. ما تجي، ما تجي، صوابها فانبجست أي: انخنست، عفا الله عنك. قال: فانبجست أي فانخست فاغتسلت ثم جئت، فقال: ((أين كنت أو أين ذهبت؟ )) قلت: إني كنت جنباً، قال: ((إن المسلم لا ينجس)). قال: وفي الباب عن حذيفة وابن عباس. قال أبو عيسى: وحديث أبي هريرة أنه لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جنب حديث حسن صحيح، وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب، ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأساً، ومعنى قوله: فانخنست يعني: تنحيت عنه. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: في مصافحة الجنب" الجنب محدث، والحدث يطلق على الخارج نفسه، ويطلق على الوصف القائم بالبدن، قيل: يا أبو هريرة ما الحدث؟ قال: "فساء أو ضراط" على ما تقدم، فالحدث كما يطلق على الخارج نفسه يطلق أيضاً على الوصف القائم بالبدن الذي يمنع من هذه العبادات، فعلى كل حال الجنب محدث وعليه حدث، وبه وصف قائم يمنعه من العبادات، فحاله أقل من حال من يتلبس بهذا الوصف.

أبو هريرة -رضي الله عنه- رأى أن مقامه وهو جنب لا يليق بمصافحة النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "باب: ما جاء في مصافحة الجنب" قال: "حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه" يعني لقي أبا هريرة "عن أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لقيه" الأصل أن يقول: لقيني كما في رواية البخاري، عن أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "لقيني" وهو جنب والأصل أن يقول: وأنا جنب، وهذه الجملة حالية، قال أبو هريرة: فانبجست أي انخنست، يعني في الصورة انبجست وانخنست وانحبست كلها متقاربة، ومعنى ذلك تأخرت، الخناس: الذي يتأخر عند الذكر، فإذا أذن المؤذن ولى هارباً، هذا الوسواس الخناس يتأخر عند الذكر، عند التكبير، عند الآذان، على كل حال أبو هريرة انخنس تأخر، العوام يقولون ماذا يقولون؟ إيش؟ ها يا أبو أحمد؟ ما يقولون: "نس"، أبو هريرة -رضي الله عنه- رأى أن مقامه في هذه الحالة وهو متلبس بجنابة دون مقام النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق وأطهر الخلق، فرأى أنه لا يليق به أنه يصافح النبي -عليه الصلاة والسلام- ويجالس النبي -عليه الصلاة والسلام- ويخاطب النبي وهو على هذه الحالة، "قال: فنخنست فاغتسلت ثم جئت" رأى أن نفسه صالحة الآن للمقابلة والمجالسة "ثم جئت، فقال: ((أين كنت؟ )) " يعني بعض الناس إذا صار مدعو على وليمة وبيحضرها أعيان وتيسر له أن مر البيت قبل ذلك وفعل ما فعل، أو أخذته عينه فنام في مسجده أو في بيته فاحتلم وهو مدعو إلى وليمة فيها أعيان وفيها أخيار يعني هل يليق به أن يذهب بجنابته أو يغتسل؟ لا سيما وأنه يحتمل أن يقتضي المقام أن يقرأ آية وإلا يقرأ شيء أو يستدل بآية، هو عرضة لمثل هذه الأمور والمجالس لا شك -لا سيما مجالس الأخيار- ينبغي أن تكون على أكمل حال "قال: فانخنست فاغتسلت ثم جئت، فقال: ((أين كنت أو أين ذهبت؟ )) قال: إني كنت جنباً، قال: ((إن المسلم)) وفي رواية: قال: ((إن المؤمن)) وهي في البخاري، ((لا ينجس)) المسلم لا ينجس مفهومه أن الكافر نجس نجس

العين، قال ابن حجر: تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال: إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] والجمهور على خلافه؛ لأن الله أباح نساء أهل الكتاب، ومن لازم معاشرة هذه النسوة أن تمس أبدانهن وعرقهن وإذا اغتسلن أمور كثيرة، يعني المخالطة تقتضي المماسة، فما دام نساء الكتاب مباحات للمسلمين إذاً بدن المشرك طاهر، وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] يقصد به النجاسة المعنوية، نجاسة الشرك، ونقل عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أعيان الكفار نجسة كالخنزير، وعن الحسن: "من صافحهم فليتوضأ" وهو محمول إن صح على المبالغة في البعد عنهم، والاحتراز منهم، والآية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] محتملة، والأصل في النجاسة العينية، وأما النجاسة المعنوية هذه لا شك أن لها ما يؤيدها لكن ليست هي الأصل، في قوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] واليهود والنصارى أبيحت لنا نساءهم، نساء أهل الكتاب مباحة للمسلمين بالنص، فهل نقول: إن اليهود والنصارى يدخلون في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة]؟ وبعبارة أخرى هل اليهود والنصارى مشركون أو ليسوا بمشركين؟ أولاً: هم كفار بالإجماع، ما في أحد يخالف في كفرهم، حتى قال أهل العلم: من شك في كفرهم كفر إجماعاً يعني اليهود والنصارى، لكن هل يقال لهم: مشركون، الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يقرر أنهم وإن كانوا كفاراً بالإجماع إلا أنهم ليسوا بمشركين، وإنما فيهم شرك، وأحكامهم تختلف عن أحكام المشركين، نعم فيهم شرك، لكنهم ليسوا بمشركين، فمن وافق في وصف لا يمكن أن ينسب، حينما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي ذر: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) هل يعني هذا إن أبا ذر جاهلي؟ لا، ومن كانت فيه خصلة من النفاق لم يكن منافقاً، لكن فيه خصلة من النفاق، وابن رجب يقول: إن اليهود والنصارى فيهم شرك وإن لم يكونوا مشركين، ولذلك لا يحتاجون إلى مخصص لقوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [(221) سورة البقرة] لا يدخل فيه نساء اليهود والنصارى لأنهن أبحن

بالنص، ولا يدخلن في أية المنع لأنهم ليسوا مشركين، ومن قال: إنهم مشركون كغيرهم لا سيما وأن الشرك وقع فيهم، الشرك وقع في اليهود والنصارى لكن ليسوا مثل غيرهم من طوائف الشرك الذين لا يقرون بالتوحيد ولا يعترفون بالله -جل وعلا-، وإن اشتركوا مع غيرهم في جحد الرسالة لذلك الطوائف متفاوتة، منها القريب ومنها البعيد، واليهود والنصارى أقرب من غيرهم، ولذا أبيح منهم ما لم يبح لغيرهم أو من غيرهم. قال: "وفي الباب عن حذيفة" وهو عند البزار "وابن عباس". "قال أبو عيسى: وحديث أبي هريرة أنه لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جنب حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما "وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب، ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأساً" قال البغوي في شرح السنة: وهو قول عامة العلماء، وفيه جواز تأخير الاغتسال بالجنب، وأنه يسعى في حوائجه، ما في ما يمنع أنه يجنب ويخرج إلى السوق ليشتري ما يريد، ومعنى قوله: فانخنست يعني تنحيت عنه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبواب الطهارة (25)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (25) شرح: باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل، وباب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل، وباب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء، وباب: ما جاء في المستحاضة، وباب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وباب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد، وباب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: هل للوضوء صفة كاملة وصفة مجزئة؟ لا شك أن الغسلة الواحدة مجزئة كافية وهي كاملة أيضاً لثبوتها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهي أدنى الكمال، وأعلاه الثلاث. يقول: لو أن شخصاً أمّ أناس ثم شك في صلاته أنه محدث ثم أكمل الصلاة، وفي آخر الصلاة تيقن أنه محدث، وأكمل بهم الصلاة فما الحكم بالنسبة للمأمومين؟ المأموم إذا كان لا يعلم ببطلان صلاة إمامه فإن بطلان صلاة إمامه لا يؤثر عليه، لكن إذا علم ببطلان صلاة إمامه لا يجوز له متابعته، وإن تابعه فصلاته باطلة. يقول: ذكرت في الدرس الماضي أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب ما الدليل على ذلك؟ هذا واحد من الإخوان خرج الحديث. يقول: حديث: ((لا تدخل الملائكة بيت فيه كلب ولا صورة ولا جنب)) يقول: لم يأتِ هذا المعنى عدم دخول الملائكة الذي فيه جنب إلا في هذا الحديث، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من عدة من الصحابة أبي طلحة وأبي هريرة وعائشة ولم يذكروا فيه لفظ: ((ولا جنب)) ولم تأتِ هذه اللفظة إلا من حديث عبد الله بن لجين عن أبيه عن علي -رضي الله عنه- عند أبي داود والنسائي وأحمد وابن حبان وغيرهم؟ وعبد الله بن لجين قال عنه البخاري: فيه نظر، قال ابن عدي بعد أن ساق بعض أخباره عن علي قال: أخباره فيها نظر، وقال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث، وأما أبو لجين بن سلمة الحضرمي قال عنه الذهبي: لا يعرف، وقال ابن حبان عنه: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، ولم يروِ عنه سواء ابنه عبد الله.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند كلامه على ترجمة البخاري: باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل، قيل: أشار المصنف بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد عن علي مرفوعاً: ((إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ولا جنب)) رواه أبو داود وغيره، وفيه لجين بضم النون الحضرمي ما روى عنه غير ابنه عبد الله فهو مجهول، لكن وثقه العجلي، وصحح ابن حبان والحاكم حديثه. على كل حال الحديث يعني قابل للتحسين، يعني وإن لم يكن على شرط البخاري، ولم يرَ البخاري صحته لكنه مما خرجه أبو داود وسكت عنه فهو صالح على ما سيأتي في درس المصطلح -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما حكم التصفيق في الحفلات خاصة حفلات المراكز الصيفية التي معظمها شباب مستقيمون؟ التصفيق من خصائص النساء، الرجل يسبح، إذا نابه شيء حتى في صلاته يسبح، وأما المرأة فتصفق، وليس التصفيق من أفعال الرجال، وفي قوله -جل وعلا-: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [(35) سورة الأنفال] قالوا: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق. يقول: في هذه الإجازة كيف الجمع بين طلب العلم والمركز والأهل؟ التوفيق بين هذه الأمور سهل ويسير، يعني لو خصص لطلب العلم وقت لا يشغل عن حاجة الأهل ومطالب الأهل، والمركز أيضاً له وقت، وغالباً أن المراكز في أخر النهار، وليخصص طلب العلم في أول النهار. يقول: ما المنهج الصحيح بالنسبة للتدرج في علوم الحديث لمن قرأ البيقونية وحفظها وقرأ نخبة الفكر هل يذهب مباشرة إلى ألفية العراقي أم السيوطي؟ يقرأ قبل ذلك مختصر علوم الحديث للحافظ ابن كثير ينفعه ويفيده، ويكون كالمرقاة لألفية العراقي. يقول: هل صحيح أن العمل شرط كمال في الإيمان كما قال بعضهم؟ وكيف نفرق بين ذلك؟ العمل شرط عند أهل العلم، والمراد جنسه شرط صحة، والمراد جنسه كما قرر ذلك شيخ الإسلام، وسئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- في بعض المناسبات عمن قال: إنه شرط كمال قال: هذا قول المرجئة. يقول: هل حديث: ((من جلس بعد الصبح يذكر الله ثم صلى ركعتين كان له أجر حجة وعمرة تامة تامة)) صحيح؟

باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل:

هذا الحديث مخرج في السنن لكنه لا يصل إلى درجة الصحة، فيه كلام لأهل العلم، والأقرب أنه حسن. يقول: ظهر في بعض المراكز الصيفية ما يسمى بالكاميرة المحمولة وهي مسابقة أفضل تصوير للبرامج؟ ما حكم هذا العمل؟ حكم هذا العمل إن كان التصوير لذوات الأرواح فهو محرم، وجاءت به النصوص الصحيحة الصريحة. أرجو الإجابة والإفادة لأنني محرج عند نصيحة الشباب؟ لا، لا تحرج عند إسداء النصيحة لهم، ولهم أيضاً من يقتدون به ويعملون بقوله، لكن أنت عليك أن تنكر على ما تقرر عندك، وما تدين الله به. يقول: إذا استفرغ الطفل الصغير الذي لم يبلغ شهرين على أمه هل ينتقض الوضوء؟ وإذا صلت هل تعيد؟ إيش ينتقض الوضوء؟ ينتقض وضوء من؟ نعم لا ينتقض الوضوء إنما على القول بنجاسته يتنجس ثوب أمه وليس بأشد من بوله يكفي النضح في هذه الحالة. سم. الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل: حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله عنهما- قالت: جاءت أم سليم بنت ملحان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل؟ قال: ((نعم إذا هي رأت الماء فلتغتسل)) قالت أم سلمة: قلت لها: فضحت النساء يا أم سليم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول عامة الفقهاء أن المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي قال: وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل" يعني من الاحتلام ترى أنها تجامع، وإذا رأت ما يرى الرجل في المنام ورأت أنها تجامع من قبل زوجها أو من غيره، فلا يخلو الحال إما أن ترى الماء بارزاً، ماء النطفة فإنه حينئذٍ يجب عليها الغسل على ما في حديث الباب وغيره، فهي كالرجل والنساء شقائق الرجال، وإن لم ترَ الماء فهذا من تلاعب الشيطان، ولكن ليس عليها غسل. قال -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة" عن أم سلمة عن أمها أم سلمة "قالت: جاءت أم سليم بنت ملحان" وهي أم أنس بن مالك "إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: إن الله لا يستحيي من الحق" هذه الجملة قدمتها تمهيداً لعذرها في ذكر ما يستحيا من ذكره، فجاءت بهذه المقدمة لتلج إلى الموضوع التي تريده؛ لأن لو سألت مباشرة بدون مقدمات لا سيما عند النساء أو من النساء هذا شيء ينبو عنه السمع والفطرة المستقيمة في مثل هذه الأمور، الحياء الذي يمنع من النطق بهذا الكلام موجود عند النساء أكثر منه عند الرجال، ونساء الأنصار مدحن بهذا؛ لأن الحياء لم يمنعهن من معرفة الحق "قالت أم سليم: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق" بياءين في لغة قريش، وبياء واحدة عند تميم "لا يستحي" ويظهر أثر ذلك في حال الجزم فعند قريش إذا قلت: ((إذا لم تستحي)) بياء واحدة حذفت واحدة من أجل الجزم وأبقيت الثانية، وعلى لغة تميم تقول: ((إذا لم تستحِ)) بكسرة، ((إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)) والإمام البخاري لم خرج الحديث في كتاب الأدب أورد الحديث بياء واحدة ((إذا لم تستحي)) لأن واحدة حذفت للجزم وبقيت واحدة على لغة قريش، والترجمة قال: ((باب إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)) على لغة تميم.

"إن الله لا يستحيي من الحق" المراد بالحياء هنا المنفي {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} [(26) سورة البقرة] الله -جل وعلا- كما في هذا الحديث وفي الآية أيضاً "لا يستحي من الحق" ومفاده أنه يستحي من الباطل، وإثبات الحياء لله -جل وعلا- مقرر عند أهل السنة والجماعة على ما يليق بجلاله وعظمته، وإن جاء بصيغة النفي لكن النفي له مفهوم مقرر فإذا كان لا يستحي من الحق فمفهومه أنه يستحي من ضده، وبعضهم يؤوله بالامتناع، هذا لازم الاستحياء الامتناع فلا يمتنع من قول الحق، وإذا جاءت الصفة منفية فإن كان مقابلها مؤكد مجزوم به فهو مراد، كما في ((فإن الله لا يمل حتى تملوا)) الملل من المخلوق مؤكد من صفته الملل ((فإن الله لا يمل حتى تملوا)) فإثبات الملل لله -جل وعلا- من هذا النص وإن كان منفياً إلا أنه مرتب على أمر محقق فأثبته من أثبته من أهل العلم، ومنهم من لم يثبت الملل لله -جل وعلا- وقال: إن معنى الحديث لا يمل وإن مللتم، لا يمل وإن مللتم كما في قولهم: إن فلاناً الخطيب أو الشاعر أو المناظر لا ينقطع حتى ينقطع خصمه، إذا انقطع بعد انقطاع خصمه هل هذه صفة مدح وإلا ذم؟ ليست بصفحة مدح، لكن كونه لا ينقطع وإن انقطع خصمه هذه صفة مدح، وهذا قرره الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في شرح البخاري وغيره من أهل العلم.

"إن الله لا يستحيي من الحق" الحياء يطلق على معنى شرعي ومعنى عرفي، فالحياء الشرعي خير كله ولا يأتي إلا بخير، وفي الصحيح أن رجلاً كان يعظ أخاه في الحياء فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)) والحياء شعبة من شعب الإيمان ولم يرد ما يخصصه دليل على أن الحياء الشرعي ممدوح على كل حال، وهو الذي يبعث على ترك ما يذم به فاعله شرعاً أو عرفاً، وأما ما يمنع صاحبه من قول الحق وإنكار الباطل، والأمر والنهي والدعوة والتعليم هذا يسميه الناس حياء، يقولون: فلان لا يأمر ولا ينهى يستحي، ولا يعظ ولا يعلم يمنعه الحياء، هذا ليس بحياء هذا هو الخجل المذموم هذا خجل مذموم ليس بحياء وإن سمي عرفاً حياء؛ لأنه يمنع، بجامع المنع مع الحياء الشرعي، لكن هذا يمنع مما يمدح به شرعاً فهو مذموم، والحياء الشرعي يمدح مما يذم به شرعاً فهو ممدوح.

"إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل" وفي رواية أحمد: "إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام" إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام تغتسل، يعني المرأة ترى زوجها يجامعها والرجل يجامع زوجته ويرى أنه يجامع زوجته في المنام هذا ما في إشكال؛ لأن قلبه معلق بزوجته دون غيرها، وهذه المرأة معلقة بزوجها دون غيره، لكن من رأى أنه يجامع غير زوجته من امرأة معلومة أو مجهولة هل في هذا ما يذم به؟ أو نقول: إن النائم رفع عنه القلم فلا يؤاخذ؟ أو نقول: إنه ما رأى ذلك حتى ترددت في ذهنه وعلى خاطره في اليقظة؟ لأن هذا يحصل أنه يرى أنه يجامع امرأة أجنبية عنه لا تحل له، وقد تكون من محارمه هل هذا لازم وإلا ليس بلازم؟ هل هذا نتيجة تفكير في حال اليقظة وإلا حصل هكذا اتفاقاً؟ نعم؟ هو ممن يجامع محارمه هذا في الغالب أنه اتفاقاً، لا يوجد نفس سوية تشرئب إلى المحارم بخلاف من مسخت فطرته، أما كونه يجامع امرأة أجنبية ليست من محارمه إذا كانت معلومة بعينها معروفة امرأة الجيران وإلا امرأة تحدثوا عنها في مجلس وإلا كذا ومدحت له ثم رأى أنه يجامعها هذا قد يقول قائل: إن هذا بسبب التعلق الذي هو مجرد حديث نفس في اليقظة يعني لا يؤاخذ عليه في اليقظة وهذا الكلام يجرنا إلى مسألة أخرى وهي مما يكثر السؤال عنه قد تكون زوجته ليست على المستوى الذي يطلبه فلا يمكن أن يعاشرها حتى يتخيل غيرها وهذا موجود ويسأل عنه كثير؛ لأن التفكر والتخيل له نصيب في مسألة الإقدام أو الإحجام على الوطء، هذه يكثر السؤال عنها، أنه يقول: أنا والله لو قصد زوجتي ... ؛ لأن زوجته ليست على المستوى الذي يثيره ويشجعه، يقول: لا بد أن أتخيل كذا إما امرأة رآها أو في شاشة أو في صحيفة أو مجلة إما صورة وإلا حقيقة يقول: يتخيلها فماذا عن مثل هذا التخيل؟ وهل يختلف الحال فيما إذا تخيل امرأة لها حقيقة ولها وجود في الواقع أو تخيل صورة لا حقيقة لها؟ يعني يتخيل أن زوجته على هذه الهيئة أو على هذه الصورة أما إذا كانت لا حقيقة لها فالأمر سهل، أما إذا كانت ذات حقيقة فإن ترديدها في نفسه قد يغريه بها، قد يغريه بها بحيث لو سنحت له

باب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل:

فرصة من كثرة هذا التفكر وهذا التذكر يمكن ما يتورع عنها، وعلى كل حال على الإنسان أن يقنع بما رزقه الله، وأن يستعف ليعفه الله -جل وعلا-، وهذه التخيلات ليست من أعمال أهل التحري، إنما هي من أعمال أهل مد النظر إلى النساء، إما بحقائقهن أو صورهن، أما من قصر نظره على زوجته فإن مثل هذا لا يحصل منه، والله المستعان. "قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) " أي المني الموجب للغسل، إذا رأت ذلك يجب عليها الغسل، وعرفنا فيما تقدم أن الرؤية لا يلزم أن تكون بصرية، إنما تكون بالبصر أو ما يقوم مقامه من لمس أو إحساس يغلب فيه على الظن يكفي مثل هذا، وإلا لو قلنا: إن الرؤية بصرية هنا، لقلنا: إن الأعمى أو العمياء لا يلزمهما غسل في هذه الحالة؛ لأنهما لا يرون، وكذلك المبصر في حال الظلام لا يلزمه لأنه لا يرى. "فلتغتسل" اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، ففيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال كالرجل "قالت أم سلمة -أم المؤمنين-: قلت لها -تعني أم سليم-: فضحت النساء يا أم سليم" إذ حكيت عنهن ما يدل على شهوتهن، فالاحتلام لا شك أنه يدل على الشهوة، لكن هذه الفضيحة لا أثر لها ولا قيمة لها مغمورة في جانب المصلحة المرتبة على معرفة الحكم الشرعي. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "وهو قول عامة الفقهاء أن المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وعامة أهل العلم". قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أم سليم" يعني من حديثها عند مسلم "وخولة" عند النسائي وأحمد في المسند "وعائشة وأنس" وكلاهما مخرج في صحيح مسلم. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل: حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن حريث عن الشعبي عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ربما اغتسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إليّ ولم أغتسل.

قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين إن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته، وينام معها قبل أن تغتسل المرأة، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل" يستدفئ يعني يطلب الدفء، السين والتاء هذه للطلب، يطلب الدفء والحرارة بأن يضع أعضاءه على أعضائها، ولا يلزم أن يكون بغير حائل، يعني لا يلزم أن تكون مجردة وهو مجرد، بل إذا اغتسل ولبس ثيابه ونام معها في فراشها وعليها ثيابها حصل له الدفء، يعني ليس من لازم ذلك أن يكونا مجردين، يعني الجسم لا شك أنه مشتمل على الحرارة، وإذا أصابه الماء انخفضت هذه الحرارة فاحتاج إلى الدفء، لكن لا يلزم من هذا الدفء أن يكون مجرداً وهي مجردة، فالمسألة أعم من ذلك، والأصل أنهما مشتملين بثيابهما، هذا الأصل؛ لأن مس المرأة في هذه الحالة لا يخلو من شهوة، والمس مضى فيه ما مضى من النصوص والخلاف، هل ينقض الوضوء أو لا ينقض؟ مسألة سبق تفصيلها، على كل حال الرجل إذا اغتسل وقد يكون العكس المرأة تغتسل ويتأخر غسل الرجل فستدفئ به، وكل منهما يستدفئ بصاحبه إذا احتاج إلى ذلك {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [(187) سورة البقرة]. قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن حريث" بن أبي مطر فزاري مضعف عند أهل العلم "عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: ربما اغتسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إلي ولم أغتسل" ربما هذه حرف تقليل وإلا تكثير؟ يعني ربما يعني في أحياناً قليلة أو في أحياناً كثيرة؟ يعني الأصل فيها التقليل، {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} [(2) سورة الحجر] هذا قليل وإلا كثير؟ نعم؟ كثير، كثير بل كلهم يتمنون أن لو كانوا مسلمين، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

في الآخرة كلهم يتمنون أن لو أسلموا، فالأصل فيها التقليل، وقد ترد للتكثير، ومن يقول بالمجاز أن حقيقتها التقليل ومجازها التكثير، وفي قول الحافظ العراقي في بحث المستخرجات قال: إذا خالفت لفظ اً ومعنى ربما ... . . . . . . . . . هي تخالف في اللفظ كثيراً لكن مخالفتها في المعنى قليلة، فقالوا: إنه استعمل اللفظ في حقيقته ومجازه، استعمله في حقيقته في مخالفة المعنى، وهذا قليل استعمله في مجازه في مخالفة اللفظ وهو استعمله في حقيقته في مخالفة المعنى وهو قليل، واستعمله في مجازه في مخالفة اللفظ وهو كثير، وهنا تقول: ربما اغتسل النبي هذا تقليل، هذا على الأصل ربما اغتسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي، أي طلب الحرارة مني وجعلني بمثابة الثوب فستدفأ بي فضممته إلى ولم أغتسل، يعني لم أغتسل بعد، يعني لم أغتسل للجنابة الأولى أو لجنابة أخرى؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ولم أغتسل، أغتسلُ فعل مضارع وإلا ماضي؟ مضارع، والمضارع للمستقبل وإلا لما مضى من الزمان؟ الأصل فيه أنه للحال أو الاستقبال، لكن اقترانه بـ (لم) نعم، تجعله في الماضي؛ لأن (لم) حرف نفي وجزم وقلب، يعني تقلب الفعل من الاستقبال إلى المضي، يعني لم أغتسل قبل ذلك، وإن كان يلزمها أن تغتسل بعد عن الجنابة، والحديث كما هو في جامع الترمذي مخرج أيضاً في سنن ابن ماجه.

باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء:

"قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس" حريث بن أبي مطر الفزاري ضعيف عند أهل العلم، وأبو عيسى يقول: ليس بإسناده بأس، يقول الملأ علي قاري في مرقاة المفاتيح: سنده حسن، يعني مثل كلام الترمذي: "ليس بإسناده بأس" لكن مثل ما ذكرنا في إسناده حريث بن أبي مطر وهو ضعيف عند أكثر العلماء، وبهذا يكون الخبر ضعيفاً لا يرقى للحجية "وهو قول غير واحد من أهل العلم، من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين إن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة" هذا الحكم الشرعي ما في إشكال من حيث الحكم لا بأس أن يغتسل لا سيما في الأيام الباردة ثم يندس في فراشه مع زوجته، ويلتصق بها ليستدفئ بها فإن حصل منه ما يوجب الغسل اغتسل ثانية، وإن حصل منه ما يوجب الوضوء توضأ وإلا فهو على طهارته ولا يلزم لهذا الحكم أن يكون خبر الباب ثابتاً فإنه معروف من أدلة أخرى، قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق" ومثلما ذكرنا أنه ليس من لازمه أن يكون مجرداً وهي مجردة، وكل على مذهبه في نقض الوضوء بمجرد المس. سم. عفا الله عنك يا شيخ أليس المشهور عن الشافعي أن مس المرأة .... ؟ إلا معروف عن الشافعي أن مس المرأة .. ، لكن من حائل هنا ما يلزم أن يكون من غير حائل. يعني نقله عن الشافعي هنا أنه إذا كان بحائل؟ إيه لا بد، لا بد، الشافعي ولو من غير شهوة، ولذلك الشافعية يتحرجون حرجاً شديداً في المطاف خشية أن تقع يد المرأة أو يد الرجل على الآخر ولو من غير قصد. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء:

حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير)). وقال محمود في حديثه: إن الصعيد الطيب وضوء المسلم قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعن عبد الله بن عمرو وعمران بن حصين. قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر، وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه قال: وهذا حديث حسن، وهو قول عامة الفقهاء أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء تيمما وصليا، ويروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرى التيمم للجنب وإن لم يجد الماء، ويروى عنه أنه رجع عن قوله فقال: يتيمم إذا لم يجد الماء، وبه يقول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء" التيمم منصوص عليه في موضعين من كتاب الله -جل وعلا-، وفي أحاديث كثيرة من سنته -عليه الصلاة والسلام-، وهو بدل عن طهارة الماء مع فقده، إذا فقد الماء أو تعذر استعماله فلم يجد الماء حقيقة أو حكماً يعني إذا لم يجد الماء حقيقة بأن كان الماء مفقود أو حكماً بأن كان موجوداً إلا أنه لا يستطاع استعماله، إما لمرض أو لجرح لا يستطيع معه مس الماء أو مرض يتأخر برئه أو يزيد، أو لعدم القدرة على تملكه كل هذا يجعله في حكم المعدوم، وفقدان الماء شرط لصحة التيمم {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء] في الآيتين، ومنهم من يقول: إن المبرر للتيمم أكثر من سبب منها عدم وجدان الماء وهذا متفق عليه، ومنها المرض، ومنها السفر، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

هذا عامة أهل العلم على أنه مقيد؛ لكن وجد من يقول: إن مجرد السفر مبيح للتيمم، ولو كان الماء عنده، ولو راجعت السير الجرار للشوكاني عرفت أن هناك من يقول بأن مجرد السفر مبرر للتيمم، وهو من رخصها عندهم، لكن عامة أهل العلم على أن فقدان الماء حقيقة أو حكماً هو الشرط لجواز التيمم وصحته، {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء]. قال: "باب: التيمم للجنب إذا لم يجد الماء" أما بالنسبة للوضوء فمن عليه حدث أصغر فبحث عن الماء ولم يجد فتيمم هذا لا خلاف فيه، لكن بالنسبة للجنب فيه كلام لبعض من تقدم ثم انعقد الإجماع، يعني يذكر عن عمر وابن مسعود أنهما لا يجيزان ولا يبيحان التيمم للجنب، ولعل السبب في قولهما التشديد في أمر الجنابة إذا لم يكن ثم ماء فيجعلان الإنسان لا يتساهل في أمره، إذا لم يكن عنده ماء لا يحرص على الجماع، على الوطأ على ما يوجب الغسل، هذا من جهة، الجهة الثانية أيضاً هو فيه احتياط لطلب الماء، فإذا عرف مثل هذا القول تحرى الإنسان في الموجب للجنابة وتحرى أيضاً في الخروج من تبعتها؛ لأنه لو لم يرد مثل هذا القول عند أهل العلم كان الإنسان يتسامح، يعني يطأ متى شاء ولو لم يكن عنده ماء، وقد يكون الماء عنده قريب ولا يبحث عنه، فإذا وجد مثل هذا القول الذي ظاهره التحري لا شك أن الإنسان تكون عنده وقفة في هذا الباب يعني لا يحرص على تكرار الجنابة مثلاً إلا إذا احتاج إلى ذلك حاجة شديدة، وإذا حصل منه ذلك تحرى في البحث عن الماء؛ لأنه يوجد من يقول بعدم صحة التيمم للجنابة، ومع ذلك انقرض القول بعدم صحته، واتفق العلماء وأجمعوا على أن الجنب يتيمم إذا لم يجد الماء.

قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان" وهو الثوري "عن خالد بن مهران" الحذاء بصري وهو من الثقات من رجال الكتب "عن أبي قلابة" عبد الله بن زيد الجرمي ثقة أيضاً "عن عمرو بن بجدان" عمرو بن بجدان البصري، وثقه ابن حبان والعجلي، وقال ابن حجر: لا يعرف "عن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الصعيد)) {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا} [(43) سورة النساء] ((إن الصعيد الطيب)) والصعيد الأصل فيه ما تصاعد على وجه الأرض أياً كان، الصعيد الطيب يعني الطاهر ((طهور المسلم)) كالماء ((وإن لم يجد الماء عشر سنين)) ((فإذا وجد الماء فليتقِ الله ويمسه بشرته)) كما في بعض الروايات، الصعيد وهو المنصوص عليه في القرآن ما تصاعد على وجه الأرض، فعلى هذا يجوز التيمم بكل ما كان على وجه الأرض أياً كان، كل ما يسمى صعيد يتيمم به، وجميع أجزاء الأرض يتيمم بها ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) يعني في حديث الخصائص، وهذا قول المالكية والحنفية، جاء في حديث الخصائص عند مسلم: ((وجعلت ترتبها لنا طهوراً)) مما جعل الحنابلة والشافعية يقولون: لا يتيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليد، والقول الأول للمالكية والحنفية بكل ما تصاعد على وجه الأرض مما يسمى أرض، ((جعلت لي الأرض)) هذا من الأمثلة التي يمثل بها للزيادة من الثقة تربتها هذه زيادة، وهل هي زيادة موافقة أو زيادة مخالفة، لا شك أنها موافقة من وجه ومخالفة من وجه، الموافقة باعتبار أن التراب جزء من أجزاء الأرض، وفرد من أفرادها أو وصف من أوصافها، والموافقة من هذه الحيثية والمخالفة في الإطلاق والتقييد أو في العموم والخصوص، يعني مستمسك الحنابلة والشافعية في قولهم: إنه لا يتيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليد من هذه الرواية: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) والمالكية والحنفية يقولون: جعلت لي الأرض مع ما في الآيتين من التنصيص على الصعيد، هل في هذا معارضة أو ليس فيه معارضة؟ ذكرنا أن فيه موافقة من وجه ومخالفة من وجه، متى تكون مخالفة؟ هل تكون مخالفة إذا قلنا: إن بين النصين عموم وخصوص؟ أو قلنا: بينهما إطلاق وتقييد؟ لأن الشراح

حينما يبحثون مثل هذه الرواية تجده في أول الكلام يقول: تقيد الرواية الأولى بالثانية، وفي أثناء الكلام يقول: يخصص النص الأول أو اللفظ الأول بالثاني مع أن التقييد شيء والتخصيص شيء أخر حقيقة وحكماً، فمن حيث الحقيقة التخصيص تقليل في الأفراد، والتقييد تقليل في الأوصاف، وإذا أردنا أن نحرر هذه المسألة لأن المسألة حصل فيه خلط وفيها أيضاً من بعض الشراح بعض الكلام الذي يقضي بعضه على بعض، فإذا حررت هذه اللفظة أو ما بين اللفظين من نسبة إما عموم وخصوص أو إطلاق وتقييد انتهى الإشكال انحلت عندنا، فإذا قلنا: إنه من باب الإطلاق والتقييد قلنا: يحمل المطلق على المقيد للاتفاق في الحكم والسبب، فيحمل المطلق على المقيد وحينئذٍ يتجه قول الشافعية والحنابلة، وإذا قلنا: إنه من باب العموم والخصوص قلنا: التنصيص على التراب وهو فرد من أفراد العام لا يقتضي التخصيص لماذا؟ لأن الحكم واحد والتنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص إنما يقتضي الاهتمام بشأن الخاص والعناية به، فيكون أولى من غيره من أفراد العام، لكن هذا لا يقتضي تخصيص، ولعل هذا هو معول من يقول بالتيمم بجميع ما على وجه الأرض، هذا عام وخاص وذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي تخصيص، لكن من يقول: إن هذا من باب الإطلاق والتقييد فلا مفر له من أن يقول: التيمم لا يجوز إلا بالتراب، والتراب قيد، لكن إذا نظرنا من حيث الواقع هل التراب وصف من أوصاف الأرض أو فرد من أفرادها؟ فرد من أفرادها، ولذا القول المتجه هو قول الحنفية والمالكية، وأنه يتيمم بجميع ما على وجه الأرض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم من أصل الجدار.

((أن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين)) والمراد بهذا الكثرة وطول المدة، لا المدة المقدرة المحددة بحيث لو لم يجد الماء إحدى عشر سنة لا يتيمم لا المراد بذلك تكثير المدة؛ لأنه لا يمكن أن يجلس عشر سنين ما وجد الماء، لكن هذا من باب المبالغة ولا مفهوم للعدد هنا ((وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء)) في بعض الروايات: ((فليتقِ الله)) ولا شك أن التقوى تدعو إلى الاحتياط والتحري والخروج من عهدة الواجب بيقين، الخروج من عهدة الواجب بيقين، ويتساهل كثير من الناس بأمر التيمم، فالماء عندهم أو على مقربة منهم ومع ذلك يتيممون إذا كان الإنسان في مكانٍ الماء قريب منه جداً لكنه يخاف أن يذهب إلى الماء، وهناك خوف محقق، وخوف يغلب على الظن، وتوهم للخوف يعرف أن الأرض أرض مسبعة فإذا ابتعد عن محله السباع موجودة هذا خوف محقق، وهناك خوف دونه بحيث يغلب على ظنه أنه يتعرض للأذى، وهناك خوف موهوم بعض الناس يخاف من مجرد الظلام، وإن جزم أنه ليس هناك شيء، يعني هو في بيته وقام لصلاة الليل فتح الماء ما وجد ماء، المسجد أمتار منه وفيه ماء، لكنها ظلام لا يستطيع أن يخرج، هل ينزل التوهم منزلة الواقع أو منزلة غلبة الظن؟ عند الجمهور لا؛ لأن مجرد التوهم هذا لا يبيح له التيمم، ومن أهل العلم من يقول: إن هذا التوهم عند بعض الناس أشد من الخوف المحقق عند كثير من الناس، بعض الناس يسمع عواء الذئب ويأخذ ما يدفعه به ويخرج، وبعضهم يسمع صياح الديك ولا يخرج، يعني الناس يختلفون يتفاوتون في مثل هذا، يعني بعض الناس خطر عليه أن يجن إذا خرج ولو لم يكن هناك شيء، فلا شك أن الإنسان إذا بلغ به الأمر إلى هذا الحد {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] يتيمم.

((إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله)) اللام لام الأمر ((وليسمه)) فليمسه أيضاً لام الأمر، فلا بد من الإمساس من إمساسه الماء بشرته يعني جلده ((فإن ذلك)) يعني الإمساس، إمساس الماء ((خير)) خير من عدم الإمساس، والخيرية هذه ليست على بابها، فالإمساس خير بلا شك، والأصل في خير أنها أفعل تفضيل، يقابل هذا الإمساس عدم الإمساس فهل في عدم الإمساس مع وجود الماء خير؟ ليس فيه خير {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] ومستقر أهل النار -نسأل الله العافية- ومقيلهم ليس فيه خير البتة، لكن أفعل التفضيل هذه ليست على بابها ((فليتقِ الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير)) فليتق الله وليسمه بشرته، هذا أصابته جنابة فتيمم وصلى الفجر والظهر والعصر، تيمم، يتيمم ويصلي هذه الأوقات لأنه لم يجد الماء، وجد الماء بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أو خمسة ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) للحدث الماضي للجنابة الماضية أو لما يستقبل؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . للجنابة الماضية أو المستقبلة؟ أو بأسلوب أخر التيمم هل هو مبيح أو رافع؟ وعند من يقول: إنه رافع هل يرفع رفع مطلق أو رفع مؤقت؟ نعم؟ طالب: يعني حينما أنه وجد الماء ... نعم؟ طالب: حينما وجد الماء لغت الطهارة السابقة وهي التيمم. بطلت. طالب: فبقي بدون طهارة.

لو افترضنا أنه وضوء أحدث حدث أصغر ثم توضأ ثم وجد الماء توضأ وصلى ثم وجد الماء للطهارة المستقبلة وإلا الماضية؟ ((فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) هذا الذي يقول: إنه يرفع رفع مطلق يقول: لا يمسه بشرته خلاص، حدثه وارتفع، والذي يقول: إنه مجرد مبيح يقول: يتقي الله وليمسه بشرته حتى في الحدث الأصغر، والذي يقول: يرفع رفع مؤقت يقول: يتقي الله وليمسه بشرته لما مضى من أحداث كبرى، أما الأحداث الصغرى ارتفعت فإذا وجد الماء بطلت طهارته، فهو رافع رفع مؤقت، وما الذي يترتب على هذا؟ أن هذا الذي أصابته الجنابة في الليل فتيمم لصلاة الصبح تيمم لصلاة الظهر والعصر ثم وجد الماء، إذا قلنا: رفع رفْع مطلق قلنا: خلاص لا يمسه بشرته، ارتفع حدثه إلا لما يستقبل من الأحداث، وإذا قلنا: رفع مؤقت، قلنا: يتقي الله ويمسه بشرته لما مضى من حدث كالجنابة السابقة، وهذا أولى ما يحمل عليه الحديث، أولى ما يحمل عليه الحديث، لماذا؟ لأننا إذا قلنا: إنه رفع مؤقت وليتقِ الله وليمسه بشرته لما مضى قلنا: الحديث مؤسس لحكم جديد، وإذا قلنا: فليتقِ الله وليمسه بشرته لما يستقبل من الأحداث قلنا: الحديث مؤكد، نصوص الطهارة كلها تدل على هذا لو لم يأتِ هذا الحديث ما فقدنا شيء، هذا الحديث ما جاءنا بشيء جديد، كل نصوص الطهارة تقول: إذا وجد الماء عليه أن يتطهر، وإذا قلنا: إنه للحدث الماضي الذي تيمم عنه قلنا: إنه مؤسس لحكم جديد والتأسيس عند أهل العلم خير وأولى من التأكيد، وعلى هذا يكون حكم التيمم أنه رافع، لكنه رفع مؤقت، حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء استعمله لما مضى من حدث وما يستقبل، يقول الشوكاني: إذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء، إلا ما يحكى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أحد الفقهاء السبعة أنه قال: لا يلزمه، قال الشوكاني: وهو مذهب متروك بإجماع من بعده ومن قبله وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره -صلى الله عليه وسلم- للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء، قال: محمود بن غيلان في حديثه: ((إن الصعيد الطيب وضوء المسلم)) ومحمد بن بشار لفظه: ((إن الصعيد الطيب طهور المسلم)) ومحمود قال: ((وضوء

المسلم)) ولا فرق بينهما، فالوضوء والطهور هو الماء الذي يتطهر به ويتوضأ به. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين" حديث أبي هريرة عند البزار، وحديث ابن عمرو عند أحمد في المسند، وعمران بن حصين في الصحيحين.

"قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء" خالد بن مهران الحذاء، ولم يكن حذاء، وإنما كان يجلس عندهم "عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر" وهي الرواية المخرجة في الأصل، الرواية المخرجة في الأصل، عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن وجدان عن أبي ذر هذا الوجه الأول، والوجه الثاني قال: وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه ولعله هو المسمى عمرو بن بجدان، رواه أبو داود في سننه، قال المنذري في مختصر السنة: هذا الرجل من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله، سماه خالد الحذاء عن أبي القلابة، وسماه الثوري عن أيوب، قال: وهذا حديث حسن صحيح، قال الإمام الترمذي –رحمه الله-: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، قال الشوكاني في النيل: ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني، وصححه أبو حاتم وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي، قال الحافظ: وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول، أبو الحسن بن القطان صاحب: (بيان الوهم والإيهام) إمام من أئمة هذا الشأن، وإن كان متأخر عن الأئمة لكنه إمام معتبر، قال ابن حجر: وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول، وقال المبارك فوري: وقد غفل الحافظ أيضاً فقال في التقريب: لا يعرف حاله، يعني وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه ابن القطان، لهذا نظائر يعني الإمام والعالم يحصل منه هذا ليس بمعصوم، يعني الآن يصف ابن القطان بالغفلة؛ لأنه قال: مجهول، وقد قال عنه: لا يعرف حاله، يعني مجهول، ويُذكّرنا بانتقاد الحافظ ابن حجر لصاحب العمدة: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ما عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين)) فلفظة: ((من الإثم)) هذه ليست في الصحيحين إلا في رواية الكشمهني، ووصفه ابن حجر بأنه ليس من الحفاظ، وانتقد الحافظ عبد الغني في العمدة حيث ذكرها، ومع ذلكم ذكرها في البلوغ وقال: متفق عليه، يعني هو ليس بمعصوم يغفل مثل ما يغفل غيره، لكن يعني في مثل هذه الأمور التي ينتقد فيها الغير قد يقول قائل: إنه في وقت الانتقاد، في وقت انتقاده لغيره رأى في نفسه أنه أهل لهذا الانتقاد وأن غيره وهم وأنه تنبه فابتلي، فابتلي وإلا كيف ينتقد ويقع في

نفس الخلل؟ نعم إذا طالت المدة ممكن يعني ابن حجر نفسه في فتح الباري قال: عبيد الله بن الأخنس ثقة وهو من رواة البخاري قال: ثقة وشذ ابن حبان فقال: يخطأ، ونفسه ابن حجر في التقريب قال: صدوق يخطأ، فهؤلاء وإن كانوا أئمة وأهل اطلاع واسع وأهل حفظ وعلم متين مؤصل إلا أنهم ليسوا بمعصومين، وبهذا نعرف أن وقوع الخطأ من أهل العلم يعني متوقع فإذا كان هذا من هؤلاء الكبار الحفاظ فكيف يكون اللوم على من دونهم بمراحل؟ ويتفكه بأعراضهم إذا وقعوا في خطأ من يعرى من الخطأ والنسيان كما يقول الإمام أحمد -رحمه الله-، فإذا أخطأ الإنسان يلتمس له وينبه، والحمد لله كل يأخذ من قوله ويرد. قال –رحمه الله-: "وهو قول عامة الفقهاء في الجنب والحائض" في قول عامة الفقهاء أن أو إن؟ أن أو إن، أما لو قال: قال عامة الفقهاء: إن الجنب هذا ما فيه خيار؛ لأن كسر همزة (إن) بعد القول متعين، فهل القول الذي هو المصدر مثل قال؟ ها؟ يعني موقع الجملة: "أن الجنب" أو "إن الجنب"؟ هل هي مقول للقول أو هي بدل من القول؟ إذا كانت مقول القول لا مفر من كسر همزة (إن) وإذا قلنا: إنها بدل من القول والقول كلمة واحدة وبدلها في حكمها وأن وما بعدها تؤول بكلمة؛ لأن مقول القول لا بد أن يكون جملة، مقول القول لا بد أن يكون جملة، فلا بد أن تكسر همزة إن، وإذا قلنا: إنها بدل من القول الذي هو كلمة وليس مقول للقول قلنا: إن الجنب والحائض، ما الذي عندكم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، الشيخ -رحمه الله- في غاية من الدقة في هذا الباب، الشيخ أحمد شاكر في غاية من الدقة في هذا الباب، ما يقال: أخطأ ما يخفى عليه مثل هذا الأمر، وأن همزة إن لا بد أن تكسر بعد القول لكنه جعلها بدل من القول وليس مقولة للقول، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . مقول للقول أو هي القول بدل من القول؟ بدل، لا ما هي مقولة القول، هي القول نفسه، ليست مقولة للقول، لا ليست مقول القول أبداً، ولذلك الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- قال: أن الجنب والحائض يعني كل منهما إذا لم يجدا ماء تيمما وصليا.

باب: ما جاء في المستحاضة:

قال الشوكاني: وقد أجمع على ذلك العلماء ولم يخالف فيه أحد من السلف والخلف، يعني التيمم للحدث الأكبر إلا ما جاء عن عمر وابن مسعود يعني مثلما ذكرنا في أول الباب، والسبب ما ذكرنا عدم التساهل في هذا الباب، لا في السبب الموجب للغسل ولا في كيفية التخلص من عهدة الواجب، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب، وقيل: إن عمر وابن مسعود رجعا عن ذلك، وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة الصريحة "ويروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرى التيمم للجنب وإن لم يجد الماء" ينتظر حتى يجد الماء "ويروى عنه أنه رجع عن قوله" قال: يتيمم إذا لم يجد الماء "وبه يقول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق" وعرفنا أنه إجماع. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المستحاضة: حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: ((لا إنما ذلكِ عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)). قال أبو معاوية في حديثه: وقال: ((توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت)). قال: وفي الباب عن أم سلمة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول: سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في المستحاضة" المستحاضة مستحاضة: اسم مفعول، فالاستحاضة لا تنسب إليها بخلاف الحيض، فيقال: فلان حاضت ويقال: استحيضت ما يقال: استحاضت لماذا؟ لأن الحيض ينسب إليها شيء كتب الله على بنات آدم، وأما بالنسبة للاستحاضة فلا ينسب إليها لأنها ركضة شيطان على ما سيأتي، فلا تنسب إليها أما الحيض ينسب إليها فيقال: حاضت ولا يقال: استحاضت، إنما يقال: استحيضت المرأة، والمراد بالاستحاضة جريان الدم من عرق في أدنى الرحم، بخلاف الحيض فإنه من عرق في قعر الرحم، فيقال: استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة إذا زاد عن وقت عادتها أو استمر بها فلم ينقطع يقال لها: مستحاضة، ويقال لهذا الدم دم فساد، وقد يقول له المتأخرون: نزيف، المقصود أن أحكام الاستحاضة تتخلف عن أحكام الحيض. قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض" بصيغة المجهول مثل ما ذكرنا من الفرق بين الاستحاضة وبين الحيض "إني امرأة أستحاض فلا أطهر" أي لا ينقطع عني الدم "أفأدع الصلاة؟ " يعني أترك الصلاة، أفأدعُ أتركُ فعل مضارع ((من لم يدع)) مضارع أيضاً ((لينتهين أقوام عن ودعهم)) مصدر، يعني مستعمل، المادة مستعملة في المصدر وفي المضارع، لكن ماذا عنه في الماضي؟ يقول أهل اللغة: إنه أميت ماضيه، أميت ماضيه يعني فلم يستعمل، لم يستعمل بدل الماضي ودع ترك، وأما قراءة {مَا وَدَعَكَ رَبُّكَ} [(3) سورة الضحى] ويش القراءة يا أبو عمر؟ شاذة؟ نعم شاذة "ما ودعك ربك" قراءة شاذة.

"أفأدع الصلاة؟ " يعني لعلمها أن الحائض لا تصلي، فهل حكمي حكم الحوائض أو الحكم يختلف؟ قال: ((لا)) لا تدعي الصلاة ((إنما ذلك)) الذي تشتكينه ((عرق)) يعني دم عرق ((وليست بالحيضة)) بفتح الحاء، قال النووي: إنه متعين، يعني فتح الحاء أو قريب من المتعين؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض، وإن رجح الخطابي الكسر وقال: ليست بالحِيضة، لكن هو في جميع الروايات في الموضعين بفتح الحاء ((وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة)) يقول ابن حجر: وفي روايتنا بفتح الحاء في الموضعين وجوزه بعضهم بفتح الحاء وكسرها لا سيما الموضع الثاني، الحيضة يعني التي تعرفينها بوصفها أو وقتها، يعني إن كانت معتادة بوقتها، إن كنت مميزة بوصفها ((فدعي الصلاة)) لأن المستحاضة هذه إما أن تكون معتادة يعني عادتها ستة أيام من اليوم السابع إلى الثالث عشر معتادة، فإذا أقبلت عادتها من اليوم السابع إلى اليوم الثالث عشر تجلس؛ لأنها معتادة، وإن كانت مميزة تعرف لون الدم، لون الدم الذي كان يأتيها قبل الاستحاضة، ودم الحيض كما جاء وصفه دم أسود يُعْرِف، يعني له رائحة، له عرف، له رائحة منتنة، ولونه أسود فاجلسي هذه المدة التي يكون فيها الدم بهذه الصفة ((فإذا أقبلت الحيضة)) التي تعرفينها بوصفها أو وقتها ((فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)) وإذا أدبرت يعني انتهت المدة أو انتهى الدم الذي له لون أسود وله رائحة فاغسلي عنك الدم وصلي يعني بعد الاغتسال؛ لأن حكمها حكم الحيّض بعد الاغتسال تغسل الدم وتغتسل وتصلي، وفي رواية للبخاري: ((ثم اغتسلي وصلي)) "قال أبو معاوية في حديثه: وقال: ((وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت)) بعضهم يقول: هذا مدرج، ورده الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وجزم بعضهم بأنه موقوف على عروة، ورد الحافظ أيضاً هذا، وقال: لم ينفرد به أبو معاوية، وفيه أن المرأة إذا انقضت حيضتها فإنها تتوضأ لكل صلاة، هذه الجملة وهي من المرفوع: ((توضئي لكل صلاة)) بخلاف ((اغتسلي لكل صلاة)) على ما سيأتي، وفيه أن المرأة إذا انقضت حيضتها -يعني المستحاضة- فإنها تتوضأ لكل صلاة فلا تصلي به أكثر من فريضة واحدة، وهذا حكم من حدثه

باب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة:

دائم فإن وضوءه لا يرفع الحدث؛ لأن الحدث موجود فكيف يرتفع؟ كالمستحاضة ومن به سلسل بول وما أشبه ذلك، فلا تصلي به أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية وبهذا .. ؛ لأنه قال: ((توضئي لكل صلاة)) وعموم (كل) يشمل الفرائض والنوافل، كل ما أردت أن تصلي توضأت، لكن إلزامها بالوضوء لكل صلاة من فرائض ونوافل يلزم منه المشقة، والمشقة تجلب التيسير، والصلاة إذا أطلقت فإنما يراد بها الفريضة، وبهذا قال الجمهور، وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة، فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة فإنها تتوضأ لوقت كل صلاة، إذا دخل الظهر توضأت، ثم تصلي به ما شاءت إلى أن يدخل وقت العصر، فعلى هذا لو كانت تجمع الصلاة مستحاضة تجمع الصلاة على القول الأول تتوضأ بين الصلاتين، وعلى الثاني تتوضأ وضوء واحد؛ لأن الذي يجمع يجمع في وقت واحد، لا يجمع في وقتين، وعند المالكية يستحب الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر، وهذا على القول بأن وضوء أهل الأعذار ممن حدثه دائم يرفع الحدث، وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط كما كانت تفعل أم حبيبة على ما سيأتي. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أم سلمة" مخرج عند أبي داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في المسند "قال أبو عيسى: حديث عائشة -جاءت فاطمة- حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان، متفق عليه "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول: سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة" جاوزت أيام أقرائها، يعني هذه المعتادة الذي عادتها معلومة فإنها تجلس ما كانت تجلسه قبل الاستحاضة، وأما إذا كانت مميزة فتعمل بالتمييز، والتمييز يعرف بلون الدم ورائحته، وإذا كانت متحيرة غير مميزة ولا معتادة يأتي كلام أهل العلم فيها، قال: "وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقارئها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة" على ما في الحديث السابق، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة:

حدثنا قتيبة قال: حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في المستحاضة ((تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي)). حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك نحوه، بمعناه، قال أبو عيسى، هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين: إن اسمه دينار فلم يعبأ به، وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة" وهو ما يدل عليه الحديث السابق.

قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا شريك عن أبي اليقظان" عثمان بن عمير الكوفي "عن عدي بن ثابت" أبو اليقظان عثمان بن عمير الكوفي ضعيف، وعدي بن ثابت الأنصاري الكوفي ثقة "عن أبيه" ثابت مجهول "عن جده" أي جد عدي "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في المستحاضة" أي في شأنها ((تدع الصلاة أيام أقرائها)) يعني أيام حيضها أو أيام طهرها؟ أيام حيضها، وهذا مما يستدل به الحنابلة والحنفية على أن المراد بالأقراء الحِيَض، ويقول الشافعية والمالكية المراد بالأقراء الطهر، الأطهار ولا شك أن القرء مشترك بين الطهر والحيض، وما في حديث الباب ((تدع الصلاة أيام أقرائها)) من أقوى الأدلة على أن المراد بالأقراء الحِيَض، وما دام مشتركاً ويطلق على هذا ويطلق على هذا فلا بد من مرجح، من أهل العلم من يقول: إن القرء إذا أريد به الحيض جمع على أقراء كما هنا، وإذا أريد به الطهر جمع على قروء، ((دعي الصلاة أيام أقرائك)) تدع الصلاة أيام أقرائها، ما قال قروئها، وإذا أريد به الطهر فإنه يجمع على قروء، واللفظ الواحد قد يتعدد جمعه نظراً لاختلاف معانيه، كما أنه قد يتعدد المصدر تبعاً لذلك، تبعاً لاختلاف المعاني، مثل الفعل رأى، الفعل رأى مصدره رؤية بالبصر، ورؤيا في النوم، ورأي في العلم والعقل، وما أشبه ذلك، وعلى كل حال أدلة الفريقين تكاد أن تكون متكافئة، وهنا لا شك في أن المراد الحِيَض، الأقراء الحيض، تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة، يعني معلوم أيامها من السادس إلى الثالث عشر من كل شهر، هذا ما في إشكال، استمر معها الدم سواء تغير لونه أو لم يتغير في اليوم السادس تقف لا تصوم ولا تصلي إلى الثالث عشر تغتسل وتصوم وتصلي، التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة ثم بعد فراغها فراغ هذه الأيام تغتسل يعني مرة واحدة وتتوضأ عند كل صلاة، وتتوضأ على ما تقدم عند كل صلاة، وتصوم وتصلي بعد فراغها، بعد تمام أيام الأقراء تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، عند كل صلاة هذا ظرف متعلق بتغتسل وإلا بتتوضأ؟ ويش المانع أن يكون للأمرين؟ تغتسل عند كل صلاة تتوضأ عند كل صلاة؟ وكما أن العطف على نية تكرار العامل يكون على نية تكرار المعمول أيضاً،

نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ثم قال: ((ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي)) يعني لو المراد أنها تغتسل عند كل صلاة ما احتجنا إلى أن تتوضأ، ما احتجنا إلى أن تتوضأ لكل صلاة، ولا شك أن مثل هذا يرجح أن الظرف (عند) متعلق بالثاني دون الأول، وإذا كان هناك متعلق تابع لجمل متعددة متعلق سواء كان وصف مؤثر أو ظرف أو جار ومجرور أو استثناء متعقب لجمل متعددة هل يكون عوده إلى الأخيرة فقط أو إلى جميع الجمل؟ مثل آية القذف: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور] هذا الاستثناء راجع إلى الثلاث الجمل وإلا لا؟ أو إلى الأخيرة فقط؟ أو إلى الأولى والثانية فقط؟ أو إلى الثانية والثالثة فقط؟ يعني رجوعه إلى الأخيرة أمر متفق عليه ما فيه خلاف، ورجوعه إلى الأولى أيضاً متفق عليه أنه لا يرجع إليها، عدم رجوعه إلى الأولى لأنه حق آدمي الجلد ما يسقط بالتوبة، باتفاقهم، الخلاف في قبول الشهادة بعد ذلك، والمسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إذا ارتفع وصف الفسق قبلت شهادته وقد ارتفع وصف الفسق اتفاقاً؛ لأن رد الشهادة مربوط بالفسق، ومنهم من يقول: إن التأبيد في قوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور] يدل على أنه لا يرتفع بالتوبة، وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي، والحديث فيه أبو اليقظان ذكرنا أنه ضعيف لكن له شواهد.

باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد:

قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك نحوه بمعناه" نحوه بمعناه ما يحتاج أن يقول: بمعناه، يحتاج أن يقول: بمعناه ويقول: نحوه؟ لأنهم يفرقون بين مثله إذا قالوا: حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك بمثله، يفرقون بين قولهم: بمثله وبنحوه، بمثله يعني بلفظه وبنحوه يعني بمعناه، فالتصريح بالمعنى زيادة توكيد، وأخرجه أبو داود وضعفه، وأخرجه ابن ماجه أيضاً "قال أبو عيسى: هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه" ومحمد هذا هو الإمام البخاري "وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين إن اسمه دينار فلم يعبأ به" يعني لم يلتفت إليه "وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها" فالاغتسال في كل صلاة ليس بواجب على المستحاضة، وهو قول الجمهور، وقال بعضهم: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة على ما سيأتي من حديث أم حبيبة، ولكن الراجح قول الجمهور أنه لا يلزمها الغسل إذا اغتسلت مرة واحدة بعد الحكم بطهارتها من الحيض، ومن بعد ذلك يكفيها أن تتوضأ لكل صلاة، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد:

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها؟ فقد منعتني الصيام والصلاة، فقال: ((أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم)) قالت: هو أكثر من ذلك، قال: ((فتلجمي)) قالت: هو أكثر من ذلك، قال: ((فاتخذي ثوباً)) قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سآمرك بأمرين، أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويت عليهما فأنت أعلم)) فقال: ((إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي، وصومي إن قويت على ذلك)) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وهو أعجب الأمرين إلي)).

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح عمران بن طلحة، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن، وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح، وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره، فإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفرة، فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره، فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش، وكذا قال أبو عبيد، وقال الشافعي: المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنما تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت في خمسة عشر يوماً أو قبل ذلك فإنها أيام حيض، فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوماً فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوماً، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء وهو يوم وليلة. قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره، فقال بعض أهل العلم: أقل الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك، وروي عنه خلاف هذا، وقال بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد. يقول -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد" يعني تقدم أن المستحاضة إذا ذهبت أيام أقرائها لزمها الغسل كغيرها، إذا انتهى حيضها يلزمها الغسل، وأما أمرها بالغسل لكل صلاة فلم يثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان أكمل وأتم، وإنما المطلوب منها أن تتوضأ لكل صلاة، فإذا اختارت أن تغتسل للصلوات فلأرفق بها أن تجمع بين هذه الصلوات جمعاً صورياً بحيث تأخر الصلاة الأولى إلى أخر وقتها، وتقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها، فتصلي الصلاتين في وقتيهما، لكنها تقدم الثانية وتؤخر الأولى حتى لا تحتاج إلى غسل ثاني، ما دامت اختارت لنفسها أن تغتسل لكل صلاة كأم حبيبة.

قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر العقدي" عبد الملك بن عمرو، ثقة، قال: "حدثنا زهير بن محمد" التيمي، لا بأس به "عن عبد الله بن محمد بن عقيل" الهاشمي، صدوق، تكلم فيه من قبل حفظه "عن إبراهيم بن محمد بن طلحة" التيمي، ثقة "عن عمه عمران بن طلحة" وهو تابعي ثقة "عن أمه حمنة بنت جحش" حمنة هذه كانت تحت طلحة بن عبيد الله، وجاءت منه بعمران "عن أمه حمنة بنت جحش" أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت حمنة: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة" وفي بعض النسخ: "كبيرة" بدل كثيرة، استحاضُ حيضة الأصل أن تقول: استحاضة، لكن حيضة اسم مصدر، والمصدر استحاضة، كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [(17) سورة نوح] اسم مصدر، وهو الذي تقل فيه حروفه عن حروف فعله، وأما المصدر فهو الإنبات كثيرة في الكمية، شديدة في الكيفية "فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه وأخبره" أستفتيه وأخبره الأصل أن الخبر يكون قبل الاستفتاء، لكن الواو هذه لا تفيد ترتيب، إنما هي لمطلق الجمع وإلا فالأصل أن تقول: أخبره وأستفتيه "فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش -أم المؤمنين- فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني؟ " تسأل، فـ (ما) هذه استفهامية "فما تمرني فيها؟ " أي في الحيضة حال وجودها "فإنها قد منعتني الصيام والصلاة" لعلمها أن الحائض لا تصوم ولا تصلي، وعلى زعمها أن المستحاضة مثل ذلك، مثل الحائض، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أنعت لك الكرسف)) أصف لك الكرسف ((فإنه يذهب الدم)) يعني يشرب الدم ويمنع خروجه، يذهب الدم يعني يشربه ويمنع خروجه، فكأنه غير موجود، الكرسف هو القطن، يقول ابن العربي: وصف لها الكرسف مع قلته عندهن، وترك الصوف مع كثرته، يعني في بلاد العرب القطن لا يوجد، بينما الصوف موجود وكثير، لماذا وصف القطن وترك الصوف مع كثرته؟ يقول: لحكمة لسنا لها يقول ابن العربي، لكن الظاهر أنها واضحة ما تبي، القطن يشرب الصوف ما يشرب، والدم والسائل يتخلل الصوف، يمشي ويخرج بينما القطن لا يتخلله، لا يتخلله، فالمسألة ظاهرة، الأمر الثاني: أن القطن لا

يؤذي بخلاف الصوف فإنه يؤذي، الحكمة ظاهرة، وإن قال ابن العربي: لسنا لها، لكنها ظاهرة، قد يخفى الشيء الواضح البين على الكبير، وإلا فابن العربي عنده دقة في الاستنباط قل أن توجد عند غيره، ومع ذلك قال: هذه حكمة لسنا لها.

((أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم)) قالت: هو أكثر من ذلك" هو تعني الدم أكثر من أن يقف في وجه كرسف أو قطن أو ما أشبه ذلك "قال: ((فتلجمي)) يعني بخرقة تمنع خروج الدم كما يمنع اللجام الدابة، ((فتلجمي)) قالت: هو أكثر من ذلك" ما يفيد لا قطن ولا لجام ولا غيره "قال: ((فاتخذي ثوباً)) -يعني تحت اللجام- قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً" يعني تصب الدم صباً قوياً، والثج: هو الصب بقوة {مَاء ثَجَّاجًا} [(14) سورة النبأ] وأفضل الحج العج والثج، يعني نهر الدم من الهدايا والأضاحي وغيرها "قالت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً، فقال -النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سآمرك بأمرين، أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويت عليهما)) يعني قدرت على الأمرين ((فأنت أعلم)) بما تختارين منهما "فقال: ((إنما هي -يعني الاستحاضة- ركضة من الشيطان)) أصلها الضرب في الأرض، الضرب بالرجل، الركظة الضرب بالرجل كما في جاء في قصة أيوب، ((إنما هي ركضة من الشيطان)) يعني للتلبيس على المرأة في عباداتها ((فتحيضي)) يعني أجلسي كما تجلس الحائض ((ستة أيام أو سبعة أيام)) كغالب النساء، غالب السناء تجلس ستة أو سبعة، لكن تنظر إلى أقرب الناس إليها إلى أمها وأخواتها وعماتها وخالاتها فإن كن يجلسن ستة أيام جلست ستة، وإن كن يجلسن سبعة جلست سبعة فتنظر في العدد المناسب لنسائيها وبعضهم يقول: (أو) هذه للشك، ومنهم من يقول: هي للتخيير إن شاء جلست ستة أو سبعة، ويقول النووي: هي للتقسيم، فقسم من النساء يجلس ستة وقسم يجلس سبعة، وعلى هذا تجلس ما يجلسه أقرب نسائها إليها ((في علم الله -أي من أمرك من الست أو السبع- ثم اغتسلي بعد انقضائها فإذا رأيت -يعني علمت- أنك قد طهرت واستنقأت)) طهرت أيضاً وإن كان أصله غير مهموز استنقيتي ويجوز الهمز هنا، وإن قال بعضهم: إنه لحن شاذ، لكن الهمز معروف حتى في القراءة: "النبيئون" نعم؟ إيه الهمز معروف عند العرب، نعم، ((فصلي أربعاً وعشرين ليلة)) يعني إن جلست ست ((أو ثلاثاً وعشرين ليلة)) إن جلست سبع، وأيامها ليس المراد بذلك اليالي فقط ((ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين)) في بعض النسخ بحذف النون في جميع هذه الكلمات، تطهري،

وتصلي، تؤخري، تعجلي، تغتسلي، بحذف النون ((وتجمعين بين الصلاتين ففعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين وكذلك ففعلي وصومي)) يعني في هذه المدة ((إن قويت على ذلك)) لماذا لأن خروج الدم يضعف البدن عن الصيام، يعني كما قيل نظيره في الحجامة ((إن قويت على ذلك)) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وهو أعجب الأمرين إلي)) أعجب الأمرين إليه، هذا الأمر الثاني هو الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، والأمر الأول اللي هو الوضوء لكل صلاة، والأمر الثاني: الجمع بين الصلاتين، وتغتسل ثلاث مرات، بدلاً من خمس، يعني الجمع بين الصلاتين بغسل واحد هذا أعجب الأمرين، ومنهم من يقول: إن الاغتسال لكل صلاة هو الأمر الثاني، وعلى كل حال الشيء المرجح أنه لا يلزمها أن تغتسل لكل صلاة، وإنما تتوضأ لكل صلاة كمن به حدث دائم، وإن جمعت واغتسلت لكل صلاتين فهذه هو الأعجب إليه -عليه الصلاة والسلام-. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه، وفي إسناده ابن عقيل، وقد تكلم فيه من قبل حفظه، لكنه في مرتبة الحسن "ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي، وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح عمران بن طلحة" ومثل هذا يحصل من هؤلاء الثقات هل هو عمر أو عمران؟ كما حصل من مالك -رحمه الله- حينما قال: عمر بن عثمان وغيره يقول: عمرو بن عثمان. . . . . . . . . . ... ومالك سمى ابن عثمان عمر

"قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن صحيح" قال: "وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح، وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره وإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفرة"، يخف فتجلس على تمييزها، تجلس عادتها على تمييزها إذا كانت مميزة، إذا كانت ذات تمييز "فالحكم لها" يعني الحكم العادة بالتمييز على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وفي حديثها: "فإن دم الحيض أسود يعرف"، "وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض -يعني معتادة- فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي" يعني إذا كانت معتادة عملت بالعادة، إذا كانت مميزة عملت بالتمييز، إذا كانت معتادة ومميزة في آن واحد واتفقت العادة مع التمييز فيه إشكال وإلا ما في إشكال؟ ما في إشكال، لكن الإشكال لو اختلفت العادة مع التمييز، عادتها ستة أيام فجاء في ثلاثة أيام أسود يعرف له رائحة، وهو الذي كان يأتيها قبل ذلك، ثم تغير لونه في الثلاثة الأخيرة، وصار كغيره من أيام الاستحاضة، يعني إذا اختلفت العادة مع التمييز فمنهم من يرجح التمييز؛ لأنه هو الذي يحدد الفرق بين العادة وغيرها، وأما بقية الأيام من غير تمييز فلا فرق بين الخامس والسادس والسابع والثامن ما في فرق بينما هناك فرق بين الأول والثاني والثالث وما بعدها من أيام وما قبلها من أيام، فعلى هذا يعمل بالتمييز على هذا القول، ولا شك أن التمييز قرينة قوية على أن هذه عادتها؛ لأن هذا لونه قبل الاستحاضة "وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي" يعني إذا كانت معتادة تعمل بعادتها "وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره" يعني ليست معتادة ولا ذات تمييز، مالها عادة معينة بأن كانت عادتها مضطربة أو كانت مبتدئة، ولا تمييز لها يعني لا يختلف لون الدم عندها "فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش" يعني فترجع إلى عادة غالب نسائها ستة أو سبعة، ومحصل القول أو حاصل قول أحمد وإسحاق إن كانت معتادة رجعت إلى عادتها سواء كانت مميزة أو غير

مميزة هم يقدمون العادة، وإن كانت غير معتادة عملت بالتمييز، وإن كانت غير معتادة ولا مميزة عملت بعادة غالب نسائها، ورجح بعضهم التمييز على العادة، ومنع أبو حنيفة التمييز مطلقاً، يعني ما له قيمة اختلاف الدم عنده، ولا شك أنه جاء به ما يدل عليه. "وقال الشافعي: المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت في خمسة عشر يوماً أو قبل ذلك" فإنها أيام حيض "فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوماً فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوماً، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء وهو يوم وليلة" "قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره، فقال بعض أهل العلم -وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه-: أقل الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة" وفيه حديث لكنه ضعيف جداً "وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك، وروي عنه خلاف هذا، وقال بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد" هذا قول الجمهور، واستدل لهذا القول بحديث: ((تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي)) تمكث إحداكن شطر دهرها ولا تصلي يعني خمسة عشر يوماً هذا نصف الدهر، لكن هذا الحديث لا يثبت، وإذا عرف ضعف الأحاديث من الجانبين، إذا عرف ضعف الأحاديث من الجانبين، لا أحاديث الحنفية ولا أحاديث الجمهور فيرجع في مثل هذا كغيره من المسائل أو من النصوص المطلقة، المسائل والأحكام المطلقة في النصوص يرجع فيها إلى العرف والعادة، فإذا نظر لأقل حيض يقع في الوجود إذا وجد هذا جعل الأقل، وإذا وجد مدة أكثر حيض في الوجود رجع إليه، لكن بعض النساء لا تحيض في الشهرين إلا مرة، هل نقول: إن أقل الحيض في الشهرين مرة أو في الثلاثة الأشهر مرة؟ أو أن ما يخرج عن الحيض في كل شهر نادر جداً لا يعلق عليه أحكام؟ فيجعل حيضها في كل شهر، لكن أقل الحيض عند هؤلاء نظراً للعرف يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وإن وجد من تحيض ستة عشر أو سبعة عشر، لكن هذا في غاية الندرة، فلا يلتفت إليه. سم. إيه كمل هذا الباب. عفا الله عنك.

باب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة:

قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة: حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة -رضي الله عنه- أنها قالت: استفتت أم حبيبة ابنة جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدعُ الصلاة؟ فقال: ((لا، إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي)) فكانت تغتسل لكل صلاة. قال قتيبة: قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي. قال أبو عيسى: ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال بعض أهل العلم: المستحاضة تغتسل عند كل صلاة، وروى الأوزاعي عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة" تقدم أن المرجح أنها تغتسل وجوباً عند انقضاء عادتها سواء كانت معتادة أو مميزة أو عاملة بعدة غالب نسائها، على ما جاء في الأحاديث السابقة، وما جاء أنها تغتسل عند كل صلاة، جاء في هذا الحديث، لكن ليس فيه أمر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما فيه أن أم حبيبة تغتسل عند كل صلاة اجتهاد منها، أو فهماً منها مما لم يفهمه غيرها.

قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة" ابن شهاب يروي الحديث عن عروة، وأحياناً يرويه عن عمرة، وأحياناً يرويه عن عروة وعمرة، وليس هذا بقادح ولا باضطراب، وإنما هو يرويه على الأوجه الثلاثة، فالوجه الأول: عن عروة عن عائشة أنها قالت: استفتت أم حبيبة ابنة جحش أخت حمنة وكانت أم حبيبة هذه تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة تحت طلحة، وأختهما زينب أم المؤمنين تحت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانت تحت زيد بن حارثة، وبنات جحش الثلاث قيل: إنهن كلهن مبتليات بالاستحاضة، مبتليات بالاستحاضة، بما فيهن زينب أم المؤمنين، وقد ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- ما يدل على أن بعض أمهات المؤمنين كانت مستحاضة، فإن صح أن بنات جحش مستحاضات فهي زينب، ومنهم من يقول: سودة، فهي زينب، وقد عد العلماء المستحاضات في عصره -صلى الله عليه وسلم- فبلغن عشر نسوة "استفتت أم حبيبة ابنة جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض" بالبناء للمفعول؛ لأنه من فعل الشيطان بخلاف الحيض فهو مكتوب على بنات آدم "فلا أطهر" يعني مدة طويلة، تستحيض بعضهن سبع سنين مستحاضة مسكينة، وهذا ابتلاء من الله -جل وعلا- كغيره من المصائب تؤجر عليه، ويكفر به من سيئاتها "أفادع" أتركوا الصلاة "أفأدع مادامت الاستحاضة؟ فقال: ((لا إنما ذلك عرق)) يعني دم عرق انفجر ((فاغتسلي ثم صلي حتى يأتي وقت عادتك)) فكانت أم حبيبة تغتسل لكل صلاة. والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما "قال قتيبة: قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي" يعني اجتهاد منها هي فلا يجب على غيرها.

"قال أبو عيسى: ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة" هذا الوجه الثاني، الأول الزهري عن عروة، والوجه الثاني الزهري عن عمرة "عن عائشة قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال بعض أهل العلم: المستحاضة تغتسل عند كل صلاة" وبه قال ابن عمر وابن الزبير والجمهور على أنه لا يجب الغسل إلا مرة واحدة عند انقضاء حيضها، وروي عن علي وابن عباس أنها تغتسل كل يوم غسلاً واحداً، يعني جاء في الحديث: "من الطهر إلى الطهر"، "تغتسل من الطهر إلى الطهر"، ورواه بعضهم: "من الظهر إلى الظهر"، وقال بعضهم: "من الظهر" هذا تصحيف، والأصل: "من الطهر وإلى الطهر" وقال بعضهم: لا من الظهر إلى الظهر ليس بتصحيف، يعني ويش المانع من أن تغتسل في اليوم مرة واحدة، وقال بذلك علي وابن عباس أنها تغتسل غسلاً واحداً، وقال الحسن وسعيد: إنها تغتسل الظهر؛ لأن الظهر أرفق بها؛ لأنه وقت دفء بخلاف غيره من الأوقات، من الظهر إلى الظهر، والمرجح أنه لا يلزمها إلا الغسل الأول بعد انقضاء عادتها "وروى الأوزاعي" يعني الوجه الثالث "عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة" كليهما، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أبواب الطهارة (26)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (26) شرح: باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة، وباب: ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأن القرآن، وباب: ما جاء في مباشرة الحائض، وباب: ما جاء في مواكلة الحائض وسؤرها، وباب: ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد, وباب: ما جاء في كراهية إتيان الحائض، وباب: ما جاء في الكفارة في ذلك. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يطلب إعادة قاعدة: التأسيس خير وأولى من التأكيد، في حديث: ((الصعيد الطيب طهور أحدكم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته))؟ ذكرنا بالأمس أن يتقي الله وليمسه بشرته عما مضى من حدث أو عما يستقبل؟ إلا أنه إذا قلنا: عما مضى يكون مؤسساً لحكم جديد، وأن التيمم لم يعرف الحدث الأكبر رفعاً مطلقاً، وإنما رفعه رفعاً مؤقتاً، وإذا قلنا: أنه يمسه بشرته لما يستقبل من الأحداث قلنا: الخبر ما جاء بشيء البتة؛ لأن جميع نصوص الطهارة تدل على ذلك، والتأسيس -تأسيس حكم جديد- أولى من تأكيد أحكام ثبتت بنصوص أخرى. يقول: هل يقبل تفرد محمد بن إسحاق في حديث سهل بن حنيف في نضح الثوب في المذي؟ وهل صحيح أن محمد بن إسحاق لا يقبل تفرده ولو صرح بالتحديث في أحاديث الأحكام؟ أولاً: محمد بن إسحاق إمام في المغازي، وإذا روى في هذا الباب فهو ثقة، وإذا روى في غيره من أبواب الدين فالقول المعتدل من أقوال أهل العلم بين التوثيق المطلق، وبين رميه بالكذب، القول الوسط أنه صدوق، لكنه مع ذلك مدلس لا بد أن يصرح بالتحديث، فإذا صرح بالتحديث أمنا تدليسه، فخبره مقبول. يقول: هل زيادة: "غسل الأنثيين" ثابتة في حديث علي -رضي الله عنه-؟ وهل يصلح حديث عبد الله بن سعد كشاهد له؟ وما الراجح في المسألة؟ أما من حيث الأثر فالزيادة هذه فيها كلام لأهل العلم، وأما من حيث النظر فأهل العلم يقولون: إن الإنثيين إفراز المادة التي هي المذي منهما، وإذا نضح بالماء وبرد فانقبض عن الإفراز هذا من حيث المعنى، وأهل العلم يقولون بالاستحباب لهذا ولو لم يثبت الخبر.

هل يحرم على الجنب قص الأظفار وحلق العانة أو قص الشعر مطلقاً من أي مكان من الجسد؟ لا لا يحرم عليه، بل يندب له أخذ الزايد ولا يجوز له أن يتركه أربعين يوماً. يقول: هل يباح أكل التمساح ومن على شاكته من الحيوانات البرمائية إن كان ميتاً؟ إذا كان يعيش في البر ويعيش في البحر فإنه لا يجوز أكله؛ لأنه ميتة، والحل ميتته ميتة البحر مخصوص بما لا يعيش إلا في البحر. يقول: هل يلحق بحيوانات البر من لها ناب بعدم أكلها أو أنه خاص بحيوانات البر؟ يعني ما جاء في حديث: ((الحل ميتته)) يقتضي أن ما مات فيه يجوز أكله مما لا يعيش إلا فيه، والميتة معروف أنها محرمة في البر، فهل يجري هذا على كل محرم في البر أنه يجوز أكل نظيره في البحر؟ ما دامت الميتة وهي أشد المحرمات ولا تباح إلا لضرورة تباح ميتة البحر فهل يقال بجميع ما منع نظيره في البر يباح نظيره في البحر مثل إنسان البحر كلب البحر خنزير البحر يجوز أكله أو لا يجوز؟ عموم الأخبار تدل على جوازها، والذي يدخل هذه المسميات في عموم النصوص الواردة ولا يستثني من ذلك إلا الميتة لا شك أن هذا قول معروف عند أهل العلم {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [(145) سورة الأنعام] يعني يدخل خنزير البحر في هذه الآية أو لا يدخل؟ المسألة معروفة عند أهل العلم أن ما حرم نظيره في البر هل يجوز أكله في البحر أو لا يجوز؟ وإطلاق الأحاديث الدالة على حل ميتة البحر ما لا يعيش إلا فيه يدل عل أن كل ما فيه يجوز. يقول: هل قصة سعيد بن المسيب قوله لمن فتح السين: "سيبونا سيبهم الله"؟ ومن رواها؟

باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة:

المعروف المشتهر المستفيض عند أهل العلم أنه قال: "سيب الله من سيب أبي" فالمسيب أبوه، وعلى كل حال هو المشتهِر، المشهور الفتح ولو نقل عنه ما نقل، المشتهر الفتح، وعلى كل حال من اتقى هذه الدعوة إن ثبتت فالأمر سهل، يعني لو قال: المسيِب يتقي هذه الدعوة بقدر الإمكان، ولا يبعد أن يكون أبوه بالفتح، لكنه رأى أن هذا من التسيب وهو الترك، مثلما أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- تغير اسم جده حزن إلى سهل، فقال جده للنبي -عليه الصلاة والسلام-: السهل يوطأ، وما قبل التغيير هذا، يقول سعيد: ما زالت الحزونة فينا، وأما بالنسبة للتسييب هل ما زال فيهم أو ما زال؟ إن كان سعيد المسيِب فلا بقي أحد، سعيد إمام أئمة المسلمين، عند الإمام أحمد هو أفضل التابعين على الإطلاق، هو أفضل التابعين على الإطلاق عند الإمام أحمد، وإن كان أصحابه من الحنابلة خصوا ذلك بالعلم وإلا فأويس القرني أفضل منه بالنص. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة: حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة أن امرأة سألت عائشة -رضي الله عنها- قالت: أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ فقالت: أحرورية أنتِ؟! قد كانت إحدانا تحيض فلا تؤمر بقضاء. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن عائشة من غير وجه أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة" الحائض لفظ يطلق ويراد به المتلبسة بهذا الوصف، ويطلق ويراد به من بلغت سن المحيض، يطلق ويراد به المتلبسة بالحدث المعروف كما أنه يطلق ويراد به من بلغت سن المحيض "أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ " يعني أيام تلبسها بالحيض، ولا نزاع في ذلك، وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) معناه المتلبسة بالمحيض، والمراد هنا الحائض ... ، ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) المراد من بلغت سنة المحيض، ولا يقال: إن الصلاة مطلوبة من الحائض لكنها لا بد أن تختمر، المراد بالحائض من بلغت سنة المحيض المكلفة، وليست المتلبسة بحيض، فالصلاة والصيام لا يصحان منها، يعني المتلبسة بالحيض، بل يحرمان عليها أثناء حيضها، وإذا طهرت من محيضها لزمها قضاء الصوم ولا تقضي الصلاة كما هو مفاد هذا الحديث وغيره.

قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب -السختياني- عن أبي قلابة" عبد الله بن زيد الجرمي، وكلهم الثقات الذين مروا "عن معاذة" ثقة أيضاً، بنت عبد الله العدوية "أن امرأة سألت عائشة" امرأة هذا مبهم، يسمونه في علوم الحديث مبهم، والمبهم فيه المؤلفات سواء كان الإبهام في الإسناد أو في المتن، وهنا الإبهام في المتن، ومن أجمع هذه المؤلفات: (المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) للحافظ أبي زرعة ابن الحافظ العراقي، جاء تسمية المرأة وبيان هذا المبهم بأنها هي معاذة "عن معاذة أن امرأة سألت عائشة" فأحياناً تقول: سألت عائشة، وأحياناً تقول: إن امرأة سألت عائشة، والإبهام له فوائد: منها: الستر على هذا المبهم؛ لأن الجواب فيه شدة، فأحياناً ينشرح صدرها لتسمية نفسها، وأن هذا لا يؤثر عليها مثل هذا الجواب القوي، وأحياناً تكون النفس دون ذلك، فلا تصرح باسمها، والتسمية أيضاً والبحث عن المبهم عند أهل العلم مهم جداً، ولو لم يكن من فوائده إلا معرفة تقدم هذا الذي ورد ذكره في الخبر أو تأخره، وأحياناً يكون فيه من الصفات والأحوال ما يحمل عليه الخبر، لا سيما إذا عورض، المقصود أن المبهمات بيانها وتمييزها مهم عند أهل العلم "قالت: إن امرأة سألت عائشة قالت" يعني في سؤالها "أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ " لأنها تجزم أنها لا تصلي وقت المحيض ولا تصوم، وأنها تقضي الصيام، عندها خبر أنها تقضي الصيام، لكن هل الصيام يقاس عليه الصلاة أو أن هذا الحكم يخصه؟ وهي تسأل سؤال المتعلم لا سؤال المتعنت، وإن كان الجواب كأنها عوملت معاملة من يطلب الدليل على ذلك، ويتعنت في سؤاله "فقالت عائشة -رضي الله عنها-: أحرورية أنت؟! " استفهام إنكاري، تنكر عليها هذا السؤال، ولا شك أن مثل هذا السؤال محتمل؛ لئن يكون للإفادة وطلب العلم، وأن يكون للتعجيز، أو يكون لطلب الدليل، أو يكون لأي أمر من الأمور، أو لأن السائل ممن يعتقد ما سأل عنه، ولذا قالت: أحرورية أنت؟! نسبة إلى حروراء بلدة على ميلين من الكوفة، أول ما خرج الخوارج منها، الخوارج انبعثوا في أول الأمر على علي -رضي الله تعالى عنه- منها، فصارت نسبة الخوارج إليها، ولو

عاشوا في غيرها، ولو نشوا ووجود في غيرها بناء على أن الأصل منها، أحرورية أنت؟! لأن الخوارج يرون أن الحائض تقضي الصلاة كالصوم، ولا شك أن الذي يشم من سؤاله موافقة المبتدعة يمكن أن يشد عليه في القول، وإن كانت المسألة مسألة دعوة حتى في جانب المبتدع فإن كان إغلاظ القول له أجدى وأنفع وأردع له ولغيره اتجه وإلا فالأصل اللين في الدعوة والرفق بالمدعو كما هي عادته وديدنه -عليه الصلاة والسلام-، "فقالت: أحرورية أنت؟! " وفي بعض الروايات: "قالت: لا" لكني أسأل سؤالاً مجرداً من أجل العلم والفقه في هذه المسألة، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه من يستأذنه في الزنا رفق به -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((أترضى أن يزنى بأمك؟ )) قال: لا، ((بأختك؟ )) قال: لا ((ببنتك؟ )) قال: لا، لكن مثل ما ذكرنا أن المسألة مسألة علاج لهذا السائل ولهذا المدعو، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم، فإذا فهمنا أن هذا متعنت لا شك أنه يعامل معاملة تختلف عما إذا كان متعلماً مستفهماً، فلكل مقام مقال، ثم قالت عائشة: "قد كانت إحدانا تحيض" يعني في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- "فلا تأمر بقضاء" أي لا يأمرها النبي -عليه الصلاة والسلام- بقضاء، وفي رواية مسلم: "فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" لا نؤمر بقضاء الصلاة؛ لأن الصلاة كما قال أهل العلم تتكرر فيشق قضاؤها، وأما بالنسبة للصوم فإنه لا يتكرر فلا يشق قضاؤه، هذا ما ذكره أهل العلم، والأصل في هذا كله ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، وليس لأحد كلام ولا نزاع في أن يقول: لماذا هذا يقضى وهذا لا يقضى؟ وإن كنا نسمع ونقرأ بعض من ينبش عن هذه الأمور، ويرى أن الشرع جاء بالتفريق بين المتماثلات والجمع بين المختلفات على حد زعمهم، ونبتت نابتة من يستعملون العقول ويحكمونها في النصوص، هؤلاء لا يلتفت إليهم، هؤلاء قوم مفتونون، لا يلتفت إليهم وإلا فالأصل أن قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، إذا صح الخبر عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، لا مجال للكلام، سمعنا واطعنا، وأما الذين يتبعون المتشابه من أهل الزيغ، ويرون أن هذه المسألة نظيرها كذا وهذه أبيحت وهذه منعت، هذا لا شك

باب: ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأن القرآن:

أنهم هم أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه، ولذلك تجدوهم في النصوص المحكمة ما يناقشون؛ لأن الرد عليهم سهل، وأما بالنصوص المتشابهة فإنهم يعمدون إليها ويضربون بها المحكم، وهذه طريقة أهل الزيغ من الصدر الأول. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما "وقد روي عن عائشة من غير وجه أن الحائض لا تقضي الصلاة" يعني الحكم مجمع عليه، نقل عليه ابن المنذر وغيره الإجماع وأن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة إلا ما يذكر عن الخوارج، ولا يعتد بقولهم لا بموافقتهم ولا بمخالفتهم "وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة". ذكر عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عن ذلك فقال: اجتمع الناس عليه، ولا يعرف مخالف إلا عن الخوارج فيما نقله ابن عبد البر وغيره، وأما سمرة بن جندب فكان يقول بالقضاء حتى بلغه الخبر، وهذا لا شك أنه شأن مريد الحق، أنه قد يقول بقول بناء على الأوامر العامة ثم إذا بلغه ما يُخرِج عن هذه الأمور من نصوص خاصة وقف عنده. سم. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأن القرآن: حدثنا علي بن حجر والحسن بن عرفة قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)). قال: وفي الباب عن علي.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقرأ الجنب ولا الحائض)) وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك، ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به، وقال: إنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام، وقال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن عياش أصلح من بقية ولبقية أحاديث مناكير عن الثقات، قال أبو عيسى: حدثني بذلك أحمد بن الحسن قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ذلك. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأن القرآن" في حال الحيض والجنابة؛ لأن هذا حدث أكبر يمنع عن أشياء أكثر مما يمنع منه الحدث الأصغر، وهذا معروف مفصل في كتب الفروع، وهنا يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا علي بن حجر والحسن بن عرفة" بن يزيد العبدي، وهو صدوق "قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش" بن سليم الحمصي، حديثه عن الشاميين قوي بخلاف حديثه عن غيرهم من الحجازيين والعراقيين ففيه ضعف، والحديث هنا عن حجازي "عن موسى بن عقبة" إمام أهل المغازي "عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقرأ الحائض)) لا تقرأِ الحائض بناء على أن (لا) ناهية تجزم المضارع، ويكسر هنا من أجل التقاء الساكنين {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] وإلا فالأصل أن الجر لا يدخل الأفعال، بل هو من علامات الأسماء، والكسر هنا إنما هو لالتقاء الساكنين، وفي بعض النسخ بالرفع: ((لا تقرأُ الحائض)) وعلى أن (لا) نافية، وهو خبر يراد به النهي، وهو أبلغ من النهي الصريح عند أهل العلم ((لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)) شيئاً نكرة في سياق النفي أو النهي فتعم القليل والكثير، شيئاً لا قليل ولا كثير.

قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن علي" في المسند وفي السنن الأربعة، قال علي -رضي الله تعالى عنه-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤنا القرآن ما لم نكن جنباً" وهو في المسند وفي السنن الأربعة، رواه الخمسة، وفي هذا دليل على أنه لا يجوز للجنب ولا الحائض قراءة شيئاً من القرآن، وفي الباب عدة أحاديث لا تسلم من مقال، ولا شك أن ما جاء في الجنب أكثر مما جاء في الحائض. قال أبو عيسى .... ، قبل ذلك حديث علي الذي أشار إليه الترمذي عند الخمسة، مخرج عند الخمسة "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤنا القرآن ما لم نكن جنباً" مداره على عبد الله بن سلمة وقد ضعف، لكن الذي رجحه ابن حجر أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن، وكما هو واضح لا يدخل فيه الحائض، بل هو خاص بالجنب، والحائض في حديث ابن عمر حديث الباب. "قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة" موسى بن عقبة حجازي، ورواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وروايته فيها ضعف، ورجح أبو حاتم وقفه، يعني عن ابن عمر يعني من قوله، قال -رحمه الله-: "وهو قول أكثر أهل العلم" يعني منع الجنب والحائض من القراءة هو قول أكثر أهل العلم "من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" هؤلاء كلهم يقولون: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً، وذلكم لأن الحدث أكبر، والكلام عظيم، ولا يناسبه الظرف والحال حال من تلبس بجنابة أو حيض لا يناسب قراءة القرآن هذا الكلام العظيم الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن، فهذا الكلام إنما يليق به الكمال من الطهارة وحسن الهيئة وغير ذلك مما كان يفعله سلف هذه الأمة، مع الحديث فضلاً عن القرآن، الإمام الترمذي -رحمه الله- ما ذكر الإمام مالك مع من يقول بأن الحائض والجنب لا تقرأ القرآن مع أن الإمام مالك معروف أنه كان يتطهر ويتطيب ويستاك ويلبس نظيف الثياب من أجل التحديث، كونه ما ذكر هل يلزم من ذلك أن يكون مذهبه أن الحائض والجنب لا يقرأن القرآن؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

لكن أنا أقول: ما دام الإمام مالك احتاط هذا الاحتياط للسنة -للحديث- فماذا عن القرآن؟ والقرآن أعظم كما قال الإمام مالك -رحمه الله-؟ يعني لما جاءه من يطلب منه أن يحدثه من لفظه قال: العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في الحديث والقرآن أعظم؟! فدل على أن الإمام مالك ما دام يتحرى للسنة –للحديث- فلئن يتحرى للقرآن من باب أعظم، لكن يبقى أنه يمكن أن يقال: إنه يتنظف ويتطيب ويتطهر لقراءة القرآن أكثر مما يحتاط للسنة لكنه لا يوجب ذلك؛ لأن مسألة التعظيم في القلب غير مسألة الحكم بالإلزام والوجوب، وتأثيم الناس بذلك هذا يختلف، يعني كون الإنسان يعظم غير كونه يوجب أو يحرم، يعني عند أهل العلم يجب تعظيم القرآن، هذا أمر مجمع عليه، لكن عندهم أيضاً يجوز وضعه على الأرض، يجوز وضعه على الأرض، ففرق بين هذا وهذا "قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك" يعني بعض آية لا بأس لماذا؟ لأن بعض الآية قد يوافق الكلام العادي، كلام الناس العادي، الناس في كلامهم يقولون: بسم الله، أو بسم الله الرحمن الرحيم، وهي من القرآن، ويوافقون القرآن في كلامهم العادي لكن لا يوافقون في آية كاملة، ولهذا قالوا: لا بأس أن يقرأ شيئاً من الآية طرف الآية بعض الآية طرف الحرف ونحو ذلك، أما قراءة الآية بتمامها فلا يجوز البتة عند هؤلاء "ورخصوا للجنب والحائض والتسبيح والتهليل" الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله في سائر أحواله وفي أحيانه كلها، وفرق جماعة بين الجنب والحائض، فقالوا: الحائض تقرأ القرآن والجنب لا يقرأ القرآن؛ لأن الحائض إذا لم تقرأ القرآن نسيته؛ لأن مدة الحيض تطول بخلاف الجنابة إذا احتاج إلى القراءة يغتسل، لكن إذا احتاجت إلى القراءة هل بيدها أن تغتسل قبل أن ينقطع، ليس بيدها أن تغتسل بخلاف الجنابة فمدته -مدة الجنابة- بيد المجنب، وهذا الآن يفتى به أنه إذا احتيج للقرآن من قبل الحائض إما معلمة أو متعلمة أو نسيت خشيت تنسى القرآن فإنهم يرخصون لها بذلك، والحديث دليل على المنع في الطرفين، ومنهم من يرى أن الحائض أولى بالمنع من الجنب، والحيض حدث أشد من الجنابة، كلاهما حدث أكبر لكنه أشد، وجاء

في الجنب ما هو أكثر مما جاء في الحائض، لكن يكون الحائض من باب قياس الأولى إن لم يثبت خبر الباب، من باب قياس الأولى، ويروى عن سعيد بن المسيب وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأساً بقراءة الجنب القرآن، ولا شك أن أكثر العلماء على تحريم قراءة الجنب للقرآن، وعقد الإمام البخاري -رحمه الله تعالي- في صحيحه باباً يدل على أنه يقول بجواز قراءة القرآن للجنب والحائض، فإنه قال: باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، فدل هذا على أنها تقرأ القرآن؛ لأن ((افعلي ما يفعل الحاج)) الحاج يقرأ القرآن، ولم يستثنَ من ذلك إلا الطواف بالبيت.

قال: وقال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية ولم يرَ ابن عباس في القراءة للجنب بأساً، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه، قال ابن بطال: مراد البخاري الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة -رضي الله عنها-؛ لأن لم يستثنِ إلا الطواف ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) ومعروف أن الحاج يقرأ القرآن ويذكر الله، لم يستثنِ إلا الطواف وكذلك الجنب؛ لأن حدثها أغلظ من حدثه، شوف الآن لأن حدثها أغلظ من حدثه، يعني يستدل بهذا الكلام للوجهين وللقولين، استدل البخاري على أن الحائض تقرأ القرآن بحديث عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) وقال: من باب أولى الجنب، يعني النص عنده في الحائض الجواز والجنب من باب أولى، وأهل العلم عندهم النص في الجنب في المنع أكثر والحائض من باب أولى؛ لأن حدثها أغلظ، شوف الآن الاستدلال من الطرفين الإمام البخاري عنده خبر الباب لا يثبت لأنه معارض بما هو أقوى منه وليس على شرطه، واستدل لقراءة الحائض القران بحديث عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) وإذا جاز هذه للحائض جاز للجنب من باب أولى؛ لأن حدثها أغلظ، الطرف الآخر الذين يمنعون قراءة الجنب والحائض للقرآن قالوا: حديث الباب دليل على ذلك، وعلى فرض عدم ثبوته فإنه جاء في الجنب أكثر من ذلك مما يدل على أن الجنب ممنوع وهو قول جماهير أهل العلم، والحائض أغلظ منه فتمنع من باب أولى، إذا رجعنا إلى حديث عائشة الذي استدل به البخاري على أن الحائض تقرأ القرآن ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) أهل العلم يقسمون الدلالات إلى دلالة أصلية ودلالة تبعية، دلالة أصلية التي سيق من أجلها الخبر، ودلالة تبعية قد تؤخذ من الخبر ولو من بعد كما هنا، الدلالة الأصلية لا شك أنها هي موضع الاحتجاج من الخبر، والدلالة التبعية يختلف أهل العلم في إفادتها على حكم المدلول، والذي قرره الشاطبي في الموافقات أنه لا يتسدل بها ولا يحتج بها الدلالة التبعية ننتبه لهذا؛ لأنه يأتي من يستدل بشيء لا يخطر على البال، يعني حينما قال: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) هل يخطر ببال إنسان

أنها تقرأ القرآن من هذا النص؟ ليست دلالة أصلية دلالة تبعية من بعد، يعني مثلما قال الحنفية: إن وقت صلاة الظهر يمتد إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، يعني النص الصريح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "ووقت صلاة الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله" قال الحنفية: لا إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه بدليل: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً إلى منتصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من العصر إلى الغروب بدينارين)) فقال أهل الكتاب -احتجوا- قالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، نعم اليهود الذين عملوا من طلوع الشمس إلى الزوال أكثر عملاً بلا شك من وقت العصر، والذين عملوا من الزوال إلى وقت العصر وهم في الحديث المراد بهم النصارى، قالوا: نحن أكثر عملاً يعني من المسلمين الذين عملوا العصر وأقل أجراً نحن دينار وهم دينارين، ولا يكون الظهر أطول من العصر إلا إذا قلنا: إلى إن يصير ظل الشيء مثليه، فهذا دليل على أن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، هل هذه دلالة أصلية أو تبعية؟ تبعية، هذا إذا سلمنا أن وقت الظهر إلى مصير ظل الشيء مثله أقصر من وقت العصر، مع أنه حتى على التنزل معهم أنه يصير لما يصير ظل كل شيء مثله هو أطول أيضاً في كل زمان وفي كل مكان، أطول، فكون الإنسان يستدل بمثل هذه الأمور التي في غاية البعد ويترك أمور أقرب منها هذا ممنوع عند جمع من أهل العلم، والشاطبي يقرر هذا وبقوة أن الدلالة التبعية التي لم يسق الخبر من أجلها لا دليل فيها ولا مستمسك، ونقول: إن فيها دليل، لكن إذا لم تعارض بما هو أقوى منها وأصرح فيها دليل، إذا لم يوجد معارض ففي حديث: ((إنما مثلكم)) معارض بحديث عبد الله بن عمرو في مسلم: "ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء مثله" يعني حتى لو افترضنا أن العصر أطول ما قلنا بقول الحنفية لأن حديث عبد الله بن عمرو صريح، ونص في الباب، سيق لبيان المواقيت، وهنا كون عائشة يقول لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) أنها تقرأ القرآن الحاج يصلي نقول: صلِ؟ نعم؟ فهذا الدلالات التبعية

البعيدة إذا عورضت بما أقوى وأصرح منها لا يلتفت إليها، وإذا لم تعارض فيحتج بها لأنها كلام من لا يخفي عليه المفاهيم ولو بعدت، يعني كلام البشر العلماء يقررون أن لازم المذهب ليس بمذهب لماذا؟ لأن الإنسان قد يتكلم بكلام لا يحسب لمفهومه حساب، فلا يلزم به، بينما الذي تكلم بالآية وتكلم بالحديث الآية من الله -جل وعلا-، والحديث عما لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(4) سورة النجم] فلا يقال: إنه غفل عن مثل هذا لا، لكن مع ذلك يكون هنا من باب التعارض والترجيح، فيقدم الأقوى ويقدم الأصلح، يقدم ما يساق الخبر من أجله، فالاستدلال بـ ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) على أن الحائض تقرأ القرآن هذا الكلام فيه ضعف؛ لأنه استدلال بالتبعية، بالدلالة التبعية لا بالأصلية، وهذه مسألة كبرى يحتاج إليها في جميع أبواب الدين، فينبغي أن تكون على ذكر من طالب العلم، يعني من استدل بهذا الحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم من الأمم كمثل من استأجر أجيراً)) ... إلى أخره، قال: إن مدة الدنيا تنتهي سنة ألف وأربعمائة من الهجرة لماذا؟ قالوا: لأن وقت العصر الخمس وخمس السبعة الآلف التي هي عمر الدنيا ألف وأربعمائة، يعني هل نقول بثمل هذا؟ بمثل هذه الدلالة؟ مع أن النصوص القطعية في قيام الساعة من الكتاب والسنة لا تحصى، والله -جل وعلا- يقول: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني حتى من نفسي أكاد أخفيها، وإلا فعن غيري فهذا أمر مقطوع فيه لا يعلمها إلا هو، يعني هل هذه دلالة أصلية حينما يساق الحديث ثم يأتي من يقول: إن القيامة تقوم سنة ألف وأربعمائة أو من يقول: إن القيامة تقوم سنة ألف وأربعمائة وسبعة لماذا؟ لأن بغتة {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [(187) سورة الأعراف] بغتة في حساب الجمل ألف وأربعمائة وسبعة، كل هذا لا يلتفت إليه، بل هو مردود بالنصوص الصحيحة الصريحة، مجموع ما جاء في الباب لا سيما في الجنب يعارض، مجموع ما جاء في الجنب يثبت، الحائض جاء في هذا الخبر وفيه كلام، ومن أهل العلم من أثبته؛ لأن إسماعيل بن عياش وإن ضعف في الحجازيين والعراقيين ليس معنى أنه فاقد للحفظ، فاقد للضبط، فاقد للتوثيق

لا لكنه كثرت أخطاؤه في حديث العراقيين وحديث الحجازيين فترك من أجل هذا يعني ضعف من أجل هذا، لكن لا يعني أنه ما يضبط أي شيء يمر به، لا يلزم منه هذا. "قال الترمذي: وسمعت محمد بن إسماعيل ... " الآن الجنب والحائض في أذكر وأوراد الصباح والمساء فيها آيات فعلى القول بالمنع يقرؤون هذه الأذكار أو لا يقرؤونها؟ ما تقرأ؛ لأن القرآن قرآن سواء قرئ من المصحف بالتتابع أو قرئ على أساس أنه ذكر، ومنهم من يتسمح في باب الأذكار لا سيما وأن الباب فيه الخلاف الذي سمعتم، والأذكار مهمة ورتب عليها أجور عظيمة، ورتب عليها حفظ للإنسان، فلا ينبغي أن يتركها ولو كانت من القرآن. قصة عبد الله بن رواحة حينما وقع على جاريته وهي صحيحة، فرأته زوجته بعينها رأته فأنكر، وقالت: إن كنت صادقاً فاقرأ القرآن؟ لأنه متقرر عندهم أن الجنب لا يقرأ القرآن، فجاء بالأبيات المشهورة وصدقته قالت: صدق الله وكذبت عيني، فهذا يدل على أن امتناع الجنب ومنع الجنب من قراءة القرآن أمر معروف ومتقرر عندهم.

"قال الترمذي: وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير" كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به، يعني ما لم يتابع عليه، وقال: إنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام يعني إنما حديثه الصحيح المحتج به إنما هو عن أهل الشام، عن أهل بلده لماذا يضعف الشخص في بلد ويوثق في بلد؟ يعني هل نقول: إن فلان ثقة في نجد وضعيف في الحجاز والعكس، لا شك أن الإنسان في بلده وبين كتبه لا سيما من حفظه حفظ كتاب أضبط منه في غير بلده، وهذا أمر معروف أن الشخص الذي اعتمد علي كتبه يعني مثل أي شيخ من المشايخ قرأ كتب وعلق عليها ودون فوائدها ومرت مسألة بحثت مثلاً وهو من أهل القصيم أو من أهل الرياض وكتبه في نجد، وبحثت هذه المسألة في مكة مثلاً أو في المدينة فقيل: ما تقول يا فلان قال: أنا أذكر والله إني معلق على كتابي كذا نسيت الآن، لكن إذا رحت أعطيتكم الخبر، وهذا يحصل كثير، يعني أحياناً يطلب فائدة في مسألة ماء ونقول: ذكرها ابن حجر في فتح الباري أو ابن كثير أو غيره، يقول: لو تكرمت نبي الجزء والصفحة، الجزء والصفحة والله على نسختي بالرياض ما هو بالآن، فمن هذه الحيثية الذي ضبطه ضبط كتاب ما هو بضبط صدر حفظه في بلده أكثر من حفظه في غيره، لماذا؟ لأنه يعتمد على الكتب، ما يعتمد على حفظ الصدر، أما الأئمة الحفاظ الذين أناجيلهم في صدورهم ومحفوظاتهم في جنباتهم هؤلاء لا يتأثرون سواء كانوا في بلادهم أو في غيرها. "وقال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن عياش أصلح من بقية" ولبقية بقية بن الوليد أحاديثه كما يقول أهل العلم: "ليست نقية فكن منها على تقية" "ولبقية أحاديث مناكير عن الثقات" هكذا نقل الترمذي عن الإمام أحمد، والذي في الميزان للحافظ الذهبي في ترجمة إسماعيل بن عياش عن الإمام أحمد: "بقية أحب إلي" عكس ما هنا، وكذلك في ترجمة بقية، قال: "بقية أحب إلي" يعني من إسماعيل بن عياش فهو مناقض لما نقله الترمذي.

"قال أبو عيسى: حدثني أحمد بن الحسن قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ذلك" الترمذي يروي بالأسانيد، وإذا أضاف إلى أحد قولاً فإنما يرويه بإسناده، يعني إذا قال: وبذلك يقول أحمد وإسحاق ما يأتي من بالقول مقطوع هكذا إنما يرويه بإسناده عن أحمد وإسحاق هذه طريقته، وقد بين أسانيده، المقصود أن الأقوال لا تثبت لأربابها إلا بالأسانيد، ولذا يكثر الوهم في النقول عن الأئمة لا سيما إذا نقلها من لا خبرة له ولا دربة له بالمذهب، فكم من قول ينسب للإمام أحمد أو قول ينسب للشافعي أو قول تجد مثلاً العيني وهو حنفي يقول: قال أحمد، أو يقول الشافعي، وهذا القول ليس بمعروف عند الحنابلة ولا الشافعية، والعكس تجد مثلاً الحنابلة ينسبون لأبي حنيفة قول موجود عند الحنفية لكن ليس هو قول الإمام وهكذا، فالأقوال إنما تتلقى عن كتب أصحابها، يعني إن أردت أن تنقل قول للإمام أحمد اذهب إلى كتب الحنابلة، للشافعي إذهب إلى كتب الشافعي فهم أعرف بمذاهبهم، والأئمة كان معولهم على الأسانيد ما يعولون على كتب، ولذلك قال: قال أبو عيسى: حدثنا أحمد بن حسن قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ذلك. سم. طالب: عفا الله عنك يا شيخ في مسألة قراءة بعض آية ذكرتم يا شيخ أن التعليل أنه قد يوافق كلام الناس ألا يمكن أن يقيد .... ؟ ولذلك الآية الكاملة ما جاء التحدي بها. طالب: ألا يمكن أن يقيد بالقصد أحسن الله إليكم يا شيخ يعني إذا قصد القرآن يعني ربما قد يقرأ الإنسان بعض آية ... نصف آية الدين. طالب: ويقصد به القرآن. نصف آية الدين. طالب: نصف آية الدين، نعم. هذا ما يمكن أن يوفق لكن الغالب أنهم إذا قالوا مثل هذا قالوا: آية متوسطة، يقرأ بعض آية متوسطة. طالب: لو قرأ بعض ... يعني لو قرأ آية كاملة لو قال: {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] ما أحد يقول: إنه خالف في هذا؛ لأن الناس في كلامهم العادي يقولون: ثم نظر، ولذلك لم يقع التحدي بآية، أقل ما وقع به التحدي سورة؛ لأن الآية قد تتفق مع كلام الناس. طالب: لكن قد يقرأ -أحسن الله إليكم- في أية متوسطة ويقصد به القراءة كما لو قرأ عنده إنسان وأخطأ فرد عليه هو يقصد القرآن بذاته وهي بعض آية؟ من شعور أو من لا شعور؟

طالب: من شعور. أحياناً يكون الرد من لا شعور فتجد الإنسان يقضي حاجته فيسمع القارئ ويخطي يرد عليه، هذا غير مقصود هذا بلا شك، فإن قصد القراءة لا سيما إذا كانت القراءة متضمنة دعاء، وأراد أن يدعو بها ولا يكملها، يدعو بما يحتاجه منها، الدعاء في نصف الآية مثلاً، وأراد أن يدعو به؛ لأن الأدعية في القرآن منها ما جاء في آية كاملة، ومنها ما جاء في آيات، ومنها ما جاء في بعض آية، لو قال: {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه] يدعو بهذا، لا شك أن القصد مؤثر والأعمال بالنيات هذا أمر ما يختلف فيه، لكن إن قرأ من غير قصد بعض آية هذا يتجاوز عنه. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في مباشرة الحائض: حدثنا بندار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني. قال: وفي الباب عن أم سلمة وميمونة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في مباشرة الحائض" المباشرة الأصل فيها مس البشرة للبشرة مفاعلة من الطرفين بشرة الرجل تمس بشرة المرأة والعكس، فهي مفاعلة ما حكمه إذا كانت المرأة حائض وأرادها زوجها هل يستمتع بها أو لا؟ قال -رحمه الله-: "حدثنا بندار -وهو محمد بن بشار- قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان" وهو الثوري، وذكرنا مراراً القاعدة في تمييز سفيان وهي قاعدة أغلبية بحيث إذا كان بين المؤلف وبين سفيان واحد فهو ابن عيينة، وإن كان بينهما اثنان فهو الثوري؛ لأن الثوري أقدم من ابن عيينة "عن سفيان عن منصور" وهو ابن المعتمر "عن إبراهيم" بن يزيد النخعي "عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني" والحديث في الصحيحين وغيرهما.

"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حضت" كان تدل على الاستمرار هذا الأصل فيها "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني إذا حضت يأمرني أن أتزر" أصله أئتزر، الإزار مهموز أئتزر، يقول صاحب المفصل: الإدغام خطأ أتز، لكنه محكي عن مذهب الكوفيين، وعائشة -رضي الله عنها- من فصحاء العرب، فلا ينبغي أن يقال مثل هذا الكلام خطأ، وهناك شيء يقال له: الفك والإدغام المتصل مثلاً أصله المؤتصل، المتصل إدغام، والأصل المؤتصل بالهمز، والعلماء قاطبة إذا وصفوا حديث قالوا: متصل، ولغة الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- وهو إمام حجة في هذا الباب الفك، الهمز مؤتصل، وابن الحاجب في شافيته يقول: مؤتعد ومؤتسر لغة الإمام الشافعي، فكونه ينص على أنها لغة الإمام الشافعي يدل على أن الإدغام أكثر عند أهل العلم أليس كذلك؟ يعني كون الفك والهمز ينسب يقال: هذه لغة الإمام الشافعي ما قالوا: لغة العربي ولا قالوا: لغة قريش، ولا قالوا: لغة تميم، قالوا: لغة الإمام الشافعي؛ لأنه استعملها في كلامه كثيراً، فيدل على أن من عداه من أهل العلم لغتهم الإدغام، فقول صاحب المفصل: الإدغام خطأ، المفصل لمن؟ الزمخشري، من أشهر كتب النحو، من أشهر كتب النحو، وعليه الشروح الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم هذه الشروح شرح المفصل لابن يعيش، وهذا مطبوع في عشرة أجزاء قديماً ما هو ابن عيش الموجودين عندنا هنا لا ابن عيش من الأندلس، شرح مطول جداً ومتقن ومضبوط، وفيه فوائد لا توجد في غيره، لكن دون تحصيله خرط القتاد، كتاب طويل ومن أين للإنسان أن يقرأ في فن واحد هذا المقدار؟ وإن كان المتخصص لا يستغني عنه، والمفصل أيضاً فيه جودة يعني من بين مختصرات النحو يمكن أن يكون من أفضلها.

باب: ما جاء في مواكلة الحائض وسؤرها:

"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حضت يأمرني أن أتز" يعني أشد الإزار "ثم يباشرني" والحديث معروف أن الإزار إنما يشد على النصف الأسفل من البدن، الإزار إنما يشد على النصف الأسفل من البدن، ولذا يقول أبو حنفية ومالك والشافعي: يحرم ما بين السرة والركبة، ما بين السرة والركبة حرام من الحائض لهذا الحديث؛ لأن هذه موضع الإزار، وعند الحنابلة ووجه عند الشافعية وهو قول صحابي أبي حنفية المحرم الجماع فقط، لحديث: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) ونسب هذا القول ابن حجر في فتح الباري إلى كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق، وحملوا حديث الباب على الاستحباب جمعاً بين الأدلة، ورجحه النووي والعيني، ومعروف أن النووي شافعي والعيني حنفي، فرجحوا جواز الاستمتاع بما فوق الركبة على ألا يصل إلى الحمى، ولا شك أن الابتعاد عن مواطن الشبة هذا هو المطلوب، لكن لا يقال بتحريمه، إنما المحرم الجماع في محل الحرث، وقد أمرنا باعتزال النساء في المحيض يعني في مكان الحيض. قال: "وفي الباب عن أم سلمة" عند البخاري وميمونة كذلك مخرج في الصحيح "قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق" لكن المرجح جواز الاستمتاع بالحائض بكل شيء إلا الجماع. اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يؤكلوها ولم يشاربوها فضلاً عن كونهم يباشرونها، والنصارى بالعكس، وسيأتي في باب مواكلة الحائض ما هو رد على اليهود، وفي منع وطأ الحائض من نصوص الكتاب والسنة ما يرد على النصارى، وديننا وسط ولله الحمد، نعم. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في مواكلة الحائض وسؤرها: حدثنا عباس العنبري ومحمد بن عبد الأعلى قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن معاوية عن عمه عبد الله بن سعد قال: سألت النبي –صلى الله عليه وسلم- عن مواكلة الحائض فقال: ((واكلها)). قال: وفي الباب عن عائشة وأنس.

قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن سعد حديث حسن غريب، وهو قول عامة أهل العلم لم يروا بمواكلة الحائض بأساً، واختلفوا في فضل وضوئها فرخص في ذلك بعضهم، وكره بعضهم فضل طهورها.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في مواكلة الحائض وسؤرها" مواكلة الحائض الأكل معها، الأكل معها وسؤرها البقية من الشراب الذي تشرب منه، بقية شرابها، قال –رحمه الله-: "حدثنا عباس -بن عبد العظيم- العنبري" البصري "ومحمد بن الأعلى" بصري أيضاً الصنعاني ثقة أيضاً "قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن معاوية" ويقال: هو حرام بن حكيم بن خالد الأنصاري أو العنسي، ويقال: هما اثنان حرام بن معاوية غير حرام بن حكيم، هما اثنان، وينفع في مثل هذا والوقوف على حقيقة الأمر هل هما واحد أو اثنان كتاب للخطيب البغدادي اسمه: (موضح أسباب الجمع والتفريق) الإمام البخاري يرى أنهما اثنان، والخطيب يستدل بالأدلة التي ثبتت عنده أنهما واحد، والخطيب في هذا الكتاب جعل نفسه حكماً بين الأئمة، فقد يقول البخاري هما اثنان، ويقول أبو حاتم: واحد ثم يحكم بينهما الخطيب، وأتمنى أن لو قرأ كل طالب علم مقدمة هذا الكتاب ليعرف منزلة نفسه ومنازل الأئمة؛ لأن الخطيب استشعر أنه في كتابه هذا نصب نفسه حكماً بين الأئمة فقدم بمقدمة يحسن ويجدر بل يتعين على كل طالب أن يقرأها، ليعرف كيف التأدب مع أهل العلم بكلام لا نظير له، ونحن نسمع ونرى أن بعض طلاب العلم من يسيء الأدب إلى من أحسن إليه أو عليه بالتعليم أو أحسن على الأمة بكاملها بأن فرغ نفسه لتعليم الناس وإفتاء الناس، والفصل بين منازعاتهم، ولا شك أن مثل هذا طالب العلم يحتاج إلى الأدب فيه، ويأتي أحياناً أسئلة في شيء مما ينم على ما في نفس الإنسان من تعالي وترفع وتعالم هذا لا ينبغي، مثل هذا لا شك أنه يحرم بركة العلم والعمل، فالإنسان يأتي بنية التعلم، ولا يوجد ما يمنع من أن المعلم يخطأ، ويخفى عليه ما قد يوجد علي عند بعض الطلاب، لكن ينبغي أن ينبه بالأسلوب المناسب، وهذا كلام يوجه للموافق، أما المخالف هذا أمره سهل يعني، في درس المدينة شرح حديث: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) طال الحديث حول البدع والمبتدعة وتكلمنا في رؤوسهم، وجئنا بكلام لهم تنفر منه الطباع السلمية، وكتب واحد خطاب: اتق الله يا شيخ تطعن في خيار الأمة ابن عربي

كذا، وبدأ يمدح ابن عربي وفلان وفلان من رؤوس المبتدعة، هذا ما يلام هذا أمره سهل؛ لأن ما عنده من بدعة أعظم من مثل هذا، لكن الكلام في شخص يتدين بالكتاب والسنة والتزام المنهج الصحيح منهج السلف الصالح، ثم يأتي من أسئلته أشياء ما تليق بطالب علم يعني، والناس يتفاوتون في طباعهم وأخلاقهم، يعني بعد وجد من المشايخ من يعطيه كلمة لا يرفع رأسه بعدها أبداً، يوجد عاد من الطرف الثاني يوجد، لكن ينبغي أن يكون المتبادل بين الطرفين هو التقدير والاحترام وحرص الشيخ على نفع الطالب، وأيضاً الطالب لا يضجر الشيخ أو يأتي بكلام ينفر منه؛ لأنه بشر مهما كان، هو بشر يتأثر بما يتأثر به الناس، فمراجعة كلام الخطيب في مقدمة الموضح، يعني لا بد لطالب العلم من قراءتها، يعني إذا كان الخطيب وهو إمام من أئمة المسلمين حافظ المشرق على الإطلاق يقول مثل هذا الكلام بالنسبة للأئمة، فما بالنا نحن مع شيوخنا وعلمائنا فضلاً عن الأئمة الكبار المتقدمين علماء الإسلام وحفاظ المسلمين، شاباً ما زال في مرحلة الطلب يرد على الأئمة بأساليب لا يقبلها ولا زميله ولا قرينه، وتقال بجانب الأئمة. قال: "عن حرام بن معاوية" وعساه أن كان هذا أو ذاك فحديثه مقبول؛ لأنه موثق "عن عمه عبد الله بن سعد" وهو صحابي "قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مواكلة الحائض فقال: ((واكلها)) هذا الذي كتب في مسألة البدعة والكلام في المبتدعة قال إن كلام ابن العربي الذي ذكرته لا تفهمه أنت ولا ابن تيمية من قبلك هذا بالمدينة من الوافدين، من الذين يقدسون هؤلاء، أظن ابن عربي الآن يعبد من دون الله على أنه يتصرف "قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مواكلة الحائض فقال: ((واكلها)) أمر من المؤاكلة أي كل معها، وفيه دليل على جواز ذلك، بل هو مجمع عليه بين علماء الأمة سلفها وخلفها.

باب: ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد:

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عائشة" عند مسلم والنسائي وأبي داود "وأنس" عند مسلم وأبي داود، وفيه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت فلم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوا في البيت، يعني يجتمعون معها فضلاً عن كونهم يطئونها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) فلما سمع اليهود ذلك قالوا: ما أراد هذا الرجل إلا مخالفتنا، ومخالفتهم مطلوبة، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر يحب موافقتهم تأليفاً لهم، ثم لما أيس منهم أمر بمخالفتهم وخالفهم كفرق الشعر وغيره "وهو قول عامة أهل العلم لم يروا بمواكلة الحائض بأساً" بل هذا مما أجمع عليه الناس قاله ابن سيد الناس في شرح الترمذي، ونقله أيضاً –الاتفاق- الطبري، وأما قوله: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ} [(222) سورة البقرة] أي مكان الحيض وهو الفرج فقط "واختلفوا في فضل وضوئها" الذي يبقى من الماء الذي تتوضأ به "فرخص في ذلك بعضهم -بلا كراهة-، وكره بعضهم فضل طهورها" والمرجح هو الأول؛ لأنه لا دليل على الثاني، وتقدم في النهي عن الوضوء بفضل المرأة أن تتوضأ المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة، وأن من أهل العلم من يرى أن المرأة إذا خلت بالماء تطهرت به طاهرة كاملة عن حدث وقد خلت به فإنه لا يرفع حدث الرجل، ومنهم من خص المرأة بالحائض، وهو الذي أشير إليه هنا، وكره بعضهم فضل طهروها، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد: حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبيدة بن حميد عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد قال: قالت لي عائشة -رضي الله عنها-: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ناوليني الخمرة من المسجد)) قالت: قلت: إني حائض، قال: ((إن حيضتك ليست في يدك)). قال: وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً في ذلك بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئاً من المسجد.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد" يعني فتأخذه منه بيدها من غير دخول تتناول الشيء من المسجد، يعني بالمقابل هذه ممنوعة من دخول المسجد، وبالمقابل المعتكف الذي الأصل فيه أنه لا يخرج من المسجد لا مانع أن يخرج رأسه من المسجد كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخرج رأسه إلى عائشة فترجله وهي حائض وهو معتكف، فخروج بعض البدن أو دخوله لا يأخذ حكم الجميع، يعني هنا الحائض تمد يدها إلى داخل المسجد فتأخذ مثل هذه الخمرة، وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- أخرجه رأسه وهو معتكف، والأصل أن المعتكف لا يخرج من المسجد فترجله وهي حائض، ولو كان النبي -عليه الصلاة والسلام- جميعه في المسجد حتى الرأس وأدخلت يدها وسرحته وهو في المسجد مثل أخذ الخمرة، فهذا وهذا لا يعني حكم البدن الكامل.

قال: "حدثنا قتيبة وابن سعيد قال: حدثنا عبيدة" بن حميد، بفتح العين، الحذاء التيمي أو الليثي صدوق "عن الأعمش عن ثابت بن عبيد" وهو ثقة الأنصاري الكوفي "عن القاسم بن محمد" أحد الفقهاء السبعة "قال: قالت لي عائشة" هي عمته أبوه محمد بن أبي بكر، قال: قالت لي عائشة: "قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ناوليني الخمرة من المسجد)) " يعني أعطيني الخمرة من المسجد، المراد به السجادة التي يصلي عليها، ومنهم من يقول: إن الخمرة هي ما كان بقدر الوجه يسجد عليها، وتطلق الخمرة على الكبير والصغير على الكبيرة والصغيرة القطعة الصغيرة والكبيرة "من المسجد، قالت: قلت: إني حائض، قال: ((إن حيضتك)) بفتح الحاء على الصواب فيما قاله عياض وغيره، وصوب الخطابي الكسر وهذا تقدم ((إن حيضتك ليست في يدك)) يعني فيدك ليست بنجسة؛ لأنها لا حيض فيها؛ لأن المتبادر من اللفظ: ((إن حيضتك ليست في يدك)) أنك لا تملكين من أمرك شيء، الحيضة من الله -جل وعلا- ليست منك، شيء كتبه الله على بنات آدم، لكن المقصود هنا أن الحيضة ليست باليد إنما هي في موطنها، في موضعها فلا تتعدى النجاسة عن موضع النجاسة فاليد طاهرة، لو أدخلت اليد وهي طاهرة ما يمنع، وإن كان الذي يفهم أن الحيضة ليست في يدك أن هذا أمر خارج عن إرادتك، هذا يفهم من الخبر لكنه هنا أن يدك ليست بحائض إذاً ليست بنجسة، الحيضة لا تتعدى عن مكانها، يعني النجاسة يعني فرق بين الحدث وبين النجاسة، الحدث في البدن كله، وإن كان موضع الحيض في جزء من البدن، لكن البدن كله متصف بالوصف المانع من هذه العبادات والنجاسة في موطنها الخاص، فاليد طاهرة تتناول الشيء من المسجد ولا تلوث، فلا إشكال في هذا.

في حديث التي تفلي النبي -عليه الصلاة والسلام- فجاءها من يكلمها فوقفت، فقال: ((إنك لا تكلمينها بيدك)) يعني بعض الناس إذا حصل له شيء توقف وإن كان هذا لا يقتضي التوقف، فمثلاً لو أن إنسان يقود سيارة ويمشي على سرعة معينة في طريق سريع والسرعة مائة وعشرين ثم اتصل به أحد هدئ السرعة ويش علاقة الكلام بالرجل؟ لها علاقة؟ لكن هذا موجود عند بعض الناس، ولذلك يمكن أن تقول له: أنت لا تكلم برجلك، يعني ألا يوجد من بعض الناس أنه إذا حصل له أدنى شيء يعني لو أتصل عليه بالتلفون وهو يقود السيارة خفف السرعة فيتجه إليه الكلام أنك لا تكلم برجلك، تكلم بيدك وأذنك فالرجل ما لها علاقة، مثل الذي تفلي فكلمت رفعت يدها، تتكلم بلسانها وتسمع بأذنها اليد ما لها علاقة، ولذا قال: ((إن حيضتك ليست في يدك)) يعني لما اعترضت قالت: إني حائض، يعني بأي شيء تتناولين الخمرة؟ باليد، واليد طاهرة ما فيها حيض، نعم هي محدثة الوصف المانع من مزاولة العبادات وأصل إليها يشملها ويعمها، لكنها ليست بنجسة. قال: "وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة" حديث ابن عمر في المسند للإمام أحمد، وحديث أبي هريرة في النسائي، وفي الباب أيضاً عن أنس وأبي بكرة، كما في مجمع الزوائد للهيثمي. "قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح" ورواه مسلم "وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً في ذلك" بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئاً من المسجد. يعني بيدها، قال البغوي في شرح السنة: في الحديث دليل على أن للحائض أن تتناول شيء من المسجد، وأن من حلف على ألا يدخل داراً أو مسجداً فإنه لا يحنث بإدخال بعض جسده فيه، وهذا يمكن أن يأخذ من هذا الحديث ويأخذ من حديث الاعتكاف.

يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخرج رأسه إلى عائشة ما خرج من المسجد، ولو خرج بعض بدنه، فالذي يحلف ألا يدخل دار فلان لا يحنث بدخول بعض بدنه كما هنا، وفي حديث الاعتكاف، وليس معنا إخراج الرأس لمثل هذه الحاجة بالنسبة للمعتكف، وأنه لا يخل بالاعتكاف أن يستغل المعتكف الفرصة ويفرش عند باب المسجد ورأسه خارج المسجد ليل نهار يتصفح الغادي والرائح يقول: أنا ما زلت في المسجد، أنت ما حققت الهدف الذي من أجله شرع الاعتكاف، لكن شيء يسير لحاجة لا مانع، تمد يدك تأخذ شيء من خارج المسجد تبرز رأسك، تريد أن تنادي فلان أو علان تخرج رأسك وتصوت لا بأس، أما أن تفرش عند باب المسجد ولو كنت في داخل المسجد وتتطلع على الغادي والرائح وتتبع نظرك الناس وهم في أعمالهم وفي محلاتهم هذا ما هو باعتكاف هذا، ولو قلنا: إن البدن في المسجد، والاعتكاف يخل به ما يناقض الهدف الذي من أجله شرع ولو لم تخرج من المسجد، ومع الأسف أن كثير من المعتكفين لا يلاحظون مثل هذا، تجده الجرائد يتابعها باستمرار، والآلات معه ويتابع الأخبار والانترنت، والقيل والقال، يعني وجد هذا من بعض المعتكفين، هذا ينافي الهدف الذي من أجله شرع الاعتكاف، إذا كان أهل العلم من زمن الصحابة إلى يومنا هذا لا يعلمون العلم وقت الاعتكاف ولا يوجهون الناس يعني لا يتكلم بعد الصلاة؛ لأنه معتكف، ويتركون كل شيء في الاعتكاف إلا للتلاوة والذكر والصلاة فقط، وما عدا ذلك فليس مما يشرع في الاعتكاف حتى تعليم العلم سلف هذه الأمة يتركونه، وإذا أقبلت المواسم التي تستغل في العبادات الخاصة اللازمة، المعينة على حياة القلوب يتركون الأمور العامة، والله المستعان، نعم. طالب:. . . . . . . . . لكن الحدث موجود ((ناوليني الخمرة)) الخمرة قطعة سجادة تناوله ما في إشكال، لكن الحدث موجود في اليد. طالب:. . . . . . . . . المصحف، لا، المصحف لا، يعني لو أنك رجعت إلى ترجمة البخاري في مس المصحف، وقال إبراهيم: لا يحمل المصحف ولا في علاقته، يعني في كيسه. طالب:. . . . . . . . . ما يلزم، لا شيئاً المقصود به ما ورد في الخبر، الخمرة وما في حكمها، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء في كراهية إتيان الحائض:

باب: ما جاء في كراهية إتيان الحائض: حدثنا بندار قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وبهز بن أسد قالوا: حدثنا حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-)). قال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة، وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أتى حائضاً فليتصدق بدينار)) فلو كان إتيان الحائض كفراً لم يؤمر فيه بالكفارة، وضعف محمد هذا الحديث من قبل إسناده، وأبو تميمة الهجيمي اسمه: طريف بن مجالد. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية إتيان الحائض" الكراهية هنا كراهية تحريم، كراهية تحريم، ونقل الإجماع عليه، وأن الكراهية هنا تحريم وليست كراهية تنزيه، وإتيان الحياض هو جماعها.

"حدثنا بندار" محمد بن بشار قال: "حدثنا يحيى بن سعيد" وهو القطان "وعبد الرحمن بن مهدي وبهز بن أسد" وكلهم أئمة ثقات "قالوا: حدثنا حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم" البصري، وهو لين، والقاعدة في اللين في مقدمة التقريب يقول: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حديثه ما يترك من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، وهنا لم يتابع حكيم على هذا الخبر، فيبقى لين، والين في الأصل ضعيف حتى يتابع "عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أتى حائضاً)) " يعني جامع حائضاً ((أو امرأة)) يعني وطأ امرأة ((في دبرها)) يعني سواء كانت حائض أو غير حائض ((أو كاهناً)) وهو من يدعي علم المغيبات، ومعرفة الأسرار، والعراف الذي يدعي أنه يعرف مكان الشيء المسروق، ومكان الضالة، وحكمهما واحد، أو أتى كاهناً ((فقد كفر بما أنزل على محمد)) من أتى يعني جامع الحائض، وجماع الحائض محرم بالإجماع، وكذلك وطء المرأة بالدبر محرم، وبعض الناس إذا رأى مثل هذا الحديث وأن فيه كلام لأهل العلم قال: الضعيف لا يحتج به، فنسمع من يقول بأن مثل هذا ما دام فيه حديث ضعيف ما أثبت به حجة فبدلاً من أن يكون محرماً يكون جائزاً؛ لأن الضعيف لا تثبت به حجة مع أن الإجماع قائم على تحريم وطء المرأة في الدبر، ولا يفعله إلا بعض طوائف البدع كما هو معلوم في كتبهم، ومقرر عندهم، لكن مع ذلك هو محرم بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، ومن يستدل بقوله: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [(223) سورة البقرة] يعني في موضع الحرث {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [(223) سورة البقرة] لكن في موضعه، يعني كيف شئتم لكن في موضعه، أين موضع الحرث؟ هو الفرج القبل لا الدبر؛ لأن الدبر ليس بموضع للحرث، وأنصاف المتعلمين تجد منهم من يجرئ على بعض القضايا المجمع عليه، ويظن أنه أتى بما لم تأتِ به الأوائل، مجرد أن الحديث وقد وجد غيره في الباب أحاديث تقويه، ويوجد من عمومات الشريعة وإجماع أهل العلم لا يهدر تجده إذا ضعف عنده الحديث خلاص يعني وجوده مثل عدمه، كما قال بعضهم يقول: كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمدلة، يعني وهو ما هو بادئ لا ببسملة

ولا بحمدلة ليش؟ لأن الألباني قال: الحديث بجميع طرقه وألفاظه ضعيف ((كل أمر ذي بال)) فما دام الحديث ضعيف ليش يسمي وليش يحمد الله؟ يعني يصل الأمر إلى هذا الحد، كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمدلة وما دام الحديث بجميع طرقه وألفاظه ضعيف ليش نبدأ؟ لماذا نبدأ بالبسملة والحمدلة؟ يعني في أحد يتوقع مثل هذا الكلام؟ لا، يعني لو ما عندنا إلا كتاب الله -جل وعلا- مبدوء بالبسملة والحمدلة، خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- مبدوءة بالحمدلة، رسائله كلها مبدوءة بالبسملة، رسائل الأنبياء من قبله مبدوءة بالبسملة {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(30) سورة النمل] يعني ما يلزم أن يثبت هذا الخبر أو ذاك، إذا كان عندنا أصول نأوي إليها ونعتمد عليها، فأحياناً تسمعون كلام يعني جلسوا إلى طلوع الشمس، اثنان من الشباب جلسا إلى أن طلعت الشمس، قال: تبينا نمشي وإلا تصلي صلاة العجائز صلاة الإشراق بناء على أن الحديث: ((من صلى الصبح في جماعة وجلس في مجلس ثم صلى ركعتين)) بناء على أنه مضعف يعني ضعفه بعض أهل العلم، هب أن الحديث مضعف لكن الجلوس ثابت بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في صحيح مسلم، إلى أن ترتفع الشمس، صلاة الركعتين هذه اعتبرها صلاة الضحى، وجاء فيها أحاديث كثيرة صلاة الضحى، أوصاني خليلي بثلاث منها ركعة الضحى، أوصى ثلاثة من أصحابه -عليه الصلاة والسلام-، وحديث: ((يصبح أحدكم كل سلامى عليه صدقة ... ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)) وصلاة الأوابين إذا رمضت الفصال أحاديث كثيرة في صلاة الضحى، ثم يقول: لأن هذا الحديث ضعف، ما يستوعب ذهنه أكثر من هذا، ويأتي من يقول: إنه ما دام الحديث ضعيف لماذا يحرم إتيان المرأة من دبرها؟ والمسألة مجمع عليها عند أهل العلم.

((أو كاهناً)) يعني جاء في الكاهن مجرد الإتيان والعراف وجاء التصديق ((من أتى كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) و ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) الإتيان إلى هؤلاء فتنة، والآن ابتلي الناس بهم في بيوتهم، القنوات الفضائية منها قنوات مخصصة للسحر والكهانة، وموجودة في بيوت عوام المسلمين تجدهم يطلعون عليها يقولون: من باب الإطلاع، الإطلاع عليها مجرد فتح القناة وأنت تعرف أنها قناة سحر هذا إتيان للكاهن لا تقبل لك صلاة أربعين يوماً، وإذا صدقت كفرت بما أنزل على محمد، قد يقول قائل: أنا ملزم بالتصديق، لو كذبت نفسي مصدقه لماذا؟ لأنه يقول لك مثلاً ويجيب لك أخبار لم يطلع عليها إلا أنت ويخبرك بها، يعني ذهب واحد إلى كاهن ساحر، وقال له: لا تتكلم أن أعرف قصد ويش أنت جائي له؟ أنت جائي تزوجت في بلد كذا وفي ليلة الدخول دخلت عليكم امرأة ورشتكم بطيب وهذا باقي القارورة اللي رشتكم منه، هذا باقية والمرأة هذه صفتها قال: صدقت، يعني كلام مطابق للواقع، يكفر إذا صدق بكلام مطابق للواقع يكفر ويجب عليه أن يقول: كذبت ولو كان مطابقاً للواقع؛ لأن العبرة بمطابقة الشرع، لا بمطابقة الواقع، ونظير ذلك أنه لو شهد ثلاثة على شخص بالزنا وقالوا: رأيناه يزني كما يفعل الرجل بامرأته، رأيناه رؤية عين هم صادقون فيما يقولون، رأوه رؤية عين، يعني خبرهم مطابق للواقع لكنهم عند الله هم الكاذبون، يعني كذب شرعي ذا ما هو .. ، ولو طابق الواقع كاذبون، ولو رأوه بأعينهم كاذبون، والساحر لو قال لك: هذه هي المرأة التي سحرتك هذه صورتها، وهذا الطيب الذي .. ، نقول: كذبت، ولا يجوز تصديقه، ومن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد، لا بد من اعتقاد مثل هذا، وإلا المسألة رأس المال التوحيد هذا، فمثله هذه الأمور حقيقة مع التساهل بالفتوى بأمر السحر، وأيضاً وجود هذه القنوات تجد أمر السحر هان عند الناس، وبدل من أن يكون مجرماً أثيماً كافراً كفر مخرج عن الملة، الساحر يكون محسن، وينبغي أن يؤذن له ويفتح له محلات لماذا؟ لأنهم يُخلّصون هؤلاء المضطرين المساكين المسحورين، يعني مثل هؤلاء الفتاوى لها أثارها السيئة وكثروا بسبب مثل هذه

الفتوى نسأل الله العافية، يعني لا يقول قائل: والله الساحر لو قلت: كذبت بلساني ما أقدر أقول بقلبي: كذبت ليش؟ لأنه جاب لي الطيب اللي أنا أعرف القارورة هذه هي، والمقدار فيها من الطيب أعرفه لونه ولون القارورة، والمرأة هذه صفتها، نقول: كذبت ولو طابق الواقع هو كاذب، ونظيره مثل ما ذكرنا القذفة ثلاثة قد يكونوا من خيار الناس قبل ذلك، وهو صادقون، والداعي إلى ذلك الغيرة على حد زعمهم، لكن {فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [(13) سورة النور] ولو رأوه بأم أعينهم، فالمسألة مسألة شرعية، والله المستعان، المصدق يكفر ما أنزل على محمد ومجرد الذهاب لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وهنا ((من أتى كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد)) هي مقيد بالتصديق كما في الحديث الثاني، أما مجرد الإتيان لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وكذلك مثله في الحكم من يفتح القناة التي يعرف أنها قناة سحر، يعرف أنها قناة سحر، ويطلع إلى ما عندهم هذا لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن صدقهم فقد كفر ما أنزل على محمد، والآن يعلن في القنوات على الطبيب الروحاني فلان الذي .. ، فتن شيء رقق بعضها بعضاً، بدأت بالفتوى بجواز حل السحر، ثم بعد ذلك انتهت بهذه القنوات، نسأل الله السلامة والعافية. "قال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم " وعرفنا أنه لين "عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة" وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ، قد كفر يعني يكون من نصوص الوعيد التي لا يقصد منها حقيقة الكفر، وإنما يقصد من ذلك التغليظ على فاعل هذه الأمور، وإن كان مستحل لذلك كفر نسأل الله العافية؛ لأنها أمور مجمع عليها، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أتى حائضاً فليتصدق بدينار)) وسيأتي في الباب الذي يليه، يستدل الترمذي بهذا على أن إتيان الحائض ليس بكفر على ظاهره، قال: فلو كان إتيان الحائض كفراً، لم يؤمر فيه بالكفارة، وضعف محمد يعني البخاري هذا الحديث من قبل إسناده، قال البخاري: لم يتابع حكيم ابن الأثرم على حديثه "وأبو تميمة الهجيمي اسمه: طريف بن مجالد" وهو ثقة لكن حكيم الأثرم لين فيحتاج إلى متابع. سم. عفا الله عنك.

باب: ما جاء في الكفارة في ذلك:

قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الكفارة في ذلك: حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجل يقع على امرأته وهي حائض قال: ((يتصدق بنصف دينار)). حدثنا الحسين بن حريث قال: أخبرنا الفضل بن موسى عن أبي حمزة السكري عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار)). قال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً، وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول: أحمد وإسحاق، وقال ابن المبارك: يستغفر ربه ولا كفارة عليه، وقد روي نحو قول ابن المبارك عن بعض التابعين منهم سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، وهو قول عامة علماء الأمصار. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الكفارة في ذلك" يعني كفارة وطء الحائض، إذا وطأ زوجته حال الحيض فإن عليه كفارة دينار أو نصفه على ما في حديث الباب مع ما فيه من كلام لأهل العلم.

قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك" شريك بن عبد الله القاضي، صدوق يخطئ مخرج له في صحيح مسلم وغيره مقرون في حديث الإسراء، وأخطاؤه وأوهامه في حديث الإسراء تبلغ العشرة، أحصاها ابن القيم في زاد المعاد، وابن حجر في فتح الباري، قال: "أخبرنا شريك عن خصيف بن عبد الرحمن" الجزري، قالوا عنه: صدوق سيء الحفظ "عن مقسم بن بجرة" أو نجدة، مولى ابن عباس؛ لأنه ملازم له "عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجل يقع" يعني يجامع "يقع على امرأته وهي حائض" الجملة حال، يعني حال كونها حائض، "قال: ((يتصدق بنصف دينار)) " وفي الذي يليه قال: "حدثنا الحسين بن حريث قال: أخبرنا الفضل بن موسى" المروزي ثقة "عن أبي حمزة السكري" ثقة أيضاً، وعلاقته بالسكر لا لأنه يبيعه أو يزرعه وإنما قالوا: لحلاوة كلامه "عن عبد الكريم بن مالك" الجزري ثقة، وليس المراد به عبد الكريم أبو أمية ابن أبي المخارق ذاك ضعيف، وإن كان في طبقته "عن مقسم عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار)) " حديث الكفارة كفارة الوطء حال الحيض حديث كثر فيه كلام أهل العلم، وفيه اضطراب كبير في متنه وفي إسناده، في سنده وفي متنه، شوف الرواية الأولى يقول: ((يتصدق بنصف دينار)) وفي الثانية يقول: ((إن كان دماً أحمر فدينار، وأن كان دماً أصفر فنصف دينار)) وفي بعضها: ((تصدق بدينار أو نصفه)) على الشك أو التأخير، وهذا كله مما يجعل المتن مضطرباً، وأيضاً إسناده فيه اختلاف كبير، لكن إذا أمكن الترجيح كما هو معروف في مبحث المضطرب ينتفي الاضطراب، يعني الحديث المضطرب هو الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، أوجه يعني يروى على أكثر من وجه، هذه الأوجه تكون مختلفة لا متفقة، ومتساوية لا يكون بعضها أرجح من بعض، فإن أمكن الترجيح انتهى الاضطراب، روى أبو داود في سننه قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: ((يتصدق بدينار أو نصف دينار)) ورواته كلهم مخرج لهم في

الصحيح إلا مقسم، مقسم انفرد به البخاري، يعني الرواة كلهم مخرج لهم في الصحيحين إلا مقسم فإنه مخرج له في البخاري، والحديث صححه الحاكم، وصححه ابن القطان، وأقره ابن دقيق العيد، وابن حجر في التلخيص، وفي هذا ما يرد على النووي في قوله في شرح المهذب، وفي شرح مسلم إنه ضعيف بالاتفاق، وقد صححه من سمعتم الحاكم وابن القطان، وأقره ابن دقيق العيد وابن حجر، كلهم صححه، وفي هذا رد على النووي، لكنه مختلف في رفعه ووقفه. قال ابن سيد الناس: من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ، من رفعه عن شعبة أجل وأحفظ وأكثر، يعني فالقول قولهم، فالراجح رفعه لا وقفه، مع أن البيهقي ذكر أن شعبة رجع عن رفعه، فقيل له عن ذلك قال: كنت مجنوناً فصححت، يعني لما كنت أرفعه ما أعي ما أقول ولما أفقت وقفته. يقول هنا في قول ابن عباس: قال إذا كان دماً أحمر فدينار، وإن كان دماً أصفر فنصف دينار يعني الإشكال بعد تثبيت الخبر ((فليتصدق بدينار أو نصفه)) أو هذه للشك أو للتخيير أو للتقسيم، يعني هل شك الراوي؟ هل قال: دينار أو نصف دينار؟ أو للتخيير إن شاء أن يتصدق بدينار فعل، وإن شاء أن يتصدق بنصف دينار فعل، أو للتقسيم للأشخاص أو للحالات، فإذا كان الوطء في أول الحيض في فورته في احمراره فدينار، وإن كان بعد ضعفه واصفرار الدم وقبل التطهر نصف دينار، أو نقول: إن هذا يختلف باختلاف الأشخاص الموسر يتصدق بدينار والمعسر يتصدق بنصف دينار، على كل حال قيل بكل هذه الأقوال، والحديث لا يسلم مقال، واضطرابه معروف عند أهل العلم.

"قال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً" والخلاف في مثل هذا معروف، يعني إذا تعارض الوقف مع الرفع معروف من أهل العلم من يرى أن الحكم للرفع مطلقاً لأن مع الرافع زيادة علم، خفيت على من وقف، ومنهم من يقول: الحكم لمن وقف؛ لأنه هو المتيقن والرفع مشكوك فيه، البيهقي بين في روايته أن شعبة رجع عن وقفه، قال: وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق والشافعي في القديم، يقولون: يتصدق كفارة، وقال ابن المبارك: يستغفر ربه ولا كفارة عليه، هو ذنب معصية من المعاصي عليه أن يستغفر، وحديث الكفارة لم يثبت، ولا كفارة عليه لاضطراب الحديث، والأصل براءة الذمة، ولا يكلف أحد إلا بشيء ملزم تثبت به الحجة، وبعض أهل العلم قال: وطء الحائض حرام، والصائم الوطء بالنسبة لهم حرام، من وطأ امرأته وهي حائض عليه كفارة ظهار، كما لو وطأها وهي صائم، بجامع التحريم لكل منهما، لكن هذا قول ضعيف. قال -رحمه الله-: "حدثنا بن أبي عمر قال: حدثنا سفيان" هو ابن عيينة "عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أن امرأة سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة" بفتح الحاء كما تقدم "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حتيه)) " يعني: حكيه بظفر أو عود ونحوه ((ثم اقرصيه)) أدلكيه بالماء، ويكون هذا الدلك بأطراف الأصابع، بعد الحت بالظفر ((ثم رشيه)) أي صبي عليه الماء ((وصلي فيه)) وقد يحصل كل هذا فيبقى الأثر صفرة في الثوب لا تمكن إزالتها، مثل هذه الصفرة بعد فعل جميع الأسباب من أجل إزالتها فقد جاء ما يدل على أن هذا الأثر لا يضر.

قال: "وفي الباب عن أبي هريرة" عن أبي داود والنسائي وابن ماجه "وأم قيس بنت محصن" عند أبي داود "قال أبو عيسى: حديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما "وقد اختلف أهل العلم في الدم يكون على الثوب فيصلي فيه قبل أن يغسله، فقال بعض أهل العلم من التابعين: إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسله وصلى فيه أعاد" وجاء في حديث عند الدارقطني عن أبي هريرة رفعه: ((تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم)) لكنه حديث باطل، وقال ابن حبان هو موضوع، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، مقدار الدرهم من الدم بعض العلماء جعلوا الفرق بين القليل والكثير القليل الذي يعفى عنه والكثير الذي لا يعفى عنه الدرهم "وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة وهو قول سفيان الثوري ابن المبارك" والحنفية هذه رأي الحنيفة التحديد بالدرهم، فما كان دونه يعفى عنه، وما كان فوقه لا يعفى عنه، ومردهم في ذلك أن الاستنجاء يبقى على محل الخروج، يعني الاستنجاء ما يقطع النجاسة من أصلها، ولذا يقولون: في ضابط الاستنجاء المجزئ ألا يبقى إلا أثر لا يزيله ولا يذهبه إلا الماء، هذا الاستجمار، الاستجمار ضابطه ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، فالاستجمار لا بد أن يبقى أثر، والذي يقضي عليه بالكلية هو الماء.

يقول صاحب الهداية من الحنفية: قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة كالدم والبول والخمر وخراء الدجاج وبول الحمار تجوز الصلاة معه وإن زاد لم يجز؛ لأن القليل لا يمكن التحرز منه والتحديد بالدرهم أخذاً عن موضع النجاسة، يعني في حال الاستجمار، يعني الجمع بين الدم والبول والخمر وخر الدجاج وبول الحمار، يعني على القول بأن بول ما يؤكل لحمه وعذرته كلها نجسة عند الحنفية والشافعية جعل رجيع الدجاج مثل البول، مثل بول الحمار، ومعروف أن ما يؤكل لحمه الراجح أن رجيعه طاهر، كما هو معلوم في قصة العرانين أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، التحديد بالدرهم وقياسه على موضع النجاسة، موضع الخارج حقيقة قياس مع الفارق، هذا جاء به النص، وذاك لم يرد به نص، وأيضاً جعل النجاسات كلها على مستوى واحد وكلها يعفى عن يسيرها بقدر الدرهم هذا أيضاً لا يدل عليه دليل، بل المعروف عند الشافعية والحنابلة وجمهور أهل العلم التشديد في أمر البول، وحديث صاحبي القبرين وأنهما يعذبان وما يعذبان بكبير كان أحدهما لا يستبرئ أو لا يستنزه من بوله، جعل أهل العلم يحتاطون للبول؛ لأنه سبب لعذاب القبر، يحتاطون للبول حتى أن المعروف عند الحنابلة وبعض الشافعية أن البول لا يعفى عن يسيره حتى ما لا يدركه الطرف، كرؤوس الإبر لا يعفون عنه، لا يعفى عن مثل هذا، وحديث الاستبراء والاستنزاه من البول جعل البول أمره شديد، قال: "ولم يوجب بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم عليه الإعادة، وإن كان أكثر من قدر الدرهم" يعني مطلقاً، "ولم يوجب بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم الإعادة، وإن أكثر من قدر الدرهم وبه يقول أحمد وإسحاق، يعني بالنسبة للدم قصة الصحابي الذي أصابه السهم وهو يصلي فاستمر في صلاته، عمر -رضي الله عنه- صلى وجرحه يثعب دماً، وقلنا في هذا ما تقدم من أن هذا حكمه حكم من حدثه دائم، فلا يقاس عليه غيره.

وقال الشافعي: يجب عليه الغسل وإن كان أقل من قدر الدرهم، وشدد في ذلك حتى الحنابلة يشددون في شأن البول وأنه لا يعفى عن يسيره ولو كان مما لا يدركه الطرف، حديث الباب ((حتيه ثم اقرصيه)) لم يرد فيه تحديد بين قليل ولا كثير، ولا حدد مقدار الدرهم ولا دونه، لكن حديث عائشة في البخاري أنها تقصعه بريقها يدل على الفرق بين القليل والكثير، وصح عن عائشة في الكثير أنها كانت تغسله، وكان أبو هريرة لا يرى بالقطرة والقطرتين بأساً، مما يدل على أنه يرى بالثلاث بأساً، وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم فمسه بيده وصلى، وجاء عن بعضهم أنه كان يحرك أنفه فينزل منه الشيء اليسير من الدم ويستمر يصلي ولا ينتقض وضوؤه ولا ينجس بذلك، فالدم لا شك أنه يختلف عن البول، فالدم يعفى عن قليله ولا يعفى عن كثيرة وبالنسبة للبول لا يعفى عن قليله ولا كثيرة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . نعم كيف؟ طالب:. . . . . . . . . قالوا: الدرهم البغلي كلام طويل يعني ما ينضبط، ما له أصل فما ينضبط، وقالوا: مقدار الدرهم قدر الظفر يعني قدر حلقة المخرج، قدر الظفر، ثم قالوا عن عمر أنه يعفى عن الظفر وظفر عمر رجل طوال يعني قال الحنفية: إن ظفره بقدر الكف لبعض الناس، كلام ما هو بصحيح ما يمكن، إيه. طالب:. . . . . . . . . لا لا، هذا مثل من حدثه دائم، حدثه دائم، يعني ما يمكن، عندهم خياط وإيقاف للدم ما عندهم ينزف إلى أن يموت وينتهي. اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد.

أبواب الطهارة (27)

شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (27) شرح: باب: ما جاء في كم تمكث النفساء؟ وباب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد، وباب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ، وباب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء، وباب: ما جاء في الوضوء من الموطأ، وباب: ما جاء في التيمم، وباب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً، وباب: ما جاء في البول يصيب الأرض. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: عند زوجتي ذهب وتريد إخراج زكاته وليس عندها مال لتخرج منه هل تبيع منه لتزكي أو أعطيها من مالي فتزكي منه أو عنه؟ أولاً: عند من يقول بوجوب الزكاة في الذهب أن الزكاة تجب في عين المال ولها تعلق في الذمة، هذا عند من يقول بوجوب الزكاة في الحلي المستعمل تزكي منه، وإذا لم يمكن من ذلك فإنه تبيع منه وتزكي، وإن تبرع من لا منة له عليها فأعطها مالاً تزكي منه ملكها إيه ثم أخرجته للزكاة أجزأ. يقول: هل يجوز نظر النساء إلى الرجال من خلال الشاشات إذا كانوا يلقون المحاضرات والدروس والاستفادة منهم كما في بعض القنوات؟ لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال؛ بل يجب عليها غض البصر، سواء كانت الصور حقيقية أو ليست حقيقية، المقصود أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال، وتحدد النظر فيهم، كما أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة، وهذا منصوص في كتاب الله لا يحتاج إلى اجتهاد. يقول: بالنسبة للنظر في قنوات السحر وقع إشكال في أن النظر فيها ليس إتيان نرجو التفصيل والقول الصواب في المسألة؟

الإتيان المقصود به عند من يحتاج إلى الإتيان، ولو كان عندك في مسكن واحد، الساحر عندك في غرفة وأنت في غرفة، وتنظر إليه من غير إتيان إليه هذا يكفي، ولو أمكنك أن تنظر إليه من خلال نافذة وأنت لا تريد الإنكار عليه؛ لأن هذا إطلاع على الشرك على الكفر -نسأل الله العافية-، ولا يجوز الإطلاع عليه إلا لمن أراد أن ينكر؛ الإطلاع على المنكرات والذهاب إليها أو النظر إليها لا يجوز إلا لمن أراد إنكارها، فالإتيان هو في الغالب أنه يحتاج إلى من يأتيه لأنه لا يسكن عند هذا الآتي، وإذا كان لا يتطلب إتيان فمجرد النظر إليه والنظر إلي عمله هذا هو حكمه حكم الإتيان -نسأل الله العافية-، من غير تصديق أما إذا صدقه فالأمر أعظم -نسأل الله العافية-. يقول: من أدرك الإمام راكعاً ثم كبر تكبيرة واحدة ولم يكبر للركوع؟ تكفي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع لأنها تدخل فيها على أن ينوي تكبيرة الإحرام. وكان في حال تكبيرة منحنياً ليس معتدلاً؟ لا تكبيرة الإحرام فرض القيام، لا بد أن يكبر وهو قائم. يقول: أول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة ومن العبيد بلال ما الفرق بين المولى والعبد؟ الفرق ظاهر المولى قد يكون من صميم من صلبية العرب، قد يكون من قريش إلا أنه حصل عليه أسر أو حصل عليه حلف أو موالاة أو شيء من هذا، أو تبني كما هو شأن زيد بن حارثة، وأما العبد فهو الذي جرى عليه الرق بيع واشتري. محمد بن أبي بكر ولد في حجة الوداع؟ نعم ولد في المحرم بعد ما خرجوا من المدينة ولد، وتوفي النبي -عليه الصلاة والسلام- وله من العمر ثلاثة أشهر فقط، فهذا يختلف في مثله، إذا كان رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لم يره، وهل هذه الرؤية معتبرة أو غير معتبرة؟ الأكثر أنها غير معتبرة فليس بصحابي. يقول: كثير ما أراك تذكر المحدث المعاصر أحمد شاكر ولا نراك تذكر الشيخ المحدث الألباني مع أنني أعتقد أنه من أئمة هذه الشأن فهل من سبب يذكر؟

أولاً: المناسبة التي بين أيدينا التعليق لأحمد شاكر، وتعليل الأحاديث ودراسة الأحاديث التي معنا كله للشيخ أحمد شاكر، يعني ليس للشيخ ناصر في الكتاب الذي أدرسه وهو بيدي النسخة التي ... أي جهد، يعني هي طبعة الشيخ أحمد شاكر، وتعليقات الشيخ أحمد، وتعليله للأحاديث واستطراده في ذلك هو الذي جعلنا نذكره، وليس المسألة مسألة مقارنة قد يقول قائل: أنك ما تذكر ولا تصحيح ابن حجر ولا تضعيف أحمد ولا ابن معين، المسألة مسألة مناسبة وليست دراستنا لهذا الحديث دراسة استيعاب أبداً، هي دراسة إمرار كما ترون، ولا نقف عند كثير من المسائل التي تستحق الوقوف؛ فالشيخ الألباني لنا فيه كلام طويل، ولا يختلف أحد في أنه مجدد بالنسبة لهذا العلم. وأعتذر عن هذا السؤال ولكني أتساءل هل الألباني لا يستشهد بقوله أما ماذا؟ أنا معولي وعمدتي في كثير من الأمور في التصحيح والتضعيف على قوله، لكني ليست بمقلد له، قد أخالفه -رحمه الله-. يقول: ما تقول في امرأة دورتها الشهرية أكثر من عشرين يوماً والرائحة والصفرة والكدرة هي نفسها كريهة؟ ويش لون الرائحة والصفرة والكدرة؟ مثل هذه مستحاضة، هذه مستحاضة وليست بحائض؛ إنما ترجع إذا كان الدم يتغير، فالدم الأسود المنتن هو الحيض، وما عداه استحاضة، دم فساد لا حكم له، وإن كانت لها عادة سابقة ستة أيام أو سبعة تجلس على عادتها، وما زاد على ذلك تصوم وتصلي، وإن كانت ليست بمميزة ولا معتادة تجلس عادة غالب نسائها كما جاء في النصوص، وهنا أشار إلى الصفرة والكدرة، الصفرة والكدرة في زمن الطهر ليست بحيض كما هو معروف. يقول: صلاة الفجر تشكو الهجر مني ومن كثير من الشباب فهل من كلمة تعظني وإخواني بها؟

صلاة الفجر لا شك أنه جاءت النصوص بالتشديد في أمرها، وهي أثقل الصلاة على المنافقين -نسأل الله العافية-، أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ومن صلى البردين دخل الجنة، يعني تشترك مع صلاة العشاء في نصوص ومع العصر في نصوص، ولا يشترك معها في كثير من النصوص بعض الصلوات، المقصود أن صلاة الفجر هي العلامة على صدق الإيمان عند الإنسان، والتخلي عنها وتركها والتكاسل عنها يخشى على صاحبه من النفاق، وصلاة الفجر من أعظم الأسباب مع صلاة العصر إلى النظر إلى وجه الله -جل وعلا- يوم القيامة في الجنة، الذي هو أعظم ما يتلذذ به أهل الجنة. مسألة حرم المدينة معروف الحدود وله أحكامه، أما بالنسبة للمسجد فالمضاعفة خاصة به، مضاعفة الصلوات خاصة به، وأما بالنسبة لما ورد في تحريم المدينة وتحريم قطع الشجر، وتحريم الصيد وما أشبه ذلك فإنه محدود بحدود الحرم، ما بين عير إلى ثور، من الشمال إلى الجنوب، وما بين الحرتين من الشرق إلى الغرب. بأي شيء تدرك الركعة؟ الركعة تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، بأن يركع ويدرك الإمام ويطمئن في ركوعه قبل أن يرفع الإمام. يقول: ما صحة فعل علي -رضي الله عنه- أنه بال في سباطة قوم ثم توضأ ثم مسح على الخفين ثم خلعهما وصلى ألا يكون من الأدلة على أن الخلع بعد لبسه على طهارة لا ينتقض؟ أولاً: الكلام في هذا الأثر كثير، الأمر الثاني: أننا عندنا من الأدلة المرفوعة التي تستند إلى الأدلة المرفوعة على كل حال ما يخالف هذا، والاحتمال يتطرقه أيضاً أن يكون علي -رضي الله عنه- ممن لا يرى الموالاة مثلاً وغسل رجليه بعد خلع الخف أو خلع الخف بعد تمام طهارته ثم بعد ذلك مباشرة غسل رجليه. يقول: دائماً تذكر الاحتياط كما في كفارة إتيان الحائض فما هو الاحتياط؟ هل هو الأيسر أم الأشد أم ما وافق الشريعة علماً بأن بعض الأشياء أحاديثها ضعيفة؟

أما ما كان حديثه ضعيف لا ينتهض ولا صححه أحد من الأئمة هذا لا يلزم منه احتياط، والاحتياط في الإتباع، والاحتياط كما قال شيخ الإسلام: إذا أدى إلى فعل محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، أما إذا وجد حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه مثلاً، وتوقف الإنسان في حكمه فالاحتياط أن يعمل به، علماً بأن جمهور أهل العلم يعملون بالحديث من باب الاحتياط ولو ضعف، وأما الأخذ بالأيسر أو الأشد فليس من مقاصد الشريعة لا التيسير، الذي لا يسنده نص، ولا التشديد وسيأتي في الحديث: ((إنما بعثتم ميسرين لا منفرين)) و ((إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) وليس معنى ذلك التضييع، بل الدين دين تكاليف، والجنة حفت بالمكاره، دين دين واجب يجب العمل به، دين محرم يجب تركه، وهذه موجودة في الشريعة، أما من يأخذ بالتيسير ويترك النصوص الكثيرة التي تدل على أن الشريعة شريعة تكاليف، ويش معنى التكليف؟ إلزام ما فيه كلفة على المكلف، ويش معنى الجهاد؟ إزهاق النفس، هذا ما في تكليف؟! الحج فيه تكليف شديد، الصيام في الهواجر فيه تكليف، في تشديد على المكلف، المقصود أن سمة الشريعة في جملتها اليسر، ويقول أهل العلم كالشاطبي وغيره: إن المشقة التي تلحق بالعبادة إذا كان نظيرها يلحق بأمور الدنيا تجد الإنسان في أمور دنياه يضرب الفيافي والقفار من أجل أن يكسب شيء من المال، الذي يصيد مثلاً في الصيف ألا يشق عليه ذلك مشقة عظيمة ومع ذلك يتلذذ به، الذي يسافر من أجل التجارة، الذي يزاول التجارة من أول النهار إلى آخره في الأيام الشديدة الحر وهو صائم هذه تكاليف لا تخرج عن المعتاد، أما ما يخرج عن المعتاد، التكليف الذي يخرج عن المعتاد هذا لا يوجد في الشريعة، يعني الذي يشق على المسلم مشقة عظيمة بحيث يخرج عن المعتاد هذا لا تأتي به الشريعة، فالتكاليف التي لا تخرج عن المعتاد ولو شقت عن النفس كثير من التكاليف شاقة، وهي بالنسبة لكثير من الناس ليست بيسر، وإن كانت سمة الشريعة يسر، لكن لا يعني أن الجهاد يعطل لأنه عسر، الحج يعطل لأنه عسر لا، لا بد من .. ، الحج ركن من أركان الإسلام {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(7) سورة

النحل] ليس معنى أن الإنسان يؤخذ بشيء من النصوص ويترك أشياء، ما خير النبي -عليه الصلاة والسلام- بين أمرين إلا أختار أيسرهما هذا قبل استقرار الحكم، لكن إذا استقر الحكم ما في خيار، أما قبل استقرار الحكم يخير النبي -عليه الصلاة والسلام- فيختار الأيسر، إذا استقر الحكم بالتحريم كيف نختار الأيسر؟ لا نستطيع أن نختار الأيسر. يقول: أحد الشباب سوف يذهب للدارسة في بريطانيا فما حكم إقامته عند امرأة كبيرة في السن حيث أن هذا هو النظام؟ {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [(40) سورة النور] الأصل السفر محرم إلا لضرورة، ومع ذلك يسكن عند امرأة. يقول: إذا ترجح لدي أن الأرض لا تدور ومطالب بتدريس الطلاب المناهج الدراسية وفيها أن الأرض تدور فهل علي إثم؟ وما المخرج من ذلك؟ أولاً: عليك أن تجمع الأدلة على رسو الأرض وإرساء الأرض بالجبال، وتجمع ما قاله أهل العلم هذا وتقرره للطلاب، ثم تذكر لهم أن المنهج فيه كذا، والله المستعان. يقول: يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ليسلم الصغير على الكبير)) سؤالي نرى بعض طلبة العلم لا يسلم على الأكبر منه سناً بحجة أن الذي أكبر منه أقل علماً منه وعلى ذلك لا يبادر بالسلام؟ لا يا أخي هذا حرمان نسأل الله السلامة والعافية، وعلى المسلم سواء كان ... ، هذا التوجيه النبوي يسلم الصغير على الكبير، وينبغي أن يبادر الصغير على السلام على الكبير، والمار على الجالس، والراكب على الماشي، لكن لو بادر الثاني، بادر الكبير اغتناماً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) أحياناً يمر الإنسان على شخص جالس، ولكونه من الوافدين من العمال أو من غيرهم لا يبادره بالسلام، يحتقره، وهذا أيضاً من شر أنوع الكبر، هذا غمط الناس، ثم يأتي هذا الوافد ويبادره بالسلام، ثم يقول لصاحبه الذي معه: شوف هذا المسكين جالس وهو اللي يسلم، ما يدري عن الحديث أن الماشي هو اللي يسلم؟ طيب وراك أنت ما تدري بعد؟ هو الذي أخذ الفضل عنك، ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) وهو جالس وأنت عندك أنك تعرف الحديث وين أنت عند نفسك؟ وفي الأخير تكون أنت المحروم، فيحرص الإنسان بالمبادرة بالسلام ليكون خير الاثنين.

باب: ما جاء في كم تمكث النفساء؟

وعلى ذلك لا يبادر بالسلام عليه، وكذلك إذا دعي إلى وليمة يتصدر المجالس مع وجود شيوخ كبار في السن ويقول: بأن الموازين ينبغي أن تكون شرعية، والرسول -عليه الصلاة والسلام- جعل الإمامة في الصلاة للأقرأ؟ يعني الموازين صح يجب أن تكون شرعية، لكن مو بأنت اللي تصدر نفسك؛ لأن قد تكون عند نفسك شيء وأنت عند الله وعند الناس لست بشيء، فإذا ألزموك وصدروك التزم، والله المستعان. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في كم تمكث النفساء؟ حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا شجاع بن الوليد أبو بدر عن علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة قالت: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين يوماً فكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة واسم أبي سهل: كثير بن زياد. قال محمد بن إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل، وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم تطهر. إذا لم ترَ الطهر. عفا الله عنك. ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم ترَ الطهر. ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوماً. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كم تمكث النفساء؟ " يعني مدة النفاس بعد الولادة، والنفاس والنفساء أصله من النفس، وجمعها نفوس، إما لخروج هذه النفس الذي هو الولد، أو يراد بالنفس الدم، كما يقول الشاعر: تسيل على حد الضبات نفوسنا ... . . . . . . . . . يعني دماؤنا، ويقول الفقهاء: ما لا نفس له سائلة فهو طاهر، يعني ما لا دم له، والغالب أن النفساء مع الولادة، وبعد الولادة يخرج منها الدم الذي هو النفس، إذا خرج منها الدم بعد الولادة لزمها ما يلزم الحائض، وإذا ولدت بدون دم لا يلزمها المكث بل يجب عليها أن تصلي وتصوم، ولا حد لأقل النفاس؛ لأنه وجد من ولدت بغير دم، ووجد من قطع دمها في اليوم الأول، وبعد ذلك كثير، المقصود أنه لا حد لأقله، وأما أكثره فهو محل الخلاف الذي فيه حديث الباب، فجماهير أهل العلم على أن أكثر النفاس أربعون يوماً وعليه يدل الحديث، ومنهم من يقول: خمسون، ومنهم من يقول: ستون، وجاء فيه ما جاء، ومنهم من يقول: بالنظر إلى الوجود ما وجد أكثر من سبعين، ومثل هذا لا يصحح جميع ما ورد في الباب، وإنما نظر إلى الواقع، فقال: أكثر ما وجد الدم بعد الولادة سبعون يوماً، فهذا أكثر النفاس، لكنه لا يدل عليه دليل، وحديث الباب صالح للاحتجاج، وأغرب ابن حزم حيث زعم أن النفاس كالحيض، أكثره سبعة أيام، أكثر النفاس سبعة أيام مثل الحيض، وهذا لا شك أنه قول غريب لا حظ له من النظر ولا الأثر.

قال -رحمه الله-: "حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا شجاع بن الوليد أبو بدر" كوفي صدوق "عن علي بن عبد الأعلى" التغلبي الكوفي صدوق أيضاً "عن أبي سهل" كثير بن زياد البرساني، وهو ثقة "عن مُسة الأزدية" مُسة أم بُسة يعني اسمها وكنيتها من الغرائب، وهي مقبولة على ما قال أهل العلم، مقبولة والمقبول مثلما ذكرنا في اللين أمس، القاعدة تفيد كما قال ابن حجر: إنه ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، فهل توبعت مُسة الأزدية على هذا الحديث ليكون حديثها مقبولاً أو تبقى لينة كما لو في حالة ما إذا لم تتابع، هي متابعة، ولذلك وصفت بأنها مقبولة، وإذا نظرنا إلى السند وجدناه قابل للتحسين بذاته "عن أم سلمة قالت: كانت النفساء تجلس" تجلس يعني بعد الولادة "على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين يوماً" إذا قال الصحابي: كنا نفعل فهو مرفوع، حكمه حكم المرفوع لا سيما إذا أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أن منهم من يقول: إذا قال: كنا نفعل ولو لم يضفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع، لكن الآن تقول: على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مرفوع بلا تردد "أربعين يوماً" وهذا في وقت التنزيل، ولو كان شيئاً لا يقر عليه شرعاً لما أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولما أقره الرب -جل وعلا-، وأنزل فيه ما أنزل، ولذا يقول جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل" ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهى عنه القرآن، فمثل هذا يفعل على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت: فكنا نطلي" يعني نلطخ "وجوهنا بالورس" نبت أصفر، له لون وله رائحة، ينبت باليمن "من الكلف" الكلف لون بين السواد والحمرة فيكون في الوجه، وكأنه حبوب وبثور تخرج في الوجه يكون لونها بين السواد والحمرة. "قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل" كثير بن زياد البرساني، وهو ثقة، ويقبل تفرده "عن مسة الأزدية عن أم سلمة" وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم، وله شاهد من حديث أنس عند ابن ماجه، فالحديث حسن صالح للحجية.

قال الترمذي: "واسم أبي سهل كثير بن زياد" على ما ذكرنا، وهو ثقة "قال محمد بن إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة وأبو سهل ثقة" إذاً ما عندنا إلا شجاع ومسة، هما الذين ينزلان عن درجة الثقة، لكن حديثهما في حيز القبول فهو حسن "ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل" ولذا قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل، لكن هل سهل هذا وهو ثقة عند أهل العلم .. ؟ يقولون: أبو سهل ثقة، يقوله البخاري -رحمه الله- وغيره يوثقه، هل هذا ممن يحتمل تفرده أو لا يحتمل؟ نعم يحتمل تفرده إذا جاء بحديث لا يخالف عليه، لا يخالفه من هو أوثق منه فتفرده مقبول. قال: "ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل" ولا يضر الحديث تفرد أبي سهل به لأنه ثقة، يقول: "وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي" إجماعاً، يعني إذا رأت الطهر بعد أسبوع، بعد أسبوعين، بعد شهر يلزمها أن تغتسل وتصلي، متى رأت الطهر، ولا يقال: إن هذه معتادة أو غير معتادة يعني جاءت بخمسة أولاد كلهم يستوعبون الوقت أربعين يوماً، أو كلهم تطهر لشهر، ثم بعد ذلك زادت عن الشهر في الولد السادس أو السابع، نقول: ما زاد عن العادة حكمه حكم الحيض لا، هو نفاس حتى تطهر ما دامت في حيز الأربعين، فإذا تمت الأربعون ولم تطهر صار البقية دم فساد لا تجز إلا إذا صادف وقت العادة، إذا صادف وقت عادتها أو لون عادتها فنقول: إن هذه عادة.

يقول: "تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلى، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم يقولون: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء" الآن يقول: أجمع أهل العلم، أجمع وهنا يقول: فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء كيف يكون إجماع ثم يكون قول أكثر الفقهاء؟ هل نقول: إن هذا تساهل في نقل الإجماع أو أن نقول: إن الترمذي -رحمه الله تعالى- يرى أن الإجماع قول الأكثر لا قول الجميع؟ كما عرف ذلك من مذهب الطبري -رحمه الله-، الإجماع عند الطبري قول الأكثر، لا يلزم أن يتفق عليه جميع المجتهدين، إذا قال به الأكثر هذا إجماع عنده، ولذلكم في تفسيره في كثير من الآيات، في القراءات في الأحكام في التوجيهات العربية وغيرها كلها يذكر الإجماع ويذكر مخالف، يقول: وقد اختلف القرأة في قراءة كذا والأكثر .. ، أو وقرأ فلان وفلان وفلان على كذا، وقرأ فلان بكذا، والصوب عندنا في ذلك القول الأول أو من قراءه على كذا لإجماع القرأة على ذلك، فهو يرى أن الإجماع قول الأكثر، ولعل الترمذي ينحو هذا المنحى. طالب:. . . . . . . . . نعم أي بعد الأربعين، هنا يقول: قد أجمع أنها تدع الصلاة أربعين. طالب:. . . . . . . . . إيه يعني هذه مسألة ثانية أيضاً، مسألة ثانية، وهي: هل الأخذ بالأقل يعد إجماعاً أو لا يعد؟ نعم لو عرفنا أن لزيد على عمرو مبلغ من المال دين، وإحنا عشرة، قلت أنا: الدين ألف ريال، قال الثاني: ألف ومائة، قال الثالث: ألفين، قال الثالث: ثلاثة ألاف، قال كذا، الإجماع كله اتفق على الألف، كلهم يتفقون على الألف، والخلاف فيما زاد مثل مسألتنا، وهذه مسألة خلافية، هل يعد إجماع الأخذ بالأقل أو لا يعد مع وجود المخالف؟ الأكثر على أنه لا يعد إجماعاً، حتى من هذه الحيثية لا يعد إجماعاً، وهذا مسألة أيضاً ينبغي العناية بها؛ لأنها مسألة تمر في كتب الأصول ما يلقي لها بال طالب العلم وهي في غاية الأهمية، ولها فروع كثيرة.

باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد:

"وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" وهو قول الحنفية أربعون يوماً، قال الشوكاني: والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوماً متعاضدة، بالغة إلى حد الصلاحية والاعتبار فالمصير إليها متعين "ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم تر الطهر" إذا لم تر الطهر خمسين يوماً، وكأن الحسن لم يطلع على هذا الحديث أو لم يثبت عنده، ورأى من النساء من يستمر معها الدم إلى الأربعين؛ لأنه أذا لم يوجد نص إذا لم يوجد دليل يدل على التحديد فالمرجع في ذلك إلى العرف والعادة، فإذا وجدت من تمكث خمسين يوماً مثل ما قال الحسن تمكث خمسين يوماً، منهم من قال: ستين وأكثر ما قيل سبعين، وهذا أكثر ما وجد، فعلى كل حال بعد ثبوت هذا الخبر يتعين المصير إليه، ولا عذر لأحد على القول به إلا من رأى أنه لا يثبت عنده، يعني لو لم يثبت هذا الخبر قلنا: يرجع فيه إلى العادة، والعادة متفاوتة، من النساء من تجلس أقل القليل يوم واحد أو لا تكمل اليوم، ومنهن من تجلس أكثر من ذلك أسبوع، شهر أكثر، وأكثر ما وجد قالوا: سبعون يوماً، وهذا الأكثر عند بعضهم. "ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي: "ستين يوماً" وهو قول الإمام الشافعي، وكل هذا نظراً إلى عادة النساء، وجد من تجلس ستين يوماً ينزل معها الدم ستون يوماً قالوا: أكثره ستون يوماً، وقيل: سبعون يوماً، وهو أكثر ما وجد على ما ذكرنا. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد: حدثنا بندار -محمد بن بشار- حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن معمر عن قتادة عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه في غسل واحد. قال: وفي الباب عن أبي رافع. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه بغسل واحد، وهو قول غير واحد من أهل العلم منهم الحسن البصري أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ، وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان، فقال: عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس وأبو عروة هو معمر بن راشد وأبو الخطاب قتادة بن دعامة.

قال أبو عيسى: ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن سفيان عن ابن أبي عروة عن أبي الخطاب وهو خطأ والصحيح عن أبي عروة. يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد" يعني من غير فاصل، لا يفصل بين الجماعين بغسل، وليس فيه ذكر للوضوء، هل كان يتوضأ أو لا يتوضأ؟ وهل كان يتوضأ وضوء شرعياً أو لغوياً على ما سيأتي؟ "باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد"

قال: "حدثنا بندار -محمد بن بشار- حدثنا أبو أحمد" الزبير بن محمد بن عبد الله الزبيري، من الثقات "حدثنا سفيان" وهو الثوري "عن معمر" بن راشد الصنعاني المعروف "عن قتادة" بن دعامة السدوسي "عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف" يعني يجامع "يطوف على نسائه" هنا فائدة تتعلق بالعربية والتضمين "كان يطوف على نسائه" إيش معنى يطوف؟ إما أن نقول: يقع أو يجامع، لكن كثير من أهل اللغة يرى أن الفعل لا يضمن معنى فعل إلا إذا كان هذا الفعل مثله، فإن كان لازماً يضمن فعل لازم، إذا كان متعدياً يضمن فعل متعدي بنفس الحرف؛ لأن عندنا تضمين حروف وتضمين أفعال، فنحتاج أحياناً إلى تضمين الفعل، وأحياناً نحتاج إلى تضمين الحرف، وشيخ الإسلام يرى أن تضمين الفعل أولى من تضمين الحروف، لمسألة يعاني منها مسألة عقدية شيخ الإسلام -رحمه الله- بيّن ذلك في مقدمة التفسير، على كل حال لو قلنا: يطوف ويش معناها؟ معناها يجامع، يجامع نساءه ما يحتاج إلى حرف متعدي بنفسه، وإذا قلنا: يطوف، يطوف نساءه لا، ما تصلح، فلا بد أن نضمن على هذا القول الفعل المتعدي بالفعل المتعدي، والفعل اللازم بالفعل اللازم، المتعدي بنفسه يعدى بفعل متعدي بنفسه، والفعل المتعدي بالحرف يعدى بفعل متعدي بالحرف ليكون في معناه من كل وجه، لكن ما نرى أهل العلم حينما يضمنون يلتزمون هذا الأمر أبداً يعني {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [(71) سورة طه] يعني ما المضمن هنا الفعل وإلا الحرف؟ الأكثر على أنهم يضمنون الحرف بمعنى (على) أصلبنكم على جذوع النخل، ومنهم من يقول: لا أصلبنكم نضمنه فعل يصلح لأن يتعدى بـ (في) فكأنه قال من شدة الصلب انحفرت هذه الجذوع فدخلوا فيها، كأنه قال: لأدخلنكم في جذوع النخل، هذه مبالغة في الصلب على جذوع النخل. على كل حال طالب العلم يجعل هذه المسائل في ذهنه وإذا مر عليه يجمع النظائر إلى نظائرها ويستفيد -إن شاء الله تعالى-.

"كان يطوف على نسائه في غسل واحد" يعني فيغتسل غسلاً واحداً، إذا فرغ وكان نساؤه أعدادهن متفاوتة، لكن أقلهن التسع، تسع في أخر الأمر التي توفي عنهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسع، اجتمع عنده إحدى عشرة، المقصود أنه يطوف على جميع هؤلاء النسوة بغسل واحد، فقيل لأنس: أو يطيق ذلك؟! قال: "كنا نحدث أنه أعطي قوة ثلاثين" فالحديث دليل على أن الغسل بين الجماعين ليس بواجب وعليه الإجماع، أجمع العلماء على أنه لا يجب أن يغتسل بين الجماعين.

وفي هذا الحديث ما يدل على أن القسم ليس بواجب عليه -عليه الصلاة والسلام-، غسل واحد يجمع هذه الوقائع بغسل واحد، وكل واحدة في يومها وإلا في يوم واحد بل في ساعة واحدة؟ هي في ساعة واحدة في ليل أو نهار والغالب أنها العصر، والغالب أنها العصر فإذا لم يتيسر له العصر فبعد صلاة المغرب، هذا المعروف عنه -عليه الصلاة والسلام-، والقسم كما هو معلوم بالنسبة للمعدد واجب، والميل محرم، فلا بد من العدل، والذي لا يستطيع أن يعدل عليه بالواحدة، على أن العدل من كل وجه ليس بالمقدور لكل أحد، بل ليس بالمقدور لأي أحد {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ} [(129) سورة النساء] والذي يميل إلى إحدى زوجاته دون الأخريات هذا يأتي يوم القيامة وشقه مائل كما في سنن أبي داود، القسم واجب، ومثل هذا الذي يحصل منه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه على قول من يقول: القسم ليس عليه بواجب، وهذا ظاهر ما فيه إشكال، وعلى من يقول: إن القسم واجب يقول: إن هذا بالاتفاق، إذا اتفق مع جميع الزوجات الأمر لا يعدوهن، حتى لو شخص وجد عنده أربع نسوة وقال: العصر ما هو لأحد أبا أمر على الجميع أجلس عند كل واحدة نصف ساعة ووافقوا كلهم على ذلك الأمر لا يعدوهن، لكن لو خالفت واحدة وقالت: أنا لا أرضى يلزمه أن يبقى عندها في نوبتها ولا يمر على أحد من نسائه، وإن اتفق الثلاث فالأمر بينهن يسير ويبقى الرابعة، لكن إن اتفق الجميع برضا الجميع فالأمر لا يعدوهن، قد يكون كما يقول أهل العلم: عمدة القسم الليل، وعلى هذا فالنهار لا يلزمه أن يقسم بين نسائه، لكن لا يجوز له أن يخصص بعض النساء بمرور أو مجيء أو نوم في النهار، ويقول: هذا من حقي لا ليس من حقك، من حقك أن تنام في المسجد، من حقك أن تذهب للنزهة، من حقك أن تسير من شئت، لكن ليس من حقك أن تذهب إلى ضرة؛ لأن بعض الناس قد يصنع مثل هذا، وبعض الناس قد يتذرع بالأولاد يقول: أنا ما أروح للمرأة أنا أروح لأولادها، لا، لا يجوز لك أن تفعل ذلك، فالقسم واجب والعدل فيه متعين إلا فيما لا يملك، فالذي يقول: إن القسم ليس عليه بواجب عليه -عليه الصلاة

والسلام- وهو قول معروف عند أهل العلم يقول: يصنع ما شاء يصرف الوقت لمن شاء، والذي يقول: إن القسم عليه واجب لكنه برضا الجميع، وهذا يصوغ له -عليه الصلاة والسلام- ولغيره بالرضا، بعضهم يقول: إن هذا يحصل منه -عليه الصلاة والسلام- عند قدومه من سفر، يعني قبل أن تتحدد صاحبة النوبة، هذا الوقت الذي جاء به من السفر ما هو لأحد فيمر على الجميع، وهذا لمجرد توجيه الحديث مع وجوب القسم، وهذا قاله ابن عبد البر -رحمه الله-، والمسألة ظاهرة يعني إذا كانت برضا فلا إشكال، وإن كان لا يجب عليه القسم فهذا أيضاً من خصائص -عليه الصلاة والسلام- كما قيل. قال -رحمه الله-: "وفيه عن أبي رافع" عند أبي داود وابن ماجه. "قال أبو عيسى: حدث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، الجماعة السبعة، البخاري ومسلم وأبي داود الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد، صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه بغسل واحد، وسليمان -عليه السلام- طاف على تسع وتسعين امرأة، طاف على تسع وتسعين امرأة، وقال: إنه يطوف لتأتي كل واحدة منهن -وأقسم على ذلك- بولد يجاهد في سبيل الله فلم يستثنِ؛ ما قال: إن شاء الله فلم تأتِ واحدة منهن بشيء إلا واحدة بشق ولد، نصف ولد فالأمور كلها معلقة بالله -جل وعلا-، ولا يدل الإنسان بعلمه أو بعمله ويقول: إنه وصل لحد أنه يقسم على الله لا، عليه أن يكون دائماً متهماً لنفسه هاضماً لحقه، والله المستعان.

