شرح سنن ابن ماجة - الراجحي

عبد العزيز الراجحي

المقدمة [1]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [1] ما أرسل الله الرسل إلا لتطاع أوامرهم، وينصاع الناس لشرائعهم، ويسير الخلق وفق سننهم، فهذا هو صراط الله المستقيم، وستبقى عليه طائفة منصورة إلى يوم الدين، معظمين للسنن والآثار النبوية، آخذين بها غير رافضين لها، إذ الرافض لها متوعد على ذلك بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.

مميزات سنن ابن ماجة عن غيره من السنن

مميزات سنن ابن ماجة عن غيره من السنن بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا)]. هذا كتاب سنن ابن ماجه رحمه الله، وهو أحد السنن الأربعة التي هي دواوين الإسلام، وجمعت فيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الكتاب يمتاز عن غيره بميزتين: الميزة الأولى: المقدمة العظيمة التي ذكرها في أصول الدين والتوحيد وتعظيم السنة، وذكر فيها ما يقارب من مائتين وسبعة وثلاثين حديثاً، وهذه المقدمة العظيمة امتاز بها عن بقية أصحاب السنن، فإن سنن أبي داود وسنن النسائي وسنن الترمذي ابتدأها أصحابها بذكر أحكام الطهارة، أما ابن ماجه رحمه الله فإنه بدأ سننه بهذه المقدمة العظيمة كما فعل صاحبا الصحيحين البخاري ومسلم رحمهما الله؛ فإن البخاري بدأ كتابه الجامع الصحيح بكتاب بدء الوحي، ثم بكتاب الإيمان، والإمام مسلم افتتح كتابه بكتاب الإيمان، وابن ماجه افتتح بهذه المقدمة العظيمة، وهذه ميزة تميز بها، وهي مقدمة عظيمة تتعلق بالتوحيد وتعظيم السنة. الميزة الثانية: الأحاديث الضعيفة الكثيرة، وإذا علمها طالب العلم فإن هذا يعتبر بالنسبة له علماً جماً يستفيده، فطالب العلم مستفيد من معرفة الأحاديث الموضوعة والضعيفة، فالأحاديث الضعيفة إذا كان الضعف فيها شديداً فلا يعتبر بها، ولا تقويها المتابعات والشواهد كما إذا كان في سنده متهم بالكذب. أما إذا لم يشتد الضعف فإن طالب العلم يبحث عنه، وإذا وجد للحديث متابعاً أو شاهداً فإنه يتقوى ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره ويعمل به. والغالب أن الحديث الذي ينفرد به ابن ماجه رحمه الله عن بقية أصحاب السنن يكون ضعيفاً، وهو بين أمرين: إما أن يكون شديد الضعف، وهذا لا يعتد به، وإما أن يكون خفيف الضعف كأن يكون في سنده انقطاع أو مجهول أو راو مدلس، فإذا وجد له متابع أو شاهد يتقوى ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره فيعمل به.

باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ المؤلف رحمه الله المقدمة بهذه الترجمة: [باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم]. قوله: (ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه) أصل هذا الحديث في مسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه). قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح قال: أنبأنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)]. وهذا كالحديث السابق، وفيه التحذير من السؤال إذا لم يكن الإنسان محتاجاً إليه، فإن كثرة الأسئلة التي يكون السائل فيها متعنتاً تضره؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)، والمراد كثرة السؤال الذي يقصد منه صاحبه التعنت أو الرياء والسمعة وإظهار نفسه أو الإعنات وإتعاب المسئول وإيقاعه في العنت والعجز، أو السؤال عن الأسئلة التي لم تقع، فهذا منهي عنه. أما إذا كان السؤال المقصود منه الاستفادة والاسترشاد فإنه مطلوب، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هلاك السابقين إنما هو بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه). وفيه دليل على أن النواهي يجب أن يجتنبها الإنسان، أما الأوامر فإنه يفعل منها ما يستطيع، وما عجز عنه فإنه يعفى عنه، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، زاد النسائي: (فإن لم تستطع فمستلقياً)، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، فالإنسان يفعل الأوامر ويتقي ربه بقدر الاستطاعة، أما النواهي فإنه يجتنبها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)]. وهذا مما انفرد به ابن ماجه رحمه الله، لكن معناه صحيح، وقد دل عليه القرآن الكريم، قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:80]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة:92]، وقال: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:56]، فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعصوم فلا يأمر بخلاف طاعة الله، بخلاف الأمراء وغيرهم فإنهم ليسوا معصومين؛ ولهذا لا يطاعون إلا في طاعة الله ورسوله وفي الأمور المباحة، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد؛ ولهذا قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:59] ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر، فكرر الفعل في طاعة الرسول ولم يكرره في ولاة الأمور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم، فلا يأمر إلا بما هو من طاعة لله، بخلاف الأمراء وغيرهم فإنهم قد يأمرون بمعصية فلا يطاعون فيها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا زكريا بن عدي عن ابن المبارك عن محمد بن سوقة عن أبي جعفر قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم يعده ولم يقصر دونه]. وهذا فيه فضل ابن عمر رضي الله عنهما وتعظيمه للسنة، فإذا بلغه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (لم يعده) يعني: لم يتجاوزه، (ولم يقصر دونه) بل يؤدي الأمر كما أمر، ويقف عند الحد، فلا يتجاوزها ولا يقصر عنها. وهذا من عناية ابن عمر رضي الله عنهما؛ فقد كان شديد التعظيم لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وشديد الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنه رضي الله عنه كان يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في الصحراء، وفي المواقف التي وقف فيها النبي صلى الله عليه وسلم يقف فيها، والمكان الذي نام فيه فينام فيه، والمكان الذي يبول فيه فيبول فيه، وهذا من اجتهاده. والصواب: أنه لا يشرع تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وبوله؛ ولهذا لم يفعله كبار الصحابة رضوان الله عليهم، وإنما هذا من اجتهاده رضي الله عنه كما يدل له سياق الحديث: كان إذا بلغ ابن عمر رضي الله عنهما حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أمراً عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعده ولم يقصر عنه، (لم يعده) يعني: لم يتجاوزه، (ولم يقصر عنه) يعني: لا يغلو فيزيد، ولا يفرط فيقصر، بل يفعل كما أمر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا محمد بن عيسى بن سميع حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال: آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده! لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه، وايم الله! لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)]. هذا فيه التحذير من الدنيا؛ لأن النبي خرج عليهم وهم يتذاكرون الفقر، فقال: (آلفقر تخافون؟) هذا استفهام يعني: (أالفقر تخافون؟) سهلت الهمزة فصارت مداً، وقوله فلا يزيغ قلب أحدكم إلا هيه) يعني: ما يكون زيغه إلا بسبب الدنيا. يقول: (تركتكم على البيضاء) يعني: على محجة بيضاء (ليلها كنهارها). وهذا الحديث أصله في الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم؛ فتهلككم كما أهلكتهم)، فيكون معنى الحديث كمعنى الحديث الذي في الصحيح. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: الوليد بن عبد الرحمن الجرشي بضم الجيم وبالشين المعجمة. الجرشي هي المعروفة الآن، بالجرشي وهي البلدة المعروفة في رابغ. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو الدرداء: صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء]. يعني: تركنا النبي صلى الله عليه وسلم على ملة وشريعة بيضاء واضحة، لا لبس فيها ولا إشكال.

ما جاء في الطائفة المنصورة

ما جاء في الطائفة المنصورة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)]. وهذا ثابت في الأحاديث الصحيحة: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة)، وفيه بشارة للمؤمنين، وأن الحق لا يذهب ويضيع بل لابد أن يبقى إلى أن تقوم الساعة، ولا بد أن تبقى طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة، كما في اللفظ الآخر: (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله). وهذه بشارة للمؤمنين، وأن الحق لا يضيع، ولا تزال طائفة على الحق منصورة وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق، وهم الصحابة والتابعون والأئمة ومن بعدهم وفي مقدمتهم العلماء، وكل من عمل بالسنة والتزمها فهو منهم منهم المزارع والنجار والتاجر وأصحاب المهن مثل الجزار قد يكون من أهل السنة ومن أهل الحق وهو جزار أو صانع أو حداد أو خراز أو تاجر. هذه الطائفة تقل وتكثر، وقد تكون متفرقة. هذا فيه بشارة بأنه لا يزال الحق باق حتى يأتي أمر الله، وأمر الله هو الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات في آخر الزمان قبيل قيام الساعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا يحيى بن حمزة قال حدثنا أبو علقمة نصر بن علقمة عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها)]. وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، و (قوامة) يعني: قائمة بأمر الله، مستقيمة عليه، وتعمل به، وأمر الله هو ما جاء في الكتاب والسنة من الأوامر والنواهي والأخبار، فتصدق الأخبار وتنفذ الأوامر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا هشام بن عمار حدثنا الجراح بن مليح حدثنا بكر بن زرعة قال: سمعت أبا عنبة الخولاني رضي الله عنه، وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)]. وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه وهو بمعنى الأحاديث السابقة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا القاسم بن نافع حدثنا الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: قام معاوية رضي الله عنه خطيباً فقال: أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرون على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم)]. (لا تقوم الساعة)، المراد: قرب قيام الساعة كما دلت الأحاديث، وإلا فإن الساعة لا تقوم إلا على الكفرة بعد قبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، عندها يخرب هذا العالم، وخراب العالم إنما هو بفقد التوحيد والإيمان، أما إذا كان التوحيد والإيمان قائماً فلا تقوم الساعة ولا يخرب هذا الكون، ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله). فهذا الحديث وغيره يجمع بينه وبين هذا الحديث. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن شعيب حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل)]. وهذا معناه معنى الحديث السابق، لكن فيه سعيد بن بشير وقد تكلم فيه، وفيه عنعنة قتادة وقتادة إمام، وتشهد له الأحاديث السابقة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت مجالداً يذكر عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153])]. وهذا جاء في معناه حديث: أنه خط خطاً مستقيماً، وخط عن يمينه وعن شماله خطوطاً، ثم قال: (هذا سبيل الله) ثم قال عن الخطوط التي عملها: (هذه خطوط على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:153]). فصراط الله مستقيم لا عوج فيه، وهو طريق الحق، ودين الإسلام، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء في القرآن الكريم، وهو صراط المنعم عليهم. أما السبل المتعرجة عن اليمين والشمال فهذه سبل الباطل والضلال، ولهذا قال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: سعيد بن بشير الأزدي مولاه أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي أصله من البصرة أو واسط، ضعيف من الثامنة، مات سنة ثمان أو تسعة وستين في الأرجح. لكن الحديث يشهد له ما سبق.

ما جاء في تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه

ما جاء في تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتغليظ على من عارضه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح حدثني الحسن بن جابر عن المقدام بن معدي كرب الكندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، ما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله)]. وهذا فيه تعظيم السنة، والعناية بها، ووجوب العمل بها، وفيه الرد على من أنكرها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك الرجل متكئاً على أريكته)، أي: على سريره أو مكانه، وفي اللفظ الآخر: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه استحللناه، وما لم نجد فيه تركناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله). وفي هذا تحذير من قول بعض الناس: نعمل بالقرآن ويكفينا، وقد وجدت طائفة تسمى: القرآنيون، يزعمون أنهم لا يعملون إلا بالقرآن ولا يعملون بالسنة، فهؤلاء ينطبق عليهم هذا الحديث، وهؤلاء كذبة، فلو كانوا يعملون بالقرآن لعملوا بالسنة؛ لأن الله أمر بالعمل بالسنة، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة:92]. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا سفيان بن عيينة في بيته أنا سألته، عن سالم أبي النضر ثم مر في الحديث قال: أو زيد بن أسلم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)]. قوله: (لا ألفين) يعني: لا أجدن، وهذا فيه التحذير من هذا؛ لأن بعض الناس يأتيه الحديث أو الأمر من بعض ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو النهي ينهى عنه فيقول: لا أدري ما هذا ما وجدنا في القرآن عملنا به، ويترك السنة. ومن جحد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كفر؛ لأنه مكذب لله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)]. وهذا رواه الشيخان البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها. وفيه التحذير من البدع، وأنها مردودة على أصحابها، وقوله (من أحدث في أمرنا هذا)، يعني: الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، (فهو رد)، يعني: مردود عليه. وفي لفظ لـ مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر المصري أنبأنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه: (أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، قال: فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65])]. وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، وفيه تحذير من الاعتراض على السنة. وفي الحديث أن الزبير اختصم مع أنصاري في شراج الحرة، وهو مسيل الماء من المطر، فالوادي إذا جاء وسال فإن الناس من أهل المزارع يسقون منه الأعلى ثم الأسفل وهكذا، فالذي يمر به المسيل أولاً يشرب، ثم يرسله إلى من بعده، فاختصم الزبير والأنصاري، وكان الزبير هو الأعلى والأنصاري تحته، فقال الأنصاري: اجعل الماء يمر على بستاني، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال نبيهم للزبير: اسق يا زبير ثم أعط الماء إلى جارك، ولم يبين له، فغضب الأنصاري وقال: أن كان ابن عمتك؟ لأن الزبير ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: أن كان ابن عمتك حكمت له، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أغضبه الأنصاري حكم للزبير واستوفى حقه، فقال: اسق يا زبير واحبس الماء حتى يصل إلى الجدر، يعني: كما يسقي الرجل، ثم أوصل الماء إلى جارك، ففي الحكم الأول لم يستوف حق الزبير، وفيه مصلحة للأنصاري، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (اسق يا زبير ثم أعط الماء إلى جارك) فلما أغضبه الأنصاري، استوفى حقه، وقال: (اسق يا زبير واحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)، أي: بمقدار ما يسقي الرجل، قال الزبير: (لا أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65]). يعني: لا ينفعهم الإيمان حتى يحكموا الرسول فيما شجر بينهم، أي: في موارد النزاع، {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، وهذا الرجل يحتمل أنه منافق، ويحتمل أنه من شدة الغضب الذي استولى عليه قال هذه الكلمة السيئة للنبي صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق قد ابتلى ببعض الناس ممن يقولون بهذا الكلام، وابتلي أيضاً برجل قال له لما قسم بعض الغنائم إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. وهو أصل الخوارج. والنبي صلى الله عليه وسلم أعدل الناس، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ألا تأمنوني وأنا أمين في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً). وفي هذا الحديث تعظيم السنة والعناية بها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المسجد) فقال ابن له: إنا لنمنعهن، فغضب غضباً شديداً وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول: إنا لنمنعهن]. وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وهذا الابن قيل: إن اسمه بلال، فلما روى ابن عمر هذا الحديث: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، وفي لفظ: (أن يصلين في المسجد)، وإماء الله يعني: النساء، وفي اللفظ الآخر: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)، فقال: ابن لـ ابن عمر يقال له بلال: والله لأمنعهن، لو تركناهن لاتخذن ذلك ذريعة فأقبل عليه عبد الله وسبه سباً قبيحاً، يقول الراوي: ما رأيته سب مثله لأحد، وقال: أقول لك قال رسول الله لا تمنعونهن، وتقول: والله لأمنعهن! وهذا فيه وجوب تعظيم السنة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يعترض على السنة، فعندما قال ابن عبد الله: والله لأمنعهن، وإن كان قصده الخير لكن لا ينبغي أن يعارض السنة، والمرأة لا تمنع من المسجد إذا طلبت ذلك إلا إذا أخلت بالشروط، كأن تخرج سافرة، أو متبرجة، أو يخشى عليها من الفتنة، ففي هذه الحالة تمنع وإلا فإنها لا تمنع: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن). قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري وأبو عمرو حفص بن عمر قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن مغفل أنه كان جالساً إلى جنبه ابن أخ له فخذف فنهاه، وقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، وقال: إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكي عدواً، وإنها تكسر السن وتفقأ العين)، قال: فعاد ابن أخيه يخذف، فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ثم عدت تخذف لا أكلمك أبداً]. وهذا أيضاً أخرجه مسلم في صحيحه، وفيه: أن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه رأى ابن أخ له يخذف، يعني: يأخذ حصاة صغيرة بين أصابعه ويرمي بها، فقال: (لا تخذف فإن الرسول نهى عن الخذف، وقال: إن الخذف يفقأ العين ويكسر السن، ولا يصيد صيداً، ولا ينكي عدواً) أي: لا يفيد، فلا يصيد الصيد ولا يؤثر في العدو، ومضرته ظاهرة، فقد يصيب عين إنسان فيفقأها، أو سنه فيكسره، فلما أبلغه بالسنة رآه بعد ذلك يخذف هجره وقال: لا أكلمك أبداً. وهذا فيه تعظيم ا

المقدمة [2]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [2] حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم، ومن تعظيم أصحابه لحديثه أنهم ما كانوا يحدثون عنه إلا بما كانوا يتيقنون من ضبطه؛ وقد ورد الوعيد الشديد على من يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه يشرع للناس ما لم يأذن به الله، فاستحق العذاب الأليم.

ما جاء في التوقي في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم

ما جاء في التوقي في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون حدثنا مسلم البطين عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول بشيء قط: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكس، قال: فنظرت إليه وهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك، أو شبيهاً بذلك]. هذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه استدل به المؤلف رحمه الله على أنه ينبغي التوقي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحرز وعدم التسرع، وهذا محمول على ما إذا لم يتأكد الإنسان ويتيقن فيتحرى ويتوقى، ولذلك ابن مسعود اشتد عليه الأمر واغرورقت عيناه؛ لأنه يخشى أن يكذب، أما إذا تأكد الإنسان من الحديث فإن عليه أن يبلغه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال: كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً يفرغ منه قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]. هذا إذا لم يتأكد يقول: أو كما قال، فقال هذا أو شبهه أو نحوه، يعني: يتأكد من لفظ الحديث فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ثم يقول في آخره: أو كما قال أو نحو هذا، أو مثل هذا، أو شبه هذا، أو هذا معناه، هذا كله من التوقي حتى لا يقول على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قلنا لـ زيد بن أرقم رضي الله عنه: حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد]. قوله كبرنا ونسينا يعني: تقدمت به السن، فإذا تقدمت السن بالإنسان ينسى كثيراً، ولهذا كان زيد بن أرقم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحدث إلا ما تأكد منه، وإذا طلبوا منه الإكثار من الحديث قال: كبرنا ونسينا. السفر معروف بفتح الفاء، ويحتمل من وجه آخر السكون، والشكل ما عليه عمدة، العمدة بضبط الحروف وهو بفتح الفاء، قال ابن حجر: عبد الله بن أبي السفر بفتح الفاء الثوري الكوفي ثقة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو النضر عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سمعت الشعبي يقول: (جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً]. كل هذا من التوقي عن الحديث عن رسول الله، ولا يحدث إلا بما تأكد منه وسمعه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (إنما كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات)]. هذا من المبالغة، يعني: أن الناس كانوا في الأول يحفظون الحديث، ثم بعد ذلك ظهرت الخيانة، وفرط الناس وصاروا لا يبالون؛ ولهذا امتنعوا، قال: هيهات أن نحدثكم الآن عندما ظهرت فيكم الخيانة (فأما إذا ركبتم الصعب والذلول) أنتم لا تبالون، وصرنا نتوقع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نحدثكم خشية الخيانة والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويجمع بينهما: بأن تبليغ العلم فيما تأكد منه، وابن عمر لم يتأكد، وكان عنده شك وليس عنده يقين لذا توقف، والشيء الذي تأكد منه وحفظه وضبطه يبلغه.

شرح أثر عمر في الوصية بالإقلال من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

شرح أثر عمر في الوصية بالإقلال من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: بعثنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة وشيعنا، فمشى معنا إلى موضع يقال: له صرار فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قال: قلنا: لحق صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق الأنصار، قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، وأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل]. قال: قرظة بالمعجمة وفتحها ابن كعب الأنصاري صحابي. قرظة بفتح القاف والراء والظاء. والمرجل: القدر الذي يغلى فيه الماء، يعني: صدورهم فيه كهزيز المرجل من البكاء والخشية. [إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل، فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم]. يعني: قالوا: هؤلاء أصحاب محمد. [وأنا شريككم]. هذا فيه الوصية من عمر رضي الله عنه في التوقي عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إنكم تقدمون على قوم إذا قرءوا القرآن صار لصدورهم هزيز كهزيز المرجل) من البكاء والخشية، المرجل: هو القدر الذي فيه ماء وتحته نار فهو يغلي وله حركة. (فإذا رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مدوا إليكم أعناقهم، قالوا: هؤلاء أصحاب رسول الله) حدثونا (فأقلوا الرواية من الحديث) توقوا (وأنا شريككم) في الأجر وفي التبعة، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء الذين ستقدمون عليهم يمدون أعناقهم ويريدون الإكثار من الحديث، فأوصاهم بالتقليل في الرواية من باب التوقي، يعني: لا تحدثوا إلا بشيء تتأكدون منه وتحفظونه وتتيقنون به، ولا يحملكم حب الخير لهؤلاء أن تتساهلوا وأن تكثروا من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد فيه مقال من أجل مجالد، لكن لم ينفرد به مجالد عن الشعبي، فقد رواه الحاكم، في المستدرك عن محمد بن يعقوب الأصم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن وهب عن ابن عيينة عن بيان عن الشعبي به، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد وله طرق تجمع ويذاكر بها، قال: وقرظة بن كعب صحابي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وأما روايته فقد احتج بها. يعني: هذا التوقي يشهد له ما سبق من التوقي في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما لم يتأكد منه الإنسان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن السائب بن يزيد قال: صحبت سعد بن مالك رضي الله عنه من المدينة إلى مكة، فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد]. أي: أن هذا من باب التوقي والتحرز.

ما جاء في التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما جاء في التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى قالوا: حدثنا شريك عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)]. هذا الحديث فيه شريك بن عبد الله القاضي اختلط لما تولى القضاء، وفيه أيضاً سماك بن حرب. وفيه عنعنة مدلس، ولكن الحديث له شواهد، وأصله ثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، وهذا وعيد شديد، يدل على أن تعمد الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر، وبالغ بعض العلماء وقالوا بكفر من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى قالا: حدثنا شريك عن منصور عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكذبوا علي، فإن الكذب علي يولج النار)]. يولج يعني: يدخل النار، والتوعد بالنار يدل على أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رمح المصري حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي -حسبته قال:- متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار)]. وهذا القيد لا بد أن يكون: إذا كذب متعمداً. أما إذا كان مخطئاً فلا. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى التيمي عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر: (إياكم وكثرة الحديث عني! فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً، ومن تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)]. (إياكم) إياك تستعمل للتحذير، يعني: احذروا القول عليه والإكثار، ويوفق بينهما: بأن من كسب العلم وهو متأكد من الحديث فلا يجوز له أن يكتمه إذا سئل عنه، أو كان بالناس حاجة إليه، أما إذا لم يتأكد فإن عليه أن يتوقف. هذه الآثار محمولة على التوقي لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يتأكد منه وكان عنده شك أو عدم يقين، أما إذا كان عنده يقين فيحدث ويبلغ. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار قالا: حدثنا غندر محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن جامع بن شداد أبي صخرة عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير بن العوام رضي الله عنه: ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسمع ابن مسعود وفلاناً وفلاناً؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعت منه كلمة يقول: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)]. يعني: الذي منعه من الحديث: خوف الوقوع في الكذب، وهذا محمول على ما لم يتأكد منه. أما من تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، لكن عليه أن يبين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة:160]، الشيء الذي كذبه يبينه للناس، يقول: إن هذا كذب، وهذا لا أصل له. هذا من توبته، ويتعلق بفعله حال معصيته، كمن أخذ مالاً من شخص وأراد أن يتوب لابد أن يؤدي المال إلى صاحبه ثم يتوب، فمن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يتوب لابد أن يبين الأشياء التي كذبها ويبينها للناس. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن مطرف عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)]. أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب في التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسند ضعيف فيه عطية العوفي شيعي مدلس.

ما جاء فيمن حدث عن رسول الله حديثا وهو يرى أنه كذب

ما جاء فيمن حدث عن رسول الله حديثاً وهو يرى أنه كذب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً وهو يرى أنه كذب. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)]. هذا الحديث وهذه الترجمة فيهما التحذير من التهاون بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يظن أو يعلم أنه كذب، (من حدث عني بحديث وهو يرى)، يرى بفتح الياء يعني: يعلم، أو (وهو يرى) بالضم بمعنى: يظن. (فهو أحد الكاذبين)، ويصح أن تضم الياء ويقال: يرى، (من حدث عني بحديث وهو يرى) أي: يعلم أنه كذب أو (حدث عني بحديث وهو يرى) أي: يظن أنه كذب (فهو أحد الكاذبين) بالتثنية، أي: أنه شارك في الإثم: أحد الوضاعين، روي هذا وهذا، وهو أحد الكاذبين، يعني: الكاذب الأول الذي كذب وهو الثاني؛ لأنه حدث به وهو يظن أو يعلم أنه كذب فهو أحد الكاذبين: وهو من جملة الكاذبين ومن جملة الوضاعين، هذا فيه التحذير الشديد. الحديث فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى في سماعه من علي رضي الله عنه نظر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)]. هذا بنفس المعنى في الحديث السابق، وكذلك في سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من سمرة نظر، لكن أحدهما يقوي الآخر ويفيد التحذير عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو لم يتأكد منه، إذا كان يظن أنه كذب فلا يحدثه، وإذا كان يعلم يكون أشد وأشد، فلا يحدث بالضعيف أو الموضوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على وجه البيان بأنه ليس بصحيح. قال في الشرح: قال النووي: المشهور روايته بصيغة الجمع، أي: فهو واحد من جملة الوضاعين الواضعين للحديث. يعني: جملة الوضاعين الكذابين، أو أحد الكاذبين يكون هو الكاذب الثاني، والكاذب الأول الذي روى عنه الحديث. قال: وقد جاء بصيغة التثنية كذلك. أي: أن الحديث الأول: الكاذبين والحديث الثاني: الكذابين. والكذاب أشد من الكاذب صيغة مبالغة. قال الحافظ: عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثقة من الثانية، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم سنة ست وثمانين، وقيل: إنه غرق. وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته، من السابقين الأولين، رجح أنه أول من أسلم وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة أربعين. وهذا ما دام أنه اختلف في سماعه من عمر فسماعه من علي يكون ثابتاً. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)]. يرى كما سبق فيها الوجهان: يَرى ويُرى، يَرى بمعنى: يعلم، ويُرى بمعنى: يظن. (وأحد الكاذبين) بالتثنية، يعني: هو الكاذب الثاني، والكاذب الأول الذي وضع الحديث، أو (أحد الكاذبين) بالجمع، يعني: من جملة الوضاعين، وجاء هذا في التحذير من التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير تأكد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله أنبأنا الحسن بن موسى الأشيب عن شعبة مثل حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)].

المقدمة [3]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [3] الكذب بكل صوره وأنواعه ودرجاته قبيح، وأفحشه ما يكون على صاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام، ومن روى عنه الكذب فهو كاذب أثيم، فهو ينسب إليه ما ليس من شرعه، والخير كل الخير في اتباع المصطفى ومجانبة طريق البدع والمحدثات.

ما جاء في اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين

ما جاء في اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين. حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء -يعني: ابن جبر - حدثني يحيى بن أبي المطاع قال: سمعت العرباض بن سارية رضي الله عنه يقول: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله! وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا بعهد، فقال: عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة)]. هذا حديث عظيم، يقول فيه العرباض بن سارية رضي الله عنه: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة) يعني: مؤثرة في القلوب؛ لأنها نفذت من القلب ووصلت إلى القلوب، ولهذا (وجلت منها القلوب) يعني: خافت، (وذرفت منها العيون) لأنها: حارة ومن القلب، فأثرت في القلوب الخوف وفي العيون الدمع. (فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فاعهد إلينا) وفي لفظ: (فأوصنا) يعني: هذه الموعظة مؤثرة وحارة، ونفذت للقلوب فكأنك تودعنا يا رسول الله. والعادة أن المودع عندما ينصح يأتي بأقصى ما عنده، فلما صارت هذه الموعظة بليغة ارتبكوا كأنها موعظة مودع، فقالوا: فماذا تعهد إلينا؟ قال: (عليكم بتقوى الله)، أوصى بتقوى الله التي أوصى الله بها، فوصية النبي صلى الله عليه وسلم هي وصية الله تعالى في قوله سبحانه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] أوصى الله عباده أن يتقوه، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (عليكم بتقوى الله) وتقوى الله هي: توحيد الله وطاعته، وأداء الأوامر، وننتهي عن النواهي، والتقوى هي جماع الدين، وأصلها توحيد الله، وإخلاص الدين له، ثم أداء الواجبات وترك المحرمات، وإذا قرن البر بالتقوى فسر البر بأداء الأوامر، والتقوى باجتناب النواهي، وإذا ذكر أحدهما اشتمل الأمرين. (عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة) يعني: لولاة الأمور، وهذا في غير معصية الله، فأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بتقوى الله والطاعة لولاة الأمور في غير المعصية، يعني: يطاع ولاة الأمور في طاعة الله وفي الأمور المباحة، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، فمن أمر بمعصية الله لا يطاع حتى لو كان الذي أمر أميراً أو أباً أو زوجاً أو سيداً، إذا أمر الأمير بمعصية الله فلا سمع له ولا طاعة، وإذا أمر الأب ابنه بمعصية الله لا سمع له ولا طاعة، وإذا أمر الزوج زوجته بمعصية الله لا سمع له، وإذا أمر السيد عبده بمعصية الله فقال: اشرب الخمر، أو اقتل مسلماً، أو تعامل بالربا فلا يطاع. لكن ليس معنى هذا أنك تتمرد عليه. لا، بل لا تطعه في خصوص المعصية، لكن يبقى ما عداه على السمع والطاعة؛ لأن السمع والطاعة لولاة الأمر فيه جمع للكلمة، واتحاد للصف، وجمع للقلوب، وقوة للدولة، وإرهاب للعدو. أما إذا تمرد الناس على ولاة الأمور اختل الأمن، وتناكرت القلوب، وتفرق المسلمون، وتربص الأعداء بهم الدوائر، وصار هذا من أسباب الفرقة والاختلاف وتناكر القلوب، ويؤدي إلى الفوضى والاضطراب، وبالتالي إلى إراقة الدماء، واختلال الأمن، واختلال الاقتصاد والمعيشة، والتجارة والزراعة والدراسة، وتفسد أحوال الناس، ويكون سبباً في وقوع فتن عظيمة لا أول لها ولا آخر تقضي على الأخضر واليابس. ولهذا أمر الناس بالسمع والطاعة لولاة الأمور، وكان أهل الجاهلية لا يسمعون ولا يطيعون لولاة أمورهم ففسدت أحوالهم، ولهذا أمر الناس بالسمع والطاعة لولاة الأمور ونهوا عن الخروج على ولاة الأمور حتى ولو فعلوا المعاصي، ولكن النصيحة مبذولة من قبل أهل الحل والعقد من قبل العلماء، فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا فقد أدى الناس ما عليهم. ولا يجوز الخروج على ولي الأمور حتى ولو شرب الخمر، أو ظلم بعض الناس في ماله أو دمه؛ لأن هذه المعصية مفسدة، لكن مفسدة الخروج أعظم وأعظم، فإذا خرج الناس على ولاة الأمور أريقت الدماء، واختل الأمن، وتفرق الناس، واختلت أحوال الناس، وتدخل الأعداء، ووقعت الفتن. هذه مفاسد عظيمة أعظم من مفسدة المعصية، والشرع جاء بدرء المفاسد وتقليلها، وجلب المصالح وتكميلها، ومفسدة المعصية التي تحصل من ولاة الأمور مفسدة قليلة، تدرأ في جانب المفاسد العظيمة التي تنشأ من الخروج على ولاة الأمور. وهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أمته بتقوى الله، وبالسمع والطاعة لولاة الأمور، قال: (وإن عبداً حبشياً) يعني: وإن كان ولي الأمر عبداً حبشياً، وفي اللفظ الآخر في حديث أبي ذر: (أمرني خليلي أن أسمع وأطيع، وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف). يعني: مقطوع الأنف أو الأذن أو اليد يسمع ويطاع له، فإذا غلب الناس بسيفه وقوته تمت له الخلافة، ووجب السمع والطاعة له في طاعة الله وفي الأمور المباحة. ثم قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً). فيه بيان أنه يحصل اختلاف ومخالفة للسنة في كثير من الأمور. ثم قال النبي: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين). فيه الأمر بلزوم السنة وسنة الخلفاء الراشدين، وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسنة الخلفاء الراشدين إنما يعمل بها إذا لم توجد سنة النبي صلى الله عليه وسلم. أما مع وجود السنة فيجب لزوم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خفيت سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوجد في المسألة سنة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يؤخذ بسنة الخلفاء الراشدين، وليس معنى ذلك: أن سنة الخلفاء الراشدين تؤخذ حتى إذا عرفوا السنة لا، بل المراد عند خفاء السنة. ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمتعة وهو الإحرام بالعمرة والحج معاً، ثم اجتهد الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان فكانوا يأمرون الناس بالإفراد اجتهاداً منهم حتى يكثر الزوار والعمار. وكان علي وأبو موسى الأشعري وابن عباس رضي الله عنهم وجماعة يفتون بالمتعة عملاً بالسنة، والخلفاء الراشدون الثلاثة يفتون بإفراد الحج، والعمرة يكون لها وقت آخر حتى يكثر العمار والزوار، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالمتعة وشدد عليهم، وألزمهم بها حتى يزول اعتقاد الجاهلية الذين يعتقدون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في حجة الوداع أن يتمتعوا إلا من ساق الهدي. لكن الخلفاء الثلاثة اجتهدوا وقالوا: إنه زال اعتقاد الجاهلية فأفتوا الناس بالإفراد، وكان علي يفتي بالمتعة على ما جاءت به السنة وكذلك ابن عباس وأبو موسى الأشعري. ولما نظر بعض الناس إلى ابن عباس في الحج وهو يفتي بالمتعة، قال له: ابن عباس يفتي بالمتعة وأبو بكر وعمر يفتيان بالإفراد، فقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر! إذا كان الذي خالف السنة لقول أبي بكر وعمر يخشى أن تنزل عليه حجارة من السماء، فكيف بمن أخذ بقول غيرهم؟ فهذه المسألة يؤخذ فيها بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤخذ بسنة الخلفاء الراشدين، فإذا لم يوجد في المسألة سنة يؤخذ بسنة الخلفاء الراشدين. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) هي الأضراس، يقال للشيء الذي يراد أن يتمسك به: عض عليه بالنواجذ. (وإياكم ومحدثات الأمور) تفيد التحذير من الأمور المحدثة وهي البدع، (فإن كل محدثة بدعة). وفي الحديث الآخر في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يعني: مردود، وفي لفظ لـ مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود على صاحبه. وفيه التحذير من البدع والأمر بلزوم السنة، فهذا الحديث حديث عظيم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور وإسحاق بن إبراهيم السواق قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية رضي الله عنه يقول: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ منها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)]. وهذا شاهد للحديث السابق، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة عليه الصلاة والسلام، قال: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ منها بعدي إلا هالك)، هي الوصية بتقوى الله، والوصية بالسمع والطاعة لولاة الأمور. وفيها: أن المؤمن يقبل الحق وينقاد كالجمل الأنف، فأينما قيد انقاد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا

ما جاء في اجتناب البدع والجدل

ما جاء في اجتناب البدع والجدل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اجتناب البدع والجدل. حدثنا سويد بن سعيد وأحمد بن ثابت الجحدري قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه؛ كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم مساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد: فإن خير الأمور كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكان يقول: من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي وإلي)]. وهذا أخرجه مسلم في صحيحه، وآخره أخرجه الشيخان: (ومن ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً فعلي وإلي)، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بشجاعة وحماسة حتى يجذب السامعين، (كان إذا خطب احمر وجهه، وعلا صوته كأنه منذر الجيش يقول: صبحكم ومساكم) فيؤثر في السامعين، ولاسيما خطبة الجمعة). تحتاج إلى قوة وشجاعة وحماسة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمر وجهه، وعلا صوته كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، فيؤثر في السامعين، ولا سيما خطبة الجمعة، وبعض الخطباء إذا خطب يخطب بصوت ضعيف، ويتماوت كأنه ميت، والخطبة تحتاج إلى قوة وشجاعة وحماسة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمر وجهه، وعلا صوته، فيؤثر في السامعين، كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم. وكان يقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين السبابة والوسطى)؛ لأنه نبي الساعة؛ ولأنه آخر الأنبياء، وأمته آخر الأمم، ولا نبي بعده، فهو نبي الساعة، ولهذا قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين السبابة والوسطى) يعني: لقرب الساعة؛ لأنه بعث في آخر الدنيا، وأمته آخر الأمم. وكان إذا خطب يقول: (أما بعد)، فينبغي للخطيب أن يقول: أما بعد، وهي أولى وأحسن من قول: وبعد، فبعض الناس يقولون: وبعد. وكان يقول: (فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)، وكان يقول هذا في كل جمعة، فكتاب الله أحسن الحديث، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122]، فلا أحسن من كلام الله، قال: (وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها) والأمور المحدثة هي: التي أحدثت في الدين مما ليس منه. قال: (وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وفي رواية النسائي: (وكل ضلالة في النار)، وهذا فيه التحذير من البدع، وأن كل محدث في الدين فهو من البدع، وكل بدعة فهي من الضلال، وكل ضلالة فهي في النار. وهذا أخرجه مسلم والنسائي. وقال في نهاية الحديث: (وكان يقول: من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي وإلي)، وقد كان عليه الصلاة والسلام في أول الهجرة يصلي على من عليه دين، ثم قدم إليه رجل ليصلي عليه فقال: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم عليه ديناران، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم)، فقال هذا للأحياء حتى لا يتساهلوا في الدين، (فقام رجل فقال: يا رسول الله! علي الديناران -أي: أنا أضمنه-، فقال: برئ الغريم؟ قال: نعم، فقام وصلى عليه عليه الصلاة والسلام عليه، ثم لما كان من الغد قال: ما فعل الديناران؟ قال: يا رسول الله! ما مات إلا بالأمس -يعني: ما مضى عليه إلا يوم- فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لقيه من الغد، فقال: ما فعل الديناران؟ قال: قضيتهما يا رسول الله، فقال: الآن بردت عليه جلدته)، وكان هذا في أول الأمر وأول الإسلام، ثم بعد ذلك لما وسع الله عليه صار يقضي الدين من عنده. ولهذا يستحب لولاة الأمور قضاء الدين عن الميت إذا كان في بيت المال سعة، وكان الميت ليس له مال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك ديناً أو ضياعاً -يعني: أولاداً صغار- فعلي) يعني: على بيت المال، فبيت المال يقوم بكفالة الأيتام والصغار والعجزة، وينفق عليهم من بيت المال، وكذلك الدين يُقضى عن الميت من بيت المال إذا كان فيه سعة، قال: (ومن ترك مالاً فلورثته)، ومن لم يترك مالاً وإنما ترك ديناً أو ترك ضياعاً وأولاداً صغاراً فعلي وإلي، أي: فعلى بيت المال، يقوم بحاجاتهم وكفالتهم. وقوله: (فعلي وإلي) أي: علي قضاء الدين، وإلي ضياعهم بكفالتهم.

شرح حديث: (إنما هما اثنتان)

شرح حديث: (إنما هما اثنتان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون المدني أبو عبيد حدثنا أبي عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما هما اثنتان: الكلام والهدي، فأحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)]. محمد بن عبيد بن ميمون المدني أبو عبيد مجهول. وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أنه له شواهد، كما في الحديث السابق: (خير الأمور كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم). قال: [(ألا وإياكم ومحدثات الأمور، فإن شر الأمور محدثاتها)]. وهذا يشهد له ما سبق من التحذير من البدع ومحدثات الأمور، وقوله: (فإن شر الأمور محدثاتها) أي: البدع المحدثة في الدين. قال: [(وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)]. وكل هذا له شاهد في الحديث. قال: [(ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم)]. وهذا مأخوذ من قول الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]، وهذا فيه التحذير من استطالة الأجل فيقسو القلب. قال: [(ألا إنما هو آت قريب، وإنما البعيد ما ليس بآت، ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره، ألا إن قتال المؤمن كفر، وسبابه فسوق)]. وهذا أيضاً له شاهد، فقد ورد في الصحيح: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، أي: وقتاله من الأعمال الكفرية التي لا تخرج من الملة. قال: [(ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)]. وهذا أيضاً جاء في الصحيحين: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) يعني: لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه لحظ من الدنيا أو من أجل حظ نفسه فوق ثلاث، ويجوز مدة اليوم واليومين والثلاث ولا يزيد؛ لأن النفس قد يحصل فيها بعض التكدر، فأبيح للإنسان الهجر يوماً أو يومين أو ثلاثاً من أجل الدنيا، ولا يجوز بعدها، كما في الحديث: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، وأما الهجر لأجل الدين؛ لكونه عاصياً أو مبتدعاً فيهجره ما شاء، وهذا غير محدد، ولا بأس به، وأما من أجل الدنيا ومن أجل الشحناء فلا يزيد على ثلاثة أيام. قال: [(ألا وإياكم والكذب، فإن الكذب لا يصلح بالجد ولا بالهزل)]. وهذا فيه تحذير من الكذب. قال: [(ولا يعد الرجل صبيه ثم لا يفي له)]. أي: لا يجوز أن يكذب، ولا حتى في الأشياء القليلة، حتى إذا وعد الصبي أن يعطيه شيئاً فلا يخلف وعده، فإن هذا كذباً، فإذا وعده أن يعطيه شيئاً ولو قليلاً ثم لم يعطه كتبت عليه كذبة، وليعطه شيئاً حتى لا يقع في الكذب. قال: [(وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار)]. وهذا أيضاً له شاهد. قال: [(وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإنه يقال للصادق: صدق وبر، ويقال للكاذب: كذب وفجر، ألا وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)]. وهذا فيه التحذير من الكذب والترغيب في الصدق. هذا الحديث وإن كان فيه أبو عبيد وهو مجهول، ولكن جمل هذا الحديث لها شواهد من الأحاديث الصحيحة.

شرح حديث: (يا عائشة إذا رأيتم الذين يجادلون)

شرح حديث: (يا عائشة إذا رأيتم الذين يجادلون) قال رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن خالد بن خداش حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا أيوب ح وحدثنا أحمد بن ثابت الجحدري ويحيى بن حكيم قالا: حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: (تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7] إلى قوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7] فقال: يا عائشة! إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عناهم الله فاحذروهم)]. وهذا الحديث فيه التحذير من الجدال بغير حق، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيه: (إذا رأيتم الذين يجادلون فهم الذين عناهم الله)، وفي اللفظ الآخر: (أولئك الذين يتبعون ما تشابه منه)، أو: (أولئك الذين سمى الله فاحذروهم). ففيه: التحذير من الجدال بالباطل، والتحذير من اتباع المتشابه وترك المحكم، وهذه علامة أهل الزيغ أنهم يأخذون بالمتشابه ويتبعونه، ويتركون المحكم، وأما أهل الحق فإنهم يعملون بالمحكم ويردون المتشابه إليه، ويفسرونه به. وأهل الزيغ والبدع يأخذون بالمتشابه ويتعلقون به ويتركون المحكم، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7]. والحديث صحيح وهو في معنى هذه الآية ويفسرها، وفي لفظ آخر: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم). يعني: ما يتشابه على بعض الناس، فبعض الناس يشتبه عليه بعض الآيات فيتعلق بالمتشابه ويترك المحكم، فمثلاً بعض النصارى الذين يقولون: الآلهة ثلاثة يقول: في القرآن ما يدل على التثليث، ويستدلون بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، فقال: (نحن)، وهذا ضمير الجمع، وهذا يدل على أن الآلهة متعددة، فنقول له: أنت من أهل الزيغ؛ لأنك تعلقت بالمتشابه وتركت المحكم، وهو قول الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163] فهذا محكم أخذ به أهل الاستقامة وأهل الحق، و (نحن) في لغة العرب يأتي للواحد المعظم نفسه، وللجماعة، فمن يعظم نفسه يقول: نحن، والله تعالى أجل وأعظم، وأهل الحق يأخذون المحكم ويفسرون المتشابه بالمحكم ويردونه إليه، ويؤمنون بالجميع.

شرح حديث: (ما ضل قوم بعد هدى)

شرح حديث: (ما ضل قوم بعد هدى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن المنذر حدثنا محمد بن فضيل ح وحدثنا حوثرة بن محمد حدثنا ابن بشر قالا: حدثنا حجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا هذه الآية: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:58])]. والحديث سنده ضعيف، ولكن معناه صحيح، ولا شك أن من أوتي الجدل بعد الهدى فهذا يدل على ضلاله. والجدال جدالان: جدال بالباطل وهو مذموم، وجدال بالحق وهو محمود، قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46]، وقال: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. أبو غالب صاحب أبي أمامة بصري نزل أصبهان، قيل: اسمه حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وقيل: نافع صدوق يخطئ من الخامسة.

الكلام حول الحروف المقطعة

الكلام حول الحروف المقطعة الحروف المقطعة فيها كلام لأهل العلم، فبعض المفسرين والمحققين لا يفسرونها ويقولون: الله أعلم بما هو الراجح فيها، وبعضهم قال: إن هذه الحروف إشارة إلى أن القرآن مكون من الحروف الثمانية والعشرين، ومع ذلك فقد عجز البشر أن يأتوا بمثله، ولذلك يأتي بعد الحروف المقطعة الانتصار للقرآن، وذكره وبيانه وفضله، كقوله: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1 - 2]، {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس:1]، {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1]، وقال: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:1]، وهكذا، فكل سورة في أولها حروف مقطعة يأتي بعدها الانتصار للقرآن، قال شيخ الإسلام: هذا يدل على أن المراد: إن القرآن مكون من هذه الحروف، ومع ذلك فقد أعجز البشر، وبعض المفسرين قالوا: الله أعلم بالمراد من ذلك، وهناك أقوال أخرى ضعيفة، مثل من يقول: إنها إشارة إلى أسماء الله، أو: إشارة إلى أسماء بعض الجبال، وكل هذا لا دليل عليه.

شرح حديث: (لا يقبل الله لصاحب بدعة)

شرح حديث: (لا يقبل الله لصاحب بدعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا داود بن سليمان العسكري حدثنا محمد بن علي أبو هاشم بن أبي خداش الموصلي حدثنا محمد بن محصن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الله بن الديلمي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا صدقة، ولا حجاً ولا عمرة، ولا جهاداً، ولا صرفاً ولا عدلاً، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين)]. هذا الحديث سنده ضعيف ومتنه منكر؛ لأن صاحب البدعة ليس بكافر إذا كانت بدعته لا تكفر، وسنده ضعيف ففيه محمد بن محصن وقد اتفقوا على ضعفه، فالحديث منكر شاذ، وصاحب البدعة ليس بكافر إذا كانت بدعته لا توصله إلى الكفر، وأعماله مقبولة صحيحة، وعليه أن يتوب من بدعته مثل صاحب الكبيرة، هذا إذا كانت بدعته لا تكفر، وأما إذا كانت بدعته مكفرة فهو كافر، والأصل: أن البدعة لا توصل إلى الكفر، وصاحب البدعة عاصٍ ليس بكافر، ولا يخرج من الإسلام، وأعماله صحيحة، وعليه أن يتوب من بدعته.

