شرح سنن أبي داود - الراجحي

عبد العزيز الراجحي

كتاب الطهارة [1]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [1] حرص الإسلام على الآداب العامة وبين أهمية العمل بها، ومن هذه الآداب التي اهتم بها الشرع آداب التنزه وقضاء الحاجة، فبين الطريقة الصحيحة للتنزه من النجاسة بعد قضاء الحاجة، كما بين الطريقة الصحيحة لقضاء الحاجة وما يلحق ذلك من استقبال القبلة أو استدبارها عند ذلك.

مقدمة العظيم آبادي في كتابه عون المعبود

مقدمة العظيم آبادي في كتابه عون المعبود الحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله تعالى على رسوله محمد الذي جعل اتباعه سبباً لكفارة السيئات، وعلى آله وأزواجه وسائر أصحابه الذين نالوا به المنازل الرفيعة والدرجات. أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى أبو عبد الرحمن شرف الحق الشهير بـ محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر الصديقي العظيم آبادي غفر الله لهم وستر عيوبهم: [إن هذه الفوائد المتفرقة والحواشي النافعة على أحاديث سنن الإمام الهمام المجتهد المطلق أبي داود سليمان بن أشعث السجستاني رضي الله تعالى عنه جمعتها من كتب أئمة هذا الشأن رحمهم الله تعالى، مقتصراً على حمل بعض المطالب العالية، وكشف بعض اللغات المغلقة، وتراكيب بعض العبارات، مجتنباً عن الإطالة والتطويل، إلا ما شاء الله تعالى، وسميتها بـ (عون المعبود على سنن أبي داود) تقبل الله مني]. قوله: (عون المعبود على سنن أبي داود) المعبود: هو الله سبحانه وتعالى، وهذا شرح من أمثل الشروح الموجودة المطبوعة الآن، وإن كان فيه بعض النقص؛ لكن مع ضمه إلى تهذيب السنن لـ ابن القيم ومع مراجعة كتب الرجال تحصل الفائدة إن شاء الله. قال رحمه الله: [والمقصود من هذه الحاشية المباركة الوقوف على معنى أحاديث الكتاب فقط من غير بحث؛ لترجيح الأحاديث بعضها على بعض، إلا على سبيل الإيجاز والاختصار، ومن غير ذكر أدلة المذاهب المتبوعة على وجه الاستيعاب، إلا في المواضع التي دعت إليها الحاجة. أعان الله تعالى وتبارك على إتمام هذه الحواشي، ونفع بها إخواننا أهل العلم وإياي خاصة. وأما الجامع لهذه المهمات المذكورة من الترجيح والتحقيق، وبيان أدلة المذاهب والتحقيقات الشريفة وغير ذلك من الفوائد الحديثية في المتون والأسانيد وعللها الشرح الكبير لأخينا العلامة الأعظم الأكرم أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي المسمى بـ (غاية المقصود في حل سنن أبي داود)، وفقه الله تعالى لإتمامه كما وفقه لابتدائه، وهو شرح كبير جليل عظيم الشأن، وشارحه العلامة صرف همته إلى إتمامه، والمشغول فيه بحسب الإمكان، جزاه الله تبارك وتعالى وتقبل منه وجعله خير العقبى. وإني استفدت كثيراً من هذا الشرح المبارك، وقد أعانني شارحه في هذه الحاشية في جل من المواضع، وأمدني بكثير من المواقع، فكيف يكفر شكره؟! والباعث على تأييد هذه الحاشية المباركة أن أخانا الأعظم الأمجد أبا الطيب شارح السنن ذكر غير مرة في مجلس العلم والذكر أن شرحي: (غاية المقصود) يطول شرحه إلى غير النهاية، لا أدري كم تطول المدة في إتمامه، والله يعينني. والآن لا نرضى بالاختصار؛ لكن الحبيب المكرم الشفيق المعظم جامع الفضائل والكمالات خادم سنن سيد الكونين الحاج تطلف حسين العظيم آبادي (ت 133هـ) مصر على تأليف الشرح الصغير سوى غاية المقصود، فكيف أرد كلامه؟! فأمرني أخونا العلامة الأعظم الأكرم أبو الطيب أدام الله مجده لإبرام هذا المرام فاعتذرت كثيراً، لكن ما قبل عذري، وقال: لا بد عليك هذا الأمر، وإني أعينك بقدر الإمكان والاستطاعة، فشرعت متوكلاً على الله في إتمام هذه الحاشية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، استغفر الله ربي من كل ذنب وأتوب إليه].

مقدمة ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود

مقدمة ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود قال الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو بكر محمد بن القيم الجوزية الحنبلي غفر الله له: [الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وإله المرسلين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين، وحجة على جميع المكلفين، فرق الله برسالته بين الهدى والضلال، والغي والرشاد، والشك واليقين، فهو الميزان الراجح الذي على أقواله وأعماله وأخلاقه توزن الأخلاق والأعمال والأقوال، وبمتابعته والاقتداء به يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق، وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته ومحبته وتأزيره وتوقيره والقيام بحقوقه، وأغلق دون جنته الأبواب، وسد إليها الطرق، فلم يفتح إلا من طريقه، فشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره]. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: هذا فيه بيان أنه ليس هناك طريق يوصل إلى الله عز وجل إلا من طريق الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن تعبد الله بغير الشريعة التي جاء بها الرسول عليه الصلاة والسلام فعبادته باطلة، فقد سدت الطرق التي توصل إلى الله إلا من طريق الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام هو الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ الرسالة، ولكن ليس هناك واسطة بين الله وبين خلقه في دعائه وعبادته والتضرع إليه؛ لكن الرسول عليه الصلاة والسلام واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ الكتاب والرسالة. قال ابن القيم رحمه الله: [وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، هدى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغي، وفتح به أعيناً عمياً وآذانا صماً وقلوباً غلفاً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، لا يرده عنه راد، ولا يصده عنه صاد؛ حتى سارت دعوته مسير الشمس في الأقطار، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار؛ فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين صلاة دائمة على تعاقب الأوقات والسنين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإن أولى ما صرفت إليه العناية، وجرى المتسابقون في ميدانه إلى أفضل غاية، وتنافس المتنافسون فيه، وشمر إليه العاملون: العلم الموروث عن خاتم المرسلين ورسول رب العالمين، الذي لا نجاة لأحد إلا به، ولا فلاح له في داره إلا بالتعلق بسببه، الذي من ظفر به فقد فاز وغنم، ومن صرف عنه فقد خسر وحرم؛ لأنه قطب السعادة الذي مدارها عليه، وآخية الإيمان الذي مرجعه إليه، فالوصول إلى الله وإلى رضوانه بدونه محال، وطلب الهدى من غيره هو عين الضلال، وكيف يوصل إلى الله من غير الطريق التي جعلها هو سبحانه موصلة إليه، ودالة لمن سلك فيها عليه، بعث رسوله بها منادياً، وأقامه على أعلامها داعياً وإليها هادياً، فالباب عن السالك في غيرها مسدود، وهو عن طريق هداه وسعادته مصدود، بل كلما ازداد كدحاً واجتهاداً ازداد من الله طرداً وإبعاداً؛ ذلك بأنه صد عن الصراط المستقيم، وأعرض عن المنهج القويم، ووقف مع آراء الرجال، ورضي لنفسه بكثرة القيل والقال، وأخلد إلى أرض التقليد، وقنع أن يكون عيالاً على أمثاله من العبيد، لم يسلك من سبل العلم منهاجها، ولم يرتق في درجاته معارجها، ولا تألقت في خلده أنوار بوارقه، ولا بات قلبه يتقلب بين رياضه وحدائقه، لكنه ارتضع من ثدي من لم تطهر بالعصمة لبانه، وورد مشرباً آجناً طالما كدره قلب الوارد ولسانه]. الماء الآجن هو: الماء المتغير. قال رحمه الله: [تضج منه الفروج والدماء والأموال إلى من حل الحلال وحرم الحرام، وتعج منه الحقوق إلى منزل الشرائع والأحكام]. يتكلم الشيخ رحمه الله عن هؤلاء المنحرفين الذين أحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله. قال رحمه الله: [فحق على من كان في سعادة نفسه ساعياً، وكان قلبه حياً واعياً، أن يرغب بنفسه عن أن يجعل كده وسعيه في نصرة من لا يملك له ضراً ولا نفعاً، وألا ينزلها في منازل الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؛ فإن لله يوماً يخسر فيه المبطلون، ويربح فيه المحقون: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان:27] {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [الإسراء:71]، فما ظن من اتخذ غير الرسول إماماً، ونبذ سنته وراء ظهره، وجعل خواطر الرجال وآراءها بين عينيه وأمامه، فسيعلم يوم العرض أي بضاعة أضاع، وعند الوزن ماذا أحضر من الجواهر أو خرثي المتاع]. يعني: هل أحضر شيئاً نفيساً، أو شيئاً سافلاً تافهاً؟! قال رحمه الله: [فصل: ولما كان كتاب السنن لـ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني رحمه الله، من الإسلام بالموضع الذي خصه الله به؛ بحيث صار حكماً بين أهل الإسلام، وفصلاً في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام مع انتقائها أحسن انتقاء واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء. وكان الإمام العلامة الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري رحمه الله تعالى قد أحسن في اختصاره وتهذيبه، وعزو أحاديثه وإيضاح علله وتقريبه، فأحسن حتى لم يكد يدع للإحسان موضعاً، وسبق حتى جاء من خلفه له تبعاً، جعلت كتابه من أفضل الزاد، واتخذته ذخيرة ليوم المعاد، فهذبته نحو ما هذب هو به الأصل، وزدت عليه من الكلام على علل سكت عنها أو لم يكملها، والتعرض إلى تصحيح أحاديث لم يصححها، والكلام على متون مشكلة لم يفتح مقفلها، وزيادة أحاديث صالحة في الباب لم يشر إليها، وبسطت الكلام على مواضع جليلة؛ لعل الناظر المجتهد لا يجدها في كتاب سواه، فهي جديرة بأن تثنى عليها الخناصر، ويعض عليها بالنواجذ، وإلى الله الرغبة أن يجعله خالصاً لوجهه، موجباً لمغفرته، وأن ينفع به من كتبه أو قرأه أو نظر فيه أو استفاد منه، فأنا أبرأ إلى الله من التعصب والحمية، وجعل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعة لآراء الرجال، منزلة عليها مسوقة إليها، كما أبرأ إليه من الخطأ والزور والسهو، والله سبحانه عند لسان كل قائم وقلبه، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب].

التخلي عند قضاء الحاجة

التخلي عند قضاء الحاجة

شرح حديث: (كان إذا ذهب المذهب أبعد)

شرح حديث: (كان إذا ذهب المذهب أبعد) قال المؤلف رحمه الله: [كتاب الطهارة. باب التخلي عند قضاء الحاجة. حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي قال: حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن محمد -يعني: ابن عمرو - عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد)]. وهذا فيه بيان استحباب البعد عند قضاء الحاجة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب لقضاء الحاجة أبعد؛ حتى لا تراه العيون ولا يسمع له صوت، ولهذا لما كان يوم تبوك تأخر النبي صلى الله عليه وسلم وذهب معه المغيرة وقضى حاجته، ثم جعل المغيرة يصب عليه الماء، وتأخر عن الصحابة في صلاة الفجر، فقدموا عبد الرحمن بن عوف وصلى بهم ركعة ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة. وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام أبعد المذهب، فالسنة أن الإنسان أذا أراد قضاء حاجته في البرية أو الصحراء أنه يبعد ويتوارى عن الناس؛ حتى لا ترى له عورة ولا يسمع له صوت. والحديث لا بأس بسنده، وهو في الصحيح. فإن قال قائل: هل هناك فرق بين البول والغائط، فيبعد في الغائط ولا يبعد في البول؟ أقول: لا شك أن الغائط أولى بالاستتار من غيره، والمهم أن يكون الإنسان عنده شيء يتقي به ويستتر به.

شرح حديث: (كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد)

شرح حديث: (كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز انطلق؛ حتى لا يراه أحد)]. البراز بالفتح المراد به: الخلاء، يعني: قضاء الحاجة، وأصله اسم للصحراء البارزة، ثم أطلق على قضاء الحاجة، وأما البراز بالكسر: فهو من المبارزة. قال الخطابي: البراز مفتوحة الباء: اسم للفضاء الواسع من الأرض، كنوا به عن حاجة الإنسان كما كنوا بالخلاء عنه، يقال: تبرز الرجل إذا تغوط، وهو أن يخرج إلى البراز، كما قيل: تخلى إذا سار إلى الخلاء، وأكثر الرواة يقولون: البراز بكسر الباء وهو غلط، إنما البراز مصدر: بارزت الرجل في الحرب مبارزة وبرازاً. والحديث فيه عنعنة أبي الزبير وهو مدلس، لكن الحديث له شواهد.

الرجل يتبوأ لبوله

الرجل يتبوأ لبوله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يتبوأ لبوله]. يعني: يختار لبوله مكاناً رخواً كما سيأتي، فلا يبول في أي مكان؛ لأنه إذا بال في أرض صلبة يرتد عليه البول أو شيء من رشاش البول، فلا بد أن يتبوأ ويرتاد لبوله مكاناً رخواً؛ حتى لا يرتد إليه البول أو يصيبه شيء من رشاش البول.

شرح حديث: (إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا)

شرح حديث: (إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد أخبرنا أبو التياح حدثني شيخ قال: لما قدم عبد الله بن عباس البصرة فكان يحدث عن أبي موسى فكتب عبد الله إلى أبي موسى يسأله عن أشياء، فكتب إليه أبو موسى: (إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دمثاً في أصل جدار فبال، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعاً)]. هذا الحديث ضعيف فيه مبهم، وهو الشيخ الذي يروي عن ابن عباس، لكن معناه صحيح. والإنسان يرتاد لبوله مكاناً دمثاً، يعني: لا يبول على شيء صلب؛ لأنه إذا بال على شيء صلب جاءه شيء من رشاش البول، وكذلك أيضاً إذا بال في مكان مرتفع ارتد إليه البول، وإنما يرتاد مكاناً منخفضاً أو أرضاً مستوية ليست صلبة، والحديث رجاله كلهم ثقات ما عدا الشيخ المبهم، فـ موسى بن إسماعيل ثقة، وحماد: هو ابن سلمة، وأبو التياح: روى له البخاري.

ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء

ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء

شرح حديث أنس فيما يقال عند دخول الخلاء

شرح حديث أنس فيما يقال عند دخول الخلاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا حماد بن زيد وعبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال -عن حماد - قال: اللهم إني أعوذ بك -وقال عن عبد الوارث - قال أعوذ بالله من الخبث والخبائث). قال أبو داود: رواه شعبة عن عبد العزيز: (اللهم إني أعوذ بك)، وقال مرة: (أعوذ بالله)، وقال وهيب: (فليتعوذ بالله)]. هذا الحديث فيه استحباب قول هذا الذكر عند دخول الخلاء، وهو قول: (اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث) وهذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما، ويقال خُبُث وخُبْث بضم الباء وبإسكانها والخُبْثُ والخبائث: ذكران الشياطين وإناثهم، وهذا الذكر فيه تعوذ من ذكران الجن والشياطين وإناثهم، قال: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). قوله: (إذا دخل الخلاء) يعني: إذا أراد دخول الخلاء كما في قوله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]، يعني: إذا أردت قراءة القرآن، وهنا إذا دخل الخلاء، يعني: إذا أراد دخول الخلاء قال هذا الدعاء؛ لأنه حال قضاء الحاجة لا يذكر الله، وأما قول: باسم الله فهذه جاءت في حديث ضعيف، ولكن أخذاً بالأدلة العامة فلا بأس، فالمرء يقول: باسم الله عند دخول البيت، وعند الخروج منه، وعند دخول المسجد، وقولك عند دخول الخلاء: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) استعاذة بالله، أعوذ يعني: ألوذ وألتجئ وأعتصم بك يا ألله من الخبث -ذكران الشياطين- والخبائث -إناثهم-. وقال الحافظ: وقد روى العمري من طريق عبد العزيز بن مختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال: (إذا دخلتم الخلاء فقولوا: باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث) إسناده على شرط مسلم. إذاً: قول باسم الله عند دخول الخلاء مشروعة. قال: [حدثنا الحسن بن عمرو -يعني: السدوسي - قال: حدثنا وكيع عن شعبة عن عبد العزيز -هو ابن صهيب - عن أنس بهذا الحديث قال: (اللهم إني أعوذ بك) وقال شعبة وقال مرة: (أعوذ بالله).

شرح حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة)

شرح حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث)]. وهذا فيه بيان الحكمة من شرعية هذا الدعاء: أن هذه الحشوش محتضرة، والحشوش: جمع حش، وهو مكان قضاء الحاجة، (محتضرة) يعني: تحضرها الشياطين: (فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله الخبث والخبائث) يعني: أعوذ وألوذ وألتجئ وأعتصم بك يا ألله من الخبث والخبائث، من ذكران الشياطين وإناثهم.

كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

شرح حديث سلمان: (نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)

شرح حديث سلمان: (نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال: قيل له: (لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ قال: أجل، لقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وألا نستنجي باليمين، وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم)]. وهذه الترجمة فيها كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، والمراد بالكراهية: التحريم؛ لأنه يحرم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وهذا في غير البنيان، وأما في البنيان فإنه جائز في أصح أقوال أهل العلم جمعاً بين النصوص، وذهب بعض العلماء إلى المنع حتى في البنيان، والمسألة فيها خلاف لأهل العلم: منهم من أجاز الاستقبال بإطلاق، ومنهم منعها بإطلاق، ومنهم من فصل، ومنهم من أجاز الاستدبار دون الاستقبال، والصواب: المنع في الصحراء والفضاء، والجواز في البنيان جمعاً بين النصوص؛ لأنه ثبت في حديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة. وفي هذا الحديث حديث سلمان أنه قال: (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول) النهي يفيد التحريم، فدل على تحريم استقبال القبلة بغائط أو بول في الصحاري والفضاء، وقوله: (وألا نستنجي باليمين) يفيد تحريم الاستنجاء باليمين، وقوله: (وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار) يعني: إذا أراد أن يكتفي بالأحجار دون الماء فلا بد أن تكون ثلاثة أحجار، فلا يكفي حجر ولا حجران، ولا بد أن تكون منقية، أي: لا يبقى إلا أثر يسير لا يزيله إلا الماء فيعفى عنه، ولكن إذا لم ينق بالثلاث فيزيد رابعة، وإذا أنقى بالرابعة فالأفضل أن يزيد الخامسة حتى ينقي على وتر، فإذا لم ينق بالخامسة زاد السادسة فإن أنقى بالسادسة فالأفضل أن يزيد السابعة حتى ينقي على وتر، فالتنقية على وتر مستحبة، وكذلك يشترط ألا يتجاوز الخارج موضع العادة، فإن تجاوز الخارج موضع العادة فلا ينقي إلا الماء، وقوله: (أو أن نستنجي برجيع أو عظم) فهذه أمور في هذا الحديث نهى عنها النبي: استقبال القبلة بغائط أو بول، وهو حرام إلا في البنيان، الثاني: الاستنجاء باليمين؛ لأن اليمين للتكريم، وإنما يكون الاستنجاء باليسار، والثالث: (ألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار) إذا أراد أن يكتفي بها عن الماء. الرابع: (أو أن نستنجي برجيع أو عظم) والرجيع: هو رجيع الدابة، ورجيع الدابة لا يستنجى به، وكذلك العظم؛ لأن العظم زاد إخواننا من الجن، والرجيع والبعرة علف لدوابهم، لأنه ثبت أن وفداً من الجن جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه الزاد فقال: (لكم كل عظم يذكر اسم الله عليه، يعود أوفر ما كان عليه لحمه، وكل بعرة علف لدوابكم) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فلا تستنجوا بالعظام ولا بالروث فإنها زاد إخوانكم من الجن).

شرح حديث: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة)

شرح حديث: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن المبارك عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة)]. وهذا الحديث فيه دليل على تحريم استقبال القبلة بغائط أو بول، قال النبي: (إنما أن لكم بمنزلة الوالد) فلا شك أنه عليه الصلاة والسلام بمنزلة الوالد بل إن حقه أعظم من حق الوالد عليه الصلاة والسلام، ومحبته ينبغي أن تكون أعظم من محبة الوالدين والنفس عليه الصلاة والسلام؛ لأن محبة النبي تابعة لمحبة الله؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو السبب في إنقاذ الأمة من الهلاك، والسبب في النجاة وهو الواسطة بين الله وبين عباده في تبليغ الشرع والدين، وكل خير نالته الأمة بسببه وكل شر دفعه يكون بسببه عليه الصلاة والسلام، قال: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها - يعني: في الصحراء- ولا يستطب بيمينه) يعني: لا يستنج، يسمى الاستنجاء استطابة لما فيه من دلك النجاسة وتطهير موضعها، (وكان يأمر بثلاثة أحجار)، يعني: في الاستجمار، هذا إذا أراد أن يكتفي به عن الماء. قوله: (وينهى عن الروث والرمة) ينهى عن الروث يعني: الاستنجاء بالروث، والرمة: العظام البالية، يعني: لا يستنجى بالروث ولا بالعظام؛ لأنها زاد إخواننا من الجن كما سبق.

شرح حديث: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة)

شرح حديث: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب رواية قال: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا، فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله)]. وهذا الحديث -وهو حديث أبي أيوب رواه الشيخان وغيرهما- فيه النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول، يعني: في الصحراء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكن شرقوا أو غربوا) هذا خطاب لأهل المدينة؛ لأن قبلة أهل المدينة جنوب، والشمال دبر القبلة، فيشرقون أو يغربون، أما غيرهم فيختلف، فصاحب نجد مثلاً يقال له: يشمل أو يجنب؛ لأن قبلته غرب، وهذا خطاب لأهل المدينة. وفيه دليل على جواز استقبال النيرين وهما الشمس والقمر، وأنه لا كراهة في استقبالهما، وهو خلاف قول بعض الفقهاء من الحنابلة وغيرهم أنه يكره استقبال النيرين. قال أبو أيوب رضي الله عنه: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله. هذا يدل على أن أبا أيوب رضي الله عنه يرى المنع من استقبال القبلة حتى في البنيان، ولهذا قال: فكنا ننحرف عنها -يعني: في البنيان- ونستغفر الله عز وجل.

شرح حديث: (نهى رسول الله أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط)

شرح حديث: (نهى رسول الله أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى عن أبي زيد عن معقل بن أبي معقل الأسدي رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط) قال أبو داود: وأبو زيد هو مولى بني ثعلبة]. وهذ الحديث ضعيف، أراد بالقبلتين الكعبة وبيت المقدس، وأبو زيد هذا هو الوليد مولى بني ثعلبة، قال ابن حجر رحمه الله في التهذيب: قيل: اسمه الوليد روى عن معقل بن أبي معقل الأسدي في النهي عن استقبال القبلتين، وعنه عمرو بن يحيى بن عمارة، قال ابن المديني: ليس بمعروف. وعلى هذا فيكون الحديث ضعيفاً، فلا حجة فيما دل عليه من النهي عن استقبال القبلتين، والقبلة المنسوخة -أي: بيت المقدس- لا حرج في استقبالها، وإنما نهي عن استقبال الكعبة.

شرح أثر ابن عمر في استقباله القبلة من وراء الدابة عند قضاء الحاجة

شرح أثر ابن عمر في استقباله القبلة من وراء الدابة عند قضاء الحاجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا صفوان بن عيسى، عن الحسن بن ذكوان عن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس]. وهذا الحديث فيه أن ابن عمر رضي الله عنهما يرى أنه لا بأس باستقبال القبلة إذا كان بينه وبينها حائل، جمعاً بين النصوص؛ لأنه روى أنه لما صعد سطح بيت له رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته على لبنتين مستقبل الشام مستدبر الكعبة، فلهذا كان يفتي بهذا ويرى أنه لا بأس في أن يستقبل القبلة عند قضاء الحاجة إذا كان بينه وبينها حائل؛ فلهذا أناخ راحلته وجعلها بينه وبين القبلة، ثم جلس يقضي حاجته رضي الله عنه، وهذا هو الصواب، واختاره البخاري رحمه الله وجماعة، ولهذا بوب البخاري باب استقبال القبلة في البنيان أو قريباً من هذا، فدل على أنه في البنيان يجوز، وفي الفضاء لا يجوز جمعاً بين النصوص.

ما جاء في الرخصة في استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة

ما جاء في الرخصة في استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة

شرح حديث ابن عمر في رؤيته رسول الله في البيت مستقبلا بيت المقدس لحاجته

شرح حديث ابن عمر في رؤيته رسول الله في البيت مستقبلاً بيت المقدس لحاجته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ذلك حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر قال: (لقد ارتقيت على ظهر البيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته)]. وهذا الحديث أخرجه البخاري في الوضوء: باب من تبرز على لبنتين، ومسلم أيضاً في الطهارة، وابن ماجة والنسائي. وفيه الرخصة في استقبال القبلة عند قضاء الحاجة واستدبارها؛ ولهذا بوب أبو داود رحمه الله، قال: باب الرخصة في ذلك. يعني: في الاستقبال والاستدبار عند قضاء الحاجة، أخذاً بهذا الحديث، حديث ابن عمر فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول) خصصه حديث ابن عمر وأنه لا بأس بالاستقبال في البنيان.

شرح حديث: (نهى نبي الله أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها)

شرح حديث: (نهى نبي الله أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال: (نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها)]. هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقد أخذ به بعض العلماء وقالوا: إنه لا بأس بالاستقبال. قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى بعد قول الحافظ زكي الدين: وقال الترمذي: حديث غريب، وقال الترمذي: سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: حديث صحيح، وقد أعل ابن حزم حديث جابر بأنه عن أبان بن صالح وهو مجهول ولا يحتج برواية مجهول، قال ابن المفوز: أبان بن صالح مشهور ثقة صاحب حديث وهو أبان بن صالح بن عمير أبو محمد القرشي مولى لهم المكي، روى عنه ابن جريج وابن عجلان وابن إسحاق وعبيد الله بن أبي جعفر، واستشهد بروايته البخاري في صحيحه عن مجاهد والحكم بن مسلم وعطاء، وثقه يحيى بن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان والنسائي وهو والد محمد بن أبان بن صالح بن عمير الكوفي الذي روى عنه أبو الوليد وأبو داود الطيالسي وحسين الجعفي وغيرهم، وجد أبي عبد الرحمن مشكدانة شيخ مسلم وكان حافظاً، وأما الحديث فإنه انفرد به محمد بن إسحاق وليس هو ممن يحتج به في الأحكام، فكيف نعارض بحديثه الأحاديث الصحاح، أو ينسخ به السنن الثابتة مع أن التأويل في حديثه ممكن، والمخرج منه معرض. تم كلامه. وهو لو صح حكاية فعل لا عموم لها ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان؟ وهل كان لعذر من ضيق مكان ونحوه أو اختياراً؟ فكيف يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع، فإن قيل: فهب أن هذا الحديث معلول فما يقولون في حديث عراك عن عائشة: (ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناساً يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوقد فعلوها؟ استقبلوا بمقاعدكم القبلة)؟ ف A أن هذا الحديث لا يصح وإنما هو موقوف على عائشة حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري. وقال بعض الحفاظ: هذا حديث لا يصح وله علة لا يدركها إلا المعتنون بالصناعة، وذلك أن خالد بن أبي الصلت لم يحفظ متنه ولا أقام إسناده، خالفه فيه الثقة الثبت صاحب عراك بن مالك المختص به، الضابط لحديثه: جعفر بن ربيعة الفقيه، فرواه عن عراك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنكر ذلك، فبين أن الحديث لـ عراك عن عروة ولم يرفعه ولا يجاوز به عائشة، وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عراك بن مالك مع صحة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهرتها بخلاف ذلك، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب المراسيل عن الأثرم: سمعت أبا عبد الله وذكر حديث خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فقال: مرسل، فقلت له: عراك بن مالك قال: سمعت عائشة فأنكره، وقال عراك بن مالك: من أين سمع عائشة؟ ما له ولـ عائشة؟ إنما يروونه عن عروة هذا خطأ، قال لي: من روى هذا؟ قلت: محمد بن سلمة عن خالد الحذاء قال: رواه غير واحد عن خالد الحذاء، وليس فيه سمعت، وقال غير واحد أيضاً عن حماد بن سلمة: ليس فيه سمعت. وهذا الحديث تفرد به محمد بن إسحاق، فيكون شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة والشاذ ضعيف، ولو صح قد يكون محتملاً ونقول: قوله: (رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) محتمل أن يكون يستقبلها في البنيان، ثم أيضاً هو حكاية فعل فلا يعارض به الأقوال الصريحة، وعلى كل حال هذا محتمل مجمل مشتبه، والقاعدة عند أهل العلم: أن المجمل لا يعارض به المحكم الواضح، وإنما يرد إلى المحكم ويفسر به، ولا يتعلق بالمشتبه والمجمل إلا الضعفاء من أهل البصيرة، والمقصود أن العمدة على الأحاديث الصحيحة: النهي عن استقبال القبلة، أما هذا فقد تفرد به محمد بن إسحاق، ولو صح فهو محتمل أن يكون في البنيان أو في الصحراء، ثم أيضاً هو حكاية فعل.

كيفية التكشف عند الحاجة

كيفية التكشف عند الحاجة

شرح حديث (أن النبي كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض

شرح حديث (أن النبي كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كيف التكشف عند الحاجة؟ حدثنا زهير بن حرب حدثنا وكيع عن الأعمش عن رجل عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض). قال أبو داود: رواه عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو ضعيف]. هذه الترجمة أوردها المؤلف رحمه الله في بيان كيفية التكشف عند قضاء الحاجة، يعني: متى يرفع ثوبه؟! ثم ذكر هذا الحديث، وهو ضعيف فيه هذا الرجل المبهم، والثاني كذلك قال: رواه عبد السلام عن أنس. ولكن من المعلوم أن من الأدلة العامة أنه لا يجوز كشف العورة إلا عند الحاجة، والحاجة إلى ذلك تكون في موضعين: إذا أراد الإنسان أن يقضي حاجته، وإذا أراد أن يغتسل وليس عنده أحد فإنه يخلع ثوبه، وهنا عند قضاء الحاجة إذا قرب من الأرض ودنا منها، ويكشف قدر الحاجة، أما هذا الحديث ففيه ضعف. قال السيوطي رحمه الله تعالى: ليس المراد هو تضعيف عبد السلام؛ لأنه ثقة حافظ من رجال الصحيحين، بل تضعيف من قال: عن أنس؛ لأن الأعمش لم يسمع من أنس.

كتاب الطهارة [2]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [2] نهى الشارع الحكيم عن الكلام أثناء قضاء الحاجة وكذلك رد السلام، كما أمر بالتستر عند قضاء الحاجة والتنزه من البول والاستتار عند ذلك، وقد جاء الوعيد الشديد لمن أهمل التنزه من البول.

كراهية الكلام عند الخلاء

كراهية الكلام عند الخلاء

شرح حديث: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما)

شرح حديث: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كراهية الكلام عند الخلاء. حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا ابن مهدي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض قال: حدثني أبو سعيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛ فإن الله عز وجل يمقت على ذلك). قال أبو داود: هذا لم يسنده إلا عكرمة بن عمار]. هذا الحديث أخرجه ابن ماجة وأحمد والبيهقي والحاكم وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان، قال ابن حبان في الثقات: عكرمة بن عمار روايته عن يحيى بن أبي كثير فيها اضطراب. قال الذهبي في الميزان: عياض بن هلال أو هلال بن عياض عن أبي سعيد لا يعرف، ما علمت روى عنه سوى يحيى بن أبي كثير. وقال أبو داود: لم يذكره إلا عكرمة بن عمار، يعني: أنه موقوف على أبي سعيد، ولكن مثل هذا لا يقال من جهة الرأي، وفيه إثبات صفة المقت لله عز وجل، وإذا صح الحديث يؤخذ منه صفة المقت لله، وصفة المقت ثابتة في القرآن الكريم، والمقت هو: أشد البغض، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [غافر:10]، ولكن ما دل عليه الحديث صحيح أيضاً؛ فإن كشف من يتخلى عند حاجته عن عورته أو كون الاثنين يقضيان حاجتهما ويكشفان عوراتهما هذا ممنوع ولا يجوز، وهكذا حين يتحدثان أيضاً، فإن هذا ليس مكاناً للحديث، فمكان قضاء الحاجة ليس مكاناً للحديث إلا للضرورة، كأن يتكلم مع إنسان كفيف يريد أن يسقط في حفرة أو ما أشبه ذلك، أما ما عدا ذلك فلا يتكلم؛ لأنه ليس محلاً للكلام. وعليه فإن كشف الإنسان عن عورته أو الرجلين عن عورتهما وحديثهما عند قضاء الحاجة كل هذا ممنوع.

ما جاء في الرجل يرد السلام وهو يبول

ما جاء في الرجل يرد السلام وهو يبول

شرح حديث: (مر رجل على النبي وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه)

شرح حديث: (مر رجل على النبي وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يرد السلام وهو يبول. حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا عمر بن سعد عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه). قال أبو داود: وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم ثم رد على الرجل السلام)]. وهذا فيه أنه لا يسلم على من يبول ومن يقضي حاجته، وإذا سلم عليه أحد وكان موجوداً وأمكنه السلام عليه بعد ذلك فلا بأس، والتيمم هنا هو من باب الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحواله، والسلام اسم من أسماء الله. وقد جاء في الحديث الآخر أنه سلم عليه وهو ليس على حاجته، ولم يكن على طهر، فتيمم ورد عليه السلام. وفي الحديث الآخر أنه لم يجد ماءً أو لم يكن قريباً من البلد فحك الجدار وتيمم ورد عليه السلام وقال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر)، هذا إذا أمكن رد السلام عليه، فإذا سلم إنسان على آخر وهو يبول ولم يذهب فله أن يرد عليه السلام بعد ذلك إذا تيمم، وإذا كان الماء موجوداً يتوضأ؛ لأن السلام على طهارة أفضل. قال الشارح: فلم يرد عليه الجواب، وفي هذا دلالة على أن المسلم في هذا الحال لا يستحق جواباً، وهكذا في رواية مسلم وأصحاب السنن من طريق الضحاك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه)، وكذا في ابن ماجة من حديث أبي هريرة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وأما في رواية محمد بن ثابت العبدي وابن الهاد كلاهما عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما التي أخرجها المؤلف في باب التيمم ففيها أن السلام كان بعد البول. وفي رواية مسلم: (أنه سلم عليه وهو يبول ولم يرد عليه)، فإذا سلم عليه وهو يقضي حاجته لا يرد عليه, وأما إذا كان ليس في قضاء الحاجة فإنه يجب رد السلام، لكن إن رده وهو على طهارة فهو أفضل، وإلا فلا يجب التطهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحواله. وأما ما جاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم حك الجدار لما سلم عليه الرجل وتيمم وقال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر) فهذا من باب الاستحباب، فالأفضل للإنسان إذا أراد أن يذكر الله أن يكون على طهارة، والسلام من ذكر الله، ولكن لا بأس بذكر الله ولو لم يكن على طهور، وأعلى ذكر الله قراءة القرآن، وأفضل الذكر قراءة القرآن، فيجوز للإنسان أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب إذا لم يمس المصحف، إلا إذا كان عليه جنابة، كما في حديث علي: (فأما الجنب فلا ولا آية) فالجنب لا يقرأ ولا عن ظهر قلب، وأما غير الجنب فله أن يقرأ من غير مس المصحف، ولكن الأفضل أن يكون على طهارة.

شرح حديث: (إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر)

شرح حديث: (إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حضين بن المنذر أبي ساسان عن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر، أو قال: على طهارة)]. محمد بن المثنى قال فيه ابن حجر: ثقة ثبت. وعبد الأعلى: ثقة. وسعيد، هو سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري، ثقة حافظ، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة. والحسن ثقة فقيه قاض مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلس. وحضين بن المنذر أبي ساسان ثقة. ولا شك أن ذكر الله على طهارة أفضل، فإذا لم يكن الإنسان على طهارة يؤخر رد السلام حتى يتوضأ، هذا إذا لم يخش ذهاب الوقت، أما إذا خشي فالأولى في مثل هذه الحالة أن يرد عليه في الحال؛ لأن ذكر الله على غير طهارة لا بأس به، كما في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه)، وقد يتأثر المسلِّم ويقع في نفسه شيء إذا أخر رد السلام عليه حتى يتوضأ؛ لأنه قد يتأخر وقتاً طويلاً، والحديث فيه الحسن يدلس ويرسل، وفيه سعيد بن أبي عروبة كثير التدليس، فلو صح فهو محمول على ما إذا لم يتأثر المسلِّم ولم يقع في نفسه شيء، أو أخبره وقال: إني سأتوضأ، وإلا فالأولى في مثل هذه الحالة أن يرد عليه السلام في الحال. ونقل الخطابي أن الرجل إذا خاف خروج الوقت يتيمم من غير مرض ولا حرج، قال: وإلى هذا ذهب الأوزاعي وقال: يتيمم ويصلي قبل فوات الوقت. وهذا ليس بصحيح، فقول الأوزاعي هذا ليس بشيء، والصواب: أنه لا يجوز له أن يتيمم مع وجود الماء، فهذا كلام مصادم لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، فإن وجد ماءً فلا يتيمم ولو خاف طلوع الشمس، ولو كان نائماً نوماً يعذر فيه فوقت الصلاة من حين يستيقظ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) فإذا استيقظ قرب طلوع الشمس فوقتها حين يستيقظ، وهو معذور إذا كان نوماً يعذر فيه، أو يسخن الماء إذا كان في الشتاء ويغتسل ولو طلعت الشمس ثم يصلي، أما أن يصلي بالتيمم فهذا باطل ولا يجوز إلا عند عدم الماء أو العجز عن استعماله. أما رد السلام فالتطهر له من باب الاستحباب، فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عليه رجل وهو في مكان يقال له: بئر جمل وكان قريباً من البلد حك الجدار وتيمم، ثم رد عليه السلام وقال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة) فيحتمل هنا أن الماء كان بعيداً عنه أو أنه تيمم؛ لأن هذا من باب الاستحباب وليس لأداء فريضة، أما الفريضة فلا بد لها من الوضوء إذا كان يجد الماء ويستطيع استعماله. وأما حديث ابن عمر: (أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه) فتمامه: (أن رجلاً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى فرغ من حاجته، ثم رمى يده على الجدار ثم تيمم، فرد عليه)، ومعناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم لذكر الله، وذكر الله على طهارة أفضل، ولا سيما إذا كان دعاءً، وقد كان مالك لا يقرأ عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتوضأ.

ما جاء في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر

ما جاء في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر

شرح حديث: (كان رسول الله يذكر الله عز وجل على كل أحيانه)

شرح حديث: (كان رسول الله يذكر الله عز وجل على كل أحيانه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن خالد بن سلمة -يعني: الفأفاء - عن البهي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل على كل أحيانه)]. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصحيح، وفيه جواز الذكر في جميع الأحيان، سواء كان الإنسان متوضئاً أو غير متوضئ، حتى ولو كان عليه جنابة فله أن يذكر الله ويسبح ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويقرأ القرآن عن ظهر قلب إلا إذا كان عليه جنابة فلا يقرأ القرآن؛ لما جاء في حديث علي (فأما الجنب فلا ولا آية) فالجنب لا يقرأ شيئاً من القرآن حتى يغتسل، أما إذا لم يكن عليه جنابة فإنه يذكر الله، وأعلى الذكر تلاوة القرآن، وله أن يسبح ويهلل ويكبر ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله وهو على غير طهارة، لكن الأفضل أن يكون على طهارة.

ما جاء في الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء

ما جاء في الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء

شرح حديث: (كان النبي إذا دخل الخلاء وضع خاتمه)

شرح حديث: (كان النبي إذا دخل الخلاء وضع خاتمه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء. حدثنا نصر بن علي عن أبي علي الحنفي عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه). قال أبو داود: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه) والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام]. وهمام ثقة، ولكنه خالف الثقات. وأبو داود يرى أن ابن جريج دلس عن الزهري، وأنه أسقط زياد بن سعد. وقال آخرون: إنه جاء ما يتابعه ويؤيده، وأبو داود يقول: إن هذا إنما هو في إلقاء الخاتم. وجاء في حديث آخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ذهب؛ فاتخذ الناس خواتم من ذهب، ثم نزعه وألقاه) كان في أول الأمر التختم بالذهب مباحاً، ثم جاء النهي، فاتخذ النبي خاتماً من ورق، يعني: من فضة، ثم ألقاه. قال الشارح: وقال السخاوي في فتح المغيث: وكذا قال النسائي: إنه غير محفوظ. انتهى. وهمام ثقة احتج به أهل الصحيح، ولكنه خالف الناس، ولم يوافق أبو داود على الحكم عليه بالنكارة؛ فقد قال موسى بن هارون: لا أدفع أن يكونا حديثين. ومال إليه ابن حبان فصححهما معاً، ويشهد له أن ابن سعد أخرج بهذا السند: (أن أنساً نقش بخاتمه: محمداً رسول الله، قال: فكان إذا أراد الخلاء وضعه) لا سيما وهمام لم ينفرد به، بل تابعه عليه يحيى بن المتوكل عن ابن جريج. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ولكنه متعقب؛ فإنهما لم يخرجا لكل منهما على انفراده. وقول الترمذي: إنه حسن صحيح غريب فيه نظر. وبالجملة فقد قال شيخنا: إنه لا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج؛ فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي. انتهى. ولم يذكر أنه صرح بالسماع، وعلى كل حال لا شك أنه ينبغي للإنسان ألا يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله، سواء كان خاتماً أو غيره ما أمكن، فإذا كان الخاتم فيه ذكر الله فإنه يخلع، إلا إذا كان يخشى عليه من الضياع، وكذلك إذا كان معه أوراق فيها ذكر الله لا يدخل بها، إلا إذا خاف عليها أن تضيع أو ينساها أو تؤخذ فيكون معذوراً في هذه الحالة، فلا بأس، وإلا فالأولى عدم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله. وهذا الحديث قال عنه الدارقطني في كتاب العلل: رواه سعيد بن عامر وهدبة بن خالد عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس به، وخالفهم عمرو بن عاصم فرواه عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس: (أنه كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه) موقوفاً ولم يتابع عليه، ورواه يحيى بن المتوكل بن الضرير عن ابن جريج عن الزهري عن أنس نحو قول سعيد بن عامر ومن تابعه عن همام. ورواه عبد الله بن حارث المخزومي وأبو عاصم وهشام بن سليمان وموسى بن طارق عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس: (أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب، فاضطرب الناس الخواتيم، فرمى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا ألبسه أبداً) وهذا هو المحفوظ والصحيح عن ابن جريج. انتهى. وهو خاتم من الذهب، فنزعه وقال: (لا ألبسه أبداً) وهذا بعد أن جاءه الوحي، وكان في أول الأمر مباحاً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ خواتم من ذهب فاتخذ الناس خواتماً من ذهب، ثم نزعه النبي فنزع الناس خواتيمهم، فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم لما جاءه الوحي من ورق، أي: من فضة.

الاستبراء من البول

الاستبراء من البول

شرح حديث: (مر النبي على قبرين فقال إنهما يعذبان)

شرح حديث: (مر النبي على قبرين فقال إنهما يعذبان) الملقي: [باب الاستبراء من البول. حدثنا زهير بن حرب وهناد بن السري قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً، وعلى هذا واحداً وقال: لعله يخفف عنها ما لم ييبسا). قال هناد: (يستتر) مكان (يستنزه)]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان، وفيه وجوب الاستنزاه والاستبراء من البول، ووجوب اجتناب النميمة، وفيه: أن عدم الاستبراء من البول والوقوع في النميمة من أسباب عذاب القبر. قوله: (لا يستنزه من البول) (ال) هنا عهدية، يعني: البول المعهود، وهو بول الآدمي كما جاء في اللفظ الآخر: (من بوله) واحتج بهذا بعض علماء الشافعية على أن بول ما يؤكل لحمه نجس، والصواب: أنه طاهر ليس بنجس، وأن المراد بالبول هنا البول المعهود وهو بول الآدمي، ويدل على هذا رواية: (من بوله)، فـ (أل) عوض عن (الهاء). وأما بول الإبل فهو طاهر، وكذلك الغنم والبقر وما يؤكل لحمه روثه وبوله طاهر، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين الذين استوخموا المدينة أن يلحقوا بإبل الصدقة، ويشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يأمرهم بغسل أفواههم، ولم يقل: (اغسلوا أفواهكم لأنها نجسة، فدل هذا على أن أبوالها طاهرة، وإنما المراد هنا بالبول المعهود بول الآدمي. فينبغي للإنسان أن يستنزه ويستبرئ من البول. وكذلك يحذر النميمة؛ لأنهما من أسباب عذاب القبر. قال الشارح: (يستتر) مكان (يستنزه) كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وفي رواية ابن عساكر (يستبرئ) بموحدة ساكنة من الاستبراء، فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار: أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة، يعني: لا يتحفظ منه، فتوافق رواية (لا يستنزه)؛ لأنها من التنزه وهو الإبعاد. ووقع عند أبي نعيم عن الأعمش: (كان لا يتوقى) وهي مفسرة للمراد. وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته، فقلت: لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور. وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة لعذاب القبر خصوصية، ويؤيده ما أخرجه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (أكثر عذاب القبر من البول) أي: بسبب ترك التحرز منه، وعند أحمد وابن ماجة من حديث أبي بكرة: (أما أحدهما فيعذب في البول) ومثله للطبراني عن أنس. يعني: أنه ينبغي للإنسان أن يستبرئ من البول ويتوقى ويتحفظ ويتحرز من النجاسة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال: (كان لا يستتر من بوله) وقال أبو معاوية: (يستنزه)]. قوله: (من بوله) هذه مفسرة لقوله: (كان لا يستنزه من البول) وأن المراد به بول الآدمي وليس بول الحيوانات.

شرح حديث: استتار رسول الله بدرقة في بوله

شرح حديث: استتار رسول الله بدرقة في بوله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنه قال: (انطلقت أنا وعمرو بن العاص رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج ومعه درقة، ثم استتر بها، ثم بال، فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، فسمع ذلك فقال: ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البول قطعوا ما أصابه البول منهم؛ فنهاهم فعذب في قبره) قال أبو داود: قال منصور عن أبي وائل عن أبي موسى رضي الله عنه في هذا الحديث قال: (جلد أحدهم). وقال عاصم عن أبي وائل عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جسد أحدهم)]. وهذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد. وهذا الحديث فيه أنهم أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم كونه يستتر، وقد كان من عادة العرب أن الواحد منهم يبول قائماً، وينكرون على من بال جالساً ويقولون: هذا من خصائص النساء، ولذا قالوا: (انظروا إليه يبول كما تبول المرأة). وسيأتي أن البول قائماً يجوز للحاجة وأن البول جالساً هو الأفضل. ففي هذا الحديث أن النبي استتر، فلما أنكروا عليه أنكر عليهم عليه الصلاة السلام، وبين لهم أن بني إسرائيل شدد عليهم في هذا، وكان الواحد منهم إذا أصابه البول يقرض مكان البول ولا يزيله بالغسل، فلما نهاهم إنسان عذب في قبره؛ لأنه نهاهم عن أمر واجب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم وقال: كيف تنكرون علي استتاري من البول وصاحب بني إسرائيل لما أنكر عليهم عذب في قبره؟! فقد كان الواحد منهم إذا أصاب أحدهم البول قرض مكانه بالمقراض ولا يجزئه الغسل، وهذا من الآصار التي كانت عليهم، وأما في شريعتنا -والحمد لله- فإنه يطهره الغسل بالماء.

ما جاء في البول قائما

ما جاء في البول قائماً

شرح حديث: (أتى رسول الله سباطة قوم فبال قائما)

شرح حديث: (أتى رسول الله سباطة قوم فبال قائماً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب البول قائماً. حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة -وهذا لفظ حفص عن سليمان عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائماً، ثم دعا بماءٍ فمسح على خفيه). قال أبو داود: قال مسدد: فذهبت أتباعد فدعاني حتى كنت عند عقبه]. هذا الحديث أخرجه الشيخان، وهو دليل على جواز البول قائماً عند الحاجة إلى ذلك مع التستر والأمن من نظر أحد إلى عورة الرجل، وهو مباح عند الحاجة، ولكن الأفضل البول قاعداً وهذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، ولهذا روت عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يبول إلا قاعداً)؛ لأنها علمت هذا من فعله في البيوت، وحذيفة رآه خارج البيوت، وحديثه مقدم على حديث عائشة؛ لأن عائشة قالت: (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه؛ ما كان رسول الله يبول إلا قاعداً) وهذا على حسب علمها، وحديثه مقدم على حديث عائشة؛ لأن حذيفة مثبت وعائشة نافية؛ والمثبت مقدم على النافي. والسباطة هي: القمامة التي يلقى فيها الكناسة وما أشبهها. فالنبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً لحاجة دعت إلى ذلك؛ لأن المكان غير مناسب للجلوس، أو لأن الأرض صلبة ولا يأمن من ارتداد رشاش البول، أو لأن الأرض وسخة، والصواب أنه فعله للحاجة، وليس لمرض كما زعمه بعضهم، فقد قال بعضهم: إنه فعل هذا لوجع في مأبضه، وهو باطن الركبة، أو لوجع في صلبه، وهذا ليس بصحيح، والصواب: أنه فعله لبيان الجواز. وكان أهل هراة يرونه سنة، وكان أحدهم يبول قائماً في السنة مرة، والصواب: أن الأفضل البول قاعداً، لكن إذا دعت الحاجة للبول قائماً فلا بأس مع التستر، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة أن يدنو حتى يستره، وولاه ظهره، والقمامة تستره من الجهة الثانية، ويحتمل أن هناك جداراً أيضاً من الجهة الأخرى. وفيه دليل على مشروعية مسح الخفين من الحدث الأصغر؛ لأن النبي مسح على خفيه، وحديث مسح الخفين من الأحاديث المتواترة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب سبعين صحابياً.

ما جاء في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده

ما جاء في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده

شرح حديث (كان للنبي قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل)

شرح حديث (كان للنبي قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا حجاج عن ابن جريج عن حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة عن أمها أنها قالت: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل)]. أميمة صحابية، لكن حكيمة مجهولة، وعلى هذا فالحديث ضعيف فلا يحتج به. لكن قد يخشى أن ينكفئ الإناء فيتنجس المحل، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كأن يكون الإنسان مريضاً أو كبير السن يشق عليه الخروج، وما أشبه ذلك؛ فإنه يضعه ثم يؤخذ ويوضع في مكانه، أما عند عدم الحاجة فلا ينبغي؛ لأن هذا الحديث ضعيف؛ فـ حكيمة هذه مجهولة، قال عنها في التقريب: لا تعرف، أي: مجهولة، وعلى هذا يكون الحديث ضعيفاً.

كتاب الطهارة [3]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [3] جاء الإسلام بكل ما فيه منفعة المسلم، وحذر من كل ما يضر به، ومن ذلك ما يتعلق بآداب قضاء الحاجة، فنهى عن التخلي في الظل والطريق والموارد، ونهى عن التخلي في الخلاء دون سترة، ونهى كذلك عن استعمال اليمين عند التنزه، أو التنزه بالرجيع والعظم.

المواضع التي نهي عن البول فيها

المواضع التي نهي عن البول فيها

شرح حديث: (اتقوا اللاعنين)

شرح حديث: (اتقوا اللاعنين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المواضع التي نهي عن البول فيها. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللاعنين! قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟! قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم)]. وهذا فيه تحريم التخلي في طريق الناس أو في ظلهم، والتخلي يعني: قضاء الحاجة من البول والغائط. وقوله: (اتقوا اللاعنين) يعني: اللذين يجلبان اللعن؛ لأن الناس عادة يلعنون من رأوه يفعل ذلك، فإذا رأوا من يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم لعنوه. فالمعنى: اتقوا ما يجلب لكم اللعن، وفي الحديث تحريم التخلي وقضاء الحاجة في طريق الناس أو في ظلهم؛ لما فيه من إفساد المحل على الناس بتنجيسه وإبعاد الناس وحرمانهم من مكان الظل والطريق الذي يمرون به. واللعن لا يجوز، ولكن هذا إخبار عن الواقع، فقد يقال: إن من آذى الناس يقتصون منه، ولكن المراد أن الناس عادة يلعنون من يفعل ذلك، هذا هو المراد. والله أعلم.

شرح حديث: (اتقوا الملاعن الثلاثة)

شرح حديث: (اتقوا الملاعن الثلاثة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن سويد الرملي وعمر بن الخطاب أبو حفص وحديثه أتم أن سعيد بن الحكم حدثهم قال: أخبرنا نافع بن يزيد قال: حدثني حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحميري حدثه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل)]. وهذا فيه تحريم قضاء الحاجة في هذه المواضع الثلاثة. وقوله: (اتقوا الملاعن الثلاثة) أي: التي تجلب اللعن. وقوله: (البراز في الموارد) يعني: طريق الناس إلى الماء، و (البراز) بفتح الباء يعني: قضاء الحاجة، أما (البراز) بكسر الباء الموحدة فتعني: المبارزة في الحرب. وقوله: (وقارعة الطريق) يعني: طريق الناس، سميت قارعة الطريق؛ لأنها تقرعها الأقدام، والمعنى: الطريق التي تقرعها الأقدام، وهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، يعني: الطريق التي تقرعها الأقدام. وقوله: (وفي ظل الناس) الظل الذي يستظل به الناس، مثل ظل الشجرة، وظل الجدار، ومثله المشمس في الشتاء، وهو المكان الذي يجلس فيه الناس في الشمس في الشتاء، لما فيه من إفساده عليهم وتنجيسه. والملاعن الثلاثة يعني: التي يلعن الناس عادة من فعلها، والمراد: اتقوا ما يجلب اللعن. وكل هذه الأماكن لا يجوز للإنسان أن يقضي حاجته فيها؛ لما في ذلك من إفسادها على الناس وتنجيسها وإيذاء الناس. والحديث أخرجه ابن ماجة والحاكم والبيهقي من طريق أبي سعيد الحميري عن معاذ به. وقال الحاكم: صحيح، ووافقه الذهبي، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب. وأبو سعيد الحميري لم يدرك معاذاً قال عنه ابن حجر في التقريب: مجهول من الثالثة، وروايته عن معاذ مرسلة. يقول أبو داود: وهذا الحديث مرسل. أي: منقطع، وهذا استعمال مشهور في كلام المتقدمين ويرد كثيراً في كلام أبي داود. والمشهور أن المرسل هو ما سقط منه الصحابي. ولكن المعنى الذي دل عليه الحديث صحيح، ويستدل له بقوله في الحديث السابق (الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم) فذكر الطريق والظل، والموارد كذلك هي في معناها. هو الظل الذي ينتفع به الناس، أما الظل الذي لا ينتفع به الناس كأن يكون في البرية فلا يدخله التحريم.

ما جاء في البول في المستحم

ما جاء في البول في المستحم

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في البول في المستحم. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل والحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق قال أحمد: حدثنا معمر أخبرني أشعث وقال الحسن: عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه). قال أحمد: (ثم يتوضأ فيه؛ فإن عامة الوسواس منه)]. وهذا في رواية أبي داود عن أحمد بن حنبل، فإن من شيوخه الإمام أحمد بن حنبل، وفي الحديث النهي عن البول في المستحم، يعني: مكان الاستحمام، ثم يتوضأ أو يغتسل منه؛ فإن عامة الوسواس منه؛ لأنه قد يصب الماء على البول فيصيبه من رشاشه أو يقع في قلبه شيء، وهذا إذا كانت الأرض لينة يبقى فيها البول، أما إذا كانت الأرض صلبة مبلطة يصب عليها الماء أو كان له طريق ينفذ منه كالبالوعة وما أشبهها، فهذا لا محذور فيه. لكن الحديث فيه الحسن عن عبد الله بن مغفل لا أدري هل أدرك الحسن عبد الله بن المغفل؟! والحسن بن أبي الحسن البصري -واسم أبيه يسار - الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلس. قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم، فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا -يعني: قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة- هو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة مائة وعشرة هجرية. وعبد الله بن مغفل مات سنة خمس وسبعون هجرية، وعلى هذا تكون ولادة الحسن سنة عشرين هجرية، فيكون عمره عند وفاة عبد الله بن مغفل سبعاً وثلاثين سنة. لكن الحسن يدلس ويرسل، والأصل في كلامه السلامة إلا إذا وجد ما يستنكر منه، ويشهد له الرواية الأخرى.

شرح حديث: (نهى رسول الله أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله)

شرح حديث: (نهى رسول الله أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن داود بن عبد الله عن حميد الحميري -وهو: ابن عبد الرحمن - قال: (لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله)]. وهذا الحديث أخرجه النسائي وأحمد في مسنده. والنهي عن الامتشاط كل يوم إنما هو لما فيه من الترفة والتنعم، وينبغي أن يكون الامتشاط يوماً بعد يوم، ويكون هذا النهي للتنزيه، والبول في المستحم يحمل النهي عنه على ما إذا كانت الأرض لينة، أما إذا كانت الأرض صلبة يزول عنها البول ويمكن أن يعقبه الماء فلا محذور فيه، كما سبق، ويشهد عليه الحديث السابق.

النهي عن البول في الجحر

النهي عن البول في الجحر

شرح حديث النهي عن البول في الجحر

شرح حديث النهي عن البول في الجحر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن البول في الجحر. حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن سرجس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر). قال: قالوا لـ قتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: كان يقال: إنها مساكن الجن]. وهذا الحديث في سنده قتادة وهو يدلس، ولكن الأصل السلامة، وفي هذا الحديث النهي عن البول في الجحر؛ وعلل ذلك: بأنها مساكن الجن والهوام والحشرات فقد يخرج عليه شيء من الهوام والحشرات فيؤذيه، وقد تكون مساكن للجن فيتضرر من ذلك، لهذا لا ينبغي للإنسان أن يبول في الجحر، والجحر هو: الشق في الأرض. وقصة سعد بن عبادة مشهورة في ذلك، فقد جاء أنه بال في جحر فمات، فسمع قائل يقول: نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده وهذه القصة مشهورة، لكنها تحتاج إلى نظر في إسنادها. فالمقصود: أنه ينبغي للإنسان ألا يبول في الجحر؛ لما يخشى عليه من الضرر.

ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء

ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء

شرح حديث: (كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك)

شرح حديث: (كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء. حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه حدثتني عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك)]. قوله: (غفرانك) أي: رب أسألك غفرانك. والحكمة في سؤاله المغفرة قيل: لتقصيره في الذكر حال قضاء الحاجة؛ لأنه ممنوع من الذكر في ذلك الوقت، فسأل ربه المغفرة على هذا التقصير. وقيل: المعنى: أسألك غفرانك من التقصير في شكر النعمة، حيث إن الله أنعم على الإنسان بنعمة الطعام، وأبقى فيه لذته، وأخرج منه الفضلة بسهولة، وكأنه يقول: يا ألله! أنا عاجز عن شكرك، فأسألك غفرانك على التقصير في شكر النعمة التي أنعمت بها علي، وسهلت خروج الخارج. وهذا الحديث أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة، وأخرجه أيضاً ابن ماجة والدارمي وأحمد وابن خزيمة والنسائي في (عمل اليوم والليلة) والحاكم وقال: صحيح، ووافقه الذهبي، وقال النووي في شرح المهذب: وهو حديث حسن صحيح، وغرابته لانفراد إسرائيل به، وإسرائيل ثقة حجة. وهناك زيادة عند ابن ماجة: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)، وهذه الزيادة ضعيفة، وأما حديث: (غفرانك)، فصحيح.

كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء

كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء

شرح حديث: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه)

شرح حديث: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء. حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا أبان حدثنا يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه، وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحداً)]. هذا الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، وفيه تحريم هذه الأشياء الثلاثة: مس الذكر باليمين حال البول، والتمسح من الخلاء بيمينه، أي: الاستجمار والاستنجاء باليمين؛ لأنه قد تصيبه النجاسة إذا مس ذكره بيمينه، واليمين إنما تكون للتكريم. قوله: (وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحداً) معناه: أن يزيل القدح عن فمه. والنهي عن الأمرين الأولين في هذا الحديث للتحريم، وهو ثابت في الصحيحين، وقد حمل جمهور العلماء النهي عن الشرب نفساً واحداً على التنزيه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم جمع هذه الأمور الثلاثة وحكم عليها حكماً واحداً، والأصل في النهي أنه للتحريم، ولا يصرف عن ذلك إلا بصارف. قال الشارح: والأفعال الثلاثة إما مجزومة على النهي، أو مرفوعة على النفي. والمؤلف رحمه الله بوب على ذلك فقال: باب كراهة مس الذكر باليمين في الاستبراء، والمراد بالكراهة كراهة التحريم، فهذا هو الذي يظهر، ولكن المؤلف لم يجزم، فحمله بعضهم على التنزيه، والصواب أن النهي يحمل على التحريم. إلا إذا ورد صارف يصرفه من التحريم إلى الكراهة مثل أن يثبت أن النبي نهى عن شيء ثم فعله فهنا يكون النهي للتنزيه، وذلك كما نهى عن الشرب قائماً ثم شرب قائماً.

شرح حديث: (أن النبي كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه)

شرح حديث: (أن النبي كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي أخبرنا ابن أبي زائدة أخبرنا أبو أيوب -يعني: الإفريقي - عن عاصم عن المسيب بن رافع ومعبد عن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه قال: حدثتني حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه ويجعل شماله لما سوى ذلك)]. وهذا الأمر ثابت كما في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله)، فاليمين تكون للأمور التي فيها التكريم، كالأخذ والإعطاء والسلام والأكل والشرب، والشمال لما سوى ذلك.

شرح حديث: (كانت يد رسول الله اليمنى لطهوره وطعامه)

شرح حديث: (كانت يد رسول الله اليمنى لطهوره وطعامه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع أخبرنا عيسى بن يونس عن ابن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى)]. هذا الحديث منقطع؛ لأن إبراهيم لم يدرك عائشة، لكن يشهد له الحديث السابق، ويشهد له حديث عائشة في الصحيحين: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله)، وهو من رواية مسروق عن عائشة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه]. والحديث الثاني في الباب أخرجه أحمد والحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: في سنده مجهول. وقال المنذري: في إسناده أبو أيوب الإفريقي وعبد الله بن علي وفيه مقال. والحديث الذي بعده أخرجه أحمد والبيهقي والبغوي في السنة، وأورده ابن حجر في (تلخيص الحبير) ونسبه إلى الطبراني. قال المنذري: إبراهيم لم يسمع من عائشة فهو منقطع، وأخرجه من حديث الأسود عن عائشة رضي الله عنها بمعناه، وأخرجه في اللباس من حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها، ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. انتهى كلامه. قلت: وفي الصحيحين من حديث مسروق عن عائشة: (أن النبي كان يعجبه التيمن في تنعله) يعني: في لبس النعل، (وترجله) يعني: ترجيل الشعر، (وطهوره وفي شأنه كله)، والحديثان السابقان وإن كان في كل منهما مقال إلا أنه يشهد لهما حديث عائشة، وهو يدل على أنه يشرع للمسلم أن يقدم اليمين في الأمور التي فيها تكريم مثل: دخول المسجد، ولبس الثوب والنعل والأخذ والإعطاء والسلام والأكل، فكل ذلك تقدم فيه اليمين، واليسار للعكس من ذلك: للخروج من المسجد والاستنجاء والامتخاط وما أشبه ذلك.

ما جاء في الاستتار في الخلاء

ما جاء في الاستتار في الخلاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاستتار في الخلاء: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس عن ثور عن الحصين الحبراني عن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج). قال أبو داود: رواه أبو عاصم عن ثور، قال: حصين الحميري ورواه عبد الملك بن الصباح عن ثور فقال: أبو سعيد الخير. قال أبو داود: أبو سعيد الخير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم]. هذا الحديث فيه هذه الأوامر وهي قوله: (من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) فالاكتحال سنة مستحبة ويستحب أن يوتر بأن يكتحل في كل عين ميلاً أو ثلاثة أميال، وهذا من باب الاستحباب، وكذلك: (من استجمر فليوتر) وهذا من باب الاستحباب، وإلا فلو لم يوتر فلا حرج، لكن لا بد من ثلاثة أحجار فأكثر إذا كان يريد أن يكتفي بها عن الماء، وكذلك: (من أكل فما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع) هذا من باب الاستحباب أيضاً، (ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره) فالاستتار واجب (فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) وهذا فيه نظر؛ ولهذا فإن هذا الحديث في سنده أبو سعيد وهو مجهول. قال أبو داود: [أبو سعيد الخير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] وغرض المؤلف من إيراد هذه الجملة: أن في رواية إبراهيم بن موسى أبا سعيد بغير إضافة لفظ الخير لا يعد في الصحابة، بل هو مجهول، وإنما يعد في الصحابة أبو سعيد الخير، قال المنذري: وأخرجه ابن ماجة في إسناده أبو سعيد الخير حمصي، فهو الذي رواه عن أبي هريرة، قال أبو زرعة الرازي: لا أعرفه، قلت: لقي أبا هريرة؟ قال: على هذا يرضى. انتهى. وهذا الحديث فيه نكارة وهي قوله: (من فعل أحسن ومن لا فلا حرج) يدل على أنه إذا لم يستتر فلا حرج، وهذا فيه نكارة، ومر في سنن ابن ماجة أنه منكر وفيه الحصين الحبراني، قال ابن حجر حسين الحميري ثم الحبراني بضم المهملة وسكون الموحدة مجهول، وعلى هذا يكون الحديث ضعيفاً، بسبب جهالة أبي سعيد وهذه اللفظة فيها نكارة، قوله: (من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) يدل على أنه إذا لم يستتر فلا حرج عليه، والاستتار في الخلاء واجب، أما هذا الحديث: (فمن فعل فقد أحسن) فهذه اللفظة غير صحيحة، والحديث في سنده هذا المجهول فيكون ضعيفاً؛ لأن النصوص دلت على أن الاستتار واجب، فلا بد أن يستتر.

ذكر ما جاء فيما ينهى عنه أن يستنجى به

ذكر ما جاء فيما ينهى عنه أن يستنجى به

شرح حديث رويفع في النهي عن الاستنجاء بالرجيع والعظم

شرح حديث رويفع في النهي عن الاستنجاء بالرجيع والعظم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما ينهى عنه أن يستنجى به. حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثنا المفضل -يعني: ابن فضالة المصري - عن عياش بن عباس القتباني أن شييم بن بيتان أخبره عن شيبان القتباني أن مسلمة بن مخلد استعمل رويفع بن ثابت على أسفل الأرض، قال شيبان: فسرنا معه من كوم شريك إلى علقماء أو من علقماء إلى كوم شريك يريد علقام فقال رويفع: إن كان أحدنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ نضو أخيه على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف، وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح، ثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلد وتراً أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمداً صلى الله عليه وسلم منه بريء)]. وهذا الحديث رواه الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: باب الرقى والتمائم، والشاهد: قوله: (أخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلد وتراً) وهذا الحديث فيه أن مسلمة بن مخلد استعمل رويفعاً على الأرض، وأن رويفعاً قال له: كان الواحد منا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ نضو أخيه يعني: البعير المهزول على أن له من مثل ما يغنم، وهذه شركة، وله النصف، يعني: أحدهما منه العمل، والثاني منه الدابة، وهذا يشبه المضاربة، يعطيه بعيره ويغنم عليه ويكون النصف بينهما، وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح من خشب السهم قبل أن يراش ويركب فيه النصل ثم قال: قال لي رسول الله: (يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي)، وهذا فيه علم من أعلام النبوة، فالحياة قد طالت بـ رويفع. وقوله: (فأخبر الناس أن من عقد لحيته) على طريقة الأعاجم يتركونها تتجعد تكبراً أو خيلاء، وكانوا في وقت الجاهلية في الحروب يعقدون لحاهم، وهذا من زي الأعاجم حيث كانوا يرسلونها ويعقدونها، وقيل المعنى: أنهم يعالجون الشعر ليتعقد ويتجعد، ويكون من فعل أهل التخنث والتأنيث، فنهي عنه، وعقد اللحى على وجهين: إما أنهم يعقدون لحاهم ويفتلونها تشبهاً بالأعاجم، أو يعالجون الشعر بحيث يتجعد ويتعقد تشبهاً بأهل التخنث والتأنيث. فمن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة، (من عقد لحيته أو تقلد وتراً) الوتر هو: ما يقلد الدواب لقصد دفع العين كالتميمة، أما إذا قلده لأجل الزينة والجمال فلا يدخل في هذا. قال: (أو استنجى برجيع دابة) وهذا هو الشاهد، واستنجى يعني: استجمر (برجيع الدابة) يعني: بعر الدابة البقر أو الغنم (أو عظم، فإن محمداً بريء منه) لأنه أفسده على الجن؛ لأن العظام يعود إليها لحمها الذي أكل منها، والرجيع يعود إليه حبه الذي أكل، والشاهد من الحديث تحريم الاستنجاء بالعظام والروث. قال: [حدثنا يزيد بن خالد حدثنا مفضل عن عياش أن شييم بن بيتان أخبره بهذا الحديث أيضاً عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو يذكر ذلك وهو معه مرابط بحصن باب أليون. قال أبو داود: حصن أليون على جبل بالفسطاط، قال أبو داود: وهو شيبان بن أمية يكنى أبا حذيفة.

شرح حديث جابر في النهي عن التمسح بالعظم والبعر

شرح حديث جابر في النهي عن التمسح بالعظم والبعر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتمسح بعظم أو بعر)]. وهذا أيضاً فيه النهي عن التمسح يعني: الاستجمار بعظم أو بعر، لما في ذلك من إفسادها على الجن، فالعظم لأنه يعود إليه لحمه الذي أكل فيفسده على الجن إذا استجمر به، والبعر يفسده على دواب الجن؛ لأنه يعود إليه حبه الذي أكل، والحديث أخرجه مسلم في الطهارة، وفيه تحريم الاستجمار بالعظم والبعر؛ لأن النهي يفيد التحريم.

شرح حديث طلب الجن من رسول الله أن ينهر أمته عن أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة

شرح حديث طلب الجن من رسول الله أن ينهر أمته عن أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا حيوة بن شريح الحمصي حدثنا ابن عياش عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد! انهَ أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حُمَمَة، فإن الله عز وجل جعل لنا فيها رزقاً، قال: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك)]. والسيباني هذا بالسين المهملة، كأن فيه سقط وتحريف، والحديث في إسناده إسماعيل بن عياش فيه مقال، في روايته عن الحجازيين، وإنما روايته تكون صحيحة إذا كانت عن الشاميين، وأذكر أن فيه سقطاً وتحريفاً، ففي السند عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن مسعود وفيه -لو صح- دليل على النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث، فالحديث السابق حديث رويفع كما سبق علم من أعلام النبوة، حيث طال عمر رويفع قال: (إن الحياة ستطول بك) وفيه أن تقليد الحيوان الوتر من العين من الكبائر، وكذا الاستجمار بالعظم والروث لقوله: (فإن محمداً بريء منه) فإذا جاء في فعل أن النبي برئ منه -كحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الحالقة والصالقة- فهو دليلٌ على أنه من كبائر الذنوب، فيكون تقليد الحيوان الوتر من العين من الكبائر، وكذا الاستجمار بالعظم والروث من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ ممن فعل ذلك فدل على أنه من الكبائر.

ما جاء في الاستنجاء بالأحجار

ما جاء في الاستنجاء بالأحجار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاستنجاء بالأحجار. حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن مسلم بن قرط عن عروة عن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه)]. وهذا أخرجه النسائي في الطهارة والدارقطني وفيه: أنه ينبغي للإنسان أن يستجمر بثلاثة أحجار، فإنها تجزئ عن الماء، إذا لم يتجاوز الخارج موضع العادة وكانت الثلاثة منقية فإنها تكفي عن الماء. قال: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عمرو بن خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال: بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع). قال أبو داود: وكذا رواه أبو أسامة وابن نمير عن هشام]. قوله: عن هشام يعني: ابن عروة وهذا أخرجه ابن ماجة في الطهارة، وفيه أن الاستطابة تكون بثلاثة أحجار إذا أراد أن يكتفي بها (ليس فيها رجيع) وهو روث الدابة، وكذلك العظم.