باب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ:

"وهو قول غير واحد من أهل العلم منهم الحسن البصري ألا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ" والحديث ليس فيه ذكر للوضوء، بل فيه نفي للغسل وسيأتي الأمر بالوضوء، والحديث ليس فيه نفي للوضوء فيه نفي للغسل، "وقد روى محمد بن يوسف -الفريابي- هذا عن سفيان فقال: عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس" عن سفيان عن أبي عروة عن أبي الخطاب، وهنا عن سفيان عن معمر عن قتادة عن أنس لا اختلاف بينهما، ليس في هذا خلاف "فأبو عروة هو معمر بن راشد" الذي صرح به في الرواية الأولى "وأبو الخطاب هو قتادة بن دعامة" لكن معمر عرف باسمه وقتادة عرف باسمه، والتكنية بالنسبة لمن عرف بالاسم من باب الإغراب، وبعضهم يفعلها تدليساً لا سيما إذا كان الراوي ضعيفاً فيكنيه من أجل ألا يعرف، وهنا أبو الخطاب يندر من يعرف أن كنية قتادة أبو الخطاب، وكذلك معمر بن راشد من يعرف أنه أبو عروة؟ فالمشهور باسمه يذكر باسمه، المشهور بكنيته يذكر بكنيته، المشهور بهما يذكر بهما، المشهور بوصفه كالأعمش والأعرج والمعروف بمهنته كالسمان والزيات والخلال يذكر بما عرف به، فإذا ذكر بما لا يعرف به هذا يسمونه تدليس الشيوخ. "وأبو عروة هو معمر بن راشد وأبو الخطاب هو قتادة ابن دعامة"، قال أبو عيسى: ورواه بعضهم ... " يعني ابن الترمذي -رحمه الله- ما ساق هذا على أنه وجه من وجوه الاختلاف، هذا مو باختلاف الرواة هم هم ما تغيروا، فلم يختلف فيه رواته على أحدهم لكنه أغرب في هذه الكنى التي لا يعرفون بها. "قال أبو عيسى: ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن ابن أبي عروة عن أبي الخطاب" ابن أبي عروة ولا شك أن هذا كما قال الترمذي: خطأ، والصحيح أنه عن أبي عروة، وهي كنية معمر بن راشد والحديث مخرج في الصحيح وغيرهما، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ: حدثنا هناد حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً)) قال: وفي الباب عن عمر.

قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح، وهو قول عمر بن الخطاب، وقال به غير واحد من أهل العلم، قالوا: إذا جامع الرجل امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ قبل أن يعود، وأبو المتوكل اسمه: علي بن داود وأبو سعيد الخدري اسمه: سعد بن مالك بن سنان. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود" يعود إلى موجب الجنابة وهو الوطء، إذا أراد أن يعود مرة ثانية أو ثالثة أو حسب ما يطيق، عرفنا أنه لا يلزمه الغسل بالإجماع، فهل يلزمه الوضوء أو لا يلزمه وضوء أيضاً؟ يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل" هناد بن السري معروف من شيوخ الأئمة، وحفص بن غياث أيضاً كذلك ثقة، وعاصم بن سليمان الأحول ثقة عن أبي المتوكل الناجي على بن داود أو ابن دؤاد ثقة أيضاً، الناجي من بني ناجية، قبيلة معروفة، وهناك من يعرف بالناجي وله تعليق على الترغيب والترهيب، وليس من بني ناجية، ليس من بني ناجية، إنما هو انتقل من مذهب الإمام أحمد إلى مذهب الشافعي فقيل له: الناجي؛ لأنه نجا على حد زعم القائل يعني من تشديدات الحنابلة، وما زال في القديم والحديث ينبز بالتحنبل، فإذا رأوا شخصاً متشدداً قالوا: هذا حنبلي، حتى الآن موجود في بعض الأقطار، وما ذلكم إلا لأن المذهب التزم السنة ظاهراً وباطناً، إمام المذهب إمام أهل السنة، فمن ينتسب إليه ينسب إلى التشديد، مع أنه في كثير من المسائل هو مشترك مع الأئمة الأربعة، وبعضها يخالف قد يكون قوله أشد لكن يوافقه مالك، قد يكون قوله أشد يوافقه الشافعي، قد يكون قوله أخف، قد يكون قوله ... إلى أخره المقصود أنه كغيره من المذاهب، لكن قد يلاحظ الملاحظ أن هناك شدة تحري وتثبت في إتباع السنة، من هذه الحيثية وصف هذا المذهب بالتشدد، وقيل: إنه نجا بانتقاله من مذهب الإمام أحمد إلى مذهب الشافعي.

واختصم اثنان -هذه من الطرائف- في ولد، كل واحد منهما يدعيه، فاحتكما إلى مغفل، فأحدهما من بني ناجية أو بني طفاوة نسيت الآن، والثاني من بني راسب، فقال هذا المغفل: ارموه في البحر إن نجا فهو من بني ناجية، وأن رسب يعني دخل .. ، يعني غرق في البحر فهو من بني راسب، أظنه من بني طفاوة يقولون: انطفى يعني ارتفع فهو منكم، وإن رسب وغرق فهو من بني راسب، هذه القصة تذكرنا بقصة سليمان مع المرأتين؛ لأنه مع الأسف كتب عنها في الصحف على أنها خرافة، لما جاءت له المرأتان التي تختصمان في ولد، كل واحدة منهما تدعيه كبرى وصغرى، فقال لهما بعد أن أصرتا على الدعوى قال: نأتي بسكين ونشقه نصفين، نشقه بنصفين فكل واحدة نعطيها نصف وينتهي الإشكال، ماذا تقولين؟ يقول للكبرى قالت: افعل، فقال للصغرى: ماذا تقولين؟ قالت: هو لها، ما دام يشق هو لها، فحكم به للصغرى؛ لأن الذي جادت به أن يشق نصفين هذه ليست أم، قطعاً ليست أم، بينما التي تمسكت وقالت: يبقى حي ولو لم يكن لي أسهل هذه هي الأم الحقيقية، كتب عنها واحد في الصحف على أنها خرافة، وهي ثابتة، وهذا من فهم سليمان الذي فهمه الله -جل وعلا-، فهذا الطفل الذي اختصم فيه بنو طفاوة وبنو راسب، لو قضي فيه بقضاء سليمان -عليه السلام- عرف الحق من الباطل، مع أن فيه حكمنا دلالات وقرائن تدل على صاحب الحق من القيافة وغيرها.

"عن أبي المتوكل" وهو ثقة "عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذ أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما)) يعني بين الوطئين ((وضوءاً)) كوضوء الصلاة، وحمله بعضهم على الوضوء اللغوي، وقال المراد به غسل الفرج، ورد عليه ابن خزيمة بما أخرجه في هذا الحديث: ((فليتوضأ وضوءه للصلاة)) ولا شك أن وضوء الصلاة يخفف الجنابة، والأمر فليتوضأ للاستحباب عند جمهور أهل العلم، وقال الظاهرية: يجب، وقال أبو يوسف: لا يستحب، أقوال متباينة بين قول من يجب وقول لا يستحب، وهذا يذكرنا في قول السعيدين، سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، يقول سعيد بن المسيب: إذا جاوز الميقات فلا شيء عليه، ويقول سعيد بن جبير: إذا تجاوز الميقات فلا حج له، أقوال متباينة مثل هنا يقول الظاهرية: يجب، ويقول أبو يوسف: لا يستحب، والجمهور .. ، لأن هذا الأمر ثابت مخرج عند الجماعة كلهم إلا البخاري، فأقل أحواله الاستحباب، استدل الجمهور على الاستحباب بما رواه الطحاوي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجامع ثم يعود ولا يتوضأ، واستدل ابن خزيمة على عدم الوجوب بالعلة، العلة: "فإنه أنشط للعود" يعني هذا رفق بالمكلف أنشط له فلا يكون مثل هذا واجباً عليه، وفي العارضة -عارضة الأحوذي- قال: زعم بعضهم أنه منسوخ، أمر به إذ كان الجنب لا يذكر الله، وذهب إليه الطحاوي ليس بصحيح، فإن ذلك لم يكن ولا روي، يعني أن الجنب لا يذكر الله إلا إذا كان المقصود بالذكر القرآن. قال: "وفي الباب عن عمر" وابنه قال الشارح: لم أقف على من أخرج حديثهما "قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح" ومثل ما ذكرنا مخرج عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه "وهو قول عمر بن الخطاب، وقال به غير واحد من أهل العلم قالوا: إذا جامع الرجل امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ قبل أن يعود، وأبو المتوكل اسمه: علي بن داود" بتقديم الألف على الواو، ويقال: دواد، بتقديم الواو على الألف "وأبو سيعد الخدري اسمه: سعد بن مالك بن سنان" الخدري الأنصاري الخزرجي، خدرة أو خدارة بطنان من الأنصار كما هو معروف. سم. نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء:

لا هذاك ما في ذكر لا ذكر ولا .. ، عدم الذكر ليس بذكر، لا يلزم، يعني عدم الذكر ليس بعدم للوجود، لأن هذا ليس بصارف، لكن العلة تصرف، إذا عرفنا أن الشارع أمرنا بهذا رفقاً بنا عرفنا أنه لا يطلبه تديناً تشرعاً، نعم. سم. طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . طيب؟ يغتسل يغتسل من كل ... ، بعدد .. ما يوجد هنا إنما هو في بيان الجواز وإلا الأصل أن يغتسل، يعني مثل ما يقال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] الأصل أنه كلما قمت إلى الصلاة تتوضأ، لكن صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح الصلوات بوضوء واحد، نعم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء: حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال: أقيمت الصلاة فأخذ بيد رجل فقدمه وكان إمام قومه، وقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء)). قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح، هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم، وروى وهيب وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن الأرقم، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول أحمد وإسحاق قالا: لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئاً من الغائط والبول، وقالا: إن دخل في الصلاة فوجد شيئاً من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله، وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يصلي وبه غائط أو بول ما لم يشغله ذلك عن الصلاة.

يقول المؤلف -رحمه الله-: "باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء" إذا وجد أحد الأخبثين يدافعه ويضغط عليه، بعض الناس يقول: نتحمل ونصبر ونصلي مع الناس، ولا يفوتنا شيء، وبعد ذلك نقضي الحاجة، مع أنه ثبت في الصحيحين وغيرهما: ((لا صلاة في حضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) والسبب في ذلك أن هذا يشغل عن الصلاة، وأقل الأحوال أنه يذهب الخشوع، ومنه ما هو شديد بحيث لا يعقل من صلاته شيء، ومنه ما هو متوسط، ومنه ما هو خفيف، فإذا لم يشغله عن صلاته فليصل، وإذا شغله عن صلاته فليبدأ به. يقول: ((إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء)) يعني يقضي حاجته ثم يرجع وهو عذر في هذه الحالة في ترك الجماعة، يعني لو اعتبرنا أنه سمع الإقامة وذهب المسجد وهو على طهارة ثم أحس بأحد الأخبثين يدافعه، ثم ذهب ليقضي حاجته ويتوضأ ثم فاتته الصلاة ما يلام على هذا، ما يقال: أنت تركت واجب.

قال: "حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عبد الله بن الأرقم قال عروة: أقيمت الصلاة فأخذ -عبد الله بن الأرقم- بيد رجل فقدمه ليؤم الناس" لأن الضمائر قد توقع في شيء من اللبس، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال: أقيمت الصلاة فأخذ بيد رجل من القائل؟ لو قلنا: إنه أقرب مذكور؟ قلنا: إن المراد عبد الله بن الأرقم، قال عبد الله بن الأرقم: أقيمت الصلاة فأخذ من الذي أخذ؟ المفترض أن يقول: فأخذت بيد رجل فقدمت وكنت إمام قومي، لكن ما دام قال فالمراد عروة: أقيمت الصلاة فأخذ عبد الله بن الأرقم بيد رجل فقدمه ليؤم الناس، وكان عبد الله بن الأرقم إمام قومه، ولو انتظروه لما كان كثير أن يُنتظر الإمام، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد فأقام بلال، فقاموا في الصف فتذكر أن عليه غسل فذهب واغتسل ورجع وهم على قيامهم، كثير من الناس يقولون: هذا النبي يستحق أن ينتظر غيره الناس كثير، لكن إمام الحي الراتب له شأن حتى قال بعض أهل العلم: أنه لو أقيمت الصلاة بدون إذنه ما صحت الصلاة يعيدونها، لكن صحة الصلاة ما فيه إشكال، لكن يبقى أنهم آثمون إذا افتأتوا عليه فهو أحق بالإقامة ولو تأخر ينتظر، لكن الناس الآن ما يطيقون مثل هذه الأمور، ولذلك تجد الإمام يضطر أن يقول للمؤذن: إذا مضى دقيقة أو دقيقتين أقم لا تنتظرني؛ لأن الجماعة لا يحتملون الصبر مع أنهم على خير ينتظرون الصلاة فهم في صلاة، والذي بيده مصحف يزيد عشرة آيات عشرين آية وأجر عظيم، والذي يتنفل يصلي ركعتين خير من الدنيا، لكن مع ذلك الناس لا يطيقون مثل هذا والله المستعان، فإمام الحي الإمام الراتب له شأن في الشرع، لا يفتأت عليه فتقام الصلاة بدونه ولو انتظر ما لم يشق على المأمومين فهذا من حقه.

"قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا أقيمت الصلاة)) " ... وبالمقابل أيضاً الإمام اختلف وضعه في العصر الحاضر كان الإمام في المسجد أو في بيته المجاور للمسجد تجده دائماً حول المسجد، أما الآن فتجد المؤذن يؤذن وهو عن المسجد عشرين كيلوا، ثلاثين كيلوا في أقصى حي في بلد ثاني ثم بعد ذلك يأتي مهرع يهرع إلى صلاته، يمشي بسيارته أكثر من السرعة المطلوبة، وقد يتسبب في حوادث كل هذا لأنه فرط وأبعد عن مسجده، ويتساهلون في هذا كثير لا سيما الشباب، الشباب تجده ما يهتم لكونه قرب الصلاة في بيته، والله المستعان. "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء)) " يعني الحاجة إليه، إلى قضاء الحاجة ((فليبدأ بالخلاء)) ولو فاتته الصلاة، وهذا أفضل له؛ لأن بعض الناس يقول: أنا والله يصعب عليّ أني بروح للخلاء ثم ارجع ثانية وأصلي والناس قد طلعت، أطلع مع الناس والحمد لله، وبعضهم يجد في نفسه تأثم في أن الناس يصلون وهو تفوته الصلاة، لا سيما إذا كان مما يشار إليه، يعني إما عالم أو طالب علم، يقول: والله ما هو مناسب أني أذهب ثم بعد ذلك أجي وأقضي بعض الصلاة أو كل الصلاة، مع أن التوجيه الشرعي هو الأصل، نعم عليك أن تحتاط لهذا الأمر وتجهز نفسك قبل الصلاة، وهذا يحصل كثيراً عند بعض الناس إذا كان صائم مثلاً والمعدة خالية، ثم بعد ذلك أكثر من الأكل أو الشرب لا سيما السوائل بعد الأذان فإذا جاء لصلاة المغرب تجده يحتاج إلى الدورة، يحتاج إلى الدورة يصير عنده شيء من الإسهال، فمثل هذا يقول: لا أصلي مع الناس وأطلع مرة واحدة، نقول: لا يا أخي ((ولا وهو يدافعه الأخبثان)) أنت لا تعقل من صلاتك شيء قد لا تعقل من صلاتك شيء، وهذا نفعله أحياناً، نسأل الله أن يعفو ويسامح ويتجاوز، لكن التوجيه الشرعي مثلما جاء في أيضاً: ((إذا سمعتم الإقامة فلا تأتوها وأنتم تسعون ... ، عليكم السكينة والوقار)) تجد الإنسان تلقائياً يسرع من أجل أن يدرك الركعة، ولا شك أن إدراك بعض الصلاة مع التزام الأدب النبوي أفضل من إدراكها كلها مع الإخلال بهذا التوجيه.

قال: "وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة" .... في قوله: ((إذا سمعتم الإقامة)) يدل على أن الإقامة تسمع، وأنه لا مانع أن يقيم المؤذن في المكبر، وفي هذا إعانة للناس، قد يقول قائل: إن هذا يعين أهل الكسل، خل وليعين أهل الكسل يا أخي، يدرك شيء من الصلاة أحسن مما لا يدرك شيء، والكسلان كسلان يعني سمع أو ما سمع بيتأخر؛ لأن عدم سماعه بيحثه على التبكير؟ لا أبداً لن يحثه على التبكير، من كتب الله عليه التأخير بيتأخر وما زال يتأخر حتى يؤخره الله، مثل هذا بيتأخر سمع أو ما سمع، لكن كونك تقيم بالمكبر ليسمع ويدرك بعض الصلاة أفضل من أن تترك الإقامة بالمكبر فإذا دخل فإذا بالصلاة قد انتهت، وفي قوله: ((إذا سمعتم الإقامة)) يدل على أن الإقامة تسمع. قال: "وفي الباب عن عائشة" وهو عند مسلم "وأبي هريرة" وهذا لم يقف عليه الشارح "وثوبان" عند الترمذي وأبي داود "وأبي أمامة" عند أحمد وابن ماجه. "قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح" وأخرجه مالك وأبو داود والنسائي بنحوه. هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ كزهير بن معاوية وابن عيينة وحفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم فلم يزيدوا بين عروة وعبد الله بن الأرقم أحد، يعني رواه عروة عن عبد الله بن الأرقم بدون واسطة، وروى وهيب وغيره كأنس بن عياض وشعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن الأرقم، فزاد هؤلاء بين عروة وعبد الله رجلاً، وفي رواية عبد الرزاق صرح عروة بسماعه من عبد الله بن الأرقم، فإما أن يقال: إن عروة يرويه على وجهين، مرة بدون واسطة، ومرة بواسطة، أو يقال: إن هذا من المزيد في متصل الأسانيد، وهو معروف بحث معروف عند أهل العلم.

باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ:

"وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول أحمد وإسحاق قالا: لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئاًَ من الغائط أو البول، وقالا: إن دخل في الصلاة فوجد شيئاً من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله" يعني ما لم يذهب الخشوع، ما لم يذهب عقل صلاته؛ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، فإن أذهب الخشوع، والخشوع عند الجمهور سنة صلاته صحيحة، وعند الظاهرية إذا صلى وهو يدافع أحد الأخبثين صلاته باطلة، وابن رجب والغزالي يوجبان الخشوع، فعلى هذا هو آثم، وإن كانت صلاته صحيحة لكنه آثم "وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يصلي وبه غائط أو بول ما لم يشغله عن ذلك" يعني إذا كان لا يشغله عن صلاته بأن كان خفيفاً ليس بشديد الوطأة عليه. سم. عفا الله عنك. باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ: حدثنا أبو رجاء قتيبة قال: حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لعبد الرحمن بن عوف قالت: قلت لأم سلمة: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يطهره ما بعده)). قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نتوضأ من الموطأ. قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم قالوا: إذا وطيء الرجل على المكان القذر أنه لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطباً فيغسل ما أصابه. قال أبو عيسى: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لهود بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة، وهو وهم، وليس لعبد الرحمن بن عوف ابن يقال له: هود؛ وإنما هو عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهذا الصحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ" مفعل فيما حققه الشيخ: أحمد شاكر نقلاً عن كتب اللغة، فهو مفعل موطأ وبعض النسخ مضبوطة، موطئ حتى في الأصول العتيقة المخطوطة، موطئ مفعل، والمراد به ما يوطأ في الطريق من الأذى، وأصله الموطوء قاله الخطابي.

إذا وطئ الإنسان الأذى برجله أو بثوبه أو بخفه الرجل ما ورد فيها نص فلا بد أن تغسل إذا كان نجساً، إذا كان نجساً رطباً، اليابس لا ينجس اليابس لكن إذا كان رطباً لا بد من غسلها، الذيل الثوب فيه حديث الباب، وفيه الكلام الذي يأتي، وإذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب، يعني يدلك هذين الخفين فيكفي الدلك ويصلي بهما، يصلي بخفيه؛ لأن هذا تطهيره؛ لأن التطهير الأصل فيه الماء، لكن ما ورد فيه نص يكتفى بالنص، منهم من يقول: الأذى ما هو دون النجاسة، يدلك وخلاص، وأما النجاسة فلا بد من غسلها، كما هو المستفيض في نصوص الطهارة، وعلى كل حال في حديث الباب شيء من التفصيل. قال: "حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد قال: حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عمارة" بن حزم المدني صدوق "عن محمد بن إبراهيم" بن الحارث التيمي، راوي حديث: الأعمال بالنيات، ثقة "عن أم ولد لعبد الرحمن بن عوف" وفي الموطأ وأبي داود: "لأم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف" ولا شك أن مال الولد مال لأبيه، فهي ملك لولد الولد لإبراهيم، وكونها تنسب لأبيه لأن الولد وما يملك لأبيه ((أنت ومالك لأبيك)) "قالت" أم الولد هذه واسمها: حميدة كما جاء في بعض الروايات، تابعية صغيرة مقبولة "قلت لأم سلمة: إن امرأة أطيل" من الإطالة "ذيلي" طرف الثوب الذي يلي الأرض، ومعلوم أن ثوب المرأة لا بد أن يكون طويلاً، واستأذن الناس في إطالة الثوب خشية أن تنكشف العورات، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ترخيه شبراً)) قالت: إذاً تنكشف أقدامنا، قال: ((ترخيه ذارعاً)) هذه عادة أهل التحري، أهل الالتزام، أهل الاستقامة، أهل التدين، بخلاف نساء اليوم التي وقعن في تبرج الجاهلة الأولى وضممنا إلى ذلك جاهلية القرن العشرين على ما قالوا.

يقول القرطبي في تفسيره عند قوله: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [(33) سورة الأحزاب] من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين، والآن اذهب إلى الأسواق شوف ويش اللي يعرض بالأسواق؟ كلها إلا من ندر مشقوقة من الجانبين، شق القميص من الجانبين، ثم انظر عاد إذا أرادت المرأة أن تركب في السيارة مع هذا الشق الله المستعان، ومع الأسف أنه يوجد من طالبات علم تنتسب إلى العلم الشرعي، وقد يكون زوجها طالب علم، وقد يكون والدها طالب علم ومع ذلك ((لتتبعن سنن من كان قبلكم)) والصحابية يقول الرسول: ((ترخيه شبراً)) قالت: لا تنكشف أقدامنا، قال: ((ذراع)) وعهدنا النساء إلى قريب من ثلاثين سنة والنساء على هذا، الثوب يسحب ذراع، والآن في أقدس البقاع تجد المرأة تلبس ثوباً رقيقاً كاسية عارية، يظهر ما تحتها أجمل مما لو كانت عارية، والملابس الداخلية كأنها في غرفة النوم ظاهرة، نسأل الله السلامة والعافية، والفتنة إنما تكون بالنساء، فتنة النساء شر من الفتن الأخرى، كثير من الناس يسمع شهوات وشبهات وكذا ويثبت أمام هذه الشهوات وهذه الشبهات، لكن أمام النساء لا يستطيع الثبات، فعلى الإنسان أن يتحمل الأمانة بحق التي حمله الله إياها، ويذكر في مناسبات وأعراس المسلمين شيء لا يطيق الإنسان التحدث به، بل لا يطيق سماعه فضلاً عن مشاهدته، والله المستعان، مع ما جاء أيضاً من الشرور المستطيرة من التصوير وغيره، وكم من عفيفة ابتليت في مثل هذه المناسبات، صورت وكانت مستترة إلا أنها صورت ودبلجت معها صورة عارية وضغط عليها، وضغط على وليها وحصل من ذلك كوارث نسأل الله السلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه ولمن تحت يده.

"قالت: قلت لأم سلمة: إني امرأة أطيل ذيلي" من الإطالة طرف الثوب الذي يلي الأرض "وأمشي في المكان القذر" والقذر أعم من النجس، قد يكون فيه رطوبة، وقد يكون فيه فضلات أطعمه وما أشبه ذلك، أو أشياء رطبة لكنها طاهرة، وقد يكون فيه نجاسة، وهو أعم من نجس "فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يطهره ما بعده)) " يعني من الأماكن الطاهرة، لكن المستقر من نصوص الشريعة أن النجاسة لا بد من غسلها، وأن الرطب إذا باشر شيئاً نجساً أو النجاسة رطبة فإنه لا بد من غسلها بالماء. "فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يطهره)) " يعني يطهر الذيل ما بعده من الأماكن الطاهرة، قال الخطابي: كان الشافعي يقول: إنما هو فيما جر على مكان يابس أو على ما كان يابساً لا يعلق بالثوب منه شيء، وأما ما جر على رطب فلا يطهره إلا الغسل، والحديث أخرجه الإمام مالك وأحمد والدارمي وأبو داود، وسكت عنه هو والمنذري، فهو حسن أو صالح على ما سيأتي في شرط أبي داود، وعلى كل حال إذا نظرنا في إسناده وجدنا أنه صالح، يعني ما فيه إلا هذه التابعية مقبولة لا بد من متابعتها، لا بد أن تتابع عليه. قال: "وفي الباب" يعني له شواهد الحديث "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود" عند أبي داود وسكت عنه هو والمنذري وابن ماجه، وصححه الحاكم، قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نتوضأ من الموطأ، قال الخطابي: إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء، لا نتوضأ من الموطأ، كلام صحيح ولو كان نجساً؛ لأن وطأ النجاسة لا تنقض الوضوء، لا تنقض الطهارة، هذا كلام ما في إشكال، قال الخطابي: إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لأنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها إلا من الأذى إذا أصابها، الكلام فيه شوي تقديم وتأخير، قال: إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء، لا يلزم الإعادة من وطأ النجاسة، إنما يجب غسل هذه النجاسة، إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا أصابها.

"قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم قالوا: إذا وطيء الرجل على المكان القذر أنه لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطباً فيغسل ما أصابه" كما تقدم نقله عن مذهب الشافعي، والبيهقي حمل الحديث على النجاسة اليابسة، وأنهم كانوا لا يغسلون الرجل من وطأ النجاسة اليابسة، وبوب عليه البيهقي في المعرفة باب: النجاسة اليابسة يطأها برجله أو يجر عليها ثوبه لا تؤثر، يعني لا تأثر فيه. "قال أبو عيسى: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لهود بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهو وهم" يعني غلط "وليس لعبد الرحمن بن عوف ابن يقال له: هود، وإنما هو عن أم ولد لإبراهيم" والذي في حديث الباب عن أم ولد لعبد الرحمن، وسبق توجيهه "عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم عن أم سلمة وهذا الصحيح" على كل حال إذا كانت النجاسة رطبة فالنصوص كلها تدل على أنها تغسل، وحديث الباب يمكنه على القذر دون النجاسة إلا أن قوله: ((يطهره)) التطهير إنما أن يكون عن حدث أو نجس، لكنه في لغة العرب معناه التنظيف، والتنظيف كما يكون من النجس يكون من الطاهر أيضاً إذا كان يقذر. الدلك بالنسبة للخف لا شك أنه جاء في الخبر ((فطهورهما التراب)) ويكفي فيه الدلك إذا كان لا يتشرب النجاسة، ولهذا يقول شيخ الإسلام: إن الشيء الصقيل الذي لا تشربه النجاسة يكفي مسحه كالسكين، يعني ما ذكر عنهم أنهم كانوا يغسلون السكاكين بعد الذبح، الدم المسفوح نجس لكن ما ذكر عنهم .. ، يمسحونه فقط، وما ذكر عنهم أنهم .. ، فلو وقعت هذه النجاسة على شيء صقيل، يقول: يكتفى بمسحه، إذا وقع على شيء يتضرر بالماء, وقعت نجاسة على كتاب إذا غسلته خلاص انتهى مثلاً، مثل هذا يكتفى بمسحه، إذا وقع على شيء ... ، شيخ الإسلام يتسمح في هذا كثيراً، لا سيما فيما يترتب عليه إتلاف، فإذا وقعت النجاسة على ملح مثلاً ما تصنع؟ تغسل المحل يذوب ينتهي، لكن لا ما نع أن يغسل غسل دون غسل، تخفف هذه النجاسة بقدر الإمكان، وكذلك لو وقع على شيء يتلفه الماء فإنه يتسمح فيه على رأي شيخ الإسلام -رحمه الله-. سم. عفا الله عنك.

باب: ما جاء في التيمم:

قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في التيمم: حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالتيمم للوجه والكفين. قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس. قال أبو عيسى: حديث عمار حديث حسن صحيح، وقد روي عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم علي وعمار وابن عباس وغير واحد من التابعين منهم الشعبي وعطاء ومكحول، قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول: أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم منهم: ابن عمر وجابر وإبراهيم والحسن، قالوا: التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وبه يقول: سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي، وقد روي هذا الوجه عن عمار في التيمم أنه قال: الوجه والكفين من غير وجه، وقد روي عن عمار أنه قال: تيممنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المناكب والآباط، فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التيمم للوجه والكفين، لما روي عنه حديث المناكب والآباط، قال: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار تيممنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المناكب والآباط ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوجه والكفين، والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- في التيمم لأنه قال: الوجه والكفين، ففي هذا دلالة أنه انتهى إلى ما علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- فعلمه إلى الوجه والكفين، قال: وسمعت أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي الفلاس، قال أبو زرعة: وروى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثاً.

حدثنا يحيى بن موسى حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سئل عن التيمم فقال: إن الله قال في كتابه حين ذكر الوضوء: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] وقال في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء]. فامسحوا؟ الطالب: أيديَكم. قال في التيمم؟ الطالب: امسحوا بوجوهكم وأيديَكم. اقرأ، اقرأ، قال: في التيمم. الطالب: وقال في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء]. لا. الطالب: وقال في التيمم: {فمسحوا بوجوهكم وأي .... }. أيديَكم أية الوضوء منصوبة، اغسلوا وجهكم وأيديَكم. الطالب: وأيديَكم نعم. وأية التيمم؟ الطالب: وأيديَكم. وأيديكم. الطالب: وقال في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء]، وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] فكانت السنة في القطع الكفين إنما هو الوجه والكفين يعني التيمم. الكفان، الكفان، إنما هو الوجه والكفان. عفا الله عنك. إنما هو الوجه والكفان يعني التيمم. قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب. هذا حديث حسن غريب صحيح، كل الأوصاف موجودة. طالب: هذا حديث حسن غريب صحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التيمم" التيمم في لغة العرب: القصد، يقول امرؤ القيس: تيممتها من أذرعات وأهلها ... . . . . . . . . . يعني قصدتها، وفي الشرع: قصد الصعيد الطيب لمسح الوجه والكفين عن الطهارتين الكبرى والصغرى.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس" الصيرفي البصري، من أئمة المسلمين وثقاتهم، قال: "حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد" هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة "عن قتادة" بن دعامة السدوسي كذلك "عن عذرة بن عبد الرحمن" الخزاعي ثقة أيضاً "عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى" الخزاعي مولاهم "عن أبيه عن عمار بن ياسر أن النبي -صلى الله عليه وسلم-" عن أبيه عبد الرحمن بن أبزى مولى خزاعة، ولي إمرة مكة، في عهد عمر في صحيح مسلم أن عمر قال لنافع بن الحارث: من استعملت على مكة؟ فقال: عبد الرحمن بن أبزى، قال: استعملت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض، نقله هذه موجود في صحيح مسلم، وموجود في غيره من الكتب، لكن هو مقدمة لحديث: ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)) يعني مولى يولى على مكة؟! من الموالي يولى على مكة؟! نعم يولى، وليست هذه الولاية العامة التي تشترط لها أن تكون من قريش فهذه ولاية خاصة ليست عامة. "عن عمار بن ياسر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالتيمم للوجه والكفين" وفي رواية البخاري ومسلم: " ((إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح بالشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه". قال: "وفي الباب عن عائشة" عند البزار "وابن عباس" عند الحاكم والبيهقي.

"قال أبو عيسى: وحديث عمار حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه فهو صالح، وهو أيضاً مخرج في الصحيحين، لكن بغير هذا اللفظ "وقد روي عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني كون التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وكون اليد إنما يراد بها الكف إلى الرسغ إلى المفصل لا إلى المرفق ولا إلى المنكب "قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم علي وعمار وابن عباس وغير واحد" يعني قول غير واحد "من التابعين منهم الشعبي وعطاء ومكحول قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول أحمد وإسحاق" ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء، وهو قول عامة أهل الحديث، وقال ابن قدامة: المسنون ضربة واحدة، فإن تيمم بضربتين جاز، لكن المسألة مسألة إتباع، والإتباع إنما يحصل بضربة واحدة "وقال بعض أهل العلم: منهم ابن عمر وجابر وإبراهيم النخعي والحسن البصري قالوا: التيمم ضربة واحدة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" جاء ما يدل على ذلك، وفيه أيضاً الإلحاق، إلحاق التيمم بالوضوء {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] وهذا لا شك أن آية الوضوء مقيدة وآية التيمم مطلقة، آية التيمم مطلقة، ليس فيها قيد، وآية الوضوء مقيدة، والجادة أن يحمل المطلق على المقيد لكن متى؟ إذا اتفقا في الحكم أما إذا اختلف في الحكم فلا يحمل المطلق على المقيد ولو اتحد السبب، وهنا بين آية الوضوء وآية التيمم اتحاد في السبب، السبب الحدث، والحكم هذا غسل وهذا مسح، هذا بالماء وهذا بالتراب، فالحكم مختلف فلا يحمل المطلق على المقيد، هذا من حيث التقعيد، ومن حيث الأثر جاء ما يدل على مسح الكفين فقط.

أيضاً آية التيمم مطلقة وآية السرقة مطلقة {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] وآية التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء] مطلقة، وآية الوضوء مقيدة بالمرافق، وعرفنا أن آية التيمم لا تحمل عليها للاختلاف في الحكم، يعني عند أهل العلم المطلق مع المقيد له أربع صور: إما أن يتفقا في الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، أو يختلفا في الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، يعني كآية السرقة مع آية الوضوء، لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، يعني ما تقطع في السرقة إلى المرفق لأن آية الوضوء قيدت لا، اختلف الحكم والسبب فيحمل اتفاقاً. يختلفان في الحكم دون السبب كآية الوضوء وآية التيمم، والجمهور على أنه لا يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، وعكسها إذا اتفقا في الحكم واختلفا في السبب، فإنه يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، كما في إطلاق الرقبة في كفارة الظهار، وتقييد الرقبة في كفارة القتل، السبب مختلف هذا قتل وهذا ظهار، لكن الحكم واحد وجوب الإعتاق فيحمل المطلق على المقيد عند الجمهور خلاف للحنفية.

قال –رحمه الله-: "وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي" وأبو حنيفة وأصحابه، مالك والشافعي وأبو حنيفة يقولون: إلى المرفقين، استدلوا بحديث ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين)) رواه الدارقطني، قال ابن حجر: وصحح الأئمة وفقه، فلا يتم الاحتجاج به، وقد روي هذا الحديث عن عمار في التيمم أنه قال: للوجه والكفين من غير وجه، يعني من غير طريق يروى يعني من طرق كثيرة يروى عن عمار، قال: "وقد روي عن عمار أنه قال: تيممنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المناكب والآباط" لأن اليد تطلق ويراد به الكف، تطلق ويراد بها إلى المرفق، تطلق ويراد بها إلى المنكب، يعني نهايتها إلى المنكب والإبط، فلما جاء الأمر بمسح اليد فهم أنها إلى الآباط، ومن قال: بالتيمم إلى المرفقين قال: مثل الوضوء تمسح إلى المرفقين "فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في التيمم من الوجه إلى الكفين لما روي عنه حديث المناكب والآباط" فظن أنه معارضاً له ومخالف وليس الأمر كذلك كما "قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي" المعروف بابن راهويه "حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار: تيممنا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المناكب والآباط ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عمار لم يذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا" يعني لو لم يوجد له معارض قلنا: حجة، لماذا؟ لأنه في وقت التنزيل وعهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتيممنا إيش؟ تيممنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المناكب والآباط، يعني لو لم يعارض بما هو أقوى منه لقلنا به، لكن هو معارض بما هو أقوى منه وأصح، قال: ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، عمار في أول الأمر لما أصابته الجنابة تمعك تمرغ كتمرغ الدابة، فعل هذا في أول الأمر ثم أرشده النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يبعد أن يتيمم إلى المناكب والآباط "فلما سأل النبي -صلى الله عليه

وسلم- أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوجه والكفين، والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- في التيمم أنه قال: الوجه والكفين" فدل على أن هذه متأخر عن صنيعه الأول "ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعلمه إلى الوجه والكفين" فعلى هذا كان أخر الأمرين من فعلهم هذا آخر الأمر من فعلهم الوجه والكفين، والأول فهموه من إطلاق الآية، والثاني ما انتهوا إليه بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو الثابت الناسخ. قال: "وسمعت أبا زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أرَ بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني" وهو إمام معروف "وابن الشاذكوني" وهذا حافظ من الحفاظ، لكنه ليس بثقة، هو حافظ عنده الضبط قوي، لكن العدالة عليه ما يؤخذ "وعمرو بن علي الفلاس" الذي جاء ذكره في سند الحديث، قال: حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس، إمام من أئمة المسلمين من أئمة الجرح والتعديل "قال أبو زرعة: وروى عفان عن عمرو بن علي حديثاً". "حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سئل عن التيمم" هذا استنباط من ابن عباس إلا إنه أسنده وأحاله إلى السنة "عن ابن عباس أنه سئل عن التيمم "فقال: إن الله تعالى قال في كتابه حين ذكر الوضوء {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] وقال في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء] وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] فكان السنة في القطع الكفين إنما هو الوجه والكفان يعني التيمم" قول الصحابي: من السنة أو السنة حكمه الرفع، وفي هذا عدم حمل المطلق على المقيد كما ذكرنا للاختلاف في الحكم وإن اتحد السبب.

باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا:

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح" جمع له الحسن والغرابة والصحة، وكثير ما يقول: حسن صحيح ولا تنافي وإن كان الكلام كثير في قول الترمذي حسن صحيح بلغت الأقوال إلى بضعة عشر قولاً في المسألة "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح" الإشكال في الجمع بين الغرابة وبين الحسن؛ لأنه يشترط في الحسن أن يروى من غير وجه، والغريب إنما يأتي من وجه أخر، ولا يمنع أن تكون الغرابة غرابة نسبية، بالنسبة لهذا الراوي وأن روي من غيره، إلى أخر ما قيل في هذه المسألة. سم. عفا الله عنك. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً: حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج قال: حدثنا حفص بن غياث وعقبة بن خالد قالا: حدثنا الأعمش وابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً. قال أبو عيسى: حديث علي هذا حديث حسن صحيح، وبه قال غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين قالوا: يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء، ولا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً"

على كل حال سواء كان متوضأ متطهراً من الحدث الأصغر أو لا، وعلى كل حال من أحواله قياماً وقعوداً وعلى جنبه، وفي سائر أحواله يذكر الله -جل وعلا-، وهذه صفة أولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، والذكر من أفضل الأعمال مع أنه لا يكلف شيئاً، وأعظم الأذكار وأفضلها كلام الله تعالى فليحرص المسلم لا سيما طالب العلم على الإكثار من الذكر، ويكثر من التلاوة على الوجه المأمور به لينال بذلك الأجر العظيم من الله -جل وعلا- فالإكثار من الأذكار من الباقيات الصالحات هي غراس للجنة، كما قال إبراهيم -عليه السلام- للنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اقرأ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)) وجاء في فضل الذكر نصوص كثيرة جداً، يعني وفوائد الذكر لا تحصى، ذكر منها ابن القيم ما يقرب من مائة فائدة في أول كتابه الوابل الصيب. يقول: "باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً" لم يستثنَ إلا حال الجنابة، وفي حكمها الحيض على ما تقدم، قال: "حدثنا أبو سيعد عبد الله بن سعيد الأشج" الكوفي ثقة، قال: "حدثنا حفص بن غياث وعقبة بن خالد" السكوني ثقة أيضاً، "قالا: حدثنا الأعمش" سليمان بن مهران ثقة أيضاً "حدثنا الأعمش وابن أبي ليلي" محمد بن عبد الرحمن الفقيه إلا أنه رمي بسوء الحفظ "عن عمرو بن مرة" ثقة الجملي، الكوفي "عن عبد الله بن سلمة عن علي قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرئنا القرآن" يعلمنا القرآن ويقرئنا إياه "على كل حال" متوضئ أو غير متوضئ "ما لم يكن جنباً" وتقدم أنه في رواية: "نكن جنباً" وعلى كل حال سواء كانت منه أو منهم الجنابة مانعة من قراءة القرآن، وهو مخصص لحديث عائشة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه" فهو عام وهذا خاص بالجنابة بالنسبة للقرآن. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وسنده جيد ما فيه إلا عبد الله بن سلمة المراد تغير لكنه توبع وإلا ابن أبي ليلى أيضاً سيئ الحفظ لكنه مقرون مع الأعمش ليس المعول عليه.

قال: "وبه قال غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين قالوا: يقرأ القرآن على غير وضوء" يقرأ إذا كان حافظاً يقرأ على غير وضوء، على غير طهارة "لكنه لا يقرأ من المصحف إلا وهو طاهر" يجوز له أن يقرأ من غير أن يمس المصحف، لكنه لا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر أي متوضئ "وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وإسحاق" وأبو حنيفة ومالك، الأئمة كلهم أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، وقال في الموطأ: ولا يحمل أحد المصحف بعلاقته ولا وسادة إلا وهو طاهر، يعني ما يشيل المصحف ولا من وراء الجلد ولا في الكيس، هذا على رأي الإمام مالك، ومنهم من يقول: إن المقصود أنه لا يمس القرآن، لا يمس الأوراق التي فيها القرآن، فعلى هذا لو كان المصحف مطبوع مع تفسير ابن كثير، يعني القرآن في الصفحة يعادل العشر أو أقل أو على تفسير بن سعدي مثلاً والقرآن يعادل الربع مثلاً، أو على تفسير الجلالين والقرآن يعادل أقل من النصف قليلاً، يُقرأ في هذه التفاسير أو لا يقرأ؟ يعني إذا حملت الكتاب تقول: معي تفسير الجلالين وإلا معي مصحف؟ تفسير الجلالين، فعلى هذا تقرأ من التفاسير من غير طهارة، ولا تمس المصحف، يعني لا تمس كلام الله المتتابع المبروز، المقصود أن لا تضع يدك على الحروف، وأما بالنسبة لحجمه ما يضر -إن شاء الله-، استدل هؤلاء الأئمة بحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن البني -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن وفيه: ((ألا يمس القرآن إلا طاهر)) وهو مرسل لكنه متلقى بالقبول عند أهل العلم، عملوا به وهو حديث مشهور عند أهل العلم مشتهر يستغني بشهرته عن إسناده قاله ابن عبد البر، استدلوا أيضاً بقوله تعالى: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة] والضمير لا يمسه إلى القرآن أو إلى اللوح المحفوظ، فإن كان يعود إلى القرآن فهذا ما فيه إشكال يعني في دلالته على المراد، وإن كان عود الضمير إلى اللوح المحفظ فهذا أيضاً يدل على أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: إذا منع الملائكة من مس اللوح المحفوظ وهم مطهرون، إذا منع الملائكة من مس اللوح المحفوظ وهم مطهرون لا يمسه إلا

باب: ما جاء في البول يصيب الأرض:

المطرون يعني لا يمسه غيرهم ممن لم يتصف، فلا يمسه غيرهم من غير المتطهرين فلئن يمنع مس المصحف من قبل غير المتطهر من باب أولى، وهذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، فالمرجح أن المصحف لا يمسه ألا متوضئ، وأما القراءة فيقرأ عن ظهر قلب ولو لم يكن متوضئ شريطة ألا يكون جنباً ولا حائضاً. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في البول يصيب الأرض: حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: دخل أعرابي المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالس فصلى فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فالتفت إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لقد تحجرت واسعاً)) فلم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع إليه الناس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أهريقوا عليه سجلاً من ماء أو دلوا من ماء)) ثم قال: ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)). قال سعيد: قال سفيان: وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك نحو هذا، قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وواثلة بن الأسقع. قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، وقد روى يونس هذا الحديث عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة آخر كتاب الوضوء. يقول -رحمه الله تعالى-: في أخر باب من أبواب الوضوء من أبواب الطهارة، يقول -رحمه الله-: "باب: ما جاء في البول يصيب الأرض" معروف أن النجاسة إذا أصابت ما تصيب فإنه يجب غسلها، والنجاسات متفاوتة، منها النجاسة المغلظة التي تغسل سبعاً كما في ولوغ الكلب، ومنها ما يغسل مرة، ومنها ما ينضح، ومنها ما يغسل ثلاثاً، ومنها ما يدلك بالتراب على ما تقدم، فماذا عن البول يصيب الأرض؟ إذا وقع على الأرض بول إذا بال أحد على الأرض ففي حديث الباب ما يدل على أن هذا البول يكاثر بالماء.

قال -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: دخل أعرابي المسجد" الأعرابي واحد الأعراب، والنسبة إلى الجمع كما يقول أهل العلم شاذة، فيجب أن يرد الجمع إلى مفرده، ثم ينسب إليه، لكنه هنا المراد بالأعرابي ساكن البادية، الأعراب جمع والأعرابي الواحد منهم، وليست نسبة إلى الأعراب إنما هو واحد منهم، دخل أعرابي المسجد وقد اختلف في اسمه فقيل: الأقرع بن حابس، وقيل: عيينة بن حصن، وقيل: ذو الخويصرة التميمي أو اليماني "والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالساً" الواو واو الحال "فصلى" هذا الأعرابي كما هي السنة لمن دخل المسجد في غير وقت النهي لا سيما المغلظ "فصلى فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً" أعرابي وهو يظن أن ما عند الله -جل وعلا- مثل ما عند المخلوق إذا كثر الطالبون قل النصيب، لا؛ لأنه يظن لو رحم الخلق كلهم ضاقت به الجنة، لا، إذا كان أخر من يدخل الجنة يخرج من النار ويدخل الجنة أخرهم يقول له: تمن فتضيق به الأماني فيقال له: أتحب أن يكون لك مثل ملك أعظم ملك في الدنيا؟ فيقول: نعم يفرح بهذا، فيقال: لك مثله ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله، هذا ظن أن الجنة ما تأخذ إلا اثنين "ارحمني ومحمداً" يعني لو جاءهم ثالث ضاقت، لو جاءهم رابع ضاقت من جهله "فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لقد تحجرت واسعاً)) فلم يلبث -هذا الرجل الأعرابي- أن بال في المسجد، فأسرعوا إليه" أسرع إليه الصحابة؛ لأن هذا منكر، المساجد ما بنيت لهذا؛ إنما بنيت لذكر الله والصلاة، فالبول ينافي مقتضى ما بنيت له المساجد التي أمر ببنائها وتنظيفها وتطيبها، زجروه بناءاً على هذا الأصل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تزرموه)) لماذا؟ هل لأن المسجد محل لهذا الأمر؟ لا، وإنما لأنه إذا زجر واضطر إلى أن يقوم قبل تمام بوله انتشرت النجاسة، بدلاً من أن تكون في مكان واحد يمكن غسلها والسيطرة عليها تنتشر في أماكن، ويلوث بدنه ويلوث ثيابه، فقال: ((لا تزرموه)) "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أهريقوا عليه سجلاً من ماء))

صبوا، أهريقوا يعني من أراق الماء يعني صبه، أراق وهراق تبدل الهمزة بالهاء، ويجمع بين البدل والمبدل هنا أهريقوا عليه سجلاً هو الدلو الملآن ماء، من ماء ((أو دلو من ماء)) يعني شك، دلو من ماء "ثم قال: ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) بعثتم ميسرين يعني مسهلين، ولم تبعثوا معسرين يعني مشددين على الناس، وهذا فيما تحتمله النصوص، فما فيه يسر في الشريعة لا يجوز التشديد فيه، كما أن ما فيه تشديد لا يجوز التسهيل فيه، فالأمة أمة إتباع، أمة نص، جاء النص بالتحريم لا بد أن يشدد فيه ويمنع منه، لكن فيما يحتمله النص يحتمل التشديد والتيسير يميل الإنسان إلى التيسير فيما جاء ت النصوص بتسهيله يسهل على الناس، والدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، لكن ليس معنى هذا أنها تضيع أوامر الله وحدود الله بناء على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما خير بين أمرين إلا أختار أيسرهما، المكلف ليس له خيار، ليست له خيرة، إذا قضى الله ورسوله أمراً ليست له خيرة، عليه أن يأتمر وعليه أن ينتهي {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة] {فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [(229) سورة البقرة] المقصود أن هذه الحدود لا بد من الوقوف عندها؛ لأن مسألة التيسير والتعسير هذه أمور تطلق بكثرة في زماننا هذا، واتخذت مطية إلى شيء من الإباحية، يعني تحليل حرام أو ترك واجب، هذا لا شك أنه تضليل للناس، فالدين دين تكاليف حلال وحرام، نعم الحلال لا يجوز تحريمه بعثتم ميسرين، كما أن الحرام لا يجوز تحليله، وهذا الحديث مخرج عند الجماعة إلا مسلم "قال سعيد: قال سفيان: وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك نحو هذا" وهو حديث في الصحيحين. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود" عند أبي يعلى "وابن عباس" أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني "وواثلة بن الأسقع" واثلة بن الأسقع أخر الصحابة موتاً، واثلة بن الأسقع. طالب:. . . . . . . . . هذاك أبو واثلة عامر بن الطفيل، لا هذا غيره، واثلة بن الأسقع هذا حديثه عند ابن ماجه والإمام أحمد في المسند.

"قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا مسلماً كما تقدم "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق" فلا يكون التطهير إلا بالماء، أهريقوا عليه سجلاً من ماء، فلا يكون هذا التطهير إلا بالماء، يعني لا تطهر الأرض بالجفاف، بالريح، بالشمس، خلافاً لأبي حنيفة، واستدلالهم بحديث: ((زكاة الأرض يبسها)) حديث لا أصل له، حديث ضعيف لا أصل له، كما قرر ذلك ابن حجر في التلخيص، فلا بد من غسلها على ما جاء في الحديث، وليس الغسل مثل غسل الثوب، وغسل المتاع أو غسل الإناء إنما يكتفى بصب الماء عليها. وفي الحديث دليل على تطهير الأرض النجسة بالمكاثرة بالماء، ولا يشترط نقل التراب والحديث بذلك ضعيف، لو ثبت لكتفي به عن صب الماء، يعني الحنفية يقولون: إن كانت الأرض رخوة بحيث أنه ينزل الماء إلى أسفلها يكفي، وإن كنت صلبة لا بد من حفرها ونقل التراب، إذا نقلنا التراب ما نحتاج إلى ماء، والحديث نص معين للماء، لا بنقل التراب ولا بالجفاف ولا بغيره من المطهرات، لا بالشمس ولا بالريح ولا بغيره، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتاب الصلاة

جامع الترمذي - كتاب الصلاة (1) شرح: باب: ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم أبواب: الصلاة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: باب: ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف قال: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: أخبرني ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليّ جبريل فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين)). وفي الباب عن أبي هريرة وبريدة وأبي موسى وأبي مسعود وأبي سعيد وجابر وعمرو بن حزم والبراء وأنس -رضي الله عنهم-. حدثنا أحمد بن محمد بن موسى قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حسين بن علي بن حسين قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمني جبريل)) فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه، ولم يذكر فيه لوقت العصر بالأمس. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وحديث ابن عباس حديث حسن.

وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم أبواب: الصلاة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: البسملة مع الترجمة لا توجد في بعض النسخ وتوجد في بعض، وتقدم البسملة في بعض النسخ، وتؤخر عن الترجمة في بعضها، الترجمة مع البسملة لا توجد في بعض النسخ، إنما يبدأ مباشرة بقوله: باب ما جاء في مواقيت الصلاة، والمؤلف بنى كتابه على أبواب، الكتاب بالنسبة لغيره يسميه أبواب؛ لأنه يشتمل على أبواب،

والجادة عند أهل العلم في تآليفهم سواءً كانت في الحديث أو في الفقه يذكرون كتاب، كتاب الصلاة ثم يدرجون تحت هذه الترجمة الكبرى أبواب، لكن الترمذي جرى على هذا يقول: أبواب الصلاة، أبواب الصلاة، مع أنه هنا ذكر أول ما بدأ في أبواب الصلاة مواقيت الصلاة، مع أن المواقيت من شروطها كالطهارة التي أفردها سابقاً، فلماذا أفرد الطهارة وأدرج المواقيت في أبواب الصلاة؟ أولاً: الطهارة جرى جمهور المؤلفين على إفرادها عن كتاب الصلاة وإن كانت شرطاً لها، وأما بقية الشروط التسعة فهم يذكرونها تحت ترجمة كتاب الصلاة، الطهارة فعل له نوع استقلال، وجاءت الأحاديث بترتيب الأجور على الطهارة، ولها فروع استحقت بها أن تدرج، وأما المواقيت فإنها لا تطلب إلا للصلاة، والطهارة تطلب للصلاة ولغيرها، الطهارة تطلب لقراءة القرآن، تطلب للطواف، ليست خاصة بالصلاة، ولذا أفردت، وجمهور المؤلفين كما ذكرنا في أول أو في أوائل الدروس يبدءون بالطهارة؛ لأهميتها، ولما ذكرنا أنها تطلب للصلاة ولغيرها، وبدأ الإمام مالك بوقوت الصلاة قبل الطهارة؛ لأن الوقوت عنده أهم من الطهارة، وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا استيقظ من نومه متأخراً هل يشتغل بالطهارة ولو خرج الوقت أو يقدم الوقت ويفعل ما يستطيعه من الطهارة؟ لا سيما إذا كان عليه غسل، إن كان الوقت متأخراً يخرج الوقت قبل أن يتمكن من الطهارة، ثم يؤدي الصلاة ويقضي الصلاة بعد خروج وقتها، من يقول بتقديم الطهارة وأن الطهارة أهم من الوقوت يقول: يشتغل بها ولو خرج الوقت، وهذا قول عامة أهل العلم ويستروح من تقديم الإمام مالك لوقوت الصلاة أنه يميل إلى الثاني، وكأنه رأي شيخ الإسلام أيضاً، أن الوقوت أهم من الطهارة جرياً على قاعدة الإمام مالك. تقديم البسملة على أبواب الصلاة أو تأخيرها هذا جاء نظيره في صحيح البخاري، فأحياناً تقدم البسملة، وأحياناً تقدم الترجمة، فإذا قدمت البسملة فهو الأصل، يبدأ بذكر الله، في هذا الأمر المهم ذي بال، وإن قدمت الترجمة كان في القرآن أسوة، فاسم السورة مقدم على البسملة في القرآن في الكتابة، وسواءً كان هذا أو ذاك فالأمر سهل، ويتم به المقصود.

أبواب: الصلاة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبواب الصلاة التي تروى أو يروى فيها الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. باب: ما جاء في مواقيت الصلاة: مواقيت: جمع ميقات، مفعال، وهو القدر المحدد من الزمان أو المكان، هناك مواقيت زمانية للصلاة، وللحج والصيام، وهناك مواقيت مكانية للحج، والمراد به هنا الوقت الذي تؤدى فيه الصلوات الخمس. "عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" مثل ما قلنا: يعني المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال -رحمه الله- في الحديث الأول من أحاديث المواقيت: "حدثنا هناد بن السري" تقدم أنه ثقة "قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد" وفيه كلام لأهل العلم "عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة" المخزومي، يقول ابن حجر: صدوق له أوهام "عن حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف" الأنصاري، صدوق أيضاً فيما قاله ابن حجر، وذكره ابن حبان في الثقات، "قال: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم" النوفلي، ثقة فاضل من الثانية "قال: أخبرني ابن عباس" حبر الأمة وترجمان القرآن، عبد الله بن عباس ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمني جبريل)) " أمني يعني: صلى بي إماماً في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، أمني، واضح من اللفظ أن جبرائيل -عليه السلام- إمام، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مأموم، يبحث في مثل هذا إمامة المتنفل بالمفترض؛ لأن الصلاة ليست واجبة على جبريل؛ لأن التكليف خاص بالإنس والجن، فيستدل بهذا من يقول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل، لكن في الاستدلال بُعد، لماذا؟ لأنه وإن كانت الصلاة ليست واجبة عليه بالتكليف إنما كلف بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام-، كلف بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام- كيفية الصلاة أو كيفية أوقات هذه الصلوات، فهو مكلف من هذه الحيثية بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام-.

((أمني جبريل)) وهذا في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، ((فصلى الظهر)) يعني بدأ بصلاة الظهر، وماذا عن صلاة الصبح؟ يعني ما صليت في وقتها في اليوم الأول؟ الصلاة فرضت ليلة الإسراء، وجبريل أم النبي -عليه الصلاة والسلام- من الغد بدءاً من صلاة الظهر، ولذا تسمى صلاة الظهر الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فماذا عن صلاة الصبح؟ يعني تركت صلاة الصبح أو قضيت من الغد؟ فرضت الصلاة ليلة الإسراء إجمالاً، وأول ما فرضت ركعتين ركعتين، ثم لما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- أتمت صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر على الفرض الأول، صلى جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة الأولى التي هي الظهر، فماذا عن صلاة الصبح وقد فرضت الصلاة قبلها؟ يعني هل تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- أو صلاها من غير اقتداء بجبريل؟ أو نقول: إن المجمل لا يلزم العمل به إلا بعد البيان، فرضت الصلاة ليلة الإسراء، لكن على أي وجه فرضت؟ وفي أي وقت تفعل؟ الله أعلم، ما جاء البيان إلا في وقت صلاة الظهر، والمجمل لا يلزم العمل به إلا بعد البيان، لو قال رجل لولده: اذهب يا بني، اذهب، طيب إلى أين يذهب؟ ولماذا يذهب؟ ما في بيان، اذهب إلى إيش؟ لا بد من البيان، فإذا استفصل من والده ما يقال: إنه لم يطع أمره، وهنا صلاة الصبح وقعت قبل البيان، فلا يقال: إنها تركت بعد فرض الصلاة، ولا يقال: أنها قضيت من الغد؛ لأن البيان إنما حصل من الغد.

يقول: ((أمني جبريل -عليه السلام- عند البيت)) يعني عند بيت الله الكعبة، بمكة ((مرتين)) في يومين، ليعرفني الأوقات، مرتين في يومين يعني كل صلاة مرتين، في يومين ليعلمه الأوقات ((فصلى الظهر)) أول ما صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الظهر، ولذلك تسمى في النصوص الأولى، والثانية العصر، والثالثة المغرب، والرابعة العشاء، والخامسة الفجر، طيب على هذا العدد تكون الصلاة الوسطى المغرب، وقيل بهذا، لكن أرجح ما يقال في الصلاة الوسطى أنها العصر، فإذا كانت الظهر هي الأولى فالعصر الثانية والصلوات خمس، ومعلوم أن الأوسط بالنسبة للخمسة هو الثالث لا الثاني، نقول: وإن سميت الظهر الأولى والعصر الثانية باعتبار إمامة جبريل -عليه السلام- إلا أنها بالنسبة لليوم الشرعي الذي يبدأ بطلوع الصبح تكون العصر هي الثالثة، الأولى هي الفجر بالنسبة لليوم الشرعي، وإن كان اليوم الشامل لليوم والليلة يبدأ من غروب الشمس، فالأولية تطلق باعتبارات، باعتبارات متعددة، وعلى كل حال النصوص الصحيحة تدل على أن الوسطى هي العصر. ((فصلى الظهر في الأولى)) يعني في المرة الأولى، في اليوم الأول، ((منهما)) يعني من المرتين ((حين كان الفيء)) وهو ظل الشمس بعد الزوال، الفيء: ظل الشمس بعد الزوال، ((مثل الشراك)) مثل الشراك: يعني قدر الشراك، والمراد به السير الذي يكون على ظهر القدم من النعل ((مثل الشراك)) والفيء فيء الزوال المعتبر لخروج وقت النهي ودخول وقت صلاة الظهر يختلف باختلاف الأزمان والأماكن، فيكون في مكة قدر الشراك؛ لأنها وقت حينما يقوم قائم الظهيرة الجدران لا ظل لها البتة، والكعبة ليس لها ظل، فإذا مالت الشمس قليلاً تبين الظل من جهة المشرق يسير، بينما في البلدان الأخرى التي تكون عنها من جهة الشمال أو الجنوب، وكل ما بعد الموقع عن مكة زاد فيء الزوال، والزمان أيضاً الزوال يختلف مقداره في الصيف عن مقداره في الشتاء، لماذا؟ لأن الشمس في الصيف تخرج من جهة جنوب المشرق، وتغرب من جهة شمال المغرب، وأما بالنسبة للشتاء فتأتي عمودية من المشرق إلى المغرب؛ لأن النهار أقصر، فلا تحتاج إلى وقت تسير فيه مثل الوقت الذي تسير فيه في الصيف.

((حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر)) في اليوم الأول في المرة الأولى، حين كان ظل كل شيء، أو ((حين كان كل شيء مثل ظله)) مع احتساب ظل فيء الزوال، يضاف إليه فيء الزوال ((ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس)) يعني سقط القرص، واختفت عن الأنظار، واختفى حاجبها الأعلى ((ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم)) يعني دخل وقت الإفطار، ولا يعني أنه تناول المفطر، ما يلزم؛ لأنه إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم يعني ولو لم يأكل، أفطر حكماً ((ثم صلى العشاء حين غاب الشفق)) والمراد به الأحمر، عند مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة، ويرى الإمام أبو حنيفة أن المراد بالشفق هو الأبيض الذي يعقب الحمرة، هذا هو المعروف عند الحنفية، لكن ذكر كثير من الحنفية أن الإمام رجع عن قوله إلى قول الجمهور. ((حين غاب الشفق الأحمر، ثم صلى الفجر حين برق الفجر)) حين برق الفجر: طلع الفجر وسطع، والمراد به الفجر الصادق الذي ينتشر في الأفق يميناً وشمالاً عرضاً، وليس المراد به الفجر الكاذب الذي يبدو مستطيلاً في السماء هذا يسمى فجر؛ لأن النور انفجر فيه، والثاني الصادق يسمى فجر؛ لأن النور برق ولمع فيه وانفجر، لكن الأول لا يترتب عليه أحكام، لا تحل به الصلاة، ولا يحرم به الطعام بخلاف الثاني. ((حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم)) هذا بالنسبة لليوم الأول، صلى الصلوات في أوائل الأوقات، فصلى الظهر حين زالت الشمس، زالت الشمس إلى جهة المغرب، يعني مالت إلى جهة المغرب، وهو الدلوك {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] هو الدلوك الذي هو الزوال، ويقول أهل اللغة: سمي وقت الزوال دلوكاً لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيضطر إلى دلكها. هذا بالنسبة لليوم الأول، بعد الزوال مباشرة صلاها، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب لما غابت الشمس ووجبت وسقطت، واختفت عن الأنظار، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق الأحمر، وصلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، هذه هي المواقيت، في أوائلها كما صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول.

وهناك كلام كثير يثار حول دخول الأوقات ونهايتها، ومطابقة التقويم للواقع وعدم المطابقة، وما زالت الفتوى على التقويم، واختبر من جهة جهات متعددة فوجد الخلاف بين من يقول: إن التقويم متقدم وبين من يقول: إنه مطابق في غالبه يرجع إلى مفهوم الفجر في اللغة، فمن قال: إن المراد به الخيط الذي لا يدركه كثير من الناس قال: إن التقويم مطابق، الخيط الرقيق الذي لا يدركه كثير من الناس، الذي يحرم به الطعام هذا يخفى على كثير من الناس، وأما انفجار الصبح وظهوره للعيان ولجميع الناس لا شك أن هذا يتأخر، ولعله هو معول من يقول: إن التقويم متقدم، وعلى كل حال المسألة ما زالت يعني الكلام فيها كثير، وهناك لجان متعددة كثير منها يؤيد ما جاء في التقويم، وأنه اختبر في أقصى الجنوب من المملكة وفي أقصى الشمال فما وجد فرق بين حقيقة الحال وبين التقويم، وهناك من خرج من طلاب العلم المتبرعين ورأوا أنهم اختبروا في أوقات متعددة وأماكن متعددة فأثبتوا فرقاً، وعلى كل حال ما زالت الفتوى على التقويم، وعموم الناس تبرأ ذمتهم باعتماد المؤذنين الذين يؤذنون على التقويم.

قال: ((وصلى المرة الثانية)) يعني في اليوم الثاني ((الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس)) لوقت العصر بالأمس، مفهومه أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت نفسه الذي صلى به العصر بالأمس، وهذا دليل لمالك في اشتراك الصلاتين في وقت واحد، بمعنى أنه يكون في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر قدر مشترك يسع أربع ركعات تؤدى فيه صلاة الظهر وتؤدى فيه صلاة العصر، واضح من الحديث ((لوقت العصر بالأمس)) وفي حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: ((ووقت الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله ما لم يحضر وقت العصر)) وهذا نص صحيح وصريح في عدم الاشتراك، وأجاب الجمهور عن حديث الباب بأن المراد أنه فرغ من صلاة الظهر عند مصير ظل كل شيء مثله، وشرع في صلاة العصر عند مصير ظل كل شيء مثله فلا اشتراك، يعني يكون فراغه من صلاة الظهر يتلوه مباشرة شروعه في وقت صلاة العصر فلا اشتراك، وأما كونه لوقت العصر بالأمس فلأنه وقت واحد، عند مصير ظل كل شيء مثله، اتصلت الصلاتان، لكنه فرغ من الظهر وشرع في العصر، فلا فاصل بينهما ولا اشتراك، ما في فاصل مثل ما بين صلاة الصبح وصلاة الظهر هذا فيه فاصل، وما بين صلاة العشاء على القول بأن وقت العشاء ينتهي في الثلث أو في منتصف الليل وبين صلاة الصبح، فلا فاصل بينهما، كما أنه لا فاصل بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، ينتهي وقت هذه مباشرة يدخل وقت الثانية، في حديث عبد الله بن عمرو: ((ما لم يحضر وقت العصر)) فدل على أنه لا اشتراك.

((ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه)) يعني صلى العصر في الوقت الأول في اليوم الأول في المرة الأولى حينما صار ظل كل شيء مثله، وفي اليوم الثاني صار ظل كل شيء مثليه ((ثم صلى المغرب لوقته الأول)) حينما وجبت الشمس، وبهذا يستدل الإمام الشافعي على أن المغرب ليس لها إلا وقت واحد، ليس لها إلا وقت واحد، يعني بمجرد ما تغيب الشمس ويتوضأ ويستتر، يعني يتأهب للصلاة، ثم يؤديها مباشرة، فإذا أخر صلاة المغرب أكثر من ذلك أثم وخرج وقتها؛ لأنه ليس لها إلا وقت واحد، ولذلك قال: ثم صلى المغرب لوقته الأول، ما في وقتين مثل الظهر والعصر والعشاء والفجر، ما في وقتين، وقت واحد، والجمهور على أن صلاة المغرب كغيرها من الصلوات، لها وقتان من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، بما يقرب من ساعة ونصف أو ساعة وثلث وما بينهما؛ لأن ذلك يتبع طول الليل وقصره. ((لوقته الأول ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل)) ذهب ثلث الليل، في اليوم الأول في المرة الأولى صلى به -عليه الصلاة والسلام- حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل، فوقتها يمتد إلى هذا، وثلث الليل يختلف باختلاف طول الليل وقصره، فقد يطول وقد يقصر.

وفي حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: ((ووقت العشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل الأوسط)) فدل على أنه يمتد وقتها إلى نصف الليل، وحديث عبد الله بن عمرو متأخر عن حديث جبريل، وبهذا قال جمع من أهل العلم أن وقت العشاء يمتد إلى نصف الليل، ومنهم من يرى أن ثلث الليل أو نصف الليل وقت اختيار، وأن وقت الاضطرار يمتد إلى طلوع الفجر، ويستدلون بحديث: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى)) فدل على أنه ما لم يدخل وقت الصلاة الأخرى أنه ما زال في وقت ((ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس من صلاة العصر فقد أدرك العصر)) مع أنه جاء في حديث عبد الله بن عمرو: ((ما لم تصفر الشمس)) فدل على أن وقت الاصفرار ومنتصف الليل اضطرار، يعني هذا وقت الاختيار، ثم يبقى من منتصف الليل إلى طلوع الفجر وقت اضطرار، ومع ذلك يكون أداءً، لكن الحديث حديث: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى)) هذا مخصوص، مخصوص بصلاة الصبح مع الظهر، فإنه لا يمتد وقتها إلى الزوال إجماعاً، وإنما يمتد إلى طلوع الشمس، وهذا مجمع عليه، فليس الحديث على عمومه بل هو مخصوص بصلاة الصبح فليخص أيضاً بصلاة العشاء. حين ذهب ثلث الليل وحديث عبد الله بن عمرو إلى نصف الليل الأوسط، وفي الحديث الآخر: إلى طلوع الفجر، وهي أقوال لأهل العلم، وأصرح ما في الباب وأصحه حديث عبد الله بن عمرو إلى نصف الليل الأوسط. ((ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض)) حين أسفرت الأرض يعني الوقت يمتد إلى أن تسفر جداً ما لم تطلع الشمس، كما في حديث عبد الله بن عمرو: وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

صلاة الظهر كما مر في الحديث يمتد وقتها من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله، ويبدأ حينئذٍ وقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس أو إلى الاصفرار هذا للاضطرار وهذا للاختيار، في قول الجمهور، يخالف الحنفية في هذا يقولون: إن وقت صلاة الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، ثم يدخل وقت صلاة العصر، ومنهم من يقول: إن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، لكن لا يدخل وقت صلاة العصر حتى يكون ظل الشيء مثليه، فهناك فاصل بين الوقتين. المقصود أنه عند الحنفية لا يدخل وقت صلاة العصر حتى يكون ظل الشيء مثليه، ولذلك تجدون الوافدين من الشرق يؤخرون صلاة العصر، كما أنهم يؤخرون صلاة الصبح، ويوجد هذا في البلدان التي يكثر فيها الحنفية من مناطق المملكة، يؤخرون صلاة العصر، ويؤخرون صلاة الصبح؛ لأن الإسفار عندهم أطول على ما سيأتي، ووقت العصر لا يبدأ إلا من مصير ظل الشيء مثليه، يمكن الآن يبدأ وقت صلاة العصر عندهم، طيب دليلهم؟ حديث جبريل واضح، وحديث عبد الله بن عمرو واضح في الدلالة على أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، ووقت العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله، دلالة واضحة. طيب دليل الحنفية؟ قالوا: دليل الحنفية جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((إنما مثلكم ومثل من كان قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً فعمل له نصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً فعمل له إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى غروب الشمس بدينارين، فاحتج أهل الكتاب فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)). يقول الحنفية: ما يمكن أن يكون عمل النصارى الذين عملوا من زوال الشمس إلى وقت العصر أكثر من دخول وقت العصر إلى المغرب إلا إذا قلنا: إن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه.

يعني أحاديث صحيحة صريحة جاءت لبيان مواقيت الصلاة تعارض بمثل هذا؟ أولاً: من المعلوم أن الأنفال يتجوز فيها، يعني لا يلزم المطابقة من كل وجه، الأمر الثاني: كما قال ابن حزم: أن وقت الظهر الذي ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله بالنسبة لوقت العصر الذي يبدأ بمصير ظل كل شيء مثله أطول في كل زمان ومكان، يعني الآن وقت صلاة الظهر هنا من اثنا عشر وعشر إلى ثلاث إلا ثلث، كم؟ ثلاث ساعات، كم؟ إلى أربع إلا ثلث، ثلاث ساعات ونصف، ويبدأ وقت صلاة العصر من ثلاث إلا ثلث إلى المغرب كم؟ طالب:. . . . . . . . . كم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه سبع إلا ربع، كم؟ طالب:. . . . . . . . . ثلاث، ستة وأربعين اليوم، ثلاث وست دقائق، أيهما أطول؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . الظهر من اثنا عشر وعشر إلى أربع إلا ثلث، ثلاث ساعات ونصف، والعصر من أربع إلا ثلث إلى سبع إلا ربع، يعني ثلاث ساعات وخمس دقائق، أيهما أطول؟ الظهر حتى على القول بأن الظهر ينتهي عند مصير ظل كل شيء مثله، على أنه لو كان الظهر أقصر من العصر على سبيل التنزل الأمثال يتجوز بها، ولا تلزم المطابقة من كل وجه، يعني لو تأتي بعاملين واحد يشتغل عندك ساعة ونصف وتعطيه مائة ريال، ويشتغل الثاني عندك ساعة ونصف أو أكثر بقليل وتعطيه المائتين ما يغضب الأول؟ ولو افترضنا أنه اشتغل أكثر، لكنه أكثر بقليل، ما لم يبلغ الضعف، لتكون الأجرة متساوية يغضب الأول، فكون النصارى يقولون: أنهم أكثر عملاً وأقل أجراً، أعطوا دينار، وهذه الأمة أعطيت دينارين، فهم أكثر أجراً وهم أيضاً أقل عملاً، والواقع يشهد بذلك.

دلالة حديث إمامة جبريل وحديث عبد الله بن عمرو وما جاء في معناهما في بيان مواقيت الصلاة دلالة يسميها أهل العلم أصلية، أصلية، يعني دلالتها على ما استدل بها عليه أصلية، ودلالة حديث تفضيل هذه الأمة على غيرها من الأمم على المواقيت دلالة تبعية فرعية، وبعض أهل العلم يلغي الدلالة التبعية إلغاءاً تاماً ولا يلتفت إليها، وهذا هو الذي يرجحه الشاطبي في الموافقات، يقول: لا يمكن أن يستدل بدلالة تبعية، لكن القول الوسط في مثل هذا أنها معتبرة ما لم تعارض بما هو أقوى منها من دلالة أصلية، يعني حينما يستدل من يستدل بأن الحائض تقرأ القرآن طيب بأي شيء يستدل؟ بقوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) يقول: الحاج يقرأ القرآن، فيستدل بهذا على قراءة الحائض للقرآن، هل هذه الدلالة أو هذا الحديث سيق لقراءة القرآن أو سيق لما يفعل من المناسك؟ دلالته الأصلية من المناسك، يبقى هل لهذه الدلالة معارض أو ليس لها معارض؟ إذا وجد معارض كما عندنا لم يلتفت إلى الدلالة الفرعية، هذا على سبيل التنزل وأن وقت صلاة الظهر أقصر من وقت صلاة العصر على قول الحنفية، فلا شك أن قولهم ضعيف، مصادم للنصوص الصحيحة الصريحة. ((ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه)) الحنفية يقولون: ما يدخل وقت صلاة العصر إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه، وقولهم مردود لهذا الحديث، وحديث عبد الله بن عمرو، وفيهما التصريح بأن وقت دخول العصر من مصير ظل الشيء مثله. وأما نهاية وقت العصر فهي هذا الحديث مصير ظل كل شيء مثليه، لكنه محمول عند عامة أهل العلم على الاختيار ومثله: "ما لم تصفر الشمس" وإلا فجماهير أهل العلم يرون أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس، ويدل له الحديث الصحيح ((من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)).

((ثم صلى المغرب لوقته الأول)) وعرفنا ما فيه، وأنه مستدل الشافعية على قولهم؛ لأن المغرب ليس لها إلا وقت واحد، والجمهور على أن الوقت يمتد إلى مغيب الشفق كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو، والمراد به الشفق الأحمر، كما جاء في حديث ابن عمر: "الشفق الحمرة" ويختلف أهل العلم في رفعه ووقفه، ووقفه على ابن عمر أرجح، وسواء كان الحديث مرفوعاً أو موقوفاً فهو دليل على أن المراد بالشفق الأحمر، لماذا؟ لأن المسالة لغوية، وابن عمر من أقحاح العرب يحتج بقوله إذا فسر كلمة؛ لأنه عربي، ومع ذلكم رجع أبو حنيفة فيما يذكر عنه بعض أصحابه إلى قول الجمهور، ولم يوافقه صاحباه على ذلك. ((ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض)) في اليوم الثاني، ومعلوم أن وقت الصبح يمتد إلى طلوع الشمس، من حديث عبد الله بن عمرو: ((وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)). ((ثم التفت إلي جبريل فقال: يا محمد هذا -يعني ما ذكر من الأوقات في اليومين- وقت الأنبياء من قبلك)) هذا يدل على أن الأنبياء صلواتهم مثل صلواتنا، وأوقاتهم مثل أوقاتنا، لكن هل الأمر كذلك؟ أو أن التشبيه أن هذا كوقت الأنبياء من قبلك فيه شيء من السعة، وليس فيه شيء من الضيق، وصلواتهم لها أول ولها آخر، يعني لها وقت موسع كما هو الشأن في صلواتكم، وإن لم تكن الصورة مطابقة لما عندنا. يقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: قوله: ((هذا وقت الأنبياء قبلك)) يفتقر إلى بيان المراد به، فإن ظاهره موهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبله من الأنبياء، يعني صلاة الظهر، صلاة العصر، صلاة المغرب، صلاة العشاء، صلاة الفجر، الوقت الأول لصلاة الظهر، الثاني لها، نهاية وبداية، في الصلوات الخمس، هذا الإجمال: ((هذا وقت الأنبياء من قبلك)) يدل على أن الصورة متطابقة، يقول ابن العربي: قوله: ((هذا وقت الأنبياء قبلك)) يفتقر إلى بيان المراد به، فإن ظاهره موهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبله من الأنبياء، فهل الأمر كذلك أم لا؟

قال: والوجه فيه أن نقول –والله الموفق- ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جبريل قال له ذلك، والمعنى هذا وقتك المشروع لك، يعني الوقت الموسع المحدود بطرفين أول وآخر، وقوله: ((ووقت الأنبياء قبلك)) يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك، أي كانت صلاتهم واسعة الوقت، وذات طرفين، مثل هذا وإلا فلم تكن لهم هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة، وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها. ((والوقت فيما بين هذين الوقتين)) يعني هذه الجملة مفهومها أن الصلوات الخمس لا تصلى في الأوقات التي صلى فيها جبريل، لماذا؟ لأنه صلى اليوم الأول في وقت والثاني في وقت، لا تصلي في الوقت الأول ولا في الوقت الثاني كما صلى جبريل، صلي بين هذين الوقتين؛ لأن الوقت فيما بين هذين الوقتين، فهل هذا المراد؟ يعني أننا لا نصلي في الوقت الذي صلى به جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما نصلي من فراغه من الصلاة في اليوم الأول إلى شروعه في الصلاة في اليوم الثاني؛ لأن الصلاة بين هذين الوقتين. يعني إذا قلنا: السعي بين الصفاء والمروة هل يلزم الرقي على الصفاء وعلى المروة؟ أو نقول: إذا تحققت البينية هذا هو المشروع، فمفهوم الجملة والوقت فيما بين هذين الوقتين أننا لا نصلي الصلاة في أول وقتها، ولا في آخره وإنما نصلي بين هذين الوقتين، لكن هذا ليس بمراد إجماعاً، وإنما المراد الوقت في هذين الوقتين وما بينهما، وإلا لو كان المراد ما بين هذين الوقتين وما في هذين الوقتين تكون صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ نعم؟ تكون باطلة إذا قلنا: إن الوقت بين هذين الوقتين، وحينئذٍ تكون إمامة جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهي من أجل التعليم تكون باطلة، وهذا كلام لا شك في بطلانه، وإنما المراد أن الوقت في هذين الوقتين وما بين هذين الوقتين.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة" عند الترمذي والنسائي والحاكم "وبريدة" عند الترمذي "وأبي موسى" عند مسلم وأبي داود والنسائي "وأبي مسعود" عند الإمام مالك في الموطأ وعند أبي داود "وأبي مسعود الأنصاري وأبي سعيد" عند الإمام أحمد والطحاوي "وجابر" عند الإمام أحمد والترمذي والنسائي، "وعمرو بن حزم" عند إسحاق بن راهويه "والبراء وأنس" البراء حديثه عند ابن أبي خيثمة، وحديث أنس عند الدارقطني. قال -رحمه الله-: "أخبرني أحمد بن محمد بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حسين بن علي بن حسين" الحسين بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب "قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله" الأول عن ابن عباس، والثاني عن جابر "عن جابر بن عبد الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمني جبريل)) فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه، ولم يذكر فيه: لوقت العصر بالأمس" التي يستدل بها المالكية على وجود القدر المشترك من الوقت بين الظهر والعصر، ولم يذكر فيه لوقت العصر بالأمس. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب" وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح، وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن خزيمة والدارقطني والحاكم، وصححه ابن عبد البر وابن العربي حديث ابن عباس هو حديث الباب. "وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" حديث جابر الذي ذكره الإمام الترمذي بعد حديث ابن عباس، حديث جابر الذي ذكره بعد حديث ابن عباس، وهو أصح من حديث ابن عباس عند الإمام البخاري "قال محمد -هو محمد بن إسماعيل البخاري-: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" لأن حديث ابن عباس فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد فيه كلام لأهل العلم، وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة صدوق له أوهام، وأيضاً حكيم بن حكيم قال فيه ابن حجر: صدوق، وحديث جابر أقوى منه فيما قاله الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.

"أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذا رأي الإمام البخاري، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص مخرج في صحيح مسلم، فهو أصح من هذه الحيثية، وهو أيضاً متأخر عن حديث إمامة جبريل، فما فيه مما يخالف ما جاء في حديث إمامة جبريل هو المحكم لأنه هو المتأخر، وما في حديث إمامة جبريل مما يخالف حديث عبد الله بن عمرو فهو منسوخ لأنه متقدم. حديث جابر، جابر معروف أنه أنصاري، جابر أنصاري، والقصة حصلت في مكة ومتقدمة صبيحة ليلة الإسراء، فجابر لم يدرك هذه القصة، ولم يحضر هذه القصة، وليس فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبره به فهو مرسل، ومع ذلكم هو مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند جماهير أهل العلم، بل نقل بعضهم عليه الاتفاق. أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ طيب حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة ابن عباس ليلة الإسراء ولد وإلا ما ولد؟ مولود وإلا ما ولد؟ نعم؟ الإسراء سنة كم؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ عشر؟ طالب:. . . . . . . . . يعني قبل الهجرة بقليل، ثلاث سنوات، على كل حال سواءً كانت في أول الهجرة أو في آخرها ابن عباس عمره حين وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاث عشرة سنة، فهل حضر هذه الصلاة؟ قطعاً لم يحضرها، فهو أيضاً مرسل صحابي، وأبو هريرة الذي صححوا حديثه في الباب أيضاً لم يشهد هذه القصة؛ لأنه إنما أسلم سنة خيبر سنة سبع، يعني بعد هذه القصة بسنين، فهو مرسل صحابي أيضاً، لكن جاء ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حدثهما به فهو متصل من هذه الحيثية من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وعلى تقدير أنه مرسل يقال فيه ما يقال في حديث جابر أنه مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند عامة أهل العلم، بل نقل عليه الاتفاق. قال: "وحديث جابر في المواقيت، قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"

حديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح، لأن الرواية التي أسندها الترمذي قال: أخبرني أحمد بن محمد بن موسى، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا حسين بن علي بن حسين قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر، يعني المتابعة لوهب بن كيسان من قبل عطاء بن أبي رباح، سيد من سادات التابعين، وعمرو بن دينار هو أيضاً من ثقات الرواة وأثباتهم، وأبو الزبير هو من خواص جابر بن عبد الله إلا أنه مدلس، لكن ترتفع تهمة التدليس بالمتابعات المذكورة عن جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان، فهي متابعات لوهب بن كيسان في حديث جابر -رضي الله عنه-. يقول الشيخ أحمد شاكر: لم أجد من هذه الروايات إلا رواية عطاء بن أبي رباح، فرواها أحمد في المسند من طريق سليمان بن موسى عن عطاء، ورواها النسائي من طريق قدامة بن شهاب، والحاكم والبيهقي من طريق عمرو بن بشر الحارثي كلاهما عن برد بن سنان عن عطاء. هذا يقول: هل جبريل -عليه السلام- نزل بصورته أم بصورة دحية الكلبي؟ لم يفصل شيء من هذا في الروايات، لكن اللائق بالحال أن يأتي على صورة رجل ((وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً)) وجاء بصورة دحية، وجاء بصورة رجل حينما علم الناس الدين بصورة رجل لا يعرفه أحد شديد بياض الثياب إلى آخره؛ لأنه بصورته التي خلق عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- ما رآه إلا مرتين في ليلة الإسراء وفي مرة أخرى رآه على كرسي في الأفق بين السماء والأرض له ستمائة جناح قد سد الأفق، وليست هذه منهما. الأمر الثاني: أنه لا يتمكن من الصلاة التي يمكن الاقتداء بها فيه إلا إذا كان على هيئة رجل، يعني تصور له ستمائة جناح كيف يقتدى به في سجوده وركوعه؟ يبعد هذا أن يكون على صورته، مع أنه جاء تحديد المرات التي رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- على صورته مرتين. إذا قيل: جبريل، هل يقال: -عليه الصلاة والسلام- أم يقال: -عليه السلام- فقط؟ لا مانع من أن يقال: -عليه الصلاة والسلام- أو يقال: -عليه السلام-. صلاة العشاء أيهما أفضل أن تصلى في أول الوقت أم تصلى في آخره؟

النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر صلاة العشاء في ليلة وقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق عليكم)) فتأخيرها ما لم تحصل المشقة أفضل. حديث: ((الصلاة على وقتها)) هل المقصود به أول الوقت أم آخره؟ لا شك أن الصلوات فعلها في أول الوقت أفضل ما عدا صلاة العشاء وصلاة الظهر في وقت شدة الحر. هل السنن الرواتب لها علاقة بهذه الأوقات؟ وهل يمتد وقت سنة العشاء إلى الفجر أم إلى نصف الليل؟ لا شك أن الرواتب التابعة للصلوات المفروضة لها ارتباط بهذه الأوقات، فالسنن القبلية تؤدى بعد دخول الوقت وقبل أداء الصلاة، والسنن البعدية تؤدى بعد أداء الصلاة وقبل خروج الوقت. يقول هذا: في طبعة بشار عواد لم يذكر مقولة قال أبو عيسى فهل الصواب إثباتها أم حذفها؟ هذا بالنسبة لجامع الترمذي النسخ القديمة العتيقة الموجودة والتي عليها خطوط أهل العلم تختلف اختلافاً كثيراً، فبعضها يثبت فيه قال أبو عيسى، وبعضها يحذف منه قال أبو عيسى، ومعلوم أنه إذا قيل: قال فالمراد به المؤلف وهو أبو عيسى الترمذي، فالأمر سهل، لا إشكال فيه، لكن الإشكال في اختلاف النسخ القديمة العتيقة التي على خطوط الأئمة في الأحكام على الأحاديث، هذا الذي فيه إشكال، في بعض النسخ: حسن، وفي بعضها: حسن صحيح، وهذا كثير في نسخ الترمذي، ولذا تجب العناية بجامع الترمذي على وجه الخصوص كما قال ابن الصلاح وغيره بأن تجمع نسخه وتحقق ويخرج إخراجاً علمياً دقيقاً. يقول: ما هي أصح طبعة لتحفة الأحوذي بعد الطبعة الهندية؟ الطبعة الهندية لا شك أنها هي الأصل وهي الصحيحة، لكن قراءتها لأن كتبت بالخط الفارسي هي باللغة العربية، لكن الخط فارسي لا يستطيع التعامل معه كثير من طلاب العلم، ففيها وعورة في قراءتها عسر على كثير من طلاب العلم طبع عنها تحفة الأحوذي بالمطبعة السلفية بالمدينة في طبعة كثيرة الأخطاء، لكنها أخطاء مدركة يمكن تصحيحها، وعلى كل حال هذه الطبعة تمكن قراءتها وأخطاؤها يمكن تصحيحها من الجداول، جداول الخطأ والصواب الموجودة فيها وإلا ففيها أخطاء، ومثلها عون المعبود الطبعة الهندية صحيحة طبعت بالمطبعة السلفية عن الهندية طبعة فيها بعض الأخطاء، لكنه يمكن إدراكها.

يقول: هل تطلق المرأة إذا أتاها الرجل في دبرها؟ لا، لا تطلق، لا تطلق، وإن كان قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وموبقة من الموبقات، لكنه مع ذلك لا تطلق، والإجماع قائم على تحريم وطأ النساء في أحشاشهن، وما يذكر عن مالك فإنه لا يصح عنه. وجاء في الباب أحاديث مفرداتها ضعيفة، لكنها بمجموعها تدل على أن لها أصلاً. يقول: نريد توجيه لبعض الشباب خاصة الملتزمين، وقد أكثروا من المباحات حتى وصل بذلك إلى المحرمات مثل متابعة المواقع الإباحية؟

لا شك أن الإكثار من المباحات يجر إلى المكروهات؛ لأن هذا المباح الذي عودت نفسك عليه قد تطلبه النفس فلا تستطيع الوصول إليه إلا من طريق مكروه أو فيه شبهة ثم يتجاوزه الإنسان، ثم بعد ذلك تطلبه النفس مرة أخرى فلا تحصل عليه إلا بطريق محرم، ثم بعد ذلك تستمرئ هذا المحرم وترتكبه، ولا شك أن الاسترسال مع هذه القنوات يجر إلى الوقوع في المواقع والقنوات الإباحية، القنوات الإباحية، ونعرف من طلاب العلم كانوا أهل تحري، ما عندهم ولا راديو، ولا يسمعون ولا أشرطة ولو إذاعة قرآن، ثم بعد ذلك وقعوا في هذه الآلات واستدرجوا، في النهاية صاروا يسمعون الأخبار التي تقدمها نساء، يقولون: ما نسمع إلا الأخبار، ويضعون غطاء على الجهاز، يضعون ستارة إما شرشف وإلا شيء، ثم بعد ذلك يأتي من خلال الأخبار شيء مثير، ثم تنازعه نفسه في كشف هذا الغطاء، وشيئاً فشيئاً إلى أن صار الأمر عادي، ولا شك أن تيسير المحرم يسهل الوقوع فيه، وكان التصوير شأنه عظيم في نفوس الناس، في عوام الناس قبل خواصهم، إلى أن صار أمراً عادياً، تصور الفتيات أمام الكعبة من قبل شباب أجانب برضى الطرفين صار أمر عادي، وتجدون في السطح في بيت الله الحرام عدد كبير من الناس من رجال ونساء فوق السطح يصورون وقت الصلاة، الناس يصلون وهم يصورون ما صلوا، من بداية الصلاة إلى نهايتها، يعني إذا قالوا: إن تصوير الصلاة وهذه المشاهد ونقلها إلى العالم من خلال وسائل الإعلام قالوا: إنه يترتب عليه مصالح وفيه كذا وكذا مما يتعذرون به ويتعللون به، فما المصلحة في كون عشرات من الرجال والنساء فوق سطح بيت الله الحرام يصورون الناس ولا يصلون معهم، السيئة تقول: أختي أختي، يعني إذا ارتكب محرم يجره إلى محرم آخر، وقد يخرج من الدين بالكلية وهو لا يشعر، يعني بني إسرائيل لعنوا، وضربت عليهم الذلة والمسكنة، وكفروا وارتدوا، لماذا؟ {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا} [(78) سورة المائدة] أول شيء المعصية، المعصية هذه وإن كانت صغيرة هونت الكبيرة، ثم الكبيرة هونت ما فوقها، وعقوبات بعضها لبعض، فالله المستعان.