شرح حديث: (أبى الله أن يقبل)

شرح حديث: (أبى الله أن يقبل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا بشر بن منصور الخياط عن أبي زيد عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)]. وهذا المتن ضعيف أيضاً، ورجال هذا الإسناد كلهم مجهولون، قال الذهبي في الكاشف: وقال أبو زرعة: لا أعرف أبا زيد ولا أبا المغيرة، ومتنه أيضاً ليس بصحيح؛ لأن صاحب البدعة مرتكب لكبيرة.

شرح حديث: (من ترك الكذب وهو باطل)

شرح حديث: (من ترك الكذب وهو باطل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وهارون بن إسحاق قالا: حدثنا ابن أبي فديك عن سلمة بن وردان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك الكذب وهو باطل بني له قصر في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها)]. هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن وردان عن أنس. ولا شك أن ترك الكذب فيه فضيلة، وكذلك ترك الباطل والمراء، لكن التحديد بأنه من ترك الكذب بني له بيت في أول الجنة، ومن ترك المراء بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له أعلاها مستحيل، وهذا هو الذي فيه الإشكال. وفي الحديث الصحيح: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) وزعيم يعني: كفيل. وأما حديث: (أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) فلا أعلم له أصلاً.

اجتناب الرأي والقياس

اجتناب الرأي والقياس قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اجتناب الرأي والقياس. حدثنا أبو كريب حدثنا عبد الله بن إدريس وعبدة وأبو معاوية وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر، ح وحدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر ومالك بن أنس وحفص بن ميسرة وشعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)]. هذا الحديث صحيح، رواه الشيخان البخاري ومسلم، وفيه: الحث على العلم وتعلم العلم والإقبال على العلم قبل موت العلماء، وفيه: إن الله لا يقبض العلم من صدور الرجال، وإنما يقبض العلم بموت العلماء، فيقبض عالماً بعد عالم بعد عالم حتى لا يبقى إلا الجهال، فإذا بقي الجهال تولوا أمور الناس؛ لأن الأعمال والغايات لابد لها من رجال يتولونها، فيحتاجون إلى من يتولى الإفتاء، ومن يتولى القضاء، ومن يتولى كذا وكذا، فيكون رءوس الناس جهالاً، ويكون المتولون للإفتاء والقضاء جهالاً، فيسألون ولا بد لهم من أن يجيبوا، فيجيبون بغير حق، ويجيبون بالباطل؛ لأنهم ترأسوا ورُئسوا، فيفتون بغير علم، فيضلون في أنفسهم ويضلون غيرهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الحديث الآخر: (إن من أشراط الساعة: أن يكثر الجهل ويقل العلم). وفي هذا الحديث: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء) وفي لفظ: (بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالماً)، وفي لفظ: (حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا). وهذا فيه الحث على أخذ العلم من العلماء قبل موتهم وقبل قبضهم. وقوله في الحديث: (فإذا لم يبق عالماً) يعني: عالماً شرعياً يصلح للإفتاء ولأخذ العلم عنه. والحق قائم الآن في أمور العبادات والديانة، ولكن تبقى مسائل تحتاج إلى إفتاء، فلا يوجد من يفتي بها إلا هؤلاء الرؤساء الذين لا يعلمون.

شرح حديث (من أفتى بفتيا غير ثبت)

شرح حديث (من أفتى بفتيا غير ثبت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو هانئ حميد بن هانئ الخولاني عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه)]. وهذا يؤيده قول الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25]، وهذا فيه تحذير المفتين من التسرع في الفتيا والتعجل، وأن من أفتى بغير ثبت ثم عمل به المستفتي فإن إثم المستفتي عليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء الهمداني حدثني رشدين بن سعد وجعفر بن عون عن ابن أنعم -هو الإفريقي - عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العلم ثلاثة، فما وراء ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة)]. هذا الحديث ضعيف، فيه رشدين بن سعد وهو ضعيف، وعبد الرحمن بن أنعم الإفريقي ضعيف أيضاً. ولكن الحديث مشهور الآن، ويستدل به الفرضيون، ومعناه صحيح، وقد يكون له شواهد. والعلم ينقسم إلى هذه الأقسام: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، ولا يخرج عن هذه الثلاث.

شرح حديث (لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم)

شرح حديث (لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن حماد سجادة حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم حدثنا معاذ بن جبل قال: (لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم، وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه أو تكتب إلي فيه)]. هذا الحديث ضعيف، وقال له في الحديث الآخر: (بم تحكم؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي ولا آلو، فضرب على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله للحق)، فالسند ضعيف، ومحمد بن سعيد هو المصلوب اتهم بوضع الحديث، ومتن الحديث شاذ، وابن ماجة رحمه الله تساهل في الأحاديث الضعيفة، والأحاديث التي ينفرد بها ابن ماجة عن الكتب الخمسة في الغالب تكون ضعيفة، والحسن بن حماد سجادة يتهمه أحمد بن حنبل والنسائي بالوضع، وإذا كان يتهم بالوضع فالحديث موضوع، وإذا كان متهماً بالكذب فيكون الحديث ضعيفاً جداً. والحديث الثابت في الصحيحين هو: أن النبي بعث معاذاً إلى اليمن وقال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه كتاب الله).

شرح حديث (لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا)

شرح حديث (لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سويد بن سعيد حدثنا ابن أبي الرجال عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولدون وأبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا)]. هذا الحديث ضعيف، ففيه ابن أبي الرجال وهو ضعيف، ويحتمل أن يكون فيه أيضاً غيره، وابن أبي الرجال اسمه حارثة بن محمد بن عبد الرحمن، وهذا ليس خاصاً بأولاد السبايا أو غيرهم، فمن استقام فهو على الحق، ومن انحرف فهو على الباطل، سواء كان من أولاد السبايا أو من غيرهم.

المقدمة [4]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [4] الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان، ولا يكمل الإيمان إلا بأن يحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

الإيمان

الإيمان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الإيمان. حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون أو سبعون باباً، أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله، والحياء شعبة من الإيمان)]. هذا حديث عظيم، وقد أخرجه الشيخان رحمهما الله، فأخرجه البخاري بلفظ: (الإيمان بضع وستون شعبة)، وأخرجه مسلم بلفظ: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). وفي هذا الحديث دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأن الإيمان شعب، وأنه يدخل فيه أعمال القلوب وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، ولهذا قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، وبين الأعلى والأدنى شعب متفاوتة، فمنها ما يقرب من شعبة الشهادة، ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة، فالصلاة شعبة، والزكاة شعبة، والصوم شعبة، والحج شعبة، وبر الوالدين شعبة، والجهاد في سبيل الله شعبة، والأمر بالمعروف شعبة، والإحسان إلى الجيران شعبة، وهكذا. قال: (والحياء شعبة من الإيمان) وكلمة التوحيد قول باللسان، وإماطة الأذى عن الطريق عمل بالبدن، والحياء عمل قلبي، فإذاً: يدخل في الإيمان أعمال القلوب وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، وفيه رد على المرجئة الذين يقولون: الإيمان تصديق بالقلب فقط، فإن الحديث جعل الإيمان شعباً كثيرة، والبضع من ثلاث إلى تسع، وقد تتبع البيهقي رحمه الله هذه الشعب وألف كتاباً سماه: شعب الإيمان، وأوصلها إلى تسع وسبعين شعبة، وتتبعها من النصوص، وأوصل البضع إلى أعلاه.

مذهب المرجئة في الإيمان

مذهب المرجئة في الإيمان المرجئة يقولون: الإيمان تصديق بالقلب فقط، وأما أعمال الجوارح وقول اللسان فليس من الإيمان، وهذا من أبطل الباطل، والصواب: أن الإيمان تصديق بالقلب وعمل بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، فهذه الأربعة الأشياء كلها داخلة في مسمى الإيمان، وهي: قول القلب وتصديقه وإقراره، وعمل القلب وهو: النية والإخلاص والمحبة والرغبة والرهبة والخشية، وعمل الجوارح كالصلاة والصيام والزكاة، وقول اللسان كتلاوة القرآن والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، خلافاً للمرجئة -مرجئة الفقهاء كالأحناف وغيرهم- الذين يقولون: الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، ولكنها مطلوبة، وأما المرجئة المحضة كالجهمية فيقولون: ليست مطلوبة، وإنما يكفي معرفة القلب، وهذا من أبطل الباطل. يقولون: مطلوبة وليست من الإيمان، فالإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل. والإمام أبو حنيفة عنه روايتان: الرواية الأولى التي عليها أكثر أصحابه: أن الإيمان شيئان: إقرار باللسان وتصديق بالقلب. والرواية الثانية: أن الإيمان تصديق بالقلب فقط، وأما الإقرار باللسان فهو ركن زائد مطلوب، وليس من الإيمان، مثل الأعمال، والصواب: أنها من الإيمان. ومذهب أهل السنة: أن الأعمال مطلوبة وهي من الإيمان، والمرجئة المحضة كالجهمية قالوا: ليست مطلوبة، بل يكفي معرفة الرب بالقلب، فعند الجهم -والعياذ بالله- الإيمان: معرفة الرب بالقلب، والكفر هو: جهل الرب بالقلب، فألزمه العلماء بهذا التعريف أن إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وفرعون مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وأبو طالب مؤمن، واليهود مؤمنون؛ لأنهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146]، وهذا من أبطل الباطل. وأفسد ما قيل في تعريف الإيمان: هو تعريف الجهم له، ثم يليه قول الكرامية الذين يقولون: الإيمان هو إقرار باللسان فقط، فإذا أقر بلسانه فهو مؤمن، وإذا خالف عمله ما تكلم به بلسانه صار منافقاً، ويقولون: إن الإنسان قد يكون مؤمناً كامل الإيمان ومع ذلك يخلد في النار، مثل قول المرجئة الذين يقولون: من أقر بلسانه فهو مؤمن ولو كان منافقاً في الباطن، فإذا كان منافقاً في الباطن فهو مؤمن كامل الإيمان وهو مخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل، ثم يليه قول مرجئة الفقهاء ثم قول الخوارج الذين يقولون: الإيمان هو: التصديق، والأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان فإذا تخلف عمل من الأعمال أو فعل معصية ذهب الإيمان كله وصار كافراً وخلد في النار والعياذ بالله؛ لأن الإيمان عندهم لا يتبعض ولا يتعدد. والشبهة التي بنى عليها جميع أهل البدع أقوالهم في الإيمان هي: أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يتعدد ولا يتبعض، ولا يذهب بعضه ولا يبقى بعضه. وأما أهل السنة فيقولون: الإيمان متعدد ومتبعض، ويزيد وينقص، ويقوى ويضعف، ويذهب بعضه ويبقى بعضه. ويقول شارح الطحاوية: إن الخلاف مع مرجئة الفقهاء لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة، والصحيح أنه ليس لفظياً من جميع جميع الوجوه، وله آثار تترتب عليه. منها: فتح الباب للمرجئة الذين يقولون: الأعمال غير مطلوبة. ومنها: فتح الباب للفساق، فيأتي السكير العربيد فيقول: أنا مؤمن كامل الإيمان، وإيماني كـ أبي بكر وعمر، فإذا قيل له: كيف يكون إيمانك مثل إيمان أبي بكر وعمر ولهما أعمال عظيمة؟ قال: إن الإيمان هو: التصديق، والأعمال شيء آخر، وأنا مصدق وأبو بكر مصدق، ففتح المرجئة باباً للقول: بأن إيمان أهل السماء وإيمان أهل الأرض واحد! ومنها: أنهم خالفوا نصوص الكتاب والسنة لفظاً، وإن كانوا وافقوهما في المعنى، بخلاف أهل السنة فإنهم وافقوا النصوص لفظاً ومعنى، وتأدبوا مع النصوص، والواجب على المسلم أن يتأدب مع النصوص، ولا يخالفها لا لفظاً ولا معنى، كهؤلاء الذين وافقوا النصوص في المعنى فقالوا: الأعمال مطلوبة، ولكنهم خالفوا النصوص لفظاً، فإن الله تعالى أدخل الأعمال في مسمى الإيمان، فقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:2 - 4]، فأدخل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن ووجل القلب عند ذكر الله والتوكل على الله في مسمى الإيمان. والحياء: عمل قلبي وخلق داخلي يبعث الإنسان على فعل المحامد وترك الرذائل والمذام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان. ح وحدثنا عمرو بن رافع حدثنا جرير عن سهيل جميعاً عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعظ أخاه في الحياء فقال: (إن الحياء شعبة من الإيمان)]. وفي اللفظ الآخر: (دعه فإن الحياء خير كله)، وهذا لفظ مسلم.

شرح حديث: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)

شرح حديث: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي حدثنا سعيد بن مسلمة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)]. الحديث أخرجه مسلم بمعناه، وهذا فيه: وعيد شديد للمتكبر، وفيه: أن الكبر من كبائر الذنوب، والكبر كما جاء تفسيره في الحديث الآخر: (بطر الحق وغمط الناس)، وبطر الحق: رده، وغمط الناس: احتقارهم، وهذا هو الكبر، وهو من الكبائر، فإن كان الكبر تكبراً عن التوحيد والإيمان صار مخرجاً من الملة، وإن كان الحق الذي رده دون التوحيد والإيمان فيكون مرتكباً لكبيرة، فيكون الكبر كفراً أكبر إذا رد التوحيد والإيمان، أو كفراً أصغر إذا رد ما هو دون ذلك. وقوله: (ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) يعني: لا يدخلها دخول خلود، ولكن قد يدخلها دخولاً مؤقتاً، كما إذا مات على المعاصي مصراً عليها ولم يعف الله عنه؛ لأن النصوص تضم بعضها إلى بعض، وقد دلت النصوص على أن من ارتكب الكبائر فهو متوعد بالنار، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء:10]، فإذا دخل النار فإنه لا يخلد فيها، وإنما يطهر فيها بقدر معاصيه ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الراحمين، وقد يعفو الله عنه، فهو تحت المشيئة، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].

شرح حديث: (إذا خلص الله المؤمنين)

شرح حديث: (إذا خلّص الله المؤمنين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خلّص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار. قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار؟ فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم. فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم، لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم فيقولون: ربنا أخرجنا من قد أمرتنا. ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل). قال أبو سعيد: فمن لم يصدق هذا فليقرأ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40]]. هذا الحديث أخرجه البخاري بمعناه في حديث طويل، وأخرجه مسلم وأحمد والنسائي في كتاب الإيمان. فـ البخاري أخرجه بمعناه في آخر حديث الشفاعة الطويل وهو: أن المؤمنين يوم القيامة يشفعون لإخوانهم الموحدين العصاة الذين دخلوا النار، وأنهم يسألون الله ويلحون عليه في السؤال، كما أن الإنسان إذا كان له حق في الدنيا يجادل حتى يأخذ حقه، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار) يعني: سؤالهم الله لا يقل عن مجادلة الإنسان في أخذ حقه في الدنيا، (يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا)، فيشفعهم الله فيهم، ويجعل الله لهم علامة يعرفونهم بها، والشفاعة لابد فيها من شرطين: الأول: إذن الله للشافع، فلا يشفع إلا بعد الإذن، وهذه المجادلة تكون بعد الإذن، وكذلك الشفاعة، والشرط الثاني: أن يكون ممن رضي الله أن يشفع له. ونبينا صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرف الخلق وأوجه الناس عند الله لا يبدأ بالشفاعة إلا بعد الإذن، ففي الحديث: أنه يأتي ويسجد تحت العرش فيحمد الله ويلهمه بمحامد يفتحها عليه في ذلك الموقف، (فيقول الله: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع -وهذا هو الإذن- فيقول: يا رب! وعدتني بالشفاعة، فشفعني في أن تقضي بين خلقك، فيقول الله: شفعتك، اذهب فأنا آتي فأقضي بينكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم أذهب فأقف مع الناس)، وهذا في الشفاعة العظمى، وهؤلاء المؤمنون إذا أذن الله لهم أن يشفعوا في إخوانهم جعل لهم علامة يعرفونهم بها، فيقول: اذهبوا فأخرجوهم من النار، فيعرفونهم بصورهم، يعني: وجوههم، والصورة تطلق على الوجه، وتطلق على الجسم، ولهذا لابد في إزالة الصورة من إزالة الوجه والرأس، وأما إزالة الكفين فقط فلا يكفي، فإذا أزيل الرأس والوجه زال المحظور، سواء كان مجسماً أو غير مجسم، وأما إذا بقي الرأس فقد بقي المحظور ولو أزيل الجسد كله، ويعتبر صورة، فقد جاء في الحديث: (يعرفونهم بصورهم) يعني: بوجوههم، وقال: (لا تأكل النار وجوههم)، فالنار لا تأكل من وجوه العصاة محل السجود، بخلاف الكفرة فإن النار تغمره من جميع جهاته، ويعرفونهم أيضاً بأن منهم من تأخذه النار إلى ساقيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم إلى كذا، على حسب المعاصي، بخلاف الكفرة فإن النار تغمرهم من جميع الجهات والعياذ بالله، قال تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41]، فوجوههم وغيرها سواء؛ لأنهم لم يسجدوا لله. وهذا الحديث من الأدلة على كفر تارك الصلاة، فالذي يصلي مؤمن؛ ولا تأكل النار وجهه؛ لأنه محل السجود، والذي لا يصلي تأكل النار وجهه؛ لأنه كافر والعياذ بالله. ولا يكفي في إزالة الصورة وضع خط على الحلق كما يفعل بعض الناس، بل لا بد من قطع الرأس والوجه كاملين، ولا يكفي أيضاً إزالة العينين والأنف والفم والأذن، بل لا بد من إزالة الرأس والوجه كاملين. وقوله: (فيقولون: ربنا أخرجنا من قد أمرتنا، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل)، وهذه الشفاعة للعصاة مشتركة بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع وفي كل مرة يحد الله له حداً، والأنبياء يشفعون، والملائكة يشفعون، والمؤمنون يشفعون، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، ويقول: (شفعت الملائكة وشفع النبيون ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج قوماً من النار لم يعلموا خيراً قط).

شرح حديث: (فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن)

شرح حديث: (فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا حماد بن نجيح -وكان ثقة- عن أبي عمران الجوني عن جندب بن عبد الله قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً)]. حزاورة يعني: فتياناً أشداء أقوياء، وقوله: (تعلمنا الإيمان) يعني: الشهادتين، قال في الزوائد: إسناد هذا الحديث صحيح، رجاله ثقات. ويشهد لهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم نجاوزها حتى نتعلم معانيها والعمل بها)، وهذا بعد الإيمان وبعد الشهادتين، فالإيمان هو: أصل الدين وأساس الملة.

شرح حديث: (صنفان من هذه الأمة)

شرح حديث: (صنفان من هذه الأمة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا محمد بن فضيل حدثنا علي بن نزار عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من هذه الأمة ليس لهما نصيب في الإسلام: المرجئة والقدرية)]. هذا الحديث ضعيف، فيه محمد بن فضيل صدوق من العاشرة، وفيه: علي بن نزار بن حيان الأسدي ضعيف، وفي المغني والديوان قال: إن علياً ليس بحل، وفي التقريب: ضعيف. والمقصود: أن هذا الحديث ضعيف، وكل الأحاديث التي في المرجئة والقدرية ضعيفة، وإنما تصح موقوفة على الصحابة، فوقفها على الصحابة أصح، وأما رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهي بأسانيد ضعيفة. والمرجئة هم: الذين يرجئون الأعمال، يعني: يؤخرونها ولا يدخلونها في مسمى الإيمان. والقدرية هم: الذين ينفون القدر، ويقولون: إن الله لم يقدر أعمال العباد، ولا شك أنهم مبتدعة، وهذا الحديث لا بأس به موقوفاً، وأما مرفوعاً فلا يصح. وكل الأحاديث المرفوعة في القدرية ضعيفة، وأما وقفها على الصحابة فصحيح، وهي نحو عشرة أحاديث. وهذا الحديث قد أخرجه الترمذي بهذا الطريق وطريق آخر، وقال: حسن غريب، ولكنه ليس بحسن، وإنما هو حديث ضعيف.

شرح حديث جبريل في بيان مراتب الدين

شرح حديث جبريل في بيان مراتب الدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد شعر الرأس، لا يرى عليه أثر سفر، ولا يعرفه منا أحد، قال: فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبته، ووضع يديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. فقال: صدقت. فعجبنا منه يسأله ويصدقه! ثم قال: يا محمد! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره. قال: صدقت. فعجبنا منه يسأله ويصدقه! ثم قال: يا محمد! ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك. قال: فمتى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فما أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، - قال وكيع: يعني: تلد العجم العرب- وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البناء. قال: ثم قال: فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث، فقال: أتدري من الرجل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ذاك جبريل أتاكم يعلمكم معالم دينكم)]. هذا الحديث أخرجه مسلم مطولاً، وأخرجه البخاري من حديث عمر، وأخرجه البخاري مختصراً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو حديث عظيم اشتمل على مراتب الدين، ودل على أن الدين له مراتب ثلاث: هي الإسلام والإيمان والإحسان، فالإسلام له أركان ظاهرة مثل: الشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، والإيمان له أركان باطنة وهو: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ولابد من اجتماعهما ظاهراً وباطناً، فمن أتى بأركان الإسلام الظاهرة والباطنة فهو مؤمن باطناً وظاهراً، ومن أتى بأركان الإسلام الظاهرة ولم يأت بأركان الإيمان الباطنة فهو منافق في الدرك الأسفل من النار، فمن نطق بالشهادتين ظاهراً وصلى وصام وزكى وحج ولم يؤمن في الباطن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر فهو منافق في الدرك الأسفل من النار، ومن ادعى أنه مؤمن في الباطن بالله وملائكته وكتبه ورسله وامتنع عن النطق بالشهادتين، وعن الصلاة والزكاة والصوم والحج، فليس بصادق؛ لأنه لم يتحقق إيمانه؛ لأنه لابد للإيمان الباطن من عمل ظاهر يتحقق به، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، فلا بد من انقياد في الظاهر، وعمل يتحقق به، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون. كما أن الإسلام الظاهر الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج لابد له من إيمان في الباطن يصححه، وإلا صار كإسلام المنافقين، فالمنافقون ينطقون بالشهادتين ويصلون ويحجون ويجاهدون، ولكنهم ليس عندهم إيمان في الباطن يصحح هذا الإسلام، فصاروا في الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله، قال سبحانه: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1]، وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8]، فلابد من الأمرين جميعاً. وركن الإحسان هو: أن يعبد الله على المشاهدة، وله مرتبتان: المرتبة الأولى: (أن تعبد الله كأنك تراه)، فإن ضعف عن هذه المرتبة انتقل إلى المرتبة الثانية: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، ولهذا قال في نهاية الحديث: (أتاكم يعلمكم معالم دينكم) يعني: دلائله، وفي لفظ آخر: (أتاكم يعلمكم أمر دينكم)، وفي لفظ: (يعلمكم دينكم) فجعل الدين مراتب ثلاث: إسلام وإيمان وإحسان. ولما سأله عن الساعة قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) يعني: علم السائل وعلم المسئول سواء؛ لأن هذا من اختصاص الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف:187]، وقال في الآية الأخرى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات:42 - 43]، وقال في آية ثالثة: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب:63]. ثم سأل عن الأمارات فذكر له أمارتان، قال: (أن تلد الأمة ربتها)، وقد فسرها الراوي بأن تلد العجم العرب، يعني: أن يكثر التسري، فيتسرى الملوك وغيرهم العجميات الموالي فيلدن العرب، فيكون المولود عربياً؛ لأن أباه عربي وأمه أعجمية، وفي رواية أخرى: (أن تلد الأمة ربها) يعني: سيدها، وفي لفظ آخر: (تلد الأمة ربتها) أي: سيدتها؛ لأن المالك إذا تسرى بالأمة وجاءت بولد صار سيداً على أمه؛ لأنه ولد المالك، وولد المالك سيد على أمه وعلى غيرها، وكذلك الأمة تلد ربتها، أي: بنت المالك، فتكون سيدة على أمها وعلى غيرها، فتلد الأمة سيدتها، أو تلد سيدها، فهذا من أشراط الساعة، أن يكثر التسري. وكذلك من علامتها: (التطاول في البنيان)، وهناك علامات أخرى كثيرة لم تذكر في هذا الحديث، فأشراط الساعة كثيرة، منها صغيرة ومنها كبيرة، وهي التي تعقبها الساعة مباشرة، وهذه تأتي في آخر الزمان، وأولها المهدي ثم الدجال ثم نزول عيسى بن مريم ثم خروج يأجوج ومأجوج، فهذه أربعة متوالية مرتبة، ثم تتابع الأشراط: كالدخان وهدم الكعبة ونزع القرآن من الصحف ومن الصدور -والعياذ بالله- ثم طلوع الشمس من مغربها ثم خروج الدابة ثم آخرها نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا، ومن تخلف أكلته. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس فأتاه رجل فقال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر. قال: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: يا رسول الله! ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك. قال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ما المسئول بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها فذلك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء الغنم في البنيان فذلك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34])]. وهذا هو الحديث السابق جاء بألفاظ أخرى، وفيه بيان مفاتيح الغيب الخمسة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]، وقد أخرجه البخاري ومسلم. وقوله في أحد ألفاظ الحديث: (أن تلد الأمة ربها) فسرها بعضهم: بأن تكثر السرائر وتتداول حتى يشتري الرجل أمه ويتسراها وهو لا يعرف أنها أمه. ولا يجوز للإنسان الحر أن يتزوج الأمة إلا بالشروط التي ذكرها الله في كتابه: بألا يستطيع مهر الحرة، ويخاف على نفسه الزنا، فمن وُجد هذان الشرطان فيه جاز له أن يتزوج الأمة، ومع ذلك قال الله: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء:25] أي: إن الصبر أفضل، فإذا تزوج الأمة صار أولادها أرقاء تبعاً لأمهم، إلا إذا اشترط على السيد أن يكون أولاده أحراراً وقبل السيد، صاروا أحراراً وإلا كانوا أرقاء لسيد الأمة، وأما النسب فإنهم ينسبون لأبيهم، فلا يجوز الزواج بالأمة إلا بهذين الشرطين، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء:25] يعني: مهراً {أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء:25] أي: الإماء، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ} [النساء:25] أسيادهن، قال تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء:25] ولابد من هذا القيد وهي أن تكون محصنة، قال تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء:25]، وهذا الشرط الثاني وهو خشية العنت، يعني: أن يخاف على نفسه من الزنا، وليس عنده مهر الحرة، قال تعالى: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء:25]. والبعث الآخر المذكور في الحدي

شرح حديث: (الإيمان معرفة بالقلب)

شرح حديث: (الإيمان معرفة بالقلب) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان)، قال أبو الصلت: لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ]. هذا الحديث ضعيف، وقال بعضهم: إنه موضوع، فإن أبا الصلت هذا ليس بشيء، وهو أحد الروافض الضعفاء الكذابين، قال الدارقطني بعد أن ساق هذا الحديث: وهو متهم بوضعه، لم يحدث به إلا من سرقه منه، فالحديث باطل. وقوله: لو قرئ على مجنون لبرئ، يعني: أنهم سلسلة كلهم من آل البيت. وهذا الحديث ليس ذكراً ولا دعاءً حتى يقرأ على المجنون، ولكن هذا من كلام أبي الصلت. والحديث معروف في كتب الموضوعات ذكره ابن الجوزي وغيره، فمن العجب كيف يكتب ابن ماجة رحمه الله مثل هذا الحديث وأمثاله! وقوله: الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ليس بحديث، وإنما هو قول لأهل السنة. قال في الهامش: [قوله أبي الصلت هذا مبالغة لا مسوغ لها، وأبو الصلت رافضي ضعيف خبيث]. وهذا لأنه شيعي رافضي، يقول بالأئمة الاثني عشرية: وقوله: لو قرأ على مجنون لبرئ، من الغلو فيهم. قوله: وأبو الصلت وثقه ابن معين، وقال: ليس ممن يكذب، وقال في الميزان: رجل صالح إلا أنه شيعي، وتابعه علي بن الأعرابي، وقد أخرج له النسائي وابن ماجة، وقال الخطيب: كان غالياً في التشيع، والشيعة يتميزون بالكذب، قال شيخ الإسلام: أكذب الطوائف الشيعة. وقد تساهل المؤلف رحمه الله في روايته عن مثل هذا؛ لأنه ذكر السند. وأهل السنة يقولون: الإيمان: معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، وأما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فباطل كذب، والشيعي لا تقبل روايته فيما يتعلق بآل البيت، حتى ولو كان صادقاً في أموره العادية؛ لأنه رافضي، والشيعة في الغالب يتبعون المعتزلة، ومذهبهم مذهب المعتزلة في الغالب. وقال ابن الحسن رحمه الله: كان عبد السلام بن صالح بن سليمان أبو الصلت الهروي -مولى قريش نزل نيسابور- صدوقاً له مناكير، وكان يتشيع، وأفرط العقيلي فقال: كذاباً. وقال في الحاشية: الحديث ليس بصحيح، الحديث باطل بهذا السند، ولكن المعنى صحيح، فالإيمان: معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح.

شرح حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه)

شرح حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه -أو قال: لجاره- ما يحب لنفسه)]. هذا الحديث صحيح رواه الشيخان - البخاري ومسلم - رحمهما الله، وهو دليل على وجوب أن يحب كل شخص لأخيه ما يحبه لنفسه من الخير، فقوله: (لا يؤمن أحدكم) يعني: لا يؤمن الإيمان الواجب الذي تبرأ به ذمته (حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فإذا كنت تحب لنفسك الخير وأن يرزقك الله، ويوفقك للعلم فأحب لأخيك ذلك، وإذا كنت تحب لنفسك أن يرزقك الله مالاً حلالاً فأحب لأخيك ذلك، وإذا كنت تحب لنفسك أن يرزقك الله زوجة صالحة فأحب هذا لأخيك، ومن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإيمانه ناقص ولم يأت بالإيمان الواجب.

شرح حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون)

شرح حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)]. هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، ومعنى الحديث: أنه لا يؤمن الإيمان الكامل الواجب الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة والنجاة من النار حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، فإن قدم محبة المال أو الولد أو الوالد أو التجارات أو الأموال أو المساكن على محبة الله ورسوله فإنه يكون عاصياً، ولم يأت بالإيمان الواجب، ويكون إيمانه ضعيفاً، بل يكون فاسقاً، فمثلاً: من تعامل بالربا فقد قدم محبته على محبة الله ورسوله، ويكون عاصياً، والإيمان الكامل أن يقدم محبة الله على محبة المال، فلا يتعامل بالربا ولا يأخذ الرشوة، وكذلك لو أمره والده بالمعصية ثم أطاعه فقد قدم محبة الوالد على محبة الله ورسوله، ويكون عاصياً، ولهذا توعد الله من قدم شيئاً من الأصناف الثمانية على محبة الله ورسوله في قوله سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24]، يعني انتظروا ما يحل بكم من عقوبة الله، {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة:24] وهذا تهديد، ثم قال: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24]، فدل على أن هذا من الفسق ومن الخروج عن الطاعة. وقد ثبت أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إنك أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبلغ المحبة حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال عمر: يا رسول الله! الآن أنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي. فقال: الآن يا عمر!) يعني: الآن بلغت المحبة التامة.

شرح حديث: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا)

شرح حديث: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)]. هذا الحديث صحيح ثابت. رواه مسلم، وهو دليل على فضل السلام، وأنه من أسباب المحبة، والمحبة من أسباب الإيمان، والإيمان من أسباب دخول الجنة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده) ففيه: إثبات اليد لله عز وجل، وهذا قسم من النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده) وكان كثيراً ما يحلف بهذا. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي في بعض الغزوات: (ألا لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة)، فالجنة حرام على الكافرين، فلا يدخل الجنة إلا مؤمن. والحديث فيه: فضل السلام وإفشائه، وأنه من أسباب المحبة؛ لأنه إذا لقي المسلم أخاه وأعرض كل منهما عن الآخر وقع الاختلاف في القلوب، وهذا من أسباب الشحناء والعداوة والبغضاء والإعراض، والسلام لاشك أنه يقرب بين المسلمين ويؤلف بين قلوبهم، ويكون سبباً في جلب المودة والمحبة، فينبغي إفشاء السلام على كل شخص عرفته أو لم تعرفه، وبعض الناس لا يسلم إلى على من يعرفه وهذا غلط، فالسنة إفشاء السلام على كل من لقيته، إلا إذا عرفت أنه غير مسلم فلا تبدأه بالسلام؛ وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه)، وإذا سلم عليك فرد عليه السلام ولو كان كافراً، وقل: وعليكم، فقط، ولا تكملها، فقد كان اليهود يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم فيرد عليهم ويقول: (وعليكم)، وكانوا يقولون: السام عليك، ويحذفون اللام، يعنون: الموت، وقد ثبت أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة وقالوا: (السام عليك، فقال: وعليكم، -ففطنت عائشة من وراء الحجاب- فقالت: وعليكم السام واللعنة. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! إن الله يبغض الفحش والتفحش. فقالت: يا رسول الله! أما سمعت ما قالوا؟ قال: أما سمعت ما قلت؟ قلت: وعليكم، فرديت عليهم تحيتهم، فإنها تقبل منا ولا تقبل منهم) فرد عليهم تحيتهم خيراً أو شراً، من دون فحش. على أن كل كافر لا ينبغي أن يسلم المسلم عليه إذا عرف أنه كافر، سواء كان رافضياً أو غير رافضي، فإذا لم يعرف فالأصل السلام إذا كان في بلاد الإسلام. لما جاء الشيطان بالشهاب يريد أن يحرق وجهه صلى الله عليه وسلم قال: (ألعنك بلعنة الله) وشيطان الإنس لابد معه من المصانعة، أما الشيطان الجني فلا يفيد فيه إلا الاستعاذة بالله واللعنة كقوله صلى الله عليه وسلم: (ألعنك بلعنة الله)، وقد بين الله سبحانه وتعالى كيفية التعامل مع الإنسي فقال: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] فدلت على مصانعة العدو من الإنس، والإحسان إليه، وإسداء الكلام الطيب إليه، أما الشيطان فلا يكفيه إلا الاستعاذة منه، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] أي: تقول: أعوذ بالله من الشيطان، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (ألعنك بلعنة الله) وقد لعنه الله فقال: {شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ} [النساء:117 - 118]، ولأنه اعتدى، وأتى بشهاب يريد أن يحرقه. واللعن لا يكون إلا على العموم، أما المعين فلا يلعن، ولذا جاءت النصوص بلعن أصناف عامة: (لعن الله السارق)، (لعن الله شارب الخمر)، (لعن الله آكل الربا) وهذا عموم، أما لعن المعين فلا، ولو كانت امرأة متبرجة فلا تلعنها، بل قل على العموم: لعن الله المتبرجات، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن شارب الخمر، وهو القائل: (لعن الله في الخمر عشرة: شاربها). ولما جيء برجل يشرب الخمر، وأقيم عليه الحد، فقال رجل: لعنه الله، أو أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي: (لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله)، فالمعين لا يلعن؛ لأنه لا يدرى حاله، فقد يكون المعين ما بلغه النص، وقد يتوب، وقد يعفو الله عنه، وقد يكون ممن غفر الله له، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده)، ولعن آكل الربا، ولعن شارب الخمر، كل ذلك على العموم. وإذا عرفت أنه يكفر الصحابة، ويعبد آل البيت، فهو من المنافقين.

شرح حديث: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)

شرح حديث: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عفان حدثنا شعبة عن الأعمش ح وحدثنا هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان، وفيه التحذير من سب المسلم وقتاله، فقوله: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) يدل على أن القتال بين المسلمين من الأعمال الكفرية، لكنه كفر أصغر، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في النسب، والنياحة على الميت)، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). ويدل أيضاً على أن السباب من الفسق، وفيه تحذير من سباب المسلمين. والشاهد من هذا الحديث في باب الإيمان: أن سباب المسلم وقتاله يضعف الإيمان وينقصه، على أن الفاسق ابتداء ناقص الإيمان، وكذلك المتقاتلون فيما بينهم من المسلمين لا يعملون ذلك إلا بسبب ما حل بهم من نقص في الإيمان، وضعف فيه.

شرح حديث: (من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده)

شرح حديث: (من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني نصر بن علي الجهضمي حدثنا أبو أحمد حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مات والله عنه راض)، قال أنس: وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم، قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء، وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما نزل، يقول الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا} [التوبة:5] قال: خلع الأوثان وعبادتها {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة:5] وقال في آية أخرى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11]. حدثنا أبو حاتم حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله]. الحديث فيه الربيع بن أنس وهو ضعيف ليس بشيء، لكن معناه صحيح، فمن فارق الدنيا على الإخلاص، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولم يعمل ناقض من نواقض الإسلام، ولم يقصر في أداء الواجبات وترك المحرمات، فهو من الموحدين. وقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] أي: تابوا من الشرك، وقوله في الآية الأخرى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11] أثبت لهم فيها الأخوة بالتوبة من الشرك، وتحقيق التوحيد، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. وبذلك علم أن معناه صحيح، فمن فارق الدنيا على التوحيد والإخلاص، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولم يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام، ولم يصر على كبيرة، يدخل الجنة من أول وهلة. أما إن مات على التوحيد، ولم يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام، لكنه أصر على الكبائر، ومات عليها من غير توبة، فإنه على خطر، فقد يعذب في قبره، وقد تصيبه الأهوال والشدائد في موقف يوم القيامة، وقد يعذب في النار، ولكن في النهاية يخرج منها إلى الجنة والكرامة.

شرح حديث: (أمرت أن أقاتل الناس)

شرح حديث: (أمرت أن أقاتل الناس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن الأزهر حدثنا أبو النضر حدثنا أبو جعفر عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)]. هذا الحديث رواه الشيخان من غير هذا الطريق، أما هذا الإسناد فإنه ضعيف، بسبب الانقطاع فـ الحسن لم يسمع من أبي هريرة. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بقتال الناس حتى يوحدوا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، وفيه أن من وحد الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة فهو المؤمن، ومن لم يوحد فليس بمؤمن، والمسلمون مأمورون بقتاله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن الأزهر حدثنا محمد بن يوسف حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)]. والإسناد فيه شهر بن حوشب، وقد تكلموا فيه، قال عن الحديث في الزوائد: إسناده حسن، والمعنى لأنه رواه الشيخان من حديث عمر، وإلا فإسناده ضعيف، فإن شهر بن حوشب الأشعري ضعيف يعتبر به كما حققناه في تعقباتنا على تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر. وقال البوصيري بحسن ظنه في شهر بن حوشب والله أعلم: هذا إسناد حسن، رواه الدارقطني في سننه. فبعضهم حسنه وقال: حسن صدوق، وبعضهم قال أقل من ذلك: لين، لكن معناه صحيح، فإنه ثابت في الصحيحين.

شرح حديث: (صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب)

شرح حديث: (صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن إسماعيل الرازي، أنبأنا يونس بن محمد، حدثنا عبد الله بن محمد الليثي حدثنا نزار بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب، أهل الإرجاء وأهل القدر)]. هذا ضعيف، وكذلك الأحاديث التي في القدرية كلها ضعيفة، ولا تصح مرفوعة. قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، نزار بن حيان الأسدي قال ابن حبان في كتاب الضعفاء: يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه! حتى يصدق القلب أنه متعمد؛ لذلك لا يجوز الاحتجاج به بحال، وعبد الله بن محمد الليثي مجهول قاله الذهبي. أما المرجئة ففيهم تفصيل، فالمرجئة الغلاة الجهمية لا شك أنه ليس لهم في الإسلام نصيب، أما مرجئة الفقهاء فلا خلاف في إسلامهم، وكذا القدرية فيهم تفصيل أيضاً، منهم الجبرية وغيرهم.

الإيمان يزيد وينقص

الإيمان يزيد وينقص قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو عثمان البخاري سعيد بن سعد حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا إسماعيل -يعني: ابن عياش - عن عبد الوهاب بن مجاهد عن مجاهد عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم قالا: الإيمان يزيد وينقص]. هذا الحديث موقوف على أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك الحديث الذي بعده موقوف على أبي الدرداء، جعل في المطبوع من ضمن سنن ابن ماجة، وهي من زيادات أبي الحسن بن القطان راوي السنن عن ابن ماجة، وهو وهم قديم. فالحديث لا يصح مرفوعاً، والمرجئة أيضاً يستدلون بحديث: (الإيمان مكمل في القلب، لا يزيد ولا ينقص)، فهذا وضعه بعض جهلة أهل السنة، وذاك وضعه بعض المرجئة بمقابل هذا، قال: الألباني عن الحديث: ضعيف جداً، وقد روي مرفوعاً ولا يصح. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو عثمان البخاري حدثنا الهيثم حدثنا إسماعيل عن جرير بن عثمان عن الحارث أظنه عن مجاهد عن أبي الدرداء قال: الإيمان يزداد وينقص]. وهذا الإسناد باطل، لما فيه من انقطاع في قوله: أظنه عن كذا، على أن قول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويقولون: الإيمان قول باللسان، وعمل بالجوارح، واعتقاد بالقلب، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. أما ما ورد في الآثار المتقدمة وإن صحت من قول الصحابة، إلا أن السند هنا عن مجاهد منقطع، كما أن بدعة الإرجاء لم تظهر إلا بعد الصحابة أو في أواخر عهد الصحابة، فما كان عند الصحابة من يتكلم بالإرجاء، والمرجئة هم الذين يقولون: الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان.

المقدمة [5]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [5] القدر هو سر الله في خلقه، من آمن به وسلم له هدي ووفق واطمأنت نفسه، ومن لم يسلم به ولم ينقاد له هلك، وتعس، وأصابه الشك والاضطراب، وولج في سرداب الإلحاد والزندقة.

ما جاء في القدر

ما جاء في القدر

شرح حديث ابن مسعود في أطوار خلق الإنسان في بطن أمه وبعد خروجه

شرح حديث ابن مسعود في أطوار خلق الإنسان في بطن أمه وبعد خروجه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في القدر. حدثنا علي بن محمد قال حدثنا وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق (إنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: أكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها). حديث ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، وهذا السند فيه عنعنة الأعمش، وقد صرح الأعمش بالتحديث عند أحمد، والبخاري، وأبي داود، والترمذي. وإن كان في هذا السند قد عنعن لكن تدليسه قليل، وقد صرح في أماكن أخرى، وهذا الحديث حديث عظيم، وهو دليل على أن الإنسان عندما يخلق في بطن أمه يكون على أطوار وعلى مراحل، فالطور الأول: يكون أربعين يوماً نطفة، فيجتمع فيها ماء الرجل وماء المرأة، ثم بعد الأربعين ينتقل إلى طور آخر، فتكون النطفة علقة، أي: قطعة دم، كانت ماءً، ثم تنتقل إلى الطور الثالث بعد الأربعين فتكون مضغة، أي: قطعة لحم، قدر ما يمضغ الفم. فإذا تجاوز الجنين هذه الأطوار الثلاثة -أي: بعد مائة وعشرين يوماً- يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، فيكون إنساناً آدمياً، ويؤمر الملك بكتابة أربع كلمات: الرزق والأجل والعمل والشقاوة والسعادة. وجاء في بعض الأحاديث أن الملك يأتي بعد اثنين وثمانين يوماً، فلعل معظم النطف بعضها تخلق بعد ثمانين يوماً، وبعضها تخلق بعد مائة وعشرين يوماً. وفيه أن الشقاوة والسعادة سابقة قد كتبت على الإنسان، وأن الله تعالى ييسر الإنسان لما خلق له، ولما قال الصحابة رضوان الله عليهم: (يا رسول الله! ما يكدح فيه الناس أفي شيء قضي وفرغ منه أم في شيء يستقبل؟ قال: في شيء قضي وفرغ منه، قالوا: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10]).

أنواع التقدير

أنواع التقدير التقدير أنواع: الأول: التقدير العام، وهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ الثاني: التقدير العمري، وهذا يوافق القدر السابق ولا يخالفه، فالرزق، والأجل، والعمل، والشقاوة كل ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، ويكتب على الإنسان في عمره. الثالث: التقدير السنوي، وهو ما يكتب في ليلة القدر، حيث يقدر الله فيها ما يكون من سعادة وشقاوة، وإعزاز وإذلال، وصحة ومرض، وحياة وموت في تلك السنة. الرابع: التقدير اليومي، وهو قول الله عز وجل: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]، أي: أن الله كل يوم يخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويحيي ويميت، ويسعد ويشقي، سبحانه وتعالى. قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده) فيه إثبات اليد لله عز وجل، وهذا قسم يقسم به النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق عليه الصلاة والسلام، فهو مصدق وإن لم يقسم، لكن هذا لتأكيد المقام، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق في كلامه وفي قوله عليه السلام، وهو المصدوق من ربه عز وجل. قوله: (فوالذي نفسي بيده! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب)، قوله: (الكتاب): هو الذي كتب عليه أولاً في اللوح المحفوظ وهو في بطن أمه. قوله: (فيعمل بعمل أهل الجنة) أي: فيختم له بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة. قوله: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب -أي: الكتاب الأول- فيعمل بعمل أهل الجنة)، فيختم له بعمل أهل الجنة، فيموت على عمل من أعمال الجنة فيدخلها.

تعريف القدر

تعريف القدر القدر هو مصدر قدّر يقدّر تقديراً، وهو في اللغة بمعنى: قدرت الشيء، أي: أحطت بمقداره، وشرعاً: تعلق علم الله أزلاً بالكائنات قبل وجودها، أو الإيمان بأن الله علم الأشياء وقدرها وكتبها، وأراد كل شيء في هذا الوجود وخلقه، والإيمان بعلم الله وأزله السابق وخلقه للأشياء.

حكم الإيمان بالقدر

حكم الإيمان بالقدر الإيمان بالقدر واجب، ومن أنكر القدر فهو كافر؛ لأن القدر أصل من أصول الإيمان، وهو الركن السادس من أركان الإيمان، كما في حديث جبريل: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).