ما جاء في الاستبراء من البول

ما جاء في الاستبراء من البول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الاستبراء. حدثنا قتيبة بن سعيد وخلف بن هشام المقرئ قالا: أخبرنا عبد الله بن يحيى التوأم ح وأخبرنا عمرو بن عون قال: أخبرنا أبو يعقوب التوأم عن عبد الله بن أبي مليكة عن أمه عن عائشة قالت: (بال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عمر خلفه بكوز من ماء فقال: ما هذا يا عمر؟ فقال: هذا ماء تتوضأ به، قال: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ ولو فعلت لكانت سنة)]. وهذا أخرجه ابن ماجة، والحديث في سنده عبد الله بن يحيى التوأم، ضعيف والكوز: ما له عروة من الأواني، قوله: في الاستبراء، أي: الاستنقاء من البول، والاستبراء: هو أن يمكث حتى يستنقي من البول، أما ما جاء عن بعض الفقهاء أو جاء في بعض الحديث أن ينتر ذكره فهذا ضعيف. وفي هذا الحديث قوله: (ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ ولو فعلت لكانت سنة) ويعارضه حديث بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع خشخشته أمامه في الجنة، فسأله فقال: كلما توضأت صليت ركعتين، لكن قد يقال: إن هذا فيمن توضأ وصلى ركعتين، لكن لو توضأ كلما قضى حاجته فهو حسن، وإن تيسر له وصلى ركعتين فهو حسن.

ما جاء في الاستنجاء بالماء

ما جاء في الاستنجاء بالماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الاستنجاء بالماء. حدثنا وهب بن بقية عن خالد -يعني الواسطي - عن خالد -يعني: الحذاء - عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً ومعه غلام معه ميضأة وهو أصغرنا فوضعها عند السدرة فقضى حاجته فخرج علينا وقد استنجى بالماء)]. هذا الحديث فيه مشروعية الاستنجاء بالماء، والحديث أخرجه الشيخان، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء، والاستنجاء بالماء أبلغ من الاستجمار بالحجارة، فإذا استجمر بالحجارة واكتفى بها وكانت ثلاثة فأكثر منقية ولم يتجاوز الخارج موضع العادة كفى، والاستنجاء بالماء أفضل؛ لأنه أكمل في النقاء، والميضأة: المطهرة. قال: [حدثنا محمد بن العلاء قال: أخبرنا معاوية بن هشام، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزلت هذه الآية في أهل قباء: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة:108] قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية)]. وهذ الحديث أخرجه الترمذي في الطهارة وابن ماجة في الطهارة، وهو حديث ضعيف، فيه إبراهيم بن أبي ميمونة مجهول، وعلى هذا فلا يصح أن نزلت فيهم هذه الآية فتكون الآية عامة، فقوله: نزلت في أهل قباء هذا ضعيف، لكن الاستنجاء بالماء لا شك أنه أنقى من الاستجمار بالحجارة.

ما جاء من أن الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى

ما جاء من أن الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى. حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أسود بن عامر حدثنا شريك وهذا لفظه، ح وحدثنا محمد بن عبد الله -يعني: المخرمي - حدثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن المغيرة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور، أو ركوة فاستنجى ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ)، قال أبو داود: في حديث وكيع: (ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ) قال أبو داود: وحديث الأسود بن عامر أتم]. وهذا الحديث فيه شريك صدوق يخطئ كثيراً، وفيه إبراهيم بن جرير قال عنه: صدوق، إلا أنه لم يسمع من أبيه، وقد روى عنه بالعنعنة، وجاءت روايته بصريح التحديث لكن الحديث فيه ضعف في الدلك في الأرض، لكن الدلك ثابت من حديث عائشة في الصحيح: (أن النبي كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط مرتين أو ثلاثاً). قال في الشرح: لم يذكر في جميع الأسانيد المغيرة، إنما هو عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة. فيكون الحديث منقطعاً، وعلى ذلك يكون ضعيفاً.

كتاب الطهارة [4]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [4] دين الإسلام هو دين النظافة، فلم يترك باباً فيه دعوة إلى نظافة المسلم في نفسه إلا وحثه عليه، ومن ذلك الحض على السواك في سائر الأوقات وعلى وجه الخصوص عند القيام من النوم ودخول البيت وعند الوضوء.

ما جاء في السواك

ما جاء في السواك

شرح حديث: (لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء)

شرح حديث: (لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: السواك. حدثنا قتيبة بن سعيد عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه قال: (لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة)]. قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على المؤمنين) الأمر بالسواك على الاستحباب، ويندب عند كل صلاة وعند الوضوء، وعند دخول البيت، وعند تغير الفم. وللسواك فوائد عظيمة، حتى أوصلها بعض العلماء إلى أكثر من مائة فائدة، ومنها: أن المواظب عليه يذكر الشهادة عند الموت، وفي الحديث: (السواك مطهرة للفهم مرضاة للرب). والحديث أخرجه البخاري وليس فيه تأخير العشاء، ومسلم مقتصراً على السواك. وتأخير العشاء ثبت في حديث مستقل في الصحيحين وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر العشاء يوماً حتى ذهب ثلث الليل أو نصف الليل، فجاء عمر فقال: يا رسول الله، نام النساء والصبيان، قال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي).

شرح حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)

شرح حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى بن يونس أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، قال أبو سلمة: فرأيت زيداً يجلس في المسجد وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، فكلما قام إلى الصلاة استاك)]. كما سبق الحديث ثابت، وهذا الحديث فيه عنعنة محمد بن إسحاق وهو ثقة.

شرح حديث أمر الله رسوله بالوضوء لكل صلاة طاهرا وغير طاهر

شرح حديث أمر الله رسوله بالوضوء لكل صلاة طاهراً وغير طاهر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا أحمد بن خالد قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: قلت: (أرأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهراً وغير طاهر عم ذاك؟ فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً وغير طاهر، فلما شق ذلك عليه أُمر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى أن به قوة، فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة). قال أبو داود: إبراهيم بن سعد رواه عن محمد بن إسحاق، قال عبيد الله بن عبد الله]. الوضوء عند كل صلاة مستحب وليس بواجب. والحديث أخرجه الدارمي وأحمد وابن خزيمة والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قوله: (قال: قلت: أرأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهراً وغير طاهر عمَّ ذاك؟ فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً وغير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى أن به قوة فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة). يعني: أُمِرَ أَمْرَ استحباب، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، وقيل: ست صلوات، فسأله عمر، قال: (عمداً فعلته يا عمر). قوله: (أُمر) بضم الهمزة على البناء للمجهول. قوله: (فلما شق ذلك عليه) أي: شق الوضوء لكل صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر يحتمل كونه خاصاً به صلى الله عليه وسلم أو شاملاً لأمته، وهو يحتمل كونه شاملاً؛ لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:6] بأن تكون الآية على ظاهرها. وهكذا فهم علي رضي الله عنه من هذه الآية، فقد أخرج الدارمي في مسنده قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا شعبة حدثنا مسعود بن علي عن عكرمة (أن سعداً كان يصلي الصلاة كلها بوضوء واحد، وأن علياً كان يتوضأ لكل صلاة). وهو مثل ما سبق فيه عنعنة محمد بن إسحاق، لكن إن صح الحديث فإنه يحمل على أن الأمر أمر استحباب، أو أن الأمر كان أولاً ثم بعد ذلك نسخ الوجوب وبقي الاستحباب؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، ولما سأله عمر قال: (عمداً فعلته يا عمر)، وكقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) يعني: لأمرتهم أمر إيجاب، وهو قد أمرهم أمر ندب واستحباب. يقول الخطابي: يحتج بهذا الحديث من يرى أن المتيمم لا يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد، وأن عليه أن يتيمم لكل صلاة فريضة. قال: وذلك لأن الطهارة بالماء كانت مفروضة عليه لكل صلاة، وكان معلوماً أن حكم التيمم الذي جعل بدلاً عنها مثلها في الوجوب، فلما وقع التخفيف بالعفو عن الأصل ولم يذكر سقوط التيمم كان باقياً على حكمه الأول، وهو قول علي بن أبي طالب وابن عمر رضي الله عنهما والنخعي وقتادة، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، فإن سئل على هذا فقيل: فهلا كان التيمم تبعاً له في السقوط كهو في الوجوب؟ قيل: الأصل أن الشيء إذا ثبت وصار شرعاً لم يزل عن محله إلا بيقين نسخ، وليس مع من أسقطه إلا معنى يحتمل ما ادعاه ويحتمل غيره.

ما جاء في كيفية الاستياك

ما جاء في كيفية الاستياك

شرح حديث: (أتينا رسول الله نستحمله فرأيته يستاك على لسانه)

شرح حديث: (أتينا رسول الله نستحمله فرأيته يستاك على لسانه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كيف يستاك. حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبيه، قال مسدد: قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله فرأيته يستاك على لسانه، وقال سليمان: قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك وقد وضع السواك على طرف لسانه وهو يقول: أه أه، يعني: يتهوع). قال أبو داود: قال مسدد: كان حديثاً طويلاً ولكني اختصرته]. هذا حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وفيه أنه جاء مع نفر من الأشعريين يستحملون النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: يطلبونه أن يحملهم وأن يعطيهم راحلة للجهاد، فحلف ألا يحملهم قال لهم: (ليس عندي شيء أحملكم والله لا أحملكم، ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بذود من الإبل من الغنيمة فقال: أين النفر الأشعريون؟ فجاءوا فأعطاهم، فلما ذهبوا قالوا: تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه، قد حلف ألا يعطينا وقد حملنا والله لا نفلح أبداً، فرجعنا إليه فقلنا: يا رسول الله، إنك حلفت ألا تحملنا ثم حملتنا، فقال: إني لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم، قال: وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير). وفي هذا الحديث أنه رآه يستاك على طرف لسانه، فيكون الأفضل إذا استاك على اللسان أن يستاك طولاً وفي الأسنان عرضاً؛ لأنه إذا استاك بأسنانه طولاً قد يجرح اللثة، وإذا استاك عرضاً يكون هذا أسلم. والحديث متفق عليه.

حكم الرجل يستاك بسواك غيره

حكم الرجل يستاك بسواك غيره

شرح حديث: (كان رسول الله يستن وعنده رجلان)

شرح حديث: (كان رسول الله يستن وعنده رجلان) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يستاك بسواك غيره. حدثنا محمد بن عيسى أخبرنا عنبسة بن عبد الواحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحى الله إليه في فضل السواك أن كبر، أعط السواك أكبرهما)]. هذا فيه تقديم الأكبر في السواك، وفيه فضل السواك، فالداخل الذي معه طعام أو شراب أو سواك يعطي الأكبر ثم الأكبر وقيل: من على يمينه؛ لما ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً وعن يمينه ابن عباس وعن يساره أشياخ، فأتي بشراب لبن فقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام وهو ابن عباس: أتأذن أن أعطي الأشياخ وكانوا عن يساره، قال: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فتله النبي صلى الله عليه وسلم في يده). أيضاً في الكلام يقدم الأكبر كما في قصة عبد الرحمن بن سهل لما قتل أخوه وجاء معه ابنا عمه وأراد الأصغر منهما أن يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كبر كبر). وفي السواك إذا أراد أن يدفعه إلى أحد يعطيه الأكبر، وكذلك الطعام والشراب يعطيه الأكبر، ثم إذا بقي فضل فالأكبر يعطي من على يمينه. نعم. وكذلك البخور يعطى الأكبر ثم هو يعطيه من على يمينه. قال المنذري: وأخرج مسلم الحديث بمعناه من حديث ابن عمر مسنداً، وأخرجه البخاري تعليقاً. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أحمد بن حزم -هو ابن حزم -: قال لنا أبو سعيد -هو ابن الأعرابي -: هذا مما تفرد به أهل المدينة].

ما جاء في غسل السواك

ما جاء في غسل السواك

شرح حديث عائشة: (كان نبي الله يستاك فيعطيني السواك لأغسله)

شرح حديث عائشة: (كان نبي الله يستاك فيعطيني السواك لأغسله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب غسل السواك. حدثنا محمد بن بشار أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا عنبسة بن سعيد الكوفي الحاسب أخبرنا كثير عن عائشة أنها قالت: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه)]. أي: أنها كانت تعطيه السواك ليستاك به حتى تنال البركة من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يخص به غيره، فإذا أعطاها السواك استاكت به ثم غسلته ثم دفعته إليه، وفيه غسل السواك للتنظيف، وإذا أراد أن يستاك به اثنان يغسل حتى لا يكون هناك نفرة للثاني، فإذا غسل أخذه الثاني من باب النظافة وإلا فلو لم يغسله فلا حرج. أخرجه البغوي في مشكاة المصابيح. وقال ابن حجر: عنبسة بن سعيد الكوفي الحاسب ثقة، وكثير مقبول، والمقبول إذا توبع يكون حسناً لغيره.

السواك من الفطرة

السواك من الفطرة

شرح حديث: (عشر من الفطرة)

شرح حديث: (عشر من الفطرة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب السواك من الفطرة حدثنا يحيى بن معين أخبرنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء - يعني الاستنجاء بالماء -. قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة)]. قوله: (عشر من الفطرة) يعني: من الدين، جاء بها الإسلام، وهذه العشر منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب، فإعفاء اللحية واجب، وكذلك قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة كل هذه مؤقتة لا يجوز تأخيرها عن الوقت المحدد لها، كما في صحيح مسلم (أنه وقت في هذه الأشياء ألا تزيد عن أربعين يوماً) تأخيرها مكروه كراهة شديدة، فلا تؤخر حلق العانة ونتف الإبط، وقص الشارب، وقص الأظفار كذلك، وأما السواك فهو مستحب. قوله: (وغسل البراجم) يعني المفاصل. قال زكريا: (ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة) والمضمضة فرض في الوضوء وفي الغسل على الصحيح، والنسيان كما قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115]. والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده.

شرح حديث: (إن من الفطرة المضمضة والاستنشاق)

شرح حديث: (إن من الفطرة المضمضة والاستنشاق) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: أخبرنا حماد عن علي بن زيد عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال موسى: عن أبيه، وقال داود: عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الفطرة المضمضة والاستنشاق، فذكر نحوه ولم يذكر إعفاء اللحية، وزاد: والختان، قال: والانتضاح، ولم يذكر انتقاص الماء، يعني: الاستنجاء)]. أخرجه ابن ماجة وأحمد من طريق حماد عن علي بن زيد، وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وسلمة بن محمد بن عمار بن ياسر مجهول. فيكون فيه ضعيف ومجهول، لكن الحديث معناه صحيح، كما سبق في الحديث السابق أن ذكرت هذه الأشياء ومنها: المضمضة والاستنشاق وهما فرضان معروفان، والاستنجاء كذلك معروف.

أسانيد أخرى لحديث: (عشر من الفطرة)

أسانيد أخرى لحديث: (عشر من الفطرة) [قال أبو داود: وروي نحوه عن ابن عباس وقال: خمس كلها في الرأس، وذكر فيه الفرق ولم يذكر إعفاء اللحية]. والفرق يعني: فرق الرأس، إذا كان للإنسان شعر يفرقه فرقتين في الوسط. [قال أبو داود: وروي نحو حديث حماد عن طلق بن حبيب ومجاهد وعن بكر بن عبد الله المزني قولهم ولم يذكروا إعفاء اللحية]. يعني: من قوله. قال: [وفي حديث محمد بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (وإعفاء اللحية). وعن إبراهيم النخعي نحوه وذكر إعفاء اللحية والختان].

ما جاء في السواك لمن قام من الليل

ما جاء في السواك لمن قام من الليل

شرح حديث: (كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك)

شرح حديث: (كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب السواك لمن قام من الليل. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور وحصين عن أبي وائل عن حذيفة قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك)]. هذا حديث صحيح رواه مسلم، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) يعني: يدلك فاه بالسواك، وفيه مشروعية الشواص بالسواك عند الصلاة سواء كان في قيام الليل أو غيره، وفيه مشروعية الاستياك عند القيام من الليل؛ لما فيه من النظافة ولما فيه من رضا الرب سبحانه وتعالى، ولأن الإنسان عند الاستيقاظ من النوم يتغير فمه، فيستحب للمسلم إذا تغيرت رائحة فمه أن ينظفه بالسواك، كذلك عند الصلاة مشروع له أن يستاك؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).

شرح حديث: (كان يوضع له وضوؤه وسواكه)

شرح حديث: (كان يوضع له وضوؤه وسواكه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد أخبرنا بهز بن حكيم عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوضع له وضوءه وسواكه، فإذا قام من الليل تخلى ثم استاك)]. (وضوءه) بالفتح وهو الماء، هذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث السابق، باب السواك عند القيام من الليل، وفي سنده بهز بن حكيم وهو صدوق، فيكون الحديث حسناً.

شرح حديث مداومته على الاستياك حال القيام من النوم

شرح حديث مداومته على الاستياك حال القيام من النوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا همام عن علي بن زيد عن أم محمد عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ)]. هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وفيه أم محمد وهي مجهولة. ولا شك أن السواك مشروع في كل وقت.

شرح حديث ابن عباس: (بت ليلة عند النبي فلما استيقظ من منامه أتى طهوره)

شرح حديث ابن عباس: (بت ليلة عند النبي فلما استيقظ من منامه أتى طهوره) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى أخبرنا هشيم أخبرنا حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (بت ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ من منامه أتى طهوره فأخذ السواك فاستاك، ثم تلا هذه الآيات: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190] حتى قارب أن يختم السورة أو ختمها، ثم توضأ فأتى مصلاه فصلى ركعتين، ثم رجع إلى فراشه فنام ما شاء الله ثم استيقظ ففعل مثل ذلك، ثم رجع إلى فراشه فنام، ثم استيقظ ففعل مثل ذلك، كل ذلك يستاك ويصلي ركعتين، ثم أوتر)]. هذا الحديث رواه مسلم مطولاً، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ استاك ثم توضأ، وقرأ الآيات من خواتيم سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190] إلى آخر السورة، فيشرع في قراءتها عند الاستيقاظ من النوم. [قال أبو داود: رواه محمد بن فضيل الضبي عن حصين قال: (فتسوك وتوضأ وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:190] حتى ختم السورة)]. والحديث رواه الشيخان أيضاً، وفيه شرعية السواك عند الوضوء وعند الصلاة وعند الاستيقاظ من النوم.

شرح حديث عائشة في أن رسول الله كان إذا دخل بيته يبدأ بالسواك

شرح حديث عائشة في أن رسول الله كان إذا دخل بيته يبدأ بالسواك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا عيسى حدثنا مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: قلت لـ عائشة رضي الله عنها: (بأي شيء كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك)]. فيه مشروعية السواك عند دخول البيت، والسواك مشروع في كل وقت، ويتأكد عند دخول البيت وعند الوضوء وعند الصلاة وعند تغير رائحة الفم، وفي الحديث: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب). والحديث أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة مختصراً.

(شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [5]) للشيخ: (عبد العزيز بن عبد الله الراجحي) (عدد القراء 509)

كتاب الطهارة [6]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [6] ذكر الشارع الحكيم جواز الوضوء والاغتسال من ماء البحر، وبين أنه الطهور ماؤه الحل ميتته، كما بين الشارع حكم الوضوء بفضل الغير من الماء ووضوء الرجال مع النساء في إناء واحد، كما نهى عن إتيان الصلاة لمن كان يدافعه الأخبثان.

ما جاء في الوضوء بفضل المرأة

ما جاء في الوضوء بفضل المرأة

شرح حديث عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد ونحن جنبان)

شرح حديث عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد ونحن جنبان) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بفضل المرأة. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان)]. وهذا رواه النسائي ومسلم، وفيه دليل على أنه لا بأس بالوضوء من فضل المرأة. وفيه: جواز اغتسال الرجل وزوجته جميعاً من إناء واحد، ويشمل ما إذا توضأت أو اغتسلت وبقي في الإناء شيء ثم توضأ بعدها، وهو دليل على أنه لا بأس بفضل وضوء المرأة. وأما الحديث الآخر الذي سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن فضل وضوء المرأة فهو محمول على التنزيه على الصحيح.

شرح حديث أم صبية: (اختلفت يدي ويد رسول الله في الوضوء من إناء واحد)

شرح حديث أم صبية: (اختلفت يدي ويد رسول الله في الوضوء من إناء واحد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن ابن خربوذ عن أم صبية الجهنية قالت: (اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد)]. أخرجه ابن ماجة. والذي قبله قال: أخرجه البخاري والنسائي وأحمد ومسلم. وأم صبية الجهنية لم يبين المؤلف رحمه الله هل بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم محرمية؟ والحديث محمول على أنه كان بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم محرمية من جهة الرضاعة ومن جهة الصهر، أو أن هذا كان قبل الحجاب؛ لأنه لا يمكن أن تتوضأ وهي كاشفة أمام النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان بينهما محرمية؛ لأن هذا يقتضي أن تبدي وجهها ويديها ورجليها. فإما أن يكون قبل الحجاب، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها محرمية من جهة الرضاع أو الصهر. هنا قال: وفيها -يعني: النسخة الهندية التي بين أيدينا- ورد هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها بدلاً من الاقتصار على أم صبية في هذا الكتاب، قال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا وكيع بن الجراح عن أسامة بن زيد عن ابن خربوذ، عن أم صبية الجهنية عن عائشة رضي الله عنها قالت وسندت الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء من إناء واحد.

شرح حديث: (كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله من الإناء الواحد جميعا)

شرح حديث: (كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله من الإناء الواحد جميعاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك ح وحدثنا مسدد قال: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال مسدد - من الإناء الواحد جميعاً)]. وهذا كان قبل الحجاب، أما بعد الحجاب فكان يختص بالمحارم والزوجات. والمراد بالوضوء: غسل الأطراف، واستعمال الماء في الأعضاء الأربعة: الوجه، واليدين، والرأس، والرجلين، هذا الوضوء، أما الاستنجاء فمعروف أن كل واحد يستنجي على حدة. وقوله: (يغترفون من الإناء جميعاً) فيه دليل على أنه لا بأس بالوضوء من فضل المرأة؛ لأنه بعد اغترافها يكون فضلاً.

شرح حديث ابن عمر: (كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله)

شرح حديث ابن عمر: (كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله: حدثني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ندلي فيه أيدينا)]. قوله: (ندلي فيه أيدينا) يعني: إذا أدلت المرأة يدها ثم أدلى يده بعدها صار فضلاً، ففضل المرأة يشمل ما إذا كان يغترف من الإناء وتغترف هي وما إذا توضأت ثم توضأ بعدها مما بقي في الإناء. والحديث السابق أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وأحمد، وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن خزيمة.

النهي عن اغتسال الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل

النهي عن اغتسال الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل

شرح حديث: (نهى رسول الله أن تغتسل المرأة بفضل الرجل)

شرح حديث: (نهى رسول الله أن تغتسل المرأة بفضل الرجل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن ذلك. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن داود بن عبد الله ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله عن حميد الحميري قال: لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) زاد مسدد: (وليغترفاً جميعاً)]. أخرجه النسائي وأورده ابن حجر في الفتح، وقال: رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقي: أنه في معنى المرسل مردودة؛ لأن إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه، ثم قال: وتحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي، أو يحمل النهي على التنزيه جمعاً بين الأدلة. والحديث فيه النهي عن الوضوء بفضل المرأة، لكنه محمول على التنزيه؛ بدليل الأحاديث السابقة، ومنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وبعض أزواجه من إناء واحد يغترفان جميعاً)؛ ولما سيأتي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل طهور ميمونة). فأحاديث النهي تحمل على التنزيه، والذي صرفها عن التحريم إلى التنزيه الأحاديث التي فيها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل طهور ميمونة)، وحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وبعض أزواجه يغترفان جميعاً) هذا هو الصواب. وذهب الجمهور إلى أن النهي منسوخ بأحاديث الجواز، لكن الصواب أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، فإذا أمكن الجمع فإنه مقدم؛ لأن فيه عملاً بالأحاديث من الجانبين. أما إذا لم يمكن الجمع فإنه يصار إلى النسخ إذا عرف التاريخ، وهنا أمكن الجمع، فيحمل النهي على التنزيه، فإن وجد غير فضل طهور المرأة فإن الأولى والأفضل أن يتوضأ بغيره، وإن لم يجد غيره زالت الكراهية، والكراهة كراهة تنزيه، ولو توضأ بفضل طهور المرأة مع وجود غيره فلا حرج. والرسول صلى الله عليه وسلم فعله، وفعله يقتضي صرف النهي من التحريم إلى التنزيه.

شرح حديث: (نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة)

شرح حديث: (نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن بشار حدثنا أبو داود -يعني: الطيالسي - حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو -وهو الأقرع - رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة)]. قال أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجة وأحمد، وقال الكندي: قال في شرح السنة: لم يصحح محمد بن إسماعيل حديث الحكم بن عمرو، وإن ثبت فمنسوخ. قال الخطابي: وجه الجمع بين الحديثين -إن ثبت حديث الأقرع -: أن النهي إنما وقع عن التطهر بفضل ما تستعمله المرأة من الماء، وهو ما سال وفضل عن أعضائها عند التطهر به، دون الفضل الذي تسؤره في الإناء. لكن إن صح الحديث فهو محمول على التنزيه. قال الترمذي في كتاب العلل: سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث -يعني: حديث أبي حاجب عن الحكم بن عمرو - فقال: ليس بصحيح. قال: وحديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب الصحيح أنه موقوف، ومن رفعه فهو خطأ. تم كلامه. وحديث عبد الله بن سرجس رواه أبو عبيد في كتاب الطهور فقال: حدثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو عن معمر عن عاصم بن سليمان عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه أنه قال: أترون هذا الشيخ؟ يعني: نفسه، فإنه قد رأى نبيكم صلى الله عليه وسلم وأكل معه، قال عاصم: فسمعته يقول: لا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة من الجنابة من الإناء الواحد، فإن خلت به فلا تقربه، فهذا هو الذي رجحه البخاري. وحديث النهي عن الاغتسال بفضل وضوء الرجل والمرأة أخرجه ابن ماجة ولفظه عن عبد الله بن سرجس قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة من فضل وضوء الرجل، ولكن يشرعان جميعاً). وقوله: (نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل)، كأنه رواه بالمعنى، وعلى كل حال كأن البخاري لم يصحح الحديث، لكن حديث عبد الله بن سرجس وكذا حديث ميمونة: (أن النبي توضأ بفضل ميمونة) يجعل النهي محمولاً على التنزيه، وتركه أولى إن وجد غيره. والحكم بن عمرو الغفاري ويقال له: الحكم بن الأقرع صحابي نزل البصرة ومات بمرو. وأبو حاجب هو سوادة بن عاصم العنزي بالنون والزاي أبو حاجب البصري صدوق، يقال: إن مسلماً أخرج له. وهذا الحديث -وعلى كل حال- سواء صح أو لم يصح فحديث عبد الله بن سرجس يكفي في حمل النهى على التنزيه.

الوضوء بماء البحر

الوضوء بماء البحر

شرح حديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)

شرح حديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بماء البحر. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق قال: إن المغيرة بن أبي بردة -وهو من بني عبد الدار- أخبره: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته)]. وهذا الحديث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وسأل الترمذي البخاري رحمه الله فقال: إنه صحيح، وهو دليل على طهورية ماء البحر وحل ميتته، ومياه البحار والأنهار الأصل فيها الطهارة، وكذلك مياه الأمطار والغدران والثلوج إذا ذابت كلها طاهرة، والبحر طهور ماؤه وحل ميتته. والنبي صلى الله عليه وسلم زاد السائل عن سؤاله وفيه دليل على أن المفتي إذا سأله سائل ورأى أنه يحتاج إلى شيء ملابس لسؤاله فإنه يفتيه به ويزيده خيراً؛ فالسائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر، فقال: (هو الطهور ماؤه)، ولما كان الإنسان الذي يركب البحر قد يحتاج إلى معرفة حكم أكل ميتته بين له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، هذا من الزيادة على السؤال؛ فإنه سأله عن طهورية ماء البحر أو حكم الوضوء بماء البحر فأفتاه بأن ماء البحر طهور، وزاده خيراً فأخبره أن ميتته حلال، وفي الحديث الآخر: (أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالجراد والسمك) وهو دليل على أن ما يموت في البحر هو حلال، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة:96].

الوضوء بالنبيذ

الوضوء بالنبيذ

شرح حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ

شرح حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بالنبيذ. حدثنا هناد وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: (ما في إداوتك؟ قال: نبيذ. قال: تمرة طيبة وماء طهور)]. وفي رواية الترمذي: (فتوضأ منه)، وفي رواية أحمد: (فتوضأ منه وصلى به). والنبيذ يطلق على عصير العنب وغيره؛ كأن يجعل في الماء زبيباً فيكون نبيذاً، أو يجعل فيه تمراً فيكون نبيذاً، أو يجعل فيه شعيراً ونحو ذلك، وهذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ ابن مسعود: (تمرة طيبة وماء طهور)، وفي رواية الترمذي: (فتوضأ منه)، وفي رواية أحمد: (فتوضأ منه وصلى به). لكن هذا الحديث ضعيف فيه علل متعددة، منها: أن شريكاً سيئ الحفظ، ساء حفظه لما تولى القضاء. ومنها: الاختلاف في أبي فزارة؛ اختلف في اسمه. ومنها: جهالة أبي زيد. والعلة الرابعة: أن ابن مسعود لم يحضر ليلة الجن، فلا يحتج به بما دل عليه من الوضوء بالنبيذ؛ لأن النبيذ ليس ماءً مطلقاً، فلا يقال له: ماء، والله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء:43] فهو ماء مقيد وليس ماءً مطلقاً، فماء النبيذ وماء الزعفران وماء المرق لا يقال له: ماء، ولو قال إنسان لإنسان: ائتني بماء ثم جاءه بزعفران أو جاءه بمرق أو جاءه بنبيذ لم يكن منفذاً لطلبه، وعلى ذلك فلا يصح الوضوء بالنبيذ؛ لأنه ليس ماءً مطلقاً لهذه العلل فالحديث غير صحيح، وإنما يتوضأ بالماء المطلق، أما الماء الذي يعصر من الأشجار فلا يسمى ماءً، بل هو ماء مقيد: عصير برتقال أو يجعل في الماء تمر فيسمى نبيذاً، أو أن يجعل فيه زبيب فيكون نبيذاً، أو يجعل فيه زعفران أو حبر فلا يسمى ماءً، فالمرق أو عصير البرتقال أو عصير التفاح لا يتوضأ به؛ لأن هذا ليس ماء مطلق، وإنما هو ماء مقيد. وهذا الحديث ليس بصحيح. قال في تخريجه: أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد. وقال في الزوائد: مدار الحديث على أبي زيد وهو مجهول عند أهل الحديث، كما ذكره الترمذي وغيره، وضعف إسناده أحمد شاكر والألباني رحمهما الله تعالى. فالحديث ليس بصحيح لعدة علل: جهالة أبي زيد، وضعف شريك، وكذلك الاختلاف في أبي فزارة، وكذلك في كون ابن مسعود لم يحضر ليلة الجن، كما سيأتي في الرواية بعد هذه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال سليمان بن داود: عن أبي زيد أو زيد، كذا قال شريك، ولم يذكر هناد ليلة الجن. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن داود عن عامر عن علقمة قال: قلت لـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من كان منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: ما كان معه منا أحد]. وهذا يدل على أن قوله في الحديث السابق: إن ابن مسعود كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ليس بصحيح؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ما كان معه أحد، وإنما ابن مسعود وغيره لما سار الجن ذهب بهم النبي صلى الله عليه وسلم وأراهم آثارهم وآثار نيرانهم.

شرح الآثار الواردة في تحريم الوضوء بالنبيذ

شرح الآثار الواردة في تحريم الوضوء بالنبيذ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا بشر بن منصور عن ابن جريج عن عطاء قال: إنه كره الوضوء باللبن والنبيذ، وقال: إن التيمم أعجب إلي منه]. اللبن والنبيذ ليسا بماء، فلا يتوضأ بهما، فإذا لم يجد إلا لبناً أو نبيذاً تيمم؛ لأنه ليس ماءً مطلقاً، ولعل الكراهة كراهة تحريم فلا يجوز الوضوء بهما. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا أبو خلدة قال: سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده ماء وعنده نبيذ أيغتسل به؟ قال: لا]. يعني: لا يغتسل به؛ لأنه ليس ماءً. والكراهة هنا تحمل على كراهة التحريم وأنه ممنوع لا يتوضأ به.

صلاة الرجل وهو حاقن أو حاقل

صلاة الرجل وهو حاقن أو حاقل

شرح حديث: (إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء)

شرح حديث: (إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه: أنه خرج حاجاً أو معتمراً ومعه الناس وهو يؤمهم، فلما كان ذات يوم أقام الصلاة صلاة الصبح، ثم قال: ليتقدم أحدكم وذهب الخلاء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء). قال أبو داود: روى وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو ضمرة هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل حدثه عن عبد الله بن أرقم، والأكثر الذين رووه عن هشام قالوا كما قال زهير]. يعني: أن هذا الحديث بعضهم زاد فيه رجلاً، وبعضهم رواه عن عبد الله بن الأرقم، فيحتمل أنه روي عنه بواسطة وبدون واسطة. قال في تخريجه: قال المنذري: أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة. والحديث فيه دليل على تقديم الخلاء على الصلاة، والخلاء: أصله الفضاء والصحراء، والمراد: قضاء الحاجة، فإذا كان الإنسان يريد أن يقضي حاجته من بول أو غائط بأن كان حاقناً أو حاقلاً فيقدم ذلك على الصلاة، والحاقن هو: الذي يدافع البول، والحاقل هو: الذي يدافع الغائط، فإذا حضرت الصلاة وهو يدافعه الأخبثان فإن عليه أن يقدم قضاء الحاجة على الصلاة؛ زاد في حديث مسلم: (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان). والمؤلف رحمه الله ما جزم بالحكم، وإنما قال: باب: أيصلي الرجل وهو حاقن؟ والمسألة فيها اختلاف بين أهل العلم: هل تصح صلاة من صلى وهو حاقن أو لا تصح؟ فالجمهور على أنها تصح مع الكراهة. وذهب الظاهرية إلى أنها لا تصح، وقالوا: إن النهي والنفي بقول: لا صلاة، ولا يصل الرجل، هو للتحريم، والجمهور يرون أن النهي للتنزيه. وقال بعضهم: إذا ضاق الوقت فله أن يصلي على حاله، وقال آخرون: لا يصلي حتى ولو ضاق الوقت، بل عليه أن يقضي حاجته، وكذلك إذا كان بحضرة الطعام ونفسه تتوق إليه فيأكل ثم يصلي ويتطهر ولو بعد خروج الوقت. وذهب الظاهرية إلى أنها لا تصح صلاة الحاقن والحاقل، وقالوا: إنه لا صلاة بحضرة الطعام، وهذا نفي لوجود الصحة، فقوله: (لا صلاة) نفي للصحة، يعني: لا تصح الصلاة ولا وجود للصلاة الشرعية. والجمهور على أن النفي نفي للكمال. وأما المريض الذي يحتاج إلى قضاء الحاجة باستمرار فإذا كان يتشوش فالحكم واحد ينتظر؛ لأن الحكمة من النهي هي أن يتفرغ للصلاة، ولا تجوز صلاته وقلبه مشوش، لكن إذا كانت المدافعة يسيرة فأرجو ألا يكون عليه حرج في المدافعة، أما إذا كانت المدافعة شديدة فلا ينبغي، بل ينبغي أن يستفرغ ثم يصلي.

شرح حديث: (لا يصلى بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان)

شرح حديث: (لا يصلى بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وحدثنا مسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي حزرة حدثنا عبد الله بن محمد -قال ابن عيسى في حديثه: ابن أبي بكر ثم اتفقوا- أخو القاسم بن محمد قال: كنا عند عائشة رضي الله عنها فجيء بطعامها فقام القاسم يصلي، فقالت رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يصلى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)]. وفي رواية مسلم: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان). وقوله: (لا يصلى بحضرة الطعام) لا يصلى أو لا يصلي، محتمل، يعني: لا يصلي الرجل، أو لا يصلى، فرواية: (لا يصلى) نفي، مثل رواية: (لا صلاة بحضرة الطعام)، وإن كانت: (لا يصلي) -يعني: الرجل- فتكون للنهي، ويكون النهي للتحريم عند الظاهرية، فعندهم أن النفي نفي لوجود الصلاة، فقوله: (لا صلاة) أي: لا صلاة شرعية، ولا وجود للصلاة، ولا تصح الصلاة عند حضرة الطعام. والجمهور على أن النهي للتنزيه، والنفي نفي الكمال، يعني: لا صلاة كاملة بحضرة الطعام. وعلى كل حال لا شك أن الأولى هو أن يستفرغ الإنسان. أما صلاة من يدافعه الأخبثان أو من كان بحضرة الطعام فهي إما باطلة وإما مكروهة، لكن إذا كانت مدافعة يسيرة ليست شديدة فأرجو ألا يكون حرج، وأما إذا كانت المدافعة شديدة فلا ينبغي، وهذا عذر في ترك الجماعة، ولو فاتته الجماعة، فمن كان بحضرة طعام ونفسه تتوق إليه فيقدم الطعام فهو أحق، وهذا عذر، وقد كان ابن عمر يتعشى وهو يسمع قراءة الإمام، وهذا من فقهه رضي الله عنه. وكذلك إذا كان يدافعه الأخبثان هذا عذر في ترك الجماعة، فيستفرغ لو فرط في الجماعة؛ لأنه إذا صلى في هذه الحالة يكون قلبه مشوشاً، فإذا استفرغ أقبل على صلاته، فهذا من الأعذار في ترك الجماعة، فمن كان يدافعه الأخبثان ومن كان بحضرة طعام يشتهيه ونفسه تتوق إليه هذا معذور في ترك الجماعة. أما إذا كان لا تتوق نفسه إليه فالأمر في هذا واسع، وإذا قدم الطعام فإنه يأخذ نهمته ولو بعد الأذان، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعتاد تقديم الطعام بعد الأذان، فإذا سمع النداء قال: هاتوا الطعام، فإن هذا معناه التعمد لترك الجماعة، لكن إذا قدم بدون طلب وكان بحاجة، فيأخذ نهمته. فإذا كان الإنسان جائعاً ونفسه تتوق وحضر الطعام فإنه في هذه الحالة يقدم الطعام ولو فاتته الجماعة، ويكون هذا عذراً له، كما أن من أكل كراثاً أو ثوماً أو بصلاً فهذا عذر له في ترك الجماعة، وليس له أن يأتي المسجد، ولا أن يصلي مع الناس وله رائحة كريهة، ويكون هذا عذر في ترك الجماعة، لكن إذا تعمد أكل الكراث والثوم والبصل لترك الجماعة صار آثماً، لكن لو أكل بدون تعمد أو أكل محتاجاً لعلاج فهذا عذر، وكذلك الطعام إذا كان نفسه تتوق إليه عذر، وكذلك إذا كان يدافعه الأخبثان. أما إذا كانت المدافعة ليست شديدة فأرجو ألا يكون حرج، وبكل حال فالصلاة إما مكروهة وإما باطلة، إما مكروهة مع الصحة وهو قول الجمهور، وإما باطلة كما يراه الظاهرية، والقول: ببطلانها قول قوي. وأما الجمعة فوقتها واسع، يستطيع الإنسان أن يتهيأ لها قبل ذلك، فيحاول بقدر الإمكان أن يتقدم. لكن لو اضطر إلى هذا بأن دافعه الأخبثان أو أصابه إسهال فهذا عذر له ولو فاتته الجمعة أو الجماعة، فإذا أحس في بطنه شيئاً يخرج وهذا عذر له.

شرح حديث: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن)

شرح حديث: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا ابن عياش عن حبيب بن صالح عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي المؤذن عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف)]. قال المنذري: أخرجه الترمذي وابن ماجة. وقال الألباني: أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن، قلت: في إسناده اضطراب وجهالة، وقال ابن خزيمة في الطرف الأول منه: إنه موضوع، وأما بقية الحديث فله شواهد. يعني: في سنده اضطراب، وأما قوله: (لا يصل وهو حاقن) فهذا له شواهد كما سبق. وقوله في النهي عن النظر في بيت بغير إذنهم: (لا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن) يعني: ليس له أن ينظر في بيت إلا بإذنهم، وهذا جاء النهي عنه في حديث آخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لو اطلع أحد على بيتك فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح)، وهذا حديث ثابت. وقوله: (فقد دخل) يعني: من اطلع من غير إذن فقد دخل، يعني: حكمه حكم من دخل البيت. وقوله: (من أم قوماً بغير إذنهم ثم خص نفسه بالدعاء فقد خانهم) يعني: في الدعاء الذي يؤمَّن عليه، كدعاء القنوت وغيره، أما الدعاء الخاص كالدعاء بين السجدتين في التشهد فهذا يخص نفسه به كما هو معروف، لكن فيما يؤمن عليه الناس مما يجهر فيه الإمام ويؤمن عليه الناس فلا يخص نفسه به، وعلى كل حال النهي عن نظر الإنسان في بيت غيره هذا جاءت له شواهد في غيره من الأحاديث إلا قوله: (فقد دخل). وكذلك أيضاً النهي عن الصلاة وهو حاقن. وقوله: (ثلاث) مبتدأ نكرة، والنكرة لا يجوز الابتداء بها إلا إذا أفادت، ولهذا يقول ابن مالك: ولا يجوز الابتداء بالنكره ما لم تفد كعند زيد نمره

شرح حديث (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن)

شرح حديث (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا أحمد بن علي حدثنا ثور عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي المؤذن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف) ثم ساق نحوه على هذا اللفظ قال: (ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يختص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم)]. قوله: (وهو حقن) يعني: وهو حاقن، والحاقن هو الذي يدافعه البول، فليس له أن يصلي وهو حقن كما سبق الخلاف. وقوله: (ولا يؤم قوماً وهم له كارهون) يعني: إذا كانوا يكرهونه بحق، أما إذا كانوا يكرهونه بغير حق فكراهتهم له بغير حق لا تؤثر، فإن كانوا فساقاً أو عصاة ويكرهونه لاستقامته فكراهتهم ليست بحق، وأما إذا كانوا يكرهونه بحق فهذا هو الذي لا ينبغي. وكذلك إذا خص نفسه بالدعاء، هذا إن ثبت هذا الحديث؛ فإنه كما سبق فيه اضطراب. يعني: إذا كان يخص نفسه بدعوة لنفسه دون المأمومين وهم يؤمنون، وأما النهي عن الصلاة وهو حقن، والنهي عن الاطلاع على بيت قوم دون إذنهم فهذا له شواهد. [قال أبو داود: هذا من سنن أهل الشام لم يشركهم فيها أحد]. لم يشركهم يعني: الرواة الشاميون.

كتاب الطهارة [7]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [7] بين النبي صلى الله عليه وسلم هديين من فعله وقوله يتعلق بهما وضوء المؤمن: الهدي الأول: الاقتصاد في الوضوء، وعدم التبذير بالماء. الهدي الثاني: غسل الكفين ثلاثاً عند الشروع في الوضوء، وهذا أمر إرشادي يتعلق بالنظافة والطهارة قد تتبين لنا حكمته وقد لا تتبين، فعلى المسلم السمع والطاعة.

ما يجزئ من الماء في الوضوء

ما يجزئ من الماء في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يجزئ من الماء في الوضوء. حدثنا محمد بن كثير حدثنا همام عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد). قال أبو داود: رواه أبان عن قتادة قال: سمعت صفية]. هذا ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ: (كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد)، وهذا فيه مشروعية الاقتصاد في الماء. والمد: ملء كفي الرجل المتوسط اليدين خلقة إذا مد يديه؛ ولهذا تسمى مد، يملؤه ثم يمد يديه، والصاع أربعة أمداد، فالمد حفنة، والصاع أربع حفنات، كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط. والصاع أربعمائة وثمانون مثقالاً، والمثقال اثنتان وسبعون حبة شعير، هكذا قدرت، فالضابط: أن الصاع أربع حفنات، كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط، (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمداد). وجاء: أنه عليه الصلاة والسلام توضأ بثلث المد كما سيأتي، واغتسل هو وبعض أزواجه في إناء يسع ثلاثة آصع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا هشيم قال: أخبرنا يزيد بن أبي زياد عن سالم بن أبي الجعد عن جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد)]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن يزيد بن أبي زياد هذا ضعيف، لكن الحديث ثابت رواه الشيخان وغيرهما بلفظ: (كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمداد). قال في التقريب: يزيد بن أبي زياد ضعيف، كبر فتغير، وصار يتلقن، وكان شيعياً. فهو ضعيف، لكن الحديث له شواهد في الصحيحين وغيرهما. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن حبيب الأنصاري قال: سمعت عباد بن تميم عن جدته وهي أم عمارة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فأتي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد)]. وهذا أقل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ به، ثلثي المد، والمد: ملء كفي الرجل المتوسط، وهذا فيه مشروعية الاقتصاد بالماء، وعدم الإسراف والإكثار، وأنه يتوضأ بالمد وبثلثي المد فإنه مع التبليغ يكفي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جبر عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بإناء يسع رطلين، ويغتسل بالصاع). قال أبو داود: ورواه شعبة قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر سمعت أنساً إلا أنه قال: (يتوضأ بمكوك) ولم يذكر (رطلين)]. والمكوك: هو المد، فكان عليه الصلاة والسلام يتوضأ بالمد إلى خمسة أمداد، يعني: يغتسل بخمسة مكاكيك. قال في ضبط المكوك: بفتح الميم وضم الكاف الأولى وتشديدها، جمعه مكاكيك ومكاكي، ولعل المراد بالمكوك هاهنا: المد، قاله النووي. وقال ابن الأثير: أراد بالمكوك: المد، وقيل: الصاع، والأول أشبه، وجمعه: المكاكي، بإبدال الياء من الكاف الأخيرة، والمكوك: اسم من المكيال، ويختلف مقداره باختلاف الاصطلاح في البلاد. انتهى. قلت: المراد بالمكوك هاهنا: المد لا غير؛ لأنه جاء في حديث آخر مفسراً بالمد. قال القرطبي: الصحيح: أن المراد به هاهنا المد؛ بدليل الرواية الأخرى. وقال الشيخ وليد بن عراقي في صحيح ابن حبان في آخر الحديث: قال أبو خيثمة: المكوك: المد. وزاد النسائي: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك، ويغتسل إلى خمس أمداد)، وفي الحديث الذي رواه مسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بمكوك). وهذا ثابت في الصحيحين: (كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد)، والمكوك: هو المد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: ورواه يحيى بن آدم عن شريك قال: عن ابن جبر بن عتيك قال: ورواه سفيان عن عبد الله بن عيسى قال: حدثني جبر بن عبد الله. قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الصاع: خمسة أرطال. قال أبو داود: وهو صاع ابن أبي ذئب، وهو صاع النبي صلى الله عليه وسلم.

الإسراف في الوضوء

الإسراف في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الإسراف في الوضوء. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا سعيد الجريري عن أبي نعامة: أن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني! سل الله الجنة، وتعوذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء)]. والاعتداء في الدعاء: أن يكون السؤال فيه تعنت، وسؤال ما لا يليق به أن يسأله، والسؤال بإثم أو قطيعة رحم، أو كأن يسأل منازل الأنبياء، هذا من الاعتداء، قال عز وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، وهذا من الاعتداء، وكقوله: اللهم إني أسألك القصر الأبيض إذا دخلت الجنة، هذا أيضاً من الاعتداء؛ ولهذا أنكر عليه عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، وقال: (سل الله الجنة، واستعذ به من النار)، وإذا دخلت الجنة حصلت على كل خير، فمن دخل الجنة فله الكرامة وله النعيم. فلا ينبغي للإنسان أن يعتدي فيقول: أسألك كذا وكذا، أو أسألك منازل الأنبياء، هذا اعتداء وعدوان، أو يدعو بإثم أو قطيعة رحم، هذا من العدوان. وكذلك الاعتداء في الطهور في الإسراف، ومجاوزة الثلاث في غسل الأعضاء، أو الإكثار من صب الماء. قال في تخريجه: صحيح أخرجه ابن ماجة وأحمد وابن حبان في صحيحه. وله شواهده من القرآن الكريم، كقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]. فلا ينبغي للإنسان أن يعتدي، وإنما يسأل الله الجنة، ويستعيذ به من النار، ولا يتجاوز الحد، ولا يدع على غير من ظلمه، ولا يدع بإثم ولا بقطيعة رحم، ولا يسأل شيئاً لا يليق به أن يسأله.

إسباغ الوضوء

إسباغ الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في إسباغ الوضوء. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوماً وأعقابهم تلوح فقال: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء)]. وهذا فيه الوعيد على من لم يسبغ أعضاء الوضوء. وجاء في الرواية الأخرى: (أن الصحابة أرهقتهم الصلاة فتأخروا، فجعلوا يسرعون في الوضوء، فجاء إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ورأى أعقابهم تلوح، فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار) وفي لفظ: (ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار، أسبغوا الوضوء). وإسباغ الوضوء يعني: إكماله وإبلاغه، وإيصال الماء إلى الأعضاء من دون إسراف. وهذا الحديث رواه الشيخان بسند آخر. قال المنذري في هذا الحديث: وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة، واتفق البخاري ومسلم على إخراجه عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو بنحوه. و (ويل) قيل: إنه وادٍ في جهنم، لكن هذا قول ضعيف، والصواب: أنه شدة العذاب والهلاك، وقيل: إنه وادٍ في جهنم بعيد قعره، خبيث طعمه، هذا جاء لكنه لا يثبت. ولا شك أنه لا يجوز المسح على النعلين إلا إذا كان على وضوء، وثبت عن علي رضي الله عنه: أنه مسح على نعليه وقال: هذا وضوء من لم يحدث. فإذا كان على وضوء ولم يحدث يجدد الوضوء ويمسح على النعلين. وهذا الوعيد الذي مر مثل: (ما أسفل من الكعبين ففي النار)، يعني: أنه يعاقب في هذا الموضع، لكن المعلوم أن الإنسان يتألم، كما في الحديث الآخر: (كمثل الجسد الواحد إذا تألم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). فإذا أصيب شيء من جسم الإنسان فإنه يتألم بقية الجسم.

الوضوء في آنية الصفر

الوضوء في آنية الصفر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء في آنية الصفر. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرني صاحب لي عن هشام بن عروة: أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تور من شبه)]. التور: آنية مثل الطست أو أقل من الطست، والشبه: الصفر، سمي (شبه) لأنه يشبه الذهب في البريق واللمعان، والحديث منقطع؛ لأن هشام بن عروة لم يسمع من عائشة، وكذلك فيه رجل مبهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء أن إسحاق بن منصور حدثهم عن حماد بن سلمة عن رجل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه]. وهذا متصل؛ لأن هشام بن عروة رواه عن أبيه، لكن بقي فيه رجل مبهم، قيل: إن هذا الرجل المبهم هو شعبة، وعلى هذا فلا إشكال، والحديث متصل. وهذا يدل على أن جواز الوضوء في إناء النحاس، ومثله الإناء من الزجاج أو من حجر أو من معدن أو من حديد، إلا الذهب والفضة فإنه لا يجوز للمسلم أن يتوضأ بها رجلاً كان أو امرأة، أما المرأة فإنها تتحلى بالذهب والفضة، تتحلى في يديها وفي رجليها وفي أصابعها، وما عدا ذلك فالرجل والمرأة سواء، لا يجوز للرجل والمرأة أن يشربا من آنية الفضة، ولا أن يتوضأ أحدهما بهما، ولا أن يجعلا مكحلاً من ذهب أو فضة، أو نظارة من الذهب أو الفضة، والرجل لا يستعمل الذهب، والمرأة لا بأس أن تستعمل الذهب؛ لأن هذا من باب التحلي. والمقصود: أنه لا بأس بالوضوء من أي إناء سواء كان من النحاس، كما في هذا الحديث، فإنه عليه الصلاة والسلام توضأ في إناء من شبه الصفر، وسمي شبه لأنه يشبه الذهب في اللون، فلا بأس أن يتوضأ الإنسان ويشرب من إناء صفر أو حديد أو معدن أو زجاج أو حجر أو خشب إلا الذهب والفضة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو الوليد وسهل بن حماد قالا: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: (جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في تور من صفر فتوضأ)]. والصفر: النحاس، استدل بهذا على أنه لا بأس بالوضوء من إناء النحاس. قال في تخريجه: أخرجه البخاري وابن ماجة وأحمد.

التسمية على الوضوء

التسمية على الوضوء [باب في التسمية على الوضوء. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن يعقوب بن سلمة هذا فيه كلام، ولم يسمع من أبيه، وكذلك أبوه لم يسمع من أبي هريرة، وكذلك الأحاديث التي في التسمية في الوضوء كلها ضعيفة؛ ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن التسمية مستحبة. وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى وجوب التسمية عند الوضوء، ورأى أن أحاديث التسمية وإن كانت ضعيفة إلا أنها يشد بعضها بعضاً، ويقوي بعضها بعضاً، فتكون من باب الحسن لغيره، وذهب إلى هذا الحافظ ابن كثير رحمه الله أيضاً في كتاب الإرشاد، وفي كتاب التفسير، وكذلك الحافظ ابن حجر وابن الصلاح قالوا: إن الأحاديث يقوي بعضها بعضاً، وقالوا: وإن كان كل فرد منها ضعيفاً إلا أنه يقوي بعضها بعضاً؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن التسمية واجبة مع الذكر، وإذا نسي فلا حرج، لكن مع التذكر يجب عليه أن يسمي. والجمهور على أن التسمية مستحبة؛ لأن الأحاديث فيها ضعيفة، وهذا الحديث ضعيف؛ لأن يعقوب هذا فيه كلام، ولم يسمع من أبيه، وكذلك أبوه لم يسمع من أبي هريرة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن الدراوردي قال: وذكر ربيعة: أن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه): أنه الذي يتوضأ ويغتسل ولا ينوي وضوءاً للصلاة ولا غسلاً للجنابة]. وتأويل ربيعة هذا ضعيف مخالف لظاهر الحديث، فقوله: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) فسره ربيعة بأن الذي لا ينوي الوضوء لا وضوء له، والذي لا ينوي الغسل لا غسل له، وهذا صحيح، لكن ليس هذا معنى الحديث، فتفسير التسمية بالنية من ربيعة هذا تفسير ضعيف مخالف لظاهر الحديث، فالحديث فيه التسمية؛ فإنه قال: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله) أي: لا وضوء لمن لم يسم. أما تأويله التسمية بأنها من النية، وأن المعنى: لا وضوء لمن لم ينو الوضوء، ولا غسل لمن لم ينو الغسل، فليس بظاهر، وكونه إذا اغتسل ونوى التبرد ولم ينو الوضوء لا غسل له، وإذا غسل أعضاءه ولو كان مرتين وهو لم ينو الوضوء لا وضوء له، نعم هذا صحيح، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، لكن تفسير التسمية بالنية في هذا الحديث ليس بظاهر. وربيعة المذكور هنا هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن، المشهور بربيعة الرأي. قال في تخريجه: هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ المعروف بـ ربيعة الرأي، وثقه العجلي وأبو حاتم والنسائي، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت، أحد مفتي المدينة. وقال مصعب بن الزبير: أدرك بعض الصحابة والأكابر من التابعين، وكان صاحب الفتوى في المدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس في المدينة، وكان يحصى في مجلسه أربعون معتماً، قال مطرف: سمعت مالكاً يقول: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يا أهل العراق! تقولون: ربيعة الرأي! والله! ما رأيت أحداً أحفظ للسنة منه. مات سنة مائة وست وثلاثين في المدينة أو في الأنبار. وهو الشيخ الإمام ابن مالك رحمه الله، لكن تأويله هذا ليس بوجيه.

إدخال الرجل يده في الإناء قبل أن يغسلها

إدخال الرجل يده في الإناء قبل أن يغسلها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين بن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)]. وهذا رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه النهي عن غسل اليد في الإناء من القائم من نوم الليل، والنهي للتنزيه عند الجمهور، وعند غيرهم للتحريم؛ لأن هذا هو الأصل، ولا يصرف عن التحريم إلا بدليل، أما الجمهور فإنهم حملوه على التنزيه، وهذا خاص بالقائم من نوم الليل؛ لقوله: (لا يدري أين باتت يده)؛ لأن البيتوتة إنما تكون في الليل. أما من استيقظ من نوم النهار وكذلك غير النائم فلا ينهى عنه، لكن يستحب له أن يغسلها ثلاثاً قبل أن يدخلها في الإناء، كما جاء في حديث عمران وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه غسل يديه ثلاث مرات)، لكن من نوم الليل، فيجب عليه أن يغسلها ثلاثاً على الصحيح، ويحرم أن يدخلها في الإناء قبل غسلها ثلاثاً، وإن كان الجمهور يرون أنه للتنزيه، وأن الأمر للاستحباب. وإذا غمس يده في الإناء فلا ينجس الماء على الصحيح، وقيل: ينجس. والصواب: أنه لا ينجس، ولا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه، فإذا كانت في يده نجاسة وتغير أحد أوصافه ينجس، وإلا فلا ينجس؛ لحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الماء الطهور لا ينجسه شيء). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: بهذا الحديث- قال: (مرتين أو ثلاثاً) ولم يذكر أبا رزين]. يعني: يغسل يده مرتين أو ثلاثاً، والصواب: أنه يغسلها ثلاثاً. قال في تخريجه: رواه أحمد، والبخاري في الوضوء باب الاستجمار وتراً، ومسلم في الطهارة، وابن ماجة والترمذي والنسائي. وكونه يغسلها ثلاثاً ثم يتوضأ هذا يستحب في كل وضوء ثلاثاً، لكن يتأكد عند الاستيقاظ من نوم الليل. فالغسل هذا مستحب، فقبل أن يتوضأ يغسلها ثلاثاً حتى ولو من غير نوم الليل، لكن في نوم الليل الأفضل أن يغسلها ثلاثاً، يعني: الغسل المطلوب، حتى لو لم يكن يريد أن يغسلهما؛ لأنه قد يحتمل أن يكون فيهما أذى، فلو لم يغسلهما وتوضأ وفيهما بعض الأذى فقد يكون فيهما نجاسة، وقد يكون أصابه دم من بعض الحشرات، قال بعضهم عن أهل الحجاز: إنهم يستجمرون والبلاد حارة، وربما أصابت يده دبره، المقصود: أنه يغسلها ثلاثاً حتى ولو لم يرد؛ لتنظيفها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي مريم قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده، أو أين كانت تطوف يده)]. والبيتوتة إنما تكون في الليل. قال في تخريجه: إسناده صحيح.

كتاب الطهارة [8]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [8] لقد أمر الله بالطهارة إذا قام العبد المؤمن إلى الصلاة، ومما يدل على أهمية الطهارة والوضوء للصلاة أن كثيراً من الصحابة رووا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة جمة متواترة، ومما رووه في الوضوء صفته وكيفيته وما يجب ويسن فيه.

صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً فغسلهما، ثم تمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)]. وهذا فيه: بيان كيفية الوضوء، وأن الغسل يكون ثلاثاً، وإذا كان قام من نوم الليل يغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً، سواء كان من الإناء أو من الصنبور أو من غيره، سواء استيقظ من نوم الليل أو لم يستيقظ السنة أن يغسلهما ثلاثاً، وأكمل الوضوء غسل كل عضو ثلاثاً، أولاً: غسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، واليسرى ثلاثاً، ومسح برأسه وغسل رجله اليمنى ثلاثاً، وغسل رجله اليسرى ثلاثاً. هذا أكمل الوضوء، وهو التثليث في كل عضو ما عدا الرأس. ويجوز أن يغسلهما مرتين مرتين: الوجه مرتين، واليد مرتين، وأذنه مرتين، ورجله مرتين. ويجوز أن يغسلهما مرة: الوجه مرة، واليد مرة، والرجل مرة. ويجوز أن يكون مخالفاً، فيغسل بعض الأعضاء ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، كل هذا جاءت به السنة. وفيه: أن المسلم إذا توضأ وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء فإن هذا من أسباب المغفرة، وفي اللفظ الآخر: (إذا توضأ فأسبغ الوضوء، وصلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه على الله، ولا يحدث نفسه بشيء -من الوساوس- غفر الله له ما تقدم من ذنبه)، والمراد: الصغائر إذا اجتنب الكبائر، أما إذا لم يجتنب الكبائر فإنها تبقى عليه الصغائر والكبائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر). وفي لفظ: (ما لم تغش الكبائر)، وفي لفظ: (ما لم تغش كبيرة)، وفي لفظ: (ما لم تصب المقتلة). هذه الركعتان سنة الوضوء، وسنة الوضوء تكون بعد كل وضوء، فإذا صلى مثلاً سنة الضحى دخلت سنة الوضوء فيه، وإذا دخل المسجد وصلى السنة الراتبة أو الظهر أو الفجر دخلت فيها سنة الوضوء. وإذا صلى صارت سنة الوضوء، ولو ما نوى، فإذا توضأ وصلى وإن نواها سنة راتبة أو الضحى أو استفتاح صلاة الليل دخلت سنة الوضوء فيها. كذلك الفريضة إذا جاء ودخل في الفريضة دخلت سنة الوضوء في الفريضة. وهذه الركعتان يستحب صلاتهما حتى ولو كان وقت النهي؛ لأنها سبب، والجمهور يرون أنها لا تفعل صلاة ذوات الأسباب في وقت النهي، ويقولون: إن أحاديث النهي أصح وأكثر، لكن الأرجح أنها تفعل ولو في وقت النهي. وهذه السنة تعد من إقراره صلى الله عليه وسلم ومن قوله، فإنه أقر بلالاً حين قال: (ما توضأت وضوءاً في ليل أو نهارٍ إلا وصليت به ركعتين). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن وردان حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثاً، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه) ولم يذكر أمر الصلاة]. وهذا الحديث ضعيف؛ في سنده عبد الرحمن بن وردان ضعيف، ولا حجة في زيادته: (ومسح الرأس ثلاثاً)، فإن الرأس لا يثلث، ورواية عبد الرحمن هذه ضعيفة مخالفة لرواية الثقات، والحديث السابق ليس فيه مسح الرأس ثلاثاً، وإنما فيه مرة، وكذلك أيضاً أسقط المضمضة والاستنشاق وهو ثابت في الأحاديث. وعبد الرحمن بن وردان هذا ضعيف، ولا سيما إذا خالف الثقات، فلا يعمل بروايته في تثليث مسح الرأس؛ فإن الرأس لا يثلث؛ وإنما يمسح مرة واحدة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن داود الإسكندراني حدثنا زياد بن يونس قال: حدثني سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء فقال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه سئل عن الوضوء؛ فدعا بماء، فأتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى، ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثاً، واستنثر ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، ثم أدخل يده فأخذ ماءً فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ)]. فهذا الحديث أكمل ما ورد في الوضوء، وذلك أن فيه التثليث في جميع الأعضاء ما عدا الرأس؛ لأنه تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، وغسل رجليه ثلاثاً، هذا أكمل ما ورد في الوضوء. وفيه: أن الرأس لم يثلث، وإنما يمسح مرة واحدة. وفيه: أن مسح الأذنين تابع للرأس، ولا يحتاج أن يأخذ لهما ماءً جديداً، بل يأخذ ماءً للرأس، ولا يصب الماء على الرأس وإنما يمسح به مسحاً، ثم يمسح أذنيه بالرطوبة الباقية من يديه، يمسح باطنهما وظاهرهما، باطنهما بالسباحتين وظاهرهما مما يلي الرأس بالإبهامين. وقوله: (فغسل بطونهما وظاهرهما) المراد: المبالغة في المسح، وليس المراد الغسل، وإنما المراد المسح، والغسل يطلق على المسح، والمسح يطلق على الغسل. وفيه أن الرأس لم يثلث، خلافاً لمن استحب من العلماء تثليث المسح، وهو مروي عن الشافعي رحمه الله؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) لكن هذا مجمل بينته الأحاديث الصحيحة الأخرى. وفيه: مشروعية غسل اليدين ثلاثاً قبل الوضوء إلى الكوعين، والكوع: هو العظم المقابل للإبهام، والكرسوع: هو العظم المقابل للخنصر، والرسغ: ما بين الكف والساعد، والساعد: من نهاية الكف إلى المرفق، والمرفق: هو العضد في آخر الساق. فاليدان تغسلان من رءوس الأصابع حتى يتجاوز المرفقين ويشرع في العضد. وغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً هذا مستحب وليس بواجب، إلا إذا استيقظ من نوم الليل؛ فإنه يتأكد، والجمهور على الاستحباب. والقول الثاني: الوجوب، وهو قول قوي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده). والواجب تعميم كل عضو بالغسل مرة واحدة، والمراد بالغسل ما يعمم به الإنسان العضو، فإذا عمم أصل العضو مرة واحدة فهذا يعتبر غسلاً سواء كان بغرفة أو بغرفتين، فيعمم بغرفة وتعتبر مرة، ويجزئ هذا، فإذا تمضمض مرة واستنشق مرة، وغسل وجهه مرة، وغسل يده اليمنى مرة، وغسل يده اليسرى مرة، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل رجله اليمنى مرة، وغسل رجله اليسرى مرة فإن هذا الوضوء يجزئ، وإن غسلهما مرتين مرتين فهذا أفضل، وإن غسلهما ثلاثاً ثلاثاً فهذا هو الأفضل والأكمل، وإن غسلهما مخالفاً: فغسل بعض أعضائه ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة فلا حرج، كل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال في تخريجه: حديث صحيح تفرد به أبو داود. كل الأحاديث في الوضوء ثابتة: حديث حمران عن عثمان، وحديث زيد بن عبد ربه وغيره، كلها صحيحة وثابتة في الصحيحين وفي غيرهما. فمرة واحدة هذا هو الغسل الواجب، وهو يجزئ، والمرة الثانية مستحبة، والثالثة مستحبة، والأكمل ثلاثاً ثلاثاً، ولا يزيد على ثلاث. وكون المسح مرة ثابت في الأحاديث الصحيحة، وستأتي الأحاديث التي تنص على أنه واحدة. [قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً، وقالوا فيها: (ومسح رأسه) ولم يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره]. وهذا كما قال أبو داود رحمه الله: الأحاديث الصحيحة كلها ليس فيها: أن الرأس يثلث، وإنما فيها أن الرأس يمسح مرة، وهذا يدل على ضعف رواية عبد الرحمن بن وردان في الحديث السابق الذي فيه ذكر تثليث المسح، وعبد الرحمن بن وردان تكلموا فيه وقالوا: خالف الحفاظ، وفيه ضعف ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله من تثليث المسح وغيره؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) وهذا مجمل في كل الأعضاء ما عدا الرأس، أما الرأس فلا يثلث، كما في الأحاديث الصحيحة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدثنا عبيد الله -يعني: ابن أبي زياد - عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة: (أن عثمان رضي الله عنه دعا بماء، فتوضأ فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم غسلهما إلى الكوعين، قال: ثم مضمض واستنشق ثلاثاً، وذكر الوضوء ثلاثاً، قال: ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأ

شرح حديث علي في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

شرح حديث علي في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: (أتانا علي رضي الله عنه وقد صلى، فدعا بطهور فقلنا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا، فأتي بإناء فيه ماء وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده الشمال ثلاثاً، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً ورجله اليسرى ثلاثاً، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا)]. وهذا فيه عن عبد خير وهو من أصحاب علي، وفيه النص على أنه مسح رأسه مرة واحدة؛ لأنه قيدها بقوله: (مرة واحدة). وفيه: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، فإنه مضمض واستنشق واستنثر من كف واحدة، وهذا هو الأفضل، فالأفضل أن يأخذ كفاً من ماء، ثم يتمضمض ويستنشق، فبعض الكف يتمضمضه، وبعضه يستنشقه، ويستنثر بيده الأخرى، يفعل هذا ثلاثاً. وإن تمضمض بكف واستنشق بكف فلا بأس، لكن الثابت في الأحاديث في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة. قال في تخريجه: عبد خير بن يزيد الهمداني أبو عمارة الكوفي مخضرم أدرك الجاهلية. قال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة، وقال ابن أبي شيبة عن يحيى جاهلي. وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة. قلت: وقال أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي: سألت أحمد بن حنبل عن الثبت في علي رضي الله عنه فذكر عبد خير فيهم. وقال الخطيب: يقال: اسم عبد خير عبد الرحمن وذكره مسلم في الطبقة الأولى طويلاً، قال عبد الملك بن سلع: قلت لـ عبد خير: كم أتى عليك؟ قال: عشرون ومائة سنة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: (صلى علي رضي الله عنه الغداة، ثم دخل الرحبة فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثاً، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً، ثم ساق قريباً من حديث أبي عوانة -ثم مسح رأسه مقدمه ومؤخره)، ثم ساق الحديث نحوه]. وهذا كما سبق فيه: أنه تمضمض ثلاثاً، وغسل كفيه ثلاثاً، ومسح رأسه مقدمه ومؤخره، ويصح مسحه كيفما فعل، لكن الأفضل جاء في حديث حمران وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه). فيأخذ كفاً للمضمضة والاستنشاق، ثم يأخذ ماءً ويغسل وجهه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت مالك بن عرفطة قال: سمعت عبد خير قال: (رأيت علياً رضي الله عنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثم أتي بكوز من ماء فغسل يده ثلاثاً، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد) وذكر الحديث]. وفيه: أنه لا بأس بالوضوء للتعليم، فيتوضأ للتعليم وينوي الوضوء ورفع الحدث. فإذا توضأ للتعليم ونوى به الوضوء ورفع الحدث فإنه يكون وضوءاً، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر وركع، ثم لما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض، ثم لما قام صعد على المنبر وركع، ولما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض وقال: (إنما فعلت هذا لتعلموا صلاتي) فالصلاة للتعليم أو الوضوء للتعليم ما عليه بأس، وهو عبادة. وقول المؤلف: (مالك بن عرفطة)، بعضهم قال: إنه خالد بن علقمة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا ربيعة الكناني عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش أنه سمع علياً وسئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال: (ومسح رأسه حتى لما يقطر، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسل)]. المنهال بن عمرو بعضهم تكلم فيه، فقد تكلم فيه ابن حزم رحمه الله، لكنه لا بأس به، وفيه زر بن حبيش وهو من أصحاب علي وابن مسعود. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: حديث زر عن علي هذا: فيه المنهال بن عمرو كان ابن حزم يقول: لا يقبل في باقة بقل، ومن روايته حديث البراء الطويل في عذاب القبر، والمنهال قد وثقه يحيى بن معين وغيره، والذي غر ابن حزم شيئان: أحدهما: قول عبد الله بن أحمد عن أبيه، تركه شعبة على عمد. والثاني: أنه سمع من داره صوت طنبور، وقد صرح شعبة بهذه العلة، فقال العقيلي عن وهيب: قال: سمعت شعبة يقول: أتيت المنهال بن عمرو فسمعت عنده صوت طنبور، فرجعت ولم أسأله، قيل: فهلا سألته فعسى كان لا يعلم به؟ والمنهال بكسر الميم وسكون النون ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال العجلي: كوفي ثقة، وتركه شعبة؛ لأنه سمع في منزله صوت طنبور. وشذ شعبة رحمه الله في هذا. تركه هذا يعني: طعن فيه، وهذا يحتاج إلى سؤال، فإن كان عالماً وأقره فهو طعن فيه، وإن كان لم يعلم، أو غلب على أمره فيكون معذوراً في هذا. والمقصود: أن الجرح لا بد أن يكون مفسراً، وأن يكون عن علم بهذا، وإلا فالأصل أنه ثقة. قوله: (حتى لما يقطر) هذه زيادة تشير إلى أن المسح كان مرة واحدة؛ لأنه لو كان ثلاثاً لقطر الماء عن رأسه بعد المسح. قال صاحب عون المعبود: [لما: بفتح اللام وتشديد الميم بمعنى: لم، وهي على ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضياً مثل لم، إلا أنها تفارقه في أمور. وثانيها: أنها تختص بالماضي، فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما. وثالثها: أن تكون حرف استثناء، فتدخل على الجملة الإسمية، وهاهنا للوجه الأول]. والمراد الوجه الأول (حتى لم يقطر)، يعني: أنه مرة واحدة.

