شرح زروق على متن الرسالة

زروق

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد الذي ابتدأ الوجود بإحسانه، وشمله بفضله وامتنانه، فخلق وصور وحكم ودبر، وقضى وقدر، وأرشد ويسر، ثم هدى وأضل، ووفق وخذل، وتفضل في ذلك وعدل، لا يسأل عما يفعل، أحمده وأشهده، وأستعينه وأستغفره، وأسأله العافية والتيسير، والفتح فيما أؤمله من كتب وتقرير، وأصلي على سيدنا محمد المختار، وعلى آله وأصحابه الأبرار، وأسلم عليه وعليهم كذلك، والحمد لله على ذلك. أما بعد: فإن العلم أفضل الأعمال، والتفقه في الدين أساس كل كمال، وإن رسالة ابن أبي زيد شهيرة المناقب والفضائل، غزيرة النفع في الفقه والمسائل، من حيث أنها مدخل جامع للأبواب، قريبة المرام في الكتاب والحفظ والاكتساب، وقد اعتنى بها الأوائل والأواخر، وانتفع بها أهل الباطن والظاهر، حتى صارت بحيث يهتدي بها الطالب المتبدئ ولا يستغني عنها الراغب المقتدي، ولم تزل الناس يشرحونها على مر السنين والدهور، والعلماء يتداولونها ويتأولون ما فيها من مشكل الأمور، نحواً من خمسمائة سنة، ولم تنقض لها حرمة، ولا طعن فيها عالم معتبر في الأمة، مع ما فيها من عظيم الإشكال، ودواعي الإنكار من الحساد والإشكال، وهذه كرامة من الله لا تنال بالأسباب. ومثله ما يذكر من أن من التزمها علماً وعملاً فتحت له أبواب، فكان ذا أربعة أو أحدها أو اثنين أو ثلاثة: أحدها: علم حاصل؛ أو مال واصل، أو صلاح كامل، أو جاه فاضل حسبما استقرئ ذلك في الغالب، وأخذ من كلامه بعض المطالب، وسنذكره في محله إن شاء الله تعالى وما ذاك إلا لإرادة وجه الله، ودوام اللجأ إلى الله، فقد حكي أنه كان يجعلها في محرابه الذي يصلي فيه ليلاً ويدعو الله أن يجعلها مكان عقبه؛ لأنه لم يكن له عقب، فلم تزل تتلى حتى لقد ذكر أنها منذ وجدت إلى الآن تخرج لها في كل مكان سنة شرح وتبيان. إما من عالم كبير أو من نحرير، أو ممن هو مثلي فقير حقير، فوضعت هذه العجالة بحسب الوسع والتيسير، وقدر ما انتهى إليه فهمي القاصر وعلمي القصير، معتمداً على رب السموات والأرض أن يجعله رحمة لعباده، وبركة شاملة في أرضه

وبلاده، وأن ينفع به الخاص والعام، بجاه محمد عليه الصلاة والسلام، وقد اجتنبت فيه الإطناب الممل، وفارقت الاختصار العنيف المخل، واعتمدت النقل دون التعليل، وأخذت عيون المسائل إلا في القليل، وآثرت النقل من كتب المتأخرين لما لهم من الجمع والتحرير، واخترت جماعة مشهورة لها بحث وتحقيق، ليرجع إليها فيما فيه من معقول ومنقول، ويحقق في كل مفهوم ومقول، غير إني قصدت لتصحيح المتن وبيان المشكل وتتميم الناقص فلم يتيسر لما علي من كلفة السفر، وعدم العدة في فرعه وأصله مع ما اعتراني من الأعراض والأمراض، فلذوي الفضل قبوله بإنصاف من غير تعنت ولا اعتراض. فإن من صنف استهدف، ومن أبرز للوجود عمله، فقد ولي الناس حكمه، وعلى الله المعتمد في بلوغ التكميل وهو حسبنا ونعم الوكيل، وقد وضعت رموز المشايخ منهم الشيخ الفقيه الصالح العلامة الشهير شرقاً وغرباً سيدي أبي عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي بفتح الواو المعجمة وتشديد الميم ثم التونسي المتوفى سنة ثلاث وثمانمائة في سن نيف وثمانين سنة وصورة الرمز له (ع)، ومنهم الشيخ الفقيه العالم القاضي العدل وإمام أهل عصره في الإنصاف والاعتبار أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الهوري قاضي الجماعة بتونس وبه تخرج ابن عرفة وغيره من الكبار ثم توفى رحمه الله في سنة ست وأربعين وسبعمائة وصورة رمزه (س) في كتابه على ابن الحاجب المشهور كمختصر ابن عرفة فمنهما النقل وعليهما الاعتماد ثم الشيخ الصالح العلامة فريد وقته علماً وديانة أبو المودة غرس الدين خليل بن إسحاق بن الجندي المصري القاهري المتوفى سنة تسع وستين سبعمائة وهو من الديانة والعلم بالمكان العظيم. وقد شرح ابن الحاجب بالتوضيح قتبع ابن عبد السلام وأتى بمختصره في الفتاوى حجة في الإسلام وقد رمزنا له على الكتابين بما صورته (خ) وهو رمزه لنفسه في توضيحه والشيخ تاج الدين بهرام بن عبد الله الدميري قاضي المالكية في وقته وقد شرح المختصر بكبير وصغير وشرح الإرشاد في ستة مجلدات وجمع كل ما حصله في شامله باختصار فأنا أنقل منه لا من غيره لكونه جامعاً مغتنياً بالمشهور وإن كان في اختصاره للخلافيات قصر في بعض أبواب والمشهور ومحفوظ عنده وجعلت رمزه (م)

لعدم خفائها به؛ لأن رمز بعض شيوخنا له (ب) فإنها قد تندرج في الخط فلا تعرف وتوفي رحمه الله سنة خمس وثمانمائة بالقاهرة والله تعالى أعلم. وقد أخذت ذلك في أول الكتاب من شرح شيخنا الفقيه الصالح أبي زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي ثم الجزائري وكانت الديانة أغلب عليه من العلم فكان يتحرى في النقل أتم التحري وإن كان لا يستوفيه في بعض المواضع توفي رحمه الله سنة خمس وسبعين وثمانمائة عن ست وتسعين سنة وكتابه على ابن الحاجب وله تآليف غيره واعتمدت فيها بعد الثلث الأول إلى آخر الكتاب شرح الفقيه الفاضل أبي العباس القلشاني لأنه صحيح النقل، وربما ذكرت طريقات من اختصار الشيخ الصالح أبي محمد الشبيبي لشرح الشيخ تاج الدين بن الفاكهاني، وذلك في الأوائل. فأما العقيدة فاعتمدت فيها على شرح الشيخ ناصر الدين المشذالي تلميذ الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي وعمدة الشراح في ذلك ثم شرح شيخنا أبي العباس أحمد بن البزليني المعروف بحلو لو أحد الأئمة بتونس وقد شرح جمع الجوامع ومختصر الشيخ خليل ونفع الله بكتبه في حياته وهو الآن حي كان الله له في الدارين، وما سوى ذلك فهو معزو لأهله وبالله سبحانه التوفيق. فأما الجزولي وابن عمر ومن في معناهما فليس ما ينسب إليهم بتأليف وإنما هو تقييد قيده الطلبة زمن إقرائهم فهو يهدي ولا يعتمد وقد سمعت أن بعض الشيوخ في بأن من أفتى من التقاييد يؤدب والله أعلم وقد توفي الجزولي الشيخ عبد الرحمن بن عفان رحمه الله في حدود الأربعين وسبعمائة عن مائة وعشرين سنة وسيدي يوسف بن عمر الفاسي رحمه الله تعالى بعده بنحو عشرين سنة بل زائداً عليها بمدينة فاس وكانت شهرتهما بالصلاح كشهرتهما بالعلم أكثر. وقد افتتحا الكتاب بالكلام على البسملة فلنقتد بهما على وجه الاختصار: فقوله: (بسم الله) خبر مبتدأ محذوف تقديره ابتدائي أو افتتاحي بذكر اسم الله تبركاً به، وقال الترمذي الحكيم هي في أول كل سورة من القرآن قسم على أن ما في هذه السورة حق وفي ذكرها إناس من هيبة الكلام بذكر الرحمة والله اسم لذات المعبود الحق الغني عن العلة والفاعل الموصوف بصفات الألوهية وإن شئت قلت الموصوف

بصفات الكمال المنزه عن النقص والمثال وإن شئت قلت وهو الظاهر الربوبية بالدلائل المتحجب عن الكيفية والأوهام، وإن شئت قلت الذي تقدست عن سمة الحوادث ذاته وشهدت بوجوده مبدعاته ودلت على وحدانيته آياته. و (الرحمن الرحيم): اسمان مشتقان من الرحمن جاريان على صيغ المبالغة والثاني أبلغ من الأول بل والأول مقتض للإيجاد والثاني للإمداد ولذلك اختص بالمؤمنين في قوله: {وكان بالمؤمنين رحيماً} [الأحزاب: 43] فانظر ذلك وبالله التوفيق. قوله: (صلى الله على سيدنا محمد) من الناس من يعطفه بالواو على أن الجملة خبرية والمراد قد صلى الله على محمد فما عسى أن تبلغ صلاتنا عليه ومنه من يراها طلبية لفظها لفظ الخبر ومعناها الدعاء والتقدير يا ألله صل، والصلاة من الله على نبيه الإقبال عليه بزيادة التشريف والتعظيم. ومن الملائكة الدعاء والاستغفار ومن سائر العباد الدعاء بزيادة التشريف والتعظيم والسيد من له السؤود أي الشرف الكامل ثم هل هو سيد منا أو سيد تملكنا كلا المعنيين صحيح لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وقد بعث فيهم من أنفسهم بضم الفاء وأنفسهم ومحمد مفعل من الحمد منقول من الصفة سمي بذلك ليكون محمود في السماء والأرض فكان أحمد من حمد بضم الحاء وأحمد من حمد بفتحها لأنه الحامد بجميع المحامد داعي الجميع من الكثرة إلى الواحد له مقام المحمود وبيده لواء الحمد يوم القيامة وأمته الحمادون صلى الله عليه وسلم. قوله: (وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً) وآله كل من رجع إليه بنسب خاص مع نسب صحيح: أي أهل بيته كبني هاشم وبني المطلب الذين تحرم عليهم الصدقة وقيل كل من آل إليه: أي رجع بنسب أو سبب وهم أمته واختاره الأزهري وغيره وصحبة أصحابه جمع صاحب وصحابي وهو كل من اجتمع به مؤمناً عند جمهور المحدثين وقيل غير ذلك. فائدة: قال أبو زرعة: مات عليه الصلاة والسلام عن مائة وألف وأربعة عشر ألف كلهم رآه أو روى عنه ذكره غير واحد منهم ابن القطفان في مراتب الصحابة وابن الأثير في

جامع الأصول فانظره وقوله وسلم تسليماً هو بحسب ما قدر في صلى فإن قلنا خبرية فالمراد الإخبار عن ذلك وهو موافق التعظيم، وإن قلنا طلبية فالتقدير وسلم يا رب تسليماً. تنبيه: الترجمة ثانية في آخر الكتاب باتفاق رواته وشراحه وغيرهم واختلف فيها ههنا والمقبول عدم ثبوتها وعلى ثبوتها. فقوله: (قال) بمعنى يقول أوقع الماضي موقع المستقبل. وقوله (أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني) ذكر كنيته إذ كان يعرف بها لا تعظيماً لنفسه ثم ذكر اسمه الذي وقع التكني عليه ثم ذكر والده بكنيته ولم يذكرا اسمه وهو عبد الرحمن اكتفاء بها ثم ذكر داره التي يعرف بها وهي دار العلم والدين قديماً وحديثاً وأصل نسبته الأصلية وهو النفرزي بل النفزاوي لأنه من نفزى من بلاد الجريد مولده 316 وتوفي سنة 386 ودفن بداره بدار القيروان. فأما فضله ودينه وزهده فأشهر من أن يذكر قالوا وكان ينكر الكرامات ثم اختلفوا هل حقيقة أو حماية للذريعة وهل رجع أم لا والله أعلم. (الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته) الألف واللام في الحمد تحتمل الاستغراق أي: كل المحامد لله والعهد أي الحمد لله الذي حمد نفسه به في أزلة إذ علم عجز خلقه عن حمده فحمد نفسه بنفسه والإنشاء أي أنشئ الحمد لله. وحقيقة الحمد: الثناء الجميل بالقول سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل أي بالأفعال أو بالصفات وإضافته إلى الله تعالى إضافة استحقاق وملك فلا يستحق الحمد إلا الله ولا يثنى عليه حق الثناء سواه لأن الثناء تابع للمعرفة ولا يعرف الله إلا الله وقوله: ابتدأ: أي بدأ وبرأ وخلق وأوجد أو بادئ أي فاتح وأوجد الإنسان أو الجنس الآدمي الذي سمى إنساناً لكونه يؤنس أي يرى عكس الجن لأنه يجتن أي يستتر أو لأنه يؤنس بعضه ببعض أو لأنه عهد إليه فنسى بنعمته أي بسبب نعمته التي واجهه بها حتى أوجده ولولا إنعامه عليه بإيجاده ما وجد إذ لا حاجة له فيه وهو مفتقر إلى موجد وقيل مصحوباً بنعمته إذ لولاها ما تم له وجود فالباء على هذا لمصاحبة وعلى الأول للسببية