أول من تكلم في القدر

أول من تكلم في القدر أول من تكلم بالقدر من القدرية هو معبد الجهني بالبصرة، ثم أخذه عنه غيلان الدمشقي، فأنكر ذلك عليهم بعض التابعين، فجاءوا يسألون عبد الله بن عمر، فجاء منهم رجلان ودعوا أن ييسر الله لهما أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى يسألاه عما حدث عندهم، والسائلان هما: يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري، فقالا: فوفق لنا عبد الله بن عمر فسألته وظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه ظهر قبلنا أناس يتقفرون العلم، أي: يطلبون العلم، ويزعمون أن الأمر أنف، يعني: مستألف وجديد لم يقدر، قال: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني منهم برئ، وأنهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده! لو أن لأحد مثل أحد ذهباً ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم استدل بحديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، قال: (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)، فمن أنكر القدر فقد أنكر أحد أصول الدين، وإذا مات مات على كفر وخلد في النار خلوداً مؤبداً، وأما إذا مات على المعاصي فإنه تحت المشيئة، وهو على خطر، وإذا أدخله الله النار فإنه يطهر فيها بقدر ذنوبه ومعاصيه، ثم يخرج منها إلى الجنة. ويروى عن عمر أنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحها واكتبني سعيداً. وقوله هذا يحمل على أنه يمحى ما في كتب الحفظة، ليوافق ما في اللوح المحفوظ، وأما ما في اللوح المحفوظ فلا يغير ولا يبدل، كما قال الله عز وجل: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:39] أي: من صحف الحفظة، ليوافق ما في اللوح المحفوظ؛ ولهذا قال: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39]، فهذا إن صح عن عمر فهو محمول على ما ذكرنا، لكن الأولى أن يسأل الإنسان ربه السلامة والعافية، وأن يوفقه للعمل الصالح، وإلى الخاتمة الحسنة.

سقوط الجنين قبل إتمام الحمل

سقوط الجنين قبل إتمام الحمل إذا أسقطت المرأة سقطاً وتبين فيه خلق الإنسان فهي نفساء، كأن يكون فيه يد أو رجل أو أصبع، فيكون إنسان، ودمها دم نفاس، ويسمى هذا المولود ويعق عنه ولو خرج ميتاً، وأما إذا أسقطت قطعة لحم ليس فيها يد ولا رجل ولا أصبع فليست نفاساً، والدم دم فساد، وعليها أن تصوم وتصلي. فالجنين قبل أربعة أشهر لا يتخلق، فإذا أسقطت المرأة قبل أربعة أشهر فسيكون قطعة لحم أو دم فقط.

حكم تعمد إسقاط الجنين

حكم تعمد إسقاط الجنين من تعمدت أن تسقط جنينها بعد أربعة أشهر فهي قاتلة لنفس إذا كانت متعمدة وعليها الدية. ولا يجوز إلقاؤه عند العلماء إلا إذا كان الإنسان نطفة في الأربعين الأولى، ويجوز إلقاء النطفة قبل أربعين يوماً بدواء مباح عند الحاجة، وأما إذا انتقل إلى طور آخر فلا يجوز. ولا شك أن من تفعل ذلك فهي جانية، لكن هل عليها حكم جناية الإنسان؟ هذا محل تأمل، وإن كنا لا نشك أنها جانية مخطئة. ولو قال قائل: هل يجوز أن تلقي المرأة الجنين إن كان مشوهاً؟ و A لا يجوز إلقاؤه إلا إذا كان يخشى موتها هي، وأما مجرد التشويه فليس لها ذلك، بل ينبغي أن تتركه كما خلقه الله؛ إذ ليس لأحد أن يسقط الجنين مطلقاً.

شرح حديث: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه)

شرح حديث: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن سليمان قال: سمعت أبا سنان عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر، خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أبي بن كعب رضي الله عنه فقلت: أبا المنذر! إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء لعل الله أن ينفعني به، فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهباً أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله، فأتيت عبد الله رضي الله عنه فسألته، فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته، فقال مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت فسألته، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهباً أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار). وهذا فيه بيان وجوب الإيمان بالقدر، وأن من لم يؤمن بالقدر فليس بمسلم، والقدر له مراتب أربع: المرتبة الأولى: العلم، ويراد به علم الله الأزلي السابق الشامل لما كان في الماضي، وما يكون في المستقبل، وما لم يكن لو كان كيف يكون. المرتبة الثانية: الكتابة، ويراد بها كتابة جميع ما يكون في هذا الكون في اللوح المحفوظ. المرتبة الثالثة: المشيئة، وهي إرادة الله الشاملة لكل شيء في هذا الوجود، فلا يقع في ملك الله إلا ما أراد. المرتبة الرابعة: الخلق، ويراد به خلق الله للأشياء كلها. ومن لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر. وكان القدرية الأوائل ينكرون مرتبتي العلم والكتابة، وهم الذين قال فيهم ابن عمر: أخبرهم أني منهم برئ، وأنهم برآء مني. وكانوا يزعمون أن الأمر أنف، أي: مستأنف، فيقولون: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع، وهم الذين قال فيهم شيخ الإسلام رحمه الله: ناظر القدرية بالعلم، فإن أقروا به فسلهم: كيف يقر الله العصاة على عمل المعصية ولم يمنعهم وهم الذين خلقوها؟ فسيفهمون. وإن أنكروه كفروا، وقد كفرهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد؛ لأنهم ينسبون الله إلى الجهل، وقد انقرضت هذه الطائفة، وبقيت عامة القدرية يؤمنون بعلم الله الشامل، ولكن ينكرون عموم إرادة الله للأشياء حتى تشمل أفعال العباد، وينكرون عموم خلق الله للأشياء، ويقولون: إن الله خلق كل شيء إلا أفعال العباد فإن العباد هم الذين خلقوا أفعالهم، وهم في قولهم هذا مبتدعة. وهذا الحديث في بعضه شواهد، وهو من ما ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد في باب منكري القدر، وفيه أن ابن الديلمي قال: إنه وقع في نفسه شيء من القدر، وجاء إلى أبي بن كعب وقال: وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من نفسي، وفي لفظ أنه قال: خشيت أن يفسد علي ديني، فبين له رضي الله عنه أنه لا بد من الإيمان بالقدر، وقال: والذي نفسي بيده! لو كان لك مثل أحد ذهباً ثم أنفقته ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، يريد: المكتوب في اللوح المحفوظ، فلا يمكن أن يصيبك شيء لم يقدره الله، ولا يمكن أن يخطئك شيء قدر الله عليك أن يقع، وقال له: ائت عبد الله بن مسعود، فأتى عبد الله بن مسعود فأخبره مثل ذلك، قال: وائت حذيفة، فأتى حذيفة فقال له مثل ذلك، قال: وائت زيد بن ثابت فأتاه، فكلهم حدثوه بمثل ما حدثه به أبي بن كعب. وفي بعض ألفاظه: أن من لم يؤمن بهذا أحرقه الله في النار. والحديث إسناده صحيح، وأبو سنان هو سعيد بن سنان البرجمي الشيباني الكوفي: ثقة، والحديث مرفوع من حديث زيد بن ثابت، وموقوف من حديث أبي بن كعب وابن مسعود وحذيفة بن اليمان. وابن الديلمي هو أبو بسط عبد الله بن فيروز من كبار التابعين الثقات.

شرح حديث: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده)

شرح حديث: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم وبيده عود، فنكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قيل: يا رسول الله! أفلا نتكل؟ قال: لا، اعملوا ولا تتكلوا، فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10])]. هذا الحديث أخرجه الشيخان، وهو حديث ثابت ومعروف، وفيه أن الله تعالى كتب الشقاوة والسعادة على البشر، بدليل قوله: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار)، وقد أشكل هذا على الصحابة، وقالوا: (يا رسول الله! ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ الآية: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10]). والكيس اللبيب لا يزيده الإيمان بالقدر إلا نشاطاً وقوة في العمل، فلا يحجم عن العمل وإنما يزداد من أعمال الخير ما ييسر له ذلك، والقدر من شئون الله وليس من شئون العبد، فالعبد مأمور بالعمل فحسب، والقدر من اختصاص الله ومن شئون الله، وهو مغيب عنك، وعليك أن تعمل بطاعة الله، وتجتنب معاصي الله. ولا يجوز أن يتكل الإنسان ويكسل عن العمل، وإذا وقع في المعصية فليحرص أن يدفع هذه المعصية، وإن كانت بقدر يدفعها بقدر آخر، فيدفع قدر المعصية بقدر الطاعة، ويدفع قدر السيئة بقدر الحسنة، فهذا مقدر وهذا مقدر. ولهذا لما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالصحابة إلى الشام، وقد فشا فيها الطاعون -طاعون عمواس- استشار الناس هل يدخل بهم إلى البلد وفيها الطاعون أم لا يدخل؟ فاستشار الأنصار، فأشار بعضهم بأن يدخل، وبعضهم أشار بأن يرجع، واستشار المهاجرين، واستشار من أسلم في الفتح، فقال بعضهم: إن هذا الوباء قد وقع في البلاد، ومعك خيار الناس وأصحاب رسول الله، فلا نرى أن تقدمهم عليه، وبعضهم قال: نرى أن تقدم وأن تدخل، وما قدره الله كان. ثم عزم عمر رضي الله عنه على أن يرجع، فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله يا عمر؟! قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان عندك عدوتان: عدوة فيها عشب، وعدوة ليس فيها عشب، في أيها ترعى جملك؟ قال: في العدوة التي فيها عشب، قال: أليس إذا رعيت العدوة المعشبة بقدر الله، وإذا رعيت الأرض الأخرى بقدر الله؟ قال: بلى، قال: فكذلك هذا، ثم جاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في حاجة وهم يتحاورون فقال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وقع الطاعون في بلد وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا كنتم في أرض ليس فيها فلا تقدموا عليها)، فحمد الله عمر رضي الله عنه أن وافق اجتهاده النص، ورجع بالناس. فإذا وقع الطاعون في بلد فلا يشرع للإنسان أن يدخل فيها، وإذا وقع في أرض فلا يقدم عليها، كما لا ينبغي أن يخرج منها فراراً منه؛ بل يبقى فيها، ويعتمد على الله ويتوكل عليه.

شرح حديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)

شرح حديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد الطنافسي قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن ربيعة بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان)]. هذا الحديث إسناده حسن، وربيعة بن عثمان بن ربيعة التيمي المدني، روى له مسلم هو صدوق حسن الحديث، وليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث. والمؤمن القوي هو الذي يتعدى نفعه إلى الآخرين بشفاعته، أو ببدنه، أو بماله، أو بتوجيهه وإرشاده، وأما المؤمن الضعيف فهو الذي يقتصر نفعه على نفسه؛ ولهذا قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير)، وإن اشتركا في الخيرية بالإيمان إلا أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وليس المراد من قوله: (القوي) قوي الجسم فقط، فقد يكون قوي الجسم وهو مؤمن ضعيف لا ينفع إلا نفسه، وقد يكون على فراشه وهو مؤمن قوي ينفع الناس بشفاعاته، وبنفقاته، وبتوجيهه وإرشاده، وبتعليمه. ثم قال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) أي: على الأسباب التي تنفعك في أمور الدين وأمور الدنيا، قوله: (ولا تعجز)، أي: لا تكسل، ثم قال: (وإن أصابك شيء؛ فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله)، أي: هذا قدر الله، (وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، قوله: لو يعني: هي التي فيها الاعتراض على القدر، والتحسر من وقوعه، كأن يقول الإنسان حين تنزل به مصيبة: لو فعل كذا ما أصابه كذا وكذا، أو لو أصاب كذا ما أصابه المرض، لو ذهب إلى كذا ما أصابه كذا، فهذا اعتراض على قدر الله، ولو في قوله هذا تفتح عمل الشيطان. أما لو في تمني الخير فلا بأس بقولها، إذ هي ليست من هذا الباب، كأن يقال لشخص: إن هناك درس في المسجد الفلاني، وما علم بإقامته، فقال: لو علمت بالدرس لحضرت، فهذا لا بأس به، وذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولأحللت معه)، فلو في تمني الخير شيء لا بأس به، لكن إذا كان قولها من أجل الاعتراض على القدر، فهذه هي الممنوعة، وهي التي تفتح عمل الشيطان.

شرح حديث احتجاج آدم وموسى

شرح حديث احتجاج آدم وموسى قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع طاوساً يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، فقال له موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك، فقال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى) ثلاثاً]. وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، كما أخرجه أبو داود في السنن، وفيه ذكر احتجاج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وأن موسى لقي آدم فقال له: يا آدم! أنت آدم أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ وفي هذا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته، وكلمك، -وفي هذه الرواية- وخط لك التوراة بيده، أتلومني على شيء كتبه الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاماً؟ وفي لفظ آخر: (هل وجدت ذلك مكتوباً علي؟ قال: نعم، فقال النبي: فحج آدم موسى). قوله: (حج آدم موسى) أي: غلبه بالحجة وخصمه، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لامه على المصيبة التي لحقته وذريته، وهي الخروج من الجنة، وليس المراد أن موسى لامه على الذنب؛ لأنه قد تاب منه، والتائب من الذنب لا يلام عليه، وإنما لامه على المصيبة التي لحقته وذريته وهي الخروج من الجنة؛ فاحتج آدم بأن هذه المصيبة مكتوبة عليه، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، وأما الاحتجاج بالقدر على المعاصي فهو ممنوع، فلا يصح أن يحتج الإنسان بالقدر على المعصية، لكن يحتج بالقدر على المصائب.

شرح حديث: (لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: والقدر)

شرح حديث: (لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: والقدر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال: حدثنا شريك عن منصور عن ربعي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: بالله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وبالبعث بعد الموت، والقدر)]. الحديث أخرجه الترمذي وقال: حديث صحيح، وفيه شريك بن عبد الله النخعي، وهو حسن الحديث عند المتابعة، وقد تابعه شعبة، وشريك بن عبد الله القاضي، كان جيد الحفظ، فلما تولى القضاء اشتغل به؛ فساء حفظه، وصار ضعيفاً، لكن إذا وجد له متابع صار حديثه حسناً. وقد نص الحديث على أربع لابد منها: الإيمان بالله، والإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام، والإيمان بالبعث، والإيمان بالقدر، فمن لا يؤمن بواحدة منها فليس بمؤمن.

شرح حديث عائشة: (طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة)

شرح حديث عائشة: (طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة غلام من الأنصار، فقلت: يا رسول الله! طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك يا عائشة؟! إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)]. وهذا الحديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة لما شهدت لهذا الصبي بالجنة، وقالت: هذا عصفور من عصافير الجنة، قال: (أو غير ذلِك يا عائشة؟! إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم). وإن كان لا شك أن أطفال المسلمين في الجنة تبعاً لآبائهم، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة شهادتها للمعين، أي: لهذا الشخص بعينه، فالمؤمنون كلهم في الجنة يشهد لهم على العموم، لكن لا يشهد لواحد بالجنة إلا لمن شهدت لهم النصوص، كالعشرة المبشرين بالجنة، وعكاشة بن محصن، فلما شهدت عائشة لهذا الصبي بعينه أنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أنه أنكر عليها قبل أن يخبره الله بأن أطفال المسلمين في الجنة، ثم بعد ذلك بين الله للنبي عليه الصلاة والسلام أن أطفال المسلمين في الجنة.

القول في مآل أطفال الكفار

القول في مآل أطفال الكفار أما أطفال الكفار ففي حالهم خلاف، وقد ذكر فيهم ابن القيم رحمه الله في طريق الهجرتين ثمانية أقوال لأهل العلم، أرجحها قولان: القول الأول: أنهم يمتحنون يوم القيامة مع أهل الفترة، فمن أجاب دخل الجنة، ومن أبى دخل النار. والقول الثاني: أنهم في الجنة، وهذا هو الراجح، والدليل على هذا ما ثبت في الحديث الصحيح عند البخاري في قصة إبراهيم في الرؤيا، وأن النبي رأى إبراهيم وحوله ولدان، وهم أولاد الكفار، فهم في الجنة؛ لأنهم ماتوا قبل البلوغ ولم يكلفوا، وهم أيضاً ولدوا على الفطرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرناه، أو يمجسانه). وأطفال المشركين لهم أحكام في الدنيا غير أحكامهم في الآخرة، فأحكامهم في الدنيا: أنهم يسبون مع آبائهم، وإذا قتلوا قتلوا معهم، ويرثهم آبائهم ويرثونهم، وأما في الآخرة فلهم أحكام أخرى تختلف عنها في الدنيا، وظن بعض الناس أنهم إذا كانوا مع آبائهم، وأنهم يتوارثون فيرثهم آباؤهم ويرثونهم، أن حكمهم في الآخرة كذلك، وهذا ليس بصحيح، بل الصواب أنهم في الجنة.

شرح حديث أبي هريرة: (جاء مشركو قريش يخاصمون النبي في القدر)

شرح حديث أبي هريرة: (جاء مشركو قريش يخاصمون النبي في القدر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان الثوري عن زياد بن إسماعيل المخزومي عن محمد بن عباد بن جعفر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء مشركو قريش يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم في القدر، فنزلت هذه الآية: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:48 - 49]]. قال بعضهم: إسناده ضعيف؛ زياد بن إسماعيل المخزومي، وإن أخرج له مسلم فهو ضعيف، وإنما يخرج له في المتابعات، فقد ضعفه يحيى بن معين، ويعقوب بن سفيان، وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، يعني ولا يحتج به، وقال النسائي وحده: لا بأس به. وهذا قد أخرجه مسلم والترمذي، وصححه الألباني. ولا شك أن في هذه الآية الكريمة إثبات للقدر، وأن الله خلق وقدر كل شيء، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، فلما جاء كفار قريش يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم نزّل الله هذه الآية: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، فكانت حجة عليهم. وزياد وإن كان ضعيفاً لكن قد أخرج له مسلم وكذلك البخاري، وإنما يختاران من أحاديث من تكلم فيهم من ثبتت روايته عنه وصح سماعه منه، فالشيخان ينتقيان. وأما قولهم: هذا الحديث رجاله رجال الصحيح، أو رجاله رجال مسلم، فلا يدل على صحة السند؛ لأن مسلم ينتقي وغيره لا ينتقي، فما كل أحد مثل الإمام مسلم، وما كل أحد عنده القدرة والنقل، وهم ليسوا في منزلة البخاري ومسلم حتى ينتقون من أخبار من تكلم فيه؟!!

شرح حديث: (من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة)

شرح حديث: (من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا يحيى بن عثمان مولى أبي بكر رضي الله عنه، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه: أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فذكر لها شيئاً من القدر، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة، ومن لم يتكلم فيه لم يسأل عنه). قال أبو الحسن القطان: حدثناه خازم بن يحيى قال: حدثنا عبد الملك بن سنان قال: حدثنا يحيى بن عثمان، فذكر نحوه]. هذا الحديث ضعيف وإن صح معناه، فالقول أن من خاض في القدر ولم يؤمن به فإنه يسأل عما خاض فيه صحيح، أما من تكلم بالقدر على وفق ما جاء في النصوص، وبين للناس وجوب الإيمان به، فلا يُسأل، ولذا فلو صح الحديث فإنه محمول على من تكلم في القدر وخاض فيه بما حرم الله، ولم يؤمن به، أو تكلم بشيء لا ينبغي أن يتكلم فيه، فإنه يُسأل عنه. ولكن الحديث إسناده ضعيف جداً؛ فإن يحيى بن عثمان متروك، كما ذكر في تحقيق أحكام التقريب، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد ضعيف؛ لاتفاقهم على ضعف يحيى بن عثمان. كما أن السلف تكلموا في القدر، وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم الإيمان بالقدر، وأنه أصل من أصول الدين، وقال صلى الله عليه وسلم: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وهذا كلام في القدر.

شرح حديث عبد الله بن عمرو في غضب النبي من اختصامهم في القدر

شرح حديث عبد الله بن عمرو في غضب النبي من اختصامهم في القدر قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض؟ بهذا هلكت الأمم قبلكم، قال: فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه)]. حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حديث حسن، وإن كان بعضهم صححه، لكن المعروف أنه حديث حسن، وفيه التحذير من ضرب النصوص بعضها ببعض؛ ولهذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رآهم يتكلمون في القدر، وقد جاء في لفظ آخر: (هذا ينزع بآية، وهذا ينزع بآية، فلما رآهم على ذلك كأنما تفقأ في وجه حب الرمان من الغضب، فقال: أبهذا أمرتم، أم بهذا وكلتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟! ما علمتم منه فاعملوا به، وما لم تعملوه فكلوه إلى عالم)، والحديث وإن صححه بعضهم إلا أن الصواب أنه حسن، فرواية بهز بن حكيم، ورواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تنبئ أن الحديث حسن.

شرح حديث: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة)

شرح حديث: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة، فقام إليه رجل أعرابي فقال: يا رسول الله! أرأيت البعير يكون به الجرب فيجرب الإبل كلها؟ قال: ذلكم القدر، فمن أجرب الأول؟)]. وهذا الحديث فيه أبو جناب الكلبي وهو ضعيف مدلس، وبعضهم شدد فيه، لكن قوله في الحديث: (لا عدوى ولا طيرة)، ثابت من غير هذه الطريق، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، قيل: يا رسول الله! البعير الأجرب يأتي إلى الإبل فتجرب كلها؟ قال: فمن أعدى الأول؟). وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا عدوى ولا طيرة) أي: لا عدوى على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من أن العدوى تنتقل بنفسها وبذاتها وبطبعها من دون قدر الله وإرادته، وهذا باطل، ولكن العدوى تنتقل إذا أراد الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وقال: (لا يورد ممرض على مصح)، وقال: (إذا سمعتم الطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا كان في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها)، وهذا كله من باب اجتناب أسباب الهلاك وأسباب الشر، فالإنسان مأمور باجتناب الشر، وقد يجعل الله تعالى مخالطة المريض للصحيح سبباً للعدوى؛ فينتقل إذا أراد الله، وإذا لم يرد الله فلا تنتقل، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى)، فإن المعنى كما تقدم: لا عدوى على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من أن العدوى تنتقل بنفسها وبذاتها وبطبعها، لكنها تنتقل إذا أراد الله.

الجمع بين قوله: (لا عدوى ولا طيرة) وقوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)

الجمع بين قوله: (لا عدوى ولا طيرة) وقوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) وللعلماء في ذلك أقوال، فأصحها وأحسنها هو أن قوله: (لا عدوى)، أي: لا عدوى على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من أن العدوى تنتقل بنفسها وبذاتها من دون إرادة الله، وقوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وقوله: (لا يورد ممرض على مصح)، وقوله: (إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها) محمول على اجتناب الأسباب التي قد تكون سبباً للمرض، والإنسان مأمور ابتداء باجتناب الأسباب التي قد تضره، وذلك لأنها قد تكون سبباً لانتقال العدوى، لكن قد تنتقل وقد لا تنتقل، فالسبب وحده لا يكون مؤثراً في ذاته، بل لا بد من أسباب معاونة، كما قد تحول دون تأثير الأسباب موانع، فإذا وجدت الأسباب الأخرى المعينة لهذا السبب وانتفت الموانع حصل، وإلا فلا يحصل. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: يحيى بن أبي حية بمهملة وتحتانية الكلبي أبو جناب بجيم ونون خفيفتين وآخره موحدة مشهور بها، ضعفوه لكثرة تدليسه، من السادسة مات سنة خمسين أو قبلها. قال ابن سعد: كان ضعيفاً في الحديث، وقال ابن حنبل: لم يكن به بأس إلا أنه كان يدلس، وقال ابن معين: لم يكن به بأس إلا أنه كان مدلس، وقال أبو داود: لم يكن به بأس إلا أنه كان مدلس، وقال الدارمي: ضعيف، وقال ابن جريج: ضعيف، قال العجلي: كوفي ضعيف الحديث، يكتب حديثه، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال الجرجاني: يضعف الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم: ليس بقوي عندهم، وقال ابن حبان: هذا يدلس عن الثقات ما سمع عن الضعفاء، فتلك المناكير التي يرويها عن المشاهير. وخلاصة الأقوال أنه ضعيف كثير التدليس. وأما متن الحديث فهو صحيح دون قوله: (ذلكم القدر).

شرح حديث عدي بن حاتم في الإيمان بالأقدار كلها خيرها وشرها

شرح حديث عدي بن حاتم في الإيمان بالأقدار كلها خيرها وشرها قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا يحيى بن عيسى الجرار عن عبد الأعلى بن أبي المساور عن الشعبي قال: لما قدم عدي بن حاتم الكوفة أتيناه في نفر من فقهاء أهل الكوفة، فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا عدي بن حاتم! أسلم تسلم قلت: وما الإسلام؟ فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها، حلوها ومرها)]. الحديث فيه عبد الأعلى بن أبي المساور وهو ضعيف، ولكن المعنى صحيح، والإيمان بالأقدار كلها لا شك أنه واجب، ولا شك أن من أسلم فإنه يسلم، فإنه يعصم دمه وماله في الدنيا إذا أسلم إسلاماً صحيحاً، كما يسلم من الخلود في النار في الآخرة.

شرح حديث: (مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح في فلاة)

شرح حديث: (مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح في فلاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أسباط بن محمد قال: حدثنا الأعمش عن يزيد الرقاشي عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح في فلاة)]. الحديث فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف، وأصح منه قوله عليه الصلاة والسلام: (القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، فإذا أراد الله عز وجل أن يقلب قلب عبد قلبه.

شرح حديث: (ما قدر للنفس شيء إلا هي كائنة)

شرح حديث: (ما قدر للنفس شيء إلا هي كائنة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا خالي يعلى عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر رضي الله عنه قال: (جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن لي جارية أعزل عنها؟ قال: سيأتيها ما قدر لها، فأتاه بعد ذلك فقال: قد حملت الجارية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قدر لنفس شيء إلا هي كائنة)]. قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وهذا الحديث حق، فلا شك أن ما قدر الله سيكون، والعزل هو: أن يجامع الرجل فإذا أراد أن ينزل أخرج ذكره فأنزل خارج الفرج، ولا يجوز العزل للحرة إلا بإذنها، وأما الجارية فلا بأس به، قال جابر رضي الله عنه: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن)، يعني: الجواري، وسئل النبي عن العزل فقال: (ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نفس مخلوقة إلا الله خالقها)، فما قدر الله فلا بد أن يخلق، فقد يسبقه الماء، أو يسبقه جزء منه فتحمل. وفي هذه القصة: أنه قال: لي جارية أعزل عنها؟ قال: (ما قدر لها سيأتيها) ثم جاءه بعد مدة فقال له: إن الجارية التي ذكرت لك حبلت، أي حملت، أي: أنه سبق شيء من الماء فحملت.

شرح حديث: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلى الدعاء)

شرح حديث: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلى الدعاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها)]. قال البويصري: سألت شيخنا أبا الفضل العراقي عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن. والحديث إسناده ضعيف، وما قاله البوصيري عن العراقي فإنما قصد حكم متنه لا حكم إسناده كما سيأتي بيانه. قوله: (لا يزيد العمر إلا البر)، ثبت بمعناه زيادة العمر بسبب صلة الرحم. فقد ورد في الصحيح أن صلة الرحم سبب في طول العمر؛ وذلك لأن الله قدر السبب والمسبب في اللوح المحفوظ، فجعل صلة الرحم سبباً في زيادة العمر. وقوله: (ولا يرد القدر إلا الدعاء)، فإن الدعاء من القدر، وقوله: (وإن الرجل ليحرم الرزق) في مسند الإمام أحمد: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه). وعبد الله بن أبي الجعد لم يوثقه سوى ابن حبان، وقال ابن القطان: مجهول الحال، وقال الذهبي في الميزان: وعبد الله هذا وإن كان قد وثق ففيه جهالة. وقال في التقريب: عبد الله بن أبي الجعد الأشجعي مقبول من الرابعة. ومعنى مقبول أي: يحتاج إلى متابعة، ومن الشواهد على أن الدعاء يرد القدر ما جاء في الحديث الآخر: (إن القدر والدعاء يعتلجان فأيهما كان أقوى غلب صاحبه).

قوله: (العمل فيما جف به القلم وكل ميسر لما خلق له)

قوله: (العمل فيما جف به القلم وكل ميسر لما خلق له) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا عطاء بن مسلم الخفاف قال: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن سراقة بن جعشم بن عمرو قال: (قلت: يا رسول الله! العمل فيما جف به القلم وجرت به المقادير، أم في أمر مستقبل؟ قال صلى الله عليه وسلم: بل فيما جف القلم وجرت به المقادير، وكل ميسر لما خلق له)]. هذا الحديث معناه صحيح، وإن كان مجاهد لم يسمع من سراقة، لكن الحديث ثابت من غير هذه الطريق، وفيه أن الناس يعملون في شيء قد فرغ منه، إذ أن كل شيء كتبه الله، قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12] أي: كل شيء مكتوب، وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، وقرأ قوله سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10]. قال البوصيري: هذا إسناده فيه مقال، فإن مجاهد لم يسمع من سراقة، فالإسناد منقطع، وعطاء بن مسلم مختلف فيه. قال الكندي: والمتن قد ذكره أبو داود من رواية ابن عمر.

ما ثبت عن الصحابة في ذم القدرية

ما ثبت عن الصحابة في ذم القدرية قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم)]. وهذا الحديث فيه ثلاثة مدلسين: بقية بن الوليد، وابن جريج، وأبو الزبير، فكلهم مدلسون، وقد عنعنوه، والأحاديث في ذم القدرية كلها ضعيفة، ورفعها إلى النبي ضعيف، والصحيح أنها موقوفة على الصحابة، وهي تقارب عشرة أحاديث، لكنها ثابتة عن الصحابة، قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف فيه بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعنه.

المقدمة [6]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [6] إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما هما خيرا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما سيدا كهول أهل الجنة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يخرج معهما، ويدخل معهما، ويشاورهما، ولهما من الفضائل والمناقب الشيء الكثير، فقبح الله من سبهما ولعنهما.

فضائل أصحاب رسول الله: فضل أبي بكر الصديق

فضائل أصحاب رسول الله: فضل أبي بكر الصديق قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه. حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إن صاحبكم خليل الله)، قال: وكيع يعني: نفسه]. هذا الحديث رواه الشيخان في صحيحيهما، ورواه غيرهما، وفيه إثبات الخلة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والخلة بالنسبة للمخلوق هي كمال المحبة ونهايتها، وهي درجة من درجات المحبة، إذ المحبة درجات ومراتب متعددة، ومن مراتبها: الصبابة، والغرام، والعشق، والتتيم، والتعبد والخلة، وأعلاها الخلة، وسميت الخلة خلة؛ لأنها تتخلل شغاف القلب وتصل إلى سويدائه، ولا يتسع القلب لأكثر من خليل واحد، لكن يتسع لمحبة أناس كثيرين؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن) يعني: نفسه، إذ لو كان في القلب متسع لكان لـ أبي بكر، ولكن قلبي لا يتسع، فقد امتلأ قلبي بخلة ربي عز وجل. بخلاف المحبة فإن القلب يتسع لأكثر من محبوب، فـ أبو بكر حبيب الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد سأله عمرو بن العاص: (من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال ومن الرجال؟ قال أبوها)، وأسامة كذلك حب رسول الله وابن حب رسول الله. فيتسع القلب لأكثر من محبوب، لكنه لا يتسع لأكثر من خليل، ولهذا تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من خلة كل أحد من الناس فقال: (وإني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل)؛ لأنه خليل الله، (ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن) يعني: نفسه. وفيه إثبات الخلة لمحمد صلى الله عليه وسلم كما ثبتت الخلة لإبراهيم، فإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام هما الخليلان. وأما الخلة بالنسبة للرب فهي صفة من صفاته تليق بجلاله وعظمته، فلا يشبه أحداً من خلقه. وأنكر المعتزلة والجهمية الخلة جرياً على مذهبهم في نفي الصفات، وأول من نفى الصفات الجعد بن درهم، وأول ما أنكره صفتان: صفة الخلة والكلام، فزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه لم يكلم موسى تكليماً، وضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق فقتله في يوم عيد الأضحى بفتوى من علماء زمانه، وأكثرهم من التابعين، وقد شكره العلماء على ذلك، وروي عن خالد بن عبد الله أنه قال: ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بـ الجعد بن درهم؛ فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، ثم نزل من خطبة العيد وذبحه أمام الناس. قال ابن القيم: شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان. ويرجع إلى هاتين الصفتين جميع الصفات؛ لأن إنكار الكلام إنكار للرسالات وللنبوات وللكتب المنزلة، وإنكار الخلة أيضاً قطع العلاقة بين الخالق والمخلوق. والجهمية تفسر الخلة بالفقر والحاجة، وهذا من أبطل الباطل، فإن كل الخلق فقراء إلى الله، بل حتى الجمادات فقيرة إلى الله، كالأصنام والأوثان، وعلى قولهم فلا يكون هناك مزية لإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام. وأما قول أبي هريرة: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم، فهذه الخلة إنما هي من جانب أبي هريرة لا من جانب النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قصة مقتل الجعد فهي مشهورة، ولو ضعفت فلا يضر ذلك شيئاً والغالب أن الجهمية يضعفونها لكن لا غرو أن الذين يضعفون هم الجهمية غالباً حتى لا يثبت قتل الجهمية، فهم يشككون في قصة خالد بن عبد الله القسري، ويشككون في نسبة الرسالة للإمام أحمد، ويشككون في بقاء ابن سينا على معتقده، ويقولون: إنه تاب، ويشككون في المناظرة التي حصلت بين أهل السنة وأهل البدع. فالأصل ثبوتها فقد أثبتها العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

شرح حديث: (ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر)

شرح حديث: (ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر، قال: فبكى أبو بكر وقال: يا رسول الله! هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟)]. قوله: (ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر) هذا ثابت، وأما البقية ففيه نظر. قال المحقق: إسناده صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي. هذا الحديث فيه فضيلة لـ أبي بكر رضي الله عنه، وفي اللفظ الآخر: (إن من أمن الناس علي في نفسه وأهله أبا بكر). هذا الحديث فيه عنعنة الأعمش، وفيه أبو معاوية، إلا أنه صرح بالتحديث فزال التدليس، فما دام أنه قد صرح بالتحديث فليس هناك إشكال، وتدليس الأعمش قليل.

شرح حديث: (أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة)

شرح حديث: (أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سفيان عن الحسن بن عمارة عن فراس عن الشعبي عن الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ما داما حيين)]. هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه الحارث الأعور وهو ضعيف، والحديث له طرق أخرى، والكهل: هو الذي تجاوز مرحلة الشباب ولم يصل إلى مرحلة الشيخوخة، يعني: هو من خالطه الشيب، والجنة ليس فيها كهول وليس فيها إلا شباب، والمراد أنهما سيدا من مات كهلاً، وأبو بكر وعمر ماتا وهما ابنا ثلاث وستين. قال المحقق: إسناده ضعيف جداً، الحسن بن عمارة بن المضرب البجلي الكوفي متروك، والحارث مجمع على ضعفه، ولكن متن الحديث صحيح جاء عن عدد من الصحابة. أقول: الحديث ضعيف، والمتن في صحته نظر؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا الشباب، الجنة ليس فيها كهول، لكن يكون باعتبار حالهما في الدنيا وليسا بكهلين، وإلا فـ أبو بكر وعمر ماتا وقد تجاوزا الستين. جاء في الحديث الآخر: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وهنا: (سيدا كهول أهل الجنة)، فالإشكال في قوله: (كهول أهل الجنة) فالجنة ليس فيها كهول، ما فيها إلا شباب.

شرح حديث: (وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما)

شرح حديث: (وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الدرجات العلى يراهم من أسفل منهم كما يرى الكوكب الطالع في الأفق من آفاق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما)]. هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه عطية العوفي وهو شيعي مدلس، لكن معنى الحديث صحيح، فقد جاء في الحديث الآخر: (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف كما تتراءون الكوكب الدري في المشرق أو في المغرب، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: كلا والذي نفسي بيده، أو بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) ولاشك أن أبا بكر وعمر في المقدمة.

شرح حديث: (إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي)

شرح حديث: (إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن مولى لـ ربعي بن حراش عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر)]. هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن فيه مولى ربعي بن حراش واسمه هلال وهو مجهول، وتفرد بالرواية عنه عبد الملك بن عمير ولم يوثقه سوى ابن حبان، ولكن الحديث صحيح من طرق أخرى، وقد جاء في الحديث الآخر: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).

شرح حديث ابن عباس الذي في علي بن أبي طالب على عمر بن الخطاب

شرح حديث ابن عباس الذي في علي بن أبي طالب على عمر بن الخطاب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن ابن أبي مليكة قال: سمعت ابن عباس يقول: (لما وضع عمر على سريره اكتنفه الناس يدعون ويصلون. أو قال: يثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل قد زحمني وأخذ بمنكبي، فالتفت فإذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر، ثم قال: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن ليجعلنك الله عز وجل مع صاحبيك؛ وذلك أني كنت أكثر أن أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فكنت أظن ليجعلنك الله مع صاحبيك)]. هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه في قصة قتل عمر، وقصة دفنه، وقصة الشورى، في حديث طويل وهذا جزء منه، وفيه: (إن عمر لما طعن وجاء الناس يزورونه، قال ابن عباس: فلم يرعني إلا رجل أخذ بمنكبي من الخلف، فإذا هو علي، فقال هذه المقالة فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي من أن ألقى الله بمثل عمله منك) يخاطب عمر، وفيه رد على الشيعة الرافضة الذين يسبون عمر، ويفضلون علياً عليه، وفيه منقبة لـ عمر رضي الله عنه، يقول علي: (كنت أسمع الرسول عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقرن بين نفسه وأبي بكر وعمر يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فأرجو أن يلحقك الله بصاحبيك).

شرح حديث: (خرج رسول الله بين أبي بكر وعمر فقال: (هكذا نبعث)

شرح حديث: (خرج رسول الله بين أبي بكر وعمر فقال: (هكذا نبعث) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن ميمون الرقي حدثنا سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر فقال: هكذا نبعث)]. هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن فيه سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي، وهو مجمع على ضعفه.

إسناد آخر لحديث: (أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة)

إسناد آخر لحديث: (أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي حدثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين)]. هذا هو الحديث السابق، لكن ذكره هنا بسند آخر. قال المحقق: إسناده حسن، وأخرجه ابن حبان من طريق خنيس بن بكر بن خنيس عن مالك بن مغول به، وخنيس ليس من رجال الكتب الستة، وقد ضعفه صالح جزرة كما نقل الخطيب. أقول: لا شك أن الشيخين هما أفضل الناس بعد الأنبياء رضي الله عنهما، لكن الكلام في قوله: (سيدا كهول أهل الجنة).

شرح حديث: (أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة، قيل ومن الرجال؟ قال أبوها)

شرح حديث: (أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة، قيل ومن الرجال؟ قال أبوها) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبدة والحسين بن حسن المروزي قالا: حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال: (قيل: يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قيل: ومن الرجال؟ قال: أبوها)]. هذا الحديث إسناده صحيح، وأخرجه الترمذي. وكانت خديجة أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم بلا شك، لكن من بعد وفاة خديجة كانت عائشة أحب الناس إليه، وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: خديجة بنت خويلد، ومريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون، وفاطمة بنت محمد). وأما المفاضلة بين عائشة وخديجة فهناك كلام لأهل العلم أيهما أفضل، وقد ورد في فضل خديجة: (ان النبي صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب)، وأقرأها السلام من الله ومن جبريل، وهذه منقبة عظيمة لم ترد لغيرها، وقيل: الأفضل عائشة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام). وقال بعضهم: أن خديجة في نصرتها للنبي صلى الله عليه وسلم ومواساتها له بمالها ونفسها أفضل، وعائشة في علمها وفقهها أفضل. فالمهم أن هؤلاء الخمس هن أفضل النساء.

ما جاء في فضل عمر بن الخطاب

ما جاء في فضل عمر بن الخطاب

شرح حديث عبد الله بن شقيق: (قلت لعائشة: أي أصحابه كان أحب إليه؟ قالت أبو بكر، قلت ثم أيهم؟ قالت عمر)

شرح حديث عبد الله بن شقيق: (قلت لعائشة: أي أصحابه كان أحب إليه؟ قالت أبو بكر، قلت ثم أيهم؟ قالت عمر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل عمر رضي الله عنه. حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو أسامة أخبرني الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: (قلت لـ عائشة: أي أصحابه كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم أيهم؟ قالت: عمر، قلت: ثم أيهم؟ قالت: أبو عبيدة)]. هذا الحديث أخرجه الترمذي. لا شك أن أبا بكر هو أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يليه عمر.

شرح حديث استبشار أهل السماء بإسلام عمر

شرح حديث استبشار أهل السماء بإسلام عمر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي حدثنا عبد الله بن خراش الحوشبي عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس قال: (لما أسلم عمر نزل جبريل فقال: يا محمد! لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر)]. هذا الحديث إسناده ضعيف جداً؛ لأن فيه عبد الله بن خراش بن حوشب الكوفي وهو مجمع على ضعفه، قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال الذهبي: عامة ما يرويه غير محفوظ. وفضائل عمر معروفة من غير هذا الحديث.

شرح حديث: (أول من يصافحه الحق عمر وأول من يسلم عليه)

شرح حديث: (أول من يصافحه الحق عمر وأول من يسلم عليه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي أنبأنا داود بن عطاء المديني عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة)]. هذا حديث باطل ومنكر؛ لأن فيه داود بن عطاء وقد اتفقوا على ضعفه، فقوله: (أول من يصافحه الحق عمر) يعني: الحق هو الرب سبحانه وتعالى، والله تعالى لا يصافح أحداً، وإنما ورد هنا أن الله يسلم على أهل الجنة، يسلم عليهم من فوقهم سبحانه وتعالى. إذاً: هذا ضعيف السند، وهو منكر المتن، وقد يصل إلى درجة الوضع، قال عنه البوصيري: هذا إسناد ضعيف فيه داود بن عطاء المديني، وقد اتفقوا على ضعفه، وباقي رجاله ثقات. وقال السيوطي: قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في جامع المسانيد: هذا الحديث منكر جداً، وما هو أبعد من أن يكون موضوعاً، والآفة فيه من داود بن عطاء. أقول: نعم، إنه حديث منكر شديد النكارة.

شرح حديث: (اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة)

شرح حديث: (اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد المديني حدثنا عبد الملك بن الماجشون حدثني الزنجي بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعز الإسلام بـ عمر بن الخطاب خاصة)]. هذا حديث ضعيف أيضاً، لأن فيه عبد الملك بن الماجشون والزنجي بن خالد وهما ضعيفان. والمحفوظ: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، - أو - بأحب العمرين إليك: عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام) هذا هو المحفوظ. قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، فيه عبد الملك بن الماجشون ضعفه بعضهم، وذكره ابن حبان في الثقات، وفيه مسلم بن خالد الزنجي، قال البخاري: منكر الحديث، وضعفه أبو حاتم والنسائي وغيرهما. إذاً: فالحديث ليس بصحيح، بل هو ضعيف.

شرح حديث: (خير الناس بعد رسول الله أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر)

شرح حديث: (خير الناس بعد رسول الله أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: سمعت علياً يقول: (خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر)]. هذا ثابت عن علي رضي الله عنه، قال هذا على منبر الكوفة، وفيه رد على الشيعة والرافضة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر، والشيعة قوم بهت، فهذا علي رضي الله عنه أفضل أهل البيت، ومع ذلك يعلن على رءوس الأشهاد على منبر الكوفة أن خير الناس بعد رسول الله أبو بكر، ثم عمر، فأبى الرافضة إلا أن يخالفوه، كما قال في النصوص: خالفوا علياً رضي الله عنه الذي يزعمون أنهم يتبعونه. يقول المحقق: انفرد به ابن ماجة، وإسناده ضعيف؛ لأن عبد الله بن سلمة المرادي الكوفي ضعيف يعتبر عند المتابعة ولم يتابع، وقد ضعفه البخاري وأبو حاتم والنسائي. وقال الذهبي: أرجو أنه لا بأس به، وقال ابن حجر: صدوق تغير حفظه. أقول: الحديث ثابت من طرق متعددة، وقد رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق أبي جحيفة.

شرح حديث: (بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا أنا بامرأة تتوضأ إلى جنب قصر)

شرح حديث: (بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا أنا بامرأة تتوضأ إلى جنب قصر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الحارث المصري أنبأنا الليث بن سعد حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا أنا بامرأة تتوضأ إلى جنب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالت: لـ عمر، فذكرت غيرته فوليت مدبراً، قال أبو هريرة: فبكى عمر فقال: أعليك بأبي وأمي يا رسول الله أغار؟)]. وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه منقبة لـ عمر رضي الله عنه. والله أعلم بكيفية هذا الوضوء، ومعلوم أن الجنة ليس فيها عمل، هذه رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيا الأنبياء وحي، فقد رآها تتوضأ، وبعض الناس يستشكل كيف تتوضأ والجنة ليس فيها عمل، نقول: هذه رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم قبل يوم القيامة.

شرح حديث: (إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به)

شرح حديث: (إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به)]. هذا الحديث معناه صحيح. الحديث أخرجه أبو داود وإسناده صحيح، وفيه عنعنة ابن إسحاق. الحديث له شواهد، وقد جاءت النصوص التي تدل على أن عمر ملهم، وأن الله وضع الحق على لسانه، منها قوله: (وافقت ربي -أو وافقني ربي- في ثلاث: قلت: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]، وقلت: يا رسول الله! اقطع عن نسائك البر والفاجر فلو حجبتهن، فنزلت آية الحجاب).

المقدمة [7]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [7] عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة هو الترضي عنهم، وذكر فضائلهم، وعدم الخوض فيما شجر بينهم، فقد رضيهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم واصطفاهم، واختارهم لصحبته واجتباهم، ولا سيما الخلفاء الراشدون المهديون، ومنهم عثمان وعلي رضي الله عنهما، فقد صحت الأحاديث والآثار في ذكر بعض فضائلهما.

ما جاء في فضل عثمان رضي الله عنه

ما جاء في فضل عثمان رضي الله عنه

شرح حديث: (لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان)

شرح حديث: (لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل عثمان رضي الله عنه. حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني حدثنا أبي عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي رفيق في الجنة، ورفيقي فيها عثمان بن عفان)]. سند الحديث ضعيف، فيه عثمان بن خالد وهو ضعيف، ولا شك أن الخلفاء الراشدين الأربعة والصحابة كلهم رفقاء للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا السند ضعيف.

شرح حديث إخبار النبي عثمان بأن الله زوجه أم كلثوم

شرح حديث إخبار النبي عثمان بأن الله زوجه أم كلثوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني حدثنا أبي عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عثمان عند باب المسجد فقال: يا عثمان! هذا جبريل أخبرني: أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها)]. هذا قول ضعيف، وآفة الحديث عثمان بن خالد وأم كلثوم لم يزوجها الله تعالى، وإنما زوجها النبي صلى الله عليه وسلم لـ عثمان بن عفان، إنما هذا خاص بـ زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقد زوجها الله من فوق سبع سماوات، وكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وتقول: (زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات) ودخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم من دون ولي، وإنما وليها الله، فهذه من خصائص زينب، أما أم كلثوم فقد زوجها النبي صلى الله عليه وسلم لما توفيت أختها رقية رضي الله عنهن أجمعين.