يعني قبل تيسر هذه الكاميرات مع الناس وجُل الناس في جيبه كاميرا تصوير، يعني المقصود في الأصل الجوال، ومن أهل العلم من أفتى صراحة ونشرت الفتوى من قبل جمع من أهل العلم بتحريم اقتناء الجوال اللي فيه كاميرا لأنه يسهل المعصية، وكم من شخص كان شديداً في التحري والتثبت اقتنى هذه الكاميرا فرأى مناظر لم يصبر عن تصويرها، قد يصبر عن تصوير نفسه، يصبر عن تصوير فلان أو علان أو عن المشهد الفلاني لكن ماذا عن طفله إذا أخذ يحبو، أو أخذ يمشي الخطوات الأولى، هل يصبر عن تصويره؟ يقول: هذا مشهد ما يمكن يتكرر، ثم بعد ذلك يقول: التصوير مختلف فيه، ولو كان محرم ما خرج الشيخ الفلاني في القناة الفلانية والشيخ الفلاني وكذا وكذا، كل هذا بسبب تيسر اقتناء هذه الآلات، والله المستعان. يقول: كيف جمع في حديث جابر بين الحسن والغرابة؛ لأن الحسن عند الترمذي من مقتضاه أن يروى من غير وجه والغرابة أن تكون من وجه واحد؟ لكن الغرابة عند الترمذي يراد بها الغرابة النسبية وليست الغرابة المطلقة، الأمر الثاني: أن الحسن الذي يشترط فيه تعدد الطرق هو الذي يقول فيه الترمذي: حسن فقط. سم. الكتاب الثاني. طالب:. . . . . . . . .

يعني هذا رأفةً بالكسالى؛ لأن بعض الناس إذا انتهى من الدوام نام، ينام ثم يجد مسجد فيه جماعة تقام بعد أن يأخذ قسط من الراحة يكفيه، ولا شك أن التعاون مع مثل هؤلاء يعينهم على الكسل من جهة، لا شك أن فيه إحسان إليهم من جهة، وفيه أيضاً إعانة على الكسل، فالذي لا يرى رأي الحنفية ولا يقتدي بالإمام أبي حنيفة بتأخير هاتين الصلاتين ليس له أن يؤخر لحجة أن يدرك الناس الصلاة، نعم الرفق بالمأمومين مطلوب، فإذا كانت هذه رغبتهم لكن لا يصل إلى هذا الحد، لا يصل إلى هذا، ((أيكم أم الناس فليخفف)) فمن التخفيف على الناس مراعاة الأوقات، وسيأتي في حديث الإسفار أن من أهل العلم من قال: إن الإسفار إنما يكون إذا قصر الليل؛ ليعان الناس على إدراك صلاة الجماعة، هذا قال ... ، وله ما يدل عليه من حديث معاذ حينما بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسيأتي الكلام فيه، لكن يبقى أنه وإن كان فيه مراعاة لأناس إلا أن فيه ضرر بالنسبة لآخرين، في المنطقة الشرقية والصلاة صلاة الصبح تتقدم فيها عن نجد فضلاً عن الحجاز، تتقدم والليل قصير، والناس مبتلون بالسهر، بعض المساجد يؤخر الإقامة خمسين دقيقة، فدخل وقت ليصلي وهو ما نام الليل كله كل الليل سهران، وجاء رجاء أن تصلى الصلاة على الوقت المعتاد، صبر صبر التفت يمين شمال ما في فائدة، تكلم بكلام شديد وخرج ترك الصلاة، فلا شك أن من الناس من يتضرر، لكن الإجزاء والصحة صحيحة والصلاة في وقتها ما لم تصفر الشمس، ليس فيه وعيد، لكن مع ذلك المطلوب أن تصلى الصلوات في أوائل الأوقات ما عدا الظهر إذا اشتد الحر، والعشاء إذا لم يشق.

كتاب الصلاة (2)

جامع الترمذي - كتاب الصلاة (2) شر؛: باب: ما جاء في التغليس بالفجر، وباب: ما جاء في الإسفار بالفجر. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: منه: حدثنا هناد قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن للصلاة أولاً وأخراً، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس)). وفي الباب عن عبد الله بن عمرو: سمعت محمداً يقول: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ أخطأ فيه محمد بن فضيل. قال -رحمه الله-: حدثنا هناد قال: حدثنا أبو أسامة عن أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش عن مجاهد قال: "كان يقال: إن للصلاة أولاً وأخراً" فذكر نحو حديث محمد بن فضيل عن الأعمش نحوه بمعناه. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: منه" أي من الباب السابق، وهو بمثابة أصل منه، وموضوعه في مواقيت الصلاة تبعاً. . . . . . . . . وقوله: منه، يعني كالفرع منه، كالفصل منه،. . . . . . . . . باباً مترجماً باب ما جاء في كذا ثم يتبعه بقوله: باب من غير ترجمة، ويقرر أهل العلم أنه في هذه الحالة يكون بمثابة الفصل من الباب الذي قبله، وهنا صرح بأنه منه، وإن وجدت في بعض النسخ دون بعض، ويقول: باب منه، وهذه توجد في أكثر النسخ، وفي بعضها لا يوجد منه، ولو لم تذكر فهي بمثابة الفصل والجزء منه.

قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد" هو ابن السري تقدم ذكره مراراً "قال: حدثنا محمد بن فضيل" محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم، صدوق، لكن لا يعني أنه لا يحصل منه الخطأ كما هنا، فيما قرره الإمام البخاري، وإن رأى بعضهم أنه ليس بخطأ، وأن الحديث يروى على الوجهين مرفوعاً وموقوفاً على ما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- "عن الأعمش" سليمان بن مهران، الإمام الحافظ، الثقة المعروف "عن أبي صالح" ذكوان السمان، ثقة تقدم ذكره مراراً "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((إن للصلاة أولاً وأخراً)) " هذا الإسناد الذي ذكره الإمام الترمذي يثبت به الخبر؛ لأن أقل ما فيه من قيل فيه: صدوق وهو محمد بن فضيل، والبقية أئمة حفاظ، اللهم إلا ما يخشى من تدليس الأعمش فإنه قال: عن أبي صالح ولم يصرح بالتحديث. "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن للصلاة أولاً وأخراً)) " هذا الكلام صحيح، يعني أوقات الصلاة لها أول وآخر، لكن هل كل كلام صحيح مجزوم بصحته تمكن نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لو يقال لك: احلف أن الواحد نصف الاثنين تتردد في الحلف؟ نعم، لا، لكن لو قال لك: قل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الواحد نصف الاثنين يجوز وإلا ما يجوز؟ لا ما يجوز، هذا وضع، هذا كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن كان الكلام صحيحاً، فالكلام هنا صحيح ((إن للصلاة أولاً وأخراً)) كما تقدم وكما سيأتي، لكن نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ورفعه إليه ينازع فيه الإمام البخاري على ما سيأتي. ((وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس)) وهذا محل إجماع على ما تقدم، لم يخالف في هذا أحد من أهل العلم أن أول وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس.

((وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر)) حين يدخل وقت العصر فلا فصل بين وقت الظهر ولا وصل، فلا فصل ولا اشتراك، يعني لا فصل بين الوقتين كما يقول بذلك الحنفية في قول عندهم أن وقت صلاة الظهر ينتهي من مصير ظل كل شيء مثله، ووقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل كل شيء مثليه، فما بين المثل والمثلين فاصل لا يصلح للظهر ولا يصلح للعصر على هذا القول، ولا اشتراك أيضاً كما قال المالكية أن هناك قدراً مشتركاً في آخر وقت صلاة الظهر، وهو أول وقت صلاة العصر يصلح مقداره أربع ركعات يصلح أن تصلى فيه الظهر أداءً، ويصلح أن تصلى فيه العصر أداء، وهذا سبق الكلام فيه، وأنه كلام مجمل كما جاء في حديث إمامة جبريل، الذي سبق شرحه، وأنه معارض بما هو أصرح منه من حديث عبدالله بن عمرو في صحيح مسلم: ((ما لم يحضر وقت العصر)) فدل على أنه لا اشتراك بينهما، كما أنه لا فاصل بينهما كما يقول الحنفية، ((وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر)) وكأن وقت العصر معلوم عندهم، بُين بأحاديث سابقة، ولذلك قال: ((حين يدخل وقت العصر)). ((وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها)) كأنه معلوم بداية وقتها معلوم عندهم، ولذلك لم يبين في الخبر، ((وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس)) وهذا هو الوقت المختار، ولا يجوز تأخيرها إلى وقت الاصفرار؛ لأنه جاء الترهيب من ذلك، وإن كان وقت الأداء يستمر إلى غروب الشمس، وقت الأداء الاضطرار يستمر إلى غروب الشمس لحديث: ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وهذا تقدم الكلام فيه. ((وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس)) إذا وجبت الشمس وسقطت وغاب القرص دخل وقت صلاة المغرب.

((وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق)) والمراد به الشفق وهو الأحمر عند الجماهير، جماهير أهل العلم على أنه الأحمر، وإن كان الإمام أبو حنيفة في أول الأمر يقول: إنه الأبيض، ومضى ما فيه من كلام، وهذا يدل على أن للمغرب أولاً وأخراً، وأنه يمتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق خلافاً للشافعية الذين يرون أن وقت المغرب مضيق، وأنه لا يتسع لأكثر من التأهب للصلاة بالوضوء بالطهارة، وأداء ثلاث ركعات، ثم بعدها يخرج الوقت على ما تقدم في حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي سبق الكلام فيه وأنه صلى المغرب في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه المغرب في اليوم الأول، فدل على أن وقتها واحد، ولا شك أن حديث إمامة جبريل متقدم وهذه الأحاديث متأخرة فهي المحكمة، وحديث إمامة جبريل منسوخ بهذه الأحاديث. ((وإن أول وقت العشاء الآخرة)) في عشاء أولى من أجل أن يقال: عشاء آخرة؟ في مغرب وفي عشاء، وصفها بالآخرة يدل على أن هناك عشاء أولى، أو يكون المراد بالآخرة المتأخرة التي هي آخر صلوات اليوم والليلة، فهي متأخرة عن غيرها، وإلا فليس هناك عشاء أولى ليكون هناك عشاء آخرة إلا أنه باعتبار أنها تكون في وقت العشي، والعشي فيه أكثر من صلاة، فيه أربع صلوات العشي، إحدى صلاتي العشي في حديث ذي اليدين، إما الظهر وإما العصر، فالظهر والعصر في العشي؛ لأنها بعد الزوال، وكذلك المغرب والعشاء، فهي آخر صلوات العشي، ولا يظن بهذا أن المغرب يقال لها: العشاء كما جرى به عرف بعض البلدان، يقولون للمغرب: العشاء، صلينا العشاء يعني المغرب، ويقولون للعشاء: الأخير، وهذا معروف في هذه البلاد، وإن كان يعني يكاد يكون انقرض إلا عند بعض كبار السن، لكن هو معروف على كل حال.

((وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق)) يعني يغيب الشفق الأحمر ((وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل)) ومضى الكلام في آخر وقت العشاء، وأنه على حديث إمامة جبريل ينتهي بانتهاء ثلث الليل، فإنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل، وقال: الوقت ما بين هذين الوقتين، فدل على أنها لا تؤخر، وفي هذا الحديث كما في حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: ((إلى منتصف الليل الأوسط)) فوقتها يمتد إلى نصف الليل، وبهذا قال جمع من أهل العلم، والأحاديث صحيحة صريحة، حديث عبد الله بن عمرو يمكن من أصح ما ثبت في المواقيت، وفيه أنه ينتهي بانتهاء نصف الليل، وإن كان الأكثر من أهل العلم يرون أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر، ذكرنا هذا ودليله بالأمس، ودليله حديث عام وهو مخصوص بصلاة الصبح ((ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى)) أو ((حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن العشاء تمتد إلى طلوع الفجر، لكن هذا الحديث مخصوص بصلاة الفجر، فإنها تنتهي بطلوع الشمس بالإجماع، ولا يمتد وقتها إلى مجيء وقت صلاة الظهر. ((وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر)) يبرق الفجر، يطلع الفجر والمراد به الصادق الذي ينتشر في الأفق عرضاً يمنياً وشمالاً، وليس المراد به الأول الكاذب على ما بيناه بالأمس. ((وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس)) وهذا محل إجماع ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) ومفهومه: أن من لم يدرك ركعة قبل طلوع الشمس فإن صلاة الصبح قد فات وقتها، وهذا محل إجماع. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" مخرج في صحيح مسلم، وذكرنا جملاً منه في درس الأمس، وفي درس اليوم، أخرجه مسلم، فهو من أصح ما ورد في الباب، ومن أوضح ما يروى في المواقيت. "قال أبو عيسى: وسمعت محمداً" يريد محمد بن إسماعيل البخاري، كثيراً ما يعول عليه في الكلام على الرواة، وفي تعليل الأحاديث "وسمعت محمداً يقول: حديث الأعمش عن مجاهد" الآتي بعد هذا مباشرة "في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ أخطأ فيه محمد بن فضيل".

حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح، هذه أفعل تفضيل، وإذا قلنا: إنها على بابها قلنا: إن الحديثين صحيحان، حديث مجاهد وحديث محمد بن فضيل عن الأعمش، قلنا: هما صحيحان؛ لأن مقتضى أفعل التفضيل أن يشترك اثنان في وصف يزيد أحدهما على الآخر في هذا الوصف، إذا قلت: زيد أغنى من عمرو هل تفهم من هذا أن عمر فقير أو غني لكن زيد أكثر منه؟ في هذا وصف، هذا الأصل في أفعل التفضيل، لكن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، بل لا ينظرون إلى الوصف أحياناً، وإنما ينظرون إلى مجرد الرجحان، رجحان طرف على آخر، هل يلزم من قول البخاري: حديث الأعمش عن مجاهد أصح هل يلزم منه صحة حديث الأعمش عن مجاهد؟ يعني مقتضى الصيغة نعم، كما أنه يلزم من مقتضى الصيغة أن يكون الحديث الأول حديث محمد بن فضيل صحيح أيضاً، لكن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، ولا يلزم منه صحة الاثنين، فضلاً عن أن يكون أحدهما مبالغاً في تصحيحه، مفضلاً على غيره، فإذا قالوا: حديث صلاة التسابيح أصح من حديث صلاة الرغائب هل يلزم من هذا صحة الحديثين؟ لا يلزم، لماذا؟ لأنهما ضعيفان باتفاق، وأهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، لو قيل: حديث جبريل الوارد عن عمر في صحيح مسلم أضعف من حديث جبريل حينما جاء يعلم الناس الدين المروي من طريق أبي هريرة، أضعف، هل يقتضي ذلك ضعف الحديث حديث عمر أو ضعف حديث أبي هريرة؟ لا، كلاهما في الصحيح، لكن هذا أرجح باعتباره متفق عليه حديث أبي هريرة وحديث عمر من أفراد مسلم، وإذا قالوا: ابن لهيعة مثلاً أوثق من الإفريقي هل يعني أنهما ثقتان؟ لا، كلاهما ضعيف، لكن ابن لهيعة أمثل منه وإن كان ضعيفاً، وإذا قيل: نافع أضعف من سالم هل يقتضي هذا أن نافعاً أو سالماً ضعيفان؟ أبداً، كلا، كلاهما من أعلى الدرجات في الحفظ والضبط والإتقان، هذا يبين أن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، فلا يعني أن الإمام البخاري يصحح الخبر الثاني ولا يصحح الخبر الأول، لا يلزم منه تصحيح ولا تضعيف، وإنما يلزم منه تقوية أحدهما على الآخر.

لكن قوله: أخطأ فيه محمد بن فضيل هذا يدل على أنه يضعف حديث محمد بن فضيل ويحكم عليه بأنه خطأ، لكن هل يلزم منه صحة الحديث اللاحق الذي قال فيه: أصح؟ أخطأ فيه محمد بن فضيل يعني أخطأ في إسناده حيث رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وإنما هو عن الأعمش عن مجاهد موقوفاً عليه. "قال: حدثنا هناد قال: حدثنا أبو أسامة عن أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش عن مجاهد قال" يعني من قوله ليس بالمرفوع ولا موقوف، وإنما يقال فيه: ليس بمرفوع ولا موقوف، وإنما هو .. ، المرفوع ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والموقوف ما يضاف إلى الصحابي، والذي يضاف إلى التابعي يسمى مقطوع، فهذا ليس بمرفوع ولا موقوف وإنما هو مقطوع. "عن الأعمش عن مجاهد قال: "كان يقال: إن للصلاة أولاً وأخراً" فذكر نحو حديث محمد بن فضيل عن الأعمش نحوه بمعناه". وهو مخرج في المسند والبيهقي وغيرهما، وبهذا يكون الإمام البخاري أعل الرواية المرفوعة بالمقطوعة، أعل المرفوعة بالمقطوعة، ووافقه أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه، والتعليل بهذه النوع أو بهذه الطريقة محل نزاع ومحل خفاء شديد؛ لأنه يأتي من يقول: إن الطريق المقطوعة المنسوبة إلى مجاهد لا يعل بها الخبر المرفوع، وما المانع أن يكون الحديث مروي على الوجهين؟ فالخبر أحياناً يروى مرفوعاً، وأحياناً يروى موقوفاً، أحياناً يرفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يفتي به من قوله، وعندنا أحياناً يرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يفتي به مجاهد من قوله، ولذا رجح بعضهم -الشيخ أحمد شاكر رجح- أنه يروى على الوجهين وما المانع؟ وكثيراً ما يسلك الشيخ هذا المسلك.

وهذه طريقة معتمدة عند المتأخرين، إذا لم يكن هناك تعارض فلا يعل أحدهما بالآخر، بل يكون الحديث مروياً على الوجهين، لكن مثل هذا لا يقول به الأئمة الكبار؛ لأن المتأخرين ليست لديهم من الأهلية ما لدى المتقدمين؛ لأن المتقدمين حفظوا مئات الألوف من الأحاديث، ويجزمون بالصواب على أنه صواب، ويجزمون على الخطأ بأنه خطأ، يحكمون على الخطأ أنه خطأ، وإن لم يتضمن مخالفة، يقولون: أخطأ فيه، وما المانع أن يكون أخطأ؟ هذه طريقة المتقدمين لكن دون المتأخرين والحكم بها خرط القتاد، حتى يكون في مصاف المتقدمين في الحفظ والاطلاع على الروايات. تعليل البخاري للرواية المرفوعة بالرواية المقطوعة لا يستطيع أن يحكم به أحد من المتأخرين، حتى يكون في مصافهم في الحفظ والإتقان والاطلاع على الطرق والروايات والعلل حتى يكون ممن يكتفي بشم الحديث. قد يقول قائل: إن الآلات قربت، إذا كان الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، فعندنا قرص صغير فيه خمسمائة ألف حديث، وإذا كان الاطلاع على الروايات والطرق ميسور عند المتأخرين بواسطة الأجهزة صار حكمهم حكم المتقدمين، المسألة مسألة حفظ واطلاع، الآن نطلع من خلال لحظة في ضغطة زر على جميع الروايات ونعرف ننظر، لكن هناك فرق بين من تكون الأخبار بين عينيه وبين أن تكون الأخبار في ذاكرته، فرق، الأخبار في الذاكرة رددت ومحصت وفحصت مراراً، وكررها مرات، بخلاف من اطلع على هذه الطرق لأول مرة، حتى ولو أعاد النظر فيها وردد وكرر لن يكون بمثابة المتقدمين الذين حفظوا هذا العلم بالتدريج.

الشيخ أحمد شاكر صوب أن يكون الحديث مروي على الوجهين، وهو مسبوق من قبل ابن القطان الفاسي وهو متأخر، يعني في السادس، متأخر بالنسبة للأئمة، لكن عنده من الحفظ والإحاطة ودقة النظر ما يؤهله لمثل هذه الأحكام، لكن بالنسبة للمتأخرين، الأمر في غاية الوعورة، وإن نادى بعض الغيورين على السنة أن ينحو المتأخرون من طلاب العلم منحا المتقدمين، لكن أقول: إن هذا في غاية الصعوبة، إذا وجد من وهبه الله من الحفظ والحذق والضبط والإتقان ما وهب للمتقدمين، وأخذ العلم عن أهله وحفظه ووعاه في قلبه احتمال، أما من اعتمد على الآلات أو ضعف في الحفظ وليس عنده من المحفوظ إلا الشيء اليسير لا يمكن بحال من الأحوال أن يضاهي الأئمة المتقدمين؛ لأن الأئمة المتقدمين قواعدهم ليست كافية لتقليدهم من قبل المتأخرين، هناك قواعد وضوابط مأخوذة من منثور كلامهم، لكنها لا تكفي المتأخر لمحاكاة المتقدمين، إلا بالمران، يعني لو أن شخصاً تخصص في هذا الباب في جمع الطرق والنظر في الأسانيد والعلل، وأفرغ جهده وأوتي من قوة الحفظ والفهم احتمال، لكن هذا كم يوجد في القرن من واحد؟ هؤلاء نوادر، أما بالنسبة للمتقدمين ففيهم كثرة، لماذا؟ لأن الوقت وقت رواية، ووقت حفظ، والرواة متوافرون، يعرف أن هذا الراوي ضبط هذا الحديث، ويعرف ...

مالك لما قيل له: أنت تسمي عمرو بن عثمان الأئمة كلهم يقولون: عمرو بن عثمان وأنت تقول: عمر، قال: هذا بيته، هذا بيته، ويش يعني؟ مو مثل الآن ما نتصور هذا الشخص فضلاً عن أن نعرف بيته وإلا ... ، ما عندنا إلا قاله الأئمة، قالوا: عمرو، وقال مالك: عمرو، نرجح بين هذا وهذا، ما نرجح إلا بالكثرة، كثرة من قال عمرو فقط، ما عندنا غير هذا، لكن الأئمة عندهم غير هذا، كل ما مر من عند بيته قال: هذا بيت عمر بن عثمان، الأئمة كلهم يقولون: عمرو، قال: هذا بيته، إيش يعني؟ يعني أنا أعرفه جيراننا يا أخي، يعني لو يذكر لك شخص ما رأيته ولا كذا، ويصحف لك اسمه قليلاً ما تستطيع أن تصل إلى الحقيقة، لكن الذين عاصروه وعايشوه لا شك أنهم يجزمون، أو يأتي بعد خمسين سنة مثلاً شاب يقول لك: قال الشيخ صالح بن عثيمين، وأنت عرفت الشيخ عشت معه عشرين سنة، وعمرك ذاك الوقت سبعين مثلاً، يؤخذ قوله وإلا قولك؟ أنت تعرف الشيخ بعينه عاشرته وعاصرته وسمعت كلامه مراراً، وتردد اسمه على ذهنك ألوف المرات، ويجي واحد من بعد خمسين سنة يقول: الشيخ صالح بن عثيمين؟ هذا حال الأئمة بالنسبة للرواة، وحال من تأخر بعدهم، يعني لو تصحف علينا اسم في بعض الكتب ما استطعنا نصححه إلا من خلال الكتب الأخرى، ما تستطيع والله يقول: ابن أخته يقول: لا، اسمه كذا، ابن عمه يقول: لا، اسمه كذا، وهم أعرف، ما تدري أنت ما أدركته، لا أدركت الراوي ولا أدركت من أدركه، فهذا هو السر في كون الأئمة يحكمون بمثل هذه الأحكام، والمتأخرون من أهل العلم ليس لديهم إلا الموازنة والترجيح بين أقوال الأئمة.

باب: منه:

الشيخ أحمد شاكر صوب وقال: والذي أختاره أن الرواية المرسلة أو الموقوفة تؤيد الرواية المتصلة المرفوعة، ولا تكون تعليلاً لها أصلاً؛ لأنه من حيث النظر ما فيه ما يمنع إطلاقاً أن الحديث يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسناد صحيح، ويرى عن ابن عباس من قوله بإسناد صحيح؛ لأن ابن عباس أحياناً ينشط فيرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يفتي به من رأيه، وكذلك أبو هريرة، لكن إذا اختلف المرفوع عن الموقوف قلنا: العبرة بما روى لا بما رأى، وإن كان بعض أهل العلم يرشح العكس باعتبار أن الموقوف متأكد منه، ابن عباس قال هذا الكلام، لكن هل رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو وقفه على نفسه؟ هذا ليس بمجزوم فيه، في نصب الراية نقل عن ابن الجوزي أنه قال في التحقيق: ابن فضيل ثقة يجوز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلاً ومن أبي صالح مسنداً، يعني يرويه على الوجهين. ونقل أيضاً عن ابن القطان قال: ولا يبعد أن يكون عند الأعمش طريقان: إحداهما: مرسلة والأخرى مرفوعة، والذي رفعه صدوق من أهل العلم، وثقه ابن معين، وهو محمد بن فضيل. قال أحمد شاكر: والذي أختاره أن الرواية المرسلة أو الموقوفة تؤيد الرواية المتصلة المرفوعة، ولا تكون تعليلاً لها، لماذا؟ لأن أحمد شاكر وغيره من المتأخرين ليس بأيديهم إلا هذا، إما أن يقال: محض تقليد، قلد الأئمة، أو يقال: اجتهد في النظر بين أقوال الأئمة، أما أن تحاكي الأئمة في أقوالهم وتكون بمصافهم أو بمنزلة واحد منهم فأظن هذا شبه متعذر إلا في نوادر من الرجال يحفظون كما حفظ الأئمة. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: منه:

حدثنا أحمد بن منيع والحسن بن الصباح البزار وأحمد بن محمد بن موسى المعنى واحد، قالوا: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فسأله عن مواقيت الصلاة فقال: ((أقم معنا إن شاء الله)) فأمر بلالاً فأقام حين طلع الفجر، ثم أمره فأقام حين زالت الشمس فصلى الظهر، ثم أمره فأقام فصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة، ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب الشمس، ثم أمره بالعشاء فأقام حين غاب الشفق، ثم أمره من الغد فنور بالفجر، ثم أمره بالظهر فأبرد وأنعم أن يبرد، ثم أمره بالعصر فأقام والشمس آخر وقتها فوق ما كانت، ثم أمره فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق، ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث الليل، ثم قال: ((أين السائل عن مواقيت الصلاة؟ )) فقال الرجل: أنا، فقال: ((مواقيت الصلاة كما بين هذين)) هذا حديث حسن غريب صحيح، وقد رواه شعبة عن علقمة بن مرثد أيضاً. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- كما قال. . . . . . . . . الذي قبله من الباب الأول قال: "حدثنا أحمد بن منيع والحسن بن الصباح البزار" وكلاهما من الثقات "وأحمد بن محمد بن موسى" ثقة أيضاً، حافظ، فكلهم ثقات، يجتمعون في روايته عن إسحاق بن يوسف الأزرق، قال: "المعنى واحد" المعنى واحد يعني وإن كان في بعض الألفاظ شيء من الاختلاف بين هؤلاء الرواة الثلاثة، المعنى واحد مبتدأ وخبر، وأحياناً يقال: كما في سنن أبي داود كثيراً: المعنى بدون واحد، ولا بد من تقدير الخبر، وقد يلتبس صنيع أبي داود حينما يحذف الخبر فلان وفلان وفلان المعنى فالمراد واحد، وأحياناً يأتي بعض الرواة منسوباً إلى معن، فيقال: حدثنا فلان ابن فلان وفلان ابن فلان المعني نسبة إلى معن، وهذا موجود في الرواة، فينتبه طالب العلم لمثل هذا؛ لأنه قد يلتبس عليه وهو نسبته إلى معن، فيظنه زيادة من المؤلف في الإسناد لبيان أن المعنى واحد بين هؤلاء الرواة وإن اختلفت ألفاظهم. المعنى واحد يعني وإن اختلف اللفظ بعض الشيء مما لا يؤثر في المعنى مما تجوز روايته بالمعنى.

"قالوا –يعني الثلاثة- حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق" الإمام مسلم لا يقتصر على قول: المعنى واحد، إنما يقول: واللفظ لفلان، أو يقول: حدثنا أحمد بن منيع والحسن بن الصباح وأحمد بن محمد بن موسى قال أحمد بن منيع: حدثنا إسحاق بن يوسف، فإذا أعاد واحداً من الثلاثة أو من الاثنين دل على أنه هو صاحب اللفظ، الإمام البخاري يروي عن مجموعة، يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، قالوا: حدثنا فلان ولا يبين صاحب اللفظ ولا صاحب المعنى، لكن جرت القاعدة المطردة التي ظهرت بالاستقراء أن اللفظ للأخير منهم.

"قالوا: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق" المخزومي ثقة أيضاً "عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة" تابع سفيان الثوري على روايته عن علقمة بن مرثد شعبة، كما نبه على ذلك المؤلف في آخر الباب "عن سليمان بن بريدة -تابعي ثقة- عن أبيه" بريدة بن الحصيب صحابي "قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فسأله عن مواقيت الصلاة فقال: ((أقم معنا إن شاء الله)) إن شاء الله هذه ليس فيها معنى التعليق، وإنما هي لمحض التبرك، ما قال: أقم معنا إن شئت ليخيره ويرد الأمر إلى مشيئته، فقال: إن شاء الله، أقم معنا، يعني الصبر على التبليغ، سؤال يقال: أقم معنا يومين، إيش يترتب على الإقامة يومين؟ أنه ينظر إلى سؤال هذا السائل الذي جاء يسأل، ولا ينظر في مصلحة المأمومين بكافة، فيوم يصلي بهم في أول الوقت، وفي اليوم الثاني يؤخرهم إلى آخر الوقت، لكن هل يتحمل الناس التعليم بهذه الطريقة اليوم؟ ولا المسئول، إذا سئل أعطاه الجواب، ما أعطاه نصف جواب وهو يمشي يمكن ما يثبت عليه، ولا شك أن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، وهذا وصفه -عليه الصلاة والسلام-، البلاغ والبيان، لكن هذه الطريقة لا يكاد أحد أن يحتملها، لو وهو بمفرده لو جاء إلى شخص ساكن بمفرده في مكان وقال: علمني الأوقات، ما يقول له: اجلس عندي يومين، وأصلي بك يوم في أول الوقت، واليوم الثاني في آخر الوقت، ولو لم يترتب على ذلك تأخير للمأمومين، وفي هذا تربية لأهل العلم أن يصبروا على السائل، الموجود الآن يعني مع ضغوط الحياة، يعني كان الناس عندهم فسحة من الوقت، وعندهم شيء من السعة في الصدر، ويستقبلون السائلين، ويجلسون معهم، ويقف في الشارع في حر الشمس، يستثبت من هذا السائل، ويجيبه بكل ما يريد.

الآن، الآن كل مشغول، حتى الوظيفة الإلهية التي هي إجابة السائل وعدم كتم العلم والتحذير من ذلك تجده إن أجاب فبنصف جواب، ولا أقول: إن كل أهل العلم على هذه الطريقة لكنه موجود، ويحصل كثيراً منا ومن غيرنا، يجي إلى العالم بيده المصحف يقرأ، يقول: غير هذا الوقت، نعم ينبغي أن يُعلَم طلاب العلم شيء من الأدب؛ لأن بعضهم قد يسيء، كما جاء واحد منهم لا يريد سؤال يبي يقرأ بكتاب والشيخ بيده مصحف ويقرأ، قال: والله أنا مشغول الآن، ثم تحدث في المجالس، الشيخ يقول: مشغول وهو جالس يقرأ قرآن، طيب القرآن ما هو بشغل؟ هذه مشكلة أيضاً من الطرف الآخر. إذا كان هناك سؤال عابر لا مانع من إجابته أثناء قراءة القرآن، لكن يحضر كتاب بيقرأ وأنت تقرأ القرآن، لا مانع من رده أيضاً، فالأمور تقدر بقدرها. هذا السائل جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((أقم عندنا)) أقم عندنا يومين، وترتب عليه أنه أجل الصلاة بالنسبة لليوم الأول وفي اليوم الثاني أخر الصلاة، وخلفه من يصلي معه -عليه الصلاة والسلام- من المأمومين، ولا شك أن في هذا مشقة تحصل بسبب التقديم كحصولها بسبب التأخير؛ لأنه بسبب التقديم قد تفوته الصلاة، وبسبب التأخير قد تفوته بعض مصالحه، لكن الناس في الصدر الأول همهم ما خلقوا من أجله، همهم ما خلقوا من أجله، وهو تحقيق العبودية، لكن الآن هل هم الناس الصلاة؟ هل منهم من يقول: أرحنا بالصلاة؟ بل لسان الحال عند كثير من المسلمين: أرحنا من الصلاة، يبي يتأخر الإمام خمس دقائق ما تحمل الناس، تلفت بعضهم على بعض، ثم في الدقيقة الثاني يأخذون في الكلام والسب، لماذا؟ لأن الصلاة ليست هم بالنسبة لهم، ولا يعني هذا أن الإمام يكون على ... ، يأخذ راحته بحيث يتضرر المصلون، مرة يصلي بهم في أول الوقت ومرة في أثنائه، ومرة في آخره من أجل أن يهتم الناس بما خلقوا له بناءً على فراغه وشغله هو، لا، هو عليه أن لا يشق على الناس، لكن إذا عرف من حال الناس أنهم لا يتضررون بهذا، وأنهم يقبلون مثل هذا، ما المانع أن يطبق فيهم السنة؟

"فأمر بلالاً فأقام حين طلع الفجر" بمجرد طلوع الفجر هو معلوم أن ركعتي الفجر من آكد السنن، ولا يقال: إنه بعد أن يشق الصبح وطلعت الفجر وأقيمت الصلاة بغلس وما صلى ركعتي الفجر، لا، هذه لا تحتاج إلى تنصيص؛ لأنه جاء فيها نصوص أخرى، نصوص كثيرة، وهي خير من الدنيا وما فيها، ركعتي الفجر "فأقام حين طلع الفجر –يعني بغلس في أول- ثم أمره فأقام حين زالت الشمس فصلى الظهر" يعني في أول الوقت، يعني هذا في اليوم الأول "ثم أمره فأقام فصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة" يعني في أول وقتها "ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب الشمس، ثم أمره بالعشاء فأقام حين غاب الشفق" فصلى الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها "ثم أمره من الغد -في اليوم الثاني- فنور بالفجر" يعني ظهر النور، أسفر بصلاة الصبح فصلاها في أواخر وقتها قبل طلوع الشمس "ثم أمره بالظهر فأبرد وأنعم" بالغ في الإبراد، بالغ حتى صلاها في أواخر وقتها "وأنعم أن يبرد، ثم أمره بالعصر فأقام والشمس آخر وقتها فوق ما كانت" يعني كانت حينما صار ظل الشيء مثله في اليوم الأول، وفي الثاني مثليه، قبل أن تصفر الشمس، فوق ما كانت عليه يعني بالأمس، أي حين صار ظل كل شيء مثليه، وقبل اصفرار الشمس بخلاف اليوم الأول، فقد صلاها في أول وقتها حين صار ظل كل شيء مثله "ثم أمره فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق" أمره أن يؤخر فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق، وهذا دليل للجمهور على أن وقت المغرب يتسع هذه المدة، يعني ما يقرب من ساعة ونصف "ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث الليل" حين ذهب ثلث الليل، ومعلوم أن التعليم في أول الأمر بالفعل كما في هذا الحديث وحديث إمامة جبريل، فهذا الحديث متقدم، ثم بعد ذلك صار يعلم الناس بالقول -عليه الصلاة والسلام-، ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث الليل، وهذا يوافق حديث إمامة جبريل وأن وقت العشاء آخره ثلث الليل، وجاء بعده ما يدل على أن آخر وقت العشاء نصف الليل، فأقام حين ذهب ثلث الليل "ثم قال: ((أين السائل عن مواقيت الصلاة؟ )) فقال الرجل: أنا" أي هاهنا، حاضر، يعني في وقتنا حتى السائل لو أجيب إلى ما طلب وصنع الإمام والجماعة كلهم ما تذمر منهم واحد، يمكن السائل

ما يصبر، فإذا قيل: أين السائل؟ يمكن ما يجيب، صحيح ما صارت النفوس تتحمل، ما صارت النفوس تتحمل الآن، وإذا أردت أن تختبر الناس انظر إليهم عند الإشارات، لو تجد واقف واحد في آخر الشارع من جهة اليمين ووراه واحد يبي يلف يمين يصبر ثواني؟ ما يصبر، والمسألة ثواني، صحيح أن هذا الذي وقف أخطأ؛ لأن من حق هذا أن يلف يمين بدون إشارة، لكن الصبر أين الصبر؟ يعني في مواطن التجمعات في الصلوات مثلاً في المواسم في الجمع في الأعياد، تجد إنسان وراء الناس لا يصبر حتى يفرغ الطريق له، هذا يشترك فيه جل الناس اليوم، فما صار عند الناس تحمل، صارت النفوس لا تحتمل مثل هذه الأمور، فكيف السائل بيصبر يومين "فقال الرجل: أنا" أي هاهنا حاضر، نعم هو يعني احتمال صبره أكثر من احتمال صبر المأمومين، الذي يصبرون من أجل سؤال غيرهم، لكن مع ذلك في وقتنا ما أتصور أن سائلاً يبي يصبر يومين، مهما كانت حاجته، حين يطلبون الشفاعات ما يصبرون، يطلب شفاعة لنفسه يجي للواحد من أهل العلم مثلاً يقول: اكتب لي شفاعة إلى فلان وإلا علان إلى الجامعة الفلانية وإلا الأمير الفلاني، يقول: انتظر أنا الآن مشغول، صلِّ معنا العصر، طيب إلى متى؟ ما يصبر وبيشيل نفسه، والثاني محسن، ثم بعد ذلك إذا قال له: اترك الموضوع لي، اعطني أوراقك واكتب عليها، صار الشافع كأنه مذنب، والمشفوع له يتحسب عليه، أخرنا أخره الله، هذا واقع الناس اليوم، يا أخي هذا محسن، محتسب، ما على المحسنين من سبيل، متى ما فرغ كتب لك يا أخي، ومن هذا معاناة عند كثير من أهل العلم، تجد بعض الناس من أجل شفاعة يرفع صوته على الشيخ، أخرتنا، ما معك حق، أنت تظن الناس كلهم فاضين، فكيف إذا كان مثل هذا السؤال، يعني هذا فيه تربية لجميع الأطراف، هذه التصرفات من النبي -عليه الصلاة والسلام- القدوة والأسوة هذه تربية لجميع شرائح المجتمع، بدءاً من الإمام الأعظم إلى أقل واحد، نعم قد يقول قائل: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بلغ وبين ووضح فلسنا بحاجة إلى مثل هذه التصرفات، لكن هناك لها نظائر، يعني ليس لها أطراف يتضررون ومع ذلك الإنسان لا يصبر.

باب: ما جاء في التغليس بالفجر:

"فقال الرجل: أنا" أي هاهنا حاضر "فقال: ((مواقيت الصلاة كما بين هذين)) " والكاف زائدة، الأصل ما بين هذين الوقتين، ويقال في هذا ما قيل في درس الأمس في حديث إمامة جبريل، وأن المراد أن الصلاة في هذين الوقتين وما بينهما. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح" وهو مخرج في صحيح مسلم، فالخبر صحيح وهو أيضاً عند أحمد النسائي وابن ماجه. قال: "وقد رواه شعبة عن علقمة بن مرثد أيضاً" وهذه المتابعة من شعبة لسفيان مخرجة عند مسلم أيضاً. سم. عفا الله عنك. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في التغليس بالفجر: حدثنا قتيبة عن مالك بن أنس قال: وحدثنا الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح فينصرف النساء" قال الأنصاري: فيمر النساء متلففات بمروطهن ما يعرفن من الغلس، وقال قتيبة: متلفعات. وفي الباب عن ابن عمر وأنس وقيلة بنت مخرمة. حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يستحبون التغليس بصلاة الفجر. . . . . . . . . . طالب: لا، أما في نسختنا ما هو موجود، في نسخة ثانية موجود، في هذه النسخة ما هي بموجود يا شيخ. . . . . . . . . . وهو اختلاط النور، نور الصبح بظلمة الليل، يقال: جاء في الغلس والدلس، في الاختلاط في الظلمة في أول وقت صلاة الصبح أو بعد غروب الشمس هذا فيه غلس، يعني بعد غروبها في أثناء صلاة المغرب، والمراد بالتغليس في صلاة الفجر المبادرة بها في أول وقتها، بعد أن يتحقق دخول الوقت.

قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة" وهو بن سعيد، ثقة، من شيوخ الأئمة "عن مالك بن أنس" الإمام مالك نجم السنن "ح" في بعض النسخ حاء، وهي لا توجد في بعض النسخ، ومعلوم أن هذه الحاء يشار بها إلى تحويل السند، ومرت مراراً ويستعملها الإمام مسلم كثيراً، وأبو داود كذلك، هي توجد عند الترمذي لكنها أقل، وهي عند الإمام البخاري أقل بكثير، التحويل من إسناد إلى آخر، ومنهم من يقول كالمغاربة: أنها إشارة إلى رمز الحديث.

"قال: وحدثنا" العادة جرت أنها إذا أثبتت الحاء لا تذكر قال، وإنما يقال: ح وحدثنا، ح وحدثنا فلان، وحدثنا الأنصاري، إسحاق بن موسى الأنصاري "قال: حدثنا معن" وهو ابن عيسى بن يحيى الأشجعي "قال: حدثنا مالك" معن بن عيسى هذا من رواة الموطأ عن الإمام مالك "عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة" فعندنا قتيبة يروي الخبر عن مالك، ويرويه أيضاً الأنصاري عن معن عن مالك فالطريق الأولى أعلى من الطريق الثانية، عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة "-رضي الله عنها- قالت: إن كان" (إن) هذه مخففة من الثقيلة، أي إنه كان "رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" واسمها ضمير الشأن "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح" إن كان ليصلي التأكيد بـ (إن) المخففة من الثقيلة وأيضاً باللام ليصلي، هي لام تأكيد "الصبح فينصرف النساء" فينصرف النساء يعني قبل الرجال أو بعد الرجال، المقصود أنهم لا ينصرفون في وقت واحد، يثبت الرجال في أماكنهم حتى ينصرف النساء، بأمره -عليه الصلاة والسلام- فأين هذا من دعاة الاختلاط واحتجاجهم بأن النساء يصلين مع الرجال؟ وقد جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) "إن كان -عليه الصلاة والسلام- ليصلي الصبح فينصرف النساء" قال الأنصاري في روايته: "فيمر النساء" رواية الأنصاري هي الثانية، والأولى رواية قتيبة "فيمر النساء متلففات" ورواية قتيبة: "متلفعات" والمعنى واحد، المتلففة والمتلفعة مستترات، قد لفت على بدنها كاملاً من أعلاه إلى أسفله مرط، وهو كساء غليظ من خز أو صوف، متلففات بمروط، أكسية غليظة، ومعلوم أنه إذا كان هذا المرط غليظاً من صوف أو من خز فإنه لا يبين ما تحته لا للرائي، ولا يبين الحجم ولا المفاصل، يعني قد يبين إجمالاً يعرف أنها طويلة أو بدينة، لكن لا يعرف التفصيل ما وراء هذا المرط، وكان النساء إلى وقت قريب يعني قبل ثلاثين سنة يلبسن هذا النوع من العباء، عباءات غليظة، كأنها خيمة، يعني سمكها ثلاثة ملي متر، فقارن بينها وبين ما يلبس اليوم، الذي يشف عما تحت الذي تحته، والله إن هذا الحاصل، ومع الأسف أن يسمى مثل هذه

العباءات التي تبدي ما تحتها تسمى عباءة مكة، أو عباءة المدينة، ليضلل بها عوام المسلمين، عباءة مكة شفافة يرى جميع ما تحتها تسمى عباءة مكة، والنساء في عصره -عليه الصلاة والسلام- متلففات ومتلفعات "بمروطهن ما يعرفن من الغلس" أولاً: لا تعرف أعيانهن لغلظ ما لبسنه من المروط، ما يعرف أن هذه فلانة أو فلانة إلا إذا كانت متميزة بطول كما قال عمر -رضي الله عنه-: قد عرفناك يا سودة، وعمر -رضي الله عنه- ما قال هذا الكلام للإساءة إلى أم المؤمنين أبداً، وإنما قاله رغبة في أن يفرض الحجاب، وعلى إثر ذلك فرض الحجاب، قد عرفناك يا سودة، سودة امرأة طوال ضخمة، قد تعرف المرأة من ... ، لكن لا يعرف منها شيء، ولا يستدل بأي أمر يظهر على ما خفي وبطن، وكان النساء يجررن الثياب خلفهن ذراعاً، ذراع الثوب خلفها، ومع الأسف أن الرجال الآن هم الذين يجرون الثياب، والنساء ثيابهن قصيرة، وما قصر من الثياب أكمله فتح القميص من الجانبين، كما قال القرطبي -رحمه الله-: من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين" كأنه أمر صار عادي ومألوف، يعني إذا أريد إشارة على شيء للرجال صور رجل والثوب يسحبه أو البنطلون يسحبه، وإذا صور هذا علامة على أن هذا مدْرسة بنات وإلا أمر نسائي اللباس قصير ((حذو القذة بالقذة)) مثل ما عند الكفار "ما يعرفن من الغلس، وقال قتيبة: متلفعات" ومتلففات أو متلفعات والمعنى واحد.

"قال أبو عيسى الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر" وهو عند ابن ماجه وعن "وأنس" بن مالك عند البخاري، "وقيلة بنت مخرمة" عند الطبراني في قصة طويلة، اعتنى بها أهل الغريب؛ لأنها قصة طويلة فيها طرافة وفيها فصاحة ذكرها الحافظ في ترجمتها في التهذيب والإصابة وهي أيضاً موجودة في طبقات ابن سعد، وغيرها يرجع إليها، لكنها حديثة عهد بجاهلية، قالت: قد أقيمت صلاة الغداة تقول: حتى قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي بالناس صلاة الغداة قد أقيمت حين شق الفجر والنجوم شابكة في السماء، والرجال لا تكاد تعارف من ظلمة الليل، فصففت مع الرجال، وأنا امرأة حديثة عهد بجاهلية، فقال لي الرجل الذي يليني من الصف: امرأة أنت أم رجل؟ فقلت: لا، بل امرأة، قال: إنك كدت أن تفتنيني، فصلي وراءك في النساء، والآن تصف المرأة بدون حياء بين الرجال في أقدس البقاع في المسجد الحرام، بل جاءت امرأة في العام الماضي أو الذي قبله تدعي أنها فقيهة، وأنها دكتورة في الفقه، وتدرس في جامعة عريقة طلبت أن تصلي خلف الإمام في المسجد الحرام، وأن الخطاب الرجال يعم النساء، والحث على الصفوف الأولى يشملها، فقيل لها: خير صفوف النساء آخرها، لكنها زعمت أنها فقيهة وأن عندها معرفة بشيء من المسائل، أخيراً أجبرت إجبار إلى أن تنصرف على مكان النساء، فإذا كانت هذه تزعم أنها فقيهة، فكيف بالعوام إذا لم يكن هناك توجيه بقيام كل شخص بما أوجب الله عليه؟! العالم يقوم بدوره، الداعية يقوم بدوره، المعلم يقوم بدوره، ولي الأمر يقوم بدوره، الزوج يقوم بدوره، الأب الأخ، أما إذا ترك الحبل على الغارب فالنساء كما جاء في الحديث الصحيح: ((ناقصات عقل ودين)) لا بد من توجيههن، ولا بد من الأخذ على أيديهن، لا يمنع أن يكون فيهن من كملت، وفيهن من تقرب من الكمال، وفيهن العابدات، وفيهن الصالحات، وفيهن العالمات، لكن في الجملة عموم النساء هذا وصفهن، ولذلك تزاحم الرجال من أجل سنة وترتكب محرمات، وتسجد أمام الرجال وقد يسجد بعضهم من شدة الزحام على شيء من بدنها، وقد رأيناها في المطاف، في أيام المواسم، تأتي لطواف الإفاضة وطواف الوداع فتقام الصلاة وهي في المطاف، فتصلي مع الناس

باب: ما جاء في الإسفار بالفجر:

من يمينها رجل، وعن يسارها رجل ومن خلفها رجل، وهكذا، هذا خلل، هذا خلل بلا شك، لا بد من الانتباه له. "قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، وأيضاً في الباب عن جابر في الصحيحين وأبي بردة وأبي برزة أيضاً في الصحيحين، حديث أبي برزة وأبي مسعود عند أبي داود، فالحديث مروي من طرق متعددة، ولا مجال للنظر في ثبوته؛ لأنه مروي في الصحيحين وغيرهما، وأيضاً جاء عن صحابة منهم من ذكرنا، ابن عمر وأنس وقيلة وجابر وأبي برزة وأبي موسى أو أبي مسعود. وقد رواه الزهري عن عروة عن عائشة نحوه، روى حديث الباب الزهري عن عروة عن عائشة نحوه. يقول الشيخ أحمد شاكر: الزيادة من نسخة ورمز لها بعين، وهي زيادة جيدة، ورواية الزهري عن عروة في الصحيحين وغيرهما، وقد رواه الزهري عن عروة وعن عمرة كلاهما عن عائشة والروايتان صحيحتان. "وهو الذي اختاره غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر ومن بعدهم من التابعين" اختاره غير واحد من أهل العلم، يعني التغليس بصلاة الصبح والتبكير بها، وفعلها في أول وقتها "وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يستحبون التغليس بصلاة الفجر" وبه أيضاً يقول الإمام مالك، وأما الإمام أبو حنيفة فيرى الإسفار. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الإسفار بالفجر: حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)). وقد روى شعبة والثوري هذا الحديث عن محمد بن إسحاق، ورواه محمد بن عجلان أيضاً عن عاصم بن عمر بن قتادة. وفي الباب عن أبي برزة وجابر وبلال -رضي الله عنهم-. حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح، وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين الإسفار بصلاة الفجر، وبه يقول سفيان الثوري وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: معنى الإسفار أن يضح الفجر فلا يشك فيه، ولم يروا أن معنى الإسفار تأخير الصلاة. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في الإسفار بالفجر" الباب الأول في التغليس وفعل الصلاة في أول وقتها بعد التأكد من طلوع الفجر، وهنا الإسفار يعني بعد مضي وقت من صلاة الصبح يسفر فيه الجو ويعرف الإنسان جليسه، بخلاف التغليس الذي لا يعرف فيه جليسه، في الموضع الأول: لا يرى مواضع نبله، وفي الثاني: يرى مواقع نبله، فجاء الإسفار بالحديث المتقدم وبالأحاديث الكثيرة المتظافرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي عادته وديدنه، وأما الإسفار فجاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-. "باب: ما جاء في الإسفار بالفجر" قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد" وهو ابن السري "قال: حدثنا عبدة" وهو ابن سليمان "عن محمد بن إسحاق" محمد بن إسحاق إمام أهل المغازي، تكلم فيه أهل العلم بكلام كثير من أوثق الناس إلى دجال من الدجاجلة، كلام أهل العلم فيه كثير جداً، كتب بعضهم فيه وفي ما قيل فيه أكثر من سبعين صفحة، والخاتمة أن الرجل صدوق، لكنه مدلس لا بد أن يصرح بالتحديث، وإذا حدث في المغازي فهو إمام، وفي غيرها من الأبواب فيه كلام لأهل العلم، وغاية ما يقال فيه: إنه صدوق مدلس، لا بد أن يصرح بالتحديث. "عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة" هنا لم يصرح، الأوسي المدني وهو ثقة من الطبقة الرابعة "عن محمود بن لبيد" صحابي صغير "عن رافع بن خديج" فالحديث يرويه صحابي عن صحابي "عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)) ".

((أسفروا)) يعني صلوا الفجر إذا ضاء الفجر ووضح ((فإنه أعظم للأجر)) أي الإسفار بالفجر أعظم، والمفضل عليه في أفعل التفضيل هنا إذا كان الإسفار أعظم فما المفضل عليه في أفعل التفضيل هنا؟ التغليس، التغليس الذي كان يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)) كيف يقال: إن الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- مفضول بالنسبة للإسفار؟ ولذا طعن بعضهم في الحديث، وضعفه بسبب عنعنة ابن إسحاق، لكنه توبع على ذلك فارتفعت وانتفت تهمة التدليس، لكنه من حيث المعنى أعظم للأجر، وبعضهم يقول: إن أعظم هنا بمعنى عظيم، فإن أجره عظيم، وأحياناً يأتي في المفضول ما يظن به فاضلاً، عادته -عليه الصلاة والسلام- وديدنه التبكير، وما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- ليختار لنفسه إلا الأفضل، وقد يفعل المفضول لبيان الجواز، ويكون في حقه أفضل. يرد في المفضول ما يرفع من شأنه ليدل به على جوازه، الذي أعاد الصلاة بعد أن وجد الماء قيل له: لك الأجر مرتين، لكن الثاني قيل له: أصبت السنة، و ((من عمر شمال الصف كان له كفلان من الأجر)) لكن الحث على يمين الصف لا شك أنه أكثر؛ لئلا يعطل يسار الصف، هذا إن ثبت الخبر عند ابن ماجه وغيره، من أجل أن لا يعطل ويهجر شمال الصف، هل هنا فيه ما يستدعي الحث على تأخير الصلاة عن وقتها؟ الفاضل الذي هو التغليس إلى الإسفار هي في الوقت بلا شك، لكن بعضهم قال: إن المراد الإسفار التحقق من طلوع الفجر؛ لأنه من كثرة ما ورد في التغليس هذا قد يحمل بعض الناس لشدة حرصه على تطبيق السنة أن يصليها قبل طلوع الفجر، فيقال لمثل هذا: أسفر فإنه أعظم للأجر، ونصوص الشرع كما قلنا مراراً: علاج، الذي يؤخر صلاة الفجر يقال له: النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها بغلس، والذي يقدمها ويبادر بتقديمها فيخشى عليه من أن تقع صلاته قبل دخول الوقت يقال له: أسفر فإنه أعظم للأجر.

"قال: وقد روى شعبة والثوري هذا الحديث عن محمد بن إسحاق" شعبة والثوري، شعبة لا يروي عن مدلس إلا ما تحقق سماعه قال: "ورواه محمد بن عجلان أيضاً عن عاصم بن عمر بن قتادة" محمد بن عجلان تابع ابن إسحاق، وشعبة روى الخبر عن ابن إسحاق، فمحمد بن إسحاق له متابع، وروى عنه شعبة الذي لا يروي عن المدلسين إلا ما تحقق سماعه. قال: "وفي الباب عن أبي برزة الأسلمي وجابر وبلال" عن أبي برزة الأسلمي وجابر وبلال يقول الشارح المباركفوري: لم أقف على من أخرج حديثهما، وأخرج البخاري عنهما التغليس، يعني ما وقفت على رواية عن أبي برزة وجابر في الإسفار، لكنهما ذكرا في التغليس، جابر في الصحيحين وأبي برزة في الصحيحين أيضاً، وبلال حديثه عند البزار لكنه حديث صحيح. "قال أبو عيسى: حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح"، "حديث رافع بن خديج -في الإسفار- حديث حسن صحيح". "وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين الإسفار بصلاة الصبح" هل يمكن أن يكون حديث رافع بن خديج بسند الترمذي الذي ذكره حسن صحيح إلا أن يكون من تساهل الإمام الترمذي وإلا ففي أبي إسحاق فيه كلام كثير لأهل العلم، وإذا قلنا بالقول المعتدل: أنه صدوق، قلنا: حديث حسن فقط، لكنه بالشواهد التي ذكرها وبالمتابعات يصل إلى درجة الصحيح. "وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين الإسفار بصلاة الفجر، وبه يقول سفيان الثوري" هو قول الحنفية، عندهم الإسفار بصلاة الصبح أفضل من التغليس عملاً بهذا الحديث. "وقال الشافعي وأحمد وإسحاق" وهم ممن يرون التغليس، قالوا إجابة عن هذا الحديث: "أن يضح الفجر" يعني يتحقق طلوعه "فلا يشك فيه، ولم يروا أن معنى الإسفار تأخير الصلاة". بعض أهل العلم حملوا الحديث على الليالي المقمرة؛ لأن أول الصبح لا يتبين فيها، وحمله بعضهم على الليالي القصيرة ليمتد الوقت؛ لأن الليل قصير، فإذا أسفر بصلاة الصبح أدركها من نام ولم يكفه نوم الليل، فمن أجلهم ورفقاً بهم في الليالي القصيرة تؤخر صلاة الصبح، وهذا يفعله بعضهم.

وحمله بعضهم على الليالي القصيرة ليدرك النوام الصلاة، وجاء فيه حديث عن معاذ لما بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن، وأمره بالتفريق بين ليالي الشتاء وليالي الصيف، وبعضهم قال: إنه يدخل في صلاة الصبح بغلس وينصرف منها حال الإسفار لطول القراءة، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ ما بين الستين إلى المائة من الآيات، فإذا دخل فيها بغلس خرج منها بعد الإسفار. هذا كلام لبعضهم، لكن المعروف أنهم ينصرفون منها ولا يعرف أحدهم جليسه من الغلس، مع طول القراءة، فدل على أنها تصلى في أول وقتها ((إذا صلى أحدكم بنفسه فليطول ما شاء)) جاء في الحديث الصحيح حديث معاذ: ((أيكم أم الناس فليخفف فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء)) النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قرأ في صلاة الليل في ركعة واحدة خمسة أجزاء، قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. يقول: أنا أصلي لنفس فاتتني الصلاة وأريد أن أحقق هذا الأمر: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أقرأ في الركعة الأولى خمسة أجزاء، وفي الثانية أربعة، يترتب على ذلك أن يخرج الوقت وهو في الصلاة، يشرع فيها هو جاء والناس قد صلوا، وبقي من وقت الصلاة ساعة أو أقل من ساعة، فإذا قرأ في الركعة الأولى خمسة قطعاً خرج الوقت، أو لو قرأ البقرة فقط في الأولى وآل عمران في الثانية على طريقة الرسول يخرج الوقت، والرسول يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء)) هل نقول: لا تطول؛ لئلا يخرج الوقت؟ أو نقول: طول لنفسك ما شاء ما دام أدرك ركعة قبل طلوع الشمس فأنت في الوقت؟ هذا الرجل يقول: الرسول يقول: ((فليطول)) هذا أمر، لكن هل هذا الأمر للإلزام أو للإباحة؟ لأنه بعد حظر، بعد منع، إذا كان في جماعة لا يجوز أن يطول عليهم بما يشق عليهم، ثم جاء الإذن له إذا صلى وحده، فيكون للإباحة، لا يكون هو الأفضل، أن يصلي ركعة في الوقت بحجة أنه يطول لنفسه ما شاء، ثم بعد ذلك ركعة بعد الوقت ويكون بذلك قد أدرك الصبح، هو أدرك الصبح بلا شك ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) لكن إخراج الصلاة عن وقتها لا شك أنه مفضول، وإن كان جائزاً في الجملة، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: نود توضيح حقيقة وقت الفجر حيث ظهر فتوى بتقديم تقويم أم القرى. الآن لو نظرنا إلى تقويم أم القرى وصلينا بعد طلوع الفجر حسب التقويم ركعتي الصبح ثم أقيمت الصلاة، الآن يطلع الفجر هنا أربع وسبع دقائق أو ثمان دقائق، افترض أنه أذن أربع وسبع دقائق وفرغ من الأذان أربع وعشر، ثم صلينا الركعتين وأقيمت الصلاة أربع وربع على التقويم، وقرأنا في صلاة الصبح على طريقة قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- بين الستين إلى المائة، هل نخرج منها بغلس أو بإسفار؟ خلونا على هذا التدريج، نخرج بغلس وإلا بإسفار؟ لا شك أننا نخرج بإسفار، وهناك لجان تعمل على تثبيت الوقت الصحيح وشُكل لجنة وراقبت الأوقات في أقصى الشمال -شمال المملكة- وفي أقصى الجنوب، وفي الوسط وفي الشرق والغرب، فكانت نتيجتها أن التقويم قد يتقدم دقيقتين أو يتأخر دقيقة، لما أجريت هذه المراقبة بدقة من ناس لديهم الخبرة والمعرفة والعلم الشرعي فهذه من أواخر اللجان التي خرجت، وهناك لجنة خرجت قبل عشر سنوات اثنا عشر سنة على وقت الشيخ ابن باز وأقرها وأفتى بموجبها ونشرت الفتوى في الصحف، ولا ينكر أنه يوجد من طلاب العلم من خرج لمراقبة الأوقات، وأثبت فرق، هذا لا ينكر، لكن أظن أن مرد الاختلاف إلى فهم دخول الوقت، فالمراد بالخيط الأبيض من الخيط الأسود هو شيء رقيق رفيع لا يدركه أكثر الناس، وطلوع الفجر إذا قلنا: إنه من انفجار الضوء هذا يدركه كل أحد، وقد يكون بين الخيط الأبيض وبين انفجار الصبح قد يكون فيه وقت، وهذا هو الذي أثبته بعضهم، فهل الوقت منوط بالخيط الأبيض من الخيط الأسود كالامتناع من الأكل والشرب أو من انفجار الوقت ووضوحه؟ أظن أن هذا هو محل الاختلاف بين هذه اللجان التي تخرج، ويحصل بينها من الخلاف ما يحصل.

كتاب الصلاة (3)

جامع الترمذي - كتاب الصلاة (3) شرح: باب: ما جاء في التعجيل بالظهر، وباب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر الشيخ/ عبد الكريم الخضير هذا يقول: كيف الجمع بين قول ابن تيمية: "وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا لا يمكن ادعاؤه قط، ومن انتقد ذلك فقد أخطأ خطأً بيناً فاحشاً" وبين قول بعض العلماء في ابن تيمية نفسه: "وكل حديث لا يعرفه شيخ الإسلام فليس بحديث" ثم أليست السنة كلها قد حفظت؟ فكيف الجمع بين هذا وهذا؟ قول شيخ الإسلام -رحمه الله- أنه لا يمكن لشخص واحد أن يحيط بجميع ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا كلام صحيح ودقيق أيضاً، لا يمكن يدعى لشخص أنه أحاط بجميع ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدليل قوله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] هذا من جهة. الأمر الثاني: أنه لا يزال يكتشف كتب فيها ما ليس في غيرها، خفيت على من حفظ الكتب التي قبلها، ولا يظن بذلك أن الدين قد ضاع منه شيء في عصر من العصور، كلا، هذه الأحاديث التي توجد في السنة ما يغني عنها، في السنة ما يغني عنها وإن كانت أحاديث على اصطلاح أهل العلم.

السيوطي وهو متأخر في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر يقول: إنه يحفظ أكثر من مائتي ألف حديث، وأنه لو وجد أكثر من ذلك لحفظه، هذا وهو متأخر، ويوجد أيضاً في المتأخرين في وقتنا من يحفظ الألوف من الأحاديث، لكن مع ذلك هل يساوى هؤلاء بمثل حفظ الإمام أحمد؟ الذي يحفظ سبعمائة ألف حديث، ومع ذلكم الإمام أحمد خفي عليه من الحديث الشيء الكثير، بدليل أنه أفتى بأقوال الصحابة في مسائل فيها أحاديث خفيت عليه، وبدليل أنه اجتهد في مسائل فيها نصوص، ولم يقل أحد أن هذا الاجتهاد صحيح؛ لأن النص لا يعرفه أحمد، بل قالوا: العبرة بالنص، وقد يخفى على الكبير ما يكون لدى الصغير، وقد خفي على أبي بكر أحاديث وجدت عند بعض صغار الصحابة، وكذلك على عمر، وحفظ عبد الله بن عمرو ما لم يحفظه أبو هريرة وإن كان أحفظ منه وهكذا، الدين لا يمكن أن يحيط به شخص، القرآن نعم قد يحيط بحروفه خلق كما هو الحاصل منذ نزوله إلى يومنا هذا؛ لأنه محصور بين الدفتين، أما السنة فهي منتشرة، وأصغر الكتب الأصلية من كتب السنة بحجم القرآن أو أكثر، مع أن حفظ القرآن ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] بينما حفظ السنة ليس تيسيره كتيسير حفظ القرآن، والحديث الواحد يروى من مائة طريق، وفي بعض الطرق ما يختلف في لفظه عما في بعض الطرق الأخرى فكيف يحاط بهذه المئات الألوف من الأحاديث من قبل شخص واحد؟! والناس يتفاوتون في حفظهم منهم المقل ومنهم المستكثر، لكن لا يمكن أن يدعى لشخص أنه يحفظ السنة كلها.

قول بعضهم في شيخ الإسلام ابن تيمية: كل حديث لا يعرفه شيخ الإسلام فليس بحديث هذا يراد منه أن شيخ الإسلام ممن له عناية بالسنة عناية فائقة، وأن حافظته قوية تسعفه في حفظ ما يقف عليه، لكن هناك من الأحاديث ما لم يقف عليه شيخ الإسلام، ومن الأحاديث ما وقف عليه فحفظه وحدث من حفظه، وأخطأ فيه -رحمه الله- وإن كان قليل نادر، لكن مع ذلك ليس حفظه على طريقة أهل الحديث، يعني يختلف حفظ ابن رجب للحديث عن حفظ شيخ الإسلام ابن تيمية، شيخ الإسلام يهمه حفظ المتون الصحيحة؛ لأن الفائدة العظمى من حفظ السنة هو الاستنباط، وذلك يتم بحفظ المتون مع أنه يحفظ من كتب السنة الأصلية المسندة الشيء الكثير، لكن لا يقال: إنه يحفظ كل ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي باب المبالغة في مدح الشخص في سعة علمه وإحاطته وتشبيهه بالبحر لا شك أنه يتجاوز عن مثل هذا. السنة كلها قد دونت حفظت بلا شك، ولم يضع منها شيء، فكيف الجمع بين هذا وهذا؟ كون السنة قد حفظت يوجد من الحفاظ ما يفوته بعض الكتب، وقد قيل: إن صحيح البخاري على أهميته وعظمه ما دخل الأندلس إلا متأخر، ولذلك كانت عنايتهم بصحيح مسلم، جامع الترمذي ما رآه كثير من أهل الأندلس حتى قال ابن حزم وهو منهم -من أهل الأندلس- من محمد بن سورة؟ ما عرفوه، فهذا يدل على أن حفظ الحافظ وإن كان متميزاً متصفاً بالحافظة القوية إلا أنه لن يخرج عن قوله -جل وعلا-: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [(76) سورة يوسف]. يقول: صاحب أوجز المسالك شرح الموطأ: "قال الكرماني في الخميس" فما المراد بالخميس؟ المعروف أن كتاب الخميس كتاب سيرة نبوية، تاريخ الخميس من أحوال أنفس نفيس للبكري، وليس للكرماني، كتاب الكرماني الذي ينقل عنه في الشروح هو شرحه للبخاري واسمه: (الكواكب الدراري) فيتحقق من هذه الكلمة.

باب: ما جاء في التعجيل بالظهر:

وقد يحصل الوهل والوهم للناظر في النقل، قد يقول صاحب أوجز المسالك: "قال الكرماني في الخميس هو الجيش" يعني هو يفسر الخميس في حديث خيبر: "محمد والخميس" يعني والجيش، فيظنها الناظر كتاب، وما أكثر ما يحصل الوهم بسبب عدم الاعتناء بعلامات الترقيم، أو وضع علامات الترقيم في غير موضعها، يقول قال أبو الحسن الزاز: إن كذا حكمه كذا من فقهاء الشافعية، هذا بحث عن ترجمة أبي الحسن الزازان فما وجدها، وسبب ذلك أن إن في صدر كلامه أدرجت ضمن اسمه، والعناية بعلامات الترقيم من النقطتين بعد ذكر القائل وقبل القول هذه في غاية الأهمية، في مصنفات الإمام المجدد -رحمه الله- في قسم الحديث في حديث اقتناء الكلب، وفي رواية وضع نقطتين له قيراطان، يعني الذي يقتني الكلب ينقص من أجره في كل يوم قيراط، وفي رواية له: قيراطان، في رواية له يعني لمسلم ما هي للمقتني، ينقص من أجره قيراطان بدل قيراط، فيحصل من مثل هذا ويتأكد من هذا النقل. يقول: كثر في الآونة الأخيرة الكلام عن ختان المرأة فما حكمه؟ لأنه توجد الآن والله المستعان قنوات وبرامج تذكر مثل هذه الأشياء على أنها عادات اجتماعية متخلفة في بعض البلدان فما رأيكم؟ ختان المرأة جاء فيه حديث الفطرة، ولم يفصل فيه بين الذكر والأنثى، مما جعل بعض أهل العلم يرى أن الحكم واحد بين الذكر والأنثى وهو الوجوب، ولا شك أن الأثر المرتب على الختان بالنسبة للذكر يختلف عن الأثر المرتب على الختان بالنسبة للأنثى، فالذكر لا تتم طهارته إلا بالختان، وأما بالنسبة للمرأة فهو مكرمة، وأحظى لها عند زوجها وأنظر، فالعلة لا تدل على الوجوب، بخلاف العلة في ختان الذكر، وعلى كل الأحوال أقل أحواله الاستحباب. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في التعجيل بالظهر: حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن حكيم بن جبير عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا من أبي بكر ولا من عمر".

وفي الباب عن جابر بن عبد الله وخباب وأبي برزة وابن مسعود وزيد بن ثابت وأنس وجابر بن سمرة -رضي الله عنهم-. حديث عائشة حديث حسن، وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم. قال علي: قال يحيى بن سعيد: وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل حديثه الذي روى عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس وله ما يغنيه)) قال يحيى: وروى له سفيان وزائدة ولم ير يحيى بحديثه بأساً. قال محمد: وقد روي عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل الظهر. قال -رحمه الله تعالى-: حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر حين زالت الشمس. هذا حديث صحيح وهو أحسن حديث في هذا الباب، وفي الباب عن جابر -رضي الله عنهما-. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التعجيل بالظهر" انتهى الكلام على المواقيت إجمالاً، وبدأ الكلام على المواقيت بشيء من التفصيل، فيترجم لكل صلاة بترجمة مستقلة فبدأ بالظهر؛ لأنها هي الأولى، في الحديث الذي بالأمس في الرجل الذي طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- سأله عن المواقيت، وقال له: ((أقم عندنا)) أو ((أقم معنا)) فصلى به يومين، بدأ بصلاة الصبح، النبي -عليه الصلاة والسلام- بدأ بصلاة الصبح، وجبريل بدأ بصلاة الظهر. أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فسأله عن مواقيت الصلاة فقال: ((أقم معنا إن شاء الله)) فأمر بلالاً فأقام حين طلع الفجر، وجبريل بدأ حين أمّ النبي -عليه الصلاة والسلام- بصلاة الظهر، ولذلك يسمونها الصلاة الأولى، وبدأ بها المؤلف في التفصيل، بدأ بالظهر وجعل آخر الأبواب لصلاة الصبح.

بدأ أيضاً التغليس في الفجر، و. . . . . . . . . نعم، المؤلف بدأ بصلاة الفجر على ضوء الحديث الثاني حديث الرجل الذي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما بدأ بالصلاة الأولى كبداية جبريل، هل نقول في هذا اضطراب؟ أو نقول: الأصل أن الصلاة أو اليوم تبدأ صلواته من الصبح، فالصبح هي الأولى بالنسبة لليوم ثم الظهر ثم العصر ثم صلوات العشي المغرب والعشاء، وعلى هذا تكون الوسطى هي العصر من غير إشكال، لماذا لم يبدأ المؤلف والنبي -عليه الصلاة والسلام- حينما علم الرجل بدأ بصلاة الصبح والمؤلف بدأ بصلاة الفجر وجبريل بدأ بصلاة الظهر؟ هل يمكن أن يقال: إنه لم توجد فرصة للبداءة بصلاة الصبح ليلة الإسراء وإلا لبدأ بها جبريل؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- نزل من السماء ليلة الإسراء وبالإمكان أن ينزل جبريل في هذه الليلة في آخرها فيؤمه في صلاة الصبح، لكن من أين لهم أن يجتمعوا والنزول في آخر الليل والحكم لا يلزم إلا بعد البيان، وأما بعد أن حصل البيان بدءاً من صلاة الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر، استقر الأمر على أن الصلاة الأولى بالنسبة لحقيقة الأمر والحال هي صلاة الفجر، وأما بالنسبة لتعليم جبريل هي الظهر ولا اختلاف حينئذٍ. نقول: إنه لا يمكن أن يجتمع الناس صبيحة ليلة الإسراء لصلاة الفجر، نعم اجتمعوا الضحى، وقص عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- الخبر، وأنها فرضت عليه الصلاة، لكن من أين لهم أن يعلموا أن الصلاة فرضت عليهم في وقت الفجر؟ ولو نزل جبريل يؤم النبي -عليه الصلاة والسلام- ويعلمه الأوقات وبدءاً من صلاة الصبح لفات هذا التعليم أكثر الصحابة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما علم الرجل بدأ بصلاة الصبح والمؤلفون كلهم يبدؤون بصلاة الصبح، لماذا لم يبدؤوا بصلاة الظهر؟ لأن الأصل أن الأولى هي صلاة الصبح، وكونها صارت أولى في إمامة جبريل واستمر هذا الوصف لها، استمر هذا الوصف لها هي الأولى في العرف الشرعي، استمر لها هذا الوصف؛ لأن التعليم في صلاة الصبح غير ممكن؛ لأن الصحابة لم يبلغهم فرض الصلاة وقتئذٍ. قال -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التعجيل بالظهر"

"حدثنا هناد" ابن السري، ثقة حافظ، تقدم ذكره مراراً "قال: حدثنا وكيع" يعني ابن الجراح الرؤاسي إمام "عن سفيان" وهو الثوري وهو إمام كذلك "عن حكيم بن جبير" وهو مضعف عند أهل العلم "عن إبراهيم" النخعي "عن الأسود عن عائشة قالت: "ما رأيت أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا من أبي بكر ولا من عمر". فهذا يدل على أن التعجيل بالظهر هو السنة، لكنه تعجيل نسبي، لا يعني أنها تزول الشمس ثم يقام للصلاة، يؤذن لها ثم يقام بحيث لا يترك فرصة للوضوء، ولا لصلاة أربع ركعات الراتبة، لا، هذا تعجيل نسبي، بحيث إذا تمكن الناس من الوضوء وصلاة أربع ركعات راتبة الظهر القبلية يقام للصلاة. يقول ابن قدامة في المغني: "لا نعلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر والغيم خلافاً"، "لا نعلم خلافاً في استحباب تعجيل الظهر في غير حالتي الحر -على ما سيأتي- والغيم" حتى يتأكد من زوال الشمس. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: "وفي الباب عن جابر بن عبد الله" وهو في البخاري ومسلم "وخباب" ابن الأرت عند مسلم "وأبي برزة" الأسلمي في الصحيحين "وابن مسعود" عند ابن ماجه "وزيد بن ثابت" يقول الشارح: ينظر من أخرجه، يعني لم يقف عليه "وأنس" في الصحيحين "وجابر بن سمرة" عند مسلم. "قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن" وذكرنا مراراً أن بعض طلاب الحديث ظهر له بالاستقراء من صنيع الإمام الترمذي أنه إذا قال: حسن واقتصر على الحسن فإن الخبر يكون ضعيفاً، مع أن هذا الاستقراء غير مسلم، نعم هو أغلبي، لكنه ليس بكلي.

الترمذي حسن الحديث لحال حكيم بن جبير، يحكم على الحديث بأنه حسن، وفيه راوٍ ضعيف، يحكم على الحديث بأنه حسن وفيه شيء من الانقطاع، مما جعل أهل العلم يرمونه بالتساهل، ونص على ذلك الذهبي وغيره، قالوا: إن الترمذي متساهل في أحكامه سواءً كان ذلك بالحسن أو بالصحة، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، وفي مقدمته للكتاب يرى أن الإمام الترمذي غير متساهل، وأن تصحيحه وأحكامه معتبره، ويذهب إلى أبعد من ذلك، فيرى أن تصحيح الترمذي توثيق لرجال الخبر، يعني إذا قال: هذا الحديث حسن صحيح فالرواة كلهم ثقات عنده، لكن الواقع يشهد لهذا الكلام أو يرده؟ الواقع يرد هذا الكلام، فقد قال عن بعض الأحاديث: حسن صحيح، وفيه راوٍ ضعيف، وقد يكون فيه انقطاع، وبالجملة أحكام الترمذي مبنية على المجموع لا على الأفراد، ولذلكم الترمذي يعتني بالشواهد، ولذلك يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان وفلان، وحينئذٍ يكون الخبر صحيحاً بالنظر إلى مجموع هذه الأحاديث المروية عن هؤلاء الصحابة لا بالنظر لمفرداتها. قال: "وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم". اختاروا التعجيل الظهر اختاروا تعجيل الظهر يعني بعد التأكد من زوال الشمس وبعد التمكن من فعل ما تطلبه الصلاة من شروط، وأداء أربع ركعات، ولو زيد على ذلك قليلاً لما عد تأخيراً؛ لأن الوقت يزيد على ثلاث ساعات، فما دام في النصف الساعة الأولى السدس ليس بكثير، يعني قليل، فيعد حينئذٍ تعجيلاً، لكن لو أخر ساعتين مثلاً وبقيت ساعة، قلنا: أخر الظهر، وهذا وقت مفضول عند جمهور أهل العلم. قال: "وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم".

وبعض الناس قد ينام في وقت القيلولة ثم إذا انتبه فإذا بالناس قد صلوا، ويقول: ما دام الناس صلوا أنا بصلي منفرد في بيتي فلا فرق بين أن أصليها في الساعة الواحدة أو الثانية وأكسب شيئاً من الراحة زيادة على ما مضى، الوقت باقي لا شك، ولا يأثم بهذا، لكنه مع ذلك فوت أجر التعجيل، ولا يأثم إلا إذا فرط بترك الجماعة، ثم إذا تلا ذلك التفريط للوقت بأن أخرج الصلاة عن وقتها فإثمه أعظم حتى قال بعضهم: إنه إذا كان متعمداً فإنه لا يصليها، فصلاتها بعد خروج وقتها كصلاتها قبل دخول وقتها، ونقل ابن حزم الإجماع على ذلك، وأنها لا تقضى، لكن نقل غيره الإجماع على أنها تقضى، وعلى كل حال جماهير أهل العلم على أنها تقضى، وإن أثم بذلك إثماً عظيماً نسأل الله السلامة والعافية. "قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد" يعني القطان "وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل حديثه الذي روى عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس وله ما يغنيه)) "، ((من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو قدوح)) قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: ((خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب)) يعني الغني على هذا الخبر من يملك خمسين درهماً، يعني ربع النصاب، وإذا قلنا: إن النصاب ست وخمسين ريال سعودي فضة، ربع الستة والخمسين أربعة عشر ريال، هذا غني، الذي يملك أربعة عشر ريال غني، نعم قد يكون غنياً قبل خمسين سنة، قد يكون غنياً قبل خمسين سنة اللي يملك أربعة عشر ريال عربي فضة في ذلك الوقت غني، لكن ماذا عمن يملك أربعة عشر ريالاً يعني تعادل الآن قل: ثلاثمائة ريال، هذا غني وإلا ليس بغني؟ لأن الخبر فيه حد للغنى من الفقر، وليس حداً لوقت من الأوقات لو صح الخبر، فالذي عنده هذا المبلغ لا يجوز له أن يسأل، مع أن هذا المبلغ لا يعيشه يوم واحد، يعني في أوساط الأسر لا يكفيهم يوم واحد، هذا الحديث رواه الترمذي -رحمه الله- في باب من تحل له الزكاة، لكنه حديث ضعيف، وآفته حكيم بن جبير الوارد في حديث الباب.

"قال يحيى: وروى له سفيان وزائدة" روى له يعني روى عنه سفيان وزائدة مما يخرجه عن دائرة مجهول العين "ولم ير يحيى بحديثه بأساً". لكن جماهير النقاد على تضعيفه وإن ارتفعت عنه جهالة العين فبقيت جهالة الحال، بل بقي التنصيص على تضعيفه. "قال محمد" قال محمد ويريد بذلك الإمام البخاري، اسمه محمد، الترمذي اسمه محمد بن عيسى، لكنه لا يقول: قال محمد، وإنما يقول فيما جرت به عادته: قال أبو عيسى، فهو ملازم لكنيته، وإذا ذكر الاسم فيريد به البخاري. ابن حزم في المحلى كثيراً ما يقول: قال أبو محمد، وكثيراً ما يقول: قال علي مرة بالكنية ومرة بالاسم، لكن الترمذي يلزم الكنية، وإذا قال بالاسم فمراده بذلك شيخه إمام أهل الصناعة الإمام البخاري -رحمه الله-. "قال محمد: وقد روي عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل الظهر". الذي معنا عن حكيم بن جبير عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة، وقد روي عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل الظهر، فهذه متابعة من سعيد بن جبير لإبراهيم، وإن كانت أعلى من رواية الباب؛ لأن رواية الباب الواسطة بين حكيم وعائشة واحد أو اثنين؟ اثنان، والرواية التي أشار إليها الإمام البخاري وصدرها بصيغة التمريض الواسطة واحد سعيد بن جبير. قال -رحمه الله-: "حدثنا الحسن بن علي الحلواني" الإمام الترمذي يعني أورد الرواية أو أورد حديث عائشة وفيه حكيم بن جبير وهو ضعيف، وأشار إلى أحاديث صحيحة لا إشكال فيها، بعضها في الصحيحين، وبعضها في أحدهما، وبعضها خارج الصحيحين، فلماذا عدل عن هذه الأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها ولا مغمز إلى هذا الحديث الذي فيه هذا الراوي وفيه ما سمعتم من الكلام؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . .

الآن عندنا حديث عائشة الذي خرجه الإمام في هذا الباب من طريق حكيم بن جبير وهو مضعف عند أهل العلم، وهناك أحاديث، جابر بن عبدالله في الصحيحين، لماذا لم يخرجه الترمذي؟ ولا يمكن لأحد أن يتكلم فيه ولا في إسناده، حديث خباب في صحيح مسلم، حديث أبي برزة في الصحيحين، حديث أنس في الصحيحين، حديث جابر بن سمرة في مسلم، عدل عن هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة في المراد إلى حديث فيه كلام عند أهل العلم، نقول: هذا شأنه وشأن غيره من أهل العلم الذين لم يشترطوا الصحة، هكذا وقع له الخبر، وهو لم يشترط الصحة فلا يلزم برواية غيره، وإلا لو التزم كل مؤلف في السنة أصح ما في الباب لاتفقوا على أحاديث تتابعوا على تخريجها وأهملت وتركت الأحاديث الأخرى، وإلا قد يقول قائل: ما الذي دعا الترمذي أن يخرج لمحمد بن سعيد المصلوب المعروف بالوضع، ولم ينزه كتابه عن هذا؟ ما الذي دعا ابن ماجه أن يكثر من التخريج للضعفاء؟ وما الذي دعا الإمام أحمد لتخريج أحاديث تسعة أو أكثر قيل: إنها أحاديث موضوعة؟

كل له منهجه، وبذلك تتكامل السنة، يعني لو كان شرط الأئمة واحداً، لحرمنا من كثير من الأحاديث، لو كان شرطهم كلهم التشديد في الصحيحين لضاع علينا أحاديث كثيرة جداً، ولو كان شرطهم التساهل كالترمذي وابن ماجه لما استطعنا تمييز الصحيح من الضعيف لا سيما في كثير من طبقات المتعلمين، فوجد هذا التفاوت في شروط الأئمة لتتكامل السنة، وبهذا يعلم خطأ من رأى الاقتصار على الصحيحين، وأُلف في هذا (تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين) ألف فيه كتاب، الأحكام كلها معتمدة على ما في القرآن والصحيحين، لكن كم يضيع على الأمة من حكم مستنبط من حديث رواه أبو داود وهو صحيح أو حسن يصلح للاحتجاج، أو عند الترمذي أو النسائي أو ابن ماجه أو في مسند أحمد، يصفو من هذه الكتب صحيح كثير، فالاقتصار على الصحيحين كما فعل الشيخ عبد العزيز بن راشد -رحمة الله عليه- فهذا لا شك أن فيه تضييع لقدر كبير من السنة، هذه الدعوة تروق لكثير من الناس، دعوى مريحة، كون الإنسان ما يقرأ إلا في القرآن والصحيحين يمكن الإحاطة بها، ويمكن التفقه بسهولة منها، لكن يبقى أن هناك أحكام كثيرة جداً لا توجد في القرآن ولا في الصحيحين، وبهذا تضيع هذه الأحكام، ويوجد جماعة اسمها: الاقتصار على القرآن مع الصحيحين، كل دعوة تجد من يؤديها، ولو خالفت المعقول والمنقول تجد؛ لأن عقول الناس تتفاوت، فلا يقال: لماذا يخرج الترمذي هذا الحديث ويشير إلى أحاديث أخرى عنده خبر أن الحديث ما روي عن فلان وفلان وفلان بأسانيد صحيحة، لكنه لم يستوعب جميع ما وقع له، وأمر ثاني قد لا يقع له حديث أبي برزة أو حديث أنس بإسناده هو، لكن يعرف أنه جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذه الطرق. قال -رحمه الله-: "حدثنا الحسن بن علي الحلواني" معروف، تقدم وأنه ثقة حافظ من الحادية عشرة "قال: أخبرنا عبد الرزاق" وهو ابن همام الصنعاني إمام مصنف "قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر حين زالت الشمس.

باب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر:

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح" وقد رواه البخاري، ولما تقدمت الإشارة إليه قال الترمذي: "وهو أحسن حديث في هذا الباب" حديث أنس؛ لأنه أصح إسناد "وفي الباب عن جابر" وهي زيادة كما قال الشيخ أحمد شاكر لا لزوم لها؛ لأن الإشارة إلى حديث جابر تقدمت. قال: وفي الباب عن جابر بن عبد الله تقدم، وإن كان مراده جابر بن سمرة فقد تقدم أيضاً حيث ذكره الترمذي فيما سبق. هذا الحديث يدل على تعجيل الظهر، صلى حين زالت الشمس، يقول ابن الهمام وغيره من فقهاء الحنفية: "هو محمول عندنا على زمان الشتاء، أما في أيام الصيف فالمستحب الإبراد" وسيأتي حديث: ((إذا اشتد البحر فأبردوا)) في الباب الذي يليه، ويأتي بيان ما يراد بالخبر. قال: "وهو محمول عندنا على زمان الشتاء" لا يلزم أن يكون في الشتاء في شدة البرد، في شدة البرد وفي اعتدال الجو وفي الحر المحتمل، بخلاف ما إذا اشتد الحر فالسنة التأخير، فقوله: "محمول على زمان الشتاء" ليس بدقيق، وإنما هو محمول على زمان الشتاء والربيع والخريف وأوائل الصيف، وأواخر الصيف إلا إذا اشتد الحر فالسنة الإبراد. سم. عفا الله عنك: قال المؤلف: باب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر: حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)). وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر وابن عمر والمغيرة والقاسم بن صفوان عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وأنس -رضي الله عنهم-. وروي عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا ولا يصح. حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال الشافعي: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد، فأما المصلي وحده، والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر.

ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع، وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي. قال أبو ذر: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بلال أبرد ثم أبرد)) فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد. قال -رحمه الله-: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: أخبرنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن عن زيد بن وهب عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم فقال: ((أبرد)) ثم أراد أن يقيم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أبرد في الظهر)) قال: حتى رأينا فيء التلول ثم أقام فصلى فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة)) هذا حديث حسن صحيح. يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر" . . . . . . . . . حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)). . . . . . . . . .

الظهر ساعتين مثلاً هل يدخل البرد؟ هل يحصل البرد؟ هل يخف الحر؟ أو أخرنا ثلاث ساعات قبيل خروج وقتها؟ وهل صلاة العصر تقع في وقت بارد أو حار؟ حار، فهل ينحل الإشكال في تأخير الصلاة إلى آخر وقتها؟ الحديث في الصحيحين وغيرهما ليس لأحد كلام ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) وعند البخاري: ((بالصلاة)) يقال: أبرد أي دخل في البرد، وأظلم إذا دخل في الظلام، وأنجد إذا دخل نجد، وأتهم إذا دخل تهامة وهكذا، فهل إذا أخرنا الصلاة إلى آخر وقتها هل نكون أبردنا يعني دخلنا في البرد في الوقت البارد؟ الليل ليس ببارد في الصيف فضلاً عن كوننا نؤخر الصلاة إلى آخر وقتها الحر لا يزول، لكن المراد دفع المشقة الحاصلة على المصلين إذا صليت الظهر في أول وقتها، لماذا إذا صليت في أول وقتها؟ لأنهم سوف يخرجون إلى الصلاة في الشمس، فالحيطان ليس لها ظل، لكن إذا أخرت الصلاة إلى آخر وقتها فإنه يكون للحيطان ظل، وأيضاً بالإمكان أن يكون الخروج للصلاتين مرة واحدة، إذا أخرت الظهر والسنة تعجيل العصر -على ما سيأتي- يكون المصلي يخرج إلى الصلاتين مرة واحدة، فتقل عليه المشقة علماً بأن العلة الأولى كافية، وهي أن يكون للحيطان ظل يستظل به من يخرج إلى صلاة الظهر يتحقق بذلك الإبراد؛ لأن المشي في الظل إبراد بالنسبة للمشي في الشمس ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) والمراد بها الظهر ((فإن شدة الحر من فيح جنهم))، ((اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء فأشد ما تجدون من الحر هو من ذلك النفس، وأشد ما يوجد من البرد هو من ذلك النفس)) نفس الشتاء ((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) يعني من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان أفيح أي متسع، وهذه كناية عن شدة استعارها في هذا الوقت، وإذا اشتد استعارها مع وجود النفس التي تتنفس فيه، لا شك أن الأثر يصل إلى الأرض فيتأذى بذلك أهلها.

قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر" أبي سعيد عند البخاري، وأبي ذر عند البخاري ومسلم "وابن عمر" عند البخاري وابن ماجه "والمغيرة والقاسم بن صفوان" عند أحمد "عن أبيه" عند أحمد في المسند وعند الطبراني "وأبي موسى" عند النسائي "وابن عباس" عند البزار "وأنس" عند النسائي. المقصود أنه جاء الأمر بالإبراد في أحاديث كثيرة مروية عن عدد من الصحابة، منها ما في الصحيحين ومنها ما هو خارج الصحيحين. قال -رحمه الله-: "وروي عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا ولا يصح" رواه البزار وأبو يعلى، وفي إسناده محمد بن الحسن بن زبالة، وهو شديد الضعف، بل نسب إلى الوضع كوضع الأحاديث. "قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، إضافة إلى الترمذي: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه "وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر" يعني الحديث صحيح وصريح في الأمر بالإبراد، والترمذي يقول: "اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر، يعني من مزايا جامع الترمذي التي يمتاز بها عن كثير من كتب السنة الإشارة إلى أقوال أهل العلم وإلا فالعبرة والمعول على أمره -عليه الصلاة والسلام-. قال: "وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة أيضاً "وقال الشافعي -رحمه الله-: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد، فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر". هذه المسألة مسألة الرخص، الرخص عند وجود المشقة هل تختص بمن تتحقق فيه العلة وهي المشقة أو أن الرخصة إذا نزلت عمت؟ لو افترضنا أن شخصاً يسكن المسجد، وفي ليلة مطيرة جمع الناس الصلاة بين المغرب والعشاء، هذا الذي يسكن غرفته في المسجد، ولا يتضرر بالخروج إلى الصلاة، نقول: اجمع مع الناس وإلا انتظر؟ نعم؟

نقول: إن الرخصة إذا نزلت عمت، ولا يقتصر فيها من يشق عليه وإلا لم تنتظم الأمور؛ لأن الناس يتفاوتون في تقدير هذه المشقة، وذلك تابع لاهتمامهم وحرصهم على أمور دينهم من عدمه من جهة، وتابع أيضاً على قوة تحمل أجسامهم مع عدمه مع عدم هذه القوة من جهة أخرى، فالناس يتفاوتون، الحريص على إبراء ذمته ولو كان عليه خطر يقدم الصلاة في وقتها على هذه المشقة التي يحتملها وإن لم يحتملها غيره، الناس يتفاوتون في تقدير هذه الأمور، فمن الناس من هو حريص على إبراء ذمته فلا يجمع مهما كانت المشقة، ومن الناس من يتذرع بأدنى شيء، إذا رأى الغيم قال: اجمعوا، احتمال أن ينزل المطر في وقت صلاة العشاء، يعني قبل وجود السبب، فهم يتفاوتون، والمنظور إليه في هذه المسألة لا الأول ولا الثاني، المنظور إليه أوساط الناس، سواءً كان في اهتمامهم بأمر دينهم أو تحملهم تبعاً لقوة أجسادهم وضعفها، فالمنظور إليه الوسط. هذه المشقة اللاحقة بسبب شدة حرارة الشمس قد يقول قائل: إنها الآن لا داعي لها، البيوت مكيفة والسيارات مكيفة والمكاتب في العمل مكيفة والمساجد مكيفة، ما له مبرر هذا، لكن ليس المنظور له المترف، وإن كان الترف صار صفة عامة بل غالبة لجل الناس، والترف جميع ما ورد فيه من النصوص جاءت على سبيل الذم له، فينبغي للإنسان أن يعود نفسه على شيء من المشقة. هذا المترف إذا لم يجد السيارة في يوم من الأيام عند الباب يمكن ما يصلي في المسجد؛ لأنه عود نفسه على هذا الترف، فعليه أن يعود نفسه على شيء من المشقة فإن النعم لا تدوم، وانظر إلى حالك وحال نظرائك وأقرانك إذا تعطل الكهرباء، يستطيع أحد أن ينام في هذه الأيام بدون كهرباء؟ لا يستطيع، وكانوا ينامون، لكن لما تعودوا على هذا الترف صاروا لا يستطيعون، فعلى الإنسان أن يعود نفسه للظروف الطارئة؛ لأن النعم لا تدوم، وبعضهم يبالغ في استعمال هذه الآلات المريحة يبالغ فيه حتى تنقلب إلى الضد، إلى أن تكون ضارة، فتدخل بعض الأماكن ووجد هذا حتى في المساجد فيمرض بعض الناس بسببها، يعني المسألة مسألة تخفيف لهذا الحر الذي لا يطيقه كثير من الناس، ليس المراد أن يقلب الصيف شتاء، أن يقلب الصيف إلى شتاء.