بيان صفة الوضوء من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي

بيان صفة الوضوء من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا زياد بن أيوب الطوسي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا فطر عن أبي فروة عن أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه واحدة، ثم قال: هكذا توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. هذا الحديث فيه النص على أن مسح الرأس مرة واحدة.

بيان صفة الوضوء من رواية أبي حية عن علي

بيان صفة الوضوء من رواية أبي حية عن علي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد وأبو توبة قالا: حدثنا أبو الأحوص ح وحدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فذكر وضوءه كله ثلاثاً ثلاثاً، قال: ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: إنما أحببت أن أريكم طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. قوله: (أبو حية). هو أبو حية بن قيس الوادعي الخارفي نسبة إلى خارف، وهي بطن من همدان، نزل الكوفة، واختلف في اسمه، وقال أبو أحمد الحاكم وغيره: لا يعرف اسمه. وقال أبو زرعة: لا يسمى. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو الوليد بن الفرضي: مجهول، وقال ابن المديني، وقال ابن القطان: وثقه بعضهم، وصحح حديثه ابن السكن وغيره. يقول في التقريب: قال: مقبول، والحديث له متابعات وشواهد.

بيان صفة الوضوء من رواية ابن عباس عن علي

بيان صفة الوضوء من رواية ابن عباس عن علي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني قال: حدثنا محمد يعني: ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دخل عليَّ علي رضي الله عنه - يعني: ابن أبي طالب - وقد أهراق الماء، فدعا بوضوء، فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعناه بين يديه، فقال: يا ابن عباس! ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: فأفضى الإناء على يده فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه، ثم تمضمض واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعاً فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفيه اليمني قبضة من ماء فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعاً فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل فغسلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك، قال: قلت: وفي النعلين، قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين قال: وفي النعلين)]. هذا الحديث ضعيف، ضعفه البخاري والشافعي وفيه نكارة من وجهين: الوجه الأول: أنه صب الماء على ناصيته بعد غسل يديه ثلاثاً. الوجه الثاني: أنه غسل رجليه وفيهم النعلان، وهذا فيه إفساد لهما، وقد جاءت النصوص بعدم إضاعة المال، إلا أن يقال: إنهما نعلان لا يضرهما الماء، فلا يؤثر فيهما الماء، لكن المعروف أن النعلين كانتا من جلد؛ فيؤثر عليهما الماء. قوله: (محمد بن إسحاق) صاحب المغازي، وهو ثقة لكنه مدلس رحمه الله. قوله: (ابن ركانة): بضم الراء، محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة القرشي المطلبي، وثقه ابن معين وأبو داود وذكره ابن حبان في الثقات، مات في أول خلافة هشام بن عبد الملك بالمدينة. قال الخطابي: وأما هذا الحديث فقد تكلم الناس فيه. قال أبو عيسى: سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه. وقال: ما أدري ما هذا، وقد يحتمل - إن ثبت الحديث - أن تكون تلك الحفنة من الماء قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه، وإن كان في النعل، ويدل على ذلك قوله: ففتلها بها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: وحديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث علي لأنه قال فيه حجاج بن محمد عن ابن جريج: ومسح برأسه مرة واحدة. وقال ابن وهب فيه عن ابن جريج: ومسح برأسه ثلاثاً]. حديث (غسل قدميه في نعله) ثبت عن علي وقال: هذا وضوء من لم يحدث. قال ابن القيم: [فإن البخاري روى في صحيحه حديث ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي، وقال في آخره: (ثم أخذ غرفة من ماء فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها -يعني: رجله اليسرى- ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ)] وقد حسنه الألباني.

بيان صفة الوضوء من رواية يحيى المازني عن عبد الله بن زيد

بيان صفة الوضوء من رواية يحيى المازني عن عبد الله بن زيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لـ عبد الله بن زيد بن عاصم وهو جد عمرو بن يحيى: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد رضي الله عنه: نعم، فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه]. حديث عبد الله بن زيد ثابت في الصحيحين وغيرهما، وفيه: أنه غسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه مرتين مخالفة.

بيان صفة المضمضة والاستنشاق من رواية المازني عن عبد الله بن زيد

بيان صفة المضمضة والاستنشاق من رواية المازني عن عبد الله بن زيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا خالد عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه بهذا الحديث وقال: فمضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثاً. ثم ذكر نحوه]. فيه المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، وأنه كررها ثلاثاً.

بيان مسح الرأس وغسل القدمين من حديث واسع عن عبد الله بن زيد

بيان مسح الرأس وغسل القدمين من حديث واسع عن عبد الله بن زيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن حبان بن واسع حدثه أن أباه حدثه أنه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه الله عنه يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر وضوءه، قال: (ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما)]. فيه: أنه يأخذ ماءً جديداً للرأس غير ماء اليدين، لكن لا يصب الماء على الرأس وإنما يمسح.

بيان صفة الوضوء من رواية عبد الرحمن الحضرمي عن المقداد

بيان صفة الوضوء من رواية عبد الرحمن الحضرمي عن المقداد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة حدثنا حريز حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي قال: سمعت المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثاً)]. وَضوء بفتح الواو أفصح، ويعني: بالماء، والفعل يقال بضم الواو، فهو أفصح، وإلا يجوز أن يطلق هذا على هذا، وهذا على هذا. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوَء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما)]. هذا الحديث في سنده حريز وهو متهم برأي الخوارج، وهو من رجال البخاري، أما عبد الرحمن الحضرمي فهو ضعيف، قال فيه الحافظ: مقبول، وقد خالف الثقات هنا، فقوله: (ثم تمضمض واستنشق) بعد غسل اليدين منكر؛ لأنه أتى بكلمة (ثم) التي تفيد الترتيب، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة؛ فيكون شاذاً، فلا حجة فيما رواه عبد الرحمن الحضرمي؛ لأنه مقبول، وقد خالف الثقات، والصواب: أن المضمضة والاستنشاق تكون مع غسل الوجه وقبل غسل اليدين، وهو الذي دل عليه حديث عبد الله بن زيد، وحديث حمران، كلها تذكر المضمضة والاستنشاق مع غسل الوجه، وليس فيها أن المضمضة تكون بعد غسل اليدين، وإنما هذا في رواية أبي داود عن الإمام أحمد بن حنبل من شيوخه.

بيان كيفية مسح الرأس من رواية عبد الرحمن الحضرمي عن المقداد بن معد يكرب

بيان كيفية مسح الرأس من رواية عبد الرحمن الحضرمي عن المقداد بن معد يكرب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد ويعقوب بن كعب الأنطاكي لفظه: قالا: حدثنا الوليد بن مسلم عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه، فأمرهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ). قال محمود: قال: أخبرني حريز]. هذا فيه كيفية مسح الرأس، وهي على هذه الكيفية إذا عمم أجزأه، لكن الأفضل ما جاء في الأحاديث الصحيحة في أنه يبدأ من مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وهنا فيه أن وضعه هنا كان على قصة رأسه، ثم أمرها، وهذا لا بأس به، لكن الأفضل أن يبدأ بمقدم رأسه، ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه.

بيان كيفية مسح الأذنين من رواية الحضرمي عن المقداد

بيان كيفية مسح الأذنين من رواية الحضرمي عن المقداد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد وهشام بن خالد المعنى قالا: حدثنا الوليد بهذا الإسناد، قال: (ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما). زاد هشام: (وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه)]. الوليد بن مسلم مدلس، لكنه صرح هنا بالسماع، وفيه: أن مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، باطنهما: بالسبابتين في صماخ الأذنين، وظاهرهما: بإبهامه مما يلي الرأس. وهذا في رواية عبد الرحمن الحضرمي لكنه وافق الأحاديث الصحيحة، ووافق الثقات.

بيان كيفية مسح الرأس من رواية يزيد بن أبي مالك عن معاوية

بيان كيفية مسح الرأس من رواية يزيد بن أبي مالك عن معاوية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء حدثنا أبو الأزهر المغيرة بن فروة ويزيد بن أبي مالك: (أن معاوية رضي الله عنه توضأ للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه، حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه)]. هذا الحديث صحيح أخرجه أحمد من طريق الوليد بن مسلم. وفيه: أنه صب الماء على رأسه، حيث أخذ غرفة بيده اليمنى ثم جعلها وسط رأسه حتى قطر الماء، وهذا فيه نكارة؛ لأنه ورد في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه، وليس فيه أنه أخذ الماء وصبه حتى قطر الماء، ثم مسح رأسه، فالرأس لا يغسل وإنما يمسح، فالمغسولات وهي: الوجه، واليدين، والرجلين، والعضو الرابع يمسح. والوليد بن مسلم مدلس، لكنه صرح بالسماع هنا. المغيرة بن فروة الثقفي أبو الأزهر الدمشقي، ومنهم من قلبه، وهو مشهور بكنيته، مقبول. ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني بالسكون الدمشقي القاضي، صدوق ربما وهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد بهذا الإسناد قال: (فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، وغسل رجليه بغير عدد)]. لكن العدد ثابت في الأحاديث الأخرى.

بيان صفة الوضوء من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ

بيان صفة الوضوء من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا، فحدثتنا أنه قال: اسكبي لي وضوءاً، فذكرت وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت فيه: فغسل كفيه ثلاثاً، ووضأ وجهه ثلاثاً، ومضمض واستنشق مرة، ووضأ يديه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه مرتين، يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما، ووضأ رجليه ثلاثاً ثلاثاً) قال أبو داود: وهذا معنى حديث مسدد]. هذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيئ الحفظ، وفيه نكارة، حيث يقول: مسح برأسه مرتين، فإن كان مقصوده بمرتين أنه بدأ بمقدم رأسه واعتبرها مرة، ثم ردهما المكان الذي بدأ منه مرة فهذا لا يعتبر، وإن كان مقصوده أنه كرر المسح فهذا مخالف للأحاديث الصحيحة، والصواب: أن الرأس لا يمسح إلا مرة واحدة، وليبدأ بمقدم رأسه ثم يردهما إلى المكان الذي رجع منه وتعتبر مرة؛ لأنه حين يرده المرة الأخرى يمسح أطراف الشعر الذي ما أصابه في المسحة الأولى، والمرأة مثل الرجل في هذا، ولا يجب عليها مسح الظفائر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عقيل بهذا الحديث، يغير بعض معاني بشر قال فيه: (وتمضمض واستنثر ثلاثاً)]. يعني: غير معنى حديث بشر بن المفضل. يقول الألباني: الحديث السابق، حديث الربيع أخرجه ابن ماجة في الطهارة، والترمذي وقال: حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً. قال الشيخ شاكر في تعليقه على هذا الحديث: وحديث الربيع صحيح، وإنما اقتصر الترمذي على تحسينه ذهاباً منه إلى أنه يعارض حديث عبد الله بن زيد، ولكنهما عن حادثتين مختلفتين، فلا تعارض بينهما حتى يحتاج إلى ترجيح، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ بمقدم الرأس، وكان يبدأ بمؤخره، وكل جائز.

بيان كيفية مسح الرأس من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ

بيان كيفية مسح الرأس من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد الهمداني قالا: حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها، فمسح الرأس كله من قرن الشعر، كل ناحية لمنصب الشعر، ولا يحرك الشعر عن هيئته)]. هذا الحديث في المسح على أي كيفية، لكن الأفضل أن يبدأ بمقدم رأسه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه كما جاء في الأحاديث، وهذا الحديث فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، أما الليث: فهو الليث بن سعد ثقة إمام معروف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر - يعني: ابن مضر - عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن ربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها أخبرته قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ قالت: فمسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه، وأذنيه، مرة واحدة)]. هذا الحديث ضعيف، في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف في الحفظ وفيه نكارة مسح الصدغين، والصدغان لا يمسحان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن سفيان بن سعيد عن ابن عقيل عن الربيع رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده)]. هذا الحديث ضعيف، ففيه: عبد الله بن محمد بن عقيل قال البخاري: شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، أي: الأحاديث الصحيحة في أنه يمسح رأسه بماء جديد، لا من فضل يده، بل يأخذ ماء ويغسل وجهه، ثم يأخذ ماءً ويغسل يده اليمنى، ثم يأخذ ماءً ويمسح رأسه، وإنما الأذنان يمسحان تبعاً للرأس؛ لأنهما من الرأس. أما الرأس واليدان فعضوان مستقلان، فيأخذ ماءً جديداً لهما. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا وكيع حدثنا الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل إصبعيه في حجري أذنيه)]. قوله: (في حجري أذنيه) يعني: في صماخ الأذنين، المسبحة في الصماخ، والإبهامين يمسح بهما ظاهر أذنيه مما يلي الرأس.

بيان عدد مرات مسح الرأس وكيفيته من رواية طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده

بيان عدد مرات مسح الرأس وكيفيته من رواية طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى ومسدد قالا: حدثنا عبد الوارث عن ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه مرة واحدة؛ حتى بلغ القذال وهو أول القفا). وقال مسدد: مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره، حتى أخرج يديه من تحت أذنيه]. هذا الحديث ضعيف أيضاً؛ لأن في إسناده ليث بن أبي سليم، وكذلك مصرف والد طلحة مجهول، وجده عمرو كذلك، وليس له صحبة، وفيه نكارة، وهو قوله: مسح الرقبة إلى القذال، وقوله: أخرج يديه من تحت أذنيه، فكل هذا فيه نكارة؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: قال مسدد: فحدثت به يحيى فأنكره. وقال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره ويقول: إيش هذا طلحة عن أبيه عن جده؟]. قوله: (إيش) كلمة استفهام كأي شيء هذا، يعني: مختصرة منحوتة من أي شيء، وهي مثل: الحوقلة، والبسملة، والحمدلة. وهي استفهام إنكار، فقوله: (إيش هذا طلحة بن مصرف) يدل على أن هذا فيه نكارة؛ يعني: استنكر ما رواه طلحة بن مصرف من مسح الرقبة. وهذا الحديث فيه أن أبا داود كان شيخه أحمد بن حنبل. وقوله: (زعموا) يعني: قالوا، (فزعم) تطلق على مجرد القول، وتطلق على الادعاء الكاذب، فقوله: إيش طلحة؟ يعني: غير معروف طلحة هذا، ومصرف والده غير معروف، فـ طلحة ضعيف، وما رواه فيه نكارة.

بيان الوضوء ثلاثا من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس

بيان الوضوء ثلاثاً من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. فذكر الحديث كله ثلاثاً ثلاثاً، قال: ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة)]. هذه هي السنة، حيث إن الرأس والأذنين تمسحان مسحة واحدة.

بيان حكم مسح المأقين والأذنين من رواية شهر بن حوشب عن أبي أمامة

بيان حكم مسح المأقين والأذنين من رواية شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد ح وحدثنا مسدد وقتيبة عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه ذكر وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح المأقين قال: وقال: الأذنان من الرأس). قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من أبي أمامة رضي الله عنه - يعني: قصة الأذنين -. قال قتيبة عن سنان أبي ربيعة. قال أبو داود: وابن ربيعة كنيته أبو ربيعة]. لا شك أن الأذنين من الرأس، وسواء كان هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو من كلام أبي أمامة. والمأقين: ما تحت العينين. وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد في مسنده. أما شهر بن حوشب فهذا تكلم فيه وله أوهام، منهم من ضعفه، ومنهم من وثقه، وإذا خالف الثقات فلا عبرة حينئذٍ. وقال صاحب عون المعبود: المأقين تثنية مأق بالفتح وسكون الهمزة، أي: يدلكهما، في القاموس: موق العين: مجرى الدمع منها أو مقدمها أو مؤخرها. قوله: (يمسح المأقين) إن كان مقصوده يمسح تبعاً للرأس فلا يكون إشكال، وإن كان المقصود أن الدلك يكون للوجه والمسح يكون للمأقين، فتخصيص المأقين بالمسح ليس له وجه. وأما قوله: (الأذنان من الرأس)، فهذا حق، وسواء كان هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو قول أبي أمامة فالأذنان من الرأس تابعان له؛ فلا يؤخذ لهما ماء جديد على الصحيح، بل يمسحان بما بقي في اليد. قال الخطابي: وقوله: الأذنان من الرأس، فيه بيان أنهما ليستا من الوجه كما ذهب إليه الزهري، وأنه ليس باطنهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس، كما ذهب إليه الشعبي، وممن ذهب إلى أنهما من الرأس المسيب وعطاء والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير والنخعي وهو قول الثوري وأصحاب الرأي، ومالك وأحمد بن حنبل وقال الشافعي: هما سنة على حيالهما، ليستا من الوجه ولا من الرأس، وتأول أصحابه الحديث على وجهين: أحدهما: أنهما يمسحان مع الرأس تبعاً له. والآخر: أنهما يمسحان كما يمسح الرأس، ولا يغسلان كالوجه، وإضافتهما إلى الرأس إضافة تشبيه وتقريب لا إضافة تحقيق، وإنما هو في معنى دون معنى، كقوله: مولى القوم منهم، أي: في حكم النصرة والموالاة دون حكم النسب واستحقاق الإرث، ولو أوصى رجل لبني هاشم لم يعط مواليهم، ومولى اليهودي لا يؤخذ بالجزية، وفائدة الكلام ومعناه عندهم: إبانة الأذن عن الوجه في حكم الغسل، وقطع الشبهة فيهما، لما بينهما من الشبه في الصورة، وذلك أنهما وجدتا في أصل الخلقة بلا شعر، وجعلتا محلاً لحاسة من الحواس، ومعظم الحواس محل الوجه، فقيل: (الأذنان من الرأس) ليعلم أنهما ليستا من الوجه. والصواب: أنهما من الرأس. والقول بأنهما مستقلتان، أو أن ظاهرهما أي: ما ظهر من الوجه، وما كان من جهة الرأس من الرأس قول ضعيف، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسحهما بعد مسح الرأس؛ مما يدل على أنهما من الرأس باطنهما وظاهرهما. وقال الحافظ: حديث (الأذنان من الرأس) رواه ثمانية أنفس من الصحابة. فالحديث إذا كان ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا إشكال فيه، لكن شهر بن حوشب الذي روى هذا الحديث فيه كلام، وإذا خالف الثقات فلا حجة فيما رواه.

الأسئلة

الأسئلة

مراد البخاري بقوله في التبويب ولا يمسح على النعلين

مراد البخاري بقوله في التبويب ولا يمسح على النعلين Q تبويب البخاري: باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين، كأنه يرد حديث علي هذا فما توجيهكم؟ A هو رد مذهب الرافضة الذين يرون المسح، لكن حديث علي هذا قال: (هذا وضوء من لم يحدث)، بمعنى: أنه إذا كان على ضوء فلا بأس، وأخرج البخاري هذا الحديث بدون: (هذا وضوء من لم يحدث).

كتاب الطهارة [9]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [9] للوضوء أحكام بينتها السنة، فمن ذلك: مشروعية الوضوء مرة مرة، والوضوء مرتين مرتين، والوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ومشروعية المضمضة والاستنشاق والاستنثار، ومشروعية تخليل اللحية، وغير ذلك من الأحكام.

الوضوء ثلاثا ثلاثا

الوضوء ثلاثاً ثلاثاً

شرح حديث عبد الله بن عمرو في صفة وضوء النبي

شرح حديث عبد الله بن عمرو في صفة وضوء النبي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف الطهور؟ فدعا بماء في الإناء فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم، أو ظلم وأساء)]. هذه الترجمة معقودة لبيان الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، والوضوء ثلاثاً ثلاثاً هو أكثر الوضوء وأكمله، بمعنى: أنه يغسل أعضاء الوضوء كل عضو ثلاثاً ثلاثاً، فيتمضمض ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً، ويغسل وجهه ثلاثاً، ويغسل يده اليمنى ثلاثاً، ويغسل يده اليسرى ثلاثاً، ويغسل رجله اليمنى ثلاثاً، ويغسل رجله اليسرى ثلاثاً، وأما الرأس فإنه لا يكرر بل يمسح مرة واحدة، فهذا هو أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه توضأ مرتين مرتين، أي: يغسل كل عضو مرتين، وثبت أنه توضأ مرة مرة، فكل عضو يغسله مرة، وثبت أنه توضأ مخالفاً فيغسل بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً، وهذا كله ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهناك أربع صور في الوضوء: ثلاثاً ثلاثاً، ومرتين مرتين، ومرة مرة، ومخالفة، فلا يزيد على ثلاث. وهذا الحديث فيه قوله: (فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء). وكلمة: (أو نقص) وهم من بعض الرواة، قيل: إنه وهم من أبي عوانة؛ لأن النقص من ثلاثٍ لا بأس به كما سبق، وإنما الممنوع الزيادة، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة: من حديث عبد الله بن زيد، وحديث حمران مولى عثمان وغيرهما. وقال الألباني عن هذا الحديث: حسن صحيح دون قوله: (أو نقص) فإنه شاذ، والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة.

الوضوء مرتين

الوضوء مرتين

شرح حديث أبي هريرة: (أن رسول الله توضأ مرتين مرتين)

شرح حديث أبي هريرة: (أن رسول الله توضأ مرتين مرتين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء مرتين. حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا زيد -يعني: ابن الحباب - قال: حدثنا عبد الرحمن بن ثوبان قال: حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين)]. هذا الحديث ثابت في الصحيحين، أي: أنه غسل كل عضو مرتين مرتين، والمراد بالمرة تعميم العضو بالماء، فإن هذا يعتبر مرة سواء كان بغرفة أو بغرفتين، إذ لا عبرة بالغرفات، وإنما العبرة بتعميم العضو، فإذا عمم وجهه بالماء من شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، فهذه تعتبر مرة واحدة، وكذلك إذا عمم غسل يده من رءوس الأصابع حتى يشرع في العضد، فهذه تعتبر مرة واحدة.

شرح حديث ابن عباس في صفة وضوء رسول الله

شرح حديث ابن عباس في صفة وضوء رسول الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر قال: حدثنا هشام بن سعد قال: حدثنا زيد عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابن عباس رضي الله عنهما: (أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء فاغترف غرفة بيده اليمنى، فتمضمض واستنشق، ثم أخذ أخرى فجمع بها يديه، ثم غسل وجهه، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى، ثم قبض قبضة من الماء، ثم نفض يده، ثم مسح بها رأسه وأذنيه، ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك)]. هذا الحديث فيه بعض الوهم، فقوله: (فأخذ غرفة فرش بها رجله) في رواية البخاري: (فرش بها رجله فغسلها). قوله: (وفيها النعل) يحتمل أنه توضأ وهو على طهارة، فيكون هذا وضوء من لم يحدث، ولهذا رش بها نعليه كما ثبت عن علي رضي الله عنه. وكذلك قوله: (ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل) هذا أيضاً قيل: إنه من أوهام هشام بن سعد؛ لأنه إن وضع يده تحت النعل للوث يده، فالمراد إذاً وضع يد فوق القدم ويد تحت القدم. والمقصود أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثابت في الأحاديث الصحيحة. قال: وأما قوله: (تحت النعل) فشاذ، وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما انفرد به، فكيف إذا خالف؟! وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه حديث ضعيف، ولو صح فهذا مخالف لسائر الروايات. والحافظ يقول: لعله أراد التجوز، ومقصوده تحت النعل، يعني: تحت القدم، لكن هذا فيه بعد.

الوضوء مرة مرة

الوضوء مرة مرة

شرح حديث ابن عباس: (ألا أخبركم بوضوء رسول الله؟)

شرح حديث ابن عباس: (ألا أخبركم بوضوء رسول الله؟) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء مرة مرة. حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأ مرة مرة)]. هذا الحديث ثابت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة)، وهذا أقل الواجب، فأقل الواجب أن يتوضأ الإنسان مرة مرة، بمعنى: أنه يغسل كل عضو مرة يعممها بالماء.

الفرق بين المضمضة والاستنشاق

الفرق بين المضمضة والاستنشاق

شرح حديث فصل رسول الله المضمضة والاستنشاق

شرح حديث فصل رسول الله المضمضة والاستنشاق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق. حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا معتمر قال: سمعت ليثاً يذكر عن طلحة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (دخلت -يعني: على النبي صلى الله عليه وسلم- وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق)]. هذا الحديث ضعيف، في سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف متكلم فيه. وفيه أيضاً مصرف والد طلحة هو مجهول، وما دل عليه الحديث من الفصل بين المضمضة والاستنشاق ضعيف، والمعروف في الأحاديث الصحيحة من حديث عبد الله بن زيد، وحديث حمران عدم الفصل بين المضمضة والاستنشاق، بل كان يأخذ غرفة واحدة من كف واحدة يتمضمض منه ويستنشق، ولا يفصل بينهما.

حكم الاستنثار

حكم الاستنثار

شرح حديث: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر)

شرح حديث: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الاستنثار. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر)]. هذا الحديث لا بأس بسنده، وفيه مشروعية الاستنثار، فقيل: إنه للوجوب؛ لأن الأوامر أصلها للوجوب، ومعنى الاستنثار: هو أن يخرج الماء الذي في أنفه، والاستنشاق: أن يجذب الماء بأنفه، والمضمضة والاستنشاق فيهما خلاف في وجوبهما، فقيل: إنهما واجبتان في الوضوء والغسل. وقيل: واجبتان في الوضوء دون الغسل. وقيل: يجب الاستنشاق ولا تجب المضمضة، والصواب: وجوبهما؛ لهذا الحديث وغيره، والاستنثار واجب أيضاً، فيجب أن يستنشق ويستنثر.

شرح حديث: (استنثروا مرتين بالغتين، أو ثلاثا)

شرح حديث: (استنثروا مرتين بالغتين، أو ثلاثاً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن قارظ عن أبي غطفان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثاً)]. هذا الحديث فيه أبو غطفان وهو ضعيف. وفيه الأمر بالاستنثار مرتين وهذا ليس بواجب، وإنما الواجب مرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، فيكون الأمر بقوله: (استنثروا مرتين بالغتين) من باب التنظيف، لكن الواجب مرة، والحديث أخرجه ابن ماجة. وإني أعجب ممن قال عن هذا الحديث صحيح؛ إذ كيف يكون صحيحاً وفيه الأمر بالاستنثار مرتين، وأن الواجب مرة.

شرح حديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)

شرح حديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: (كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قال: فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع - ولم يقل قتيبة القناع - والقناع: الطبق فيه تمر، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئاً أو أمر لكم بشيء؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله، قال: فبينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال: ما ولدت يا فلان؟ قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم قال: لا تحسِبن - ولم يقل لا تحسَبن - أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة قال: قلت: يا رسول الله! إن لي امرأة وإن في لسانها شيئاً -يعني: البذاء-، قال: فطلقها إذاً، قال: قلت: يا رسول الله! إن لها صحبة ولي منها ولد، قال: فمرها - يقول عظها -، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أميتك. فقلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)]. هذا الحديث رواه أحمد وأهل السنن ولا بأس بسنده، وهو حديث فيه فوائد وأحكام، والشاهد من الحديث قوله: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) إذ فيه دليل على مشروعية الاستنشاق ووجوبه. وفيه: أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق. وفيه دليل على أن الأنف منفذ بخلاف العين والأذن، فإذا قطر الصائم في العين أو الأذن فلا يفطر على الصحيح كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، ولو وجد طعماً في حلقه؛ لأن العين والأذن ليستا منفذين، لكن إذا قضى من باب الاحتياط وخروجاً من الخلاف فحسن، وأما الأنف فإنه منفذ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، فدل على أن الأنف منفذ مثل الفم، فإذا استعط -أي: جعل السعوط في أنفه- ووصل إلى حلقه فإنه يفطر؛ لأن الأنف منفذ. والحديث فيه فوائد أخرى منها: مشروعية إكرام الضيف، وأن الضيف إذا جاء ورب الدار ليس موجوداً فإن من في البيت من زوجة وخادم يقوم بواجب الضيافة؛ ولهذا قدمت عائشة رضي الله عنها لهم واجب الضيافة قبل أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قدمت لهم خزيرة، والخزيرة بالخاء العصيدة فيها قطعة من اللحم، فإن لم يكن فيها لحم سميت حزيرة بالحاء. وفيه: عدم التكلف للضيف؛ حتى لا يكون ذلك سبباً في نفرة الضيف، ولهذا فإنهم قدموا لهم ما تيسر وذبحوا لهم، وقال لهم: لا تحسبن أنا ذبحناها من أجلكم، بل عندما مائة لا نحب أن تزيد، فإذا ولد الراعي واحدة ذبحنا مكانها فلا نتكلف، فإذا لم يتكلف للضيف صار هذا سبباً في مجيء الضيوف، وأما إذا تكلف صار هذا سبباً في بعد الضيوف وعدم مجيئهم؛ خوفاً من التكلف. قوله: (إن لي امرأة بذيئة اللسان، قال: طلقها إذاً، قال: ولي منها ولد، فأمره أن يعظها)، وهنا ينظر في المصلحة، فإن كانت الزوجة بذيئة اللسان وليس له منها ولد ورأى المصلحة في تطليقها طلقها، وإن كان له ولد فإنه ينظر ويتأمل ويعظها ولا يعجل. وقوله: (فلم نصادفه) فيه دليل على جواز قول الإنسان لأخيه: لقيت فلاناً صدفة؛ لأن المقصود صدفة بالنسبة لي ولك، وأما بالنسبة لله عز وجل فلا يقال هذا، فالله تعالى علم الأشياء وكتبها في اللوح المحفوظ، فمن قال -بالنسبة لله-: إنه صدفة فقد كفر وارتد؛ لأنه نسب الله للجهل وأنكر القدر، لكن قوله: لقيت فلاناً صدفة يعني بالنسبة لي أنا وهو، فهي صدفة، يعني: من غير ميعاد، ولهذا قال: فلم نصادفه، وصادفنا عائشة. وقوله: (فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا) فيه عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالضيف، وكرم عائشة رضي الله عنها، ونبل أخلاقها. وقوله: (وأوتينا بقناع قال: -ولم قتيبة القناع- والقناع: الطبق فيه تمر ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم). يعني: قدمت لهم خزيرة وهي عصيدة، وقدمت لهم طبقاً من تمر، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وسأل أيضاً -وهذا من عنايته بالضيف- هل أمر لكم بشيء؟ فقالوا: نعم، يعني: هل أمر لكم بحق الضيافة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل أصبتم شيئاً أو أمر لكم بشيء؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله! قال: فبينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر). تيعر أي: تصيح، وصوت الغنم يقال له: تيعر، والبقر يقال له: خوار، والإبل له: رغاء، كما في حديث الغلول من الغنيمة: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر). وقوله: (فقال: ما ولدت يا فلان؟! قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم قال: لا تحسِبن - ولم يقل لا تحسَبن - أنا من أجلك ذبحناها). قوله: (لا تحسبن) بكسر السين كأنها لغة، قال النووي في شرحه: مراد الراوي أنه صلى الله عليه وسلم نطق هاهنا مكسورة السين ولم ينطق بها بفتحها، فلا يظن الظان أني رويتها بالمعنى على اللغة الأخرى، أو شككت فيها، أو غلطت أو نحو ذلك، بل أنا متيقن بنطقه صلى الله عليه وسلم بالكسر وعدم نطقه بالفتح. وهي بالكسر لغة من اللغات، وقد تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم كما تكلم ببعض لغات أهل اليمن فقال: ليس من أمبر امصيام في امسفر والمعنى: ليس من البر الصيام في السفر. وقوله: (قال: لا تحسبن - ولم يقل: لا تحسبن - أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة، قال: قلت: يا رسول الله! إن لي امرأة وإن في لسانها شيئاً يعني: البذاء، قال: فطلقها إذاً، قال: قلت: يا رسول الله! إن لها صحبة ولي منها ولد، قال: فمرها - يقول: عظها -، إن يكن فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أميتك). قوله: (ظعينتك) يعني: زوجتك، وأصل الظعينة المرأة تكون في الهودج على البعير، وكان يطلق على الهودج اسم ضعينة، ثم اطلق على المرأة. وقوله: (لا تضرب ظعينتك كضربك أميتك) أميتك: تصغير أمة، يعني: لا تضرب الزوجة مثل ضرب الأمة والخادم، فهذه لا تباع وتشترى، فإن الأمة تضرب وتتأدب، وأما الزوجة فلا، لأن الضرب قد يؤذيها، وقد يسيء العشرة، والواجب أن يعمل مع المرأة كما قال الله عز وجل، فأولاً: يعظها إذا خاف النشوز، ثم يهجرها في المضجع، ثم يضربها ضرباً غير مبرح، فآخر الطب الكي، والضرب آخر شيء، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34]، ولكن الضرب يكون ضرب تأديب، فلا يكسر عظماً، ولا يجرح جسداً، بل يكون كضرب الصبي الصغير الذي لم يبلغ، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) أي: ضرب تأديب. وقوله: (فقلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً). فيه: إسباغ الوضوء، وهو إكماله وإبلاغه. وفيه: مشروعية التخليل بين الأصابع؛ لأنه قد ينبو عنه الماء. فإن قيل: يستلزم من إكرام عائشة للضيف في غياب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخلوة معها. قلنا: لا يستلزم ذلك، بل هو محمول على أنه كان أكثر من ضيف، أو أن عند عائشة خدم في البيت فلا تكون الخلوة. والمراد بالأمة والخادمة في الحديث: التي تباع وتشترى، إذ كان هذا هو المعروف عندهم، فالخدم سابقاً كانوا يؤخذون من أرض الجهاد، كان المسلمون يقاتلون الأعداء ويجاهدون ويسترقون، فيصير هناك رق بسبب الجهاد، وأما الخادمة في زمننا فهي مستأجرة وليست خادمة، ويقال لها: خادم، وخادم أفصح من خادمة، يقال للذكر والأنثى، وكذلك الزوج أفصح من الزوجة.

إسناد آخر لحديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)

إسناد آخر لحديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن جريج حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه رضي الله عنه وافد بني المنتفق: (أنه أتى عائشة فذكر معناه، قال: فلم ينشب أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلع أو يتكفأ، وقال: عصيدة مكان خزيرة)]. قوله: (يتقلع أو يتكفأ) يعني: يمشي مشياً قوياً كأنما ينحط من صبب، فلا يمشي مشياً متثاقلاً متماوتاً.

شرح حديث: (إذا توضأت فمضمض)

شرح حديث: (إذا توضأت فمضمض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج بهذا الحديث قال فيه: (إذا توضأت فمضمض)]. قوله: (فمضمض) هذا أمر استدل به على وجوب المضمضة.

تخليل اللحية

تخليل اللحية

شرح حديث: (فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل)

شرح حديث: (فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: تخليل اللحية. حدثنا أبو توبة -يعني: ربيعة بن نافع - حدثنا أبو المليح عن الوليد بن زوران عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل). قال أبو داود: والوليد بن زوران روى عنه حجاج بن حجاح وأبو المليح الرقي]. هذا الباب عقده المصنف رحمه الله لبيان حكم تخليل اللحية، والمراد تخليل اللحية الكثيفة التي تستر البشرة، وأما اللحية الخفيفة التي لا تستر البشرة فيجب إيصال الماء إلى البشرة، وغسل الشعر الخفيف، أما اللحية الكثيفة التي تستر البشرة فهذا هو محل البحث فيها. وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ كفاً من ماء فيخلل لحيته، لكن الحديث فيه الوليد بن زوران، وقد تكلم فيه ابن حزم وقال: إنه مجهول، وكذلك ابن القطان، وأما ابن القيم رحمه الله فيقول: الجهالة مرتفعة عنه؛ لأنه روى عنه من هو معروف، فتزول به الجهالة، وبكل حال فالأحاديث في تخليل اللحية في مجموعها تدل على سنية التخليل. وقد اختلف العلماء في وجوب تخليل اللحية أو سنيتها، وهل يجب تخليلها في الغسل دون الوضوء أم لا؟ والأقرب: أنه سنة مستحبة في الوضوء، وأما في الغسل فإنه يجب إيصال الماء إلى البشرة، ولهذا جاء: (أَنْقِ البشرة)، وجاء في حديث وإن كان فيه ضعف: (تحت كل شعرة جنابة)، فيجب إيصال الماء في الجنابة إلى أصول شعر الرأس وشعر اللحية. قال شمس الدين بن القيم: قال أبو محمد بن حزم: لا يصح حديث أنس هذا؛ لأنه من طريق الوليد بن زوران وهو مجهول، وكذلك أعله ابن القطان بأن الوليد هذا مجهول الحال، وفي هذا التعليل نظر، فإن الوليد هذا روى عنه جعفر بن برقان وحجاج بن منهال وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي وغيرهم. يعني: روى عنه ثلاثة فارتفعت عنه الجهالة. قال ابن القيم: (ولم يعلم فيه جرح، وقد روى محمد بن يحيى الذهلي في كتاب علل حديث الزهري فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار من أصله وكان صدوقاً، حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل أصابعه تحت لحيته، فخللها بأصابعه، ثم قال: هكذا أمرني ربي عز وجل)، وهذا إسناد صحيح. وفي الباب حديث عثمان: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته) رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح). المقصود أن أحاديث التخليل في مجموعها تدل على الاستحباب. وقال الخطابي: وأوجب بعض العلماء تخليل اللحية وقال: إذا تركه عامداً أعاد الصلاة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي ثور، وذهب عامة العلماء إلى أن الأمر به استحباب وليس بإيجاب، ويشبه أن يكون المأمور بتخليله من اللحى على سبيل الوجوب ما رق من الشعر منها فتراءى ما تحتها من البشرة. يعني: الشعر الخفيف الذي لا يستر البشرة يجب إيصال الماء إلى البشرة، أما غيره فالصواب أنه مستحب وليس بواجب في الوضوء.

المسح على العمامة

المسح على العمامة

شرح حديث: (فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين)

شرح حديث: (فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المسح على العمامة. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين)]. المراد بالعصائب: العمائم، والتساخين: الخفاف. أما المسح على الخفين فالأحاديث فيه متواترة، وقد أنكرها الرافضة مع أنها متواترة، والعلماء ذكروا مسح الخفين في كتب العقائد فقالوا: ونرى المسح على الخفين. وأرادوا من ذلك الرد على الرافضة الذين أنكروا هذه السنة مع تواترها. وفي الحديث مشروعية المسح على العمائم والخفين بشرط أن تكون العمامة محنكة، وهي التي يدار منها لفة أو لفتين تحت الحنك؛ لأنه يشق نزعها، ولهذا يقول الحنابلة: له المسح على العمامة إذا كانت محنكة أو ذات ذؤابة، يعني: كلها أطراف من الخلف، وهذا فيه نظر؛ لأن الذؤابة لا يشق نزعها، لكن العمامة المحنكة إذا كانت مدارة على الحنك فهذه يشق نزعها، فيشرع للإنسان إذا لبسها على طهارة أن يمسح عليها يوماً وليلة، فإن ظهر شيء من الرأس مسحه مع العمامة كما جاء في حديث المغيرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته وعلى العمامة). وكذلك خمار المرأة إذا كان مداراً تحت حلقها فلها أن تمسح عليه. قال الترمذي في جامعه: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر وعمر وأنس، وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح على العمامة. قال: وسمعت الجاورد بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه للأثر. تفرد به أبو داود.

شرح حديث: (فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة)

شرح حديث: (فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مسلم عن أبي معقل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة)]. هذا الحديث ضعيف؛ لأن أبا معقل هذا ضعيف، فلا حجة فيما دل عليه من عدم مسح العمامة، ولو صح فهو محمول على أنه لم يمسح على العمامة هنا، وإنما مسح على رأسه، ولكن لا يدل على عدم المسح على العمامة؛ لأن النصوص الأخرى دلت على مشروعية المسح على العمامة. قوله: (قطرية) يعني: نسبة إلى قطر، فبالنسبة يقال: قطري، والعمامة يقال قطرية، وثوب قطري بكسر القاف. وفي إحدى النسخ أنه قال في المتن: (فمسح مقدم رأسه لم ينقض العمامة) وفي البعض الآخر بدون: (مقدم رأسه).

غسل الرجل

غسل الرجل

شرح حديث: (رأيت رسول الله إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره)

شرح حديث: (رأيت رسول الله إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب غسل الرجل. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره)]. هذا الحديث ضعيف أيضاً؛ لأن فيه ابن لهيعة، وابن لهيعة احترقت كتبه فساء حفظه، لكن الحديث له شواهد. وفيه: مشروعية غسل الرجل وتخليل أصابع الرجلين؛ لأنه قد يتطاير عنها الماء فلا يصل إليها، فالحديث ثابت من غير طريق ابن لهيعة.

كتاب الطهارة [10]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [10] من رخص الشرع للعبد المؤمن أن يجوز له المسح على الخفين في السفر ثلاثة أيام بلياليهن، وفي الإقامة يوماً وليلة؛ وذلك لرفع المشقة، وكذلك يجوز له مسح العمامة في الوضوء إذا كانت ممكنة يشق نزعها.

المسح على الخفين

المسح على الخفين

شرح حديث المغيرة في مسح رسول الله على خفيه

شرح حديث المغيرة في مسح رسول الله على خفيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المسح على الخفين. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أنه سمع المغيرة رضي الله عنه يقول: (عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر فعدلت معه، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة فغسل كفيه، ثم غسل وجهه، ثم حسر عن ذراعيه فضاق كُمَّا جبته فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما إلى المرفق، ومسح برأسه، ثم توضأ على خفيه ثم ركب)]. يعني: توضأ وعليه خفان ولم يخلعهما، قال صاحب عون المعبود: أي: مسح على خفيه كما في عامة الروايات. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلم عبد الرحمن، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، ففزع المسلمون فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: قد أصبتم أو قد أحسنتم)]. هذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، والترمذي والنسائي. وفيه: أنه مسح على خفيه، ولم يقل: توضأ على خفيه، وليس فيه أنه سبح الناس. والحديث فيه فوائد كثيرة أهمها: مشروعية المسح على الخفين، وأن المسح على الخفين سنة، وفيه: الرد على الرافضة الذين يمنعون المسح على الخفين، فإن الرافضة لا يرون المسح على الخفين، بل يجب عندهم خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، وإذا كانت الرجلان مكشوفتين فإنه يمسح ظاهر القدمين كما يمسح الرأس، فيبل يده ويمسح القدمين، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن الأحاديث متواترة، والصحابة الذين رووا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وغسله ومسحه أكثر عدداً من الذين نقلوا نص الآية وهي آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6]، فالأحاديث متواترة في ذلك. قال الإمام أحمد: رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعون صحابياً. ومع ذلك أنكرت الرافضة هذه السنة المتواترة، ولهذا يذكرها العلماء في كتب العقائد، فيقولون: ونرى المسح على الخفين، ويقصدون من هذا الرد على الرافضة الذين أصبحت مسألة منع المسح على الخفين عقيدة عندهم، وإلا فإن المسح على الخفين مسألة فرعية تذكر في كتب الفروع، لكن يذكرها العلماء في كتب العقائد من أجل الرد على الرافضة الذين صارت لهم عقيدة، فهم يعتقدون أنه لا يجوز المسح على الخفين، وأنه يجب خلعهما ومسح ظهور القدمين، يعني: يجب مسح ظهور القدمين على كل حال، فإن كانت الرجلان مكشوفتين مسحوا ظهور القدمين، وإن كانت الرجلان فيهما خفان وجب خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، هكذا عند الرافضة، والرافضة فرقة ضالة، نسأل الله السلامة والعافية. والحديث فيه من الفوائد أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ليس رباً ولا إلهاً، فيصيبه ما يصيب البشر، ويأكل ويشرب، ويبول ويتغوط، ولهذا ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته يتبرز، وليس هو نوراً كما يقول بعض الناس، بل هو لحم ودم، مخلوق من ذكر وأنثى، فاسم أبيه عبد الله، واسم أمه آمنة بنت وهب، خلافاً للغلاة الذين غالوا فيه وعبدوه وجعلوه إلهاً، حتى قال بعضهم: إنه خلق من نور! وفيه جواز الإعانة في الوضوء، فلا بأس أن يعينك أحد في الوضوء فيصب عليك وأنت تتوضأ. والإعانة في الوضوء على حالتين: الحالة الأولى: أن يأتي غيرك ويصب عليك الماء، وهذا لا بأس به. الحالة الثانية: أن يأتي غيرك فيغسل الأعضاء، وهذا سائغ في حالة ما إذا كان الإنسان مريضاً، فلا بأس بأن ينوي هو ويأتي إنسان صحيح ويغسل وجهه إلخ، فالنية من المريض، والغسل من الصحيح، فيغسل يده ووجهه ورجليه. وفي الحديث من الفوائد أن الإمام إذا تأخر فإن الناس يقدمون أحدهم يصلي بهم ولا يعطلون الجماعة، ولهذا لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته قدم الصحابة عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم صلاة الفجر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة وقد صلى عبد الرحمن ركعة، فصف هو والمغيرة خلف عبد الرحمن بن عوف ولم ينكر عليهم. وفيه أن الإمام إذا تأخر لا ينبغي أن يشق على الناس أو أن يشدد على الناس بأن يأمرهم بإعادة الصلاة ونحو ذلك، وجاء في قصة أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب يصلح بين بني عوف، فجاء بلال إلى أبي بكر ليصلي بالناس وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حبس، أي: تأخر في بني عوف، فقال: نعم إن شئت. فتقدم، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يشق الصفوف، فتأخر أبو بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قصة عبد الرحمن لم يتقدم؛ لأن أبا بكر لم يصل ركعة، وعبد الرحمن كان قد صلى ركعة، فدل ذلك على أن الإمام بالخيار، فإن شاء تقدم إلى المحراب، وإن شاء صلى مع الناس، لكن الأولى إذا كان الإمام في أول صلاته أن يتقدم، وإن فاته شيء من الصلاة فالأولى ألا يتقدم؛ حتى لا يشوش على الناس، وإن تقدم فلا حرج، وحينئذٍ يصلي بهم، ثم ينتظرونه حتى يأتي بالركعة التي فاتته، ثم يسلم بهم. وفيه -أيضاً- من الفوائد أن الاثنين إذا جاءا فصليا مع الإمام وقد فاتهما شيء من الصلاة فإن كل واحد منهما يقضي لنفسه ولا يقتدي أحدهما بالآخر، ولهذا قام النبي صلى الله عليه وسلم يقضي الركعة التي فاتته هو والمغيرة، ولم يقتد المغيرة بالنبي عليه الصلاة والسلام، وإن اقتدى به فلا حرج، لكن الأولى ألا يقتدي أحدهما بالآخر. وفيه -أيضاً- من الفوائد جواز لبس الضيق من الثياب كالضيقة الكمين، ولهذا لما أراد أن يغسل يديه ضاق عليه كم الجبة، فأخذها من تحتها، فدل على أنه لا بأس بأن يلبس الضيق، وفيه دليل على جواز لبس الثياب التي أتت من الكفار؛ لأن هذه جبة شامية من بلاد الروم، فلا بأس أن يلبس الإنسان الثياب التي جاءت من الكفار، فالأصل فيها الحل والطهارة. وفيه دليل على اشتراط الطهارة في لبس الخفين؛ إذ جاء في اللفظ الآخر أن المغيرة: قال (فأهويت لأنزع الخفين، فقال: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين، ثم مسح عليهما) ففيه دليل على اشتراط الطهارة للمسح على الخفين، وأنه لابد من الطهارة، فإن لبسهما على غير طهارة فلابد من نزعهما.

شرح حديث مسح رسول الله على الخفين والناصية والعمامة

شرح حديث مسح رسول الله على الخفين والناصية والعمامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد -، ح: وحدثنا مسدد حدثنا المعتمر عن التيمي حدثنا بكر عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح ناصيته، وذكر فوق العمامة). قال عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين، وعلى ناصيته، وعلى عمامته)، قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة]. هذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي، وفيه مشروعية المسح على الخفين، ومشروعية المسح على العمامة، وأنه إذا كانت العمامة غير ساترة للرأس فيمسح على الناصية وعلى العمامة، وإن كانت ساترة فيكتفى بالمسح على العمامة، وإن بدا شيء من الرأس مسحه مع العمامة.

شرح حديث (دع الخفين، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان)

شرح حديث (دع الخفين، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن الشعبي قال: سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركبه ومعي إداوة فخرج لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بالإداوة، فأفرغت عليه، فغسل كفيه ووجهه، ثم أراد أن يخرج ذراعيه وعليه جبة من صوف من جباب الروم ضيقة الكمين فضاقت، فادرعهما ادراعاً، ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما، فقال لي: دع الخفين؛ فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان، فمسح عليهما). قال أبي: قال الشعبي: شهد لي عروة عن أبيه، وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم]. هذا الحديث فيه اشتراط الطهارة قبل لبس الخفين للمسح عليهما بعد ذلك، وفيه جواز لبس الصوف أو القطن أو الكتان، وأن جميع أنواع اللباس جائز، إلا الحرير والمغصوب والنجس في وقت الصلاة، وما عدا ذلك فهو حلال اللبس، سواء أكان من الصوف، أم من القطن أم من غيرهما.

إسناد آخر لحديث: (دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان)

إسناد آخر لحديث: (دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة عن الحسن وعن زرارة بن أوفى أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر هذه القصة، قال: (فأتينا الناس وعبد الرحمن بن عوف يصلي بهم الصبح، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن يمضي، قال: فصليت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعة التي سبق بها، ولم يزد عليها شيئاً). قال أبو داود: أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو].

حكم سجدتي السهو لمدرك الفرد من الصلاة

حكم سجدتي السهو لمدرك الفرد من الصلاة قوله: [قال أبو داود: أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر رضي الله عنهم يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو]. أي أن من أدرك وتراً من صلاة إمامه فعليه أن يسجد للسهو؛ لأنه يجلس للتشهد مع الإمام في غير موضع الجلوس، ففيه مخالفة للإمام، وبه قال جماعة من أهل العلم، منهم: عطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق، وهذا قول مرجوح، والصواب أنه لا يسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس خلف عبد الرحمن ولم يسجد، ولا أمر به المغيرة، وأيضاً: ليس السجود إلا للسهو، ولا سهو هاهنا، ثم إن متابعة الإمام واجبة، فلا يسجد لفعلها كسائر الواجبات والله أعلم، وهذا إن صح عن الصحابة فهو اجتهاد منهم رضي الله عنهم.

شرح حديث بلال في مسح النبي صلى الله عليه وسلم على عمامته وموقيه

شرح حديث بلال في مسح النبي صلى الله عليه وسلم على عمامته وموقيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بكر -يعني ابن حفص بن عمر بن سعد - سمع أبا عبد الله عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالاً عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه). قال أبو داود: هو أبو عبد الله مولى بني تميم بن مرة]. الموق هو الخف أو الجورب، وفي الحديث مشروعية المسح على الخفين، وعلى الجوربين، وعلى العمامة.

شرح حديث جرير في المسح على الخفين

شرح حديث جرير في المسح على الخفين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن الحسين الدرهمي حدثنا ابن داود عن بكير بن عامر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير: (أن جريراً رضي الله عنه بال، ثم توضأ فمسح على الخفين، وقال: ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح، قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة، قال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة)]. الحديث دليل على مشروعية المسح على الخفين، وكان العلماء يعجبهم هذا الحديث؛ لما فيه من الرد على من يقول: إن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، ولما قيل لـ جرير بن عبد الله: إن المسح كان قبل نزول المائدة قال: ما أسلمت إلا بعد المائدة. قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث همام بن الحارث النخعي عن جرير، -وهو ابن عبد الله البجلي - رضي الله عنه. وعلي بن الحسين الدرهمي هو علي بن الحسين بن مطر الدرهمي نسبة إلى درهم، وهو البصري، قال الحافظ: قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وقال في موضع آخر: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين. وقال في موضع آخر: لا بأس به، مات سنة مائتين وثلاث وخمسين. وأما بكير بن عامر فقد قال عنه في التقريب: إنه ضعيف، لكن الحديث ثابت في الصحيحين.

شرح حديث مسحه صلى الله عليه وسلم على خفين أسودين

شرح حديث مسحه صلى الله عليه وسلم على خفين أسودين قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد وأحمد بن أبي شعيب الحراني قالا: حدثنا وكيع حدثنا دلهم بن صالح عن حجير بن عبد الله عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما). قال مسدد: عن دلهم بن صالح، قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل البصرة]. قوله: (ساذجين) أي: ليس فيهما نقوش. ودلهم بن صالح قال عنه في التقريب: ضعيف، وحجير قال عنه: مقبول. وعلى كل فالحديث ضعيف، لكن المسح على الخفين ثابت بالأحاديث المتواترة.

شرح حديث المغيرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين)

شرح حديث المغيرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن حي هو الحسن بن صالح عن بكير بن عامر البجلي عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله! أنسيت؟ قال: بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي عز وجل)]. عبد الرحمن بن أبي نعم -بسكون المهملة- البجلي هو أبو الحكم الكوفي، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من عباد الكوفة ممن يصبر على الجوع الدائم. وثقه ابن سعد والنسائي، وقال ابن أبي حيثمة عن ابن معين: ضعيف. وبكير تقدم أنه ضعيف. فالحديث ضعيف، ولكن المسح ثابت بأحاديث متواترة.

التوقيت في المسح

التوقيت في المسح

شرح حديث: (المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام)

شرح حديث: (المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: التوقيت في المسح. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة)]. عقد المؤلف رحمه الله هذا الباب لبيان هذا الحكم، وهو التوقيت في المسح على الخفين، وذكر هذا الحديث، وفيه أن المسح للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوم وليلة، وهذا الحديث ضعيف تكلم فيه ابن حزم في سنده، ورد عليه العلامة ابن القيم رحمه الله وقال: سنده لا بأس به، وكلام ابن حزم في عبد الله الجدلي لا وجه له، ثم إن التوقيت قد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه، وفيه أن المسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليها، والمقيم يوماً وليلة، وعلى هذا أكثر أهل العلم، وذهب الإمام مالك رحمه الله وجماعة إلى أنه لا توقيت في المسح، وأن من لبس الخفين فإنه يمسح متى شاء حتى يخلع خفيه، وهذا قول مرجوح ضعيف، والقائلون به محجوجون بالأحاديث الصحيحة، فالصواب ما عليه جمهور العلماء، وهو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من توقيت المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوماً وليلة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده، قال فيه: ولو استزدناه لزادنا]. هذه رواية ضعيفة، وليست بصحيحة، فالراوي ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لو استزاده الصحابة عن التوقيت لزادهم، وهذا وهم منه لا وجه له، فالأحاديث صريحة في التوقيت.

شرح حديث إجازته صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين فوق ثلاث

شرح حديث إجازته صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين فوق ثلاث قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قطن عن أبي بن عمارة، -قال يحيى بن أيوب: وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين- أنه قال: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال يوماً؟ قال: يوماً، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئت)]. وهذا الحديث ضعيف عند أهل العلم، فرواته مجهولون، فلا حجة فيما دل عليه من عدم التوقيت؛ إذ فيه عدة مجاهيل لا يعرفون كما بين ذلك النقاد. ومحمد بن يزيد متروك، وكذلك أيوب بن قطب تكلم عليه ابن حجر في التهذيب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [رواه ابن أبي مريم المصري عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة رضي الله عنه قال فيه: (حتى بلغ سبعاً، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، ما بدا لك). هذا الحديث جاء مضطرباً سنداً ومتناً، وفي إسناده عبادة بن نسي، وفي متنه روايات، فبعضها إلى ثلاث، وبعضها إلى سبع، فهو مضطرب سنداً ومتناً مع جهالة بعض الرواة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد اختلف في إسناده، وليس هو بالقوي، ورواه ابن أبي مريم، ويحيى بن إسحاق - السيلحيني - عن يحيى بن أيوب، وقد اختلف في إسناده].

المسح على الجوربين

المسح على الجوربين

شرح حديث المغيرة في مسح رسول الله على الجوربين والنعلين

شرح حديث المغيرة في مسح رسول الله على الجوربين والنعلين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: المسح على الجوربين. حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي قيس الأودي -هو عبد الرحمن بن ثروان - عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين). قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين)]. هذا الحديث في المسح على الجوربين، ومن العلماء من تكلم في هذا الحديث وقال: إن الأودي وهزيلاً تفردا بها، وإن كان الأودي من رجال الصحيح لكنه تفرد، والمعروف عن المغيرة أنه روى المسح على الخفين لا على الجوربين، وفي هذه الرواية روى المسح على الجوربين، قالوا: فهذا يدل على أنهما تفردا بهذا الرواية، وإنما هي المسح على الخفين؛ لأن هذا هو المعروف من حديث المغيرة. واختلف في الجوربين ما هما، فقيل: إنهما من جلد، وقيل: من قطن، وقيل: من صوف. ولما ذكر من تفرد الأودي وهزيل ذهب العلماء إلى تضعيف هذا الحديث، وممن ذهب إلى تضعيفه الإمام أحمد رحمه الله، ولكنه قال بالمسح على الجوربين، وقال به أكثر أهل العلم، مستدلين برواية ذلك عن المغيرة بن شعبة، وقالوا: إن الأودي وهزيلاً رويا عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه المسح على الخفين فقد يرويان عنه المسح على الجوربين، ثم إن الجوربين من ناحية المعنى كالخفين، فيدخل كل منهما الرجل فيمنع البرد والحر والأذى، ويدل على جواز المسح عليهما فعل الصحابة رضوان الله عليهم، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى القول بالمسح على الجوربين غير مستدل بهذا الحديث، وإنما اعتمد في ذلك على القياس وفتاوى الصحابة. ومن العلماء من منع المسح على الجوربين، وقال: إن الثابت إنما هو المسح على الخفين دون الجوربين. قال ابن قيم الجوزية: وقال النسائي: ما نعلم أن أحداً تابع هزيلاً على هذه الرواية، فالصحيح عن المغيرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين). وقال البيهقي: قال أبو محمد -يعني يحيى بن منصور -: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الحديث. فالإمام مسلم ضعف هذا الخبر من أجل التفرد، ورأى أنه شاذ، وهزيل والأودي وإن كانا ثقتين إلا أنهما تفردا بهذه الرواية، والقاعدة عند أهل العلم أن الثقة إذا خالف من هو أوثق منه يكون حديثه شاذاً، ومن العلماء من قال: إن هذه الزيادة من الثقة مقبولة وحسن هذا الحديث الإمام الألباني، وعلى كل حال فإنه إذا لم يصح الحديث فالعمدة على القياس وفتاوى الصحابة. قال رحمه الله تعالى: [وروي هذا -أيضاً- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه مسح على الجوربين)، وليس بالمتصل ولا بالقوي]. أي: أن هذه الزيادة عن أبي موسى منقطعة.

ذكر الصحابة المروي عنهم المسح على الجوربين

ذكر الصحابة المروي عنهم المسح على الجوربين [قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث رضي الله عنهم، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم]. أي أن تسعة من الصحابة ثبت عنهم المسح على الجوربين، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى المسح على الجوربين، والعمدة فيه على فتاوى الصحابة، وقياس الجوربين على الخفين؛ لأن المعنى واحد، إذ شرع المسح على الخفين لأن الخف يستر الرجل من الحر والبرد ويقيها الأذى، والجورب كذلك، فالمعنى واحد.

المسح على النعلين

المسح على النعلين

شرح حديث أوس بن أبي أوس أن رسول الله توضأ ومسح على نعليه وقدميه

شرح حديث أوس بن أبي أوس أن رسول الله توضأ ومسح على نعليه وقدميه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: حدثنا مسدد وعباد بن موسى قالا: أخبرنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه، قال عباد بن موسى: قال أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه وقال عباد: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على كظامة قوم -يعني: الميضأة-، ولم يذكر مسدد الميضأة والكظامة، -ثم اتفقا- فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه)]. هذا الحديث ضعيف عند أهل العلم؛ لأن هشيماً مدلس وقد عنعن، ووالد يعلى ضعيف، فلا حجة فيما دل عليه من المسح على القدمين والنعلين، ولو صح فهو محمول على أن المراد بالمسح الغسل الخفيف، أو أن المراد المسح على القدمين اللتين عليهما الجوربان، ليوافق الأحاديث الكثيرة التي دلت على أنه لابد من غسل الرجلين مكشوفتين. أما أن يكون المراد المسح على القدمين مكشوفتين فهذا باطل؛ لأن الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم دلت على أنه غسل رجليه، والصحابة نقلوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم غسلاً ومسحاً، فلم يذكروا مسحه رجليه مكشوفتين، بل ذكروا غسلهما والمسح على الخفين.

كيفية المسح

كيفية المسح

شرح حديث المغيرة في مسح رسول الله على ظهر الخفين

شرح حديث المغيرة في مسح رسول الله على ظهر الخفين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: كيف المسح. حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: ذكره أبي عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين)، وقال غير محمد: مسح على ظهر الخفين]. هذا هو المعروف في الأحاديث، وهو أن يكون المسح على ظهر الخفين. قال الألباني عن هذا الحديث: حسن صحيح.

شرح حديث علي (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه)

شرح حديث علي (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص -يعني ابن غياث - عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه)]. الحديث لا بأس بسنده، وفيه أن علياً رضي الله عنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه)؛ لأن أسفل الخف هو الذي يباشر المشي على الأرض، لكن عند التأمل يجد الإنسان أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم موافق للعقل؛ لأن العقل الصحيح يوافق النقل الصريح؛ لأنه إذا مسح أسفل الخف اتسخت يده واحتاج إلى غسلها.

إسناد آخر لحديث علي: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه)

إسناد آخر لحديث علي: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش بإسناده بهذا الحديث، قال: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه)]. هذا فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمسح على ظاهر خفيه، وهذه هي كيفية المسح الذي بوب له أبو داود بقوله: [باب كيفية المسح]، وهي أن يمسح على الخف من الأصابع إلى أول الساق.

إسناد آخر لحديث علي: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه)

إسناد آخر لحديث علي: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش بهذا الحديث، قال: (لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه). ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده، قال: (كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما). قال وكيع: يعني: الخفين. ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع، ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: (رأيت علياً توضأ فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله) وساق الحديث]. عبد خير المذكور مخضرم، وهو تابعي.

شرح حديث المغيرة (وضأت النبي في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما)

شرح حديث المغيرة (وضأت النبي في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن مروان ومحمود بن خالد الدمشقي -المعنى- قالا: حدثنا الوليد، قال محمود: أخبرنا ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما). قال أبو داود: وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء بن حيوة]. هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه عدة علل: الأولى: تدليس الوليد بن مسلم. الثانية: أن ثور بن يزيد لم يسمع من رجاء. الثالثة: أن الحديث مرسل. الرابعة: أن كاتب المغيرة مجهول. فلا عبرة بما دل عليه هذا الحديث من مسح أسفل الخف وأعلاه؛ لمخالفته الأحاديث الصحيحة.

كتاب الطهارة [11]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [11] من الأحكام والمسائل المتعلقة بالوضوء: حكم نضح الفرج بعد الوضوء، وفضل الدعاء بعد الوضوء، وأن الأصل في وضوئه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ لكل صلاة، وأحياناً يصلي الصلوات بوضوء واحد، وحكم الشك في خروج شيء حال الصلاة.

حكم الانتضاح

حكم الانتضاح

شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بال يتوضأ وينتضح)

شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بال يتوضأ وينتضح) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في الانتضاح. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان -هو الثوري - عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم الثقفي -أو الحكم بن سفيان الثقفي - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بال يتوضأ وينتضح). قال أبو داود: وافق سفيان جماعة على هذا الإسناد، وقال بعضهم: الحكم أو ابن الحكم]. هذه الترجمة معقودة لبيان الانتضاح، والمراد بالانتضاح الاستنجاء، وقيل: المراد به رش ما حول الفرج من الثياب لقطع الوساوس التي ترد على الإنسان؛ حتى لا يشك، فإذا أحس ببلل يعتبره من هذا الماء الذي نضح به فرجه، وهذا الحديث فيه مقال عند أهل العلم، فمن العلماء من صححه، ومنهم من لم يصححه وقال: إن فيه اضطراباً في تسمية الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم، فلا يشرع الانتضاح؛ لأن في صحة الحديث نظراً. ومن صححه احتج به على أنه يشرع لمن كان عنده بعض الخواطر أو الوساوس إذا استنجى أن يرش ما حول الفرج بالماء؛ حتى يقطع الوساوس، وأما من لم يكن عنده وساوس فلا حاجة إلى ذلك. والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد.

شرح حديث نضح رسول الله فرجه بعد بوله

شرح حديث نضح رسول الله فرجه بعد بوله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحق بن إسماعيل حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه)]. هذا الحديث فيه رجل مبهم، فهو ضعيف، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه، أي: الثوب.

شرح حديث: (نضح رسول الله فرجه بعد بوله ووضوئه)

شرح حديث: (نضح رسول الله فرجه بعد بوله ووضوئه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن المهاجر حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن منصور عن مجاهد عن الحكم -أو ابن الحكم - عن أبيه: (أن النبي الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ونضح فرجه)]. في صحة هذا الحديث نظر، والأقرب أنه لا يستحب النضح، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده وساوس، إلا إن قيل: إن هذا من باب التشريع لمن حصل له شيء من ذلك، وعلى كل حال فالمبتلى بالوساوس الذي يخيل إليه أن في ثوبه بللاً إن نضحه بالماء فلا بأس بذلك، وهو من باب قطع الوساوس، وهذا بغض النظر عن صحة الحديث. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الطهارة، وابن ماجة في الطهارة، وأخرج ابن ماجة والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاءني جبريل فقال يا محمد: إذا توضأت فانتضح). وذكر الترمذي أن في الباب عن أبي الحكم بن سفيان وغيره، وقال: وقال بعضهم: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان، واضطربوا في هذا الحديث. وقال بعضهم: إن الحديث حسن. وذكر الشيخ شاكر في شرح الترمذي أن الصحيح هو الحكم بن سفيان، وأنه ليست له صحبة كما في الإصابة، فالحديث منقطع، والحديث عند الترمذي وابن ماجة من حديث الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحديث الهاشمي هذا ضعيف. فكل الأحاديث الدالة على الانتضاح في صحتها نظر.

ما يقول الرجل إذا توضأ

ما يقول الرجل إذا توضأ

شرح حديث عقبة بن عامر في فضل الدعاء عقب الوضوء

شرح حديث عقبة بن عامر في فضل الدعاء عقب الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما يقول الرجل إذا توضأ. حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب سمعت معاوية -يعني ابن صالح - يحدث عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خدام أنفسنا نتناوب الرعاية رعاية إبلنا، فكانت علي رعاية الإبل، فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فسمعته يقول: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا قد أوجب. فقلت: بخ بخ، ما أجود هذه! فقال رجل من بين يدي: التي قبلها -يا عقبة - أجود منها، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قلت: ما هي يا أبا حفص؟ قال: إنه قال آنفاً قبل أن تجيء: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). قال معاوية: وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر]. وهذا الحديث صحيح، وهو في صحيح مسلم بزيادة: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، وفيه أن الصحابة كانوا يخدمون أنفسهم؛ لأنهم لم تفتح عليهم الدنيا. وأما نحن فعندنا اليوم خدام، وقد وجدت الشرور مع الخدم والخادمات، ووجدت بلاءات ومصائب الآن، حتى سمعنا أن كثيراً من الناس يتذمرون، فهناك من يقول: إنه ولد له ولد يشبه الخادم أو يشبه قائد السيارة، وذلك بسبب الاختلاط بهؤلاء الخدم والخادمات، وهناك من يخلو بالخادمة، وقد اتصلت بي امرأة بالهاتف تقول: إنها تدرس في المساء وتترك الخادمة مع زوجها. فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا خدام أنفسهم، كما قال عقبة رضي الله عنه، وكانوا يتناوبون رعاية الإبل، وكان عقبة في يوم هو صاحب النوبة، فجاء فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بهذا الحديث: [(من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه وجهه؛ إلا قد أوجب)] أي: أوجب الله له الجنة. ففي الحديث أن من أسباب دخول الجنة أن يحسن المرء الوضوء، ثم يصلي ركعتين يقبل عليهما بوجهه وقلبه، بباطنه وظاهره، وفي اللفظ الآخر: (لا يحدث بهما نفسه بشيء) أي: أنه يتوضأ، ويصلي الركعتين من دون وساوس، مع كونه مقبل الوجه والقلب، فلا ترد الوساوس عليه، فهو خاشع في باطنه وظاهره. فلما سمع ذلك عقبة رضي الله عنه قال: (بخ بخ) أي: هذا شيء عظيم. وأعجبه أن هذا شيء عظيم في عمل يسير. فقال: (يخ بخ؛ ما أجود هذه!) فقال له رجل: (التي قبلها أجود منها)، فالتفت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء -وفي لفظ: فيبلغ الوضوء- ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وفيه فضل هذا الذكر بعد الوضوء، وأنه يشرع للمسلم هذا الذكر، وأنه من أسباب دخول الجنة، وهو شهادة لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وذلك بعد الوضوء. وزاد الترمذي في سند لا بأس به: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وهذا ثابت، وزاد النسائي: (يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) لكن هذه الرواية ضعيفة في سندها مجهول، وهذا هو ذكر كفارة المجلس، وجاء -أيضاً- رفع البصر إلى السماء كما سيذكره المؤلف، وفي سنده مجهول ضعيف. وعلى كل حال فإنه ليس هناك أذكار ثابتة عن رسول الله في الوضوء إلا التسمية عند البدء في الوضوء، والتشهد في آخره، وما يذكره بعضهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غسل وجهه قال: (اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه، وإذا غسل يده قال: اللهم أعطني كتابي بيميني) كل هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إسناد آخر لحديث عقبة بن عامر في فضل الدعاء عقب الوضوء

إسناد آخر لحديث عقبة بن عامر في فضل الدعاء عقب الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسين بن عيسى حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ عن حيوة بن شريح عن أبي عقيل عن ابن عمه عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يذكر أمر الرعاية، قال عند قوله: (فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء، فقال) وساق الحديث بمعنى حديث معاوية]. هذا الحديث ضعيف فيه مبهم، فلا يصح دليلاً على رفع البصر إلى السماء بعد الانتهاء من الوضوء.

الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد

الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد

شرح حديث: (كان النبي يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد)

شرح حديث: (كان النبي يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا شريك عن عمرو بن عامر البجلي، قال محمد بن عيسى -هو أبو أسد بن عمرو - قال: (سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الوضوء، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد)]. هذا الحديث متفق على صحته، وقد رواه الشيخان، وفيه جواز الصلوات المتعددة بوضوء واحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة طلباً للأفضل، وصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح عليه الصلاة والسلام. فصلاة الرجل الصلوات الخمس بوضوء واحد لا حرج فيها، وعلى هذا عامة العلماء، وحكي عن بعض العلماء أنه يجب الوضوء لكل صلاة وإن لم يكن محدثاً، قال النووي: ولا أظن هذا يثبت عن حد، ولعل مقصودهم استحباب تجديد الوضوء، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات بوضوء واحد، وكان النبي يتوضأ لكل صلاة، وذلك لفضيلة الوضوء، ومسألة تجديد الوضوء روي فيها حديث ضعيف عند أبي داود والبيهقي: (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات) ولكن إن طال الفصل بين الصلوات وتوضأ ليجدد النشاط فذلك حسن.

شرح حديث: (صلى رسول الله يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد)

شرح حديث: (صلى رسول الله يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر رضي الله عنه: إني رأيتك صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه! قال: عمداً صنعته)]. هذا الحديث رواه الإمام مسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الصلوات بوضوء واحد، فلو جمع خمس صلوات أو ست صلوات بوضوء واحد فلا حرج.