شرح حديث: (ذكر رسول الله فتنة فقربها فمر رجل مقنع رأسه فقال هذا يومئذ على الهدى)

شرح حديث: (ذكر رسول الله فتنة فقربها فمر رجل مقنع رأسه فقال هذا يومئذ على الهدى) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا عبد الله بن إدريس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كعب بن عجرة قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها، فمر رجل مقنع رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا يومئذ على الهدى، فوثبت فأخذت بضبعي عثمان، ثم استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا؟ قال: هذا)]. هذا الحديث أخرجه أحمد والترمذي من طريق كعب بن مرة، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ولا شك أن عثمان رضي الله عنه سلمه الله من الفتنة، فصبر رضي الله عنه وأرضاه، لكن قول من قال: محمد بن سيرين لم يسمع من كعب بن عجرة فيه نظر، ويحتمل أنه سمع، ينظر في ولادة محمد بن سيرين ووفاة كعب بن عجرة. قال الحافظ في التقريب: محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري ثقة ثبت عابد، كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات سنة عشر ومائة. أما كعب بن عجرة فقال عنه: كعب بن عجرة الأنصاري المدني أبو محمد صحابي مشهور، مات بعد الخمسين، وله نيف وسبعون. وفي التقريب لا يذكر الولادة؛ لأنه مختصر. ينبغي النظر في ولادة محمد بن سيرين، فإذا كانت ولادته قبل الأربعين فيحتمل سماعه من كعب بن عجرة.

شرح حديث: (يا عثمان إن ولاك الله هذا الأمر يوما)

شرح حديث: (يا عثمان إن ولاك الله هذا الأمر يوماً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الفرج بن فضالة عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن النعمان بن بشير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عثمان! إن ولاك الله هذا الأمر يوماً، فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه، يقول ذلك ثلاث مرات، قال النعمان: فقلت لـ عائشة: ما منعك أن تعلمي الناس بهذا؟ قالت: أنسيته)]. هذا السند ضعيف لضعف الفرج بن فضالة لكن المعنى صحيح، وله شواهد وطرق أخرى، ولهذا تمسك عثمان رضي الله عنه بالخلافة ولم يتنازل عنها، فلما جاءه الثوار وأحاطوا بداره وأرادوه أن يخلع الخلافة امتنع وتمسك بها؛ لأنه رضي الله عنه على الحق وهم على الباطل.

شرح حديث: (وددت أن عندي بعض أصحابي)

شرح حديث: (وددت أن عندي بعض أصحابي) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: (وددت أن عندي بعض أصحابي، قلنا: يا رسول الله! ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: نعم، فجاء فخلا به، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ووجه عثمان يتغير). قال قيس: فحدثني أبو سهلة مولى عثمان: أن عثمان بن عفان قال يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً، فأنا صائر إليه. وقال علي في حديثه: (وأنا صابر عليه). قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم. قال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات. ويوم الدار: هو اليوم الذي أحاط به الثوار فيه يريدون أن يخلع نفسه، فصبر حتى قتل رضي الله عنه، وجاء في الحديث الآخر عن أبي موسى رضي الله عنه: (أنه توضأ في بيته ثم خرج فقال: لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأكونن معه يومي هذا، فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: فقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم استأذن عمر فقال: ائذن له وبشره بالجنة، كل واحد يدلي رجليه مع النبي صلى الله عليه وسلم في القف في البئر، ثم جاء عثمان فاستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه، فجاء ووجد المكان الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم قد امتلأ، فجلس من الجانب الآخر فدلى رجليه) قوله: (مع بلوى تصيبه) هذا هو الشاهد من الحديث. وجاء من مناقب عثمان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً يوماً وفخذه مكشوف فلما دخل أبو بكر بقي على حاله، ثم دخل عمر وهو على حاله، ثم دخل عثمان فجلس وغطى فخذه، قالت عائشة: يا رسول الله! دخل أبو بكر فلم تهتش ولم تباله، ودخل عمر فلم تهتش ولم تباله، ثم لما جاء عثمان جلست وسويت ثيابك، قال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة). والفخذ عورة، والأحاديث التي فيها الكشف إنما جاءت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث التي فيها: (أن الفخذ عورة) هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم، والقول مقدم على الفعل، وجاء في حديث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب في فتح خيبر كانت فخذه تلوح) هذا لعله انكشف في وقت الحرب. المقصود: أن الأحاديث التي فيها كشف الفخذ جاءت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله، ورواها صغار الصحابة، وأما الأحاديث التي فيها أن الفخذ عورة فهي أحوط، ورواها كبار الصحابة، وهي من قوله، والقول مقدم على الفعل، والفعل له احتمالات.

ما جاء في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

ما جاء في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

شرح حديث: (عهد إلي النبي الأمي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق)

شرح حديث: (عهد إلي النبي الأمي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع وأبو معاوية وعبد الله بن نمير عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي قال: (عهد إلي النبي الأمي أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق)]. هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وزر بن حبيش من خواص علي رضي الله عنه، ولا شك أنه لا يحب علياً إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، والصحابة كلهم كذلك، والأنصار كذلك لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، وليس هذا خاصاً بـ علي، ولكن علياً له مزية في هذا رضي الله عنه وأرضاه.

شرد حديث: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)

شرد حديث: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص يحدث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ علي: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟)]. هذا الحديث ثابت في الصحيحين، وفي آخره: (إلا أنه لا نبي بعدي). هذا في البخاري: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)؛ لأن هارون نبي وموسى نبي، فـ علي هو أفضل أهل بيته، وأرسله في حجة أبي بكر يؤذن في الناس ويبلغ عن النبي سورة براءة؛ لأنه من أهل بيته، لكنه لا نبي بعده عليه الصلاة والسلام، أما هارون فقد أخلفه موسى لما ذهب لميقات ربه وهو نبي، أما علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي).

شرح حديث أخذ رسول الله بيد علي وقوله: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟)

شرح حديث أخذ رسول الله بيد علي وقوله: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو الحسين أخبرني حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر: الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه)]. هذا الحديث ضعيف من أجل علي بن زيد بن جدعان، لكن متن الحديث صحيح، فالولاية ثابتة لـ علي رضي الله عنه، وقوله: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) لا شك أن من والى علياً فهو مؤمن ومن عاداه فهو منافق، وما حصل من الحروب بين الصحابة لا ينافي الولاية؛ لأنهم كلهم إخوة متوالون، لكن اختلفوا في الاجتهاد، فالحروب والخلافات التي حصلت لا تنافي الولاية؛ لأنها حصلت باجتهاد منهم رضي الله عنهم، فالمجتهد بين أجرين وبين أجر، إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، فـ علي ومن معه هم أهل الصواب لهم أجران، ومعاوية ومن معه أخطئوا في الاجتهاد فلهم أجر الاجتهاد، رضي الله عنهم وأرضاهم.

شرح حديث (لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)

شرح حديث (لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبية حدثنا وكيع حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (كان أبو ليلى يسمر مع علي رضي الله عنه، فكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلنا: لو سألته، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، قلت: يا رسول الله! إني أرمد العين، فتفل في عيني، ثم قال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، قال: فما وجدت حراً ولا برداً بعد يومئذ، وقال: لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار، فتشرف له الناس، فبعث إلى علي فأعطاه إياه)]. قوله: (فتشرف) يعني: تطلعوا لها؛ حتى قال عمر: (ما أحببت الإمارة إلا يومئذ)، لا حباً في الإمارة، ولكن حباً في هذه المنقبة. قوله: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله) معلوم أن كل مؤمن يحب الله ورسوله، ومن لم يحب الله ورسوله فليس بمؤمن، لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم ينص على رجل بعينه وعلى شخص بعينه بأنه يحب الله ورسوله فهذه منقبة، مما جعل الصحابة يتشوفون لها، ويتطلعون لها، (وباتوا يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها) يعني: سهروا في الليل، من يعطى هذه الراية؟! من الذي يحصل على هذه المنقبة؟! فلما كان الصباح جاء كل واحد من الصحابة ووقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، كل واحد يقول في نفسه: لعله يختارني ويعطيني الراية؛ حتى يصدق عليَّ هذا الوصف: (يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه)، فلم يعطها أحداً من الذين أمامه، قال: (أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يا رسول الله! أرمد، فقال: ائتوا بـ علي، فأتوا به أرمد يقاد، فلما جاء تفل في عينيه فبرأت في الحال)، لم يحتج إلى عملية، فهذا دليل على قدرة الله العظيمة: {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117]، وهي أيضاً من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، قال: (تفل في عينيه فبرأت في الحال، ثم أعطاه الراية)، وفي رواية: (أنه ما أصابه بعد ذلك رمد)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انفذ على رسلك، ثم ادعهم إلى الإسلام، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). فهذا الحديث حديث عظيم فيه منقبة لـ علي رضي الله عنه: أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه. وهذا الحديث في سنده محمد بن أبي ليلى وهو ضعيف، لكن ألفاظ الحديث ثابتة في الصحيحين وفي غيرهما، إلا قوله: (فكنت ألبس ثياب الشتاء في زمن الصيف، وثياب الصيف في زمن الشتاء) وقوله: (ليس بفرار)، قال في الصحيح: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح على يديه)، وفيه دليل: على إثبات القدر، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى علياً وهو بعيد وليس أمامه، والذي أمامه كلهم جاءوا يتطلعون ولم يعطهم شيئاً، فمن قُدر له شيء فلا بد أن يصيبه، فهذا علي دعاه وهو بعيد عنه وأرمد؛ لأن الله قدر أن يكون هو الذي يأخذ الراية. قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، ابن أبي ليلى شيخ وكيع هو محمد، وهو ضعيف الحفظ، لا يحتج بما ينفرد. قلت: متن الحديث ثابت في الصحيحين وفي غيرهما.

شرح حديث: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما)

شرح حديث: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن موسى الواسطي حدثنا المعلى بن عبد الرحمن حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما)]. هذا الحديث ضعيف من أجل المعلى بن عبد الرحمن قيل: إنه وضاع، لكن الحديث ثابت من غير طريقه. البوصيري: هذا إسناد ضعيف، المعلى بن عبد الرحمن اعترف بوضع سبعين حديثاً في فضل علي بن أبي طالب، قاله يحيى بن معين فالإسناد ضعيف. نسأل الله العافية، هذا مما أخذ على ابن ماجة رحمه الله، فإنه يروي عن هؤلاء، لكن مقصوده أن يأتي بما ورد في الباب. ثم قال البوصيري: وأصله في الترمذي والنسائي من حديث حذيفة بغير زيادة: (وأبوهما خير منهما). يعني: قوله: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، هذا ثابت، لكن هذا الطريق ضعيف جداً، وفيه زيادة: (وأبوهما خير منهما) لا شك أن أباهما خير منهما، فهو من الخلفاء الراشدين، لكن هذه الزيادة لم تثبت على أنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا علي)

شرح حديث: (علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا علي) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد وإسماعيل بن موسى قالوا: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا علي)]. وقال: حديث حسن غريب صحيح. قوله: (ولا يؤدي عني إلا علي) ليس المراد تبليغ الشريعة، وإنما التبليغ لما أرسله به في حجة أبي بكر في السنة التاسعة يبلغ عنه: من كان من المشركين له عهد فهو إلى عهد، ومن لم يكن له عهد فمدته أربعة أشهر، وأرسل معه عدداً من الصحابة يؤذنون، منهم أبو هريرة، فقد كانوا يؤذنون في الناس في الحج بأربع كلمات: (لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ومن كان له عهد فهو إلى عهد) فأرسله بهذه الكلمات؛ لأنه من أهل بيته.

شرح أثر علي: (أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر)

شرح أثر علي: (أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن إسماعيل الرازي حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا العلاء بن صالح عن المنهال عن عباد بن عبد الله قال: قال علي: (أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب، صليت قبل الناس بسبع سنين)]. هذا باطل، هذا السند ضعيف ومتنه باطل منكر لا يصح، والصديق الأكبر هو أبو بكر، وليس علياً. وقوله: (صليت قبل الناس بسبع) هذا ليس بصحيح؛ لأن أبا بكر هو أول من أسلم من الرجال، وخديجة هي أول من أسلم من النساء، كذلك بلال تقدم إسلامه، وكون علي صلى قبل الناس بسبع سنين، هذا باطل سنداً ومتناً. قال ابن رجب: رواه النسائي في خصائص علي. وقال الذهبي في الميزان: هذا كأنه كذب على علي. وفي الزوائد قال: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال، وقال: صحيح على شرط الشيخين. والجملة الأولى في جامع الترمذي. قلت: الحاكم متساهل في التصحيح. والحديث فيه عباد بن عبد الله وهو ضعيف، قال البخاري: فيه نظر، والبخاري إذا قال: فيه نظر فمعناه: أنه ضعيف جداً. إذاً: هذا أثر ضعيف السند ومتنه باطل.

شرح حديث ذكر سعد مناقب علي بين يدي معاوية

شرح حديث ذكر سعد مناقب علي بين يدي معاوية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا موسى بن مسلم عن ابن سابط - وهو عبد الرحمن - عن سعد بن أبي وقاص قال: (قدم معاوية في بعض حجاته، فدخل عليه سعد فذكروا علياً فنال منه، فغضب سعد، وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فـ علي مولاه، وسمعته يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وسمعته يقول: لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله)]. قوله: (من كنت مولاه فـ علي مولاه)، وقوله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، وقوله: (لأعطين الراية رجلاً)، كل هذا ثابت في الأحاديث الصحيحة، وقول معاوية في علي إنما هو فيما يتعلق بأمور الدنيا وأمور الخلافة، من أجل الخلاف الذي حصل بينهما. قال المحقق: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وإن قال الحافظ ابن حجر في التقريب: موسى بن مسلم لا بأس به، فقد تحقق عندنا أنه ثقة، ووثقه يحيى بن معين والبزار وابن حبان.

المقدمة [8]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [8] أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم نقلة الدين، وحملة الملة، القائمون بها، الذابون عنها، لأجل ذلك بشرهم الله برضوانه، وعمهم بفضله وإحسانه، فكانوا مصابيح الهدى، وأنوار الدجى، وكان على رأسهم الصديق والفاروق والشهيد ومن ضرب أروع الأمثلة في الحب والتضحية والفداء وصاحب أول سهم في الإسلام والحواري والأمين.

ما جاء في فضل الزبير رضي الله عنه

ما جاء في فضل الزبير رضي الله عنه

شرح حديث: (لكل نبي حواري وإن حواري الزبير)

شرح حديث: (لكل نبي حواري وإن حواريَّ الزبير) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل الزبير رضي الله عنه. حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة: (من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، فقال: من يأتينا بخبر القوم؟ قال الزبير: أنا، ثلاثاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكل نبي حواري وإن حواري الزبير)]. هذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، وفيه: بيان فضل الزبير رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا الحديث فيه بيان فضله رضي الله عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لكل نبي حواري وإن حواريَّ الزبير)، والحواري: هو الناصر والمحب، فحواري عيسى ابن مريم عليه السلام أصحابه، فقوله: (لكل نبي حواري) يعني: صاحب وناصر، (وإن حواري الزبير) وذلك لأن الزبير رضي الله عنه كان شجاعاً مقداماً، قوله: (من يأتيني بخبر القوم؟ فسكت الناس، فقال الزبير: أنا، فقال: من يأتيني بخبر القوم؟ فسكت الناس، فقال الزبير: أنا ثلاث مرات)، هذا يدل على الشجاعة، فهو لا يبالي أن يدخل في العدو ويأتي بخبره، وهذا فيه خطورة وفيه مخاطرة، وليس كل أحد يقدم على هذا، بأن يدخل على اليهود ويأتي بخبرهم.

شرح حديث الزبير: (لقد جمع لي رسول الله أبويه يوم أحد)

شرح حديث الزبير: (لقد جمع لي رسول الله أبويه يوم أحد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال: (لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد)]. هذا الحديث رواه الشيخان، وفيه فضل الزبير، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه فقال: فداك أبي وأمي، من التفدية.

شرح قول عائشة لعروة: (كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح)

شرح قول عائشة لعروة: (كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار وهدية بن عبد الوهاب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يا عروة! كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح: أبو بكر والزبير]. يعني: قالت عائشة لـ عروة بن الزبير وهي خالته، قالت له: (كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول) الأب الأول: الزبير، والأب الثاني: أبو بكر وهو جده من قبل أمه؛ فأمه أسماء بنت أبي بكر، فأبوها أبو بكر الصديق، فقالت له: (كان أبواك) يعني: الزبير والصديق، من الذين استجابوا لله والرسول، يعني: هما داخلان في هذه الآية: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران:172]، وقد أثنى الله عليهم، قال الله: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:172]، وكان هذا بعد غزوة أحد، لما حصلت لهم قراحات، فحثهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على الجهاد، وذلك حين بلغهم أن أبا سفيان قال: لنرجعن إليهم ولنقضين على البقية الباقية، فقال الصحابة: حسبنا الله ونعم الوكيل، فهما من الذين استجابوا لله والرسول، فالصحابة ذهبوا إلى حمراء الأسد ورجعوا. وهذا الأثر إسناده صحيح، أخرجه الحميدي.

ما جاء في فضل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

ما جاء في فضل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

شرح حديث جابر: (أن طلحة مر على النبي فقال شهيد يمشي على وجه الأرض)

شرح حديث جابر: (أن طلحة مرّ على النبي فقال شهيد يمشي على وجه الأرض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه. حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله الأودي قالا: حدثنا وكيع حدثنا الصلت الأزدي حدثنا أبو نضرة عن جابر: (أن طلحة مر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: شهيد يمشي على وجه الأرض)]. والصلت ضعيف متروك ولا يعول عليه؛ لأنه ناصبي، فيكون الحديث ضعيفاً، لكن لا شك أن طلحة قتل شهيداً، وهو من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث: (طلحة ممن قضى نحبه)

شرح حديث: (طلحة ممن قضى نحبه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن الأزهر حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا زهير بن معاوية حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن موسى بن طلحة عن معاوية بن أبي سفيان قال: (نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلحة فقال: هذا ممن قضى نحبه)]. هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة وهو مجمع على ضعفه، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. هذا داخل في قوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب:23]، يعني: منهم من جاهد وقاتل وقتل، ومنهم من ينتظر الجهاد القادم، وطلحة هو من الذين قضوا نحبهم، فقد قتل شهيداً رضي الله عنه مظلوماً في وقعة الجمل. قال: [حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا إسحاق عن موسى بن طلحة قال: (كنا عند معاوية فقال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة ممن قضى نحبه)]. وهذا هو نفس الحديث السابق وإسناده ضعيف. ولا شك أنه رضي الله عنه أبلى بلاء حسناً وجاهد، فقد حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم ووقاه يوم أحد بيده رضي الله عنه فَشُلّتْ.

شرح حديث إسماعيل بن قيس: (رأيت يد طلحة شلاء وقى بها رسول الله يوم أحد)

شرح حديث إسماعيل بن قيس: (رأيت يد طلحة شلاء وقى بها رسول الله يوم أحد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس قال: (رأيت يد طلحة شلاء وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد)]. هذا الحديث رواه الشيخان. فيه: فضل طلحة رضي الله عنه؛ لأنه يوم أحد وقى النبي صلى الله عليه وسلم بيده؛ حتى شلت ويبست، جعلها أمام النبي صلى الله عليه وسلم حتى يبست وشلت. قوله: (رأيت يد طلحة بن عبيد الله التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قد شلت) يعني: يبست من وقع النبال رضي الله عنه وأرضاه وهو صامد، بل وقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فقد وقف أمامه لا يتحرك؛ فداء للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه لو تحرك لجرح الرسول صلى الله عليه وسلم ولربما قتل، فهو جعل يده وقاية من النبال حتى يبست.

ما جاء في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

ما جاء في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

شرح حديثي علي وسعد في جمع رسول الله أبويه لسعد يوم أحد

شرح حديثي علي وسعد في جمع رسول الله أبويه لسعد يوم أحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد عن علي بن أبي طالب قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد غير سعد بن مالك، فإنه قال له يوم أحد: ارم سعد فداك أبي وأمي)]. قوله: (ارم سعد فداك أبي وأمي) هذا يدل على فضله رضي الله عنه، وهذا قاله علي رضي الله عنه حسب علمه، وإلا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: (فداك أبي وأمي). إذاً: هذا من فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فداه يوم أحد قال: (ارم سعد فداك أبي وأمي). والحديث رواه الشيخان. قال: [حدثنا محمد بن رمح أنبأنا الليث بن سعد، ح وحدثنا هشام بن عمار حدثنا حاتم بن إسماعيل وإسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: (لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبويه فقال: ارم سعد فداك أبي وأمي)]. هذا من فضائله رضي الله عنه، ورواه الشيخان. إذاً: إسناده صحيح، وإن كان إسماعيل بن عياش مخلطاً إذا روى عن غير أهل بلده، فقد روى هنا عن غير أهل بلده، لكن تابعه على هذه الرواية الجم الغفير من الثقات. وإسماعيل بن عياش روايته قوية عن أهل بلده، وإذا روى عن الحجازيين فروايته ضعيفة، لكن هذا مما وافق الثقات.

شرح أثر سعد: (إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله)

شرح أثر سعد: (إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا عبد الله بن إدريس وخالي يعلى ووكيع عن إسماعيل عن قيس قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: (إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله)]. يعني: كان ذلك في أول سرية سيرها النبي صلى الله عليه وسلم لقتال أبي سفيان فرمى فيها، وإن كانوا رجعوا ولم يحصل التحام، لكن تعتبر هذه أول رمية في سبيل الله. هذا الأثر رواه الشيخان.

شرح أثر سعد: (ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه)

شرح أثر سعد: (ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسروق بن المرزبان حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن هاشم بن هاشم قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال سعد بن أبي وقاص: (ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام، وإني لثلث الإسلام)]. هذا قاله رضي الله عنه على حسب علمه، يعني: أنه لم يسلم قبله إلا اثنان وهو الثالث، الأول: أبو بكر، والثاني: خديجة، وهو الثالث، هذا على حسب علمه، وقد يقال: إن بلالاً أسلم قبله، كذلك أسلم من الصبيان علي، لكن هذا على حسب ما ظهر له أنه أسلم، وإنه لثلث الإسلام. هذا الأثر أخرجه البخاري. قال ابن حجر في شرح البخاري: هكذا رواية ابن مندة في المعرفة، وهذا لا ينافي أن يشاركه أحد في الإسلام قبل أن يسلم، لكن رواية البخاري في صحيحه: (ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه) يريد ما سبق أحد في الإسلام كما وقع عند الإسماعيلي بلفظ: (ما أسلم أحد قبلي) وهذا لا يخلو عن الإشكال، فقد أسلم قبله جماعة، قيل: كـ أبي بكر وعلي وزيد وغيرهم، فيحمل على أنه قال ذلك بحسب علمه.

ما جاء في فضائل العشرة رضي الله عنهم

ما جاء في فضائل العشرة رضي الله عنهم

شرح حديث: (كان رسول الله عاشر عشرة فقال أبو بكر في الجنة)

شرح حديث: (كان رسول الله عاشر عشرة فقال أبو بكر في الجنة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضائل العشرة رضي الله عنهم. حدثنا هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس حدثنا صدقة بن المثنى أبو المثنى النخعي عن جده رياح بن الحارث، سمع سعيداً بن زيد بن عمرو بن نفيل يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقال: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، فقيل له: من التاسع؟ قال: أنا)]. يعني: سعيد بن زيد هو التاسع، والعاشر: أبو عبيدة بن الجراح، فهؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم. والعشرة المبشرون بالجنة: هم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، كذلك سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وطلحة بن عبيد الله وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف والزبير فهؤلاء العشرة المبشرون بالجنة، رضي الله عنهم وأرضاهم.

شرح حديث: (اثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد)

شرح حديث: (اثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم عن سعيد بن زيد قال: (أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته يقول: اثبت حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وابن عوف، وسعيد بن زيد)]. يعني: أن جبل حراء كان يتحرك، فقال: (اثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق)، وفي اللفظ الآخر: (اثبت حراء فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد) كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر هو الصديق، والشهيد عمر، وعثمان وعلي، ولكن هذا الحديث ضعيف، لأن فيه عبد الله بن ظالم وهو ضعيف. لكن المعنى صحيح. فإن قيل: هل يشهد للصحابة بالجنة؟ نقول: من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة يشهد له بعينه، وأما الباقون فلا يشهد لأحد بالجنة إلا على العموم؛ لأن كل المؤمنين في الجنة الصحابة وغيرهم، والصحابة هم في الدرجة الأولى، لكن لا نقول: فلان بن فلان في الجنة، فلا يشهد لأحد بالجنة إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء العشرة المبشرون بالجنة نشهد لهم بالجنة كل العشرة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح وطلحة، كل هؤلاء نشهد لهم بالجنة. وجاء في حديث آخر بلفظ آخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حراء وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فقال: اثبت فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)، وفي رواية أخرى ومعهم عثمان فقال: (ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان). وقوله: (اثبت أحد)، هذا هو المعروف.

ما جاء في فضل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

ما جاء في فضل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه]. أبو عبيدة هو آخر العشرة المبشرين بالجنة.

شرح حديث قول رسول الله لأهل نجران: (سأبعث معكم رجلا أمينا حق أمين)

شرح حديث قول رسول الله لأهل نجران: (سأبعث معكم رجلاً أميناً حق أمين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان، ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة جميعاً عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل نجران: سأبعث معكم رجلاً أميناً حق أمين، قال: فتشرف لها الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح)]. هذا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم. وهذا من فضائله رضي الله عنه، لما جاء وفد نجران وكانوا نصارى، ولما لم يسلموا طلب النبي صلى الله عليه وسلم مباهلتهم فرفضوا وامتنعوا وخافوا فدفعوا الجزية، فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على الجزية وقالوا: (ابعث معنا رجلاً أميناً. فقال النبي: لأبعثن معكم أميناً حق أمين) هذا تأكيد، وهذه صفة مضافة إلى موصوفها، والتقدير: أميناً حقاً، قال: (فتشرف الناس لها) أي: كل واحد يود أن يرسله النبي صلى الله عليه وسلم معهم، لا حباً في الإمارة لكن حباً في هذا الوصف، كل واحد يريد أن يوصف بأنه أمين حق أمين، فتشرف كل واحد منهم، كل يقول في نفسه: لعل النبي صلى الله عليه وسلم يختارني؛ حتى أفوز بهذا الوصف (أميناً حقاً) (فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح) وفي الحديث الآخر: (لكل أمة أمين، وأميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح) هذا من فضائله رضي الله عنه.

شرح حديث قول رسول الله لأبي عبيدة: (هذا أمين هذه الأمة)

شرح حديث قول رسول الله لأبي عبيدة: (هذا أمين هذه الأمة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عبد الله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي عبيدة بن الجراح: هذا أمين هذه الأمة)]. إسناده صحيح أخرجه أحمد والنسائي في فضائل الأعمال. وفيه: أن أمين هذه الأمة: هو أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه.

ما جاء في فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

ما جاء في فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

شرح حديث: (لو كنت مستخلفا أحدا عن غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد)

شرح حديث: (لو كنت مستخلفاً أحداً عن غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت مستخلفاً أحداً عن غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد)]. هذا الباب معقود لفضائل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذه المقدمة لـ ابن ماجه رحمه الله مقدمة عظيمة مهمة تتعلق بالعقيدة، وفضائل الصحابة، وقد سبقت التراجم في فضل الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وبقية العشرة المبشرين بالجنة. وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية الحارث الأعور، وهو ضعيف شيعي مدلس. وقوله: (لو كنت مستخلفاً أحداً من غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد) يعني: ابن مسعود، معناه يعارضه الحديث الآخر الذي قال: (الأئمة من قريش). وفي الصحيح: (أنه لا يزال هذا الأمر -يعني: الخلافة- في قريش ما بقي منهم اثنان) وابن أم عبد ليس من قريش وإنما هو من هذيل، ولو صح لكان محمولاً على أن هذا الاستخلاف في أمر خاص، في إمارة سرية أو ما أشبه ذلك، وليس المراد به الإمامة الكبرى؛ لأن الإمامة الكبرى إنما هي في قريش، إذا كان الاختيار للمسلمين وما أقاموا الدين وما بقي فيهم اثنان، كما في صحيح مسلم: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)، وفي رواية أخرى: (ما أقاموا الدين)، وفي الحديث الآخر في غير الصحيحين: (الأئمة من قريش)، هذا إذا كان اختياراً وانتخاباً من المسلمين، ولهذا كان الخلفاء الأربعة كلهم من قريش، أما إذا غلبهم شخص بقوته وسلطانه فتتم له البيعة ولو لم يكن من قريش. والخلافة من بعد الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا ليست باختيار وانتخاب، فالخلافة كما سبق والولاية تثبت لولي الأمر بواحدة من ثلاثة أمور: الأمر الأول: الانتخاب والاختيار، كما ثبتت للصديق. الأمر الثاني: العهد من الخليفة السابق لمن بعده، كما عهد أبو بكر رضي الله عنه بالخلافة لـ عمر. الأمر الثالث: القوة والغلبة، ولهذا جاء في حديث أبي ذر قال: (أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أسمع وأطيع لولي الأمر، وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف)، وفي لفظ: (ولو لعبد حبشي كأن رأسه زبيبة). ومعلوم أنه لو كان الاختيار للمسلم فإنه لن يختار الحبشي الذي بهذا الوصف. والمقصود: أن هذا الحديث فيه ضعف، ولو صح لكان محمولاً على أن الاستخلاف في شيء خاص: في إمارة سرية، أو إمارة في جهة من الجهات. [ولكن أخرجه النسائي في الكبرى، قال: أخبرنا عمرو بن يحيى بن الحارث قال: حدثنا المعافى قال: حدثنا القاسم -وهو ابن معن - عن منصور بن المعتمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي به، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات سوى عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي فإنه صدوق وثقه علي بن المديني والعجلي ويحيى بن معين وابن كعب والترمذي]. وهذا لو صح يحمل على أنه ليس في الإمامة الكبرى.

شرح حديث: (من أحب أن يقرأ القرآن غضا)

شرح حديث: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي الخلال قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن أبا بكر وعمر بشراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)]. وهو عبد الله بن مسعود، وهذا الحديث لا بأس به. وفيه دليل: على فضل ابن مسعود رضي الله عنه، وهو ممن حفظ القرآن وضبطه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد). ولا ينفي هذا أن يكون ابن مسعود له بعض الحروف التي تخالف المصحف العثماني.

شرح حديث ابن مسعود في قول رسول الله له: (إذنك علي أن ترفع الحجاب)

شرح حديث ابن مسعود في قول رسول الله له: (إذنك علي أن ترفع الحجاب) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا عبد الله بن إدريس عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذنك علي أن ترفع الحجاب، وأن تسمع سوادي حتى أنهاك)]. أذنك: يعني: استئذانك، قال المحقق: إسناده صحيح. وهذا فيه أيضاً: فضيلة من فضائل ابن مسعود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأذن له كثيراً؛ وذلك لأنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذنك علي أن ترفع الحجاب، وأن تسمع سوادي) يعني: تسمع قراءتي، قال: (حتى أنهاك)، فإذا رفع الحجاب وسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا إذنه على ما بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل؛ لأنه كان يدخل كثيراً، ولأنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمل نعليه ومطهرته، ولهذا قال: (إذنك علي) يعني: الإذن بيني وبينك: (أن ترفع الحجاب) كالستارة وما أشبهها، (وأن تسمع سوادي) يعني: تسمع قراءتي. قال الشارح رحمه الله: السواد: السرار، يقال: ساودت الرجل مساودة إذا ساررته. وهذا من فضائل ابن مسعود رضي الله عنه، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأذن له كثيراً، وجعل له علامة أن يرفع الحجاب ويسمع القراءة حتى ينهاه، فإذا نهاه أو أشار إليه بألا يدخل بأن كان هناك حالة تقتضي عدم دخوله فلا يدخل، وإلا فيكون هذا إذن له.

المقدمة [9]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [9] فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، فقد قدموا أنفسهم وأموالهم في نصرة دين الله عز وجل ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه

فضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه

شرح حديث العباس: (كنا نلقى النفر من قريش وهم يتحدثون)

شرح حديث العباس: (كنا نلقى النفر من قريش وهم يتحدثون) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: حدثنا محمد بن طريف قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا الأعمش عن أبي سبرة النخعي عن محمد بن كعب القرظي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: (كنا نلقى النفر من قريش وهم يتحدثون، فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال أقوام يتحدثون، فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم، والله! لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم مني)]. هذا فيه انقطاع، فهو ضعيف؛ لأن محمد بن كعب القرظي لم يدرك العباس، لكن له شاهد يدل عليه، أشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى معناه في العقيدة الواسطية. قوله: (حتى يحبهم لله ولقرابتي) يعني: آل البيت، فأهل البيت تجب محبتهم، ويحب الترضي عنهم، وموالاتهم، ومن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: علي وفاطمة والحسن والحسين والعباس رضي الله عنهم قال المحقق: إسناده ضعيف، ومحمد بن كعب القرظي لم يسمع من العباس بن عبد المطلب فروايته عنه مرسلة. يعني: فيكون منقطعاً. قال: وأبو سبرة النخعي كوفي يقال اسمه: عبد الله بن عابس، قال ابن معين: لا أعرفه، ولم يوثقه سوى ابن حبان، ففيه جهالة حال في أحسن أحواله. وتكون هذه علة ثانية أيضاً، وهي جهالة عبد الله بن عابس أبو سبرة، فمع الانقطاع تكون فيه علتان، لكن له شاهد. قال: ومع ذلك قال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن محمد بن كعب روايته عن عباس يقال: مرسلة، رواه الإمام أحمد في مسنده. وله شاهد رواه الترمذي: (أن العباس دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً فقال: ما أغضبك؟ قال: ما لنا وقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه بشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه، ثم قال: والذي نفسي بيده! لا يدخل قلب رجل إيمان حتى يحبهم لله ولرسوله) قال الترمذي: حديث حسن. انتهى. وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية قال: لا يؤمن العبد حتى يحبهم لله ولقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوهاب بن الضحاك قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن كثير بن مرة الحضرمي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة يوم القيامة تجاهين، والعباس بيننا مؤمن بين خليلين)]. وهذا ضعيف، بل باطل؛ لأنه موضوع، والعلة فيه من شيخ المؤلف عبد الوهاب، فقد قيل: إنه وضاع يضع الحديث، ومعناه باطل؛ لأن فيه: أن العباس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين إبراهيم، والخلفاء الأربعة أفضل من العباس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فهو حديث باطل سنده ومتنه.

فضل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم

فضل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم

شرح حديث قول رسول الله للحسن: (اللهم إني أحبه)

شرح حديث قول رسول الله للحسن: (اللهم إني أحبه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حدثنا أحمد بن عبدة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال للحسن: (اللهم إني أحبه، فأحبه وأحب من يحبه، قال: وضمه إلى صدره)]. وهذا الحديث ثابت، أخرجه الشيخان، وفيه فضل الحسن رضي الله عنه، وهو من أهل البيت، ومن سادات شباب أهل الجنة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن داود بن أبي عوف أبي الجحاف -وكان مرضياً- عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني)]. وهذا فيه أبو الجحاف وهو متكلم فيه. قال المحقق: قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. ورواه النسائي في المناقب عن عمرو بن منصور عن أبي نعيم عن سفيان به. قال: وحسن العلامة الألباني رحمه الله إسناده في صحيح سنن ابن ماجة. قال في التقريب: داود بن أبي عوف سويد التميمي البرجمي بضم الموحدة والجيم مولاهم أبو الجحاف بالجيم وتشديد المهملة، مشهور بكنيته، وهو صدوق شيعي ربما أخطأ. قوله: ربما أخطأ، يعني: قليل، فيكون حسن الحديث، وكونه يتشيع تشيعه قليل. ولا شك أن محبة الحسن والحسين من محبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبغضهما لابد أن يكون في قلبه مرض. قال المحقق: وأخرجه أحمد من طريق سفيان عن سالم بن أبي حفصة، وسالم من غلاة الشيعة أيضاً، وإن قال ابن حجر في التقريب: صدوق في الحديث، فإنه على ما حققناه في تعقباتنا عليه ضعيف. فهذا الضعيف يمكن أن يكون شاهداً، والعمدة ليست عليه بل العمدة على الحديث، والحديث حسن، والمعنى صحيح: فمن أحب الحسن والحسين فلا شك أن هذا من محبة أهل البيت، وأن هذا من الدين والإيمان.

شرح حديث (حسين مني وأنا من حسين)

شرح حديث (حسين مني وأنا من حسين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن أبي راشد: أن يعلى بن مرة رضي الله عنه حدثهم: (أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له، فإذا حسين يلعب في السكة، قال: فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم وبسط يديه فجعل الغلام يفر هاهنا، ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبله، وقال: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط)]. وقال: إسناده ضعيف، وسعيد بن أبي راشد مجهول، ومع ذلك قال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد حسن رجاله ثقات. ولكن معنى الحديث صحيح؛ فـ الحسين رضي الله عنه سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آل البيت، وحبه دين وإيمان وقربة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان مثله]. قال المحقق: سعيد بن أبي راشد مقبول من السادسة. يعني: أنه مقبول إذا توبع. وحديث يعلى بن مرة يدور على سعيد بن أبي راشد، وعلى كل حال يكون الحديث حسناً، والمعنى صحيح، وله شواهد.

شرح حديث: (أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم)

شرح حديث: (أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي الخلال وعلي بن المنذر قالا: حدثنا أبو غسان قال: حدثنا أسباط بن نصر عن السدي عن صبيح مولى أم سلمة رضي الله عنها عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم: (أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم)]. وهذا فيه صبيح مولى أم سلمة متكلم فيه، لكن المعنى صحيح، فلا شك أن من حاربهم وعاداهم فهو محارب للنبي صلى الله عليه وسلم. قال في التقريب: صبيح مصغراً مولى أم سلمة، ويقال: مولى زيد بن أسلم، مقبول من السادسة. يعني: مقبول إذا توبع، يعني: قد يكون الحديث حسناً بشواهده. وبعد الحديث السابق جاء في المطبوع: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان مثله. ولا معنى لها غير هذا الحديث؛ إذ لم يذكره المزني في التحفة ولا البوصيري في مصباح الزجاجة، ولا علاقة له بهذا الحديث. وعلى كل حال يعني زيادة السند. والمؤلف لم يذكر حديث: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وكان ينبغي للمصنف أن يذكره في هذا؛ فإن حديث: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) حديث مشهور.

فضل عمار بن ياسر رضي الله عنه

فضل عمار بن ياسر رضي الله عنه

شرح حديث قول رسول الله لعمار: (مرحبا بالطيب المطيب)

شرح حديث قول رسول الله لعمار: (مرحباً بالطيب المطيب) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل عمار بن ياسر رضي الله عنه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن عمار بن ياسر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائذنوا له، مرحباً بالطيب المطيب)]. هذا الحديث ضعيف؛ لأن هانئ بن هانئ يضعف في الحديث، وعمار بن ياسر رضي الله عنه معروف فضله فإنه من السابقين إلى الإسلام، ومن الذين أوذوا في الله.

شرح حديث: (ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه)

شرح حديث: (ملئ عمار إيماناً إلى مشاشه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا عثام بن علي عن الأعمش عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ قال: (دخل عمار على علي فقال: مرحباً بالطيب المطيب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ملئ عمار إيماناً إلى مشاشه)]. وهذا الحديث أيضاً كسابقه ضعيف من أجل هانئ بن هانئ، وفيه عنعنة الأعمش وعنعنة أبي إسحاق. قوله: (ملئ عمار إيماناً إلى مشاشه) يعني: إلى رءوس العظام. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله بن موسى ح وحدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا جميعاً: حدثنا وكيع عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن يسار عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما)]. وهذا الحديث لا بأس بسنده، وفيه فضل عمار رضي الله عنه، وأنه يختار الأرشد من الأمرين.

فضل سلمان وأبي ذر والمقداد رضي الله عنهم

فضل سلمان وأبي ذر والمقداد رضي الله عنهم

شرح حديث: (إن الله أمرني بحب أربعة)

شرح حديث: (إن الله أمرني بحب أربعة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل سلمان وأبي ذر والمقداد رضي الله عنهم. حدثنا إسماعيل بن موسى وسويد بن سعيد قالا: حدثنا شريك عن أبي ربيعة الإيادي عن أبي بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم، قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال علي منهم -يقول ذلك ثلاثاً- وأبو ذر وسلمان والمقداد)]. هذا الحديث فيه ضعف من قبل شريك بن عبد الله النخعي القاضي؛ لأنه ساء حفظه بعد أن تولى القضاء، وشيخه أبو ربيعة منكر الحديث، لكن هؤلاء الصحابة العلماء لهم فضلهم: سلمان وأبو ذر والمقداد رضي الله عنهم أجمعين.

شرح حديث: (كان أول من أظهر إسلامه سبعة)

شرح حديث: (كان أول من أظهر إسلامه سبعة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: حدثنا زائدة بن قدامة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، وألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد)]. وهذا لا بأس بسنده، وعاصم بن أبي النجود لا بأس به، قال المحقق: إسناده صحيح؛ عاصم بن بهدلة بن أبي النجود عندنا ثقة كما حققناه في تعقباتنا على تقريب الحافظ ابن حجر، وباقي رجاله ثقات. ولا شك أن هؤلاء تقدم إسلامهم، والنبي صلى الله عليه وسلم أول هذه الأمة إسلاماً، ثم أبو بكر الصديق وعمار، ولا شك أن عماراً ممن أوذي في الله، وكذلك أمه رضي الله عنهم وأرضاهم، وكذلك بلال.

شرح حديث: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد)

شرح حديث: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولـ بلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال)]. وهذا لا بأس بسنده، وكان بلال قد هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هارباً من مكة إلى الطائف. ومما ورد في فضائل سلمان حديث: (سلمان منا أهل البيت) ولكن لم يذكره المصنف رحمه الله.

فضائل بلال بن رباح رضي الله عنه

فضائل بلال بن رباح رضي الله عنه

شرح أثر ابن عمر: (بل بلال رسول الله خير بلال)

شرح أثر ابن عمر: (بل بلال رسول الله خيرُ بلالٍ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضائل بلال. حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة عن سالم: أن شاعراً مدح بلال بن عبد الله فقال: بلال بن عبد الله خير بلال، فقال ابن عمر: كذبت! بل بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير بلال]. وهذا من إنصاف عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وبلال بن عبد الله بن عمر، وهو الذي هجره أبوه عبد الله بن عمر لما روى له حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، فقال ابنه بلال: والله! لنمنعهن، فأقبل عليه عبد الله وسبه سباً قبيحاً، وهجره، وقال: أقول لك: قال رسول الله: (لا تمنعوا إماء الله) وتقول: والله! لنمنعهن؟ ثم هجره فحين قال الشاعر: بلال بن عبد الله خير بلال، قال له عبد الله: كذبت! هناك بلال خير منه وهو بلال مؤذن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو خير من بلال بن عبد الله بن عمر، وهذا من كذب الشعراء، كما قال تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:224]، ومن إنصاف عبد الله بن عمر؛ فإنه أخبر بالواقع.

فضائل خباب رضي الله عنه

فضائل خباب رضي الله عنه

شرح أثر قول عمر بن الخباب: (فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار)

شرح أثر قول عمر بن الخباب: (فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضائل خباب. حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي قال: (جاء خباب إلى عمر رضي الله عنه فقال: ادن؛ فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار، فجعل خباب يريه آثاراً بظهره مما عذبه المشركون)]. فرضي الله عنه، وهذا الأثر لا بأس بسنده، ولا شك أن خباباً رضي الله عنه أوذي في الله وكان من الصادقين.

شرح حديث: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر)

شرح حديث: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال: حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمة أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)]. وهذا لا بأس بسنده، وهو حديث عظيم فيه فضائل هؤلاء الصحابة الثمانية رضوان الله عليهم. فكل واحد له ميزة تميزه، فـ أبو بكر اشتهر بالرحمة، وعمر اشتهر بالشدة في الدين، وعلي اشتهر بالقضاء، ومعاذ بن جبل اشتهر بالعلم بالحلال والحرام، وأبو عبيدة أمين هذه الأمة، وهذه فضائل عظيمة لهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

حكم الهجر أكثر من ثلاثة أيام

حكم الهجر أكثر من ثلاثة أيام في حديث ابن عمر الذي ذكرناه قبل أنه هجر ابنه بلالاً، فإذا كان الهجر لله فيجوز أكثر من ثلاث، حتى يتوب، فيهجر العاصي حتى يتوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك وصاحبيه: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع لما تخلفوا عن غزوة تبوك هجرهم خمسين ليلة. أما إذا كان الهجر من أجل الدنيا فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، هذا إذا كان من أجل الدنيا ومن أجل حظ النفس، أما لأجل الدين فيهجر حتى يتوب من معصيته. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة مثله، عند ابن قدامة غير أنه يقول في حق زيد: وأعلمهم بالفرائض]. وزيد بن ثابت رضي الله عنه كان عنده علم بالفرائض، وكان من أهل العلم بالفرائص والعناية به.

فضل أبي ذر رضي الله عنه

فضل أبي ذر رضي الله عنه

شرح حديث: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر)

شرح حديث: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل أبي ذر رضي الله عنه. حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا الأعمش عن عثمان بن عمير عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر)]. في هذا الحديث عثمان بن عمير وهو ضعيف، تكلموا فيه، فالحديث ضعيف من أجله، لكن الحديث له شواهد، فهو حسن، ولهذا اعتمده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. الغبراء هي: الأرض، والخضراء هي: السماء. والحديث له شواهد كما ذكرنا، قال المحقق: إسناده ضعيف، فـ عثمان بن عمير ويقال: ابن قيس البجلي أبو اليقظان الكوفي ضعيف، ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث، كان شعبة لا يرضاه، وقال ابن عدي: رديء المذهب، غال في التشيع، يؤمن بالرجعة. نسأل الله العافية، والرجعة معناها: أن علياً يرجع، وهذا معناه أنه رافضي. لكن الحديث له شواهد، وقد اعتمده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. والحديث أخرجه الترمذي أيضاً وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي. قال المحقق: وليس في هذه الطرق المتقدمة ما يصح إسناده، فالحديث ضعيف، ولا بأس من الاعتبار به في الفضائل. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن أبي الدرداء وابن أبي شيبة والبزار والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن بلال بن أبي الدرداء عنه، وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، ولكن أخرجه أحمد من طريق شهر بن حوشب عن عبد الله بن غنم عنه، وشهر ضعيف، يعتبر به في الشواهد والمتابعات. وهذه كلها شواهد تشهد له، ولعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اعتمد هذا الحديث من أجل هذه الشواهد.