وكل صحيح. قال ابن عطاء الله في الحكم نعمتان ما خرج موجود عنهما ولا بد لكل مكون منهما نعمة إيجاد ونعمة إمداد أنعم عليك أو لا بالإيجاد وثانياً بتوالي الإمداد انتهى. (وصوره في الأرحام بحكمته) التصوير: التخطيط والتشكيل والأرحام جمع رحم وهي المشيمة التي يكون فيها الولد إلى خروجه سميت بها الارتحام المولود بها قبل خروجه للدنيا وقيل: جمعها هنا باعتبار أفراد الخلق وقيل باعتبار الظلمات الثلاث والله أعلم. والحكمة الصفة المقتضية للإتقان فهي أخص من العلم. (وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه): أبرزه أظهره وأخرجه من العدم إلى الوجود ثم من الوجود الغيبي إلى الوجود العيني وما أظهره فيهما إلا لظهور رفقه وجريان رزقه إذ رفق به في بطن أمه فحفظ وجوده حتى جعل وجهه لظهر أمه لئلا يتأذى بحر غذائها ورفق به بعد خروجه بأن جعل حجرها مهاداً وثديها سقاء إلى غير ذلك ورزقه في بطنها ما يتغذى به من دم الحيض وغيره وبعد خروجه ما يجري له من لبن فما في قوله وما يسر موصول بمعنى الذي أي والذي يسر وهيأ وأعد بمعنى وفيه أن الرزق معد قبل بروز الوجود وهو صريح في الحديث إذ قال: فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد وهو في بطن أمه والرزق كل منتفع به حلالاً كان أو حراماً لقوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 16]. وقد علم أن ثم من لم يأكل قط حلالاً، ولا يأكل أحد رزق أحد وقد قالت المعتزلة الحرام ليس برزق وهو مردود بما يطول ذكره فانظره وضمير رزقه يحتمل عوده للميسر وللميسر له والثاني أظهر والله أعلم. (وعلمه ما لم يكن يعلم) أي وعلم الله الإنسان ما لم يكن عالماً به قبل لأنه ولد جاهلاً لقوله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} [النحل: 78] وذكر في هذه الآية أن أصل وجودنا الجهل وأنه تعالى الذي خلق لنا ما يتوصل به إلى العلم وهو السمع والبصر والفؤاد وذكر حكمة ذلك بقوله تعالى {لعلكم تشكرون} [البقرة: 52] فتضمن أن ذلك كله نعمة يجب الشكر عليه والله أعلم.

(وكان فضل الله عليه عظيماً): أي لم يزل فضل الله الذي هو إحسانه وإكرامه، ولا يزال عليه أي على الإنسان عظيماً في الماضي والمستقبل والحال إذا مده بالنعم وأوجده من العدم وخصصه بالكرم وذكره في القدم والفصل إعطاء الشيء من غير علة ولا سبب ولا استحقاق قال ابن عطاء الله في الحكم عنايته فيك لا لشيء منك وأين كنت حتى واجهتك عنايته وقابلتك رعايته لم يكن في أزله إخلاص أعمال ولا وجود أحوال بل لم يكن هناك إلا محض الأفعال وعظيم النوال انتهى. وهو عجيب في شأنه (ونبهه بآثار صنعته) أي نبه الله الإنسان لما يريده منه من معرفته بآثار صنعته فيه الدالة على قدرته بإبرازها على إرادته بتخصيصها وعلى علمه بإتقانها وعلى حياته بوجودها كذلك وعلى كماله بنقصها وإن تنبه كان ذلك محجة وسبيلاً إليه وإن لم ينتبه كان حجة ووبالاً عليه ولا يلزم من هذا كون النظر والاستدلال أول الواجبات ولا المعرفة بل كونها مطلوبة فقط والتحقيق أنها واجبة بالدليل الإجمالي مندوبة بالدليل التفصيلي وقد حكى ذلك (ع). عن ابن رشد في نوازله ولا خلاف في أن الخروج من التقليد مطلوب وإن لم يكن واجباً. قال ابن رشد: ولا يلزم فيه اصطلاح معين والقول بذلك بدعة بل بأي وجه أمكن فإذا استدل على وجود البارئ وكماله بوجود المخلوقات وعلى صدق الرسل بالمعجزات خرج عن التقليد هذا معنى كلامه وقال بعضهم: مجموع ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} إلى قوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا} [البقرة: 21 - 24] فتأمل ذلك وفي كلام الشيخ أربعة منبه وهو الله ومنبه هو إلإنسان ومنبه به وهو آثار الصنعة ومنبه عليه وهو ما تضمنته الآثار من التعريف والله أعلم. (وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه) أي وأعذر الله للإنسان أي بالغ له في العذر بعد التنبيه لتنقطع حجته ببعث الرسل مبشرين بالفلاح لأهل الصلاح ومنذرين بالنار لأهل العار كما قال تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] الآية. فجاءت الرسل عليهم السلام بثلاث التنبيه على مدركات العقول كالعلم بوجود

البارئ واتصافه بالكمالات وانتفاء النقائص عنه وتخصيص أحد الجائزين بالإثبات كالبعث وتوابعه أو بالنفي كفناء الدنيا وأهلها أو بعض ذلك وتقرير أوامر الله ونواهيه ترغيباً وترهيباً وتصويراً وغير ذلك والمرسلين جمع مرسل وهو لغة: السفير المصلح قاله الجوهري، وشرعاً: نبي أمر بتبليغ ما أوحي إليه، وقيل: إن جاء بشرع جديد أو كتاب جديد فرسول وإلا فنبي فقط فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، والنبي: إنسان أوحى إليه بشرع فإن أمر بتبليغه فرسول وإلا فلا وقيل غير ذلك أي ما تقدم فوقه والخيرة بالكسر وبالفتح المختارين من خلقه ظاهره حتى الملائكة وبه جزم عز الدين بن عبد السلام. وإن أرسل بني آدم أفضل من رسل الملائكة ورسل الملائكة أفضل من عامة بني آدم وعامة الملائكة أفضل من عامة آدم وقال وربما فضل مؤمن بزيادة مجاهد ونحوها، وقال غيره من غلب عقله على شهوته فكالملائكة أو أفضل ومن غلبت شهوته على عقله فكالبهيمة أو أضل قال بعض شيوخنا ولم نقف لهم في الأنبياء على كلام قال وقد منع بعضهم الكلام في هذه المسألة رأساً ورآه من الفضول. (فهدى من وفقه بفضله وأضل من خذله بعدله) لما ذكر منه الله على عبد بوجوده وموجوده وقيام حجته عليه في أوامره ونواهيه ذكر أن التوفيق إليها والهداية لها من فضل الله ورحمته وأن الإضلال عنها والخذلان فيها من قضائه وعدله فعاد الأمر إليه كما بدأ منه وقد ذكر الشيخ هنا ستة أشياء ثلاثة تقابلها ثلاثة: الهداية: ويقابلها الضلال، والتوفيق: ويقابله الخذلان، والفضل: ويقابله العدل فالتوفيق من فضله تعالى والخذلان من عدله عز وجل والهداية نتيجة التوفيق كما أن الخذلان نتيجة الضلال والتوفيق توجه الإعانة من الله لعبده بهدايته أي إرشاده لما يوافق أمره التكليفي بخلق القدرة على ما يريده منه مع ما يريد منه في محل العبد والخذلان صرف الإعانة من الله تعالى عن العبد بإضلاله أي إتلافه عن موافقة أمره التكليفي بخلق القدرة على مخالفة أمره مع مخالفته في حال العبد فرجع التوفيق والخذلان للموافقة والصرف والهداية والضلال للإرشاد والتلف وذلك أصلها لغة عند تحقيق النظر، وقد تطلق الهداية على بيان طريق الحق لقوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى: 52] {وأما

ثمود فهديناهم} [فصلت: 17] وليس المراد هنا بل المراد خلق الضلالة والاهتداء لاختصاصه بالإضافة إلى الله تعالى لخلقه لهما في وجود العبد قال التفتازاني: نعم قد تضاف الهداية إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجازاً بطريق التسبب كما تسند إلى القرآن وقد يسند الإضلال إلى الشيطان كما يسند إلى الأصنام قال ثم المذكور في كلام المشايخ إن الهداية عندنا خلق الاهتداء ومثل هداه الله فلم يهتد مجاز، أعني الدلالة والدعوة إلى الاهتداء وعند المعتزلة بيان طريق الصواب وهو باطل لقوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56] الآية ولقوله عليه السلام: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» مع أنه بين الطريق ودعاهم إلى الاهتداء. انتهى فتأمله وبالله التوفيق. وفي كلام الشيخ إشعار بما ذكر لما تقدم من ذكر التنبيه والإعذار المتضمن للبيان والإيضاح مع ما بعده والفضل الإعطاء بلا سبب ولا علة والعدل ما للمالك أن يفعله من غير منازع وسيأتي هذا المعنى في الباب الأول إن شاء الله تعالى. (ويسر المؤمنين لليسرى وشرح صدورهم للذكرى فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين وبقلوبهم مخلصين وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين وتعلموا ما علمهم ووقفوا عند ما حد لهم واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم). يسر: هيأ وأعد، المصدق بالله على ما يليق به وبما جاء عن الله على ما جاء عنه، واليسرى: الجنة وقيل: السهولة والسماحة في الدنيا والآخرة إذا رفع عنهم القتل والذل والإصر وأوجب لهم الأمن من الخلود في النار وجعلهم خالدين في الجنة وهذا هداية لمنافعهم بما هدوا إليه من الإيمان قال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الحَمِيدِ} [الحج: 24] وقال عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس: 9] الآية، وقال عز وعلا: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] الآية، فهو سبحانه الذي تفضل بالإيمان، ثم تفضل بثواب الإيمان ومن بثبوته فيسر للمؤمنين كل خير أولاً وأخراً وباطناً وظاهراً وشرح: بمعنى فسح ووسع والصدور جمع صدر

وهو ما حوالي القلب سمي به القلب هنا مجازاً وتعبيراً عن الشيء بمحله ولازمه والذكرى التذكير بما ذكروا به من آثار الصنعة وما جاء عن ألسنة المرسلين من وحيه، ودليل تذكرهم بما ذكروا به ظهور الإيمان عليهم ودليل صحة الإيمان ظهور الشهادتين على اللسان حتى قيل: إن النطق بهما شطره والمشهور شرطه فلا إيمان لمن لم ينطق بالشهادتين وإن اعتقد بقلبه إلا أن يكون له مانع من إكراه أو اخترام منية على المشهور: وقيل: لا يصح بناء على الشطرية وقيل يصح مطلقاً بناء على أنه فرض مستقل ولا خلاف في كفر الممتنع كثيراً ونحوه وذكر ذلك الآبي في شرح مسلم وغيره والإخلاص شرط صحة في العقد. والنطق وهو إرادة وجه الله وامتثال أمره بذلك وهو فرض في كل همل صالح وقد قال الشيخ في آخر الكتاب وفرض على كل مؤمن أن يريد بكل قول وعمل من البر وجه الله العظيم والعمل بما جاءت به الرسل والكتب بمعنى إثبات حكمه على وجهه حيث لا احتمال من الاعتقادات؛ لأن من أحل حراماً قطعياً أو حرم حلالاً قطعيا كافر إجماعاً والعمل به بمعنى الحركة في تحصيله وفعله من كال الإيمان لا من صحته. واختلف في العمل بالقواعد الأربع هل هي شرط صحة فيكفر تاركها وإن أقر بالوجوب وقاله ابن حبيب وابن الجهم والحكم بن عتيبة أولاً وعليه الجمهور إلا في الصلاة فإن أكثر المحدثين مع أقل الفقهاء يقولون بكفر تارك الصلاة وأكثر الفقهاء مع أقل المحدثين يقولون: إنه عاص مستباح الدم حداً والله أعلم. والظاهر أن الشيخ إنما قصد وصف المؤمن الكامل الذي تم له التوفيق والهداية فمراده بالعمل إيقاع الطاعات بدليل قوله وتعلموا ما علمهم يعني ما أوجب عليهم تعلمه أو ندبهم إليه أو أباحه لهم لا مانع منه كالسحر وغيره والواجب من العلم ما لا يؤمن الهلاك مع جهله والمندوب ما يكون كمالاً أو موصلاً إلى كمال والمباح ما لا ضرر فيه كما يأتي في تعلم الأنساب ونحوه وفي استغنائهم بالحلال عن الحرام تجنب الشبهات لدخول جزء من المحرم فيها والحد في اللغة المنع وفي الشرع ما منع من الزيادة عليه وتعديه إلى غيره كعدد الركعات في الصلاة، والرجعيات في الطلاق والحدود الشرعية موضوعة للامتناع من العود لما وقعت فيه مع أنه لا يزاد عليها والاستغناء