تفريق الوضوء

تفريق الوضوء

شرح حديث أنس في أمر رسول الله رجلا ترك في رجله لمعة بإحسان الوضوء

شرح حديث أنس في أمر رسول الله رجلاً ترك في رجله لمعة بإحسان الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: تفريق الوضوء. حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب عن جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن دعامة حدثنا أنس رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى رسول صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك). قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم، ولم يروه إلا ابن وهب وحده، وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، قال: (ارجع فأحسن وضوءك)]. حديث أنس هذا أخرجه ابن ماجة، وقال فيه أبو داود: تفرد به ابن وهب، واعتبر هذا التفرد ضعفاً، لكن حديث عمر الذي بعده رواه مسلم. وقد اختلف العلماء في معنى قوله: (أحسن وضوءك) وذلك: أن هذا الرجل ترك لمعة لم يصبها الماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فأحسن وضوءك)، فقال بعضهم: الحديث دليل على عدم وجوب الموالاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ارجع فأعد الوضوء. بل قال: (ارجع فأحسن وضوءك)، ومراده: اغسل موضع اللمعة فقط. فدل على أن الموالاة بين أعضاء الوضوء ليست واجبة، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وجماعة. وقال آخرون: بل هو دليل على وجوب الموالاة؛ لأنه لم يقل: اذهب فاغسل الموضع الذي تركته، وإنما قال: [(ارجع فأحسن وضوءك)] فدل على أن المراد هو إعادة الوضوء، وهذا هو الأقرب، ويدل على ذلك الحديث الذي بعده، وهو صريح في الأمر بإعادة الوضوء. والحديث دليل على وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء، فلا يفرق بين الأعضاء، كأن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه ثم يتركهما حتى يجفا، ثم يكمل وضوءه، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بأن يحسن الوضوء، وفي الحديث الآخر أنه أمره أن يعيد الوضوء. وللعلماء في وجوب الموالاة أقوال: فمنهم من قال: إن الموالاة تجب. ومنهم من قال: لا تجب، ومنهم من قال: تجب إذا لم يجف العضو الذي قبله، والبخاري رحمه الله بوب لذلك فقال: [باب التفريق في الوضوء والغسل] وذكر أثر ابن عمر أنه غسل يديه بعد أن جفت قدماه، وظاهره أنه لا يرى وجوب الموالاة، والصواب وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء.

شرح حديث أمر النبي تارك قدر اللمعة من قدمه بإعادة الوضوء والصلاة

شرح حديث أمر النبي تارك قدر اللمعة من قدمه بإعادة الوضوء والصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا يونس وحميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى قتادة. حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن بجير -هو ابن سعد - عن خالد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة)]. هذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، قال المنذري: إن الحديث فيه مقال. وهو أن بقية بن الوليد مدلس وقد عنعن، وكذلك أعله ابن حزم بالرواية عن مجهول، إذ فيه: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاب ابن القيم رحمه الله عن العلتين فقال: أما العلة الأولى -وهي تدليس بقية بن الوليد - فقد صرح بالسماع كما عند أحمد، وفي رواية الحاكم في المستدرك، فزال ما يشكل من تدليسه، وأما جهالة الصحابي فإن الصحابة كلهم عدول، وهذا معروف عند جميع العلماء حتى ابن حزم. وبهذا يصح الحديث، ويكون فيه دليل على وجوب الموالاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل أن يعيد الوضوء والصلاة؛ لأنه ترك لمعة في قدمه وقد طال تركها، ولو كانت الموالاة غير واجبة لأمره بأن يغسل اللمعة في رجله دون أن يعيد الوضوء، فكونه أمر بإعادة الوضوء دليل على أن الموالاة واجبة بين أعضاء الوضوء، فإن جف العضو الأول قبل الثاني أعاد الوضوء، إلا إذا كانت الريح شديدة، وهذا القول هو الصواب.

الشك في الحدث

الشك في الحدث

شرح حديث: (شكي إلى النبي الرجل يجد الشيء في الصلاة)

شرح حديث: (شكي إلى النبي الرجل يجد الشيء في الصلاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: إذا شك في الحدث. حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن أحمد بن أبي بن خلف قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه، فقال: لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً). حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)]. هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله فيمن شك في الحدث ماذا يعمل، وذكر الحديث الأول -وقد رواه الشيخان- أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل يجد في بطنه شيئاً، وهذا كناية عن الحدث، فقال: [(لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)] أي: لا يخرج من الصلاة حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، أي: حتى يسمع صوت الحدث، وهو الضراط، أو يجد ريحاً، وهو شم الفساء، والمراد أن يتيقن الحدث، ومثل الأول إذا وجد رطوبة في دبره. وهذا الحديث حديث عظيم، وهو أصل من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الفقه، وهذه القاعدة هي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصلها حتى يتيقن خلاف ذلك، وأن الشك لا عبرة به، فمن شك في الحدث فإنه لا يخرج من صلاته بالشك؛ لأن الطهارة متيقنة والحدث مشكوك، فيبقى على الطهارة حتى يتيقن الحدث، ولهذا قال: [(حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)] أي: حتى يعلم الحدث، وكذلك أيضاً إن تيقن الحدث وشك في الطهارة، فإنه يبقى على الأصل، فيكون محدثاً حتى يتيقن أنه توضأ، وبهذا القول تقطع الوساوس التي ترد على الإنسان، فكثير من الناس يخيل إليه أنه أحدث، ويخيل إليه أنه خرج من ذكره شيء وهو قد تيقن الطهارة، فلا يخرج بهذا الشك حتى يتيقن يقيناً أنه أحدث، وقد عبر عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، أي: أن يسمع صوت الحدث، أو يجد ريح الحدث.

الوضوء من القبلة

الوضوء من القبلة

شرح حديث عائشة في أن النبي قبلها ولم يتوضأ

شرح حديث عائشة في أن النبي قبلها ولم يتوضأ قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من القبلة. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ). قال أبو داود: كذا رواه الفريابي وغيره. قال أبو داود: وهو مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً. قال أبو داود: مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين، وكان يكنى أبا أسماء]. هذا الحديث في بيان حكم القبلة، والقبلة تكون بالفم، فإذا قبل الرجل زوجته فهل ينتقض وضوؤه؟ ومثله إذا مس الرجل المرأة باليد بدون حائل فهل ينتقض الوضوء أو لا ينتقض؟ هذه المسألة خلافية بين أهل العلم، وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ولم يتوضأ، لكن الحديث ضعيف؛ لأنه منقطع؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة، فيكون الحديث مرسلاً، والمرسل عند أهل العلم يطلق على ما سقط منه الصحابي، ويطلق على ما سقط من سنده واحد، فالمنقطع يسمى مرسلاً عند بعض أهل الحديث، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن له شاهداً في الحديث الذي بعده، وأحاديث أخرى كثيرة تجبر هذا الضعف، وتدل على أن مس المرأة بدون حائل وتقبيلها لا ينقض الوضوء، وهذا هو الصواب من أقوال أهل العلم سواء أكان بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء كأن يخرج المذي من ذكره، فإن خرج فقد انتقض وضوؤه وبطل، وأما إذا لم يخرج المذي فلا ينتقض وضوؤه. ومس المرأة فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم: الأول: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً. الثاني: أنه ينقض مطلقاً، وهذا مذهب الشافعية وجماعة، سواء أكان بشهوة أم بغير شهوة. الثالث: أن مس المرأة بشهوة ينقض الوضوء، ومسها بغير شهوة لا ينقض الوضوء، وهذا هو مذهب الحنابلة، ولهذا ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الوضوء الثمانية مس المرأة بشهوة، واستدل بعضهم على هذا القول بقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43] فقالوا: إن المراد بالملامسة هنا الجماع، فالمس واللمس يراد بهما الجماع، وبذلك تكون الآية شاملة للحدثين الأصغر والأكبر، حيث يقول تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6]، فقوله تعالى: ((أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ)) هذا هو الحدث الأصغر، وقوله تعالى: ((أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ)) هذا هو الحدث الأكبر. والصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، والشافعية يشددون في هذا ويقولون: إن مس المرأة مطلقاً ينقض الوضوء، ولهذا يقول بعض المتأخرين: ليحرص الإنسان إذا توضأ وهو في المسجد الحرام ألا تمس يده يد امرأة؛ حتى لا ينتقض وضوؤه؛ لأن الوضوء شرط في صحة الطواف والصلاة. وهذا متعذر في هذا الزمن لشدة الزحام في الأبواب وأثناء الطواف، وهذا فيه حرج على الناس.

شرح حديث عائشة في أن النبي قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ

شرح حديث عائشة في أن النبي قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال عروة: فقلت لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت). قال أبو داود: هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش]. هذا الحديث يشهد للحديث السابق، واختلف في عروة هذا هل هو عروة بن الزبير أو عروة المزني؟ وكذلك اختلف في سماع حبيب من عروة، فذهب الأئمة سعيد القطان ويحيى بن معين والثوري والبخاري إلى أنه لم يسمع من عائشة، فيكون الحديث منقطعاً، وذهب ابن عبد البر وأبو داود إلى أنه سمع منها. وهذا الضعف ينجبر بالروايات الأخرى، فقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، وهي تجبر هذا الضعف، فمرسل مع مرسل يشد بعضهما بعضاً.

شرح حديث عائشة: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) من طريق ثانية

شرح حديث عائشة: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) من طريق ثانية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء حدثنا الأعمش حدثنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث]. هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن مغراء وهو ضعيف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احكِ عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال يحيى: احكِ عني أنهما شبه لا شيء]. يعني: أن هذين الحديثين ضعيفان، وهما حديث الأعمش في: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة ولم يتوضأ)، وحديث المستحاضة الذي فيه: (الوضوء لكل صلاة). وقصده بذلك أنه يضعف هذا الحديث. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني -يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء]. أي: أن الثوري ويحيى بن سعيد القطان وجماعة كلهم يرون أن هذا الحديث ما روى عن عروة بن الزبير وإنما روى عن عروة المزني. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها حديثاً صحيحاً]. أي: أن أبا داود يختار أنه سمع من عروة بن الزبير، ويقول: قد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير حديثاً صحيحاً، فـ أبو داود يثبت رواية حبيب عن عروة بن الزبير، وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين والبخاري يرون أنه ما سمع من عروة بن الزبير، وإنما سمع من عروة المزني. وعلى كل حال فالأئمة كـ الثوري والبخاري وجماعة يرون أن حبيب بن أبي ثابت ما سمع من عروة بن الزبير فيكون السند منقطعاً، لكنه يجبر بالروايات المتعددة، وأبو داود وابن عبد البر يريان أنه سمع فيكون متصلاً.

كتاب الطهارة [12]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [12] من الأحكام الخاصة بالوضوء: حكم الوضوء من مس الذكر، والوضوء من أكل لحوم الإبل، وكذلك لحوم الغنم، وكذلك حكم الوضوء من أكل ما مسته النار.

حكم الوضوء من مس الذكر

حكم الوضوء من مس الذكر

شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)

شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من مس الذكر. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومن مس الذكر، فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ)]. حديث بسرة بنت صفوان هذا فيه الوضوء من مس الذكر، وهو حديث لا بأس بسنده، رواه أصحاب السنن: مالك والشافعي وأحمد والدارقطني وجماعة، قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب. والحديث فيه أن من مس ذكره فليتوضأ، يعني: إن مسه بدون حائل، كأن مسه بيده بباطن الكف أو ظاهره. وهو أصح من حديث طلق بن علي الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الذكر فقال: هو بضعة منك)، وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله وغيره: أن حديث بسرة مقدم على حديث طلق؛ لأنه أصح من حديث طلق، ولأنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق على الأصل، والشريعة ناقلة، فحديث طلق إما أنه منسوخ بحديث بسرة، أو أن حديث بسرة أرجح وأصح، فهو مقدم عليه من جهة الصحة، ومن جهة التأخر أيضاً.

ما جاء في عدم الوضوء من مس الذكر

ما جاء في عدم الوضوء من مس الذكر

شرح حديث طلق بن علي في عدم الوضوء من مس الذكر

شرح حديث طلق بن علي في عدم الوضوء من مس الذكر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الرخصة في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: (قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه)]. يعني: إنه لا ينقض الوضوء، لكن الحديث هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل قديماً في أول الهجرة، إذ أن طلقاً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في أول هجرته وكان بمسجده في السنة الأولى، وأما حديث بسرة فهو متأخر؛ ولهذا قال جمع من أهل العلم: إنه منسوخ بحديث بسرة. وقال آخرون: إن حديث بسرة أصح وأرجح فيقدم، ويؤيد هذا أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق على الأصل، والناقل مقدم على المبقي؛ لأن الشريعة ناقلة وليست مبقية على الأصل، فيكون الأرجح، ويكون العمل على هذا هو الصواب، وهو الذي عليه الفتوى: أن مس الذكر ينقض الوضوء إذا كان بظاهر الكف أو باطنه بدون حائل، وأما إذا مسه برجله أو بمرفقه أو بذراعه فلا يؤثر. فمن العلماء من عمل بحديث بسرة، ومنهم من عمل بحديث طلق وقال: إنه لا ينقض مطلقاً، ومنهم من فصل وقال: إذا مسه بشهوة انتقض وضوؤه، وإذا مسه بغير شهوة لم ينتقض، وذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. فإن قيل: وهل تدخل المرأة في هذا؟ قلنا: الصواب أنه عام، فقد جاء في بعض الروايات: (من مس الذكر) مطلقاً، صغيراً أو كبيراً إذا كان بدون حائل وكان المس بالكف، والكف إلى الرسغ بالباطن أو الظاهر. أما قول من قال بالتفصيل وأن حديث بسرة يحمل على الشهوة فلابد من دليل على هذا التفصيل. واختار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قول شيخ الإسلام ابن تيمية أنه بشهوة، والصواب القول الأول الذي عليه الجماهير وهو أنه ينقض مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة إذا مس اللحم ببطن الكف أو ظاهره. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [رواه هشام بن حسان وسفيان الثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق. حدثنا مسدد حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه بإسناده ومعناه، وقال: (في الصلاة)]. قوله: (في الصلاة) أي: ما ترى رجلاً مس ذكره في الصلاة، والحاصل أن عبد الله بن بدر رواه عن قيس بلفظ: ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ، ولم يذكر فيه لفظ (في الصلاة). وروى مسدد وهشام بن حسان والثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي هؤلاء كلهم عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بلفظ (في الصلاة) أي: يمس الرجل حال كونه في الصلاة. قال الخطابي: (إنهم تأولوا خبر طلق أيضاً على أنه أراد به المس ودونه الحائل، واستدلوا على ذلك برواية الثوري وشعبة وابن عيينة أنه سأله عن مسه في الصلاة، والمصلى لا يمس فرجه من غير حائل بينه وبينه قلت: ولا يخفى بعد هذا التأويل). وقال الشيخ شمس الدين ابن القيم: (نقض الوضوء من مس الذكر فيه حديث بسرة، قال الدارقطني: قد صح سماع عروة من بسرة هذا الحديث، وبسرة هذه من الصحابيات الفضليات، قال مالك: أتدرون من بسرة بنت صفوان؟ هي جدة عبد الملك بن مروان، لأمه فاعرفوها. وقال مصعب الزبيري: هي بنت صفوان بن نوفل من المبايعات، وو ورقة بن نوفل عمها، وقد ظلم من تكلم في بسرة وتعدى، وفي الموطأ في حديثها من رواية ابن بكير: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة)، وفيه حديث أبي هريرة يرفعه: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه شيء فليتوضأ)). يعني: أنه قد جاءت أحاديث كثيرة تؤيد حديث بسرة: وهو أنه إذا أفضى بيده من غيره حائل فليتوضأ. ثم قال ابن القيم بعد ذلك: وفي الباب حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه: (أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ). قال الحازمي: هذا إسناد صحيح؛ لأن الحافظ ابن راهويه رواه في مسنده: حدثنا بقية بن الوليد حدثنا الزبيدي حدثنا عمرو فذكره. وبقية ثقة في نفسه، وإذا روى عن المعروفين فمحتج به، وقد احتج به مسلم ومن بعده من أصحاب الصحيح). وقال: وأما حديث طلق فقد رجِّح حديث بسرة وغيره عليه من وجوه: أحدها: ضعفه -أي: ضعف حديث طلق-. والثاني: أن طلقاً قد اختلف عنه، فروي عنه: (هل هو إلا بضعة منك؟) يعني: اختلاف الحديث هل: بضعة أو مضغة؟ يدل على اضطرابه. الثالث: أن حديث طلق لو صح لكان حديث أبي هريرة ومن معه مقدماً عليه؛ لأن طلقاً قدم المدينة وهم يبنون المسجد فذكر الحديث وفيه قصة مس الذكر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر بعد ذلك بست سنين، وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم. الرابع أن حديث طلق مبق على الأصل، وحديث بسرة ناقل، والناقل مقدم؛ لأن أحكام الشارع ناقلة عما كانوا عليه. الخامس: أن رواة النقل أكثر وأحاديثه أشهر، فإنه من رواية بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وأبي أيوب وزيد بن خالد رضي الله عنهم. السادس: أنه قد ثبت الفرق بين الذكر وسائر الجسد في النظر والحس، فثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه)).

الوضوء من لحوم الإبل

الوضوء من لحوم الإبل

شرح حديث: (سئل رسول الله عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها)

شرح حديث: (سئل رسول الله عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من لحوم الإبل. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضأوا منها. وسئل عن لحوم الغنم، فقال: لا توضئوا منها. وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين. وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها؛ فإنها بركة)]. هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة. وهذا الباب معقود للوضوء من أكل لحوم الإبل، وفيه حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم: (سئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: توضئوا من لحوم الإبل. وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: لا تتوضئوا من لحوم الغنم). وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، وهما حديثان صحيحان كما قال الإمام أحمد رحمه الله. ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله وجماعة من أهل الحديث إلى وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل، وقد ذهب إلى هذا ابن خزيمة رحمه الله، وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث، وذهب الجمهور والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبي حنيفة إلى أنه لا يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل. واستدلوا بحديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار)، ولكن حديث جابر رضي الله عنه هذا عام، وحديث البراء خاص، والقاعدة عند أهل العلم: أن الخاص يقدم على العام. ولهذا عدل الإمام ابن القيم رحمه الله عن الاحتجاج بحديث جابر على عدم وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل، وقال: إن هذا عام وهذا خاص، وكانوا في أول الإسلام يتوضئون من أكل كل شيء مسته النار: إذا شرب مرقاً مسته النار، أو أكل سويقاً أو طعاماً توضأ، ثم نسخ ذلك أو بقي على الاستحباب، وأما لحوم الإبل ففيها دليل خاص، ولأن الوضوء من أكل لحوم الإبل عام يشمل النيئ والمطبوخ والمشوي بخلاف عدم الوضوء مما مسته النار. ولهذا قال النووي رحمه الله: إن القول بالوضوء من أكل لحم الإبل أصح دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه. وقال: ليس عندي إشكال في حديث جابر بن سمرة: (توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضأوا من لحوم الغنم)، وحديث البراء: (أنه لما سئل أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، وقيل: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: لا)، فالوضوء من أكل لحوم الغنم عام يدخل فيه حديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار). واختلف العلماء كما سيأتي في الوضوء مما مست النار هل هو منسوخ أو بقي على الاستحباب؟ والراجح: أنه بقي الاستحباب. ودل حديث جابر أيضاً على النهي عن الصلاة في مبارك الإبل، وأنها لا تصح الصلاة؛ لأن النهي للفساد. والعلة في النهي أنها مأوى للشياطين، وهو المكان الذي تقيم فيه عند المراح، وتقيم فيه المدة الطويلة، وأما المكان العارض الذي يكون فيه البعير ثم يذهب فهذا لا يعتبر مبركاً؛ لأن المبرك: هو المكان الذي يطيل فيه الجلوس، ويكون فيه المراح. وأما مكان الغنم فلا بأس بالصلاة فيه. وفيه دليل على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح الصلاة في مبارك الغم، ولا تخلو مباركها من البعر والبول، لكنها طاهرة في أصح أقوال العلماء، فجميع ما يؤكل لحمه طاهر حتى الفضلات كالأرواث والأبوال. وذهب الشافعية إلى أن أبوال ما يؤكل لحمه نجسة. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن جميع الأبوال طاهرة ما عدا بول الآدمي وعذرته، والصواب: القول الأول، وهو الذي تجرى عليه النصوص، فأما ما يؤكل لحمه فروثه ومنيه طاهر، وأما ما لا يؤكل لحمه كالأسد والنمر والكلب والثعلب وغيرها، ففضلاتها نجسة؛ لأنها ليست طاهرة كالآدمي، أما ما يؤكل لحمه فإنه طاهر حتى فضلاته خلافاً للشافعية الذين يقولون: إن أبوال الإبل والبقر والغنم نجسة، واستدلوا بالأحاديث التي فيها العموم في النهي عن البول ووجوب تنقية البول، لكن يقال: هذه عامة وهذه خاصة، والدليل على طهارة أبوال الإبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين لما اجتووا المدينة أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يقل لهم: اغسلوا أفواهكم فإنها نجسة، ففعلوا وشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا، فلو كانت نجسة لأمرهم أن يغسلوا أفواههم، وهذا ثابت في الصحيحين، وهذا هو الصواب الذي لا إشكال فيه: أن بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه وجميع فضلاته طاهرة، وأما ما لا يؤكل لحمه فهو نجس من الحيوانات ومن الآدمي. ومن الأدلة على طهارتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الصلاة في مبارك الغنم، ومن المعلوم أن مبارك الغنم لابد فيها من الروث والبول، ولم يقل: توقوا أو افرشوا شيئاً حائلاً بينكم وبين الأرض، مما دل على أنها طاهرة. هذا في مبارك الإبل والغنم الباقية على حالها، وأما إذا كانت مبارك الإبل مهجورة حيث نقلت الإبل إلى موقع آخر فالأقرب والله أعلم أنه انتقل حكمها، كما لو نقل المسجد إلى مكان آخر فإن حكم المسجد ينتقل، والعلة كما بين النبي أنها من الشياطين؛ لما فيها من الشيطنة والعتو والتمرد، وقد تأتي إلى الإنسان وهو يصلي وتؤذيه مثلاً، فالبعير إذا اعتاد على مكان فإنه لا يغير مكانه، ولهذا نهي المصلون عن الإيطان كإيطان البعير، كأن يصلي في مكان ولا يغيره. فالمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في مبارك الإبل، والنهي يقتضي الفساد، وهي من إحدى الأماكن التي تمنع الصلاة فيها، وهي: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، ومبارك الإبل. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره الحكمة في الوضوء من لحم الإبل، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه من الشياطين، والشيطان مخلوق من نار، والنار تطفأ بالماء، فلهذا وجب الوضوء من أكل لحم الإبل. وعلى كل حال فهذا استنباطه وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، ونهى عن الصلاة في مبارك الإبل وقال: إنها من الشياطين. أو هي من الشيطنة، وسواء كانت هذه هي الحكمة أو غيرها، فنحن عبيد مأمورون بأن نقول: سمعنا وأطعنا إذا أمر الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بشيء أو نهانا عن شيء.

الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله

الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله

شرح حديث أبي سعيد في سلخ النبي لجلد الشاة ثم ذهابه إلى الصلاة من غير وضوء

شرح حديث أبي سعيد في سلخ النبي لجلد الشاة ثم ذهابه إلى الصلاة من غير وضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله. حدثنا محمد بن العلاء وأيوب بن محمد الرقي وعمرو بن عثمان الحمصي المعنى، قالوا: حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا هلال بن ميمون الجهني عن عطاء بن يزيد الليثي، قال هلال: لا أعلمه إلا عن أبي سعيد، وقال أيوب وعمرو: وأراه عن أبي سعيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنح حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ). زاد عمرو في حديثه -يعني: لم يمس ماء-، وقال: عن هلال بن ميمون الرملي. قال أبو داود رواه عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، لم يذكر أبا سعيد]. هذا الحديث فيه هلال بن ميمون الجهني، قال أبو المغيرة: تكلم فيه بعضهم. وفيه أنه لا يجب الوضوء من مس اللحم النيئ أو المطبوخ، ولا حتى غسل يده، بل يستحب فقط؛ لئلا يكون فيها شيء من الدهونة، وكذلك لو شرب مرقاً أو لبناً فلا يجب الوضوء من ذلك حتى لو كان مرق إبل أو لبنها؛ لأن الوجوب الوارد في الحديث خص الأكل من لحمها لا غيره. واختلف العلماء: هل يجب الوضوء من جميع أجزاء اللحم، أو من اللحم خاصة وهو ما يسمى بالهبر؟ فذهب الحنابلة وجماعة إلى أنه لا يجب الوضوء إلا من اللحم فقط، وأما لو أكل من لحم الرأس أو الكرش أو المصران أو الكبد أو العصب فلا يجب الوضوء. والقول الثاني: أنه يجب الوضوء من جميع أجزاء اللحم، سواء أكان اللحم الأحمر، أو الكرش، أو لحم الرأس، أو المصران أو غيره، وهذا هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى حرم لحم الخنزير بقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} [البقرة:173]، فقال: (ولحم الخنزير) ولم يقل أحد: إنه يجوز أكل غير اللحم في الخنزير، كأكل لحم الرأس أو العصب أو الكبد، بل هو عام في جميع أجزائه، فكذلك الوضوء من أكل لحم الإبل الصواب أنه عام. وأما إذا شرب لبن الإبل أو مرقها وليس فيه لحم فلا يوجب الوضوء، وكذلك أيضاً إذا مس اللحم، أو ذبح الذبيحة، أو قطع اللحم، أو مس اللحم النيئ أو المطبوخ أو غسله، فلا يوجب الوضوء، وإنما يجب الوضوء من الأكل فقط. وفي الحديث أيضاً: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث علم هذا الغلام، وقال له: (تنحّ حتى أعلمك، ثم أدخل يده بين الجلد واللحم). وهلال بن ميمون الجهني أو الهذلي أبو علي الفلسطيني روى عن سعيد بن المسيب ويعلى بن شداد وجماعة، وعنه ثور بن يزيد وأبو معاوية ووكيع، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه. والصحيح أنه مختلف فيه، والأقرب أنه لا بأس بحاله. وما دل عليه الحديث من أنه لا يجب الوضوء من غسل اللحم سواء كان نيئاً أو مطبوخاً أو مسه هو صحيح. وإذا كان في يد شخص دماً فإنه يغسل الدم ولا يجب عليه الوضوء. والدم نوعان: مسفوح، وهذا نجس، والمسفوح هو الذي يخرج حينما تذبح الذبيحة ويسفح منها، وأما الدم الذي يبقى في العروق أو اللحم فهو طاهر؛ لأن الله تعالى قال: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:145]، والدم المسفوح يكون عند الذبح. الغنم يعني: لما فيها من السكينة والدعة، بخلاف الإبل فإن فيها قوة وقسوة، ولهذا تؤثر الغنم على الرعاة، وتؤثر الإبل على الرعاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والدعة في أصحاب الغنم)، وأنت تجد الذين يرعون الإبل فيهم الخيلاء والفخر، بخلاف أهل الغنم فإن فيهم الدعة والسكينة والهدوء؛ لأن ملابسة الشيء تؤثر في ملابسها، وهؤلاء لابسوا الإبل فأثرت فيهم؛ لأن الإبل فيها قوة وشيطنة، فأثرت عليهم بالفخر والخيلاء، والغنم فيها دعة وسكينة فأثرت على أصحابها بالتواضع والهدوء.

ترك الوضوء من مس الميتة

ترك الوضوء من مس الميتة

شرح حديث تناول رسول الله الجدي الأسك الميت

شرح حديث تناول رسول الله الجدي الأسك الميت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ترك الوضوء من مس الميتة. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بإذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟) وساق الحديث]. هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وتمامه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدي) والجدي: هو ولد المعز الصغير، إذ يقال له جدي ذكر إذا مضى عليه أربعة أشهر أو قريباً منها، وأما إذا كانت أنثى فتسمى سخلة أو عناقاً. قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بجدي أسك) يعني: صغير الأذن، أو مقطوع الأذن، (ميت فأخذ بأذنه فقال للصحابة: أيكم يحب أن يكون له هذا بدرهم؟ فقالوا: يا رسول الله! ما نحب أنه لنا بشيء، وماذا نصنع به؟! فقال: أتحبون أن يكون لكم هذا؟ قالوا: والله! لا نريده، إنه لو كان حياً لكان معيباً)، أي: لو كان حياً لكان به عيب وهو أنه صغير الأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (للدنيا أهون عند الله من هذا عليكم)، مما يدل على أن الدنيا لا تساوي عند الله شيئاً. وفي حديث آخر: (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)، فالدنيا لا تساوي شيئاً عند الله، ولهذا يأكل منها البر والفاجر، وفيها اختلاط وامتزاج الأبرار بالفجار، والأخيار بالأشرار، والمؤمنون بالكفار، بخلاف الآخرة ففيها يحصل التميز والانفصال، فيتميز المؤمنون من الكفار، والأشرار من الأخيار، وأما هذه الدنيا فهي دار اختبار، ودار امتزاج واختلاط الخبيث بالطيب، والمؤمن بالكافر؛ فلهذا ليس لها عند الله قيمة، وهي هينة على الله، فهي أهون على الله من هوان هذا التيس الميت مقطوع الأذن على الناس. والحديث فيه دليل على أن مس النجاسة اليابسة لا يؤثر على الإنسان، ولا يوجب غسل اليد ولا الوضوء. والنجاسة نوعان: غضة ويابسة، فإذا كانت يابسة فلا يؤثر مسها على اليد، ولا يوجب الوضوء ولا غسل اليد، أما إذا كانت رطبة فلابد من غسل اليد، ولا يوجب فيها الوضوء كما يظن بعض الناس؛ لأنك لم تفعل ناقضاً من نواقض الوضوء، ومثله ما لو مس إنسان بيده يد كلب يابس فليس عليه شيء، أما إن كانت يده رطبة أو الكلب رطب فعليه أن يغسل يده.

ترك الوضوء مما مست النار

ترك الوضوء مما مست النار

شرح حديث ابن عباس في أكل رسول الله كتف شاة وصلاته بدون وضوء بعده

شرح حديث ابن عباس في أكل رسول الله كتف شاة وصلاته بدون وضوء بعده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: في ترك الوضوء مما مست النار. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله. وفيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحوم الغنم، وإنما يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل. وفيه ترك الوضوء مما مست النار، وكانوا في أول الإسلام يتوضئون من أكل أي شيء مسته النار، سواء كان لحماً، أو طعاماً، أو شرب سويقاً، ثم نسخ ذلك، ولهذا فلما أكل النبي كتف شاة صلى ولم يتوضأ، وفي الحديث الآخر: (أنه عليه الصلاة والسلام دعي إلى الصلاة وهو يجتز من لحم شاة بالسكين، فقام وترك السكين على اللحم ولم يتوضأ)، وجاء في الحديث الآخر ما يدل على الاستحباب، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا يدل على الجواز، لكن إذا توضأ فهو أفضل وإن لم يتوضأ فلا حرج.

شرح حديث المغيرة في ترك الوضوء مما مست النار

شرح حديث المغيرة في ترك الوضوء مما مست النار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان الأنباري المعنى، قالا: حدثنا وكيع عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن المغيرة بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ماله تربت يداه؟! وقام يصلي). زاد الأنباري: (وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك) أو قال: (أقصه لك على سواك)]. هذا الحديث فيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحم الغنم سواء كان مطبوخاً أو مشوياً، وإنما يجب الوضوء في أكل لحوم الإبل خاصة. وفيه: جواز القطع بالسكين خلافاً لمن كره ذلك. وفيه: أن بلال آذنه بالصلاة فقام وترك الأكل، فاحتج به بعض العلماء على أن الإمام مستثنى من الحديث الآخر: (إذا حضرت الصلاة وقدم العشاء فابدءوا بالعشاء)، قالوا: فالحديث هذا عام، وحديث الباب خاص، فيدل على أن الإمام مستثنى وعليه أن يقوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وترك الطعام، وكأنه كان محتاجاً إليه؛ ولهذا قال: (ماله تربت يداه؟!) أي: ما له استعجل؟ فهذا خاص بالإمام، وأما غير الإمام فإذا قدم العشاء فيبدأ بالعشاء كما في الحديث الآخر: (إذا حضرت الصلاة وقدم العشاء فابدءوا بالعشاء). وجمع الخطابي رحمه الله بينهما فقال: إن هذا الحديث فيه دليل على أن الإنسان إذا قدم له الطعام وكان متماسكاً ولا تزعجه الحاجة إلى الأكل، ولا يؤثر عليه في الإتيان بالصلاة بحقوقها ومكملاتها فإنه لا بأس، وأما إذا كان صائماً واشتد عليه الجوع فإنه يقدم العشاء. وقول الخطابي له وجاهة، يعني: إذا كانت نفسه تتوق إلى الطعام وتتعلق به ويحصل له تشوش، فعليه أن يأخذ نهمته ثم يذهب إلى الصلاة، حتى ولو فاتته الجماعة، يقول: فهذا عذر من الأعذار في ترك الجماعة، فهذا إذا قدم له العشاء، لكن لا ينبغي له إذا سمع الأذان أن يطلب تقديم العشاء؛ لأن هذا تعمد لترك الصلاة، وذلك لا يجوز. وفي الحديث أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قص شاربه على السواك، حيث طال شعر شاربه فوضع السواك ثم قصه عليه، ووضع السواك حتى لا يصيب المقص شيئاً من الجلد، فجعل السواك وقاية، ثم قص ما زاد فوق السواك من الشعر. وفيه: مشروعية قص الشارب. وفيه: المبادرة إلى ذلك. وفيه: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن النبي قص شاربه ولم يوكل ذلك إلى أحد من أصحابه. وجاء عند مسلم من حديث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت في قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار ونتف الإبط ألا يترك ذلك فوق أربعين ليلة)، أما المغيرة فطال شاربه؛ لأنه انشغل عنه بالجهاد وأعماله الأخرى، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قصه ولم تلهه المبادرة في وضع السواك عليه؛ حتى يكون وقاية له، فاجتمع فيه الأمران: كونه يأمن أن يصيب القص شيئاً من الجلد، وأن يقص ما زاد وما طال فوق السواك. وأما طريقة ذلك فهي أن يضع السواك على الشفه، والشعر فوق السواك، ثم يقص ما كان فوق السواك، وأبقى بقية وهو ما تحت السواك. وينكر على الشخص إذا أطال شاربه فوق أربعين ليلة؛ للوعيد في ذلك، حيث جاء في الحديث قوله: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا)، وقوله: (احفوا الشوارب، وأرخوا اللحى؛ خالفوا المشركين). قوله: (وكان شاربي) ظاهره يعود إلى المغيرة راوي الحديث، وأما بلال فمجيئه عارض. لكن قد جاء الحديث من رواية الترمذي في الشمائل بلفظ: (وكان شاربه) أي: كان شارب بلال قد طال، وهذا هو ظاهر هذه الرواية، فينظر كيف يأتي الجمع بين الروايتين، وأيهما أصح: شاربه أو شاربي؟ وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بادر بامتثال الأمر وقام إلى الصلاة. والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد والنسائي في الكبرى.

شرح حديث ابن عباس في صلاة رسول الله بعد أكله من كتف دون وضوء

شرح حديث ابن عباس في صلاة رسول الله بعد أكله من كتف دون وضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كان تحته، ثم قام فصلى)]. هذا فيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحم الغنم. وفيه: جواز مسح اليد بعد الطعام، وأنه لا يجب الغسل وإنما يستحب، فإذا مسح بالمنديل كفى، وإن غسلها فهو أكمل وأفضل. والحديث أصله في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ثم قام فصلى ولم يتوضأ). وقوله في حديث المغيرة السابق: (تربت يداه) يعني: لصقت يداه بالتراب من شدة الفقر، وهذا هو الأصل، لكن هذه من الكلمات التي تجري على اللسان ولا يراد بها معناها، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فهو من باب الحث على الشيء أو تأكيد الشيء، وليس المقصود الدعاء عليه. ومثل ذلك ما جاء في الحديث: (عقرى حلقى، أحابستنا هي؟) وذلك لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل من حجة الوداع، فقالوا: إن صفية حاضت، قال: (عقرى حلقى أحابستنا هي؟! قالوا: إنها أفاضت، قال: أيسروا إذن). فقوله: (عقرى) أصلها دعاء بالعقر، و (حلقى) بالحلق، ولكن ليس هذا المراد بها هنا، وإنما هذه كلمات أصبحت تجري على اللسان من غير قصد، فهي على عادة العرب.

شرح حديث ابن عباس: (أن رسول الله انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)

شرح حديث ابن عباس: (أن رسول الله انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر النمري، حدثنا همام عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)]. وهذا كما سبق في الصحيحين، ويدل على عدم الوضوء من لحم الغنم.

شرح حديث جابر في صلاة رسول الله بعد أكله الخبز واللحم

شرح حديث جابر في صلاة رسول الله بعد أكله الخبز واللحم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي حدثنا حجاج قال ابن جريج: أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً، فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)]. الحديث فيه أنه توضأ لصلاة الظهر ولم يتوضأ لصلاة العصر وقد أكل طعاماً، فدل على التوسعة في أن الإنسان مخير إذا أكل طعاماً أو شيئاً مسته النار أو لحم غنم فهو مخير بين الوضوء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر، وبين عدم الوضوء. ويدل عليه حديث: (لما سئل أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت. قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم).

شرح حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما غيرت النار)

شرح حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما غيرت النار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)]. هذا الحديث هو الذي احتج به الجمهور على أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، لكنه حديث عام، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا اختصار من الحديث الأول.

شرح حديث عبد الله بن الحارث في صلاة رسول الله بعد مضغه بضعة لحم

شرح حديث عبد الله بن الحارث في صلاة رسول الله بعد مضغه بضعة لحم قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة قال ابن السرح: ابن أبي كريمة من خيار المسلمين. قال: حدثني عبيد بن ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يحدث في مسجد مصر قال: (لقد رأيتني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رجل، فمر بلال رضي الله عنه فناداه بالصلاة فخرجنا، فمررنا برجل وبرمته على النار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطابت برمتك؟ قال نعم بأبي أنت وأمي! فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة، وأنا أنظر إليه)]. هذا الحديث قال فيه الألباني: حديث ضعيف. أما أحمد بن عمرو بن السرح فهو ثقة. وعبد الملك بن أبي كريمة صدوق صالح. قال ابن السرح: ابن أبي كريمة من خيار المسلمين. وعبيد بن ثمامة مقبول، أي: إذا توبع وإلا فضعيف. ويقال: عتبة، وبه جزم ابن يونس، ورجح هذا صاحب بذل المجهود. وهذا الحديث له شاهد عند ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، فيرتقي من درجة الضعيف إلى درجة الحسن لغيره. وقوله: (بأبي أنت وأمي) يعني: أفديك بأبي وأمي. وفي الحديث دليل على أن من أكل من لحم غير الإبل فلا يجب عليه الوضوء، والحديث وإن كان فيه ضعف لكن له شاهد يرتقي به إلى درجة الحسن، وكونه صلى الله عليه وسلم تناول من البضعة جبراً للخاطر ففيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا بأس للإنسان إذا أكل لحماً أو طعاماً أن يصلي ولو لم يتمضمض، ولم يغسل يده، لكن كونه يغسل يده ويتمضمض حتى يزول ما في فمه من فضلات الطعام فهو أفضل، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو لبيان الجواز.

ما جاء في التشديد في الوضوء مما مست النار

ما جاء في التشديد في الوضوء مما مست النار

شرح حديث: (الوضوء مما أنضجت النار)

شرح حديث: (الوضوء مما أنضجت النار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: التشديد في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني أبو بكر بن حفص عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوضوء مما أنضجت النار). حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن يحيى -يعني ابن أبي كثير - عن أبي سلمة أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه: (أنه دخل على أم حبيبة رضي الله عنها فسقته قدحاً من سويق، فدعا بماء فمضمض، قالت: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا مما غيرت النار، أو قال: مما مست النار). قال أبو داود: في حديث الزهري: يا ابن أخي!]. هذا الأثر محمول على أن أم حبيبة رضي الله عنها لم تبلغها رخصة عدم الوضوء، وهو حديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار)، ويظهر أنها أمرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم]. أما حديث أبي هريرة فهذا كان أولاً، ثم نسخ. وحديث أبي هريرة هذا أخرجه أحمد ومسلم في كتاب الحيض من طريق إبراهيم بن قارظ عن أبي هريرة بلفظ: (توضئوا مما مست النار)، والنسائي وقد أخرجه النسائي وأحمد جميعاً عن أبي سفيان. وقد أجاب بعض العلماء على حديث أم حبيبة بجوابين: الأول: أنه منسوخ بحديث جابر. الثاني: أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين. قال النووي: ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول، ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء من أكل ما مسته النار. واعترض الشوكاني على الجواب الأول: بأن الجواب الأول إنما يتم بعد تسليم أن فعله صلى الله عليه وسلم يعارض القول الخاص وينسخه، والمتقرر في الأصول خلافه. وقال النووي عن حديث أم حبيبة: (هذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم يبلغها النهي). والظاهر من كلام أم حبيبة أنها أوجبت، إذ قالت: (ألا تتوضأ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالوضوء مما غيرت النار)، والأمر للوجوب. أما قول أبي داود في حديث الزهري: يا ابن أخي، فهو وهم؛ لأن أم حبيبة خالة أبو سفيان، ويمكن أن يكون محمولاً على المجاز.

كتاب الطهارة [13]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [13] تستحب المضمضة من شرب اللبن؛ لأن له دسماً، ولا بأس بترك ذلك. واختلف الفقهاء في النوم هو ناقض للوضوء أو لا، وفي خروج الدم كذلك، وخروج المذي ناقض للوضوء بالإجماع.

الوضوء من شرب اللبن

الوضوء من شرب اللبن

شرح حديث: (توضئوا مما غيرت النار)

شرح حديث: (توضئوا مما غيرت النار) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من اللبن. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض، ثم قال: إن له دسماً)]. هذا الحديث رواه الشيخان والترمذي والنسائي، وفيه دليل على استحباب المضمضة من شرب اللبن. ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة فقال: (إن له دسماً)، فيستحب للمسلم إذا شرب لبناً أن يتمضمض إن أراد الصلاة؛ حتى يذهب الدسم وتزول البقايا التي في الفم.

الرخصة في ترك الوضوء والمضمضة من شرب اللبن

الرخصة في ترك الوضوء والمضمضة من شرب اللبن

شرح حديث شرب رسول الله اللبن وصلاته بعده بغير وضوء ولا مضمضة

شرح حديث شرب رسول الله اللبن وصلاته بعده بغير وضوء ولا مضمضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الرخصة في ذلك. حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن مطيع بن راشد عن توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فلم يمضمض ولم يتوضأ، وصلى). قال زيد: دلني شعبة على هذا الشيخ]. شعبة دله عليه؛ لأنه ثقة عنده. وهذا فيه دليل على جواز ترك المضمضة من شرب اللبن، وأنه ليس بأمر حتم ولا بواجب، وإنما هو مستحب، فإن تمضمض فحسن، وإن ترك فلا حرج، ولا يعتبر هذا الحديث ناسخ للحديث السابق كما زعمه بعضهم، بل فعله عليه الصلاة والسلام يحمل على الاستحباب، وتركه يحمل على الجواز أحياناً.

الوضوء من الدم

الوضوء من الدم

شرح حديث جابر في قصة رمي الذي كان يحرسهم في صلاتهد

شرح حديث جابر في قصة رمي الذي كان يحرسهم في صلاتهد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من الدم. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني في غزوة ذات الرقاع- فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين، فحلف ألا أنتهي حتى أهريق دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال: كونا بفم الشعب، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى، قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها!)]. الحديث من رواية صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر، وعقيل بن جابر مجهول، ولم يرو عنه إلا صدقة بن يسار، ورواه محمد بن إسحاق في المغازي، ورواه أيضاً أحمد والدارقطني، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وليس في هذا الحديث دلالة على الوضوء من الدم على فرض صحته، وإنما فيه الاستمرار في الصلاة، والإنسان إذا خرج منه دم أثناء صلاته وكان مستمراً فإنه يستمر في صلاته، ويكون حكمه حكم المستحاضة التي لا ينقطع عنها دمها؛ لأنه لو قطع الصلاة فلن يفيده ذلك؛ لأن الدماء مستمرة، وكذا الإنسان إذا كان به جرح سيال فإنه يستمر في صلاته، وكذا من فيه سلسل البول، ولأن الاستمرار في الصلاة غير ابتدائها، لأنه قبل أن يبتدئ الصلاة سيعالج هذه الدماء حتى ينقطع الدم عنه، ولهذا استمر عمر رضي الله عنه في صلاته لما طعن وجرحه يثعب دماً، وإن كان قد أناب عبد الرحمن بن عوف في الصلاة، إلا أن ظاهره أنه استمر في صلاته، ويمكن التعليل أيضاً بأن الجراحات التي تصيب الغزاة والمجاهدين في الأسفار والغزوات معفو عنها من أجل المشقة، إذ قد لا يتمكن من غسلها، وليس هناك دليل واضح على نجاسة الدم، لكن جاء في قصة المستحاضة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي)، فخصه بعضهم بالدم الخارج من الفرج، أما كون الوضوء من الدم واجباً فليس هناك دليل واضح على ذلك، وينبغي التفريق بين كون الدم نجساً أو غير نجس، وبين هل هو ناقض أم لا؟ فالدم المسفوح الذي يخرج من الذبيحة نجس لقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:145]، وكذلك الدم الذي يخرج من الفرج كدم الاستحاضة، وقد نقل النووي الإجماع على ذلك، أما خروج الدم هل هو من نواقض الوضوء؟ فبعض العلماء كالحافظ ابن حجر وغيره يرى أن خروج الشيء الفاحش النجس كالدماء وغيرها من النواقض، وليس هناك دليل واضح يدل على الوجوب، لكن إن توضأ الشخص فهو مستحب؛ إذ فيه الخروج من خلاف من أوجب، لاسيما إذا كان الدم كثيراً. وفيه: دليل على مشروعية فعل الأسباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يكلؤنا)، وهو رسول الله، وهو سيد المتوكلين، ومع ذلك قال: (من يكلؤنا) أي: من يحفظنا؟ أو من يحرسنا؟ فانتدب المهاجري والأنصاري.

الوضوء من النوم

الوضوء من النوم

شرح حديث ابن عمر: (في رقدتهم لانتظار الصلاة)

شرح حديث ابن عمر: (في رقدتهم لانتظار الصلاة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الوضوء من النوم. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أنبأنا -وفي رواية- حدثنا ابن جريج أخبرني نافع حدثني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شُغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا ثم رقدنا، ثم استيقظنا ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم)]. هذا الحديث رواه الشيخان. وقوله: (رقدنا ثم استيقظنا) يعني: نعسنا، فالمراد برقدنا النعاس، وفيه دليل على أن النعاس لا ينقض الوضوء، وكذلك خفقان الرأس، وإنما الذي ينقضه النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس، كما في حديث صفوان بن عسال: (أمرنا أن لا ننزع أخفافنا ثلاثة أيام إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)، فقوله: (ولكن من غائط وبول ونوم) يعني: النوم المستغرق، وهذا هو الجمع بين الحديثين، فهذا الحديث فيه النوم والمراد به النعاس، وحديث صفوان فيه النوم والمراد به النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس. وقال الألباني عن حديث ابن عمر: حديث حسن. وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. كذلك أيضاً أخرجه محمد بن إسحاق في المغازي.

شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم)

شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا شاذ بن فياض حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون)]. وهذا يبين الحديث السابق وأن المراد بالنوم هو خفقان الرأس والنعاس. وهذا الحديث رواه مسلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وزاد فيه شعبة عن قتادة قال: كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر. حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب، قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أقيمت صلاة العشاء فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فقام يناجيه حتى نعس القوم أو بعض القوم، ثم صلى بهم ولم يذكر وضوءاً)]. هذا الحديث رواه مسلم، ولم يذكر وضوءاً، ورواه أيضاً الشيخان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وفيه: أن الصحابة كانوا ينعسون وهم ينتظرون الصلاة فيصلون ولا يتوضئون، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، مما دل على أن النعاس لا يوجب الوضوء، بل لا يوجب الوضوء إلا النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس. وفيه: جواز مناجاة الواحد إذا كان عنده جماعة، والمناجاة يعني: التكلم معه بخفاء وإسرار، وإنما المنهي أن يتناجى اثنان ويكون معهم ثالث فيتركونه، أو يتناجى ثلاثة معهم رابع وهكذا، وأما إذا تناجى اثنان وهناك اثنان أو ثلاثة أو أربعة فلا حرج، والعلة في المناجاة المنهي عنها أن ذلك الأمر يحزنه، كما جاء في الحديث: (إذا تناجى اثنان ومعهم ثالث فإن ذلك يحزنه) ولأنه قد يتصور أنهم يتكلمون فيه. وفيه: أنه إذا أقيمت الصلاة وأطال الفصل فلا تعاد الإقامة، ولهذا أقيمت الصلاة وناجى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل، ثم صلى ولم يعد الإقامة، وهذا الرجل قيل: إنه رجل له شأن في الإسلام، والله أعلم. وفيه: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم لمناجاة هذا الرجل. وفيه: تقديم المهمات والأمور المهمة، وأن هذا لا يؤثر ولو كان بعد إقامة الصلاة.

شرح حديث ابن عباس في الوضوء من النوم حال الاضطجاع

شرح حديث ابن عباس في الوضوء من النوم حال الاضطجاع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين وهناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب، وهذا لفظ حديث يحيى: عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت، فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)]. هذا الحديث أوله ثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وينفخ ويصلي ولا يتوضأ؛ لأن نومه صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوءه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إنما تنام عيناي ولا ينام قلبي). وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام. أما قوله: (إنما الوضوء على من كان مضطجعاً) هذه لفظة منكرة؛ لأنها من طريق أبي خالد الدالاني، وأبو خالد الدالاني هذا ضعيف يروي المناكير، وهذه اللفظة منكرة، والمنكر: هو مخالفة الضعيف للثقات. والبخاري لما روى هذا الحديث عن ابن عباس لم يذكر هذه اللفظة؛ لأنها منكرة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [زاد عثمان وهناد: فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله. قال أبو داود: قوله: (الوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة، وروى أوله جماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يذكروا شيئاً من هذا]. وهذا الحديث فيه تدليس قتادة، وفيه ضعف أبي خالد الدالاني ومخالفة الثقات. أما عبد السلام بن حرب فهو ثقة حافظ له مناكير، وهذا من مناكيره. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً. وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، وقال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصلاة، وحديث: القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: حدثني رجال مرضيون منهم عمر، وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنهم]. يعني: أن شعبة إنما روى عنه قتادة عن أبي العالية أربعة أحاديث وهذا الحديث ليس منها: (إنما الوضوء على من كان مضطجعاً)، فيكون منقطعاً غير ثابت. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذكرت حديث يزيد الدالاني لـ أحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له]. أي: لأنه منكر، وكأنه يقول له: لا تذكر هذا الحديث على أنه صحيح، إنما هو ضعيف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فقال: ما لـ يزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث]. قوله: (ولم يعبأ بالحديث) يعني: بزيادة (الوضوء على من كان مضطجعاً). وقوله: (يدخل على أصحاب قتادة) يعني: على شيوخه، فدل على أن هذه اللفظة منكرة لا يعول عليها. وأخذ بعضهم بهذا وقال: إن الوضوء لا يجب إلا على من كان مضطجعاً، والنوم فيه خلاف طويل، فقال بعضهم: الوضوء مطلقاً لا ينقض، وبعضهم قال: ينقض مطلقاً حتى النعاس، وبعضهم قال: لا ينقض الوضوء إلا إذا كان راكعاً أو ساجداً، وبعضهم يقول: إذا كان مضطجعاً. والصواب: أن النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس هو الذي ينقض الوضوء، وأما النعاس وخفقان الرأس فهذا لا يؤثر، وبهذا تجتمع الأدلة كما في حديث صفوان بن عسال: (ولكن من غائط وبول ونوم) قال: فالنوم ينقض الوضوء، والأحاديث الصحيحة تذكر أن الصحابة كانوا يجلسون وتخفق رءوسهم وهم ينتظرون الصلاة، ثم يقومون للصلاة ولا يتوضئون، فدل على أنه يجمع بين الحديثين بهذا. وإذا كانت في النوم رؤيا فهو مستغرق.

شرح حديث: (العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ)

شرح حديث: (العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا حيوة بن شريح الحمصي في آخرين قالوا: حدثنا بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ)]. هذا الحديث رواه ابن ماجة، والسه: الدبر، والوكاء: هو الرباط، والمعنى: أن العينين رباط للحدث ورباط للدبر، فمن كان مستيقظاً فإنه يعلم بخروج الحدث ويمنع نفسه، وأما إذا نام فإن الحدث يخرج وهو لا يشعر. والحديث فيه بقية بن الوليد وهو كثير التدليس، وفيه الوضين بن عطاء وهو متكلم فيه، فقد وثقه أحمد وابن معين وضعفه بعضهم. قال ابن حجر رحمه الله في التلخيص الحبير: وحسن المنذري وابن الصلاح والنووي حديث علي هذا. والحديث أخرجه ابن ماجة والبيهقي من طريق بقية به، وأحمد والدارقطني. وقال: وهم -يقصد من ذكر عبد الرحمن بن عائذ من الصحابة- قال: ووهم من من ذكره من الصحابة. والحديث أخرجه ابن ماجة والبيهقي من طريق بقية وأحمد والدارقطني، وحسن المنذري وابن الصلاح والنووي حديث علي هذا، وقال أبو زرعة: لم يسمع من علي، وقال ابن حجر في التلخيص: وفي هذا النفي نظر؛ لأنه يروي عن عمر كما جزم به البخاري. ومعنى قوله: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ) أي: أن الإنسان إذا كان مستيقظاً فإنه سيعلم بخروج الحدث، وسيمنع نفسه من ذلك، وأما إذا كان نائماً فإن الحدث سيخرج منه، فالاستغراق في النوم ناقض للوضوء.

ما جاء فيمن يطأ الأذى برجله

ما جاء فيمن يطأ الأذى برجله

شرح حديث: (كنا لا نتوضأ من موطئ)

شرح حديث: (كنا لا نتوضأ من موطئ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يطأ الأذى برجله. حدثنا هناد بن السري وإبراهيم بن أبي معاوية عن أبي معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثني شريك وجرير وابن إدريس عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله: (كنا لا نتوضأ من موطئ، ولا نكف شعراً ولا ثوباً)]. هذا الحديث أخرجه ابن ماجة والبيهقي وابن خزيمة، وقال: هذا الخبر له علة لم يسمعه الأعمش من شقيق. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حديث صحيح. وقد ذكر أبو داود الاختلاف في هذا السند هل هو بصيغة التحديث أم بصيغة العنعنة؟ قال رحمه الله: قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن مسروق، أو حدثه عنه قال: قال عبد الله، وقال هناد عن شقيق أو حدثه عنه قال: قال عبد الله. وهذا اختلاف فإذا ثبت أن الأعمش لم يسمع من شقيق صار وطأ الأذى بالرجل فيه تفصيل: فإن وطأ نجاسة رطبة فلابد من غسل رجله، وأما إذا وطأ نجاسة يابسة فلا يضره ذلك، ولا يجب عليه الوضوء. وقوله: (ولا نكف شعراً ولا ثوباً) هذا ثابت في صحيح مسلم، والمعنى: أن المسلم إذا سجد فإنه يسجد على شعره وثوبه ولا يكفهما؛ لحديث: (نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، وألا أكف شعراً ولا ثوباً) رواه مسلم في صحيحه. فإذا مشى في الأرض فالأصل فيها الطهارة إلا إذا علم أنها متنجسة فيغسل رجله ولا يعيد الوضوء، قوله: (كنا لا نتوضأ من موطأ ولا نكف شعراً ولا ثوباً) الوطء لا يتوضأ منه، وإنما تغسل الرجل إذا وطئت نجاسة رطبة، وإن وطئت يابسة فلا تغسل. وأبو معاوية هو محمد بن خازم، ذكر الحافظ رحمه الله في التقريب بأنه ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره. وهو في الأعمش من أوثق الناس وأحفظهم لحديثه. وكف الثياب معلوم مثل من يشمر ذراعه أو ذراعيه، لأن النبي نهى أن يكف المصلي ثيابه وشعره، وقد رأى ابن عباس رجلاً معصوب الشعر فحل شعره، وأنكر عليه ذلك. وعقد الشعر معناه منعه من إصابة الأرض، ففي حالة الركوع يتركه، إلا إذا كان ينسدل في حالة السجود فيصيب من حوله فلا يتركه، وكذلك إذا كان يمنعه من أن يباشر الأرض بجبهته.

ما جاء فيمن أحدث في الصلاة

ما جاء فيمن أحدث في الصلاة

شرح حديث: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف)

شرح حديث: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فيمن يحدث في الصلاة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة)]. هذا الحديث فيه أن خروج الريح يبطل الصلاة والوضوء، وعليه أن يعيد الوضوء والصلاة. والحديث صححه أحمد والترمذي والنسائي والدارمي وابن حبان من طريق عاصم الأحول. وقال أبو عيسى: حديث علي بن طلق حديث حسن. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. قلت: هذا الحديث لا بأس به، وهو أصح من حديث عائشة الذي فيه: (إذا خرج من أحدكم مذي أو دم أو قلس فلينصرف وليتوضأ، وليبن على صلاته ولا يتكلم)، فهو حديث ضعيف، وقد أخذ به بعض العلماء كـ مالك وأبي حنيفة وغيرهما وقالوا: إذا أحدث الإنسان وهو في الصلاة فإنه ينصرف ويتوضأ ولا يتكلم، وليبنِ على صلاته السابقة. وقد ذكرنا أن حديث عائشة حديث ضعيف فلا يعارض حديث علي بن طلق؛ لأنه حديث صحيح، وعليه العمل، وهذا إذا كان في الصلاة، وإن كان خارج الصلاة بطل الوضوء وعليه أن يتوضأ من جديد. ومثله إذا كان يطوف وخرج منه الحدث فإنه يبطل الطواف، وعليه أن يتوضأ ويعيد الطواف من جديد، وهذا هو الصواب وهو الذي عليه الفتوى، وعليه جمهور العلماء. وبعض العلماء يرى الطهارة ليست شرطاً للطواف، وهو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة، وقال الإمام أبو حنيفة وغير إنه يجبره بجمع، والصواب الذي عليه الجمهور وهو أن الطواف من غير طهارة باطل.

ما جاء في المذي

ما جاء في المذي

شرح حديث علي في المذي

شرح حديث علي في المذي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المذي. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبيدة بن حميد الحذاء عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل)]. هذا الباب فيه بيان حكم المذي، والمذي: هو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة وعند اشتداد الشهوة وتذكر الجماع، وقد لا يحس الإنسان بخروجه، فلهذا جاء الشرع بتخفيف حكمه، فنجاسته نجاسة مخففة. وحديث علي رضي الله عنه هذا أخرجه النسائي، وأخرجه الشيخان من حديث محمد بن علي وهو: ابن الحنفية عن أبيه بنحوه مختصراً، وفيه دليل على أن خروج المذي لا يوجب الغسل، وإنما يوجب الوضوء، وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير خلافاً لمن قال: إنه يوجب الغسل، وهو قول شاذ. وفي هذا الحديث: أن علياً رضي الله عنه قال: كنت رجلاً مذاء، ومذاء صيغة مبالغة، أي: أنه كان كثير المذي، قال: فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، أي: أصابه تشقق بسبب كثرة الاغتسال في الشتاء، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة)، فدل هذا على أن المذي إنما يوجب الوضوء لا الغسل، وهو يدل على وجوب غسل الذكر كله من المذي، فقد قال له: (فاغسل ذكرك) وتأوله بعضهم أن المراد غسل ما أصابه المذي، والصواب أن المراد غسل جميع الذكر، وهذا بخلاف البول فإنه يغسل رأس الذكر فقط، وأما المذي فإنه يغسل الذكر كله، وكذا يغسل أنثييه من المذي، فقد جاء في بعض الروايات: (اغسل ذكرك وأنثييك)، ولعل الحكمة في ذلك والله أعلم: أن غسل الذكر والأنثيين يتقلصان بسبب الماء. قوله: (فإذا فضخت الماء فاغتسل) أي: إذا صببته بشدة فاغتسل، والمراد بالماء هنا المني، فهذا يدل على أن المني يوجب الغسل، وهو الذي يخرج بقوة وبلذة، وأما إذا خرج بغير شهوة كما يخرج من المريض فحكمه حكم البول، فقد يصاب الإنسان بمرض يسمى الإبردة، فإذا أصيب بهذا المرض خرج منه المني من غير شهوة، وهذا لا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء، فالذي يوجب الغسل هو الذي يخرج دفقاً بلذة وبقوة؛ بسبب الشهوة. وكذلك إذا خرج منه المني في النوم ولو لم يذكر احتلاماً فإنه يجب عليه الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء)، وهذا الحديث حكمه باقٍ في خروج المني في النوم، فإذا رأى المني في ثوبه أو فخذيه فإن عليه أن يغتسل ولو لم يذكر احتلاماً. وأما إذا احتلم في النوم ولم يجد بللاً في ثوبه فلا يجب الغسل؛ لأنه العبرة بخروج المني، وأما في اليقظة فإنه يجب عليه الغسل بخروج المني، وبالجماع ولو لم يخرج المني كما سيأتي في الأحاديث. وإذا خرج منه المني بعد الغسل فبعض العلماء يقولون: إنه لا غسل عليه، لكن ينبغي للإنسان ألا يعجل وألا يبادر بالاغتسال حتى يتأكد من خروج المني، ولو اغتسل بعد أن يقضي حاجته من البول فهذا يكون أولى.

إسناد آخر لحديث علي في المذي

إسناد آخر لحديث علي في المذي قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود: (أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته وأنا أستحيي أن أسأله، قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة)]. في هذا الحديث أن علياً أمر المقداد أن يسأل له، وفي حديث آخر أنه أمر عماراً بذلك، وفي رواية أخرى أنه سأل بنفسه، وقد جمع ابن حبان بين هذه الأحاديث: بأن علياً أمر عماراً أن يسأل، ثم أمر المقداد، ثم سأل بنفسه، وهذا الحافظ رحمه الله يقول: إنه جمع بيّن إلا أن قوله في بعض الروايات إنه استحى من السؤال بنفسه لا ينافي قوله إنه سأله بنفسه، فهذا يحمل على المجاز، أي: يحمل قوله: سأله بنفسه أنه هو الآمر، ومن أمر فكأنما سأل. وهذا الحديث فيه أن المذي فيه الوضوء وليس فيه غسل، وأن المني يوجب الغسل، ولهذا قال: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة)، والمراد بالنضح هنا تمام الغسل لا الرش. وقوله: (إذا دنا من أهله فخرج منه المذي) أي: ماذا عليه أن يفعل؟ والمذي هو ما يخرج من الإنسان عند اشتداد الشهوة. وهذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة، وهو منقطع؛ لأن سليمان بن يسار لم يسمع من المقداد بن الأسود، لكن يشهد له ما قبله. قال الشارح: وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ابن عباس في قصة علي والمقداد موصولاً. أي: من رواية أخرى. وأما هذه الرواية فهي منقطعة. وسليمان بن يسار المدني هو أحد الفقهاء السبعة، روى عن زيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة وميمونة مولاته. وأما روايته عن المقداد فالظاهر أنها منقطعة، لكن الحديث شاهد لما قبله، وروي موصولاً من طريق أخرى كما رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ابن عباس، وهي موصولة، وهو يشهد لما قبله، ويدل على أن المذي يوجب غسل الفرج والوضوء فقط دون الغسل. والمراد بالنضح ليس مجرد الرش كما ينضح بول الصبي الذي لم يأكل الطعام بالماء، فنجاسته مخففة، فإذا أصاب الثوب يكفيه الرش، لكن خروج المذي من الذكر فيه الغسل ولا يكفي الرش. وعلى كل حال فإن هذه الرواية ثابتة من طريق أخرى، ويشهد لها الحديث الذي قبله.

شرح حديث علي في غسل الذكر والخصيتين

شرح حديث علي في غسل الذكر والخصيتين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة أن علي بن أبي طالب قال للمقداد، وذكر نحو هذا، قال: فسأله المقداد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليغسل ذكره وأنثييه. قال أبو داود: ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت للمقداد رضي الله عنه فذكر معناه. قال أبو داود: رواه المفضل بن فضالة وجماعة والثوري وابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب، ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أنثييه]. هذا الحديث ذكر فيه المؤلف رحمه الله هذه الروايات المعلقة؛ ليبين الاختلاف في رواية غسل الذكر والأنثيين، ولهذا اختلف العلماء في غسل الأنثيين تبعاً لثبوت هذه الرواية أو عدم ثبوتها، ولكن الحديث الأول وهو حديث هشام بن عروة عن عروة فيه غسل الذكر والأنثيين، والمراد بالأنثيين الخصيتين، فهي ثابتة من رواية عروة بن الزبير عن علي، وعروة معاصر لـ علي رضي الله عنه، وكان ابن عشرين سنة لما ذهب علي إلى الكوفة. وكذلك غسل الأنثيين ثابت من رواية أبي عوانة الإسفرائيني في صحيحه من حديث سليمان بن حيان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ذكر ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله، وفيه يغسل ذكره وأنثيية، فتثبت رواية الغسل وعليه فيجب غسل الذكر والأنثيين -أي: الخصيتين- من المذي، وكأن الحكمة والله أعلم حتى يتقلص الإحليل وهذا خاص بالمذي، وأما البول فلا تغسل الأنثيان وإنما يغسل رأس الذكر فقط. وقد أراد المؤلف أن رواية غسل الأنثيين غير واردة من وجه صحيح؛ لأن حديث زهير عن هشام بن عروة فيه انقطاع؛ فـ زهير لم يسمع منه، وأما رواية عروة فثابتة، وكذلك رواية أبي عوانة الإسفرائيني ثابتة ذكرها ابن القيم رحمه الله، فرواية أبي عوانة عن علي ثابتة. لكن رواية زهير عن هشام إن كانت ثابتة فتكون كل من الروايتين تعضد الأخرى، وإن لم تثبت كان المنقطع يعضد المتصل. قال في الحاشية: وإسناد هذا الحديث واضح. وهذا كأنه يرى سماع زهير وهو زهير بن حرب بن شداد الحرشي بفتح المهملتين بعدهما معجمة مولاهم أبو خيثمة النسائي الحافظ، روى عن جماعة منهم ابن عيينة وحفص بن غياث، روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما. ولم يذكر روايته عن هشام فيحتاج إلى تأمل. والصواب أن عروة سمع من علي بن أبي طالب، فقد كان ابن عشرين عاماً عندما ذهب معه إلى الكوفة.

شرح حديث سهل بن حنيف في نضح المذي بالماء

شرح حديث سهل بن حنيف في نضح المذي بالماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل -يعني ابن إبراهيم - أخبرنا محمد بن إسحاق حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف قال: (كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر من الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء، قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه)]. هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وفيه أن المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، ولهذا قال: (إنما يجزيك من ذلك الوضوء). وفيه أن المذي إذا أصاب الثوب فإنه يكفيه النضح وهو الرش بدون غسل؛ لأن نجاسته مخففة كبول الغلام الذي لم يأكل الطعام، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه؛ لأن الإنسان قد يبتلى به كثيراً ولاسيما الشاب، فالله تعالى خفف في حكمه بأن جعل نجاسته مخففة يكفيها الرش مثل بول الغلام الرضيع، وأما بول الجارية فلابد من غسله، ولهذا قال: (يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك)، تنضح: بمعنى ترش، (حيث ترى) أي تبصر فيه، أو حيث ترى -بالضم- أي: تظن. والنضح بالنسبة للذكر المراد به الغسل، وبالنسبة لما أصابه من الثوب فالمراد به الرش، فالنضح يأتي لهذا ولهذا. والمذي المعروف عنه أنه نجس، ونجاسته مخففة، ولا يجب فيه الغسل بل الوضوء. والمني الذي هو أصل الإنسان طاهر.

شرح حديث عبد الله بن سعد الأنصاري في غسل الذكر والخصيتين من المذي

شرح حديث عبد الله بن سعد الأنصاري في غسل الذكر والخصيتين من المذي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية -يعني ابن صالح - عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم]. حرام بن حكيم بالحاء والراء المهملتين المفتوحتين هو الأنصاري العبدلي، وأما المهاجرون ففيهم حزام بالزاي، وهو حزام بن حكيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة)]. وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وهو حديث لا بأس بسنده، وفيه دليل بين على غسل الذكر والأنثيين، وعلى أن المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، وأن المذي يكون عقب البول متصلاً به. ومذى يمذي مثل مضى يمضي، ومن الرباعي أَمذى يُمذي. وكل فحل يمذي، وهذا عام في جميع الفحول.

شرح حديث عبد الله بن سعد في استمتاع الرجل من امرأته الحائض

شرح حديث عبد الله بن سعد في استمتاع الرجل من امرأته الحائض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن محمد بن بكار حدثنا مروان -يعني ابن محمد - حدثنا الهيثم بن حميد حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار، وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً)، وساق الحديث]. هذا الحديث فيه دليل على جواز استمتاع الرجل من امرأته الحائض بما فوق السرة؛ لقوله: (لك ما فوق الإزار)، والإزار يكون من السرة إلى الركبة، وقد دل هذا الحديث على أنه يستمتع بما فوق السرة وهذا هو الأفضل، وأن يأمرها أن تضع إزاراً إذا أراد أن يستمتع بها، ولكن لا بأس في الاستمتاع بما تحت الإزار أيضاً بشرط اجتناب الفرج، ويدل على هذا حديث أنس عند مسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) أي: إلا الجماع، فدل على أن قوله: (لك ما فوق الإزار) محمول على الاستحباب، فالأفضل أن يباشر ما فوق الإزار وأن يأمرها أن تضع إزاراً من السرة إلى الركبة، هذا هو الأفضل، ولكن لا بأس بالاستمتاع بما تحت الإزار مع اجتناب الجماع. ويدل هذا الحديث على مؤاكلة الحائض، وفيه الرد على اليهود الذين لا يؤاكلون الحائض ولا يجالسونها ولا يجامعونها، بل يهجرونها في البيوت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سأله بعض الصحابة: أفلا نجامعها؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظن أنه غضب عليه، والسائل هو أسيد بن حضير ثم جاءه بعد ذلك بلبن فسقاه، فعلم أنه لم يغضب عليه. والحديث أخرجه غيره مطولاً عن معاوية يعني: ابن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن ثابت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، وعن الصلاة في البيت؟ وكأن الشيخ اختصره، أو من ساق الحديث اختصره، وذكر أن رواية هذا الحديث ثابتة، وأن رواية حرام بن حكيم عن عمه ثابتة، فذكر الآن ما يتعلق بالاستمتاع من الحائض، ولم يذكر حكم الماء من الماء؛ اكتفاء بذكره الحديث السابق. لكن في الحديث الذي بعده كذلك ذكر الاستمتاع، وكأن المؤلف رحمه الله أدخل حديث الاستمتاع، ووجه المناسبة أنه عند الاستمتاع تشتد الشهوة ويخرج المذي، فلهذا ذكره. وحديث عبد الله بن سعد فيه الأمر بالاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار، وحديث معاذ الذي سيأتي فيه أن التعفف عن ذلك أفضل، وصرح المؤلف بأن حديث معاذ ضعيف.

شرح حديث معاذ في جواز إتيان الحائض فيما فوق الإزار

شرح حديث معاذ في جواز إتيان الحائض فيما فوق الإزار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني حدثنا بقية بن الوليد عن سعد الأغطش وهو ابن عبد الله عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي قال هشام: وهو ابن قرط أمير حمص، عن معاذ بن جبل قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: فقال: ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل). قال أبو داود: وليس هو -يعني الحديث- بالقوي]. هذا الحديث ضعيف وقد ضعفه أبو داود رحمه الله، وفيه أربع علل إحداها: عنعنة بقية بن الوليد وهو مدلس. والثانية: ضعف سعد الأغطش. والثالثة: الانقطاع فإن عبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من معاذ. والرابعة: في متنه نكارة، وهي زيادة قوله: (والتعفف من ذلك أفضل)، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستمتع بما فوق الإزار، وكان إذا أراد أن يستمتع من أهله أمرها بأن تضع الإزار فيستمتع بها، فكيف يكون التعفف أفضل، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الحديث ضعيف.