المقدمة [10]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [10] لقد قدم أصحاب رسول الله الكثير والكثير، حتى اهتز عرش الرحمن جل جلاله لمقدم سعد بن معاذ، وكان رسول الله يكرم أصحابه فكان لا يراهم إلا تبسم كما كان يفعل مع جرير، وخيارهم وأفضلهم من شهد معركة بدر مع رسول الله، ولقد ظهرت آثار دعوة رسول الله لابن عباس حتى كان ترجمان القرآن.

فضل سعد بن معاذ رضي الله عنه

فضل سعد بن معاذ رضي الله عنه

شرح حديث: (لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا)

شرح حديث: (لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل سعد بن معاذ رضي الله عنه: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرقة من حرير، فجعل القوم يتداولونها بينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذا؟ فقالوا له: نعم يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده! لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا)]. هذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمة الله عليهما، وهو حديث فيه بيان فضيلة سعد بن معاذ رضي الله عنه. قوله: (أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم سرقة) يعني: قطعة من قماش من حرير، قال: (فجعل الصحابة يتداولونها -ويعجبون من لينها- فقال: أتعجبون من هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذه) والمناديل يمسح بها العرق فمناديله التي يمسح بها العرق في الجنة خير من هذه السرقة التي من الحرير. وفيه الشهادة له رضي الله عنه وأرضاه بالجنة، وهو الذي اهتز له عرش الرحمن، وهو الذي حكم في بني قريظة: بأن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم ونساؤهم، وهو سيد الأوس رضي الله عنه وأرضاه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اهتز عرش الله عز وجل لموت سعد بن معاذ)]. وهذا رواه الشيخان وفيه فضل سعد بن معاذ، وقوله: (وعرش الرحمن اهتز طرباً وفرحاً)، فيه نظر، وبعضهم قال: (اهتز حزناً) والحزن أقرب من الفرح، يعني: لمكانته وعظم شأنه عند الله عز وجل اهتز عرش الرحمن لموته رضي الله عنه وأرضاه. وسعد بن معاذ شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة من غير العشرة، وكذا بلال شهد له بالجنة وهو من غير العشرة، كما قال (سمعت خشخشة نعليك في الجنة)، وعبد الله بن عمر كذلك مشهود له بالجنة، وكذلك عكاشة بن محصن، وغيرهم من الصحابة كثير. والعشرة لهم ميزة خاصة حيث شهد لهم بأعيانهم، وسردوا في حديث واحد، أما غيرهم فذكروا في أحاديث وأوقات أخرى.

فضل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

فضل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

شرح حديث جرير: (ما حجبني رسول الله منذ أسلمت)

شرح حديث جرير: (ما حجبني رسول الله منذ أسلمت) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي، ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري وقال: اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً)]. رواه الشيخان في فضل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، ومراعاته لأحوال الصحابة، فإن جرير بن عبد الله كان سيداً، والنبي صلى الله عليه وسلم ما حجبه، يعني: كان يستأذن عليه فيأذن له، فما حجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم، ولا رآه إلا تبسم في وجهه، وشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقف على الخيل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: (اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً). فجعل يرتفع على الخيل، وهذا فيه علم من أعلام النبوة، وهذا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. وجرير رضي الله عنه هو الذي أحرق صنم ذي الخلصة، وهو صنم كانت تعبده دوس، وهو الذي بايعه النبي صلى الله عليه وسلم على الشهادتين، قال: (بايعني الرسول صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم)، وقد اعتنى بهذه البيعة، فلما مات المغيرة بن شعبة وكان أمير الكوفة خطب الناس ونصحهم ووعظهم، فقال لهم: (اثبتوا حتى يأتيكم أمير)، ويعتبر هذا من النصيحة التي بايعه عليها النبي صلى الله عليه وسلم.

فضل أهل بدر

فضل أهل بدر

شرح حديث فضل من شهد بدرا من الصحابة والملائكة

شرح حديث فضل من شهد بدراً من الصحابة والملائكة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل أهل بدر. حدثنا علي بن محمد وأبو كريب قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال: (جاء جبريل عليه السلام أو ملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون من شهد بدراً فيكم؟ قالوا: خيارنا، قال: كذلك هم عندنا خيار الملائكة)]. فهذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله لبيان الأحاديث الواردة في فضل أهل بدر، وهم المجاهدون من الصحابة رضوان الله عليهم، الذين حضروا أول مشهد كان للنبي صلى الله عليه وسلم وهو غزوة بدر، وهي الفاصلة بين الإيمان والكفر، وبدر مكان بين مكة والمدينة، وهي الآن بلد تسمى ببدر، وفيها حصلت الواقعة والغزوة بين حزب الله وأوليائه نبي الله وأصحابه، وبين كفار قريش، فهزم الله كفار قريش، وقتل صناديدهم، وقتل منهم سبعون وأسر سبعون، وفرق الله فيها بين الحق والباطل، وسماها الله يوم الفرقان فقال: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال:41]. وفي هذا الحديث بيان فضل الصحابة الذين حضروا هذه الغزوة، وأنهم من أفضل الناس، ولهذا قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون أهل بدر فيكم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خيارنا) يعني: من أفضل الناس ومن أفضل الصحابة، فقال جبريل: (وكذلك من شهد بدراً من الملائكة)، وهذا فيه دليل على أن الملائكة شهدوا بدراً وقاتلوا، وهذا دل عليه القرآن الكريم، كما في قوله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9]. ذكر الله تعالى هذا في سورة آل عمران وفي سورة الأنفال، فالملائكة قاتلوا مع المؤمنين، والملائكة الذين حضروا لهم مزية فضل على غيرهم، كما أن الصحابة الذين شهدوا بدراً لهم مزية، ولهذا قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون من شهد بدراً فيكم؟ قالوا: خيارنا، قال: كذلك هم عندنا خيار الملائكة). يعني: أنهم خيار، وفي اللفظ الآخر: (أنهم أفضل الملائكة). والحديث فيه أن الله تعالى أمد المؤمنين بألف من الملائكة، كما قال تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125]. فمد الله المؤمنين بالملائكة يقاتلون معهم ويؤيدونهم، يزلزلون الكفار وينشرون الرعب في قلوبهم.

شرح حديث: (لا تسبوا أصحابي)

شرح حديث: (لا تسبوا أصحابي) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا جرير ح وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو معاوية جميعاً عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)]. وهذا فيه فضل الصحابة المتقدمين. وهذا الحديث له سبب، وهو أنه كان بين خالد بن الوليد رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف شيء من سوء التفاهم، فكأن خالداً تكلم على عبد الرحمن بن عوف، فالنبي صلى الله عليه وسلم خاطب خالداً ومن كان مثله من الذين تأخرت صحبتهم، فقال: (لا تسبوا أصحابي) يعني: لا تسبوا أصحابي الذين تقدمت صحبتهم، فهو خطاب للصحابة الذين تأخرت صحبتهم؛ لأن عبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين الذين أسلموا قبل الفتح وهاجروا. والسابقون الأولون الصواب أنهم هم الذين أسلموا قبل الفتح قبل صلح الحديبية، فصلح الحديبية هو الحد الفاصل بين من أسلم قبل الفتح فهو من السابقين الأولين، وبين من أسلم بعد الفتح فليس منهم، فـ عبد الرحمن بن عوف ممن أسلم قبل الفتح وهاجر وأنفق، وخالد بن الوليد تأخر إسلامه فلم يسلم إلا بعد صلح الحديبية، وهناك أيضاً جمع ممن تأخر إسلامه ولم يسلم إلا بعد الفتح كـ أبي سفيان وابنيه: معاوية ويزيد، فإنهم أسلموا يوم الفتح، بعد إسلام خالد، فـ خالد لم يسلم إلا بعد صلح الحديبية وقبل يوم الفتح، وأبو سفيان ومعاوية أسلموا يوم الفتح. فالصحابة طبقات، فالسابقون هم الذين أسلموا قبل الفتح قبل صلح الحديبية، وقيل: هم الذين صلوا إلى القبلتين، لكن هذا مرجوح، والصواب أنهم هم الذين أسلموا قبل الفتح، كما أخبر الله تعالى في كتابه الكريم وبين ذلك فقال: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:10]. ثم قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] يعني: السابقون واللاحقون كلهم موعودون بالجنة. فلما حصل سوء تفاهم بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كأن خالداً سبه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال يخاطب خالداً: (لا تسبوا أصحابي) أي: لا تسبوا أصحابي الذين تقدمت صحبتهم، وهذا خطاب لمن تأخرت صحبتهم، يقول: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده) وهو عليه الصلاة والسلام الصادق وإن لم يقسم، ولكن أقسم للتأكيد، وفيه إثبات صفة اليد لله عز وجل، فأنفس العباد بيد الله، قال: (فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم) أي: أيها المتأخرون في الصحبة، (مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، النصيف: النصف، والمد: هو ملء كفي الرجل المتوسط والصاع أربعة أمداد، فلو أنفق عبد الرحمن مداً -مثلاً- من الدراهم أو من الذهب أو نصف المد، وأنفق خالد مثل أحد ذهباً، لسبقه عبد الرحمن؛ لتقدم صحبته، هذا وهم صحابة، فكيف بمن لم يكن من الصحابة ممن بعدهم؟ والحديث فيه فضل الصحابة رضوان الله عليهم، وأنهم متفاضلون، وفيه فضل عبد الرحمن بن عوف وأنه من السابقين الأولين رضي الله عنه وأرضاه، وهو ممن شهد بدراً، وأما خالد فإنه فاته ذلك، فلم يشهد بدراً؛ لأنه تأخر إسلامه.

شرح أثر عمر: (لا تسبوا أصحاب محمد)

شرح أثر عمر: (لا تسبوا أصحاب محمد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن نسير بن زعلوق قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره)]. وهذا الحديث لا بأس بسنده، ونسير لا بأس به، قال في الزوائد: إسناده صحيح. وفيه فضل الصحابة، وأن من بعدهم لا يلحقهم.

فضل الأنصار

فضل الأنصار

شرح حديث: (من أحب الأنصار أحبه الله)

شرح حديث: (من أحب الأنصار أحبه الله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل الأنصار. حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا: حدثنا وكيع عن شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله) قال شعبة: قلت لـ عدي: أسمعته من البراء بن عازب؟ قال: إياي حدث]. وهذا الحديث لا بأس به، وفيه فضل الأنصار، وأن من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله؛ وذلك لأن الأنصار ناصروا الله ورسوله والمؤمنين، وآووا المهاجرين، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله، ولهذا بوب البخاري رحمه الله باب: حب الأنصار علامة الإيمان، وبغض الأنصار علامة النفاق، فالذي يبغض أنصار الله وأنصار دين الله هذا دليل على نفاقه، وعلى مرض في قلبه، ومن أحبهم فهذا دليل على إيمانه. والحديث فيه إثبات المحبة لله عز وجل على ما يليق بجلالته وعظمته، خلافاً لمن أنكر المحبة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، والأشاعرة يفسرونها بالإرادة. والمراد بالأنصار: الأوس والخزرج الذين ناصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كل من ناصر دين الله في كل زمان، فحبهم دليل على الإيمان، وبغضهم دليل على النفاق؛ لأن من أبغض أنصار الله وأنصار دين الله فإن ذلك يدل على مرض في قلبه، ومن حبهم فإن ذلك يدل على إيمانه.

شرح حديث: (الأنصار شعار والناس دثار)

شرح حديث: (الأنصار شعار والناس دثار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال: حدثنا ابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الأنصار شعار والناس دثار، ولو أن الناس استقبلوا وادياً أو شعباً واستقبلت الأنصار وادياً لسلكت وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار)]. وهذا الحديث رواه الشيخان، وفيه فضل الأنصار، وأن لهم فضلاً على غيرهم، وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم وله سبب، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم يوم حنين وأعطى المؤلفة قلوبهم، ليتألفهم عليه الصلاة والسلام على الإسلام، حتى يتقوى إيمانهم، والذين أسلموا قديماً لم يعطهم بل وكلهم إلى إيمانهم، ولم يعط الأنصار، فتكلم بعض شباب الأنصار حدثاء الأسنان وقالوا: غفر الله لرسول الله؛ يعطي صناديد قريش ويتركنا! فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجتمعوا في خيمة ضربت لهم، وقال: لا يأت معهم غيرهم، فخطبهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما كلمة بلغتني عنكم أنكم قلتم كذا وكذا؟ فقال الأنصار رضي الله عنهم: يا رسول الله! أما العقلاء فلم يتكلم أحد، وأما شباب منا حدثاء الأنسان فقالوا: غفر الله لرسول الله يعطي صناديد قريش ويتركنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد كنتم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي، وكنتم متفرقين فجمعكم الله بي). يعني: أنا أتألفهم بشيء من لعاعة الدنيا، على الإسلام، ثم قال: (ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ الأنصار شعار والناس دثار). والشعار هو: الثوب الذي يلي الجسد، والدثار: الثوب الذي فوقه، يعني: هم أقرب وألصق الناس به عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم خاصته. ثم قال: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ثم قال: اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار). فبكوا رضي الله عنهم، حتى أخضلوا لحاهم، وقال: (لو شئتم لقلتم: كنت طريداً فآويناك، وكنت فقيراً فأغنيناك، وكنت وكنت، وكلما تكلم النبي قالوا: الله ورسوله أمن) وبكوا رضي الله عنهم حتى أخضلوا لحاهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وفي هذا فضل الأنصار. ثم قال: (أيها الناس! أنا أعطي الناس شاة وبعيراً أقسمها عليهم، يذهبون بالشاة والبعير إلى بيوتهم، وأنتم تذهبون بنبي الله إلى دياركم)، وفي اللفظ الآخر: (فوالله! لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به)، أي: أنتم تنقلبون وترجعون بالرسول عليه الصلاة والسلام، وهم يرجعون بالمال، أي: أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يقسم الغنائم ويتألف على الإسلام، فأعطى بعض الصناديد وبعض رؤساء القبائل الذين أسلموا، كل واحد أعطاه مائة من الإبل؛ حتى يتقوى إسلامه وإيمانه. فـ عيينة بن حصن أعطاه مائة، وهكذا جماعة من رؤساء القبائل في نجد أعطاهم مائة مائة من الإبل؛ لأنهم أسلموا حديثاً؛ حتى يتقوى إيمانهم. وهذا الحديث في سنده عبد المهيمن وهو ضعيف، لكن الحديث ثابت؛ فقد رواه البخاري في صحيحه، ومتن الحديث صحيح مع اختلاف في بعض الألفاظ من تقديم وتأخير. وهو ثابت في البخاري بهذا اللفظ: (الأنصار شعار والناس دثار، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار). قوله: (الله ورسوله أمن) هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي عهده يقال: الله ورسوله أمن؛ لأن هذا النص دل على هذا، وهذا كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة:59]. فالمن يكون لله ورسوله، لكن في حياته؛ لأنه كان يعطيهم شيئاً من المال، بخلاف الرغبة؛ فإنه يقال: إنا إلى الله راغبون، ولا يقال: إنا إلى الله ورسوله؛ لأن الرغبة خاصة بالله، والمنة تكون لله ولرسوله.

شرح حديث: (رحم الله الأنصار وأبناء الأنصار)

شرح حديث: (رحم الله الأنصار وأبناء الأنصار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا خالد بن مخلد قال: حدثني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار)]. وهذا السند فيه ضعف من أجل كثير فإنه ضعيف، لكن الحديث ثابت أيضاً في الصحيح. قوله: (اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار) قال بعضهم: يراد به القرون الثلاثة، وقيل: المراد به الأنصار بخصوصهم. وفيه فضل الأنصار، وفضل من نصر دين الله، فإنه وإن كان المراد بهم الأنصار الأوس والخزرج إلا أن كل من نصر دين الله فله الفضل، فحبه دليل على الإيمان وبغضه دليل على النفاق. ومن أبغض أهل الخير، وأبغض الدعاة، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإن ذلك يدل على نفاق ومرض في قلبه، وضعف في إيمانه، ومن أحبهم فذلك دليل على إيمانه. وهذه قاعدة: كل من أبغض العلماء، وأهل الخير، والدعاة، والمصلحين، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فهذا يدل على ضعف إيمانه، ومرض في قلبه، نسأل الله السلامة والعافية، ولهذا يقول الطحاوي رحمه الله في الصحابة: وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. فحب الصحابة دين وإيمان، وكذلك حب من بعدهم من الدعاة المصلحين، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. ومما ورد في فضل الأنصار حديث: (استوصوا بالأنصار خيراً فإن الناس يزيدون وإن الأنصار على هيئتها لا تزيد).

فضل ابن عباس رضي الله عنهما

فضل ابن عباس رضي الله عنهما

شرح حديث ابن عباس: (ضمني رسول الله إليه وقال اللهم علمه الحكمة)

شرح حديث ابن عباس: (ضمني رسول الله إليه وقال اللهم علمه الحكمة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فضل ابن عباس رضي الله عنهما. حدثنا محمد بن المثنى وأبو بكر بن خلاد الباهلي قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: (ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وقال: اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب)]. وهذا فيه فضل ابن عباس، والحكمة هي السنة، وتأويل الكتاب يعني: تفسير القرآن، وقد جاء في الصحيح بلفظ: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)]. وقد ظهرت آثار هذه الدعوة في فضل ابن عباس وعلمه، فقد أعطاه الله علماً جماً، في تفسير القرآن، قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث مرات أقف عند كل آية وأسأله عن تفسيرها، وهذا من آثار دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).

المقدمة [11]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [11] الخلاف منه المستساغ الجائز، ومنه المذموم المحظور، والخوارج قد خالفوا أهل الإسلام خلافاً مذموماً، وفتحوا على الأمة باباً قبيحاً مشئوماً، فلم يكن عند الصحابة الكرام تكفير لأحد بمطلق المعاصي والآثام، وإنما ابتدع ذلك هؤلاء الطغام، وكذا للقوم عقائد أخر نابذوا بها أهل الإسلام واستحلوا دماءهم وأموالهم، فالله المستعان.

ذكر الخوارج

ذكر الخوارج

شرح حديث علي في الخوارج

شرح حديث علي في الخوارج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: في ذكر الخوارج. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال، وذكر الخوارج. فقال: (فيهم رجل مخدج اليد أو مودن اليد أو مثدون اليد. ولولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)، قلت: أنت سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي ورب الكعبة! ثلاث مرات]. هذا فيه ذم الخوارج، والخوارج هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته، وأنكروا عليه وقاتلوه، فقاتلهم رضي الله عنه وقتلهم، وهم عباد، أي: عندهم عبادة عظيمة، لكن لهم رأي فاسد، يكفرون المسلمين بالمعاصي. وسبب خروجهم هو أنهم حصلت لهم هذه الشبهة، وصاروا يكفرون المسلمين بالمعاصي، فمن ارتكب الكبيرة كفر عندهم، فالزاني يكفرونه، وكذا السارق وشارب الخمر ونحوهم، فأنكر عليهم الصحابة، وأنكر عليهم علي رضي الله عنه وقاتلهم حتى قتلهم، وحصل بينه وبينهم معارك. والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن آيتهم: هذا الرجل مخدج اليد أو مثدون اليد يعني: ناقص اليد، أي: إحدى يديه ليس في طرفها سوى لحمة فيها شعيرات، ولما حصل بين علي رضي الله عنه وبينهم قتال فتشوا في القتلى حتى وجدوه، فكبر علي رضي الله عنه. والخوارج جاءت فيهم أحاديث صحيحة متواترة، وهم عباد، لكن عندهم هذه العقيدة الفاسدة، وهي أنهم يكفرون المسلمين بالمعاصي، ويحملون الآية التي في الكفرة على عصاة المسلمين. قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وصيامه عند صيامهم) فهم يصلون الليل ويتأوهون ويبكون، ويصومون النهار، وهم شجعان في القتال، فلا أحد يقف أمامهم، لكن عندهم العقيدة الخبيثة، يقول فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية). يقول علي رضي الله: (لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله من قتلهم) يعني: من الأجر والثواب الذي يكون لمن قتلهم. ومن العلماء من قال في الخوارج: إنهم كفار، وسيأتي ذكر الأحاديث في الخوارج والحكم فيهم، ومن كفرهم معناه: أنه لا يصلى خلفهم، ومن لم يكفرهم قال: إن الصلاة خلفهم صحيحة، والإباضية طائفة من الخوارج، والخوارج هم ما يقارب من اثنتين وعشرين فرقة، وكذلك الشيعة.

شرح حديث: (يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان)

شرح حديث: (يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن عامر بن زرارة، قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول الناس، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون عن الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن لقيهم فليقتلهم، فإن قتلهم أجر عند الله لمن قتلهم)]. وهذا الحديث جاء معناه في الصحيح، وفيه وصف الخوارج، وأنهم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام. ومعنى: (حدثاء الإسلام) أي: صغار السن، ومعنى: (سفهاء الأحلام) أي: عقولهم ضعيفة، (يقولون من خير قول الناس) وفي اللفظ الآخر في الصحيح: (يقولون من قول خير البرية). وقوله: (يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم)، وفي لفظ آخر: (لا يجاوز تراقيهم) وفي اللفظ الآخر:: (لا يوجد حناجرهم)، وفي لفظ آخر: (يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وصيامه عند صيامهم، يمرقون من الدين)، وفي لفظ: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية). وقوله: (فمن لقيهم فليقتلهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله)، وفي لفظ آخر: (فإن لقيتهم لأقتلهم قتل عاد). وجمع من أهل العلم على كفر الخوارج، قالوا: هذا يدل على كفرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، وفي اللفظ الآخر: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه). وشبههم بقوم عاد وهم كفرة، وأمر بقتلهم وقال: (يمرقون من الإسلام)، وذكر في اللفظ الآخر أن من أوصافهم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان). وجمهور العلماء على أنهم مبتدعة، والصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة، فالجمهور قالوا: إنهم متأولون فلا يكفرون، واستدلوا بقول علي رضي الله عنه لما سئل: أكفار هم؟ قال: (من الكفر فروا)، فالصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة، وأيضاً وردت عنه روايتان رواية بكفرهم ورواية بعدم كفرهم. فالجمهور على أنهم مبتدعة، والصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة ولم يعاملوهم معاملة الكفار، والقول بالكفر قول قوي؛ لهذه الأحاديث. ومن عنده علم له أن يناظرهم كما فعل علي رضي الله عنه، عند أن أذن لـ ابن عباس أن يناظرهم، وخطب فيهم ابن عباس حتى رجع أكثرهم، أي: مجموعة كبيرة من الخوارج استفادوا من خطبة ابن عباس ورجعوا، والباقي استمروا فقاتلهم علي رضي الله عنه. قال المحقق في إسناد هذا الحديث: إسناده حسن، من أجل أبي بكر بن عياش، وعاصم هو ابن بهدلة. ومعنى هذا الحديث ثابت في الصحيحين. وهنا قال: (يخرج في آخر الزمان)، وفي الصحيح: (يخرج قوم) وهذا اللفظ -أي: (في آخر الزمان) - فيه احتمال أن الذين خرجوا في زمان علي هم في آخر الزمان؛ لأن هذه الأمة هي آخر الأمم. والذين خرجوا في زمان علي رضي الله عنه لهم أتباع إلى يوم القيامة يعتقدون عقيدتهم ويكفرون المسلمين بالمعاصي ويرون الخروج عليهم على ولاة الأمور، ولا يرون البيعة لولاة الأمور، وإنما يرون الخروج عليهم؛ لأنهم يكفرون بالمعاصي، ولا يرون البيعة، ولهذا في زمان الدولة الأموية وجدت فرق من الناس كثيرة متعددة قاتلوا الخوارج، وقاتلهم الحجاج بن يوسف سنين. والخوارج أصلهم وأولهم هو الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: (اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل! قال: ويحك! فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ فاستأذن خالد رضي الله عنه في قتله قال: دعه فإنه يخرج من ضئضئي هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية). والخوارج يقابلهم المرجئة، ولا يقارن بينهم، فكل منهما له عقيدة، والمرجئة طبقات، فالمرجئة الغلاة كفرة، وهم الجهم بن صفوان وأتباعه، وهناك مرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه المتأخرون.

شرح حديث أبي سعيد في وصف الحرورية

شرح حديث أبي سعيد في وصف الحرورية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة قال: قلت لـ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في الحرورية شيئاً؟ فقال: (سمعته يذكر قوماً يتعبدون يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصومه مع صومهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، أخذ سهمه فنظر في نصله فلم ير شيئاً، فنظر في رصافه فلم ير شيئاً، فنظر في قدحه فلم ير شيئاً، فنظر في القذذ فتمارى هل يرى شيئاً أم لا)]. وهذا فيه بيان خروجهم من الإسلام، وأنهم يمرقون مروقاً شديداً كما يمرق السهم من الرمية، فإنه إذا دخل السهم في الرمية في الطائر أو في غيره ثم خرج بسرعة من شدة السرعة ما يكون فيه شيء من الدم، ينظر في نصلة في حديدة السهم في ريشة السهم فلا يرى فيها شيئاً من الدم؛ لشدة خروجه وسرعته، فهؤلاء يمرقون من الإسلام مروقاً سريعاً كما يمرق السهم من الرمية، وإذا نظرت في السهم فلا تجد فيه أثراً للدم؛ لشدة خروجه وسرعة خروجه. والحديث فيه أنهم قوم عباد؛ ولهذا قال: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم)، يعني: إذا رأيت أحدهم يصلي الليل ويتعبد ساعتين ثلاثاً أربعاً خمساً تقول: أنا ما عندي شيء، فتحقر صلاتك عند صلاتهم، وإذا رأيت أحدهم يصوم النهار ويواصل الصيام تحقر صيامك عند صيامهم، وهكذا تجد أحدهم يقرأ القرآن كثيراً، لكن عندهم هذه العقيدة الخبيثة، وهي تكفير المسلمين وقتالهم، ولذلك يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان. ومن كفرهم كفرهم لهذه الأحاديث ونحوها، ومن لم يكفرهم قال: إنهم متأولون، وإنهم قوم عباد.

شرح حديث: (إن بعدي من أمتي قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم)

شرح حديث: (إن بعدي من أمتي قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بعدي من أمتي أو سيكون بعدي من أمتي قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شرار الخلق أو الخليفة). قال عبد الله بن الصامت: فذكرت ذلك لـ رافع بن عمرو أخي الحكم بن عمرو الغفاري فقال: وأنا أيضاً قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم]. قوله: (يمرقون من الدين كما يمرقون من الإسلام، ثم لا يعودون إليه) احتج بهذا من كفرهم وقال: هذا دليل على كفرهم؛ لأنهم يمرقون ولا يعودون إليه، وكذلك قوله: (لأقتلنهم قتل قتل عاد)، فإنه شببهم بعاد وهم قوم كفار.

شرح حديث: (ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)

شرح حديث: (ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، قالا: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)]. وهذا الحديث فيه سماك، ورواية سماك عن عكرمة مضطربة، لكن الحديث ثابت من طرق أخرى ومعناه صحيح.

شرح حديث: (كان رسول الله بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم)

شرح حديث: (كان رسول الله بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم، وهو في حجر بلال، فقال رجل: اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل! فقال: ويلك ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل؟! فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله! حتى أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا في أصحاب -أو أصيحاب- له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)]. نسأل الله العافية، وهذا أصل الخوارج، أي: الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه منافق وأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتله، أو أنه من شدة وجده لما لم يعطه شيئاً من الغنائم قال ذلك. والتبر هو الذهب الذي لم يضرب، يقال له: تبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم تألفاً للإسلام، وعلى حسب مصلحة الإسلام والمسلمين، وهذا الرجل -والعياذ بالله- اغتاظ وقال: (اعدل يا محمد!)، وفي اللفظ الآخر: (فهذه قسمة ما أريد بها وجه الله) فقال صلى الله عليه وسلم: (ويلك! من يعدل إذا لم أعدل)، وفي اللفظ الآخر: (ومن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله)، وفي اللفظ الآخر: (يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء). ثم بين أنه يخرج من شبه هذا أو أصحاب لهذا الخوارج الذين يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، فقال: (إن هذا في أصحاب له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).

شرح حديث: (الخوارج كلاب أهل النار)

شرح حديث: (الخوارج كلاب أهل النار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسحاق الأزرق، عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخوارج كلاب النار)]. وهذا الحديث ضعيف للانقطاع بين الأعمش وابن أبي أوفى؛ فإن الأعمش ما أدرك عبد الله بن أبي أوفى، فيكون الحديث منقطعاً، لكن قد جاء له شاهد.

شرح حديث: (ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم)

شرح حديث: (ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا الأوزاعي، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع] قال ابن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [كلما خرج قرن قطع] أكثر من عشرين مرة، [حتى يخرج في عراضهم الدجال)]. يعني: أن الخوارج يتأخرون، وأنهم يستمرون حتى وقت خروج الدجال، فيخرج في عراضهم، يعني: في خداعهم. أي: أن آخرهم يقابله ويناظره، وفي بعض النسخ: (أعراضهم) وهو جمع عرض بفتح فسكون، بمعنى: الجيش العظيم، وهو مستعار من العرض، بمعنى: ناحية الجبل. فالخوارج يستمرون حتى يخرج في زمانهم الدجال.

شرح حديث: (يخرج قوم في آخر الزمان أو في هذه الأمة يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم)

شرح حديث: (يخرج قوم في آخر الزمان أو في هذه الأمة يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا بكر بن خلف أبو بشر، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج قوم في آخر الزمان، أو في هذه الأمة، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم أو حلوقهم، سيماهم التحليق، إذا رأيتموهم أو إذا لقيتموهم فاقتلوهم)]. أي: أن من أوصافهم ومن سيماهم التحليق، يعني: حلق الرأس، فهم يشددون في حلق الرأس، ويتعبدون بحلقه. وفي صفة الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث: (رجل ناتئ الوجه ناتئ الجبين محلوق الرأس). فاعترض على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اعدل يا محمد!) وهو على طريقتهم، وفي الحديث وصف هذا الرجل بأنه ناتئ الجبين محلوق الرأس، فهم يشددون في حلق الرأس، ويتعبدون بحلق الشعر، ويوجبون حلق شعر الرأس، فيستأصلون الشعر، فسيماهم التحليق، والحلق لا بأس به، وإن كان ترك الشعر سنة، كما قال الإمام أحمد: سنة حسنة لو أمكننا اتخذناه، لكن له كلفة ومشقة، لكن الحلق لا بأس به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما يحلق في الحج والعمرة، لكن هؤلاء يتشددون في حلق الرأس واستئصال الشعر، ويتعبدون بحلق الرأس، فصار علامة لهم، فعلامتهم: التحليق.

شرح حديث أبي أمامة في شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتيل

شرح حديث أبي أمامة في شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتيل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا سهل بن أبي سهل، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي غالب، عن أبي أمامة رضي الله عنه يقول: (شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوا، كلاب أهل النار، قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً)، قلت: يا أبا أمامة! هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم]. قوله: (شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء) يعني: الخوارج، فشر من قتل تحت أديم السماء هم الخوارج، وخير من قتل من قتلوه، فمن قتلوه فهو خير قتيل؛ لأنه شهيد، ومن قتل منهم فهو شر قتيل؛ لاعتقادهم الفاسد. وقوله: (كلاب أهل النار) خبر لمبتدأ محذوف، يعني: هم كلاب أهل النار. ثم قال: [(قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً، قلت: يا أبا أمامة! هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. وقوله: (قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً) هذه اللفظة في ثبوتها نظر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صحت فإن الجمهور تأولوها على أن المراد: كفر أصغر لا يخرج من الملة، لكن وإن قال المحققون: إن هذا الحديث صحيح السند، فإن هذه اللفظة في ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم نظر. وفيها ركاكة فتحتاج إلى تأمل، وما أظنه يخلو من المقال. ما أظن هذا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

أصل تسمية الخوارج بهذا الاسم

أصل تسمية الخوارج بهذا الاسم Q أحسن الله إليك يا شيخ! مسمى الخوارج هل هو توقيفي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الخوارج كلاب أهل النار)، أم أنه اجتهادي؟ A إذا ثبت هذا الحديث فيكون توقيفي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

بيان حال الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم وحكم الترضي عنه

بيان حال الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم وحكم الترضي عنه Q أحسن الله إليك الرجل الذي تكلم على النبي صلى الله عليه وسلم هل هو كافر بكلامه حين قال: (اعدل يا محمد)؟ A محتمل، فإن عمر رضي الله عنه قال: (دعني اضرب عنق هذا المنافق) فيحتمل أنه من المنافقين، ويحتمل أنه من شدة غيظه وعدم تحمله القسمة قال ذلك.

حكم من سب الصحابة أو كفرهم

حكم من سب الصحابة أو كفرهم Q فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشهد الله على محبتك في الله، هل يكفر من سب الصحابة؟ A وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله أن يجعلنا من المتحابين فيه، وأن يجعلنا في دار كرامته، السب فيه تفصيل كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول: فإن كان السب سباً لدينهم فهذا كفر، وإن كان السب من أجل الغيظ فلا يكفر، وهذا بخلاف التكفير والتفسيق، فمن كفر الصحابة جميعاً وفسقهم فقد كفر؛ لأنه مكذب لله؛ لأن الله قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء:95] أي: الجنة، فوعد الله الصحابة بالجنة، فمن كفرهم أو فسقهم فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر، أما السب ففيه تفصيل، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن كان السب لدينهم هذا كفر، فيما سوى ذلك تفصيل.

المقدمة [12]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [12] الطريق الأسلم والسبيل الأقوم في باب الأسماء والصفات ألا يطلق الإنسان لعقله العنان في ذلك، بل يقيده بقيد الوحي المعصوم، فما أثبته أثبته وما نفاه نفاه. فيثبتون الرؤية والعلو والسمع والكلام كل ذلك كما يليق برب العزة جل في علاه من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل، وكذا في سائر الأسماء والصفات.

ما جاء فيما أنكرت الجهمية

ما جاء فيما أنكرت الجهمية

شرح حديث جرير في إثبات رؤية الله تعالى

شرح حديث جرير في إثبات رؤية الله تعالى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فيما أنكرت الجهمية. حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي ووكيع، ح وحدثنا علي بن محمد، حدثنا خالي يعلى، ووكيع، وأبو معاوية، قالوا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39])]. هذا حديث عظيم في إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وهو حديث أخرجه البخاري ومسلم رحمه الله، وفيه: أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم عياناً، كما يرون القمر ليلة البدر، يعني: يرونه رؤية واضحة لا لبس فيها، ولذا قال: (لا تضامون)، يعني: لا يحصل لكم ازدحام في رؤيته، كما أن الإنسان ينظر إلى القمر ولا يزدحم مع غيره ولا تحصل له مشقة في ذلك، وكذلك يرى المؤمنون ربهم، وليس المراد تشبيه الله بالقمر تعالى الله، فالله سبحانه لا يشبه أحداً من خلقه، ولكن المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي، والمعنى: أنكم سترون ربكم رؤية واضحة كما ترون القمر رؤية واضحة. وفيه دليل على أن المحافظة على هاتين الصلاتين من أسباب رؤية الله يوم القيامة، وهما صلاة الفجر وصلاة العصر، ولهذا قال: (فإن استطعم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، الصلاة التي قبل طلوع الشمس هي الفجر، والصلاة التي قبل غروبها هي العصر، ويجتمع في هاتين الصلاتين ملائكة الليل وملائكة النهار، ففي صلاة الصبح يصعد ملائكة الليل، وينزل ملائكة النهار، وفي صلاة العصر يصعد ملائكة النهار وينزل ملائكة الليل، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39]، قبل طلوع الشمس: صلاة الفجر، وقبل غروبها: صلاة العصر. وفيه الرد على الجهمية الذين أنكروا رؤية الله - وهذا هو الشاهد من الترجمة - وقالوا: إن المؤمنين لا يرون ربهم يوم القيامة، وكذلك المعتزلة، فالجهمية أنكروا الصفات كلها، والمعتزلة فسروا الرؤية بالعلم، فقالوا: (ترون ربكم) أي: تعلمون ربكم كما ترون القمر، وتعلمون أن لكم رباً كما تعلمون أن القمر قمراً، هكذا تأولوه والعياذ بالله، وهذا من أبطل الباطل. كانت الرؤية من المسائل التي أنكرتها الجهمية، ولهذا أدخلها المؤلف رحمه الله في باب ما أنكرت الجهمية، وكذلك المعتزلة. الأشاعرة أثبتوا الرؤية، لكن نفوا المكان والجهة، فقالوا: يرى لا في جهة محدودة، قيل لهم: من فوق؟ قالوا: لا، من تحت؟ لا، يمين؟ لا، شمال؟ لا، أمام؟ لا، خلف؟ لا، أين يرى؟! يقولون: يرى لا في جهة، هذا غير معقول وغير متصور، ولهذا قيل: إن حقيقة قولهم هو نفي الرؤية لأنهم ما أرادوا الرؤية، ولو أرادوا الرؤية لأثبتوا الجهة، ولا يمكن أن يكون المرئي إلا في جهة من الرائي، ولهذا أنكر جماهير العقلاء، وضحكوا من قول الأشاعرة، من أنه يرى بدون مواجهة للرائي، لا بد أن يكون الرائي مواجهاً للمرئي، مبايناً له، أما رؤية في غير جهة فغير معقولة ولا متصورة. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن المؤمنين يرون القمر من فوقهم كما في الأحاديث الصحيحة، ومعلوم أن القمر من فوقنا، فنرى الله من فوقنا.

شرح حديث أبي هريرة في إثبات رؤية الله تعالى

شرح حديث أبي هريرة في إثبات رؤية الله تعالى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تضامون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا، قال: فكذلك لا تضامون في رؤية ربكم يوم القيامة)]. وهذا فيه استفهام، يعني: هل تضامون؟ قالوا: لا، على حذف حرف الاستفهام، قال: فإنكم سترون ربكم كما أنكم ترون القمر لا يحصل لكم ضيم. وهذا الحديث كما سبق أصله في الصحيح، ولكن هذا السند ضعيف؛ لأن يحيى بن عيسى التميمي النهشلي الكوفي نزيل الرملة ضعيف، ومعناه صحيح.

شرح حديث أبي سعيد في إثبات رؤية الله تعالى

شرح حديث أبي سعيد في إثبات رؤية الله تعالى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء الهمداني، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن أبي صالح السمان، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (قلنا: يا رسول الله! أنرى ربنا؟ قال: تضامون في رؤية الشمس في الظهيرة في غير سحاب؟ قلنا: لا، قال: فتضارون في رؤية القمر ليلة البدر في غير سحاب؟ قالوا: لا، قال: إنكم لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤيتهما)]. جاء في رواية (تضارون) ورواية أخرى: (تضامون) يعني: لا يحصل لكم ضيم، وهي بضم الميم وتشديد النون، والمعنى: تزدحمون. وهذا إسناد غير محفوظ كما قال الترمذي في تعليقه على الحديث السابق، وهو في الصحيحين كما سيأتي في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتضامون في رؤية الشمس صحواً ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: هل تضامون في رؤية القمر ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك).

شرح حديث أبي رزين في إثبات رؤية الله تعالى

شرح حديث أبي رزين في إثبات رؤية الله تعالى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! أنرى الله يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: يا أبا رزين! أليس كلكم يرى القمر مخلياً به؟ قال قلت: بلى، قال: فالله أعظم، وذلك آية في خلقه)]. وهذا في سنده وكيع بن حدس، يقال: حدس بالحاء، ويقال: عدس بالعين والدال، وحدس أو عدس قال الحافظ في التقريب: مقبول، والحديث له شواهد، وفيه إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، ولهذا قال: أليس كلكم يرى القمر مخلياً به؟ يعني: منفرداً لا يزدحم مع غيره، فكما أنكم ترون القمر منفردين فكذلك يرى المؤمن ربه يوم القيامة بدون مشقة. وهل رؤية الله خاصة بالمؤمنين؟ المؤمنون هم الذين يرون ربهم يوم القيامة في الجنة، أما غير المؤمنين ففيه خلاف، وهناك ثلاثة أقوال لأهل العلم، فقيل: يرونه جميعاً الكفار والمنافقون والمؤمنون في موقف القيامة، ثم يحتجب عن الكفار والمنافقين. وقيل: لا يراه إلا المؤمنون والمنافقون كما في الحديث الصحيح الذي فيه: أن المؤمنين يرون ربهم مع المنافقين بعد أن يذهب الكفار ويتساقطون في النار مع من عبدوهم من دون الله، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، كما في الحديث الصحيح الذي في البخاري: (تبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيتجلى لهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، قال: أليس بينكم وبينه علامة - جعل الله لهم علامة وهي كشف الساق - فإذا كشف الساق سجدوا له) أي: سجد له المؤمنون، فإذا أراد المنافقون أن يسجدوا صار ظهر كل واحد منهم طبقاً، فهذا معنى قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42]. فظاهره أن المنافقين يرون الله مع المؤمنين؛ لأنهم كانوا معهم في الدنيا؛ ولأنهم أظهروا الإسلام، ثم بعد ذلك إذا ذهب المؤمنون والمنافقون في العبور على الصراط ينطفئ نور المنافقين، ويضرب بينهم وبين المؤمنين كما قال الله: {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13]. وقال آخرون: لا يراه إلا المؤمنون خاصة، فهذه ثلاثة أقوال لأهل للعلم. والمؤمنون يرون ربهم أربع مرات في الموقف كما جاء في حديث الرؤيا في الصحيحين وفي غيرها، وروي هذا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، أنهم يرونه أولاً، ثم يرونه مرة في غير الصورة التي يعرفون؛ فينكرون، ثم يتجلى لهم في الصورة التي يعرفون؛ فيسجدون، ثم إذا رفعوا رءوسهم رأوه في الصورة التي رأوه فيها أول مرة.

شرح حديث أبي رزين في إثبات ضحك الله تعالى

شرح حديث أبي رزين في إثبات ضحك الله تعالى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال قلت: يا رسول الله! أو يضحك الرب؟ قال: نعم، قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً)]. هذا الحديث أيضاً فيه وكيع بن حدس، وإن كان مقبولاً، لكن له شواهد، وقد اعتمده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية واحتج به لشواهده، وفيه إثبات ضحك الله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته. وفيه الرد على من أنكر الضحك من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وتأول بعضهم فقال: الضحك عبارة عن الرضا، السدي في تعليقه على السيوطي، وكذلك على ابن ماجه يقول: الضحك الرضا، فهذا تأويل، والرضا غير الضحك، ففيه إثبات ضحك الله على ما يليق بجلاله وعظمته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره)، (قنوط عباده) يعني: يأسهم، إذا تأخر عنهم المطر يئسوا و (قرب غيره) يعني: التغير من حال إلى حال، فالله تعالى يغير من حال الشدة إلى حال الرخاء، ولهذا قال: (ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) وفي الحديث الآخر: (عجب ربنا) وفيه إثبات العجب، وفي اللفظ الآخر: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره)، يعني: أنهم يقنطون وييأسون، والله تعالى يعلم أن فرجهم قريب، وأنه سيغير حالهم من الشدة إلى الرخاء. قوله: [(ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال: قلت يا رسول الله! أيضحك الرب؟ قال: نعم، قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً)]. وهذا واضح في إثبات الضحك، قال أبو رزين: لن نعدم من رب يضحك خيراً، يعني: أن الخير في يديه سبحانه وتعالى، فيثبت الضحك لله، وفي اللفظ الآخر: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، ينظر إليكم أزلين يعلم أن فرجكم قريب)، فهم عندهم يأس، وظنوا أنه سيستمر في الشدة والقحط، والله تعالى يعلم أن فرجهم قريب، فلهذا عجب ربنا من قنوط عباده مع قرب غيره، يعني: تغيير الشيء من حال إلى حال، وتغيير أحوالهم من الشدة إلى الرخاء. وصفة الضحك هنا على طريقة الأشاعرة تؤول بالرضا، وهذا أحياناً يذكره بعض علماء السنة.

شرح حديث: (أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه)

شرح حديث: (أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن الصباح، قالا: حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وما ثم خلق، عرشه على الماء)]. ذكر في الشرح: وما ثم خلق إلى آخره، هكذا في نسخ ابن ماجه معتمداً، والظاهر أن قوله (وما) تأكيداً للنفي السابق، ويحتمل أن يكون (ثم) بفتح المثلثة اسم إشارة للمكان. ويحتمل أن يكون: (وما فوقه هواء وما). قوله: (وما ثم خلق) إذا كان بالنفي فالعماء خلق، وهو السحاب الرقيق، والهواء خلق إلا إذا أريد به الفضاء، وهذا الحديث في سنده وكيع بن عدس أو حدس وهو مقبول، ولكن له شواهد. قوله: (كان في عماء) (في) ظرفية مثل: في السماء، يعني: فوق السحاب، وهذا السحاب ما فوقه هواء وما تحته هواء، و (ما) موصولية بمعنى الذي، والسدي ذكر بأن (ما) نافية، ويقول: المعنى ما فوقه هواء، وما تحته هواء، وليس فوقه هواء وهذا غلط، بل هي موصولية، بمعنى: كان في عماء - هواء - والذي تحته هواء، فهو كان فوق السحاب كما هو الآن فوق العرش بعد خلقه، ولا يحتاج سبحانه وتعالى إلى العرش ولا إلى السحاب. قوله: [(ثم خلق عرشه على الماء)]. وهذا هو الأقرب، أي: كان فوقه هواء وماء، ثم خلق عرشه على الماء. لأنه يسأل يقول: أين كان ربنا؟ يعني: قبل خلق السماوات والأرض، أو قبل أن يخلق الخلق؟ قوله: [قال: قلت: (يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه)]. يعني: قبل أن يخلق الخلق جميعاً، والعرش من خلقه، قال: كان في عماء فوقه هواء، والذي تحته هواء، ثم خلق العرش على الماء، والحديث فيه ضعف.

شرح حديث: (يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه)

شرح حديث: (يُدنَى المؤمنُ من ربه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا حميدة بن مسعدة، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن محرز المازني، قال: بينما نحن مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر! كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في النجوى؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، ثم يقرره بذنوبه فيقول: هل تعرف؟ فيقول: يا رب! أعرف، حتى إذا بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ قال: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، قال: ثم يعطى صحيفة حسناته، وكتابه بيمينه، قال: وأما الكافر أو المنافق فينادى على رءوس الأشهاد -قال خالد: (في الأشهاد) شيء من انقطاع- (هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)). وهذا أخرجه مسلم في الصحيح مع اختلاف يسير، والمناجاة: هي كلام السر، قال: إن الله تعالى يدني عبده يوم القيامة، ويضع كنفه عليه ويقرره بذنوبه، فإذا أقره بذنوبه ورأى أنه هالك، قال الله: إني سترتها عليك - يعني: في الدنيا - وأنا أغفرها لك اليوم، وهذا من فضله تعالى وإحسانه، والبعض فسر الكنف بالستر كما في الحديث، لكن قد يقال: إن هذا تأويل والله أعلم بالكيفية، ولا شك أن الله تعالى يقرره بذنوبه بينه وبينه، وأما تفسير الكنف بالستر - وإن كان معناه في اللغة الستر - قد يقال: إن هذا صفة من صفات الله، والله أعلم بكيفيته.