الاكتفاء، والحلال: ما انجلت عنه التباعات فلا حق فيه للخلق ولا منع فيه من الحق، والحرام: ما أوجب الشارع احترامه أي: تجنبه واتقائه وما من حلال إلا ويقابله حرام وبالعكس كالبيع يقابله الربا والنكاح يقابله الزنى فمن استغنى بالحلال عن الحرام كان مهدياً ومن لم يفعل كان على وجه من الضلال وإن لم ينته إلى الكفر فيخشى عليه من خاتمة السوء لأن المعاصي بريد الكفر وقد تكلم الشيخ على جانب السعادة فكان دليلاً على مقابله للكفار والله ولي التوفيق بمنه وكرمه. (أما بعد أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه وحفظ ما أودعنا من شرائعه فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانات مما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب وتعمله الجوارح وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ورغائبها وشيء من الأداب منها). يعني أما بعد ما تقدم من حمد الله والثناء عليه وذكر ما من به على الإنسان من المبرة والإكرام؛ فإن السؤال ورد علي بكذا فهي إذا كلمة فصل تضمنت معنى الشرط وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملها في خطبه ومكاتبته وجرى السلف في ذلك على سنته، وقيل: إنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام قال النووي: والتحقيق إن فصل الخطاب: الذي أوتيه الفصل بين الحق والباطل في الحكم وفي الكشاف هي من فصل الخطاب، وفي الترمذي: ما يدل لأن أول من تكلم بها يعقوب عليه السلام لبنيه فقال: أما بعد فإن أهل بيت أهل بلاء الحديث، وقيل: أول من تكلم بها داود عليه السلام وقيل: قس بن ساعدة، وقيل: يعرب بن قحطان فالله أعلم بذلك، وأعاننا قوانا المتكلم ومعه غيره فهي نون الجمع ويحتمل نون المعظم نفسه أي من حيث ما احتوت عليه لا من حيث إجلالها والله أعلم. والمخاطب بإياك قيل الشيخ الصالح أبو محفوظ محرز بفتح الراء وهو ابن خلف الصد في المشهور بتونس، وقيل: هو الشيخ الصالح الشهير الكبير أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد السبائي وعلى الأول اقتصر أصحاب التقاييد وعلى الثاني اقتصر المؤرخون ويحتمل اتفاقية الجمع وإلا فالأول أرجح والرعاية: المراقبة والمحافظة، والإيداع: التوكيل بالحفظ والودائع: الأشياء الموكل يحفظها.

قال الشيخ: والمراد بها هنا الجوارح السبع التي هي الفرج والبطن والعين والأذنان واللسان واليدان والرجلان فإنها أمانات عند العبد ليحفظها وينتفع بها والحفظ الصون والحياطة من الاختلال وغيره وما أي وحفظ الذي أودعنا من شرائعه التي جاءت بها الرسل من عبادات وغيرها فحفظ الشرائع بالعمل بها فعلاً وتركا وهي الاستقامة ورعاية الودائع بالتقوى وهي مجانية، كل ما نهى الله عنه وهذا هو المطلوب من كل العباد وقد قال ابن عطاء الله: في الحكم خير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك فالشيخ طلب خير المطالب وبدأ بنفسه لأنه المأمور به شرعاً ففي الحديث أنه عليه السلام أمر بذلك وكان يفعله في نفسه وفيه سر التواضع وإظهار الافتقار والاستعداد للإجابة والله أعلم. وفي كلام الشيخ جواز سؤال كتب العلم والإجابة له قد اختلف فيه قديماً والصحيح إذ ذاك الجواز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالكتب لأبي شاه وأذن لعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك في كتب ما يسمع منه في الغضب والرضا قائلاً: «لأني لا أقول إلا حقاً» صلى الله عليه وسلم. قال اللخمي: ولا يختلف في ذلك اليوم لقصور الهمم وقلة حفظ الناس والله أعلم. والجملة الجماعة من الكلام المضاف بعضه إلى بعض والمختصر ما قل لفظه وكثر معناه فمرجع الاختصار إدراج كثير المعنى في قليل اللفظ فتأمل ذلك، والوجوب في اللغة السقوط ومنه قوله تعالى: {فإذا وجبت جنوبها} [الحج: 36] أي سقطت ووجبت الشمس سقطت وهو في العرف سقوط الحكم في موضعه العقلي أو الشرعي بوجه لا يمكن انفكاكه فينقسم إذا إلى عقلي وشرعي والمراد هنا الواجب الشرعي وهو مقتضى خطاب الله تعالى المتعلق بفعل المكلف من حيث أنه مكلف فعله اقتضاء جازماً. ويقابله المحرم وهو ما اقتضى الخطاب المذكور على الوجه المذكور تركه كذلك، والمندوب كالواجب إلا أنه بغير جازم، والمكروه كالمحرم إلا أنه يغير جازم أيضاً وشرط السبكي كونه بنهي مخصوص وإلا فهو خلاف الأولى، والمباح: ما استوى طرفاه وهذه هي أحكام الشريعة وأقسامها وأحكام المكلفين وللناس عنها عبارات: وهي من فن علم الأصول والأمور جمع أمر وهو الشأن والديانات: جمع ديانة وهي المعاملة ومنه قوله: " كما تدين تدان " أي كما تعمل تعامل وكما تفعل تجازي.

فالمراد ما يدان الله به أي يعامل مجازاً والأحكام إنما هي ثلاث: ما تنطق به الألسنة مفرد أو مركباً مع فعل أو تعتقده القلوب مفرد أو مركباً مع فعل أو قول أو تعمله الجوارح مفرداً أو مركباً مع غيره وسيأتي بيان ذلك عند قوله وقد فرض الله سبحانه على القلب إلى آخره فقوله: ما تنطق به إلى آخره بيان لمواقع أمور الديانات وما يتصل بالواجب من ذلك أي ما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب وتعمله الجوارح من السنن أي من الطرائق الشرعية فإن السنة لغة الطريقة وما رسم ليتبع المراد بها عرفا طريقة محمد صلى الله عليه وسلم التي لم يدل دليل على وجوبها ثم إن كان قد فعلها وداوم عليها وأظهرها في جماعة كالوتر والعيدين والاستسقاء أو فهم منه إدامتها كصلاة خسوف الشمس فسنة مؤكدة أي لا يسع تركها، وإن لم يأثم التارك لها وإن اختل الإظهار أو الدوام فنافلة كصلاة الضحى وقيام الليل كما نص عليه الشيخ فيهما بعد لأن صلاة الليل أظهرها ولم يداوم على إظهارها وصلاة الضحى داوم عليها ولم يظهرها حتى قالت عائشة رضي الله عنها: " من حدثكم أنه كان يصلي الضحى فقد كذب "، وصح نقلها عنه عليه السلام من غير وجه فتأمل ذلك وإن وقع الترغيب فيها فقط بمجرد قول: كقوله: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» فرغيبه وكذا بمجرد فعل كالركعتين بعد المغرب وإحياء ما بين العشاءين ونحوه وإنما اختلف في ركعتي الفجر اعتباراً بمدرك الحكم والله أعلم. وإن كانت منوطة بالفوائد كالأكل والشرب واللباس والسفر ونحوه فهي الآداب هذا ما اقتضاه كلام الشيخ وهو قريب من اصطلاح الشافعية والمحدثين فأما أهل المذهب فكل ما وراء الفرض عندهم نافلة لأن أصل النفل الزيادة ثم يفصل إلى سنة مؤكدة ومخففة ورغيبة ونافلة وهي الفضيلة. قال ابن بشير ولا فرق بينهما إلا كثرة الثواب وقلته وقد اضطرب أهل المذهب في ذلك بما يفهم منه إن ذلك راجع للاصطلاح وهو لا يتقيد بغير قصد واضعه وبالله التوفيق. (وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب مالك بن أنس رحمه الله وطريقته). يروى بالكسر عطفاً على شيء من الآداب وبالرفع للاستئناف وبالفتح عطفاً

على قوله جملة مختصرة وهو أولى ولا سيما على ما روى الشيخ كتب أولاً باب العقيدة وجمل من الفرائض فما بعده فراجعه فطلب جملاً من أصول الفقه كما ذكر، والجمل: جمع جملة وهي الجماعة من المسائل وغيرها ومراده بأصول الفقه أمهات مسائله التي ترجع إليها فروعه كمسألة بيوع الآجال وبيع الدين بالدين وبيع الغائب ونحو ذلك، وبفنونه: فروعه المتفرعة عن تلك الأصول الراجعة إليها والمأخوذة منها وكلا الأمرين في كل الأبواب إلا القليل فينفرد بالأخير لا بالأول والله أعلم. والفقه: العلم بالأحكام الشرعية المكتسب من أدلتها التفصيلية فلا ففيه إلا المجتهد وإطلاقه على من دونه مجاز أي على الحافظ له والخائض فيه كما هو الاصطلاح اليوم القرافي ويقال: فقه بكسر القاف: إذا فهم وبفتحها إذا سبق غيره إلى الفقه وبضمها إذا صار الفقه له سجية فهو في اللغة: الفهم والله أعلم. والمذاهب أقوى في النفس حتى يتقلده في نفس وفي حق غيره لراجحيته عنده ومالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة فقها وحديثاً بعد التابعين، قال النووي: وقد اجتمعت طوائف العلماء على إمامة مالك وجلالته وعظيم سيادته وتبجيله وتوقيره والإذعان له في الحفظ والتثبت وتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الشافعي رحمه الله: مالك أستاذي وعنه أخذت العلم وهو الحجة بيني وبين الله تعالى وما أحد أم علي من مالك، وإذا ذكر العلماء فمالك النجم الثاقب، وقال عليه الصلاة والسلام: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة». قال القاضي عبد الوهاب: ولم يشتهر بعالم المدينة من الأئمة الأربعة وغيره فهم لا ينازعونه في هذه المزية وحمل غير واحد الحديث عليه كابن عيينة وأمثاله ومن جرى له ذلك قبل مالك لم يدم له ولم يشتهر به شهرته ويكفي في راجحيته كونه إمام دار الهجرة في خير القرون، ومتبوع أهل المغرب الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة كما صح في الحديث، وإن اختلفت رواياته وعصم الله مذهبه من أن يكون فيه

ذو هوى موسوم بالإمامة وجعله مقدماً عند الكافة؛ حتى إن كل ذي مذهب إنما يختار مذهبه بعد مذهبه وجعل رؤساء مذهبه حجة بعده في الحديث كالفقه، قد خرج لهم البخاري وما ملأ كتابه إلا بهم فهم الحجة الثقات والأئمة الإثبات الذين برزوا ولم يثبت ذلك لغيرهم وإن كان صالحاً أميناً ومن طالع مناقب الأئمة الأربعة عرف علو مراتبهم ووجوب تقديمهم على غيرهم ولزوم الاقتداء بهم وترجح عنده أحدهم على ما يتعرف من مراتبهم. ويرى مع ذلك أن مالكاً أعلى منهم وأسناهم ألا ترى أن الشافعي تلميذه وأحمد تلميذ الشافعي فيرحم الله ابن الأثير حيث قال: كفى مالكاً شرفاً أن الشافعي رحمه الله تلميذه وكفى الشافعي شرفاً أن مالكاً شيخه قلت وكذا ما بين أحمد والشافعي رضي الله عنهما فأما أبو حنيفة فقد حكى غير واحد أنه لقي مالكاً وأخذ عنه بعض شيء من الحديث فهو إذا شيخ الكل وإمام الأئمة وكلهم على هدى وتقى وعلم وورع وزهد وبالله التوفيق وسيأتي تاريخ الجميع وبعض مناقبهم آخر بالكتاب إن شاء الله. واختلف الشيوخ هل المذهب والطريقة مترادفان أو متغايران وعلى التغاير فقيل: المذهب ما أفتى به والطريقة ما أخذ به في نفسه. وقيل: المذهب: ما قاله بنفسه والطريقة ما قاله أصحابه على أصوله وهذا الذي رجحه ابن ناجي وغيره والله أعلم. (مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين). يعني سألتني أن أكتب لك مع الجملة المختصرة والجمل من أصول الفقه وفنونه ما سهل: أي يسر وقرب للفهم سبيل أي طريق ما أشكل: أي اشتبه واختلط من ذلك أي من الجملة وتفاصيلها الواجبة والمندوبة والجمل وما احتوت عليه من أصول الفقه وفنونه في المذهب المذكور إذ في كلام الإمام وتابعيه مشكلات قام ببيانها من بعدهم فأبانوا عن مشكلتها وفسروا مبهمها والتفسير: التبيين والإيضاح وقيل التفسير مغاير للتبيين والأول أشرف من الثاني ولذلك أضاف الشيخ التفسير للراسخين والبيان للمتفقهين لأن التفسير: الكشف عن المراد من اللفظ والتبيين: توصيل المعنى المراد بعبارة واضحة فهو تابع والراسخون جمع راسخ والراسخ الثابت في العلم وغيره ثبوتاً لا