كتاب الطهارة [14]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [14] لقد بين الإسلام كل ما يحتاجه المسلم في حياته، ومن ذلك حث الجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب على الوضوء إن كان يريد تأخير الغسل، ومن أراد أن يعاود جماع أهله فقد حثه أيضاً على الوضوء لما له من أثر على نشاطه.

ما جاء في الإكسال

ما جاء في الإكسال

شرح حديث: (الماء من الماء)

شرح حديث: (الماء من الماء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الإكسال. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني ابن الحارث - عن ابن شهاب حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك). قال أبو داود: يعني الماء من الماء]. الإكسال معناه: الضعف والفتور، وهو: أن يجامع فلا ينزل فمن جامع وغيب الحشفة في الفرج وجب عليه الغسل ولو لم ينزل، وكان في أول الإسلام إذا جامع الإنسان ولم ينزل، غسل ذكره وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم نسخ ذلك، وأوجب الله سبحانه وتعالى الغسل بالجماع. وهذا الحديث فيه مجهول، لأنه قال: حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد، فهذا مبهم لا بد من تسميته؛ لأنه قد يرضاه هو ولا يرضاه غيره، لعلة قادحة فيه، ولكن له شواهد في الصحيحين وغيرهما في أن الإنسان إذا جامع ولم ينزل فإنه يجب عليه الغسل. وأبي بن كعب أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل عدم الاغتسال من الجماع بغير إنزال رخصة للناس في أول الإسلام؛ لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك، هذا ثابت بالأحاديث الصحيحة، وإن كان هذا الحديث فيه انقطاع. وقوله: (الماء من الماء) الماء الأول ماء الغسل، والماء الثاني ماء المني، أي: لا يجب الغسل إلا إذا خرج المني، وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ وبقي حكم ذلك في النائم فلا يجب عليه الغسل إلا إذا رأى المني. قوله: (حدثني بعض من أرضى)، قال ابن حبان: تتبعت طرق هذا الخبر على أن أجد أحداً رواه عن سهل بن سعد فلم أجد في الدنيا أحداً إلا أبا حازم، فيشبه أن يكون الرجل الذي قال الزهري: حدثني بعض من أرضى عن سهل بن سعد هو أبو حازم. وعلى هذا فيكون الحديث متصلاً، لكن هو بهذا السند منقطع. وسيأتي في الحديث الذي بعده، أن قليلاً من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أنه لا غسل إلا من الإنزال. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مهران البزاز الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن كعب: (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد)]. هذا الحديث فيه ذكر أبو حازم الساقط في الحديث السابق، الذي يروي عن سهل بن سعد. وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح. وسهل بن سعد يقول: حدثني أبي بن كعب: (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد) والذين يفتون بذلك جماعة من الصحابة منهم: علي وعثمان والزبير وطلحة وأبو أيوب، كما أخرج الشيخان في صحيحيهما (أن هؤلاء الصحابة كانوا يفتون أن الماء من الماء) يعني: أنه لا يجب الغسل إلا من خروج المني، فإذا جامع ولم ينزل فلا يجب الغسل، وهذا كان رخصة في أول الإسلام رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالاغتسال بعد ذلك، وهذا صريح بأن هذا الحكم منسوخ، وهو ثابت في الصحيحين وفي غيرهما.

شرح حديث التقاء الختانين

شرح حديث التقاء الختانين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، حدثنا هشام وشعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل)]. هذا الحديث رواه الشيخان بدون لفظ: (وألزق الختان بالختان)، والمراد بشعبها الأربع هي: اليدان والرجلان هذا هو الأقرب، وقيل: الرجلان والفخذان وقيل: الفخذان والختان. ففي رواية البخاري (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) وفي لفظ: (وإن لم ينزل) جهدها يعني: شدها بحركته وإن لم ينزل، وهذا الحديث فيه دليل على أنه يجب الغسل بمجرد الإيلاج فإذا أولج الذكر في الفرج، ومس الختان الختان؛ فإنه يجب الغسل. والمراد من قوله: (ألزق الختان بالختان) أي: ألزق ختان الرجل بختان المرأة، والمراد تلاقي موضع القطع من الذكر مع موضعه من فرج الأنثى، وذلك لا يكون إلا إذا كان الذكر في الفرج، وليس المراد حصول مس الحشفة وهي رأس الذكر في الفرج، فلا يلاقي الختان الختان إلا إذا غيب الحشفة. وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يغيب الحشفة لم يجب الغسل لا عليه ولا عليها، وإنما يجب الغسل بتغييب الحشفة في الفرج أو قدرها إذا كانت مقطوعة فإذا غيب الحشفة وهي رأس الذكر في الفرج فحينئذ يلتقي الختان بالختان؛ لأن الختان في المرأة في أعلى الفرج، فإذا غيب الحشفة في الفرج التقى الختان بالختان وليس المراد مس الختان بالختان. فدل على أن قوله: (إنما الماء من الماء) منسوخ، وبقي حكم الماء من الماء في الاحتلام، فإن المحتلم لا يغتسل حتى يخرج منه الماء وهو المني، فإذا احتلم ولم يخرج منه شيء فلا غسل عليه، بخلاف المجامع فإنه إذا أولج ومس الختان الختان وغيب الحشفة في الفرج، فإنه يجب عليه الغسل.

شرح حديث أبي سعيد في كون الماء من الماء

شرح حديث أبي سعيد في كون الماء من الماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الماء من الماء). وكان أبو سلمة يفعل ذلك]. هذا الحديث منسوخ بحديث: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جاهدها فقد وجب الغسل) أخرجه الشيخان، وفي لفظ لـ مسلم: وإن لم ينزل)، لكن بقي حكم هذا في النوم فلا يجب الغسل إلا إذا أخرج الماء وهو المني، هذا هو الصواب، وقد بقي بعض الصحابة، وبعض التابعين على المذهب الأول، وكأنه لم يبلغهم النسخ، ولهذا قال الشارح: واعلم أن قليلاً من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أنه لا غسل إلا من الإنزال وهو مذهب داود الظاهري، وهو قول ضعيف مرجوح. والصواب الذي عليه الجماهير أنه يجب الغسل بمجرد التقاء الختانين بعد غيبوبة الحشفة في الفرج وهذا لا ينبغي العدول عنه، وأحاديث الباب كلها تدل على ذلك. كذلك إذا قطعت الحشفة ثم غيب مقدارها في الفرج وجب الغسل.

ما جاء في الجنب يعود في الجماع

ما جاء في الجنب يعود في الجماع

شرح حديث طواف رسول الله على نسائه بغسل واحد

شرح حديث طواف رسول الله على نسائه بغسل واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يعود. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا إسماعيل حدثنا حميد الطويل عن أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد). قال أبو داود: وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم]. هذا الحديث أخرجه الشيخان رحمهما الله، وهو دليل على أن الغسل لا يجب بين الجماعين، وأن الإنسان إذا جامع زوجته ثم أراد أن يجامع مرة أخرى فلا يجب عليه الغسل وإنما يستحب له أن يتوضأ بينهما، وكذلك إذا جامع عدداً من زوجاته فلا يجب عليه الغسل بينهن، لكن الغسل أفضل، وإن اقتصر على الوضوء فلا حرج. ومقصود المؤلف رحمه الله من إيراد التعاليق في قوله: (وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس) أن الزيادة في قول أنس (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائة في غسل واحد) أي: في غسل واحد هي زيادة محفوظة، وإن لم يذكرها بعض الرواة عن أنس. وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن القسم بين الزوجات ليس واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه طاف على نسائه بغسل واحد، وهذا يدل على أن القسم ليس بواجب على غير النبي؛ لأن وطء المرأة في غير نوبتها غير ممنوع، وذهب إلى هذا طائفة من أهل العلم، لكن ذهب الأكثرون إلى وجوب القسم بين الزوجات وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة منها: أن هذا كان برضا صاحبة النوبة، ومنها: أن هذا كان عند استيفاء القسمة، ثم يستأنف قسمة جديدة، ومنها: أن هذا كان عند السفر؛ لأنه كان إذا سافر أقرع بين نسائه فلم يقسم بينهن، فإذا أقام أقسم بينهن، ومنها: أن هذا كان قبل وجوب القسم، والأقرب أن هذا لا يخل بالقسم إذا كان في وقت واحد. وفي هذا الحديث دليل على ما أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم من القوة في الجماع، ولهذا قال أنس: (كنا نحدث أنه أعطي قوة ثلاثين رجلاً في الجماع) عليه الصلاة والسلام. وقد ذكر العلماء في تعدد الزوجات للنبي صلى الله عليه وسلم من الحكم أنهن ينقلن بعض الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال، ومن الحكم أيضاً ما يحصل من التآلف بين عدد من القبائل التي تزوج منهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك عوناً له على القيام بالدعوة ونشر الإسلام.

ما جاء في الوضوء لمن أراد أن يعود في الجماع مرة أخرى

ما جاء في الوضوء لمن أراد أن يعود في الجماع مرة أخرى

شرح حديث أبي رافع في الغسل لمن أراد العود في الجماع

شرح حديث أبي رافع في الغسل لمن أراد العود في الجماع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء لمن أراد أن يعود. حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت له: يا رسول الله، ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر). قال أبو داود: وحديث أنس أصح من هذا]. هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة. والكلام على عبد الرحمن بن أبي رافع وعمته سلمى وهما مقبولان. وقد روت عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وعنها عبد الرحمن بن أبي رافع وغيره، وذكرها ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان: لا تعرف. فالحديث ليس بالقوي، لكن له شواهد أخرى وقد حسنه الألباني. وقال في التقريب: عبد الرحمن بن أبي رافع مقبول من الرابعة، وعمته مقبولة، والمقبول إذا توبع ارتفع إلى درجة الاحتجاج. وقال أبو داود: حديث أنس أصح من هذا لا شك؛ لأن حديث أنس السابق في الصحيحين وفيه أنه ترك الاغتسال، وفي هذا الحديث أنه اغتسل، ويحمل هذا على استحباب الغسل قبل المعاودة، وحديث أنس على جواز ترك الغسل، ولهذا لما سأل أبو رافع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر) فالغسل أفضل قبل معاودة الوطء، وإن تركه واكتفى بالوضوء فلا حرج.

شرح حديث أبي سعيد في استحباب الوضوء لمعاودة الوطء

شرح حديث أبي سعيد في استحباب الوضوء لمعاودة الوطء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون، حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً)]. هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي وابن ماجة، وفيه استحباب الوضوء قبل معاودة الوطء، وقيل: إن الوضوء واجب، وذهب إلى هذا الظاهرية وجماعة، وذهب الجمهور على أنه مستحب وحملوا الأمر على الاستحباب، وقال الجمهور: إن الذي صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب قوله كما في رواية أحمد بن حنبل وابن حبان والحاكم (فإنه أنشط للعود) فهذا يدل على الاستحباب، وأما الظاهرية وابن حنبل ومالك فقد ذهبوا إلى أنه للوجوب؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب. وبعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي وهو غسل الفرج فقط، لكن ابن خزيمة رحمه الله رد هذا؛ لما رواه من طريق ابن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال: (فليتوضأ وضوءه للصلاة). والأصل أن الشارع تحمل ألفاظه على الاصطلاحات الشرعية والحقائق الشرعية، لكن هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ قول الظاهرية قول قوي في الوجوب والجمهور حمله على الاستحباب لقوله في الرواية الأخرى: (فإنه أنشط للعود)، إذاً: يكون الوضوء بين الجماعين مستحب متأكد أو واجب، أما الغسل فإنه مستحب وليس بواجب كما في حديث أنس. وحديث أبي رافع يحمل على استحباب الغسل، وحديث أنس السابق يدل على أنه لا يجب الغسل. وحديث أبي سعيد هذا يدل على تأكد الوضوء بين الجماعين.

ما جاء في الجنب ينام

ما جاء في الجنب ينام

شرح حديث عبد الله بن عمر في نوم الجنب

شرح حديث عبد الله بن عمر في نوم الجنب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في لجنب ينام. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال: (ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ واغسل ذكرك ثم نم)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي، والحديث فيه دليل على أمر الجنب بالوضوء إذا أراد أن ينام وهو للاستحباب، وذهبت الظاهرية إلى أن الجنب إذا أراد أن ينام فإنه عند الظاهرية للوجوب، وهو قول قوي؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب فلا تصرف عن الوجوب إلا بصارف. قوله: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم) يعني: أنه يغسل ذكره أولاً ثم يتوضأ. ووضوء الجنب للنوم متأكد جداً، ثم يليه الوضوء للأكل، ثم يليه الوضوء للشرب، وآكدها الوضوء للنوم. قوله: (ثم نم) من نام ينام ومن خاف يخاف، والأمر منهما نم وخف.

ما جاء في الجنب يأكل

ما جاء في الجنب يأكل

شرح حديث عائشة في غسل الجنب يديه للأكل

شرح حديث عائشة في غسل الجنب يديه للأكل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الجنب يأكل. حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة). حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه). قال أبو داود: ورواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة مقصوراً، ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك، إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة، ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك]. الحديث الأول قد سبق الكلام عليه، لكن حديث محمد بن الصباح فيه زيادة: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) فدل على أن الجنب له أن يأكل ويشرب من غير وضوء، ويأتي في الباب الذي بعده أنه يستحب له الوضوء، فالجمع بينهما أنه يجوز له أن يأكل من دون وضوء ولكن الوضوء أفضل. وحديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة)، أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة.

ما جاء في وضوء الجنب

ما جاء في وضوء الجنب

شرح حديث: (كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ)

شرح حديث: (كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يتوضأ الجنب. حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ) تعني وهو جنب]. في هذا الحديث أن الجنب يتوضأ ثم يأكل أو يشرب أو ينام، وهذا الوضوء للاستحباب كما سبق عند الجمهور، وهو للوجوب عند الظاهرية إذا أراد أن ينام. والحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة.

شرح حديث عمار بن ياسر في ترخيص رسول الله للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ

شرح حديث عمار بن ياسر في ترخيص رسول الله للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى يعني ابن إسماعيل حدثنا حماد يعني ابن سلمة أخبرنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ). قال أبو داود: بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا الحديث رجل، وقال علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو: (الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ)]. هذا الحديث ضعيف لانقطاعه، كما قال أبو داود: بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر رجل فيكون منقطعاً، وهو ضعيف، لكن يشهد له الحديث الذي قبله، وهو يدل على مشروعية الوضوء للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام. ويؤيد هذا قول علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو (أن الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ وهذا أخذ من الأحاديث).

ما جاء في الجنب يؤخر الغسل

ما جاء في الجنب يؤخر الغسل

شرح حديث عائشة في اغتسال رسول الله من الجنابة في أول الليل وآخره

شرح حديث عائشة في اغتسال رسول الله من الجنابة في أول الليل وآخره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يؤخر الغسل. حدثنا مسدد حدثنا معتمر ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا: حدثنا برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث، قال: (قلت لـ عائشة أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره، قلت: الله أكبر الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخفت به؟ قالت: ربما جهر به وربما خفت، قلت: الله أكبر!! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)]. هذا الحديث فيه أنه لا بأس بتأخير الجنب للغسل إلى آخر الليل، لكن يتوضأ قبل النوم كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، من حديث عمر، ويكره في حقه كراهة شديدة ترك الوضوء، حتى قال الظاهرية: بأن الوضوء واجب، وهو قول قوي؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب. وأما ما ذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر في أول الليل، ويوتر آخره فقد جاء في الصحيح عن عائشة أنها قالت: (من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم). وكذلك قراءة القرآن، كان يتلو على حسب الحال، إن كان عنده من يتأذى بالجهر كالنائم فإنه يخفت بها، وإن لم يكن عنده من يتأذى جهر.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في اغتسال رسول الله من الجنابة في أول الليل وآخره

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في اغتسال رسول الله من الجنابة في أول الليل وآخره غضيف بن الحارث السكوني روى عن عمر وبلال وروى عنه مكحول وعبادة بن نسي ويقال: الثمالي أبو أسماء الحمصي مختلف في صحبته، ومنهم من فرق بين غضيف بن الحارث وغطيف بن الحارث، قال ابن أبي حاتم: قال أبي وأبو زرعة: غضيف بن الحارث له صحبه. ومن قال: إن اسمه الحارث بن غضيف فقد وهم وإنما هو غضيف وقد بقي إلى زمن عبد الملك بن مروان، وقال العجلي: غضيف بن الحارث تابعي ثقة، وقال الدارقطني: ثقة من أهل الشام. وعبادة بن نسي الكندي أبو عمروا الأردني ثقة من الثالثة، قاضي طبرية روى عن أبي الدرداء وأبي موسى وشداد بن أوس وغضيف بن الحارث وخباب بن الأرت وخلق كثير، وعنه برد بن سنان والمغيرة بن زياد وطائفة، وثقه ابن معين، مات سنة ثمانية عشرة. والحديث ثابت، وما دل عليه الحديث له شواهد كثيرة في الصحيحين وفي غيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما أخر الاغتسال إلى آخر الليل، وكذلك أيضاً الإيتار كان يوتر أول الليل وكان يوتر آخره.

شرح حديث: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة)

شرح حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب)]. هذا الحديث سبق وأن أخرجه النسائي، والحديث في صحته نظر، من أجل الكلام في عبد الله بن نجي وفي أبيه، قال البخاري رحمه الله: عبد الله بن نجي فيه نظر وأبوه نجي أيضاً فيه كلام. وقال الحافظ: مقبول وفي حديثه كلام. والعلماء اختلفوا في صحة حديثه منهم من صحح حديثه، ومنهم من لم يصحح حديثه، ولو صح فهو محمول على ما إذا لم يتوضأ، كما بوب النسائي رحمه الله باب الجنب إذا لم يتوضأ وساق هذا الحديث وكما بوب البخاري رحمه الله باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل. وسبق الكلام على أن قوله: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب) هذا الحديث مخرج في الصحيحين، والمراد بالكلب غير كلب الصيد والزرع والغنم، والمراد بالصورة صور ذوات الأرواح ويستثنى من هذا الصور الصور الممتهنة، وكذلك صور غير ذوات الأرواح. وسبق أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب أن ينام إذا توضأ، وربما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الغسل إلى آخر الليل، فقوله: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب) هذا الحديث فيه ضعف. ولهذا اختلف العلماء في صحته، والأقرب أن هذه الرواية لا تصح، وإن صحت فهي محمولة على ما إذا لم يتوضأ كما سبق. والصورة مطلقاً لا تجوز إلا للضرورة، وصور ذوات الأرواح لا تجوز إلا إذا أزيل الرأس والوجه.

شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء)

شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء). قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي الواسطي، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم، يعني حديث أبي إسحاق]. أبو إسحاق السبيعي متكلم فيه، وهذا الحديث فيه كلام كثير للعلماء، والمستنكر منه قوله: (من غير أن يمس ماء) فإن هذا مخالف للأحاديث الصحيحة التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب أن ينام إذا توضأ، وربما أخر الغسل إلى آخر الليل. وقد اختلف العلماء في ثبوت هذه اللفظة: (من غير أن يمس ماء) فقد نقل أبو داود عن الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم، يعني: حديث أبي إسحاق. ونقل ابن القيم رحمه الله كلاماً للعلماء في هذا ورجح أن هذه اللفظة وهم، والصواب ما قاله ابن القيم أن هذه اللفظة وهم وغلط من أبي إسحاق السبيعي، وعليه فلا يصح الحديث وعلى هذا لو صح هذا الحديث فله جوابان كما قال النووي رحمه الله. الجواب الأول: أن المراد أنه لا يمس ماء للغسل، لكنه يمس ماءً للوضوء. والثاني: أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلاً؛ لبيان الجواز. والصواب أن هذه اللفظة غير صحيحة وهذا الحديث غير صحيح. وأبو إسحاق رحمه الله مدلس، فيحتمل أنه دلسه عن غيره؛ لأن الأحاديث كثيرة كما في رواية الأسود عن عائشة رضي الله عنها في إثبات الوضوء، فيحتمل أنه دلس عن غير الأسود. وقد جاء عند البيهقي التصريح بالسماع في هذه الرواية، ولو ثبت هذا فهو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، أو أنه ترك الوضوء في هذه المرة لبيان الجواز.

قراءة القرآن للجنب

قراءة القرآن للجنب

شرح حديث: (ولم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة)

شرح حديث: (ولم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يقرأ القرآن. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان: رجل منا، ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي وجهاً وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما، ثم قام فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن؛ فأنكروا عليه ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرؤنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه أو قال: يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة)]. هذا الحديث في هذه الترجمة لبيان حكم قراءة الجنب للقرآن، وفيه قصة عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على علي أنا ورجلان رجل منا من بني مراد، ورجل من بني أسد، فبعثهما علي وجهاً -أي: في جهة ولاية- وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما. قال: ثم قام فدخل المخرج، -وهو بيت الخلاء- ثم خرج فدعا بماء فتمسح منه ولم يتوضأ، ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا ذلك، فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن، ويأكل اللحم، ولا يمنعه شيء من القرآن إلا الجنابة، أو لا يحجُبُه أو يحجِبه -من باب نصر ينصر، أو من باب ضرب يضرب- أو قال: لا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة) يعني: إلا الجنابة. وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وهو حديث ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن سلمة المرادي، وأنكر من حديثه، ولا يتابع عليه، ولكن ورد في الباب أحاديث يقوي بعضها بعضاً فتصلح للاحتجاج، ولهذا ذهب الجمهور من العلماء إلى أن الجنب لا يقرأ شيئاً من القرآن ولو كان عن ظهر قلب، وهذا الحديث -وإن كان ضعيفاً- لكن له شواهد يتقوى بها، وجاء في الحديث الآخر: (فأما الجنب فلا ولا آية)، ومراده عن ظهر قلب. وأما إذا كان حدثه أصغر، فإنه يجوز له أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب لكن لا يمس المصحف حتى يتوضأ، ومن كان يدرس طلاباً مميزين، فعليه أن يأمرهم بالوضوء قبل أن يمسوا القرآن الكريم. واختلف العلماء في الحائض والنفساء هل يقرأان القرآن؟ على قولين: فذهب الجمهور إلى أنهما لا يقرأان، وقالوا: إن حدثهما أغلظ من الجنب، واستدلوا بحديث ضعيف في ذلك، وذهب إلى هذا كثير من الفقهاء كالحنابلة وغيرهم. والقول الثاني: أنهما يقرأان، ولا يقاسان على الجنب كما قال الجمهور؛ لأنه قياس مع الفارق، فالجنابة مدتها قصيرة، والحيض والنفاس مدتهما طويلة، فقد تنسى الحائض والنفساء القرآن إذا كانتا حافظتين له، فتضطران إلى قراءته، وليس هناك دليل يمنعهما من قراءة القرآن، والقياس هنا قياس مع الفارق. والصواب أن الحائض والنفساء لا بأس أن يقرأان القرآن عن ظهر قلب؛ لأنه ليس هناك دليل يمنعهما، وقياسهما على الجنب قياس مع الفارق. وهل يقرأ الجنب إذا خشي أن يضيع القرآن عليه؟ فيه خلاف أيضاً، والأحاديث فيها ضعف، لكن يقوي بعضها بعضاً، وهناك رسالة للشيخ سليمان العلوان في الجنب لم أتمكن من قراءتها، وقد ذهب فيها إلى أن الجنب يقرأ القرآن، والمعروف عند جمهور العلماء أن الجنب لا يقرأ القرآن، والأحاديث -وإن كان فيها ضعف- يشد بعضها بعضاً.

كتاب الطهارة [15]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [15] إن المؤمن طاهر لا ينجس، وإن أصابته جنابة فإنها لا تمنعه من مصافحة إخوانه المؤمنين ومجالستهم، ولما كانت المساجد بيوت الله في الأرض كان على المؤمن أن لا يمكث فيها إلا وهو طاهر من الجنابة.

حكم مصافحة الجنب

حكم مصافحة الجنب

شرح حديث حذيفة وأبي هريرة في عدم نجاسة المسلم الجنب

شرح حديث حذيفة وأبي هريرة في عدم نجاسة المسلم الجنب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصافح. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب. فقال: إن المسلم ليس بنجس). حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى وبشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟! قال: قلت: إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة. قال: سبحان الله! إن المسلم لا ينجس). قال: وفي حديث بشر قال: حدثنا حميد قال: حدثني بكر]. هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجة، وهو دليل على أن المسلم طاهر الأعضاء والجسم والعرق واللعاب والثياب، وهذا الحديث أصل في طهارة المسلم حياً وميتاً. والكافر نجاسته معنوية لا حسية؛ ولهذا يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية اليهودية أو النصرانية كما قال الله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:5] يعني: حل لكم، ومعلوم أنه إذا تزوجها فإنه سيمسها أو يصيبه عرق منها، ولا يجب عليه أن يغسل يديه منها. في هذا الحديث دليل على جواز تأخير الغسل، وهذا يدل على ضعف ما حسنه بعض العلماء في الحديث السابق: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب)، وحمله بعضهم على المتهاون في الاغتسال، والواجب أنه إذا جاء وقت الصلاة يغتسل، فـ أبو هريرة وحذيفة أخرا غسل الجنابة ولم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه لا بأس بتأخير الغسل. وقوله: [وفي حديث بشر قال: حدثنا حميد قال: حدثني بكر] مقصوده أنه صرح حميد بالتحديث هنا، وقد عنعن في السند السابق، فمقصود المؤلف أن يبين تصريح حميد وبشر بالتحديث. وهذا الحديث فيه دليل على أنه لا بأس بمصافحة الجنب كما بوب المؤلف رحمه الله، فمصافحته ومماسته والسلام عليه لا بأس بها.

حكم دخول الجنب المسجد

حكم دخول الجنب المسجد

شرح حديث: (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)

شرح حديث: (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يدخل المسجد. حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أفلت بن خليفة حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً؛ رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعدُ فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب). قال أبو داود: هو فليت العامري]. هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان حكم دخول الجنب المسجد، ومثله الحائض والنفساء؛ لأنهما في معناه. ذكر في هذا الحديث حديث عائشة رضي الله عنها وفي سنده جسرة بنت دجاجة قال عنها في التقريب: مقبولة، يعني إذا توبع حديثها كان حسناً لغيره. وفليت العامري لا بأس به، وقد تكلم فيه بعضهم ولا بأس به. والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن توجه البيوت الشارعة في المسجد، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفتحون أبواباً صغاراً يسمى الواحد منها الخوخة على المسجد؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في آخر حياته: (لا تبقى خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر رضي الله عنه)؛ وفي هذا الحديث دليل على أنه هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استدل به الصحابة على ذلك. ومن الأدلة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على الصلاة في مرض موته عليه الصلاة والسلام. وكأن هذه البيوت كانت موجهة إلى المسجد، وكأنها هي الأبواب الرئيسية التي كانوا يخرجون منها إلى المسجد، ويكون المسجد طريقاً؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصرف إلى جهة أخرى. والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)، والحديث وإن كان في سنده بعض الشيء إلا أن الآية الكريمة واضحة في هذا، وهي قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43]، فدلت الآية الكريمة على أنه لا يجوز للجنب أن يدخل المسجد إلا إذا كان عابر سبيل، ومثله الحائض والنفساء، فكلاهما ليس لها أن تمكث في المسجد، والجنب كذلك ليس له أن يمكث في المسجد، وإنما يجوز العبور، فيعبر المسجد ويخرج من باب ويدخل من باب، وكذلك المرأة الحائض تأخذ شيئاً إذا أمنت من تلويث المسجد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة كما سبق: (ناوليني الخمرة، قالت: إني حائض! قال: حيضتك ليست في يدك). والعلماء اختلفوا في هذه المسألة، فمن العلماء من ذهب إلى ما دل عليه الحديث مع الآية الكريمة، وقال: لا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد وكذلك الحائض والنفساء إلا إذا كان ذلك عبوراً، ومن العلماء جماعة أجازوه مطلقاً، ومن العلماء من قال: لا يجوز إلا ألا يجد بداً منه، والصواب ما دلت عليه الآية الكريمة والحديث، وهو أنه لا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد إلا إذا كان عابراً، وكذلك الحائض والنفساء كأن تأخذ وتتناول منه شيئاً. واختلف العلماء فيما إذا توضأ الجنب هل يجوز له أن يمكث في المسجد أو ليس له ذلك؟ من العلماء من منع من ذلك، وذهب الإمام أحمد وجماعة إلى جواز المكث في المسجد للجنب إذا توضأ؛ لما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عطاء بن يسار أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يجلسون في المسجد وهم جنب إذا توضئوا وضوء الصلاة، قال الحافظ ابن كثير: إسناده صحيح على شرط مسلم؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد وجماعة إلى أنه لا بأس حينئذٍ بالمكث؛ لأنه إذا توضأ خفت جنابته، ويجوز في حقه أحكام ليست للجنب الذي لم يتوضأ، من ذلك: أن الجنب إذا توضأ فإنه يأكل ويشرب وينام بلا كراهة، ففي حديث عمر رضي الله عنه في البخاري وغيره أنه قال: (يا رسول الله! أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ)، فإذا توضأ خفت الجنابة، وجاز له الوضوء، وجاز له النوم، وجاز له الأكل والشرب، وكذلك المكث في المسجد؛ بلا كراهة لهذه الآثار عن الصحابة، والصحابة أعلم الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي آثار جيدة لا بأس بها. وجسرة بنت دجاجة بكسر الدال، روت عن أبي ذر وعلي وعائشة وأم سلمة، وهي معدودة في أهل الكوفة، روى عنها: غيلان بن عبد الله العامري وأفلت بن خليفة، قال العجلي: ثقة، لكن توثيقه لا يعتبر، وقد ورد ما يدل على أن لحديثها شواهد، فأخرج ابن مندة بسند عال عن خزامة عن جسرة قالت: أتانا آت يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأشرف على الجبل فقال: يا أهل الوادي انحرف الدين (ثلاث مرات)، وعلى كل حال حديثها هذا يوافق ما دلت عليه الآية. والآثار السابقة جاءت في الجنب لا الحائض؛ لأن الحائض يخشى أن تلوث المسجد، فيقتصر على ما جاء في الآثار. والطواف يعتبر لبثاً طويلاً، فقد يطوف الإنسان في الزحام لمدة ساعة أو ساعتين.

ما جاء في الجنب يصلي بالناس وهو ناس

ما جاء في الجنب يصلي بالناس وهو ناس قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده: أن مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم). حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه، وقال في أوله: (فكبر)، وقال في آخره: (فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً). قال أبو داود: رواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (فلما قام في مصلاه وانتظرناه أن يكبر انصرف ثم قال: كما أنتم). ورواه أيوب وابن عون وهشام عن محمد -يعني ابن سيرين - مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فكبر ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا، فذهب فاغتسل). وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة). قال أبو داود: وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر. حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي ح وحدثنا عياش بن الأزرق أخبرنا ابن وهب عن يونس ح وحدثنا مخلد بن خالد حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء حدثنا رباح عن معمر ح وحدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي؛ كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس: مكانكم، ثم رجع إلى بيته فخرج علينا ينطف رأسه قد اغتسل ونحن صفوف)، وهذا لفظ ابن حرب. وقال عياش في حديثه: (فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج علينا وقد اغتسل)]. هذه الترجمة معقودة للجنب إذا صلى بالناس وهو ناس للجنابة، والحديث المسند الأخير أخرجه الشيخان والنسائي، وهو صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل في الصلاة، وإنما أراد أن يكبر ثم تذكر، فذهب واغتسل، ورجع وصلى بالناس. أما الحديث الأول حديث أبي بكرة ففيه: (أنه صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة وكبر ثم تذكر ثم أومأ إليهم وقال: مكانكم)، ثم ذهب، واغتسل، وجاء، وأكمل بهم الصلاة، وهم قيام ينتظرونه، وذكر المؤلف رحمه الله رواية محمد بن سيرين وعطاء بن يسار والربيع بن محمد وكلها مرسلة تؤيد حديث أبي بكرة في أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعدما دخل في الصلاة وكبر، واختلف العلماء هل هما قصتان أو قصة واحدة؟ فمن العلماء من ذهب إلى أنهما قصة واحدة، وتأول حديث أبي بكرة في قوله: كبر، يعني كاد أن يكبر، وكذلك الأحاديث المرسلة تأولها على أنه كاد أن يكبر لتوافق الأحاديث الصحيحة؛ لأنها لو لم تتأول لكانت معارضة للأحاديث الصحيحة، والأحاديث الصحيحة المسندة مقدمة عليها. ومن العلماء من قال: إنهما قصتان، وذهب إلى هذا النووي وقال: إنه الأظهر، وجزم بذلك ابن حبان وقال: إنهما واقعتان، وإذا كانا كذلك فلا إشكال، وإن كانت قصة واحدة فالتأويل بأن كاد أن يكبر فيه نوع تعسف، والعمدة على الحديث الصحيح. إن الإمام إذا تذكر أن عليه جنابة فإن كان قبل أن يصلي بالناس فإنه يذهب ويغتسل، وهم ينتظرونه إن لم يشق عليهم، وإن شق عليهم قدموا من يصلي بهم، أما إذا كان قد دخل في الصلاة ثم تذكر، فهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من قال: إن صلاة المأمومين صحيحة وهم معذورون، وعلى هذا يدل حديث أبي بكرة والروايات المرسلة التي فيها أنه كبر وقال: (كما أنتم وأشار إليهم)، ثم ذهب واغتسل وصلى بهم، وأكملوا الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة أول الصلاة، فدل على أن صلاة الجنب إذا صلى بالناس، أو صلى الإمام بالناس وهو على غير طهارة، ثم تذكر؛ فإن صلاتهم صحيحة ولا يعيدون، وإنما الإمام يغتسل أو يتوضأ ويعيد الصلاة وحده، ويؤيد هذا حديث أبي هريرة في صحيح البخاري: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم). ويؤيد هذا ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس الصبح، ثم غدا إلى أرضه في الجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً. فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وأعاد صلاته، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة، وكذلك ثبت أيضاً عن عثمان رضي الله عنه أنه صلى بالناس وهو جنب، فأعاد الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة؛ فدل هذا على أن الإمام إذا صلى بالناس وهو على غير طهارة، ثم تذكر بعد ذلك فإنه يعيد الصلاة، ولا يعيدون. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنهم يعيدون، قال أبو حنيفة وجماعة: يجب عليهم الإعادة، واستدلوا بحديث: (الإمام ضامن)، وقالوا: إن هذه الأحاديث مرسلة لا تقوم بها حجة. وإذا تذكر في أثناء الصلاة فقد اختلف العلماء أيضاً في هذه المسألة، على قولين: القول الأول: ذهب الحنابلة وجماعة إلى أنه يفرق بين ما إذا سبقه الحدث، وما إذا لم يسبقه الحدث، فإن تذكر وهو في أثناء الصلاة أنه على غير طهارة أو أحدث فإنه في هذه الحالة يقطع الصلاة، ويستأنفون صلاتهم من جديد. أما إذا حس بأنه لا يستطيع الاستمرار، وهو على طهارة، فإنه يتأخر، ويقدم من يتم بهم الصلاة. والقول الثاني لأهل العلم: أنه لا فرق بين الصورتين، وأن الإمام إذا تذكر أنه على غير طهارة، ولو سبقه الحدث؛ فإنه يقدم من يتم بهم الصلاة، ويكون معذوراً في هذا، والدليل على هذا حديث الحسن عن أبي بكرة، والحديث الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله، والآثار التي وردت في هذا، ففيها دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما كبر، ذهب واغتسل، ثم جاء وأتم بهم الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة بقية الصلاة، ويؤيد هذا حديث البخاري: (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم)، والأرجح أنه لا فرق بين الصورتين، وأن الإمام يستخلف من يتم بهم الصلاة سواء سبقه الحدث أو لم يسبقه. والحديث الأول الذي ذكره المؤلف فيه رواية الحسن عن أبي بكرة، وهو قد سمع منه، فهو حجة، وهو دليل على أن الإمام إذا صلى وهو جنب أو عليه حدث ولم يعلم إلا بعد انتهاء الصلاة، فإن صلاة المأمومين صحيحة، وإنما على الإمام أن يتوضأ أو يغتسل ويعيد الصلاة وحده.

حكم الرجل يجد البلة في منامه

حكم الرجل يجد البلة في منامه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: في الرجل يجد البلة في منامه. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلاماً؟ قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل؟ قال: لا غسل عليه، فقالت أم سليم رضي الله عنها: المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: نعم، إنما النساء شقائق الرجال)]. هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة، وفي سنده عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه، قال في التقريب: ضعيف عابد من السابعة، روى عن أخيه عبيد الله بالتصغير، وهو أحفظ من أخيه عبد الله المكبر. والحديث فيه: أن النائم إذا وجد بللاً بعد اليقظة من النوم ولم يذكر احتلاماً فإنه يغتسل، أما إذا رأى أنه يجامع في الليل ولكنه لم ير احتلاماً فإنه لا يغتسل. والحديث وإن كان فيه عبد الله بن عمر العمري إلا أنه يؤيده الحديث الآخر: (إنما الماء من الماء)، ويؤيده حديث أم سليم في الصحيحين أنها قالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق)، وهو الحديث الذي أتى به المؤلف رحمه الله بعد هذا، وفيه: قالت: (المرأة ترى ما يرى الرجل أعليها غسل؟ قال: نعم، إذا رأت الماء)، فإذا رأى الرجل في ثوبه بلة، وتحقق أنه احتلام، فإنه يجب عليه أن يغتسل، وكذلك المرأة إذا رأت الماء، فإنها تغتسل، أما إذا لم ير بللاً، فإنه لا يجب عليه الغسل، ولو رأى في النوم أنه يجامع، وكذلك المرأة إذا رأت أنها تجامع ولم تر بللاً، فلا يجب عليها الاغتسال، فالحكم معلق بوجود الماء. قال في ترجمة الراوي: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري روى عن أخيه عبيد الله، وزيد بن أسلم وعنه ابنه عبد الرحمن وابن وهب ووكيع، قال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق في حديثه اضطراب، وضعفه النسائي، وقال ابن عدي: لا بأس به. توفي سنة إحدى وسبعين ومائة. وقوله: (إنما النساء شقائق الرجال) يعني: إن المرأة مثل الرجل في هذا، والأصل: أن النساء مثل الرجال في الأحكام إلا ما دل الدليل على الخصوصية. وشقيق الرجل: هو أخوه لأبيه وأمه، والإخوة من الأب والأم يقال لهم: أشقاء، ويقال لهم: إخوة أعيان، وأما إذا كان أبو الإخوة واحداً وأمهاتهم شتى فيقال عنهم: إخوة علات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا معاشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد وأمهاتنا شتى)، وإذا كانت الأم واحدة والآباء متعددون يقال عنهم: إخوة أخياف. وفي هذا الحديث من الفوائد: إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قاس الرجال على النساء. وفيه الرد على من أنكر القياس، كالظاهرية ومنهم ابن حزم وجماعة أنكروا القياس.

حكم المرأة إذا رأت ما يرى الرجل

حكم المرأة إذا رأت ما يرى الرجل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة ترى ما يرى الرجل. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: قال عروة: عن عائشة رضي الله عنها: (أن أم سليم الأنصارية وهي أم أنس بن مالك رضي الله عنهما قالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أم لا؟ قالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فلتغتسل إذا وجدت الماء. قالت عائشة رضي الله عنها: أقبلت عليها فقلت: أف لك وهل ترى ذلك المرأة؟! فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تربت يمينك يا عائشة! ومن أين يكون الشبه؟!). قال أبو داود: وكذا روى الزبيدي وعقيل ويونس وابن أخي الزهري عن الزهري وابن أبي الوزير عن مالك عن الزهري، ووافق الزهري مسافع الحجبي قال: عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]. الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة، والمؤلف رحمه الله رجح رواية الزهري عن عروة عن عائشة، فتكون عائشة هي التي قالت هذا. والشيخان رويا هذا الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة، أم سلمة هي التي قالت ذلك، وجمع النووي بينهما في شرح مسلم بأن عائشة وأم سلمة أنكرتا على أم سليم، وأنه لا مانع من أن تكون كلاهما حاضر، وتكون أم سلمة وعائشة كلاهما أنكرتا على أم سليم. قال الحافظ ابن حجر: وهو جمع جيد. واستحسن هذا. وعلى كل حال فالحديث ثابت، وفيه إثبات الحياء لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته خلافاً لمن تأوله مثل النووي والحافظ، يقول الحافظ: المراد بالحياء هنا معناه اللغوي، والحياء الشرعي خير كله، وقد تقدم أن الحياء تغير وانكسار، وهو مستحيل في حق الله تعالى، فيحمل على أن المراد أن الله لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يمنع منه في الحق، وهذا تأويل ليس بصحيح، والصواب إثبات الحياء لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته، والله تعالى له صفات لا تماثل صفات المخلوق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فالحياء والعلم والكلام والسمع والبصر والاستواء صفات الذات، وصفات الذات كلها تثبت لله كما يليق بجلاله وعظمته، وحياء المخلوق هو الذي يكون فيه ضعف، أما حياء الخالق فهو كما يليق به سبحانه وتعالى، قال عز وجل في كتابه المبين: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:53]. وفي هذا الحديث أن أم سلمة وعائشة أنكرتا على أم سليم الاحتلام، وقالتا: هل المرأة تحتلم؟! والنبي صلى الله عليه وسلم قد صدق أم سليم، وبين أن المرأة تحتلم، لكن إنكار عائشة وأم سلمة يدل على أن الاحتلام في النساء قليل، ولهذا قال ابن عبد البر: فيه دليل على أنه ليس كل إنسان يحتلم، قال: وقد يوجد من لا يحتلم من الرجال، إلا أن ذلك في النساء أكثر، فالنساء أقل احتلاماً من الرجال؛ ولهذا أنكرت عائشة وأم سلمة على أم سليم ذلك لقلة وقوع الاحتلام من النساء؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تربت يمينك ومن أين يكون الشبه؟!) يعني: أن الولد يتولد من ماء الرجل وماء المرأة، قال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5 - 7] أي: من صلب الرجل وترائب المرأة، والترائب: عظام في الصدر، فإذا اجتمع الماءان خلق الله الإنسان منهما، فهو مخلوق من ماء الرجل ومن وماء المرأة، وكأن هذه الآية خفيت على عائشة وأم سلمة أو أنها لم تنزل إلا بعد ذلك؛ لأن الآية واضحة. والشبه قد يكون للرجل، وقد يكون للمرأة، وأيهما غلب كان الشبه له، كما جاء في الحديث الآخر: (أيهما غلب أو سبق كان الشبه له). وفيه دليل على أن المرأة إذا احتلمت ورأت الماء -وهو المني- وجب عليها الغسل كالرجل، وهذا يؤيد الحديث السابق حديث عبد الله العمري ويعضده ويشهد له، فإذا رأى المحتلم الماء فإنه يغتسل، سواء كان رجلاً أو امرأة، إذا احتلم في الليل، ثم رأى الماء فإنه يجب عليه الغسل. وقول النبي: (تربت يمينك) مثل قوله: (عقرى حلقى)، أصلها تربت يمينك يعني: لصقت يدك بالتراب من شدة الفقر، ومثله: عقرى حلقى، أي: عقرك الله وحلق شعرك، ومثل قوله: قاتله الله، وهذه كلمات تجري على اللسان وليس المقصود منها الدعاء على الصحيح، وإنما المقصود منها الزجر أو الحث على الفعل، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فهو من باب الحث، وليس المقصود الدعاء عليه بالفقر، فهي كلمة كانت تجري على ألسنة العرب والمقصود بها الحث على فعل الشيء أو الزجر عنه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم أطفال الأنابيب

حكم أطفال الأنابيب Q ما حكم التلقيح الصناعي؟ A هذه المسألة تعرف بطفل الأنابيب، والمجمع الفقهي له بحث مطول في هذا، والأصل المنع منه؛ لأن فيه وسيلة لاختلاط الأنساب، فيمنع منه إلا في حدود ضيقة بشروط معروفة؛ لأنه يخشى أن يؤتى بمني رجل أجنبي ويحقن في امرأة أجنبية، فتختلط الأنساب.

حال حديث: (لا حياء في الدين)

حال حديث: (لا حياء في الدين) Q مقولة: (لا حياء في الدين) هل هي حديث؟ A هذه المقولة ليست حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قالت أم سليم: (إن الله لا يستحيي من الحق).

احتلام نساء النبي عليه الصلاة والسلام

احتلام نساء النبي عليه الصلاة والسلام Q هل نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلمن لأنه من الشيطان؟ A ليس هذا ببعيد، لكن حتى غير نساء النبي قد لا يحتلمن، فاحتلام النساء قليل؛ ولهذا أنكرت ذلك أم سلمة وعائشة.

كتاب الطهارة [16]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [16] غسل الجنابة واجب على المسلم تعبداً لله وامتثالاً لأمره، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الغسل وما الذي يجب فيه وما يستحب.

المقدار الذي يجزئ في الغسل

المقدار الذي يجزئ في الغسل

شرح حديث اغتسال رسول الله من الفرق للجنابة

شرح حديث اغتسال رسول الله من الفرق للجنابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق من الجنابة). قال أبو داود: قال معمر عن الزهري في هذا الحديث، قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، فيه قدر الفرق). قال أبو داود: وروى ابن عيينة نحو حديث مالك. قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلاً، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث. قال: فمن قال: ثمانية أرطال؟ قال: ليس ذلك بمحفوظ. قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى. قيل: الصيحاني ثقيل؟ قال: الصيحاني أطيب. قال: لا أدري]. هذ الترجمة في بيان مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل، وذكر فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء هو الفرق، والفرق مكيال مقدار ثلاثة آصع، هذا أصح ما قيل فيه. وفي رواية الزهري قالت عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد فيه قدر الفرق) يعني: -مقدار الآصع- وفي اللفظ الآخر: (تختلف أيدينا)، وفي اللفظ الآخر: (حتى أقول: دع لي، ويقول: دعي لي) وفيه دليل على جواز اغتسال الرجل وزوجته من إناء واحد، وأنه لا بأس أن ينظر الرجل إلى عورة امرأته وتنظر إلى عورته؛ لأنها حل له وهو حل لها، وأما حديث: (ما رأيت منه ولا رأى مني) يعني: العورة فهو حديث ضعيف لا يقاوم الأحاديث الصحيحة. وفي هذا الحديث أن أبا داود سأل الإمام أحمد رحمه الله عن الفرق؟ فقال: ستة عشر رطلاً، وهو ثلاثة آصع، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصاع خمسة أرطال وثلث؛ ولهذا قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث، فيكون الفرق ستة عشر رطلاً، وهو ثلاثة آصع، فسأل أبو داود الإمام أحمد عمن قال: ثمانية أرطال؟ فقال: ليس ذلك بمحفوظ، وهذا هو ما ذهب إليه الأحناف، فقد ذهبوا إلى أن الصاع ثمانية أرطال، ولم ير هذا أحمد وقال: ليس ذلك بمحفوظ. قال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى، يعني: أن الصاع في الماء وفي صدقة الفطر خمسة أرطال وثلث. وقوله: الصيحاني ثقيل، الصيحاني تمر معروف في المدينة. وقوله: الصيحاني أطيب. قال: لا أدري. هذه اللفظة فيها اختلاف، والأصل أن الصاع أربعة أمدد، والمد ملء كفي الرجل المتوسط، والصاع أربع حفنات كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط الذي ليست يداه كبيرتين ولا صغيرتين، وهذا هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم. وأبو حنيفة ذهب إلى أن الصاع ثمانية أرطال، وكان أبو يوسف الصاحب الأول يذهب إلى قول أبي حنيفة، ثم بعد أن ذهب إلى الحجاز وأروه الصاع النبوي ذهب إلى أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وترك قول أبي حنيفة، وقد روى البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي قال: قدم علينا أبو يوسف من الحج، فقال: إني أريد أن أفتح لكم باباً من العلم أهمني، ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألتهم عن الصاع، فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لهم: ما حجتكم في ذلك؟ قالوا: نأتيك بالحجة غداً، فلما أصبحت أتاني نحو خمسين شيخاً من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه، كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها سواء، خمسة أرطال وثلث، فرأيت أمراً قوياً فتركت قول أبي حنيفة في الصاع، وأخذت بقول أهل المدينة. والمراد هنا بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل في الغالب بالصاع، ويتوضأ بالمد، وربما توضأ بثلثي المد، وربما اغتسل بأقل من الصاع، وكان يغتسل هو وزوجته بثلاث آصع في الغالب، وقد يزيد يسيراً، وليس المراد التحديد، وقد ذكر الشارح كلاماً جيداً في هذا، قال: واعلم أنه ليس الغسل بالصاع أو الفرق للتحديد والتقدير، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اقتصر على الصاع، وربما زاد عليه، والقدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر سواء كان صاعاً أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلاً، أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف. إذاً: ليس هناك تحديد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع، فإذا اغتسل الإنسان بالصاع أو أكثر فلا حرج، أو أقل فلا حرج، المهم أن يعمم البدن على الوجه المعتاد وعلى الوجه المعتبر، فإذا عمم بدنه بالماء سواء كان صاعاً أو أقل أو أكثر فلا حرج ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلاً، فلو أتى بمد أو بنص مد واغتسل به فهذا لا يصل إلى حد يسمى صاحبه مغتسلاً، بل هذا مسح، وليس المقصود أن يمسح بدنه، بل المقصود أن يغسل بدنه ويعمه بالماء. وهذا الحديث أخرجه الشيخان وله ألفاظ.

الغسل من الجنابة

الغسل من الجنابة

شرح الأحاديث الواردة في صفة غسل الجنابة

شرح الأحاديث الواردة في صفة غسل الجنابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الغسل من الجنابة. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق قال: حدثني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: (أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً وأشار بيديه كلتيهما)]. هذا الباب معقود لبيان كيفية الاغتسال، وذكر في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، والحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة. وفيه استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثاً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً وأشار بيده كلتيهما)، ولم يذكر بقية الغسل؛ لأنه جاء في الأحاديث الأخرى، وإنما فيه بيان إفاضة الماء على الرأس ثلاثاً، وهذا هو المستحب، والواجب في الغسل إيصال الماء إلى أصول الشعر، لكن كونه يفيض الماء على رأسه ثلاثاً فهذا مستحب، وهو الأفضل. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء من نحو الحلاب، فأخذ بكفيه، فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي، وفيه استحباب البداءة بالميامن في التطهر، ولهذا قال: (فبدأ بشق رأسه الأيمن). وفيه أنه أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه. وقوله: (من نحو الحلاب) ذكر الخطابي أن الحلاب إناء يسع قدر حلب الناقة. والبخاري رحمه الله في صحيحه تأول هذا على استعمال الطيب في الطهور، قال الخطابي: هذا من البخاري وهم، وليس الحلاب من الطيب في شيء، وإنما هو ما فسرت لك. وفي هذا الحديث أنه بدأ بشقه الأيمن، وهذا هو الأفضل، ولم يذكر بقية الغسل، فيؤخذ من الأحاديث الأخرى. وفيه استحباب البداءة بالميامن، يبدأ بشقه الأيمن، وإن لم يبدأ فلا حرج، وإذا عمم بدنه بالماء كفى سواء بدأ بالأيمن أو بالأيسر، لكن الأفضل أن يبدأ بالشق الأيمن من الرأس وكذلك أيضاً يبدأ بشقه الأيمن من الجسد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - عن زائدة بن قدامة عن صدقة قال: حدثنا جميع بن عمير أحد بني تيم الله بن ثعلبة قال: (دخلت مع أمي وخالتي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند الغسل؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرار، ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر)]. هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة، وفي سنده جميع بن عمير، قال بعضهم: لا يحتج بحديثه، وقال في التقريب: صدوق يخطئ ويتشيع. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض بالماء على رأسه ثلاث مرار، لكن المستنكر هنا قوله: (ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر)، ففيه أن عائشة خالفت فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض على رأسه ثلاثاً، وهي تفيض على رأسها خمساً من أجل الظَّفْر وهو شد الشعر أو من أجل الظُفُرْ وهي الخصلة من الشعر، وهو معارض لحديث أم سلمة الآتي: (يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين على سائر جسدك)، وهذا هو المعتمد، ولعل هذا من أوهام جميع بن عمير، ففي ترجمته: جميع بن عمير التميمي: أبو الأسود كوفي شيعي. عن عائشة وابن عمرو وعوام بن حوشب والأعمش، قال البخاري: فيه نظر. قال ابن أبي حاتم: صادق الحديث. البخاري لطيف العبارة في التجريح، فإذا قال: فيه نظر، فمعناه: لا يحتج به، فلعل قوله: (ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر) من أوهام جميع، ولا يمكن أن عائشة تخالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولاسيما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أم سلمة الآتي: (يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات). قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ح وحدثنا مسدد قالا: أخبرنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: _ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة -قال سليمان: يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد: غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، ثم اتفقا- فيغسل فرجه -وقال مسدد: يفرغ على شماله- وربما كنّت عن الفرج ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل يده في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثاً، فإذا فضل فضلة صبها عليه)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ أولاً بغسل فرجه وما حوله، ثم يفيض بيمينه على شماله، فيغسل يده. وقوله: وربما كنّت عن الفرج، الكناية هي أن يعبر عن الشيء بما يفيد المعنى بعبارة ليس فيها ما يستنكرها الإنسان، فيعبر عن الشيء الذي يستحى منه بلفظ يفهم منه المعنى. وقد جاء في الحديث الآخر: أنه كان يضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً لإزالة ما علق بها من الرائحة، وكانت الجدران من طين، فإذا ضرب يده في الجدار علق به الطين ثم صب عليه الماء فتزول الرائحة، والآن لا يجد الإنسان التراب لا في الجدار ولا في الأرض، ولكن يغني عن ذلك الصابون أو ما ينوب عنه، وإذا لم يجد صابوناً وصب عليه الماء يكفي، لكن من باب النظافة إذا أصاب شيئاً من الصابون أو ضرب يده بالأرض أو الحائط كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لإزالة الرائحة فهو أفضل. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ فيغسل فرجه وما حوله، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يخلل شعره ويصب على رأسه ثلاثاً، وهذا هو الأفضل، والواجب إيصال الماء إلى أصول الشعر ولو مرة واحدة، فإذا فضلت فضلة صبها عليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن علي الباهلي حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما، ثم غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه)]. هذا الحديث فيه اختصار، وفيه بيان كيفية الغسل من الجنابة، وهو أنه يبدأ بكفيه -كما جاء في عدة أحاديث- فيغسلهما ثلاثاً، وقد جاء في حديث عائشة وفي حديث ميمونة أن المسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة يبدأ بغسل كفيه، وقبل ذلك يجب عليه أن ينوي، فإن انغمس في الماء ناوياً التبرد لا يرتفع عنه الحدث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فلا بد من النية، ثم يسمي، والتسمية في الوضوء وفي الغسل مستحبة عند جمهور العلماء، وأوجبها طائفة من أهل العلم، وهم الحنابلة وجماعة، قالوا: والأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنه يشد بعضها بعضاً، فتكون من باب الحسن لغيره، وقد ساق الحافظ ابن كثير رحمه الله الآثار في آية الوضوء التي جاءت في سورة المائدة، وهي كثيرة وقال: إنه يشد بعضها بعضاً. قوله: (ثم غسل مرافغه) المراد بالمرافغ: المغابن والآباط وأصول الفخذين، وهو كناية عن غسل الفرج، وكنت عائشة رضي الله عنها عن غسل الفرج بغسل المرافغ كما جاء في بعض الروايات: (إذا التقى الرفغان وجب الغسل)، يريد التقاء الختانين، فكنى عنه بالتقاء أصول الفخذين، ذكر هذا في النهاية وفي غيره. وفيه أنه إذا استنجى يغسل يده بعد ذلك، وقد جاء هذا أيضاً في أحاديث وفيها أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط، لتنقية اليد مما علق بها من الرائحة، وإذا غسلها بالصابون فإنه ينوب مناب الحائط؛ لأن الحائط في ذلك الزمان من طين فيعلق الطين ويغسله أما الآن فالحائط أملس، وكذلك الأرض ملساء، فينوب عنه الصابون، وإن اكتفى بالماء كفى، وليس الصابون بلازم، لكن هذا من باب النظافة، ثم يتوضأ، ثم يفيض الماء على رأسه. ومتن هذا الحديث فيه اختصار وتقديم وتأخير، ولعل ذلك من بعض الرواة والله تعالى أعلم. وفي سند هذا الحديث سعيد بن أبي عروبة قال في التقريب: ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة أهـ. ومحمد بن أبي عدي روى عنه بعد الاختلاط؛ ولهذا نجد في هذا الحديث بعض المخالفة للأحاديث الأخرى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن شوكر قال: حدثنا هشيم عن عروة الهمداني قال: حدثنا

شرح حديث: (كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار)

شرح حديث: (كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة)]. وهذا الحديث أيضاً ضعيف؛ لأن فيه ضعيفين: أيوب بن جابر وعبد الله بن عصم، كلاهما ضعيف، فلا حجة فيه فيما دل عليه من غسل الجنابة سبع مرار، وغسل البول أيضاً سبع مرار، ومن النكارة في الحديث قوله: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه - يعني ليلة المعراج - حتى جعلت الصلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة، فهذا مخالف للأحاديث الصحيحة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ليلة المعراج تخفيف الصلاة، فحسب ولم يرد في الأحاديث الصحيحة ذكر غسل الجنابة ولا غسل البول، كما أن المحفوظ أنه عليه الصلاة والسلام لما اغتسل من الجنابة أفاض على جسده ثلاثاً، ولم يرد غسل البول وإنما يكون بغلبة الظن، أي: حتى يغلب على الظن أنه قد طهر. ولو صح هذا الحديث فإنه منسوخ كما دل عليه آخر الحديث، أما الصلاة فإنها فرضت خمسين ثم نسخت إلى خمس قبل التمكن من الفعل، وبعض الأحناف ذكر أن النجاسة تغسل ثلاثاً، وجاء في الحديث أيضاً: أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً لكنه حديث ضعيف، والصواب أنه ليس هناك تحديد، وقد ذكر بعضهم أن النجاسة ضربان: مرئية وغير مرئية، فما كان منها مرئية فطهارتها بأن تزول عينها فإذا زالت عينها ثم زادها غسلة بعد ذلك زالت النجاسة وبذلك تكون طاهرة، أما غير المرئية فطهارتها أن يغسلها حتى يغلب على ظنه أنها قد طهرت, أما هذا الحديث فهو ضعيف، وليس بحجة.

شرح حديث: (إن تحت كل شعرة جنابة)

شرح حديث: (إن تحت كل شعرة جنابة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي قال: حدثني حارث بن وجيه قال: أخبرنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر). قال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف]. وهذا الحديث أخرجه قد الترمذي وابن ماجة وهو ضعيف بل منكر كما قال المؤلف لضعف الحارث بن وجيه، فلا حجة فيه، لقوله: إن تحت كل شعرة جنابة؛ لأنه يقتضي نقض القرون والضفائر خلافاً للجمهور وقد أخذ بهذا الحديث إبراهيم النخعي، وقال إنه يجب نقض القرون والضفائر، والصواب أنه لا يجب، بل يكفيه إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره، كما هو قول عامة أهل العلم، وكما جاء في حديث أم سلمة بعد الباب، أنه لا يجب النقض، وإنما الواجب إدخال الماء إلى أصول الشعر ولو لم ينقض، وأما هذا الحديث: (إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر)، فهو ضعيف.

شرح حديث: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار)

شرح حديث: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار، قال علي رضي الله عنه: فمن ثم عاديت رأسي ثلاثاً وكان يجز شعره، رضي الله عنه)]. وهذا أخرجه ابن ماجة وهو ضعيف أيضاً؛ لأن فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط في آخر عمره فمن روى عنه قبل الاختلاط فروايته صحيحه كـ البخاري، فهو ممن روى عنه قبل الاختلاط، أما من روى عنه بعد الاختلاط فهو غير مقبول، وممن روى عنه بعد الاختلاط حماد بن سلمة، فهو كحديث أبي هريرة السابق في ضعفه، فلا يدل على وجوب غسل البشرة التي تحت الشعر الكثيف، بل يكتفي بغسل ظاهر الشعر؛ لأنه بمثابة البشرة، أما الشعر الخفيف فيجب غسله وغسل البشرة التي تحته. وقد دل حديث أم سلمة الآتي على أنه لا ينقض شعر الرأس المشدود، بل تحثي على رأسها ثلاث حثيات، لكن أيضاً دل الحديث على أن النقض أفضل. أما جز الشعر وهو حلقه بالنسبة للرجل فلا بأس به، وهو مباح، وقال بعضهم: مكروه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً حلق بعض رأسه، فقال: (أحلقه كله أو اتركه كله)، فلا بأس في حلق شعر الرأس، فإذا كان في إبقاء الشعر تشبه ببعض أهل البدع فلا يبقيه، لكن لو أبقاه إتباعاً للسنة فهذا حسن، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله إن إبقاء الشعر سنة، ولو نقوى عليه لاتخذناه، لكن له كلفة ومشقة، بل يحتاج إلى غسل ودهن وتسريح ففيه مشقة، ومن كان يقوى على هذا فهو حسن.

الوضوء بعد الغسل

الوضوء بعد الغسل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بعد الغسل: حدثنا عبد الله محمد النفيلي قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل]. أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجة وأحمد جميعاً من طريق أبي إسحاق به. فالحديث ظاهره أن لا بأس بسنده، فـ أبو إسحاق السبيعي تدليسه قليل، والحديث دليل على أنه لا يتوضأ بعد الغسل، وفيه اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بوضوئه قبل الغسل، هكذا عادته عليه الصلاة والسلام، كان يستنجي ثم يتوضأ، ثم يصب الماء على رأسه، ثم يغسل شقه الأيمن ثم يغسل شقه الأيسر، وعلى هذا فلا يتوضأ بعد الغسل، إلا إذا أحدث في أثناء الغسل بأن مس فرجه أو خرج منه ريح أو بول، فلا بد من الوضوء، أما إذا استنجى أولاً ثم توضأ فلا يعيد الغسل بعد ذلك. وقد يذكر البعض بأنه إذا اغتسل كفاه عن الوضوء وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا نوى رفع الحدثين دخل الأصغر في الأكبر، لكن المعروف من غسل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ أولاً، ولا يكتفي بالغسل، وهذا هو الغسل الكامل، وفيه يستنجي ثم يتوضأ، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن ثم يغسل شقه الأيسر، وهو المشهور من فعله عليه الصلاة والسلام. أما الغسل فهو أن ينوي ثم يسمي ثم يعمم بدنه بالماء، لكن الأكمل هو الغسل الكامل، وهو الذي كان يفعله عليه الصلاة والسلام. ثم يصلي ركعتين، يعني ركعتي الفجر، وصلاة الغداة صلاة الفجر.

ما جاء في نقض المرأة شعرها عند الغسل

ما جاء في نقض المرأة شعرها عند الغسل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل: حدثنا زهير بن حرب وابن السرح قالا: أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة رضي الله عنها عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن امرأة من المسلمين وقال زهير: إنها قالت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: (إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً، - وقال زهير: تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت -)]. وهذا الحديث أخرجه مسلم، والترمذي، وابن ماجة، وهو دليل على أن المرأة لا تنقض شعرها في غسل الجنابة، ولهذا قالت: إني امرأة أحب ضفر رأسي، والضفر فوق الظهر، وهي العمائم، تسمى العمائم وتسمى القرون، وتسمى (الجزائل) عند بعض العامة، أفأنقضه للجنابة، قال: لا، إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً، في الرواية الأخرى: وقال زهير: تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، فإذا صبت الماء على رأسها وروت أصول الشعر كفى، من دون حاجة إلى النقض، ثم تفيض على سائر الجسد. وفي وراية: أفأنقضه للجنابة والحيضة، قال: لا، فدل على أنه لا يجب النقض، لا لغسل الجنابة ولا للحيض، لكن نقضه لغسل الحيض أفضل؛ لأن الحيض مدته تطول وكذلك النفاس، وقد تتجمع فيه أوساخ، بخلاف الجنابة، فإنها تتكرر في اليوم، فيكون في النقض مشقة، والمشقة تجلب التيسير، كلما حصلت مشقة كانت سبباً للتخفيف. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من أوجب نقض الشعر للجنابة وللحيض، ومنهم من لم يوجبها، لا للجنابة ولا للحيض، ومنهم من أوجب النقض في الحيض دون الجنابة، ومنهم ابن القيم رحمه الله، فقد اختار أنه يجب على المرأة أن تنقض شعرها في الحيض، دون الجنابة فقال: إن حديث أم سلمة يدل على أنه ليس على المرأة أن تنقض شعر لغسل الجنابة، وهذا اتفاق من أهل العلم، ثم تكلم في غسل الحيض، فقال: إن المنصوص عن أحمد أنها تنقضه، فنقل كلاماً وخلص إلى أنه يجب على المرأة أن تنقض شعرها في غسل الحيض دون الجنابة، والصواب أنه لا يجب النقض لا في الحيض ولا في الجنابة، ولكن الأفضل أن تنقض شعرها لغسل الحيض والنفاس، لأن مدتها تطول وقد تتجمع الأوساخ، بخلاف الجنابة. وقد ذكرنا أن في بعض الروايات الحديث زيادة (والحيضة) ومعلوم أن الزيادة إذا كانت مخالفة وانفرد بها بعض الرواة دون الآخرين يرى بعض العلم التشابه في هذه الحالة. ابن القيم رحمه الله يقول: حديث أم سلمة على الصحيح فيه الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض، وليس لفظ الحيضة فيه محفوظ. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن نافع - يعني الصائغ - عن أسامة عن المقبري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث، قالت فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال فيه: (واغمزي قرونك عند كل حفنة)]. اغمزي أي: أبصري والقرون الضفائر وسماها بعضهم العمائم، وسماها بعضهم الجدائل، فإذا غمزتها وروتها بماء كفى من دون نقض. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أخبرنا يحيى بن أبي بكير قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا تعني بكفيها جميعاً، فتصب على رأسها وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق، والأخرى على الشق الآخر]. وهذا الحديث روى البخاري قريباً منه، وفيه أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقضن ضفائر رؤوسهن عند الاغتسال من الجنابة، وإنما تأخذ الواحدة منهن ثلاث حفنات فتصبها على رأسها، فدل على أن النقض ليس بواجب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات]. الحديث ظاهره أن إسناده لا بأس به فلعله حسن. نصر بن علي ثبت، وعبد الله بن داود وابن عامر ثقة عابد، وعمر بن سويد بن غيلان ثقة وعائشة بنت طلحة ثقة. ورد في الحديث الضماد، والضماد ما يوضع على الشعر مما يلبده من طيب، أو صمغ أو خطم، والحديث دال على أنه لا يجوز إزالة الضماد، وأن المرأة إذا كان على رأسها ضماد فإنها تصب الماء على رأسها فدل على جواز الاغتسال وعلى رأسها ضماد من طيب وخطمي، وأنه لا يجوز نقض الضفائر، بل يكتفى بصب الماء على الرأس وإيصاله إلى أصول الشعر محلات ومحرمات، سواء كانت المرأة محلة أو محرمة. ومن جنس الضماد أيضاً الحناء. كما أن الضماد قد يكون من قماش، وقد يكون من غيره، لكن ليس المراد القماش هنا، وإنما المراد الخطم والحناء مثلاً وما أشبه ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال ابن عوف: وأخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبيه قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة أن ثوبان رضي الله عنه، حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها). وهذا الحديث في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه إسماعيل بن عياش وفيهما مقال، لكن محمد بن إسماعيل بن عياش في راويته عن الشاميين وهم أهل بلده تكون روايته جيدة، أما روايته عن الحجازيين فهي ضعيفه، فإذا روى عن أهل بلده فالرواية جيدة، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله، هذا إسناد شامل، وحديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيح، وعلى كل حال فالحديث فيه كلام. وهناك ملحوظة إسنادية في الحديث ففي قوله: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش، تكون طريقة التحمل وجادة كذا روى ابن عوف، ثم قال: قال ابن عوف: وأخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبيه، كأنه قرأ في أصل إسماعيل وسمعه من محمد بن إسماعيل، ومحمد بن إسماعيل فيه كلام. وفي الحديث أن الرجل ينشر رأسه فيغسله حتى يبلغ أصول الشعر، ومعناه أنه يصب الماء على رأسه وهو التفريغ، ثم يغسل شعر رأسه حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فأنها لا تنقضه بل تصبه على رأسها ثلاث غرفات بكفيها، وهذا موافق للأحاديث الأخرى. كما أن قوله عن محمد بن إسماعيل عن أبيه، قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه شيئاً، حملوه على أن يحدث فحدث، وفي إسناده أيضاً ضمضم بن زرعة وهو صدوق يهم وقد ضعفه أبو حاتم. وشريح بن عبيد، ثقة وكان يرسل كثيراً وقد وثقه النسائي وغيره. وبناءً على هذا فيكون الحديث منقطعاً لأنه لم يسمع من أبيه، لكن ما دل عليه من أنه لا يجب نقض الشعر موافق للأحاديث الصحيحة السابقة فالمرأة، لا تنقض شعرها، والرجل كذلك إذا كان له شعر، وإنما يصب الماء عليه. قوله: فلينشر رأسه، أي: يفرغ ما يحتاج تفريغ، حتى يبلغ الماء أصول الشعر، ولا يجب عليه أن يحلق رأسه.

ما جاء في الجنب يغسل رأسه بالخطمي

ما جاء في الجنب يغسل رأسه بالخطمي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمي: حدثنا محمد بن جعفر بن زياد: قال: أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزىء بذلك ولا يصب عليه الماء]. والحديث بهذا السند ضعيف؛ لأن فيه رجلاً مبهماً وهو مجهول، قال: رجل من بني سوادة، روى عنه قيس بن وهب، والمؤلف ذكره ولم يتكلم عليه لأنه معروف عند أهل الحديث، ومعرفة الحديث الضعيف علم، كما أن معرفة الصحيح علم، وقد يذكر أهل العلم الحديث الضعيف من أجل أن يُبحث عنه فلعل الباحثين يجدوا له متابعة وشواهداً، وهو لو صح فهو محمول على أنه غسل رأسه أولاً بالماء كما ورد في الأحاديث الصحيحة. وقد يُسأل هل كل ما سكت عنه أبو داود فهو صالح بناءً على قوله ذكرت فيه الحسن وما يقاربه، وما سكت عنه فهو صالح؟ والجواب أن هذا هو الغالب، لكن قد يسكت أحياناً عن الحديث ويكون من غير الغالب فالقاعدة ليست مطردة فقد ذكر هذا الحديث، وهو ضعيف فيه مجهول. ولعله اكتفى بأنه معروف عند أهل الحديث، وأهل هذا الشأن، يريد قوله عن رجل من بني سواءة معروف، فإذا قرأه من له إلمام بالحديث عرف أنه ضعيف لوجود المبهم. والخطمي شيء يوضع على الرأس، مثل الأشتان، وهو من جنس الضماد وقد مثل الصمغ وما أشبهه.