شرح حديث: (سلام الله على أهل الجنة)

شرح حديث: (سلام الله على أهل الجنة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا أبو عاصم العباداني، حدثنا الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رءوسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، قال: وذلك قول الله: {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:58]. قال: فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم)]. هذا الحديث الذي أخرجه ابن ماجه رحمه الله ضعيف؛ لأن العباداني هذا ضعيف متهم، والفضل الرقاشي أيضاً ضعيف، لكن الحديث له شواهد، وما دل عليه الحديث كله ثابت، فالحديث فيه إثبات ثلاث صفات من صفات الله، وهي: صفة العلو، وأن الله فوق، ويرونه من فوق، وفيه إثبات صفة الكلام، وأن الله يكلم المؤمنين في الجنة، وإثبات صفة الرؤية، وأن المؤمنين يرون الله. فهذه الثلاث الصفات هي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وأهل البدع، فمن أثبتها فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدع. فالحديث وإن كان ضعيفاً لكن له شواهد، وهذه الصفات كلها ثابتة، قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، لضعف الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي، وفيه أبو عاصم العباداني لين الحديث، قال الكعبي: ليس بحجه. وقال في الزوائد: إسناده ضعيف؛ باتفاقهم على ضعف الرقاشي، وقال السيوطي: أورده ابن الجوزي في موضوعاته، وقال: الفضل الرقاشي رجل سوء، ورواه عنه أبو عاصم، ولا يتابع عليه، كذا ذكره عن العقيلي. قال السيوطي رحمه الله في مصباح الزجاجة: والذي رأيته أنا في كتاب العقيلي ما نصه: أبو عاصم منكر الحديث، والعقيلي يروي له القدر؛ لأنه كاد أن يغلب على حديثه الوهم. وهذا لا يقتضي الحكم بالوضع، وله طريق آخر من حديث أبي هريرة، ذكره في اللآلئ. انتهى.

شرح حديث: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه)

شرح حديث: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر من عن أيمن منه فلا يرى إلا شيئاً قدمه، ثم ينظر من عن أيسر منه فلا يرى إلا شيء قدمه، ثم ينظر أمامه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل)]. وهذا الحديث ثابت في الصحيح، وإن كان في إسناده ضعيف هنا، وفيه أن الناس يوم القيامة تستقبلهم النار، وأن الإنسان يقف بين يدي الله ولا يرى عن يمينه إلا ما قدم، وعن يساره إلا ما قدم، ثم يرى النار أمامه، قال: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد، فبكلمة طيبة). فيه دليل على أن الصدقة وقاية من عذاب النار، وأن الكلام الطيب يقوم مقام الصدقة عند عدمها، فإذا لم يجد الإنسان شيئاً فالكلام الطيب، فيعد الفقير ويقول: إن شاء الله تأتينا في وقت آخر، إن شاء الله يأتينا الخير، ويرده بكلام طيب. وفي الحديث: أن الإنسان يرى عمله يوم القيامة، فلا يرى عن يمينه إلا ما قدم، وعن يساره إلا ما قدم، ثم يرى النار أمامه فاتقوا النار ولو بشق تمرة، وذلك أن نصف تمره تفيد الفقير، فيعطيه شخص نصف تمرة وآخر تمرة، وهكذا يجمع له خير، فمن لم يجد حتى نصف تمرة فكلمة طيبة، يرد بها الفقير. جاء في الصحيح أن امرأة جاءت إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تسأل ومعها ابنتان لها، فلم تجد عند أم المؤمنين إلا تمرة واحدة، ما وجدت إلا تمرة واحدة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطت التمرة هذه المسكينة فشقتها بين ابنتيها، وأعطت كل واحدة نصفاً ولم تأكل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله أوجب لها الجنة) وفي لفظ آخر: أن امرأة جاءت تسأل ومعها ابنتاها، فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، ورفعت إلى فيها التمرة الثالثة لتأكلها، لكن البنتين كل واحدة أكلت التمرة بسرعة، وجعلت كل واحدة تنظر إلى الأم وإلى التمرة؛ فلما رأت المرأة أنهما ينظران إليها عدلت عن نفسها وشقتها بين ابنتيها، وعائشة تنظر، قالت: فأعجبني شأنها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله أوجب لها بها الجنة)، أي: بهذه الرحمة. لا يحتقر الإنسان شيئاً، فيعطى الفقير ولو ريالاً، فقد يسد حاجتة، ويستطيع أن يشتري له به ماءً، أو خبزة يأكلها في الحال، ولا يعلم أحوال الناس إلا الله، فبعض الفقراء يبيتون جياعاً ولا يعلم عنهم أحد، وبعضهم يستحون، وبعضهم يجلس اليوم واليومين يتضور جوعاً ولا يجد شيئاً، فإذا أعطي الفقير ولو شيئاً يسيراً يسد الفاقة عند شدتها فهذا خير عظيم عند الله. وفي الحديث: إثبات صفة الكلام لله تعالى على ما يليق بجلاله، وتثبت صفات الله تعالى كما هي، ولا تؤول بلازمها، كما يقال: الرضا هو إرادة الثواب، ومن أثر الرضا أن الله يثيب المؤمنين، ومن أثر الغضب أن الله يعاقب الكافرين، وإنما نقول: إن الله يغضب كما يليق بجلاله وعظمته، لكن من لوازم الغضب عقوبة الكافرين. كذلك الرضا صفة ثابتة لله، ومن أثره إثابة المؤمنين، كذلك الرحمة فسرت بالإنعام، يقولون: الإنعام، وهذا أثر من آثار الرحمة. أما الجهمية فإنهم أنكروا الصفات كلها ولم يؤلوها أو يثبتوها، ولذا كفرهم كثير من العلماء وقد ذكر ابن القيم أنهم خمسمائة عالم، فقال رحمه الله: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان. واللالكائي الإمام حكاه عنهم بل حكاه قبله الطبراني. فخمسمائة عالم كفروا الجهمية، قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي أقوال الجهمية لخبثها وشرها. وقال كثير من السلف: إن أقوال الجهمية تدور على أنهم يقولون: ليس فوق العرش إله؛ لأنهم نفوا الأسماء والصفات لله، وهذا يفيد العدم نسأل الله السلامة والعافية، وبعض العلماء أخرجهم من الثنتين والسبعين فرقة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فهذه فرق المبتدعة كلها متوعدة بالنار، والجهمية تخرج من هذه الفرق؛ لأنهم كفار، وكذلك غلاة القدرية الذين ينكرون العلم والكتاب، وكذلك الرافضة، فأخرجوا هذه الفرق الثلاث من فرق الأمة وجعلوهم كفاراً. ومن العلماء من بدعهم، ومن العلماء من كفر الغلاة دون العامة.

شرح حديث: (جنتان من فضة آنيتها وما فيهما)

شرح حديث: (جنتان من فضة آنيتها وما فيهما) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عبد الصمد عبد العزير بن عبد الصمد، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الأشعري، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)]. هذا الحديث فيه إثبات رؤية المؤمنين لربهم عز وجل، وهي من النعيم الذي يؤتاه أهل الجنة، بل أفضل نعيم يعطاه أهل الجنة هو رؤية المؤمنين لربهم عز وجل، والحديث صحيح رواه البخاري ومسلم، وفيه الرد على من أنكر الرؤية من الجهمية والمعتزلة. قوله صلى الله عليه وسلم: (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه) فيه أن الكبرياء صفة من صفاته سبحانه وتعالى، وفي الحديث الآخر: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما عذبته)، فالكبرياء والعظمة من صفات الله، قال تعالى: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية:37]، ففيه إثبات صفتين: صفة الكبرياء، وصفة الرؤية. وفيه إثبات الجنة والرد على من أنكرها، والمعتزلة يقولون: إن الجنة والنار لا يخلقان إلا يوم القيامة، وهذا باطل، والصواب: أنهما موجودتان الآن، ومخلوقتان دائمتان لا تفنيان، والأدلة الكثيرة دلت على ذلك، فالمؤمن يفتح له باب إلى الجنة وهو في قبره، والكافر يفتح له باب إلى النار، والأرواح تنعم في الجنة وتعذب في النار، فهما موجودتان الآن. أما الأشاعرة فيثبتون الرؤية، لكنهم لا يثبتون الجهة، أي: ينكرون الجهة والعلو، فيقولون: إنه يرى لكن في غير جهة، وهذا قول غير معقول ولا متصور، ولهذا أنكر جماهير العقلاء عليهم وسفهوهم، وضحكوا منهم وقالوا: إن هذا غير متصور في العقول، ولا يمكن أن تكون الرؤية إلا في جهة من الرائي، لا بد أن يكون المرئي مواجهاً للرائي مبايناً له، ولهذا أثبت العلماء أن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم، كما دلت النصوص، وكما سبق في الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته)، يعني: أنكم ترونه رؤية واضحة، كما أننا نرى القمر من فوقنا، فإننا نرى الله من فوقنا، كما في حديث ابن ماجه وإن كان فيه ضعف: أن الرب سبحانه يشرف على أهل الجنة فيقول: (يا أهل الجنة! سلام عليكم). والمعتزلة أنكروا الرؤية والعلو جميعاً، وأهل السنة أثبتوا الرؤية والعلو جميعاً، والأشاعرة أثبتوا الرؤية وأنكروا العلو، فهم يريدون أن يوافقوا المعتزلة في إنكار العلو، ويريدون أن يكونوا مع أهل السنة في إثبات الرؤية، ولكنهم لا يريدون أن يفارقوا المعتزلة في إنكار العلو، فعجزوا عن ذلك فلجئوا إلى حجج سفسطائية مموهة، فقالوا: إنه يرى لا في جهة، وهذا قول غير معقول ولا متصور، والأشاعرة دائماً تجدهم مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولذا تسلط عليهم المعتزلة وقالوا: إنكم قلتم قولاً غير معقول ولا متصور، فيلزمكم إما أن تثبتوا العلو فتكونوا أعداءً لنا مع أهل السنة، أو تنكروا الرؤية فتكونوا أصحاباً لنا معنا، أما أن تبقوا هكذا على القول برؤية بدون جهة، فهذا غير متصور ولا معقول، وقد رد عليهم من جهة العقل وبالنصوص الكثيرة التي دلت على أن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم، كما في حديث (كما ترون القمر) وحديث: (كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب)، ومعلوم أننا نرى القمر والشمس من فوقنا.

شرح حديث صهيب في إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الجنة

شرح حديث صهيب في إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الجنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد القدوس بن محمد، حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، وقال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل الله موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر - يعني: إليه - ولا أقر لأعينهم)]. وهذا حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الزيادة في هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، أنها النظر إلى وجه الله الكريم، وهذا من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد فسر بعض الآيات ومنها هذه الآية، وفسر قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82] بأنه الشرك، واستدل بقوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، ولما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82]، شق ذلك على الصحابة وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! أينا لا يظلم نفسه؟ فقال: (إنه ليس الذي تظنون، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]). فمعنى الآية: (الَّذِينَ آمَنُوا) يعني: وحدوا، (وَلَمْ يَلْبِسُوا) ولم يخلطوا (إِيمَانَهُمْ) أي: توحيدهم، (بِظُلْمٍ): بشرك. فهذه من الآيات التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث، ففسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم، وهو أعظم نعيم يلقاه أهل الجنة، حتى إنهم إذا نظروا إلى وجه الله نسوا ما فيه من النعيم نسأل الله الجنة ونعيمها. وقصد المؤلف رحمه الله بالحديث الرد على الجهمية والمعتزلة الذين ينكرون الرؤية.

شرح حديث عائشة: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات)

شرح حديث عائشة: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها، وما أسمع ما تقول، فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1])]. هذا الحديث فيه إثبات السمع لله عز وجل، وأن الله تعالى يسمع الأصوات، ولا يخفى عليه شيء، وفيه الرد على المعتزلة والجهمية الذين ينكرون السمع لله. المجادلة التي جاءت هي خولة بنت حكيم، حيث أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت، وقال لها: أنت علي كظهر أمي، فجاءت تشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: أشكوا إلى الله صبية إن ضممتهم إلي جاعوا، أو إليه ضاعوا، وقالت: إنه تزوجني وأنا شابة حتى إذا نثر بطني، وأكل مالي، جعلني كظهر أمه فهل من رخصة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أراك إلا قد حرمت عليه) وهي تردد أشكوا إلى الله صبية إن ضممتهم إلي جاعوا أو إليه ضاعوا، ثم نزل الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله صدر سورة المجادلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة:1 - 3]، فأنزل الله الكفارة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أوساً أن يكفر، وتعود إليه زوجته. قالت عائشة رضي الله عنها: إن المجادلة - وهي خولة بنت حكيم - تجادل النبي صلى الله عليه وسلم ويخفى علي شيء من كلامها، ولكن الله لم يخف عليه شيء، فسمع كلامها من فوق سبع سماوات؛ فأنزل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] وفي الآية إثبات سمع الله عز وجل، والرد على المعتزلة والجهمية.

شرح حديث كتاب الله على نفسه أن رحمته سبقت غضبه

شرح حديث كتاب الله على نفسه أن رحمته سبقت غضبه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا صفوان بن عيسى، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: أن رحمتي سبقت غضبي)]. إسناده صحيح، وإن ذكر أن محمد بن عجلان قد اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، فقد روى قبل اختلاطه عن أبي هريرة، والأقرب أن أحاديث ابن عجلان حسنة، وبالمتابعات والشواهد قد تصل إلى درجة الصحة. والترمذي رحمه الله له اصطلاح خاص به، والحديث فيه إثبات صفات عدة لله. ففيه إثبات الكتابة وأنها صفة لله، قال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ} [الأنعام:54]. وفيه إثبات النفس لله عز وجل، وإثبات اليد لله، وإثبات الرحمة والغضب له سبحانه. فنثبت لله الكتابة كما يليق به، وكتب كتابه في اللوح المحفوظ، فهو عنده فوق العرش، وخط التوراة بيده لموسى عليه الصلاة السلام كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه، وهذا من الصفات الفرعية، ونثبت النفس لله عز وجل، أي: أن لله تعالى نفساً لا تشبه نفوس المخلوقين، كما قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:116]، وقال سبحانه: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:28]، وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54]، وأن لله نفساً موصوفة بالصفات الكريمة، ونثبت لله أيضاً اليد والغضب والرحمة كما يليق بجلاله سبحانه. وفي الحديث: الرد على الأشاعرة والمعتزلة والجهمية الذين أنكروا هذه الصفات. وبالنسبة لصفتي النفس والذات فيرى شيخ الإسلام أنهما متقاربتان، ونفسه يعني: ذاته، فالذات هي النفس.

المقدمة [13]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [13] أهل السنة والجماعة يؤمنون بصفات الله كما وردت في الكتاب والسنة من غير تأويل ولا تحريف ولا تمثيل، ومن ذلك صفة الكلام، فالله سبحانه يتكلم بحرف وصوت. وهناك من الفرق من ينكر صفة الكلام لله سبحانه، ومنهم من يقول إنه معنى قائم بنفسه تكلم به جبريل أو النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب أهل السنة حافلة بالرد على هؤلاء وأمثالهم.

تابع ما جاء فيما أنكرت الجهمية

تابع ما جاء فيما أنكرت الجهمية

شرح حديث تكليم الله لعبد الله بن عمرو بن حرام كفاحا

شرح حديث تكليم الله لعبد الله بن عمرو بن حرام كفاحاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ويحيى بن حبيب بن عربي قالا: حدثنا موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري الحزامي قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لما قتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا جابر! ألا أخبرك ما قال الله لأبيك؟ -وقال يحيى في حديثه- فقال: يا جابر! ما لي أراك منكسراً؟ قال: قلت: يا رسول الله! استشهد أبي وترك عيالاً وديناً، قال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحاً، فقال: يا عبدي! تمن علي أعطك، قال: يا رب! تحييني فأقتل فيك ثانية، فقال الرب سبحانه: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: يا رب! فأبلغ من ورائي، قال: فأنزل الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169])]. هذا الحديث تكلم فيه أهل العلم -في طلحة وغيره- ولكن معنى الحديث صحيح، وله شواهد. يقول الشارح فيه: إسناده حسن، وقد توهم البوصيري رحمه الله فعده من زوائد ابن ماجه، بل قال: هذا إسناده ضعيف. طلحة بن خراش قال فيه الأزدي: روى عن جابر مناكير، وذكره الذهبي في الميزان، وموسى بن إبراهيم قال فيه ابن حبان في الثقات: يخطئ. قلت: طلحة صدوق ولا يؤثر فيه قول الأزدي، فهو نفسه متكلم فيه. فـ الأزدي نفسه ضعيف، فإذا طعن في أحد فطعنه فيه نظر، وأيضاً فإن الترمذي قال: حسن غريب ثم أشار إلى رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر مختصراً، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله. والأقرب أنه حسن، وهو حديث عظيم فيه معاني عظيمة، وفيه أن عبد الله بن حرام والد جابر رضي الله عنه لما استشهد يوم أحد خلف بنات وديناً فلحق ابنه جابر هم عظيم، ثم قضى دينه النبي صلى الله عليه وسلم وتزوج امرأة ثيباً حتى تقوم على أخواته. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى جابراً منكسراً قال: (ألا أخبرك بما لقي الله به أباك؟ قال: بلى، قال: إن الله كلم أباك كفاحاً)، يعني: بدون واسطة، وهذه منقبة لـ عبد الله بن حرام رضي الله عنه، وهو مستثنى من قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، فكلمه الله مباشرة بدون واسطة، كما كلم موسى عليه السلام من دون واسطة، وهذا منقبة خاصة بـ عبد الله بن حرام، فكلمه الله وقال له: تمن، قال: يا رب! أن أرد إلى دار الدنيا مرة أخرى حتى أقتل، وذلك لما رأى من فضل الشهادة، حيث صارت منزلته عند الله عالية، وثوابه عظيم، فتمنى أن يرد إلى الدار الدنيا مرة أخرى ويقتل، فقال الله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون، فمن مات لا يرجع إلى الدنيا، إلا من كان آية من الآيات مثل قتيل بني إسرائيل، أحياه الله ثم أخبر من قتله، ثم عاد في الحال. وفيه دليل على بطلان الحديث الذي فيه أن الله أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم له وأنهما آمنا به، وقد ذكره السيوطي رحمه الله، وهذا من خرافاته، ذكر أن الله أحيا أبوي النبي له، وأنهما آمنا به، وكذلك ذكره أبو بكر بن العربي كما مر في تفسير سورة البقرة، في قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} [البقرة:118]، فذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله أن هذا الحديث باطل، وأن الصواب أنه موضوع ولا أساس له من الصحة. وهذا الحديث يدل على بطلانه قوله: (إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون) أي: من مات لا يرجع إلى الدار الدنيا، ولا يفيد الإيمان بعد الموت، ولهذا قال الله تعالى لـ عبد الله بن حرام: (إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: رب أبلغ من ورائي -يعني: في فضل الشهادة- فأنزل الله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]). واليهود والنصارى يعتقدون أن عيسى قتل وصلب، والصحيح أنه رفع حياً كما في نص القرآن: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:158]. قوله: (ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب) يعني: لم يره، أي: أنه كلمه ولكنه لم يره، فموسى عليه السلام كلمه الله من وراء حجاب ولم يره، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كلمه الله ليلة المعراج من وراء حجاب ولم يره، هذا هو الصواب، فهم محجوبون عن الرؤية، ويدل على ذلك حديث مسلم (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر: (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أره) يعني: النور حجاب يمنعني من رؤيته، ولا يستطيع أحد أن يرى الله، هذا هو الصواب. وقال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، وأن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه قول مرجوح.

شرح حديث: (إن الله يضحك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر)

شرح حديث: (إن الله يضحك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يضحك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما دخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد، ثم يتوب الله على قاتله، فيسلم، فيقاتل في سبيل الله فيستشهد)]. وهذا رواه مسلم في صحيحه، وفيه إثبات صفة الضحك لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته، وأهل البدع ينكرون هذه الصفة ويؤولونها، وفيه بيان كيفية كون كل واحد منهما يدخل الجنة وهو أن المسلم يجاهد في سبيل الله فيقتله الكافر، ثم يتوب الله على الكافر فيسلم، فيقاتل فيستشهد، فكلاهما يدخل الجنة.

شرح حديث: (يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه)

شرح حديث: (يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا حرملة بن يحيى ويونس بن عبد الأعلى قالا: حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوى السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟)]. الحديث أخرجه الشيخان وفيه إثبات صفة القبض لله، وأن الله يقبض ويطوي، وهي من الصفات الفعلية، وفيه إثبات اسم الملك لله، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67]. وفيه إثبات عظمة الرب عز وجل، وأن هذه المخلوقات العظيمة لا تساوي شيئاً بالنسبة لعظمة الله، وجاء في الحديث الآخر: (أن الله تعالى يجعل السماوات يوم القيامة على أصبع، والأرضين على أصبع، والماء والثرى على أصبع، والجبال على أصبع، وسائر خلقه على أصبع، ثم يهزهن بيده، ويقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟). وفي الحديث الآخر: (ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم)، والخردلة هي الحبة الصغيرة. فالناس يحشرون يوم القيامة ويحاسبون على أرض مبدلة، بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم ولم يعمل فيها خطيئة، فنفس هذه الأرض تتبدل وتتغير صفاتها، قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} [إبراهيم:48]، فتمد كما يمد الأديم، ويزال ما عليها من الجبال والأشجار، فهذا هو تبديلها وتغييرها.

شرح حديث الأوعال

شرح حديث الأوعال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن الصباح حدثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: كنت بالبطحاء في عصابة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرت به سحابة فنظر إليها فقال: (ما تسمون هذه؟ قالوا: السحاب قال: والمزن؟ قالوا: والمزن، قال: والعنان؟ قال أبو بكر: قالوا: والعنان قال: كم ترون بينكم وبين السماء؟ قالوا: لا ندري قال: فإن بينكم وبينها إما واحداً أو اثنين أو ثلاثاً وسبعين سنة، والسماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سماوات، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، ثم الله فوق ذلك، تبارك وتعالى)]. وهذا الحديث فيه ضعف من جهة عبد الله بن عميرة، وفيه جهالة، وكذلك الوليد بن أبي ثور فيه ضعف، وعبد الله بن عميرة مجهول، ولكن الحديث له شواهد، ولهذا حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب في آخر باب في كتاب التوحيد؛ لأن له شواهد كثيرة تدل على العلو، وفيه إثبات العلو لله عز وجل، وفيه إثبات السماوات السبع، وأن فوق السماء السابعة بحراً بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، ثم ملائكة على صورة الأوعال، يحملون العرش، والله تعالى فوق العرش، وهو الحامل للعرش ولما حول العرش بقوته وقدرته لا يحتاج إلى أحد سبحانه وتعالى. وجاء في الحديث الآخر: إن بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وهنا إحدى أو اثنتان وسبعون، قال العلماء في الجمع بينهما: إن هذا يختلف باختلاف السير، فالسير السريع يكون اثنتان وسبعون سنة، والسير البطيء يكون خمسمائة سنة، فسير المجد السريع يختلف عن السير البطيء. الحديث إسناده ضعيف، والوليد بن عبد الله بن أبي ثور ضعيف، وعبد الله بن عميرة الكوفي مجهول تفرد بالرواية عنه سماك بن حرب، ولم يوثقه سوى ابن حبان، وقال البخاري في تاريخه الكبير: ولا يعلم له سماع من الأحنف، ومن العجب أن الترمذي حسن حديثه هذا، ولعله حسنه لشواهده، وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية. هو ضعيف بهذا السند، لكن إذا ضمت إليه الشواهد فإنه يرتقي إلى درجة الحسن، والشواهد كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة في إثبات العلو لله عز وجل. فقد دل على علو الله أكثر من ثلاثة آلاف دليل، كما ذكر العالم الجليل ابن القيم، فالأدلة على ثبوت العلو أكثر من أن تحصر.

شرح حديث: (إذا قضى الله أمرا في السماء ضربت الملائكة أجنحتها)

شرح حديث: (إذا قضى الله أمراً في السماء ضربت الملائكة أجنحتها) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى الله أمراً في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان، ((إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ))، قال فيسمعها مسترقو السمع بعضهم فوق بعض، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها إلى الذي تحته، فيلقيها على لسان الكاهن أو الساحر، فربما لم يدرك حتى يلقيها، فيكذب معها مائة كذبة فتصدق تلك الكلمة التي سمعت من السماء)]. وفي اللفظ الآخر: (ويصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء)، وأخرجه البخاري. وهذا حديث عظيم فيه إثبات صفات الله عز وجل، وإثبات الكلام لله عز وجل، وفيه أن الملائكة يصرعون من كلام الله ويصعقون، وهذا ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، في باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:23]. قوله: (إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله) أي: لقول الله عز وجل، وفيه إثبات قول الله والرد على من أنكر القول والكلام، ففيه أن الله يقول ويتكلم كلاماً يليق بجلاله وعظمته، خلافاً للجهمية والمعتزلة الذين أنكروا الكلام، وكذلك الأشاعرة الذين أثبتوا الكلام على أنه معنى قائم في نفسه، قالوا: ومعنى قائم في نفس الرب أنه ليس بحرف ولا صوت. وفيه: أن الملائكة يصيبهم الصعق والغشيان، (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) يعني: زال الفزع، وفيه أن الشياطين يسترقون السمع ويسمعون الكلمة التي يتحدث بها عن السماء الدنيا أو يتحدث بها الملائكة في العلن في السحاب، ثم يلقيها الشيطان إلى من تحته، ويلقيها الآخر إلى من تحته حتى تصل إلى الكاهن، والشياطين بعضهم فوق بعض هكذا وحرك الراوي أصابعه ومدها، واحداً فوق واحد فوق واحد إلى السماء، مثل المتلاصقين، فالشياطين كثيرون في طبقات الجو، يركب بعضهم بعضاً وبينهم فجوات، فيسمع الشيطان الأعلى الملائكة تتكلم في العنان، فيلقيها إلى من تحته، والآخر إلى من تحته حتى تصل إلى الشيطان الأسفل فيلقيها في أذن الكاهن، ويقرها كقر الدجاجة، فإذا وصلت إلى الكاهن كذب معها مائة كذبة، وتحدث الناس بهذا الكذب، فإذا وقعت الواحدة من السماء صدق الكاهن بجميع الكذب من أجل واحدة، وهذا يدل على انتشار الشر والباطل. والشهب تلاحق الشياطين وتحرقهم، فأحياناً تحرقهم حتى يصل الإحراق إلى الشيطان الأكبر، وأحياناً الشيطان الأسفل يلقيها في أذن الكاهن قبل أن يدركه الشهاب، ومرة يدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وهذا يدل على أن الشياطين كثيرون في الأرض والسماء؛ لأن هذه الشهب تحرقهم ومع ذلك هناك من يسترق السمع، فهم كثيرون لا ينتهون. وفيه إثبات الكلام لله عز وجل، وإثبات القول، وإثبات العظمة لله، وأن الملائكة مع عظمة خلقهم يسمعون ويغشى عليهم من كلام الله عز وجل، وفيه إثبات الصوت حيث قال: (كأنه سلسلة على صفوان) أي: كأن الصوت الذي سمعه من كلام الله سلسلة من الحديد ضربت على صفوان، وهو الحجر الأملس، حيث يكون لها صوت، وهذا من باب تحقيق وتقريب الصفة، والمراد به التشبيه، وفيه إثبات كلام الله عز وجل، وأن كلام الله يكون بحرف وصوت يسمع، كما دلت الأحاديث الصحيحة، ومنها حديث في الصحيحين، أن الله يوم القيامة يقول: (يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج بعث النار)، وفي الحديث الآخر: (إن الله ينادي بصوت يوم القيامة، يسمعه من بعد كما يسمه من قرب)، وفيه الرد على من أنكر الصوت من الأشاعرة والجهمية والكلابية وغيرهم، فكلهم أنكروا الكلام، وأنكروا الحرف والصوت، والأشاعرة والكلابية أثبتوا الكلام لكن بغير حرف ولا صوت، وقالوا: هو معنى كائن في النفس، وهذا من أبطل الباطل، فجعلوا الرب كالأخرس لا يتكلم، وقالوا: الكلام معنى قائم في نفسه، والذي تكلم هو جبريل، حيث فهم المعنى القائم بالنفس اضطره الله لذلك فعبر يعني: هذا القرآن، وأحياناً يقولون: عبر به محمد، فهذا القرآن كلام محمد، أو كلام جبريل، والمعنى من الله والحروف من جبريل أو من محمد، وهذا من أبطل الباطل، وهو مذهب الأشاعرة الذين هم أقرب الطوائف إلى أهل السنة، نسأل الله السلامة والعافية. والمؤلف قصد الرد عليهم بهذه الأحاديث التي فيها هذه الصفات. أما بالنسبة لكلام الله لـ عبد الله بن حرام فهو لم يكن من وراء حجاب، يعني: كلمه بدون واسطة، وهذا معنى كفاحاً، كما كلم موسى من دون واسطة، وكلم الله نبينا صلى الله عليه وسلم، ليلة المعراج بدون واسطة جبريل، أما الرؤيا فلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنكم لن ترو ربكم حتى تموتوا)، هذا في رؤيا يوم القيامة.

شرح حديث: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)

شرح حديث: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)]. هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنه، وفيه أن الله سبحانه وتعالى منزه عن النوم، والنوم أخو الموت، وهو من العيوب التي ينزه عنها الرب سبحانه وتعالى كالموت والعماء والصمم والبكم والخرس. قوله: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له لا ينام) يعني: يستحيل عليه النوم، فلهذا أتى بكلمته: (إن الله لا ينام) يعني: لا يقع منه النوم، ولا ينبغي له النوم؛ لأن النوم أخو الموت، ولأنه من العيوب التي ينزه عنها الرب. قوله: (يخفص القسط ويرفعه) أي: العدل، وفيه إثبات أنه يخفض ويرفع، وهذا من الصفات الفعلية، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل الليل. قوله: (حجابه النور)، احتجب عن خلقه سبحانه وتعالى بالنور، والنور حجاب مخلوق، وهو غير النور الذي هو اسم من أسمائه أو صفة من صفاته، ولذلك قال: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:35]. قوله: (لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، قوله: (من خلقه) عام، وفيه دليل على أنه لا يمكن لأحد أن يرى الله في الدنيا حتى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا الحديث عام: (لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، والنبي صلى الله عليه وسلم من خلقه، وهو حجة جمهور القائلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج، وهذا أصح قول للعلماء، وقال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج بعيني رأسه، وهو قول مرجوح، والصواب أنه لم يره بعيني رأسه لهذا الحديث؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) رواه مسلم في صحيحه، وهذا عام يشمل النبي صلى الله عليه وسلم وغيره. وما جاء من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه وما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم محمول أنه رآه بقلبه، وما جاء من النصوص والآثار على أنه لم يره محمول على أنه لم يره بعيني رأسه، وبهذا يجمع بين الأخبار كما قال أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. والملائكة كذلك محجوبون عن رؤية الله، لا يرونه، فإذا سمعوا كلامه صعقوا وخروا لله سجداً ويكون أولهم وعلى رأسهم جبريل والملائكة وغيرهم. روى الخلال في السنة آثاراً من أن الله احتجب من خلقه بنار ونور وظلمة وبرد وغير ذلك من الأشياء التي جاءت في بعض الآثار.

إسناد آخر لحديث: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)

إسناد آخر لحديث: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه حجابه النور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره) ثم قرأ أبو عبيدة: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:8]]. وهذا جاء في الحديث السابق، وفي سنده المسعودي وقد اختلط لكن وكيع ممن روى عنه قبل الاختلاط فلا محذور في ذلك، وهو في معنى الحديث السابق. والآية: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:8]، النار هذه هي التي رآها موسى عليه الصلاة والسلام في الدنيا عند جبل الطور، وهو قد سار بأهله في ليلة باردة مظلمة، وقد ظل الطريق لا يدري أين هي ولم يجد أحداً يهديه إلى الطريق، فرأى ناراً حول جبل الطور، فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً، قال لأهله: امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر يهدينا إلى الطريق، أو لعلي أقتبس منها جذوة نستدفئ فهم كانوا في الشتاء، وفي آية النمل: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:8] ناداه الله: أن بورك من في النار؛ لأن هذا الوادي مقدس مبارك، فهذه النار هي غير النار التي فيها حجابها النور، فلا يظهر وجه قراءة أبي عبيدة لهذه الآية أي مناسبة. والشاهد: أن هذا فيه إطلاق الصفات وفيه الرد على الجهمية؛ لأن مما أنكرت الجهمية من الصفات أنه يخفض ويرفع، فهو يخفض ويرفع كما يليق بجلاله وعظمته، وفيه: أن الله تعالى احتجب من خلقه بالنار أو النور، وفيه أنه نزه نفسه عن النوم، وأنه لا ينبغي له أن ينام، فالذي ينام هو المخلوق الضعيف الذي يحتاج إلى نوم ليريح أعضاءه، أما الخالق سبحانه فلا يلحقه نقص ولا عجز، ولا تعب ولا نوم ولا موت، فهو سبحانه وتعالى الحي القيوم، القائم بنفسه المقيم لغيره. أما القول: بأن كل صفة تنطبق على المخلوق لا نقص فيها بوجه من الوجوه فالخالق أولى بها، فيختلف الأمر فبعضها صفة نقص وإن كانت كمالاً في الإنسان وبعضها تكون صفة كمال، فالولد صفة كمال في المخلوق، ولا تليق بالرب سبحانه وتعالى، فالذي يولد له أكمل من الذي لا يولد له، وكذلك النوم، ولكنها نقص في حق الله تعالى. وهناك صفة كمال في المخلوق الخالق أولى بها، فإذا ثبت للمخلوق أنه يوصف بالعلم، ويوصف بالقدرة، فالخالق أولى بأن يوصف بهذه الصفات مع الكمال دون النقص. قوله: (لو كشفها) وفي الحديث الآخر (لو كشفه) -يعني: النار- إذا كان في اللفظ حجابه النار، والنور والنار بمعنى واحد.

شرح حديث: (يمين الله ملأى لا يغيضها شيء)

شرح حديث: (يمين الله ملأى لا يغيضها شيء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمين الله ملأى لا يغيضها شيء، سحاء الليل والنهار، وبيده الأخرى الميزان يرفع القسط ويخفض، قال: أرأيت ما أنفق منذ خلق الله السموات والأرض؟ فإنه لم ينقص مما في يديه شيئاً)]. وهذا الحديث أصله في الصحيحين، والحديث فيه محمد بن إسحاق لكنه ثابت في الصحيحين، وفيه إثبات يدين لله، وأن لله تعالى يدين، وفيه أيضاً إثبات اليمين لله. وقد جاء في صحيح مسلم التسمية الأخرى بأنها شمال، لكن بعضهم طعن فيها بأنه تفرد بها بعض الرواة، والصواب أنها ثابتة، وإن إثبات اليمين لا ينقض إثبات الشمال، وفي الحديث الآخر: (وكلتا يديه يمين)، يعني: كلتا يمين في الشرف والفضل والبركة وعدم النقص، بخلاف المخلوق، فإن اليمين أقوى من الشمال، أما الخالق فكلتا يديه يمين في القوة وعدم النقص والكمال والفضل والشرف والبركة. قوله: يمين الله ملأى لا يغيضها شيء، يعني: لا تنقصها نفقة، سحاء يعني: كثيرة الصب الليل والنهار، فهو سبحانه وتعالى يمينه ملأى سحاء، تصب وتنفق آناء الليل والنهار. قوله: (أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟) استفهام تقريري، وخطاب للناس يعني: ألا ترون ما أنفق سبحانه وتعالى منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يديه منذ خلق السماوات والأرض، وهو سبحانه ينفق ولم ينقص ما في يمينه سبحانه وتعالى. وفيه الرد على الأشاعرة والمعتزلة والجهمية الذين ينكرون صفة اليدين لله، ويفسرونها بالقدرة أو النعمة، وهذا من أبطل الباطل، والصواب: أن لله يدين حقيقيتين، كما أثبت الله ذلك في القرآن الكريم كقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة:64]، وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]. والحديث قال الشارح: أخرجه البخاري ومسلم وإسناده صحيح. وابن إسحاق تابعه السفيانان وشعيب ومالك.

شرح حديث: (يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده)

شرح حديث: (يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصباح قالا: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدثني أبي عن عبيد الله بن مقسم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده -وقبض بيده، فجعل يقبضها ويبسطها- ثم يقول: أنا الجبار أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ قال: ويتميل رسول صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن يساره حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟)]. يعني: من شدة تحركه وتميله، وفيه إثبات اسم الجبار لله عز وجل، وهذا من الأسماء الخاصة به سبحانه وتعالى، وهو من الأسماء الغير مشتركة، ولا يجوز لأحد أن يسمي نفسه الجبار، لكن قد يوصف بعض المخلوقين بأنه جبار، أما أن يسمى شخص الجبار فهذا لا ينبغي؛ لأن هذا من الأسماء الخاصة بالله تعالى، بخلاف العزيز والسميع والبصير؛ فإنه يوصف بها المخلوق؛ لأن أسماء الله نوعان: قسم خاص لا يسمى به غيره مثل: الله والرحمن، وخالق الخلق، ومالك الملك، والمعطي المانع، والنافع الضار، ورب العالمين، فهذه لا يسمى بها إلا هو سبحانه، أما السميع والبصير والحي وما أشبه ذلك فيوصف بها المخلوق، كما في قوله تعالى: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51] والملك من الأسماء المشتركة، أما الجبار المعرف بأل فهو من الأسماء الخاصة به سبحانه، وقد يوصف بعض المخلوقين بأنه جبار من باب الذم، كما في قول الله تعالى: {عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أين الجبارون؟ أين المتكبرون). والنور من أسمائه ومن صفاته سبحانه وتعالى، هكذا ورد، وبين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله وغيرهم أن من أسمائه النور ومن صفاته النور. والنور الذي هو صفة لله غير النور المخلوق، فالنور المخلوق كنور الشمس والقمر، والنور الذي هو صفة من صفاته هذا ليس مخلوقاً. وأما القول بأن صفات الله لها نهاية والاستدل على ذلك بقوله: (ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فدل على أن البصر له نهاية، فهذا كلام باطل. وصفة القبض والبسط ثابتتان لله، وهما من صفاته الفعلية، وصفة الأصابع سيأتي ذكرها.

شرح حديث: (ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن)

شرح حديث: (ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا صدقة بن خالد قال: سمعت بسر بن عبيد الله يقول: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: حدثني النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك). قال: (والميزان بيد الرحمن، يرفع أقواماً ويخفض آخرين إلى يوم القيامة)]. وهذا فيه إثبات الأصابع لله عز وجل، وأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وفيه فضل دعاء: (يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك)، وفيه أن الله يرفع ويخفض، وهذا من صفاته الفعلية، فنثبت له ذلك كما يليق بجلاله وعظمته. وإسناده صحيح، وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر واسم أبي إدريس: عائذ الله بن عبد الله الخولاني أخرجه أحمد. وقوله: (والميزان بيد الرحمن، يرفع أقواماً ويخفض آخرين إلى يوم القيامة) هذا الميزان هو الميزان العدل؛ فإن الله يخفض ويرفع كما يشاء، وهذا من صفاته الفعلية. وجاء في الحديث: (إن الله يأخذ السماوات على إصبع والأراضين على إصبع والماء والثرى على إصبع والشجر على إصبع والخلائق على إصبع، ثم يهزهن بيده فيقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟).

شرح حديث: (إن الله ليضحك إلى ثلاثة)

شرح حديث: (إن الله ليضحك إلى ثلاثة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال: حدثنا عبد الله بن إسماعيل عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليضحك إلى ثلاثة: للصف في الصلاة، وللرجل يصلي في جوف الليل، وللرجل يقاتل - أراه قال: - خلف الكتيبة)]. هذا الحديث ضعيف؛ لأن مجالداً هذا ضعيف، ولكن الضحك ثابت لله عز وجل، ففي الصحيحين: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة) ومجالد هو ابن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي وهو ضعيف، وقال البوصيري: هذا إسناد فيه مقال، ومجالد بن سعيد وإن أخرج له مسلم في صحيحه فإنما روى له مقروناً بغيره. قال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، وعبد الله بن إسماعيل قال أبو حاتم: مجهول. إذاً: الحديث فيه عبد الله بن إسماعيل مجهول ومجمع على جهالته. فالحديث من رواية مجهول عن ضعيف. فيكون ضعيفاً.

شرح حديث عرض الرسول نفسه على الناس في الموسم

شرح حديث عرض الرسول نفسه على الناس في الموسم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا إسرائيل عن عثمان - يعني: ابن المغيرة الثقفي - عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في الموسم، فيقول: ألا رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي)]. قال الترمذي: حديث غريب صحيح. وهذا الحديث لا بأس به، وفيه إثبات الكلام لله وأن الله يتكلم لقوله صلى الله عليه وسلم (أبلغ كلام ربي) وهذا وارد في القرآن الكريم، قال عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، وقال سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:15]، وفي هذه النصوص إثبات الكلام لله، والرد على من أنكر صفة الكلام لله. والكلام لا يكون إلا بحرف وصوت؛ خلافاً للأشاعرة والكلابية الذين يقولون: أن الكلام معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت.

شرح حديث تفسير رسول الله قوله تعالى: (كل يوم هو شأن)

شرح حديث تفسير رسول الله قوله تعالى: (كل يوم هو شأن) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوزير بن صبيح قال: حدثنا يونس بن حلبس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ({كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]، قال: من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويخفض آخرين)]. هذا الحديث إسناده ضعيف، قال البوصيري: هذا إسناد حسن لتقاصر الوزير عن درجة الحفظ والإتقان، قال فيه أبو حاتم: صالح، وقال دحيم: ليس بشيء، وقال أبو نعيم: كان يعد من الأبدال ربما أخطأ. وقوله: (قال: من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويخفض آخرين) الرفع والخفض هذا ورد في الأحاديث الأخرى الصحيحة، وهما صفتان من الصفات الفعلية، لكن هذا الحديث ضعيف.

المقدمة [14]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [14] من فضل الله ورحمته أن أعطى من عمل عملاً صالحاً فاقتدى به الآخرون أجره وأجر من اقتدى به منهم من غير أن ينقص من أجورهم، ومن عدله وحكمته كذلك أن من عمل عملاً سيئاً أو دعا إليه فاقتدى به الآخرون، فإنه يحمل وزره ووزر من اقتدى به منهم، وأفضل الأعمال عند الله هو تعلم العلم وتعليمه لأنه نفع متعدٍ، وصاحبه ينال أجره وأجر من علمهم إلى يوم القيامة.

ما جاء فيمن سن سنة حسنة أو سيئة

ما جاء فيمن سن سنة حسنة أو سيئة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من سن سنة حسنة أو سيئة: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا عبد الملك بن عمير عن المنذر بن جرير عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً. ومن سن سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئاً)]. وهذا الحديث أصله في مسلم، وفي لفظ: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، وفيه فضل من سن سنة حسنة، والوعيد على من سن سنة سيئة. وقوله: (من سن سنة حسنة) يعني: أظهر السنة ونشرها وعمل بها، وليس المراد أنه يحدث سنة من عند نفسه، بل المراد: أنه ينشر السنة ويحييها ويعمل بها، ويدعو إليها، وكذلك قوله: (من سن سنة سيئة)، أي: من ابتدع بدعة أو ترك سنة، (فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، فمن ترك السنة أو دعا إلى تركها أو عمل بدعة فإنه داخل في هذا. والبدع ليس فيها شيئاً حسناً، بل البدع كلها سيئة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وكل بدعة ضلالة)، والمراد: (من سن سنة حسنة)، يعني: أظهرها ونشرها وعمل بها، وفي هذا الحديث: (من سن سنة فعمل بها)، فالفاء هذه بيانية. وقد أخرجه مسلم والنسائي. وإسناد صحيح، وعبد الملك بن عمير حسن الحديث، وقد تابعه عون بن أبي جحيفة. وقوله: (من سن) بأن عمل بها، ومثله قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} [هود:45] الآية، وأمثاله كثيرة، والمراد: فعمل بها، وهو على بناء المفعول، وهو واضح. وقوله: (من سن سنة حسنة) يعني: عمل بالسنة ونشرها ودعا إليها وأظهرها، والحديث له سبب، كما عند مسلم وهو أنه جاء أناس من العرب من البادية من مضر ثيابهم مقطعة مخرقة، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل ثم خرج ثم أذن ثم أقيمت الصلاة، ثم خطب الناس عليه الصلاة والسلام، وقال: (تصدق رجل من بره من طعامه من درهمه - وحث الناس عل الصدقة - فجاء رجل من الأنصار وأتى بكف من طعام كادت يده أن تعجز عنه، بل قد عجزت، فوضعه، ثم جاء رجل آخر، وتتابع الناس، حتى اجتمع كومان: كوم من الطعام وكوم من الثياب، فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه مذهبة، ثم قال عليه الصلاة والسلام: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فهذا الرجل الأول سن هذه السنة، فإنه أول من جاء فمجرد ما سمع النبي صلى الله عليه وسلم جاء بكف من طعام كادت يده أن تعجز عنها، فسن للناس هذه السنة، وتتابع الناس فعملوا مثل عمله. فقوله: (سن) يعني: عمل بالسنة وأظهرها وبادر إليها ونشرها، وليس المراد بقوله: (من سن سنة حسنة) أن الإنسان يحدث البدع في الدين، بل البدع كلها ضلالة. وإذا سن الإنسان سنة سيئة ثم تاب فعليه أن يبين ما عمله سابقاً، يبين للناس في الأمكنة التي نشر فيها السيئة، وينهى عنها ويبين أنه خطأ. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحث عليه، فقال رجل: عندي كذا وكذا، قال: فما بقي في المجلس رجل إلا تصدق عليه بما قل أو كثر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استن خيراً فاستن به كان له أجره كاملاً ومن أجور من استن به ولا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن استن سنة سيئة فاستن به فعليه وزره كاملاً ومن أوزار الذي استن به، ولا ينقص من أوزارهم شيئاً). قوله: (من استن خيراً فاستن به) يعني: اقتدي به. وهذا الحديث واضح؛ لأن المراد بقوله: (استن) عمل بالسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فجاء هذا الرجل وعمل بها، وأول ما عمل بها اقتدى به الناس. قوله: (من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) أي: ومن عمل بالمعصية ودعا إليها وتتابع الناس فعليه وزرها ووزر من عمل بها. وفي بعض النسخ قال: (حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي) وفي بعضها: (عن أيوب) من دون ذكر أبيه. وعبد الوارث يروي عن أبيه عبد الصمد، وعبد الصمد يروي عن أبيه عبد الوارث وعبد الوارث يروي عن أيوب. وهذا الحديث إسناده صحيح، ورواه مسلم والترمذي من حديث جرير.