يتزحزح ولا يتزلزل ولا يحيد به عن موقعه في توقيع ولا فهم والمتفقهون جمع متفقه أي بالغ في الفقه مبلغ الرد والقبول والتقلب فالمراد المتخلون للفقه على وجه فالأولون كابن القاسم وأشهب وابن وهب وعبد الملك ومطرف وابن كنانة ونحوهم والآخرون كسحنون والشيخ وأمثالهم وقد يراد بالتفقه تفعل الفقه على غير تحقق به وليس ذلك بمراد هنا وقد قال تعالى: {ليتفقهوا في الدين} [التوبة: 122] أي يتعلموا ما يتعلق به من الأحكام تفهما وتحصيلاً والله أعلم. (لما رغبت من تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن) لما ذكر مقاصد المطلب وهي خمسة: بيان الواجب نطقاً وعقداً وعملاً وبيان المندوب كذلك على حسب متعلقة من الجوارح وتعلقه وذكر جمل من أصول الفقه وفنونه وكون ذلك مقيداً بمذهب مالك مع ما يحل مشكلة ويفتح مقفلة من كلام عالم راسخ أو متفقه ناصح ذكر السبب الموجب لطلب ذلك والباعث عليه وهو رغبته في تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن أي الحروف التي يقرأ بها القرآن وسواء أراد حروف التهجي أو حروف الرواية فهي التي يقرأ بها فتدل عليه وإلا فنفس القرآن لا يوصف بالحروف الحسية لثبوت قدمه وهي حادثة. وقد اعترض أبو بكر بن الطيب هذا الإطلاق على الشيخ وأجيب بأن جوازه مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام: «إن هذا القرآن أنزل سبعة أحرف» الحديث والشبه في التعليم من جهة أنه يحصل أولاً حفظاً وضبطاً ثم تصويراً وفهما ثم تتبعا وتدقيقاً ثم إفادة وتحقيقاً والله أعلم ثم بين علة رغبته في ذلك وحرصه عليه فقال: (ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركاته وتحمد لهم عاقبته). هذه علة بعد علة لأنه طلب لما رغب ورغب فيما طلب ليسبق ودين الله الإسلام أضيف إليه لأنه ارتضاه ولم يقبل سواه فقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] وفهمه إدراك مقاصده وأصوله التي يتميز بها من

غيره وذلك في باب ما تنطق به الألسنة ويعرف بالعقائد وأصول الدين وهو علم الأديان ما يتميز به دين الحق من دين الباطل وشرائعه طرائقه فإن الشرائع جمع شريعة وهي الطريقة المتبعة فشرائع الله أحكامه التي لا تعرف إلا منه ومن ثم كان الحكم خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث أنه مكلف فلزم منه أن لا حكم إلا لله ولا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده خلافاً للمعتزلة فيهما، وتحقيق ذلك من الأقوال والرجاء يأتي قريباً إن شاء الله والبركة الخير المتدارك المتزائد وتحمد تمدح ويثنى عليها بالجميل والعاقبة ما يؤول إليه الأمر والمقصود ما يحصل لهم النفع به عاجلاً وآجلاً فهو مرجو في الدنيا والآخرة بذلك والله أعلم. (فأجبتك إلى ذلك لما رجوت لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه). معنى أجبتك أسعفتك بمرادك الذي هو كتب الجملة المختصرة وما معها وتحصل ذلك في أربعة آلاف مسألة تضمن أربعمائة حديث تارة نصاً وتصريحاً وتارة إشارة وتلويحاً وهي إذا تتبعت وجدت على ذلك إلا في القليل لكن مع ضعف جملة من أحاديثها ويذكر أن الأبهري خرج أحاديثها كلها بأسانيدها في تأليف مفرد ولم أقف عليه وفي قوله أجبتك إخبار عن تقدم الكتب على الخطبة وقد يريد عزمت على إجابتك عزماً ينزل منزلة الوقوع لتحققه إن شاء الله والأول أظهر وفي قوله: لما رجوت لنفسي ولك أخبار عن أن عزمه على الإجابة إنما أراد به ثواب الله لنفسه ولمن ندب لذلك فإن الدال على الخير كفاعله وفاعله من أهل الجنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس» وكل من الشيخ والسائل منه ممن دعا إلى دين الله وعلمه وسيذكر ثواب ذلك إن شاء الله. (واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه وأولى ما عنى به الناصحون ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها وتنبيههم على معالم الديانة وحدود الشريعة ليراضوا عليها وما عليهم أن تعتقدوه من الدين قلوبهم وتعمل به جوارحهم). أتى بهذه الجملة تنبيهاً على أن قلوب أولاد المؤمنين محل لقبول الخير فيطلب

إلقاؤه إليها أكثر من غيرها وإن أهم ما اشتغل به أهل العلم والدين توصيل ذلك إليهم فأما الأول فلفراغ قلوبهم والقلب الفارغ يقبل مما يلقى إليه بلا مشقة ولا تعب ثم إذا دخله ولم يخرج منه بل كما قال قائلهم: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكنا فمعنى خير القلوب أخيرها أي أفضلها وأحسنها وأوعاها أحفظها وسمى الوعاء وعاء لأنه يحفظ ما يلقى {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] أي تحفظها والخير في قوله للخير المراد به ما فيه صلاح ومنفعة وهو هنا العلم والعمل وخير كل قوم على حسب ما هم فيه فخير الزهاد في نفي الدنيا عنهم وخير غيرهم في حصولها لهم إلى غير ذلك وأرجى القلوب أي أكثر القلوب يرجى له حصول الخير الذي هو العلم والعمل ما لم يسبق الشر الذي هو السوء والمكروه إليه وقلوب أولاد المؤمنين كذلك لكونها لم يسبق الشر إليها مع إيعائها للخير لانتفاء الشواغل والشواغب عنها وإذا كان الأمر كذلك كان المطلوب بل الأهم والأولى السعي في عمارة هذه القلوب بكل أمر محبوب ومطلوب لأنه زرع في أرض طيبة وعمل في محل معمل فيتعين على العالم الناصح لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين أن يعمل بما علم ويعلمه من لم يعلم إذا كان أهلاً للتعليم أو كان واجباً عليه فقد جاء في الخبر " لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ولا تؤتوها غير أهلها فتظلموها " وفي معنى ذلك قيل: ومن منح الجهال علما أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم ثم قال: أعلم كلمة تنبيه لمحط الفائدة والقلوب جمع قلب عبر به عن العقل بملازمته له والرجاء: تعلق القلب بمطموع يحصل في المستأنف مع الأخذ في العمل المحصل له وأولى أحق وأهمها عنوا به بالفهم صرف العناية إليه وتهمهم به ويروى بالفتح مع ما فيه أي تعب فيه نفسه وأسرها لأجله والناصحون جمع ناصح وهو العامل في نفع الخلق بما أمكنه وفي حقوق نفسه أو حقوق الله. وفي مسلم من طريق تميم بن أوس الداري رضي الله عنه: «الدين النصيحة» قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين وخاصتهم» ورغب طلب بجد واجتهاد والراغبون جمع راغب وهم المجدون في الطلب والأجر:

الثواب المرتقب من الله على فعل ما يرضاه والإيصال والتوصيل التبليغ وكنه إلى قلوب أولاد المؤمنين لكونها قابلة بخلاف أولاد الكفار مع عدم إمكان ذلك غالباً ولو أمكن لوجب إيصال الخير إليها تارة بالتعليم وتارة بالتذكير وتارة بهما وتارة بغير ذلك. قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] الآية. ومعنى ليرسخ فيها ليثبت فلا يتزلزل ولا يتزحزح لعدم تزاحم الأضداد والعوارض عليهم وقد تقدم أن الرسوخ الثبوت والتنبيه الإيقاظ للأمر المغفل ومعالم الديانة أي الطرق الموصلة إليها لأنه جمع معلم وهو دليل الطريق عند خفائه والديانة ما يدان الله به أي يعامل ومنه قوله كما تدين تدان أي كما تفعل يفعل بك وهو راجح إلى الجزاء وحدود الشريعة ما ينتهي إليه أمرها من إباحة وتحريم وغير ذلك فإن الحد في اللغة المنع وحدود الله ما يمنع تعديه والشريعة ما جاءنا عن الله بواسطة رسوله من أمر ونهي وغيرهما. ومعنى ليراضوا ليذللوا من الرياضة التي هي تمرين برفق لما يراد دوامه هنا وما قيل موصولة بمعنى الذي فالتقدير والذي عليهم يعني عند بلوغهم وتوفر شروط التكليف فيهم وقيل: هي نافية وأن كل ما ذكر ليس عليهم ولكنهم يتعلمونه رياضة وتمريناً والله أعلم. والذي تعتقده من الدين قلوبهم هو في الباب الأول، والذي تعمل به جوارحهم هو ما وراء ذلك فتدخل فيه الأحكام لأن إعمالها عمل بها والله أعلم. والجوارح: جمع جارحة وهو العضو من يد ولسان وبطن وفرج وغيرها وبالله سبحانه التوفيق. (فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الله وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر). يعني روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه هو مختصره بلفظ: من تعلم علماً وهو شاء كان كوشي في حجر، ومن تعلم بعدما يدخل في السن كان كالكتابة على ظهر الماء ومعنى يطفئ غضب الله قيل: يطفئ النار التي يستحقها من غضب الله عليه، وقيل: معناه يرد

عنه الانتقام لأن الغضب في حقنا غليان وإشاطة تدعو إلى الانتقام من المغضوب عليه فإذا زالت ارتفع الانتقام عنه والله تعالى منزه عن الغليان والإشاطة فغضبه إرادة الانتقام ممن غضب عليه من غير أن يحدث به في ذلك حادث وإطفاء هذا الغضب عبارة عن رد الانتقام عمن استحقه والله أعلم. (وقد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون إن شاء الله بحفظه ويشرفون بعلمه ويسعدون باعتقاده والعمل به). مثلت: شخصت ووجهت من ذلك بعض الذي ذكرت وهي الجملة المختصرة وما يتعلق بها ويتبعها من أصول الفقه وفنونه ثم ما سهل سبيل ما أشكل إلى آخره، وتحصل ذلك في أربعمائة حديث مضمنة أربعة آلاف مسألة كذلك قالوا وفي الأحاديث نظر وقد أشار بقوله ما ينتفعون إلى آخره أنه رجا من الله النفع لحافظها والشرف للعامل بما فيها والسعادة للمعتقد لما يتضمن الاعتقاد منها والعمل بما يطلب العمل به منها وقد حقق الله تعالى له ذلك فلا يعتني بها أحد علماً وعملاً إلا كان غنياً أو عالماً أو رئيساً أو صالحاً أو أحدهما أو اثنين أو ثلاثة منها وقد ذكر ذلك الشيوخ وعزوه للاستقراء فإنه طريقة وبالله التوفيق. (وقد جاء أن يؤمر بالصلاة لسبع سنين ويضربوا عليها لعشر ويفرق بينهم في المضاجع فكذلك ينبغي أن يتعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم وسكنت إليه أنفسهم وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم). يعني جاء من حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مروا صبيانكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر» رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وهو في المدونة من رواية ابن وهب وقد اختلف في الضرب عليها لعشر فمنعه ابن نافع بناء على أنه ظلم إذا لم يجب عليهم شيء والمشهور الأول ولا يؤمر بالصوم وفرق بينه وبين الصلاة بتكررها واتساع أحكامها فهو تمرين وترشيح لما يطالبون به من أحكامها بخلاف الصوم فإنه قليل الأحكام غير متكرر