قبل عشر سنوات جاء شخص من أبها إلى الشيخ ابن باز وهو في الطائف -رحمه الله- فقال له: لو جئت يا شيخ إلى أبها لكانت أفضل من الطائف، نسعر النيران في الظهر، ونلتحف البطاطين، قال الشيخ -رحمه الله-: إحنا نتأذى من الشتاء نفرح إذا خرج الشتاء فكيف نذهب إليه وفي مقدورنا أن نجلس هنا في الطائف والطائف جوه متوسط معتدل يعني ما هو مثل نجد وإلا الحجاز مكة فيه حرارة، وليس مثل أقاصي الجنوب وأعالي الجبال برودة شديدة، على أن الحرارة بدأت ترتفع تدريجياً حتى في أبها، أبها الآن تشغل المكيفات، وكثيراً ما يتحدثون عن الاحتباس الحراري، وتبحث المسألة على أعلى المستويات لإيجاد حلول لما يحصل على ما قالوا سنة خمسين، سنة (2050م) يقولون: إنه حر شديد لا يطاق، والله المستعان. نعم ملاحظ أنه كل سنة أحر من التي قبلها، لا سيما في المصايف، لكن لا يعني هذا أننا نصل إلى هذا الحد في تصديق أعداء الله، سنة خمسين يقولون: السكنى على الأرض لا تطاق، لا بد من إيجاد حلول من الآن، وسئل بعض المهتمين بالإعجاز عن شدة البرد في الشتاء الماضي، في الشتاء الماضي حصل برد شديد أشد من العادة، قال: هذا سببه ما كسبت أيدي الناس، قلنا: هذا الكلام صحيح وطيب {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] وبيان ذلك يقول وبيان ذلك: استنزاف خيرات الأرض التي تساهم في دفئها، يقصد استخراج البترول بكثرة، والله لما قال: بما كسبت أيدي الناس قلنا: هذا الكلام صحيح هذه عقوبات، لكن بيانه سيء، سببه استنزاف خيرات الأرض التي تساهم في دفئ الأرض، ويقصد بذلك البترول فيما بينه فيما بعد، يقول: يترك البتول في مكانه وتبقى الأرض دفئ، لكن إذا كان يدفئ في الشتاء ألا يزيد في حرارة الصيف، أو ينقلب تبريد في الصيف؟ كل هذا كلام لا أصل له ولا أساس له ولا يستند لا إلى عقل ولا إلى نقل، أما بما كسبت أيدي الناس فعلى العين والرأس هذا كلام رب العالمين، ويعفو عن كثير، ولا شك أن آثار الذنوب تأتي بمثل هذا وأشد.

يقول الإمام الشافعي: "إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد" يعني يأتي إليه أهله من أماكن بعيدة بحيث يتأثرون بحرارة الشمس حتى يصاب بعضهم بما يسمى بضربة الشمس أو ما أشبه ذلك، إذا كان يأتي من بعيد، أما إذا كان يأتي من مسافة قصيرة يخرج من بيته ويدخل المسجد هذا ما يضر، يقول الشافعي: مثل هذا لا يؤخر الصلاة، "إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر" يعني لعدم المشقة ولعدم تأذيه بالحر في الطريق، لكن عامة أهل العلم على أن الرخصة إذا نزلت نزلت للجميع، ولو كان بعضهم لا يتأذى بها، فإذا أخر الناس الصلاة أخر معهم ولو كنت ساكناً في المسجد. "قال أبو عيسى: ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر" .... "فأما المصلي وحده -يعني منفرداً- والذي يصلي في مسجد قومه -ولا يحضر من بعد- فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر" يعني لعدم المشقة هذا كلام الإمام الشافعي -رحمه الله-، "قال أبو عيسى: ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالإتباع" لماذا؟ لموافقته ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير تفصيل ومن غير استفصال، ومذهب الشافعي -رحمه الله- الشافعي نفسه معروف عنه الجملة المشهورة: "ترك الاستفصال في مجال الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال" لم يستفصل النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفصل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحر الموجود، ما قال هل هو لجميع الناس أو لبعض الناس أو من لم يتضرر به يفعل كذا، أو من تضرر به كذا، لم يقل هذا -عليه الصلاة والسلام- والاحتمال موجود حتى في عهده -عليه الصلاة والسلام- موجود، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- داره الجدار بجدار المسجد، وله باب على المسجد، وأبو بكر له باب من بيته على المسجد، ما قال من كانت داره بعيدة عن المسجد فليؤخر الصلاة هذا ترك للاستفصال مع وجود الاحتمال الإمام الشافعي يقول: ينزل منزلة العموم في المقال، فيعم جميع المصلين، هذا كلام الشافعي نفسه.

"وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس" فإنه يرد عليه بالحديث السابق وعدم الاستفصال فيه، وأيضاً يرد عليه بحديث أبي ذر "فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي". "قال أبو ذر: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بلال أبرد ثم أبرد)) فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد. يقول ابن حجر في فتح الباري: "جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج، وخصه بعضهم بالجماعة، فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل" يعني شخص معذور في بيته أو امرأة في بيتها تصلي الظهر، هل الأفضل في حقها التعجيل أو التأخير في شدة الحر؟ لا شك أن عموم الخبر يتناول الجميع، لكن العلة: ((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) العلة المنصوصة مفقودة بالنسبة للمنفرد من ذكر معذور أو أنثى تصلي في بيتها، ولذا للنظر في هذا مجال، ولو أخروا اتباعاً للأمر النبوي لما يلامون، لا يلامون في مثل هذا. الإمام الترمذي يرد على الإمام الشافعي بحديث أبي ذر، وفي هذا فوائد فاعتراض الترمذي على الشافعي بحديث أبي ذر يدل على أن الترمذي ليس بشافعي المذهب كما ادعاه الشافعية وترجموا له في طبقاتهم، يدل على أنه ليس بشافعي المذهب، والمرجح في الأئمة كلهم أنهم مجتهدون، أصحاب الكتب الستة عدا أبي داود، فإنه من أصحاب الإمام أحمد، وأما من عداهم فالبخاري ترجم له في طبقات الحنفية مع أنه أشد مخالفة لهم من غيرهم، وترجم له في طبقات المالكية وترجم له في طبقات الفقهاء من سائر المذاهب، وكل يدعيه، ولا شك أن انتمائه لإمام من الأئمة شرف لهذا الإمام، لكن الحاصل والواقع أنه إمام مجتهد في مصاف الأئمة الأربعة، بل عنايته بصحيح السنة قد تكون أبلغ من عنايتهم بها.

قال -رحمه الله-: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود -يعني الطيالسي- قال: أنبأنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن" وهذا وثقه الإمام أحمد وابن معين "عن زيد بن وهب" الجهني ثقة مخضرم "عن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم" وفي رواية: أن يؤذن "فقال: ((أبرد)) ثم أراد أن يقيم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أبرد في الظهر)) قال -يعني فأبرد أكثر مما ذكر لبلال-: "حتى رأينا فيء التلول" جمع تل وهو ما اجتمع من تراب أو رمل كثيب من الرمل ومتى يكون له فيء؟ في وقت متأخر من وقت الظهر؛ لأنه ليس بمرتفع، ليس بشاخص مرتفع يكون له فيء واضح، إنما هو مستوي لكنه فيه ارتفاع؛ لأنه مجتمع بعضه فوق بعض، فإذا كان له فيء لا شك أن الوقت متأخر عن أول الوقت وعن أوسطه أيضاً "حتى رأينا فيء التلول، ثم أقام فصلى فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والفيء هو الظل "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة)) الكرماني في شرح البخاري وهو شافعي المذهب يرد على الترمذي، الترمذي يقول: هم مجتمعون، معه -عليه الصلاة والسلام- في مكان واحد لا يحتاج أن ينتابوا إلى موضع الصلاة من أماكن بعيدة، على هذا استدل الإمام الترمذي بحديث أبي ذر، لكن الكرماني يقول: العادة في العسكر الكثير تفرقهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب الرعي، يعني ما يجتمعون ويتضايقون في مكان واحد بل يتفرقون، للتخفيف يعني تخفيف الضغط على مكان واحد؛ لأن كثرة الناس في مكان واحد لا شك أن فيه شيء من المشقة والتعب، ولو لم يكن تعب جسدي، لكن الإنسان إذا أبعد الناس أحس بشيء من الراحة، للتخفيف وطلب الرعي فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة، يقول ابن حجر: وأيضاً لم تجر عادتهم باتخاذ خباء كبير يجمعهم، يعني ما يضرب لهم خباء يجتمعون فيه، فيقال: هم مجتمعون، بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر، وليس هناك كِنٌ يمشون فيه، فليس في الحديث ما يخالف ما قاله الترمذي، يناقشون الترمذي في استدلاله بحديث أبي ذر على ضعف ما ذهب إليه الشافعي، ولا شك أن ما قاله الكرماني وابن حجر ظاهر، يعني الجيش إذا كان كبير يحتاجون

إلى أن يجتمع، يعني يعادلون حي من الأحياء، ويتفرقون تبعاً للبحث عن الظلال تحت الأشجار، وتبعاً لإبلهم ومواشيهم في تتبع الرعي، وأيضاً للتنفيس؛ لأن الاجتماع اجتماع العدد الكبير في مكان واحد لا شك أنه يوجد شيئاً من المشقة، فكلامهم ظاهر. لكن يبقى أن الحديث باقٍ على عمومه لعدم الاستفصال وعدم التفصيل، وسواء كانوا ينتابونه من قرب أو من بعد فالمشقة حاصلة لبعضهم فتنزل الرخصة لجميعهم كما هو مقرر عند أهل العلم. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود. هذا بالنسبة لصلاة الظهر في شدة الحر فماذا عن الجمعة؟ الجمعة هي في وقت الظهر في شدة الحر، فهل نقول: يبرد بالجمعة كما يبرد بالظهر؟ أو نقول: إن الناس مأمورون بالتبكير لصلاة الجمعة؟ فيعانون بالتعجيل لا بالتأخير، إذا أمروا أن يأتوا في الساعة الأولى أو الثانية أو الثالثة هم مأمورون، وجاء الحث على التبكير، ((من بكر وابتكر)) إلى غير ذلك، هل يلغى هذا في الصيف، هذا الفضل يلغى في الصيف؟ أو هو باقٍ على عمومه في جميع أيام العام، وإذا كان استحباب التبكير باقياً في جميع العام فإنه لا يستحب تأخير الجمعة للمشقة على الموجودين الذين ينتظرون الصلاة، يعني نحن نعين بالتأخير الناس الذين لم يبكروا إلى الجمعة، هم في بيوتهم، نقول: لا تحضرون يعني بالإبراد كأننا نقول: لا تبكروا، لا تبكروا إلى الجمعة، اجلسوا في بيوتكم حتى يبرد الجو، ولذا قال ابن العربي: فرع إذا اشتد الحر فلا يبرد بالجمعة قاله سفيان، واختلف في ذلك أصحاب الشافعي والصحيح عندي مذهبنا؛ لأن الناس يبكرون إلى الجمعة والناس ينتابونها من بعد، فيخفف عنهم بالإسراع بها، قد يقول قائل: هؤلاء الذين بكروا إلى الجمعة جلسوا في المسجد والمسجد مظلل مسقوف، وهؤلاء الذين تأخروا إلى مجيء وقت شدة الحر الذي هو الزوال يقال لهم: تأخروا، فالذين في المسجد في ظل لا يتضررون بحر الشمس، والذين في بيوتهم عليهم أن يتأخروا حتى يُبرِدوا.

لكن المشقة في مثل هذا وإن دخل تخفيفها في حديث الباب إلا أن المشقة اللاحقة بمن حضر إلى صلاة الجمعة مبكراً أشد من المشقة اللاحقة بمن جاء إلى الجمعة متأخراً في وقت شدة الحر، والشارع لا يراعي طرف على حساب طرف، لا يمكن أن يراعي الشارع الذين تأخروا على حساب الذين تقدموا، وقد جاءوا بأمر من الشارع، كما أنه في الزكاة لا يراعي مصالح الفقراء على حساب الأغنياء، ولذا جاء في نصوص كثيرة مراعاة أحوال الأغنياء، ((وإياك وكرائم أموالهم)) فالجمعة لا تؤخر عن وقتها، بل تصلى في أول وقتها؛ ليعان أولئك الذين امتثلوا وجاءوا مبادرين مبكرين إلى الجمعة، ولا يؤخرون من أجل الذين تأخروا وخالفوا هذا الأمر، وهذا الحث على التبكير. نقف على هذا؟

كتاب الصلاة (4)

جامع الترمذي - كتاب الصلاة (4) شرح: باب: ما جاء في تعجيل العصر، وباب: ما جاء في تأخير صلاة العصر، وباب: ما جاء في وقت المغرب. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هو السؤال عن المسعى الجديد هل يصح السعي فيه أم لا؟ لا شك أنه أفتى من أفتى بجواز وصحة السعي فيه، وفيهم من تبرأ الذمة بتقليده، فمن اعتمر وسعى في هذا المسعى مقلداً لمن تبرأ الذمة بتقليده مثل الشيخ ابن جبرين، لا سيما إذا كان من عامة الناس الذي ليست لديه أهلية النظر فمثل هذا تصح عمرته؛ لأنه قلد من تبرأ الذمة بتقليده، ومن توقف لتوقف أكثر الكبار في هذا المسعى فلا شك أنه على الجادة، لكن يبقى أن من اعتمر من عامة الناس مقلداً للشيخ ابن جبرين ومن أفتى بالجواز، والشيخ تبرأ الذمة بتقليده، عمرته صحيحة، ولا يلزمه شيء، لا دم ولا غيره. وأما بالنسبة لرأي المطلوب في هذا السؤال وفي غيره من الأسئلة حقيقة السعي لا يصح إلا بين الصفا والمروة، والبينية لا بد من تحققها، ولا يعرف تحقق هذه البينية إلا من أدرك الجبلين قبل التصرف فيهما، أما من لم يدرك الجبلين قبل التصرف فيهما فهذا ليس له أن يتكلم في هذا الباب؛ لأن أقوال المؤرخين مختلفة ومضطربة، والبحوث التي قدمت في هذا الباب أيضاً فيها اضطراب كبير، لا يتسنى معه القطع والجزم بأن هذا طول الصفا أو هذا طول المروة، فالذي أدرك والشيخ ابن جبرين -حفظه الله- يقول: أنا حججت سنة تسع وستين يعني قبل التصرف بسنين وكان المسعى أوسع من هذا، لكنه في الجملة كلام غير محدد، كونه مجرد أوسع، أوسع من أي جهة؟ أوسع من جهة المسجد أو من الجهة الأخرى؟ الله أعلم. المقصود أن مثل هذا الذي لم يدرك الجبلين قبل التصرف فيهما لا يسعه في هذا الباب إلا السكوت حتى يجزم بذلك من أدرك، والمسألة يعني منتظرة من قبل الكبار، كبار العلم والسن أنهم يتفقون على شيء معين، ثم يفتى به، وأما بالنسبة لي الآن فأنا متوقف. يقول: اطلعت أمس على تحقيق لكتاب التلخيص للنووي، والخلاصة لنظر الفريابي ذكر في مقدمته أنه أخرج فتح الباري لابن حجر في تسعة عشر مجلداً ما مستوى تحقيقه لكلا الكتابين؟

أما كتاب التلخيص هذا لم أطلع عليه، وأما بالنسبة لفتح الباري فهو موجود ومعروف، وتحقيقه في الجملة من أفضل الموجود، لا يقال: إنه بلغ الغاية، لا، الكتاب ما زال بحاجة إلى مزيد من التحقيق، ما زال بحاجة إلى مزيد من التحقيق فهو صحح بعض الكلمات التي وجدت في الطبعات السابقة، لكنه لم يقف ولم يعتمد مخطوطات، ووقع في أشياء، لكن من ميزة هذه الطبعة أن فيه أكثر من مائة وخمسين مسألة عقدية دونت وعرضت على الشيخ عبد الرحمن البراك -حفظه الله- فعلق عليها، إضافة على تعليقات الشيخ ابن باز، ولا يقال: إن الشيخ عبد الرحمن البراك قرئ عليه الكتاب كاملاً وعلق عليه، هذا الكلام ليس بصحيح، لا، انتقي مسائل فقرئت عليه فعلق عليها، وتعليقاته نافعة. يقول: إذا كان من شروط البيع العلم بالثمن والمبيع -الثمن والمثمن- فماذا عن حكم ما يسمى بالبوفية المفتوح حيث يدفع الشخص مائة ريال، ويقال: كل حتى تشبع؟ هذا فيه غرر وجهالة، فمن الناس من يأكل بعشرة، ومن الناس من يأكل بثلاثمائة. يقول: بالنسبة لحديث: ((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) ألا يقال: إنه عام حتى للنساء في البيوت من أجل أن العلة هي أن فيه أثر من جهنم في هذا الوقت كما يقال، فالنهي عن الصلاة قبل الزوال من أجل أن جهنم تسجر في هذا الوقت فيكون الإبراد ليس للمشقة وإنما من أجل أثر هذا الحر الذي هو من فيح جهنم؟ على كل حال العلة معقولة وهي شدة الحر: ((إذا اشتد الحر فأبردوا)) فالمرأة وهي بيتها لا يضيرها، لا حر عليها، سواءً كان في أول الوقت أو آخره، والإبراد المراد به أن يكون للجدران ظل يستظل به الخارج إلى الصلاة، والمرأة في بيتها في كن وظل. يقول: إذا كانت صلاة الجنازة على أكثر من شخص ومعهم أطفال هل ندعو للكبار بالدعاء المعروف: ((اللهم اغفر لهم وارحمهم)) .. إلى آخره، ثم ندعو للأطفال لوحدهم أم نكتفي بدعاء واحد؟ لا، تأتي بالدعاء للكبار ثم تثني بالذكر الوارد والدعاء للصغار.

يقول: ما حكم بناء مسجد على عمارة وقف بحيث أن هذه العمارة وقف لصالح مؤسسة خيرية، وهذه المؤسسة تتبنى بناء المساجد ووضع المسجد عليها وصارت العمارة سكن لصالح المسجد، يعني تؤجر لصالح المسجد؟ وهل يصدق على المتبرع أنه بنى مسجد؟ نعم يصدق عليه أنه بنى مسجد، لا سيما إذا كان المسجد له معالمه، له محرابه ومنارته، وله أموره الرسمية بحيث سجل في الأوقاف، ورتب له إمام ومؤذن، مع أن له منارة ومحراب هذا يسمى مسجد، ولا يجوز بيعه بحال حينئذٍ. يقول: ظهر أن الخطأ مني في نقلي عن الأوجز -يعني أوجز المسالك- وعبارته هكذا: "وفي الخميس أورد الكرماني في مناسكه" ولم أتنبه لقوله: "في مناسكه" وهذا من العجلة؟ نعم ذكرنا بالأمس أن الخميس اسمه تاريخ الخميس من أحوال أنفس نفيس، هذه سيرة نبوية مطبوعة في مجلدين، وينقل عنه، وينقل أيضاً، يقول: أورد الكرماني في مناسكه، مناسك الكرماني غير الكرماني الشارح، والمناسك مطبوعة محققة. يقول: هل يعمل بحديث الإبراد في زماننا هذا؟ وهل ترك العمل به ترك للسنة؟ وهل إذا حصل فتنة بترك الإبراد ... ؟ في زماننا لا شك أن الأمور رتبت ونظمت، وصار الاختلاف فيها والتقديم والتأخير وإن كان تبعاً للنصوص لا شك أنه يؤثر على كثير من الناس في أمور دنياهم، ومع ذلك المسألة شرعت لدفع المشقة، فإذا وجدت هذه المشقة فتدفع. يقول: هل في لبس الأولاد للبدلات بنطلون وفنيلة بأس؟ وهل هو تشبه بحجة أنهم يوسخون ثيابهم كثيراً؟ لا، هذا هو التشبه بعينه. يقول: يشير بعض العلماء إلى أن الحديث إذا كان أصلاً في بابه ولم يخرجه البخاري ومسلم فإن فيه علة، فهل هذا صحيح؟ هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن البخاري ومسلماً لم يعما جميع الصحيح، ولم يستوعباه، بل يوجد من الأحاديث الصحيحة الأصول في كتب السنة غير الصحيحين الشيء الكثير، لكن قال بعضهم: إنه لم يفتهما إلا الشيء اليسير؛ لم يفت الصحيحين إلا الشيء اليسير، وهو قول أبي عبد الله بن الأخرم، وقال النووي: إنه لم يفت الخمسة إلا القليل. ولم يعماه ولكن قلما ... عند ابن الأخرم منه قد فاتهما ورد لكن قال يحيى البرُ ... لم يفت الخمسة إلا النزرُ

"وفيه ما فيه" أيضاً، يعني حتى قول النووي فيه ما فيه كناية عن ضعفه. وفيه ما فيه لقول الجعفي: ... أحفظ منه عشر ألف ألفِ يعني من الصحيح أحفظ مائة ألف، البخاري -رحمه الله-. يقول: حديث أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بلالاً بالإبراد في السفر، فكيف تكون العلة عدم المشقة على الناس في مجيئهم وإيابهم؟ ولكن الذي يظهر -والله أعلم- أن العلة ظاهرة، وهي أنه حين يتأخرون تقل حرارة الشمس، والأرض لم تخزن الحرارة كثيراً. نقول: لو قيل هذا في وقت الزوال الأرض لم تخزن الحرارة كثيراً كان أقرب من أن تكون في أثناء وقت صلاة الظهر لم تخزن الأرض، الأرض خزنت، الأرض تشبعت بالحرارة حرارة الشمس. يقول: ما الحكم فيمن خرج عليه وقت الصلاة مسافراً هل يقضيها قصراً أو إتماماً؟ إذا لم يصلها في السفر يعني أدركته في السفر وأراد قضاءها في الحضر أو العكس فإنه يقضيها تامة، هذا قول جمهور أهل العلم. يقول النووي -رحمه الله-: عبد الله بن مالك بنُ بحينة، عبد الله بنُ مالك بنُ بحينة، ولو قرئ بإضافة مالك إلى ابن لفسد المعنى؟ صحيح. واقتضى أن يكون مالك ابناً لبحينة وهذا غلط؛ لأنها أمه، هو إنما هو زوجها، نعم مالك هي أم عبد الله، وهي زوجة مالك، كما يقال: عبد الله بنُ أبي بنُ سلول مثله، لكن لو كان الثالث أباً للثاني لتعين الجر. هل هذا سهو من النووي -رحمه الله-؟ وأن يقصد أنه لا يكون ابن وصفاً لمالك لأنه لا يمكن أن يضاف الاسم إلى ابن؟ يقول: ولو قرئ بإضافة مالك إلى ابن. لا، الأصل أن ابن إذا وقعت بين علمين فيصح أن تعرب وصف، نعت، ويصح أن تعرب بدل، ويصح أن تعرب عطف بيان، وهي حينئذٍ تكون تابعة لما قبلها. كيف يتم التمييز في الإسناد إذا جاء اسم سفيان؟ هل هو ابن عيينة أو الثوري؟

معلوم أن الثوري متقدم على ابن عيينة، وقد اشتركا في بعض الشيوخ وبعض التلاميذ، اشتركا لكن إذا كان بين سفيان وأصحاب الكتب الستة واحد فقط فالذي يغلب على الظن أنه ابن عيينة، وإذا كان بينهما اثنين فالذي يغلب على الظن أنه الثوري، وهي قاعدة ذكرها الذهبي -رحمه الله تعالى-، في آخر الجزء السابع من سير أعلام النبلاء يمكن التمييز بين السفيانين في الأسانيد كما أنه يمكن التمييز أيضاً بين الحمادين بواسطة هذه القاعدة. يقول: ما فائدة الخلاف فيما إذا أدرك المصلي ركعة من الوقت قبل خروج الوقت ثم خرج هل هي قضاء أم أداء؟ ما فائدة الخلاف في ذلك مأجورين؟ هل هي قضاء أو أداء؟ إذا قلنا: إنها أداء قلنا: إنه صلى الصلاة في وقتها، وإذا قلنا: صلاها قضاء، قلنا: إنه صلاها بعد خروج وقتها، ومعروف أنه إذا صلاها في وقتها لم يأثم، إذا كانت صلاته أداء في الوقت فإنه لا يأثم بذلك، وإذا صلاها بعد أن خرج وقتها فإثمه عظيم، لا سيما إذا كان متعمداً لذلك، وإذا أدرك ركعة من الوقت قبل خروجه فقد أدرك الوقت، كما جاء في: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) نعم أدركها على خلاف بين أهل العلم في الإدراك هل تكون كلها أداء أو يكون ما أدركه في الوقت أداء وما أدركه بعد الوقت قضاء؟ لكن قوله: ((فقد أدرك الصبح)) يدل على أنها كلها أداء، وأن الوقت يدرك بإدراك الركعة، وأكثر العلماء على أنه يدرك بإدراك أدنى جزء بدليل من أدرك سجدة كما في بعض الروايات. يقول: ما هو الأصل في التعامل بين العامل ورب العمل؟

الأصل فيه ما يتفقان عليه ويشترطانه بينهما من الشروط الجائزة، والمسلمون على شروطهم إلا ما استثني، فإذا وجد بينهما عقد فيه الشروط بينهما لزم العمل به من الطرفين، إلا شرط ليس في كتاب الله، من الشروط التي تحل الحرام أو تحرم الحلال، أما إذا كانت الشروط جائزة فلا بد من العمل فيها، إلا إذا ظهر أنه لا يمكن تحقيقها، فيتفق على شيء يمكن تحقيقه، ويكون بالنظر إلى هذه الشروط مع الأجرة؛ لأنه قد يشترط صاحب العمل على العامل شروط بأجرة مرتفعة، ثم يتبين أن هذا العامل لا يستطيع تحقيق هذه الشروط فيتفقان على التجاوز عن بعض هذه الشروط مع التجاوز عن بعض الأجرة. وهل يجوز لرب العمل أن يقول: إنني أبني تعاملي على الشك لا على حسن الظن، دون أن يضع الضوابط اللازمة لحفظ الأموال؟ هذا لا يجوز أن يبني أمره على الشك، لا سيما إذا كان العامل مسلماً، فيبنى التعامل معه على حسن الظن، لكن يبقى أنه إذا بدر منه شيء يخالف ما يقتضي حسن الظن فعلى رب العمل وصاحب العمل أن يحتاط لعمله. يقول: حضرت زواج لأحد أقاربي الأسبوع الماضي وبعد العشاء أحضروا آلات الطار لأداء ما يسمى بالسامري، وقد أنكرت ذلك عليهم فقال لي أحد طلبة العلم: إن المسألة فيها خلاف قوي ولا وجه لإنكاري وتحريمي ذلك عليهم؟ لا إنكارك عليهم هو الأصل، إنكارك عليهم هو الأصل، ويتجاوز في مثل هذه المناسبات عن استعمال الدف في مثل الأعراس والأعياد، لكن بقدر ما يحقق هذا الأمر من دون توسع، ومن دون استرسال فيه؛ لأن الأصل في المسلم أنه جاد في جميع أموره. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، الأصل أنه للنساء. يقول: لو صلى مسافر العشاء خلف مقيم أو مسافر يصلي المغرب كيف يصنع هل يتم العشاء أم يقصرها؟ لا بد من إتمامها إذا أتم بمقيم لزمه الإتمام، وكذلك لو صلى خلف من يصلي المغرب لزمه الإتمام. يقول: ما حكم مسألة التورق؟

باب: ما جاء في تعجيل العصر:

مسألة التورق هي: أن يحتاج الإنسان إلى مبلغ من المال ولا يجد من يقرضه ولا من يتعامل معه بمعاملة مجمع عليها كالسلم مثلاً، فإذا احتاج إلى ذلك فلم يجد من يقرضه ولم يجد من يتعامل معه بسلم ونحوه من المعاملات المجمع عليها لا مانع حينئذٍ من مسألة التورق، لكن لا بد من مراعاة جميع ما تتطلبه العقود الصحيحة، بأن يكون البائع الأصلي مالك للسلعة ملكاً تاماً مستقراً، يملك السلعة، ثم يأتي هذا المحتاج إلى هذا المالك فيقول له: أنا أريد هذه السيارة، وقد تكون السيارة غير مملوكة للمالك، لكن لا يبرم معه أدنى عقد، لا مانع أن يعده لكن يبرم معه عقد قبل أن يملك السلعة؟ لا، يكون حينئذٍ باع ما ليس عنده، ولا يجوز ذلك، يملك السلعة ملك تام مستقر، ثم يبيعها على هذا المحتاج بثمن أكثر من قيمتها الحالّة إلى أجل، إلى أجل معلوم، ثم يقبضها ويحوزها المشتري الثاني ثم يبيعها على طرف ثالث، وعامة أهل العلم على جوازها، جماهير أهل العلم على الجواز، عمر بن عبد العزيز وقبله ابن عباس وبعده شيخ الإسلام ابن تيمية يقولون بمنعها وتحريمها، وأنها إضافة إلى أنها صورة من صور الربا أنها تحايل عليه، لكن عامة أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة وأتباعهم كلهم على جوازها، ولا يوجد حل لكثير من احتياجات الناس إلا بها، لكن ينتبه الإنسان إلى أنه لا يحق له أن يأخذ أموال الناس تكثراً، وإنما تكون بقدر الحاجة مع نية الأداء. ما صحت حديث: التهليل عشراً في الفجر والمغرب؟ نعم هو حديث ثابت، يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" عشر مرات بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب. وهل تكون قبل التسبيح أو بعده؟ الظاهر أنها قبل التسبيح؛ لأنه جاء في بعض روايات الحديث أنه وهو ثانٍ رجليه، يعني قبل أن يتحرك مما يدل على المبادرة بها. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف -رحمنا الله وإياه تعالى-: باب: ما جاء في تعجيل العصر:

حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها". وفي الباب عن أنس وأبي أروى وجابر ورافع بن خديج -رضي الله عنهم-، ويروى عن رافع أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تأخير العصر ولا يصح. حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم عمر وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس، وغير واحد من التابعين: تعجيل صلاة العصر وكرهوا تأخيرها، وبه يقول عبد الله ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. قال -رحمه الله-: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن: أنه دخل على أنس بن مالك -رضي الله عنه- في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد فقال: "قوموا فصلوا العصر" قال: فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) هذا حديث حسن صحيح. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تعجيل العصر" أي في تعجيل صلاة العصر بعد التحقق من دخول وقتها بمصير ظل الشيء مثله. قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة" وهو ابن سعيد "قال: حدثنا الليث" وهو ابن سعد "عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة" ابن شهاب محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة أم المؤمنين "أنها قالت: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها".

"والشمس في حجرتها" والشمس الواو هذه حالية، والشمس يعني نورها وضوؤها في حجرتها يعني في داخل حجرتها، لم يظهر الفيء من حجرتها، وكانت حجرتها ضيقة، وجدارها أقل من مساحتها بشيء يسير، جدارها أقل من مساحتها، لأنه لو كان أكثر من مساحتها وقلنا: إن الوقت يدخل حين مصير ظل كل شيء مثله، قلنا: إنه غطى الشمس كاملة، لو قلنا: إن الجدار بمساحة الأرض لكنه أقل منها، فالمستفاد من هذا الحديث تعجيل صلاة العصر في أول وقتها. "في حجرتها" المراد به في جدارها الشرقي، "لم يظهر" يعني لم يرتفع، لم يرتفع من الظهور وهو العلو، ومنه قوله -جل وعلا-: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [(33) سورة الزخرف] يعني يرتفعون، فدل هذا على أن الشمس ما زالت في الحجرة، والحجرة صغيرة، ففيه دليل على أن الصلاة تعجل في أول وقتها، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أنس" يعني في باب تعجيل صلاة العصر عن أنس، وهو في الصحيحين أيضاً "وأبي أروى" عند البزار "وجابر" بن عبد الله في الصحيحين "ورافع بن خديج" أيضاً عند البخاري ومسلم. قال الترمذي: "ويروى عن رافع أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تأخير العصر ولا يصح". "ويروى عن رافع" يعني ابن خديج "أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تأخير العصر ولا يصح" وهو مخرج عند البخاري في تاريخه الكبير والدارقطني والبيهقي في سننهما، وكلهم نصوا على ضعفه، البخاري والبيهقي والدارقطني، كلهم أخرجوه وضعفوه.

"قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح" وعرفنا أنه في الصحيحين وغيرهما "وهو الذي اختاره بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر" يعني التنصيص على بعض الصحابة هل يعني أن من عداهم من الصحابة يرون عكس هذا القول ونقيض هذا القول؟ يعني حينما ينص على عمر -رضي الله عنه- أنه يرى التعجيل فهل معنى هذا أن أبا بكر يرى التأخير؟ عثمان يرى التأخير؟ علي يرى التأخير؟ لا، إنما يذكر من تيسر له ذكره، يذكر من تيسر له ذكره، ولا يعني .. ، إلا إذا نص عليهم قال: وفلان وفلان وفلان يرون التأخير، إنما لا يقال من مفهومه كلامه: أن أبا بكر يرى التأخير، أن عثمان يرى التأخير، أن علياً يرى التأخير، هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأنهم لم يلتزموا بالاستيعاب، لم يلتزموا باستيعاب الأقوال، بل يقتصر على البعض لا سيما من وجد منه نص قولي في المسألة، أو عرف عنه في مسألة اشتهرت أنه عجل أو أخر. "منهم عمر وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس، وغير واحد من التابعين تعجيل صلاة العصر، وكرهوا تأخيرها، وبه يقول عبد الله ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" والليث والأوزاعي، وهو الحق الذي دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة من فعله -عليه الصلاة والسلام-. الحنفية يرون تأخير العصر ويرون أن وقتها لا يبدأ إلا من مصير ظل الشيء مثليه، وسبق ذكر قولهم ودليلهم، وأنهم استدلوا بحديث القيراط ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً نصف النهار بقيراط، ثم استأجر أجيراً إلى وقت العصر بقيراط، ثم استأجر أجيراً إلى غروب الشمس بقيراطين، فاحتج أهل الكتاب فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)) فسبق بيانه والاستدلال منه للحنفية، مع أنهم تركوا الأحاديث الصحيحة الصريحة التي دلالتها أصلية في هذا الباب سيقت لبيان المواقيت، وهذا ضرب مثل، ومعلوم أن الأمثال لا يلزم فيها المطابقة من كل وجه.

وأيضاً وقت الظهر أطول من وقت العصر في كل زمان ومكان حتى على القول بأنه ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله كما سبق تقريره، ذكرنا في درس مضى بالنسبة لوقتنا هذا مثلاً وفي بلدنا هذا، يؤذن للظهر في الثانية عشرة وعشر دقائق، ويؤذن للعصر في الرابعة إلا ثلث، الثالثة وأربعين دقيقة، وبينهما ثلاث ساعات ونصف بينما بين أذان العصر وأذان المغرب ثلاث ساعات فقط أو ثلاث وخمس، ثلاث وأربع دقائق اليوم، أو ثلاث، فالظهر أطول حتى على القول بأن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله. محمد بن الحسن في موطئه ينتصر لإمامه أبي حنيفة، ويقول: العصر سميت عصراً لأنها تعتصر ويضيق عليها، هل تعتصر بالكيفية؟ في الكيفية تعتصر؟ يعني بدلاً من أن تصلى الظهر بعشر دقائق تصلى بثلاث دقائق العصر تعتصر أو أربع دقائق؟ لا، ليس هذا المراد، في الكمية بدلاً من أن تصلى أربع تصلى ثلاث؟ لا، لم يبق إلا اعتصار وقتها، هذا كلام محمد بن الحسن في موطئه، ويرون أن وقتها من مصير ظل كل شيء مثليه إلى أن تصفر الشمس فوقتها ضيق جداً. صاحب الهداية من الحنفية وهو المرغيناني يعلل تفضيل التأخير بتكثير النوافل، لماذا؟ لأن النوافل تنقطع بصلاة العصر، فيقول: لماذا نقطع النوافل بصلاة العصر نؤخر صلاة العصر؟ ولا نزال نصلي نوافل ونكثر من النوافل وحينئذٍ يكون تأخير صلاة العصر أفضل، ومثل هذا الكلام تعارض به النصوص؟ الكلام لا شك أنه من حيث هو صحيح النوافل تنتهي بصلاة العصر، لا صلاة بعد العصر؛ لأن ما بعد أداء صلاة العصر وقت نهي، يقول: بدلاً من أن نصلي بعد مصير ظل كل شيء مثله مباشرة نصلي العصر نصلي بعد مصير ظل كل شيء مثليه، ونستغل هذه الساعة بنوافل، لكن هذا التعليل عليل بالنسبة لما يقابله ويعارضه من النصوص. قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك" أنس بن مالك في آخر عمره ابتلي بأمراء يؤخرون الصلوات، فكان -رضي الله عنه- يصلي الصلاة في أول وقتها ثم يصلي معهم لعدم الشقاق والنزاع، يصلي الصلاة في أول وقتها ثم يصلي معهم.

"عن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف -العلاء- من –صلاة- الظهر" يعني صلى الظهر مع هؤلاء الأمراء في آخر وقتها، انصرف من صلاة الظهر فدخل على أنس في بيته، ودار أنس بجنب المسجد بجوار المسجد، قال أنس: "قوموا فصلوا العصر" لماذا؟ لأنهم صلوا الظهر في آخر وقتها "قوموا فصلوا العصر" يعني في أول وقتها، قوموا فصلوا العصر "قال: فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تلك صلاة المنافق)) " أي العصر التي تؤخر حتى تصفر الشمس أو تكاد أن تغرب ((تلك صلاة المنافق)) التي أخرت إلى آخر وقتها، وفي هذا تصريح بذم تأخير صلاة العصر، تصريح بذم تأخير صلاة العصر؛ لأنه قال: " ((صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس)) " ينتظرها، وهذه جملة استئنافية فيها بيان للجملة السابقة " ((يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان)) " قربت من الغروب؛ لأن الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان، ولذا نهي عن الصلاة في هذين الوقتين، وكذلك إذا قام قائم الظهيرة. ((حين كانت بين قرني الشيطان)) لأن الشيطان إذا قربت الشمس من الطلوع أو الغروب قارنها؛ لأن من الناس -من المشركين من الكفار- من يسجد للشمس، فإذا قارنها اكتفى بأن يرى هذا السجود وكأنه له، ولا شك أن سجودهم للشمس طاعة للشيطان، فسواءً سجدوا للشمس أو سجدوا له هي في النهاية طاعة له. تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، إذا كان الإنسان جالس ينتظر ارتفاع الشمس فمرت به آية سجدة، حال بزوغ الشمس الذي هو أشد وقت النهي، أو يقرأ القرآن وهو ينتظر المغرب فمرت به آية سجدة حال غروب الشمس وهي تغرب بين قرني شيطان فهل يسجد أو لا يسجد؟ تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، والمشابهة مطابقة بين هذه السجدة المفردة التي هي في الأصل للتلاوة وبين سجود عبدت الشمس لها، فهل يسجد القارئ أو لا يسجد؟

عندنا أحاديث النهي: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) "وثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب". الكلام في ذوات الأسباب والتطوع المطلق هذا مضى الكلام فيه مراراً، والذي رجحناه فيما سبق أن الوقتين الموسعين لا مانع من فعل ذوات الأسباب فيها، لكن الأوقات الثلاثة المضيقة لا يفعل فيها شيء من التطوعات ولو كان ذا سبب. نأتي إلى هذه السجدة المفردة التي توافق وتطابق سجود من يسجد للشمس حينما تطلع بين قرني شيطان، وقت طلوعها وغروبها، هل يسجد أو لا يسجد؟ المشابهة تامة، والنهي إنما هو عن الصلاة "ثلاث ساعات كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي، والسجدة المفردة عند كثير من أهل العلم ليست بصلاة، وابن عمر يسجدها على غير طهارة، فهل نقول: النهي عن الصلاة وهذه ليست بصلاة؟ أو نقول: إذا كان النهي عن الصلاة المشتملة على السجود لعدم المشابهة فالنهي عن السجدة المفردة التي تكون فيها المشابهة تامة من باب أولى؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يسجد وإلا ما يسجد؟ الخلاصة؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . .

اعتبرنا أنه ما هو بصلاة، لكن النهي عن الصلاة لماذا؟ لئلا نشابه الكفار وهم يسجدون، يعني النهي عن عموم الصلاة لوجود السجود فيها، صلى لكن في الأوقات الثلاثة نعم باعتبارها صلاة، الكلام لأهل العلم "وأن نقبر فيهن موتانا" هل يشمل الصلاة أو خاص بالدفن؟ المعروف عند الجمهور أنه على الصلاة، لكن يبقى أن المطابقة إنما تتم بالسجود، والسبب سبب النهي إنما هو السجود، ودخول السبب في الحكم قطعي، دخول السبب في النص المشتمل على الحكم وهو المنع هنا قطعي عند أهل العلم، يعني إذا نهي عن الصلاة وأكثر أفعالها ما في مشابهة، قيام وركوع وجلوس ما في مشابهة، المشابهة في السجود، فهل ينهى عن السجود لتحقق المشابهة بالمطابقة أو نقول: في شرعنا السجدة ليست بصلاة وما دون الركعة لا يسمى صلاة والنهي إنما جاء عن الصلاة؟ ترى الملحظ دقيق في مثل هذه المسألة، يعني من باب التنظير: السعي بين العلمين، السعي الشديد بين العلمين في المسعى سببه امرأة، سعي امرأة، امرأة سعت سعياً شديداً في هذا المكان، والعلماء يقولون: إنه لا يشرع السعي للمرأة، فما دام السبب امرأة لماذا لا يشرع السعي للمرأة؟ في مشابهة بين المسألتين، لماذا لا يشرع للمرأة؟ لئلا تتكشف، والمحافظة على سترها أولى من المحافظة بالإتيان بمثل هذا السعي بين العلمين، وأيضاً السعي لهذه المرأة لم يكن على سبيل التعبد، وإنما هو رغبة أو رهبة، ولذا لو خافت امرأة على نفسها وجرت جرياً شديداً خافت من سبع، خافت من وحش من وحوش سواءً كان البهائم أو البشر فجرت سعت سعياً، تلام وإلا ما تلام؟ ما تلام، ولو ترتب على ذلك انكشاف شيء من بدنها، ما تلام، وهاجر حينما جرت وسعت في الوادي بين العلمين، وإن كان العلمين وضع للدلالة على هذا الوادي، ما سعت على سبيل التعبد، والمحافظة على الستر أولى من المحافظة على تطبيق هذه السنة، هذه مسألة، لكن مسألتنا نعود إليها، وهي هل يسجد الإنسان وقت الطلوع فيشبه أو يشابه الكفار في سجودهم للشمس ووقت الغروب فيشابههم؟ أو نقول: إنما نهينا عن الصلاة والسجود ليس بصلاة؟ من يعتبر السجود صلاة والمعروف عند الحنابلة أنه يشترط لها جميع ما يشترط للصلاة، وتفتتح بالتكبير،

وتختتم بالتسليم، هذا أمر واضح ومفروغ منه، لا يسجد، لكن الذي يقول: ليست بصلاة، ولا يمكن أن يطلق على أقل من ركعة صلاة، هذا لا يمتنع عنده أن يسجد. وأصل السجود سجود التلاوة سنة عند جمهور أهل العلم، فلو اتقاه الإنسان في هذا الوقت لكان أحوط له، لو لم يسجد في هذا الوقت لا سيما وقت بزوغ الشمس أو وقت غروبها لكان أحوط له، والسجود ليس بواجب ولا يأثم بتركه، وإن كان واجباً عند الحنفية، ويرجحه شيخ الإسلام، لكن جماهير أهل العلم على أنه سنة. ((حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً)) قام هذا الشخص الذي يرقب الشمس ويصلي صلاة المنافق يؤخرها إلى آخر وقتها، قام فنقر أربعاً، نقر أربعاً يعني كما ينقر الغراب والطائر الحب حينما يلتقطه من الأرض، إن نظرنا إلى الطائر وهو يلتقط الحب هل يتأخر في أخذ الحب من الأرض أم يأخذه بسرعة؟ بسرعة، ((فنقر أربعاً)) يعني ركعات ((لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) ويراد بذلك التخفيف -تخفيف السجود- بحيث لا يمكث إلا بقدر وضع الغراب منقاره فيما يريد التقاطه. الإنسان إذا تأخر على شيء فعله بسرعة، يعني لو أن الإنسان أجل الوتر إلى قبيل طلوع الفجر، تجده يصلي ركعة أو ثلاث بسرعة لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، ولا يدعو ولا يخشع، لماذا؟ لأنه أخرها إلى هذا الوقت الضيق، وهنا أخر الوقت صلاة العصر إلى هذا الوقت فنقرها، وبعض النقارين يحتج بحديث معاذ حينما طول، حينما قرأ البقرة وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أفتان يا معاذ؟ أيكم أم الناس فليخفف)) يقول الشيخ سعد بن عتيق: وليس في هذا حجة للنقارين؛ لأن الذي قال: ((فليخفف)) أم الناس بالصافات، وقرأ في المغرب بالطور، وقرأ بقاف واقتربت، وقرأ بسور طوال وسور صغار، لكن مراعاة المأمومين وملاحظتهم أمر لا بد منه، فلا يطيل عليهم بما يشق عليهم.

باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر:

((لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) هذه صفة المنافقين -نسأل الله العافية- {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [(142) سورة النساء] وبعض المسلمين لا يقوم إلى الصلاة إلا وهو كسلان، إذا أيقظ لصلاة الصبح تجده يتثاقل ويتلوم ويتبرم ولا يقوم إلا على حد الإقامة أو بعد الإقامة، لا يقوم إلا وهو كسلان، هل نقول: إنه بهذا الوصف صار منافقاً؟ هو أشبه المنافقين، لكن ليس بمنافق، والفرق بينه وبين المنافق أن المنافق لولا رؤية من يراه ما صلى أصلاً، إنما يصلي من أجل الناس، وهذا المسلم يصلي ولو لم يره أحد، لكنه أشبه المنافقين بالتثاقل عنها. ((فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) والحديث عند مسلم وأبي داود والنسائي "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في مسلم وغيره. سم. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه". وقد روي هذا الحديث عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة نحوه، ووجدت في كتابي أخبرني علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج وحدثنا بشر بن معاذ البصري قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج بهذا الإسناد نحوه وهذا أصح.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر" تأخير صلاة العصر لا يراد به التأخير الذي يراه الحنفية من اعتصار وقتها إلى آخره قبيل أن تصفر الشمس، ليس هذا هو المراد، وإنما يراد به عدم العجلة والمبادرة في صلاة العصر بعد دخول وقتها مباشرة؛ لأنه في الحديث الأول قد يفهم منه أنه بمجرد مصير ظل كل شيء مثله تقام الصلاة، يؤذن لها ثم تقام، لا، تؤخر قليلاً، تأخيراً نسبياً، والتقديم والتأخير أمور نسبية، فالتعجيل بحيث لا يتمكن المصلي من الوضوء، وصلاة أربع ركعات التي جاء الحث عليها، خلاف هديه -عليه الصلاة والسلام-، هذا التعجيل خلاف هديه -عليه الصلاة والسلام-، لكن التأخير إلى ما يراه الحنفية وغيرهم أيضاً هو خلاف هديه -عليه الصلاة والسلام-، إنما تؤخر بعد دخول وقتها تأخيراً يمكن من الاستعداد لها، وصلاة أربع ركعات، وقراءة شيء يسير من القرآن لمن تعجل، بحيث يلحق من تأخر شيئاً يسيراً، ولا يعد هذا تأخير، وإنما هو تأخير نسبي، وليس التأخير الذي يحتج به الحنفية. قال -رحمه الله-: "باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر". قال: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلاً للظهر منكم" يعني يبادر بصلاة الظهر وأنتم تؤخرونها، "وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" والتعجيل والتأخير المذكوران في الحديث لا يعني أنه تعجيل لا يمكن من فعل ما كان يفعله -عليه الصلاة والسلام- ويحث عليه من فعل الرواتب، والتأخير لا يعني أكثر من ذلك، إنما هو تعجيل وتأخير نسبي، أحياناً تجد بعض الأئمة يعجل صلاة بالنسبة لسائر الناس، ويؤخر أخرى بالنسبة لهم.

دعونا من بعض الناس الذين يفعلون ذلك تبعاً لظروفهم وفراغهم وشغلهم؛ لأنه يوجد من الناس من يفعل هذا، إذا كان لديه ارتباط وإلا شيء عجل، وإن كان ارتباطه قبل الصلاة أخر، هذا لا عبرة به، لكن بعض الناس يكون عنده ديدن يعجل الظهر مثلاً ويؤخر العصر، لملاحظة بعض الأمور الطارئة التي قد تكون بالنسبة لبعض المصلين معه؛ لأن هناك حدث أمور، ولها أثر، فعند الناس ما كان عندهم دوام يلتزمون به، الناس عندهم دوام الآن، فبعض المسئولين يقول: نؤخر صلاة الظهر إلى قبيل نهاية وقت الدوام، لماذا؟ لأن إقامة الصلاة في أثناء الدوام تخل بالدوام، وما دمنا في الوقت ما المانع أن نؤخرها من أجل أن يجتمع الموظفون وكلهم يصلون ثم ينصرفون؟ وهذا يفعل في بعض المدارس، يؤخرون الصلاة إلى قرب نهاية الدراسة ثم بعد ذلك يصلون فينصرفون، وقد يعجلون العصر مثلاً لا سيما إذا كان الدوام في رمضان لئلا يشق عليهم أن يؤخروا الصلاة بعد وقت الدوام بكثير يصلون ثم ينصرفون إلى بيوتهم ليرتاحوا بعد الدوام. هناك أمور لا شك أنها أثرت على أداء الصلوات تقديماً وتأخيراً، يعني في إطار الوقت الشرعي، وقد يكون وجد عند هؤلاء ما يقتضي شيئاً من ذلك، فهم يؤخرون الظهر أكثر مما كان يؤخرها النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمور اقتضت ذلك، وإذا كانت هناك أعذار تبيح ترك الجماعة عند أهل العلم فلئن يباح تأخير الصلاة شيئاً يسيراً عن وقتها -تأخيراً نسبياً- يكون من باب أولى، نظراً للمصالح الراجحة، وأم سلمة تقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" يعني أنهم يعجلون العصر، لا يؤخرونها، لكنهم يعجلونها أكثر من تعجيل النبي -عليه الصلاة والسلام- "وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" بخلاف الظهر. وقلنا: إن التعجيل والتقديم والتأخير أمور نسبية، ولا يراد بذلك التعجيل إما قبل وقتها أو في أول وقتها الذي لا يمكن معه المصلي من ما ندب إليه أو لا يتمكن من القيام بشروط الصلاة قبلها، هذا التعجيل ليس بمطلوب، وليس من هديه -عليه الصلاة والسلام- أنه يؤذن فيقيم، إلا ما كان في وقت الجمع بين الظهرين بعرفة، والعشاءين بمزدلفة.

"قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث عن إسماعيل بن علية عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة نحوه" عن ابن جريج يعني بدل عن أيوب، عن ابن جريج يعني بدلاً من أيوب، وكلاهما عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة، فهذه متابعة لابن جريج أو من ابن جريج لأيوب السختياني، وكلاهما ثقة. قال: "ووجدت في كتابي: أخبرني علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم -هو ابن علية- عن ابن جريج وحدثنا بشر بن معاذ البصري قال: حدثنا إسماعيل بن علية -بشر بن معاذ متابع لعلي بن حجر- قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج بهذا الإسناد نحوه وهذا أصح". قوله: "وجدت في كتابي" ... إلى آخره، هذه زيادات من نسخة من النسخ يذكر فيها من تابع علي بن جعفر وبشر بن معاذ ومن تابع أيوب وابن جريج. هذه لا توجد في أكثر النسخ، "وجدت في كتابي" هذا يسمى وجادة وإلا ما يسمى وجادة؟ وجدت في كتابي، الرواية بالوجادة من طرق التحمل المعروفة عند أهل العلم، وإن كان أكثرهم يحكم عليها بالانقطاع، ويقول: إن فيها شوب اتصال، وجدت في كتابي، هل بالضرورة أن يكون قد رواه مباشرة عن شيخه هذا؟ ومن القائل: وجدت في كتابي؟ هل هو الترمذي أو الراوي عنه؟ الذي يظهر أنه في كتاب الراوي عن الترمذي، وجدت في كتابي عن المؤلف -رحمه الله تعالى-، قال: أخبرنا علي بن حجر، فهذه وجادة، فهل رواها عن الترمذي بطريق الإخبار كما في سائر الكتاب أو وجدها وجادة في كتابه من غير رواية بالتحديث أو الإخبار؟ وكثيراً ما يقول عبد الله بن أحمد: وجدت بخط أبي، وهذا موجود في المسند كثير.

فالرواية بالوجادة معروفة عند أهل العلم لكنها المحكوم عليها عند أكثرهم بالانقطاع، قالوا: وفيها شوب اتصال، لكن لا بد أن يجد بخط شيخه الذي لا يشك فيه؛ لأنه قد يجد كلام في كتابه أُدخل بغير خط الشيخ، وحينئذٍ لا يجوز له أن يرويه عنه، يعني التعاليق، التعليقات على الكتب من هذا النوع، تجد كتاب عليه تعليق، اشتريته مستعمل وجدت عليه تعليقات بخط شخص لا تشك في خطه تقول: وجدت بخط فلان، وإذا كنت لا تعرف الخط تقول: وجدت بخط أو وجدت على هامش كتاب كذا خط نسبة قول إلى قائل مثلاً، وجدت معلقاً عليه اختار شيخ الإسلام ابن تيمية كذا، هل تنسب هذا القول لشيخ الإسلام أو تذكر أنه وجادة؟ وجدته على حاشية كتاب الترمذي منسوب إلى شيخ الإسلام، فمثل هذا لا يجزم بنسبته حتى تجزم بخط الكاتب وأنه ثقة إذا نسب لا ينسب إلا عن تيقن، أما إذا شككت في الخط فلا تنسب. وعلى كل حال التثبت في مثل هذا لا سيما فيما يشك فيه مطلوب، أما إذا كان معروف مشهور عن شيخ الإسلام أنه يقول مثل هذا الكلام هذا لا ما يحتاج تطلب له تأكد ولا سند، فما يوجد بحواشي الكتب هل تنسب إلى من نسبت إليه، مثلاً وجدت الترمذي قرئ على الشيخ فلان، وعليه تعليقات، هل تجزم أن هذه التعليقات من الشيخ فلان أو قد تكون اجتهادات من صاحب النسخة؟ منها ما هو اجتهاد؛ لأن بعض الطلاب يجتهد ويراجع الشروح وينقل من الشروح ويعلق، فلا تجزم بنسبة هذا الكلام إلى الشيخ وإن قلت: وجدت بحاشية كتاب الترمذي أو جامع الترمذي المقروء من قبل فلان ابن فلان على فلان، تبين الواقع كما هو؛ لأن من بركة العلم إضافة القول إلى قائله، لكن أسوأ من هذا بكثير أسوأ من ترك الإضافة أن يضاف القول خطأ إلى غير قائله.

"وجدت في كتابي قال: أخبرني علي بن حجر" يقول الشيخ أحمد شاكر: هذه الزيادات من أول قوله: "ووجدت في كتابي" من نسخة (ع) وهي زيادات جيدة زاد لنا بها إسنادان لهذا الحديث، زاد بها إسنادان لهذا الحديث، وأراد الترمذي -لأنه قال في الأخير: وهذا أصح- وأراد الترمذي بكل هذا أن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية روي عنه هذا الحديث من طريقين، أحدهما: عن ابن جريج والآخر عن أيوب، ورجح الترمذي أن الأصح أن ابن علية رواه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة. أيوب ثقة حافظ لا مغمز فيه ولا مطعن، وابن جريج كذلك ثقة، لكن ما الذي جعل الترمذي يرجح رواية ابن جريج على رواية أيوب؟ وهل نحن بحاجة إلى هذا الترجيح أو لسنا بحاجة؟ لأنه ما في اختلاف ولا تعارض؟ نعم اختلاف في إسناد، لكن ما في تعارض في المتن، ألا يمكن أن يروى الحديث من طريقين من طريق أيوب عن ابن مليكة ومن طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة؟ هذا مثل ما ذكرنا مراراً أن هذه وظيفة المتأخر، ليس عنده أكثر من هذا، لكن الأئمة قد يحكمون على حديث يرويه أيوب بأنه خطأ، وما تجد فيه مخالفة ولا معارضة، يقول: أخطأ فيه أيوب، وهو ثقة حافظ ثبت، ما في أدنى إشكال، والسبب ما أشرنا إليه في درس الأمس؛ لأن عندهم من القرائن ما يستدلون به على خطأ بعض الرواة، وضبط بعضهم، وإن كان الجميع ثقات، وليس عندنا من القرائن ما نستدل به على مثل ما فعلوا. يقول الشيخ أحمد شاكر: "وهي زيادات جيدة زاد لنا بها إسنادان لهذا الحديث، وأراد الترمذي بكل هذا أن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية روي عنه هذا الحديث من طريقين: أحدهما عن ابن جريج والآخر عن أيوب، ورجح الترمذي أن الأصح أن ابن علية رواه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة".

يقول: "وهذا الترجيح عندنا تحكم لا دليل عليه" إن أراد بالدليل الذي نفاه دليل ظاهر يدركه كل أحد فهذا الكلام صحيح، وإن أراد أن الدليل من القرائن الخفية التي تخفى على المتأخر ويدركها المتقدم فكلامه ليس بصحيح، يقول: وهذا الترجيح عندنا تحكم لا دليل عليه؛ لأن علي بن حجر رواه عن ابن علية على الوجهين كما ترى، وعلي بن حجر ثقة حافظ متقن، فلا نرميه بالوهم في روايته عن ابن علية في أيوب إلا لدليل صحيح قوي، ولم يوجد. مثل ما قلنا: إذا أراد بالدليل الظاهر الذي يدركه كل أحد من متقدم ومتأخر نقول: كلامك صحيح، ما فيه شيء، وإن أراد بالدليل الخفي من القرائن التي لا يدركها إلا من عاش في عصر الرواية، أو ساوى ووازى من عاش في عصر الرواية بكثرة المروي والمحفوظ فنقول: هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الإمام قد يقول هذا الكلام خطأ، طيب ليش خطأ؟ الله أعلم، ما يذكر لماذا صار خطأ، وهذا أكثر تعليل الأئمة الكبار بهذه الطريقة، ابن أبي حاتم يقول: سألت أبي وأبا زرعة عن كذا فقالا: خطأ، منكر، ويش الدليل؟ ما ذُكر، فمن تأخر عنهم قد لا يدرك بعض هذه الأمور. قال: وأما رواية بشر بن معاذ وغيره للحديث عن ابن علية عن ابن جريج فإنما تكون تأييداً لرواية ابن حجر الثانية، وإثباتاً لأن ابن جريج حفظه عن ابن علية من الطريق الأخرى، يعني كونه جاء من طريقين، من طريق علي بن حجر وبشر بن معاذ كلاهما عن إسماعيل بن علية عن بن جريج لا يعني أن ما جاء عن علي بن حجر عن إسماعيل بن علية عن أيوب خطأ، هذا ما يريد أن يقرره الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-.

باب: ما جاء في وقت المغرب:

نعود إلى الخبر -خبر أم سلمة- هل خبر أم سلمة مرفوع أو موقوف؟ الخبر مرفوع وإلا موقوف؟ "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" هي تضيف التعجيل والتأخير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من فعله فهو مرفوع، تضيف التعجيل لصلاة الظهر والتأخير لصلاة العصر، وعرفنا المراد بالتعجيل والتأخير في مثل هذا تضيفه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع، قد يكون هذا من اجتهادها، نعم قد تهم في مثل هذا قد يوجد الخطأ في مثل هذا لا سيما إذا طال الزمان، وأم سلمة تأخرت كثيراً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى عاصرت من يؤخر الصلاة شيئاً من التأخير، المقصود أن هذا حكمه الرفع؛ لأنها أضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو صحيح على كل حال. سم. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في وقت المغرب: حدثنا قتيبة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب". وفي الباب عن جابر وزيد بن خالد وأنس ورافع بن خديج وأبي أيوب وأم حبيبة وعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنهم-، وحديث العباس قد روي موقوفاً عنه وهذا أصح، والصنابحي لم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صاحب أبي بكر -رضي الله عنه-. حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من التابعين اختاروا تعجيل صلاة المغرب، وكرهوا تأخيرها، حتى قال بعض أهل العلم: ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد، وذهبوا إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث صلى به جبريل وهو قول ابن المبارك والشافعي.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في وقت المغرب". . . . . . . . . حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى المغرب في أول وقتها حين غابت الشمس، حين وجبت الشمس، تقدم هذا في أحاديث، ثم صلى به في اليوم الثاني في الوقت نفسه، وقلنا: إن في هذا دليلاً لمذهب الشافعي الذي يرى أنه لا وقت لصلاة المغرب أكثر من هذا، من أن يستعد لها بالوضوء، وصلاة ثلاث ركعات، وبعد ذلك يأثم الإنسان إذا أخرها؛ لأنه خرج وقتها؛ لأنه صلاها في اليومين في وقت واحد، مما يدل على أنه ليس لها إلا وقت واحد، والجمهور على أن لها وقتين: أول وآخر كغيرها من الصلوات، وجاء البيان في حديث عبد الله بن عمرو وغيره، ووقت صلاة المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق. قال: "حدثنا قتيبة -هو ابن سعيد- قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل -المدني ثقة- عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع" تقدم لنا أن الترمذي ليس فيه ولا حديث ثلاثي، وهذا الحديث رباعي فيعد من عواليه، من العوالي، وابن ماجه فيه أحاديث ثلاثية، حديث الترمذي هنا رباعي، ابن ماجه فيه أحاديث ثلاثية يسيرة، وأظن الترمذي فيه حديث أو حديثين نسيت الآن، أبو داود ليس فيه حديث إلا ما ذكر من الاختلاف في حديث أبي برزة في الحوض هل هو ثلاث أو رباعي؟ والصحيح أنه رباعي، القصة ثلاثية والحديث رباعي، هذه الأحاديث العوالي الثلاثيات في البخاري منها: اثنان وعشرون حديثاً، منها حديث الباب، في البخاري ثلاثي؛ لأنه يرويه من طريق المكي ابن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، وأكثر الثلاثيات في صحيح البخاري بهذا الإسناد، المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، في ابن ماجه أيضاً شيء يسير، والترمذي أظن فيه حديث أو حديثين نسيت، أبو داود ما فيه إلا حديث أبي برزة مختلف فيه، ومسلم ليس فيه ثلاثيات، عواليه رباعيات، وأما بالنسبة لمسند أحمد لتقدمه ففيه أكثر من ثلاثمائة حديث ثلاثي، المقصود أن الحديث الذي معنا من ثلاثيات البخاري، والمراد بها ما يكون إسناده بين المؤلف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في ثلاثة من الرواة فقط.

قال: "عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المغرب إذا غربت الشمس -يعني مباشرة- وتوارت بالحجاب"، توارت يعني غابت، اختفت بالحجاب الذي يغطيها عن الناظرين، وتوارت بالحجاب هو تفسير للجملة الأولى "إذا غربت الشمس". "قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر بن عبد الله" وهو عند أحمد في المسند "والصنابحي" وهو عند الطبراني "وزيد بن خالد" عند الطبراني أيضاً "وأنس" بن مالك "ورافع بن خديج" في المتفق عليه "وأبي أيوب" عند أحمد وأبي داود "وأم حبيبة" يقول الشارح: ينظر من أخرجه "وعباس بن عبد المطلب" عند ابن ماجه "وابن عباس" أول حديث في المواقيت، مر بنا، وأيضاً عن أبي هريرة وقد تقدم في الحديث الثالث من أحاديث المواقيت. يقول: "وحديث العباس" يعني الذي أشار إليه، وهو موجود عند ابن ماجه "قد روي موقوفاً عنه وهو أصح" يعني رفعه مرجوح، الأصح في حديثه أنه موقوف عليه. "والصنابحي لم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو صاحب أبي بكر -رضي الله عنه-". فيكون حديثه مرسلاً، حديث العباس موقوف، وحديث الصنابحي مرسل. "قال أبو عيسى: حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة إلا النسائي. قال الترمذي: "وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من التابعين اختاروا تعجيل صلاة المغرب" لحديث الباب، ولحديث رافع بن خديج الذي أشار إليه في الصحيحين "كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحداً وإنه ليبصر مواقع نبله" متفق عليه. إذا انصرفوا من الصلاة يبصرون مواقع النبل حينما ينتبلون بالسهام، فينظرون المكان الذي يقع فيه السهم، هذا دليل على تعجيل صلاة المغرب، ولحديث عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تزال أمتي بخير -أو على الفطرة- ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم)) رواه أحمد وأبو داود.

قال: "وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من التابعين اختاروا تعجيل صلاة المغرب، وكرهوا تأخيرها" يعني وإن كان الوقت يمتد إلى مغيب الشفق، لكنه يكره تأخيرها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- واظب على تعجيلها، وإن أجاز تأخيرها إلى مغيب الشفق، وكرهوا تأخيرها، "حتى قال بعض أهل العلم" وهو قول الشافعي على ما تقدم: "ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد" وهو أول الوقت "وذهبوا إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث صلى به جبريل" يعني في أول الوقت على ما تقدم في اليومين، "وهو قول ابن المبارك والشافعي" وقال الأكثرون: لها وقتان: أول الوقت غروب الشمس وآخره ذهاب الشفق الأحمر ....

كتاب الصلاة (5)

جامع الترمذي - كتاب الصلاة (5) شرح: باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة، وباب: ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة، وباب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها، وباب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: هل الحديث الوارد في رد السلام بالنسبة للمصلي بالإشارة باليد صحيح؟ وما كيفية ذلك عملياً؟ نعم الحديث صحيح. . . . . . . . . يقول: من قال بالتوقف في صحة السعي بالمسعى الجديد. . . . . . . . . . . . . . . . . . وإذا توقف ولم يتبين له حكم فلا يقدم على العبادة إلا ببينة لكن إن ترجح له. . . . . . . . . هذا يقول: هل يجوز الاستمناء عن طريق يد الزوجة؟ هل هذا جائز؟ أجازه أهل العلم لأنه في إطار أزواجهم التي نص .. التي استثنيت {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(30) سورة المعارج] هذا من زوجته. يقول: من كان مسافراً فأدركته صلاة العصر وهو في مطار بلده هل يصليها قصراً أم يتمها؟ هو يتمها لأنه لم يتحقق فيه الوصف المؤثر وهو السفر؛ لأنه لم يسافر بعد، هو ما زال في بلده، ولا يبدأ السفر حتى تقلع به الطائرة، وإذا رجع إلى هذا المطار فإنه يقول: رجعنا إلى بلدنا. امرأة وضعت مساحيق ومزينات على وجهها وأرادت أن تجمع بين المغرب والعشاء تامة بحجة أنها لا تستطيع أن تتوضأ؛ لأنها لو توضأت زالت هذه المساحيق فهل لها ذلك؟ ما كان مثل هذا السؤال يطرق في بلادنا قبل سنوات، لكن تغيرت البلاد ومن عليها، شخص يسأل قبيل أذان المغرب بخمس دقائق ويقال له: إن الشيخ في أذكار المساء انتظر يقول: لا، ضرورة، ضرورة ملحة، طيب ما دام ضرورة يخشى من موت ونحوه هات السؤال، فإذا به مثل هذا، يقول: زوجتي عندها مناسبة الليلة وتضع المكاييج والأسباغ ولا تستطيع أن تتوضأ لصلاة العشاء فهل لها أن تجمع؟ يعني رخصت الصلاة إلى هذا الحد، التي هي عمود الإسلام؟ والله المستعان. لا يجوز لها بحال أن تجمع، مهما كلفها مثل هذا الأمر.

ما معنى قول الترمذي -رحمه الله تعالى-: "هذا حديث حسن صحيح غريب" هل قوله في بعض الأحاديث أنه غريب فقط يعني أنه ضعيف؟ إذا قيل: إنه إذا قال: حسن فقط فالغالب فيه الضعف، فإذا اقتصر على الغرابة من باب أولى، لكن جمعه بين الصحة والحسن محل كلام طويل لأهل العلم بلغت فيه الأقوال إلى خمسة عشر قولاً، والأقوال المعروفة فيما ذكره ابن حجر في النخبة وشرحها ظاهرة وواضحة، لكن هناك إطلاقات من الترمذي لا بد من تخريجها وهذا كله يحتاجه من يقلد الترمذي في أحكامه، وأما من لا يقلد الترمذي بل لديه أهلية النظر في الأسانيد فإنه يحكم على حديث بما يليق به. يقول: أبطأ علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث اختصام الملأ الأعلى حتى كدنا نتراءى قرن الشمس ألا يستدل بذلك على جواز تأخير الصلاة إلى هذا الوقت؟ يعني الوقت يمتد إلى طلوع الشمس، ووقت العصر إلى غروبها، والاصفرار لا يجوز انتظاره إلا لأمر ولحاجة ماسة؛ لأنه ينتهي بوقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فيمتد إلى غروب الشمس، وعلى هذا لو فعل الصلاة في هذا الوقت تكون أداءً، وإذا أخرت لمصلحة راجحة كما كان منه -عليه الصلاة والسلام- في إبطائه فلا مانع من ذلك، لكن لا يتخذ هذا عادة وديدن، إنما الحاجة تقدر بقدرها. قراءة الزلزلة في الفجر مرتين من قال من أهل العلم: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نسي هل يقر على النسيان؟ لا، إذا نسي نبه، وينسى ليسن، وإذا نسي ليسن كان هذا النسيان وما ترتب عليه سنة. هذا يقول: في كتاب الاختيارات للبعلي من أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية جمعها من كتبه يقول: أقوال نسبها لشيخ الإسلام غريبة، مثل قوله: أن شيخ الإسلام يقول بالدعاء والإنسان متجه تجاه القبر، قبر النبي -عليه الصلاة والسلام- وغيرها كثير؟

نعلم أن البعلي التقط هذه الاختيارات من كتب شيخ الإسلام، ومنها ما ألفه في أول الأمر، ومنها ما ألفه في آخر الأمر، وشيخ الإسلام كتبه متفاوتة، منها ما يمثل رأيه الأخير الذي استقر عليه، ومنها ما يكون على طريقته القديمة في اتباعه لمذهب أحمد، قبل أن يخرج عن حيز التقليد إلى الاجتهاد، فلو نظرنا إلى شرح العمدة، شرح العمدة لشيخ الإسلام يختلف كثيراً عما قرره في فتاويه؛ لأن شرح العمدة ألفه متقدم، ففيه أقوال لا تنسب لشيخ الإسلام إلا بالتقييد، ما يقال: هذا رأي شيخ الإسلام؛ لأنه ألفه على طريقة المذهب. يقول: في حديث عائشة أن الشمس في حجرتها هل يدل على أن بيوتهم لم يكن لها سقوف؟ لا، لها سقوف، لكن فيها نوافذ، فيها تنفذ منها الشمس. وما الجمع بين ضيق بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وصغرها وبين حديث: ((من السعادة البيت الواسع)) في الأدب المفرد للبخاري؟ الإنسان قد يحمل نفسه على العزيمة، يرى أن السعة في كذا، والسعادة في كذا، في البيت الواسع لكن يسكن بيتاً ضيقاً؛ لأن هذه الدنيا دار ممر، وليست بدار مقر، فكونه يقرر هذا الأمر نعم هو من السعادة، لكن السعادة في عرف أهل الدنيا، من سعادة الدنيا، وأما كون بيوته في غاية الضيق -عليه الصلاة والسلام- فهذا تبعاً لعيشه -عليه الصلاة والسلام-، الذي ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما وأنه تطلع الأهلة الثلاثة في شهرين لا يوقد في بيته نار -عليه الصلاة والسلام-. يقول: المقلد في تصحيح وتضعيف الأحاديث هل يحق له الإنكار على من يعمل بحديث يرى المقلد أنه ضعيف أو المقلد أنه ضعيف؟ يعني هذا قلد إمام من الأئمة، والثاني الذي عمل بهذا الحديث الضعيف قلد إماماً آخر من الأئمة صححه ليس له أن ينكر، نعم له أن يستفهم، أن يقول: هذا الحديث الذي عملت به من صححه من أهل العلم؟ ومن عمل به من أهل العلم؟ أما كونه ينكر فلا. يقول: نسمع في هذه الدروس فوائد حول ما تتميز به كتب السنة، والفوارق بين هذه الكتب، وما يتميز به كل واحد من هؤلاء الأئمة مما لا يتسنى لطالب العلم أن يجده في الكتب، فهل يتفضل بأن يفرد محاضرة أو دورة في تقريب كتب السنة، وأن يتيسر طبع هذه في كتب ليستفيد منها طالب العلم؟

باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة:

هناك محاضرات ألقيت في هذا الباب وفي هذا الشأن، منها ما يتعلق بالمتون، ومنها ما يتعلق بالشروح، ومنها ما يتعلق بكتب العلم عامة، وكلها مسجلة وموجودة، قد تزيد على عشرين شريطاً. يقول: ما رأي فضيلتكم في تحاور الأديان؟ وما المقصود منه؟ إن كان هذا الحوار في إطار قول الله -جل وعلا-: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [(64) سورة آل عمران] كما بعث بها النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل وغيره فهو شرعي ومطلوب، وضرب من ضروب الدعوة، وإن كان من أجل التنازل عن شيء من مسلمات الدين فهذا هو الإدهان {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم] وهو محرم بالإجماع. مسألة الجمع بين الصلاتين ناقشنا كثيراً من الناس يجمعون بين الصلاتين وكانت حجتهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الصلاتين من غير عذر ولا حاجة. يعني من غير خوف ولا مطر كما جاء في الصحيح، وفي رواية: ولا سفر، لكن الحرج موجود، لوجود الحرج الذي لم يفصح به الراوي، ولذلك لما سئل ابن عباس عن هذا الحديث قال: أراد أن لا يحرج أمته، والإمام الترمذي في علل الجامع في آخر كتابه قال: ليس في كتابي حديث أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا حديث جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث معاوية في قتل الشارب، شارب الخمر، فدل على أنه لم يعمل به أحد من أهل العلم على إطلاقه. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر لثالثة".

حدثنا أبو بكر محمد بن أبان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة بهذا الإسناد نحوه، قال أبو عيسى: روى هذا الحديث هشيم عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير ولم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، وحديث أبي عوانة أصح عندنا؛ لأن يزيد بن هارون روى عن شعبة عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة" تقدم أن وقت صلاة العشاء الآخرة من مغيب الشفق الأحمر هذه بدايته، وأما النهاية فقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال: منهم من يقول: إن وقت صلاة العشاء ينتهي بالثلث الأول، بنهاية الثلث، ثلث الليل الأول، استدلالاً بما جاء في حديث أبي هريرة وغيره حين أم جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيحة ليلة الإسراء حيث صلى العشاء في اليوم الثاني حينما ذهب ثلث الليل الأول. ومنهم من يرى أن وقت صلاة العشاء ينتهي عند منتصف الليل، ينتهي بمنتصف الليل كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو ((ووقت العشاء من مغيب الشفق إلى منتصف الليل الأوسط)) ومنهم من يرى أنه ينتهي بطلوع الفجر كما جاء في حديث: ((ليس في النوم تفريط وإنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة الأخرى)) وقلنا في ما مضى أن حديث الثلث الليل في إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- متقدم، وحديث عبد الله بن عمرو متأخر، والحديث الثالث الذي فيه أن الوقت لا ينتهي إلا بدخول وقت الصلاة الأخرى مخصوص بصلاة الفجر إجماعاً، وأنه لا يمتد وقتها إلى دخول وقت صلاة الظهر فليخص بصلاة العشاء أيضاً كما جاء التصريح بنهاية وقته في منتصف الليل في حديث عبد الله بن عمرو وغيره.

قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب" وصف العشاء بالآخرة يدل على أن هناك عشاء أولى ويراد بها المغرب، وكان بعض العرب يسمي المغرب العشاء ويسمي العشاء بالعتمة، وهذا من الأعراب، حتى قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم)) ذكرنا مراراً أن في هذه البلاد أيضاً يسمون المغرب العشاء، ويسمون العشاء الأخير، كما قال هنا العشاء الآخرة، لكن المغرب هي المغرب والعشاء هي العشاء بالتحديد. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب" مر بنا مراراً أن هذا من شيوخ الترمذي الذين أكثر عنهم وهو ثقة "قال: حدثنا أبو عوانة" الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة أيضاً من شيوخ الأئمة، وكتابه صحيح كما نص على ذلك أهل العلم، وبعض المفتونين من المتعصبين لبعض المذاهب الفرعية والعقدية طعن في أبي عوانة بسبب تصحيف وقع في كتاب، اسمه وضاح، قال بعض الأئمة: أبو عوانة ذاك وضاع، يعني صحف الاسم من وضاح إلى وضاع فتمسك بها بعض المفتونين وطعن في هذا الراوي الإمام الجليل المخرج له في الصحاح وغيرها، من أجل حديث يخالف مذهبه، فقال: الإمام فلان وصفه بأنه وضاع، ولم يرد ذلك، كل النسخ الصحيحة تقول: ذاك وضاح، فتصحفت الحاء عين، ومثل هذه يتشبث بها من يتتبع المتشابه، الذين في قلوبهم زيغ يتتبعون مثل هذه التصحيفات.

"عن أبي بشر" بن أبي إياس بن أبي وحشية، وهو ثقة أيضاً "عن بشير بن ثابت" الأنصاري مولاهم، ثقة أيضاً "عن حبيب بن سالم" الأنصاري، لا بأس به "عن النعمان بن بشير" صحابي جليل معروف، قال: -رضي الله عنه-: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة" يقول هذا الكلام على سبيل الافتخار على غيره والترفع على غيره على سبيل التزكية لنفسه؟ كلا، إنما يقول مثل هذا الكلام من باب التحدث بنعمة الله -جل وعلا-، ومن باب إغراء السامعين على تحمل هذا الخبر عنه، كثيراً ما نسمع لأهل العلم كلام يظنه بعض الناس أنه غرور بالنفس، وإعجاب بها، وليس الأمر كذلك، إنما هو من باب إغراء السامع بالحرص على هذه الفائدة التي لا يجدها عند غيره، فابن القيم لما أتم مقام التوبة في مدارج السالكين بكلام طويل نفيس لا يوجد عند غيره قال -رحمه الله-: "فاحرص على هذا الكلام علك أن لا تجده في مصنف آخر البتة، والله المستعان" هذا الكلام صحيح، لكن لا يراد بذلك أن ابن القيم مغرور بنفسه وبكلامه، نعم قد يوجد في النفس أحياناً ما يحمل على مثل هذا الكلام، لكن العلماء المعروفين بإخلاصهم واقتفائهم لسنن نبيهم وإخلاصهم لله -جل وعلا- لا يظن بهم ذلك، قد يجده الإنسان من نفسه أحياناً. ابن حجر -رحمه الله تعالى- تتبع طرق حديث ثم حكم عليه بحكم لم يعرف له سابق، يعني ما عرف فيه حكم لأهل العلم، ثم بعد ذلك قال: إني وجدت كلاماً لفلان وفلان من الأئمة الكبار المتقدمين وقع له نفس ما وقع لي، فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله، كررها مراراً، والله المستعان.

قال: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة" يعني صلاة العشاء "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر لثالثة" (كان) هذه في الأصل تدل على الاستمرار "لسقوط القمر لثالثة" لثالثة يعني من الشهر، الليلة الثالثة من الشهر، سقوط القمر لثالثة من الشهر هل هو يسقط في وقت يعني يغيب في وقت محدد من كل شهر؟ أو أنه يختلف من شهر إلى آخر؟ وقد يزيد في هذا الاختلاف على ساعة من شهر إلى آخر في ثالثة الشهر، ولذلكم من معه تحقيق الشيخ أحمد شاكر ذكر جدول لأوقات غروب القمر في الليالي الثالثة من شهور سنة كاملة، سنة (1345هـ) ثم أردفها بسنة (1356هـ) بينهما إحدى عشرة سنة، يقول: الليلة الثالثة من محرم سنة خمسة وأربعين القمر يغرب في الساعة الواحدة وسبع وخمسين، مقصوده بالغروبي، بالتقويم العربي القديم، قبل أن نغيره بحساب غيرنا، الساعة الثانية إلا ثلاث دقائق، وصفر، الثالثة من صفر غروب القمر في الواحدة وخمسة وعشرين، وربيع الأول في الواحدة وثلاث وثلاثين، وربيع الثاني في الواحدة وسبع وأربعين، جماد الأولى في الواحدة وواحد وثلاثين، وفي جمادى الثانية في الثانية وست دقائق، وفي رجب في الثانية وواحد وخمسين دقيقة، في شعبان في الثانية وأربعة وعشرين دقيقة، في رمضان في الثالثة وأربع ودقائق، كلها في ثالثة الشهر، وفي شوال في الثانية وتسع وثلاثين دقيقة، وفي ذي القعدة في الثالثة وواحد وعشرين دقيقة، وفي ذي الحجة في الثانية وست وأربعين دقيقة.

يعني بين بعض الليالي وبعض واحدة وخمسة وعشرين دقيقة، وعندك في صفر في الواحدة وخمس وعشرين دقيقة، واحدة ونصف إلا خمس، وفي ذي القعدة في الثالثة وواحد وعشرين دقيقة، الفرق قريب من ساعتين، فهل يمكن أن يعول على سقوط القمر في تحديد وقت صلاة العشاء؟ أسماء بنت أبي بكر راقبت القمر ليلة جمع، ليلة عرفة، فلما غاب القمر ارتحلت، فهل نقول بمثل هذا أن القمر ليلة العيد عيد النحر يتفاوت مثل تفاوته في الليلة الثالثة فلا يعول عليه أيضاً؟ أو نقول: إنه ثابت وقد عمل به جمع من أهل العلم ينتظرون مغيب القمر ثم ينصرفون إلى منى، وهذا في حق المتعجل، أما المتأخر المقتدي بفعله -عليه الصلاة والسلام- فإنه يصلي الصبح بجمع ثم يمكث يذكر الله -جل وعلا- حتى يسفر جداً، قبل أن تطلع الشمس يدفع إلى منى. هنا رأينا هذا الاختلاف إلى ما يقرب من ساعتين، فهل يعول على مثل هذا في تحديد صلاة العشاء؟ النعمان بن بشير يقول: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر" أي مغيب القمر ليلة ثالثة من الشهر، وهذا الحديث مصحح عند أهل العلم، وإن كان فيه من قيل فيه: لا بأس به، حبيب بن سالم قيل فيه: لا بأس به، وحديثه يكون مقبولاً، لكن في حيز الحسن لا في حيز الصحيح.

مع أنه مختلف فيه هل بشير بن ثابت مقحم في السند أو أنه ساقط من الرواية الثانية؟ تأتي إشارة الترمذي إلى هذا، لكن إذا عرفنا أن التفاوت في مغيب القمر في الليلة الثالثة بين هذه الأشهر ساعتين فما دون عرفنا أنه لا يمكن أن يحدد بهذا إلا أن يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- راقبه النعمان بن بشير وهو يصلي عند مغيب القمر من غير تحديد بوقت ثابت، صلاها فعجل بها حينما صلاها عند مغيب القمر لثالثة في الساعة الواحدة وخمس وعشرين دقيقة، وأخرها حينما صلاها عند مغيب القمر لثالثة حينما كان يغرب في الساعة الثالثة وواحد وعشرين دقيقة، فلا يكون لها وقت محدد ثابت في الليالي كلها، وإنما تصلى بين هذين الوقتين، بين الوقت الذي يتقدم فيه مغيب القمر والوقت الذي يتأخر فيه مغيب القمر، ولا يريد النعمان بن بشير أنه يصليها في ساعة محددة في كل ليلة، ولا شك أن الوقت بين أوله وبين آخره كله واقع في وقت صلاة العشاء؛ لأن مغيب الشفق في الليالي القصيرة يغيب في الواحدة وأكثر من عشرين دقيقة، يعني واحد وعشرين أو اثنين وعشرين، فإذا صلاها في خمس وعشرين يكون صلاها في وقتها، وإذا صليت بعد مغيب القمر أو وقت مغيب القمر في الساعة الثالثة وواحد وعشرين دقيقة لا مانع من ذلك، وأن تكون حينئذٍ صليت بعد دخول وقتها بساعتين وهو مضي ثلث الليل في بالنسبة لليالي القصيرة، على كل حال عندنا نصوص واضحة مفسرة محكمة، وأن وقتها يبدأ من مغيب الشفق الأحمر، ثم النهاية يختلف فيها أهل العلم تبعاً لاختلاف ما جاء فيها. قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر محمد بن أبان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة بهذا الإسناد نحوه" يعني بالإسناد المتقدم، نحوه يعني بمعناه، محمد بن أبان قلنا في أبان: المنع والصرف، فمنعه ابن مالك الإمام المعروف من أئمة العربية وصرفه غيره، حتى قال بعضهم: من منع أبان فهو أتان، لذلك أحياناً يقع الحرج من بعض الإخوان إذا سألناهم قلنا: أبان ممنوع وإلا مصروف؟ ثم نأتي بهذا الكلام يقع في حرج بعضهم. فمن صرفه قال: هو من الإبانة والنون أصلية، ومن منعه قال: هو من الإباء والنون مزيدة مع الألف، والاسم يمنع من الصرف لزيادة الألف والنون.

"قال أبو عيسى: روى هذا الحديث هشيم عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير" عن حبيب بن سالم من غير ذكر لبشير بن ثابت، أبي بشر عن حبيب بن سالم، والرواية الأصلية رواية أبي عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم "ولم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، وحديث أبي عوانة أصح عندنا" يعني الذي فيه بشير بن ثابت "لأن يزيد بن هارون رواه عن شعبة عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة". ولا شك أن متابعة شعبة أمير المؤمنين في الحديث لأبي عوانة تعطيه قوة فيرجح قوله على قول هشيم، لم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، يعني هل نقول: إن هشيماً دلسه لأنه معروف بالتدليس فأسقطه؟ هل نقول: إن هشيماً دلسه؟ وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيم بعده وفتشِ يعني في ذكر المدلسين، هل نقول: إن هشيم دلسه فأسقطه؛ لأنه هنا لم يصرح بالتحديث، من يجيب؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . صحيح، يعني هشيم ما عُرف بتدليس التسوية، وهذا إن رميناه به هو من نوع تدليس التسوية الذي هو شر أنواع التدليس، إنما التدليس المعروف اللي هو أخف بكثير من تدليس التسوية أن يسقط شيخه، وهنا السقط في شيخ الشيخ لا في الشيخ نفسه. منهم من يقول: إن مثل هذا يسمى من المزيد في متصل الأسانيد، يحكم عليه بأنه مزيد في متصل الأسانيد إذا كان في السند الناقص التصريح بالتحديث، وهنا ليس فيه تصريح بالتحديث فإسقاطه محتمل. منهم من يقول ويجوز وهذه على طريقة المتأخرين التي يعتمدها الشيخ أحمد شاكر كثيراً أنه يجوز أن بشير بن ثابت رواه عن حبيب بن سالم عن النعمان يعني رواه بواسطة عن النعمان، يعني عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم، يعني رواه أبو بشر عن حبيب بن سالم بواسطة بشير بن ثابت، ثم إنه لقي حبيب بن سالم فرواه عنه بغير واسطة، فصار يحدث به على الوجهين مرة بواسطة ومرة بغير واسطة، وهذه تمشي وتجري على قواعد المتأخرين الذين يتحاشون توهيم الرواة، يتحاشون توهيم الرواة، ولا يجرؤون على التخطئة، تخطئة الثقات، لكن طريق الأئمة المتقدمين التي سلكها الترمذي هنا خطأ هشيم في روايته بإسقاط بشير بن ثابت. سم.

باب: ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة:

باب: ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة: حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)). قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وأبي برزة وابن عباس وأبي سعيد الخدري وزيد بن خالد وابن عمر -رضي الله عنهم-. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وغيرهم، رأوا تأخير صلاة العشاء الآخرة، وبه يقول أحمد وإسحاق. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة" الترجمة الأولى في وقتها، وأنه يبدأ من مغيب الشفق، والحديث الذي أورده في الترجمة تحت الترجمة الأولى حديث النعمان بن بشير لا يدل على بداية الوقت، كما أنه لا يدل على نهايته إلا إذا لاحظنا الفروق بين مغيب القمر في ليلة الثالثة من شهر إلى آخر، فقلنا: إنه يغيب القمر في أول الوقت في شهر ويغيب القمر لثالثة في آخر الوقت بالنسبة لشهر آخر، أما هنا فتأخيرها وما حكمه؟ ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة يعني ما حكمه؟ هل هو الأفضل أو الأفضل التعجيل كما جاء في الظهر والعصر والمغرب والصبح؟ أو أن الأفضل التأخير كالظهر عند اشتداد الحر؟ قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم))، ((لولا أن أشق)) لولا: حرف امتناع لوجود، امتنع الأمر لوجود المشقة ((لولا أن أشق على أمتي)) وهذا من رحمته ورأفته -عليه الصلاة والسلام- بأمته.

((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)) يعني أمر وجوب وإلا أمر الاستحباب موجود، كما جاء: ((لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وعند كل وضوء، أمر الاستحباب موجود، لكن المنفي الممتنع لوجود المشقة أمر الوجوب، وبهذا يستدل أهل العلم على أن الأمر عند الإطلاق يقتضي الوجوب وإلا فأمر الاستحباب موجود {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور] هذا الوعيد يدل على أن الأمر يقتضي الوجوب. ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)) يعني على سبيل الإلزام والوجوب ((أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)) ولا شك أن في هذا مشقة على بعض الناس الذين يتعبون في النهار، وينتظرون صلاة العشاء من أجل أن يناموا ويرتاحوا من عناء النهار، فالمشقة موجودة، قد يقول قائل: تأخير العشاء الآن أفضل بالنسبة للناس؛ لأنهم يسهرون، وينامون النهار فما في مشقة عندهم، نقول: لا، يبقى الأصل الشرعي والسنة الإلهية في الليل والنهار تبقى هي الأصل، نعم إذا وجد مشقة في شيء يقتضي التقديم أو التأخير فملاحظته من باب رفع المشقة على الناس لا لأنهم خالفوا السنة الإلهية فسهروا بالليل وناموا النهار، بل لأن ذلك يفوتهم بعض مصالحهم الدينية أو الدنيوية كما هو الحاصل بالنسبة لرمضان في تأخير العشاء لمدة نصف ساعة، الناس يريدون أن يتوسعوا بعد إفطارهم، ويفرحوا بهذه النعمة التي أتمها الله عليهم في ما بين العشاءين، يمتد لهم الوقت ينبسطون فيه مع أهليهم، فمثل هذا التأخير لا إشكال فيه.

باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها:

((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)) لكن إذا لم توجد المشقة، وجد أناس يتفقون جماعة يتفقون على التأخير ولا يشق على واحد منهم، لا سيما إذا كانوا في غير مسجد مرتب ينتابه الناس، إذا كانوا في صحراء مثلاً أو في استراحة لا يستمعون فيها النداء وهم مجموعة لو تواطئوا على تأخير العشاء إلى ثلث الليل كان ذلك أفضل تحقيقاً لهذه الرغبة النبوية ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)) (أو) هذه شك من الراوي؛ لأن الثلث غير النصف، هكذا قرر جمع من الشراح، ومنهم من يقول: إنها للتنويع، فالأوقات تتفاوت وتتنوع، فليالي الصيف مثلاً تصلى الصلاة في الثلث الأول؛ لأنه لو أخرت إلى النصف ما بقي من الليل ما يكفي الإنسان لنومه، وفي الشتاء لو أخرت إلى النصف كان أولى؛ يبقى من الليل ما يكفي النائم، وكونها للشك أوضح من كونها للتنويع. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن جابر بن سمرة" عند أحمد في المسند وعند مسلم، وأما حديث جابر بن عبد الله فهو في الصحيحين، الذي في الصحيحين حديث "جابر بن عبد الله" وأما حديث جابر بن سمرة فهو عند الإمام أحمد في المسند وعند الإمام مسلم "وأبي برزة" نضلة بن عبيد عند البخاري ومسلم أيضاً "وابن عباس" عند البخاري والطبراني "وأبي سعيد الخدري" عند أحمد وأبي داود "وزيد بن خالد" ينظر من أخرجه، "وابن عمر" عند مسلم. "قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند الإمام مسلم والإمام أحمد في مسنده قال -رحمه الله-: "وهو الذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وغيرهم، ورأوا تأخير صلاة العشاء، وبه يقول أحمد وإسحاق" والليث وكثير من محدثي الشافعية؛ لأحاديث كثيرة دلت على التأخير، منها حديث الباب، وما جاء فيه مما أشار إليه الإمام الترمذي. سم. باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها:

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا عوف قال أحمد: وحدثنا عباد بن عباد هو المهلبي وإسماعيل بن علية جميعاً عن عوف عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي عن أبي برزة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها". وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن مسعود وأنس. قال أبو عيسى: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح، وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم. وقال عبد الله بن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهية، ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان، وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي. قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها" والسمر هو السهر، والتحدث بالليل، وترك النوم، ولا شك أن هذا مكروه، منصوص عليه في حديث الباب "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها" وإذا نظرنا إلى حال الناس اليوم وجدنا العكس تماماً، نجد من ينام المغرب، نجد من ينام العصر وتفوته صلاة المغرب، نجد من ينام المغرب وتفوته صلاة العشاء، كل هذا من أجل الاستعداد للسهر مع الأصحاب والأقران، ما يتصبر حتى يصلي العشاء ثم ينام، يخشى أن يفوته شيء من مجلس أصحابه وأقرانه، وليت هذه المجالس تعمر بذكر الله وما ينفع، لكنها مبنية على القيل والقال غالباً، والناس لا سيما في الإجازات يقلبون السنة الإلهية بدلاً من أن يكون الليل سكن يكون فيه السهر إلى طلوع الفجر، ومنهم من يسهر إلى قبيل طلوع الفجر ثم ينام عن صلاة الصبح، وأما بالنسبة لقيام الليل، وقراءة القرآن، وإحياء الليل بما ينفع فهذا لا يوجد إلا ما ندر، ومن يعمر ليله بالقيل والقال في الكلام المباح فضلاً عن المكروه والمحرم تجده لا يعان على قيام الليل، يسهر إلى قبيل الصبح فإن كان من الحريصين على إبراء الذمة نعم يجعل من يوقظه لصلاة الصبح وإلا يعذر نفسه بالنوم؛ لأن القلم رفع عن النائم، ثم لا ينتبه إلا بعدما ينتشر النهار، هذا حال كثير من الناس في هذه الأيام، بعض الأخيار يسهر ويقول: البخاري ترجم على السهر: باب السمر في العلم ونحوه، ونحن تمر في مجالسنا بعض المسائل العلمية، لكنها وإن مرت إلا أنها غير مقصودة، يعني هذه المجالس ما قصدت من أجل إحياء الليل بالعلم، لا، إنما قصدت للقيل والقال، قد يمر بمسألة ليست مقصودة، لكن مثل هذا لا يدخل فيما ترجم عليه البخاري -رحمه الله-، وإنما يدخل في السمر المذموم المكروه، لكن إذا سهر الإنسان وحفظ لسانه عن فضول الكلام مع أنه إذا حفظ لسانه عن فضول الكلام ماذا يستفيد من السهر؟ حفظ اللسان من فضول الكلام يدعوه إلى النوم، ويعينه على القيام، لكن الإشكال إذا لم يستطع حفظ هذا اللسان عن فضول الكلام والاسترسال في الفضول هو الذي يميت القلب، ويمرض القلب، فضول الكلام، فضول الأكل، فضول الخلطة، فضول النوم،

فضول البصر، فضول السمع، هذه المنافذ إلى القلب لا شك أنها هي أسباب مرضه ثم موته، فإذا قال: أنا أسهر لكن لا أرتكب محرم، نقول: تسهر لأي شيء؟ قال: نسمر مع الإخوان، ونتجاذب أطراف الحديث المباح، نقول: العادة جرت بأن من يسترسل في الكلام المباح لا بد أن ينجر إلى الكلام المكروه، الذي تركه أولى، ثم بعد ذلك ينفذ هذا الكلام المكروه، ولا بد من الكلام، لا يمكن أن يجلسوا بدون كلام، ثم يضطرون إلى أن يقربوا من الحرام كالراعي يرعى حول الحمى. وهذا موجود في جميع استعمال المباحات من الكلام والنظر والاستماع والأكل والشرب واللبس والسكن وغيرها، كلها تجر، ولذا يعرف عن سلف هذه الأمة وأئمتها الإعراض عن تسعة أعشار الحلال خشية أن يجرهم إلى الحرام.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم" هو ابن بشير الواسطي ثقة، عرفنا مراراً أنه يدلس، وهنا صرح بالإخبار "قال: أخبرنا عوف" انتفت تهمة التدليس هنا لأنه صرح بالإخبار "قال: أخبرنا عوف" وهو ابن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة أيضاً "قال أحمد" يعني ابن منيع شيخه "وحدثنا عباد بن عباد هو المهلبي" وهو ثقة أيضاً لكن ربما وهم "وإسماعيل بن علية" إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية، "جميعاً عن عوف" عباد وإسماعيل جميعاً عن عوف، لكن هل معهم هشيم؟ لأن هشيماً يروي عن عوف، لما قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف؛ لأن هشيم معروف بالتدليس، فتصريحه بالإخبار ينفي تهمة التدليس، وعباد بن عباد وإسماعيل بن علية جميعاً عن عوف، يعني بصيغة (عن) ولا يحتاج في مثل هذا إلى تصريح، "عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي" البصري، ثقة "عن أبي برزة" نضلة بن عبيد الأسلمي، صحابي "قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء" لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى النوم عنها فتفوته الجماعة أو يفوته الوقت المختار وقد يفوته الوقت كله، وإذا تسبب الشيء في فوات مستحب كره، وإذا تسبب في فوات واجب حرم، ولذا قد يقال: إن السهر بالنسبة لبعض الناس مكروه، وبالنسبة لبعض الناس محرم، فالذي يفوته السهر قيام الليل، واستغلال الوقت فيما ينفع أقل ما يقال فيه الكراهة، وإذا فوته السهر صلاة الجماعة أو الصلاة في وقت صلاة الفجر في وقتها فإن هذا يحرم عليه أن يسهر، إذ لا بد من بذل الأسباب للقيام للواجب، ولا بد من انتفاء الموانع، ما يقول: النائم مرفوع عنه القلم وأنا نائم، لا، هل في يوم من الأيام نام عن الامتحان أو نام عن الدوام؟ هذا يندر جداً أن ينام، بينما تجده ينام عن صلاة الفجر في الأسبوع المرتين والثلاث، وقد ينام في الأسبوع الكامل عن صلاة الصبح فضلاً عن كونه يتعمد عدم القيام إلا إلى الدوام أو للدراسة أو نحوها، هذا عاد حكمه آخر، شأنه أعظم، كونه يركب المنبه يضبط المنبه على الدوام والصلاة يمر وقتها من أوله إلى آخره ولا يستيقظ لأدائها، هذا على خطر عظيم، وأفتى فيه بعض أهل العلم بفتوى عظيمة جداً، يعني إذا كان يتعمد ذلك وهذا

ديدنه أفتوا بكفره -نسأل الله العافية-، إذا كان يضبط المنبه على الدوام، وحينئذٍ لا يصلي، أقول: لا يصليها بعد وقتها، ما دام تعمد إخراجها عن وقتها لا يصليها كما لو صلاها قبل وقتها، وذكرنا فيما مضى أن ابن حزم نقل الإجماع على هذا أنها لا تصلى إذا أخرجها عن وقتها متعمداً، مع أنه وجد من أهل العلم من ينقل الإجماع على أنه يصليها، وهذا قول جماهير أهل العلم أنه يصليها وإثمه عظيم، إثمه عظيم ولا يكفر بذلك، لكن إثمه عظيم. "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها" لأن الحديث بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح أو عن قيام الليل. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عائشة" خرجه ابن ماجه "وعبد الله بن مسعود" أيضاً عند ابن ماجه، "وأنس" يقول الشارح: لم أقف على من أخرجه.

"قال أبو عيسى: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، أخرجه الأئمة كلهم في البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعند أحمد "وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء" لكن إذا كان النوم يخشى منه أن ينام عن الصلاة، وعدم النوم يخشى منه عدم الإقبال على الصلاة والخشوع فيها لمزيد التعب، تعب في نهاره كله، ثم لما صلى المغرب قال: أستعد لصلاة العشاء فأنام قليلاً لأستيقظ نشطاً لأؤديها بقلب حاضر، معروف أن الإنسان إذا صلى وهو متعب لا سيما إذا كان بعد صلاة العشاء تراويح أو تهجد أو ما أشبه ذلك فإنه يحتاج إلى شيء من الاستعداد، فإذا كان هذا هو السبب فالأمور بمقاصدها إذا نام ليستعد للصلاة، إذا نام ليستعد للصلاة على أنه لو نام على مقتضى السنة الإلهية ما احتاج إلى مثل هذا؛ لأن النصوص يساعد بعضها بعضاً، ولا يناقض بعضها بعضاً، أحياناً يؤتى بمقدمات غير شرعية ثم بعد ذلك نتوقع نتائج شرعية، هذا شخص سهر الليل ويقول: لو صليت الفجر في أول وقتها ما أقبلت عليها، فلا بد أن أنام لأستعد لصلاة الفجر، نقول: أصل المقدمة غير شرعية فكيف تطلب النتيجة الشرعية من هذه المقدمة؟ الأصل أن ينام النوم الكافي في الليل، ويضيف إليه ما يحتاج إليه من القيلولة في منتصف النهار، وحينئذٍ لا يحتاج إلى أن ينام العصر أو ينام المغرب، لكن لو عرض له عارض كما يعرض للنبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً ما يشغله عن ذكر أو عن راتبة أو نحوها، يعرض له ذلك، لكن ليس هذه عادة وديدن، وقت المسلم ينبغي أن يكون مرتباً منظماً، فلا يحتاج إلى نوم في وقت الاستيقاظ، ولا يحتاج إلى استيقاظ في وقت النوم، لا نقول: ينام المغرب ليستعد لصلاة العشاء، اللهم إلا إذا جاءه ما يشغله من أمر عارض، أو علة طارئة، ما استطاع معها أن ينام، نقول: نعم، لا مانع من أن ينام، على أن لا يضيع الصلاة مع الجماعة، وحينئذٍ تنتفي الكراهة في حقه؛ لأن الكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، الكراهة تزول بأدنى حاجة عند أهل العلم، لكن إذا ترتب على فعل المكروه أمر محرم أو ترك واجب فإنه لا يجوز بحال.

"وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم" يقول ابن حجر: "من نقلت عنه الرخصة قيدت بما إذا كان له من يوقظه" يعني الإيقاظ الذي يترتب عليه الاستيقاظ، بعض الناس لا يستيقظ إلا بمشقة وجهد شديد، فيقول: أنام قبل صلاة العشاء وأركب المنبه، أضبط المنبه، وهو يعرف أنه لن ينتبه بالمنبه، يقول: بذلت السبب والباقي على الله -جل وعلا-، نقول: أنت ما بذلت السبب؛ لأن هذا السبب ليس بكافي، ابذل السبب الذي تترتب عليه آثاره من الاستيقاظ، وأنت تعرف أنك لا تستيقظ بالمنبه لا يكفي هذا السبب. يقول: "من نقلت عنه الرخصة قيدت بما إذا كان له من يوقظه، أو عرف من عادته أنه لا يستغرق في النوم" يعني بعض الناس نومه خفيف، يعني تجد بعض الطلاب ليالي الامتحان يذاكرون في المساجد، ويجتمعون، فبعضهم يقول: أريد أن أنام عشر دقائق ربع ساعة لأرتاح قليلاً، وتجد بالفعل يضع رأسه ثم بعد ربع ساعة يرفع رأسه، وبعض الناس يريد أن يصنع ذلك فلا يوقظ إلا للامتحان، الناس يتفاوتون، إذا عرف من عادته أنه لا يستغرق في النوم لا مانع؛ لأن المسألة مسألة الخشية على فوات الجماعة، أو الخشية على فوات أمر مطلوب شرعاً. "ورخص في ذلك بعضهم، وقال عبد الله بن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهية" كراهية النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها "ورخص بعضهم في النوم قبل العشاء في رمضان" استعداداً لصلاة العشاء وما بعدها من قيام الليل، إذا كان النوم من أجل الاستعداد للصلاة فلا شيء فيه، بل قد يكون مطلوباً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب، إذا كان لا يتسنى له الإقبال على صلاته إلا بالنوم يقال له: نم، لكن لا يترتب على هذا ارتكاب محظور أو ترك مأمور.

باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء:

في بعض النسخ زيادة: "وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي" في النسخة التي طبعها الشيخ ذكرها مرتين ولا داعي لها؛ لأنه في الأول عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي، هذه موجودة التفسير هو أبو المنهال موجود في بعض النسخ دون بعض، والذي وجد فيها هذا التفسير وهذا التوضيح لم يوجد فيها ما ذكر في الأخير، وسيارة بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي؛ لأنه حينئذٍ يكون تكراراً، والذي لا يوجد فيها هو أبو المنهال الرياحي، يوجد فيها وسيار بن سلامة هو أبو المنال الرياحي؛ لأنه لا بد من بيانه عند الإمام -رحمه الله تعالى- وحينئذٍ لا يكون فيه تكرار. أما صنيع الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- فارتكب فيه هذا التكرار، والأصل ألا يكون موجوداً؛ لأنه تكرار كلام بحروفه، فلا داعي له. سم. باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء: حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما". وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين -رضي الله عنهم-. قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن، وقد روى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن علقمة عن رجل من جعفي يقال له قيس أو ابن قيس عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث في قصة طويلة. وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء، ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة. وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر)). قال -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء" الباب الأول في الكراهية وهي محمولة على إذا لم يكن ثم حاجة داعية للنوم أو السمر، وهنا الرخصة فيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، إلى السمر بعد العشاء، والسهر بعد صلاة العشاء.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية" الضرير محمد بن خازم، وهو من ثقات الرواة "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن إبراهيم" النخعي "عن علقمة" ابن قيس النخعي "عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر" وهناك كان يكره، والمعروف والغالب من استعمال كان الاستمرار، وقد تأتي للفعل ولو مرة واحدة، وهنا: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر" يسمر من باب نصر، يعني في ميزانها الصرفي نصر ينصر، "يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما" الرسول -عليه الصلاة والسلام- يسمر مع أبي بكر، يعني هل الأولى أن يقال: الرسول يسمر مع أبي بكر أو أن يقال: أبو بكر يسمر مع الرسول؟ لأن المعية تشعر بالتبعية؛ يعني كما قالوا: وإن يكن لاثنين نحو التزما ... فمسلم مع البخاري هما قالوا: قدم مسلم؛ لأنه أتبعه بمع، والمعية تشعر بالتبعية، فمسلم تابع للبخاري في مثل هذا التقديم، هنا يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر" يعني هل الأولى أن يقال مثل هذا أو يقال: كان أبو بكر يسمر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أما قوله: "وأنا معهما" هذا ما فيه إشكال، المعية تابعة، وأفرد نفسه عنهما ليدل على أن منزلته متأخرة عن منزلتهما، رضي الله عن الجميع، وصلى الله على نبيه وآله وصحبه. "يسمر مع أبي بكر" يعني هل هذا التعبير أدق أو يقال: كان أبو بكر يسمر مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ الآن المقدم في الذكر تقديم النبي -عليه الصلاة والسلام- في الذكر وإن عطف عليه أبو بكر بلفظ المعية إلا أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو المقصود بالاحتجاج فقدم من أجل هذا؛ لأن الحجة في فعله -عليه الصلاة والسلام-، وتقديمه في الذكر من باب عدم التقدم بين يديه، وهذه مصالح ومرجحات فائقة على مجرد المعية التي يفهم منها شيء من التبعية.

"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين" يعني للمصالح العامة التي تهم الأمة، ولا شك أن هذه المصالح المتعدية لجميع الأمة عند أهل العلم مقدمة على العبادات الخاصة، فالسمر في مصالح المسلمين بعضهم يرجحه على قيام الليل، مع أن الشرع جاء بالتكامل جاء بالتكامل بين هذا وهذا، فالإنسان كما هو مأمور بالنفع المتعدي هو أيضاً مأمور بالعبادات الخاصة، واتفاقهم على أن المتعدي أفضل من القاصر ليس على إطلاقه، فإذا نظرنا في أركان الإسلام وجدنا أن الصلاة مقدمة على الزكاة، والصلاة نفعها قاصر، والزكاة نفعها متعدي، يعني هذه الإطلاقات من أهل العلم ليست على جهة الإطلاق المطلق، بل فيها إطلاق لكنه مقيد ببعض الصور. "يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما" ففيه دليل على عدم كراهية السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة عامة أو خاصة، قد تكون الحاجة خاصة، لا سيما إذا كانت هذه الحاجة مما يفوت، إذا كانت مما يفوت فإنها حينئذٍ تقدم ثم ينام الإنسان. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" عند أبي داود وابن خزيمة "وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين" يقول الشارح: لم أقف عليهما. "قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن" الرواة كلهم ثقات حفاظ أثبات إذا نظرنا إليهم واحد بعد واحد كلهم ثقات حفاظ أثبات، لكن أشار المؤلف إلى أن في سنده انقطاع بين علقمة وعمر قال: "وروى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله" النخعي، وهو ثقة فاضل "عن إبراهيم -النخعي- عن علقمة عن رجل من جعفي" كذا في الكتاب، فإما أن تحذف (من) فيقال: عن رجل جعفي، أو يقال: عن رجل من جعف، وبعض النسخ فيها (من) وفيها جعف بدل جعفي، وبعض النسخ ليس فيها (من) وفيها جعفي بالنسبة إلى جعف. البخاري -رحمه الله تعالى- جعفي، لكنه جعفي بالولاء؛ لأن جده أسلم على يد يمان الجعفي، جد عبد الله بن محمد المسندي شيخ الإمام البخاري. يقول: "وروى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله" النخعي، وهو ثقة فاضل "عن إبراهيم -النخعي- عن علقمة" بن قيس النخعي "عن رجل من جعف يقال له: قيس أو ابن قيس" قيس بن أبي قيس، مروان الجعفي الكوفي صدوق.

صاحب الجوهر النقي ابن التركماني وهم في هذا الإسناد، في تعليقه على البيهقي قال: إن الإسناد متصل، وخطأ الترمذي، وظن أن علقمة المذكور في الإسناد ليس هو النخعي وإنما هو علقمة بن وقاص الليثي الذي يروي عن عمر بن الخطاب حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) والحديث مخرج عند الأئمة بما فيه البخاري في سبعة مواضع عن علقمة عن عمر، فهو يظنه علقمة بن وقاص الليثي، وهو في الحقيقة علقمة النخعي، علقمة بن قيس النخعي، فوهم في تعليقه على البيهقي في زعمه أن علقمة هو ابن وقاص راوي حديث: الأعمال بالنيات عن عمر.

"عن رجل من جعف يقال له: قيس أو ابن قيس عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث في قصة طويلة" في قصة طويلة هذه القصة رواها الإمام أحمد في مسنده، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قال جاء رجل إلى عمر -رضي الله عنه-، وهو بعرفة، قال أبو معاوية: وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه أتى عمر -رضي الله عنه- فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه، فغضب وانتفخ عمر -رضي الله عنه- غيرة على كلام الله أن يخطئ فيه هذا الرجل الذي يملي عن ظهر قلبه، يخشى أن يخطئ هذا الرجل، وليس لكل أحد أن يملي القرآن عن ظهر قلبه، إنما ذلك للحافظ المتقن المجود، وقد نهى الأمام مالك نافعاً القارئ أن يصلي بالقرآن حفظاً في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو من أئمة القراء، لماذا؟ قال: أخشى أن تخطئ فيظنها الناس قراءة، ولا شك أن هذا من الغيرة على كتاب الله، عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- غضب وانتفخ، لكن لما عرف القارئ من هو هان عليه الأمر، قال: فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل، فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود، فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك -والله- ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يزال يسمر عند أبي بكر -رضي الله عنه- الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سل تعطه، سل تعطه)) فقال عمر -رضي الله عنه-: قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه، قال: فغدوت إليه أبشره فوجدت أبا بكر -رضي الله عنه- قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سبقته إلى خير قط إلا وسبقني إليه".

((من سره أن يقرأ القرآن رطباً)) وفي رواية: ((غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد)). وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية من ترجمة الحجاج أنه قال: "وددت أن أحك قراءة ابن أم عبد بضلع خنزير" ابن أم عبد ابن مسعود له قراءات تفسيرية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يغري بقراءة ابن أم عبد والحجاج يقول هذا الكلام، مع أنه -نسأل الله السلامة والعافية- له عناية بالقرآن، الحجاج له عناية بالقرآن، وله ورد كبير من القرآن في كل ليلة، يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، لكن مع ذلك يقول مثل هذا الكلام. قال -رحمه الله-: "وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء" يعني قد يقول قائل: يتعجب الإنسان حينما يعرف عن بعض الناس هذه العناية بكلام الله وهو الذي نقط المصاحف، وشكلها، وأعجمها، وله ورد في كل ليلة ربع القرآن يقرأ ثم يقول مثل هذا الكلام، والمسألة إنما هي الفتن تورث مثل هذا وأعظم؛ لأنه ليس مثل هذا بأعجب من قتل الخليفة بين المهاجرين والأنصار في قعر داره، الذي شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، وتستحي منه ملائكة الرحمن، والمهاجرون والأنصار متوافرون في المدينة، ويقتل ويمكث ثلاث ليال ما دفن، وينزل عليه في قبره ويكسر ضلعه يدفن بالليل، هذه هي الفتن، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وإلا كيف يقول قائل مثل هذا، مثل هذا الكلام؟! الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد)) وهذا يقول: وددت أن أحك قراءة ابن مسعود بضلع خنزير. المسألة مسألة تدرج، فعلى الإنسان أن يكون راسخاً ثابتاً، لا يتنازل في بداية الطريق ثم يضطر إلى التنازل ثم التنازل إلى أن يجد نفسه لا شيء، يعني من يتصور مسلم يقول: لا إله إلا الله، يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل؟ شيء لا يمر على عاقل فيستسيغه، يعني شيء لا يتصوره مسلم فضلاً عن أن ينطق به، إنما هي الفتن يجر بعضها بعضاً، والسيئة تقول: أختي أختي، ويقول القائل:

ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ ... وتنطمس البصائر والقلوبُ والله -جل وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] ومع ذلك أمثال هؤلاء تدّعى لهم الولاية، ويصرف لهم بعض أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تصرف لهم، يدعون في الملمات وفي قضاء الحوائج من دون الله أمثال هؤلاء، وتدّعى لهم الولاية، والله المستعان. لا أعني الحجاج، ما في أحد ادعى له الولاية، لكن من قال: ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ ... . . . . . . . . . هذا قبره يعبد من دون الله الآن، ويقال له: محيي الدين، وقدس سره، وكذا وكذا، وفي بعض الأقطار إذا حصل الجدب أخرجوا كتاباً من كتبه التي فيها إلحاد يستسقون بها، والله المستعان. "وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء" واحتجوا بما جاء من الصريح من قوله -عليه الصلاة والسلام-، ومن كراهية الحديث بعدها "ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج" وبوب البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: باب السمر في العلم "وأكثر الحديث على الرخصة" واحتجوا بما جاء مما يدل على ذلك كحديث عمر في الباب الذي ذكره، وحملوا أحاديث الكراهية على السمر الذي لا مصلحة فيه كما يفعله أكثر الناس اليوم. "وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر)) " قال الحافظ ابن حجر: رواه أحمد بسند فيه راوٍ مجهول، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، فأما أحمد وأبو يعلى فقالا: عن خيثمة عن رجل عن ابن مسعود، هذا هو المجهول الذي أشار إليه ابن حجر، عن رجل عن ابن مسعود، وقال الطبراني: عن خيثمة عن زياد بن حدير، ورجال الجميع ثقات، وعند أحمد في رواية: عن خيثمة عن عبد الله يعني ابن مسعود بإسقاط الرجل، انتهى، يعني: "لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر". ورواه الضياء المقدسي في المختارة من حديث عائشة مرفوعاً: ((لا سمر إلا لثلاثة: مصلٍ أو مسافر أو عروس)). على كل حال إذا وجد السبب المقتضي للسمر، السبب المباح المقتضي للسمر فإنه لا مانع منه، وإذا كان السمر في مستحب أو واجب فمن باب أولى، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتاب الصلاة (6)

جامع الترمذي كتاب الصلاة (6) شرح: باب: ما جاء في الوقت الأول من الفضل. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذه تقول: هل للبخاري جزء مفرد يسمى الاعتصام بالكتاب والسنة؛ لأنه أحال إليه في موضع من صحيحه؟ أنا لا أعرف إلا كتاب الاعتصام من صحيحه الذي هو في أواخر الصحيح، أما كتاب مفرد مثل الأدب المفرد ما أعرف له كتاب بهذا الاسم. تقول: الرواية الملفقة على فتح الباري رواية من؟ ما تصير رواية شخص بعينه، إذا كانت ملفقة ما تكون رواية شخص بعينه، وتقصد بذلك النسخة المطبوعة مع الشرح؛ لأن الأصل أن فتح الباري ليس معه متن، فاجتهد الطابع وأدخل المتن، وأدخل المتن في الشرح، هذا اجتهاد حقيقة ليس في محله، وإن كان من كبار؛ لأنه خلاف إرادة المؤلف، المؤلف أراده هكذا بدون متن، وليتهم إذ طبعوا وتصرفوا، طبعوا متناً يوافق الشرح، فكثيراً ما تجد في الشرح قوله: كذا، ولا تجدها في المتن، وتجد في المتن أشياء تحتاج إلى شرح ولا تشرح؛ لأن المتن المطبوع لا يوافق الرواية التي اعتمدها الشارح وهي رواية أبي ذر. تقول: أسماء الحروف الهجائية يذكرها ابن حجر كثيراً في الفتح فيقول مثلاً: جيم مهملة أو تحتانية ساكنة؟ هذه لا تحتاج إلى مرجع. تقول: فهلا ذكرتم مرجعاً يعرف منه هذه الأسماء للحروف؟ ما تحتاج إلى مرجع؛ لأنه لا يختلف أحد في أن الجيم مهملة، وحينما يقال مهملة يُذكر عند الالتباس، الحاء مهملة؛ لأنها تلتبس كتابتها بالخاء، إذا قيل: بالحاء لا بد أن يقال: مهملة، أما إذا قيل: جيم فلا يحتاج أن يقال ... ، أصل الجيم معجمة وليست ... ، الجيم قد يقال: المعجمة لئلا تلتبس صورتها بالميم، فحينما يقال كتابة الجيم المعجمة لئلا تلتبس كتابة بالميم المهملة، يعني كتابة اسم الحرف إذا قيل: بالجيم المعجمة، السائلة تقول: جيم مهملة هذا كلام ليس بصحيح، الجيم المعجمة خشيت أن تلتبس بالميم، تحتانية ساكنة المراد بها الياء؛ لأنها تلتبس بما يشبهها في الصورة من الباء والتاء ونحوهما.

العلماء يهتمون بهذا عناية فائقة، من أجل ضبط الكلام، ولئلا يحدث تصحيف وتحريف، وكم من فهم ضل بسبب التصحيف والتحريف، وكما يضبطون الكلمة بتسمية حروفها وتمييزها عن غيرها يضبطونها أيضاً بتقطيع الحروف، مثلاً: الهجيمي يكتبونها بالحاشية هي تكتب مجموعة في أثناء الكلام لكنها مقطعة تكتب مقطعة في الحاشية، خشية أن تلتبس بغيرها، وأحياناً يضبطون بالنظير، وأحياناً يضبطون بالمقابل بالعكس، بالضد، عن حرام بن عثمان قالوا: بلفظ ضد الحلال، والحكم بن عتيبة تصغير عتبة الدار وهكذا. هذه السنة الإشارة الأصل أن تكون إلى محسوس حاضر، قد يشار إلى شيء ليس حاضر في الأعيان وإنما حضوره في الأذهان، أما بعد فهذا كتاب نشرح فيه كذا، أو أما بعد فهذه ورقات ندون فيها كذا، المقدمة إن كانت كتابتها بعد التصنيف فالإشارة إلى حاضر في الأعيان، وإن كانت الكتابة قبل التصنيف فالإشارة إلى ما هو حاضر في الذهن، قوله: هذه السنة إشارة نوعية إلى أن هذا من نوع السنة، وليست إشارة شخصية. يقول: هل يجوز أن يكون في قلب الرجل محبة طبيعية لأبيه الكافر؟ أو هل يجوز لزوج أن يكون في قلبه محبة لزوجته الكافرة؟ هذه لا يمكن أن ينفك عنها، الطبيعية هذه لا يمكن أن ينفك عنها؛ لأن الأب هو سبب الوجود، وهو الذي أحسن إليه حتى ترعرع ونشأ، فلا بد أن يجد نحوه شيء من الميل، لكن المحبة الشرعية لا تجوز له بحال، ويظهر ذلك عند التعارض، حينما يؤمر بأمر شرعي ويأمره أبوه بما يخالف هذا، فإن أطاع أباه فقد قدم محبته على طاعة الله ورسوله، وحينئذٍ يقع في الحرج والإثم العظيم، وإذا عصى أباه وامتثل الأمر الشرعي وإن كان فيه معصية لأبيه فإنه حينئذٍ تكون محبته صحيحة لله ولرسوله. الزوج لا بد أن توجد المودة والرحمة التي أشار الله إليها -جل وعلا- في كتابه، لكن الكلام فيما إذا تعارضت هذه المحبة مع مراد الله ورسوله. يقول: ما رأيك في طبعة فتح الباري المصورة عن طبعة بولاق؟ هل هي مثل الأصل أم لا؟ هي مثل الأصل، يعني بحروفها صورة، لا تختلف عنها شيئاً إنما تزيد عليها بالترقيم وبعض الخدمات من التعليقات النافعة.

يقول: هل كتاب العلل الكبير للترمذي الذي رتبه أبو طالب أصله هل هو كتاب مستقل للترمذي أو هو ما قاله الترمذي في كتابه السنن في علل الأحاديث؟ الذي يظهر أنه أصل مستقل. هذا يطلب درس غير ما في الدورة، لكن طلب من أول الأمر واعتذرت لضيق الوقت. هذا أيضاً يسأل عن شرح ابن الملقن لصحيح البخاري ومنزلته بين الشروح الأخرى من الناحية التفسيرية والحديثية والفقهية؟ ابن الملقن معروف أنه جماع، يعني من أراد أن ينظر لأنموذج من هذا ينظر إلى شرحه لعمدة الأحكام، لكن مع كثرة جمعه تحريره أقل من جمعه، وعلى كل حال يستفيد طالب العلم من النقول الكثيرة فيه، وكونه يقدم على شرح الكرماني في هذا الباب شرح الكرماني معروف أنه مختصر وهذا مطول. هذا يقول: ما الضابط في متابعة الإمام إن ترك بعض المستحبات أو فعل بعض الأفعال التي نعتقد أنها من البدع كالقنوت في الفجر وغيره؟ ما الضابط في متابعة الإمام؟ الضابط في متابعة الإمام ما نص عليه في الحديث من متابعته في الأفعال التي لها أصل شرعي، أما إذا خالف وفعل أشياء ليس لها أصل شرعي البتة بمعنى أنها نوع بدعة فهذه لا يتابع عليها، وكذلك إن ترك ما له أصل شرعي لا يتابع على الترك، فلو ترك رفع اليدين، أو ترك الجلسة التي يسمونها الاستراحة لا يتابع على ذلك. القنوت في الفجر، القنوت في الفجر جاء في رسالة الشيخ عبد الله بن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة قال: "ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته، ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة" وعلى كل حال القنوت في صلاة الصبح له أصل، وإن كان الراجح غيره، فلو حصل أن إنساناً دخل مع إمام يقنت في صلاة الصبح وتابعه لا شيء عليه، لكن لا يكون هذه عادة وديدن، إذا عرف أنه يقنت في صلاة الصبح باستمرار لا يصلي وراءه. يقول: بعض أهل العلم ذهب إلى أن حديث المسيء صلاته اقتصر فيه على الأركان والواجبات، فما لم يذكر فيه فهو مستحب، هل هذا الضابط صحيح؟

لا، فيه أشياء لم تذكر في حديث المسيء، ولعله مما أحسن فيها حينما صلى أمام النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو لأن صلاته لم تتطلبها لأنها ثنائية، وبقية الصلوات ثلاثية ورباعية، على كل حال فيه أشياء زائدة لم تذكر في حديث المسيء. هذا يسأل عن طبعات وتحقيقات لكتب: دلائل النبوة للبيهقي؟ معروف أنه طبع منه مجلدان في المطبعة السلفية بالمدينة، ناقص، وأيضاً ما فيهما عناية تذكر، ثم طبع في دار الكتب العلمية كامل، طبعات يعني إلى الآن الكتاب بحاجة إلى مزيد عناية وخدمة. الأفراد للدارقطني. أطرافه لابن طاهر حققت تحقيقاً علمياً برسائل ويحرص عليها. الجواهر والدرر للسخاوي في ترجمة الحافظ ابن حجر. طبع في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر في ثلاث مجلدات طبعة جيدة. الضوء اللامع للسخاوي. لا أعرف له إلا طبعة واحدة هي طبعة القدسي في اثني عشر جزءاً، وهي طبعة في الجملة جيدة. أفضل الكتب لدراسة مبحث الإيمان بالملائكة؟ يعني كتب العقائد التي تكلمت على مبحث الإيمان أفاضت في هذا، ومنها عقيدة السفاريني مع شرحها لوامع الأنوار، وسلم الوصول مع شرحه معارج القبول، وهناك بحوث مفردة للأشقر وغيره. ما حكم التسمية بأسماء الملائكة مثل الذي يسمي جبريل أو يسمي ميكائيل أو ما أشبه ذلك؟ التسمية موجودة بين المسلمين من القدم من غير نكير. يقول: إشكال استوقفني كيف نرد على من احتج على خلق القرآن بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما))؟ أولاً: كأنهما التشبيه لا يلزم فيه المشابهة من كل وجه، الأمر الثاني: أنه لا يبعد في القدرة الإلهية أن تحول المعاني إلى محسوسات، كما أن الحسنات توزن، والمعروف أن الذي يوزن هو المحسوس لا المعنوي.

يقول: أرجو الجواب بشيء من التفصيل حول ما يثار في الساحة العلمية في مسألة منهج المتقدمين والمتأخرين بين مدعٍ وجود بيان واختلاف بين منهج المتقدمين والمتأخرين وبين نافٍ لوجود ذلك، بل تبديع من قال بوجوب اختلاف بين المنهجين لأن مؤدى كلامه إهدار جهود المتأخرين في التصحيح والتضعيف فما هو الموقف الصحيح الذي أدين الله به خاصة أنكم من المتخصصين في هذا الباب؟ هذا تكلمنا فيه كثيراً، وفي كل مناسبة نتكلم فيه، لكن من رجع إلى مقدمة تحقيق الرغبة فيه جواب مختصر عن هذا السؤال. يقول: استمعت لمناظرة في إحدى القنوات فأثر في نفسي بعض الشكوك، ومنها أن أحد المداخلين من الشيعة رد على أحد أهل السنة بأن من هناك من رجال البخاري ومسلم اتهم بالطعن في الصحابة، ونقل نقولات كثيرة من كتب الرجال عند أهل السنة وكلام أهل العلم، واتهام بعض الرجال بأنه ممعن ممن وقع في الطعن ووقع في الشتم، ومع ذلك أخرج له البخاري ومسلم، فقال الشيخ السني عن الأسماء التي ذكرها الشيعي: أنهم من الروافض، فأجاب الشيعي: فماذا يفعلون في البخاري ومسلم؟ فسكت السني فوقع في نفسي الارتياب، فسألت أحد طلبة العلم فقرر منهج السلف في الرواية عن أهل البدع، وذكر أن البخاري ومسلم لا يروون عن غلاة الشيعة في فضل أهل البيت، وعند الرجوع إلى المناظرة ذكر أن في فتح الباري حديث من رواته غلاة الشيعة وهو في فضل علي -رضي الله عنه- أرجو توضيح هذا الأمر، إذ كيف نذم من وقع في الصحابة مع أن أئمتنا يروون عنهم ويوثقونهم، أرجو عرض هذا السؤال للأهمية؟ المبتدعة ليسوا على درجة واحدة وعلى مرتبة واحدة، المبتدعة على درجات، من أراد الفصل بين هذه الدرجات فلينظر إلى أوائل الميزان للحافظ الذهبي، بين المبتدع الذي يروى عنه والذي لا يروى عنه، بكلام واضح بين لا خفاء فيه ولا غموض. امرأة زنت فحملت فهل يجوز لها الإسقاط؟

لا يجوز لها الإسقاط، إذا تعدى الأربعين لا يجوز لها الإسقاط، وقبل الأربعين لا يجوز؛ لئلا يكون ذريعة وتسهيلاً لهذه الجريمة؛ لأنه إذا أفتي بجواز الإجهاض من دون قيد ولا شرط فإنه يسهل على أرباب الفاحشة أن يزاولوها ثم بعد ذلك إذا حصل شيء من الحمل أجهضوه، هذا لا يجوز بحال لأنه يسهل أمر الفاحشة. هل يجوز الزواج من زانية بشرط إسقاط جنينها الذي هو من الزنا علماً أنه ليس هو الذي زنى بها؟ على كل حال حرم ذلك على المؤمنين، فالزانية ما دامت متصفة بهذا الوصف القبيح لا يجوز نكاحها من مؤمن إلا إذا تابت توبة نصوحاً، وحسنت توبتها فإنها حينئذٍ يجوز ذلك. هل يجوز لشخص أن يقدم مالاً لزانية حتى تقوم بعملية الإجهاض لأنها قررت أن تنتحر؟ هذا من التعاون على الإثم والعدوان؛ لأنها قررت أن تنتحر، إذا انتحرت فهي المسئولة عن نفسها، أو أن تهرب من البيت. هل على المرأة الذي زنت وحملت منه أن تبحث عن الزاني وتخبره بأنها حامل منه علماً أنه غير إقامته؟ على كل حال الزاني ليس له أدنى علاقة بالولد، الولد للفراش وللعاهر الحجر، فهو أجنبي بالنسبة لهذا الحمل. يقول: مسافر لم يدرك مع إمامه إلا التشهد الأخير هل يتم أم يقصر؟ إذا كان الإمام يتم فإن المسافر يلزمه الإتمام حينئذٍ، وإذا كان مسافراً يقصر فإنه يقصر مثله. يقول: منذ فترة توفي ابني الصغير وبعدها بشهرين تقريباً خطبت أختي وستعمل حفل عرس وقد اعترضت على هذا ولكن أهلي يريدون هذا فهل يجوز لي حضور عرسها أو أقاطعه؟ يعني ما العلاقة بين وفاة ابنه وبين هذا العرس؟ عله أن لا يريد أن يظهر هذا الفرح مثلاً وهو حزين على فقد ابنه، هذا لا ارتباط له، بل عليه أن يحضر إذا لم يكن ثم منكر. يقول: إذا استأجرت أجيراً لعمل ما ثم لم يتم عمله فهل يلزمني إعطاؤه أجرة الجزء الذي عمل فيه؟ وهل يفرق في هذا بينما إذا كان تركه لإتمام العمل بسببي أو بسببه؟ إذا كان بسببك يلزمك أن تعطيه الأجرة كاملة، وإذا كان بسببه فإنه لا يستحق من الأجرة شيئاً إلا إذا اتفق على ذلك، جزئ العمل أو أردت إبراء ذمتك، تقول: أنا لا أريد أن آكل من حقه شيئاً فهذا هو الورع؛ لأن الإجارة عقد لازم، لا يجوز إلغاؤه من طرف واحد.

يقول: كيف نحسب نصف الليل هل هو من غروب الشمس إلى طلوعها أو من غروبها إلى بدء وقت الفجر أو من غروبها ... ؟ الأصل من غروبها إلى طلوع الفجر، اللهم إلا من أراد أن يقوم قيام داود فإنه يحسبه من صلاة العشاء، الذي يمكن فيه النوم؛ لأن داود ينام نصف الليل، ولا يتصور أن ينام الشخص من غروب الشمس. يقول: أحد الكتاب قال: لا يشعرون بأن الأمة الإسلامية لن تتوحد حتى يتوحد فكرها، وحتى يستيقظ وعيها في كتاب ربها، وما صح من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهل الأمة تتوحد على العقيدة أم على الفكر؟ لعله يريد بذلك العقيدة، ولا بد من التوحد على العقيدة، وأن يكون المصدر واحد، مصدر التلقي الكتاب والسنة، والفهم بفهم سلف هذه الأمة. يقول: أبو حنيفة هل يشترط النية في العبادات أم لا؟ أم لا يراها من الشروط؟ وهل حمل حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) على تقدير إنما صحة الأعمال، أو إنما كمال الأعمال بالنيات أقصد عند أبي حنيفة؟ أبو حنيفة يشترط النية للمقاصد ولا يشترطها للوسائل، يشترطها للصلاة ولا يشترطها للوضوء، لكنه إذا كانت الوسيلة قوية تقوم بنفسها كالوضوء فإنه لا يشترطها، وإذا كانت لا تقوم بنفسها كالتيمم فإنه يشترط النية، ولذا اعترض عليه بأنه كيف يشترط النية لوسيلة ولا يشترطها لوسيلة؟ هذا مما أخذ عليه، وعلى كل حال كل عمل يتقرب به إلى الله لا بد فيه من النية. يقول: ظهر عندنا في الفترة الأخيرة أن الشباب يحلقون لحيتهم أو يقصرونها كثيراً من أجل أن يدخلوا في قطاع التعليم وإمامة المساجد وتحفيظ القرآن؛ لأن الحكومة تمنع الذي يظهر عليه السنة في هذه المجالات، وحجة من يدخل في هذه القطاعات أنه يقول: إنه ليس من وسيلة للدعوة للسنة وإظهار العقيدة الصحيحة في المساجد إلا بالتنازل عن هذه السنن مع العلم أن الذي لا ينخرط في هذه المجالات لا يحصل له أذىً ويستطيع إعفاء لحيته ورفع إزاره، نرجو التفصيل لهذه المسألة؟

هذه حقيقة المسألة في ليبيا على كل حال، في ليبيا وتوجد في بعض الأقطار الأخرى، ويوجد لها صور يسمونها المزاحمة، المزاحمة يتنازل عن شيء مما أمر به، أو ارتكاب شيء مما نهي عنه لكي يزاحم فيرتكب المحظور المحقق رجاء نفع مظنون، رجاء نفع مظنون، وبعض المسئولين إذا نوقش عن بعض المخالفات، قال: أنتم ما تدرون أنا ندفع شيء كبير بهذا الشيء اليسير، نقول: المقطوع به المجزوم به، المحقق لا يرتكب من أجل أمر مظنون، وقد يعاقب الإنسان إذا ارتكب هذا المحقق أن يبتلى بما وراءه ثم يتحقق، والأصل في هذا ما جاء في قصة موسى مع الخضر، لما خرق السفينة وعليها جمع من الناس لكن موتهم مظنون، ماذا قال له موسى؟ قال: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [(71) سورة الكهف] لما قتل واحد -وهذا محقق- قال له: {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} [(74) سورة الكهف] المظنون قتل مجموعة من الناس، والمجزوم به قتل واحد أيهما أعظم؟ المجزوم به أعظم، ولذا جاء في الحديث الصحيح وهذه أشد لما قتل الغلام، فلا يدفع المظنون وإن كان في تقدير من دفعه كبيراً بارتكاب محظور محقق ولو كان في نظره يسيراً ما دام محرماً بالنص، أما ما يدخله الاجتهاد فهذا أمر ثاني، لكن يبقى أن الأمور المنصوص عليها لا يجوز ارتكابها بأي حال. يقول: ما هي الطريقة المثلى لحفظ بلوغ المرام وفهم مسائله؟ الحفظ في العلوم كلها واحد، بأن يؤخذ القدر المستطاع المناسب لحافظة من أراد الحفظ، المناسب لحافظته ويردده حتى يحفظه، يردده مع حضور قلب، وإن كان من النوع الذي يصعب عليه الحفظ فليكتب، يكتب هذا القدر ويردده كتابة وقراءة حتى يحفظه، ثم من الغد يردده قبل أن يبدأ بحفظ النصيب الجديد، وفهم مسائله تكون بمراجعة الشروح المطبوعة والمسموعة. يقول: ما حكم قول المسلم أثناء الكلام: "لا قدر الله"؟ لا قدر الله هذا دعاء ألا يقدر هذا المكروه، دعاء من قبل المتكلم أن لا يقدر ولا يكتب هذا المكروه، وهذا في نظري لا إشكال فيه -إن شاء الله-. بعضهم يقول: والله لا يقوله، إذا كان كلام منكر فلا شك أن الله لا يقوله. ما التوجيه الراجح والصحيح لقول الإمام الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح؟

هذه أجبنا عنها مراراً، وقلنا: إن الجمع بين الصحة والحسن مشكل عند أهل العلم؛ لأن الحكم بالحسن حكم على الخبر بالمنزلة الدنيا، والحكم له بالصحة حكم له بالمنزلة العليا، فيجمع له بين الدنيا والعليا، وهذا لا شك أنه إشكال، وقلنا مراراً: إن هذا نظير من سئل بعد نجاحه عن تقديره فقال: جيد جداً ممتاز، يجي مثل هذا الكلام وإلا ما يجي؟ ما يمكن يجي هذا إلا على تقدير انفكاك الجهة، بمعنى أنه جيد جداً في التقدير العام وممتاز في التقدير الخاص، ممكن، وهنا نقول: إنه حسن باعتبار طريق، وصحيح من طريق أخرى، حسن باعتبار مفرداته، صحيح باعتبار المجموع، ومنهم من يقول: إن المراد بقوله: حسن صحيح أنه على سبيل التردد، يعني لا يدرى هل بلغ مرتبة الصحة أو لم يبلغها، وأما الحسن فمتحقق، فيقال: حسن صحيح يعني يقصر دون الصحيح، وأما الحسن فمتيقن، ومنهم من يقول: إن هذا سببه التردد عند الإمام الترمذي، وغاية ما هنالك أنه عليه أن يقول: حسن أو صحيح، ومنهم من يقول: إن حسن صحيح مرتبة بين الحسن والصحيح، فيكون صحيح مشرب بحسن، أو حسن مشرب بصحة، كما يقال في الطعوم إذا جئت بالحلو مفرداً قلت: حلواً، وإذا جئت بالحامض قلت: حامض، وإذا خلطتهما قلت: حامض حلو، فهذا قريب منه، وعلى كل حال الأجوبة كثيرة جداً. وأما الغرابة فهي غرابة نسبية لا يريد بها الترمذي التفرد؛ لئلا تعارض كلمة حسن الذي يشترط له أن يروى من غير وجه، ومع ذلك لو أن راويه تفرد به ولا يعرف إلا عنه، قلنا: إن الترمذي في تعريفه للحسن وشرطه أن يروى من غير وجه إنما هو فيما يقول فيه حسن فقط، دون وصف آخر. يقول: ماذا يفعل الباحث إذا اختلف الثقات في الحكم على الراوي؟ يعني إذا اختلف الأئمة على راوٍ من الرواة لا شك أن هناك قواعد عند أهل العلم تضبط ما جاء في الرواة من جرح أو تعديل، من أرادها يرجع إليها في كتب أهل العلم، ويكثر من النظر في أحكامهم. يقول: اختلف العلماء في عدد أحاديث صحيح البخاري ما سبب ذلك؟

سببه أمران: أولاً: أنهم لا يعتنون بالعدد بدقة، يعني مسند أحمد قالوا: ثلاثين ألف حديث أو أربعين ألف حديث، يعني ما يهمهم العدد بدقة، والبخاري قالوا: فيه سبعة آلاف وخمسمائة، أو سبعة آلاف وزيادة، وقالوا: بدون المكرر أربعة آلاف، وعده ابن حجر بدون تكرار ألفين وخمسمائة وحديثين، الفرق ليس باليسير، الفرق ليس بالسهل، لماذا؟ لأنهم لا يعنون بالعدد، واحد اثنين ثلاثة أربعة كما يعتني به المتأخرون؛ لأنه بدلاً من أن يعد أحاديث المسند يحفظ مائة حديث، هذا الذي يهمهم، بينما اتجهت همم المتأخرين إلى هذه القشور، تجده يصرف وقت طويل في العدد، وتجد هذا الذي يحفظ من طلاب العلم الذين يحفظون، تجده كلما حفظ حديث عد السابق، ثم إذا حفظ حديث عد السابق مرة ثانية، وهكذا وثالثة وعاشرة ومائة، ويضيع الأوقات بمثل هذا، يعد السابق كم فات؟ وكم بقي؟ في كل جلسة، وزاد الترف عند بعضهم حتى قالوا عن شخص أنه عد حروف القرآن وعد حروف تفسير الجلالين؛ لينظر أيهما أكثر القرآن أو الجلالين. هذا يقول: إذا كان الشخص إذا اعتزل مع أهل بيته وجيرانه إذا اعتزل معهم أو عنهم؟ أظنه إذا اختلط بهم، نعم إذا اعتزل ما يمكن أن يرد مثل هذا السؤال. إذا اعتزل يقول: ولعله إذا اختلط مع أهل بيته وجيرانه تأثر بهم لكثرة مخالفتهم وقوة تأثيرهم فهل الأفضل له أن يبحث عن رفقة صالحة ويخالطهم؟ نعم {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] والعزلة والخلطة يعني محل بحث ونظر طويل من القدم، من الصدر الأول، وجاء فيها نصوص تفضل العزلة ونصوص تفضل الخلطة، ولا شك أن هذا يختلف باختلاف الأشخاص، فالذي يتأثر ولا يستطيع أن يؤثر هذا العزلة أفضل له، والذي يستطيع أن يؤثر ولا يتأثر هذا الخلطة بالنسبة له أفضل. يقول: أنا صليت إمام وأثناء الصلاة تذكرت أني على غير وضوء، وأنا جال بالأحكام -لعله وأنا جاهل بالأحكام- أي كيف أتصرف؟ فأكملت الصلاة والحالة هذه صليت الظهر ثم نمت النصف ساعة ولكثرة الزحام لم أستطع أن أتوضأ وصليت هل هذه الصلاة صحيحة؟ أم كيف الحل ... ؟

قال المؤلف -رحمنا الله وإياه تعالى-:

طيب لم استطع أن أتوضأ، يعني لعدم الماء أو لعدم القدرة على استعماله، وتيممت الصلاة صحيحة، وإذا كان مع وجود الماء والحصول إليه يحتاج إلى انتظار أو لشيء من هذا فعليك أن تنتظر، وإذا لم تجد الماء أو لم تستطع استعمال الماء فعليك أن تتيمم وتصلي، وأما صلاتك التي صليت بها فهي باطلة، وصلاة من خلفك باطلة، ما دام تذكرت وأنت في الصلاة. هل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مرسل للجن والإنس؟ نعم؛ لأنهم كلهم مكلفون، وكيف يكلفون إذا لم يرسل إليهم رسول؟ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] والتقى بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وقرأ عليهم القرآن. يقول: قد ورد في الأحاديث أن ماء زمزم لما شرب له، فإن أردت شربه لشيء ما هل تكفي النية أم يجب علي النطق أيضاً؟ النية كافية، لكن إن نطقت بذلك فقد نطق به جمع من أهل العلم وعُرف عنهم، وأخبروا به من حولهم أنه شربه لكذا لحفظ كذا، لظمأ يوم النشور ... إلى آخره. وهل صحيح ما ورد عن بعض العلماء من أنهم كانوا يشربون ماء زمزم على نية الحفظ أو زيادة العلم؟ نعم هذا نقل عنهم. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وبارك له في عمره وفي علمه. قال المؤلف -رحمنا الله وإياه تعالى-: باب: ما جاء في الوقت الأول من الفضل: حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن عمر العمري عن القاسم بن غنام عن عمته أم فروة -رضي الله عنها- وكانت ممن بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أفضل؟ قال: ((الصلاة لأول وقتها)). حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- .... . . . . . . . . . طالب: سم يا شيخ؟ أعد عن سعيد؟ طالب: عن سعيد بن عبد الله الجهني. . . . . . . . . . طالب: سم يا شيخ. . . . . . . . . . طالب: عن محمد بن عمر. . . . . . . . . . طالب: عن سعيد بن عبد الله. عن سعيد بنِ. طالب: ابنِ عبد الله. . . . . . . . . .

طالب: عفا الله عنك. قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني عن محمد بنِ عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا آنت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفئاً)). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن. قال -رحمه الله-: حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا يعقوب بن الوليد المدني عن عبد الله بن عمر عن نافع عن .... حدثنا يعقوب بن الوليد. طالب: ابن الوليد المدني. قال: حدثنا يعقوب بن الوليد المدني عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله)). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب. الآخِر. ((والوقت الآخِر عفو الله)). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب. وقد روى ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، قال: وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وابن مسعود -رضي الله عنهم-. قال أبو عيسى: حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري وليس هو بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا عنه في هذا الحديث، وهو صدوق، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه. قال -رحمه الله-: حدثنا قتيبة قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن أبي يعفور عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني أن رجلاً قال لابن مسعود -رضي الله عنه-: أي العمل أفضل؟ قال: سألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((الصلاة على مواقيتها)) قلت: وماذا يا رسول الله؟ قال: ((وبر الوالدين)) قلت: وماذا يا رسول الله؟ قال: ((والجهاد في سبيل الله)). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقد روى المسعودي وشعبة وسليمان هو أبو إسحاق الشيباني وغير واحد عن الوليد بن العيزار هذا الحديث. قال -رحمه الله-: حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن إسحاق بن عمر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة لوقتها الآخِر مرتين حتى قبضه الله".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل. قال الشافعي: والوقت الأول من الصلاة أفضل، ومما يدل على فضل أول الوقت على آخره اختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يختارون إلا ما هو أفضل، ولم يكونوا يدعون الفضل، وكانوا يصلون في أول الوقت، قال: حدثنا بذلك أبو الوليد المكي عن الشافعي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوقت الأول من الفضل" في الوقت الأول يعني في أول الوقت، في بدايته، في أوائله. قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن عمر العمري عبد الله بن عمر العمري" المكبر، وله أخ اسمه: عبيد الله، وتقدم ذكرهما مراراً، وعبيد الله المصغر هو الثقة، وعبد الله المكبر ضعيف عند أهل العلم لسوء في حفظه، وهو الذي معنا، مضعف من جهة حفظه، وإن كان في ديانته لا مطعن فيه على ما سيأتي في كلام الترمذي أنه صدوق، أي صدوق من جهة العدالة، وأما من جهة الضبط فحفظه فيه شيء؛ لأنه اشتغل بالعبادة عن حفظ السنن، فكثر الخطأ في حديثه، فكثر الخطأ في حديثه، قد يقول قائل: هل الاشتغال في العبادة يسبب سوء الحفظ؟ لا شك أن الانشغال عن الشيء يسبب شيء من ذلك، لكن المطلوب من المسلم التوازن؛ لأنه قد ينهمك في عبادته ويترك التعلم، أو لا يوليه إلا عناية لا تليق به قليلة فينسى كثيراً من العلم، هذا إذا اشتغل بما يعين على التحصيل وهو العبادة، فكيف إذا اشتغل بما يصد عن التحصيل وهو أمور الدنيا؟! الصالحون هؤلاء الذين يشتغلون بالعبادة عن متابعة التحصل لا شك أنه إذا غفلوا عن التحصيل ولم يعطوه ولم يولوه العناية اللائقة به، فإن تحصيلهم يتأثر؛ لأن العلم ينسى؛ لأن العلم ينسى، نعم العمل لا بد منه، وهو الذي يثبت العلم، لكن لا يكون على حساب العلم.

تكثر عبارة عند المؤلفين وهي في مثل هذا الراوي ونحوه يقولون: أدركته غفلة الصالحين، نعم الصالحون غافلون عما حرم الله عليهم، غافلون ما لا يليق بهم من الفضول، لكن ما ينفعهم لم يغفلوا عنه، بل هم أشد الناس نباهة، وأشد الناس حرصاً على ما ينفعهم؛ لأن الغفلة في أصلها مذمومة، وكونها تنسب للصالحين يستدل به على أن أهل الصلاح كلهم لديهم غفلة، نعم لديهم غفلة عما لا يليق بهم، عما لا يجدر بهم، ولا يحسن بهم، عما حرم الله عليهم، كما قال حسان: حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل المحصنات الغافلات عن البحث والنظر إلى الرجال والتطلع إليهم هذا يمدح به، لكن أصل الغفلة مذمومة؛ لأن الغفلة إن كانت عما ينفع فهي مذمومة، وإن كانت عما يضر فهي ممدوحة، لكن لا ينسب للصالحين الغفلة بإطلاق، أدركته غفلة الصالحين إلا إذا كان المراد بها عما يضرهم، لكن إذا كانت الغفلة عما يضرهم ولا يليق بهم فهذه صفة مدح، وهي إنما تساق على جهة التنقص، أدركته غفلة الصالحين في مثل هذا الحال الذي غفل فيها عما يطلب منه من متابعة الطلب. "عن القاسم بن غنام" البياضي المدني، صدوق مضطرب الحديث، يعني ليس له من الحديث إلا القليل جداً وفيه اضطراب كبير، فكونه يستحق الوصف بصدوق إن كان من جهة العدالة فقد وصف العمري هذا بأنه صدوق على ما سيأتي في كلام الترمذي، وإن كان من جهة الضبط فلا؛ لأنه حديث واحد أو اثنين أو مجموعة أحاديث ومضطربة، منها هذا الحديث الذي معنا فيه اضطراب، فلا يستحق الوصف بصدوق الذي من أجله يحسن حديثه؛ لأن الصدوق بهذا اللفظ اختلف فيه هل هو لفظ تعديل أو لا يقتضي التعديل؟ فمنهم من يقول: إن هذا اللفظ بصيغة المبالغة فعول تعديل، وحديثه مقبول، حديثه حسن، وهذا الذي اعتمده أكثر أهل العلم، ويجعلونها في مراتب التعديل بعد ثقة.

ومنهم من يرى أن صدوق لا تقتضي التعديل بالنسبة للضبط وإن اقتضته بالنسبة للعدالة، وعلى هذا فحديثه ضعيف، وهو الذي رجه ابن الصلاح؛ لأنها لا تشعر بشريطة الضبط، وعليه عمل أبي حاتم الرازي، سألت أبي عن فلان، فقال: صدوق، فقلت: أتحتج به؟ قال: لا؛ لأن صدوق لا تشعر بشريطة الضبط، والطرف الآخر يقولون: لا، ما استحق أن يوصف بصيغة المبالغة إلا أنه ملازم للصدق، ومعنى هذا أنه لا يقع الكذب في كلامه لا عن عمد ولا عن غير عمد، وإذا انتفى الكذب في كلامه لا عن عمد وهو الكذب الذي يأثم به، ولا عن غير قصد وهو الخطأ الذي لا يأثم به فعنده ضبط على هذا. صدوق صيغة مبالغة، نضرب مثال: شخص في مناسبة طرق عليه الباب فأرسل الولد فقال: من؟ جاء إليه الولد قال: فلان، ذهب وإذا به بالفعل فلان، ثم طرق ثانية فقال: فلان، ثالثة عاشرة، وكلها كلامه مطابق للواقع، هذا صدوق وإلا كذوب؟ الولد؟ صدوق؛ لأنه لازم الصدق في جميع أخباره التي قد تزيد على مائة في يوم واحد، فهو يستحق الصيغة صدوق، لكن إذا سأله أبوه بعد يوم واحد فقال: من جاءنا بالأمس؟ فعد واحد اثنين ثلاثة خمسة ووقف عن مائة، هذا ضابط وإلا غير ضابط؟ هل فيه تلازم بين صدوق مع الضبط؟ ما في تلازم؛ لأن الضبط وصف يختلف عن الصدق الذي هو مطابقة الواقع بالكلام، لكن إذا عرفنا أن العرب لا سيما قريش وهو مذهب أهل السنة أن الكذب يشمل المقصود المتعمد وغير المتعمد، فإخباره من الغد عن من حضر وخطأه فيمن بقي، هذا يسمى كذب وإن كان غير متعمد، فمن هذه الحيثية رأوا أن الصدوق بهذا الوصف صيغة المبالغة لا يستحقها إلا من عنده شيء من الضبط؛ لأن من لا ضبط عنده لا بد أن يقع الخطأ في كلامه، وإذا وقع الخطأ في كلامه صح أنه غير صادق؛ لأنه لا يشترط في الكذب التعمد. "عن عمته أم فروة" يقول ابن حجر: أم فروة صحابية، يقال: هي بنت أبي قحافة، أخت لأبي بكر من أبيه، "وكانت ممن بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أفضل؟ قال: ((الصلاة لأول وقتها)) الصلاة لأول وقتها لكن الحديث ضعيف، الحديث ضعيف على ما تقدم، ولأول وقتها اللام بمعنى (في) يعني في أول وقتها، ولكن الحديث ضعيف.

قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني" يقول ابن حجر: مقبول، وسيأتي راوٍ آخر قيل فيه: لين، سيأتي هذا الراوي -إن شاء الله تعالى-، قيل فيه: لين، والذي معنا مقبول، وتكلمنا في الفرق بين الاصطلاحين مراراً، لكن لا مانع من التذكير به. متى يقال للراوي: مقبول؟ ومتى يقال له: لين؟ ابن حجر في مقدمة التقريب قال: "من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يذكر في حقه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين" يعني ما في فرق بين الراوي المقبول والراوي اللين إلا أن هذا توبع وهذا لم يتابع، وقلت مراراً: إن هذا مشكل، لماذا؟ لأن الحكم يكون على الحديث لا على الراوي، الراوي لا يتغير وضعه، وصفه لا يتغير إذا كنا نحكم على راوي، بغض النظر هل تابعه غيره أو لم يتابعه، الذي يتأثر المروي، فإن توبع راويه ارتقى، لكن الراوي ما يرتقي، وإن لم يتابع بقي في حيز الضعيف. اللين هذا الذي ضعّف وقيل فيه: لين إن توبع صار مقبول، والمقبول هذا إن لم يتابع في بعض حديثه صار ليناً، فلا شك أن هذا الاصطلاح مشكل؛ لأن الحكم على الرواة لا على المرويات، ومن خلال الحكم على الرواة يأتي الحكم على المروي، نعم قد يقول قائل: إن ضبط الراوي إنما يعرفه أهل العلم بمتابعة الثقات له، وبموافقته لهم. ومن يوافق غالباً ذي الضبطِ ... فضابطٌ أو نادراً فمخطئ يعرف ضبط الراوي بمقارنة حديثه لأحاديث الثقات، فإن وافقهم فهو ضابط، وإن خالفهم فهو غير ضابط، لكن مع ذلك الحكم على الراوي بأنه مقبول لا شك أنه حكم على المروي، اللهم إلا إذا كان ليس له إلا هذا الحديث فيتلازم الحكم على الراوي مع الحكم على المروي، لكن قد يكون له عشرة أحاديث توبع على خمسة وخمسة لم يتابع عليها، فهل نقول في الراوي في هذا الموضع: لين، وفي الموضع الثاني: مقبول؟ لا، هذا اضطراب في الحكم.

"حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب" طيب علي بن أبي طالب يسمي عمر معروف، وهو ثقة، عمر بن علي، فهل بين عمر وعلي من خلاف؟ هل بينهما من خلاف؟ أو أن المبتدعة أوجدوا هذا الخلاف؟ فكونه يسميه باسمه هذا دليل على محبته أو على كراهيته له؟ على محبته، وعلى إعجابه به، واعترافه بفضله. "عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب" محمد صدوق، وأبوه عمر بن علي ثقة "عن علي بن أبي طالب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((يا علي ثلاث لا تؤخرها)) " ثلاث، يعني وفي رواية: ((ثلاثةٌ)) من الأشياء، وثلاث نكرة وسوغ الابتداء به الوصف المقدر، سوغ الابتداء به وإلا الأصل أنه لا يبتدئ بنكرة، الوصف المقدر، لا تؤخرها هذا الخبر، ما هي؟ هي: ((الصلاة إذا آنت)) وفي بعض النسخ: ((أتت)) وآنت وحانت يعني دخل وقتها بمعنىً واحد ((والجنازة إذا حضرت)) الجنازة هي الميت أو الميت على السرير أو على النعش، ويفرقون بين الجَنازة والجِنازة، الجَنازة الميت على السرير، والجِنازة السرير بناءً على ما درجوا عليه من أن الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل، الجَنازة الفتح أعلى، والجِنازة الكسرة أسفل والأعلى هو الميت والأسفل الذي هو الكسر للنعش لأنه أسفل، كما قالوا في دَجاجة للذكر ودِجاجة بالكسر للأنثى، وقالوا في المايح والماتح، الماتح النقطتين من فوق، والمايح من أسفل، الماتح الذي في أعلى البئر يستقي، ويجذب الرِشا بالدلو، والمايح الذي هو في أسفل البئر يعبي هذا الدلو، لماذا؟ لأن الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل، كذا قرر أهل العلم، ولكنه يعني موجود له بعض الأمثلة، لكن لا يعني أنه مطرد، وهذا يذكرونه في ملح العلم لا في متينه كما هو معلوم.

في مثلث قطرب ذكر الرَشا والرِشا والرُشا، في مثلث قطرب، الرَشا ولد إيش؟ ولد الغزال، والرِشا الحبل الذي يربط به الدلو لاستخراج الماء، والرُشا جمع رشوة، هذه الألفاظ المثلثة ينبغي لطالب العلم أن يعنى بها، ومثلث قطرب قصيرة جداً، يعني يوجد عشرة أضعافها من المثلث في لغة العرب، فأقل الأحوال أن يعرف طالب العلم مثل هذه، مثل الحَرة والحِرة والحُرة، الحَرة الحجارة، والحِرة الحرارة، والحُرة المختارة من محصنات العربِ. ((والجنازة إذا حضرت)) يعني لا تؤخر؛ لأنا أمرنا بتعجيل تجهيزها والصلاة عليها ودفنها، ((والأيم إذا وجدت لها كفئاً)) الأيم: المرأة دون زوج سواءً كانت بكراً أو ثيباً يقال لها: عزبة، ليس لها زوج، فإذا تقدم لها أحد فلا تؤخر، سواءً كانت بكراً أو ثيباً إذا وجدت لها كفئاً، يقول ابن حجر: هذا الحديث أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد ضعيف.

الكفاءة بالنسبة للمرأة مع من يخطبها الأصل في ذلك الدين، وترجم الإمام البخاري في كتاب النكاح من صحيحه باب الأكفاء في الدين، وأورد فيه حديث ضباعة بن الزبير: إني أريد الحج وأجدني شاكية، فقال: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيتِ)) طيب ما المناسبة بين هذا الحديث وبين الترجمة كتاب النكاح وباب الأكفاء في الدين؟ ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وكانت تحت المقداد، والمقداد مولى، يعني البخاري -رحمه الله تعالى- لدقة نظره ما أورد الحديث في كتاب الحج، ولا في باب الإحصار، ولا في أي باب من أبواب الحج، ولذلك حكم كثير من الباحثين قبل عهد الآلات والفهارس على أن هذا الحديث بأنه لم يخرجه البخاري، وهو خرجه في كتاب النكاح، من يبحث عن هذا الحديث في كتاب النكاح؟ لا يمكن أن يدور في خاطر الإنسان أن الحديث في كتاب النكاح، حتى أن بعض الكبار حكم على من عزاه للبخاري بالوهم، وهو في البخاري في كتاب النكاح باب الأكفاء في الدين، قد يقول قائل: إن تزويج العربية بغير العربي يترتب عليه مشاكل وعداوات، وقد يصل الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، لا شك أن ما يترتب عليه مفاسد أو مضار يمنع من أجل هذه المفاسد مع اعتقاد شرعيته وصحته، لو يتقدم لك شخص من خيار الناس من غير هذه البلاد يريد أن يتزوج ابنتك، والمسألة مسألة عرض وطلب، يعني إذا كانت البنت تقدم بها السن أو أعرض عنها الخطاب لأمر من الأمور فيها نقص يمكن أن تزوج، المسألة عرض وطلب ما أنت مخلٍ بنتك تجلس، لكن إذا كانت ماشية في بلدك هل تزوجها شخص؟ يمكن ما تزوجها شخص، لماذا؟ لا لأنه ليس بكفء، بل لما يترتب على ذلك من وجود أولاد ثم قد يسافر بهم إلى بلد لا ترضى السكنى فيه لبنتك ولا أولادها، فمن هذه الحيثية إذا منعت ما تلام، لكن إذا جاء الكفء، ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)) والمسألة نظر في مصالح ومفاسد، لا بد من اعتبار هذه الأمور، يعني لا يلام من منع لما يترتب على ذلك من مفاسد مع اعتقاده وإقراره بأن هذا أمر شرعي، وإن كان من أهل العلم من يرى الكفاءة في النسب، لكن قوله مردود بأحاديث كثيرة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ

أَتْقَاكُمْ} [(13) سورة الحجرات] ((لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)) لكن يبقى أن النظر في المصالح والمفاسد أمر مقرر في الشرائع وعند عامة العقلاء، يعني ما أفعل فعل ولو كان مباحاً في الأصل من أجل .. ، وقد يترتب عليه مفاسد ومشاكل ومضار، هذا من حقك أن تقول هذا، لكن ليس من حقك أن تقول: ما يجوز. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" وابن حجر يقول: أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد ضعيف، وعرفنا ما فيه، وعلى مقتضى القواعد الجارية عند المتأخرين أنه ما دام مقبول فالمجزوم به أنه توبع، ومحمد بن عمر صدوق، وعمر ثقة ماذا بقي من إسناده؟ الأصل أن يحسن يعني على قواعد المتأخرين، لكن كأن الحافظ ابن حجر نظر إلى أن هذا الذي حكم عليه أنه مقبول أنه لم يتابع عليه فيبقى في حيز الضعيف. أما معناه فصحيح، من حيث المعنى فصحيح، الصلاة لا تؤخرها إذا آنت، تفعل في أول وقتها، وهذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، كما سيشير إليه الترمذي فيما بعد، والجنازة إذا حضرت أيضاً لا تؤخر وأمرنا بتعجيلها، والأيم إذا وجد لها الكفء لا يجوز تأخيرها بل هو عدوان عليها وافتئات عليها، وكم من بنات في بيوت المسلمين تأخرن بسبب أولياء الأمور، فمنهم من يتأخر حرصاً على بنته، يريد لها الأفضل، كلما جاءه أحد قال: نريد أفضل، وهذا باعثه الحرص، لكن أحياناً قد يسيء وهو لا يشعر، قد لا يأتيها أحد بعد ذلك، والعادة أن البنت إذا ردد عنها مراراً أنها في الغالب تتأخر في الزواج، ثم بعد ذلك تأتي أسئلة من يتقدم لها، لماذا تأخرت؟ فالمبادرة لا شك أنها هي الأولى، ولو لم يكن الخاطب هو المطلوب من كل وجه، قد يتجاوز عن بعض الأمور نظراً لما تعيشه المجتمعات الإسلامية في الظروف التي نعيشها من مشاكل وكوارث ومصائب ومؤثرات، فإذا جاء الكفء لا تتأخر.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا يعقوب بن الوليد المدني" يعقوب بن الوليد المدني كذبه أحمد وغيره، فالخبر ضعيف جداً، ما دام حكم عليه بالكذب فيقرب أن يكون موضوعاً وحكم عليه بالوضع، على كل حال فيه يعقوب بن الوليد المدني وكذبه جمع من أهل العلم، وعبد الله قال: "عن عبد الله بن عمر" العمري ضعيف على ما تقدم "عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الوقت الأول من الصلاة رضوان الله)) (من) هذه بيانية أو تبعيضية، من وقت الصلاة رضوان الله، أي سبب رضوان الله، لما فيه من الاتصاف بالمسارعة، والمسابقة التي جاء الأمر بهما، جاء الأمر {وَسَارِعُواْ} [(133) سورة آل عمران] {سَابِقُوا} [(21) سورة الحديد] هذه مسارعة فهو مقتض لرضوان الله، فهو سبب لرضوان الله ((والوقت الآخر عفو الله)) أي وقت الاضطرار قبل خروج الوقت عفو الله، ولا يوجد العفو إلا بعد وجود إساءة تستحق العفو، وعلى كل حال الحديث ضعيف جداً، وحكم عليه بعضهم بالوضع، وآفته الحقيقية يعقوب بن الوليد المدني، وغفل من ضعفه بعبد الله بن عمر العمري وسكت عن يعقوب بن الوليد على ما سيأتي. آخر الوقت وقت الاضطرار عفو الله؛ لأن الصلاة تكون أداء قبل خروج وقتها، فأفاد أن الأول أفضل؛ لأن الرضوان للمسارعين، والعفو عن المقصرين. في (بذل المجهود) للسهانفوري يقول -حقيقة حرف الحديث لأنه حنفي، ويتعصب لمذهبه، ويؤول الأحاديث على مقتضى المذهب، بذل المجهود صاحبه يقول: إن العفو عبارة عن الفضل ((الوقت الأول رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله)) يعني فضله، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [(219) سورة البقرة] يعني الفضل، القدر الزائد، ومعنى الحديث أن من أدى الصلاة في أول وقتها فقد نال رضوان الله، وآمن من سخطه وعذابه، ومن أدى الصلاة في آخر الوقت فقد نال فضل الله، ونيل فضل الله لا يكون بدون الرضوان، يعني الفضل قدر زائد على الرضوان، فكانت هذه الدرجة أفضل من تلك".

يقول المباركفوري شارح الترمذي: "ليس هذا تفسير للحديث بل هو تحريف له" وهذا الكلام صحيح؛ لأن العفو إنما يكون عن المسيء، والرضوان إنما يكون بالنسبة للمطيع، هذا لا يكاد أن يختلف فيه أحد. "قال أبو عيسى: هذا حديث غريب" بل ضعيف جداً، وأنكر ابن القطان على عبد الحق صاحب الأحكام، أنكر ابن القطان أبو الحسن ابن القطان الفاسي صاحب بيان الوهم والإيهام، وهذا كتاب في غاية الأهمية لطالب العلم، نعم قد يكون مستواه فوق مستوى المتوسطين لكن يستفاد منه، وأما بالنسبة لطالب العلم المتمكن فلا يمكن أن يستغني عن مثله. وأنكر ابن القطان على عبد الحق تعليل الحديث بالعمري، عبد الحق قال: ضعيف؛ لأن في إسناده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، كيف يقول: فيه العمري وفيه يعقوب الذي ذكرناه سابقاً، يعقوب بن الوليد المدني وهو كذاب، قال أبو حاتم: كان يكذب والحديث الذي رواه موضوع، والعجب من سكوت الترمذي عن يعقوب، المفترض أن يبين حال يعقوب؛ لأن السكوت في مثل هذه الحالة تغرر طالب العلم المبتدئ الذي يقرأ في الترمذي، والعجب أيضاً من الإمام الشافعي الذي استدل به في مواضع من كتبه في الرسالة وفي اختلاف الحديث وفي الأم، استدل به على تفضيل أول الوقت مع أنه موضوع. "وقد روى ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، قال: وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وابن مسعود" وهذه الأحاديث كلها خرجها الترمذي في الباب، في الباب نفسه. "قال أبو عيسى: حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري وليس هو بالقوي عند أهل الحديث" عرفنا أن في حفظه شيئاً، فيه ضعف حفظه "واضطربوا عنه" يعني في روايته عنه، في هذا الحديث، يقول الزيلعي: ذكر الدارقطني في هذا الحديث اختلافاً كثيراً واضطراباً، ثم قال: والقول فيه من قال: عن القاسم عن جدته عن أم فروة هذا الراجح، القاسم عن جدته عن أم فروة، وهنا يقول: عن القاسم بن غنام عن عمته أم فروة، عن جدته غير أم فروة عن أمر فروة، فيكون فيه سقط وهو جدته ولا يدرى ما حالها، عن جدته عن أم فروة، هكذا قال الحافظ الدارقطني في علله.

"واضطربوا عنه في هذا الحديث، وهو صدوق، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد -القطان- من قبل حفظه" قالوا: لأنه ممن غلبت عليه العبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار حتى كثر الخطأ في حديثه. قال -رحمه الله-: "حدثنا مروان بن معاوية الفزاري" قالوا عنه: إنه ثقة حافظ، يدلس أسماء الشيوخ، مروان بن معاوية الفزاري يدلس أسماء الشيوخ، يعني إذا قيل: يدلس يعني يسقط الشيوخ، وإذا قيل: يدلس تدليس تسوية فإنه يسقط من فوق شيخه، لا يسقط شيخه، تدليس إسقاط، لكن يدلس أسماء الشيوخ، بمعنى أنه يسميهم بغير أسمائهم، أو يكنيهم بغير ما اشتهر من كناهم، أو ينسبهم إلى غير ما اشتهر من نسبهم، يقول: حدثنا فلان بن فلان القرطبي، تبحث عن هذا الراوي في تواريخ الأندلس ما تجد، فإذا به منسوب إلى محلة ببغداد مثلاً. يقول: حدثنا أبو صالح بن هلال، ويريد بذلك الإمام أحمد بن حنبل، هو أبو صالح نعم، لكن اشتهر بأبي عبد الله، وجده هلال، أحمد بن محمد بن هلال، إلى آخره، فكونه يكنيه بما لا يعرف به أو ينسبه إلى ما لم يعرف به ولو كان صحيح ما كذب؛ لأنه لو كذب خلاص ضعف الراوي بسببه وترك، لكن ما كذب، يروي عن شخص عراقي وينسبه إلى بلد مشتهر بالأندلس مثلاً أو بمصر أو بالمشرق؛ لأنه ينتسب إلى محلة ببغداد أو باليمن أو ما أشبه ذلك، هذا تدليس شيوخ، وهو أسهل أنواع التدليس؛ لأنه لم يسقط، السند موجود كامل، لكن هو يوعر ويشدد الوصول إلى معرفة اسم هذا الشيخ، وقد يفعل من أجل التفنن، من أجل التفنن في العبارة يمل الراوي من روايته عن شيخه، حدثنا فلان حدثنا فلان، يكرره ألف مرة؛ لأنه روى عنه ألف حديث بصيغته التي ذكرها المرة، يمل هو ويمل السامع، فتجده يغير في اسمه يقدم ويؤخر وهكذا.

البخاري -رحمه الله تعالى- حينما روى عن الذهلي ما سماه باسمه الذي اشتهر به، شيخه محمد بن يحيى بن خالد الذهلي إمام من أئمة المسلمين، لكن البخاري ما سماه باسمه الصريح، إما أن يقول: عن محمد فقط، حدثنا محمد أو حدثنا محمد بن خالد أو حدثنا يكنيه أو ما أشبه ذلك، والبخاري ما عرف بتدليس، بل قال ابن القيم: هو أبعد خلق الله عن التدليس، وصاحب الخلاصة في ترجمة الذهلي قال: روى له البخاري ويدلسه، مع أنه ما عرف بتدليس الإمام البخاري، الإمام البخاري لأن الذهلي إمام حافظ ضابط إمام من أئمة المسلمين ما ترك الرواية عنه، ولم يمنعه ما حصل بينه وبينه من خلاف من الرواية عنه لأنه إمام، لكن حصل بينه وبينه في مسألة اللفظ خلاف قوي شديد أوذي بسببه البخاري ومع ذلك لم يسمه باسمه الصريح لئلا يظن الجاهل أنه يوافقه؛ لئلا يظن أنه يوافقه. قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن أبي يعفور" اسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس، وثقه أحمد وابن معين، وقال أبو حاتم: ليس به بأس، فالمعتمد أنه ثقة، يعني إذا قال أبو حاتم في راوي من الرواة: ليس به بأس وهو متشدد، يكفي، مع أنه وثقه إمامان من أئمة الجرح والتعديل، أحمد وابن معين. "عن الوليد بن العيزار" العبدي الكوفي، ثقة أيضاً "عن أبي عمرو الشيباني" الكوفي ثقة مخضرم، يعني أدرك عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يره، ولو رآه لكان صحابياً "أن رجلاً قال لابن مسعود: أي العمل أفضل؟ " في رواية البخاري: أي العمل أحب إلى الله؟ "قال: سألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ابن مسعود يقول: سألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رجلاً قال لابن مسعود، هل يضر الإبهام في مثل هذا؟ هل نقول: فيه راوٍ مبهم فهو ضعيف؟ يعني الرجل المبهم هذا من سند الحديث أو من متنه؟ من متن الخبر ليس من سنده؛ لأن أبا عمرو الشيباني يحكي قصة شاهدها، جاء رجل وسأل ابن مسعود، السند متصل ما في إشكال، وليس الرجل المبهم من الرواة ليقال: فيه راوٍ مبهم، فالحديث لا إشكال في صحته، فكون الراوي يروي قصة شاهدها ولو أدى ذلك بصيغة (أن) فإنه يحكم له بالاتصال.

. . . ... وحكم أن حكم عن فالجلُ سووا وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريجِ

بعضهم يقول: إن (أن) هذه منقطعة، حتى يروي بصيغة (عن) لكن إذا روى قصة شهدها عن عمار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر به، عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- يختلف عن قوله: عن عمار أنه مر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، محمد بن الحنفية أن عماراً به النبي -عليه الصلاة والسلام- يحكي قصة لم يشهدها فهي منقطعة، بينما قوله: عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، يحكي قصة عن صاحبها، الذي وقعت له، وهنا أبو عمرو الشيباني يحكي قصة شاهدها، رجل ما يلزم أن نعرف اسم هذا الرجل، كثير من المبهمات وجدت حتى في القرآن ما أثرت، وجدت مبهمات في صحيح السنة ما أثرت؛ لأنه لا يدور عليها ثبوت الخبر، وقد يكون الستر عليها وعدم ذكرها أولى من ذكرها، وهنا يقول: أن رجلاً قال لابن مسعود: أي العمل أفضل؟ وفي رواية البخاري: أحب إلى الله؟ فقال: سألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فقال: ((الصلاة على مواقيتها)) عند البخاري: ((على وقتها)) وفي رواية: ((لوقتها)) "قلت: وماذا يا رسول الله؟ في رواية البخاري: ثم أي يا رسول الله؟ "قال: ((وبر الوالدين)) قلت: وماذا؟ " في الرواية الأخرى: ثم أي "يا رسول الله؟ قال: ((والجهاد في سبيل الله)) " أي العمل أفضل؟ هذا سؤال تكرر من جمع من الصحابة، واختلف الجواب، جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- اختلف من شخص إلى آخر، هنا قال: ((الصلاة على مواقيتها)) وأحياناً يقول بعمل آخر، الإيمان بالله، وأحياناً يقدم ويؤخر في الجواب، والجواب عن هذا الاختلاف في الجواب مع اتحاد السؤال أن هذا يختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فقد يكون هذا المكان بحاجة إلى عمل من الأعمال، قد يكون الزمان بحاجة ماسة إلى عمل من الأعمال، يعني إذا كان الناس في حال شدة حاجة قد يقال: الإنفاق في سبيل الله يقدم على الجهاد، يقدم على الصلاة، لا لأن الزكاة أفضل من الصلاة، لا؛ لأن الوقت يحتاج، قد يكون بعض الأشخاص ينفع في مجال ولا ينفع في مجال آخر، أو نفعه في مجال أقوى من نفعه في مجال آخر، يعني يسأل شخص عن أفضل الأعمال تجد فيه قوة ونشاط تقول: الجهاد في سبيل الله؛ لأنه ينفع في هذا الباب، وإذا

اختبرته وجدت الحافظة عنده أقل، والفهم عنده أقل، ما تقول له: طلب العلم أفضل، توجهه إلى عمل يجدي فيه أكثر، لكن إذا وجدت شخص لا مال عنده، وليست لديه قوة لا في البدن، ولا في الخبرة العسكرية ولا غيرها ما تقول له: الجهاد، عنده ذكاء، عنده فهم، عنده حفظ، تقول: العلم أفضل، ولا شك أن اختلاف الأجوبة يختلف باختلاف الأحوال والظروف والأشخاص والأماكن والأزمان، ومن هنا جاءت الأجوبة النبوية مختلفة. وبعضهم يقدر (من) أي العمل أفضل؟ فيقال: من أفضل الأعمال الصلاة على مواقيتها، وإذا قلنا: (من) ما حصل إشكال لأنها كلها (من). "قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما. "وقد روى المسعودي وشعبة وسليمان هو أبو إسحاق الشيباني وغير واحد عن الوليد بن العيزار هذا الحديث" المقصود أن هذا الحديث مروي من طرق. قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث" قتيبة بن سعيد، والليث هو ابن سعد "عن خالد بن يزيد" الجمحي، المصري، ثقة "عن سعيد بن أبي هلال" الليثي مولاهم المصري، صدوق من رجال الكتب الستة، "عن إسحاق بن عمر" قال الذهبي: تركه الدارقطني، يعني متروك، والمتروك شديد الضعف، ويحكم على الراوي بأنه متروك إذا اتهم بالكذب، يعني ما كذب في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن يتهم، ويتهم إذا كانت أحاديثه تخالف أحاديث الثقات، أو إذا عرف بالكذب في حديثه مع الناس، ولو لم يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- يترك حديثه من أجله. "عن عائشة قالت: "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله -عز وجل-" الحديث ضعيف؛ لأن فيه إسحاق بن عمر تركه الدارقطني، وفيه أيضاً إسحاق هذا لم يسمع من عائشة، فيه ضعف وانقطاع "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله" يعني نحفظ. . . . . . . . . مرتين، مر بنا أنه صلاها في آخر وقتها مرتين، متى؟ حينما أمه جبريل في اليوم الثاني، وحينما أجاب السائل بالتعليم في اليوم الثاني، صلاها لآخر وقتها، اللهم إلا إذا كان هذا الاستثناء لغير سبب، وما صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- في هاتين المرتين إنما هو لسبب.

المقصود أن أول الوقت أفضل من آخره. "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل" لماذا؟ لأن إسحاق مع ضعفه مع شدة ضعفه لم يسمع من عائشة. "قال الشافعي: والوقت الأول من الصلاة أفضل" هذا قول الجمهور "ومما يدل على فضل أول الوقت على آخره اختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يختارون إلا ما هو الأفضل" عرف التأخير عند أمراء وجدوا في آخر عصر الصحابة على ما سيأتي، يؤخرون الصلاة عن وقتها، وأما في الصدر الأول في عهد الخلفاء الراشدين ما عرف تأخير الصلوات عن وقتها "اختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يختارون إلا ما هو أفضل، ولم يكونوا يدعون الفضل، وكانوا يصلون في أول الوقت" لم يكونوا يدعون يعني يتركون، "قال: حدثنا بذلك" يقول الترمذي: "حدثنا بذلك أبو الوليد المكي عن الشافعي" أنه قال: الصلاة أول وقتها أفضل لما ذكر، ومما يدل على ذلك ... إلى آخره.

كلام لابن العربي يقول في عارضة الأحوذي: اتفق أكثر الفقهاء على أن الصلاة في أول الوقت أفضل، ولم يختلف أبو حنيفة وأصحابه في أن تأخيرها أفضل، يقول: وهذا يبنى على خلاف في مسألة أخرى، يعني ما منشأ الخلاف بين الجمهور والحنفية، يقول: وهذا يبنى على خلاف في مسألة أخرى وهي أن الصلاة هل تجب في أول الوقت أم لا؟ الصلاة وقتها موسع هل وجوبها بدخول وقتها أو في آخر وقتها إذا ضاق؟ يعني في الواجب الموسع، ولذا ينكر بعضهم أن يوجد واجب موسع، قد يوجد وقت مستحب ووقت واجب، يعني أول الوقت يكون مستحب وآخره واجب، فلا يكون هناك واجب موسع إلا أن الواجب الموسع إذا كان وقت العبادة أكثر من وقت فعلها، يعني إذا كانت تفعل في عشر دقائق، ووضع لها الشارع ثلاث ساعات هذا مضيق وإلا موسع؟ موسع، لكن إذا طلب منا صيام شهر في وقت محدد من أول الشهر إلى آخره، هذا موسع وإلا مضيق؟ مضيق هذا، والقول بوجود الموسع والمضيق قول عامة أهل العلم، ملحظ الحنفية في تأخيرها يقولون: إن فعلها في وقت وجوبها أفضل من وقت استحبابها؛ لأن الواجب أفضل من المستحب، كيف الواجب أفضل من المستحب؟ يعني هل يختلف أحد في أن الزكاة أفضل من الصدقة؟ وصلاة الظهر أفضل من راتبتها؟ في خلاف؟ ما يختلف أحد في هذا، لكن إذا كان فعل الواجب متضمن للواجب وزيادة، هل يقال: إن ذاك أفضل منه وإلا .. الاقتصار على الواجب فقط أفضل من فعل الواجب وزيادة؟ من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل، يعني من جمع بين الوضوء والغسل يعني الواجب الوضوء والغسل مستحب، أيهما أفضل؟ للجمعة الغسل أفضل، هل نقول: إن الوضوء أفضل من الغسل لأن هذا واجب وهذا مستحب؟ لا، لماذا؟ لأن الواجب اشتمل على الواجب وزيادة والمستحب أيضاً، وإذا صلينا الصلاة في وقتها اشتمل فعلنا على الواجب والمستحب أيضاً، وإذا أخرناها إلى آخر وقتها فإننا نكون بذلك فعلنا الواجب فقط، فلا وجه لقول الحنفية، وإن كان الوجوب ينحصر إذا ضاق الوقت.

يقول: ولم يختلف أبو حنيفة وأصحابه في أن تأخيرها أفضل، وهذا يبنى على خلاف في مسألة أخرى وهي أن الصلاة هل تجب في أول الوقت أم لا؟ ولو شاء ربك لم يختلف أحد في مثل هذا مع ظهوره، ولكن القلوب والخواطر بيد مالك النواصي، يصرف الكل حيث شاء أو كيف يشاء، وصورة المذهب أن الشمس إذا زالت توجه الخطاب على المكلف بالأمر، وضرب له في امتثاله حداً موسعاً يربو على صورة الفعل، يعني يزيد على صورة الفعل، وأبو حنيفة قد وافقنا على الواجب الموسع في الوقت كالكفارات وقضاء رمضان ولا خلاف بين الأمة فيه، والدليل عليه قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] وأياً ما كان الدلوك الزوال أو الغروب فهو حجة لنا، فإن الخطاب بالأمر يتوجه فيه، فالفاعل يكون ممتثلاً والمسألة أصولية وقد بيناها في كتاب المحصول، وإذا ثبت هذا فالمبادرة إلى امتثال الأمر والمسارعة إلى قضاء الواجب متفق عليه من الأئمة، وإنما يخالف أبو حنيفة وأصحابه في فضل تقديم الصلاة لاعتقادهم أن الصلاة تجب في آخر الوقت، فقالوا: إن وقت الوجوب أفضل وقد بينا فساده، والله أعلم.