بيان أجر من دعا إلى هدى وإثم من دعا إلى ضلالة

بيان أجر من دعا إلى هدى وإثم من دعا إلى ضلالة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عيسى بن حماد المصري قال: أنبأنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما داعٍ دعا إلى ضلالة فاتبع فإن له مثل أوزار من اتبعه ولا ينقص من أوزارهم شيئاً. وأيما داعٍ دعا إلى هدى فاتبع، فإن له مثل أجور من اتبعه ولا ينقص من أجورهم شيئاً)]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده سعد بن سنان وهو ضعيف، لكنه شاهد للحديثين السابقين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة فعليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)]. وهذا الحديث إسناد صحيح، وأخرجه مسلم بهذا اللفظ: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزر من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً)، وأيضاً يدل على هذا قول الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25]، وهذا يدل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة من أن من دعا إلى خير فله أجره وأجر من عمل بهذا الخير، ومن دعا إلى ضلالة فعليه وزره ووزر من اتبعه في هذا الضلال، نسأل الله السلامة والعافية. وفيه التحذير من عمل السوء والترغيب في عمل الخير، وأن الإنسان إذا سابق إلى الخير ودعا إليه فله أجر من عمله، وفيه التحذير من الشر والبدع والمعاصي؛ لأن من عمل المعاصي ودعا إليها فعليه وزره ووزر من عمل بها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا إسرائيل عن الحكم عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن سنة حسنة فعمل بها بعده كان له أجره ومثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً. ومن سن سنة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزره ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً)]. قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف؛ لضعف إسماعيل بن خليفة أبي إسرائيل، لكن يكون شاهداً للحديث السابق. قال في تخريجه: إسناده حسن ومتنه صحيح، فـ إسماعيل بن خليفة العبسي صدوق له أغاليط، كما حققناه في تعقبات على التقريب للحافظ. ولهذا ومن عجب أن البوصيري رحمه الله ضعفه جملة، وقال: هذا إسناد ضعيف لضعف إسماعيل بن خليفة أبي إسرائيل الملائي، وله شاهد في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله، قلت: قد تقدم غير ما حديث صحيح بهذا المعنى من حديث أنس وأبي هريرة. والأحاديث هذه كلها تشهد له، فعلى هذا يكون حسناً بشواهده. وفي بعض النسخ: حدثنا إسرائيل -وهو إسماعيل أبو إسرائيل - عن الحكم عن أبي جحيفة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية عن ليث عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من داعٍ يدعو إلى شيء إلا وقف يوم القيامة لازماً لدعوته ما دعا إليه وإن دعا رجل رجلاً)]. وهذا الحديث فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، لكنه شاهد للأحاديث السابقة.

فضل من أحيا سنة قد أميتت أو دعا إلى خير

فضل من أحيا سنة قد أميتت أو دعا إلى خير قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من أحيا سنة قد أميتت. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس كان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً. ومن ابتدع بدعة فعمل بها كان عليه أوزار من عمل بها لا ينقص من أوزار من عمل بها شيئاً)]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن كثير بن عبد الله المزني ضعيف، لكنه شاهد للأحاديث السابقة. وفيه: أن من سن سنة حسنة وأحيا السنة وأظهرها فله أجرها، ومن عمل السيئات والبدع فعليه وزرها ووزر من عمل بها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل أجر من عملها من الناس، لا ينقص من أجور الناس شيئاً. ومن ابتدع بدعة لا يرضاها الله ورسوله فإن عليه مثل إثم من عمل بها من الناس، لا ينقص من آثام الناس شيئاً)]. وهذا أيضاً ضعيف. لكن المعنى صحيح، وهو شاهد للأحاديث السابقة، ودل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة من الحث على نشر السنن، وأن له أجر من عمل بها، وفيه التحذير من البدع والمعاصي وأن من ابتدعها عليه وزر من عمل بها.

فضل من تعلم القرآن وعلمه

فضل من تعلم القرآن وعلمه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فضل من تعلم القرآن وعلمه. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا شعبة وسفيان عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال شعبة: خيركم، وقال سفيان: أفضلكم (من تعلم القرآن وعلمه)]. هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، وفيه فضل من تعلم القرآن وعلمه، وأنهم خير الناس وأفضل الناس، والمراد من تعلم القرآن أي: قرأ القرآن وحفظ ألفاظه، وتعلم معانيه وعمل به، فهؤلاء من خيار الناس، أما من لم يعمل به فإنه حجة عليه، ولهذا قال بعض السلف: ليحذر أحدكم أن يقرأ القرآن والقرآن يلعنه، قيل: كيف يقرأ القرآن والقرآن يعلنه؟ قال: يقرأ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:278] وهو يتعامل بالربا، يقرأ قول الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188] وهو يأكل أموال الناس بالباطل، يقرأ: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] وهو يظلم، يقرأ {لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61] ويكذب. وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعلموا معانيها والعمل بها، والقراء هم العلماء وهم أهل مجلس عمر رضي الله عنه وكانوا شباباً أو كهولاً، والمراد بالقراء: العلماء؛ لأن القراء هم العلماء في العصر الأول، ولم يكن هناك قراء ليسوا علماء، بل القراء هم العلماء، بخلاف الأزمان المتأخرة ففيهما قراء وليسوا علماء، وليس عندهم فقه. جاء عن عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان رضي الله عنهما قالا عن الصحابة: كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا معانيها والعمل بها، قالوا: فتعلمنا العلم والعمل جميعاً. ومكث ابن عمر في سورة البقرة ثماني سنين يتعلم معانيها وأحكامها وفقهها. ولما سمع أبو عبد الرحمن السلمي هذا الحديث جلس يقرئ الناس القرآن ويعلمهم أربعين سنة، وكان الصحابة والتابعون هم أسبق الناس إلى العمل بنصوص الكتاب والسنة، وهم أهل العلم والعمل جميعاً، أما من يعلم ولا يعمل فهذا فيه شبه باليهود ومغضوب عليه، نسأل الله السلامة والعافية. والذي يعمل بدون علم هذا ضال كالنصارى وأشباههم، والذي يعلم ويعمل هو من أهل الصراط المستقيم، وهم من المنعم عليهم، وهؤلاء هم أهل العلم والعمل جمعياً، وهم أهل الله وخاصته، وهم أهل القرآن. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)]. وهذا كسابقه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أزهر بن مروان حدثنا الحارث بن نبهان حدثنا عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خياركم من تعلم القرآن وعلمه) قال: وأخذ بيدي فأقعدني مقعدي هذا أقرئ]. وهذا ضعيف الإسناد؛ لأن الحارث بن نبهان ضعيف جداً، ولكن معناه صحيح، فقوله: (خياركم من تعلم القرآن وعلمه) دل عليه الحديث السابق أن من تعلم القرآن وعلمه هم خيار الناس وأفضل الناس، وهم أهل القرآن العاملون به، ولو لم يحفظه عن ظهر قلب، فمن قرأ القرآن وعمل بما فيه فهو من أهل الله الخاصة، سواء حفظه عن ظهر قلب أو لم يحفظه، لكن لو حفظه عن ظهر قلب فهذا أفضل، وإن لم يحفظه وقرأ من المصحف وهو يعمل به فهو من أهل القرآن. وأما من يأخذ أجرة على تعليم القرآن فيرجى له أن يدخل في هذا إذا كان محتاجاً؛ لحديث البخاري: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)؛ لأنه من أجل التعليم ومن أجل كونه يجلس ويأخذ التعليم عليه وقتاً قد لا يتيسر له وقت للكسب، فالصواب: أنه لا بأس بأخذ الأجرة على تعليم القرآن. لكن إذا أقرأ القرآن وعلم القرآن بدون أجر فهذا أفضل، وإن أخذ أجراً لحاجته فله أجره.

شرح حديث: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة)

شرح حديث: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة: طعمها طيب وريحها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة: طعمها طيب ولا ريح لها. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: طعمها مر ولا ريح لها)]. وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، وفيه فضل قراءة القرآن، وأن من قرأ القرآن فله فضله حتى ولو كان منافقاً، وإن كان لا يستفيد من هذا الفضل لكن له ميزة، فمن قرأ القرآن فله ميزة على غيره حتى ولو كان منافقاً، وإن كان هذا لا يتصل بالدار الآخرة إذا كان منافقاً نفاقاً أكبر، وفيه ضرب الأمثال، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب الأمثال، وربنا سبحانه وتعالى ضرب الأمثال، فقال سبحانه: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43]، والأمثال فيها فائدة ينتقل الإنسان بها من المثل الحسي إلى المثل المعنوي، وينتقل من النظير إلى نظيره، ومن ذلك أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود) يعني: أنه أبيض وزوجته كذلك، فكيف جاء ولدها أسود؟ فقال له النبي: (هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقاً. قال: من أين جاء هذا؟ قال: لعله نزعه عرق. قال: وابنك هذا لعله نزعه عرق)، وهذا من ضرب الأمثال، فالأمثال ينتقل الإنسان بها من النظير إلى نظيره، ومن المثل الحسي إلى المثل المعنوي، ولهذا قال الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر:2] وهذا من أدلة القياس، يعني: اعتبروا وانتقلوا من النظير إلى نظيره. وفي حديث أبي موسى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فيه أربعة أمثال لقراءة القرآن لأربعة من الناس: مؤمن يقرأ القرآن، ومؤمن لا يقرأ القرآن، ومنافق يقرأ القرآن، ومنافق لا يقرأ القرآن، أما المؤمن الذي يقرأ القرآن فضرب له مثلاً بالأترجة، قال: (طعمها طيب) هذا هو مثل الإيمان، (وريحها طيب) وهذه قراءة القرآن، فالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والأترجة فيها منافع كلها مفيدة شحمها وبذرها وكذلك قشرها، وما بين القشر أيضاً والشحم أربعة أنواع كلها مفيدة القشر ويليه الأبيض، وكلها فيها فوائد متعددة، وهي مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن فقوله: (ريحها طيب) هذا مثل قراءة القرآن، وقوله: (وطعمها طيب) وهذا هو الإيمان. وقوله: (ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب) هذا هو الإيمان، (ولا ريح لها)؛ لأنه ليس معه قراءة قرآن. وقوله: (ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب) وهذا القرآن، (وطعمها مر) هذا مثل الكفر والعياذ بالله، فالمنافق خبيث ومر؛ لأنه كافر، وقراءته للقرآن: ريحها طيب؛ لأنه يقرأ القرآن. وقوله: (ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)؛ لأنه ليس عنده إيمان وليس عنده قرآن. نسأل الله السلامة والعافية.

شرح حديث: (إن لله أهلين من الناس)

شرح حديث: (إن لله أهلين من الناس) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا بكر بن خلف أبو بشر حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله أهلين من الناس. قالوا: يا رسول الله من هم؟! قال: هم أهل القرآن أهل الله وخاصته)]. وهذا في باب فضل القرآن، وهذا الحديث لا بأس بسنده، فسنده حسن، ويؤيده ما جاء في الختمة المنسوبة إلى شيخ الإسلام في الدعاء المعروف: (واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا أرحم الراحمين!) إن صحت نسبته إلى شيخ الإسلام. وقوله: (إن لله أهلين. قالوا: ومن هم؟ قال: هم أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته)، يعني: أولياؤه وأحبابه الذين يتلون القرآن ويعملون به، ويمتثلون أوامره وينتهون عن زواجره، ويقفون عند حدوده، ويؤمنون بمتشابهه، ويعملون بمحكمه، ويتعظون بمواعظه، هؤلاء هم أهل القرآن، وهم أهل الله وخاصته، وهم الذين يتلونه حق تلاوته، كما قال الله سبحانه: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة:121] يعني: يعملون به؛ لأن التلاوة نوعان كما سبق: تلاوة لفظية، وهذه يقرأها البر والفاجر، كما في حديث أبي موسى، فالمنافق يقرأ القرآن والمؤمن يقرأ القرآن. والنوع الثاني: تلاوة حكمية، وهي تنفيذ أحكامه وتحقيق أخباره، وهذه هي المراد من الحديث، وهي المعول عليها، وهي التي عليها مدار السعادة والنجاة، والتلاوة الحكمية مذكورة في قول الله عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:121]، يعني: يعملون به ويتبعون ما فيه، فهذه التلاوة هي الاتباع، ومن ذلك ما جاء في الحديث في قصة الرجل الفاجر الذي يوضع في قبره ويضرب بمرزبة من حديد ويقال له: لا دريت ولا تليت، لا دريت: أي: لا علمت الحق بنفسك، ولا تليت: ولا تبعت من يعمل بالحق، فأهل القرآن وخاصته هم الذين يقرءونه ويعملون به وينفذون أحكامه ويصدقون أخباره. وهذا الحديث إسناده صحيح، قال البوصيري: في مصباح الزجاجة: هذا إسناد صحيح رجاله موثوقون، رواه النسائي في الكبرى في فضائل القرآن. والتجويد من المحاسن والمستحبات، فإن تحسين القرآن مستحب، والواجب هو إخراج الحروف من مخارجها، فإذا أتقن القرآن وقرأه ولم يسقط شيئاً من حروفه فهذا هو الواجب، وما زاد على ذلك فمستحب ومن باب التحسين وليس بواجب، وأما قول الجزري: والأخذ بالقرآن حتم لازم من لم يجود القرآن آثم فهذا ليس بصحيح، وإنما هو مستحب، فأحكام التجويد والالتزام بها مستحب وليس بواجب، والواجب قراءة القرآن قراءة واضحة ليس فيها إسقاط شيء من حروفه.

شرح حديث: (من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة)

شرح حديث: (من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي حدثنا محمد بن حرب عن أبي عمر عن كثير بن زاذان عن عاصم بن حمزة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد استوجب النار)]. وهذا الحديث ضعيف، وأبو عمر هو حفص بن سليمان الأسدي البزاز الكوفي الغاضري المقرئ المشهور صاحب عاصم، متروك في الحديث، فهو ضعيف جداً. وكثير بن زاذان مجهول. إذاً: في هذا الحديث متروك ومجهول، فهو ضعيف جداً. وقوله: (من قرأ القرآن وحفظه شفعه الله في عشرة) فهذا لو صح فمعناه: من قرأ القرآن وحفظه وعمل بما فيه، أما من قرأ القرآن وحفظه ولم يعمل به فقد قامت عليه الحجة. وعاصم بن حمزة المذكور في السند هو في نسخة عاصم بن ضمرة. وهذا الحديث أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس له إسناد صحيح. وفي بعض النسخ عن علي بن أبي طالب عليه السلام، والأصل أن يقال: رضي الله عنه، كغيره من الصحابة، وبعض الشيعة يخصون علياً بقولهم: عليه السلام، فكل الصحابة رضي الله عنهم، ولا يخص أحد منهم بشيء، والتخصيص هذا من عمل الشيعة.

شرح حديث: (تعلموا القرآن وأقرءوه)

شرح حديث: (تعلموا القرآن وأقرءوه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي حدثنا أبو أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن المقبري عن عطاء مولى أبي أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا القرآن واقرءوه وارقدوا، فإن مثل القرآن ومن تعلمه فقام به كمثل جراب محشو مسكاً يفوح ريحه كل مكان. ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكي على مسك)]. قال: إسناده ضعيف؛ فـ عطاء مولى أبي أحمد مجهول وإن قال الحافظ ابن حجر: في التقريب: مقبول. وقوله: (تعلموا القرآن واقرءوه وارقدوا، فإن مثل القرآن ومن تعلمه فقام به كمثل جراب محشو مسكاً يفوح ريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكي على مسك). هذا حديث ليس بصحيح لكن المتن قد يكون له وجه، فلا شك أن من تعلم القرآن ونشره لا شك أن الله يرفع ذكره ويجعله مثلاً للآخرين، وأما من أخذ القرآن وأمسكه فهذا فيه تفصيل: إن أمسكه ولم يعمل به ولم ينشره فإنه يكون آثم في هذه الحالة. وفي سند الحديث عطاء مولى ابن أبي أحمد بن جحش قال في التقريب: مقبول من الثالثة. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الذهبي: لا يعرف. فالحديث ضعيف.

شرح حديث: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين)

شرح حديث: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عامر بن واثلة أبي الطفيل: أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعسفان، وكان عمر استعمله على مكة، فقال عمر رضي الله عنه: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: استخلفت عليهم ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من موالينا، فقال عمر: فاستخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله تعالى عالم بالفرائض، قاضٍ، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)]. قول عمر رضي الله عنه: استخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله). يعني: استخلف عليهم مولى، وهم عرب، يعني: هذا مولى من الموالي من العبيد كيف تجعله والياً عليهم؟ فقال: هذا المولى قارئ لكتاب الله. قوله: (قال: إنه قارئ لكتاب الله تعالى عالم بالفرائض). هذه أوصاف عظيمة: فهو قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض قاضٍ، ولهذا ولاه بهذه الصفات. وهذا حديث عظيم رواه مسلم في صحيحه: (إن الله يضع بهذا القرآن أقواماً) يعني: يرفع أقواماً عملوا بهذا القرآن، ونفذوا أحكامه، وصدقوا أخباره، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، ووقفوا عند حدوده، وحكموه في كل شأن من شئونهم، فيرفعهم الله بهذا القرآن، ويضع آخرين في إعراضهم عن القرآن، ومخالفتهم لأحكام القرآن، وعدم تصديقهم لأخباره، فالله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين، يرفع به أقواماً وإن كانوا ليس لهم نسب، فالأعاجم رفعهم الله، ورفع الله بلالاً بهذا القرآن، ورفع صهيباً، ورفع الله من بعدهم من العلماء كـ البخاري رحمه الله، فإنه إمام أهل السنة والجماعة رفعه الله بهذا القرآن، وبالعمل بهذا القرآن والعمل بالسنة، ومن عمل بالسنة فقد عمل بالقرآن، فإن الله تعالى يقول: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة:92]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7]. ووضع الله آخرين، كما وضع أبا لهب وأبا جهل، حيث وضعهم في الحضيض وإن كانوا أشرافاً في النسب؛ لأنهم لم يعملوا بهذا القرآن. والعبد يولى القضاء، إلا إذا كان مملوكاً لسيده، يعني: إذا كان مملوكاً فلا بد من إذن سيده. فالقاضي لا بد أن يكون حراً، أما إذا كان لا يزال في الرق فهو مشغول بسيده لا يتولى، حتى الحج لا يجب عليه، حتى يعتق، لحديث: (أيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى).

شرح حديث: (يا أبا ذر! لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة)

شرح حديث: (يا أبا ذر! لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا العباس بن عبد الله الواسطي قال: حدثنا عبد الله بن غالب العباداني عن عبد الله بن زياد البحراني عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر! لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم باباً من العلم عمل به أو لم يعمل خير من أن تصلي ألف ركعة)]. وهذا ضعيف؛ لأن علي بن زيد بن جدعان ضعيف عند الجمهور، وكذلك عبد الله بن زياد أيضاً ضعيف، فالحديث ضعيف بهذا السند، لكن المعنى صحيح، فتعلم العلم أفضل من العبادة ومن كون الإنسان يتعبد، ولهذا قال العلماء: إن تعلم العلم أفضل من نوافل العبادة، يعني: كون الإنسان يتعلم العلم أفضل من كونه يصلي في الليل أو يصلي الضحى أو يصوم إذا كان له الصوم، فصوم النفل إذا كان يعيقه عن طلب العلم فطلب العلم مقدم؛ لأن نفع العلم يتعدى، فإذا تعلم الإنسان باباً من العلم فهو أفضل له من أن يصلي ألف ركعة. فتعلم العلم مقدم على العبادة القاصرة التي هي النوافل. قال المنذري: إسناده حسن، لكن في الزوائد ضعفه لضعف عبد الله بن زياد وعلي بن زيد بن جدعان، وقال: وله شاهدان أخرجهما الترمذي. فهو ضعيف لكن بعضهم قال: إن الترمذي يتساهل في علي بن زيد بن جدعان فيحسن له، وكذلك الشيخ أحمد شاكر يتساهل في التصحيح فيحسن له، فالحديث الذي في سنده عبد الله بن زيد يقول: حسن، وعند الجمهور ضعيف. وقوله: (لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة)، هنا قارن بين العلم وبين مائة ركعة، فتعلم العلم هذا نفعه متعدي. وقوله: (ولأن تغدو فتعلم باباً من العلم عمل به أو لم يعمل به خير من أن تصلي ألف ركعة). فقارن بين العلم والعبادة في موضعين: الأول قارن بين تعلم آية وبين الصلاة، والثاني تعلم باباً من العلم وبينه وبين الصلاة أيضاً، فتعلم باباً من العلم أو آية من القرآن هذا العلم، والصلاة سواء مائة ركعة أو ألف ركعة عبادة قاصرة.

المقدمة [15]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [15] طلب العلم يسير لمن يسره الله عليه، ولذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم لحامله، وبين أنه طريق موصل إلى رضوان الله وجنته، هذا إذا حلي بالإخلاص، وتجرد من الشرك الخفي، ومن حب الرياسة والظهور والعجب، فالعالم كالقمر يرشد التائهين إلى الطريق القويم.

فضل العلماء والحث على طلب العلم

فضل العلماء والحث على طلب العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. حدثنا بكر بن خلف أبو بشر حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)]. قال المحقق: إسناده مضطرب ومتنه صحيح، فقد اختلف فيه على الزهري فرواه النسائي في الكبرى من حديث شعيب عن الزهري. والمتن صحيح كما ذكره في الحاشية، أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وأنا قاسم والله معطي) فهو حديث عظيم، لكنه بهذا السند كما ذكر المؤلف فيه اختلاف، لكن متن الحديث أخرجه الشيخان: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وأنا قاسم والله معطي)، وهذا الحديث له منطوق وله مفهوم، فمنطوقه: أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيراً، ومفهومه: أن من لم يفقهه في الدين لم يرد الله به خيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فهذا الحديث حديث عظيم فيه الحث على التفقه في الدين، والتفقه في الدين عام، وأعظم التفقه في الدين التفقه في أسماء الله وصفاته وحكمه، والتفقه في معرفة الحلال والحرام والواجب، والتفقه في شرع الله ودينه؛ حتى يعبد الإنسان ربه على بصيرة، فمن فقهه الله في الدين فقد أراد به خيراً، ومن لم يفقهه في الدين فلم يرد به خيراً؛ لأنه معرض، نسأل الله السلامة والعافية، والإعراض الكامل عن الدين ردة عن الإسلام، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف:3]، فالإعراض عن دين الله وكون الإنسان لا يتعلمه ولا يعبد الله هذا ناقض من نواقض الإسلام، فمن أعرض عن دين الله، لا يتعلم دين الله، ولا يعبد الله فهو مرتد عن الإسلام، فمن أعرض عن الفقه في الدين ولم يتعلم دين الله ولم يعبد الله فهو مرتد، نسأل الله السلامة والعافية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس أنه حدثه قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الخير عادة، والشر لجاجة، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)]. قال في تخريجه: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وقال البوصيري: رواه ابن حبان في صحيحه من طريق هشام بن عمار وذكره بإسناده ومتنه سواء، والجملة الثانية في الصحيح من حديث معاوية من طريق الوليد.

الانتفاع بالعلم والعمل به

الانتفاع بالعلم والعمل به قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا روح بن جناح أبو سعد عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد)]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن روح بن جناح هذا ضعيف جداً، حتى إن الشيخ الألباني رحمه الله قال: إنه موضوع، وقد لا يصل إلى درجة الوضع، فهو ضعيف جداً. قال في تخريجه: إسناده ضعيف جداً بسبب روح بن جناح القرشي الدمشقي ضعفه غير واحد، واتهمه الحاكم في رواية حديث موضوع عن مجاهد، وقال ابن عدي بعد أن ساق له أحاديث: ولـ روح بن جناح غير ما ذكرت من الحديث قليل، وعامة حديثه ما ذكرت، وربما أخطأ في الأسانيد. فهذا الحديث ضعيف جداً، لكن لا شك أن الفقيه أشد على الشيطان من آلاف العابدين؛ لأن الفقيه يتبصر في دين الله، ويعلم شرع الله، بخلاف العابد؛ فإن العابد الذي ليس عنده بصيرة يتعبد على ضلال، وقد يضل وقد يغويه الشيطان، أما الفقيه فإن الشيطان يفر منه ولا يستطيع أن يلبس عليه، بخلاف العابد فإنه قد يلبس عليه الشيطان، فيترك ما هو عليه من العبادة، ولا شك أن الفقيه أشد على الشيطان، أما هذا الحديث فهو ضعيف، لأن هذا السند ضعيف.

شرح حديث: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة)

شرح حديث: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا عبد الله بن داود عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس قال: كنت جالساً عند أبي الدرداء في مسجد دمشق، فأتاه رجل فقال: يا أبا الدرداء! أتيتك من المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فما جاء بك تجارة؟ قال: لا، قال: ولا جاء بك غيره؟ قال: لا، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)]. وهذا الحديث فيه داود بن جميل ضعيف، وشيخه كثير بن قيس ضعيف، لكن الحديث له شواهد، وهذه الجمل لها شواهد تدل عليها، وهي جمل عظيمة، وقوله: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) جاء ما يدل على أن الملائكة تتبع مجالس الذكر، وقوله: (والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذه بحظ وافر)، وهذا صحيح دلت عليه النصوص، وهكذا قوله: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، فهذه الجمل لها شواهد. قال في تخريجه: إسناده ضعيف لجهالة داود بن جميل وضعف كثير بن قيس ويقال: قيس بن كثير، ورواه أحمد والترمذي بإسقاط داود بن جميل من السند، وقال: ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس هو عندي بمتصل، هكذا حدثنا محمود بن خداش بهذا الإسناد، وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن الوليد بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح من حديث محمود بن خداش، ورأي محمد بن إسماعيل هذا أصح، وأخرجه أبو داود من طريق محمد بن وزير الدمشقي، ثم قال: وهو إسناد حسن وفي الشواهد. وهذا الحديث قال فيه كثير بن قيس: كنت جالساً عند أبي الدرداء رضي الله عنه في مسجد دمشق، فأتاه رجل فقال: يا أبا الدرداء! أتيتك من المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فما جاء بك تجارة؟ قال: لا، قال: ولا جاء بك غيره؟ قال: لا، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء؛ إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً؛ إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)]. قوله: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً) لا شك أن من كان قصده أن يتعلم الفقه في دينه أنه قد سلك طريقاً إلى الجنة. وقوله: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم) وهذا أيضاً كذلك له شواهد تدل عليه وهو على حقيقته، فإن الملائكة تتتبع مجالس الذكر وتحف أهل الذكر في الحلق. وقوله: (وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)]. كل هذه الجمل جمل عظيمة، وكلها صحيحة لها شواهد.

شرح حديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)

شرح حديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار حدثنا حفص بن سليمان البزاز قال: حدثنا كثير بن شنظير عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب)]. هذا الحديث ضعيف لأجل حفص بن سليمان ضعيف جداً، لكن قوله: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) له شواهد تدل عليها، ولا شك أن قوله: (فريضة على كل مسلم) المراد: العلم الذي هو فريضة يقوم به دين الإسلام، فيجب على كل إنسان أن يتعلم ما يقوم به دينه، يتعلم كيف يعبد الله، ويتعلم أن الله أوجب عليه التوحيد، وأن الشرك محرم، ويتعلم كيف يصلي، وكيف يزكي إذا كان عنده مال، وكيف يحج، وكيف يصوم، هذا فرض على كل مسلم أن يتعلم كيف يعبد الله، فكل مسلم لا بد أن يطلب العلم حتى يعرف كيف يصلي، وكيف يزكي، وكيف يحج، وكيف يقيم دينه، وما زاد على ذلك فهو فرض كفاية. وأما قوله: (وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الذهب واللؤلؤ والجوهر) هذا ضعيف.

شرح حديث: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا)

شرح حديث: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)]. وهذا حديث عظيم رواه مسلم في صحيحه وغيره، وهو حديث عظيم اشتمل على هذه الجمل العظيمة: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) والجزاء من جنس العمل، (ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) فالجزاء من جنس العمل، يجازى الإنسان من جنس عمله. وقوله: (من نفس عن مسلم كربة) يعني: وجده في ضائقة فنفس عليه كربة الدين ودفع عنه دينه، أو أنظره إذا كان يطلبه، أو أعطاه إذا كان معسراً، أو خلصه من شدة وقع فيها، والجزاء: (نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة). وقوله: (ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)، من يسر على معسر بأن لم يشدد عليه في اقتضاء الدين، أو يسر عليه في بيعه وشرائه يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) فإذا ستر على مسلم وأخفى فيه عيباً، أو ستره إذا كان من أصحاب العثرات التي وقع فيها، فإذا وقع في زلة نصحه وستر عليه إذا كان من ذوي الهيئات، بخلاف ما إذا كان من المستهترين أو من المجاهرين؛ فإن هذا له حكم آخر، لكن إذا كان من أهل الهيئات ووقع في زلة ثم نصحه وستر عليه ستره الله في الدنيا والآخرة. وقوله: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، الجزاء من جنس العمل، فإذا أعانه في قضاء دينه، أو أعانه في حمل متاعه، أو أعانه في إصلاح سيارته، أو أعانه في بناء بيته فإن الله يكون في عونه. وقوله: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده). وهذا الحديث فيه فوائد عظيمة تحصل للمجتمعين أهل العلم الذين يتدارسون ويتحلقون في حلق العلم ويدرسون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، تحصل لهم هذه المزايا، نسأل الله أن يجعل مجالسنا تنزل عليها السكينة وتحفها الملائكة وتغشاها الرحمة. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، والمعنى: من كان عمله سيئاً فإن نسبه لا يفيده ولا يرفعه ولا يلحقه بدرجة الأتقياء، فإذا كان عمله سيئاً لا ينفعه النسب، ولو كان من أولاد الأنبياء، ولو كان من الأشراف. وقوله: (من أبطأ به عمله) أي: أخره عمله لأنه كان سيئاً فإن نسبه لا يسرع به ولا يلحقه مع الأولياء ومع المتقين، فمجرد النسب لا يكفي ولو كان من كان؛ المهم العمل. قال في تخريجه: إسناده صحيح، وقد صرح سليمان بن مهران الأعمش بالسماع من أبي صالح عند مسلم، وأخرجه الإمام مسلم. وقوله: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) هذا منطوق، منطوقه: أن من تأخر به العمل لا يلحقه النسب، لكن لو كان له عمل وليس له نسب فلا يضره، فإن النسب ليس له ميزان عند الله، فالإنسان ولو لم يكن له نسب إذا كان عمله صالح فلا يضره.

شرح حديث: (ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم)

شرح حديث: (ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ما جاء بك؟ قلت: أنبط العلم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنع)]. وأنبط من الرباعي، يعني: أتخذ العلم؛ لأنه تعلم من العلماء. قال في تخريجه: إسناده صحيح، عاصم عندنا ثقة كما حققناه في تعقباتنا. وهذا الحديث شهد له الحديث السابق: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) وهذا في فضل العلم وطلب العلم. ثم قال: وقال الترمذي: حسن صحيح، قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي.

شرح حديث: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير)

شرح حديث: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره)]. قال في تخريجه: إسناده حسن؛ فـ حميد بن صخر ويقال هو حميد بن زياد أبو صخر صدوق يهم في الحديث. وقوله: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره) هذا فيه بيان أن التعلم والتعليم نوع من الجهاد، ولهذا قال سبحانه: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]. وفيه فضل التعلم في المساجد، فالمساجد لها فضل في التعلم والتعليم.

شرح حديث: (عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض)

شرح حديث: (عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي عاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يرفع، وجمع بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام هكذا، ثم قال: العالم والمتعلم شريكان في الأجر، ولا خير في سائر الناس)]. وهذا الحديث ضعيف، علته علي بن يزيد الألهاني والقاسم وكلاهما ضعيف، ولكن المعنى صحيح في الحث على طلب العلم قبل أن يقبض، وقبضه بموت العلماء، والعالم والمتعلم شريكان في الأجر، والمعنى صحيح، لكن الحديث هذا ضعيف من أجل علي بن يزيد الألهاني وكذلك القاسم.

شرح حديث: (خرج رسول الله ذات يوم من بعض حجره فدخل المسجد)

شرح حديث: (خرج رسول الله ذات يوم من بعض حجره فدخل المسجد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا بشر بن هلال الصواف حدثنا داود بن الزبرقان عن بكر بن خنيس عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من بعض حجره فدخل المسجد فإذا هو بحلقتين: إحداهما: يقرءون القرآن ويدعون الله، والأخرى: يتعلمون ويعلمون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل على خير؛ هؤلاء يقرءون القرآن ويدعون الله، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون ويعلمون، وإنما بعثت معلماً فجلس معهم)]. وهذا ضعيف من أجل داود بن الزبرقان وشيخه بكر بن خنيس، وكذلك عبد الرحمن بن زياد كل هؤلاء ضعفاء، والذين يقرءون القرآن هم يتعلمون العلم وليسوا خارجين عن العلم، فكل من الحلقتين سواء، فالذين يقرءون القرآن والذين يتعلمون العلم هم حلقة واحدة. قال في تخريجه: إسناده ضعيف جداً؛ داود بن الزبرقان الرقاشي البصري متروك وكذبه الأزدي، وبكر بن خنيس ضعيف عندنا وإن قال الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق له أغلاط. وقال في تخريج الحديث الذي قبله: إسناده ضعيف لضعف علي بن يزيد الألهاني، قال: يحيى بن معين: علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة هي ضعاف كلها. والعالم الذي يتقن صلاته يقدم للإمامة بالناس، ومن كان قارئاً للقرآن ويعلم صحة صلاته يقدم، وإذا كان يجهل كثيراً من أحكام الصلاة يقدم العالم، والقراء كانوا هم العلماء؛ فقد كان القارئ هو العالم وهو الفقيه، قارئ وفقيه، ثم وجد في العصور المتأخرة قراء ليسوا فقهاء.

تبليغ العلم

تبليغ العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من بلغ علماً. حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وعلي بن محمد قالا: حدثنا محمد بن فضيل حدثنا ليث بن أبي سليم عن يحيى بن عباد أبي هبيرة الأنصاري عن أبيه عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) زاد فيه علي بن محمد: (ثلاث لا يُغل أو لا يَغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم)]. وهذا الحديث ضعيف من أجل ليث بن أبي سليم، لكن الحديث له شواهد في الصحيح، وفيه الدعاء لمن بلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فأداها كما سمعها) دعا له بالنضرة وهي: حسن الوجه وجماله، وقال: (فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)، وهذا صحيح؛ فقد يبلغ الإنسان غيره فيفهم هذا المبلغ ما لا يفهمه الذي بلغه؛ لأنه أفقه منه. وقوله: (ثلاث لا يُغل عليهن قلب مسلم)، يروى (يَغل) يعني: من الخيانة، ويروى (يُغل) بمعنى: الحقد، يعني: لا يحقد الإنسان وهو متصف بهذه الصفات الثلاث: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم. يعني: لا يخون الإنسان وفيه هذه الثلاث: إخلاص العمل لله، والنصح لولاة الأمور، ولزوم الجماعة، أو لا يحقد وهو متصف بهذه الصفات، والحديث ضعيف، لكن المعنى صحيح له شواهد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن عبد السلام عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف من مني، فقال: نضر الله امرأً سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)]. قال في تخريجه: إسناده ضعيف لضعف عبد السلام بن أبي الجنوب، ولكنه يتصل بالإسناد الذي بعده. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا خالي يعلى ح وحدثنا هشام بن عمار حدثنا سعيد بن يحيى قالا: حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه]. وهذا سند لا بأس به، فيصح الحديث في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن بلغ سنته عليه الصلاة والسلام وشرعه ودينه. وفيه: بيان أن المبلغ قد يكون أفقه من المبلغ. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن الوليد قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نضر الله امرأً سمع منا حديثاً فبلغه؛ فرب مبلغ أحفظ من سامع)]. قال في تخريجه: إسناده حسن من أجل سماك بن حرب الجهني الكوفي وهو صدوق وقد تغير. وكل هذه الأسانيد يشد بعضها بعضاً، والحديث ثابت. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان أملاه علينا حدثنا قرة بن خالد حدثنا محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وعن رجل آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: ليبلغ الشاهد الغائب، فإنه رب مبلغ يبلغه أوعى له من سامع)]. وإذا بلغ فقد امتثل لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو مثاب وله أيضاً أجر من بلغ، ففيه: فضل من بلغ علماً؛ فإنه أولاً امتثل لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام. وثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بنضرة الوجه فقال: (نضر الله امرأً). وثالثاً: أن له أجر من بلغ. فهذه الأمور يحصل عليها من بلغ علماً: أولاً: يحصل على دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بنضارة الوجه. ثانياً: امتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم في التبليغ. ثالثاً: له أجر من بلغ واستفاد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا إسحاق بن منصور أنبأنا النضر بن شميل عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية القشيري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا ليبلغ الشاهد الغائب)]. وهذا أمر: (ليبلغ الشاهد الغائب)، والشاهد: الحاضر الذي حضر وسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فالحاضر يبلغ الغائب، وهكذا في المواعظ والمحاضرات والدروس العلمية الشاهد عليه أن يبلغ الغائب، إذا ذهب إلى أهله أو بيته أو زملائه أو جيرانه يبلغهم ما استفاد؛ امتثالاً لقوله: (ليبلغ الشاهد الغائب)، فيبلغ الحاضر من لم يحضر. الحديث لا بأس بسنده؛ بهز بن حكيم حسن الحديث. قال في تخريجه: حسن، وبهز بن حكيم عندنا ثقة، ورواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صححها ابن معين وأبو داود إذا كان الراوي بهز ثقة، ووهنها أبو حاتم الرازي والصواب: تحسين هذا الإسناد؛ لأن حكيم بن معاوية والد بهز لا يرتقي حديثه إلى مرتبة الصحيح.

شرح حديث: (ليبلغ شاهدكم غائبكم)

شرح حديث: (ليبلغ شاهدكم غائبكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبدة أنبأنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي حدثني قدامة بن موسى عن محمد بن الحصين التميمي عن أبي علقمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما عن يسار مولى ابن عمر عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليبلغ شاهدكم غائبكم)]. هذا إسناد ضعيف، فإن محمداً بن الحصين التميمي مجهول، ويكون شاهداً لما سبق.

شرح حديث: (نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها)

شرح حديث: (نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن إبراهيم الدمشقي حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن معان بن رفاعة عن عبد الوهاب بن بخت المكي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها عني؛ فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)]. هذا الحديث إسناده ضعيف جداً؛ لأن محمداً بن إبراهيم الدمشقي شيخ ابن ماجة منكر الحديث، اتهمه الحاكم بالوضع، وقال الدارقطني: كذاب، لكن لفظ الحديث ثابت.

المقدمة [16]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [16] إذا رأيت الرجل حريصاً على غلق أبواب الشر، مفتاحاً لأبواب الخير، مع وجود أصل طيب شرعي، فاشهد له بالإيمان وصلاح الحال، فهو ينفق ماله في وجوه البر، ويسعى في التعليم والتعلم؛ لأنه يعلم أن العلم شرف لصاحبه، وأن طالب العلم هو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أجل ذلك كان حرياً بمن هذه صفاته أن يتبعه عمله إلى قبره، وأن يشفع له عند الله سبحانه وتعالى.

ما جاء فيمن كان مفتاحا للخير

ما جاء فيمن كان مفتاحاً للخير

شرح حديث (إن من الناس مفاتيح للخير)

شرح حديث (إن من الناس مفاتيح للخير) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من كان مفتاحاً للخير. حدثنا الحسين بن الحسن المروزي أنبأنا محمد بن أبي عدي حدثنا محمد بن أبي حميد حدثنا حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه)]. هذا الحديث ضعيف؛ لأجل محمد بن أبي حميد فهو متروك، ومتهم بالكذب. قال البوصيري: (هذا إسناد ضعيف من أجل محمد بن أبي حميد فإنه متروك ولم يترك). ولم يترك، أي: لا يرى أنه يصل إلى درجة أنه متروك وضعيف. ولا شك أن العلماء والأخيار الذين نفع الله بهم البلاد والعباد ونشروا العلم، وكذلك الدعاة والمصلحون وأهل الأموال الذين ينفقون أموالهم في المشاريع الخيرية، والذين ينفعون الناس بشفاعاتهم ووجاهتهم تكون أعمالهم قدوة للناس فهم مفاتيح للخير، ومغاليق للشر. وهذا الحديث لا يستشهد به لأنه شديد الضعف.

شرح حديث (إن هذا الخير خزائن)

شرح حديث (إن هذا الخير خزائن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن سعيد الأيلي أبو جعفر حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير)]. وهذا الحديث ضعيف أيضاً؛ لأن فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو يضعف في الحديث، من الثامنة، وله إخوان كلهم ضعفاء، أشدهم ضعفاً عبد الرحمن، ولكن هذا الحديث أقل ضعفاً من الحديث السابق، لأن الأول فيه متروك. وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم لم يصل إلى درجة الترك، وروايته معتبرة في الشواهد، وعليه فكلا الحديثين يشد أحدهما الآخر ويتقوى به، وكل واحد منهما حسن لغيره، كما قال الشيخ ناصر رحمه الله.

ما جاء في ثواب معلم الناس الخير

ما جاء في ثواب معلم الناس الخير

شرح حديث: (إنه ليستغفر للعالم من في السموات ومن في الأرض)

شرح حديث: (إنه ليستغفر للعالم من في السموات ومن في الأرض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ثواب معلم الناس الخير]. حدثنا هشام بن عمار حدثنا حفص بن عمر عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ليستغفر للعالم من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر). وهذا الحديث ضعيف من أجل عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، ولكن معناه صحيح، وإذا كانت الملائكة تستغفر لعموم المؤمنين فمعلم الناس من باب أولى، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:7 - 9]. والحديث صححه العلامة الألباني رحمه الله متناً من أجل الشواهد والآية القرآنية التي هي الدعاء للمؤمنين، فكأنه يرى أن السند فيه ضعف، لكن المتن موافق للدعاء في الآية.

شرح حديث: (من علم علما فله أجر من عمل به)

شرح حديث: (من علَّم علماً فله أجر من عمل به) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عيسى المصري حدثنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن أيوب عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من علم علماً فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل)]. وهذا السند ضعيف؛ من أجل سهل بن معاذ بن أنس، لكن المتن صحيح، فمن علم علماً فله أجر من عمل به، ويشهد له حديث: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، وحديث الإمام علي رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر قال: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم). ويحيى بن أيوب قيل: إنه لم يدرك سهلاً بن معاذ، وهذه هي العلة الثانية، وهي: الانقطاع.

شرح حديث: (خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث)

شرح حديث: (خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن أبي كريمة الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم حدثني زيد بن أبي أنيسة عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم يعمل به من بعده). هذا الحديث لا بأس بسنده، ويشهد له حديث أبي هريرة عند مسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وهو في معناه، فدل هذان الحديثان وأمثالهما على أن الإنسان بعد موته ينتفع بما تسبب به في الحياة وبما يهدى أيضاً إليه من ثواب أعمال صالحة أو دعاء من الأحياء. والصدقة الجارية: هي الأوقاف التي يوقفها الإنسان في حياته كمسجد يبنيه، أو نخل يوقفها، أو مصاحف، أو غير ذلك من كتب العلم يطبعها ويجعلها وقفاً على طلبة العلم، أو دورات مياه يصلحها للناس؛ كل هذا من الصدقة الجارية. (أو علم ينتفع به) يشمل الكتب التي ألفها، والطلاب الذين درسهم وما أشبه ذلك من العلم الذي ينتفع به بعد موته. (أو ولد صالح يدعو له)، أي: ولد صالح رباه وعلمه، ونشأه فدعا له، وكذلك ينتفع بما يهدى إليه من صدقات الأحياء بعد موته، والأوقاف التي يوقفها الأحياء له، والدعوات التي يدعون له، كل ذلك ينتفع به. وكذلك الاستغفار يعتبر نوعاً من أنواع الدعاء الذي ينفع الحي والميت. وأما قراءة القرآن ففيه خلاف بين أهل العلم، وكذلك التسبيح، والتهليل، وصلاة ركعتين ينوي ثوابها للميت، ويصوم وينوي ثواب صيامه للميت، ويطوف بالبيت وينوي ثواب الطواف للميت، فهذا فيه خلاف بين العلماء، ولم يأت فيه نص، إنما النص ورد في أربعة أشياء: (يتبع الميت أربعة أشياء: الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة). فبعض العلماء قاس عليها الصلاة والصيام وقراءة القرآن والتسبيح يُنوى ثوابها للميت، وذهب إلى هذا الحنابلة وجماعة من أهل العلم، فقالوا: كل قربة فعلها وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفعته. هذا هو القول الأول. والقول الثاني: أن العبادات توقيفية، وأن هذا خاص بما جاءت به النصوص، والنصوص إنما جاءت في أربعة أنواع: الدعاء والصدقة والحج والعمرة، وهذا هو الأرجح، ويلحق بذلك الصيام الذي يقضى عن الميت، إذا مات وعليه صيام من رمضان أو نذر أو كفارة يقضى عنه وينفعه؛ لما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) يعني: عليه صوم واجب سواء كان من رمضان، أو كفارة، أو نذر. وإذا صنع طعاماً وأهدى ثوابه للميت فلا بأس وفي أي وقت، ويتحرى الإنسان الذي هو أنفع للفقير، والصواب: أنه يقتصر على الأربع التي وردت: الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة، وكذلك قضاء الصوم الواجب على الميت، أما أن يصلي عن الميت ركعتين، أو يسبح، أو يطوف بالبيت وينوي ثوابها للميت فليس عليه دليل، لكن يصوم لنفسه، ويدعو للميت، ويصلي لنفسه ويدعو للميت، ويطوف بالبيت لنفسه ويدعو للميت. وليس هناك وقت محدد للصدقة، فقد كان الناس قديماً أيام المجاعة يخصصون يومي الإثنين والخميس، لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، ولكن الأولى أن الإنسان يتحرى الأنفع للفقير. وبعض الناس يتصدق في المقبرة، والأولى عدم التمادي في مثل هذا؛ لأنه قد يتوسع بعض الناس في ذلك. لكن لو اشتد العطش مثلاً واحتاج الناس إلى شراب وأتى إنسان بشيء ليس معتاداً فلا بأس، أما كونه يعتاد هذا ويتوسع الناس فيه فلا، وقد توسع بعضهم في هذا حتى إنه يأتي بعصير وقد يأتي بحلويات، فهذا مما لا ينبغي. والطواف المستقل إذا أهدي للميت فليس عليه دليل، ويستثنى من ذلك الحج والعمرة المستقلان، وبعض العلماء كالحنابلة وغيرهم قاسوا الطواف عليه، فقالوا: كل قربة تنفع الميت، كالطواف بالبيت، والتسبيح والتهليل، وصلاة ركعتين أو أكثر، وآخرون من أهل العلم اقتصروا على ما جاءت به النصوص، وهذا هو الأرجح. أما الضحية فلا يشترط فيها كونها صدقة؛ لأنها نوع من الصدقة، أما إذا كانت وصية فلا بأس، وإذا كانت غير وصية فالأولى أن يشرك في الأموال. أما صدقة التطوع، فأمرها عام وواسع، لكن الزكاة خاصة بالأصناف الثمانية.