ما جاء فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

ما جاء فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء: حدثنا محمد بن رافع قال: أخبرنا يحيى بن آدم قال: أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ كفاً من ماءٍ يصب علي الماء، ثم يأخذ كفاً من ماء ثم يصبه عليه]. وسند هذا الحديث كسند الحديث السابق، فيه رجل مجهول، وهو من بني سواءه الذي أبهمه قيس بن وهب فهو ضعيف في هذا السند، وقوله فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء يعني: من المني، قال: كان يأخذ كفاً من ماء، فيصبه على الماء، يعني يصبه على المني لتطهيره، والمعروف في الأحاديث الصحيحة أن المني طاهر يحك يابسه ويغسل رطبه من باب النظافة، كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغسل المني في ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإني أرى أثر بقع الماء على ثوبه، وفي الحديث الآخر، كنت أفركه يابساً بظفري، فالمني طاهر يفرك يابسه ويغسل رطبه من باب النظافة، وإما المذي فهو نجس يغسل، وأما هذا الحديث فهو ضعيف فلا حجة فيه، ولا ما دل عليه من غسلها المني، ومن شواهد ضعفه أن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يغسل، وأنه كان يأخذ كفاً من ماء فيصبه عليه، وهو طاهر فهو أصل الإنسان، والمعروف أن عائشة هي التي كانت تنظفه، فتغسل رطبه وتحك يابسه.

كتاب الطهارة [17]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [17] لقد خالف الإسلام اليهود الذين كانوا إذا حاضت المرأة فيهم اعتزلوها فلم يؤاكلوها ولم يساكنوها ولم يشاربوها، فجاء الإسلام وأمر بمؤاكلة الحائض والنفساء ومساكنتها بل وأجاز مباشرتها في غير الفرج.

حرمة وطء الحائض وجواز مؤاكلتها ومباشرتها في غير محل الوطء

حرمة وطء الحائض وجواز مؤاكلتها ومباشرتها في غير محل الوطء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد قال: أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى ذكره: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]، إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما)]. هذا الحديث أخرجه مسلم رحمه الله والترمذي والنسائي وابن ماجة، وحماد هو ابن سلمة وهو شيخ موسى بن إسماعيل وهو أثبت الناس في الرواية، وهذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله ليبين حكم مؤاكلة الحائض، ومباشرتها، والأكل معها والشرب معها، وأن هذا لا بأس به كما دلت عليه الأحاديث. وفي هذا الحديث أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها، وجعلوها في غرفة مستقلة، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]، فلم يأمر الله سبحانه وتعالى إلا اعتزالها في المحيض يعني في محل الحيض وهو الجماع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت)، أي: اجتمعوا معهن، واجلسوا معهن، وآكلوهن وشاربوهن مخالفة لليهود، قال: (جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح) والمراد بالنكاح الجماع، والنكاح يطلق على العقد ويطلق على الوطء، والمراد هنا الوطء، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قالت اليهود: ما يريد هذا الرجل -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فمخالفة اليهود مقصودة للشارع، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (إن اليهود لا يصلون في نعالهم فصلوا في نعالكم)، (إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم).

مخالفة اليهود مقصودة شرعا

مخالفة اليهود مقصودة شرعاً اعلم أن مخالفة اليهود مقصودة للشارع، ومن ذلك أن اليهود كانوا من تشددهم يعتزلون المرأة إذا حاضت، يهجرونها فيجعلونها في غرفة مستقلة لا تؤآكل ولا تشارب، ولا تمس ولا تطبخ ولا تغسل، والحائض ومعلوم أن بدنها طاهر وعرقها طاهر ولعابها طاهر وثيابها طاهرة، إنما النجاسة في الدم، فلا حرج أن يؤكل معها، ويشرب معها، وتصنع الطعام، وتغسل الثياب، فكل شيء من يدها لا بأس به إلا أن زوجها لا يجامعها؛ لأن الجماع منهي عنه، خلافاً للمباشرة إذ لا بأس بها، وقد سبق في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شربت عائشة من إناء وضع فمه في المكان الذي وضعت فمها فيه، وأنها تتعرق العظم وهو عرموش اللحم، فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه مكان فمها. وفي هذا مخالفة لليهود قبحهم الله، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا، جاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟ -يعني أفلا نجامعهن- فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: تغير وجهه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]- قال: حتى ظننا أن قد وجد عليهما، -أي: فظنوا أنه غضب عليهما، فوجد بمعنى غضب- فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما، -وكأنه لما قاما من عنده جاءت هدية من لبن في وقت قيامهما من عند النبي صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليهما فجاءا فسقاهما من اللبن فعلم الصحابة أنه لم يغضب عليهما.

كرامات بعض الصحابة

كرامات بعض الصحابة وأسيد بن حضير وعباد بن بشر هما اللذان حصلت لهما الكرامة وأضاء لهما سوطهما لما خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فلما افترقا أضاء لكل واحد منهما السوط حتى وصل إلى أهله وهذا من كرامات الأولياء. وكما حصل لبعض الصحابة كـ الطفيل بن عمرو لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه، سأله أن يدعو الله أن يجعل له آية أي: علامة، ليعلموا بها صدقه فلما جاءهم أضاء لهم مثل السراج في جبهته، فقال يا رب! في غير هذا الموضع، فكانت في سوطه، فأسلم قومه. وإن كانت موجودة في الصحابة ولكنها ليست كثيرة، إنما كثرت في التابعين. وفي الحديث جواز الاستمتاع من الزوجة الحائض في غير الوطئ، مؤآكلة ومجالسة ومباشرة في غير الحرث، وفي هذا الحديث الغضب إذا انتهكت محارم الله.

مؤانسة الأهل عموما وخصوصا الحائض

مؤانسة الأهل عموماً وخصوصاً الحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه]. وهذا الحديث أيضاً أخرجه مسلم رحمه الله، والنسائي، وابن ماجة، وتعرق العظم، تتبع اللحم فيه، وفي اللفظ تعرق العظم، وهو العظم الذي فيه بقية من لحم، والمعنى: أن عائشة كانت تأخذ العظم فيه شيء من اللحم فتعرش منه، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه مكان فمها، وهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام ومؤانسته لأهله، وفيه دليل على أن فم الحائض طاهر، وكذلك عرقها وثيابها ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مع الحائض ويضاجعها، وفيه أن النجاسة مختصة في الدم. بل قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وهذا أقرب إلى القبول والاستجابة والتآلف، من التعذيب والشدة والغلظة، فيما عدا اليسير منه لمعالجة بعض المخالفات مع النصيحة باللين الذي لا يؤدي إلى الطلاق، والمعنى كونه يعاشرها ويحسن عشرته معها هذا أقرب إلى المودة وأقرب إلى الاحتفاظ بالحال، بخلاف ما إذا عبس وأغلظ فإن هذا قد يؤدي إلى الطلاق.

طهارة بدن الحائض وثيابها

طهارة بدن الحائض وثيابها قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض]. وهذا أخرجه الشيخان، والنسائي، وابن ماجة، وفيه طهارة بدن الحائض، وثيابها، وأن النجاسة مختصة بالدم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر عائشة ويقرأ القرآن وهي حائض ولا حرج في ذلك.

جواز المرور من المسجد للحائض

جواز المرور من المسجد للحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحائض تناول من المسجد: حدثنا مسدد بن مسرهد قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد، قلت إني حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك)]. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضاً، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، من حديث عبد الله البري، والخمرة سجادة من حصير صغيرة بقدر الوجه والكفين، سميت خمرة؛ لأنها تخمر وجه المصلي عن الأرض، وفيه دليل على أن الحائض يجوز لها أن تمر من المسجد لحاجة ويستدل لجواز ذلك للجنب بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43]، فالجنب يجوز له أن يمر في المسجد، لكن لا يجوز له المكث وكذلك الحائض تمر مروراً، أما المكث فلا، إلا إذا توضأ الجنب، فإنه ورد عن الصحابة ما يدل على أنه لا بأس بذلك لأنها حينئذ تخف الجنابة، كما سبق. والنبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث لـ عائشة: (ناوليني الخمرة - يعني السجادة - فقالت: إني حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك)، فبين لها عليه الصلاة والسلام أنه لا بأس بالمرور. وفيه أنه عند القيض فلا بأس أن يصلي المرء على ما يمنع أذى حرارة الأرض أو برودتها وحصاها من سجادةٍ أو شيءٍ آخر لكن إذا كانت الأرض مفروشة فلا داعي لمثل ذلك.

وجوب قضاء الصوم للحائض دون الصلاة

وجوب قضاء الصوم للحائض دون الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحائض لا تقضي الصلاة: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا وهيب قال: أخبرنا أيوب عن أبي قلابة عن معاذة قالت: إن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت أحرورية أنت؟ لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وفيه دليل على أن الحائض لا تقضي الصلاة، ولكنها تقضي الصوم، وهذا من حكمة الله تعالى ورحمته بالمرأة، فإن الحيض يتكرر في كل شهر مرة، فلو كلفت بقضاء الصلاة لشق عليها ذلك، أما الصوم فإنه لا يكون إلا في السنة مرة، فلهذا تؤمر بقضاء الصوم، وفي اللفظ الآخر أن عائشة قالت لها: كنا نحيض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة كما سيأتي في الحديث الذي بعده. وقولها: أحرورية أنت، أي: هل أنت من الخوارج الذين سكنوا بلدة حرورى، وهي بلدة في العراق تجمع فيها الخوارج، فسموا حرورية، لسكناهم هذه البلدة ولما أنها لم تحسن السؤال، ظنت عائشة رضي الله عنها أنها معترضة، - أي: تعترض على الشرع - فقالت لها: أحرورية أنت، وكان سؤالها في اللفظ الآخر: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فقالت: أحرورية أنت، تريد أتعترضين قالت: لست بحرورية ولكني أسأل.

القول في الخوارج وآرائهم

القول في الخوارج وآرائهم ومعلوم أن الخوارج مبتدعة وهم الذين خرجوا في زمن علي رضي الله عنه ومثلهم غلاة السبئية الذين ينتسبون لـ عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري الذي دخل في الإسلام نفاقاً لإفساد دين الإسلام، وكان علي رضي الله عنه خد لهم الأخاديد في لأرض وأضرمها ناراً، ثم ألقاهم فيها من شدة غضبه وغيضه عليهم، قال: لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبرا ومن أصولهم أنهم يعملون بالقرآن ولا يعملون بالسنة بزعمهم، ولما كان هذا الحكم، وهو أن الحائض لا تقضي الصلاة بالسنة فلا يعملون به. وقد اختلف فيهم فالجمهور على أنهم مبتدعة، وكان عليه الصحابة حيث عاملوهم معاملة المبتدعة؛ لأنهم متأولون، كما استدل الجمهور بقول علي رضي الله عنه، لما سئل عنهم أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. والقول الثاني: أنهم كفار، ويروى عن الإمام أحمد وهو ظاهر الأحاديث الكثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وفي لفظ: (يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه)، وفي اللفظ الآخر: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد)، شبههم بعاد وهم قوم كفار، وفي اللفظ الآخر: (فمن لقيهم فليقتلهم، فإن في قتلهم أجر لمن قتلهم عند الله)، وهذه النصوص تدل على كفرهم.

ما يجب على الحائض إن حاضت بعد دخول وقت الصلاة

ما يجب على الحائض إن حاضت بعد دخول وقت الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن عمرو قال: أخبرنا سفيان - يعني ابن عبد الملك - عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث، وزاد فيه: فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة]. فيه أن الله سبحانه وتعالى سامح المرأة الحائض من قضاء الصلاة لمشقة ذلك عليها بخلاف الصوم، فإنه لا يكون إلا في العام مرة، فلهذا تؤمر به، واختلف العلماء في الصلاة التي دخل وقتها، وهي طاهر ثم حاضت، هل تقضيها أو لا تقضيها، فقال كثير من الفقهاء الحنابلة وغيرهم تقضيها، وقال آخرون: لا تقضيها، فإن قضت احتياطاً فهو حسن.

أقوال أهل العلم فيما يجب على من جامع زوجته وهي حائض

أقوال أهل العلم فيما يجب على من جامع زوجته وهي حائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إتيان الحائض: حدثنا مسدد قال: أخبرنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو نصف دينار). قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة قال: دينار أو نصف دينار، وربما لم يرفع شعبة]. وهذا السند لا بأس به، وهو سند جيد، والحديث روي موصولاً وموقوفاً ورواه الحاكم وابن القطان موصولاً وهما ثقتان، ومن العلماء من قدم الموقوف وهم الجمهور وقد أعلوه بالاضطراب في سنده وفي متنه، وقالوا إن هذا الحديث لا يعمل به؛ لأنه مضطرب سنداً ومتناً، كما سيذكر المؤلف رحمه الله روايات في هذا الحديث بعده، وقالوا: ليس عليه شيء إذا جامع امرأته وإنما عليه أن يستغفر الله، وقالوا: إن الذمة بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها، وهذا الحديث فيه اضطراب في السند، واضطراب في المتن، أما في السند فقد روي موصولاً وموقوفاً، وأما في المتن فقد روي دينار وروي نصف دينار، كما روي يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار، وروي التفرقة بين أن يجامع مع جري الدم أو بعد انقطاع الدم، وروي أيضاً يتصدق بخمسي دينار، وروي بنصف دينار، وروي إذا كان دماً أحمراً فدينار، وإن كان دماً أصفراً فنصف دينار، وروي إن كان الدم عبيطاً فيتصدق بدينار، وإن كان كدرة فنصف دينار. ولذلك قالوا: ليس عليه شيء إذا جامع زوجته وإنما يستغفر الله؛ لأن هذا الحديث لا يصح. وقال آخرون: الصواب أن هذا الحديث ثابت فقد روي موصولاً وموقوفاً فـ الحاكم وابن القطان رووه موصولاً وهما ثقتان، ورواه بعضهم موقوفاً، فيقدم مرة وهو موصولاً على مرات موقوفاً، إذا كان الواصل ثقة؛ لأن الواصل معه زيادة علم، خفيت على من قطع، وكذلك من رفع معه زيادة علم خفيت على من وقف. وعلى هذا فإنه يعمل بهذا الحديث فيكون على من جامع زوجته وهي حائض التوبة والاستغفار وعليه كفارة دينار أو نصف دينار، والدينار مثقال من الذهب، وهو يعادل أربعة أسباع الجنيه السعودي، فإذا كان الجنيه السعودي صرفه مثلاً سبع مائه، فعلى من جامع أربعمائة أو مائتين، وإذا كان صرف الجنيه سبعين ريالاً يكون عليه أربعين ريالاً، أو عشرين ريالاً يتصدق بها بالخيار، وأما كونه مخيراً فهذا لا بأس به، ففي كفارة اليمين تخيير، وفي كفارة الأذى في الحج تخيير: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]، وأبو داود رحمه الله رجح تفسيرها، قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة، وصححه ابن القيم رحمه الله، وقال: إن عبد الحميد بن زيد الخطاب أخرج له صاحب الصحيح ووثقه النسائي، وهو حديث لا بأس بسنده. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: أخبرنا جعفر يعني ابن سليمان عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار. قال أبو داود: وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم. حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: أخبرنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار). قال أبو داود: وكذا قال علي بن بديمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمره أن يتصدق بخمسي دينار)، وهذا معضل]. الشيخ: وإنما كان معضلاً لسقوط راويين في الإسناد فيكون ضعيفاً، وكذلك الأول حديث محمد بن الصباح عن شريك عن خصيف، وخصيف هذا ضعيف قيل عنه: صدوق في الحفظ، خلط بآخره. وقال الحافظ في ترجمة خصيف: هو ابن عبد الرحمن الجزري صدوق سيء الحفظ خلط بآخره. وهو الراوي لأحاديث الحج أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى في مصلاه وهو ضعيف، والصواب أنه لبى بعدما ركب راحلته. والرواية الثانية عن علي بن بديمة معضلة فكل هذه الروايات ضعيفة. وكذلك ما قبله الذي رواه ابن سليمان عن علي بن الحكم البناني قال عنه بعضهم: ثقة ضعفه الأزدي بلا حجة وقال آخرون: حديثه لين وهو راوي التفصيل في الفرق بين أول الدم وآخره فيكون الحديث ضعيفاً، كل هذه ضعيفة كونه يتصدق بنصف دينار أو بخمسي دينار لا تخلو من مصائب، والصواب ما دل عليه الحديث الأول وهو حديث ابن عباس في حديث عبد الحميد بن عبد الرحمن قال الحافظ عنه في التقريب: ثقة مقبول أنه تصدق بدينار أو بنصف دينار، أما هذه الروايات فهي لا تخلو من مقالة في سندها ومتنها وكل ذلك ضعيف.

جواز مباشرة الحائض من خلف الإزار

جواز مباشرة الحائض من خلف الإزار قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي قال: حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به]. الشيخ: وهذا الحديث أخرجه النسائي كما سبق، والحديث في سنده ندبة ويقال: ندبه والراوي عنه حبيب مولى عروة وفيه كلام، ولكن الحديث له شواهد ومتابعات يرتقي بها إلى درجة الاحتجاج كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله، وسيأتي بعده من الأحاديث ما يشهد له، وهو يدل على أنه لا بأس بمباشرة الحائض فيما دون الفرج، وكونه من وراء الإزار أفضل وأبعد عن الخطر، لكن لو نزع الإزار فلا بأس وفي حديث أنس عند مسلم (يصنع كل شيء إلا النكاح)، أي: الجماع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ثم يضاجعها زوجها، وقال مرة (يباشره)]. الشيخ: وهذا الحديث أخرجه الشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وهو يشهد للحديث الذي قبله، ويدل على أنه لا بأس بمباشرة الحائض من وراء إزار وأن هذا الأفضل.

جواز المبيت مع الحائض في ثوب واحد

جواز المبيت مع الحائض في ثوب واحد قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: أخبرنا يحيى عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً الهجري قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده ثم صلى فيه، وإن أصاب تعني ثوبه منه شيء غسل مكانه ولم يعده ثم صلى فيه]. الشيخ: وهذا الحديث سنده حسن لا بأس به، قد وأخرجه النسائي كما سبق، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، وفيه دليل على جواز مباشرة الحائض والاضطجاع معها في الثوب الواحد وهو الشعار. وفيه أن الإنسان إذا أصابه شيء من الدم يغسل ثوبه أو جسده ولا يتجاوز مكانه ولا يتكلف، كما يفعل بعض العامة إذا أصابه شيء من بعض النجاسة كالبول غسل الثوب كله، أو إذا أصاب جسمه شيء اغتسل، هذا من التكلف الذي لا وجه له، إنما يغسل مكان النجاسة فقط، فإن كان متوضئاً وأصابته نجاسه جاز أن يغسل مكان النجاسة والوضوء أحسن. وقولها: لم يعده، أي: لم يجاوز موضع الدم. والطامث هي الحائض. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: أخبرنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم عن عبد الرحمن يعني ابن زياد عن عمارة بن غراب قال: إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة رضي الله عنها قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد، قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ دخل فمضى إلى مسجده، قال أبو داود: - تعني مسجد بيته - فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد فقال: (ادني مني، فقلت: إني حائض فقال: وإن اكشفي عن فخذيك)]. الشيخ: وإن، أي: وإن كنت حائض. قال المصنف رحمه الله تعالى: [(فقال: وإن اكشفي عن فخذيك فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفىء ونام)]. الشيخ: هذا الحديث فيه علل، وآفات متعددة، ومن العجب سكوت أبي داود عليه، وهو رحمه الله قال: ما سكت عنه فهو حسن، فـ عبد الله بن عمر بن غانم هذا ضعيف، وعبد الرحمن بن زياد ضعيف أيضاً، وعمارة بن غراب أيضاً ضعيف، وعمته مجهولة أيضاً كل هؤلاء لا يحتج بحديثهم فتلك أربع علل، ويزاد عليها النكارة في المتن أيضاً، وهو أن وضع الرأس على الفخذين ليس فيه دفئ، وإنما الدفئ أن يضع رأسه على ثوبٍ أو شيءٍ يكون حائلاً بينه وبين اللحم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن عبد الجبار قال: أخبرنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن أبي اليمان عن أم ذرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر]. الشيخ: عن المثال يعني: عن الفراش والحديث في سنده أبو اليمان وهو ليس بمشهور وفي سنده أم ذرة ويقال: درة بالدال أو الذال وهي مجهولة فيسقط الاحتجاج بهذا الحديث، ومع ذلك أيضاً سكت عليه أبو داود رحمه الله، ولو استقام سنده وصح فهو شاذ، لا يعمل بشذوذه ومخالفته للأحاديث الصحيحة التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يباشر الحائض ويلمسها ويشرب من موضع فمها ويتعرق العظم من موضع فمها، وقد جاء في حديث أنس: (تصنع كل شيء إلا النكاح)، أي الجماع كما سبق. وهذا فيه أنها تقول: (لم نقرب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر)، فهو شاذ إذا صح سنده لكن لا يصح.

استحباب وضع الثوب على فرج الحائض عند مضاجعتها

استحباب وضع الثوب على فرج الحائض عند مضاجعتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً]. الشيخ: وهذا الحديث لا بأس به، قال الحافظ في الفتح سنده قوي، وهذا كونه يلقي على فرجها ثوباً من باب الحيطة ويستحب أن يشد الزرائر خشية أن يلمس الفرج، وإلا فيجوز له المباشرة من دون إزار على الصحيح، كما دلت على ذلك الأحاديث الأخرى كحديث أنس: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، ولم يذكر الإزار. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أخبرنا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر ثم يباشرنا وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه]. الشيخ: قولهها في فوح حيضتها: أي في أوله ومعظمه، والإرب: المراد العضو، وروي يملك إربة يعني العضو، وروي: يملك إربه، يعني حاجته، للوطء والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك كان يباشر فوق الإزار تشجيعاً للأمة، فالإزار أفضل وأولى. وقد اختلف العلماء في مسألة المباشرة من فوق السرة وتحت الركبة، أما المباشرة بالجماع فهذا حرام بالاتفاق، أما كونه يباشر فيما فوق السرة وتحت الركبة فهذا جائز بالاتفاق، وأما المباشرة فيما بين السرة والركبة من وراء إزار فهذا أيضاً جائز، بالاتفاق وأما بدون إزار فهذا فيه خلاف، والصواب أنه لا بأس به لحديث أنس المتقدم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح).

كتاب الطهارة [18]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [18] لقد بين الإسلام كل شيء ومن ذلك أن المرأة التي تصيبها الاستحاضة عليها أن تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيضها، فإن لم تكن لها عادة فبالتمييز حيث إن دم الحيض أسود غليظ منتن فإذا رأته تركت الصلاة فإذا ذهب اغتسلت واستثفرت وصلت، وإن لم تكن مميزة تحيضت في علم الله ستة أو سبعة أيام من الشهر ثم تغتسل وتصلي وتصوم.

المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض

المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل فيه)]. وهذا الحديث سنده جيد لولا ما يخشى من أن سليمان بن يسار لم يسمع من أم سلمة رضي الله عنها لأن الأحاديث التي تلت هذا الحديث فيها أن سليمان بن يسار جعل بينه وبين أم سلمة واسطة. وابن المنذر يقول: إسناده حسن. ومعلوم أن سليمان بن يسار مولى ميمونة المدني وهو معدود من الفقهاء السبعة، وقد روى عن زيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة ومولاته ميمونة وأرسل للجماعة، روى عنه قتادة والزهري وعمرو بن شعيب، قال أبو زرعة، ثقة مأمون. [أما أم سلمة فقد كانت ثقة عالمة رفيعة فقهية. فلا إشكال في توثيقه لكن الكلام في سماعه من أم سلمة ومع ذلك فالحديث له شواهد، ولهذا حسنه المنذري فقال: إسناده حسن وفيه دليل على أن المستحاضة تجلس عدد الأيام التي كانت تحيضها قبل مرور الدم، فإذا انقضت هذه الأيام اغتسلت ثم استترت بثوبين، أو تتحفظ فقد وجدت الآن حفائظ، وتتوضأ لكل صلاة وتصلي. وفيه دليل على أن العادة مقدمة على التمييز، فالمستحاضة تعمل بعادتها أولاً، فإن لم يكن لها عادة ونسيت العادة عملت بالتمييز، فإن لم يكن لها تمييز، جلست في أول كل شهر هلالي ستة أيام أو سبعة أيام على حسب عادة النساء كما دلت على ذلك الأحاديث، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم [لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك]، وهذا دليل على أنها تعمل بالعادة، وأن العادة مقدمة، فإذا كانت يصيبها الدم من أول كل شهر سبعة أيام ثم استمر الدم عليها وأطبق فإنها تجلس السبعة الأيام التي كانت تجلسها قبل استمرار الدم. وإذا كانت تجلسها من منتصف الشهر تجلسها من منتصف الشهر وهكذا، أما إذا لم يكن لها عادة ونسيت العادة تعمل بالتمييز كما سيأتي، فدم الحيض معروف أسود منتن غليظ، فالأيام التي يكون فيها غليظ منتن لا تصلي، والأيام التي يكون فيها أحمر رقيق تصلي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قالا: حدثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار: أن رجلاً أخبره عن أم سلمة رضي الله عنها، أن امرأة كانت تهراق الدم فذكر معناه قال: فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل، بمعناه]. وهذا الحديث أخرجه النسائي، وابن ماجة، وفي هذه الرواية مجهول مبهم وذلك في قوله أن رجلاً أخبر عن أم سلمة، فـ سليمان بن يسار راوي الحديث السابق جعل بينه وبين أم سلمة رجل. فتكون هذه الرواية ضعيفة.

لا يجب الغسل على الحائض إلا بعد دخول وقت الصلاة

لا يجب الغسل على الحائض إلا بعد دخول وقت الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا أنس - يعني ابن عياض - عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار: أن امرأة كانت تهراق، الدماء فذكر معنى حديث الليث قال: فإذا خلفتهن وحضرت الصلاة فلتغتسل، وساق الحديث بمعناه]. وهذا فيه قوله: عن رجل من الأنصار، والصحابة كلهم عدول، فإذا كان المقصود أنه صحابي فكلهم عدول، وإن كان رجلاً من الأنصار من غير الصحابة فيكون فيه مجهول. وفيه أن الغسل لا يجب إلا إذا حان وقت الصلاة، وأنه لا يجب عليها أن تغتسل قبل وقت الصلاة، وهو الصحيح فلا يكون الغسل واجباً على الفور. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي قال: أخبرنا صخر بن جويرية عن نافع بإسناد الليث ومعناه قال: فلتترك الصلاة قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل، ولتستذفر بثوب ثم تصلي]. وهذا كسابقه فما دل عليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا وهيب قال: أخبرنا أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة رضي الله عنها بهذه القصة قال فيه: تدع الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك وتستذفر بثوب وتصلي]. قال أبو داود: وسمى المرأة التي كانت استحيضت حماد بن زيد عن أيوب في هذا الحديث قال: فاطمة بنت أبي حبيش]. وقد صرح في غير أبي داود أنها فاطمة بنت أبي حبيش وأنها كانت قد استحيضت فأمرها أن ترجع إلى عادتها.

المستحاضة تتوضأ لكل صلاة إذا ذهبت عادتها

المستحاضة تتوضأ لكل صلاة إذا ذهبت عادتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عراك عن عروة عن عائشة أنها قالت: إن أم حبيبة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الدم، فقالت عائشة رضي الله عنها، فرأيت مركنها ملآن دماً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي). قال أبو داود: ورواه قتيبة]. الحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وهذا يشهد لحديث أم سلمة السابق، وأنها تجلس قدر عادتها ثم تغتسل، والمركن إناء واسع تغسل فيه الثياب، وهو ما يشبه ما يسمى اليوم بحوض الغسيل أو إدانة وهي لفظة فارسية وقوله: ملآن على وزن عطشان لا ينقلب على وزن فعلان، وفيه دليل على أن المرأة الحائض المستحاضة تجلس عدد الأيام التي كانت تحيضها قبل ذلك ثم تغتسل، ثم تتلجم وتتحفظ بثوب وتصلي، وتتوضأ في وقت كل صلاة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: ورواه قتيبة: بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها، ورواه علي بن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا جعفر بن ربيعة]. قوله: بين أضعاف الأضعاف هي الأثناء ويريد في أثناء الحديث، والمعنى أن قتيبة روى هذا الحديث بلفظ جعفر فقط من غير نسبة لأبيه.

أقوال العلماء في تفسير القرء وما انبنى عليه

أقوال العلماء في تفسير القرء وما انبنى عليه قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عيسى بن حماد قال: أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير قال: إن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك عرق، فانظري إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء)]. وهذا الحديث في إسناده المنذر بن المغيرة وهو مجهول. قال أبو حاتم: مجهول ليس بمشهور وذكره ابن حبان في الثقات. ومع ذلك فالحديث له شواهد ومنها ما سبق، وفيه دليل على أن المستحاضة تجلس أيام عادتها ثم تتلجم وتصلي، وفيه دليل على أن دم الاستحاضة دم عرق وهو يسمى نزف وفيه أن المرأة تصلي من القرء إلى القرء، والقرء يطلق على الطهر ويطلق على الحيض، وقد اختلف العلماء هل المراد بالقرء الطهر، أو الحيض. قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، فمن قال: إن القروء الحيض، قال المرأة تعتبر في الحيض إذا كانت تحيض ثلاثة حيض، ومن قال: إن المراد به الطهر قال: تحتجز ثلاثة أطهار ذهب إلى الأول الحنابلة وذهب إلى الثاني الشافعية والجماعة. والصواب أن المراد به الحيض، وهو الذي تدل عليه النصوص، وتدل عليه اللغة أيضاً، وهو يطلق على الطهر، ولكن المراد به هنا الحيض، ثلاثة قروء: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، أي: ثلاث حيضات، ولهذا في هذا الحديث إنما ذلك عرق يعني دم الاستحاضة، فانظري فإذا أتى قرؤك فلا تصلي، يريد الحيض، ولو كان المراد به الطهر لم يقل: فلا تصلي، فقوله: إذا أتى قرؤك أي: وقت حيضك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي، فما بين القرء إلى القرء، ما بين الحيض إلى الحيض، وبهذا يتضح أن المراد به الحيض. فهذا الحديث، وحديث سليمان بن يسار يشد بعضهما بعضاً، فيكونا حجة. فحديث سليمان بن يسار فيه انقطاع وهذا فيه جهالة فيشد بعضهما الآخر ويشهد لهما أيضاً حديث مسلم السابق من حديث عائشة.

الحائض تعمل بالعادة وهو مقدم على التمييز

الحائض تعمل بالعادة وهو مقدم على التمييز قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يوسف بن موسى قال: أخبرنا جرير عن سهيل - يعني ابن أبي صالح - عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أنها أمرت أسماء أو أسماء حدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حبيش أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل]. هذا الحديث لا بأس بسنده فهو حسن كما قال المنذري، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل، واستدل به بعضهم على أن الاعتبار للعادة لا للتمييز واستدلوا بحديث فاطمة بنت أبي حبيش، وحديث عائشة السابق في قصة أم حبيبة، كل منهما فيه دليل على أنها تعمل بالعادة، فالعادة مقدمة على التمييز، ولهذا قال: أمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد، قبل أن يأتيها الدم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: ورواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي]. والحديث فيه قتادة وهو مدلس وقد عنعن. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: لم يسمع قتادة من عروة شيئاً]. وبتدليس قتادة يكون الحديث منقطعاً، ولكن يشهد له ما سبق من أحاديث، وهو أنها تعمل بالعادة، فتجلس أيام عادتها ثم تغتسل وتصلي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وزاد ابن عيينة في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أم حبيبة رضي الله عنها كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها. قال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح]. ذكر هنا أن ابن عيينة زاد في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة، وأن هذا وهم من ابن عيينة فليس في حديث الحفاظ عن الزهري إذاً ابن عيينة فقد وهم في قوله: عن عمرة عن عائشة، وإنما هو عن سهيل بن أبي صالح كما في الحديث الأول. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه: تدع الصلاة أيام أقرائها. وروت قمير بنت عمرو زوج مسروق عن عائشة رضي الله عنها]. قمير بفتح القاف، امرأة مسروق وهنا سكت عنها وفيها جهالة وقد قال العجلي: بأنها تابعية ثقة وهو متساهل في هذا رحمه الله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروت قمير بنت عمرو زوج مسروق عن عائشة رضي الله عنها: (المستحاضة تترك الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل). وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها. وروى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فذكر مثله. وروى شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي). وروى العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر قال: إن سودة استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم إذا مضت أيامها اغتسلت وصلت. وروى سعيد بن جبير عن علي وابن عباس رضي الله عنهم: (المستحاضة تجلس أيام قرئها). وكذلك رواه عمار مولى بني هاشم وطلق بن حبيب عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك رواه معقل الخثعمي عن علي رضي الله عنه، وكذلك روى الشعبي عن قمير امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها. قال أبو داود: وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم: أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها]. وكل هذه الآثار والمراسيل التي ذكرها المؤلف تدل على ما دلت عليه الأحاديث من أن: المستحاضة تجلس أيام عادتها، وتعمل بعادتها ثم تغتسل وتتلجم وتصلي. فالمؤلف رحمه الله أتى بهذه الآثار والمراسيل كلها لتؤيد ما دلت عليه الأحاديث وتقويها. وذكر أيضاً رحمه الله: أن هذا القول وهو: أنها تجلس أيام عادتها ثم تغتسل، قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم. فكل هؤلاء العلماء ذهبوا إلى ما دلت عليه الأحاديث من أن: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها. يعني: أيام حيضها، ثم تغتسل وتتلجم وتصلي.

ما جاء فيمن روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة

ما جاء فيمن روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن محمد النفيلي قالا: حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي)]. وهذا أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة. وفيه: أن فاطمة قالت: (يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر -يعني: يستمر الدم معها، وظنت أنها لا تطهر- أفأدع الصلاة؟ قال: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي). فقوله: (أقبلت الحيضة)، احتج به بعضهم على أن المراد به: العمل بالتمييز. ويحتمل أن المراد: ردها إلى العادة، كما دلت الأحاديث السابقة من أنها تعمل بالعادة ولا شك أن العادة مقدمة، فإن لم تعلم العادة عملت بالتمييز. فيحتمل أن المراد: ردها إلى العادة، أو: إلى الحالة التي تكون للحيض، من قوة الدم في اللون. وهو محتمل. وعلى كل حال فالعادة مقدمة، فإذا كان لها عادة عملت بها، كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة، مثل: حديث أم سلمة وحديث عائشة وغيرهما من أنها تعمل بالعادة، فإذا لم يكن لها عادة عملت بالتمييز. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن هشام بإسناد زهير ومعناه قال: (فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي)]. وهذا هو الحديث السابق بسند زهير، وفيه أنه قال: (فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي)، وفي الحديث الأول: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)، فقوله: (فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي)، أي: إذا ذهب قدرها من الأيام، أو قدرها من العادة، وهذه الرواية ترجح أن المراد بها العادة، ولا شك أن العادة مقدمة.

ما جاء فيمن قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

ما جاء فيمن قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة. حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عقيل عن بهية قالت: (سمعت امرأة تسأل عائشة رضي الله عنها عن امرأة فسد حيضها وأهريقت دماً، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آمرها فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها مستقيم، فلتعتد بقدر ذلك من الأيام، ثم لتدع الصلاة فيهن أو بقدرهن، ثم لتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي)]. هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في إقبال الحيضة، وقد استدل به على أن المرأة إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، وإقبال الحيضة يحتمل إقبالها بالتمييز؛ لأنها تعرف بالتمييز، أو إقبالها بالعادة التي كانت تعرفها من الشهر وعدد الأيام التي تعرفها وتعرف مكانها من الشهر، وهذا الحديث سنده ضعيف؛ لأن فيه أبا عقيل وهو ضعيف، وكذلك بهية ضعيفة، وأما المرأة التي تسأل عائشة رضي الله عنها فلا يضر جهالتها؛ لأن بهية قد سمعت الحديث من عائشة وقد قالت: سمعت عائشة، فلم تنقل عن المرأة المجهولة وإنما نقلت عن عائشة ومعنى الحديث: صحيح، وقد دل على معناه الأحاديث الصحيحة، فقد دلت على أن المرأة تجلس أيام عادتها إذا كان لها عادة تعرفها في الشهر، فإن لم يكن لها عادة عملت بالتمييز، والحديث وإن كان ضعيفاً لكن له شواهد ترتقي به إلى درجة الحسن، فالحديث حسن بشواهده، وهو دليل على أن المرأة إذا كان لها عادة فإنها تجلس قدر عادتها ثم تغتسل، وتستثفر بثوب ثم تصلي، فإن لم يكن لها عادة عملت بالتمييز.

شرح حديث: (إن هذه ليست بالحيضة)

شرح حديث: (إن هذه ليست بالحيضة) قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان قالا: أخبرنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلي)]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة، وقوله: ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأختان: هم أقارب زوجة الرجل، يقال لهم: أختاناً، وأقارب الزوج يقال لهم: أحماء، والجميع يسمون أصهاراً. والمعنى: أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: قريبة من زوجته؛ لأنها أخت زوجته، فهي أخت زينب، وقد كانت أم حبيبة رضي الله عنها معتادة، ويحتمل أنها مميزة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي). والأصل: أن العادة مقدمة إذا كانت معروفة للمرأة، فإن كانت المرأة لا تعرف العادة ونسيتها فإنها تعمل بالتمييز، فإذا كان الدم أسود ثخيناً له رائحة جلست، وإذا كان أصفر أو أحمر رقيقاً فإن هذا دم الاستحاضة. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: زاد سالأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (استحيضت أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها -وهي تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه- سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي)].

الكلام على بعض روايات الحديث

الكلام على بعض روايات الحديث قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: ولم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي، ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث والليث ويونس وابن أبي ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن إسحاق وسفيان بن عيينة ولم يذكروا هذا الكلام]. يعني: أنه ذكر تسعة عن الزهري بخلاف رواية الأوزاعي، فـ الأوزاعي خالف تسعة من تلاميذ الزهري، وهم: عمرو بن الحارث والليث ويونس وابن أبي ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن إسحاق وسفيان بن عيينة، فكلهم خالفوا الأوزاعي ولم يذكروا هذ الكلام، أي: جملة: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي الدم وصلي) ولم يذكرها إلا الأوزاعي من تلاميذ الزهري. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها]. يعني: وليس من لفظ حديث الزهري عن عروة، وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والمؤلف يريد بهذا ترجيح رواية الأكثرين. وبيان أن الأوزاعي خالف تلاميذ الزهري على طريقة المتقدمين في تقديم رواية الأكثر على رواية الأقل. وأما المتأخرون فإنهم يقولون: إن الزيادة من الثقة مقبولة، كالحافظ ابن حجر والعراقي والخطيب البغدادي، وهو أول من تكلم في هذا، فيقبلون رواية الثقة إذا كانت روايته غير منافية لرواية الأكثر، فإنها مقبولة، ولهذا يقول العراقي: واحكم بقول ثقة في الأظهر. وقال الحافظ ابن حجر في النخبة: وزيادة راويهما -أي: الصحيح والحسن- زيادة مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، وأما المتقدمون كـ النسائي وأبي داود وجماعة فإنهم يقدمون رواية الأكثر، فلهذا المؤلف رحمه الله قدم رواية الأكثر وقال: إن هذه الرواية انفرد بها الأوزاعي عن الزهري، وخالف فيها تسعة من أصحاب الزهري. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: وزاد ابن عيينة فيه أيضاً: (أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها)، وهو وهم من ابن عيينة]. يعني: زاد سفيان بن عيينة أيضاً في هذا الحديث: (أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها)، يعني: أيام حيضها. وفيه دليل لمن قال: إن الأقراء هي الحيض، ولكن قال المؤلف: إن هذه الزيادة: (أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها)، وهم من ابن عيينة؛ لأنه انفرد بها. قال المؤلف رحمه الله: [وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء، ويقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه]. يعني: حديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه وهم، وهو الحديث الذي سيأتي، ويقرب من زيادة الأوزاعي في حديثه، فكما أن الأوزاعي زاد: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)، ووهم فيها فكذلك أيضاً حديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء من الوهم. وعلى هذا تكون زيادة ابن عيينة وزيادة الأوزاعي وحديث محمد بن عمرو وهم، وكل منهم تفرد بما لم يذكره أحد سواه، فتكون ضعيفة، وهذا على طريقة المتقدمين، فوهم الأوزاعي في زيادته، ووهم ابن عيينة، ووهم محمد بن عمرو.

صفة دم الحيض

صفة دم الحيض قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا محمد بن المثنى قال: أخبرنا محمد بن أبي عدي عن محمد يعني: ابن عمرو قال: حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق)]. وهذا الحديث أخرجه النسائي بإسناد حسن كمال قال المنذري، وفيه: بيان الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، فدم الحيض دم أسود يعرف، ويعرف تروى بالوجهان: يعرَف، بفتح الراء على البناء للمجهول، أي: تعرفه النساء، وروي يعرِف بالكسر، أي: له عرف ورائحة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل الحكم، فقال: (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان ذلك)، وهذا الخطاب للمرأة، يعني: في وقت زمن الحيض، (فأمسكي عليك الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضئي)، أي: فهو دم الاستحاضة (فتوضئي وصلي فإنما هو عرق) أي: دم عرق، وقد كانت مميزة. ففيه العمل بالتمييز. ويحتمل: أنها معتادة، ولكن الأظهر: أنها مميزة، فدل على أن: المرأة إذا كانت مميزة ولم تعلم عادتها فإنها تعمل بالتمييز. وهذا الحديث سبق أن المؤلف رحمه الله قال: إنه فيه شيء من الوهم؛ لأنه تفرد به محمد بن عمرو عن الزهري. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: وقال ابن المثنى: حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، ثم حدثنا به بعد حفظاً قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (أن فاطمة كانت تستحاض) فذكر معناه]. أي: أن ابن أبي عدي حدث به مرة من كتابة، وحدث به مرة أخرى من حفظه. فلما حدث به من كتابة قال محمد بن أبي عدي: عن محمد يعني: ابن عمرو قال: حدثني ابن شهاب، ولما حدث به من حفظة قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكره من كتابه عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش، وجعله من حفظه من مسند عائشة: ولهذا تكلم العلماء في هذا الحديث. وذكر ابن القيم رحمه الله: أن ابن القطان قال: إن الحديث منقطع؛ لأنه انفرد به محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة، ورواه عن محمد بن عمرو محمد بن أبي عدي مرتين: إحداهما من كتابة، والثانية من حفظه. والمؤلف رحمه الله رد هذا الحديث أيضاً. وقال ابن القيم رحمه الله: إن الحديث متصل. فقد حدث به محمد بن عمرو من كتابة منقطعاً، وحدث به من حفظه متصلاً، فزاد عائشة، وهذا فيه نظر، ورد ابن حزم هذا الحديث. والمقصود: أن هذا الحديث فيه كلام، فالمؤلف يرى أن فيه وهماً، وقال ابن القطان: إن فيه انقطاعاً، وابن القيم يرى أن الحديث لا بأس به، وأن عروة بن الزبير يمكن أن يرويه عن فاطمة ويرويه عن عائشة، ولا محذور في هذا، ولا يعتبر هذا وهماً، وقال المؤلف رحمه الله: إن فيه وهماً من وهم الأوزاعي؛ لأن محمد بن عمرو تفرد فيه عن الزهري بما لم يذكره سواه.

ما جاء عن الصحابة والسلف في ترك الصلاة أيام الحيض

ما جاء عن الصحابة والسلف في ترك الصلاة أيام الحيض قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: وروى أنس بن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما في المستحاضة قال: (إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي)]. والدم البحراني يعني: الدم الكثيف الغليظ الواسع يخرج من قعر الرحم، نسبة إلى البحر لكثرته وسعته، والبحر هو: التوسع والانبساط في الشيء، ومنه: قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ركب فرساً عالياً وكان يقال: إنه يتأخر في المشي، فأسرع: (إن وجدناه لبحراً)، يعني: واسع الجري، فقال هنا: إذا رأت الدم الكثير الغليظ فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي. قال المؤلف رحمه الله: [وقال مكحول: إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة، إن دمها أسود غليظ، فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة، فلتغتسل ولتصلي]. أي أن النساء لا تخفى عليهن الحيضة، بل يعرفنه بالتمييز، فدم الحيض دم أسود غليظ، منتن كريه الرائحة، فإذا ذهب هذا الدم الغليظ المنتن وجاء الدم الأصفر الرقيق فإنها تغتسل وتصلي. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب في المستحاضة: (إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلت)]. وإقبالها يكون بالعادة إن كان لها عادة، فإن لم يكن لها عادة بالتمييز، فإذا أدبرت اغتسلت وصلت. قال المؤلف رحمه الله: [وروى سمي وغيره عن سعيد بن المسيب (تجلس أيام أقرائها)]. يعني: أيام حيضها. قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد]. يعني: كما سبق، أنها تجلس في أيام عادتها. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: وروى يونس عن الحسن: (الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوماً أو يومين فهي مستحاضة)]. يعني: إذا استمر بها الدم بعد انقضاء مدته المعلومة، فإنها تمسك عن الصلاة يوماً أو يومين، ثم بعد ذلك هي مستحاضة. قال المؤلف رحمه الله: [وقال التيمي عن قتادة: إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصل، قال التيمي: فجعلت أنقص حتى بلغت يومين]. يعني: أنقص الأيام التي زادت على أيام حيضها. قال المؤلف رحمه الله: [فجعلت أنقص حتى بلغت يومين فقال: إذا كان يومين فهو من حيضها، وسئل ابن سيرين عنه فقال: النساء أعلم بذلك]. يعني: النساء تعرف هذا، وقوله: إنها تجلس بعده يوماً أو يومين ليس بوجيه، وإنما تجلس أيام أقرائها كما سبق. ولا تزيد يوماً أو يومين إلا إذا كان فيه وصف دم العادة، وأما إذا انتهى الدم الغليظ فلا تجلس يوماً أو يومين، فقول الحسن تجلس يوماً أو يومين إذا مد بها الحيض ليس بجيد، وكذلك قول التيمي: فجعلت أنقص حتى بلغت يومين، وأما قول ابن سيرين: النساء أعلم، فهو أصح من قول الحسن، والمؤلف رحمه الله أكثر النقول عن السلف؛ لأن باب الاستحاضة باب عويص. والمستحاضة لها ثلاث حالات: أحدها: أن يكون لها عادة معلومة من الشهر، فتجلس فيها، ثم تغتسل وتصلي. الثانية: ألا يكون لها عادة، كأن تكون مبتدئة أو لها عادة ونسيتها فتعمل على التمييز، فتجلس إذا كان الدم أسود أو ثخيناً أو منتناً أو أحمر شديد الحمرة، فإذا ذهب اغتسلت وصلت. الثالثة: ألا يكون لها تمييز ولا عادة، وهذه تسمى متحيرة، فتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم تغتسل وتصلي. وهذا على حسب عادة نسائها، ممن يشابهنها سمناً وخلقة من نسائها وأبناء جنسها، فإن كن يجلسن سبعة أيام جلست سبعاً، وأن كن يجلسن ستة جلست ستاً.

حديث حمنة بنت جحش في الاستحاضة

حديث حمنة بنت جحش في الاستحاضة قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش رضي الله عنها قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش رضي الله عنها فقلت: (يا رسول الله! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم؟ فقال: أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فاتخذي ثوباً، فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم. قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن، ميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا أعجب الأمرين إلي). قال أبو داود: ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل]. وحديث حمنة هذا حديث مشهور، وحمنة بنت جحش كانت تحت طلحة بن عبيد الله، وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف، وزينب أم المؤمنين، وكل بنات جحش مستحاضات الثلاث. وهذا الحديث فيه: بيان أن المتحيرة تتحير في علم الله؛ لأن ظاهرها أنها متحيرة، فتتحير في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام. والحديث فيه: عبد الله بن محمد بن عقيل، اختلف في توثيقه وضبطه، وهو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قيل: في حفظه بعض الشيء، والراجح: أنه ثقة مقبول إذا وافق الثقات، والحديث رواه الترمذي وغيره، وهذا الحديث مما وافق فيه الثقات، وكما قال ابن القيم رحمه الله: مداره على ابن عقيل، وهو عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو ثقة صدوق، لم يتكلم فيه بجرح أصلاً، وكان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق بن راهويه يحتجون بحديثه، وكان الترمذي يصحح له، وإنما يخشى من حفظه إذا اضطرب على الثقات أو خالفهم، أما إذا لم يخالف الثقات ولم ينفرد فيما ينكر عليه فهو حجة. وقال البخاري في هذا الحديث: هو حديث حسن، وقال الإمام أحمد: هو حديث صحيح، وأما ابن خزيمة فإنه أعله، وقال: لا يصح؛ لأن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل، فالحديث مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل، في حفظه بعض الشيء، ولكن إذا وافق الثقات فلا إشكال فيه، وإنما الأشكال إذا خالف الثقات، وهو هنا قد وافق الثقات، وهو ثقة صدوق، وفيه: أن حمنة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنعت لك الكرسف)، يعني: أصف لك الكرسف، وهو القطن تحتشي به، قال: (فإنه يذهب الدم)، أي: يخفف الدم (فقالت: هو أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوباً. فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم. قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان) والركضة: ضرب الأرض بالرجل حال المشي. والمراد: أن الشيطان ركض، أو: وجد طريقاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها وصلاتها، حتى أنساها حاجتها. فهي ركضة من ركضات الشيطان. والأصل أن يحمل على الحقيقة. وبعضهم تأوله بأن المراد: أن الشيطان قد وجد طريقة إلى التلبيس عليها، أي: أنه ليس ركضاً حسياً. والصواب: أن الأصل الحقيقة. الشيطان له مدخل للإنسان، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر لها أمرين، فقال: (سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم. قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها). وهذا هو الأمر الأول أنها تتوضأ لكل صلاة، وتصلي كل صلاة في وقتها. وتتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام على حسب عادة نسائها، ومن يوافقها سناً من نسائها؛ لأنها متحيرة؛ وليس لها تمييز ولا عادة فهي متحيرة. فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتحير في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها، فتجلس من الشهر ستة أيام أو سبعة أيام، ثم تصلي بقية الشهر وتصوم ثلاثاً وعشرين أو أربعاً وعشرين يوماً من الشهر. وهذه الستة الأيام أو السبعة تجلسها على عادة نسائها إن عرفت أول مجيء الحيض لها، وإلا جلست من أول كل شهر هلالي، ثم بعد ذلك تتحفظ وتتلجم وتصلي، وتفعل هذا في كل شهر. ولذلك قال لها النبي: (وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء، وكما يطهرن، ميقات حيضهن) والأمر الثاني قال: (فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر). أي: أنها تجمع جمعاً صورياً. وتغتسل في كل يوم ثلاث مرات. فتجمع الظهر والعصر وتغتسل لهما، وتجمع المغرب والعشاء وتغتسل لهما، وتغتسل للفجر. فالأمر الأول: أنها تتحيض ستة أيام أو سبعة أيام ثم تغتسل، وتتوضأ لكل صلاة. والأمر الثاني: أنها تغتسل في كل يوم ثلاث مرات، وتجمع جمعاً صورياً. فتؤخر الظهر إلى آخر وقتها وتعجل العصر في أول وقتها وتغتسل لهما وتصليهما معاً. وتؤخر المغرب إلى آخر وقتها وتعجل العشاء في أول وقتها وتغتسل لهما وتصليهما معاً. وتغتسل للفجر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وهذا أعجب الأمرين إلي). يعني: الاغتسال ثلاث مرات. وهذا من باب الاستحباب. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل فقال: فقالت حمنة: فقلت: (هذا أعجب الأمرين إلي)، فلم يجعله قول النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله كلام حمنة]. ففي رواية عمرو بن ثابت قوله: (هذا أعجب الأمرين إلي)، لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جعله من كلام حمنة. وأما الرواية الأولى: فإنها رواية زهير بن محمد وعبد الله بن عقيل وفيها: أن قوله: (هذا أعجب الأمرين إلي) من كلام النبي. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: كان عمرو بن ثابت رافضياً، رجل سوء، ولكنه كان صدوقاً في الحديث]. فقول أبي داود: كان عمرو بن ثابت رافضياً، يعني: فلا يعول على قوله: قالت حمنة: (هذا أعجب الأمرين إلي). والصواب أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصواب رواية زهير بن محمد عن ابن عقيل. وقد رفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فالصواب: أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وقول أبي داود: أن عمرو بن ثابت كان رافضياً ذكره عن يحيى بن معين. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء]. وذلك لأن ابن عقيل فيه كلام، ففي حفظه بعض الشيء. ونقل عن الإمام أحمد خلاف ذلك أيضاً، فقد روى عنه: أنه لا بأس به. كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله. فقد قال: كان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق يحتجون بحديثه. وقال الإمام أحمد: هو حديث صحيح. وفي هذه الرواية قال: في نفسي منه شيء، وذلك من جهة حفظه؛ لأن في حفظه بعض الشيء. ولهذا قال الترمذي: حديث حمنة حسن صحيح.

كتاب الطهارة [19]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [19] إن دم الاستحاضة يختلف عن دم الحيض، ولذلك كانت أحكامه تختلف عن حكم دم الحيض، فالمستحاضة تصلي وتصوم بخلاف الحائض فإنها تترك الصلاة والصوم حتى ينقضي حيضها ثم تقضي الصوم.

ما جاء فيمن روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

ما جاء فيمن روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

شرح الأحاديث الواردة في استحاضة أم حبيبة بنت جحش

شرح الأحاديث الواردة في استحاضة أم حبيبة بنت جحش قال المؤلف رحمه الله: [باب: من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة. حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (إن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي. قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء)]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة. وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي). قالت عائشة: فكانت تغتسل في حجرة أختها زينب وكانت بنات جحش كلهن مستحاضات - أم حبيبة وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة وكانت تحت طلحة بن عبيد الله، وزينب أم المؤمنين- فكانت تجلس في مركن. والمركن: يشبه الإناء الذي يغسل فيها الثياب، ويشبه الطست. والحكمة من كونها تجلس فيه: أنها إذا علت حمرة الدم الماء عرفت أنه دم استحاضة، فتخرج منه وتغتسل. وليس معناه: أنها تغتسل في هذا المكان الذي فيه الماء. وأما إذا لم تعلو حمرة الدم الماء فتعرف أنه دم حيض ولم يذكر هنا أنها تغتسل لكل صلاة، وسيأتي في الحديث الذي بعده. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة رضي الله عنها بهذا الحديث، قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة]. وهذا هو الشاهد للترجمة بقوله: باب: ما روي أنها تغتسل لكل صلاة. ففي الحديث: أنها كانت تغتسل لكل صلاة. ولكن هذا اجتهاد منها. ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الواجب عليها أن تغتسل مرة واحدة عند انقطاع دم الحيض، فإذا انقطع دم الحيض اغتسلت. أو إذا كان لها تمييز أو انتهت العادة فإنها تغتسل مرة واحدة. هذا هو الواجب عليها. وأما اغتسالها لكل صلاة فقد فعلته هي تطوعاً، ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أمرها به هو أنها تغتسل عند انقطاع دم الحيض. وأما كونها تغتسل لكل صلاة فهذا اجتهاد منها، وليس بواجب. وعنبسة هذا الأقرب أنه عنبسة بن خالد. وما جاء في بعض الروايات من الأمر بالغسل لكل صلاة فهو محمول على الاستحباب كما سيأتي. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثني الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال فيه: فكانت تغتسل لكل صلاة]. وهذا الإسناد لا بأس به. وفيه: أنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة. ففيه دليل على: أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، وهذا من باب الاستحباب. فإن أحبت هي من نفسها فعلته، وإلا فليس بواجب عليها أن تغتسل لكل صلاة؛ لأن فيه مشقة عليها. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: رواه القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها] يعني: جعل يزيد عروة مكان مكان عمرة، والقاسم بن مبرور جعل عمرة مكان عروة، فقال: عن عمرة عن عائشة، فقد اختلفا في عروة وعمرة وكلاهما ثقة، وعنبسة جعله عن الزهري. والقاسم جعله من مسند أم حبيبة لا من مسند عائشة، فهذا هو وجه كون المؤلف ذكر الاختلاف في هذا وبينه. قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وربما قال معمر: عن عمرة عن أم حبيبة رضي الله عنها، بمعناه]. يعني: أن معمراً ربما حذف عائشة رضي الله عنها. قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك رواه إبراهيم بن سعد وابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها]. يعني: جعله من مسند الزهري عن عمرة عن عائشة. وروايته الأولى عن عروة عن عائشة. قال المؤلف رحمه الله: [وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة]. أي: قال سفيان بن عيينة في حديثه: ولم يقل -أي: الزهري - إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل. وعنبسة بن خالد هو أبو عثمان مولى بني أمية عن عمه يونس وابن جريج، وعنه: ابن وهب وأحمد بن صالح. وقال: صدوق. قال أبو داود: هو أحب إلينا من الليث. وقال أبو حاتم: كان على خراج مصر، وكان يعلق النساء بثديهن. قال ابن القطان: كفى هذا في تجريحه. قال النسوي سمعت يحيى بن بكير يقول: إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق، لم يكن موضعاً للكتابة عنه. كذا في الميزان والتهذيب. قال ابن يونس: توفي سنة ثمان وتسعين ومائة، قاله البخاري. وعلى كل حال يحتاج هذا الكلام إلى توثيق. يعني: هذا اختلاف في توثيقه، ويحتاج إلى مراجعة خلاف النقاد. قال المؤلف رحمه الله: [وذكر أبو داود رحمه الله قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عراك عن عروة عن عائشة أنها قالت: (إن أم حبيبة سألت النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، عن الدم؟ فقالت عائشة: فرأيت مركنها ملآن دماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي). قال أبو داود: ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها. رواه علي بن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة]. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي حدثنى أبي عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة: (أن أم حبيبة رضي الله عنها استحيضت سبع سنين، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة). وكذلك رواه الأوزاعي أيضاً. قالت عائشة: فكانت تغتسل لكل صلاة]. وهذا هو الصواب، أنها هي التي كانت تغتسل، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة: (أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها بالغسل لكل صلاة). وساق الحديث]. وهذا ضعيف؛ لأن في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس، وقد عنعن ولم يصرح بالتحديث. وفيه: أن النبي هو الذي أمرها بالغسل لكل صلاة. وهذا ضعيف. والصواب: ما سبق من أنها هي التي كانت تغتسل. وأما هذا الحديث الذي فيه: أن النبي هو الذي أمرها بالغسل لكل صلاة فمن رواية محمد بن إسحاق، وهو ثقة، ولكنه مدلس. فلهذا لا حجة في ما دل عليه: من أن النبي هو الذي أمرها بالغسل. وإنما هي التي كانت تغتسل كما دلت عليه الروايات السابقة الكثيرة.

شرح الأحاديث الواردة في استحاضة زينب بنت جحش

شرح الأحاديث الواردة في استحاضة زينب بنت جحش قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: ورواه أبو الوليد الطيالسي ولم أسمعه منه عن سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة). وساق الحديث]. وهذا منقطع، كما قال: إن بينه وبين أبي الوليد واسطة. وفيه: أن النبي أمرها بالاغتسال. وهذا غير صحيح؛ لأنه لم يصح الأمر بالغسل، وإنما هي التي كانت تغتسل. ولم يسمع المؤلف هذا الحديث من أبي الوليد الطيالسي مع كونه من تلامذته. وقد قال المؤلف: إن بينهما واسطة، ولم يذكرها. فالحديث منقطع ضعيف. والثابت أنها هي التي كانت تغتسل، كما في الأحاديث الصحيحة. قال المحقق في الحاشية: [وليست كل امرأة مستحاضة يجب عليها الاغتسال لكل صلاة، وإنما هي فيمن تبتلى وهي لا تميز دمها، أو كانت لها أيام فنسيتها، فهي لا تعرف موضعها ولا عادتها ولا وقت انقطاع الدم عنها]. وهذه هي المتحيرة، ولكن لا يجب عليها الغسل. وأما الغسل لكل صلاة فمستحب، إذا فعلته من نفسها. ولم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت الأمر منه فهو محمول على الاستحباب؛ لأن النبي لم يأمر المستحاضات بالغسل لكل صلاة؛ لأن فيه مشقة. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير قال: (توضئي لكل صلاة). قال أبو داود: وهذا وهم من عبد الصمد، والقول فيه قول أبي الوليد]. وهذا هو الصواب. ولكن أبو داود وجماعة يجعلون رواية عبد الصمد عن سليمان بن كثير: (توضئي لكل صلاة)، وهماً؛ لأنه انفرد بها. وأما رواية أبي الوليد الطيالسي عن سليمان بن كثير التي فيها الغسل لكل صلاة المنقطعة فيصححها أبو داود؛ لأنه يوثق الواسطة بينه وبين أبي الوليد، ويرجح قول أبي الوليد على قول عبد الصمد؛ لأنه أقوى في الحفظ. والصواب: أن عبد الصمد لم يهم؛ لموافقته النصوص التي فيها الأمر بالوضوء فقط. وإن كان أبو الوليد أقوى حفظاً.

شرح الأحاديث الواردة في اغتسال المستحاضة لكل صلاة

شرح الأحاديث الواردة في اغتسال المستحاضة لكل صلاة قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: أخبرتني زينب بنت أبي سلمة: (أن امرأة كانت تهرق الدم، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي)]. وحديث أبي سلمة هذا إسناده: حسن، وليس فيه علة. وقال ابن القيم رحمه الله: أعل ابن القطان هذا الحديث بأنه مرسل؛ لأن زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم معدودة في التابعيات. فيكون الحديث مرسلاً، والمرسل ضعيف. قال ابن القيم: وهذا التعليل تعليل فاسد، فإنها معروفة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أمها وعن أم حبيبة، فلا يكون مرسلاً، وإنما هو حسن. وقد اعتمد هذا الشارح، وعلى هذا فيكون النبي هو الذي أمرها أن تغتسل، فيكون الأمر محمولاً على الاستحباب، جمعاً بين الروايتين. قال المؤلف رحمه الله: [وأخبرني أن أم بكر أخبرته أن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر إنما هي أو قال: إنما هو عرق، أو قال: عروق)]. يعني: دم استحاضة. فلا تترك له الصلاة، لأنه دم عرق، يعني: دم يخرج من انفجار العروق، ولا يخرج من الرحم. وعلى هذا فإذا رأت المستحاضة هذا الدم بعد الطهر، فإنها تغتسل وتتلجم وتتحفظ وتصلي. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: في حديث ابن عقيل: الأمران جميعاً. وقال: (إن قويت فاغتسلي لكل صلاة، وإلا فاجمعي)]. أي: بين الصلاتين. يعني: بغسل واحد. قال: [كما قال القاسم في حديثه]. وهذا الغسل من باب الاستحباب وحديث القاسم سيأتي في الباب الذي بعده. قال: [وقد روي هذا القول عن سعيد بن جبير عن علي وابن عباس رضي الله عنهم]. أي: أنها تغتسل لكل صلاة، أو تجمع بين الصلاتين بغسل واحد.

ما جاء فيمن قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا

ما جاء فيمن قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلاً

شرح حديث: (استحيضت امرأة على عهد رسول الله)

شرح حديث: (استحيضت امرأة على عهد رسول الله) قال المؤلف رحمه الله: [باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلاً]. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثني أبي عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: (استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلاً، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً) فقلت لـ عبد الرحمن: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا أحدثك بشيء إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم]. وهذا الأمر على سبيل الاستحباب لا الوجوب، بدليل قوله في حديث حمنة لما ذكر الغسل والوضوء في كل صلاة: (وهو أعجب الأمرين إلي) فهذا القول منه يدل على: أنه ليس للوجوب. فيكون الغسل هذا من باب الاستحباب، وأما كونها تجمع بين الصلاتين فلأن الاستحاضة نوع من المرض، فتجمع إذا كان يشق عليها أن تصلي كل صلاة في وقتها. وأما الغسل فهو مستحب. وإذا اغتسلت فهو أفضل وأقوى، وهو يزيد النشاط والقوة، وإلا فالوضوء يكفيها، وتغتسل إذا انتهى دم الحيض أو انقطع دم الحيض، أو انتهت أيام عادتها أو التمييز. والحديث أخرجه النسائي. وقوله: يقول -أي: شعبة - لـ عبد الرحمن: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ يعني: هذا الحديث. قال: لا أحدثك بشيء إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقوله: بشيء متعلقة بأحدثك. ففيها تقديم وتأخير، يعني: أن الحديث مرفوع. وأن الآمر لها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه محمول على الاستحباب. وفي بعض النسخ: (لا أحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء). والأقرب الاستثناء، وأنه لابد منه.

شرح حديث عائشة: (أن سهلة بنت سهيل استحيضت)

شرح حديث عائشة: (أن سهلة بنت سهيل استحيضت) قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى حدثنا محمد -يعني: ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: (أن سهلة بنت سهيل استحيضت، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة. فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح)]. وهذا السند فيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وقد عنعن، ولو صح فإن الأمر بالغسل محمول على الاستحباب. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن امرأة استحيضت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها بمعناه]. وهذا فيه متابعة من ابن عيينة لـ محمد بن إسحاق، فـ محمد بن إسحاق مدلس فيشده متابعة ابن عيينة له، ويكون الأمر ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون الأمر للاستحباب ليس للوجوب.

شرح حديث أسماء بنت عميس في استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش

شرح حديث أسماء بنت عميس في استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرنا خالد عن وسهيل -يعني: ابن أبي صالح - عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس قالت: قلت: (يا رسول الله! إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! إن هذا من الشيطان، لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر غسلاً واحداً، وتتوضأ فيما بين ذلك)]. وهذا الحديث قال المنذري: إسناده حسن، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل، ولكنه محمول على الاستحباب. وقوله: (لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء)، يعني: إذا رأت صفرة فوق الماء الذي تقعد فيه فلتغتسل، وفائدة القعود لتميز دم الاستحاضة من غيره، فإنه إذا علا الدم الأصفر فوق الماء فهي مستحاضة، وإن لم يعلو على الماء فهو حيض، وأما الغسل فيكون خارج المركن، والمركن هو: الإناء الواسع الذي يغسل فيه الثياب، ويسمى عندنا الآن الطست، واللجان. [قال أبو داود: رواه مجاهد عن ابن عباس: (لما اشتد عليها الغسل، أمرها أن تجمع بين الصلاتين)]. يعني: لما اشتد عليها الغسل لكل الصلاة، وقد سبق أنها هي التي فعلت هذا بنفسها، ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين)، هذه رواية ابن عباس. [قال: أبو داود: ورواه إبراهيم عن ابن عباس وهو قول إبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد]. لأن الاستحاضة نوع من المرض فتجمع بن الصلاتين، وهذا هو الصواب: أنها تجمع. وإذا لم تصل المرأة وهي في دم الاستحاضة، فإنها تقضي الصلاة، فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر فاطمة هنا بالإعادة؛ وهو دم استحاضة، قيل: هذا مسكوت.

ما جاء فيمن قال تغتسل المستحاضة من طهر إلى طهر

ما جاء فيمن قال تغتسل المستحاضة من طهر إلى طهر قال المؤلف رحمه الله: [باب: من قال: تغتسل من طهر إلى طهر. حدثنا محمد بن جعفر بن زياد وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، والوضوء عند كل صلاة)]. والاغتسال من طهر إلى طهر هو الواجب، وهو الذي عليه الجمهور، وهو الصواب: أنها لا يجب عليها أن تغتسل إلا من طهر إلى طهر، والغسل عند كل صلاة محمول على الاستحباب، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة، وهو ضعيف؛ لأن في سنده شريك القاضي، وهو سيئ الحفظ، وفي سنده أيضاً أبو اليقظان لا يحتج بحديثه، وجد عدي بن ثابت مجهول، ففيه ثلاث علل: شريك القاضي فإنه لما تولى القضاء ساء حفظه، وأبو اليقظان لا يحتج بحديثه، وجد عدي بن ثابت مجهول عن أبيه عن جده، ولكن الحديث له شواهد كثيرة، تدل على أن: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة، وما دل عليه الحديث ثابت في أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، يعني: الحيض، ثم تغتسل، يعني: بعد الطهر وتصلي. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: زاد عثمان: (وتصوم وتصلي)]. الشيخ: يعني: الرواية الأولى: (تغتسل وتصلي)، وهنا زاد عثمان: (وتصوم وتصلي) وعثمان هو ابن أبي شيبة. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها وقال: (ثم اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة وصلي)]. وهذا الحديث فيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت وعنعنة الأعمش أيضاً، والأعمش وحبيب بن ثابت كلاهما مدلسان -كما سيبين المؤلف رحمه الله- وفي هذا قال: (ثم اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة)، فالوضوء لكل صلاة هو الذي ذهب إليه كثير من العلماء، وبعض العلماء يرى: أنها لا تتوضأ؛ لأن هذا دم مستمر. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة في المستحاضة: تغتسل -تعني: مرة واحدة- ثم توضأ إلى أيام أقرائها]. وهذا هو الواجب عليها، أنها تغتسل مرة واحدة عند انتهاء مدة الحيض، ثم تتوضأ حتى يأتيها الحيض مرة أخرى. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب أبي العلاء عن ابن شبرمة عن امرأة مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله]. يعني: أنها تغتسل مرة واحدة، ثم تتوضأ إلى أيام أقرائها. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: وحديث عدي بن ثابت والأعمش عن حبيب وأيوب أبي العلاء كلها ضعيفة لا تصح]. يعني: الأحاديث التي سبقت، فالحديث الأول: حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، والثاني: حديث الأعمش، وهو حديث عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت كذلك، والثالث: حديث أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج وهذه الأحاديث الثلاثة التي سبقت كلها ضعيفة، فأما الأول: فكما سبق أن فيه ثلاث علل، وأما الثاني: ففيه عنعنة الأعمش وعنعنة حبيب، وأما الثالث: ففيه الحجاج، وكأنه الحجاج بن أرطأة. فأما الحديث الأول فقد قصد المؤلف رحمه الله أن يضعف القول بالوضوء لكل صلاة، وأنها لا يجب عليها الوضوء لكل صلاة وحديث عدي له شواهد. وأيوب بن أبي مسكين صدوق له أوهام. قال المؤلف رحمه الله: [ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب هذا الحديث]. وحديث الأعمش هو الثاني من أحاديث الباب، وهو عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت. قال: [أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش]. يعني: أن حفص بن غياث رواه عن الأعمش وأوقفه على عائشة، وأنكر أن يكون مرفوعاً. قال: [وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعاً]. بل جعله موقوفاً على عائشة. قال: [وأوقفه أيضاً أسباط عن الأعمش موقوفاً عن عائشة]. وأيوب بن أبي المسكين هو التميمي أبو العلاء الواسطي، روى عن: قتادة وسعيد المقبري، وروى عنه: هشيم وإسحاق بن يوسف الأزرق ويزيد بن حرام، ووثقه أحمد والنسائي، وقال أبو حاتم: لا بأس به، ولا يحتج به، وقد ضعفه المؤلف. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: ورواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة]. أي: رواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله وآخره ليس بمرفوع، وهو قوله: (والوضوء لكل صلاة). قال: [ودل على ضعف حديث حبيب هذا أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة، في حديث المستحاضة]. وهذا هو الحديث الثاني، حديث الأعمش وحبيب بن أبي ثابت وقد خالفته رواية الزهري، ففي رواية حبيب بن أبي ثابت أمرها النبي أن تغتسل، فقال: (ثم اغتسلي لكل صلاة)، وفي رواية الزهري: أن الغسل من فعلها هي، وأنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة، وهذا يدل على ضعفه، والمؤلف قصده من هذا أن يضعف رواية: (والوضوء لكل صلاة) وجعلها شاذة وغير ثابتة. قال المؤلف رحمه الله: [وروى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن علي وعمار مولى بني هاشم عن ابن عباس]. وفي الأول أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله: [وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان والمغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي حديث قمير عن عائشة: (توضئي لكل صلاة)]. ومجالد هذا ضعيف وقمير هي امرأة مسروق، وهي مقبولة عن عائشة، وهذا موقوف على عائشة، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله: [ورواية داود وعاصم عن الشعبي عن قمير عن عائشة: (تغتسل كل يوم مرة). وروى هشام بن عروة عن أبيه: (المستحاضة تتوضأ لكل صلاة)، وهذه الأحاديث كلها ضعيفة]. وقد قصد المؤلف رحمه الله: أن يضعف الوضوء لكل صلاة. قال المؤلف رحمه الله: [وهذه الأحاديث كلها ضعيفة إلا حديث قمير، وحديث عمار مولى بني هاشم، وحديث هشام بن عروة عن أبيه، والمعروف عن ابن عباس الغسل]. وهكذا المؤلف رحمه الله ضعف هذه الآثار، وقال: كلها ضعيفة، إلا حديث قمير فمقبول، وحديث عمار مولى بني هاشم، الذي قال فيه: وروى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن علي وعمار مولى بني هاشم عن ابن عباس، وكذلك حديث هشام بن عروة، قال: والمعروف عن ابن عباس الغسل. والمؤلف رحمه الله يريد بهذا أن يضعف رواية الوضوء، وأن كل ما في الباب من الروايات ضعيفة إلا ثلاثة آثار، أثر قمير وأثر عمار وأثر هشام بن عروة، وقمير امرأة مسروق مقبولة. فالمؤلف رحمه الله يرى أن رواية الوضوء لكل صلاة غير ثابتة، وعلى هذا يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي الصلاتين بوضوء واحد، ولو كان الدم ينزل عليها، إلا إذا أحدثت بغير الدم، مثل الريح أو بشيء آخر؛ لأن هذا حدث مستقل، ومثلها أيضاً من به سلس البول، أو حدث دائم، فهذا لا يوجب الوضوء، وإنما يوجب الوضوء حدث آخر، وأما هذا فلا لأنه مستديم ولا حيلة فيه، وفيه مشقة، والوضوء لكل صلاة ليس ثابتاً. والقول المشهور عن جمهور العلماء: أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة، عملاً بهذا الحديث، وقد قال النسائي في حديث: (تتوضأ لكل صلاة)، أن هذا انفرد به حماد بن زيد، وهو ثقة، والذي عليه الفتوى الآن وعليه الجماهير: أنها تت

ما جاء فيمن قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر

ما جاء فيمن قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر قال المؤلف رحمه الله: [باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر]. من ظهر بالظاء المعجمة، والفرق بينها وبين الترجمة السابقة: أن الترجمة السابقة: من طهر إلى طهر، وهذه من ظهر إلى ظهر، وفيها خلاف أيضاً في الترجمة: هل هي بالطهر؟ بعضهم رواها بالطهر، وبعضهم رواها بالظهر. قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر أن القعقاع وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله: كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت بثوب]. وهذا من مراسيل سعيد بن المسيب، وفيه: أنها تغتسل من ظهر إلى ظهر، يعني: كل يوم مرة، وتتوضأ لكل صلاة، ولكن هذه الترجمة فيها كلام للشراح ولغيرهم، فبعضهم قال: إن قوله: من ظهر إلى ظهر خطأ، والصواب: أنها من طهر إلى طهر. قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: وروي عن ابن عمر وأنس بن مالك: تغتسل من ظهر إلى ظهر. وكذلك روى داود وعاصم عن الشعبي عن امرأته عن قمير عن عائشة إلا أن داود قال: كل يوم، وفي حديث عاصم: عند الظهر، وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء]. يعني: كلهم يرون أنها تغتسل مرة واحدة، من ظهر إلى ظهر. قال: [قال أبو داود: قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسيب من ظهر إلى ظهر قال فيه: إنما هو من طهر إلى طهر، ولكن الوهم دخل فيه، فقلبها الناس فقالوا: من ظهر إلى ظهر، ورواه مسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع قال فيه: من طهر إلى طهر، فقلبها الناس: من ظهر إلى ظهر]. وهذا هو الأقرب، فالأقرب أنه لا يجب إلا من طهر إلى طهر، وأنه لا يجب عليها أن تغتسل كل يوم، وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند الطهر، وأما هذا فمن مراسيل سعيد بن المسيب، وقد دخل فيه الوهم.