مع أنه تعذيب للنفس وإجحاف بها وإضرار به لغير فائدة له في الحال ولا رجائها في المال وإن كان يحصل له بذلك ثواب أو لوالديه وأمرهم بالصوم، ربما يؤول إلى نقيض المقصود من النفرة والاستثقال لذلك واختلف في زمان التفريق في المضاجع فقال ابن القاسم وابن وهب في السبع وقال ابن حبيب في العشر وقياس الشيخ تعليمهم ما عسى أن يجب عليهم من غير الصلاة صحيح واضح الحكمة وهي قوله ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم محبة واعتقاداً وسكنت إليه أنفسهم استراحة واستناداً وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم رياضة واجتهاداً فتسهل عليهم العبادات وتتحقق عندهم الاعتقادات بلا تعب ولا مشقة والله أعلم. (وقد فرض الله سبحانه وتعالى على العباد عملاً من الاعتقادات وعلى الجوارح الظاهرة عملاً من الطاعات). يعني أن الذي يجب تعلمه هو ما فرض الله على عباده والذي فرض الله على عباده نوعان: عمل جوارحي واعتقاد قلبي فأعمال الجوارح ثلاثة: مالي وبدني وما تركب منهما والاعتقاد ثلاثة: إيمان وإخلاص ونية فالإيمان في الباب الأول والإخلاص في باب جمل من الفرائض والنية في آخر باب الوضوء ولكل أحكام تخصه وشروط يرجع إليها فيه فانظر ذلك وبالله التوفيق. (وسأفصل لك ما شرطت لك ذكره باباً باب: ليقرب من فهم متعلميه إن شاء الله وإياه نستخير وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). معنى أفضل آتي به مفصلاً أي قطعاً قطعاً فإن الفصل هو القطعة من الكلام، والتفصيل البسط والبيان الذي شرط ذكره هو الإتيان بما طلب منه من الجملة المختصرة بما احتوت عليه وما أضيف إليها والشرط قوله: فأجبتك إلى ذلك باباً باباً أي باباً بعد باب، قيل: والمراد ترجمة ترجمة لأن من القطع ما لم يترجمه بالباب كما يجب منه الوضوء على الصحيح والتيمم والمسح على الخفين ونحو ذلك وجملتها ثمانية وأربعون ترجمة منها بغير لفظ الباب نحو من ثمانية وباقيها مبوب، وعلى ذلك بتأولها بعضهم بقوله: باباً باباً إلى آخرها لا أكثر وقوله " إن شاء الله " تفويض ورجوع لعلم الله وامتثال لقوله تعالى: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ}

[الكهف: 23 - 24] وتحقيق لقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] وقوله: " ليقرب من فهم متعلميه إن شاء الله " فتفصيله واضح لأنه لو كان سرداً أدى إلى الملل وصعب فهمه لاتساعه. وكانت مسائلها لا تعرف مظانها والله أعلم، والاستخارة: طلب الخيرة وهي مشروعة في كل أمر لم تتحقق عاقبته ومنه التأليف والتقييد بخلاف تعليم العلم وإفادته فالاستخارة في الأول، وقد تكون باعتبار الوقت والحال حديث الاستخارة رواه البخاري وغيره من حديث جابر رضي الله عنه وهو مشهور. وقوله: (وبه نستعين) أي نطلب منه الإعانة على ما نحن بصدده من أمر الكتاب والإرشاد والدعوى إلى الله. وينبغي لكل مؤمن ذلك في مقصده لأن الإعانة هي التقوية على ما يراد من أمر الدين والدنيا وهي أصل كل أصل في ذلك ولقد أحسن القائل في ذلك: إذا لم يعنك الله فيما تريده ... فليس لمخلوق إليه سبيل وإن هو لم يرشدك في كل مسلك ... ضللت ولو أن السماك دليل (ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). يعني: ولا حركة ولا سكون ولا تحول ولا ثبات إلا بتحريكه وتسكينه ولا تحول عن أمر ولا ثبات فيه إلا بقضائه وقدره ومشيئته وإعانته، فهذه الكلمة تفويض إلى الله سبحانه وهي عنوان الرضا بالقضاء ومن ثم كانت كنزاً من كنوز الجنة لأنها توقع في راحة الأبد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه «يا عبد الله بن قيس ألا أخبرك بكنز من كنوز الجنة» قال: بلى يا رسول الله قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» متفق عليه زاد النسائي «ولا ملجأ من الله إلا إليه» وإنما كانت من كنوز الجنة لأن الرضا عن الله مفتاح السعادة وباب الرحمة فقد قال عبد الواحد بن زيد رضي الله عنه: الرضا باب الله الأعظم ومستراح العابدين وجنة الدنيا وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله إن معناها لا حول عن معصية

الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بإعانة الله. والعلي معناها: المرتفع في المنزلة والمكانة والعظمة، والعظيم الذي يصغر عند ذكر وصفه كل شيء سواه بل هو تعالى عظيم في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، عظيم في علوه علي في عظمته. (وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم). هذا اللفظ لفظ خبر ومعناه الدعاء فتقديره يا الله صل والصلاة من الله على نبيه الإقبال بزيادة التشريف والتعظيم على عباده الإقبال بالعطف والإكرام ومن الملائكة الإقبال بالدعاء والاستغفار ومن النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء ونحوه وقد أشار الخفاف إلى هذه الجملة وصرح غيره بأن معنى الصلاة في اللغة راجع لذلك واستشهد ببيت له من كلام العرب والبيت قول الشاعر: وصلى على دنها وارتسم وسيدنا له من الشرف الكامل علينا وهو عليه السلام كذلك بحيث أنا إن قلنا سيد يملكنا فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وإن قلنا سيد منا فهو مبعوث من أنفسنا بضم الفاء ومن أنفسنا بفتحها وهو سيد بني آدم ولا فخر صلى الله عليه وسلم وعلى آله أي أهل بيته وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين تحرم عليهم الصدقة على المشهور، وقيل: آله أمته واختاره ابن منصور الأزهري ودليله {أدخلوا إلى فرعون} [غافر: 46] أي أتباعه وصحبه جمع صاحب وصحابي وهو من اجتمع بمحمد صلى الله عليه وسلم مؤمناً به عند جمهور المحدثين. وسلم تسليماً أي أطلب السلامة أي وسلمهم يا رب من كل آفة ونقص تسليماً حسبي الله ونعم الوكيل.

باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات قوله: باب خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا باب والباب عبارة عن المدخل والمخرج وعرف بأنه فرجة في ساتر يتوصل بها من ظاهر إلى باطن ظاهرها الجهل وباطنها العلم حقيقة في الأجسام مجاز في المعاني وفي الكلام إضمار تقديره باب ذكر الشيء الذي ينطق به. فما: موصولة بمعنى الذي ومعنى تنطق تفوه وتتكلم والألسنة: جمع لسان وهو جارحة معروفة وتعتقده تربط عليه وتشد الاعتقاد حتى لا يتفلت. وقال الأصوليون: الاعتقاد هو الذكر النفسي الذي لا يحتمل النقيض عند الذاكر ثم هو اعتقاد صحيح إن طابق وفاسد إن لم يطابق. والأفئدة: جمع فؤاد والمراد به هنا القلب عبر عنه بلازمه كما عبر بالقلب عن المعنى القائم به وهو العقل والواجب قسمان: شرعي وعقلي. فالشرعي: ما لا يجوز في الشرع تركه وسيأتي إن شاء الله، والعقلي: ما لا يمكن نفيه ويقابله المستحيل وهو ما لا يتصور وجوده والجائز عديلهما وهو ما لا يمنع تصوره من وجوده ومقابله فهذه أحكام العقل وبها الكلام في الإثبات والنفي وإنما ذكرتها هنا لتعلق الاعتقاد بها والله أعلم. ومقصود الشيخ في هذا الباب ذكر ما يجب نطقاً واعتقاداً على الجمع والتفكيك: وقد اختلف في إدخاله في أبواب الفقه لتوقفه عليه في باب الردة وغيرها أو لا ولا يدخل في ذلك وضعها هنا لأن الكتاب موضوع لما هو من أمر الدين جملة والله أعلم. (من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله واحد لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له ولا صاحبة له ولا شريك له). من ذلك أي: مما يجب نطقاً واعتقاداً على التلازم الإقرار له تعالى بالوحدانية من جميع جهات الوحدانية وهو معنى قولنا: " لا إله إلا الله " فالله اسم لذات المعبود الحق الغني عن العلة والفاعل الموصوف بصفات الألوهية والله أطلقته العرب على كل معبود عبد بحق أو باطل فجاء الشرع بنفي ما عمموه وهو قوله: " لا إله إلا الله " أي: لا معبود

بحق إلا الله لأنه لا مستحق للاتصاف بالكمالات سواه وإنما أتى بصيغة النفي والإثبات نفياً للإبهام ورفعاً للأوهام وقد أشار تعالى لذلك بقوله الكريم: {وإلهكم إله واحد} فأثبت الوحدانية ثم رفع الوهم بقوله {لا إله إلا هو} ثم أشار لكمال الصفة بقوله {الرحمن الرحيم} ثم أشار للدليل بقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]. والوحدانية التفرد فيما هو به قال الشيخ أبو بكر بن فورك رحمه الله: والوحدانية في وصفه تعالى له ثلاث معان: لفظ الواحد حقيقة في جميعها. أحدها: أن لا قسيم لذاته، وأنه غير متبعض ولا متحيز. الثاني: لا شبيه له تقول العرب فلان واحد عصره أي لا شبيه له فيه. الثالث: أنه لا شريك له في أفعاله ومنه قالوا فلان متوحد بهذا الأمر أي لا شريك له فيه ولا معاند انتهى. قلت: والمقصود أنه تعالى واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في أفعاله ووصفه، بأن لا إله غيره جامع لكلها. وقوله (لا شبيه له ولا نظير له إلى آخره) تفصيل لذلك ولك أن تقول لا شبيه له في ذاته إذ ليس كمثله شيء ولا نظير له في صفاته ولا شريك له في أفعاله ولا ولد له فيكون موروثاً ولا والد فيكون كغيره ولا صاحبة له فيكون محتاجاً له أو مغلوباً لأن الصاحبة إنما تراد للشهوة وهي غالبة أو لدفع الضرورة وهو افتقار أو للاستلذاذ وهو من سمات الحدوث ويتعالى ربنا عن ذلك كله والدليل على وحدانية ذاته أنه لو كان جسماً لكان مركباً ولو كان جوهراً لكان متحيزاً ولو كان عرضاً لكان مفتقراً والتركيب والتحيز والافتقار حوادث وما لا يعرى عن الحوادث لا يسبقها وما لا يسبقها كان حادثاً مثلها وموجداً لكل لا يصح أن يكون حادثاً للزوم التسلسل والدور فيلزم من قدمه نفي كل صفة حادثة عنه. وأما وحدانية الصفات فقال الأشعري رحمه الله: لو أشبه الباري تعالى خلقه ولم

يخل أن يشبههم من كل جهة فيكون حادثاً مثلهم أو من بعض الجهات فيكون حادثاً من تلك الجهة لأن جميع جهات العالم حادثة وهو تعالى قديم باق منزه عن الحدوث. وأما وحدانية الأفعال فلأنه لو كان اثنان فإما أن يقدر كل واحد منهما أن يمنع الآخر مما يريد أم لا أو يقدر أحدهما دون الآخر أو يتفقان والكل باطل لأن الأول يؤذن بعجزهما والثاني بعجز أحدهما والثالث مشروط بجواز انعدامهما ولو وجد قادران كانت نسبة المقدورات لهما سواء ولا مخالف في التوحيد إلا الثنوية القائلون بالنور والظلمة وكذلك الطبائعية والأفلاكية والمسبعة منهم، فأما النصارى فيقولون بتعدد القدماء في ذاته ويسمونه جوهراً أو يقولون هو ثلاثة أقانيم اتحدث في ذات القديم: وجود وعلم وحياة فالوجود أب والعلم ابن وهو المسيح عندهم والحياة روح القدس، ولطائفة منهم أب هو الله وعيسى ابن مريم زوجة. وقد رد الله على الجميع بقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73] الآية وقال عز من قائل: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ} [المؤمنون: 117] فكل ما ذكرناه مداره على هذه الآية وعلى قوله عز وجل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، وقوله جل ذكره {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] وقد سئل بعضهم عن الله تعالى فقال: إن سألت عن ذاته فليس كمثله شيء، وإن سألت عن صفاته فهو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وإن سألت عن أسمائه: فـ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: 22] إلى آخر السورة وإن سألت عن أفعاله فكل يوم هو في شأن قيل يغفر ذنباً ويكشف كرباً ويبتلي قوماً ويعافي آخرين انتهى. والنقل في هذا الباب واسع والنظر فيه على بساط التتريه ونفي التشبيه والتبري من الشبه من أعظم شيء في زيادة الإيمان وبالله التوفيق. (ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء). أي أن ما وقع في القرآن من اسمه الأول والآخر معناه أول بلا بداية، آخر بلا نهاية لا أن ثم أولية وآخرية تعالى ربنا عن ذلك علواً كبيراً. ومدار كلامه على إثبات