يقول الشيخ أحمد شاكر: والذي نقله القاضي أبو بكر عن أبي حنيفة وأصحابه ليس معروفاً عندهم، وهو يخالف المنصوص عليه في كتبهم، الذي نقل عنه من التأخير لا شك أن الحنفية يرون تأخير صلاة الصبح، هذا مما لا شك فيه عند أبي حنيفة، وهو معروف في مذهبهم، والعصر أيضاً تؤخر كما قال محمد بن الحسن لأنها تعتصر، أما القول بإطلاق فقد يتجه كلام الشيخ أحمد شاكر، وعلى كل حال المسألة التي أشار إليها ابن العربي في الواجب الموسع هم نظروا إلى المسألة من زاوية وهي أن الواجب أفضل من المندوب بلا شك، لكن إذا انفك الواجب من المندوب، وإذا اجتمع الواجب مع المندوب لا شك أنه أفضل من الواجب فقط، وهنا يجتمع الواجب مع المندوب إذا صلينا الصلاة في أول وقتها، إذا صلينا الصلاة في أول وقتها يجتمع الواجب مع المندوب، وإذا صليناها في آخر وقتها فإنه يكون الواجب فقط دون المندوب، وقلنا هذا بالنسبة للوضوء، الوضوء واجب بل شرط لصحة الجمعة، والغسل مستحب والغسل أفضل كما جاء في الحديث، هل يعني هذا أننا تركنا الشرط وفعلنا المندوب، على رأي الحنفية هذا الذي فعلناه، تركنا شرط من شروط الصلاة وفعلنا مندوب، نقول: لا، فعلنا الشرط وزيادة، وهنا فعلنا الواجب وزيادة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كتاب الصلاة (7)

جامع الترمذي - كتاب الصلاة (7) شرح: باب: ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر، وباب: ما جاء تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام، وباب: ما جاء في النوم عن الصلاة، وباب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة، وباب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟ الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: قد اقترب الشهر -يعني شهر رمضان- ونسمع الخلاف المتكرر عن رؤية الهلال، فهناك قول لأهل العلم وهو اعتماد قول الفلكيين في النفي وليس في الإثبات، فإذا قرر الفلكيين بأنه لا يمكن ولادة الهلال في هذا اليوم، ثم ادعى أناس بأنهم رأوه فإنه يحكم بوهمهم ولا تقبل شهادتهم، فما مدى صحة هذا القول؟ وما هو منشأ الخلاف في المسألة؟ وهل قول الفلكيين يعارض النصوص؟ العبرة في أمور الدين بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولا التفات إلى قول أحد كائن من كان، ما دام الحديث ثبت بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فصيامنا وفطرنا مرتبط برؤية الهلال، وهذه مقدمة شرعية ينتج عنها حكم شرعي صحيح، طابق الواقع أو خالفه كما هو الشأن في جميع الأحكام القضائية، تبنى على شهادة الشهود، ويحكم بالحق لصاحب البينة، سواء طابقت البينة الواقع أو لم تطابقه، كما جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من نار فليأخذها وليدعها)) هذا حكم شرعي نافذ، ولو خالف الواقع، ما دامت المقدمات شرعية فالنتيجة شرعية، ومع ذلك يتحرى في الشاهد الذي يشهد برؤية الهلال يتحرى فيه، وفي عدالته، وإذا ثبتت عدالته وما دام يقبل خبره في أمور الدين في إثبات النص فما المانع من أن يقبل خبره في غير ذلك من الأحكام؟

على كل حال هذه مقدمة شرعية إذا رآه من تثبت الرؤية بشهادته علينا أن نصوم، ولا نحكم بوهم وخطأ الثقة لمجرد قول الفلكيين أبداً؛ لأننا ما أحلنا عليهم، وإنما أحلنا على الرؤية، والأصل في الرؤية الرؤية بالعين المجردة، ولا نكلف اتخاذ آلات من مناظير ودرابيل وغيرها هذه لم نكلف فيها، لكن إذا وجدت من أجل وضوح الرؤية فلا مانع، لكنها لا تطلب إذا فقدت، ولا تعلق الرؤية بها لا نفياً ولا إثباتاً، وعلى كل حال هؤلاء الذين يشككون في صيام الناس، في حج الناس، هؤلاء حقيقة عليهم أن يتقوا الله -جل وعلا-، وقد سمعنا من يقول: إن الناس وقفوا في غير يوم عرفة؛ لأن الشهود شهدوا قبل ولادة الهلال بساعات، هذا الكلام لا قيمة له في الميزان الشرعي، ((إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) كما بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلق ذلك بالرؤية. يقول: هل يصلى خلف من يقول بخلق القرآن؟ الذي يقول بخلق القرآن أتى بدعة عظيمة حكم جمع من أهل العلم بكفر من يقول بذلك، وكفروا ابن أبي دؤاد كالإمام أحمد وغيره؛ لأنه حمل الناس على القول بخلق القرآن، وعلى كل حال هذه بدعة مغلظة لا تجوز الصلاة خلفه قصداً، لكن إذا صلى الإنسان وهو لا يعلم أن هذا ممن يقول بذلك، أو لم يجد غيره فمن صحت صلاته عند أهل العلم صحت إمامته، لكن لا يجوز تقديمه على الأخيار. ما صحة حديث: ((رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً))؟ هذا الحديث حسن، ينبغي المواظبة على هذه الأربع قبل صلاة العصر. يقول: أرجو أن تعيد إعراب لفظة: (ابن).

(ابن) إذا وقعت بين علمين متوالدين بأن كان الثاني ابناً للأول فإنها حينئذٍ تحذف الألف ألف الوصل، هذه تحذف إذا وقعت بين علمين، ثم تعرب إعراب ما قبلها، إذا كانا متوالدين تعرب إعراب ما قبلها، إما صفة أو عطف بيان أو بدل، لكن إذا وقعت بين علمين غير متوالدين مثل: عبد الله بن مالك بن بحينة؛ لأن بحينة زوجة مالك وهي أم عبد الله، ومثل عبد الله بن أبي بن سلول؛ لأن سلول أم عبد الله وزوجة أبي، أما إذا وقعت بين علمين متوالدين أحدهما والد للثاني فإنها تتبعه في الإعراب، تقول: عبد الله بنُ عباس بنِ عبد المطلب؛ لأن العباس ولد لعبد المطلب فتتبع حينئذٍ العباس في إعرابه. هذا يقول: أنكر الإمام مسلم -رحمه الله- على من قال بحديث جبريل المشهور شرائع الإسلام، وقال: إن هذا انتصاراً لمذهب المرجئة فما وجه ذلك؟ هذا الكلام ليس بصحيح، مسلم حين ينفي لفظة أو ينكرها بناءً على أنها لم تثبت عنده من قوله -عليه الصلاة والسلام-، ولا يظن به أنه ينتصر لهذا المذهب الفاسد، ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) هذا هو الثابت عنده. يقول: ما قولكم في التأمين الذي يلزم عليه صاحب السيارة مع العلم أنه لا يعفى منه أحد؟ هذا إذا لم يستطع التحايل على إسقاطه، فإنه يكون حينئذٍ مكرهاً، والمكره معفو عنه. يقول: سمعت أنكم تقولون: إن كتاب ابن دقيق العيد إذا استطاع طالب العلم قراءته فإنه يسهل عليه قراءة ما سواه من الشروح، فلا يشكل عليه بعده شيء، فأي الكتب تقصدونه؟ وهل هو أصعب من الفتح؟ المقصود شرح العمدة لابن دقيق العيد، واسمه: (إحكام الأحكام) مطبوع في مجلدين، وهما مع حاشية الصنعاني مطبوع في أربعة مجلدات، وهو كتاب عسر على طالب العلم المتوسط، وهو أصعب من جميع الشروح في تقديري، فإذا استطاع طالب العلم أن يهضمه ولا يصعب عليه شيء فإنه حينئذٍ -بإذن الله- لا يحتاج إلى معلم. يقول: ما صحة قول أبي هريرة لأبي سلمة: "إن استطعت يا أبا سلمة فمت فو الله ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب"؟

المعنى صحيح، وهذا سيأتي في آخر الزمان، وجاء ما يدل على أن الإنسان يمر على القبر فيقول: يا ليتني كنت مكانه، يعني صاحبه، يعني مكان صاحبه لكثرة الفتن. يقول: هل حلق اللحية من الكبائر؟ وما صحة غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى رسولي كسرى حالقي لحاهما؟ نعم النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب على ذلك، وأمر بمخالفة المشركين، ولا شك أن حلق اللحية كبيرة من كبائر الذنوب، ونقل الاتفاق على ذلك ابن حزم وغيره، على أنها من الكبائر، وعند من يقول: إنها من الصغائر بالإصرار تكون كبيرة، بالإصرار عليها والمجاهرة بها تكون كبيرة. يقول: أشكل علي في مسألة الانتقال بالنية ما يصح وما لا يصح في الصلاة مثل نقل النية من فريضة العصر إلى الظهر مثلاً أثناء الصلاة، ومن الفرض إلى النافلة والعكس آمل التفصيل؟ الإنسان إذا دخل في الصلاة المعينة لا يجوز له أن ينتقل منها إلى غيرها، إذا دخل في صلاة العصر ثم تذكر أنه لم يصلِ الظهر لا يجوز له أن ينتقل إلى الظهر بنيته، أجازوا لمن صلى الفريضة منفرداً ثم غلب على ظنه وجود جماعة أن يقلب نية الفريضة إلى نفل شريطة أن يكون ذلك في الوقت المتسع. يقول: يلاحظ أن البعض يسجد على الشماغ يفترش الشماغ ويسجد عليه فهل هذا جائز أم مكروه؟ السجود على حائل لا يخلو إما أن يكون متصلاً بالمصلي أو منفصلاً عنه، فإن كان منفصلاً عنه جاز بلا كراهة، مثل الفرش والسجادة، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الخمرة وصلى على الحصير، هذا لا إشكال فيه، أما السجود على المتصل كالشماغ فالعلماء يطلقون الكراهة، والكراهة عندهم تزول بأدنى حاجة، لو شك في نظافة الفرش مثلاً أو أحس بأنه تنبعث منه روائح تمنع خشوعه فإنه حينئذٍ له أن يسجد على شماغه. وما قولكم في التفريق بين المتصل والمنفصل بالنسبة للسجود؟ هذا ما قرره أهل العلم، هذا ما قرره أهل العلم من التفريق بين المتصل والمنفصل. يقول: نقل ابن مفلح في المبدع إجماع الفقهاء على بطلان الصلاة بالعمل الذي ليس من جنسها إذا طال عرفاً من غير ضرورة ولو سهواً، هل هذا الإجماع صحيح؟ المذاهب كلهم يقولون بأن هذه الأعمال التي ليست من جنس الصلاة إذا طالت فإنها مبطلة.

أو لا يشكل عليه حمل النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمامة وهو في الصلاة؟ وهل حمله لها ضرورة؟ لا يشكل عليه لأن هذا يسير يحملها، وبإمكانه أن يضع إحدى يديه على الأخرى وهو حامل لها، وإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها، وهذا عمل يسير، والدليل على أنه يسير فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- له؛ لأنه لا يتصور منه أن يفعل ما يخل بصلاته، فما كان مثله فحكمه حكم اليسير، مثل القراءة في المصحف، حمل المصحف أثناء الصلاة للحاجة عند أهل العلم هذا مثل حمل أمامة. يقول: هل الذي يعدد ويتزوج ثانية يدخل تحت حديث: ((ثلاثة حق على الله عونهم)) أم أن هذا في الأولى فقط؟ الحديث يشمل الثانية والثالثة والرابعة بشرطه، أي بشرط العدل. يقول: بعض الآباء يكون عنده عدة بنات الكبرى لم تتزوج، ولذلك يأبى تزويج البنات حتى تتزوج الكبرى؛ لأجل ألا تتأثر وقد يكون الخطاب لا يريدون الكبرى فما الحل؟ ليس له أن يؤخر تزويج البنات الأخريات من أجل الكبرى، هذا لا يملكه هو وهذا عضل، فمن تقدم إليها أحد من الخطاب تزوج إذا حان وقتها، إذا كانت مطيقة لذلك تزوج، ولا يجوز تأخيرها إذا تقدم لها الكفء. يقول: في مسجد طريق رأيت جماعة من عمان وكانوا يسدلون أيديهم في الصلاة فهل هم من الإباضية وهل تصح الصلاة خلفهم؟ الذين يسدلون في الصلاة هم الإباضية والمالكية في كثير من أتباع الإمام مالك والرافضة، هؤلاء يسدلون أيديهم، وأنت إذا كنت لا تميز بين هؤلاء الاحتمال أن يكونوا من المالكية، واحتمال أن يكونوا من هؤلاء أو من هؤلاء، وعلى كل حال إذا كنت لا تدري بيقين أنهم من هؤلاء أو من هؤلاء، ولم تجد جماعة غيرهم فهل تصلي خلفهم، لكن إذا غلب على ظنك أنهم من هؤلاء المبتدعة لا سيما وأن الإباضية يقولون بخلق القرآن؛ لأنهم فئة من الخوارج، وأما الرافضة فشأنهم وأمرهم أعظم -نسأل الله السلامة والعافية-، إذا شككت في ذلك وغلب على ظنك فلا تصلي خلفهم، فمع الاحتمال أن يكونوا من المالكية؛ لأن من المالكية، بل كثير من أتباع الإمام مالك يسدلون أيديهم ولا يقبضونها أثناء القيام في الصلاة. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

باب: ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر: حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)) وفي الباب عن بريدة ونوفل بن معاوية. حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، وقد رواه الزهري أيضاً عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: . . . . . . . . . صلاة العصر، الترمذي -رحمه الله- حمل حديث الباب الذي تفوته صلاة العصر على الساهي لا على المتعمد، وأما المتعمد فشأنه أعظم، من ترك العصر فقد حبط عمله، فالترمذي -رحمه الله- حمله على الساهي، وهل المراد بالحديث الذي تفوته صلاة العصر يعني يفوته وقت الاختيار أو يفوته وقت الاضطرار بكامله فيقضيه قضاء؟ يأتي الكلام فيه، إذا حملناه على الساهي والسهو عذر، والسهو والنسيان بمعنىً واحد، ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها لا كفارة لا إلا ذلك)) على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. المقصود أنه إذا حملناه على الساهي كما فعل الترمذي فإن المراد بهذا الخلل الذي يقع له ((وكأنما وتر أهله وماله)) لما يحصل له من الأسف والأسى عند معاينة الثواب لمن صلى الصلاة في وقتها أو في أول وقتها، يلحقه من الأسف والأسى مثل أو نظير ما يلحق من فقد أهله وماله، وإذا كان هذا الأسف وهذا الأسى يلحق الساعي فما شأن العامد، ولا شك أن أمره أشد، ولذلك جاء فيه: من ترك العصر فقد حبط عمله، والعصر أمرها شديد، والتشديد فيها مع صلاة الصبح، والترغيب في فعلها في وقتها جاء في أحاديث أكثر من أن تحصر، والعصر هي الصلاة الوسطى على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في قول جماهير أهل العلم التي جاء التنصيص على المحافظة عليها عطفاً على العام: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة]. قال -رحمه الله-:

"حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي تفوته صلاة العصر)) " يقول ابن العربي في عارضته: فواتها أن يدخل الشمس صفرة، يعني ذهاب الوقت المختار مع بقاء وقت الاضطرار، ويروى عن ابن جريج كما يقول ابن العربي: إن فواتها بغروب الشمس. " ((الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)) " سلب أهله وماله، بقي بدون أهل ولا مال، فهل نستشعر مثل هذا إذا فاتتنا صلاة العصر؟ ذكر عن كثير من السلف أن من فاتته تكبيرة الإحرام يعاد، يمرض، فكيف بمن فاتته الصلاة مع الجماعة الواجبة أو من فاته وقت الاختيار؟ وبقي الوقت الذي جاء ذم من أخر الصلاة إليه ((تلك صلاة المنافق)) كما جاء في الحديث الصحيح، فكيف بمن أخرج الصلاة عن وقتها؟! وقد حكم جمع من أهل العلم أنه إذا أخرجها عن وقتها متعمداً أنه لا يصلي، ولا تنفعه لو صلى. " ((الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)) " سلب أهله وماله، فبقي وتراً فرداً، وهذا عند الترمذي على ما تقدم في الساهي غير المتعمد " ((وتر أهلَه ومالَه)) " ويجوز: "أهلُه ومالُه" لأن (وتر) مبني للمجهول، فالمفعول يكون نائب فاعل. ينوب مفعول به عن فاعلِ ... فيما له كنيل خير نائلِ فأول الفعل اضممن. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . الذي هو الواو هنا. . . . . . . . . . اضممن والمتصل ... بالآخر اكسر في مضي كوصل ((كأنما وتر أهلَه ومالَه)) يجوز أن تقول: "وتر أهلُه ومالُه" يعني سلب الأهل والمال، أو سلب الشخصُ الأهلَ والمالَ، فنائب الفاعل إما أن يكون ضميراً يعود على الذي تفوته أو يكون نائب الفاعل الأهل والمال، يعني كما قيل: ((عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، وما حدثت به أنفسَها)) أو أنفسُها، فالمتحدث هو الشخص يحدث نفسه أو أن النفس تحدثه ويجوز هذا وهذا.

"وفي الباب عن بريدة -عند البخاري- ونوفل بن معاوية" عند البخاري أيضاً، وفي الحديث التغليظ على من تفوته صلاة العصر، وأن ذلك مختص بها، جاء عند ابن حبان بلفظ: ((الصلاة)) بدل العصر ((الذي تفوته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله)) وعلى كل حال من تفوته الصلاة فقد فاته الخير؛ لأن الصلاة عمود الدين، وماذا يدرك من فاتته الصلاة؟ وإذا قارنا بين أمور الدنيا كلها بالصلاة فإننا نرى أنه لا نسبة بينهم ((وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) يعني هذه المليارات التي يملكها الناس في جميع الأقطار، وهذه القصور، وهؤلاء الخدم، وهذه المركوبات، وهذه المأكولات والمشروبات كلها لا تقوم في صف ركعتي الصبح، والمراد بذلك النافلة وليست الفريضة، فماذا عن الفريضة؟ وبعض الناس إما أن يقول ذلك مازحاً ساخراً، إذا صلى شخص ركعتين وكثيراً ما يفعل هذا عند من عنده شيء من التغفيل، يقال له: هل تبيع الركعتين بألف؟ يقول: هات، هات يصلي ركعتين بدقيقتين والألف ما يدركه ولا بشهر ولا بشهرين، لا يجوز للطرفين معاً مثل هذا الكلام؛ لأن أمور الدين لا تجوز المساومة عليها ولو مازحاً، وأحياناً يسعى بعضهم في تأثيم أخيه، ويأثم معه؛ لأنه هو المتسبب كل هذا على سبيل المزاح، إذا حج، قال: تبيع الحجة بمائة ألف، يقول: هات نحج ثانية، ولا هو بشاري ولا شيء، لكن يدخل شيئاً من الخلل في قصد هذا الحاج الذي إن كان حجه مبروراً رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولا شك أن الندم على العبادة يعني على فعلها بعد تمامها لا يبطلها لكنه مع ذلك يخل فيها، يخل في أجرها الثابت لها، يعني لو صلى إنسان وندم أنه صلى، صام وندم أنه صام، الصلاة خلاص مضت يعني بعد الفراغ من العبادة لا يلتفت إلى الشيء، لكن مع ذلك الخلل يحصل بكونه يؤثر هذه الدنيا الفانية على دينه، وركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها، يعني الدنيا لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء، وأي شيء أدنى من جناح البعوضة، لكننا لا نعرف حقيقة هذه الدنيا؛ لأن حبها أشرب قلوبنا، يعرف حقيقتها سعيد بن المسيب هو الذي يعرف حقيقة الدنيا لما جاءه الواسطة يخطب ابنته لابن الخليفة، وقال له: يا سعيد جاءت الدنيا

بحذافيرها، ابن الخليفة يطلب ابنتك، فقال له سعيد: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فما ترى أن يقص لي من هذا الجناح، ثم زوجها أحد طلابه الأشد فقراً، الذي لا يجد شيئاً البتة، والله المستعان. "قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر "وقد رواه الزهري أيضاً عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" ورواه مسلم والنسائي وابن ماجه، فالحديث مروي بأصح الأسانيد، مالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند البخاري، وهذا متفق عليه بين الشيخين، رواه البخاري ومسلم، عن مالك عن نافع عن ابن عمر بأصح الأسانيد عند الإمام البخاري، ورواه مسلم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه، وهذا هو أصح الأسانيد عند الإمام أحمد. وخاض فيه قوم فقال مالكُ ... عن نافع بما رواه الناسكُ مولاه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ثم بعد ذلك قال: وجزم ابن حنبل بالزهري ... عن سالم أي عن أبيه البري هذه أصح الأسانيد. سم. باب: ما جاء تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام: حدثنا محمد بن موسى البصري قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا ذر أمراء يكونون بعدي يميتون الصلاة فصل الصلاة لوقتها فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة، وإلا كنت قد أحرزت صلاتك)). وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهما-. حديث أبي ذر حديث حسن، وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون أن يصلي الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلي مع الإمام، والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم، وأبو عمران الجوني اسمه عبد الملك بن حبيب. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام" يعني لا ينتظر الإمام. . . . . . . . . من الأمراء في أواخر القرن الأول، في أواخر عهد الصحابة من يؤخر الصلوات إلى آخر وقتها، ووجد من يخرجها عن وقتها كالحجاج، وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عما سيحصل في أمته، وهذا من دلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-.

"باب: ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام" قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن موسى البصري" قال أهل العلم: لين، يقول ابن حجر: لين، وتقدم من الرواة من قال فيه ابن حجر: مقبول، وهو اللين إذا توبع، واللين هو المقبول إذا لم يتابع، وبينا هذا في مناسبات كثيرة، على كل حال اللين في حيز الضعيف ما لم يتابع، فإذا وجد من يتابعه على رواية الحديث صار الحديث في مرتبة الحسن، وحكم عليه الترمذي بالحسن، لكنه مخرج في صحيح مسلم، يعني اللين هذا الضعيف إذا توبع وانتقل من الضعف إلى الحسن، هل نستطيع أن نقول: إن الحديث ينتقل أكثر من درجة ما دام الحديث مخرج في الصحيح، في صحيح مسلم، هل نستطيع أن نقول: إن الحديث صحيح مع أن فيه راوٍ لين؟ طريق الإمام مسلم صحيح، لكن طريق الترمذي -رحمه الله تعالى- وإن حكم عليه بالحسن إلا أن فيه راوٍ لين فهو ضعيف، هذا الضعيف إذا وجد له من يتابعه ... ، إذا وجد لحديثه شاهد أو متابع فإنه يرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره، ومنهم من يقول: إذا كان الشاهد أو المتابع في أحد الصحيحين فإن الحديث يرتقي أكثر من درجة فيكون صحيحاً كما قرره الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث، وأكثر أهل العلم على أنه لا يرتقي إلا درجة واحدة، يعني إذا توبع ولو كان الشاهد أو المتابع في الصحيح فإنه يكون حينئذٍ حسناً.

قال: "حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي" صدوق زاهد مشهور "عن أبي عمران الجوني" اسمه عبد الملك بن حبيب كما سيأتي في كلام الإمام الترمذي، وهو ثقة من كبار الطبقة الرابعة "عن عبد الله بن الصامت" الغفاري، ابن أخي أبي ذر، أبو ذر يكون عمه "عن عبد الله بن الصامت" وهو ثقة، عن عمه "أبي ذر" الغفاري الصحابي الزاهد المشهور، الذي ألصقت به الاشتراكية، كتب عنه كثيراً عن الاشتراكي الزاهد أبي ذر الغفاري زوراً وبهتاناً، أبو ذر لا شك أنه زاهد، ويرى أن في المال حقوق غير الزكاة، هذا رأيه، واختلف مع ولاة الأمر في وقته حتى أنه نفي إلى الربذة، المقصود أن قوله لا يتفق مع قول الملاحدة والزنادقة الشيوعيين الاشتراكيين، وإن كان له رأي في المال يختلف فيه مع ولي الأمر، وجاء في الحديث: ((ليس في المال حق سوى الزكاة)) وجاء أيضاً عن عائشة: "إن في المال حقاً سوى الزكاة" ولا شك أن هناك حقوق، منها النفقات، ومنها أوقات الضرورات، وغيرها مما جاءت به النصوص من الحقوق التي في مال المسلم عليه، وهو في الأصل مال الله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] نعم أبو ذر زاد على غيره ممن عاصره في وجوب الإنفاق، وأن المال لا يدخر أكثر من الحاجة وهكذا، المقصود أن هؤلاء يتشبثون به، ويدعمون مذاهبهم الباطلة، ويلصقون به ما يوافق آراءهم، والله المستعان.

"عن أبي ذر قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-" اسمه: جندب بن جنادة الغفاري "قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا ذر أمراء يكونون بعدي يميتون الصلاة)) يميتون الصلاة أي يؤخرونها عن وقتها المختار كذا قال النووي، يعني لا أنهم يخرجونها عن وقتها بالكلية، وقال ابن حجر: صح عن الحجاج أنه كان يؤخرها حتى يخرج وقتها، والحجاج معروف وضعه أنه مسرف، مسرف على نفسه في أبواب كثيرة من أبواب الدين، لا سيما الظلم وسفك الدماء، وتأخير الصلوات وغيرها، وإذلال بعض الصحابة كأنس، المقصود أن أمره إلى الله -جل وعلا-، ووجد من أهل العلم من يحكم بكفره، ومنهم من يقول: أمره إلى الله، وكيف يفعل بلا إله إلا الله، المقصود أن مثل هذا أمره إلى الله، والحافظ ابن كثير ذكر كثير من أخباره في ترجمته، وذكرنا منها ما ذكره الحافظ ابن كثير حول قراءة ابن مسعود، وأنه يود لو أنه حكها من المصحف بضلع خنزير، يعني مع اهتمامه وشدة عنايته بالقرآن، والله المستعان، فالإنسان عليه أن يحتاط لنفسه، ولا يتساهل في أمر دينه ولا يتنازل بل عليه أن يأخذ هذا الدين بقوة وحزم وعزم، ولا يتراخى؛ لأنه إذا تراخى وارتكب شيئاً من المحظورات، أو ترك شيئاً من الواجبات، ابتلي وعوقب بما هو أشد منها، ثم بعد ذلك يعاقب بما هو أشد وهكذا، إلى أن يجد نفسه قد خرج من الدين بالكلية. وذكرنا مراراً أنه لا يتصور من عاقل فضلاً عن مسلم أن يقول: سبحان ربي الأسفل، لكن ما قالها أول كلمة قالها هذه؟ والمعاصي سبب من أسباب الاسترسال في الجرائم والمنكرات إلى أن ينسلخ المرء من دينه بالكلية

{ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ} [(61) سورة البقرة] يعني بسبب عصيانهم {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [(61) سورة البقرة] المقصود أن الإنسان عليه أن يأخذ في دينه بالحزم والعزم، ولا يتراخى ولا يتساهل، ولا يأخذ بالرخص، ولا يتتبع الأقوال الشاذة كما هو حاصل الآن؛ لأنه ما من مسألة إلا وفيها الأقوال التي هي عبارة عن طرفين ووسط، فيها التشديد، وفيها التسهيل الزائد، وفيها القول المتوسط التي تعضده النصوص، فإن أخذ على نفسه بالتشديد في كل شيء، يخشى عليه أن يكون ... ، أن يأخذ برأي الخوارج، وأن يكون متشدداً متطرفاً، وإذا تساهل وتسامح وأخذ بالطرف الآخر يخشى أن يكون مرجئاً ينسلخ من دينه وهو لا يشعر، فعليه بالجادة التي هي الوسط، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة]. ((يميتون الصلاة فصل الصلاة لوقتها)) لا تنتظرهم حتى يخرج الوقت المختار، أو يخرجونها عن وقتها، ((فصل الصلاة لوقتها)) يعني إذا عرفت من عادتهم المطردة أنهم يؤخرون الصلاة ((فصل الصلاة لوقتها))، طيب يوجد مساجد في هذا البلد وغيره عرف عن أئمتها أنهم يؤخرون الصلاة يمكن بعد الناس بساعة، لكنها ما زالت في الوقت المختار، وأقول: لا ينبغي قصد هؤلاء هذه المساجد إلا لمن فاتته الصلاة؛ لأن هذا التأخير لا شك أنه مرجوح، والتعجيل أفضل، لكن يبقى أننا إذا وازنا بين هذا التأخير الذي هو ما زال في وقت الاختيار وبين فوات الجماعة قلنا: إن هذا التأخير أسهل من تفويت الجماعة، لكن يبقى أن أولئك الأمراء الذين أشار إليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- تأخيرهم إلى الوقت الذي هو وقت الضرورة، وقت اصفرار الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يؤخر العصر إلى أن تصفر الشمس، يأثم بذلك وإن كانت في وقتها الاضطراري، وتسمى أداء وليست بقضاء.

((فصل الصلاة لوقتها، فإذا صُليت)) فإذا صُليت يعني: صلاة الأمراء "لوقتها" أي في وقتها "كانت" أي صلاتك معهم "لك نافلة" أن تصلي الصلاة في أول وقتها، فإذا اتفق أنهم صلوها في الوقت، تأخروا لكنهم صلوها بالوقت، كانت لك نافلة، أي صلاتك معهم نافلة، ففي حديث أن الفريضة هي الأولى التي تصليها في أول وقتها، على أي حال كانت سواءً كنت فرداً أو جماعة إذا كانت صحيحة مجزئة مسقطة للطلب كما جاء في حديث الرجلين الذين وجدا في المسجد بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلاته، وهما لم يصليا مع الناس، فجيء بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ترعد فرائصهما، من الهيبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فسألهما النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالا: صلينا في رحالنا، فقال: ((إذا صليتما في رحالكما ثم جئتما المسجد والناس يصلون فصلوا معهم فإنها لكما نافلة)) يعني إذا صليتم مع الجماعة نافلة، والصلاة الأولى التي صليتموها في رحالكما هي الفريضة، ((فإن صليت)) يعني صلاة الأمراء ((لوقتها)) يعني في وقتها ((كانت لك نافلة)) صلاتك معهم نافلة، وصلاتك الأولى هي الفريضة ((وإلا كنت قد أحرزت صلاتك)) يعني ضمنت صلاتك، أحرزت ضمنت صلاتك، وحصلتها في وقتها، وحصلتها في وقتها المختار.

"وفي الباب عن عبد الله بن مسعود" عند أحمد والطبراني "وعن عبادة بن الصامت" عند أبي داود "قال أبو عيسى: حديث أبي ذر حديث حسن" وأخرجه مسلم والنسائي وأحمد "وهو قول غير واحد من أهل العلم" قد يقول قائل: لماذا يصلي معهم ما دام صلى صلاة صحيحة مجزئة مسقطة للطلب؟ لأنه يخشى على نفسه من هؤلاء الأمراء الظلمة ويخشى أيضاً أن يوجد شقاق ونزاع في صفوف المسلمين وبين عامتهم، والخلاف كما قال ابن مسعود: "شر" ولا يعني أن صلاته معهم امتثالاً لهذا الحديث، إنما هي من باب الإقرار لهم على صنيعهم، لا، وإنما هي من أجل أن يضمن عدم أذيتهم، وأن لا يشق العصا الذي اجتمع عليهم، وإن كانوا فساقاً أو فجاراً ما داموا في دائرة الإسلام، ولا يجوز الخروج عليهم حينئذٍ إلا إذا رؤي الكفر البواح، أو أعلنوا ترك الصلاة، إذا كانوا لا يصلون، لا ما صلوا، فما داموا يصلون ولو كانت الصلاة فيها ما فيها مثل هذه الصلاة فإنه لا يجوز الخروج عليهم حينئذٍ، أما إذا رؤي الكفر البواح الذي فيه من الله برهان فيجوز حينئذٍ الخروج عليهم بشرطه عند أهل العلم، والشرط أن توجد القدرة على إزالتهم من غير إراقة دماء، لا بد من صيانة دماء المسلمين، فلا تعرض دماء المسلمين للإراقة بسبب خلع شخص وإقامة آخر، لا يستطاع خلعه إلا بشر عظيم، وضرر مستطير إن هذا لا بد من الصبر عليه، ولو رئي منه ما رئي، كما جاءت بذلك النصوص. قال -رحمه الله-:

"وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون أن يصلى الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلى مع الإمام، والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم" هي المكتوبة عند أهل العلم، وأشرنا سابقاً إلى أنه في بعض الدوائر الحكومية، وفي بعض المؤسسات، وفي بعض المدارس يؤخرون صلاة الظهر إلى نهاية الدوام؛ لئلا يختل نظام العمل، ولا شك أن بعض الناس يتذرع بالصلاة فيقضي أكبر وقت منشغلاً عن العمل باسم الصلاة، قبل الأذان بربع ساعة يقوم ليتجهز على حد زعمه للصلاة، ثم يتلوم ويتأخر إلى قرب الإقامة ثم إذا أقيمت الصلاة ذهب إلى المصلى ثم بعد ذلك جلس على حد زعمه للأذكار أكثر من العادة، العادة هو من السرعان، هو من السرعان في العادة، ولا يأتي إلا متأخر، وأول من يخرج، لكن هذا لأنه في دوام وفي عمل يتحايل على هذا العمل وهذا الدوام علماً بأن وقت الصلاة مستثنىً شرعاً، يعني لو يأتي صاحب عمل بعمال ويأمرهم بالعمل في وقت الصلاة ليس له طاعة هنا، بل لا بد أن يعطل العمل وقت الصلاة، طيب ما بيننا وبينهم في العقد أنهم يتركون العمل وقت الصلاة، لا، لا هذا ما يحتاج إلى استثناء، ولا يحتاج إلى اشتراط هذا مستثنىً شرعاً، لكن بعض الناس يتحين مثل هذه، ويستغل مثل هذه الفرص فيضيع بها العمل، وعادته إذا كان في بيته وبين أهل آخر من يدخل المسجد وأول من يخرج منه، وفي وقت العمل تجده يبادر، وقد يقرأ قرآن بعد الصلاة، ويصلي الرواتب، وراتبة الظهر ركعتان بعدها، ويقول: جاء الحث على أربع، وتجده يتلبث ويتلوم كله من أجل أن يفوت جزءاً من الدوام هذا لا يجوز له بحال. "وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون أن يصلى الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلى مع الإمام، والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم، وأبو عمران الجوني اسمه: عبد الملك بن حبيب" وهو مشهور بكنيته، قوله: "والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم" هذا قول الجمهور، وعليه يدل هذا الحديث، والحديث الآخر الذي سقناه آنفاً.

باب: ما جاء في النوم عن الصلاة:

من أهل العلم من يقول: إن هذه الصلاة هي المكتوبة، لو افترضنا أنك صليت الصلاة في أول وقتها منفرداً، ثم وجدت ناس يصلون جماعة صليت معهم، الفريضة هي الأولى في قول الأكثر، من أهل العلم من يقول: لا، الثانية هي الفريضة لأنها أكمل، والله -جل وعلا- يحتسب لعبده الأكمل من صلاتيه، والضمائر محتملة، ((فإنها لكما نافلة)) الضمير يعود على ما صليتما في رحالكما، ولو قال قائل -وقد قيل-: إن الضمير يعود على هذه التي صليت مع الجماعة، لكان له وجه، لكن الأكثر على أن الأولى هي الفريضة، وهي التي صادفت المحل، قال: "وأبو عمران الجوني اسمه: عبد الملك بن حبيب" وهو مشهور بكنيته. سم. قال: باب: ما جاء في النوم عن الصلاة: حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: ذكروا للنبي -صلى الله عليه وسلم- نومهم عن الصلاة فقال: ((إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)). وفي الباب عن ابن مسعود وأبي مريم وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وأبي جحيفة وأبي سعيد وعمرو بن أمية الضمري وذي مخبر، وهو ابن أخي النجاشي. وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها فقال بعضهم: يصليها إذا استيقظ أو ذكر، وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها، وهو قول أحمد وإسحاق والشافعي ومالك، وقال بعضهم: لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في النوم عن الصلاة: لا شك أن النائم مرفوع عنه القلم، ولا يؤاخذ؛ لارتفاع مناط التكليف الذي هو العقل، فلا يؤاخذ النائم ما لم يتسبب في تفويت الصلاة، فإذا تسبب في استغراقه في النوم عن الصلاة فإنه حينئذٍ يأثم على التسبب، فالنائم الذي نام واحتمال أن يمر به وقت صلاة كالنائم في الليل، أو قبل صلاة الظهر، أو قبل صلاة العصر، أو قبل صلاة من الصلوات عليه أن يوجد الأسباب التي تعينه على الاستيقاظ، ويعهد إلى من يوقظه، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما عهد بذلك إلى بلال، لا بد أن يعهد إلى أحد يوقظه سواءً كان آدمياً أو آلة، أو غير ذلك مما يوقظه، ويتم به المقصود، أما ما لا يتم به المقصود فوجوده مثل عدمه. إذا رأى أنه جرت العادة أنه لا يستيقظ برنة الساعة أو جوال أو ما أشبه ذلك، نقول: لا يكفي، لا بد أن يكون الأمر أبلغ من ذلك، ولا بد أن ينفي الموانع التي تمنعه من القيام عن الصلاة كالسهر مثلاً، أو التعب الشديد الذي يجعله يستغرق في النوم، بحيث لا يحس إذا أيقظ فلا بد من بذل الأسباب للاستيقاظ، ولا بد من انتفاء الموانع وإلا أثم لمخالفته ذلك.

قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت -بن أسلم- البناني" وهو ثقة عابد "عن عبد الله بن رباح الأنصاري" وهو ثقة أيضاً، من الطبقة الثالثة، فكلهم ثقات "عن أبي قتادة" الصحابي الجليل الحارث بن ربعي "قال: ذكروا للنبي -صلى الله عليه وسلم- نومهم عن الصلاة" هذا في القصة الطويلة التي نام فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة، وهم معه، فجعل بعضهم يهمس إلى بعض ما كفارة ذلك؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنه ليس في النوم تفريط)) والضمير اسم (إن) هو ضمير الشأن ((إنه ليس في النوم تفريط)) تقصير؛ لأن القلم مرفوع عن النائم ما لم يفرط، فلا يبذل سبب، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بذل السبب وعهد بالإيقاظ إلى بلال لكنه نام، وأخذ بنفسه الذي أخذ بأنفسهم، فإذا وكل ذلك إلى أحد يوقظه فقد أخذ بالسبب، ولا بد من نفي المانع كما ذكرنا سابقاً، فلا يسهر حتى إذا بقي على الصلاة ساعة قال: أنام وأبذل السبب، أنت بذلت السبب صحيح، لكنك أوجدت المانع من القيام فلا يجوز حينئذٍ السهر في هذه الحالة.

((إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة)) يعني في حال اليقظة، في حال التكليف ((فإذا نسي أحدكم صلاة)) يعني تركها نسياناً {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] ((أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) يعني رفع الإثم في حال النسيان {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] هل يعفيه من الصلاة إذا ذكرها؟ في الحديث: ((فليصلها إذا ذكرها)) المأمورات لا بد من الإتيان بها، ولو عذر في تركها نسياناً دون تفريط؛ لأن النسيان عند أهل العلم ينزل الموجود منزلة المعدوم ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، المؤاخذة والإثم مرفوع {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] قال: قد فعلت، لكن لا يعفى عن فعل ما تركه نسياناً، فالنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، شخص صلى بغير طهارة هل نقول: إن صلاته صحيحة لأنه ناسي؟ لا، نقول: النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، ومثله لو صلى الظهر ثلاث ركعات، نقول: لا بد أن يأتي برابعة؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، لكنه نسي وصلى خمس نقول: صلاته صحيحة، لو تعمد بطلت صلاته، لكن هذا ناسي، سهو، زاد خامسة، صلاته صحيحة؛ لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) يعني بعد النسيان والنوم هكذا رواه الترمذي مختصراً، ورواه مسلم مطولاً، وفيه قصة نومهم عن صلاة الصبح.

هم في سفر ثم ناموا قبل صلاة الصبح، ووكل الإيقاظ إلى بلال، فما استيقظوا إلا بحر الشمس، فاستيقظ أبو بكر وعمر، وعرفوا من عادته -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يوقظ حتى يستيقظ، فكبر عمر فرفع صوته بالذكر، فاستيقظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم أمرهم -عليه الصلاة والسلام- بالارتحال عن المكان الذي ناموا فيه إلى محل آخر، انتقلوا عن هذا المكان الجمهور قالوا: إنه انتقل عن المكان للعلة المنصوصة في بعض الروايات، وهو أنه مكان حضر فيه الشيطان، والحنفية يقولون: انتقل عن المكان ليخرج وقت النهي، مع أن وقت النهي خرج قبل ذلك؛ لأنهم أيقظهم حر الشمس، ولا يكون للشمس حر إلا وقد انتهى وقت النهي. انتقلوا من المكان الذي حضر فيه الشيطان، شخص في بيته في غرفته استيقظ بعد طلوع الشمس بساعة هل نقول له: انتقل من هذا المكان الذي حضر فيه الشيطان إلى مكان آخر؟ ولنفترض أن البيت غرفة واحدة كما كان في عصر سلف هذه الأمة، كبيوته -عليه الصلاة والسلام-، البيت غرفة واحدة، نقول له: اخرج من البيت لأنه حضر فيه الشيطان؟ طيب متى يرجع؟ هذا قال جمع من أهل العلم: إن هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، هو الذي عرف أن هذا المكان حضر فيه الشيطان، وهل كل مكان تفوت فيه الصلاة في مثل هذه الصورة يكون حضر فيه الشيطان؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- تنام عيناه ولا ينام قلبه، تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف نام عن الصلاة وقلبه يقظان؟ نقول: إنه في هذه الحالة نام قلبه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كانت العادة جرت أن قلبه لا ينام من أجل التشريع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما ينسى ليسن، يسهو في الصلاة من أجل أن يسن، ويكون هذا أكمل في حقه، ونام عن الصلاة من أجل تشريع الصلاة بالنسبة لمن خرج وقتها عليه غير مفرط بنوم أو نسيان.

ونومه -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة في هذه الصورة من نعم الله -جل وعلا- على أمته، يعني لو تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نام ولا مرة عن الصلاة، ماذا يكون للمسلم المتحري المحتاط لدينه؟ هذا لا شك أنه يلحقه من الحزن والأسى شيء قد لا يحتمله، قد يكدر وينكد عليه صلاته، لكن يتسلى بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- فاتته الصلاة بسبب النوم، ويكون يعني أهدأ لباله، وإن كان يناله شيء من الأسى ولا بد؛ لأن هذا لا شك أنه خلاف الأصل، الأصل أن تصلى الصلاة في وقتها. "وفي الباب عن ابن مسعود" عند أبي داود والنسائي "وأبي مريم" يقول الشارح: لم أقف عليه "وعمران بن حصين" عند البخاري ومسلم "وجبير بن مطعم" يقول: الشارح أيضاً: لم يقف عليه "وأبي جحيفة" واسمه: وهب السوائي عند أبي يعلى والطبراني "وأبي سعيد وعمرو بن أمية الضمري" عند أبي داود "وذي مخبر" "ويقال: ذي مخمر" وبعضهم يصوب الميم، كالأوزاعي، وكان لا يقوله إلا بالميم، ومثله في طبقات ابن سعد، "وهو ابن أخي النجاشي" وحديثه عند أبي داود "قال أبو عيسى: وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح" وهو مخرج في صحيح مسلم مطولاً، ورواه أيضاً أبو داود والنسائي "وقد اختلف أهل العلم" لكن لو كان العكس، إحنا نقول: رواه مسلم مطولاً، لكن لو كان العكس مطول عند الترمذي ومختصر عند مسلم ماذا نقول؟ نقول: رواه الترمذي وأصله في مسلم، يعني أصل القصة موجود في مسلم لا تفصيلها.

"وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها" يعني استيقظ وقد بقي على طلوع الشمس دقيقة أو دقيقتان يتمكن من الوضوء فيهما ثم يحرم يكبر تكبيرة الإحرام مع بزوغ الشمس أو مع غروبها في الوقت المضيق الذي نهينا فيه عن الصلاة، استيقظ في هذا الوقت المضيق والصلاة صلاة فجر أو صلاة عصر "وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة -يعني في وقت نهي- عند طلوع الشمس أو عند غروبها، فقال بعضهم: يصليها إذا استيقظ أو ذكر" إذاً حديث الباب: ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) يعني بمجرد ذكره إياها يصليها، بغض النظر عن الوقت، وتكون الفريضة مستثناة من أحاديث النهي، وبهذا قال أحمد وإسحاق والشافعي ومالك وهو قول الجمهور؛ لأن الفرائض لا تدخل في أحاديث النهي. "وقال بعضهم: لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب" لأن هذا وقت نهي، ووقت نهي مغلظ، والأحاديث -أحاديث النهي- تشمل الفرائض والنوافل، وبه قال الحنفية، وأدلتهم أحاديث النهي. لكن حديث: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) الركعة الثانية ستكون وقت بزوغ الشمس في الوقت المغلظ، والركعة الثانية من العصر ستكون وقت غروب الشمس وهو الوقت المغلظ، فماذا يقول الحنفية في مثل هذا؟ يقولون: إذا طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته ولو صلى ركعة، والحديث حجة عليهم، ولا يقولون مثل هذا في صلاة العصر، إذا غابت عليه الشمس يكملها؛ لأنها إذا طلعت يدخل وقت نهي، وإذا غابت يخرج وقت نهي، فيفرقون بين هذه وهذه، المقصود أن جمهور أهل العلم أن صلاة الفريضة لا تدخل في أحاديث النهي، والحنفية يجعلونها شاملة للنوافل والفرائض، ولا شك أن الراجح هو قول الجمهور، ((فليصلها إذا ذكرها)) وأيضاً: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) وهذا وقت مغلظ، وأمر بإكمالها: ((فليضف إليها أخرى)) كما جاء في بعض الروايات.

باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة:

بالنسبة للكسوف إذا وجد في وقت النهي، في الحديث: ((فإذا رأيتموهما فصلوا)) وعلق الصلاة بالرؤية، ولا ينظر في هذه الرؤية إلى الوقت، لا وقت نهي ولا غيره، لكنها داخلة في الخلاف باعتبار أن جماهير أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة من النوافل وليس من الفرائض، ونقل الإجماع على كونها سنة النووي، قال: أجمع أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة، وترجم أبو عوانة في صحيحه بقوله: باب وجوب صلاة الكسوف، فالذي يراها واجبة يقول: هي مستثناة من أحاديث النهي، والذي يراها مستحبة ومندوبة وسنة مؤكدة يقول: لا تصلى في أوقات النهي إلا من يقول: إن ذوات الأسباب تصلى في أوقات النهي، وسيأتي بحث الأوقات، أوقات الكراهة وما يعارضها -إن شاء الله تعالى- في درس لاحق. نعم؟ باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة: حدثنا قتيبة وبشر بن معاذ قالا: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)) وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة. حديث أنس حديث حسن صحيح، ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل ينسى الصلاة قال: "يصليها متى ما ذكرها في وقت أو في غير وقت" وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، ويروى عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصلِ حتى غربت الشمس، وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا، وأما أصحابنا فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة" وفيه الحديث السابق: ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) وهو جزء مما يدخل في الحديث السابق. "باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة"

قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة -وهو ابن سعيد- وبشر بن معاذ قالا: حدثنا أبو عوانة" وأبو عوانة: الوضاح بن عبد الله اليشكري غير صاحب الصحيح المسند، مسند أبي عوانة المستخرج على صحيح مسلم، هذاك أبو عوانة الإسفرائيني، وهذا أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، هذا متقدم وذاك متأخر "حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)) " زاد مسلم: ((لا كفارة لها إلا ذلك)) يعني بمجرد ذكره إياها فإنه يصليها، يقول النووي: "لا يجزئه إلا الصلاة" يعني لا يكفر إذا نام عن الصلاة، يقول: نكفر كفارة يمين، أو ما أشبه ذلك، أو عتق رقبة، أو شيء، لا، لا، لا كفارة لها إلا ذلك، لا يجزئه إلا الصلاة، ولا يلزمه مع ذلك شيء آخر، يعني في أصل الشرع لا يلزمه شيء آخر يعني في أصل الشرع، لكن وجد من يلزم نفسه بشيء يشبه به النذر الذي لا يجب عليه بأصل الشرع أنه كلما فاته ركعة في يوم تصدق بصدقة، أو صام عنها يوماً، أو فعل محظوراً أو ارتكب شيئاً فإنه يلزم نفسه بشيء، ووجد من سلف هذه الأمة أن من قال: متى اغتاب شخصاًَ تصدق بدرهم فسهلت عليه الغيبة، مع أنها لا يكفي؛ لأن هذه حقوق العباد، قال: فنذر أنه إن اغتاب شخصاً أن يصوم يوماً فكف عن الغيبة، يعني يتخذ بعض الناس مثل هذا لردع النفس وزجرها عن الاسترسال في المحرم، وإلا فالأصل أن في النصوص ما يكفي ويزجر، والصلاة إذا نام عنها أو نسيها يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، لكن لو كان من باب الحرص عند شخص من الأشخاص يقول: عدد الركعات المكتوبة في اليوم والليلة سبعة عشر ركعة، كل ركعة أتصدق بعشرة، إن رأى أن هذا المبلغ يردعه استمر عليه وإلا زاد فيه قال: أتصدق عن كل ركعة بمائة، وعلى هذا لو فاتته الركعات كلها فعليه أن يتصدق بألف وسبعمائة، لا شك أنه يردعه، لكن هذا قدر زائد على ما شرع الله -جل وعلا-، وفي مشروعيته نزاع، وإن فعله بعضهم من باب الصيانة والحياطة والاهتمام بشأن الدين، وبعض الناس في المقابل يستوي عنده أن يدرك الصلاة أو تفوته الصلاة، بل بعضهم يقصد ويعمد إلى أن تفوته الركعتان الأوليان لطولهما بالنسبة له، ينتظر

حتى تنتهي الركعتان الطويلتان، ولا شك أن هذا من وسواس الشيطان، وهذا إذا استمر على ذلك لا يلبث أن يتساهل في أمر الصلاة كلها، يتساهل في أمر الجماعة، ثم يتساهل في أمر الوقت، ثم يتساهل في أمرها بالكلية؛ لأن التساهل والتنازل لا حد له. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن سمرة" وهو عند الإمام أحمد في المسند "وأبي قتادة" وقد تقدم في الباب الذي قبله "قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، الحديث أخرجه الجماعة عند البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عند الأئمة كلهم "ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل ينسى الصلاة قال: "يصليها متى ما ذكرها في وقت أو في غير وقت" يعني في وقت صلاة أو في غير وقت صلاة، يعني وقت نهي "وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق" والإمام مالك، وكلهم استدلوا بحديث الباب، وجعلوا أحاديث النهي لا تتناول الفرائض "ويروى عن أبي بكرة" يروى عن علي، ويروى عن أبي بكرة، وهذه عند أهل العلم تسمى صيغة تمريض، يصدر بها الخبر إذا كان مشكوكاً في ثبوته، صيغة تمريض غير مجزوم به "ويروى عن أبي بكرة أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصل حتى غربت الشمس".

باب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟

يقول الشارح: لم أقف على من أخرج هذا الأثر أثر أبي بكرة، ولا على من أخرج أثر علي -رضي الله عنه-، وما يراه أو ما يذكر عن أبي بكرة هو قول أبي حنيفة استدلالاً بأحاديث النهي "وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا" يريد بذلك الإمام أبا حنيفة ومن يقول بقوله "وأما أصحابنا" يريد بذلك أهل الحديث، وإن زعم بعضهم أنه يريد الشافعية، وتقدم أن من الشافعية من زعم أن الترمذي شافعي المذهب، يعني كما قيل في البخاري، لكن الشافعية ترجموا للترمذي في طبقاتهم، وتقدم لنا في صفحة (297) يعني قبل كم حديث؟ في الحديث (157)، يعني قبل عشرين حديثاً، "وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي" فقد رد على الشافعي، ولو كان شافعياً لدافع عنه، فدل على أنه يريد "وأما أصحابنا" يريد بهم أهل الحديث "فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-" من أنها تصلى الفائتة على أي حال وفي أي وقت، سواءً كان وقت نهي أو غير وقت نهي. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟ حدثنا هناد قال: حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: قال عبد الله: "إن المشركين شغلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء". وفي الباب عن أبي سعيد وجابر -رضي الله عنهم-. حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها، وإن لم يقم أجزأه، وهو قول الشافعي.

وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال يوم الخندق وجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والله إن صليتها)) قال: فنزلنا بطحان فتوضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوضأنا، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب". هذا حديث حسن صحيح. انقطاع في الصوت من المصدر من 1: 29: 59 إلى 1: 40: 15 قال -رحمه الله-: "وحدثنا محمد بن بشار" المعروف ببندار "قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قال يوم الخندق" يعني في غزوة الأحزاب، والغزوة يقال لها: يوم ولو كانت أياماً؛ لئلا يتعارض هذا الحديث مع الذي قبله. "أن عمر بن الخطاب قال يوم الخندق وجعل يسب كفار قريش" لماذا؟ لأنهم تسببوا في تأخيرهم الصلاة، تسببوا في تأخيرهم الصلاة عن وقتها المختار كما حصل لعمر؛ لأنه صلى في آخر الوقت، أو بتأخيرها عن وقتها مطلقاً كما حصل لغيره، مما يأتي تفصيله في الحديث، الآن إذا حضر شخص إلى الصلاة فوجد الناس قد سبقوه بركعة أو ركعتين، أو سلم الإمام بعض الناس يسب الإمام هذا الإمام يستعجل، وهذا الإمام لا ينتظر، وهذا الإمام ينقر صلاته وينظر في ساعته، ما مضى الوقت المحدد، ويلقي باللائمة على الإمام، لكنه لو تقدم صارت النظرة غير هذه، هذا الإمام تأخر، وهذا الإمام يطيل الصلاة، وهذا .. ، كل هذا من أجل أن يبرر لنفسه التقصير، والأصل والأولى أن يرجع باللائمة على نفسه لماذا تأخر؟ يلوم الإمام، عليه أن يلوم نفسه.

هل في قول أو في سب عمر -رضي الله عنه- كفار قريش مستمسك لمثل هذا؟ لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الصحابة ما تأخروا عن الصلاة، لكنهم شغلوا عنها بغير إرادتهم، أما هذا هو المقصر، ثم ينحو باللائمة على الإمام، عجّل الإمام، تقدم الإمام، ثم يأخذ في عرضه، ما انتظر، ونقر الصلاة نقراً، ولم يدرك الصلاة، شوف أكثر من صف يقضون الصلاة كلهم بسبب الإمام، لا، لا هو بسبب تأخرهم، وكل له من خطاب الشرع ما يخصه، قد نلوم الإمام في بعض الصور، لكن لا نعذر من تأخر. وجعل يسب كفار قريش؛ لأنهم تسببوا في تأخيرهم الصلاة عن وقتها المختار كما حصل لعمر؛ لأنه صلاها في آخر وقتها، أو عن وقتها بالكلية كما حصل لغيره. "قال: يا رسول الله" قال عمر: يا رسول الله "ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس" وكدت من أفعال المقاربة، لا تقترن بـ (أن) بخلاف عسى، حتى تغرب الشمس والمعنى أنه صلاها قرب غروب الشمس؛ لأن كاد إذا أثبتت نفت، وإذا نفيت أثبتت، هنا: ما كدت نفى فدل على أنه صلاها قبل غروب الشمس، لكن لو قال: كدت أصلي العصر قبل أن تغرب الشمس، قلنا: ما صلاها إلا بعد أن غابت الشمس، وماذا عن قوله -جل وعلا- في الساعة: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني على القاعدة أنه أبرزها ولم يخفها، مع أنه في النصوص القطعية من الكتاب والسنة أنه لا يعلمها إلا الله -جل وعلا-، فقال أهل العلم في قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني حتى عن نفسي، أما عن الخلق فهذا مقطوع به، إخفاؤها عن الخلق هذا مقطوع به، إذا أثبتت نفت، لو قال: كدت أصلي العصر قبل أن تغرب الشمس، قلنا: إنه ما صلاها إلا بعد ما غربت، لكن لما قال: ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس، قلنا: إنه صلاها قبل أن تغرب الشمس، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني بعضهم يقول في كاد في معاياة وإلغاز يقول: إذا نُفيت -واللهُ أعلمُ- أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحودِ وإن أثبتت قامت مقام جحود، كما قيل في (إن) و (إذا) الشرطيتين: أنا إن شككت وجدتموني جازماً ... وإذا جزمت فإنني لم أجزمِ

"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والله إن صليتها)) " يعني: والله ما صليتها؛ لأن (إن) هنا نافية، " ((والله إن صليتها)) قال: فنزلنا بطحان" هكذا يضبطه أهل الحديث قاطبة (بُطحان) ويضبطه بعض أهل اللغة بفتح الباء، منهم من يسكن الطاء، ومنهم من يكسرها (بَطْحان) و (بَطِحان) وهو وادٍ في المدينة "فتوضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوضأنا، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، ثم صلى بعدها المغرب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الإمام البخاري ومسلم فهو متفق عليه، ويشيع عند بعض العامة أن الفوائت تقضى مع نظائرها، امرأة عليها صلوات فوائت فرطت فيها، أو رجل تساهل في صلوات كثيرة فتقضي الصلوات مع نظائرها، إذا صلت الصبح صلت صبح ثانية، إذا كان عليها يوم، إن كان عليها يومين صلت الصبح مرتين بعد الأصل، إن كانت عليها خمسة أيام صلت الصبح خمسة مرات، فإذا صلت الظهر كذلك، وإذا صلت العصر كذلك، هذا الكلام ليس بصحيح، بل قضاء الفوائت فوراً تسرد، يصلى خمس صلوات عن يوم كامل، ثم يتبع بيوم آخر، ثم يتبع بيوم ثالث وهكذا، ما لم يصل إلى حد المشقة، لكن على الإنسان أن يبادر بإبراء ذمته، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كتاب الصلاة (8)

جامع الترمذي - كتاب الصلاة (8) شرح: باب: ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر، وباب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر، وباب: ما جاء في الصلاة بعد العصر. الشيخ/ عبد الكريم الخضير هذا يقول: ذكر الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على الترمذي صفحة (331) كلاماً لابن بطال لم أفهمه. وهذه الصفحة (331) أمامي، يقول: "وقال ابن بطال على حديث الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله، قبله كلام لابن حجر يقول: بوب الترمذي على حديث باب: ما جاء في السهو عن وقت العصر حمله على الساهي، وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى يلحق من ذهب منه أهله وماله، ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد؛ لاجتماع فقدان الثواب، وحصول الإثم، وقال ابن عبد البر: "في هذا الحديث إشارة إلى تحقير الدنيا، وأن قليل العمل خير من كثير منها، يعني قليل العمل بما يتعلق بأمر الآخرة يترتب عليه ثواب من الله -جل وعلا- خير من كثير منها يعني من الدنيا. وقال ابن بطال: "لا يوجد حديث يقوم مقام هذا الحديث؛ لأن الله تعالى قال: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة] فلا يوجد حديث فيه تكييف ومحافظة غير هذا، يعني الأمر المطلق بالمحافظة على الصلاة، بالمحافظة عليها لا يؤخذ منه فعلها في وقتها، لكن في هذا الحديث مع المحافظة عليها الثابت بالكتاب والسنة فيه أن المحافظة تكون عليها في وقتها؛ لأن الذي تفوته صلاة العصر يفوتها عن وقتها هذا كأنه وتر أهله وماله، وفي معناه بل أشد منه حديث: ((من ترك العصر فقد حبط عمله)) هذا الذي يظهر من كلام ابن بطال. يقول: هل وقت قضاء الصلاة الفائتة موسع أو مضيق؟ ومتى ينتهي الوقت؟ أولاً: الفائتة يجب قضاؤها فوراً، ((فليصلها إذا ذكرها)) يعني بمجرد ذكرها يصليها ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)). يقول: ومتى ينتهي الوقت مثل النائم إذا قام من نومه وفاتته صلاة متى ينتهي وقت الصلاة بحقه؟

إذا قام وفي الوقت بقية، إذا قام من نومه وفي الوقت بقية ينتهي بانتهاء الوقت، وأما إذا قام وقد انتهى الوقت فإن وقتها بالنسبة له يبدأ من استيقاظه، أو من ذكره إذا نسي. في حديث الأمس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله إن صليتها)) هل يوجد محذوف مقدر في الجملة؟ وما معنى (إن) هنا؟ (إن) هنا نافية، يعني والله ما صليتها، {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} [(159) سورة النساء] يعني ما من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى -عليه السلام-. هل نجاسة الكافر حسية أم معنوية؟ الجمهور على أنها معنوية وليست حسية، ومن أهل العلم من يرى أنها حسية، بمعنى أنه لو سلمت عليه أو مسست شيئاً من بدنه بشيء رطب أنه يتنجس، لكن قول عامة أهل العلم أنها معنوية وليست حسية. يقول: من المعلوم أنه قد نقل إجماع الصحابة -رضوان الله عليهم- على كفر تارك الصلاة فهل ما وقع من خلاف من بعض الأئمة الأربعة وغيرهم خارق لهذا الإجماع؟ عبد الله بن شقيق يقول: "كانوا لا يرون شيئاً من العمل تركه كفر إلا الصلاة" كانوا ويقصد بذلك الصحابة، وقد يتجوز في مثل هذا بنقله عن من وقف عليه من كلامه منهم، ولا يلزم من ذلك أن يصرح الجميع، مع أنه قد لا ينقل عن شخص وهو غير موافق، المقصود أن أهل العلم الذين يقولون بكفر تارك الصلاة يذكرون هذا أنه نوع من نقل الإجماع، والذين قالوا بعدم كفره لهم أدلتهم، وأنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، المقصود أن المسألة خلافية، لكن الراجح من أقوال أهل العلم أنه كفر أكبر مخرج من الملة ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)). يقول: هل الإجماع حجة فيما سوى المسائل الفقهية من العلوم كما قيل: إنه قد أجمع متقدمو أهل الحديث أن شروط الصحيح خمسة، ثم جاء في القرن السادس من قال: إنه لا يكفي اتصال السند وإنما قال: إنما يشترط طول الصحبة بين الراوي وشيخه؟

لا شك أن مثل هذا الإجماع ملزم بالنسبة لمن أخل ببعض الشروط، أما من زاد بعض الشروط من أجل الاحتياط للسنة فإن مثل هذا لا يلزمه لوجود الاحتياط من الصحابة -رضوان الله عليهم-، فلو قال قائل: أنا هذا الصحيح، هذا الحديث اكتملت فيه شروط الصحيح، لكن عمر -رضي الله عنه- رد خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له غيره، وكان الباعث على ذلك الاحتياط للسنة، كما هو الباعث لعمر -رضي الله عنه-، يعني لو جاءك شخص بخبر، وأوجست في نفسك خيفة من هذا الخبر، وإن كان ناقله ثقة، وطلبت مزيد التثبت فإنك لا تلام على هذا، كما صنع عمر -رضي الله عنه-، ولا يعني هذا أن يكون في ذلك ذريعة لأهل البدع الذين يردون السنن تشبثاً بقول عمر وبصنيع عمر وباحتياط عمر. جمهور أهل العلم يصححون الخبر المعنعن بالشرط المعروف، بعدم الوصف بالتدليس مع المعاصرة عند مسلم، أو اللقاء عند الإمام البخاري، مع أن العمل عند أكثر أهل العلم على طريقة مسلم، لكن قول البخاري فيه مزيد احتياط للسنة، فلا يلام البخاري على مزيد هذا الاحتياط، طيب لو قال: النحاة كلهم أجمعوا على أنه يجب رفع الفاعل هل معنى هذا أن من نصبه يأثم؟ وجوب اصطلاحي، كما يقول بعضهم في وجوب التجويد، وأهله متفقون عليه أنه يجب، وصرح بعضهم بأن التأثيم إنما هو عند الفقهاء، يعني هذا وجوب اصطلاحي لا يلزم منه الإثم، ودليل ذلك أن من الصحابة من قرأ القرآن في ركعة، هل نقول: إن هذا رتل وجود من قرأ في ركعة؟ وجاء في المسند وسنن الدارمي: ((يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتق في درج الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا هذاً كان أو ترتيلاً)) وإسناده جيد حسن عند أحمد والدارمي، فدل على جواز قراءة الهذ، وأنها محصلة لأجر الحروف، وأما أجر التجويد والتدبر فقدر زائد على ذلك، يعني يفوق ذلك بمراحل، لكن لا يعني أن من قرأه هذاً كما فعله بعض الصحابة حينما ختمه في ركعة أنه يأثم بهذا، وإن أوجبوا التجويد. ابن الجزري يقول: . . . . . . . . . ... من لم يجود القرآن آثم لكن هذا التأثيم صرح كثير من علماء القراءات والتجويد أن التأثيم هذا. . . . . . . . . الفقهاء، الذين لهم الأحكام.

هل إذا مضى الزمان على قولين أو ثلاثة للعلماء في مسألة ما لا يجوز لمن أتى بعد إحداث قول جديد إذا كان خارقاً لها لأجل أن نحج ما يسمون بالمثقفين الذين يتلاعبون بحدود الله -سبحانه وتعالى-، ونقول: إن هذا قول محدث الحق في خلافه قطعاً. إحداث قول ثالث هل يعد خرقاً للإجماع أو لا؟ هذه مسألة معروفة عند أهل العلم في كتب الأصول باعتبار أن هذا الذي أحدث قولاً ثالثاً خالف ما عليه من مضى، ومنهم من يقول: إن هذا لا يعد خرق للإجماع لوجود الخلاف، والملزم من الإجماع هو ما يتفق عليه جميع المجتهدين، وإذا اختلف المجتهدون كان ذلك فيه مندوحة لمن أراد أن يتأمل في النصوص ويخرج بقول متوسط بين القولين أو يزيد قيداً على أحد هذه الأقوال، هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، ولا شك أن الذي يوجد قول لم يسبق إليه فإن كان من أهل العلم الذين لهم عناية بالنصوص وعرفوا بذلك، ولديهم خبرة ودربة في التعامل مع النصوص على طريقة السلف أنه رب مبلغ أوعى من سامع، أما أن يأتي شخص لا في العير ولا في النفير، لا يحسن الوضوء ثم بعد ذلك يفهم من النصوص ما يفهم، ويقال: إن هم رجال ونحن رجال، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا تلاعب بالنصوص. يقول: كيف ذهب البخاري وابن القيم -رحمهما الله تعالى- إلى القول بالنسخ مع إمكان الجمع بالقول بأن صلاة الخوف لا تصلى حضراً، أليس هذا سبيل أهل العلم؟

لكن القول بما أشير إليه هنا وهو قول معروف عند أهل العلم أن صلاة الخوف لا تصلى في الحضر، هذا يترتب عليه تأخير الصلوات عن وقتها، والوقت شرط لصحة الصلاة، وصلاة الخوف على الصفة التي جاءت بها السنة في ستة مواطن أو سبعة كما صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- الخلل متطرق للصلاة بلا شك، وصلاة الخوف تشتمل على كثير من الأمور التي تبطل الصلاة في حال الأمن، وهنا يتجاذب المسألة النظران، هل يتجاوز عن الوقت ويقال: تؤخر الصلوات وتؤدى كما أمر الله؟ تؤخر عن أوقاتها يصلي أوقات، أربعة أوقات، خمسة أوقات، يوم يومين ثلاثة إلى أن يحصل الأمن في حال الحضر، ولا تصلى صلاة الخوف على شيء من الخلل في الأركان، واشتمالها على شيء من المبطلات، أو نقول: إن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن غزوة الخندق فتشرع صلاة الخوف في وقتها جماعة على شيء من الخلل الذي جاءت به النصوص؟ وهو بالنسبة لصلاة الخوف وإن كان خللاً بالنسبة للأمن إلا أنه في الخوف كمال، محافظة على الوقت، ومحافظة على الجماعة، ولا شك أن صلاة الخوف من أقوى الأدلة على وجوب صلاة الجماعة، يعني تجاوز فيها عن أمور كثيرة، مع أنه يمكن أن يصلي الناس فرادى ويضبطون صلاتهم على الوجه المأمور به محافظة على الجماعة، لا سيما في هذا الموطن، الذي تظهر فيه هيبة المسلمين ضد الأعداء أمر لا بد منه. وعلى كل حال المسألة خلافية، فمن قال: إن صلاة ذات الرقاع متقدمة على الخندق، قال: إن صلاة الخوف لا تصلى في الحضر ولو ترتب على ذلك تأخير الصلاة عن وقتها كما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام-. ومن قال: إن غزوة ذات الرقاع متأخرة قال: إنما حصل بغزوة الخندق. . . . . . . . .، والقولان لا شك أنهما متعادلان؛ لأن هذا فيه خلل في الوقت، وهذا خلل في ذات الصلاة. يقول: كيف الجمع بين قول الله -جل وعلا-: {وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [(33) سورة الرعد] وبين قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [(17) سورة فصلت]؟

معلوم أن الهداية نوعان: هداية توفيق وقبول، وهداية دلالة وإرشاد، أما ثمود هداهم الله هداية الدلالة والإرشاد لكنهم ما قبلوا، وهذه لله -جل وعلا- ولنبيه ولكتابه، ولمن يخلف نبيه في الدعوة إلى الله على بصيرة، هؤلاء لهم هداية الدلالة والإرشاد، لكن هداية التوفيق والقبول ليست إلا لله -جل وعلا-. هذا يقول: أحب أن أسمع رأيك فيمن أراد الذهاب إلى مكة هل يعتمر أو لا؟ ذكرت أنني متوقف في هذه المسألة، وأنني لم أدرك ما. . . . . . . . . به البينية المشترطة لصحة السعي، وليس لمن حاله كحالي يجزم بشيء، والمسألة نسبية، حكم السعي يدرك من خلال النصوص لكن الموقع هل يدرك من خلال النصوص؟ ما يمكن أن يدرك إلا بمعرفة ما تتحقق به البينية وتواريخ مكة كلها مختلفة، والبحوث التي قدمت فيها تعارض وتباين كبير، يوجد شيء من الاضطراب في الحكم. يقول: التمس الشعرواي حكمة من قول الله تعالى في الحديث القدسي: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) العبادات كلها يمكن أن تصرف لمخلوق إلا الصوم فلا يمكن أن تصوم لأحد فهل هذا صحيح؟ وما الحكمة إذا كانت غير هذه؟ جاء في الحديث الصحيح القدسي: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) يعني لأنه سر بين العبد وبين ربه، أما كونه يدخله الرياء يدخله الرياء، يدخله الرياء إلا أنه قد يكون العبد صائماً في وقت ما ثم بعد ذلك يفطر بحيث لا يطلع عليه إلا الله -جل وعلا-؛ لأن الصيام يكون بالنية، ومن نوى الإفطار أفطر، فقد يأكل في خفية من الناس لا يعلم به أحد، ويظن أنه صائم، وأما كونه يدخله الرياء ويصوم من أجل أن يقال: صائم، هذا لا شك أنه يحصل، من أجل أن يقال: إنه صائم، وقد يقوم ليقال: إنه قائم، فأما الاختصاص فلأنه سر بين العبد وبين ربه؛ لأنه قد يتيسر له الفطر ومع ذلك يستمر في صيامه مما يجعل الأمر فيه شيء من الخفاء على كثير من الناس، وقد يصوم الأيام ولا يعلم به، فلا شك أن هذا أمر خفي، أما كونه يمكن أن يدخله الرياء فهو ممكن.

وقوله: إن العبادة كلها يمكن أن تصرف لمخلوق إلا الصوم إن أراد بصرفها أنها تفعل عن أحد من المخلوقين نيابة عنه فجاء النهي عن الصلاة ((لا يصلِّ أحد عن أحد)) وجاء أيضاً في الصيام: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) فهذا الكلام ليس بمطرد، لا في العمل الباطن ولا في العمل الظاهر. يقول: بدأ يظهر في أوساط طلاب العلم اليوم ظاهرة دراسة الدراسات العليا في دول الغرب الكافرة بحجج واهية فهل هم على صواب ناهيك بأن بعضهم من أعضاء الدعوة والإرشاد فيا ليت شعري أي علم سيجلبونه لنا؟ أولاً: مسألة الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام من أوجب الواجبات، ولم يعذر فيها إلا العاجز، ولم يصرح بحيلة في القرآن إلا في هذا الموطن {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} [(98) سورة النساء] فتجب الهجرة ولو بحيلة، هذا إذا كان ممن وجد في بلاد الكفار بغير طوعه ولا اختياره يجب عليه أن يهاجر إلا إذا عجز، فكيف ينتقل من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفار؟! يعني بعض أهل العلم يرخص إذا كانت الدراسة من النوع الذي لا يوجد في بلاد المسلمين والمسلمون بحاجة إليها، يرخص في مثل هذا بعض أهل العلم، والذي يظهر -والعلم عند الله تعالى- أننا لسنا بحاجة إلى الكفار بأي حال من الأحوال، الآن كل شيء موجود عندنا -ولله الحمد-، ولا شك أن التأثر موجود، يتأثرون بالأخلاق، يتأثرون بالأعمال الظاهرة، يتأثرون بالعقائد، يتشبهون بهم شاءوا أم أبوا، والخطر عليهم عظيم، وعلى أولادهم وذراريهم أعظم، وإذا استطاع الشخص بما عنده من علم ودين أن يحافظ على. . . . . . . . . بشيء، يحافظ على شيء مما عنده من العلم والدين فإنه لن يستطيع أن يحافظ على من تحت يده ممن ولي عليه، وكم من الذراري -من ذراري المسلمين- ممن التحق باليهود والنصارى بسبب هذه الأسفار. يقول: أتحرج كثيراً من حضور المناسبات بسبب وجود التصوير فهل آثم بحضوري؟ وإذا تحرزت من أن أصور فهل آثم بحضوري إذا تحرزت من أن أصور أم حضوري وجلوسي يعتبر إقراراً لهذا المنكر؟

التصوير الذي عمت به البلوى الآن، وصار الناس يقتدون بمن صور من أهل العلم، ومن لا يراه من أنواع التصوير، لا شك أنه هون من أمره كثيراً، حتى أنه الآن يوجد من غير نكير في أقدس البقاع، بحيث يترك بعض الناس الصلاة من أجل أن يصور، لا شك أن هذه مصيبة لكن ما دام من أهل العلم من تساهل في هذا الباب وقلده بعض العوام فإن هذا لا سيما إذا قلد من تبرأ الذمة بتقليده لأن .. ، يعني وجد يعني في الواقع من صور وتبرأ الذمة بتقليده يعني من كبار أهل العلم والعمل، لا نقول: إنهم لا عبرة بهم، لا، بهم عبرة، شئنا أم أبينا، يعني لو خالفناهم في الرأي إلا أنهم أهل وعمل، صوروا ومنهم أهل تحري، ومع ذلك العبرة بما دل عليه الدليل، والعامي فرضه التقليد، إذا قلد من تبرأ ذمته بتقليده سواءً كان في الصلاة أو في الصيام أو في غيرها من العبادات أو المعاملات أو هذه الأمور الحادثة لا يلام هذا العامي، لكن الذي يلام من يقصر ممن لديه أهلية النظر والاستدلال، هذا الذي يلام، وتجده من أشد الناس ثم يحصل له ظرف، أو تخطر له خاطرة فيتساهل، يقول: المسألة خلافية، وكثير من الناس صوروا، لا تبرأ ذمتك بقولك: إن الناس صوروا. أما وجودك في هذه المناسبة مع وجود هذا المنكر الذي تتجاذبه وجهات النظر، ولا سيما إذا ترتب على ذلك قطيعة وما أشبه ذلك فعليك أن تحضر من باب الصلة ولا تتعرض للتصوير. يقول: هل الذي يطوف بالقبر يعد قد فعل مكفراً أم لا؟ وهل إذا أصر على هذا الفعل ومات على ذلك ما الحكم؟

الطواف عبادة من العبادات لا تصرف إلا لله -جل وعلا-، في مكان واحد وهو حول بيته الشريف، ولا يجوز ما عدا ذلك، وصرفه لغير الله شرك، هذا الأصل في الحكم، لكن من يفعل ينظر في حاله هل جهله مطبق؟ وما بلغه حكم؟ وما نبه على ذلك؟ ولا بين له المسألة؟ هذا له حكم في مسألة العذر بالجهل، لكن بعض الناس يبين له الحكم، لكنه لا يرتدع لعدم اقتناعه بمن بيّن، ولما في قلبه من رواسب سابقة عن مذهب معين مع ثقته بشيوخه الذين رآهم يفعلون هذا ويفتون به، نقول: هذا إذا بلغته الحجة لا يعذر، ولو وجد المانع من قبول الحجة، المقصود بلوغ الحجة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] الذي لم تبلغه الحجة يعذر بجهله، لكن من بلغته الحجة ولو وجد المانع من قبول الحجة بأن يكون مقتدياً بشيخ من هؤلاء الذين يفتون بجواز ذلك أو يفعلونه، فإن هذا لا يكفي، وقد يوجد المانع من قبول الحجة باعتبار أن هناك وقفة أو ردة فعل من هذا المنكِر، أو من مذهب هذا المنكِر. كثير من المسلمين في الأقطار عندهم بالنسبة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ردة فعل، وحذروا منها، وشوهت في قلوبهم فصاروا لا يقبلون أي شيء ممن ينتسب إلى هذه الدعوة، هذا لا شك أنه ليس بعذر. وكيف نتعامل مع من يأخذ تراباً من قبر الميت يقول: يتبرك به؟ لا شك أن مثل هذه بدعة، بدعة منكرة، وبلغ الأمر في بعض بقاع المسلمين أن يوجد ضريح كبير جداً يسمونه ضريح الشعرة، مدفون فيه شعرة، للشيخ عبد القادر الجيلاني، وهناك السدنة، والتراب يباع، والماء له جراية من تحت هذا الضريح، يدخل ماء عادي ثم يخرج ماء مبارك يباع بأغلى الأثمان، والله المستعان، ولا شك أن هذه غربة، إذا وصل الأمر والخلل في التوحيد إلى هذا الحد هذه هي الغربة. يقول: هل يجوز التعامل مع أهل البدع ومجالستهم من أجل تغيير ذلك عليهم والتدرج معهم؟

باب: ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر:

على كل حال الأمور بمقاصدها إذا كنت تستطيع أن تؤثر فيهم فجالسهم وادعهم إلى الحق، ومن دل إلى هدى فله مثل أجر فاعله و ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) أما إذا كنت لا تستطيع التأثير فيهم، وتخشى على نفسك التأثر بهم فإن مثل هذا لا يجوز لك بحال أن تجالسهم. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر عن محمد بن طلحة بن مصرف عن زبيد عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)) هذا حديث حسن صحيح. حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)). وفي الباب عن علي وعائشة وحفصة وأبي هريرة وأبي هاشم بن عتبة. قال محمد: قال علي بن عبد الله: حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح وقد سمع منه. حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم. وقال زيد بن ثابت وعائشة: "صلاة الوسطى صلاة الظهر" وقال ابن عباس وابن عمر: "صلاة الوسطى صلاة الصبح". حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سمرة بن جندب. وأخبرني محمد بن إسماعيل عن علي بن عبد الله عن قريش بن أنس بهذا الحديث. قال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح، واحتج بهذا الحديث. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في صلاة الوسطى" يعني التي أشير إليها في قوله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] "باب: ما جاء في صلاة الوسطى" وبعض النسخ: "في الصلاة الوسطى أنها العصر" وهذا قول جمهور أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم "وقد قيل: إنها الظهر" وسيأتي القائل بذلك في كلام الترمذي -رحمه الله تعالى-. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر عن محمد بن طلحة بن مصرف عن زبيد عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)) " هذا الحديث مخرج في صحيح مسلم، ومع ثبوته مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يتعين القول بأن الصلاة الوسطى هي العصر، ولا ينظر إلى غيره، وإن كان قائله من الصحابة ومن غيرهم من الأئمة، فالعبرة بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلتفت إلى أحد مع قوله كائناً من كان.

قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن سعيد" هو ابن أبي عروبة، وإن قال الشارح المباركفوري أنه ابن المسيب، لكنه وهم في ذلك، وكتب الأطراف تدل على هذا أنه سعيد بن أبي عروبة، "عن قتادة عن الحسن" البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي، عن الحسن البصري "عن سمرة بن جندب" الصحابي "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)) " وهذا الحديث من رواية الحسن عن سمرة، وقد اختلف في رواية الحسن عن سمرة أهل العلم، فمنهم من يقول: إنه لم يسمع منه شيئاً، ومنهم من يقول: سمع منه مطلقاً كما سيأتي في كلام علي ابن المديني الذي نقله الترمذي بواسطة البخاري، ومنهم من يقول: إنه سمع منه حديث العقيقة فقط، وفي صحيح البخاري عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي ابن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فقال: سمعته من سمرة، وسيذكره الترمذي -رحمه الله- فيما بعد موصولاً عنده، وعند البخاري معلق، فدل على أنه سمع منه حديث العقيقة، وإذا ثبت سماعه لحديث واحد عند أهل العلم اطرد، لكن الحسن البصري -رحمه الله تعالى- مشكلته في التدليس كبيرة، فقد يقول: حدثنا فلان ويريد بذلك أنه حدث أهل البلد وهو فيهم، هذا مما يجعل أهل العلم يتوقفون في سماعه من سمرة وإن صرح بسماعه منه حديث العقيقة، ولذا أكثر أهل العلم على أن الحسن لم يسمع منه إلا هذا الحديث، والبخاري تبعاً لشيخه علي بن المديني فيما نقله عنه أنه سمع منه مطلقاً، وهذه هي الجادة أنه إذا سمع منه حديث يكفي، إذا ثبت سماعه له فإنه يثبت له سماعه في كل ما يصرح فيه بالسماع إذا كان مدلساً، وإذا انتفت تهمة التدليس عنه لا يلزم أن يصرح أيضاً، ولو أتى بصيغة عن. "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)) " لأنها تقع بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل، الصبح والظهر من صلوات النهار، والمغرب والعشاء من صلاة الليل، والعصر بينهما، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي" عند البخاري ومسلم "وعبد الله بن مسعود" الذي تقدم قبل هذا الحديث، "وزيد بن ثابت" سيأتي عند الترمذي في التفسير، ورواه أحمد وأبو داود، لكن قالا: هي الظهر، يعني ما جاء عن زيد بن ثابت أنها الظهر، وسيأتي في التفسير من جامع الترمذي أنها العصر، فيكون لزيد في المسألة قولان "وعائشة" عند مسلم وأبي داود والنسائي "وحفصة" عند مالك في الموطأ "وأبي هريرة" عند البيهقي، "وأبي هاشم بن عتبة" يقول المعلق: حديث أبي هاشم بن عتبة ذكره ابن حجر في الإصابة من طريق كهيل بن حرملة، قال: قدم أبو هريرة دمشق فنزل على أبي كلثوم الدوسي، فأتيناه فتذاكرنا الصلاة الوسطى فاختلفنا فيها، فقال أبو هريرة: اختلفنا فيها كما اختلفتم، ونحن بفناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة، فقام فدخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان جريئاً عليه، ثم خرج إلينا فأخبرنا أنها العصر، وذكره السيوطي في الدر المنثور بنحوه، ونسبه ابن حجر لأبي داود والترمذي والنسائي والبغوي والحاكم، والحاكم أبي أحمد، ونسبه السيوطي لابن سعد والبزار وابن جرير والطبراني والبغوي، قال أحمد شاكر: وقد بحثت عنه في أبي داود والترمذي والنسائي فلم أجده. ويؤيد ذلك أن الحافظ الهيثمي ذكره في مجمع الزوائد، وقال: رواه الطبراني في الكبير والبزار، وقال: لا نعلم روى أبو هاشم بن عتبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الحديث وحديثاً آخر، قلت: ورجاله موثقون، فلو كان مروياً في أحد الكتب الستة كما زعم الحافظ ابن حجر لما ذكره الهيثمي في الزوائد؛ لأن مجمع الزوائد في زوائد المعاجم والمسانيد على الكتب الستة، فلو كان الحديث موجوداً في السنن كما قال أحمد شاكر لما أخرجه الهيثمي في الزوائد.

"قال أبو عيسى: قال محمد: قال علي بن عبد الله" محمد هو ابن إسماعيل البخاري، وعلي بن عبد الله هو شيخه علي بن المديني "حديث الحسن عن سمرة بن جندب حديث صحيح، وقد سمع منه"، "قال أبو عيسى: حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن" علي بن المديني يقول: صحيح، والترمذي يقول: حسن في هذا الموضع مع أنه صححه في كتاب التفسير، يعني خرجه في كتاب التفسير وصححه. قال: "وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم" يقول النووي في المجموع: هو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة، يعني كون الصلاة الوسطى هي العصر هو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة، وإليه ذهب أحمد وأبو حنيفة. وقال الشوكاني في نيل الأوطار: هو المذهب الذي يتعين المصير إليه، ولا يرتاب في صحته، وعليه تدل النصوص الصحيحة الصريحة، يؤيد ذلك ما جاء في التشديد في صلاة العصر: ((من فاتته العصر)) ((من ترك العصر)) ((من صلى البردين)) ((من حافظ على صلاة في أول النهار وصلاة في آخره)) .. إلى آخره، المقصود أن صلاة العصر لها شأن عظيم، مما يدل على عطفها على الصلاة عموماً {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصلاة الوسطى} [(238) سورة البقرة] وهي داخلة في الصلوات إلا أنها هذا من باب عطف الخاص على العام للعناية بشأن الخاص والاهتمام به. "وقال زيد بن ثابت وعائشة: "صلاة الوسطى صلاة الظهر" ورواه عن زيد بن ثابت أحمد وأبو داود عنه. "وقال ابن عباس وابن عمر: "صلاة الوسطى صلاة الصبح" صلاة الوسطى صلاة الصبح لأنها مثل العصر، بعد صلاتين ليلتين وقبل صلاتين نهاريتين، يعني كما قيل في صلاة العصر، وجاء فيها من النصوص نظير ما جاء في صلاة العصر، المقصود أن قول ابن عباس وابن عمر الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح، وهو مذهب الشافعي ومالك، ومع ذلك لا يقاوم ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنها صلاة العصر.

باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر:

قال بعضهم: هي المغرب لأنها وسطى، لماذا؟ بالنسبة لعدد الركعات ليست رباعية ولا ثنائية، ثلاثية متوسطة بين الصبح وبين الظهر والعصر والعشاء، وقيل: العشاء، وجاء فيها ما جاء في صلاة الصبح من أنها أثقل الصلاة على المنافقين، وقيل: أخفاها الله كما أخفى ليلة القدر وساعة الجمعة ليجتهد الناس في الصلوات كلها، ما من صلاة إلا وقد قيل: إنها هي الوسطى، ولكن النصوص الصحيحة الصريحة كما قال النووي وغيره تدل على أنها العصر. قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سمرة بن جندب" هذا تصريح من الحسن أنه سمع من سمرة حديث العقيقة، فلا إشكال في هذا؛ لأنه صحيح، سمع من سمرة حديث العقيقة، والسن يحتمل، لكن مع ذلك هل يطرد القول بسماعه منه لأنه ثبت سماعه منه لهذا الحديث؟ أو يقال: إنه لم يسمع منه إلا هذا الحديث؟ أو يقال: لم يسمع منه مطلقاً لأن البخاري أورد الخبر تعليق؟ وصله الترمذي، على كال حال "قال أبو عيسى: وأخبرني محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- قال: حدثنا علي بن عبد الله" يعني شيخه ابن المديني "عن قريش بن أنس بهذا الحديث، قال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح واحتج بهذا الحديث" وقال شعبة: لم يسمع الحسن من سمرة شيئاً، واختاره ابن حبان، وقال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقيل: سمع منه مطلقاً كما سمعنا في كلام علي بن المديني، وقيل: سمع منه حديث العقيقة فقط، قاله النسائي والدارقطني والبزار، واختاره عبد الحق، لكن من أثبت كعلي بن المديني والبخاري قالوا: إنه مقدم على من نفى، ولعله اختيار الترمذي؛ فإنه صحح أحاديث من رواية الحسن عن سمرة، ويبقى أنه إن صرح الحسن بالسماع منه قبل وإلا فلا؛ لأن الحسن مدلس، وتدليسه شديد فلا تقبل عنعنته مع هذا الاختلاف، فلا بد أن يصرح. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر:

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور وهو ابن زاذان عن قتادة قال: أخبرنا أبو العالية عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب، وكان من أحبهم إلي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء والصنابحي، ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة ويعلى بن أمية ومعاوية -رضي الله عنهم-. حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح. قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء: حديث عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وحديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)) وحديث علي: ((القضاة ثلاثة)). يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر" جاء النهي عن الصلاة في هذين الوقتين في هذا الحديث حديث عمر وهو مروي عن جمع من الصحابة يشير إليهم الترمذي بقوله: وفي الباب ممن سيأتي ذكره، وجاء أيضاً النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة في حديث عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" فعندنا وقتان وفي حديث عقبة ثلاثة، فتكون الأوقات خمسة، ومنهم من يجعلها ستة فيجعل ما قبل صلاة الصبح وقت، وما بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وقت، ومن طلوعها إلى ارتفاعها وقت ثالث، ومن وقوفها في كبد السماء حتى تزول رابع، ومن صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب خامس، ومن ذلك الوقت إلى أن تغرب وقت سادس، لماذا؟ لأنه اختلف في بداية وقت النهي بالنسبة للصبح هل هو من طلوع الصبح أو من صلاة الصبح؟ مع أنهم يتفقون على أن وقت النهي بالنسبة للعصر إنما يبدأ من صلاة العصر، لا من وقت العصر، فيتطوع المرء بما شاء بين أذان صلاة العصر وبين إقامتها، وقد جاء الحث على أربع ركعات قبل صلاة العصر، فالنهي هل يبدأ من طلوع الصبح إذا طلع الصبح فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، أو يبدأ من صلاة الفجر وحينئذٍ يتطوع الإنسان بما شاء حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح بدأ وقت النهي، وجاء في الحديث: ((إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر)) وجاء أيضاً بالإجمال كما هنا، قال: "نهى عن الصلاة بعد الفجر" ويحتمل أن يكون بعد طلوعه وبين أداء صلاة الفجر. فالمسألة كما سمعتم والأكثر على أن الأوقات خمسة، من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس هذا واحد، ولا يستثنى من ذلك إلا صلاة الصبح الفريضة، ومعلوم أن الفرائض لا تدخل على خلاف سيأتي مع الحنفية وركعتا الفجر مستثناة.

طيب لماذا لا نقول: إن أوقات النهي ثلاثة؟ من طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس، ولا نفصل هذا إلى وقتين أو ثلاثة، وحين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس ثلاثة، وكلما قلت الأقسام كان الحصر والضبط أقرب، لماذا؟ لأن هذه الأوقات متفاوتة، منها الأوقات الموسعة التي النهي فيها أخف من الأوقات الثلاثة المضيقة بدليل أنه لا يقتصر على النهي عن الصلاة، بل دفن الموتى ممنوع في حديث عقبة بن عامر فهي أوقات قصيرة ثلاثة مضيقة، والنهي فيها أشد من الوقتين الموسعين. قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور وهو ابن زاذان" أبو المغيرة الثقفي الواسطي ثقة "عن قتادة" بن دعامة السدوسي "قال: أخبرنا أبو العالية" رفيع بن مهران الرياحي ثقة، وسيأتي في كلام الإمام الترمذي أن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث وهذا واحد منها على ما سيأتي، "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب"، قال: حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر "وكان من أحبهم إليَّ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الفجر" يعني بعد صلاة الفجر، أو بعد دخول وقتها سوى ركعتي الفجر على ما قرر عند أهل العلم، وإن كان المرجح أنه بعد طلوع الفجر، النهي يبدأ من بعد طلوع الفجر، فلا صلاة إلا ركعتي الفجر "حتى تطلع الشمس" وهذا الوقت موسع، ومن طلوعها حتى ترتفع هذا وقت مضيق "وعن الصلاة بعد -صلاة- العصر" أي بعد العصر يعني بعد صلاتها بالاتفاق "حتى تغرب الشمس".

قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن علي" عند أبي داود "وابن مسعود" عند الطحاوي "وأبي سعيد" عند البخاري ومسلم "وعقبة بن عامر" عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم "وأبي هريرة" عند البخاري ومسلم "وابن عمر" عند الشيخين أيضاً "وسمرة بن جندب" قال الشارح: لم يقف على من أخرجه، "وعبد الله بن عمرو" عند الطبراني "ومعاذ ابن عفراء" وهذا ذكره ابن سيد الناس في شرحه بنحو حديث أبي سعيد المتفق عليه "والصنابحي" عند أحمد في المسند وعند النسائي وعند مالك في الموطأ، قال: "ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-" فخبره مرسل "وسلمة بن الأكوع" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "وزيد بن ثابت" عند الطبراني "وعائشة" عند أبي داود "وكعب بن مرة" عند الطبراني أيضاً "وأبي أمامة" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "وعمرو بن عبسة" عند أحمد في المسند، وعند الإمام مسلم وأبي داود "ويعلى بن أمية" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "ومعاوية" عند البخاري وغيرهم من الصحابة، كثير من الصحابة رووا أحاديث النهي. "قال أبو عيسى: حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، "وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح" قال: بعد صلاة الصبح مع أن الحديث محتمل للصلاة وللوقت "حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح" ((فليصلها إذا ذكرها)) يعني في أي وقت، والفرائض مستثناة من أحاديث النهي، يقول: قول أكثر الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم كراهية الصلاة في هذه الأوقات مطلقاً، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية والشافعية، يعني هو قول الجمهور، وذهب داود إلى جواز الصلاة فيها مطلقاً، وروي عن بعض الصحابة، فلعل هؤلاء لم يبلغهم النهي أو حملوه على التنزيه، ومنهم من قال بأن أحاديث النهي منسوخة، كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري، ومنهم من رأى المنع من الصلاة في هذه الأوقات فرضها ونفلها، ومنهم من جوز فعل ذوات الأسباب في هذه الأوقات دون غيرها.

قول داود لا عبرة به مع ثبوت هذه الأحاديث، أنه تجوز الصلاة فيها مطلقاً، وقول من يقول بالمنع مطلقاً حتى الفرائض أيضاً مردود بما جاء من السنة الصحيحة الصريحة في استثناء الفرائض من قوله: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح)) ((من أدرك ركعة من صلاة العصر)) يعني في شدة وقت النهي، فقولهم مردود بهذه الأحاديث، يبقى أن النهي في النوافل، القول بشمول النهي لجميع النوافل سواءً كانت نوافل مطلقة أو ذات سبب هو قول الحنفية والمالكية والشافعية، فلا يتطوع الإنسان بأي صلاة كانت ولو كانت ذات سبب، وأدلتهم أحاديث النهي، ويفرق الشافعية بين ما له سبب وما لا سبب له، فتحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له، وأما ما له سبب فلا يدخل في النهي، ويستدلون إذا استدل الجمهور بعموم أحاديث النهي استدل الشافعية بعموم أحاديث ذوات الأسباب، مثل: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) ومثل ما جاء من الصلوات الخاصة مثل الاستخارة، مثل ركعتي الوضوء، يعني في أي وقت كان، مثل ركعتي الطواف، وغيرها من الصلوات.

فإذا قال الجمهور أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة والخاص مقدم على العام ((فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يعني في غير وقت النهي، فمثل هذا عام يخص بأحاديث النهي، قال الشافعية ومن يقول بقولهم كشيخ الإسلام بعكس هذا الكلام، قالوا: إن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة؛ لأنه يسمع من بعض من يفتي أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة وانتهى الإشكال، يعني مثل ما يقول الشافعية، لكن هل يسلم هذا؟ إذا قالوا هؤلاء هذا الكلام قال غيرهم كلام بمستواه، قالوا: إن أحاديث ذوات الأسباب عامة في كل وقت، وأحاديث النهي خاصة بهذه الصلوات، يعني عندنا عموم وخصوص في الطرفين، أحاديث النهي عامة في الأوقات، عامة في الصلوات خاصة في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات خاصة بالصلوات عكس أحاديث النهي، وإذا قال هؤلاء كذا قال هؤلاء كذا، والنظران متساويان، فلا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر، النظران من حيث القواعد متساويان؛ لأننا نسمع من يقول: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، ويمرر المسألة كأنها لا شيء، وهي من عضل المسائل، من أعظم المسائل إشكالاً، وتجده يأتي قبل غروب الشمس بخمس دقائق ويكبر ويصلي مرتاح، كأنه يصلي الضحى، بناءً على أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة والخاص مقدم على العام، طيب القول الثاني؟ عكس ما تقول، أحاديث ذوات الأسباب في أي وقت تدخل المسجد صلي ركعتين إلا في أوقات النهي، أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة، يعني مقابلة تامة بين القولين، مع أن القول بالمنع هو رأي الجمهور، ولم يقل بذوات الأسباب إلا الشافعية ويرجحه شيخ الإسلام، ونجد كثير من الناس يرتاح لهذا القول، لماذا؟ لأن شيخ الإسلام رجحه، وإذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام

بغض النظر عن النظر في النصوص وتطبيق القواعد العلمية عليها، نجلس هكذا؟ بعض العلماء يقول: لا تدخل في وقت النهي، لا تدخل المسجد؛ لئلا تقع في حرج، إن صليت خالفت حديث النهي، وإن ما صليت خالفت حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس)) بعضهم يقول: ادخل المسجد واذكر الله وسبح وهلل وبإمكانك تقرأ قرآن لكن لا تجلس؛ لئلا تقع في حرج، وهذا يدل على إيش؟ على أن هذه المسألة من أدق وأعقد المسائل، ليست المسألة سهلة، كما نرى ونشاهد من بعض طلاب العلم بل من أهل العلم يجلس، يدخل وهو مرتاح، يصلي ركعتين في الأوقات المضيقة، لماذا؟ لأنه رأى رأي الشافعية، ورجحه شيخ الإسلام وانتهت المسألة، لا، طيب، ماذا ... ؟ كيف نصنع؟ نقول: لا تدخل المسجد؟ أو إذا دخلت لا تجلس؟ مع أن النصوص في الطرفين صحيحة، والنظر إلى هذه النصوص في كفتي ميزان متعادلة، والتعادل هو الذي يوجد الحرج، يعني لو رجحت إحدى الكفتين انتفى الحرج، ماذا يقول الجمهور؟ يقول الجمهور: نرجح قولنا بأن الحظر يعني المنع مقدم على الإباحة، بل مقدم على الأمر، لماذا؟ لأن النهي أشد من الأمر، ومخالفة النهي أشد من مخالفة الأمر، كيف؟ ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما في خيار النهي، بينما الأمر فيه شيء من الاستثناء، قد يقول قائل: إن هذا الكلام لا يتجه إلى مثل شيخ الإسلام، لماذا؟ لأنه يرى أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، فلا يتجه إليه مثل هذا الكلام، كيف ارتكاب المحظور أسهل من ترك المأمور؟ قال: نعم؛ لأن معصية آدم ارتكاب محظور ومعصية إبليس ترك مأمور ومعصية إبليس أعظم، ورجح هذا الكلام بعض أهل العلم، لكن الأكثر على العكس أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، وعلى كل حال القول بهذا أو ذاك على الإطلاق ليس بوجيه، نعم عند التكافؤ ممكن، لكن إذا نظرنا إلى كل مسألة بمفردها في تعارض الأمر والحظر ينظر إلى قوة الأمر مع قوة الحظر وحينئذٍ يرجح الأقوى، فمثلاً أيهما أعظم حلق اللحية أو عدم الصبغ؟ تغيير الشيب؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . .

لا، ما هو بالسواد، لا، أقول: تغيير الشيب، ((غيروه)) أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن نغير الشيب، أو حلق اللحية لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن حلقها؟ طالب:. . . . . . . . . أعظم؟ طالب:. . . . . . . . . نقول هنا: ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور، لماذا؟ لأننا نظرنا إلى كل واحد على حدة. لكن لو كان هذا المأمور عظيم مثل الصلاة مثلاً منعت من الصلاة حتى تأكل شيء من الربا، تتعامل بمعاملة ربوية، ماذا نقول؟ اترك الصلاة؟ أيهما أعظم الآن؟ نقول: ترك المأمور أعظم من فعل المحظور؛ لأن ترك الصلاة كفر، وهكذا ينظر إلى كل مسألة على حدة، والأصل الحديث: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والمقرر عند الجمهور أن ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور، فأنت إذا دخلت المسجد وصليت ركعتين ارتكبت محظور، صليت في أوقات النهي وفعلت مأمور، لكن لو جلست ما صليت تركت مأمور ولم ترتكب محظور، قالوا: الحظر مقدم على الإباحة فيرجح من هذه الحيثية. الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه: باب: الطواف بعد الصبح وبعد العصر، فأورد الأحاديث، أحاديث النهي عن الصلاة، فأورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وقال: صلى عمر ركعتي الطواف بذي طوى، لأنه طاف بعد الصبح وما صلى الركعتين إلا بذي طوى، لما خرج وقت النهي، فالإمام البخاري ماذا يرجح؟ يرجح أننا لا نفعل شيئاً من السنن ولو كانت ذا سبب مثل ركعتي الطواف. وجاء في حديث جابر في المسند عند أحمد قال: "لم يكونوا يطوفون بعد الصبح وبعد العصر" لكن أقول: لا مانع من الطواف، لكن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقت النهي مثل ما فعل عمر، لا إشكال في هذا لأنهم لم يكونوا يطوفون لئلا يصلوا في هذا الوقت؛ لأن الممنوع الصلاة ما هو بالطواف، وجاء في حديث يستدل به من يقول بفعل ذوات الأسباب: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) ولذا جاء بعض استثناء مكة -على ما سيأتي- عند بعض العلماء.

نعود إلى أصل المسألة، المسألة فيها ما سمعتم، وهي شائكة ودقيقة ومعضلة من عضل المسائل، ليست بالسهلة كما يراها بعض الناس، والجمهور على أنه لا يتطوع بشيء ولو كان له سبب، في مقابل الشافعية الذين يستثنون ذوات الأسباب، وكان المعمول به هو قول الجمهور، إلى أن اطلع الناس على الأقوال، وشهر قول شيخ الإسلام، وقلده الناس، ووجد من يشهر شيخ الإسلام، واختيارات شيخ الإسلام فصاروا يصلون في هذه الأوقات، وإلا كان الناس أبداً، رأينا من يحرف الناس إذا كبر العصر ليصلي تحية المسجد، وكان عمر يضرب الناس إذا صلوا بعد العصر. الحظر مقدم على الإباحة، بل على الأمر كما جاء في الحديث: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ورجح به كثير من أهل العلم أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، بهذا يرجح الجمهور قولهم، ومن يرجحه ممن يقلدهم، طيب الشافعية لهم مرجحات وإلا ما لهم مرجحات؟ لهم مرجحات من هذه المرجحات .... طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . حديث إيش؟ طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا هذا ما ينفع، هذا دليل، نريد شيء يرجح هذا الدليل. طالب:. . . . . . . . . هذا دليل للمسألة، نريد ما يرجح هذه الأدلة على الأدلة الأخرى، إحنا عرفنا أن لهم أدلة، نحن لا نبحث الآن في الأدلة، نريد مرجح خارجي؛ لأنه إذا كان التعارض من باب العموم والخصوص الوجهي نريد مرجح خارجي، لا نرجح بنفس الأدلة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، الجلوس المراد به الأمر، إحداث صلاة، لو انسدح، لو اضطجع ويش يصير؟ طالب:. . . . . . . . . لكن هو نهي عن الجلوس لو اضطجع؟ أو المراد إيجاد صلاة؟ المراد إيجاد صلاة في هذا الوقت تحية للمسجد، ولذا لا يكفي أن يصلي ركعة واحدة. المقصود أنه لا بد من مرجح خارجي؛ لأن الخلاف من باب العموم والخصوص الوجهي الذي هو من أعقد ما يبحث في مسائل الأصول، وعرفنا أن الجمهور رجحوا بترجيح الحظر على الإباحة، هذه قاعدة معروفة ويقول بها الشافعية في كثير من المسائل، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

هذا من أدلتهم، من الأدلة، الأدلة لا نبحث فيها الآن، نريد مرجح خارجي، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش فيه؟ طالب:. . . . . . . . . هذا من الأدلة لا أريد أدلة، الأدلة انتهينا منها، هؤلاء لهم أدلة وهؤلاء لهم أدلة، الآن في حال التعارض إذا كان من باب العموم والخصوص الوجهي نريد مرجح خارجي غير هذه الأدلة، لا نريد أفراد الأدلة التي يستدل بها الجمهور أو يستدل بها الشافعية، انتهينا من مسألة الأدلة، نريد مرجح خارجي، نريد قاعدة يستند إليها أهل العلم في الترجيح في مثل هذه المسائل المعضلة، نعم؟ طالب: يقولون: العموم إذا دخل التخصيص أضعفه. نعم، قالوا: إن عموم أحاديث النهي غير محفوظ، بمعنى أنه دخله مخصصات ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) و"ثلاث ساعات كان ينهانا" هل يشمل الفرائض أو هذه الأحاديث مخصصة بالفرائض؟ مخصصة بالفرائض، إذاً العموم غير محفوظ، وإذا خصت بالفرائض تخص بذوات الأسباب؛ لأن العموم إذا خصص ضعف، بينما عموم ذوات الأسباب قالوا: محفوظ، محفوظ ما دخله مخصصات، فيكون عموم ذوات الأسباب أقوى من عموم أحاديث النهي، وأولئك يرجحون بالقاعدة المتفق عليها حتى مع الشافعية أن الحظر مقدم، واحد جلس وهو مأمور بصلاة ركعتين، والآخر صلى وهو منهي عن الصلاة، قالوا: النهي أشد ((فأتوا منه ما استطعتم)) أنا لا أستطيع أن أصلي ركعتين في هذا الوقت، وقد نهيت من قبل الشارع عنها، يعني ما هو معنى عدم الاستطاعة أنك لا تقدر على أداء ركعتين؛ لأن عدم الاستطاعة الشرعية أشد من عدم الاستطاعة البدنية، إذا كنت ممنوع شرعاً منها.

وعلى كل حال المسألة مثل ما ذكرنا والأدلة متكافئة، والذي أميل إليه وأرجحه أن الوقتين الموسعين أمرهما سهل؛ لأن النهي عن الصلاة فيهما لا لذاتهما، بل إنما خشية أن يستمر الإنسان فيصلي حتى يدخل الوقت المضيق الذي الأمر فيه أشد، النهي فيه أغلظ في الثلاثة الأوقات المغلظة؛ لأن العلة واضحة الشمس تطلع بين قرني شيطان، تغرب بين قرني شيطان، إذا وقفت سجد لها الكفار، إذا طلعت سجد ... ، من أجل هذا نهينا، فإذا جاءت الثلاثة فأمسك عن الصلاة أياً كان سببها إلا الفريضة التي جاء فيها: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) هذه مستثناة، ما تدخل في هذا على ما سيأتي، يأتي بحثها، فالأوقات الثلاثة المضيقة وهي قصيرة، يعني لا تزيد في الغالب في أطول الأوقات على ربع ساعة. طالب:. . . . . . . . . حين يقوم قائم الظهيرة وإيش فيه؟ وقت تسجر فيه جهنم، هذه العلة، حتى قيل: إن الشيطان يتراءى لها إذا قامت مثل طلوعها وغروبها. المقصود أن الأوقات الثلاثة المضيقة يجتنب فيها المسلم الصلاة أياً كانت إلا الفرائض، وأما بالنسبة للوقتين الموسعين فالأمر فيهما أسهل، ولذا جاء في الحديث الذي يليه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر، وأقر من تصدق على هذا بعد صلاة الصبح، وأقر من صلى ركعتي الصبح بعدها، فالأمر فيهما أوسع، بينما الأوقات المضيقة التي جاءت في حديث عقبة بن عامر أمرها شديد، ووقتها قصير، يعني لو انتظر الإنسان ما تأثر، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، الجمعة ما في تسجير لجهنم، ولذلك تتابع الصحابة -رضوان الله عليهم- على الصلاة في هذا الوقت حتى يدخل الإمام.

باب: ما جاء في الصلاة بعد العصر:

"قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث" الترمذي يريد أن يبين أن حديث الباب موصول؛ لأنه من رواية قتادة عن أبي العالية، لم يسمع منه إلا ثلاثة أحاديث منها حديث عمر "حديث عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وحديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)) " والحديث في البخاري، وفي رواية: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)) وذلك لما يخشى على من سمع قصة يونس أن يقع في نفسه شيء من التنقص له، قصة يونس مذكورة في القرآن، فإذا سمعها بعض الجهال قد يقع في نفسه شيء أن مثل هذه التصرفات لا ينبغي أن تحصل من نبي، فنهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تفضيله على يونس "وحديث علي: ((القضاة ثلاثة)) ". يقول الشيخ أحمد شاكر: حديث علي هذا لم أجده مع كثرة البحث عنه، ولكن في معناه حديث بريدة، وسيأتي في الترمذي -إن شاء الله تعالى-. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في الصلاة بعد العصر: حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إنما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الركعتين بعد العصر؛ لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد لهما". وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وميمونة وأبي موسى، -رضي الله عنهم-. حديث ابن عباس حديث حسن، وقد روى غير واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى بعد العصر ركعتين، وهذا خلاف ما روي عنه أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وحديث ابن عباس أصح حيث قال: لم يعد لهما.

وقد روي عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس، وقد روي عن عائشة في هذا الباب روايات، روي عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين، وروي عنها عن أم سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، إلا ما استثني من ذلك مثل الصلاة بمكة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس بعد الطواف، فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخصة في ذلك، وقد قال به قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضاً بعد العصر وبعد الصبح، وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل الكوفة. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الصلاة بعد العصر" لما ذكر أحاديث النهي ذكر ما يخالف وما يظن أن فيه مخالفة لأحاديث النهي كعادته، يعني أنه يذكر الباب الأول ثم يذكر ما يضاده في باب ثان يليه. قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير" هو ابن عبد الحميد الضبي، ثقة من ثقات الرواة "عن عطاء بن السائب" الثقفي الكوفي، وهو صدوق اختلط في آخر عمره "عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إنما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الركعتين بعد العصر؛ لأنه أتاه مال فشغله" يعني جاءه مال من جهة البحرين فانشغل بتوزيعه، مع وفد من عبد القيس من تلك الجهات فانشغل بهم عن الركعتين بعد الظهر، فقضاهما "فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد لهما" يعني ما صلاهما بعد ذلك، في صحيح البخاري من حديث أم سلمة أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى الركعتين وقال: ((شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر)) فهذا هو السبب، في الحديث: "فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد لهما" يعني لم يرجع إليهما فلم يصلهما أخرى بعد ذلك وإنما صلاهما قضاءاً لأنه شغل عنهما.

وعلى أي حال قضاء الفوائت من السنن عند أهل العلم تنتهي بخروج وقتها، وبعد وقتها تكون سنة فات محلها، فإن كان تركها تفريطاً فمثل هذا لا يقضيها، إن تركها مشغولاً عنها، شغل عنها فمن أهل العلم من يرى أنها تقضى ولو فات وقتها، تقضى ولو فات وقتها، هذا بالنسبة للرواتب، النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه إذا عمل عملاً أثبته فلم يخل به، صلى هاتين الركعتين؛ لأنه شغل عنهما، ولو تركهما لكان إخلالاً بما اعتاده -عليه الصلاة والسلام- وليس من عادته، قال: ثم لم يعد إليهما أو لهما. "وفي الباب عن عائشة وأم سلمة -سيأتي ذكرها- وميمونة" عند أحمد والطبراني "وأبي موسى" عند الإمام أحمد "قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن" وأخرجه ابن حبان في صحيحه لكن قال ابن حجر: إنه من رواية جرير بن عبد الحميد عن عطاء وقد سمع منه بعد الاختلاط فضعف بسبب هذا، وإن حسنه الترمذي.

قال: "وقد روى غير واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى بعد العصر ركعتين" يعني ما جاء في هاتين الركعتين من الروايات كثير، وفيه نوع اختلاف واضطراب، فمن مثبت ومن نافٍ، ومن نفى معه الأصل، وهو النهي عن الصلاة في هذا الوقت، ومن أثبت رجحه بعض العلماء بأن المثبت مقدم على النافي، وأن النافي غاية ما عنده أنه لم يطلع، والمثبت اطلع، فعنده زيادة علم "وهذا خلاف ما روي عنه أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" ولا شك أن النهي من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة الركعتين بعد العصر من فعله، وفعله لا يعارض قوله؛ لأنه إذا اختلف القول مع الفعل قدم القول بالنسبة للأمة، وحمل الفعل على أنه من خصوصياته -عليه الصلاة والسلام-، وقد قيل بأن صلاة الركعتين بعد العصر من خصائصه على ما سيأتي "وحديث ابن عباس أصح حيث قال: لم يعد لهما" لم يعد لهما، هذا نافي، مع أنه وجد من يثبت، والقاعدة عند أهل العلم أن المثبت مقدم على النافي، نقول: صلاة الركعتين بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- ثابتة، ما فيها إشكال، لكنها من خصائصه؛ لأن الذي يخصنا هو القول، فعله إذا لم يعارض الفعل حجة، وهو القدوة وهو الأسوة، لكن إذا تعارض قوله مع فعله ففعله يحمل على أنه خاص به، وقوله بالنسبة لأمته ظاهر. "وقد روي عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس" رواه أحمد في المسند.

يقول الشيخ أحمد شاكر: حديث زيد بن ثابت في المسند ونصه: حدثنا حسن بن موسى قال: حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد الله بن هبيرة قال: سمعت قبيصة بن ذؤيب يقول: إن عائشة أخبرت آل الزبير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى عندها ركعتين بعد العصر فكانوا يصلونها، قال قبيصة: فقال زيد بن ثابت: يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عائشة، إنما كان ذلك لأن أناساً من الأعراب أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهجير فقعدوا يسألونه ويفتيهم حتى صلى الظهر ولم يصل ركعتين، ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر فانصرف إلى بيته فذكر أنه لم يصل بعد الظهر شيئاً فصلاهما بعد العصر يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عائشة، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة بعد العصر. وهذا الحديث خرجه أحمد، وليس في شيء من الكتب الستة. يقول الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، على أن فيه ابن لهيعة وهو مضعف عند الجمهور، والشيخ أحمد شاكر يقويه. "وقد روي عن عائشة في هذا الباب روايات" أي مختلفة، بعضها يدل على الجواز، وبعضها يدل على منع الصلاة بعد العصر "روي عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين" وهذا مخرج في الصحيح، وتقدم من حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعد لهما، وإذا كانت الصلاة في البيت قدم قول عائشة؛ لأنها تطلع من فعله في بيته -عليه الصلاة والسلام- ما لا يطلع عليه ابن عباس ولا غيره "وروي عنها -عن عائشة- عن أم سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس" وهذا يدل على عدم الجواز، يعني هذا من أدلة المنع، ولذا قال بعضهم: إن صلاة الركعتين من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وهو من أدلة ... ، قال بعضهم: إن صلاة الركعتين من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وقد بينا هذا في مسائل كثيرة يتعارض فيها القول مع الفعل، لكن منها ما لا يمكن حمله على الخصوصية.

النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط تقدم، وتقدم أن ابن عمر رآه قبل أن يقبض بعام في بيت حفصة يستقبل الشام ويستدبر الكعبة، قالوا: هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، نقول: مثل هذا لا يمكن أن يقال: إنه من الخصائص، لماذا؟ لأن عدم الاستقبال والاستدبار كله من باب تعظيم الكعبة، وتعظيم الشعائر من تقوى القلوب، ولا يمكن أن يقال: إن الأمة أليق بها أن تعظم الشعائر أكثر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالقول بالتفريق بين البنيان والفضاء أرجح من القول بأن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- على ما تقدم بيانه. أيضاً: قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لجرهد: ((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وفي الصحيح حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه، قالوا: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-. تغطية الفخذ والاحتشام وعدم إبداء شيء مما يستحيى من كشفه أليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أو لا؟ هو أليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يمكن أن يقال: هذا من خصائصه، إلا لو كان العكس، لقلنا: هذا أليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فهناك أشياء إذا تعارض فيها القول والفعل قلنا: القول لعامة المسلمين، لعموم المسلمين والفعل خاص به، وقد يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، يفعل الفعل مخالفاً القول لبيان الجواز، أو لأن هذا النهي للكراهة، أو ترك هذا الواجب لبيان أنه للاستحباب لا للوجوب. على كل حال الأحاديث في هذا كثيرة، وفيها ما يدل على الجواز وعلى عدمه، لكن ما جاء في ما يخص الأمة شيء يدل على الجواز إلا من فعله -عليه الصلاة والسلام- وهو يحتمل الخصوصية، وقد قيل به. قال: "والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم" اجتمع في بعض النسخ: أجمع عليه أكثر أهل العلم، وهذا فيه شيء من التنافر؛ لأن الإجماع قول الكل لا قول الأكثر، إلا على رأي الطبري كما هو معروف، اجتمع أو أجمع عليه أكثر أهل العلم، يقول الحافظ العراقي: أجمع جمهور أئمة الأثر ... . . . . . . . . .

هذا الكلام فيه تنافر، كيف يقال: أجمع وجمهور؟ وهنا يقول: "والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم" يعني إذا قلنا: اجتمع أسهل من قولنا: أجمع "اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا ما استثني من ذلك، من الصلاة بمكة بعد العصر حتى تغرب الشمس" لكن هل في هذا نص خاص بعد العصر أو فيه العموم؟ حديث جبير بن مطعم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) وهذا أيضاً عموم، يعامل معاملة النصوص العامة التي تقدمت. الإمام يخطب يوم الجمعة ونرى من يطوف بالبيت فهل الطائف ممن يلزم باستماع الخطبة أو أنه ليس ممن جاء للخطبة فلا يلزم بها؟ يعني لو أن الإنسان سمع وهو بيته خطبة، نقول: يلزمك السكوت، النساء يلزمهن السكوت لاستماع الخطبة؟ لا، ليسوا ممن يخاطب بهذه الخطبة، فهل الذي يطوف بالبيت نراهم ما نقول: يجب منعهم وإلزامهم بالإنصات أو نقول: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار يشمل حتى الطواف أثناء الخطبة؟ لأننا نرى من يطوف وقت الخطبة، فهل يمنعون أو لا يمنعون؟ ما دام دخلوا المسجد يلزمهم الإنصات؛ لأنه في حيز المسجد، أو نقول: إنهم ما جاءوا للخطبة وفي الغالب هم مسافرون لا يلزمهم جمعة فلا نلزمهم باستماع الخطبة؟ إذا كان الإنسان مقيم تلزمه الجمعة ويلزمه الإنصات، هل له أن يطوف في هذا الوقت؟ أو نقول: هذا الحديث مخصوص في مثل هذا الوقت؟ فليخص في أوقات النهي المضيقة، يعني شخص من أهل مكة مقيم جاء إلى المسجد الحرام فذهب إلى المطاف والإمام يخطب وطاف وتحرك وتصرف وكبر وذكر وهلل، تبعاً للطواف ولا أنصت للخطبة، هل نقول: إنه لا يمنع بناءً على حديث جبير بن مطعم؟ وتلزمه الجمعة؟ دعونا من مسافر لا تلزمه الجمعة احتمال ظاهر، لكن مقيم تلزمه الجمعة، هاه؟ طالب:. . . . . . . . .

بلا شك يمنع هذا، فيكون حديث جبير بن مطعم مخصوص في مثل هذه الساعة، فيكون عمومه أيضاً ضعف بالمخصص، وعلى كل حال الأوقات الثلاثة المضيقة لا تزيد على ربع ساعة، فمثلها يتقيها الإنسان بقدر الإمكان، وما دامت المسألة كذلك، والأدلة فيها من التعارض ما سمعتم فلا تثريب، يعني الإنسان إذا اقتنع برأي، إما إن كان من باب المشورة يشير على شخص رآه يصلي هذا شيء، لكن يمنعه والمسألة فيها ما سمعتم؟! ليس لأحد أن يمنع، وإذا جلس أحد ليس لأحد أن ينكر عليه؛ لأن له أصل ومعه أدلة، وقول قوي في ... ، يعني قوته مكافئة للقول الآخر، فقد روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- رخصة في ذلك. "وقد قال به قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق" احتجاجاً بما ذكره الترمذي بالنسبة لركعتي الطواف، استثنيت بما ذكر من كلام الترمذي ودليله حديث جبير بن مطعم. "وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضاً بعد العصر وبعد الصبح" وذكرنا أن البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه: باب: الصلاة بعد العصر وبعد الصبح، وأورد أحاديث النهي وبعد الترجمة قال: وصلى عمر ركعتي الطواف بذي طوى، مما يدل على أنه يكره الصلاة حتى بمكة بعد الصبح وبعد العصر. قال: "وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل الكوفة" واحتجوا بعموم النهي، بعموم أحاديث النهي، وحديث جبير بن مطعم مخصوص بما ذكرنا من الطواف في وقت الخطبة لصلاة الجمعة. بقي على باب الأذان أربعة أحاديث، باب الأذان حقيقة أحاديثه طويلة جداً ومترابطة، نعم ...

الأذان فيه ستة وعشرون حديثاً مترابطة كلها في أحكام الأذان والإقامة، فلعلنا في الغد نأخذ ما بقي من الأبواب ونقف على باب الأذان، ويكون بعد غدٍ خالصاً للكتاب الثاني لأنه يضيق عليه الوقت، ومخصص له نصف ساعة، وبالأمس ما بقي له وقت واليوم كذلك، ولعلنا غداً نكمل إلى باب الأذان، ويكون يوم الأربعاء خاص بالكتاب الثاني؛ لئلا ندخل في باب الأذان نأخذ منه أربعة أحاديث أو خمسة ثم بعد ذلك أحكام مترابطة وبعضها يعني بعضها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما قبله وما بعده، فلا نستطيع أن نقف على موقف غير مناسب، فيكون غداً نكمل هذه الأربعة الأحاديث ونقف على باب الأذان، وبعد غدٍ -إن شاء الله- يكون الدرس كله لتنقيح الأنظار، وأما في الأسبوع القادم ففي كتاب الصيام من تقريب الأسانيد للحافظ العراقي، كما هو مقتضى الإعلان، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كتاب الصلاة (9)

جامع الترمذي - كتاب الصلاة (9) شرح: باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب، وباب: ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، وباب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين. الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ذكرتم أن الجمهور عندهم ما يقوي مذهبهم، وهو أن عموم النهي دخله ما يضعفه من تخصيصه بفوائت الفرائض لكن هذا لا يَرِدُ عند الحنفية، إذا أُخذ بقولهم من عدم القضاء حتى الفوائت في أوقات النهي. الظاهر أن السائل ما فهم أن مذهب الجمهور هو المنع من التطوع في أوقات النهي حتى ما له سبب، هذا قول الجمهور بما فيهم الحنفية، الذين يدخلون بذلك الفرائض، فضلاً عن النوافل ذوات الأسباب فضلاً عن النوافل المطلقة، فهذا السؤال لا يرد على ما قررناه بالأمس، وأن مذهب الجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة أنه لا يفعل شيء من التطوعات في هذه الأوقات حتى ما له سبب، وأن القول بأن فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي هو قول الشافعية فقط، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وعرفنا أدلة المذهبين، وما أجاب به كل فريق عن المذهب الآخر، فهذا السؤال ناتج عن فهم ما طُرح بالأمس. يقول هذا: يريد شراء سيارة بالتقسيط وبيعها والغرض من ذلك شراء أرض ليست للسكنى وإنما للتجارة. يعني هذا أخذٌ لأموال الناس من أجل التكثر وقد جاء ذمه، وجمهور أهل العلم على جواز مثل هذه المعاملة، وصحة هذه المعاملة، لكن الأولى أن لا يفعلها المسلم بحيث يشغل ذمته من غير حاجة. هذا يقول: أريد رأيك في فعل تحية المسجد بأوقات النهي وغيرها من الصلوات ذوات الأسباب هل تفعل أو تترك؟ هذا لا يريد الخلاف الذي ذكرناه وبسطناه بالأمس، لكن يريد الخلاصة. الخلاصة: أن من فعل ذوات الأسباب في الوقتين الموسعين لا تثريب عليه؛ لأن النهي عن الصلاة فيهما ليس لذاتهما، وإنما من أجل أن لا يسترسل الإنسان في الصلاة، حتى يأتي الوقت المضيق الذي جاء التشديد فيه، وأما في الأوقات الثلاثة المضيقة فلا أرى فعل شيء من التطوعات ولو كان له سبب. يقول: ما قولكم في رواية الحسن عن أبي هريرة؟

جاء عن الحسن -رحمه الله تعالى- أنه قال: حدثنا أبو هريرة ولذا أثبت بعضهم سماعه من أبي هريرة بهذا الخبر، قال: حدثنا أبو هريرة، والجمهور على أنه لم يسمع من أبي هريرة، وإنما حدث أهل المدينة وهو فيها ولم يسمعه، كما يقال: خطبنا عتبة بن غزوان وإن لم يحضر الخطبة، ولا شك أن تدليس الحسن شديد، يحتاج إلى مزيد من العناية، والجمهور على أنه لم يسمع من أبي هريرة، وأما روايته عن سمرة فقد مرت بنا في درس الأمس، وأن من أهل العلم من أثبتها كعلي بن المديني، وهو ظاهر سياق كلام علي من قبل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وكأن الترمذي يميل إليهم، ما دام ثبت عنه أنه سمع حديث العقيقة، فما المانع أن يسمع غيره من الأحاديث؟ ومنهم من ينفي مطلقاً سماع الحسن من أبي هريرة، وهذا ذكرناه بالأمس، ومنهم من يقول: أنه سمع منه حديث العقيقة فقط، كما جاء في صحيح البخاري، ومر بنا في درس الأمس. يقول: هل يعتبر البحث في بول النبي -صلى الله عليه وسلم- هل هو طاهر أو نجس من فضول العلم؟ لا ليس من فضول العلم بل من متين العلم؛ لأن هناك أحاديث قد تشكل على القول بنجاسة البول، أو هناك أخبار إذا حُكم بهذا قيل: ارتفع الإشكال، لا يورد على القول بنجاسة بول الآدمي المجمع عليه مثل من شرب بوله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد قيل: إن بوله -عليه الصلاة والسلام- طاهر. المقصود أن مثل هذا إذا بحث كان له أصل، وقد بحث أهل العلم طهارة شعره -عليه الصلاة والسلام-، طهارة شعره، وعامة أهل العلم على طهارته، وقول حقيقة عند .. ، وهو قول شاذ عند بعض الشافعية أن الشعر نجس حتى شعره -عليه الصلاة والسلام-، لكن كيف يقال: إنه نجس وقد قسمه بين أصحابه للتبرك؟ وإذا كان شعر غيره من الآدميين طاهر فما شأن شعره -عليه الصلاة والسلام- إلا أن يكون أطهر. يقول: لمن هذا البيت: والرب ليس يضيع ما يتحمل ... المتحملون لأجله من شان لا أعلم، لا أدري لمن هذا البيت. يقول بعضهم: إن الصلاة على الكرسي للمريض لا أصل لها فيصلي على الأرض؛ لأنه بجلوسه على الكرسي يفوت الجلسة بين السجدتين، ويلزمه حال الركوع أن يؤخر الكرسي ليوازي الصف فما تقولون؟

الأصل عدم وجود مثل هذه الكراسي، لكن إذا كانت مما يعين المصلي على أداء صلاته، ويخفف عنه ما يعانيه من عجز عن القيام أو السجود أو الركوع فلا شك أن هذا مما يعين على العبادة فيكون له حكمها، فيكون مطلوباً. ذكر ابن القصار أن من قال بالنسخ في تأخير الصلاة يوم الخندق دليل على نسخ صلاة الخوف أنه قول من لا يعرف السنن؛ لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر؟ هذا على الخلاف، جمهور أهل السير على أن صلاة ذات الرقاع بعد غزوة الخندق، صلاة ذات الرقاع قبل غزوة الخندق، وهذا الذي جعلهم يقولون: إن صلاة الخوف لا تفعل في الحضر، والذي رجحه الإمام البخاري -رحمه الله- وتبعه ابن القيم أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد الخندق، وعلى هذا تفعل صلاة الخوف في الحضر، ولا يجوز تأخير الصلوات عن وقتها. يقول: أفضل طبعة موجودة لفتح الباري؟ الآن صورت طبعة بولاق، ورقمت وموجودة -ولله الحمد-، وهي أفضل الطبعات على الإطلاق، لكن يبقى أن من طلاب العلم من ليس لديه الصبر على قراءة هذه الحروف القديمة، لا يصبر على قراءة الحروف القديمة، يقال له: ابحث عن صورة للطبعة السلفية الأولى. يقول: لم نجد بعد بحث كتاب تقريب الأسانيد للعراقي. هو مطبوع أكثر من طبعة، طُبع للمرة الأولى في مصر قبل ثمانين سنة بتحقيق محمود حسن ربيع، ثم طبع بعد ذلك طبعات متتابعة، وصور مراراً، وطبع مع شرحه: (طرح التثريب) وآخر طبعاته وهي التي عليها الخدمة المتميزة هي طبعة الشلاحي، خالد بن ضيف الله الشلاحي، طبعته دار الكتب العلمية أيضاً لكنها طبعة لا يعول عليها. يقول: في الصلة لابن بشكوال قال مالك: سمعت عمرو بن سعيد بن أبي خيثمة يقول: شيخ قديم يعني هو شيخ قديم من أهل اليمن يقول: من علامة قرب الساعة اشتداد حر الأرض.

هذا شيخ قديم من أهل اليمن يحتمل أن يكون قد تلقى هذا الخبر من أهل الكتاب، واليمن فيه من أهل الكتاب ما فيه فلا يعول عليه، مع أنهم يبحثون مسألة الاحتباس الحراري، وأنه احتمال في سنة (2050) العيش على الأرض يمكن لا يطاق، وهم يبحثون عن حلول من الآن، يبحثون عن حلول عن هذا الاحتباس الحراري، ولا شك أن هذا من ادعاء علم الغيب، وإن كانت لديهم مقدمات رصد من السنوات الماضية، لكن لا يدل هذا على أن الحرارة في ازدياد، لا يجزم بهذا، لمجرد ما تقدم من السنوات. يقول: أرجو أن ترشدني إلى الصواب فأنا في حيرة من أمري، والسبب أنني إذا قرأت في سير السلف الصالح من أهل العلم في مظانها أجد في سيرة الواحد منهم مثالاً رائعاً لحياة المسلم الجاد، فتجد في سيرته خبراً عن زهده وورعه وعلمه وعمله وتقواه وبُعده عن الشهرة، وكرمه، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر وغيرها، ثم إذا نظرت في واقع كثير من طلاب العلم فإنك لا تكاد تجد إلا صفة من تلك، قد يكون أصلها جبلي، ثم يقع في نفسي تنقصهم، وعدم الاكتراث بهم، وربما يقولون .. ، بل ربما جعلت جزءاً من الدعوة التشكيك ببعض فتاويهم وآرائهم خشية أن يقتدى بهم فهل فعلي هذا صحيح؟ وبماذا تنصحون؟

هذا فعلك ليس بصحيح، وليس المطلوب ألا يخطئ الإنسان، أو أن يكون كاملاً في كل شيء لا، عليه أن ينشد الكمال، وعليه أن يحرص على تطبيق ما أمر به، وأن ينتهي عما نهي عنه، والخير موجود في أمة محمد إلى يوم القيامة، إلى قيام الساعة، ويوجد من الشباب فضلاً عن الشيوخ الكبار من اجتمعت فيه كثير من خصال الخير، تجد بعض الشباب يقرأ القرآن، ويداوم على ورده اليومي من القرآن، ويزاول عمله بإخلاص وأمانة إن كان طالباً، وإن كان معلماً، وإن كان عاملاً، موظفاً، ثم بعد ذلك يتحرى الصلوات على الجنائز واتباعها، ويزور المرضى، ويأمر بالمعروف، ويشارك بقوة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويصل الرحم، وهذه الفضائل وجودها في مثل هذا الزمان يعني خير وبركة، -ولله الحمد-، والعامل في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة لعدم المعين، نحن نجد أحياناً من يعين -ولله الحمد-، وعلى كل حال اليأس ليس بوارد، والخير في أمة محمد إلى قيام الساعة، ويوجد من أهل العلم والعمل عدد مجزئ وكافي -ولله الحمد-، نعم يوجد من الصنف الآخر من لديه شيء من العلم، ولا يعمل بعلمه هذا موجود، لكنه لا يستحق أن يكون من أهل العلم؛ لأن العلم ما قاد إلى العمل، والله المستعان. يقول: أنكرت مرة على. . . . . . . . .، يقول: من المحسوبين من أهل العلم أو أنصاف المتعلمين عدم زيارته لعمته لمدة ثلاث سنوات، وهي لها بيت وأولاد، وعمرها ثلاث وثلاثون سنة، فقال: هذا ليس بقطيعة للرحم؛ لأنها ليست بامرأة كبيرة، وأن القطيعة ليست بمجرد عدم الحضور إليها، أرجو بيان ذلك؟ هذه قطيعة، إذا مرت عليك هذه المدة وأنت لم تزرها هذه قطيعة، ولا يكفي إذا كان لا يرضيها إلا الحضور، لا يرفع القطيعة إلا الحضور عندها، وقد يطلب منك أكثر من ذلك من قضاء بعض الحوائج إذا احتاجت إليك.

فالصلة شأنها عظيم، والقطيعة أمرها خطير، فهذه هي القطيعة عينها، فلا بد من زيارتها بما يرضيها، وهذه أمور نسبية، بالنسبة لبعض الأشخاص تختلف عن بعض، هذا الذي ليست له إلا عمة واحدة ليس مثل من له عشر عمات، وخمس خالات، وستة أعمام، وأربعة أخوال، وهؤلاء لهم أولاد، وله أجداد، وله كذا، يعني إذا كثروا خف المطلوب، وإذا قلوا زاد المطلوب؛ لأن المسألة مسألة تسديد ومقاربة، علماً أن الله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا وسعها، وكثير من الناس يتذرع بأعمال وأشغال لا حقيقة لها، تجده يعتذر من عمه أو من خاله، أو من عمته أو خالته، حتى أحياناً من أمه وأبيه بأعمال وأشغال وهي لا حقيقة لها ولا وجود؛ لأنه لو طلب من قبل أصحابه أو أحبابه لبادر إلى الحضور. يقول: أيهما أفضل في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- خارج الصلاة أو ما جاء النص فيه وذكر فيه لفظ الصلاة الإبراهيمية، أو اللفظ الوارد في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]؟ أما امتثال الأمر الذي يبرأ به المكلف من العهدة إذا قال: "صلى الله عليه وسلم" أو "عليه الصلاة والسلام"، بهذا يمتثل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]. أما الصلاة الإبراهيمية فهي في الصلاة في موضعها، وهي فرد من أفراد العام المأمور به، فإذا صلى الإنسان على النبي -عليه الصلاة والسلام- وسلم عليه، انتهى، ويقول بعض أهل العلم كالنووي: أنه يكره إفراد الصلاة عن السلام وعكسه، لكن الحافظ ابن حجر يقول: "من كان ديدنه هذا" نعم يكره في حقه، يصلي ولا يسلم أو يسلم ولا يصلي، لكن إذا كان يصلي ويسلم أحياناً، أو يصلي أحياناً دون أن يسلم، أو يسلم دون أن يصلي فهذا لا إشكال فيه.

باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب:

إذا زاد على النبي -عليه الصلاة والسلام- الآل لما لهم من حق على الأمة، فهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلتكن الزيادة أيضاً للصحب، الذين لهم الحق الأعظم في رقابنا وفي أعناقنا، لولاهم ما وصلنا الدين، وفي الأمة ممن هو من غير الآل من هو أفضل من الآل كلهم، مثل أبي بكر وعمر، فإذا زاد أحد الآل فليزد الصحب، ولا يقتصر على أحدهما دون الآخر تشبهاً بالمبتدعة، فالنواصب يقتصرون على الصحب دون الآل، والروافض على العكس. يقول: إذا كان مصلى النساء بينه وبين مصلى الرجال فاصل كبير مثل فناء المسجد -الصرح- فهل هذا جائز أو لا؟ إذا كانوا في سور المسجد، داخل المسجد فلا بأس. يقول: متى يبدأ وقت ورد الصباح والمساء؟ ومتى ينتهي؟ يبدأ من بداية الوقت من طلوع الفجر إلى انتشار الشمس، وما دام يسمى الوقت صباحاً فهو كذلك مما يشمل الضحى فهو وقت إلى أنه مفضول؛ لأن الأذكار -أذكار الصباح والمساء- قرنت في كثير من النصوص بطلوع الشمس وغروبها. ألم يقل أحد بفعل النوافل في أوقات النهي مع التخفيف كراتبة الصبح تقريباً للأقوال؟ لا، من صفة راتبة الصبح التخفيف، حتى كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تقول: "لا أدري هل قرأ بفاتحة الكتاب أو لا؟ " هذه من شأنها أن تخفف، وأما فعل ذوات الأسباب عند من يقول به فلا يقول بالتخفيف إلا من أجل ما يحوك في صدره من الخلاف القوي في المسألة. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء. قال المؤلف -رحمنا الله وإياه تعالى-: باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب: حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بين كل أذانين صلاة لمن شاء)). وفي الباب عن عبد الله بن الزبير. حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح.

وقد اختلف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قبل المغرب، فلم يرَ بعضهم الصلاة قبل المغرب، وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة. وقال أحمد وإسحاق: إن صلاهما فحسن، وهذا عندهما على الاستحباب. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب" ثم أورد في الباب حديث عبد الله بن مغفل مما يعم هذه الصلاة التي قبل المغرب بين الأذان والإقامة، وما يشمل غيرها من الأوقات. قوله: ((ما بين كل أذانين صلاة)) يشمل المغرب، ويشمل الصبح، ويشمل العشاء، ويشمل العصر وغيرها من الأوقات، وهل يشمل ما بين الأذانين في يوم الجمعة الأول والثاني أو لا؟ يعني إذا أذن لصلاة الجمعة الأول ثم جلس بين الأذان الأول والثاني ينتظر هل نقول: إنك مطلوب منك أن تصلي بين هذين الأذانين أو لا؟ المقصود بين كل أذانين في الحديث أي الأذان والإقامة؛ لأنها أذان، فهي إعلام بإقامة الصلاة، وإن كانت إعلاماً وإخباراً للحاضرين بخلاف الأذان الذي حقيقته نداء الغائبين إلى الصلاة، وهذه إعلام للحاضرين فهما أذانان، لكن بين الأذانين بالنسبة لصلاة الجمعة، الأول والثاني دعنا من الإقامة؛ لأنه بين الأذان والإقامة، الأذان للجمعة والإقامة لها هل نقول: فيه صلاة أو لا صلاة فيه؟ نقول: ما في صلاة هنا؛ لأن الإنسان عليه أن يشتغل بسماع الخطبة؛ لأن الأذان الثاني بعد دخول الخطيب، ما في صلاة، فهو مستثنىً من هذا.

بين الأذان الأول والثاني لصلاة الصبح؛ لأن لها أذانين، مطلوب، وهذا وقت فاضل يتطوع فيه، وبين الأذان الأول والثاني من يوم الجمعة، هذا باعتبار أن الأذان الأول ليس موجوداً على عهده -عليه الصلاة والسلام-، وإنما سنه عثمان -رضي الله عنه-، نقول: إنه لا يتصور أن يدخل في هذا الحديث؛ لأن المتكلم به وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقصده، ونحن نشاهد في الحرمين أنه إذا أذن الأول ثم فرغ من الأذان قام الناس يتطوعون، والفاصل بينهما بمقدار ركعتين، يعني خمس دقائق لا يزيد، فهل هو داخل في الحديث؟ الحث عليه يؤخذ من الحديث أو لا؟ باعتبار أن الأذان ليس موجوداً على عهده -عليه الصلاة والسلام- لا يتصور دخوله في الحديث، وإن كان الوقت وقت تطوع مطلق، لكنه لا يشمله ما جاء من الحث في هذا الحديث. يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد" وهو ابن السري، تقدم مراراً "قال: حدثنا وكيع" الإمام وكيع بن الجراح الرؤاسي، إمام من أئمة المسلمين وسيد من ساداتهم "عن كهمس بن الحسن" وثقه أحمد وابن معين "عن عبد الله بن بريدة" تابعي ثقة "عن عبد الله بن مغفل" صحابي جليل "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بين كل أذانين صلاة)) " يعني نافلة، المقصود بالصلاة هنا النافلة، والمراد بالأذانين الأذان والإقامة، وهذا إن نظرنا إلى الإطلاق الاصطلاحي قلنا: هذا من باب التغليب كالعمرين والقمرين، من باب التغليب، وإذا نظرنا إلى الحقيقة اللغوية للفظين فهما أذانان، بمعنى أنهما إعلامان، الأول: إعلام بدخول الوقت، والثاني: إعلام بالقيام إلى الصلاة، فهما أذانان، حقيقة لغوية. ((لمن شاء)) في بعض الروايات: ثلاثاً، ((بين كل أذانين صلاة)) ثلاث مرات، ثم في النهاية قال: ((لمن شاء)) يعني لا على سبيل الإلزام والتأكيد، فليست هذه الصلاة بمثابة السنن الرواتب المؤكدة، وإن كان بعض السنن الرواتب يدخل في هذا من باب التداخل، إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مؤداة والأخرى مقضية، دخلت الصغرى في الكبرى.

((بين كل أذانين صلاة)) دخل بعد الأذان لصلاة الصبح فصلى ركعتين، هل يمكن أن يقال له: أي صلاة هذه؟ هل هذه ما جاء في هذا الحديث: ((بين كل أذانين صلاة)) فعليك أن تأتي براتبة الصبح، هل هذه تحية المسجد فتأتي بعدها بما يحقق الرغبة في هذا الحديث: ((بين كل أذانين صلاة)) ثم تأتي براتبة الصبح؟ هذه الصلوات كلها تتداخل، ويصلي ركعتين هما راتبة الصبح؛ لأنها أقوى ما في الباب، يدخل فيها بين كل أذانين صلاة، ويدخل فيها أيضاً تحية المسجد. والحديث ذكره الإمام الترمذي في هذه الترجمة "باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب" مما يدل على جواز الركعتين بعد أذان المغرب، وقبل صلاته وهو الحق، وبعضهم يمنع من الصلاة بين الأذان وصلاة المغرب؛ لما يترتب عليها من تأخير صلاة المغرب، وصلاة المغرب المطلوب تعجيلها؛ لأن جبريل صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليومين في أول الوقت، فإذا صلى ركعتين ترتب على ذلك أن يؤخر المغرب، نقول: هذا التأخير بصلاة الركعتين لا يسمى تأخير، بل هي مصلاة في أول وقتها، وإن صلى قبلها ركعتين، والقول بأن الحديث منسوخ لا دليل عليه. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن الزبير" عند ابن حبان، وذكره محمد بن نصر المروزي في كتابه: (قيام الليل)، ولفظهما: ((ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها سجدتين)). "قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما "وقد اختلف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قبل المغرب، فلم يرَ بعضهم الصلاة قبل المغرب" وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة؛ لأن فعلهما كما تقدم يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها، ولقول ابن عمر: "ما رأيت أحداً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليهما" كما في سنن أبي داود، ولا شك أن الحديث دليل على أن هاتين الركعتين قبل صلاة المغرب كغيرها من الصلوات مرغب فيه، وإن لم يكن متأكداً كالرواتب.

"وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة، وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة" أي في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وبحضرته، وبعد وفاته، وكذلك روي عن غير واحد من التابعين، وعن تبعهم بإحسان، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: "كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يبتدرون السواري، حتى يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم كذلك، يصلون الركعتين قبل المغرب". يقول ابن العربي في شرح الترمذي عارضة الأحوذي: "الحديث فيه صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني: ((بين كل أذانين صلاة)) الحديث صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، في كل صحيح ومسند، واختلف فيه الصحابة، ولم يفعله بعدهم أحد، يعني بالنسبة لصلاة المغرب، وأظن الذي منع منه المبادرة بالإقبال على صلاة المغرب" كذا قال ابن العربي. يقول المحشي -الشيخ أحمد شاكر-: "وهذا تعليل غريب لمخالفة الأحاديث الصحاح، وهو يعترف بصحتها، وصدق يحيى بن آدم: "لا يحتاج مع قول رسول الله إلى قول أحد" يحيى بن آدم يقول هذا الكلام، ونحن نعاني في أيامنا هذا من مصادمة النصوص الصحيحة الصريحة المرفوعة بأقوال وأفعال لصحابة وتابعين هم منا على العين والرأس، لكن بالنسبة لمخالفة ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يلتفت إلى أقوالهم ولا إلى أفعالهم، وكم عورض قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعفوا اللحى)) ((أكرموا اللحى)) ((وفروا اللحى)) بفعل فلان وفلان، وغير ذلك من المسائل، يتذرعون بالترخص أو على الترخص بأفعال صحابة، المظنون بهم أنهم لم يبلغهم كلامه -عليه الصلاة والسلام-، وإلا لو بلغهم لما خالفوه. وضعف صنيع عائشة في جمعها، أو في إتمامها الصلاة في السفر؛ لأنه لا يظن بها أنها تفعل خلاف ما عهدت النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وهذا كلام شيخ الإسلام، وإن كان السند إليها صحيحاً بأنها أتمت الصلاة، وتأولت كما تأول عثمان، لكن لا عبرة بقول أحد كائناً من كان مع قوله -عليه الصلاة والسلام-.

باب: ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس:

يقول يحيى بن آدم: "لا يحتاج مع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قول أحد" يقول ابن حجر في الفتح: "وأما قول أبي بكر بن العربي: اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم فمردود بقول محمد بن نصر: "وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب"، ومعلوم أنه من حفظ فهو حجة على من لم يحفظ" ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك ومن طريق الحسن البصري أنه سئل عنهما فقال: "حسنتين –والله- لمن أراد الله بهما". وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين" وفعل ركعتين في دقيقتين أو في ثلاث دقائق لا شك أنه لا يترتب عليه تأخير الصلاة عن أول وقتها، نعم. سم. عفا الله عنك. قال -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس: حدثنا الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وفي الباب عن عائشة، حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وبه يقول أصحابنا الشافعي وأحمد وإسحاق، ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها. يقول الإمام أبو عيسى -رحمه الله تعالى-:

"باب: فيما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس" الإدراك: هو الوصول إلى الشيء، الإدراك: هو الوصول إلى الشيء قبل فواته، فالوقت يدرك، والركعة تدرك، والجماعة تدرك، فيدرك الوقت بإدراك ركعة كما في حديث الباب، وتدرك الجماعة بإدراك ركعة كالجمعة على خلاف بين أهل العلم فيما عدا الجمعة، الجمعة تدرك بركعة وغيرها من الصلوات تدرك جماعتها بركعة عند جمع من أهل العلم؛ لأن ما كان أقل من ركعة لا يسمى صلاة، ومنهم من يقول: تدرك الجماعة بإدراك أي جزء منها قبل سلام الإمام، ولذا يقول الحنابلة: ومن كبَّر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى، أدرك الجماعة ولو لم يجلس، ومن كبَّر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، هذا قول الحنابلة وهو المعروف عند الشافعية، ونسبه النووي للجمهور، وأن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها قبل سلام الإمام. من أهل العلم من يرى أن الجماعة لا تدرك إلا بركعة كاملة، وهذا ما يؤيده وينصره شيخ الإسلام؛ لأن ما كان أقل من ركعة فلا يسمى صلاة.

وعلى هذا إذا دخل المسبوق والإمام في التشهد الأخير وبين أن يدخل مع الإمام وتحصيله للجماعة مختلف فيه، وبين أن ينتظر من يصلي معه وهذا احتمال فيقال: إن غلب على ظنه ينتظر، وإن لم يغلب على ظنه يدخل مع الإمام، وعلى كل حال لو انتظر من يصلي معه، الجماعة على هذا القول قد فاتت، لكنه يقع في مخالفة ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام))، ((وما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) ما أدركتم، ما أدركتموه من الصلاة يعني قل أو كثر، ركعة أو أقل أو أكثر، فالمرجح أنه يدخل مع الإمام، ثم إذا صلى الإمام، ثم جاءت جماعة أخرى، إن كان ممن يترجح عنده أنه لم يدرك الجماعة فهو حينئذٍ حكمه حكم المنفرد إذا سلم الإمام، وأهل العلم يقولون: وإن نوى منفرد قلب فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز، يعني إذا كان يرى أنه لم يدرك الجماعة فإنه لا مانع أن يقلب فرضه نفلاً ويلتحق بالجماعة الثانية؛ ليدرك الجماعة ويمتثل: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) أما أن ينتظر ويترك متابعة الإمام فيما أدركه فيه: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) هذا يقع في مخالفة الحديثين، علماً أن قول الجمهور هو أن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها قبل السلام، هذا بالنسبة لإدراك الجماعة. إدراك الركعة يكون بإدراك الركوع مع الإمام إدراكاً مستقراً، لا يعني أنه إذا رأى الإمام يرفع من الركوع ثم ركع قبل أن يقول الإمام: سمع الله لمن حمده هذا لم يدرك الركعة؛ لأن العبرة بالفعل، وبعض الأئمة يتأخر في ذكر الانتقال من تكبير أو تسميع حتى يعتدل من أجل المكبر، ما يقول سمع الله لمن حمده حتى يعتدل، فتجد بعض الناس يركع بعد رفعه ويزعم أنه أدرك الركعة، هذا ما أدرك الركعة، هذا ما أدرك الركعة إذا رفع الإمام قبل استقراره في الركوع.

إذا أدرك الركوع أدرك الركعة عند عامة أهل العلم، ومنهم من يرى أنه لا يدرك الركعة حتى يقرأ الفاتحة قبل الركوع، وأن الفاتحة لا تسقط عن المسبوق، وهو معروف من قول أبي هريرة والإمام البخاري، ويرجحه الشوكاني، أن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الفاتحة، لا بد أن يقرأ الفاتحة كاملة قبل أن يركع، وإذا فاتته الفاتحة فاتته الركعة، لكن الجمهور يستدلون بحديث أبي بكرة وأن الركعة تدرك بالركوع، حيث ركع دون الصف ثم لحق بالصف، بعد أن ركع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو المرجح عند أهل العلم، هذا بالنسبة للجماعة والركعة، وأما الجمعة فتدرك بإدراك ركعة كاملة، والوقت؟ هو ما في هذا الباب. يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء فيمن أدرك ركعة" يعني بقراءتها، بركوعها، بسجودها، ركعة كاملة "أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس" يعني فما حكمه؟ هل يدرك العصر؟ في الحديث: ((فقد أدرك العصر)) وهل تكون صلاته كلها أداء أو قضاء باعتبار أن الأكثر وقع بعد خروج الوقت؟ هو أدرك ركعة من صلاة العصر، وثلاث ركعات بعد خروج الوقت، ومعلوم أن ما يؤدى في الوقت أو ما يفعل في الوقت يسمى أداء، وما يفعل خارج الوقت يسمى قضاء، هذا المعروف عند أهل العلم في التفريق بين الأداء والقضاء، فإذا أدرك ركعة من العصر أدرك ربع الصلاة في الوقت، وثلاثة الأرباع خارج الوقت، هل تكون صلاته قضاء وإلا أداء؟ من أهل العلم من يقول: إنها قضاء باعتبار الغالب، ومنهم من يقول: إنها أداء، وهم الأكثر، هم الجمهور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فقد أدرك العصر)) يعني أدرك وقت العصر، فصارت صلاته في وقتها أداءً، ومنهم من يقول: إن ما فعله في الوقت أداء وما فعله بعد خروج الوقت قضاء، لكن المرجح ما يدل عليه الحديث. قال -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا -إسحاق بن موسى- الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد" المدني العابد، ثقة جليل "وعن الأعرج" عبد الرحمن بن هرمز، ثقة ثبت أيضاً "يحدثونه عن أبي هريرة" يحدثون من؟ نعم يحدثون زيد بن أسلم "عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك من الصبح ركعة)) " يعني كاملة بركوعها وسجودها " ((قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) " يعني أدرك وقت الصبح، أو أدرك الصبح في وقتها " ((ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) " إذا أدرك ركعة من الصبح أدرك الصبح ويكفي وإلا فليصلّ إليها أخرى كما جاء في بعض الروايات؟ وهذا هو المتعين، لا يمكن أن يقول: أنا أدركت ركعة أدركت الصلاة فلا داعي لتكميلها، لا، لا بد أن تكملها، فليصلّ إليها أخرى " ((ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) " يعني وليضف إليها ثلاث ركعات، فليضف إليها ثلاث ركعات، إذا أدرك ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت عليه الشمس، الجمهور على ما جاء في هذا الحديث برواياته أنه يصلي إليها أخرى ويكملها، ويكون مدركاً لها في وقتها، الحنفية يقولون: يقطعها؛ لأنه دخل عليه وقت نهي، فتبطل الصلاة به؛ لأن عندهم أن النهي يشمل الفرائض والنوافل، والحديث حجة عليهم. حمله الطحاوي -حمل الحديث الطحاوي- وهو من أئمة الحنفية على إدراك الحائض تطهر قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة، والصبي يبلغ قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة، والكافر يسلم قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة أنه أدرك الوقت وتلزمه هذه الصلاة، تلزمهم هذه الصلاة، وقال ذلك نصرة لمذهبه في أن من أدرك ركعة من الصبح فإن صلاته تفسد فلا يكملها بدخول وقت النهي، والحديث حجة عليهم.

((ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) يعني هل في هذا حجة لمن أراد أن يطيل في نومه إلى أن لا يبقى إلا وقت يسير من وقت صلاة الصبح أو وقت صلاة العصر؟ إذا نام الظهر أو جاء من الدوام في الثانية والنصف يقول: لا داعي لأن أقوم لصلاة العصر في الثالثة والنصف، أمد نومتي إلى السادسة والنصف؛ ليتأهب للسهر والسمر، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) يقول: يكفيني أن أدرك ركعة، إذا قمت في السادسة والنصف وبقي على أذان المغرب تسع دقائق يمديني أتطهر وأدرك ولو ركعة، والحديث دليل على صحة صلاته وأنه أدرك الوقت، فلا داعي أن يكلف نفسه ليقوم، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح. يقول الحافظ ابن حجر: نقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر، يعني ينام إلى أن لا يبقى من وقت صلاة الصبح إلا دقيقتين وبيدرك ركعة، أو لا يبقى من وقت العصر إلا دقيقتين ليدرك ركعة، ويقول: الحديث صريح فيما أصنع، نقول: لا، نقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر.

مسألة أخرى متصلة بهذا وهو أن شخصاً لم يؤخر الصلاة دخل الوقت وتأهب للصلاة وصلى الراتبة ثم كبر للفريضة في أول وقتها، فقال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا صلى أحكم بنفسه فليطول ما شاء)) طلع الفجر، صلى الراتبة وقال: الله أكبر، لكن الرسول يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أنا أريد أن أقرأ مثل ما قرأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- في ركعة، قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران بترتيل بتدبر، يحتاج إلى ساعات، أقل شيء ساعتين، الخمسة الأجزاء بالترتيل والتدبر، تكون الركعة الأولى على صنيعه هذا في الوقت، ثم الركعة الثانية بعدما يخرج الوقت، ماذا نقول لمثل هذا؟ والرسول يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء))؟ هو ما عنده جماعة، بمفرده، هل نقول: إنه في محل الاتفاق الذي نقله بعضهم أنه لا يجوز لمن ليس عذر تأخير الصلاة، هو ما أخر الصلاة، وامتثل: ((فليطول لنفسه ما شاء)) يثرب عليه وإلا ما يثرب عليه؟ والركعة الثانية سوف تقع خارج الوقت، ويكون أدرك الصبح بإدراك ركعة، وامتثل: ((فليطول لنفسه ما شاء)) وفي الركعة الثانية يقرأ أربعة أجزاء أو خمسة، ولا ينتهي من صلاته إلا وقد تعالى النهار، يعني بالنسبة لصلاة العصر ((تلك صلاة المنافق يرقب الشمس)) يعني ((فإذا كان في آخر وقتها نقر أربع ركعات لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) هذا ذكر الله فيها كثيراً، وامتثل: ((فليطول لنفسه ما شاء)) ماذا يقال له: أخطأت أو أصبت؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني لمخالفة هديه -عليه الصلاة والسلام-، يعني من هذه الحيثية، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ في الصبح من الستين إلى المائة، لكن يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في النافلة البقرة ثم النساء ثم آل عمران، والعلماء يقولون: ما صح في النافلة صح في الفريضة، ويقول: ((من أدرك ركعة من الصبح)) أنا أدركت ركعة من الصبح، يلام وإلا ما يلام؟ وقال الرسول يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أنا أطول لنفسي ما شئت، الرسول قرأ خمسة أنا با أقرأ في الأولى خمسة، وفي الثانية تكون أقصر من الأولى أقرأ أربعة بدل ساعتين تصير ساعة ونصف. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . .

أدرك الوقت، نقول: أنا أدركت الوقت بنص الحديث، يقول: أنا أدرك الوقت بحديث صحيح عندنا، يقول: أنا اعتمدت أحاديث، بادرت، كبرت بغلس، في أول الوقت، ((فليطول لنفسه ما شاء)) أنا أطول، تسعة أجزاء، خمسة في الأولى كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في قيام الليل، وأربعة في الثانية لتكون الصلاة على الهدي، الهدي أن الثانية أقصر من الأولى، نعم؟ و ((فليطول لنفسه ما شاء)) و ((من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك ... )) أنا أدركت، طولت لنفسي ما شئت، وامتثلت جميع الأوامر. طالب:. . . . . . . . . وقت نهي خلاص ما دام عندنا هذا، هذا نرد به على الحنفية، حينما قال: وقت نهي، بالنسبة للفريضة ما في وقت نهي، وأدرك الصبح وطول لنفسه ما شاء، جميع الأوامر امتثل، نعم خالف الهدي النبوي، ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الفعل، ولا فعله أحد من الصحابة، لكنه ماشي على جادة، ومقتضى نصوص. طالب: يا شيخ قول أبي بكر -رضي الله عنه-؟ هاه؟ طالب: قول أبي بكر: "لو طلعت لم تجدنا غافلين"؟ نفس الشيء هو ممتثل نصوص، ومطبق قواعد شرعية، نعم كون النبي -صلى الله عليه وسلم- ما فعل ذلك ولا فعله أصحابه ولو كان خيراً لما سبقونا إليه، لا نقول: إن هذا هو الأفضل، لكن فعله، يقول: إيش تقولون؟ أنا مخطئ وإلا مصيب؟ وصلاتي فيها خلل وإلا ما فيها خلل؟ طالب: يعني ألا يقال: يا شيخ أنه أعني هذا الأمر هو يجوز عند .. ، ليس له تأخيرها بلا حاجة وأنه يجوز عند العذر؟ ما هو مؤخرها، يقول: أنا صليت بعد الأذان بخمس دقائق أو عشر، ما أخرتها، لكن قرأت خمس وطلعت الشمس في الركعة الأولى. طالب: يعني تعمد إخراجها خارج الوقت هل هو رخصة؟ عندك: ((من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح))، ((فليطول لنفسه ما شاء)) طولت ما شئت، وأدركت ركعة قبل أن تطلع الشمس أدركت الصبح، لا شك في مخالفته لهدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا أمر مفروغ منه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل ذلك ولا فعله أصحابه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، لكنا نقول: يأثم وإلا ما يأثم؟ طالب:. . . . . . . . .

عندنا الوقت مضبوط، عندنا أدرك ركعة أدرك الوقت انتهى الإشكال، أدرك ركعة أدرك الوقت، هذا مخرج. . . . . . . . . بنص الحديث إلا عند من يقول: إنه باعتبار أن أكثر الصلاة وقع خارج الوقت فهي قضاء، وهذا خلاف الحديث، وعند من يقول: إن ما أدركه في الوقت أداء وما أدركه بعد خروج الوقت قضاء، لكن الحديث على خلافه، يقول: أنا معي الحديث، أنا مدرك الوقت، وطولت لنفسي ما شئت، ويش تبون غير هذا بعد؟ طالب: بالنسبة للحديث. . . . . . . . . صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس. ما لم ... ، لكن الحديث الذي معنا: ((فقد أدرك الصبح))؟ طالب:. . . . . . . . . يا إخوان المسألة مركبة ما هي من نص واحد، مركبة من نصوص، وكلها صحيحة وثابتة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) لكن شخص قرأ بمائتي آية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ بين الستين والمائة، نقول: أخطأت؟ وانصرف منها بربع ساعة نقول: أخطأت؟ إذا تخلصنا من حديث الباب تخلصنا من المسألة من أصلها، وأن حديث الباب في أهل الأعذار خاصة، نعم، في أهل الأعذار يكون مدرك للوقت إذا كان له عذر وهذا ليس له عذر، فلا يجوز له أن يعتمد أن يصلي الصلاة خارج وقتها ولا جزءاً منها، وعلى هذا تكون صلاته وإخراجه للصلاة عن وقتها ولو في بعضها غير مشروع، على غير الهدي النبوي. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عائشة" عند أحمد في المسند، وعند مسلم والنسائي وابن ماجه "قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الستة، جاء في بعض الروايات عند مسلم وغيره: ((من أدرك من الصبح سجدة، ومن أدرك من العصر سجدة)) وجاء تفسير السجدة بأنها هي الركعة، وإدراك السجدة لإدراك الوقت غير إدراك السجدة لإدراك الجماعة، كيف؟ لأنه في صلاة الجماعة يتصور أن يدرك سجدة بعد أن تفوته الركعة، لكن لإدراك الوقت لا يتصور أن يدرك سجدة إلا وقد أدرك الركعة، صح وإلا لا؟ ولذا قال في الخبر نفسه، والسجدة إنما هي الركعة، يعني ما يمكن أن يقال: والله أدرك سجدة فأدرك الوقت ولم يستطع أن يدرك ركعة، لا يمكن أن يدرك سجدة إلا بعد أن يدرك الركعة، والمراد بالركعة والمراد بالسجدة الركعة الكاملة بركوعها وسجدتيها.

السجود يطلق ويراد به الركوع والعكس، والعكس يطلق الركوع ويراد به السجود، إطلاق الركوع وإرادة السجود: {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24] يعني ساجداً بالإجماع أن داود سجد سجدة الشكر، خر راكعاً {وَادْخُلُواْ الْبَابَ} إيش؟ {سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] يعني ركوعاً، لا يراد به السجود، كيف يدخلون الباب وهم ساجدون؟ فالسجدة تطلق ويراد بها الركعة، والركعة تطلق ويراد بها السجدة، والسجدة في هذا الحديث يراد بها الركعة بلا نزاع؛ لأنه لا يتصور أن يدرك سجدة قبل أن يدرك الركعة. "قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الأئمة الستة "قال: وبه يقول أصحابنا والشافعي" هذه الواو ثابتة في نسختين، به يقول أصحابنا والشافعي "وأحمد وإسحاق" مما يدل على أن المراد بأصحابه هم أهل الحديث لا الشافعية، وإذا قيل: إن مرده بأصحابه الشافعي وأحمد وإسحاق ما صار شافعي، حتى لو كان المراد بأصحابه الشافعي وأحمد وإسحاق هؤلاء هم أهل الحديث، بل من أئمة أهل الحديث خلافاً لمن يقول: إن الإمام الترمذي شافعي المذهب، خلافاً لأبي حنيفة في صلاة الصبح، وأنها تبطل بطلوع الشمس بخلاف العصر "ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها" وتقدم نقل كلام الحافظ عن بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر.

مفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة هل يقال: إنه يمكن أن يدرك سجدة؟ نعم؟ لا يمكن، لكن هذا كبر تكبيرة الإحرام وقرأ الفاتحة فطلعت الشمس، أو غابت الشمس هذا يصح أنه أدرك أقل من ركعة، أو قرأ الفاتحة وما بعدها ثم ركع، وبعد أن رفع من الركوع رأى الشمس، هذا أدرك أقل من ركعة، فهل يدرك الوقت أو لا؟ أدرك الركوع ولم يدرك ركعة، والمراد بالركعة الكاملة بقراءتها وبركوعها وسجودها، هذا ما أدرك ركعة، وإن أدرك الركوع، قد يكون إدراك الركعة بالركوع كما هو في حال المسبوق، وقد يكون إدراك الركعة بالسجدة الثانية، إدراك الركعة بإدراك السجدة الثانية كما في هذا الحديث في الوقت؛ لأن الركعة قد ينظر إلى أولها، وقد ينظر إلى آخرها، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركاً للوقت، وأن صلاته تكون قضاءً، وإليه ذهب الجمهور، وقال بعضهم: أداء، والحديث يرده. واختلفوا في إدراك الحائض والمجنون والمغمى عليه والكافر دون ركعة، يعني طهرت الحائض والشمس في مغيبها، قبل أن يسقط القرص، لكن ما يمكن تدرك ركعة في هذا الوقت، أو طهرت قبل أن تطلع الشمس بمقدار أقل من ركعة، أو أسلم الكافر، أو بلغ الصبي، أو أفاق المجنون هل تلزمهم هذه الصلوات؟ اختلف أهل العلم في إدراك الحائض والمجنون والمغمى عليه والكافر، المغمى عليه هل يأخذ حكم النائم أو حكم المجنون؟ هل يؤمر بقضاء ما فاته وقت الإغماء كالنائم أو لا يؤمر كالمجنون؟ أهل العلم يحددون الثلاثة الأيام؛ لفعل عمار -رضي الله عنه-، فإذا كان الإغماء ثلاثة أيام فأقل ألحق بالنائم فيقضي ما فاته، وإذا كان الإغماء أكثر من ثلاثة أيام فإنه يلحق حينئذٍ بمن ارتفع عقله بالجنون، فلا يؤمر حينئذٍ بالقضاء. اختلفوا في إدراك الحائض والمجنون والمغمى عليه والكافر دون ركعة هل تجب عليه الصلاة أم لا؟ فقال الشافعي وروي عن مالك: لا تجب، عملاً بمفهوم الحديث؛ لأنه لا يصدق عليه أنه أدرك ركعة، والأصح عند الشافعية أنها تلزمه، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه أدرك جزءاً من الوقت فاستوى قليله وكثيره، وإذا أدرك ركعة وجبت عليه الصلاة باتفاق. سم. أحسن الله إليك. قال -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين:

باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين: حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر"، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته". وفي الباب عن أبي هريرة. حديث ابن عباس قد روى عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد وسعيد بن جبير وعبد الله بن شقيق العقيلي، وقد روى عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا. حدثنا أبو سلمة -يحيى بن خلف البصري- قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من جمع الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر)). وحنش هذا هو أبو على الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره، والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين. يقول الإمام أبو عيسى -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين [في الحضر] " وهذه موجودة في أكثر النسخ، والجمع بين الصلاتين في السفر يأتي، أما المراد بالجمع هنا فهو في الحضر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في جمعه بالمدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء.

قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد -هو ابن السري- قال: حدثنا أبو معاوية" وهو محمد بن خازم الضرير "عن الأعمش -سليمان بن مهران- عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر" وفي رواية: "من غير خوف ولا سفر" يقول ابن حجر: "اعلم أنه لم يقع مجموعاً بين الثلاثة الخوف والمطر والسفر في شيء من كتب الحديث" إلا أنه يفهم من الرواية التي معنا أن فيها جمعاً بين الثلاثة، فقوله: "بالمدينة" يدل على أن الجمع لا للسفر، وقوله: "من غير خوف ولا مطر" يكون بذلك اجتمع الثلاثة، من غير سفر لأنه بالمدينة، من غير خوف ولا مطر للتنصيص عليهما، علماً بأنه جاء في بعض الروايات: "من غير خوف ولا سفر" وحقيقةً رواية: "ولا سفر" قد يكون ذكرها من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا لا داعي لذكرها؛ لأن كونه بالمدينة يدل على أنه غير مسافر. "فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ " لماذا جمع النبي -عليه الصلاة والسلام- مع عدم هذه الأعذار؟ والأصل أن الصلاة مؤقتة، مفروضة في أوقات لها أوائل وأواخر، الأوقات مشدد في مراعاتها فكيف يجمع؟ قال ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته" لئلا يقع الحرج من أمته؛ لأن من الأمة من هو صاحب تحري، وحرص على إبراء ذمته، فقد يمسه الضر ولا يجمع، وقد يضطر إلى الجمع فيقع في نفسه من الحسرة ما يقع، لكن إذا سمع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع من غير هذه الأعذار، وأراد أن لا يحرج أمته أن لا يقع في نفس هذا المتحري المتثبت الحريص على إبراء ذمته شيء من الحسرة، إذا احتاج إلى الجمع لعذر، فنفي الحرج يدل على أن هذا الجمع لوجود حرج، يعني ليس جمعاً غير مبرر، ليس له عذر بالكلية، لا، له عذر لكن غير الأعذار المذكورة، له عذر ولولا هذا الجمع لوقع في الحرج، فدل على أن هناك عذراً غير مصرح به.

جاء في بعض الروايات -على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى-، بل جاء في بعض الأحاديث الترخيص للمريض بالجمع، الترخيص للمستحاضة أن تجمع، كل هذا من أجل نفي الحرج، من لا يستطيع الطهارة ممن حدثه دائم لئلا يقع في الحرج، لكن هل يجمع جمعاً حقيقياً بأن يقدم الثانية إلى الأولى أو يؤخر الأولى إلى الثانية أو يجمع جمعاً صورياً بأن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ويقدم الثانية إلى أول وقتها كما جاء في بعض طرق هذا الحديث من القول بالجمع الصوري؟ وعلى ما سيأتي في الجمع بين الصلاتين في السفر حمل أبو حنيفة ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من الجمع على الجمع الصوري، وأنه لم يجمع جمعاً حقيقياً إلا في عرفة وفي مزدلفة، وأن الجمع للنسك لا للسفر، وكل هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى-. أراد أن لا يحرج أمته -عليه الصلاة والسلام-، ففيه دليل على أن لهذا الجمع سبباً غير ما ذكر، يقتضي تركه الحرج على الأمة، ترك الجمع يقتضي الحرج على الأمة، لهذا العذر الذي جمع من أجله، علماً بأن الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- قال في علل الجامع في علل كتابه في آخره قال: "ليس في كتابي هذا مما أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا هذا الحديث، وحديث: قتل الشارب في المرة الرابعة، إذا شرب المرة الرابعة يقتل، نقل الاتفاق على عدم العمل بهما. قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي هريرة -أخرجه مسلم- قال أبو عيسى: حديث ابن عباس قد روى عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد" المعروف بأبي الشعثاء "وسعيد بن جبير وعبد الله بن شقيق العقيلي" ورواية أبي الشعثاء في البخاري ومسلم، ورواية سعيد بن جبير هي رواية الباب عند الترمذي، ورواية عبد الله بن شقيق عند مسلم أيضاً.

"وقد روى عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا" أي مما يخالف هذا الحديث، وهو قوله: "حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري –صدوق- قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه -سليمان التيمي- عن حنش" وهذا لقب، واسمه: حسين بن قيس الرحبي، وكنيته أبو علي -على ما سيأتي في كلام الترمذي- لكنه متروك الحديث، ضعفه شديد "عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من جمع بين الصلاتين من غير عذر)) " كسفر ومرض ومطر، يعني مما جاءت به الأخبار ((فقد أتى باباً من أبواب الكبائر)) أولاً: الحديث ضعيف، بل شديد الضعف؛ لأن فيه حنش الرحبي هذا، وهو متروك الحديث، لكن {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] أي مفروضاً في أوقات محددة، جاء بيانها الإجمال جاء في الكتاب، والبيان جاء في السنة، فمن أخر صلاة عن وقتها فقد ارتكب عظيمة من عظائم الأمور، وكذلك من صلاها قبل وقتها فهي باطلة، والحديث وإن كان معناه صحيح من أخرج الصلاة عن وقتها أو قدمها عليها هذا أتى باب من كبائر الذنوب من العظائم وإن كان الخبر ضعيفاً. تمسك به الحنفية على منع الجمع في السفر، والحديث ضعيف كما سمعنا، والجمع في السفر لعذر والحديث على فرض قبوله فيه هذا القيد من غير عذر، أما من جمع لعذر فقد ثبت الجمع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أسفاره في الصحيحين وغيرهما، على ما سيأتي، وأنه جمع حينما جد به السير، وجمع وهو نازل في تبوك. "قال أبو عيسى: وحنش هذا هو أبو علي الرحبي وهو حسين بن قيس" فيكون اسمه: حسين، ولقبه: حنش، وكنيته: أبو علي، ونسبته: إلى الرحبة، الرحبي "وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره" يقول البخاري: أحاديثه منكرة، ويقول العقيلي في حديثه: ((من جمع بين الصلاتين فقد أتى باباً من الكبائر)) يعني حديث الباب لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ولا أصل له، ضعفه أحمد وغيره، فالحديث ضعيف جداً، ولذا قال بعضهم: إن هذا الحديث لا أصل له. "والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة" السفر هذا قول الجمهور، وبعرفة قول أبي حنيفة.

"ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق" وقال عطاء: يجمع المريض بين المغرب والعشاء، كذا في صحيح البخاري معلقاً؛ لأنه قد يحتاج إلى النوم فلا يستطيع انتظار صلاة العشاء، فلا مانع من أن يجمع بينهما، وقد يضطره المرض إلى النوم قبل صلاة العشاء أو قبل صلاة المغرب فيؤخرها إلى صلاة العشاء، وهو معذور في هذا، والمشهور عند الإمام الشافعي أن المريض لا يجمع بين الصلاتين. "وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق" والمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء، وهو المشهور أيضاً عند الحنابلة أن الجمع بسبب المطر إنما هو بين المغرب والعشاء لا بين العصر والظهر، مع أن الصحيح والمرجح أنه كما يجمع بين المغرب والعشاء يجمع بين العصر مع الظهر، كما في حديث الباب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الظهر والعصر وجمع بين المغرب والعشاء. "ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين" وصح الجمع للمستحاضة، والاستحاضة نوع مرض، وبسط ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين جواز الجمع بين الصلاتين لأهل الأعذار. يقول الشيخ أحمد شاكر تعليقاً على قوله: ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين، يقول: حكى الترمذي الأقوال هنا وقال في آخر كتابه في أول العلل: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين، حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الظهر والعصر في المدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر -من مجموع الروايات وإلا لم يثبت الجمع بين الألفاظ الثلاثة كما قال ابن حجر- وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)) وقد بينا علة الحديثين جميعاً في الكتاب، وهو هنا لم يبين علة لحديث ابن عباس، بل ذكر حديثاً يعارضه من طريق حنش، وضعفه من أجله، وإنما احتج بالعمل فقط، ونقل أقوال الفقهاء.

وقد رد النووي على الترمذي في شرح مسلم فقال: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، يقول: بينا علته في الكتاب، في العلل يقول: بينا علته في الكتاب يعني الجامع، وعلته النسخ، ولذا في كتب المصطلح يقولون: إن الترمذي سمى النسخ علة، في هذا الموضع سمى النسخ علة، ولا شك أنه وإن كان ليس بعلة بالنسبة لثبوت الخبر بل هو علة بالنسبة للعمل به، الخبر صحيح ثابت، المنسوخ صحيح لكن العلة منعت من العمل به، ولم تمنع من ثبوته. يقول: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، دل الإجماع على نسخه، هذا الإجماع الذي ذكره النووي في شرح مسلم متعقب، بل يرى بعضهم أنه محكم، وأن المدمن حده القتل، المدمن يقتل، مدمن الخمر بهذا الحديث، وعمل به بعض العلماء، والجمهور على عدم العمل به؛ لأنه منسوخ. وشيخ الإسلام وابن القيم يرون أنه ليس بمنسوخ وليس بحد، وإنما هو من باب التعزير، فللإمام أن يقتل المدمن إذا رأى أن الحد لم يردع شارب الخمر، كما فعل عمر -رضي الله عنه-، كان الحد أربعين، فزاده إلى ثمانين من باب التعزير، ويختلفون في الحد هل هو الثمانين أو الأربعين وزيادة تعزير؟ وكل هذا يتبع انتشار هذه الجريمة وهذه المعصية، وهذه الكبيرة من كبائر الذنوب في مجتمع ومع ... أو قلتها، يعني إذا كان الشراب قليل، أو الشارب شرب مرة أو مرتين أو هفوة أو زلة أو زلتين، تختلف معاملته عما إذا كان مدمناً، أو كان هذا المنكر شائع في بلد من البلدان، والحد الأصلي لا يمنع من ارتكابه، فللإمام أن يعزر بما هو فوق ذلك، كما فعل عمر -رضي الله عنه-. قال: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال، منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين، وهو ضعيف، لماذا؟ لأن المطر منصوص على نفيه، هو ضعيف بالرواية الأخرى: "من غير خوف ولا مطر" ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم، وبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها وهذا أيضاً باطل؛ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه بالنسبة للمغرب والعشاء.

في غيم ما ترى الشمس صلوا الظهر لما انكشف الغيم رأوا أن وقت العصر قد دخل فصلوا العصر بعد صلاة الظهر مباشرة بسبب الغيم، قال: هذا ضعيف، لماذا؟ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فإنه لا احتمال فيه في المغرب والعشاء، لكن لو قيل بمثله في المغرب والعشاء في غيم، أخروا صلاة المغرب هذا على سبيل التنزل، فلما انكشف الغيم بان أن الشفق قد غاب، صلوا العشاء، هذا الاحتمال أدنى من حيلولة الغيم دون الشمس من احتمال حيلولة الغيم دون الشفق، لماذا؟ لأن الغيم مهما كثف فإنه لا يجعل النهار مثل الليل، نعم قد يغيب الشمس، ويختلط وقت الظهر مع وقت العصر، لكن لا يمكن أن يختلط بسبب الغيم وقت العصر عن وقت المغرب. قال: ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس أنه لما صلى العصر جلس يتكلم في مسائل من العلم حتى غابت الشمس، حتى غاب الشفق وهو لم يصلِ المغرب فأورد الحديث مستدلاً به؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له، وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل. ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض، أو نحوه فيما في معناه من الأعذار، وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة له. طيب بعذر المرض، يعني إذا تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بعذر المرض فهل الجماعة الذين صلوا خلفه كلهم مرضى؟ نعم؟ ما يلزم، إذاً هذا الجمع أيضاً ضعيف. وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته" فلم يعلله بمرض ولا غيره.

الآن في بعض الأوقات أهل مكة في أوقات المواسم يركب السيارة قبل صلاة المغرب ولا يتسنى له النزول منها إلا بعد دخول وقت العشاء، أو يركب قبل صلاة الظهر ولا يتيسر له النزول منها إلا بعد دخول وقت صلاة العصر، ومثل هذا في البلدان المزدحمة، أحياناً بعض المشاوير في الرياض تأخذ ساعتين ثلاث، لا يستطيع أن ينزل من سيارته بين الزحام في السيارات، ولا يستطيع أن يؤدي الصلاة على وجه ناقص وهو حاضر، وهي فريضة لا تفعل على الراحلة، وإنما الذي يفعل على الراحلة النافلة فيضطر إلى الجمع، إلى تأخير الصلاة الأولى إلى وقت الثانية، وهنا لو قلنا له: صلِ كل صلاة في وقتها للزم على ذلك الحرج الشديد؛ لأن بعض الناس يمكن يقول: أنا اطفي السيارة وأنزل يصير اللي يصير، الصلاة رأس المال، تسحب السيارة، يصنعون ما شاءوا، غرامات ما أدري إيش؟ سجن، يصير ما يصير، الصلاة رأس المال، لكنه حرج شديد هذا، حرج لك وحرج لغيرك، يعني إيقاف السيارة في طريق مزدحم يضاعف الازدحام مرات، وما سبب هذه الازدحامات إلا بسبب وقوف السيارات بحوادث أو غيرها، وإلا لو كانت السيارات سالكة ما صار ازدحام، على كل حال مثل هذا الحرج قد يكون مبرراً للجمع إذا كان من غير طوعه ولا اختياره، ولم يتحرَ الخروج في هذا الوقت، لكن خرج في هذا الوقت ما حسب له حساب، أو وجد حادث في طريقه ما استطاع أن يعبر، أو يروح يمين وشمال ليؤدي الصلاة حينئذٍ يجمع بين الصلاتين رفعاً للحرج. وكلام الخطابي في المعالم نصه: "هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء، وإسناده جيد، إنما تكلموا فيه من أمر حبيب، وكان ابن المنذر يقول به، ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث، وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبي إسحاق المروزي عن ابن المنذر، ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار؛ لأن ابن عباس أخبر بالعلة، وهي قوله: "أراد أن لا تحرج أمته" أو "أراد أن لا يحرج أمته" واللفظ مروي على الوجهين، وعلى كل حال نفيه للحرج يدل على وجود حرج لولا هذا الجمع، فالجمع بعذر، وأما الجمع من غير عذر فلم يقل به أحد من أهل العلم.

وحكى عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأساً من الجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيء ما لم يتخذه عادة، وهذا هو الصحيح الذي يؤخذ من الأحاديث، وأما التأويل بالمرض أو العذر أو غيره فإنه تكلف لا دليل عليه، وفي الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم أو ظروف قاهرة للجمع بين الصلاتين، ويتأثمون من ذلك ويتحرجون، ففي هذا ترفيه لهم، وإعانة لهم على الطاعة، ما لم يتخذ عادة كما قال ابن سيرين. وعلى كل حال على الإنسان أن يهتم بدينه، وأن يحتاط لصلاته، وأن يراقب الله -جل وعلا- فيها، وأن لا يخرجها عن وقتها، وأن لا يفعلها قبل وقتها إلا لحرج متحقق، بعض الناس إذا كان بيده أدنى عمل يمكن تأجيله قال: الدين يسر، وأراد أن لا يحرج أمته، وجمع بالمدينة من غير كذا وكذا، ويتعذر بمثل هذه الأعذار، بل وجد من يبرر الجمع بين الصلاتين وتأخير الصلاة الأولى إلى وقت الثانية لأن المحاضرة امتدت في الجامعة إلى وقت الثانية، والطالب لا يستطيع الحضور، والمعلم يتذرع بمثل هذه الأعذار، وهي في الحقيقة ليست بأعذار، هذه ليست بأعذار، ما المانع أن تقطع المحاضرة من بداية الأذان إلى أداء الصلاة؟ والعلم لا خير فيه إذا لم يكن عوناً على الدين، العلم لا خير فيه وليس بعلم إذا صد عن الدين، والله المستعان. يقول: عندي زكاة أريد أن أجعلها في الأقارب. يا إخوان درس الغد -إن شاء الله تعالى- الآن وقفنا على كتاب الأذان، باب: ما جاء في بدء الأذان، وذكرنا بالأمس أننا لا نستطيع أن نأخذ منه شيء، يعني يمكن فصله عن بقية الكتاب، أبواب الأذان طويلة، وفيها خمسة وعشرون حديثاً، فنأخذها متتابعة، ويكون درس الغد خاص بتنقيح الأنظار. هذا يقول: عندي زكاة أريد أن أجعلها في الأقارب، لكن في البيت من تجب له النفقة كالوالدين والأخوات، ومن لا تجب له كالأخ وأولاده فكيف أفعل؟ ادفعها لأخيك وأولاده ما دامت لا تجب عليك نفقته، وإذا أكل منها الوالد أو الوالدة أو من لا تصح ولا تجوز له الزكاة فإنها لأخيك صدقة، ولبقيتهم هدية، كما تصدق على بريرة فأكل منها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي لا تحل له الصدقة، فقال: ((هي لها صدقة ولنا هدية)) والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. طالب: وأنا أصلي جيت والإمام يرفع وهو يرفع وأنا أسجد .... وأنت تركع، هو يرفع وأنت تركع؟ ما أدركت الصلاة، ما أدركت. طالب: ما أدركت ....

§1/1