ما جاء في غسل المستحاضة كل يوم

ما جاء في غسل المستحاضة كل يوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر مرة. حدثنا أحمد بن حنبل أخبرنا عبد الله بن نمير عن محمد بن أبي إسماعيل - وهو محمد بن راشد - عن معقل الخثعمي عن علي رضي الله عنه قال: المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت]. وهذا الحديث ضعيف لأنَّ فيه معقل الخثعمي، وهو أيضاً موقوف على علي، ولهذا قال المنذري: غريب. والفرق بين هذه الترجمة والترجمة السابقة تحديد الوقت، فالترجمة السابقة أنها تغتسل من الظهر إلى الظهر، أي: تغتسل كل يوم قبل الظهر، وهذا الترجمة فيها أن الوقت غير محدد، فتغتسل كل يوم مرة، سواءً كان الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر. وقوله: واتخذت صوفة يعني: تتخذ المستحاضة صوفة مدهونة بالسمن أو الزيت تتلجم به في فرجها؛ لتقطع جريان الدم، وتسترخي تشنج العروق الذي هو سبب لسيلان الدم، لكن هذا ضعيف، والصواب كما سبق أنها لا تغتسل إلا مرة واحدة عند الطهر، أيْ: إذا طهرت من الحيضة. ومحمد بن أبي إسماعيل وثقه ابن حبان، وعلى كل حال ابن حبان متساهل رحمه الله.

ما جاء في غسل المستحاضة بين أيام عادتها

ما جاء في غسل المستحاضة بين أيام عادتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من قال تغتسل بين الأيام. حدثنا القعنبي أخبرنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن محمد بن عثمان: أنه سأل القاسم بن محمد عن المستحاضة قال: تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل فتصلي ثم تغتسل في الأيام]. وهذا موقوف على القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو قول له، ولا يظهر توجيهه، أيْ: هذا القول ليس له وجه أنها تغتسل في الأيام، وإنما الواجب كما سبق أن تغتسل مرة واحدة عند الطهر.

ما جاء في وضوء المستحاضة لكل صلاة

ما جاء في وضوء المستحاضة لكل صلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من قال توضأ لكل صلاة. حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا ابن أبي عدي عن محمد - يعني ابن عمرو - قال: حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي)]. قال أبو داود: قال ابن المثنى: وحدثنا به ابن أبي عدي حفظاً، فقال: عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أن فاطمة]. وهذا الحديث ليس فيه إنها تتوضأ لكل صلاة. وفي السند الأول حدث ابن أبي عدي من كتابه فقال عن محمد حدثني ابن شهاب عن عروة عن فاطمة. وفي السند الثاني قال: عن عروة عن عائشة. فالحديث الأول جعله من مسند فاطمة لما حدث به من كتابه، ولما حدث من حفظه قال عن عروة عن عائشة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: وروي عن العلاء بن المسيب وشعبة عن الحكم عن أبي جعفر قال العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأوقفه شعبة على أبي جعفر: توضأ لكل صلاة]. هذا الحديث قال فيه أبو داود: وروي عن العلاء - بالبناء للمجهول - وشعبة فكلاهما رويا هذا الحديث عن الحكم عن أبي جعفر، فهو مرفوع في رواية العلاء، وأما في رواية شعبة فهو موقوف على أبي جعفر. والأقرب أنها مرفوعة وأنها ثابتة، وأنه يجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة.

ما جاء في وضوء المستحاضة عند الحدث

ما جاء في وضوء المستحاضة عند الحدث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث. حدثنا زياد بن أيوب أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن عكرمة قال (إن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت)]. والحديث ضعيف لأنه مرسل ومنقطع؛ لأن عكرمة لم يسمع من أم حبيبة، وعلى هذا فالمراد بقوله: (فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت) أيْ: رأت غير الدم؛ لأنه لا يجب الوضوء من الدم الخارج؛ لأن الدم لا يفارقها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثني عبد الله بن وهب حدثني الليث عن ربيعة أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءاً عند كل صلاة إلا أن يصيبها حدث غير الدم فتوضأ]. قول ربيعة يوافقه بعض العلماء من أنها ليس عليها وضوء إلا أن يصيبها حدث غير الدم؛ لأن الدم مستمر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: هذا قول مالك - يعني ابن أنس]. أي: هذا قول مالك بن أنس، وقول الخطابي وقول ربيعة شاذان، وليس عليه العمل، وبعض العلماء تكلم فيما قاله الخطابي فقال: فيه نظر؛ لأن، مالك بن أنس وافق على هذا.

ما جاء فيما إذا رأت الحائض الصفرة والكدرة بعد الطهر

ما جاء فيما إذا رأت الحائض الصفرة والكدرة بعد الطهر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر:]. فهذه الأحاديث وهذه الأبواب مرتبط بعضها ببعض، ولا ينفصل بعضها عن بعض. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن قتادة عن أم الهذيل عن أم عطية رضي الله عنها - وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً]. وهذا الحديث أخرجه البخاري والنسائي، لكن بدون قولها: (بعد الطهر)، وهذا الحديث صحيح وهو المعتمد، وفيه دليل على أن المرأة إذا رأت الطهر، ثم رأت بعده الكدرة أو الصفرة فإنها لا تعدها شيئاً، بل تتلجم وتتحفظ وتصوم وتصلي، فإذا رأت القصة البيضاء أو الجفاف، ثم بعد ذلك جاءها الكدرة والصفرة فلا بأس، لكن الكدرة والصفرة في زمن العادة تعتبر من الحيض، ولهذا يقول العلماء: والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، لكن بعد العادة وانتهائها فلا تعتبر حيضاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد أخبرنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية بمثله].

اختلاف الفقهاء في الصفرة والكدرة بعد الطهر والنقاء

اختلاف الفقهاء في الصفرة والكدرة بعد الطهر والنقاء وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ليس ذلك بمحيض، ولا تمتنع عن الصلاة وهذا هو الصواب. وروي عن سعيد بن المسيب أنها إذا رأت ذلك اغتسلت وصلت. وعن أبي حنيفة إذا رأت بعد الحيض وبعد انقطاع الدم صفرة أو كدرة يوماً أو يومين ما لم يجاوز العشر فهو من حيضها. وكذلك أيضاً المشهور عن الشافعي أنها إذا رأت الصفرة أو الكدرة بعد انقطاع دم العادة ما لم تجاوز خمسة عشر يوماً، فإنها حيض، وهذا هو الصواب لدلالة الحديث عليه.

ما جاء في جماع المستحاضة

ما جاء في جماع المستحاضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المستحاضة يغشاها زوجها حدثنا إبراهيم بن خالد أخبرنا معلى بن منصور عن علي بن مسهر عن الشيباني عن عكرمة قال: كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها]. وهذا هو الباب الأخير الذي يتعلق بأحكام المستحاضة. ومعنى يغشاها أي: يجامعها، وذلك لأن الاستحاضة دم فساد كالبول والغائط، والحديث مرسل منقطع لأنَّ عكرمة لم يسمع من أم حبيبة كما قال المنذري. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: قال يحيى بن معين: معلى ثقة، وكان أحمد بن حنبل لا يروي عنه؛ لأنه كان ينظر في الرأي]. أيْ: أنَّه كان يعمل بالاجتهاد والنظر ويترك النصوص فاعتبره أحمد قدحاً، ولم يعتبره غيره قادحاً، ويقال لأهل الكوفة والأحناف بأنهم أهل الرأي، ومن كبار أهل الرأي سفيان الثوري وهو إمام جليل حافظ، وهو يعادل شعبة، لكن الإمام أحمد رحمه الله لا يروي عنه؛ لأنه لا يعمل بالنصوص وإنما يعمل بالرأي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي أخبرنا عبد الله بن الجهم أخبرنا عمرو بن أبي قيس عن عاصم عن عكرمة عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها: أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها]. وهذا الحديث منقطع أيضاً، لأن عكرمة لم يسمع من حمنة كما قال المنذري، وكون زوجها يجامعها؛ لأنها كانت تصلي، وكما قال بعضهم لما سئل: هل يغشاها زوجها، قال: نعم؛ لأنَّ الصلاة أعظم، لكن هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف كلها منقطعة، لكن الحكم هذا معروف، لأن النبي أمرها بالغسل للصلاة، فإذا كانت تصلي فلا مانع من جماعها، والله تعالى يقول: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]، ودم المستحاضة ليس بمحيض. وأبو داود رحمه الله له عناية بأحاديث الاستحاضة وبيانها والآثار المنقطعة وغيرها، وهو يشبه البخاري في هذا؛ لأن البخاري يذكر الأحاديث المعلقة في الترجمة وأبو داود يذكرها بعد الحديث.

كتاب الطهارة [20]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [20] لقد ثبت بالدليل أن مدة النفاس أربعون يوماً، ومن قال أن أكثره خمسون يوماً أو ستون يوماً ليس لهم دليل على ذلك، وعلى النساء أن يسألن عن أمر دينهن ولا يستحيين من ذلك.

أحكام النفاس

أحكام النفاس

مدة النفاس

مدة النفاس قال الإمام أبي داود رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في وقت النفساء: حدثنا أحمد بن يونس أخبرنا زهير أخبرنا علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل عن مسة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة، وكنا نطلي على وجوهنا الورس، تعني من الكلف]. فهذا الحديث يدل على مدة النفاس، وفي سنده مسة وهي أم بسة، قال فيها في التقريب: مقبولة الأزدية الثالثة، قال الحافظ في البلوغ: الحديث رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم، وقال الخطابي حديث مسة أثنى عليه البخاري، وقال النووي في المجموع: إنه حديث حسن، ثم قال بعد ذلك: الحديث جيد، وقال ابن القيم رحمه الله: روى عنها، أي مسة: أبو سهل كثير بن زيد والحكم بن عتيبة ومحمد بن عبد الله العرزمي وزيد بن علي بن الحسين. وقال الحاكم عن هذا الحديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، فالحديث حسن، وهو دليل على أن النفساء تجلس أربعين يوماً، فإن استمر الدم بعدها فهو دم فساد، فتغتسل بعد الأربعين وتصلي وتصوم، إلا إذا وافق عادتها قبل النفاس فإنها تجلس عادتها. والنفاس: جمع نفس، بفتح الفاء المعجمة، ودم النفاس دم حيض، احتبس في وقت الحمل، لكن لو انقطع الدم لعشرة أيام أو خمسة أيام أو أقل أو أكثر فإنها حينها تغتسل وتصلي، وقد ذكر الفقهاء شيئاً نادراً فقالوا: لو ولدت بدون دم فما الحكم؟ فالمقصود أن دم النفاس نهايته أربعين يوماً كما دل عليه هذا الحديث وهو حديث حسن، ولو انقطع قبل ذلك فإنها تغتسل وتصوم وتصلي، فإن عاد الدم في الأربعين، فإنها تجلس عادتها. قال بعض العلماء: أكثر مدة النفاس خمسين يوماً، وقال بعضهم: ستين يوماً، والصواب ما دل عليه الحديث أن أكثر مدة النفاس أربعين يوماً. وقولها: (كنا نطلي على وجوهنا الورس) الورس: نبت أصفر يكون في اليمن، وورس الثوب، أو التوريس يعني: صبغه، (بالكلف) يعني: من أجل الكلف، وهو لون يعلو الوجه من السواد إلى الحمرة، أو تكون حمرة وكدرة تعلو الوجه. والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة. فإن قيل: ما حكم دم المرأة النفاس بعد الأربعين يوما؟ دم النفاس إن وافق عادتها بعد الأربعين اليوم فهو حيض، وإلا فهو دم استحاضة فتتلجم وتتحفظ وتصوم وتصلي.

حكم قضاء الحائض والنفساء الصلاة

حكم قضاء الحائض والنفساء الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن يحيى أخبرنا محمد بن حاتم - يعني حبي - أخبرنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن نافع عن كثير بن زياد قال: حدثتني الأزدية - يعني مسة - قالت: حججت فدخلت على أم سلمة رضي الله عنها فقلت: يا أم المؤمنين! إن سمرة بن جندب رضي الله عنه يأمر النساء يقضين صلاة المحيض، فقالت: لا يقضين، كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس. قال محمد يعني ابن حاتم: واسمها مسة تكنى أم بسة. قال أبو داود: كثير بن زياد كنيته أبو سهل]. الصواب أن النفساء والحائض لا يقضيان الصلاة، وهذا بإجماع أهل العلم خالف في ذلك الخوارج، وقالوا: إنها تقضي الصلاة وهذا باطل. ولهذا لما جاءت امرأة تستفتي عائشة رضي الله عنها ولم تحسن السؤال، فقالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: كنا على عهد رسول الله نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، والخوارج يرون أنه لا فرق بين الصلاة وبين الصوم؛ لأنهم لا يعملون بالسنة.

أحكام الحيض

أحكام الحيض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاغتسال من الحيض: حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة - يعني ابن الفضل - أخبرنا محمد - يعني ابن إسحاق - عن سليمان بن سحيم عن أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار قد سماها لي قالت: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله، قالت: فوالله لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ ونزلت عن حقيبة رحله فإذا بها دم مني، وكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم قال: ما لك لعلك نفست؟ قلت: نعم، قال: فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحاً، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك، قالت: فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر رضخ لنا من الفيء، قالت: وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت)]. وهذا الحديث ضعيف، لأنَّ في سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، وفي سنده أيضاً أمية بنت أبي الصلت وهي مجهولة لا تعرف.

حكم ركوب المرأة وحدها في سيارة الأجرة

حكم ركوب المرأة وحدها في سيارة الأجرة وأما قوله: (عن امرأة من بني غفار) فلا تضر جهالتها؛ لأنها صحابية، قيل: إنها امرأة أبي ذر واسمها ليلى، لكن هذا الحديث لا يصح، وقد يقال: إن في متنه نكارة، وهو أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أردفها خلفه، فهو دليل على جواز إركاب المرأة وإردافها خلف الرجل على الدابة مع الركب المسافرين، وأنه لا يعتبر خلوة، لكنه لا يصح، وهذا بخلاف إركاب المرأة وحدها في السيارة، فإن فيه خلوة؛ لأن سائق السيارة يذهب بها إلى حيث شاء، لكن إن كان معهما رجل أو امرأة تؤمن فتنتهما؛ فإنها تزول بذلك الخلوة، أما سفر المرأة وهي على البعير مع المسافرين، وهم عن يمينها وعن شمالها وعن خلفها فلا يكون ذلك خلوة. ولو صح لكان فيه أن الملح إذا وضع مع الماء فإنه يزيل الدم، وقد يزيله، وكذلك إذا وضع في البالوعة، فإنه يشقق الصفا والحجر حتى يبتلع الماء ويدخل فيه، والملح ليس طعاماً.

كيفية الغسل من الحيض

كيفية الغسل من الحيض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا سلام بن سليم عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت أسماء رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! كيف تغتسل إحدانا إذا طهرت من المحيض؟ قال: تأخذ سدرها وماءها فتوضأ ثم تغسل رأسها وتدلكه حتى يبلغ الماء أصول شعرها، ثم تفيض على جسدها ثم تأخذ فرصتها فتطهر بها، قالت: يا رسول الله! كيف أتطهر بها؟ قالت عائشة رضي الله عنها: فعرفت الذي يكني عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لها: تتبعين آثار الدم)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة وفيه بيان كيفية اغتسال المرأة من الحيض. وقوله صلى الله عليه وسلم: (تأخذ سدرها وماءها فتوضأ ثم تغسل رأسها)، استعمال السدر من باب النظافة، وإلا فالماء كاف؛ فالسدر وسيلة تنظيف، ومثله استعمال الصابون. وقوله: (حتى يبلغ الماء أصول شعرها)، يعني: حتى يبلغ الماء البشرة. وقوله: (ثم تفيض على جسدها، ثم تأخذ خرقة تتطهر بها) يعني: تأخذ قطعة من القطن وتطليها بالمسك، وتتبع بها أثر الدم لإزالة ما يكون من الروائح، وهذا من باب النظافة وإلا فالواجب هو الغسل. قوله: (تغسل رأسها وتدلكه حتى يبلغ الماء أصول شعرها) المهم أنَّ الماء يبلغ أصول الشعر، ومعلوم أن نقض شعر المرأة لغسل الجنابة والحيض هو من باب الاستحباب، ولا يلزم نقض الشعر. والخرقة: قطعة من القماش أو من القطن مطلية بالمسك، ولما لم تعرف أسماء كيف تطهر بالخرقة، وتتبع بها أثر الدم، قالت لها عائشة: تتبعي أثر الدم في الخرقة المطلية بالمسك. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد أخبرنا أبو عوانة عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها: أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن وقالت لهن معروفاً. وقالت: دخلت امرأة منهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر معناه، إلا أنه قال: (فرصة ممسكة). قال مسدد كان أبو عوانة يقول: فرصة، وكان أبو الأحوص يقول: قرصة]. إبراهيم بن مهاجر هو ابن جابر البجلي، صدوق لين الحفظ، قال فيه ابن القطان: ليس بالقوي، وقال أحمد: لا بأس به. وقوله صلى الله عليه وسلم: (قِرصة أو فِرصة) أيْ: قطعة من القماش، والقرصة هي التي تؤخذ بطرف الأصبعين، يقال: قرصة ويقال فرصة، أي: قطعة من الصوف، أو من القطن، أو من القماش، يكون فيها شيء من الطيب يتتبع بها أثر الدم.

عدم الحياء في الدين

عدم الحياء في الدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ أخبرنا أبي أخبرنا شعبة عن إبراهيم - يعني ابن مهاجر - عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها، أن أسماء رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال: (فرصة ممسكة، فقالت كيف أتطهر بها؟ قال: سبحان الله! تطهري بها، واستتَرَ بثوب، وزاد: وسألته عن الغسل من الجنابة، قال: تأخذين ماءك فتطهرين أحسن الطهور وأبلغه، ثم تصبين على رأسك الماء، ثم تدلكينه حتى يبلغ شئون رأسك، ثم تفيضين عليك الماء). وقالت عائشة رضي الله عنها: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين وأن يتفقهن فيه]. وكذلك ينبغي ألا يمنع الحياءُ أو الكبرُ الإنسانَ من التفقه في دينه والسؤال عما أشكل عليه، ولذلك بوب البخاري رحمه الله وقال: باب لا ينال العلم مستح ولا مستكبر، فالمستحي لا ينال العلم بل يبقى على جهله، وكذلك الذي يتكبر ولا يجلس مع طلبة العلم، أو يشمخ بأنفه ولا يسأل أهل العلم، ومن لم يذل لطلب العلم، تجرع مرارة الجهل طول الحياة، ولا ينال العلم مستح ولا مستكبر. ولهذا أثنت عائشة رضي الله عنها على نساء الأنصار، فقالت: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين وأن يتفقهن فيه. صفية بنت شيبة قيل: إن لها رؤية، وقيل: إنها صحابية، وقيل: ليست صحابية، وهذا الحديث فيه: أن هذا من باب الكمال، وهو أن تأخذ فرصة ممسكة وتتطهر بها، وفيه: أنها تصب على رأسها الماء، وتدلكه حتى تبلغ شئون رأسها حتى تبلل، أما نقض الشعر فلا يجوز، لكن يستحب لها أن تنقض شعرها؛ لأن مدة النفاس تطول بخلاف الجنابة. والحديث كما سبق أخرجه الشيخان.

كتاب الطهارة [21]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [21] إن من يسر الدين وسماحته أنه من لم يجد الماء فليتيمم، والتيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، كما في حديث عمار بن ياسر.

ما جاء في التيمم

ما جاء في التيمم

سبب نزول آية التيمم

سبب نزول آية التيمم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التيمم: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي أخبرنا أبو معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة - المعنى واحد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير رضي الله عنه وأناساً معه في طلب قلادة أضلتها عائشة رضي الله عنها، فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فأنزلت آية التيمم). زاد ابن نفيل فقال لها أسيد رضي الله عنه: (يرحمك الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً)].

تعريف التيمم لغة واصطلاحا

تعريف التيمم لغة واصطلاحاً التيمم في اللغة: هو القصد, وفي الشرع: القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بينة استباحة الصلاة وغيرها مما يشرع له الوضوء. والتيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو خصيصة خص الله تعالى به هذه الأمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، وذكر منها: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل)، وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يرتحل، ولكنه أقام لأجل التماس قلادة عائشة فبعث رجالاً يطلبونه ويبحثون عنه. وفيه: دليل على أن الإمام يراعي الرعية ويلاحظ حوائجهم، وفيه: أن المال لا يضاع؛ لأن المال عصب الحياة، وتقوم به مصالح الدنيا والآخرة، ولهذا قال الله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:5]، ولهذا فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم لالتماس عقد عائشة، وأرسل رجالاً يطلبونه فلم يجدوه، وحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، وذلك قبل أن يشرع التيمم، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن من فقد الماء والتراب فإنه يصلي على حسب حاله، وصلاته صحيحه في أصح أقوال أهل العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بإعادة الصلاة وقد صلوا بغير ماء ولا تيمم. فمن لم يجد الماء ولا التراب، فإنه يصلي وصلاته صحيحه، كالمحبوس في مكان ليس فيه تراب ولا ماء، والمصلوب على الخشبة، والمريض في المستشفى ليس عنده أحد ويخشى خروج الوقت فإنه يصلي على حسب حاله؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. ثم إنَّ الصحابة الذين بحثوا عن العقد لم يجدوه، ثم بعد ذلك لما أقاموا البعير وجدوا العقد تحته، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب ما أرسل جماعة يبحثون عنه وهو تحت البعير. وفيه أن أسيد قال: (يرحمك الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلين ولك فيه فرجاً) وفي لفظ البخاري: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، ففيه دليل على جواز القول لشخص: هذا من بركتك، أي: من البركة التي جعلها الله فيك، خاصة إذا كان شخصية مباركة، مثل آل أبي بكر فإنهم مباركون، أو مثلما يقول بعضهم: كلك بركة، أي: إذا كان الشخص معروف، وكان فيه خير ينفع الناس بشفاعته أو بماله أو ببدنه أو بتوجيهه.

الراجح في كيفية التيمم

الراجح في كيفية التيمم وأحاديث التيمم كلها تدور على حديث عمار وأنه ضربة واحدة للوجه والكفين. أما ما ورد في التيمم من أنه ضربتان كما سيأتي، وأنه تمسح بإحدهما اليدان إلى الآباط أو المرافق فهذا محمول على أنه اجتهاد من الصحابة، أو أن ذلك كان في أول الأمر، ثم نسخ بحديث عمار وأمثاله الدال على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح أخبرنا عبد الله بن وهب حدثني يونس عن ابن شهاب قال: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: (أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا بوجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط، من بطون أيديهم)]. هذا الحديث أصله في الصحيحين كما سبق في حديث عمار، أما كونهم مسحوا أيديهم إلى المناكب والآباط، وكونهم أيضاً ضربوا ضربتين ضربة للوجه وضربة للكفين، فهذا محمول على أنه من اجتهادهم، وقياسهم في أول الأمر، فلما بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم كيفية التيمم عملوا بها. أو أنه مسوخ بحديث عمار في الصحيحين أن التيمم ضربة واحدة تمسح بها الوجه والكفين فقط، أما الصحابة الذين صلوا بغير وضوء، فالصواب أنه لا يجب عليهم إعادة الصلاة، وقال بعض أهل العلم: تجب عليهم إعادة الصلاة مرة أخرى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري وعبد الملك بن شعيب عن ابن وهب نحو هذا الحديث قال: قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب، ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فذكر نحوه ولم يذكر المناكب والآباط. قال ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين]. هذا حديث منقطع؛ لأن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر، لكن أخرجه النسائي وابن ماجة مختصراً من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار، فهو حديث موصول. وعلى هذا فيكون لو صح حديث الضربتين فإنه من فعلهم. وكذلك أيضاً قول ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ومحمد بن يحيى النيسابوري في آخرين قالوا: أخبرنا يعقوب أخبرنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمار بن ياسر رضي الله عنهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ومعه عائشة رضي الله عنها، فانقطع عقد لها من جزع ظفار: فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر رضي الله عنه وقال: حبستِ الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله تعالى ذكره على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربوا بأيديهم إلى الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط). زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبر بهذا الناس]. وهذا الحديث ثابت وأصله في الصحيحين بدون زيادة مسح إلى المناكب والآباط. والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة، والعقد الذي لـ عائشة من جزع ظفار، وهو خرز فيه سواد وبياض، وظفار بلدة في سواحل اليمن تأتي منها هذه الخرزات. وفي هذا الحديث أن الله تعالى أنزل آية التيمم في هذه القصة، والتيمم التطهر بالصعيد، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يأخذوا من التراب شيئاً؛ لأن المقصود ما يعلق باليدين من التراب، أما كونهم مسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب وإلى الآباط من بطون الأيدي، فهذا كما سبق إما من اجتهادهم، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه منسوخ، ولهذا قال ابن يحيى قال ابن شهاب في حديثه: لا يعتبر بهذا الناس، أيْ: لا يعتبرون بهذا الحديث ولا يأخذون به، ولم يذهب أحد إلى أنَّ التيمم إلى الآباط والمناكب؛ فلا يعمل بالتيمم إلى الآباط والمناكب.

تعريف الحديث المضطرب

تعريف الحديث المضطرب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: وكذلك رواه ابن إسحاق، قال فيه عن ابن عباس رضي الله عنهما: وذكر ضربتين كما ذكر يونس، ورواه معمر عن الزهري ضربتين. وقال مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار. وكذلك قال أبو أويس عن الزهري. وشك فيه ابن عيينة قال مرة: عن عبيد الله عن أبيه، أو عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرة قال: عن أبيه، ومرة قال: عن ابن عباس، اضطرب ابن عيينة فيه وفي سماعه من الزهري ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث الضربتين إلا من سميت]. والحديث المضطرب في اصطلاح المحدثين: هو الذي يروى على أوجه مختلفة متقاربة من راو واحد مرتين أو أكثر، أو من راويين أو من رواة، قد يقع الاضطراب تارة في الإسناد وتارة في المتن، ويقع في الإسناد والمتن معاً من راو واحد أو من راويين أو جماعة. والاضطراب موجب لضعف الحديث، لإشعاره بعدم الضبط، ولهذا اضطرب ابن عيينة فمرة قال: عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار، ومرة قال: عن عبيد الله عن ابن عباس. قال أبو داود: اضطرب ابن عيينة فيه وفي سماعه من الزهري، فدل على أن حديث الضربتين لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك المسح إلى المناكب والآباط، ولو صح فهو محمول على أن هذا من فعلهم، ولم يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم.

ما جاء في مناقشة أبي موسى لعبد الله بن مسعود في التيمم

ما جاء في مناقشة أبي موسى لعبد الله بن مسعود في التيمم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري أخبرنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن شقيق قال: كنت جالساً بين عبد الله وأبي موسى رضي الله عنهما، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! أرأيت لو أن رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً أما كان يتيمم؟ قال: لا، وإن لم يجد الماء شهراً. فقال أبو موسى رضي الله عنه: فكيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]؟ فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد. فقال له أبو موسى: وإنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم، فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لـ عمر رضي الله عنهما: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بيده على الأرض فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه، فقال له عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار)]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي، وهذه القصة التي حصلت بين عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما في الصحيحين، وفيها أن أبا موسى رضي الله عنه يرى أن الإنسان إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم، وأن عبد الله بن مسعود يرى أنه لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً، وهذا من العجائب فـ عبد الله بن مسعود من كبار الصحابة وفضلائهم وخفيت عليه هذه الآية ولم يتذكرها، وهي قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، مع أن أبا موسى ذكره بها فقال: فكيف تصنعون بهذه الآية؟ التي في سورة المائدة: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]، فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد. أي: لو رخص للناس حصل تساهل، فلو برد الماء تيمموا، ولهذا قال أبو موسى: إنما كرهتم هذا لهذا، قال: نعم، ثم ذكره بحديث عمار أيضاً، فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لـ عمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة وهذا قياس من عمار للتيمم على غسل الجنابة أي: كما أن الجنب يعمم جسده بالماء، ظن عمار رضي الله عنه أنه يجب تعميم البدن أيضاً بالتراب، فلهذا نزع ثيابه وتمرغ كما تتمرغ الدابة. أما عمر فإنه جلس ولم يتيمم ولم يصل، ثم قال عمار: (ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بيديه الأرض ثم مسح وجهه وكفيه)، وهذا هو الأصل في التيمم، لكن مع ذلك قال عبد الله بن مسعود: ألم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟! ولا زال الأمر مشكلاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا يدل على أن العالم الكبير قد يشكل عليه بعض المسائل، وقد يخفى عليه بعض العلم، وهو دليل على أن العالم ليس معصوماً، فقد يخطئ وقد يغلط، وإذا أخطأ العالم أو غيره فلا حجة في قوله، فالحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذه الرواية فيها: أنه ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله ثم مسح وجهه، وفيها: أنه أخر مسح الوجه، لكن حرف (ثم) فيه نظر، والمعروف في حديث عمار وفي الأحاديث الأخرى تقديم مسح الوجه على الكفين، والترتيب في بعض الروايات: (فمسح وجهه ثم مسح يديه) فيحتمل أن هذه اللفظة وهم من بعض الرواة؛ لأن ثم تفيد الترتيب، والمعروف في الأحاديث الصحيحة تقديم مسح الوجه على الكفين. وهذا الحديث فيه دليل على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وفيه أنه يقتصر على الكفين، والكفان إلى الرسغ وهو مفصل ما بين الكف والساعد، وهذه هي اليد إذا أطلقت فهي التي تقطع في السرقة، أما مسح المرفقين إلى الآباط أو إلى المنكبين فهذا لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فعله بعض الصحابة اجتهاداً منهم، وفي سنده اضطراب، وكذلك ما جاء في الضربتين فإنَّ فيه اضطراب، فلا يصح. وباطن الكف وظاهره يطلق عليهما كف.

ما جاء في مناقشة عمر بن الخطاب لعمار بن ياسر في التيمم

ما جاء في مناقشة عمر بن الخطاب لعمار بن ياسر في التيمم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزى قال: (كنت عند عمر رضي الله عنه، فجاءه رجل فقال: إنا نكون بالمكان الشهر والشهرين، فقال عمر رضي الله عنه: أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء. قال: فقال عمار رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فأصابتنا جنابة، فأما أنا فتمعكت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نفخهما ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع. قال عمر رضي الله عنه: يا عمار! اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت والله لم أذكره أبداً، فقال عمر رضي الله عنه: كلا والله لنولينك من ذلك ما توليت)]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة مختصراً ومطولاً، لكن بدون إلى نصف الذراع، وإنما فيه مسح وجهه وكفيه، وهذه القصة التي حصلت مع عمار وعمر كالقصة التي حصلت مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري، وأشكل الأمر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جلالة قدره وفضله وطول باعه في العلم والفضل ولكن الكمال لله عز وجل. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه الأرض ثم نفخهما)، أي: نفخهما لتخفيف الغبار؛ لأنه ليس المقصود التلطيخ بالغبار، إنما المقصود الامتثال، ولا بد أن يمسح بيديه وجهه وكفيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم مسح بهما وجهه ويديه). وقوله: (إلى نصف الذراع) هذه الزيادة ليست في الصحيحين، ولكن عمر نسي وذكره عمار ولم يتذكر واستمر على نسيانه؛ ولهذا قال له: يا عمار اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت والله لا أذكره أبداً. وفي الصحيح: (إن شئت تركته ولا أحدث به الناس) وفيه دلالة على طاعة ولي الأمر؛ لأن عمر هو ولي الأمر وهو أمير المؤمنين، وفيه دليل على طاعة ولي الأمر في غير معصية الله وليس في هذا كتمان العلم؛ لأن هذه السنة ثابتة وقد حدث بها عمار وحدث بها غيره. فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت والله لم أذكره، أي: أتركه ولم أحدث به؛ لأن طاعتك واجبه، وأصل تبليغ هذه السنة قد حصل، ولكن عمر لم يوافقه على الكتمان، فقال عمر: كلا والله، وفي رواية قال: نوليك من ذلك ما توليت، أي: نرد إليك وننسب إليك ما رضيت به لنفسك ما دام وأنت متثبت من هذا الشيء، فهذا موكول إليك، وأنت مسئول عنه. وعمر نسي واستمر في نسيانه بينما عمار حفظ ولم ينس، ففيه دليل على أن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وأن من تذكر مقدم على من نسي، ومن جهل شيئاً من العلم، فإنه يقدم عليه من بلغه هذا العلم. وفيه دليل على أن التيمم من الجنابة ضربة واحدة للوجه والكفين، وأن التيمم للحدث الأكبر وللحدث الأصغر واحد وهو ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه، لقوله: (ثم مسح بهما وجهه ويديه)، والواو قد تكون للترتيب، لكن الوجه مقدم، وجاء في بعض الروايات أنه مسح وجهه ثم يديه، والله تعالى يقول: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء:43]، وقدم الوجه على اليدين.

شرح حديث عمار في صفة التيمم

شرح حديث عمار في صفة التيمم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار أخبرنا محمد -يعني: ابن جعفر - أخبرنا شعبة عن سلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بهذه القصة، فقال: (إنما كان يكفيك، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى الأرض، ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه، شك سلمة قال: لا أدري فيه (إلى المرفقين) يعني أو (إلى الكفين))]. والصواب: إلى الكفين، كما بينت الأحاديث أنه إلى الكفين. وفيه هنا: ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، فمرة يروي عن عمار ومرة يروي عن أبيه، فيروي عن عمار في الحديث الأول، وهنا يروي عن أبيه، ولا محظور في ذلك، فله شيخان: أبوه، وعمار.

أسانيد أخرى لحديث عمار في صفة التيمم

أسانيد أخرى لحديث عمار في صفة التيمم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن سهل الرملي أخبرنا حجاج -يعني: الأعور - حدثني شعبة بإسناده بهذا الحديث قال: (ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه إلى المرفقين أو الذراعين) قال شعبة: كان سلمة يقول: الكفين والوجه والذراعين، وقال له منصور ذات يوم: انظر ما تقول؛ فإنه لا يذكر الذراعين غيرك]. يعني: أنت منفرد من بين أصحابك في ذكر الذراعين، وهذا يدل على أنها وهم منه، فـ شعبة يقول: كان سلمة يقول: الكفين والوجه والذراعين، فقال له منصور ذات يوم: انظر ما تقول؛ لأنه لا يذكر الذراعين غيرك، فأنت المنفرد بذكرها من بين أصحابك فدل على أنه وهم؛ لأن أصحاب ذر لم يذكروا الذراعين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار في هذا الحديث قال: فقال: -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم-: (إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك إلى الأرض وتمسح بها وجهك وكفيك) وساق الحديث]. وقوله: (تمسح بوجهك وكفيك) هذا هو الثابت. [قال أبو داود: ورواه شعبة عن حصين عن أبي مالك قال: سمعت عماراً يخطب بمثله إلا أنه قال: (لم ينفخ)، وذكر حسين بن محمد عن شعبة عن الحكم في هذا الحديث قال: (فضرب بكفيه إلى الأرض ونفخ)]. والنفخ إذا كان التراب كثيراً فلا بأس.

شرح حديث عمار: (سألت النبي عن التيمم فأمرني بضربة واحدة)

شرح حديث عمار: (سألت النبي عن التيمم فأمرني بضربة واحدة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المنهال أخبرنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم، فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين)]. وهذا فيه دليل صريح على الاقتصار في التيمم على الوجه والكفين، وأنه ضربة واحدة، وأن ما زاد على الكعبين ليس مشروعاً، ولهذا ذهب المحققون من أهل العلم إلى الاكتفاء بضربة واحدة للوجه والكفين، وذهب بعض العلماء إلى أن التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين. قد ورد في بعض الأحاديث ذكر الضربتين، وأخذ بهذا بعض أهل العلم، إلا أن المعتمد هو حديث عمار؛ لأنه في الصحيحين، وهو أقوى سنداً من غيره. معروف حد الوجه طولاً من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من الذقن واللحية، يعني: كل ما يظهر أمام الإنسان وعرضاً من الأذن إلى الأذن. ما أقبل من الوجه وما ظهر كما هو الحال في الوضوء. والصعيد هو: وجه الأرض، وقوله تعالى: {َتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]، اختلف العلماء في المراد بالصعيد: فمن العلماء من قال: إنه خاص بالتراب. ومنهم من قال: إنه عام. وسيأتي في الحديث الآتي والذي بعده، وقد تكلم الشارح على الصعيد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا أبان قال: سئل قتادة عن التيمم في السفر؟ فقال: حدثني محدث عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إلى المرفقين)]. وهذا ضعيف؛ في إسناده رجل مجهول، فلا يصح لفظ (إلى المرفقين)، فرواية: (إلى المرافقين) غير ثابتة؛ لأن هذا الحديث فيه مجهول.

الأسئلة

الأسئلة

المرأة تشهد في الرضاع

المرأة تشهد في الرضاع Q هل يكفي أن تشهد في الرضاع امرأة واحدة أو امرأتان؟ A الشهادة في الرضاع تصح بواحدة إذا كانت ثقة، والله تعالى يقول: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282]، أي: إذا نسيت إحداهما تذكرها الأخرى؛ وهذا في غير شهادة الرضاع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا حفص أخبرنا الأعمش عن سلمة بن كهيل عن ابن أبزى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه في هذا الحديث فقال: (يا عمار! إنما كان يكفيك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض، ثم ضرب إحداهما على الأخرى ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعدين ولم يبلغ المرفقين ضربة واحدة)]. قوله: (ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعدين ولم يبلغ المرفقين) هذا ليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من فعل بعض الصحابة، أو أنه وهم، والثابت في الصحيحين وغيرهما أنها ضربة واحدة يمسح بها الوجه والكفين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: ورواه وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزى. ورواه جرير عن الأعمش عن سلمة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى يعني عن أبيه]. أي: رواية وكيع عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزى فقط، ورواية جرير عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، ولعل عبد الرحمن بن أبزى سمع من أبيه وسمع من عمار. وهذه الرواية فيها اضطراب كما قال المؤلف: اضطرب ابن عيينة فيه، وفيه سماعه من الزهري: ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث الضربتين، وكذلك أيضاً قال المؤلف: ذكر الضربتين كما ذكر يونس، ورواه معمر عن الزهري ضربتين، وقال مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار، وكذلك قال أبو أويس: عن الزهري: وشك فيه ابن عيينة قال مرة: عن عبيد الله عن أبيه، ومرة عن عبيد الله عن ابن عباس، ومرة عن أبيه، ومرة قال ابن عباس فهذا اضطراب. وما صح فهو محمول على أن هذا من فعل الصحابة فعلوا ذلك من أنفسهم اجتهاداً منهم، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.

كتاب الطهارة [22]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [22] التيمم في الحضر لذكر الله دون الصلاة جائز كما دل عليه حديث أبي الجهيم، ومن لم يستطع استعمال الماء فقد أنزله النبي صلى الله عليه وسلم في منزلة من فقد الماء كما في حديث عمرو بن العاص.

التيمم في الحضر

التيمم في الحضر

شرح حديث: (أقبل رسول الله من نحو بئر جمل، فلقيه رجل)

شرح حديث: (أقبل رسول الله من نحو بئر جمل، فلقيه رجل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: التيمم في الحضر. حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه فقال أبو جهيم: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام)]. وهذا الحديث أخرجه البخاري والنسائي، وأخرجه مسلم منقطعاً، وحديث أبي جهيم هذا وحديث عمار هما أصح ما ورد في التيمم. قوله: (بئر جمل) موضعها، موضع الدخول بالمدينة. قال أبو جهيم: (أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام)؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، وهو ذكر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كره أن يذكر الله إلا على طهر؛ ولما كان الماء بعيداً عنه تيمم؛ لأجل أن يذكر الله، وإلا فإنه يجوز أن يرد السلام وليس على وضوء ولا حرج؛ لحديث عائشة في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه)، لكن هذا التطهر هو من باب الاستحبابـ والتيمم على الجدار جائز إذا كان فيه غبار. قال النووي رحمه الله: إن حديث أبي جهيم هذا محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عادماً للماء حال التيمم، أي: ليس عنده ماء؛ فلهذا تيمم على الجدار، ووافقه الحافظ ابن حجر قال: إن هذا مقتضى صنيع البخاري. والنووي استدل بهذا على جواز التيمم في الحضر إذا كان عادماً للماء، لكن الحافظ ابن حجر تعقبه وقال: إنه ورد على سبب، وهو إرادة ذكر الله، ولم يجزه استباحة الصلاة، ما أراد استباحة الصلاة وإنما أراد به ذكر الله حتى يكون على طهر، وهذا من باب الاستحباب. لكن بعضهم أجابوا وأخذوا من هذا أنه لما كان التيمم في الحضر لرد السلام مع جوازه، فإن من خشي فوات الصلاة في الحضر جاز له التيمم من طريق أولى، لكن هذا ليس بشيء، وفيه نظر، والذي يظهر أنه لابد من الوضوء في الحضر للصلاة، فإذا كان واجداً للماء فلابد أن يتوضأ، ولابد أن يأتي بشرط الطهارة، ولو خشي فوات الوقت ما دام الماء موجود؛ لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، هذا هو الصواب، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تيمم لا ليصلي وإنما ليذكر الله، فلا يقاس عليه التيمم للصلاة؛ لأن التيمم للأمر المستحب أقل من التيمم للأمر الواجب، فلا يقاس عليه التيمم لأجل الصلاة، لكن إذا قيل: إن الماء بعيد، وإنه عادماً للماء في هذه الحالة فلا إشكال، فلو كان يريد الصلاة لتأخر حتى يصل إلى الماء ويتوضأ، لكنه عليه الصلاة والسلام تيمم لأجل رد السلام؛ لأن هذا يفوت، والتيمم في الحضر لو فقد الماء لا مانع منه؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]. والمؤلف رحمه الله استدل بهذه القصة على التيمم في الحضر، والتيمم في الحضر لا بأس به للصلاة، إذا عدم الماء، قال عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] فيتيمم ولو في الحضر، لكن الغالب أن فقد الماء يكون في غير الحضر. أما الاستدلال بهذا الحديث على أنه يتيمم الإنسان لخوف فوات الفريضة، أو لخوف صلاة الجماعة، أو لخوف فوات الجمعة، كما استدل به بعضهم فليس بجيد، والصواب: أنه لا يتيمم في الحضر، إذا خشي فوات صلاة الجمعة أو الجماعة أو الجنازة أو خوف فوات الوقت ما دام الماء موجوداً، لكن لو فقد الماء بالمرة وليس في المكان ماء فيتيمم؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43].

شرح حديث: (مر رجل على رسول الله في سكة من السكك)

شرح حديث: (مر رجل على رسول الله في سكة من السكك) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي أخبرنا محمد بن ثابت العبدي أخبرنا نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس، فقضى ابن عمر حاجته، فكان من حديثه يومئذٍ أن قال: (مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة فضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر)]. السكة هي: الشارع الصغير، ويسمى زقاقاً. وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سكة من السكك، وقد خرج لقضاء الحاجة في البلد في شارع من الشوارع، فسلم عليه هذا الرجل فلم يرد عليه، فلما كاد أن يتوارى تيمم النبي صلى الله عليه وسلم وضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى ومسح ذراعيه ورد عليه السلام. وفيه أنه ضرب ضربتان في هذا وأنه في البلد. لكن هذا الحديث ضعيف جداً لا يحتج به؛ فيه محمد بن ثابت العبدي ضعيف. فلا يحتج بهذا الحديث على التيمم في الحضر مع وجود الماء، ولا يصح رفع الضربتين، بل الثقات الحفاظ رووه من فعل ابن عمر. قال الذهبي: ينكر عليه حديث ابن عمر في التيمم لا غير؛ لأنه عليه الصلاة والسلام تيمم لرد السلام، والصواب: أنه موقوف على ابن عمر. وكذلك قوله: (ضرب ضربتين) فالتيمم في الحضر مع وجود الماء لا يجوز. أما الحديث السابق فإنه عادم للماء؛ لأنه أقبل من نحو بئر جمل، وبئر جمل مكان ليس بقرب المدينة، بل خارج المدينة، إذاً: ليس عنده ماء، فتيمم لرد السلام، أما هذا فكان في وسط البلد في سكة من سكك المدينة، فلا يصح هذا الحديث، ولا يصح لفظ (الضربتين). [قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم]. أبو داود يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم، وهو هذا الحديث والنكارة فيه من جهتين: من جهة تيممه مع وجود الماء، ومن جهة كون التيمم ضربتين. وإنما هذا من فعل ابن عمر. [قال ابن داسة: قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه فعل ابن عمر]. أبو داود يقول: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين، بل تفرد بذكر الضربتين مع كونه ضعيفاً لا يحتج بحديثه، ورووه -يعني: الثقات- من فعل ابن عمر لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالصواب أنه موقوف على ابن عمر. ويكون هذا اجتهاد منه رضي الله عنه.

شرح حديث: (أقبل رسول الله من الغائط فلقيه رجل عند بئر جمل)

شرح حديث: (أقبل رسول الله من الغائط فلقيه رجل عند بئر جمل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا جعفر بن مسافر أخبرنا عبد الله بن يحيى البرلسي أخبرنا حيوة بن شريح عن ابن الهادي أن نافعاً حدثه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط، فلقيه رجل عند بئر جمل فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل السلام)]. وهذا الحديث حسن لا بأس بسنده، ومعناه معنى الحديث السابق، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه رجل عند بئر جمل، وهو مكان قرب المدينة ما عنده ماء، فسلم عليه الرجل فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم، عليه السلام حتى تيمم على الجدار ثم رد عليه السلام. وفي لفظ قال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر)، فهنا تيمم لرد السلام وليس عنده ماء، وليس فيه أنه تيمم للصلاة. فلا بأس بالتيمم في الحضر إذا فقد الماء. نعم.

الجنب يتيمم

الجنب يتيمم

شرح حديث (الصعيد الطيب وضوء المسلم)

شرح حديث (الصعيد الطيب وضوء المسلم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الجنب يتيمم. حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد ح وحدثنا مسدد أخبرنا خالد -يعني: ابن عبد الله الواسطي - عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر! ابد فيها، فبدوت إلى الربذة، فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبو ذر؟ فسكت، فقال: ثكلتك أمك أبا ذر! لأمك الويل، فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعس فيه ماء، فسترتني بثوب واستترت بالراحلة واغتسلت، فكأني ألقيت عني جبلاً، فقال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك؛ فإن ذلك خير) وقال: مسدد: (غنيمة من الصدقة). قال أبو داود: حديث عمرو أتم]. وهذا الحديث لا بأس بسنده، أخرجه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: صححه الدارقطني، وقال ابن القطان: في الباب أحاديث أسانيدها صحاح. وقول أبي ذر: (اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر! ابد فيها -يعني: اخرج إلى البادية- فبدوت إلى الربذة) يعني: خرجت إلى الربذة، وهو حوالي ثلاثة أميال من المدينة قرية. قال أبو ذر: (فكانت تصيبني الجنابة، فأمسكت الخمس والست، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبو ذر؟ فسكت، فقال: ثكلتك أمك يا أبا ذر! لأمك الويل)، هذه الكلمات تجري على اللسان عند العرب، ولا يقصد بها حقيقتها، وقوله: (ثكلتك أمك) يعني: فقدتك أمك، وقوله: (لأمك الويل) يعني: لفقدك، والمراد بها هنا: الحث والعناية بطلب الماء. قال: (فدعا لي بجارية سوداء فجاءت بعس -القدح- فسترتني بثوب واستترت بالراحلة واغتسلت)، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك؛ فإن ذلك خير)، قال مسدد: (وغنيمة من الصدقة) أي: زاد (من الصدقة) وحديث عمرو أتم، يعني: أتم من حديث مسدد. والصعيد اختلف العلماء فيه على أقوال كثيرة، وقد ذكر الشارح أقوال متعددة، منها: الصعيد: المرتفع من الأرض. وقيل: الأرض المرتفع. وقيل: الأرض المنخفضة. وقيل: ما لم يخالطه رمل ولا سبخة. وقيل: وجه الأرض. وقيل: الصعيد الأرض. وقيل: الأرض الطيبة. وقيل: هي كل تراب طيب. وقيل: الأرض المستوية. وقال الشافعي: الصعيد لا يقع إلا على التراب له غبار.

الأشياء التي يتيمم بها المتيمم

الأشياء التي يتيمم بها المتيمم اختلف العلماء بسبب اختلافهم في معنى الصعيد، ما الذي يتيمم عليه؟ فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يتمم إلا على التراب الذي له غبار. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يجزئ التيمم إذا تيمم بما صعد على وجه الأرض. والصواب: أنه يتيمم بالتراب، فإذا وجد التراب الذي له غبار فإنه يجب عليه أن يتيمم به؛ لقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6]، كلمة: (منه) يتيمم بالتراب الذي له غبار، مثل تراب الحرث والزرع، فإن لم يجد تيمم على ما تصعد على وجه الأرض، فإذا كانت الأرض ما فيها إلا رمل يتيمم على الرمل، أولم يجد إلا على أرض صخرية تيمم عليها؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]، لكن إذا وجد تراباً له غبار فإنه يتيمم على التراب الذي له غبار، فإن لم يجد تيمم على ما صعد على وجه الأرض. قال الشارح: قلت: التحقيق في هذه المسألة: أن التراب هو المتعين لمن وجد التراب ولا يجوز بغيره؛ لأن الصعيد هو التراب فقط عند بعض أئمة اللغة، فالتيمم عليه جائزاً اتفاقاً، فكيف يترك المتيقن بالمحتمل؟ ومن لم يجد التراب فيتيمم على الرمال والأحجار ويصلي؛ لأنه مدلول الصعيد لغة عند بعض أئمة اللغة، ومن لم يجد الرمال والأحجار فيتيمم على كل ما ذكر آنفاً في تفسير الصعيد، ولا يصلي بغير التيمم، ومن لم يجد هذه كلها فيصلي بغير طهارة، والله أعلم. وهذا كلام جيد، وهو أنه يتيمم على التراب الذي له غبار إذا وجده، فإن لم يجد إلا أرضاً رملية تيمم، فإذا وجد الأرض صخرية تيمم عليها؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، فإن لم يجد تراباً ولا ماءً صلى على حسب حاله كما حصل من الصحابة الذين صلوا بغير ماء ولا تراب قبل أن يشرع التيمم، فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: (ولو إلى عشر سنين)، المراد: التكثير لا التحديد، والمعنى: أنه يتيمم حتى يجد الماء، وإن بلغت مدة عدم الماء عشر سنين، وليس معنى ذلك: أن التيمم يكفي لعشر سنين، بل المراد أنه يتيمم ويستمر حتى يجد الماء.

أثر خروج الوقت على التيمم

أثر خروج الوقت على التيمم هل خروج الوقت يبطل به التيمم أو لا يبطل؟ الجمهور من الفقهاء على أنه يبطل، وأنه لا يصلي بالتيمم إلا فرضاً واحداً، فيصلي بالتيمم ما شاء من فروض ونوافل، فإذا خرج الوقت بطل التيمم. وقال آخرون من أهل العلم: التيمم بالتراب قائم مقام الماء، واستدلوا بقوله في هذا الحديث: (الصعيد الطيب وضوء المسلم) فسماه وضوءاً. وذهب المحققون من أهل العلم: إلى أن الإنسان له أن يصلي بالتيمم فرضين أو ثلاثة أو أربعة ما لم يحدث أو يجد الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم ولو في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وضوءاً، فقال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين)، فقالوا: لا يبطل التيمم إلا إذا أحدث أو وجد الماء. والحائط إذا كان له غبار لا بأس بالتيمم به، وسبق أن الحائط إذا كان من الطين فله غبار. وإذا وجد بعض الماء ولا يكفي يتيمم؛ فإذا كان الماء قليلاً لا يكفي فغسل وجهه وكفيه ويديه وانتهى الماء ولم يبق شيء لرجليه فإنه يتيمم، وكذلك إذا كان عليه جنابة ووجد ماءً قليلاً لا يكفي، فيستنجي ويتوضأ وضوءه للصلاة وإن بقي شيء غسل رأسه، وإن بقي شيء غسل شقه الأيمن، وإن لم يبق شيء تيمم للباقي. [حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال: (دخلت في الإسلام فأهمني ديني، فأتيت أبا ذر رضي الله عنه، فقال أبو ذر: إني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وبغنم، فقال لي: اشرب من ألبانها -قال: حماد: وأشك في (أبوالها) - فقال أبو ذر رضي الله عنه: فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار، وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: أبو ذر؟ فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله! قال: وما أهلكك؟ قلت: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض؛ ما هو بملآن، فتسترت إلى بعيري فاغتسلت، ثم جئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر! إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك). قال أبو داود: رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر: (أبوالها). قال أبو داود: هذا ليس بصحيح، وليس في (أبوالها) إلا حديث أنس تفرد به أهل البصرة]. وهذا هو الصواب، بأن ذكر الأبوال لم يثبت، وإنما قال: (اشرب من ألبانها)؛ ولهذا قال: وأشك في (أبوالها)، قال أبو داود: رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر: (أبوالها)، أي: أنه ليس في الحديث ذكر (أبوالها) ولم تذكر إلا في حديث أنس، تفرد به أهل البصرة في قصة العرنيين، وفيه أنهم لما جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم اجتووا المدينة فأمرهم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها. أما حديث أبي ذر فلا يثبت فيه أنه أمره بالشرب من أبوالها، وإنما قال: (اشرب من ألبانها). وفيه دليل على أن أبا ذر كان يصلي بغير طهور، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، فدل على أن صلاته صحيحة وأنه معذور؛ لأنه لم يبلغه الحكم، فلما أبلغه الحكم وجب عليه أن يتيمم، فدل على أن الإنسان إذا لم يعلم وكان جاهلاً فهو معذور. وفي ذلك قصة الأعرابي الذي جاء وصلى عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتم الركوع ولا السجود، وفيها أنه قال: (والذي بعثك بالحق! لا أحسن غير هذا فعلمني)، فعلمه وأمره أن يعيد الصلاة الحاضرة، ولم يأمره بإعادة الصلوات الماضية؛ لجهله. والحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم، فقال له: (يا أبا ذر! إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك)، وسماه طهوراً؛ فدل على أنه قائم مقام الماء، وقد احتج به المحققون على أنه لا يبطل التيمم بخروج الوقت؛ لأنه سماه طهوراً، وفي اللفظ الآخر سماه وضوءاً.

إذا خاف الجنب البرد يتيمم

إذا خاف الجنب البرد يتيمم

شرح حديث عمرو بن العاص: (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل)

شرح حديث عمرو بن العاص: (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ حدثنا ابن المثنى أخبرنا وهب بن جرير أخبرنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال: (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت أن أغتسل فأهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً). قال أبو داود: عبد الرحمن بن جبير مصري مولى خارجة بن حذافة وليس هو ابن جبير بن نفير]. وحديث عمرو بن العاص هذا لا بأس بسنده. وفيه دليل على أن الجنب يتيمم ويصلي إذا خاف من البرد وخاف الهلاك أو خاف المرض؛ لأنه معذور في هذه الحالة، فإذا لم يكن عنده شيء يسخن به الماء ويتقي به البرد وخاف خروج الوقت فإنه يتيمم ويصلي وصلاته صحيحة. وهذا هو الذي ذهب إليه أكثر الصحابة. وخالف في ذلك عمر رضي الله عنه وابن مسعود وقال: يبقى الجنب حتى يجد الماء ولا يتيمم. فهنا إذا وجد الماء لكنه لا يستطيع استعماله من شدة البرد، فيكون حكمه حكم فاقد الماء في هذه الحالة، والنبي صلى الله عليه وسلم أقره على جواز التيمم من جهتين: من جهة التبسم والضحك. والثاني: عدم الإنكار، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل؛ ولهذا قال الخطابي رحمه الله: في هذا الحديث من الفقه: أنه صلى الله عليه وسلم جعل عدم إمكان استعمال الماء كعدم عين الماء، يعني: جعل كونه لا يستطيع استعمال الماء لشدة البرد؛ لأنه يخشى الموت أو يخشى المرض، كأنه فاقد للماء، وجعله في منزلة من يخاف العطش ومعه الماء، فأبقاه ليشربه ويتيمم. لكن كما قال بعضهم: من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجهه أو على درجة يأمن منها الضرر، كأن يغسل عضواً ويستره، وكلما غسل عضواً ستره ودفاه، فإنه في هذه الحالة عليه أن يستعمل الماء، كما قال بعض الشراح: إنه إذا أمكن أن يستعمل الماء كأن يغسل عضواً ثم يدفئه ثم يغسل عضواً ثم يدفئه، أو يجد ما يسخنه به ويتقي، فهذا يجب عليه الغسل، أما إذا ضاقت به الحيل ولم يجد شيئاً وخاف خروج الوقت فإنه يصلي وصلاته صحيحة، وهذا هو الذي عليه الجمهور، وخالف في هذا بعض العلماء وقالوا: إنه لا يتيمم في هذه الحالة، روي عن الحسن وعطاء قالا: يغتسل وإن مات، ولم يجعلوا له عذراً، وهذا قول لا وجه له؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29]، ولهذا استدل بهذه الآية عمرو بن العاص فقال: ذكرت قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29]. قال أبو داود: عبد الرحمن بن جبير مصري مولى خارجة بن حذافة، وليس هو ابن جبير بن نفير.

أسانيد أخرى لحديث احتلام عمرو بن العاص

أسانيد أخرى لحديث احتلام عمرو بن العاص قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سلمة أخبرنا ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص: (أن عمرو بن العاص رضي الله عنه كان على سرية -وذكر الحديث نحوه- قال: فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم) فذكر نحوه ولم يذكر التيمم. قال أبو داود: وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال فيه: (فتيمم)]. وهذا الحديث كما قال المنذري: حسن. وفيه: أن الجنب إذا خاف من البرد ولم يجد ما يسخن به الماء فإنه يستنجي ويغسل مغابنه وما استطاع من جسده، ويتوضأ تخفيفاً للجنابة، ثم يتيمم، كما في هذه القصة: أنه غسل مغابنة وتوضأ وضوءه للصلاة. وروى الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: (فتيمم) من حفظ حجة على من لم يحفظ، فبعض الرواة ما حفظ شيئاً، وبعضهم حفظ.

المجروح يتيمم

المجروح يتيمم

شرح حديث قصة صاحب الشجة

شرح حديث قصة صاحب الشجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: المجروح يتيمم. حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي حدثنا محمد بن سلمة عن الزبير بن خريق عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه! قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال؟ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب -شك موسى - على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده)]. وهذا الحديث ضعيف في سنده الزبير بن خريق ضعيف، قال في التقريب: لين الحديث. وهذا الحديث مشهور عند الفقهاء ولكنه ضعيف. وفيه: (أن هذا الرجل أصابته شجة ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة؟ فقالوا: لا نجد لك رخصة، فاغتسل فمات، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتلوه! قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال؟ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب -شك موسى - على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده). وهذه اللفظة: (إنما كان يكفيه أن يتيمم) لم يثبتها الحفاظ؛ لأن هذا الحديث فيه: أنه يجمع بين التيمم وبين المسح، فلم يثبتها الحفاظ، فعلى هذا لا يجمع بين التيمم والمسح، بل يمسح على العصابة إن كانت بقدر الجرح وما يحتاج إليها في الشد، ولا يتيمم، فإن لم يقدر على وضع عصابة أو جبيرة فإنه يتيمم. أما هذا الحديث لأنه يجمع بين التيمم وبين المسح فهو ضعيف؛ ولهذا كلمة: (إنما يكفيه أن يتيمم) لم يثبتها الحفاظ، بل إذا كان يستطيع المسح فيكفي، لكن تكون العصابة بقدر الجرح وما يحتاج إليه، أما ما زاد فيزيله، والمسح على الجبيرة سيأتي، والجبيرة يمسح عليها للضرورة، وهي أولى من الخف، فإذا كان الخف يمسح عليه للترفه فالجبيرة أولى بالمسح؛ لأنها ضرورة. ففي هذا الحديث -وإن كان ضعيفاً- المسح على الجبيرة، لكن الجبيرة يمسح عليها للضرورة؛ لأنها أولى من الخف، والمسح على الخفين ثابت متواتر، فإذا كان الخف يمسح عليه للترفه فالجبيرة أولى؛ لأنها ضرورة. والجبيرة تخالف الخف: فالخف: وقت له للمقيم يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليها، والجبيرة: غير مؤقتة، فيمسح عليها حتى يبرأ الجرح. والخف: يشترط أن يمسح على طهارة، والجبيرة: لا يشترط؛ لأن الإنسان قد يصيبه جرح أو كسر وهو على غير طهارة، فالإنسان جرحه ليس باختياره، فلا تشترط لها الطهارة. وقوله: (إنما شفاء العي السؤال) المعنى: أن الجهل داء، والسؤال هو العلم. واستنبط الخطابي من هذا الحديث: أن الذي أعابهم، الفتوى بغير علم، وألحق بهم الوعيد، لكن إنما هذا على فرض صحته، ولكن المعنى صحيح، فالفتوى بغير علم منهي عنها. أما الأمر بالجمع بين التيمم والمسح فكما سبق لا يثبت، لكن فيه أنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر جسده بالماء، فيغسل سائر جسده ويتيمم ويمسح على الجرح، فإن لم يستطع تيمم. وأحاديث المسح على الجبائر كلها أحاديث ضعيفة، كما قال ابن القيم رحمه الله، وفيه حديث علي أنه: (انكسرت إحدى زنديه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح على الجبائر) لكن الحديث في سنده عمرو بن خالد وهو متروك، وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين رمياه بالكذب. وذكر ابن عدي عن وكيع قال: كان عمرو بن خالد في جوارنا يضع الحديث، فلما فطن له تحول إلى واسط، وقد سرقه عمر بن موسى، فرواه عن زينب بنت علي مثله. وعمرو هذا متروك منسوب إلى الوضع. والمقصود: أن أحاديث الجبائر كلها ضعيفة، وهذا الحديث وحديث علي كلها ضعيفة، لكن يجوز المسح على الجبيرة للضرورة، وهو أولى من المسح على الخف، فإذا جاز المسح على الخف وهو للترفه فالمسح على الجبيرة من باب أولى.

شرح حديث: (أصاب رجلا جرح في عهد رسول الله)

شرح حديث: (أصاب رجلاً جرح في عهد رسول الله) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا محمد بن شعيب أخبرني الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (أصاب رجلاً جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم احتلم، فأمر بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه! قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال؟)]. وهذا ضعيف؛ لأنه رواه الأوزاعي بلاغاً، قال الأوزاعي: (أنه بلغه عن عطاء) فهذا الذي رواه عنه الأوزاعي مجهول، فيكون الحديث ضعيفاً. وإذا أمكن المسح لا يتيمم إلا إذا كان يضره المسح، فإذا كان لا يستطيع المسح ينتقل إلى التيمم، أما الجمع بين التيمم والمسح فالحديث ضعيف. إذا كان الجرح في الظهر ويمر عليه الماء يكفي، فإن لم يمر عليه الماء مسح، وإن كان لا يشق نزع الجبيرة ينزعها إذا أصابته الجنابة ثم يغتسل ثم يعيدها، وإذا مر عليه الماء كفى؛ لأن مرور الماء أبلغ من المسح، فإن لم يمر عليها مسح عليها، فإن شق عليه المسح يتيمم. إذا مر الماء على الجرح يكفي فلا مسح ولا تيمم، وهذا إذا لم يضره الماء، فإن كان يضره الغسل بالماء مسح، فإن كان المسح على الجرح يضر فإنه يتيمم عن هذا الموضع الذي لم يصله الماء، ويغسل سائر جسده.

المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت

المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت

شرح حديث: (خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء)

شرح حديث: (خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: المتيمم يجد الماء بعدما يصلي في الوقت. حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي أخبرنا عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين). قال أبو داود: وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو داود: ذكر أبي سعيد الخدري في هذا الحديث ليس بمحفوظ؛ هو مرسل]. يعني: أن الحديث مرسل عن عطاء بن يسار، وهذا الحديث أخرجه النسائي مسنداً ومرسلاً عن عميرة. والحديث فيه دليل على أنه من صلى في الوقت بعد أن بحث عن الماء ولم يجد الماء فإن صلاته صحيحة، فإذا بحث عن الماء ولم يجد الماء ثم تيمم ووجد الماء في الوقت والوقت باقٍ فصلاته صحيحة. وفي هذا الحديث أن هذين الرجلين أحدهما لم يعد الصلاة لما وجد الماء، والآخر أعاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يعد: (أصبت السنة وأجزأتك صلاتك)، وقال للذي أعاد وتوضأ: (لك الأجر مرتين)؛ لأنه اجتهد فله الأجر مرتان باجتهاده، لكن الذي أصاب السنة أفضل. ففيه دليل على أن من صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت فلا يعيد، أما إذا وجد الماء وهو يصلي فإنه يعيد. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فذهب بعض العلماء كـ أبي حنيفة وروي عن الإمام أحمد: أنه إن كان في موضع لا يرجى فيه وجود الماء في أول وقت الصلاة فإنه يتيمم ويصلي ولو في أول وقت الصلاة. وقال آخرون: يتيمم ويصلي، وينبغي له أن يؤخر التيمم إلى آخر الوقت؛ ولهذا قال الحنابلة: والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى. وبعض العلماء قال: يصلي في أول الوقت، وقال بعضهم: يصلي آخر الوقت، إذا كان يرجو الماء، فإذا كان يرجو الماء يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، وإذا كان لا يرجو فإنه يصلي ولو في أول الوقت. وهل يعيد إذا وجد الماء في الوقت؟ ذهب بعض العلماء إلى أنه يعيد. وقال آخرون: لا يعيد. والصواب: أنه لا يعيد كما دل عليه الحديث. والحديث روي مسنداً ومرسلاً، وقد يقال: إن المرسل لا يعارض المسند، لكن أبا داود رحمه الله قال: إن ذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ، وعلى هذا يكون الحديث مرسلاً، والمرسل ضعيف إلا إذا وجد له مرسل آخر يشده، ويحتاج إلى مراجعة كلام الحفاظ في هذا؛ فينظر هل الذين أرسلوه هم الحفاظ وهم الأكثر، أو على قاعدة المتأخرين كالحافظ ابن حجر والعراقي الخطيب البغدادي وغيرهم: أنه إذا كان الذي وصله ثقة فإنه يقبل قوله ويقدم؛ لأن معه زيادة علم، والنسائي وجماعة يقدمون قول الأحفظ أو الأكثر. إذا كان الإنسان يرجو حصول الماء فإنه يتأخر إلى آخر الوقت، كما قال الحنابلة وغيرهم؛ قالوا: التيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى، أما إذا كان لا يرجو فله أن يصلي في أول الوقت. وقوله: (حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد عن عطاء بن يسار: (أن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه)) هذا ضعيف من جهتين: من جهة: أنه مرسل. ومن جهة: أن في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف. والحديث مداره على عطاء بن يسار عن أبي سعيد. وفي هذا أن بكر بن سوادة رواه عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد عن عطاء بن يسار، وفي الأول عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار، من غير واسطة. فيحتاج إلى تأمل ومراجعة؛ لأن الحديث الأول قال فيه أبو داود: المحفوظ أنه مرسل، وليس فيه ذكر أبي سعيد، يعني: ليس مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. والسند الثاني مداره على بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار أيضاً. فيحتاج إلى تأمل ومراجعة في سنده وكلام العلماء عليه؛ لأن الحكم هذا مهم، وهو وجود الماء بعدما يصلي في الوقت بالتيمم، وهذا ينبني على صحة الحديث، فإذا صح الحديث فإن المتيمم إذا وجد الماء في الوقت فلا يعيد. والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من قال: إذا تيمم ووجد الماء في الوقت يعيد، ومنهم من قال: لا يعيد، وهذا مبني على صحة الحديث وعدم صحته، فلو صح الحديث فإنه لا يعيد، ويؤيد هذا أيضاً قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، ولأن هذا هو الواجب على الإنسان، لأن الله تعالى لم يوجب الصلاة مرتين، وهذا هو الذي يستطيعه، فإنه بحث عن الماء ولم يجده، فكيف يقال له: أعد الصلاة؟! أما إذا وجد الماء وهو في الصلاة فهذا تبطل صلاته على الصحيح، فإذا جاء الماء وهو في أثناء الصلاة فالصواب أنها تبطل الصلاة في هذه الحالة، فيقطع الصلاة ثم يتوضأ ويستأنف الصلاة من جديد. وهكذا إذا لم يجد إلا ثوباً نجساً وليس عنده ماء يغسله فإنه يصلي فيه، إلا إذا كان يرجو وجود ثوب آخر. ولهذا يلغز بعض العلماء فيقولون: نهق حمار فبطل صلاة المصلي، كيف ذلك؟ A حمار ذهب للإتيان بالماء، فجاء الحمار وعلى ظهره قرب للماء، فنهق، فعلم المصلي أنه وجد الماء، فبطلت صلاته؛ لوجود الماء.