القدم والبقاء وأنه تعالى قديم باق لأنه لو كان حادثاً لافتقر إلى محدث وكذلك القول في محدثة فيلزم التسلسل وما تسلسل لم يتحصل أو ينتهي إلى محدث قديم هو الأول وهو الله سبحانه الذي لا محدث للعالم سواه وما ثبت قدمه استحال عدمه لأنه لا يصح منه إعدام نفسه كما لا يصح منه إيجادها ويلزم في غيره ما لزم من التسلسل في وجوده واختلف في البقاء والقدم هل هما وجوديان أو لا يعقل منهما غير نفي العدم والزوال. وقال الأشعري: البقاء وجودي بخلاف القدم لأن الوجود متحقق دون البقاء بخلاف الآخر فهو وجودي وقال القاضي، والإمامان وأكثر الأصحاب أنه نفس الوجود والجمهور على أن القدم ليس أمراً زائداً إلا أنه لا يعقل منه إلا نفي العدم فهي إذا ثلاثةً أقوال: أصحها أنهما ليسا بزائدين كالوجود والوحدانية وأنه قائم بنفسه مخالف للحوادث وهذه الست: هي صفات النفس والصفات التي لا يعقل منها غير وجوب الذات والله أعلم. (لا يبلغ كنه صفته الواصفون). كنه الشيء: غايته وقيل حقيقته فعلى الأول يكون المعنى لا كنه لصفاته حتى يبلغ لأن غاية الشيء ما ينتهي له وذلك لا يصح في وصفه تعالى ذاتاً ولا تعلقاً أما ذاتاً فلأن التناهي من صفات الكم ولا كم هناك وأما تعلقا فلأن التناهي يلازمه النقص والعجز ولا نقص ولا عجز ولا تناهي. وأما على الثاني الذي هو أن الكنه بمعنى الحقيقة لأن الصفة لها حقيقة لكن لا يبلغ الواصفون إلى تلك الحقيقة وهذا هو ظاهر كلام الشيخ وعليه فلا يقال: كنه له بل له كنه لا تبلغ حقيقته فالمعنى العلم بتلك الحقيقة من حيث هي لا من حيث وجودها لأن وجودها ثابت. وقد قال تعالى: {ولا يحيطون به علماً} [طه: 110] فأثبت العلم به ونفى الإحاطة فافهم. (ولا يحيط بأمره المتفكرون). يعني أن أهل الفكرة والاعتبار لا ينتهون إلى الإحاطة بأمره الجاري في خلقه ولا يصلون على الإحاطة بما هو من شأنه وإن بلغوا إلى العلم به فمن جهة الإثبات والتترية لا

من جهة الإحاطة والتكييف ولله در القائل: أين منك الروح في جوهرها ... هل تراها أو ترى كيف تجول أين منك القلب في قالبه ... وهو بيت الرب حقا إذ يقول أين نور العقل والفهم إذا ... غلب النوم فقل لي يا جهول أين نور الشمس لما أن دجا ... غيهب الليل وفاءت للأفول هذه الأنفاس لا تعرفها ... لا ولا تدري متى عنك تزول أنت لا تدري صفات ركبت ... فيم حارت في خفاياها العقول فإذا كانت خفاياك التي ... بين جنبيك بها أنت ضلول كيف تدري من على العرش استوى ... لا تقل كيف استوى كيف النزول كيف تجلى لم تدر كيف يرى ... فلعمري ليس ذا إلا فضول إن تقل كيف فقد مثلته ... أو تقل أين فقد رمت الحلول فهو لا أين ولا كيف له ... وهو رب الكيف والكيف يحول وهو فوق الفوق لا فوق له ... وهو في كل النواحي لا يزول جل ذاتاً وصفاتاً وسما ... وتعالى وصفه عما تقول لو كلف العبد بالإحاطة بذاته ما أطاقه هذا سمعه وبصره وعقله وروحه ووجوده وتصرفه لا تمكنه الإحاطة بها فكيف بأمر بارئه تعالى ربنا وجل. (يعتبر المتفكرون في آياته ولا يتفكرون في مائية ذاته). الاعتبار التأمل والنظر والآيات والعلامات والدلائل فالمراد: ينظر المتفكرون ويتأملون في دليل وجوده وجريان فضله وجوده ليصلوا إلى إثباته وتعظيمه والعلم بأفعاله وصفاته وعظمة ذاته (ولا يتفكرون في مائية ذاته) لأنه لا يعرف بالمائية ولهذا قال فرعون: {وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ} [الشعراء: 23] قال موسى عليه السلام {قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ} [الشعراء: 24] وجعل ما بعد ذلك من الجواب على وفق ذلك إما لأنه تعالى لا يوصف بالماهية ولا يعرف بها على أحد القولين وقد حكى الطرطوشي عن المحاسبي أنه قال لا يمكن أن تكون ذاته معلومة لنا

واحتج له إمام الحرمين بأن الكلي لا يمكن أن يكون معلوماً للجزئي لتناهي الجزئي وعدم تناهي الكلي. وقال المقترح في المباحث العقلية: حقيقة واجب الوجود وما يجب له من صفات الكمال ونعوت الجلال غير ممكنة الحصول لنفوسنا زاد الآمدي لقوله تعالى: {ولا يحيطون به علماً} [طه: 110] وهذا مذهب الغزالي وجماعة الصوفية لقولهم لا يعرف الله إلا الله ونقل ذلك عن الجنيد وعزاه الإمام لجمهور المحققين فالعلم بها ممتنع في الدنيا والآخرة. وقال قوم: يمكن علمها في الآخرة وقد اختصر السبكي الخلاف في ذلك في " جمع الجوامع " فقال حقيقته تعالى غالبة لسائر الحقائق قال المحققون: ليست معلومة لنا واختلف هل يمكن عملها في الآخرة انتهى، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً على أصحابه فوجد جماعة مجتمعين فقال " فيم أنتم " فقالوا نتفكر في ذات الله فقال: «تفكروا في مخلوقاته ولا تتفكروا في ذاته». قال بعض العلماء: لأن الفكر في ذاته ربما أدى إلى شك أو وهم والتفكر في مخلوقاته يؤدي إلى علم أو فهم قالوا وفي القرآن أربعمائة آية كلها دالة على النظر والاستدلال إما نصاً صريحاً وإما إشارة وتلويحاً والله أعلم. ولقد أحسن الشيخ أبو الحجاج الضرير في أرجوزته حيث يقول: والعلم بالمهيمن القهار ... بحسب الفكر والاعتبار والفكر في بديع مصنوعاته ... لا في صفاته ولا في ذاته إذ ليس ينتهي لكنه العظمة ... جل الله ربنا ما أعظمه والفكر في عجائب الخليقة ... من أفضل الطاعات في الحقيقة لأنه به تكون المعرفة ... وإنما يخافه من عرفه وأشار بالشرط الأخير لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28] العلماء فتأمل ذلك وبالله التوفيق. {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ}.

المراد بالعلم هنا المعلوم والمراد {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ} من علم معلوماته {إِلاَّ بِمَا شَاءَ} أن يحيط هم به فإن علمهم ينتهي إليه بتعليمه إياهم ولولا ذلك لم يعلموه {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} قيل: المراد بالكرسي العلم أي وسع علمه السموات والأرض {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 3] وقيل: كرسيه ملكه لأن الكرسي من لوازم الملك كالعرش فعبر به عنه من باب ذكر الشيء بلازمه، وقيل مخلوق عظيم دون العرش السموات والأرض فيه كحلقة ملقاة في فلاة. قال شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله: يعني إذا مدت كل واحدة إلى جانب الأخرى والسموات والأرضون مع الكرسي في العرش كحلقة ملقاة في فلاة والكل في قدرته تعالى كأدنى ذرة من الذرات وقيل هو العرش وقيل سرير دينه جعله تعالى لترتيب مملكته ولإظهار عظمته وقيل غير ذلك وقوله {وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}. معناه ولا يثقل عليه حفظ الكرسي وما فيه السموات والأرض وما في أنفسهما في قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41] وهو العلي في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله عن كل نقص وحدوث بل عن كل كمال لا يليق بذاته الكريمة فضلاً عن النقائص العظيم في علوه كما أنه علي في عظمته إذ يصغر عند ذكر وصفه كل شيء سواه فافهم وبالله التوفيق. تنبيه: مرجع هذه العقيدة بل وكل عقيدة إلى ثلاث. أولها: إثبات الذات الكريمة كما يليق بها من كمال التترية ونفي التشبيه والرجوع لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. والثاني: العلم بأسمائه تعالى وصفاته وما يرجع إليها من إجلال وتعظيم وتتريه. والثالث: العلم بأفعاله تعالى الواقعة والمتوقعة والجائز نفياً وإثباتاً، وقد تكلم الشيخ على الأول من أول العقيدة إلى هنا ثم افتتح الكلام بالصفات والأسماء بقوله (العالم والخبير) على قوله والمقدر لحركاتهم وآجالهم ثم أتى بالثالث من قوله (الباعث

الرسل إليهم) أخر الباب فاعرف ذلك وتأمله وبالله التوفيق. (العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير). العالم من قام به العلم قاله الأشعري قال القاضي: والعلم عرفة المعلوم على ما هو به وألزم الطرد والعطس وإن كل علم معرفة وكلها علم قال بعضهم فالتزمه يريد منع الإطلاق لعدم التوقيف فلا يقال فيه عارف لعدم وروده شرعاً لأن الصحيح مذهب الشيخ الأشعري: إن الأسماء توفيقية لا تشبت إلا بكتاب أو سنة أو إجماع وفي خير الآحاد قولان المنع للشيح لقوله تعالى: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28] والجواز للجمهور لأنها عبادة وعمل ونظر غير واحد من الأئمة في تفسير القاضي العلم من حيث أن المعرفة جزئية والخبير فعيل من الخبر كالعليم من العلم أتى به للمبالغة. قيل: وهو معنى العلم، وقد قال الشيخ ناصر الدين: إن المبالغة في العلم لكثرة المتعلقات لأن حقيقة العلم لا تقبل المبالغة قال والخبير بمعنى العليم في بناء المبالغة إلا أن الخبير قد يراد به المخبر ويشعر بإخباره عن الخفيات وقد يراد به المختبر ومنه قيل للفلاح خبير لاختباره حال الأرض في الحرث ويراد به المطلع على الشيء المشاهد له والله تعالى خبير بهذه الاعتبارات فهو مخبر ومختبر ومشاهد لما غاب ولما حضر ومطلع على ما ظهر واستتر انتهى. وعلى هذه الوجوه قيل معناه: الذي عنده خبر كل شيء فلا يغيب عن علمه شيء، وقيل: المخبر عن الأشياء والمظهر لها على وفق علمه، وقيل: المختبر للأشياء أي مظهرها على وفق علمه كما يأتي بعد هذا من قول الشيخ علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره أي جرى ما قدر على ما علم والمدبر بالدال قبل الموحدة هو المبرم للأشياء على علمه بأدبارها أي عواقبها وما يؤول إليه أمها، ولم يرد هذا الاسم في كتاب ولا سنة وإنما ورد معناه في الوصف في مواضع من كتاب الله فقال تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} في سورة " يونس ". وقال عز من قائل: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ} " في سورة الرعد "، وقال جل علا {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} [السجدة: 5] وقد اختلف في اشتقاق

الأسماء من الصفات والأفعال على قولين فمنع الشيخ الأشعري وأجاز غيره، وكأنه مذهب الشيخ هذا وهو ظاهر مذهب عامة المتصوفة إذا طابق المعنى وأفاد أدباً وكان ما اشتق منه ثابتاً بقاطع من كتاب أو سنة أو إجماع. وقد قال الشيخ أبو العباس بن البنا: لا يصح أن تكون أسماء الله مشتقة من شيء لأن المشتق مسبوق بالمشتق منه وأسماؤه تعالى قديمة فلا يصح أن تكون مشتقة من شيء قال: وإنما الأشياء مشتقة منها لقوله في الحديث هي «الرحم وأنا الرحمن شققت لها اسما من اسمي» ومنه قول حسان رضي الله عنه: وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد قال: وإنما يقال في مثل اسمه السلام فيه معنى السلامة قال بعض الشيوخ: وما ذكره لا يدفع ما وقع من أئمة الاشتقاق لأنه بمعنى ما ذكر ومرادهم جرى الاسم بمعنى ملحوظ فيه والله أعلم. وقيل: المدبر المريد أي المخصص للأشياء بما أراد من زمان معين وكيف ونحوه وقد وقع في بعض النسخ بهذا اللفظ وإن كان الصحيح خلافه فالمراد إثباته ويشهد لذلك اقترانه بالعليم أولاً وبالقدير آخراً لأن الصفات الثلاث هي التي شهد فيها وجود المخلوقات فالعلم دليل الإيقان والإرادة للتخصيص والقدرة للإبراز فوجود العالم متقناً دليل على علم موجده، وكونه مخصصاً بزمان ومكان وكيفية دليل على الإرادة وإبرازه من العدم إلى الوجود دليل القدرة والكل شاهد بالحياة؛ لأن ذلك لا يكون من ميت ولا موات، والقدير فعيل من القدرة أتى بصيغة المبالغة لكثرة المتعلقات وقوة التأثير. ثم العلم عام التعلق فيتعلق بالواجب والمستحيل والجائز والإرادة تتعلق بالجائز نفياً وإثباتاً والقدرة إنما تتعلق بالجائز المستحق وقوعه وتعلق القدرة بالأشياء قبل وجودها تعلقاً صلاحياً وعند إبرازها تعلقاً تنجيزياً وكذا الإرادة في تخصيصها ويتعلق العلم بالواجب من حيث وجوبه ووجوده كالعلم بذاته وصفاته وأسمائه وبالجائز من حيث جوازه وثبوته أو انتفائه وبالمستحيل من حيث نفيه وعدم قبوله الثبوت وما يجري بتقدير وقوعه كقوله {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ومذهب أهل الحق أن هذه صفات زائدة على الذات لا عينها ولا متعلقة بغيره وسيأتي الكلام في