شرح حديث: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته)

شرح حديث: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته) قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو الحسن: وحدثنا أبو حاتم محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي حدثنا يزيد بن سنان يعني: أباه حدثني زيد بن أبي أنيسة عن فليح بن سليمان عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر نحوه]. وأبو الحسن القطان هو: راوي سنن ابن ماجة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن وهب بن عطية حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا مرزوق بن أبي الهذيل حدثني الزهري حدثني أبو عبد الله الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه. ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته). وهذا الحديث ضعيف؛ لأجل مرزوق بن أبي هذيل، ولكن هذه الأمور التي ذكرها يغني عنها حديث أبي هريرة: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه الإمام مسلم في صحيحه. قوله صلى الله عليه وسلم: [(وولداً صالحاً تركه)]. كذلك (ولد صالح يدعو له)، كما في حديث أبي هريرة عند مسلم. قوله صلى الله عليه وسلم: [(ومصحفاً ورثه)]. هذا أيضاً من الصدقة الجارية، طبع كتاباً أو مصحفاً على نفقته فهو من العلم الذي ينتفع به. وقوله صلى الله عليه وسلم: [(أو مسجداً بناه)]. كذلك هذا من الصدقة الجارية. وقوله صلى الله عليه وسلم: [(أو بيتاً لابن السبيل بناه)]. كذلك هذا من الصدقة الجارية. [(أو نهراً أجراه)]. وكذلك هذا من الصدقة الجارية. [(أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته)]. وهي التي مضت في حياته. [(يلحقه من بعد موته)]. كل هذه الألفاظ صحيحة وإن كان السند فيه ضعف. ومن معاني: (مصحفاً ورثه) أن يأتي بمصحف ويوقفه للمسجد. والصدقة حال الصحة والحياة أفضل، يقول النبي في صحيح البخاري لما سئل: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل -أي: لا تؤخر- حتى إذا بلغت -يعني: الروح- الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)، فأفضل الصدقة ما كان في زمن الصحة والشح، (وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى) بخلاف ما إذا كان الإنسان مريضاً، وبسبب مرضه رخص عنده المال، بخلاف وقت الصحة يكون المال غال ونفيس؛ فإن تصدق في هذه الحالة كان أفضل. ومعلوم أن النية تسبق العمل، فمن تصدق بشيء فهو على حسب نيته، فمن وضع مصحفاً في المسجد بنية الوقف فهو كذلك، وإن وضعه بنية أخذه فلا بأس بذلك، ومن تصدق بصدقة ينوي بها نفسه كتبت له، وإن نوى بها الميت فهي للميت، ولا يصح أن يتصدق بها على نفسه ثم ينوي بها للميت، فإذا سبقت النية العمل انتهى الأمر. والاستغفار يصح، ويصل إلى الميت، أما التسبيح فما عليه دليل. وابن خزيمة رحمه الله حسن الحديث، وهو يتساهل، لكن يحتمل أنه ترجح عنده التحسين للشواهد، ولحديث أبي هريرة عند مسلم.

شرح حديث: (أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما ثم يعلمه أخاه المسلم)

شرح حديث: (أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علماً ثم يعلمه أخاه المسلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب المدني حدثني إسحاق بن إبراهيم عن صفوان بن سليم عن عبيد الله بن طلحة عن الحسن البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علماً، ثم يعلمه أخاه المسلم)]. وهذا ضعيف؛ لأجل يعقوب بن حميد شيخ ابن ماجة رحمه الله، وكذا فيه انقطاع فـ الحسن لم يسمع من أبي هريرة، ويعقوب روى عن إسحاق بن إبراهيم وهو كذلك ضعيف، فيكون فيه ثلاث علل: يعقوب شيخ المؤلف، وشيخ شيخه، والانقطاع بين الحسن وأبي هريرة، ونشر العلم معلومة فضائله في النصوص الأخرى.

من كره أن يوطأ عقباه

من كره أن يوطأ عقباه

شرح حديث: (ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا)

شرح حديث: (ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من كره أن يوطأ عقباه. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سويد بن عمرو عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شعيب بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه رضي الله عنه قال: (ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئاً قط، ولا يطأ عقبيه رجلان). قال أبو الحسن: وحدثنا حازم بن يحيى حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي حدثنا حماد بن سلمة. قال أبو الحسن: وحدثنا إبراهيم بن نصر الهمداني -صاحب القفيز- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة]. وهذا لا بأس بسنده، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل متكئاً، والأولى للإنسان ألا يأكل متكئاً. (ولا يطأ عقبيه رجلان) يعني: لا يمشون خلفه عليه الصلاة والسلام، خشية لما قد يقع في نفس الإنسان من الكبر، ولهذا ينبغي للإخوان ألا يمشوا خلف طالب العلم أو غيره، وإنما يكونوا أمامه أو عن يمينه أو عن شماله، وإذا كانوا أكثر من اثنين فمن باب أولى. وقوله: (لا يأكل متكئاً). هذا جاء من فعله عليه الصلاة والسلام (لا يأكل متكئاً)، ولا شك أن الأولى ترك هذا، أما كيفية الاتكاء، وهل يتكئ على يده اليسرى أم اليمنى؟ وما حكمه؟ فـ الخطابي فسر الاتكاء: أن يكون متربعاً، وهذا ليس اتكاء، وفي كتاب الأطعمة للإمام البخاري رحمه الله ذكر هذا، والحافظ ابن حجر نقل كلام العلماء في كيفية الأكل متكئاً وحكمه، وأنه للكراهة.

شرح حديث تقديم النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة أمامه

شرح حديث تقديم النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة أمامه قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو المغيرة حدثنا معان بن رفاعة حدثني علي بن يزيد قال: سمعت القاسم بن عبد الرحمن يحدث عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر نحو بقيع الغرقد، وكان الناس يمشون خلفه، فلما سمع صوت النعال وقر ذلك في نفسه، فجلس حتى قدمهم أمامه؛ لئلا يقع في نفسه شيء من الكبر)]. وهذا ضعيف جداً من أجل علي بن يزيد الألهاني والقاسم، وأيضاً من نكارته أنه قال: (لئلا يقع في نفسه شيء من الكبر)؛ ما الذي أعلمه بالذي وقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان أخبره؟! ولكن هذا ضعيف، والعمدة على الحديث الأول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم من فعله أنه لا يطأ عقبه اثنان) يعني: لا يمشي خلفه اثنان، فالأولى عدم المشي في الخلف.

شرح حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى أصحابه أمامه)

شرح حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى أصحابه أمامه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى أصحابه أمامه، وتركوا ظهره للملائكة)]. وهذا لا بأس بسنده، وفيه: أن أصحابه يمشون أمامه أو عن يمينه أو عن شماله، ولا يمشون خلفه.

الوصاة بطلبة العلم

الوصاة بطلبة العلم

شرح حديث: (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم)

شرح حديث: (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوصاة بطلبة العلم. حدثنا محمد بن الحارث بن راشد المصري حدثنا الحكم بن عبدة عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحباً مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم واقنوهم)، قلت للحكم: ما اقنوهم؟ قال: علموهم]. وهذا الحديث ضعيف من أجل أبي هارون العبدي وهو ضعيف، ولا يحتج به في أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى بطلبة العلم، لكن ينبغي إكرامهم والإحسان إليهم والاهتمام بهم أولى من غيرهم، ويجب على المؤمن أن يكرم أخاه المؤمن، وأن يلقاه بالبشر والإحسان، وطلبة العلم في الدرجة الأولى من الإكرام.

شرح حديث: (سيأتيكم أقوام من بعدي يطلبون العلم فرحبوا بهم)

شرح حديث: (سيأتيكم أقوام من بعدي يطلبون العلم فرحبوا بهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة حدثنا المعلى بن هلال عن إسماعيل قال: دخلنا على الحسن نعوده حتى ملأنا البيت، فقبض رجليه، ثم قال: دخلنا على أبي هريرة رضي الله عنه نعوده حتى ملأنا البيت، فقبض رجليه، ثم قال: (دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ملأنا البيت، وهو مضطجع لجنبه، فلما رآنا قبض رجليه، ثم قال: إنه سيأتيكم أقوام من بعدي يطلبون العلم فرحبوا بهم وحيوهم وعلموهم)، قال: فأدركنا والله أقواماً ما رحبوا بنا ولا حيونا ولا علمونا، إلا بعد أن كنا نذهب إليهم فيجفونا]. وهذا ضعيف جداً؛ لأجل المعلى بن هلال فقد قيل: إنه ضعيف الحديث، وبعضهم حكم عليه بالوضع، ومما يدل أيضاً على ضعفه ونكارته: أن الحسن قال: أدركنا أقواماً يجفوننا، والذي أدركهم هم الصحابة، والصحابة لا يمكن أن يجفوهم، وإن كان بعضهم قد يحمله على أنه أدرك صغار الصحابة، لكنه أدرك بعض الصحابة، وإن كان لم يدرك أبا هريرة، والعناية بطلبة العلم معلومة من النصوص الأخرى.

شرح حديث (إن الناس لكم تبع)

شرح حديث (إن الناس لكم تبع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد حدثنا عمرو بن محمد العنقزي أنبأنا سفيان عن أبي هارون العبدي قال: كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (إن الناس لكم تبع، وإنهم سيأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا جاءوكم فاستوصوا بهم خيراً)]. وهذا الحديث ضعيف من أجل أبي هارون العبدي كما سبق، ولا تصح الوصية من النبي لطلبة العلم، لكن العناية بهم معروفة؛ فهم أولى الناس بها.

المقدمة [17]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [17] العلم النافع هو العلم الذي يتعلمه صاحبه ليرفع الجهل عن نفسه وعن غيره، ويعمل به، أما إذا تعلم العلم رياءً وسمعة، أو ليماري به السفهاء ويباهي به العلماء؛ فإنه على خطر عظيم، وقد جاء الوعيد الشديد في حقه كما في الأحاديث النبوية.

الانتفاع بالعلم والعمل به

الانتفاع بالعلم والعمل به

شرح حديث: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)

شرح حديث: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الانتفاع بالعلم والعمل به. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع)]. هذه ترجمة عظيمة، وهي: [باب العمل بالعلم والانتفاع به] لأن المقصود من تعلم العلم هو العمل والانتفاع به، فإذا لم يعمل الإنسان بالعلم ولم ينتفع به فإنه يكون من المغضوب عليهم، ويكون فيه شبه باليهود الذين معهم العلم ولم يعملوا به، أما إذا عمل بعلمه وانتفع به فإنه يكون مع المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين نسأل الله في كل ركعة من ركعات الصلاة أن يهدينا صراطهم، وهم الذين يعلمون ويعملون؛ تعلموا العلم وانتفعوا به وعملوا به، هؤلاء هم المنعم عليهم وهم أهل السعادة، أما أهل الشقاوة فهم طائفتان: الطائفة الأولى: المغضوب عليهم، وهم الذين يعلمون ولا يعملون، فلا ينتفعون بعلمهم، كاليهود وأشباههم، ولهذا قال بعض العلماء: من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود. والطائفة الثانية: الضالون الذين يعملون بجهل وضلال، ليس عندهم علم، فقدوا العلم والبصيرة، فهم يتخبطون في دياجير الظلمات، كالصوفية وبعض الزهاد وغيرهم، ويدخل في هذا النصارى دخولاً أولياً، فهم الضالون، ولهذا شرع لنا الله سبحانه وتعالى قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة، وفي أولها حمد الله والثناء عليه سبحانه وتعالى وتمجيده: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، ثم ثناء على الله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] وتمجيد لله، وتوسل في الثناء عليه، وفيها أركان العبادة الثلاثة: المحبة، والخوف، والرجاء. ثم بعدها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] (إياك نعبد) هذه هي سر الخليقة التي من أجلها خلق الله الخلق وهي العبادة والتوحيد والطاعة، ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))، فالعبادة منك أيها العبد، والاستعانة بالله عز وجل، ثم بعد ذلك هذا الدعاء العظيم الذي هو أنفع وأعظم وأجمع دعاء، وحاجة الإنسان إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبيه؛ وذلك أن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب مات الجسد، والموت لابد منه إن عاجلاً أو آجلاً، ولا يضر الإنسان أن يموت إذا كان مستقيماً على طاعة الله، وكان موحداً لله، فالموت لابد منه، لكن إذا فقد الهداية مات قلبه وروحه وصار إلى النار -نعوذ بالله- وبهذا يتبين أن حاجة العبد إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبيه، وهو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7]. فالله تعالى قسم الناس إلى ثلاثة أقسام: منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالون. فأنت تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} * {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، وقد بينه الله تعالى في سورة النساء بقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] أربع طبقات: الأنبياء، والصديقون، والشهداء، والصالحون، فأنت تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم صراط المنعم عليهم، وتسأل الله أن يجنبك طريق المغضوب عليهم، ((غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ))، أي: غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين يعلمون ولا يعملون، (ولا الضالين) أي: وغير طريق الضالين، وهم الذين يعبدون الله على جهل وضلال. فما أعظم هذا الدعاء وما أنفعه! فهما داءان إذا سلم الإنسان منهما فقد سلم من الشرور، وقد برأ الله نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام من هذين الدائين؛ وهماً داء الغواية، وداء الضلال، فالذي لا يعمل بعلمه غاوٍ، والذي يعمل على جهل وضلال ضال، والذي يعمل بعلمه راشد. قال تعالى في كتابه الكريم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1 - 2]، فأقسم الله أن نبينا صلى الله عليه وسلم ليس ضالاً ولا غاوياً، بل هو راشد عليه الصلاة والسلام. فهذه الترجمة ترجمة عظيمة: باب العمل بالعلم والانتفاع به؛ لأن الثمرة من العلم هو العمل به والانتفاع به، فإذا لم يعمل الإنسان بعلمه ولم ينتفع به صار كاليهود، {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:5]. وهذا الحديث ضعيف؛ لانقطاعه، فـ سعيد بن أبي سعيد لم يسمع من أبي هريرة، وابن عجلان فيه كلام، وأبو خالد الأحمر ضعيف، لكن الحديث أصله في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك أن تضلني، لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها)، فهذا الدعاء ثابت معناه وإن كان الحديث سنده ضعيف، لكنه دعاء عظيم، إذ العلم الذي لا ينفع وبال على صاحبه، كاليهود معهم علم ولم يعملوا به، قال تعالى عنهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146]، أي: يعرفون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله وأنه حق، ومع ذلك لم يؤمنوا به، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146]، فلا فائدة من العلم الذي لا يعمل به صاحبه، وقال سبحانه عن اليهود: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. قوله: (ومن نفس لا تشبع)، أي: لا تزال تسأل وتسأل وتسأل، ومن رزق القناعة فقد رزق خيراً كثيراً، فالقناعة كنز لا يفنى، والنفس التي لا تشبع لا يزال صاحبها نهماً، يطلب الدنيا ويسألها ولا يشبعه شيء ولا يرويه شيء، كالنهم الذي لا يروى. قال: (ومن دعوة لا يستجاب لها)، فهذا دعاء عظيم. والعلم الذي لا ينفع أي: لا ينفع الإنسان ولا يعمل به، وأهم شيء هي الواجبات، وأصل ذلك الإيمان بالله عز وجل، فاليهود يعلمون أن محمداً رسول الله ومع ذلك لم يؤمنوا، ولم يعملوا بعلمهم في أصل الدين، وهو الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فهي شهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، فلم يشهدوا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وإن كانوا يزعمون أنهم مؤمنون بالله، لكن إيمانهم فاسد لا يصح حتى يؤمنوا برسول الله، فالشهادتان لا تقبل إحداهما بدون الأخرى، كل واحدة شرط في الأخرى، فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم تقبل منه، ومن شهد أن محمداً رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه، وإذا أطلقت إحداهما دخلت فيها الأخرى، فإذا أطلقت شهادة أن لا إله إلا الله دخلت فيها شهادة أن محمداً رسول الله، وإذا أطلقت شهادة أن محمداً رسول الله دخلت فيها شهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا نفى الله تعالى الإيمان عن أهل الكتاب لما لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يزعمون أنهم يؤمنون بالله، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، فنفى عنهم الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأنهم أنكروا نبوة ورسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يزعمون أنهم مؤمنون. وكذلك أيضاً من لم يعمل بعلمه في أداء الواجبات وترك المحرمات، أما من أدى الواجبات والفرائض وترك المحرمات فقد آمن بالله ورسوله، ثم اقتصر على ذلك فهو من المقتصدين أصحاب اليمين الذين يدخلون الجنة من أول وهلة، ولكن أعلى منهم وأفضل هم السابقون المقربون، الذين يؤدون الفرائض والواجبات وينشطون في فعل النوافل والمستحبات، ويتركون المحرمات والمكروهات كراهة التنزيه، ويتركون التوسع في المباحات أيضاًَ خشية الوقوع في المكروهات، فهؤلاء هم السابقون المقربون، أما المقتصدون فهم الذين يقتصرون على أداء والواجبات فقط، وليس عندهم نشاط في فعل المستحبات والنوافل، ويتركون المحرمات ولا يفعلون شيئاً منها، ولكن ليس عندهم نشاط في ترك المكروهات كراهة تنزيه، وقد يتوسعون في المباحات، وكل من الطائفتين -السابقين المقربين والمقتصدين- يدخلون الجنة من أول وهلة. وهناك طائفة ثالثة من المؤمنين وهم الظالمون لأنفسهم الذين يقصرون في بعض الواجبات، أو يفعلون بعض المحرمات، وهم مؤمنون بالله ورسوله موحدون، ولكن قصروا في بعض الواجبات أو ارتكبوا بعض المحرمات، فهؤلاء على خطر، وهم داخلون تحت المشيئة، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فمنهم من يعفى عنه ومنهم من يصيبه العذاب، فقد يعذب في قبره، كما في حديث ابن عباس في قصة الرجلين اللذين كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة، فعذبا في قبريهما. وقد تصيبه شدائد وأهوال

شرح حديث: (اللهم انفعني بما علمتني)

شرح حديث: (اللهم انفعني بما علمتني) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً، والحمد لله على كل حال)]. هذا الحديث ضعيف أيضاً؛ لأن موسى بن عبيدة الربذي يضعف في الحديث، ولكن هذا دعاء طيب: (اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني) فهذا دعاء مطلوب، كون الإنسان يسأل ربه أن ينفعه بما علمه وأن يعلمه ما ينفعه، فهذا مطلوب، لكن الحديث بهذا السند ضعيف، ولكن معناه صحيح، فقد جاءت الأدلة بما يدل على هذا، ومن ذلك سورة الفاتحة فالدعاء الذي فيها يشهد لهذا الدعاء، فأنت تسأل الله أن يهديك: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6 - 7]، فقوله: (اللهم علمني ما ينفعني، وانفعني بما علمتني)، له شواهد من الأدلة العامة، وهو بهذا السند ضعيف. وقد قال الترمذي: (حسن غريب من هذا الوجه). لكن له شواهد أخرى، وهو بهذا السند ضعيف. وقوله: (الحمد لله على كل حال) ورد في بعض الأحاديث الضعيفة ما يدل عليه، فقد ورد عند دخول المسجد الحرام، كما ذكر صاحب شرح زاد المستقنع: أنه إذا دخل المسجد الحرام يقول: اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلالك وعظيم سلطانك، وفي آخره: (والحمد لله على كل حال)، لكنه ضعيف. وكون الإنسان يحمد الله على كل حال له شواهد، منها قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2].

شرح حديث: (من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله)

شرح حديث: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد وسريج بن النعمان قالا: حدثنا فليح بن سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أبي طوالة عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجهُ الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرفَ الجنة يوم القيامة) يعني: ريحها]. قوله: (مما يبتغي) أي: المتعلم، فيكون (وجه) مفعولاً به، أو (مما يبتغى به وجه الله) فيكون (وجه) نائب فاعل. وهذا الحديث ضعيف لأجل فليح بن سليمان، لكن له شواهد وهو ثابت، وفيه الوعيد الشديد على تعلم العلم لأجل الدنيا، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجهُ الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة)، وفي هذا اللفظ: (لم يجد عرف الجنة) يعني: ريحها، ويشهد له كذلك قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. فتعلم العلم من أجل القربات، وأفضل الطاعات، فيجب على الإنسان أن يخلصه لله، وأن يخلص نيته لله في طلبه للعلم، ويقصد به وجه الله والدار الآخرة، فيتعلم العلم من أجل أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره، من أجل أن يعبد الله على بصيرة، يتعلمه طاعة لله وابتغاء مرضاته وتعبداً له؛ لأن تعلم العلم من أفضل القربات وأجل الطاعات، حتى قال العلماء: إنه أفضل من نوافل العبادة وأفضل من أن تتفرغ للعبادة، فإذا كان يمنعك صلاة النافلة أو صوم النافلة من طلب العلم فطلب العلم مقدم، فالواجب على طالب العلم أن يخلص نيته لله، وأن يقصد في تعلمه للعلم وجه الله والدار الآخرة، وأن يرفع عن نفسه الجهل، سئل الإمام أحمد رحمه الله: كيف يخلص نيته لله؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره؛ فيعبد ربه على بصيرة، وينوي رفع الجهل عن غيره ويعلم غيره؛ لأن الإنسان خرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً ثم علمه الله، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]. والحديث ضعيف كما سبق، لكن الشواهد تقويه، وينظر هل هو في مسلم أو معناه فقط، وأظنه في سنن أبي داود، وتشهد له الآية الكريمة: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. والآيات الكريمة قد تشهد للحديث الضعيف ويدل على أن له أصل. والمراد بالعلم هنا العلم الشرعي، والعلم إذا أطلق فالمراد به العلم الشرعي، علم الحلال والحرام، وفي مقدمة ذلك علم التوحيد وأسماء الله وصفاته وأفعاله، وقد ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وأنا القاسم والله المعطي)، هذا الحديث منطوقه: أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيراً، ومفهومه: أن من لم يفقه في الدين لم يرد الله به خيراً، وأعظم الفقه في الدين الفقه في أسماء الله وصفاته، ثم الفقه في أحكام الحلال والحرام. [قال أبو الحسن: أنبأنا أبو حاتم حدثنا سعيد بن منصور حدثنا فليح بن سليمان، فذكر نحوه]. أبو الحسن القطان هو راوي السنن عن ابن ماجة. وهذا سند آخر لكن مداره على فليح شيخ الحديث الأول.

شرح حديث: (من طلب العلم ليماري به السفهاء)

شرح حديث: (من طلب العلم ليماري به السفهاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار حدثنا حماد بن عبد الرحمن حدثنا أبو كرب الأزدي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو ليباهي به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار)]. وهذا الحديث أيضاً ضعيف، من أجل أبي كرب وحماد بن عبد الرحمن، وهما ضعيفان، لكن الحديث له شواهد. قوله: (من تعلم العلم ليماري به السفهاء) أي: يجادلهم (أو ليباهي به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار)، ففيه الوعيد الشديد على من تعلم لأجل هذه المقاصد السيئة؛ فلم يتعلم إلا ليخاصم العلماء، ويجادلهم، أو ليجاري السفهاء ويترفع عليهم، أو ليصرف وجوه الناس إليه، أي: لا يتعلمه إلا رياء وسمعة لا لأجل الله، وتعلم العلم عبادة عظيمة، فيجب على طالب العلم أن يخلص نيته في طلبه لله ويجاهد نفسه، ويدافع الوساوس والخواطر الرديئة، فلا يتعلم لأجل المال، ولا لأجل الدنيا، ولا من أجل الشهرة، ولا من أجل المنصب، فكل هذه الأمور لا ينبغي أن تكون على بال طالب العلم، فالعلم أسمى من ذلك وأعلى، وما يعطاه من المكافأة وغيرها مما يعينه على تعلم العلم ويشجعه، فينبغي ألا تكون له مقاصد سيئة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (أو ليباهي به العلماء) أي: ليفاخر العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه، وهذا الوعيد الشديد يدل على أنه من الكبائر، وللحديث له شواهد يرتقي بها. وينبغي للإنسان أن يكون تعلمه العلم لله، أما إذا كانت النية مشتركة كما جاء في حديث: (الرجل يجاهد لإعلاء كلمة الله وللمغنم)، فعلى حسب ما غلب عليه، فإن غلب الإخلاص فهو مخلص، وإن غلبت نية الدنيا فهو لها، لكن ينبغي للإنسان في كل حال أن يجاهد نفسه حتى يكون طلبه للعلم لله، مثلما قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله، فيجاهد ويدافع الخواطر الرديئة، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، وقال سبحانه: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:6]. وإذا لم يدخل في العلم إلا ليماري العلماء، أو يصرف وجوه الناس فقد يعاقب بهذه النية السيئة.

شرح حديث: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء)

شرح حديث: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا ابن أبي مريم أنبأنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار)]. وهذا الحديث ضعيف بسبب أبي الزبير فهو مدلس، وفيه تدليس ابن جريج، ولكن الحديث له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن لغيره، وفيه التحذير من هذه المقاصد السيئة. فمن تعلم العلم ليباهي به العلماء، أي: للمفاخرة والمباهاة، أو ليماري به السفهاء، أي: يخاطب السفهاء، أو ليتخير به المجالس، أي: حتى يقدم في المجالس ويشار إليه وينظر إليه من أجل المراءاة والتعاظم، فمن تعلم العلم لأجل ذلك فهذا مقصد سيئ.

شرح حديث: (إن أناسا يتفقهون في الدين ويأتون الأمراء ليصيبوا من دنياهم)

شرح حديث: (إن أناساً يتفقهون في الدين ويأتون الأمراء ليصيبوا من دنياهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا الوليد بن مسلم عن يحيى بن عبد الرحمن الكندي عن عبيد الله بن أبي بردة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أناساً من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرءون القرآن، ويقولون: نأتي الأمراء فنصيب من دنياهم، ونعتزلهم بديننا، ولا يكون ذلك، كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلا) قال محمد بن الصباح: كأنه يعني، الخطايا]. الإتيان إلى الأمراء ينبغي أن يكون لمصلحة الدين، لنصحهم وإبلاغهم ما يحصل من الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الدين النصحية، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، وأئمة المسلمين هم الأمراء، فإذا أتاهم لأجل النصيحة والبلاغ والبيان فهذا طيب، أما إذا جاء الأمراء من أجل المداهنة، ولكي يحصل على شيء من رزقهم وعطائهم فهذا هو المذموم. وهذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن عبيد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني مجهول، وإن كان الحافظ ابن حجر قال: إنه مقبول، لكن يحيى بن عبد الرحمن الكندي تفرد بالرواية عنه، ولم يوثقه أحد، وحكم بجهالته الذهبي والبوصيري. وفيه أيضاً الوليد بن مسلم وهو مدلس وقد عنعن. والمقصود أن الأمراء يزارون للبلاغ والنصيحة والبيان، وإذا كانت الزيارة للسلام فينبغي أن تكون معها نصيحة وبيان وإبلاغ وإظهار للشفقة والنصح.

شرح حديث: (تعوذوا بالله من جب الحزن)

شرح حديث: (تعوذوا بالله من جب الحزن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي حدثنا عمار بن سيف عن أبي معاذ البصري ح وحدثنا علي بن محمد حدثنا إسحاق بن منصور عن عمار بن سيف عن أبي معاذ عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعوذوا بالله من جب الحزن، قالوا: يا رسول الله! وما جب الحزن؟ قال: واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم أربعمائة مرة، قالوا: يا رسول الله! ومن يدخله؟ قال: أُعِدَّ للقراء المرائين بأعمالهم، وإن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء) قال المحاربي: الجورة. قال أبو الحسن: حدثنا حازم بن يحيى حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن نمير قالا: حدثنا ابن نمير عن معاوية النصري -وكان ثقة- ثم ذكر الحديث نحوه بإسناده. حدثنا إبراهيم بن نصر حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل حدثنا عمار بن سيف عن أبي معاذ قال مالك بن إسماعيل: قال عمار: لا أدري محمد أو أنس بن سيرين]. هذه الأسانيد كلها مدارها على عمار بن سيف وأبي معاذ وهما ضعيفان، فالحديث ضعيف بهذا السند، وأما المتن ففيه نكارة، فإن فيه أن جهنم تتعوذ من جب الحُزن فتتعوذ من نفسها ومن جزء منها، وقد ورد في بعض الأحاديث الاستعاذة من شر النفس، ومعنى ذلك: الاستعاذة من شرها كلها وليس من جزءٍ منها. وأما القراء الذين يراءون بأعمالهم فقد ثبت فيهم الوعيد الشديد من النصوص الأخرى الواضحة، قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان:22]، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)، والرياء لا شك أنه من الشرك، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بما هو أقوى عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك الخفي؛ يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه)، فالرياء والسمعة في الأعمال أو الأقوال لا شك أنه من الشرك؛ وإن كان شركاً أصغر، فالأحاديث والنصوص الواضحة الصحيحة كافية في هذا، أما هذا الحديث فضعيف. وابن ماجة يذكر مثل هذه الأحاديث من باب الترغيب والترهيب، ولذا قال العراقي في ألفيته: (وسهلوا)، أي: في رواية الأحاديث الضعيفة من باب الترهيب والترغيب، وقد يكون لبعضها شواهد. وقال الترمذي: حسن غريب. ومقصوده بالحسن: أن له طريقاً أخرى، أو حسن من جهة المتن، وقد اختلف العلماء في قول الترمذي رحمه الله عن الحديث أنه حسن. وقد جاء في الحديث: (إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، ولولا أنه خففها لما استفدتم منها بشيء).

شرح أثر ابن مسعود فيما يجب على أهل العلم من صيانة علمهم

شرح أثر ابن مسعود فيما يجب على أهل العلم من صيانة علمهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد والحسين بن عبد الرحمن قالا: حدثنا عبد الله بن نمير عن معاوية النصري عن نهشل عن الضحاك عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل زمانهم، ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم، فهانوا عليهم، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (من جعل الهموم هماً واحداً هم آخرته كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك). قال أبو الحسن: حدثنا حازم بن يحيى حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: حدثنا ابن نمير عن معاوية النصري -وكان ثقة- ثم ذكر الحديث نحوه بإسناده]. وهذا الحديث ضعيف من أجل نهشل ولكن المتن فيه نصيحة. قال البوصيري: (هذا إسناد ضعيف فيه نهشل بن مسعد، وقال البخاري في التاريخ الصغير: روى عن معاوية المصري أحاديث مناكير، وقال الحاكم في تهذيب الكمال: روى عن الضحاك المعضلات، وقال أبو سعيد النقاش: روى عن الضحاك الموضوعات. ولكن متنه لا بأس به من جهة أنه ينبغي لأهل العلم أن يصونوا علمهم عن الدنيا وأغراضها. وإذا فعل هذا العلماء فمعناه أنهم لم يعملوا بعلمهم ولم يصونوا العلم، فينبغي أن يصان العلم عن الدنيا وأهل الدنيا، وإذا بذله العالم لأجل الدنيا دخل في الوعيد الشديد الوارد في الأحاديث السابقة لمن تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله ليصيب به عرضاً من الدنيا. ومن بذل العلم لأهل الدنيا لابد أن يهون عليهم ويحتقرونه ويهون على الله. أما هذا الحديث فيشهد له الحديث الآخر: (من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة همه كفاه الله ما أهم من أمر دينه ودنياه)، فالمتن له شاهد، وكلام ابن مسعود أيضاً له شاهد، لكن السند ضعيف. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو الحسن: حدثنا خازم بن يحيى حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: حدثنا ابن نمير عن معاوية النصري -وكان ثقة- ثم ذكر الحديث نحوه بإسناده].

شرح حديث: (من طلب العلم لغير الله)

شرح حديث: (من طلب العلم لغير الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زيد بن أخزم وأبو بدر عباد بن الوليد قالا: حدثنا محمد بن عباد الهنائي حدثنا علي بن المبارك الهنائي عن أيوب السختياني عن خالد بن دريك عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب العلم لغير الله، أو أراد به غير الله، فليتبوأ مقعده من النار)]. وهذا الحديث ضعيف لانقطاعه؛ لأن خالد بن دريك لم يدرك ابن عمر، لكن المتن له شواهد من الأحاديث السابقة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً ليماري به العلماء، أو ليجاري به السفهاء لم يرح رائحة الجنة)، وفي لفظ: (لم يجد عرف الجنة). وأحاديث هذا الباب كلها ضعيفة لكن متونها لها شواهد، وهي في الترغيب والترهيب. قال الترمذي في هذا الحديث: حسن غريب لا نعرف من حديث أيوب إلا من هذا الوجه.

شرح حديث: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء)

شرح حديث: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عاصم العبَّاداني حدثنا بشير بن ميمون قال: سمعت أشعث بن سوار عن ابن سيرين عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، أو لتماروا به السفهاء، أو لتصرفوا وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو في النار)]. وهذا الحديث ضعيف لأجل بشير بن ميمون، ولكن المتن له شواهد؛ كما في الأحاديث السابقة: (من تعلم العلم ليماري به العلماء) أي: يجادل العلماء، أو (ليباهي) أي: يفاخر، فعليه هذا الوعيد الشديد. قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، فيه بشير بن ميمون، قال ابن معين: أجمعوا على طرح حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث متهم بالوضع، وقد حسن الحديث ابن ماجة وذلك لكثرة شواهده.

شرح حديث: (من تعلم العلم ليباهي به العلماء)

شرح حديث: (من تعلم العلم ليباهي به العلماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن إسماعيل أنبأنا وهب بن إسماعيل الأسدي حدثنا عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم العلم ليباهي به العلماء، ويجاري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله جهنم)]. وهذا أيضاً إسناده ضعيف، لكن متنه له شواهد، فيحسن من أجلها، ويشهد له الحديث الذي قبله، والأحاديث السابقة: (من تعلم العلم ليباهي به العلماء) أي: ليفاخر، وفي لفظ آخر: (يماري)، أي: يجادل، (أو ليجاري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس)، فعليه هذا الوعيد الشديد، وفيه دليل على أن ذلك من كبائر الذنوب. قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف؛ لاتفاقهم على ضعف عبد الله بن سعيد. مسألة: من رزق العلم وخاف على نفسه الرياء خوفاً شديداً، فهل يسوغ له ذلك ترك نشر العلم؟ لا يسوغ له ذلك، بل يجاهد نفسه وينشر العلم، وقد ذكر أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: أن هذا من تلبيس الشيطان على بعض الناس، فيترك العمل خوفاً من الرياء، ولهذا قال بعض العلماء: العمل لأجل الناس رياء، وترك العمل لأجل الناس رياء، والمعافى من عافاه الله منهما، ومعنى يجاهد نفسه: أن يعمل العمل الصالح ويجاهد نفسه، ولو كان كل واحد إذا خاف الرياء ترك العمل لما عمل أحد، فيجاهد نفسه حتى تحسن نيته وتصلح ولا يترك العمل.

المقدمة [18]

شرح سنن ابن ماجه_المقدمة [18] من تعلم علماً وجب عليه تبليغه للناس إذا كان الناس بحاجة إليه، أو لم يكن هناك أحد غيره يبلغه للناس، ومن كتم علماً مما يتعين عليه تبليغه، فهو متوعد بالوعيد الشديد يوم القيامة، كما جاء في القرآن والسنة.

تحريم كتمان العلم

تحريم كتمان العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من سئل عن علم فكتمه. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أسود بن عامر، حدثنا عمارة بن زاذان، حدثنا علي بن الحكم، حدثنا عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل يحفظ علماً فيكتمه إلا أتي به يوم القيامة مُلْجَمَاً بلجام من النار) قال أبو الحسن أي: القطان: وحدثنا أبو حاتم، حدثنا أبو الوليد، حدثنا عمارة بن زاذان فذكر نحوه. حدثنا أبو مروان العثماني محمد بن عثمان، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: والله لولا آيتان في كتاب الله تعالى ما حدثت عنه - يعني: عن النبي صلى الله عليه وسلم - شيئا أبداً، لولا قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} [البقرة:174] إلى آخر الآيتين]. أبو الحسن القطان هو راوي السنن عن ابن ماجة. فهذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان حكم من كتم شيئاً من العلم. الحديث الأول في سنده عمارة بن زاذان وهو ضعيف إلا أن له متابع، فيشهد له، فيكون الحديث بهذا حسناً لغيره، ويصلح للاحتجاج، ويشهد له الحديث الذي بعده. وهذان الحديثان دليلان على أنه لا يجوز كتمان العلم، وأنه يحرم كتمانه، وفيه وعيد شديد على من كتم العلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (من حفظ علماً فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار). وفي الحديث الثاني يقول أبو هريرة رضي الله عنه: لولا آيتين من كتاب الله ما حدثتكم وهما قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] فاشترط الله تعالى لتوبتهم البيان لما كتموا من العلم، ولا تصح التوبة إلا بالبيان.

عدم صحة التوبة ممن كتم العلم إلا ببيان ما كتمه

عدم صحة التوبة ممن كتم العلم إلا ببيان ما كتمه من عمل معصية ثم تاب منها لا بد أن يتوب منها لذاتها، فإذا كان مثلاً قاتلاً، فلا بد أن يتوب فيما بينه وبين الله ويسلم نفسه لأولياء القتيل؛ حتى تصح توبته، وإذا كان كاتماً فلا بد من التوبة، وتوبته أن يبين؛ ولهذا قال الله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:160]. وجاء في معنى هذه الآيات والأحاديث نصوص أخرى تدل على أنه لا يجوز الكتمان، فالله سبحانه وتعالى نعى على أهل الكتاب كونهم يكتمون العلم، قال تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:62 - 63]. وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]. فهذه الآيات وهذه النصوص كلها فيها الذم لمن كتم العلم، وفيها تحريم كتمان العلم، والوعيد الشديد لمن كتم علماً. قال الخطابي رحمه الله: إن هذه الأحاديث تشير إلى نوع من العلم، وهو العلم الضروري لا فضول العلم، فإذا كتمه كأن يكتم الإسلام والصلاة عَمَّن جاء يسأله، وقد حان وقت الصلاة مثلاً، فإنه يقع في حكم هذه النصوص وينطبق عليه هذا الوعيد وهذا الوصف. والصواب: أنه عام في كل كتمان للعلم، سواء سئل عنه أو لم يسأل عنه، والخطابي يقول: هذا في نوع خاص، وهو العلم الضروري الذي إذا سئل عنه كتمه. والصواب: أنه عام في كل علم يحتاجه الناس، سواء سئل عنه كما في هذا الحديث، أو لم يسأل عنه، فكل علم يحتاج إليه الناس فيكتمه؛ فعليه الوعيد إلا إذا بينه غيره، فإنه يسقط فرض الكفاية، وأدى ما عليه. فكل علم يحتاج إليه الناس، ويكتمه الإنسان فهو آثم إلا إذا بينه غيره، فإن قام غيره بالبيان سقط عنه الفرض، أما إذا لم يبينه غيره، والناس محتاجون إليه، وعنده هذا العلم، فلا بد أن يبينه، وإلا فإنه يأثم. ومن الآيات التي تدل على أنَّ من كتم العلم آثم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:174] وهذا فيه الوعيد، وكذلك الآية التي قبلها قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] وكذلك أخذ الميثاق على أهل الكتاب وذم الكتمان، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران:187]. وقوله تعالى في سورة المائدة: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63] فالآية التي قبلها في سورة المائدة: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المائدة:62] ثم قال: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} [المائدة:63] يعني: هلا ينهاهم الربانيون والعلماء، {عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63]. والتخريج في الكتاب الثاني، رواه الشيخان، البخاري ومسلم. قوله: [حدثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني حدثنا خلف بن تميم عن عبد الله بن السري عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لعن آخر هذه الأمة أولها؛ فمن كتم حديثاً فقد كتم ما أنزل الله). وهذا الحديث ضعيف جداً، فيه حسين بن أبي السري رمي بالكذب، وفيه عبد الله بن السري أيضاً ضعيف ومنقطع؛ لأن عبد الله بن السري لم يَرْوِ عن ابن المنكدر ففيه ثلاث علل. والحديث كما قال الألباني رحمه الله: لم ينفرد به أبو السري، ولو انفرد به لكان موضوعاً، لكن رواه غيره، فيكون ضعيفاً جداً، والسري متهم بالكذب نسأل الله العافية، أو وضاع. وقال البوصيري في سند هذا الحديث: هذا إسناد فيه الحسين بن أبي السري كذاب، وعبد الله بن السري ضعيف. وذكر المزي في الأطراف أن عبد الله بن السري لم يدرك محمد بن المنكدر. والكتمان النهي عنه عام، ولا يتعلق بما قيد في الحديث بأنه إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فكتم العلم لا يقيد بهذه الحالة، بل هو في كل وقت منهي عنه، وكل علم للناس إليه حاجة ففي كتمانه وعيد شديد، إلا إذا بينه غيره. قوله: [حدثنا أحمد بن الأزهر، حدثنا الهيثم بن جميل، حدثني عمرو بن سليم، حدثنا يوسف بن إبراهيم قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)]. وهذا الحديث ضعيف أيضاً، فيه يوسف بن إبراهيم، لكن متن الحديث صحيح، إذْ يشهد له الحديث الأول والثاني، فمتن الحديث صحيح، وإن كان السند ضعيفاً لأجل يوسف بن إبراهيم، وفيه تحريم الكتمان، فيحرم على من علم شيئاً أن يكتمه إذا كان للناس حاجة إليه. قوله: [حدثنا إسماعيل بن حبان بن وافد الثقفي أبو إسحاق الواسطي، حدثنا عبد الله بن عاصم، حدثنا محمد بن داب، عن صفوان بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كتم علماً مما ينفع الله به في أمر الناس في أمر الدين، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار)]. وهذا الحديث ضعيف أيضاً؛ لأن فيه محمد بن داب وهو ضعيف، ومتن الحديث صحيح تشهد له أحاديث سابقة، وهو أنه يحرم الكتمان. قوله: [حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، حدثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)]. هذا الحديث إسناده حسن، محمد بن عبد الله بن حفص شيخ ابن ماجة روى عنه جمع، ووثقه ابن حبان، ولا نعلم فيه جرحاً. وهذا الحديث يضم إلى الأحاديث السابقة، وهو يدل على تحريم الكتمان، وأنه لا يجوز، وأنه من كتم علماً فله الوعيد الشديد، وأنه يجب على الإنسان أن يبين ما عنده من العلم إذا كان الناس محتاجين إليه، وكذلك إذا سئل عنه وعنده علم فيجب عليه أن يبين ولا يكتم، فإن بينه غيره فإنه سيرتفع عنه الإثم، ويبقى الاستحباب في البيان. ومعلومٌ أنَّ الناس يستبعدون الفتوى؛ لعلمهم أن غيرهم يكفيهم، لكن إذا تعين على الإنسان ولم يوجد غيره فيجب عليه أن يبين، إلا الشيء الذي لم يتحقق منه، والذي فيه إشكال فلا يتكلم فيه.

ترتيب ابن ماجة رحمه الله لكتابه

ترتيب ابن ماجة رحمه الله لكتابه لقد كتب ابن ماجة رحمه الله هذه المقدمة العظيمة، وقد اشتملت على مائتين وستة وستين حديثاً، وقد بدأ بأصول الدين، ثم بعد ذلك دخل في الفروع، فبدَأَ -على عادة المؤلفين في العبادات- بالصلاة والزكاة والصوم والحج، ثم بعد ذلك دخل في المعاملات، لكنه بدأ بما يتعلق بالإيمان والتوحيد على طريقة المتقدمين كـ البخاري ومسلم وغيرهما، فهم يذكرون أولاً ما يتعلق بالتوحيد والعقيدة والإيمان والعلم، ثم بعد ذلك يدخلون في الفروع، ويبدءون بالصلاة، والصلاة أعظم الواجبات، وأعظم الفرائض بعد الإيمان والتوحيد، وبدأ بالطهارة لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة. أما المتأخرون فإنهم اصطلحوا على أن تبدأ مؤلفاتهم بالطهارة، ويجعلون للتوحيد والإيمان كتباً خاصة، ولكن صنيع المتقدمين أحسن وأولى، كما فعل ابن ماجة، حيث بدأ بالإيمان والتوحيد وأصول الدين، وبدأ البخاري بالوحي ثم الإيمان ثم العلم، ومسلم بدأ بكتاب الإيمان وهكذا. ولهذا قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه: إن طريقة المتأخرين حصل فيها ضرر لكثير من الناس، فإن كثيراً من الناس يدرسون الفروع، وأحكام الفروع، ويبدءون بالطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج، ثم المعاملات، وينسون ما يتعلق بالتوحيد والإيمان؛ ولهذا ضعف كثير من الناس، فهم لا يعرفون التوحيد، وليس عندهم تحقيق، ولا يعرف أحدهم الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية والأسماء والصفات؛ بسبب أنه يقرأ كتب المتأخرين، والمتأخرون يبدءون كتبهم بكتاب الطهارة والصلاة ولا يتكلمون عن التوحيد، اكتفاء بأن التوحيد والإيمان له كتب خاصة، وهذا حصل فيه ضرر لكثير من الناس، فطريقة المتقدمين أحسن، حيث يبدأ القارئ والمتعلم بما يتعلق بأصول الدين والتوحيد والإيمان، وإثبات الصفات لله عز وجل، والعلم، ثم بعد ذلك يدخل في أبواب الفروع، في الطهارة والصلاة ونحو ذلك.

إيراد ابن ماجة لأحاديث ضعيفة وموضوعة وعذره في ذلك

إيراد ابن ماجة لأحاديث ضعيفة وموضوعة وعذره في ذلك وابن ماجة رحمه الله على طريقة المتقدمين، فقد ذكر هذه المقدمة العظيمة، جزاه الله خيراً، وشكر سعيه، لكنه أتى بهذه الأحاديث الضعيفة الكثيرة، ويعتذر لـ ابن ماجة رحمه الله بأنه قد لا يعلم حال كثير من هؤلاء الرواة، وقد يكون عنده بعض الرواة الوضاعين لم يصلوا عنده إلى حد الوضع، فيجعل هذا الحديث ضعيفاً جداً، فيذكر الحديث لعله يكون له شاهد أو متابع، ثم يذكره بالسند، ومن أسند فقد برئ من العهدة، فأنت لمَّا تقرأ السند تعرف أنَّ العلماء يعلمون الحكم على الحديث من السند، فلهذا ذكر هذه الأحاديث الضعيفة؛ لأنها لم يشتد ضعفها عنده، وإن كان بعض رواتها وضاعاً فقد لا يشتد الوضع عنده، أو لأنه لم يتيسر له أن يعلم الحكم على هؤلاء الرواة، أو لأنه أسند ومن أسند فقد بريء من العهدة، أو لأنه يريد أن يذكر ما في الباب من مسألة، ولعل من يأتي بعده يجد لها شواهد ومتابعات، ولعله لجميع هذه الأمور، فهذا عذره رحمه الله، وإن كان الأولى بالإمام ابن ماجة أن ينزه كتابه من الوضاعين والكذابين والمتهمين بالكذب، لكن هذا عذره رحمه الله. ويجوز للعالم أن يكتم عن طلبة العلم، وأما إذا كان عنده عامة فلا بد أن يبين لهم.

§1/1