كتاب الطهارة [23]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [23] إن أصحاب رسول الله كانوا أصحاب مهن، فربما أدركتهم الجمعة فلم يغتسلوا، فحثهم النبي صلى الله عليه وسلم على الغسل في هذا اليوم المبارك وندبهم إليه، كما حث من أسلم أن يغتسل.

غسل الجمعة

غسل الجمعة

شرح حديث: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)

شرح حديث: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في غسل الجمعة: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع أخبرنا معاوية عن يحيى أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي الله عنه- أخبره: (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بينا هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل فقال عمر: أتحتبسون عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت. فقال عمر رضي الله عنه: والوضوء أيضاً أو لم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل؟)]. قول المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في غسل الجمعة] يعني: ما حكمه؟ وهل هو واجب أو مستحب؟ والمؤلف رحمه الله لم يجزم بالحكم؛ لأنها مسألة مختلف فيها بين أهل العلم، فقد اختلف العلماء في غسل الجمعة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه واجب، فكل من ذهب إلى الجمعة عليه أن يغتسل، واستدلوا بحديث: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، وهو قول قوي، وعلى هذا فإن من لم يغتسل يوم الجمعة فإنه آثم وصلاته صحيحة، ويكون الغسل من طلوع الفجر يوم الجمعة، وأما قبل طلوع الفجر فلا يعتبر؛ لأن اليوم إنما يدخل بطلوع الفجر. والقول الثاني -وهو قول جمهور العلماء-: أن الغسل مستحب وليس بواجب، وستأتي أدلتهم، وعلى هذا فالإنسان إن ترك الغسل يأثم ويكون تاركاً لمستحباً. القول الثالث: أنه يجب على أهل المهن والعمال الذين تنبعث منهم الروائح الكريهة، وأما من عداهم فلا يجب عليه، وعلى هذا فإن من كان من أهل المهن ولم يغتسل يأثم، وإن لم يكن من أهل المهن ولم يغتسل لا يأثم، وسيأتي في حديث عائشة أن الناس كانوا مهان أنفسهم -أي: خدام أنفسهم- وكانت تنبعث منهم الروائح فقال صلى الله عليه وسلم: (لو اغتسلتم)، ولهذا لم يجزم المؤلف رحمه الله بحكم، وإنما قال: [باب في غسل الجمعة]، يعني: هل هو مستحب كما قال الجمهور، أو واجب كما قال به فريق من العلماء، أو واجب على أهل المهن؟ وهذا الحديث فيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب في الناس الجمعة، وكان الأمراء والخلفاء هم الذين يتولون الخطابة في الجمعة والعيدين، فبينما هو يخطب رضي الله عنه إذ دخل رجل من السابقين الأولين، وهو عثمان رضي الله عنه، فأنكر عليه عمر رضي الله عنه وقال: أي ساعة هذه يا عثمان؟! يعني: لماذا تأخرت؟! وهذا فيه دليل على أنه ينبغي التبكير إلى الجمعة، ولا سيما للأكابر وأهل الفضل، فقال عثمان رضي الله عنه: ما هو إلا أن سمعت النداء فما زدت على أن توضأت. فأنكر عليه إنكاراً آخر فقال: [والوضوء أيضاً!] يعني: لماذا لم تغتسل؟ ثم قال: [أو لم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)] ولعل عثمان رضي الله عنه انشغل في هذه المرة وتأخر. وفي الحديث بيان بعد عثمان رضي الله عنه عن الرياء، فإنه قال: [ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت]. وهذا الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم وأخرجه الترمذي والنسائي من رواية عبد الله بن عمر عن أبيه. وهذا الحديث فيه دليل على أنه ينبغي لأهل العلم والفضل أن يبكروا في المجيء إلى صلاة الجمعة؛ لأنهم قدوة للناس، وفيه أن من تأخر عنها فإنه ينكر عليه، وقد اُستدل به على أن الغسل واجب؛ لأن عمر أنكر على عثمان رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) والأصل أن الأمر للوجوب. ويحتمل أنه ليس بواجب كما قال الجمهور، ويكون قد أنكر عليه لترك السنن والمستحبات، ولا سيما إذا كان المرء من أهل الفضل ومن أهل العلم كـ عثمان رضي الله عنه، والحديث من أدلة من قال: بوجوب الغسل؛ لأن الأمر الأصل فيه أنه للوجوب والجمهور صرفوا هذا الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب لأحاديث أخرى، منها: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) ولكن هذا الحديث فيه ضعف، وهناك أدلة أخرى.

شرح حديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)

شرح حديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)]. أورد المؤلف حديث أبي سعيد هذا، وهو: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، وأخرجه -أيضاً- النسائي وابن ماجة، وهو من أصح الأحاديث، وهو من أدلة من قال بوجوب الغسل، وهو قول قوي. وقوله: [على كل محتلم] المراد به: البالغ، يعني: من بلغ سن الاحتلام، وهو الذي تجب عليه الجمعة، أما من لم يبلغ سن الاحتلام فإنه يكون صبياً، والصبي لا تجب عليه الصلاة، فقوله: [محتلم] يعني: من بلغ سن الاحتلام، وليس المراد من احتلم في النوم وأنزل، فهذا يجب عليه الغسل على كل حال. وهذا الحديث -كما ذكرنا- من أدلة من قال بوجوب الغسل، وأما الجمهور فإنهم صرفوا هذا الأمر، وتأولوا هذا الحديث بأن المراد بقوله: [واجب] أن غسل الجمعة متأكد ومستحب، كما تقول العرب: حقك واجب علي، أي: متأكد. ولا شك في أن القول بالوجوب قول قوي، فينبغي للمسلم ألا يخل بالغسل.

شرح حديث: (على كل محتلم رواح الجمعة)

شرح حديث: (على كل محتلم رواح الجمعة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي أخبرنا المفضل -يعني ابن فضالة - عن عياش بن عباس عن بكير عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن حفصة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل)]. هذا الحديث حسن، وأخرجه النسائي، وهو من أدلة من قال بوجوب الغسل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل) يعني: إن بلغ سن الاحتلام فعليه الرواح إلى الجمعة، أي: يلزمه أن يصلي الجمعة، فالرواح هو الذهاب إلى الجمعة، قال: (وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل). والجمهور تأولوا هذا الحديث بأن المراد به: تأكد الاستحباب.

ابتداء وقت غسل الجمعة

ابتداء وقت غسل الجمعة [قال أبو داود: إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه من غسل الجمعة، وإن أجنب]. هذا هو الصواب، وهو أن الاغتسال يكون بعد طلوع الفجر، فإذا اغتسل الإنسان بعد طلوع الفجر أجزأه، أما إذا اغتسل قبل طلوع الفجر فهذا لا يجزئه؛ لأن النهار لم يدخل بعد، فالنهار يكون بعد طلوع الفجر، فإذا اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه عن غسل الجمعة وإن أجنب، يعني: ولو كان عليه جنابة، فإذا كان عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر كفاه ذلك عن غسل الجمعة، إذ الغسلان يتداخلان، فيكفي غسل الجنابة عن غسل الجمعة. أما إذا اغتسل قبل طلوع الفجر فلا يكفيه ذلك، بل لابد من أن يغتسل بعد طلوع الفجر، وكلما تأخر فهو أفضل، فإذا تأخر وكان غسله عند الذهاب إلى الجمعة فهو أفضل.

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه)

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني، ح: وحدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: حدثنا محمد بن سلمة، ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -وهذا حديث محمد بن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال أبو داود: قال يزيد وعبد العزيز في حديثهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان عنده ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها). قال: ويقول أبو هريرة: (وزيادة ثلاثة أيام)، ويقول: إن الحسنة بعشر أمثالها]. هذا الحديث في سنده محمد بن إسحاق، وهو ثقة لكنه مدلس، فلا يقبل حديثه إذا لم يصرح بالسماع، لكن الحديث له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن. وهذا الحديث أخرجه مسلم مختصراً من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وهو من أدلة الجمهور القائلين بعدم وجوب الغسل؛ لأنه ليس فيه الأمر بالغسل، وإنما فيه فضل الغسل؛ فإنه قال: (من اغتسل يوم الجمعة)، وفيه فضل الذهاب إلى الجمعة والإتيان بهذه الأمور المذكورة في الحديث، وكل هذه الأمور دلت عليها أحاديث أخرى صحيحة وقوله: [(كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها). ويقول أبو هريرة: (وزيادة ثلاثة أيام)؛ ويقول: (الحسنة بعشر أمثالها) فيه أنه إذا أتى بهذه الأمور فاغتسل، ولبس أحسن ثيابه، وتطيب، ولم يتخط رقاب الناس، وصلى ما قدر له، ثم أنصت للخطبة فإن هذه الأمور كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها وزيادة ثلاثة أيام. قال المنذري: إن أبا هريرة أدرج في الحديث [وزيادة ثلاثة أيام]، لكن هذا ليس بجيد؛ لأن الحديث من رواية أبي هريرة وأبي سعيد، وإنما أبو هريرة انفرد عن أبي سعيد برواية: (وزيادة ثلاثة أيام). أما قول المنذري: أنها مدرجة من كلام أبي هريرة فليس بجيد. ثم إن الآية دلت على هذا أيضاً، وهي قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160]. [قال أبو داود: وحديث محمد بن سلمة أتم، ولم يذكر حماد كلام أبي هريرة]. وهو قوله: [(وزيادة ثلاثة أيام)].

شرح حديث: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم)

شرح حديث: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن عبد الله بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم الزرقي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، ويمس من الطيب ما قدر له). إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن، وقال في الطيب: (ولو من طيب المرأة)]. وهذا الحديث استدل به من قال: إن غسل الجمعة مستحب، قالوا: لأنه قرنه بالسواك والطيب، والسواك والطيب مستحبان وليسا بواجبين. والحديث أخرجه مسلم والنسائي، وأخرج البخاري أيضاً من رواية عمرو بن سليم الزرقي عن أبي سعيد بنحوه. ومثله الحديث الذي سيأتي وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) لكنه من رواية الحسن عن سمرة، وقد اختلفوا في سماعه من سمرة كما سيأتي، وعلى كل حال فالأولى والذي ينبغي للمسلم هو أن يغتسل للجمعة خروجاً من الخلاف، وعملاً بالأحاديث، ورغبة في الفضل والأجر.

شرح حديث: (من غسل يوم الجمعة واغتسل)

شرح حديث: (من غسل يوم الجمعة واغتسل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي حبي حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي حدثني حسان بن عطية حدثني أبو الأشعث الصنعاني حدثني أوس بن أوس الثقفي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)]. هذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن. والحديث سنده لا بأس به، وهذا الفضل العظيم في قوله: (له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)؛ لأن هذه الأعمال عظيمة، وفيها جهد ومشقة، وقل من تجتمع فيه، وقد قيل: إن المراد من اللفظتين في قوله: (بكر وابتكر) التأكيد، مثل: (مشى ولم يركب) فمعناهما واحد، وكذلك (غسل واغتسل) فهو تأكيد، وقيل: (غسل) أي: غسل رأسه (واغتسل) أي: غسل جسده، وقيل: (غسل) أي: غسل غيره بأن جامع زوجته وتسبب في اغتسالها فاغتسلا جميعاً ليكون أملك لنفسه، وأحفظ لبصره، ومن هذا قول العرب: فحل غسله: إذا أكثر الضراب، فقد قالوا له: غسله بصيغة المبالغة. فإذا حقق هذه الأوصاف بأن غسل واغتسل، وبكر ابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع للخطبة ولم يلغ حصل له هذا الأجر العظيم، وهو قوله: (له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) فضلاً من الله تعالى وإحساناً، والحديث سنده لا بأس، وحبي: هو لقب محمد بن حاتم الجرجرائي.

شرح حديث: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل)

شرح حديث: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عبادة بن نسي عن أوس الثقفي -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل) ثم ساق نحوه]. هذا يدل على أن قوله: (من غسل) في حديث أبي الأشعث السابق المراد به. من غسل رأسه؛ لأن حديث أوس هذا فسره، فالمراد: غسل رأسه؛ لأنه قال: [(من غسل رأسه واغتسل)].

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته)

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان قالا: حدثنا ابن وهب -قال ابن أبي عقيل: أخبرني أسامة، يعني ابن زيد - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة كانت كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظُهرا)]. هذا الحديث من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه، وهو عمرو بن شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فأبوه شعيب وجده عبد الله بن عمرو بن العاص، ورواية عمرو لا بأس بها، وهي من قسم الحسن، لكن هذا الحديث في سنده أسامة بن زيد، وأسامة هذا إن كان أسامة بن زيد الليثي فالحديث لا بأس به، لأن أسامة بن زيد الليثي -كما في التقريب- صدوق يهم، وإن كان أسامة بن زيد بن أسلم فهو ضعيف؛ لأن زيد بن أسلم له ثلاثة أولاد كلهم ضعفاء: أسامة وعبد الله وعبد الرحمن، وأحسنهم عبد الله، فـ أسامة بن زيد بن أسلم ضعيف. وعلى كل حال فالحديث فيه هذا الفضل لمن أتى بهذه الأمور يوم الجمعة، بأن اغتسل، ومس من طيب امرأته -ولعله إذا لم يكن عنده طيب وكان لامرأته طيب- ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة كان كفارة لما بينهما. قوله: [(ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً)] يعني: فاتته الجمعة وكانت له ظهراً، وهذا يدل على التحذير من اللغو والتخطي لرقاب الناس، وذلك أن الواجب الإنصات والاستماع للخطبة، ولو سمع موعظة من خارج المسجد لكان عليه أن يستمع فلعله يستفيد، فكيف وهو في المسجد وهو يسمع خطبة الجمعة وهي موعظة الأسبوع؟! ولهذا لما سمعت أم سلمة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: (أيها الناس) وهو في المسجد وكان عندها ماشطة تمشط شعرها فأرادت أن تستمع لمقالته قالت الماشطة: إنه يقول: (يا أيها الناس) فقالت: كفي! فأنا من الناس. وقوله: (كانت له ظهراً) يعني: مثل صلاة الظهر، وهذا إذا فاتته الجمعة، وفيه التحذير من تخطي رقاب الناس وإيذائهم واللغو إذا تكلم الإمام.

شرح حديث اغتساله صلى الله عليه وسلم

شرح حديث اغتساله صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا حدثنا مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب العنزي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة أنها حدثته (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت)]. هذا الحديث ضعيف، لأن في سنده مصعب بن شيبة، وهو ضعيف، ولكن الغسل من الجنابة معروف أنه واجب، وكان صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الجمعة، أما الغسل من الحجامة، ومن غسل الميت فليس هناك دليل يدل عليه. والمنذري: أخرجه في الجنائز، وقال: هذا منسوخ. وقال البخاري: حديث عائشة في هذا الباب ليس بصحيح. وقال الإمام أحمد وعلي بن المديني: لا يصح في هذا الباب شيء. وقال محمد بن يحيى: لا أعلم فيمن غسل ميتاً أن يغتسل حديثاً ثابتاً. وعلى هذا فالحديث ضعيف؛ لأنه ليس هناك دليل واضح على وجوب الغسل على من غسل الميت، ولا من الحجامة، أما غسل الجنابة فمعروف حكمه من الأدلة، وكذلك غسل يوم الجمعة.

بيان معنى: (غسل واغتسل)

بيان معنى: (غسل واغتسل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد الدمشقي أخبرنا مروان أخبرنا علي بن حوشب قال: سألت مكحولاً عن هذا القول: (غسل واغتسل) فقال: غسل رأسه وغسل جسده]. وهذا تفسير لقوله: (غسل واغتسل) أي: غسل رأسه وجسده، وهذا يفسر ما سبق في حديث: (غسل واغتسل) بأن (غسل) بمعنى: غسل رأسه، (واغتسل) غسل جسده، خلافاً لمن قال: إن قوله: (غسل) يعني: غسل زوجته بأن تسبب في غسلها إذا جامعها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الوليد الدمشقي حدثنا أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز في: (غسل واغتسل) قال: قال سعيد: غسل رأسه وغسل جسده].

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة)

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سمي عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)]. هذا الحديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله، وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بنحوه، وفي الحديث: تفاوت الناس في الأجر على حسب تقدمهم إلى الجمعة، وفيه أن ساعات الجمعة خمس ساعات، وأن الإمام يخرج في الساعة السادسة، والمراد بالساعة جزء من الزمن قد يزيد على الساعة المعروفة وقد ينقص، فهي في الصيف أطول وفي الشتاء أقل، وهي خمس ساعات من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس إلى خروج الإمام، وفي الشتاء قد تكون تلك الساعة أقل من ساعة، وفي الصيف قد تكون ساعة وربعاً أو ساعة ونصفاً؛ لأن النهار طويل في الصيف وقصير في الشتاء. وفيه (أن من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة) أي: بعيراً، (ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة) يعني: تقرب بها إلى الله وتصدق بها، (ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن) أي: ذا قرنين؛ لأنه أفضل من غيره، (ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة)، ثم يخرج الإمام في الساعة السادسة، (فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) أي: يستمعون الخطبة. وجاء في الحديث الآخر أن الملائكة يقفون على الأبواب يكتبون الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ليستمعوا الخطبة والذكر. وقد مر معنا في رواية النسائي زيادة عصفور بعد الدجاجة، حيث قال: (فكأنما قرب عصفوراً)، وفي بعضها زاد بطة فقال: (فكأنما قرب بطة). وهذا الساعات هي جزء من الزمن تكون بعد طلوع الشمس أو بعد الفجر، خلافاً للإمام مالك رحمه الله، فإنه قال: إن هذه الساعات لحظات تكون بعد الزوال، قال: لأن الرواح إنما يكون بعد الزوال، فقال: إنها خمس لحظات تبدأ من زوال الشمس. وهذا قول ضعيف لا وجه له، والرواح يطلق على النهار كله لا سيما أول النهار.

الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

شرح حديث: (كان الناس مهان أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم)

شرح حديث: (كان الناس مهان أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الناس مهان أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل له: لو اغتسلتم)]. وهذا الحديث أخرجه البخاري وأخرجه مسلم بنحوه، وقد بوب المؤلف عليه بقوله: [باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة] فدل على أن الغسل ليس بواجب، وهذا من أدلة من قال: إن الغسل إنما هو واجب على أهل المهن والعمال الذين تخرج منهم الروائح، وفي لفظ البخاري: (كان الناس مهان أنفسهم -أي: خدام أنفسهم- فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم -وفي لفظ آخر: تخرج منهم الريح- فقيل له: لو اغتسلتم). فقوله: (لو اغتسلتم) هو للتمني، وليس فيه إيجاب، فدل على أنه ليس بواجب، وقد استدل به المؤلف على الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة.

شرح حديث سؤال أهل العراق ابن عباس عن وجوب الغسل يوم الجمعة

شرح حديث سؤال أهل العراق ابن عباس عن وجوب الغسل يوم الجمعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: أخبرنا عبد العزيز يعني: ابن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة أن أناساً من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس! أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدء الغسل: (كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار، وعرق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال: أيها الناس! إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه). قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق]. هذا حديث عكرمة عن ابن عباس، وفيه أن ابن عباس رضي الله عنه يرى أن الغسل ليس بواجب في الجمعة، وأن سبب الوجوب أولاً أن الناس كانوا مجهودين يلبسون الصوف، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف، وأن الناس كانوا يأتون في اليوم الحار فيعرقون فتخرج منهم الريح ويؤذي بعضهم بعضاً، فلما وجد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أمرهم بالغسل، وأما بعد فإن الناس صاروا يلبسون غير الصوف، ووسعت المساجد -ويقال في هذا الزمان: ووجدت المكيفات- وكفوا العمل، فهم لا يعملون أيضاً، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق فصار ليس بواجب، فهذا قول ابن عباس، ولكن الأحاديث الصحيحة واضحة في وجوب الغسل، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وقد تقدم هذا، ولكن هذا اختيار ابن عباس رضي الله عنه. وقد أخرجه أحمد بن خزيمة من طريق عمرو بن أبي عمرو. وفي هذا الحديث قال: (أيها الناس) ولم يقل: أيها المسلمون، وذلك ليشمل المنافقين الموجودين في المسجد؛ لأنه قد يكون في المسجد منافقون، وقد يسمعه من هو خارج المسجد، وقد يقال: إن قوله: (أيها المسلمون) يشمل المنافقين؛ لأن أحكام الإسلام تجري عليهم؛ لأنهم ملتزمون بالإسلام ظاهراً. وعبد العزيز بن محمد صدوق.

شرح حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت)

شرح حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي أخبرنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل)]. هذا الحديث أخرجه الترمذي. قوله: [(ومن اغتسل فالغسل أفضل)] فيه دليل على استدلال الجمهور على أن الغسل ليس بواجب، لكن الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية الحسن عن سمرة، وقد اختلف في سماع الحسن عن سمرة، فقيل: إنه لم يسمع منه شيئاً، وقيل: إنه سمع حديث العقيقة، ولكن الأولى أنه سمع منه غير حديث العقيقة؛ لأن كلاً منهما كان في البصرة، فيبعد ألا يسمع منه غيره، وفيه -أيضاً- عنعنة قتادة، وهو وإن كان مدلساً ولم يصرح بالسماع إلا أن تدليسه قليل يحمل على السماع. وقوله في الحديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت) من أدلة الجمهور. ويصدق هذا حديث في صحيح مسلم، فيه الاكتفاء بالوضوء يوم الجمعة، واستدل به على أن الغسل مستحب، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، ولكنه متأكد.

الرجل يسلم فيؤمر بالغسل

الرجل يسلم فيؤمر بالغسل

شرح حديث قيس بن عاصم: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل)

شرح حديث قيس بن عاصم: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل: حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان حدثنا الأغر عن خليفة بن حصين عن جده قيس بن عاصم -رضي الله عنه- قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر)]. حديث قيس بن عاصم هذا أخرجه الترمذي والنسائي، وفيه أمر الكافر بالغسل إذا أسلم، والأصل في الأمر الوجوب، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم كالإمام أحمد وأبي ثور، وذهب جمهور العلماء إلى أن الأمر للاستحباب، وأنه صرف عن الوجوب إلى الاستحباب، فقد أسلم في عام الفتح جم غفير ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال، ولا أمر منادياً ينادي بذلك، فدل على أن الأمر للاستحباب.

شرح حديث (ألق عنك شعر الكفر)

شرح حديث (ألق عنك شعر الكفر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألق عنك شعر الكفر. يقول: احلق). قال: وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: (ألق عنك شعر الكفر واختتن)]. هذا الحديث فيه علتان: إحداهما: قول ابن جريج: [أخبرت عن عثيم] ففيه جهالة الرجل الذي أخبر ابن جريج. والعلة الثانية: أن عثيماً اختلف فيه، فقيل عنه -كما في التقريب-: عثيم بن كليب، وقيل: ابن كثير، فالحديث ضعيف بهذا، فلا دلالة فيه على وجوب حلق شعر الكفر. أما الاختتان ففيه اختلاف، فقيل: سنة، وقيل: واجب، ولكن الأولى أن من أسلم لا يؤمر بالاختتان في الحال لئلا ينفر عن الإسلام على القول بوجوبه، لكن إذا استقر الإسلام في قلبه بعد ذلك يؤمر بالاختتان، وقد ثبت أن إبراهيم عليه السلام اختتن وهو ابن ثمانين، وهو واجب عند البلوغ، لكن الأولى أن يختتن قبل ذلك.

كتاب الطهارة [24]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [24] إن من تخفيف الله على عباده، وتيسيره عليهم، أن الحائض تصلي في الثوب الذي حاضت فيه، فإن رأت فيه دماً قرصته وغسلته، وإن لم تر صلت فيه، ولم يكلفها الإسلام أن تغسل الثوب كاملاً بل تغسل مكان الدم فقط.

المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

شرح حديث سؤال معاذة عائشة عن الحائض يصيب ثوبها الدم

شرح حديث سؤال معاذة عائشة عن الحائض يصيب ثوبها الدم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها: حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي قال: حدثتني أم الحسن يعني جدة أبي بكر العدوي -عن معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها عن الحائض يصيب ثوبها الدم؟ قالت: تغسله، فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة، قالت: ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً)]. هذا الحديث فيه أم الحسن، وهي غير معروفة كما في التقريب، فهي مجهولة، والحديث ضعيف، لكن له شواهد تؤيده. وفيه أن دم الحيض إذا أصاب الثوب فإنه يغسل، فإن لم يذهب أثره فلا يضر، وإذا غير بشيء من الصفرة فلا بأس. وفيه قول عائشة: (ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً) ويبعد أن عائشة تحيض ثلاث حيض في ثلاثة أشهر لا تغسل لها ثوباً، والأحاديث تدل على أن عرق الحائض وريقها طاهر، وإنما تكون النجاسة في الدم، وأن الدم يغسل، فإن لم يذهب الأثر فلا يضر.

شرح حديث عائشة: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه)

شرح حديث عائشة: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا إبراهيم بن نافع قال: سمعت الحسن -يعني ابن مسلم يذكر عن مجاهد قال: قالت عائشة: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها)]. ومعنى (قصعته) أي: دلكته بريقها، فهي تبله أولاً ثم تدلكه حتى يزول الأثر ثم تغسله بالماء.

شرح حديث أم سلمة: (قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)

شرح حديث أم سلمة: (قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - قال: حدثنا بكار بن يحيى قال: حدثتني جدتي قالت: (دخلت على أم سلمة -رضي الله عنها- فسألتها امرأة من قريش عن الصلاة في ثوب الحائض؟ فقالت أم سلمة: قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر فتنظر الثوب الذي كانت تقلب فيه فإن أصابه دم غسلناه وصلينا فيه، وإن لم يكن أصابه شيء تركناه ولم يمنعنا ذلك من أن نصلي فيه، وأما الممتشطة فكانت إحدانا تكون ممتشطة، فإذا اغتسلت لم تنقض ذلك ولكنها تحفن على رأسها ثلاث حفنات، فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر جسدها)]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن بكار بن يحيى وجدته مجهولان كما في التقريب، لكن معنى الحديث صحيح، وهو أن الحائض إذا أصاب ثوبها شيء من الدم فإنها تغسله وتصلي فيه، وإن لم يكن أصابه شيء صلت فيه. وأما الممتشطة فإنها لا يجب عليها نقض الشعر في الحيض، لكن إذا نقضته فهو أفضل. وقد جاء حديث أم سلمة عند الترمذي بلفظ: (أتنقضه بغسل الجنابة -وفي لفظ: والحيضة-؟ قال: لا). والصواب أنه لا يجب النقض وإنما يستحب، وقال بعض العلماء بوجوب النقض، لكن الصواب أنه لا يجب، ولكنه يستحب ويتأكد في الحيض والنفاس؛ لأن مدته تطول، بخلاف الجنابة فإنها تتكرر فلا تحتاج إلى نقض. وفيه مشروعية الحفن على الرأس ثلاث حفنات. ومعنى (ممتشطة) أي: مضفور شعر رأسها، ولا يلزم من ذلك أن يكون فيه حناء أو غير ذلك.

شرح حديث صلاة المرأة في ثوب حيضها

شرح حديث صلاة المرأة في ثوب حيضها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: (سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر؟ أتصلي فيه؟ قال: تنظر: فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بشيء من ماء، ولتنضح ما لم تر، ولتصل فيه)]. فاطمة بنت المنذر هذه هي حفيدة أسماء؛ لأن منذراً هذا هو ابن عبد الله بن الزبير، فهي حفيدة أسماء. وفي هذا الحديث أن المرأة إذا رأت الطهر تصلي في ثوبها ولو كان عليها أيام الحيض، وإن رأت فيه دماً تغسله؛ لقوله: [(فلتقرصه بشيء من ماء) يعني: تدلكه بأصابعها بشيء من الماء، وقوله: [(ولتنضح ما لم تر)] يعني: ما شكت فيه تنضحه وترشه بماء، وإن رأته تدلكه بأصابعها وتغسله، ولا يصر بقاء أثره.

شرح حديث: (إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء)

شرح حديث: (إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها قالت: (سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ قال: إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل)]. قوله: [(فلتقرصه)] هو من باب (ضرب يضرب)، ويصح (تقرُصه) من باب: (نصر ينصر)، فيصح (تقرُصه) و (تقرِصه)، والقرص معناه: الدلك بالأصابع، يعني: تدلكه بالأصابع حتى تزيل أثر الدم في الثوب، وقوله: [(ثم تنضحه بالماء)] يعني: تغسله بالماء. وهذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة. وفيه أن المرأة إذا أصابها الدم من الحيض فإنها تغسل الدم، فتدلكه أولاً بأصابعها، أو تحكه بعود كما سيأتي، أو بضلع، ثم تغسله وتصلي فيه، ولا يُحتاج إلى غسل الثوب كله، ولا تغييره، بل تصلي فيه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا حماد، ح: وحدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس، ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -يعني ابن سلمة - عن هشام بهذا المعنى، قال: (حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه)]. قوله: [(حتيه)] يعني: حكيه، فتحكه بأصابعها، أو بعود حتى يزول الجرم، ثم تقرصه وتغسله بالماء، ثم تنضحه وترشه بالماء زيادة في التنظيف، فأولاً: تحكه، ثم تغسله بالماء، ثم ترشه زيادة في التنظيف. وفيه دليل على أن النجاسة إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، وهذا قول الجماهير. وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع، كماء الورد، أو ماء الشجر، أو ماء الزعفران، والصواب أن النجاسة إنما تزال بالماء خاصة دون غيره من المائعات، ولهذا أفتى النبي صلى الله عليه وسلم من أصاب ثوبها دم الحيض بأن تغسله بالماء، فقال: (فلتقرصه بشيء من ماء).

شرح حديث: (حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر)

شرح حديث: (حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى يعني ابن سعيد القطان عن سفيان قال: حدثني ثابت الحداد قال: حدثني عدي بن دينار قال: (سمعت أم قيس بنت محصن تقول: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب، قال: حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر)]. قوله: [(حكيه بضلْع)]-ويقال: بضلَع- أي: بعود، وإنما تحكه بضلع حتى تزيل جرم الدم، ثم تغسله بماء وسدر، والغسل بالسدر زيادة في التنظيف، وإلا فإن الماء يكفي. والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة، وفيه أنها تحكه بضلع، وفي الأحاديث السابقة (تدلكه بأصابعها) وهذا معناه أنها تزيل جرم الدم فتحكه بأصابعها، أو بعود، ثم تغسله بالماء، وأما ما جاء في هذه الرواية -وهو قوله: (بماء وسدر) فمن باب زيادة التنظيف، مثل الصابون، فإذا غسلت الدم بالصابون فهو من باب زيادة التنظيف، وإلا فإن الماء كافٍ.

شرح حديث عائشة: (قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض)

شرح حديث عائشة: (قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض، وفيه تصيبها الجنابة، ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها)]. الدرع: هو الثوب، ففيه كانت تحيض المرأة، وفيه تصيبها الجنابة، ثم إذا رأت فيه قطرة من دم فإنها تقصعه بريقها أي: تدلكه وتزيله، ثم تغسله بالماء، ولا حاجة إلى تغيير الثوب أو غسله كله. وإذا لم تعلم الدم وصلت فيه فالصلاة صحيحة، فإذا صلى الإنسان في ثوب به نجاسة نسيها أو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة فالصلاة صحيحة ولا تعاد، بخلاف ما إذا صلاها بغير وضوء ثم علم بعد الصلاة، فإنه يتوضأ ويعيد الصلاة؛ لأن هذا من باب الترك للشرط، والوضوء شرط في صحة الصلاة.

شرح حديث سؤال خولة بنت يسار رسول الله عما تصنعه بثوبها إذا حاضت فيه

شرح حديث سؤال خولة بنت يسار رسول الله عما تصنعه بثوبها إذا حاضت فيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه. فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره)]. هذا الحديث فيه ضعف؛ لأن فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف كما هو معروف، لكن له شاهد مرسل ذكره البيهقي فيكون حسناً، وهو يدل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة؛ بأن المرأة إذا كان عليها ثوب تحيض فيه وتصلي فيه، فإنها إن رأت فيه دماً فإنها تغسله، فإن لم يزل أثره فلا يضر.

الصلاة في الثوب الذي يصيب فيه الرجل أهله

الصلاة في الثوب الذي يصيب فيه الرجل أهله

شرح حديث أم حبيبة في صلاته في الثوب الذي يجامع فيه

شرح حديث أم حبيبة في صلاته في الثوب الذي يجامع فيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه: حدثنا عيسى بن حماد المصري أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-: (أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى)]. أخرجه النسائي وابن ماجة، وبه استدل بعضهم على نجاسة المني، والصواب أنه طاهر، كما جاء في الأحاديث الصحيحة أن المني يغسل رطباً ويحك اليابس منه، وهذا من باب النظافة، وهو طاهر لأنه أصل الإنسان، خلافاً لمن قال بنجاسته، فلو كان نجساً لما بقي في ثوب النبي صلى الله عليه وسلم يابساً ثم تحكه عائشة بظفرها ويصلي فيه. ومعاوية هو ابن حديج بضم الحاء المهملة، وأما رافع بن خديج فهو صحابي جليل، ومعاوية بن حديج هو الكندي التجيبي المصري الأمير، قال البخاري: شهد فتح مصر، وذهبت عينه يوم دنقلة في بلاد مصر. فعلى قول البخاري يكون صحابياً صغيراً، روى عن أبي أذر، وعنه ابنه عبد الرحمن وعلي بن رباح. قال ابن يونس: مات سنة اثنتين وخمسين. وكنيته أبو عبد الرحمن، وقد ذكره يعقوب بن سفيان في التابعين، وهناك معاوية بن حديج آخر متأخر، وهو كوفي جعفي، وهو والد أبي خيثمة وأخويه. فالحديث دالٌ على جواز الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه الرجل أهله، وأنه لا حرج في ذلك، وهذا دليل على طهارة المني، فلو أصابه شيء من المني فهو طاهر، وإذا رأى فيه شيئاً غسله من باب النظافة. وكذلك يدل على أن الجماع يكون بالثياب، وأما العري فمنهي عنه.

الصلاة في شعر النساء

الصلاة في شعر النساء

شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا)

شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة في شُعُر النساء: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو في لحفنا) قال عبيد الله: شك أبي]. والشعر: جمع شعار، وهو الثوب الذي يلي الجسد، ويطلق على ما يلتحف به، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (الأنصار شعار والناس دثار)، فالشعار هو الثوب الذي يلبس، والدثار هو الثوب الذي فوقه، فجعل للأنصار خاصية. قولها: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو لحفنا)] هذا من باب الاحتياط، خشية أن يكون أصابه شيء من النجاسة، لكن الأصل السلامة كما في حديث أم حبيبة السابق، وكما في الأحاديث السابقة التي فيها أن المرأة تصلي في الثوب التي تحيض فيه.

شرح حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا)

شرح حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة -رضي الله عنها-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا)]. هذا من باب الاحتياط، والملاحف: جمع ملحفة. وتطلق على اللباس الذي فوق اللباس، ويطلق أيضاً على ما يلتحف به. وما ذكر هنا هو من باب الاحتياط خشية أن يكون أصابه شيء من النجاسة. [قال حماد: وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمداً عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا؟ فسلوا عنه]. أي أن حماداً يقول: سمعت ابن أبي صدقة قال: سألت محمداً -يعني ابن سيرين - عن هذا الحديث فلم يحدثني، أي أنه اعتذر وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعته من ثبت -يعني: من عدل ضابط- أو لا، فسلوا عنه. يعني: سلوا عن هذا الحديث غيري من العلماء.

الرخصة في الصلاة في شعر النساء وملاحفهن

الرخصة في الصلاة في شعر النساء وملاحفهن

شرح حديث صلاته صلى الله عليه وسلم وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض

شرح حديث صلاته صلى الله عليه وسلم وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في ذلك]. يعني: باب الرخصة في الصلاة في شعر النساء وملاحفهن، فالباب الأول في أنه لا يُصلى في شعرهن من باب الاحتياط، وهذا الباب الثاني في بيان الرخصة في الصلاة في شعر النساء وملاحفهن. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان حدثنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني سمعه من عبد الله بن شداد يحدثه عن ميمونة -رضي الله عنها-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض وهو يصلي وهو عليه)]. هذا محمول على أن الأصل الطهارة ما لم تعلم النجاسة، وأحاديث الباب السابقة محمولة على الاحتياط خشية أن يكون فيها شيء.

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا إلى جنبه)

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا إلى جنبه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا طلحة بن يحيى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط لي وعليه بعضه)]. هذا الحديث أخرجه ابن ماجة ومسلم بمعناه، وفيه أن بدن الحائض وثوبها طاهر ما عدا الدم وموضعه، وفيه أنه لا بأس بأن يصلي الإنسان وإلى جنبه حائض، أو يكون عليه ثوب بعضه عليه وبعضه على زوجته وهي حائض، والصلاة صحيحة.

المني يصيب الثوب

المني يصيب الثوب

شرح حديث عائشة: (لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)

شرح حديث عائشة: (لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المني يصيب الثوب: حدثنا حفص بن عمر عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن همام بن الحارث أنه كان عند عائشة رضي الله عنها فاحتلم فأبصرته جارية لـ عائشة رضي الله عنها وهو يغسل أثر الجنابة من ثوبه أو يغسل ثوبه، فأخبرت عائشة فقالت: (لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورواه الأعمش كما رواه الحكم]. هذا الحديث أخرجه مسلم، وفيه دليل على طهارة المني وأنه ليس بنجس، بدليل أن عائشة كانت تفركه، ولو كان نجساً لما فركته وهو يابس، ولوجب غسله، ولكن يستحب غسل الرطب، وفرك اليابس من باب النظافة، وإلا فالمني طاهر، خلافاً لمن قال بأنه نجس من أهل العلم.

شرح حديث: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه)

شرح حديث: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه)]. هذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة، وهو يدل على طهارة المني. [قال أبو داود: وافقه مغيرة وأبو معشر وواصل]. يعني: وافق حماداً هؤلاء الثلاثة.

شرح حديث عائشة في غسلها المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم

شرح حديث عائشة في غسلها المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير، ح. وحدثنا محمد بن عبيد بن حساب البصري حدثنا سليم -يعني ابن أخضر والإخبار في حديث سليم - قالا: أخبرنا عمرو بن ميمون بن مهران قال: سمعت سليمان بن يسار يقول: سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول: (إنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ثم أرى فيه بقعة أو بقعاً)]. هذا الحديث أخرجه الشيخان وأصحاب السنن، وفيه: دليل على طهارة المني، وأن عائشة كانت تغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب النظافة ثم ترى أثر البقع فيه، أي: في موضع الغسل، فلم تكن تغسل الثوب كله، بل تغسل المكان الذي فيه البقع فقط. وسبق في الحديث السابق أنها كانت تفرك اليابس، وتغسل الرطب من باب النظافة. وقوله: [والإخبار في حديث سليم] يعني: قال سليم: أخبرنا، وقال زهير: حدثنا.

بول الصبي يصيب الثوب

بول الصبي يصيب الثوب

شرح حديث أم قيس بنت محصن في بول ابنها في حجر رسول الله

شرح حديث أم قيس بنت محصن في بول ابنها في حجر رسول الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بول الصبي يصيب الثوب: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس بنت محصن -رضي الله عنها-: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)]. هذه الترجمة معقودة لحكم بول الصبي الذي لم يأكل الطعام إذا أصاب الثوب فيكفي فيه الرش والنضح، وهذا الحديث أخرجه مالك والشيخان والترمذي وابن ماجة والطحاوي. وفي هذا قصة، وهي أن أم قيس بنت محصن -وهي أخت عكاشة بن محصن - أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبال في حجره، والحجر مثلث الحاء، فيجوز فيه الفتح والضم والكسر، فيقال: حَجر وحِجر وحُجر، فلما بال على ثوبه دعا بماء فنضحه ولم يغسله، أي: رشه، فدل هذا على أن الصبي الذكر إذا لم يأكل الطعام وبال على ثوب فإنه يكفي فيه النضح والرش من غير غسل ولا قرص.

شرح حديث: (إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر)

شرح حديث: (إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد والربيع بن نافع أبو توبة قالا: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن قابوس عن لبابة بنت الحارث قالت: (كان الحسين بن علي رضي الله عنه في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه، فقلت: البس ثوباً وأعطني إزارك حتى أغسله، قال: إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر)]. هذا الحديث صحيح أخرجه ابن ماجة وأحمد وابن خزيمة والحاكم والبيهقي من وجوه كثيرة، والحديث صريح في الفرق بين بول الغلام والجارية، أي: الأنثى، ففيه أن بول الغلام إذا لم يأكل الطعام يكفي فيه الرش، وأما الجارية -وهي الأنثى- فلا يكفي في بولها النضح، بل لابد من الغسل، وهذا إذا لم يأكل الصبي الطعام، أما إذا أكل الطعام فالحكم واحد، فإذا أكل الطعام واستغنى به فإنه يغسل من بوله ولا يكفي فيه النضح. فإذا كان الصبي والصبية لا يأكلان الطعام وإنما يستغنيان بالحليب فقط، ففي هذه الحالة يفرق بين بول الغلام وبين بول الجارية، والحديث صريح في هذا، وهذا هو قول الجماهير، وهو الصواب. وقال بعض العلماء: يغسل بول الغلام والجارية، وإلى هذا ذهب الإمام أبو حنيفة والنخعي وسفيان الثوري. والصواب أنه يفرق بين بول الغلام وبول الجارية كما دل عليه الحديث. وقد اختلف العلماء في حكمة الفرق بين بول الأنثى وبول الذكر، فقال بعض العلماء؛ لأن حواء خلقت من ضلع آدم، والذكر خلق من طين، وقال بعض العلماء: الحكمة في ذلك أن بول الأنثى يجتمع في مكان واحد، وبول الذكر ينتشر، وقال آخرون: لأن الذكر يكثر حمله من أبويه وأقاربه لمحبته والأنثى يقل حملها، والله أعلم بالحكمة، والأقرب أن الحكمة قد تكون هذه الأمور كلها مجتمعة، ويحتمل أن تكون الحكمة غير ذلك، والله تعالى حكيم عليم، وقد شرع أن يفرق بين بول الغلام وبول الأنثى، فإن عرفنا الحكمة فبها ونعمت، وإن لم نعرف الحكمة فنحن عبيد لله مأمورون بالامتثال لأوامر الله وأوامر رسوله، واجتناب ما نهى الله عنه وما نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، مع قطعنا بأن الشرع حكيم، وأنه لا يجمع بين مختلفين، ولا يفرق بين متماثلين.

شرح حديث: (يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)

شرح حديث: (يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مجاهد بن موسى وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثني يحيى بن الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح -رضي الله عنه- قال: (كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك، فأوليه قفاي فأستره به، فأتي بـ حسن أو حسين رضي الله عنهما فبال على صدره، فجئت أغسله فقال: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)]. هذا الحديث أخرجه النسائي والبزار وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم، ولا بأس بسند الحديث، وقال البخاري: إنه حديث حسن. وفيه أن أبا السمح كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك، فيوليه قفاه فيستره، ولعل هذا كان في السفر، وإلا فستر النبي عليه الصلاة والسلام كان في المدينة عند أهله، والحديث صريح في الفرق بين بول الصبي والصبية، وأنه يكفي في بول الصبي الرش وأما بول الجارية فلابد من أن يغسل، وهذا محمول على أنه لم يأكل الطعام، كما سبق في حديث أم قيس بنت محصن.

بيان قول الحسن: (الأبوال كلها سواء)

بيان قول الحسن: (الأبوال كلها سواء) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال العباس: حدثنا يحيى بن الوليد -قال أبو داود: وهو أبو الزعراء - قال هارون بن تميم عن الحسن قال: الأبوال كلها سواء]. قوله: [قال عباس] هو عباس بن عبد العظيم العنبري، قال: [حدثنا يحيى بن الوليد -قال أبو داود: هو أبو الزعراء] يعني أن كنية يحيى بن الوليد هي: أبو الزعراء [عن هارون بن تميم عن الحسن البصري أنه قال: الأبوال كلها سواء]. يعني أن الأبوال كلها سواء في النجاسة، فلا فرق بين الصبي والصبية والصغير والكبير، أو أن الأبوال كلها حكمها واحد -سواء ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه- في النجاسة، وهذا ليس بصحيح، وهو قول باطل لا وجه له، وهذا من أوهامه، وإن كان الحسن البصري رحمه الله من العلماء ومن الأتقياء، لكن هذا القول ترده الآثار والأحاديث الصحيحة؛ فقد فرق الشارع بين الأبوال، وأمر صلى الله عليه وسلم العربيين لما اجتووا المدينة أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يأمرهم بالغسل، فدل على طهارتها. وإن كان المراد أنه لا فرق بين بول الصبي والصبية فقد فرق الشارع بينهما. ولعل المؤلف أورد ذلك عن الحسن ليدل على بطلانه لوضوح مخالفته للحديث.

شرح حديث: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم)

شرح حديث: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم)]. هذا الحديث موقوف على علي رضي الله عنه، وهو موافق للأحاديث السابقة، لكن هناك فرق بين بول الجارية وبول الغلام، وفيه التقييد بأنه [ما لم يطعم] يعني: ما لم يستغن بأكل الطعام، فإذا استغنى بالطعام واكتفى به عن الحليب فإنه يصدق عليه أنه يطعم.

إسناد آخر لحديث (يغسل من بول الجارية) وبيان رفعه وزيادته

إسناد آخر لحديث (يغسل من بول الجارية) وبيان رفعه وزيادته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، فذكر معناه ولم يذكر: ما لم يطعم. زاد: قال قتادة: هذا ما لم يطعما الطعام، فإذا طعما غسلا جميعاً]. هذه الرواية مرفوعة عن علي بن أبي طالب، بخلاف الرواية الأخرى فهي موقوفة عليه، ولهذا قال: [إن النبي صلى الله عليه وسلم قال، فذكر معناه] يعني معنى الحديث الموقوف السابق في التفرقة بين بول الجارية وبول الغلام، وقوله: [ولم يذكر: ما لم يطعم] يعني: لم يذكر هشام ما ذكره سعيد بن أبي عروبة من قوله: [ما لم يطعم]. وزاد هشام في روايته: [قال قتادة: هذا ما لم يطعما الطعام، فإذا طعما غسلا جميعاً]. وهذا هو الصواب، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن.

شرح حديث صب أم سلمة الماء على بول الغلام ما لم يطعم

شرح حديث صب أم سلمة الماء على بول الغلام ما لم يطعم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن عن أمه: أنها أبصرت أم سلمة رضي الله عنها تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية]. هذه الرواية موقوفة على أم سلمة، وقال الحافظ في التفسير: سنده صحيح، وأم الحسن اسمها خيرة، وهي مولاة لـ أم سلمة، فـ الحسن يروي عن أمه خيرة أنها أبصرت أم سلمة تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية، أي: تفرق بين بول الصبي والصبية، فالصبي يكتفى فيه بالرش والنضح والصبية يغسل من بولها، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة في ذلك.

الأسئلة

الأسئلة

حكم صلاة من رأى بعد صلاته نجاسة في ثوبه

حكم صلاة من رأى بعد صلاته نجاسة في ثوبه Q ما حكم من رأى بعد صلاته نجاسة في ثوبه؟ A الصواب أن الصلاة صحيحة، لكن إذا علم وهو في الصلاة فإن استطاع أن يلقي الثوب الذي فيه نجاسة، كما لو كانت النجاسة في عمامته أو في المنديل فصلاته صحيحة، وإن كانت في الثوب الذي يلي الجسد، أو في ثوب لا يستطيع نزعه فإنه يقطع الصلاة ثم ينزعه ويعيد الصلاة.

كتاب الطهارة [25]

شرح سنن أبي داود_كتاب الطهارة [25] لقد كان رسول الله أرحم بالناس من أنفسهم، فالأعرابي حين بال في المسجد وهم الصحابة بضربه نهاهم عن ذلك وعلم الأعرابي بعد أن فرغ من بوله أن هذا المكان ليس للقاذروات، وأمر أصحابه أن يصبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء.

الأرض يصيبها البول

الأرض يصيبها البول

شرح حديث الأعرابي الذي بال في المسجد

شرح حديث الأعرابي الذي بال في المسجد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأرض يصيبها البول: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وابن عبدة في آخرين -وهذا لفظ ابن عبدة - قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فصلى -قال ابن عبدة: ركعتين- ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعاً، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء. أو قال: ذنوباً من ماء)]. وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي، وأخرجه ابن ماجة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وأخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك، وهو معروف عند أهل العلم بحديث الأعرابي، والأعرابي: من الأعراب، وهم سكان البادية. وفيه أن هذا الأعرابي قال: [اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً] ثم بال، وجاء في الأحاديث الأخرى أن بوله سابق على قوله أولاً، ثم بعد ذلك لما زجره الصحابة، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ورفق به قال: [اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً]؛ لأنه لما رأى خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعاملته، ورأى شدة بعض الصحابة عليه فقال: [اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً]. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [(لقد تحجرت واسعاً)] ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، وقوله: [يلبث] هو من لبث يلبث، من باب فرح يفرح، فالأقرب أنه بال أولاً، ثم لما رأى معاملة النبي صلى الله عليه وسلم قال: [اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً]. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [(لقد تحجرت واسعاً) فرحمة الله واسعة. وفي هذا الحديث من الفوائد: رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة، وأنه ينبغي الرفق بالجاهل وتعليمه، ولهذا قال النبي: [(إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)] يعني: إنما بعث الله نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي تأتمون به وتتأسون به إنما بعث بالتيسير لا بالتعسير، وجاء في رواية أخرى أن النبي قال: (دعوه -وفي لفظ قال: لا تزرموه- حتى قضى بوله ثم أمر بسجل من ماء فصب عليه)، وهذه هي الحكمة، لأنه لما زجره الصحابة لو تركهم النبي صلى الله عليه وسلم يزجرونه لحصل مضار على المسجد وعلى البائل: أولاً: يقطع عليه بوله، وهذا يؤثر عليه صحياً. ثانياً: يقوم ثم يلطخ بوله ثيابه، وتكون بقع البول في نواح متعددة من المسجد، وكل هذه مفاسد، أما إذا ترك يبول في مكان واحد سلم من الضرر الصحي، وسلم جسمه من البول، وسلمت ثيابه من البول، وسلمت الأماكن الأخرى من البول، ثم يؤتى ويصب عليه الماء وتنتهي المسألة؛ ولهذا ينبغي للإنسان المسلم أنه إذا أراد أن ينكر منكراً أن يتأمل، وأن يحيط بالعواقب والآثام قبل أن ينهى، وينظر ما يترتب على هذا المنكر، ولهذا ما سلكه النبي صلى الله عليه وسلم هو عين الحكمة والمصلحة، قال: (دعوه لا تزرموه، حتى قضى بوله، ثم أمر بسجل من ماء وصب عليه، ثم أتى الأعرابي وقال: له يا فلان! إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول، إنما هي لذكر الله والصلاة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وفيه دليل على أنه ينبغي الرفق بالجاهل وعدم العنف، وكذا المتعمد، إذا كان يترتب على التغليظ عليه مفسدة، فلا يغلظ عليه؛ لأنه يترتب على زجره وقيامه من البول مفاسد كما سمعنا. وفيه دليل على أن البول إذا كان في الأرض، يكاثر بالماء ولا يحجر بالتراب ولا ينقل ترابه، فالبول إذا كان في الأرض يصب عليها الماء ويكاثر، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصب عليه سجل من ماء، ولم ينقل ترابه، أما ما جاء أنه نقل ترابه كما سيأتي فلا يصح، فلم يأمر بنقل ترابه ولا بتحديد التراب، فإذا كان البول في غير الأرض فإنه يغسل، وإذا كان في بسط أو فرش كبيرة فإنه يقلب أو يثقل كما قال أهل العلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير -يعني: ابن حازم - قال: سمعت عبد الملك -يعني ابن عمير - يحدث عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: (صلى أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة -قال فيه وقال يعني: النبي صلى الله عليه وسلم-: خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماءً) قال أبو داود: هو مرسل؛ ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم]. هذا الحديث كما قال أبو داود رحمه الله مرسل، ابن معقل بن مقرن لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم والمرسل ضعيف، فلا حجة فيما دل عليه من أخذ التراب وإلقائه، والصواب: ما دل عليه الحديث المرفوع من صب الماء على التراب من دون أخذ التراب وإلقائه.

ما جاء في طهور الأرض إذا يبست

ما جاء في طهور الأرض إذا يبست قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في طهور الأرض إذا يبست. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال ابن عمر رضي الله عنهما (كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت فتى شاباً عزباً، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك)]. وهذه الترجمة في حكم طهور الأرض إذا يبست، يعني: إذا أصاب الأرض بول مثلاً أو نجاسة ثم يبست بالشمس أو بالهواء، فهل تطهر أو لا تطهر؟ نقول: إذا كانت النجاسة لها جرم فلا بد أن ينقل الجرم، فإذا كانت عذرة أو قطع فنقله لا بد منه، لكن إذا كان بولاً ثم يبست الأرض بالشمس أو بالريح، فظاهر ترجمة المؤلف رحمه الله واختياره أنها إن جفت بالشمس أو بالريح فإنها تطهر، وهذا هو اختيار الأحناف، وما وروي عن أبي قلابة، واختيار شارح عون المعبود: أبي الطيب محمد شمس الدين، يقول: إذا أصابت الأرض نجاسة فلها وجهان في التطهير: الوجه الأول: صب الماء عليها، والثاني: جفافها ويبسها بالشمس أو بالهواء، وكأن ظاهر اختيار أبي داود في الترجمة هو هذا، وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا بد من الماء وأنها لا تطهر، وأجابوا عن هذا الحديث أولاً: بأن النجاسة محتملة وليست ظاهرة، والأصل الطهارة، وكون الكلاب تقبل وتدبر في المسجد فهذا محتمل أن يكون فيه نجاسة وليست ظاهرة، ولو رأوها لما تركوها هذا محتمل، وفي رواية أبي داود هنا: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أبواب، لكن حديثاً رواه البخاري لفظة: كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في رواية البخاري: لفطة: تبول، فلم يكونوا يرشون شيئاً، إذ أن الأصل الطهارة، وهم لم يروا شيئاً، ولو رأوا شيئاً لغسلوه، وكونها تمر لا يدل على أنها تنجس المسجد ولا سيما إذا كانت يابسة، وهذا لا يوجب غسله والأصل الطهارة، ولم يكونوا يروا شيئاً، ولو رأوا شيئاً لغسلوه، فليس فيه حجة في أن النجاسة إذا يبست بالشمس أو بالهواء يكفي بدون الماء، وليس في رواية البخاري: تبول، إنما في روايته تقبل وتدبر؛ لأن المساجد ليس فيها أبواب، والصواب: ما علمته من العلماء أن النجاسة لا يكفي في تطهيرها الجفاف بالشمس أو بالهواء، بل لا بد من غسلها بالماء، والغسل لا يحتاج إلى نية، فلو جاء المطر وصب عليها لكفى وطهرت؛ لأنها ليست كالعبادة التي تحتاج إلى نية. إذا اندثر على النجاسة التي في الأرض من الثرى طبقة كبيرة فهي طاهرة، لكن إذا علم النجاسة فلا بد من صب الماء علهيا كما في حديث الأعرابي، وهذا هو الأصل، فلو كانت الشمس والريح تكفي لقالوا: اتركوه حتى تيبس الأرض وتجف، فلما لم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم للجفاف، وأمر بأن يصب سجل من ماء على بول الأعرابي، فدل على أنه لا بد من الماء، ولو كان يكفي لقال: اتركوه يجف وييبس ويطهر. والنجاسة إذا مسستها بيدك وهي يابسة لا يضر، لكن إذا كانت يدك رطبة أو النجاسة رطبة فلا بد حينئذ من الغسل. وما ورد في رواية أبي داود لم يرد في لفظ البخاري يعني قوله تبول، وقوله: (تقبل وتدبر): هذا يحتمل أنها قد تبول، لكن هذا شيء غير محقق، والصحابة لم يروا شيئاً، ولو رأوا النجاسة لغسلوها كما في حديث الأعرابي.

ذكر ما جاء في الأذى يصيب الذيل

ذكر ما جاء في الأذى يصيب الذيل [باب في الأذى يصيب الذيل. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لـ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت أم سلمة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده)]. وهذه الترجمة معقودة لبيان حكم النجاسة تصيب الذيل، والذيل: طرف الثوب الذي إلى الأرض، فقد كانت المرأة سابقاً تطيل الثوب حتى يغطي ظهور قدميها؛ ولهذا لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إرخاء الثوب، قيل: ما تفعل النساء، تنكشف أقدامهن، قال: (يرخينه شبراً فقالت أم سلمة: إذاً تنكشف أقدامهن قال: فيرخينه ذراعاً) فكان النساء يطلن الثياب، والآن انعكست القضية، فقد صار النساء الآن يرفعن الثياب، وصار الرجل هو الذي يرخي الثياب، فيتجاوز القدمين، وهذا من الانتكاسة، حيث أن الرجل يتستر والمرأة تتكشف، وفي هذا الحديث: أن أم ولد لإبراهيم سألت أم سلمة رضي الله عنها قالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، يعني: النجس، فقالت أم سلمة: (يطهره ما بعده) وهذا الحديث أخرجه مالك والترمذي وابن ماجة والدارمي لكن الحديث في سنده أم ولد إبراهيم وهي مقبولة، لكن الذي بعده أصح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وأحمد بن يونس قالا: حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت (قلت: يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى، قال: فهذه بهذ)]. يعني: هذه تطهر هذه، فهذان الحديثان في طهارة ذيل المرأة، ولا بأس بسند الحديثين، فالحديث الأول مقبول، ويسانده الحديث الثاني، والثاني أصح من الأول؛ لأن الأول فيه أم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهي مقبولة كما في التقريب، وفي هذا يكون درجة الحديث في القوة والصحة أقل من الثاني، وهما يدلان على طهارة ذيل المرأة إذا مرت بطريق فيها نجاسة، ثم مرت بأخرى طيبة، وزالت عين النجاسة عند اختلاطها بالطين والتراب ويبست وتناثرت أو كانت يابسة فلا يضر، أما إذا بقيت فلا بد من تطهير النجاسة في الثوب بغسله، ويكون الحكم السابق من باب التخفيف، دفعاً للمشقة، كالنعلان كما سيأتي فإنهما يطهران بالدلك والحك.

ما جاء في الأذى يصيب النعل

ما جاء في الأذى يصيب النعل [باب في الأذى يصيب النعل. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة ح وحدثنا عباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي، ح وحدثنا محمود بن خالد، حدثنا عمر -يعني ابن عبد الواحد -عن الأوزاعي: قال أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدث عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا وطىء أحدكم بنعله الأذى، فإن التراب له طهور)]. وهذا الحديث فيه حكم الأذى والنجاسة تصيب النعل، وفيه أن التراب له طهور ويكفي، لكن الحديث هذا ضعيف؛ لأن فيه مجهول وهو من أخبر الأوزاعي بهذا الحديث، لكن الحديث الذي بعده يشهد له. قال: [حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني محمد بن كثير -يعني الصنعاني - عن الأوزاعي، عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: (إذا وطىء الأذى بخفيه فطهورهما التراب)]. وهذا الحديث رواه ابن حبان والحاكم، قال النووي: رواه أبو داود بسند صحيح، والحديث وإن كان في سنده محمد بن كثير وهو ضعيف، لكن تابعه أبو المغيرة والوليد بن مزيد وعمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي فيكون الحديث دليلاً على طهارة النعل بالدلك والتراب، دفعاً للمشقة ويؤيد هذا الحديث، ما أخرجه المؤلف أبو داود في باب الصلاة في النعال من حديث أبي سعيد مرفوعاً: (وفيه إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهم)، وهذا إسناد صحيح ويكون هذا من باب دفع المشقة، فالنعل والخف إذا دلكهما كفى، كما أن ذيل المرأة إذا مر في أرض نجسة ثم مر بأرض أخرى طيبة، ودُلك عند المشي بالتراب وأزيلت عين النجاسة صار طاهراً دفعاً للمشقة. قال: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا محمد -يعني ابن عائذ - حدثني يحيى -يعني ابن حمزة - عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد أخبرني أيضاً سعيد بن أبي سعيد، عن القعقاع بن حكيم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه]. بمعناه يعني: إذا وطئ الأذى بخفيه يدلكهما بالتراب ويطهرهما به.

ما جاء في الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

ما جاء في الإعادة من النجاسة تكون في الثوب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثتنا أم يونس بنت شداد قالت: حدثتني حماتي أم جحدر العامرية: (أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن دم الحيض يصيب الثوب فقالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا، وقد ألقينا فوقه كساء، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة، ثم جلس فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليها، فبعث بها إلي مصرورة في يد الغلام، فقال: اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي، فدعوت بقصعتي فغسلتُها، ثم أجففتها، فأحرتها إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه)]. وهذه الترجمة يقول المؤلف رحمه الله: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب. فإذا قيل: هل تعاد الصلاة؟ ف A إذا كانت النجاسة في الثوب، فظاهر ترجمة المؤلف أنه إذا صلى في ثوب فيه نجاسة فإنه يعيد الصلاة، لكن الحديث الذي ذكره هنا ضعيف، أولاً: فيه مجهولان: أم يونس بنت شداد مجهولة، وأم جحدر العامرية مجهولة. ثم أيضاً ليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة من النجاسة، فيه أن أم جحدر العامرية سألت عائشة عن دم الحيض يصيب الثوب، فقالت: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا) الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد (وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة -أي: الصبح- ثم جلس فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله على ما يليها -ما يلي اللمعة يعني: البقعة- فبعث بها إلي مصرورة -تقول عائشة - في يد الغلام فقال: اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي، فدعوت بقصعتي فغسلتها ثم أجففتها- يعني: أيبستها- فأحرتها إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه) فهل في هذا الحديث أنه أعاد الصلاة؟ لا ليس فيه أنه أعاد الصلاة، فترجمة أبي داود قال: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب، فيه أن النبي صلى الغداة ووجد بقعة من دم على كسائه وغسلها، وليس فيه أنه أعادها؛ ولهذا قال المنذري: والحديث ليس فيه أن النبي أعاد الصلاة التي صلى في ذلك الثوب، فكيف يكون استدلال المؤلف من الحديث؟ وإذا صلى الإنسان في ثوب فيه نجاسة أو في بدنه أو البقعة التي يصلي فيها ثم لم يعلم إلا بعد الصلاة، فالصواب: أنه لا يعيد، وصلاته صحيحة، ومن الأدلة على هذا: حديث أبي سعيد في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بنعاله وخلعها في أثناء الصلاة لما أخبره جبريل أن بها أذى ولم يعد ما مضى من الصلاة، فدل على أنه لا يعيد الصلاة إذا لم يعلم إلا بعد فراغه. وقال بعض أهل العلم: يعيد الصلاة، كما قال أبو داود هنا، والصواب: أنه لا يعيد، أما إذا علم في أثناء الصلاة، فإن كان يستطيع أن يلقي ما فيه نجاسة فعل واستمر في صلاته، كأن تكون النجاسة في منديل أو عمامة أو كوفية فإنه يلقيها ويستمر في صلاته، وإن لم يستطع فإنه يقطع صلاته، ويزيل النجاسة ثم يستأنف الصلاة، كما لو كانت في ثوبه فتنكشف عورته، أو كانت على بدنه وهذا بخلاف الحدث، فإن النجاسة في الثوب تختلف عن الحدث، فإنه إذا صلى وهو محدث ثم علم بعد الصلاة فإنه يعيد الصلاة مطلقاً؛ لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة وهو من باب الإيجاد فلا بد من إيجاده، بخلاف النجاسة فإنها من باب الترك أما الوضوء فلا بد منه، لكن إن كان إماماً، فإنه يعيد وحده، وقد حصل لـ عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس، ثم رأى أثر الاحتلام في الضحى فأعاد وحده الصلاة أما إذا كان الحدث في أثناء الصلاة فإنه يستأنف الصلاة مطلقاً، لكن إن كان إماماً فإنه يستنيب من يتم بهم الصلاة وقيل: إن نائبه يستأنف بهم الصلاة ويبتدئ الصلاة من جديد، والأول أصح، وقول من فرق بين سبق الحدث في الإمام وعدم سبقه، فيستأنف بهم الصلاة إذا سبقه ويتم بهم إذا لم يسبقه كما هو مذهب الحنابلة فهو قول ضعيف، وقد سبق لنا في أبي داود أن الصواب أنه يستنيب من يتم بهم الصلاة ولو سبقه الحدث، أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين ما إذا سبقه الحدث فإن النائب يستأنف بهم الصلاة، أما إذا لم يسبقه الحدث فإنه يتم بهم الصلاة، ولهذا يقول الحنابلة: وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا استخلاف، يعني: فلا يستخلف، وعن الإمام أحمد لا تبطل وهو الصواب والأئمة الثلاثة على أنها لا تبطل، فإن عمر استخلف بعد أن سبقه الحدث، وأما هذا الحديث فهو ضعيف، كذلك ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة، وقد يقال: إن أبا داود لم يجزم بالحكم، وإنما قال: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب، يعني: هل تعاد أو لا تعاد؟ لكن ظاهره: أنه يعيد، والصواب: أنه لا يعيد كما سبق، وإن قال به بعض العلماء.

البصاق يصيب الثوب

البصاق يصيب الثوب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثتنا أم يونس بنت شداد قالت: حدثتني حماتي أم جحدر العامرية: (أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن دم الحيض يصيب الثوب فقالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا، وقد ألقينا فوقه كساء، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة، ثم جلس فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليها، فبعث بها إلي مصرورة في يد الغلام، فقال: اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي، فدعوت بقصعتي فغسلتُها، ثم أجففتها، فأحرتها إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه)]. وهذه الترجمة يقول المؤلف رحمه الله: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب. فإذا قيل: هل تعاد الصلاة؟ ف A إذا كانت النجاسة في الثوب، فظاهر ترجمة المؤلف أنه إذا صلى في ثوب فيه نجاسة فإنه يعيد الصلاة، لكن الحديث الذي ذكره هنا ضعيف، أولاً: فيه مجهولان: أم يونس بنت شداد مجهولة، وأم جحدر العامرية مجهولة. ثم أيضاً ليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة من النجاسة، فيه أن أم جحدر العامرية سألت عائشة عن دم الحيض يصيب الثوب، فقالت: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا) الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد (وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة -أي: الصبح- ثم جلس فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله على ما يليها -ما يلي اللمعة يعني: البقعة- فبعث بها إلي مصرورة -تقول عائشة - في يد الغلام فقال: اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي، فدعوت بقصعتي فغسلتها ثم أجففتها- يعني: أيبستها- فأحرتها إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه) فهل في هذا الحديث أنه أعاد الصلاة؟ لا ليس فيه أنه أعاد الصلاة، فترجمة أبي داود قال: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب، فيه أن النبي صلى الغداة ووجد بقعة من دم على كسائه وغسلها، وليس فيه أنه أعادها؛ ولهذا قال المنذري: والحديث ليس فيه أن النبي أعاد الصلاة التي صلى في ذلك الثوب، فكيف يكون استدلال المؤلف من الحديث؟ وإذا صلى الإنسان في ثوب فيه نجاسة أو في بدنه أو البقعة التي يصلي فيها ثم لم يعلم إلا بعد الصلاة، فالصواب: أنه لا يعيد، وصلاته صحيحة، ومن الأدلة على هذا: حديث أبي سعيد في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بنعاله وخلعها في أثناء الصلاة لما أخبره جبريل أن بها أذى ولم يعد ما مضى من الصلاة، فدل على أنه لا يعيد الصلاة إذا لم يعلم إلا بعد فراغه. وقال بعض أهل العلم: يعيد الصلاة، كما قال أبو داود هنا، والصواب: أنه لا يعيد، أما إذا علم في أثناء الصلاة، فإن كان يستطيع أن يلقي ما فيه نجاسة فعل واستمر في صلاته، كأن تكون النجاسة في منديل أو عمامة أو كوفية فإنه يلقيها ويستمر في صلاته، وإن لم يستطع فإنه يقطع صلاته، ويزيل النجاسة ثم يستأنف الصلاة، كما لو كانت في ثوبه فتنكشف عورته، أو كانت على بدنه وهذا بخلاف الحدث، فإن النجاسة في الثوب تختلف عن الحدث، فإنه إذا صلى وهو محدث ثم علم بعد الصلاة فإنه يعيد الصلاة مطلقاً؛ لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة وهو من باب الإيجاد فلا بد من إيجاده، بخلاف النجاسة فإنها من باب الترك أما الوضوء فلا بد منه، لكن إن كان إماماً، فإنه يعيد وحده، وقد حصل لـ عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس، ثم رأى أثر الاحتلام في الضحى فأعاد وحده الصلاة أما إذا كان الحدث في أثناء الصلاة فإنه يستأنف الصلاة مطلقاً، لكن إن كان إماماً فإنه يستنيب من يتم بهم الصلاة وقيل: إن نائبه يستأنف بهم الصلاة ويبتدئ الصلاة من جديد، والأول أصح، وقول من فرق بين سبق الحدث في الإمام وعدم سبقه، فيستأنف بهم الصلاة إذا سبقه ويتم بهم إذا لم يسبقه كما هو مذهب الحنابلة فهو قول ضعيف، وقد سبق لنا في أبي داود أن الصواب أنه يستنيب من يتم بهم الصلاة ولو سبقه الحدث، أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين ما إذا سبقه الحدث فإن النائب يستأنف بهم الصلاة، أما إذا لم يسبقه الحدث فإنه يتم بهم الصلاة، ولهذا يقول الحنابلة: وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا استخلاف، يعني: فلا يستخلف، وعن الإمام أحمد لا تبطل وهو الصواب والأئمة الثلاثة على أنها لا تبطل، فإن عمر استخلف بعد أن سبقه الحدث، وأما هذا الحديث فهو ضعيف، كذلك ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة، وقد يقال: إن أبا داود لم يجزم بالحكم، وإنما قال: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب، يعني: هل تعاد أو لا تعاد؟ لكن ظاهره: أنه يعيد، والصواب: أنه لا يعيد كما سبق، وإن قال به بعض العلماء.

شرح حديث: (بزق رسول الله في ثوبه وحك بعضه ببعض)

شرح حديث: (بزق رسول الله في ثوبه وحك بعضه ببعض) [باب البصاق يصيب الثوب. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت البناني عن أبي نضرة قال (بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه وحك بعضه ببعض). حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد عن حميد عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله]. الحديث الأول مرسل عن أبي نضرة وهو ضعيف، لكن الحديث الثاني الذي بعده مسند وهو دليل على طهارة البزاق، وكذا النخامة والمخاط، وإذا بصق في الصلاة فلا تفسد صلاته، كذلك إذا بصق في منديل أو في ثوبه، ويرد بعضه على بعض، وإذا كان في الصحراء خارج المسجد فلا بأس أن يبصق عن يساره في الأرض، أما إذا كان في الصلاة فإنه يبصق في ثوبه أو في منديل، وفي الصحراء يبصق عن يساره أو تحت قدمه، وإذا أصاب البصاق الثوب فإنه طاهر والبزاق هو البصاق، بضم الباء، أما البزاق ففيه ثلاث لغات: بُزاق، بَزاق، بِزاق، أو بصاق وبساق بالصاد وبالسين، وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بزق في ثوبه وحك بعضه على بعض، فدل على أن البزاق طاهر، والحديث الأول وإن كان مرسلاً إلا أن الحديث الثاني يسانده.

§1/1