ذلك إن شاء الله. والسميع البصير صفتان زائدتان كغيرهما ليستا براجعتين إلى العلم. إذ قد أثبتهما القرآن مع ذكره أي: العلم، وقال الأستاذ أبو منصور هما راجعتان إليه، والصحيح خلافه، وأنهما واجبتان لكماله تعالى إذ لا يمنع منهما إلا الآفة لو كان الرب تعالى مؤفاً لكان ناقصاً في وصفه قال بعضهم: ولو كان كذلك؛ لكان في المخلوق من هو أكمل منه، ومهما وقع النقص في حق البارئ، والكمال في حق المخلوق فتلك إذا قسمة ضيزي. وقال الإمام الغزالي – رحمه الله – ولو كان تعالى غير سميع ولا بصير لقلب أبو إبراهيم الحجة عليه حيث قال: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ} [مريم: 42] بأن يقول: والذي تدعو إليه أنت كذلك مع أنه تعالى يقول: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} انتهى. وفيه حجة على البلخي ومعتزلة بغداد إذ أنكروا السمع والبصر والعلي الكبير هو المتعالي عن أوصاف خلقه الذي لا يدرك كنه علوه وكبريائه غيره، وعلوه، وكبرياؤه المزية والمنزلة والمكانة والأوصاف المعنوية لا المكان والأوصاف الحسية فبصره لا بحدقة وأجفان، وسمعه لا بأصمخة وآذان، وكلامه لا بلهاة وشفة ولسان، كما يعلم بغير قلب، ويبطش بغير جارحة، ويخلق بغير آلة، ويدبر بغير فكرة وترتيب، وأن لا يحجب سمعه بعد، ولا يدفع رؤيته ظلام، لأن هذه كلها من لوازم النقص والحدوث وصفاته تعالى لا نقص، ولا حدوث فيها فيجب لصفاته تعالى من التتريه والتعظيم ما يجب لذاته الكريمة. (وإنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان يعلمه). يريد فوقية معنوية كما يقال: السلطان فوق الوزير والمالك فوق المملوك والشريف فوق الدنيء لا أنها حسية، كالسماء فوق الأرض وما في معناه لانتفاء الجهة في حقه تعالى لما يلزم عليها من النقص والحدوث، والعرش في اللغة: عبارة عما علا وارتفع، ومنه جنات معروشات، والمراد هنا مخلوق عظيم جامع للكائنات، الكرسي والسموات في جنبه كحلقة ملقاة في فلاة هو أجل الموجودات وأعلاها منصباً وأشرفها قدراً سوى بني آدم والملائكة فهو فوق العالم كله في الجلالة والرفعة، لكن رفعته

وجلالته إنما هي بجعل من الله له لا بذاته ولا لذاته ولا من ذاته فهو. وإن كان رفيعاً جليلاً فرفعة الحق تعالى وجلالته فوقه؛ لأنه امن ذاته بذاته لذاته، والمجيد يقال: بالخفض على أنه صفة للعرش، وبالرفع صفة لله تعالى، وهو الأظهر وكل صحيح، والتقدير أنه فوق عرشه المجيد الذي هو الرفعة والجلالة وإن كان العرش مجيد فإن مجده بتمجيده تعالى وهو قوله (مجيد بذاته) لا يتوقف على تمجيد غيره. وقد قال بعض الشيوخ: إنما أحوج الشيخ لهذه العبارة الواهمة دفع ما ادعاه العبيديون في زمانه في شأن رقاده، ورأى أن اعتقاده الجهة مع التعظيم أيسر أمر مما كانوا يعتقدونه، وقد سئل عز الدين بن عبد السلام عن كلام الشيخ هذا: هل ظاهره القول بالجهة أم لا؟ فأجاب ظاهره القول بالجهة والصحيح أن القائل بالجهة لا يكفر. وقال ابن أبي حمزة: القائل بالجهات لا يكفر؛ إذا لم يقبل عقله غيرها واستدل له بحديث السوداء، وفيه نظر، وما ذكره الشيخ هنا نقل ابن مجاهد في إجماعاته ما هو أعظم منه فقال: وما أجمعوا على إطلاقه أنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه يريد إطلاقاً شرعياً؛ لأنه لم يرد في الشرع أنه في الأرض فلهذا قال: دون أرضه، وهذا مع علمهم بثبوت استحالة الجهة عليه تعالى مع معرفتهم بفصاحة العرب واتساعهم في الاستعارات. ونقل الشيخ في المختصر والنوادر هذا الكلام بعينه وغير صورته هنا؛ لقصد اختصاره، وبالجملة فإخراجه عن ظاهره المحال واجب، وعذر الشيخ في ذكره واضح ونقله عن السلف قاطع لحجبة المعترض وبالله التوفيق. وقوله: (وهو في كل مكان بعلمه) يعني: وعلمه محيط بكل مكان كما قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7] الآية. وقد قال بعضهم: في هذه نفي لما يتوهم في التي قبلها؛ لأن الواحد بالذات لا يتعدد مكانه بل هو تعالى منزه عن المكان وكأنه يقول: هو فوق العرش من حيث الجلالة والعظمة لا من حيث الحلول والاستقرار. وقالت الكرامية والمشبهة: هو فوق العرش، وهو خروج وضلال.

وقالت النجارية: هو في كل مكان بذاته. وقالت المعتزلة: هو في كل مكان بالعلم لا بالذات وظاهر كلام الشيخ ينحو إليه، فلذلك قال ابن رشد في ذلك إنما يقال علمه محيط بكل شيء، وحكى ابن الفاكهاني عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كل عام مخصوص في كتاب الله إلا في أربع آيات أولها: قوله تعالى: {واللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، والثانية: قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ} [آل عمران: 185] والثالثة: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] والرابعة: قوله: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] فهذا ما تيسر في هذه المسألة مما لابد منه وبالله التوفيق. (خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقر إليه من حبل الوريد). خلق: أوجد، وقيل: بمعنى قدر، وكلاهما صحيح، والأول أظهر، والإنسان: الجنس الآدمي، وقيل: المراد هنا آدم، والصحيح الأول، وقيل: هو لفظ عام، والمراد به من سوى الأنبياء عليهم السلام لعصمتهم من الوسواس عن الوسوسة التي هي حركات النفوس الداعية للشر في مقتضى الاستعمال، قالوا: ولهذا أضيف إلى النفس التي أخبر الله تعالى عنها أنها أمارة بالسوء إلا من رحم، وإلا فأصلها في اللغة: الحركة الخفية في النفس والاختلاج ومنه سمي صوت الحلي وسواساً. قلت: والظاهر أنه المراد هنا؛ لأن المقصود إثبات العلم بخفيات السرائر، وهواجس الخواطر، وحركات الضمائر، وكل ما يليق به فلا يحتاج إلى تحاش واحتراز إلا عمد استشعار الإيهام والله أعلم. وهو – أي الخالق سبحانه – أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد هو الذي أقرب الأشياء إلى الإنسان من وجوده لجريان النفس فيه وبه، وإنما دل على أنه تعالى أقرب للعبد من نفسه ومن نفسه؛ لأن جريان النفس إنما يكون بعلمه وقدرته وإرادته فهو سابق الوجود قبل ظهور تصريفه كما قال في الحكم ما من نفس تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه، والقرب على ثلاثة: أوجه: قرب مسافة، وهو محال عليه سبحانه فليس مراداً هنا، وقرب كرامة وليس مراداً أيضاً؛ لأنه عبارة عن غاية الإحسان والإكرام وتوجه الأفضال والإنعام، وقرب إحاطة وهو بمعنى شمول العلم والإرادة والقدرة في

جميع الأحوال وهو المراد هنا، وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} [ق: 16]. فذكر الشيخ معنى الآية والمراد بالنفس قيل: الروح، وقيل: القلب، وقيل: وجود الإنسان، وقيل: ذات الشيء وعينه وحقيقته، وقيل: دمه وكلها تصلح في هذا الموضع إلا الدم، وحبل الوريد: العرق الذي يجري بالنفس في صفحة العنق عبر به؛ لتقريب التعريف لغاية القرب الذي لا يخفي معه شيء من وجود الإنسان، وإضافة الحبل إلى الوريد من إضافة الجنس إلى نوعه كصلاة الأولى، وبقلة الحمقاء. قال الشيخ ناصر الدين: وليس من إضافة الشيء إلى نفسه كما زعم بعضهم، قيل: وهما وريدان عن يمين وشمال، وقيل: هو في الإنسان عرق واحد يسمى في العنق الوريد، وفي القلب الوتير، وفي الظهر الأبهر، وفي الفخذ النسا بالفتح، وفي الخصر الإسلام، فانظر ذلك. وبالجملة فهو تعالى المحيط بكل شيء علماً وفوق كل شيء علواً فوقية لا تزيده قرباً إلى العرش والسماء بل هو رفيع الدرجات على العرش كمل أنه رفيع الدرجات عن الثرى، وهو مع ذلك قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شيء شهيد إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] وما ذكرته في هذا المحل كلام الإمام أبي حامد – رحمه الله – وعقيدته غير ذكر الآية الأخيرة وبالله التوفيق. (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين). يعني: ورقة من أوراق الأشجار أي ورقة كانت من أي شجرة كانت، فإنه يعلم سقوطها كما يعلم ابتداء وجودها، ومسافة محلها، ومدة بقائها، وحركتها، وسكونها، وتفصيل أبعاضها، وحيزها، وكيفيتها، ومكان سقوطها، وكيف تسقط، هل لظهرها أو لبطنها أو رطبة أو يابسة، وما يسبق ذلك، وما ينشأ عنه، وما يصحبه من أوصافها وخواصها وأحكامها وأسرارها إلى غير ذلك من شأنها، ويتعلق علمه بذلك قبل وجودها، وحالة كونها وبعد وجودها ويدخل في ذلك ورق شجرة أعمار بني آدم،

وهي على ما روي شجرة تحت العرش تشبه الرمانة ورقها على عدد بني آدم مكتوب في كل ورقة عمر صاحبها وملك الموت ينظر إليها. فإذا اصفرت ورقة إنسان علم قرب أجله، وإذا سقطت فقد استوفى، ثم إن سقطت لوجهها فشقي، وإن سقطت على ظهرها فسعيد، والله أعلم. وقوله (ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين). يحتمل أن يريد ولا تسقط من حبة رطبة ولا يابسة أو ما يكون من حبة رطبة ولا يابسة أو لا يكون من رطب ولا يابس حبة أو غيرها إلا كتاب هو اللوح المحفوظ مبين مفصح عن ذلك وقيل الكتاب المبين علم الله والحبة عبارة عن أقل القليل واختلف في الرطب واليابس فقيل عام في كل شيء مما لان وقسا وقيل الرطب قلب المؤمن واليابس قلب الكافر. وقيل الرطب أهل المدائن واليابس أهل البادية وظلمات الأرض ما تحت تخومها وأسفل سافلين والمقصود إثبات علمه تعالى بما دق وجل واتباع القرآن في ذلك إذ قال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 59] بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ويبصر حركة الذر في جو الهواء ويطلع على هواجس الضمائر وخفيات السرائر بعلم قديم قائم بذاته لا بعلم متجدد حاصل في ذاته بالحلول – والانتقال تعالى ربنا عن ذلك علواً كبيراً. (على العرش استوى وعلى الملك احتوى له الأسماء الحسنى والصفات العلي). وقع ذكر الاستواء على العرش في ستة مواضع من كتاب الله تعالى فقيل إن في ذلك من المتشابه الذي ينزه عن المحال ولا يتعرض لمعناه وهو مذهب السلف وجماعة من الأئمة وحمل عليه مذهب مالك إذ سئل عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فقال الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة فقوله معلوم يعني في كلام العرب له مصارف، وقوله والكيف غير معقول نفي لما يتوهم فيه من محتملاته الحسية إذ لا تعقل في حقه تعالى وقوله والإيمان به واجب؛ لأنه ورد

نصاً في القرآن قوله (والسؤال عنه بدعة). أنه من تتبع المشكل الذي وقع النهي عنه. وفي بعض رواياته والكيفية مجهولة وقد عدلنا عنها للرواية التي ذكرنا لأن غير المعقول لا يمكن العلم به والمجهول يمكن علمه والمقصود نفي التعقل في ذلك فرواية نفيه أولى وإن كان غيرها أكثر رواية ثم هذا مما تعارضت فيه الأدلة العقلية والظواهر النقلية وقد أصل الشيخ ابن فورك رحمة الله تعالى عليه لذلك أصلاً فقال: إذا تعارضت الأدلة العقلية مع الظواهر النقلية فإن صدقناهما لزم الجمع بين النقيضين وإن كذبناهما لزم رفعهما وإن صدقنا الظواهر النقلية وكذبنا الأدلة العقلية لزم الطعن في الظواهر النقلية لأن الأدلة العقلية أصول الظواهر النقلية وتصديق الفرع مع تكذيب أصله يقضي إلى تكذيبها معا فلم يبقى إلا أن نقول بالأدلة العقلية، ونؤول الظواهر النقلية أو نفوض أمرهما إلى الله ولأهل السنة قولان فعلي القول بالتأويل إن وجدنا لها محلاً يسوغه العقل حملناها عليه وإلا فوضنا أمرها إلى الله. قال وهذا القانون في هذا الباب والله الموفق للصواب، قال بعضهم ولئن كان التأويل أعلم فالتفويض أسلم ويسعنا ما وسع سلفنا من ذلك ولا يضرنا الجهل بتعيين المحمل إذا صح لنا التتريه ونفي التشبيه فليس ثم ألحن من صاحب الحجة بحجته وقد نسب الطرطوشي لمالك القول بالتأويل ونسب له غيره القول بالتفويض وبه قال الشافعي إذ قال آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله وعليه جرى الإمام أبو حامد حيث قال: وإنه مستو على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بمحض قدرته ومقهورون في قبضته. وذكر السهروردي في " آداب المريدين " له إجماع الصوفية على أنهم يقولون في كل موهم ما قاله مالك في الاستواء كاليد واللسان والعين والجنب والقدم ونحوه فتأمل ذلك فإنه باب من التفويض وبالله التوفيق ولا خلاف في نفي وجوب نفي المحال وإنما الخلاف في تعيين المحل وفي هذه المسألة أوجه منها استوى بمعنى استولى ومنها استوى بالقهر والغلبة ورده ابن رشد بأنه يستدعي مقاهرة ومغالبة فانظره وقيل بمعنى ظهر

ظهور دلالة وتعريف لا ظهور حلول وتكييف وقيل غير ذلك مما ليس بمحال ولا آيل إليه خلافاً للكرامية والمشبهة. ومن قال بقولهم بأنه فوق العرش فهو كفر وخروج عن الدين أعاذنا الله منه وقوله (على الملك احتوى) يعني اشتمل فلم يدع لغيره ملكاً إلا هو مالك له والملك التصرف في المخلوقات بالقضايا والتدبيرات من غير منازع بنوع من القهر والجلال والعظمة وقوله (الأسماء الحسنى) يعني التسميات الحسنة الجميلة قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]. وقوله: (والصفات العلى) يعني الصفات العلية الرفيعة الجليلة وقد تكلم علماؤنا في الاسم والمسمى والصفة والموصوف فأما الاسم فقال صاحب الأنوار إنها أربعة ألفاظ اسم وتسمية ومسم ومسمى ثم قال وأطبق القوم يعني الأصوليين على أن التسمية غير الاسم وغير المسمى وهي صفة قائمة بالمسمى، قال: وإنما الخلاف في الاسم والمسمى فقالت المعتزلة والكرامية والجهمية: الاسم غير المسمى. وقال أكثر المشايخ: أهل الحق على أن الاسم حقيقة في المسمى مجاز في التسمية وعكست المعتزلة. وقال الأستاذ أبو منصور الثعالبي من أصحابنا حقيقة فيهما وعند ابن السبكي الكلام في هذا مما لا ينفع علمه ولا يضر جهله وأنكر جماعة الكلام فيه ورأوه بدعة منهم الشافعي وغيره فانظر ذلك. (تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة). أما الصفات فلا يصح حدوثها ولا قيامها ولا بعضها بحادث للزوم حدوث من قامت به الحوادث واستحالة اتصاف الحادث بالقدم لأن ما لا يعرى عن الحوادث لا يسبقها وما لا يسبقها فهو حادث مثلها وقد خالف في ذلك البلخي من المعتزلة ومعتزلة بغداد واضطرب مذهبهم فيه وكله باطل وأما الأسماء فما كان بنص من القرآن فلا إشكال في قدمه لأنها من كلام الكريم فلا يصح أن تكون محدثة وقد سئل محمد ابن موسى الواسطي من المتصوفة عن قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فقال: ليس كذاته ذات ولا كصفاته صفات ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل إلا من حيث موافقة اللفظ وجلت الذات القديمة أن تكون لها صفة حادثة كما استحال أن يكون للذات

الحادثة صفة قديمة. قال الأستاذ: أبو القاسم القشيري - رحمه الله - هذه الحكاية جمعت مسائل التوحيد أو كلاماً هذا معناه فانظره وظاهر كلام الشيخ أن الأسماء لا تؤخذ بالاشتقاق وإنما تؤخذ من كلام الله تعالى فبذلك يصح قدمها وقد اختلف العلماء في هذا الأصل فمذهب الجمهور أن الأسماء توقيفية خلافاً للمعتزلة وللقاضي من أهل السنة مثلهم وتوقف إمام الحرمين وفصل حجة الإسلام الغزالي لأن الخطر عظيم يعني من خوف الخطأ المؤدي إلى الإلحاد في أسمائه تعالى والذي ورد به الشرع تسعة وتسعون اسماً. قال الحافظ بن شهاب الدين بن حجر: والتحقيق أن سردها مدرج من قول الصحابي أو غيره مع احتمال الرفع فمن رآها للتعبد قبل ذلك ومن رأى المسألة علمية لم يقبل غير ما ثبت بقاطع ثم من الأسماء والصفات ما يقال هي هو وهي أسماء الذات وصفاتها النفسية وما يقال هي غيره وهي صفات الأفعال كالخلق والرزق وما في معنى ذلك وما لا يقال هي هو ولا هي غيره ولا هي فيما بينهما أغيار بمعنى لا يصح ذلك أو يتوقف عنه وهي الصفات المعنوية وصفات المعاني عند أهل السنة قالوا والاسم غير الصفة لأنها معنوية وهو قولي والله أعلم. (كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته لا خلق من خلقه وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله). ذكر في هذه الجملة أنه تعالى متكلم بكلام هو صفة له وأن موسى عليه السلام سمع ذلك الكلام وأنه مرئي الذات كما يليق بجلاله وأن القرآن شاهد بذلك ومثبت له وقد أجمع أهل الملل والمذاهب على أنه تعالى متكلم لأن الأنبياء أجمعوا عليه وقد ثبت صدقهم بالمعجزات من غير توقف على إخبار الله تعالى من صدقهم بطريق التكلم فلا يلزم الدور وإنما الخلاف في المراد بالكلام فذهب أهل الحق أن كلامه تعالى صفة قديمة قائمة بذات زائدة على ذاته كسائر صفاته المعنوية من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر خلافاً للمعتزلة في إثباتهم ذلك للذات من غير صفتها فكل ما أثبت أهل السنة أثبتوه وإنما نفوا كونه معنى زائداً على الذات فراراً من تعدد القديم ولما رأى أهل السنة أن نفي المعنى نقص وأن الصفة والموصوف غير متعددين في الخارج وإن تعلقت الزيادة

لأن الصفة لا تعقل بغير ذات كما أن الذات من لوازم الصفة؛ لأنه معنى راجح إليها أثبتوها ثم الكلام عند أهل الحق صفة قائمة بنفس المتكلم تدل عليها العبارات وما يصطلح عليه من الإشارات قال الأشعري: فهو حقيقة في النفس مجاز في اللسان أحتج لذلك بقول الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً وجمهور المتأخرين على أنه حقيقة فيهما قال إمام الحرمين هو مجاز في النفس حقيقة في اللسان وقد قال تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ} [المجادلة: 8] فأثبت الكلام للنفس وقال عمر رضي الله عنه " زورت في نفسي مقالة أو كلاماً أقوله ". وأجمع العقلاء على أن الآمر لعبده بشيء لا بد أن يجد من نفسه اقتضاءه أو طلباً يدل عليه فذلك هو كلامه النفسي ولا صوت ولا حرف فهو دال على ثبوت كلام لا صوت له ولا حرف كما نقوله في كلام ربنا غير أنا نمنع المماثلة والمشابهة جملة وتفصيلاً فتأمل ذلك وبالله التوفيق. وقد قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164] قال علماؤنا فأكد بالمصدر ليرفع المجاز وأن تكليمه له حقيقة وقد قال بعضهم اجتمعت الأئمة سنيها وبدعيها على أن الله تعالى كلم موسى واختلف في الكيفية. فقال أهل الظاهر نؤمن بالكلام ولا نتعرض للكيفية لأنه من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله وقال أهل الباطن خلق الله لموسى فهما في قلبه ولم يخلق له سماعاً لصوت ولا لغيره. وقال أهل السنة خلق الله لموسى – عليه السلام – فهما في قلبه وسمعاً في أذنيه سمع به كلامه ليس بصوت ولا حرف كما يرونه في الآخرة بغير جهة ولا كيف سمعة بإذنه وفهمه بقلبه وعلم بضرورته أن المكلم له ربه. قال ابن فورك وعلى هذا إجماع المسلمين قلت وفي بعض التقاييد أنه سمع ذلك بكل جهاته فراراً من الحصر المؤدي إلى الجهة وهو مراده بإثبات جهات ومذهب أهل الحق أن كون السامع في جهة لا يلزمه كون المسموع من جهة وكذلك القول في الرؤية وقد ذكر ذلك الشريف وغيره في شرح الإرشاد فانظره وعن الأشعري أن الله

تعالى خلق في موسى – عليه السلام – معنى أدرك به كلامه وعلم أن المكلم له ربه يعلم ضروري خلقه له وفيه بحث من جهة أن كونه لا شبيه له لا ينفي الاشتباه عنه فلا يحتاج إلى دليل يدل على أنه هو والله أعلم. وقول الشيخ لا خلق من خلقه قصد به الرد على المعتزلة القائلين إنما سمع عليه السلام صوت شجرة بناء على مذهبهم في إنكار الكلام النفسي والمتكلم حقيقة فاعل الكلام وهو باطل لما يلزم عليه من نفي خصوصية موسى عليه السلام بالتكليم وذلك أن الكلام كله إن كان قديماً فهو صفته وإن كان حادثاً فهو فعله فلو كان موسى إنما سمع كلاماً مخلوقاً في الشجرة أو في غيرها لم تكن له خصوصية في قوله تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] إذ كل من سمع كلاماً فقد سمع كلام الله الذي يضاف إليه إضافة ملك وأي مزية وخصوصية مع ذلك وقوله (وتجلى للجبل) يعني ظهر له ظهور اقتضى له الاندكاك لما شهد من العظمة والجلال والجبل هو الطور والدك وهو المستوي بالأرض ومنه قولهم ناقة دكاء لا سنام لها فهي مستوية للظهر. وفي هذا الكلام دليل أن الله خلق في الجبل إدراكاً حصل له به العلم بجلاله والرؤية التي أوجبت له الاندكاك والحياة التي لا بد منها في تحقيق ذلك وفي هذا دليل لإثبات الرؤيا وسيأتي الكلام عليها في محلها بعد إن شاء الله تعالى. (وإن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيدو لا صفة لمخلوق فينفد). القرآن في اللغة المجموع من قريب الماء في الحوض إذا جمعته وقد اشتهر عند المتكلمين إطلاقه على كلام القديم وإن كان قد يراد منه ما يؤدي به من حروف وغيرها وكونه ليس بمخلوق وهو مذهب أهل السنة لأنه لو كان مخلوقاً لباد أي فنى كما تفنى الجواهر ونفد كما تنفد الأعراض وليس بجوهر ولا عرض حتى ينفد أو يبيد، وقد قال رجل لبعض المعتزلة أحسن الله عزاءك في الفاتحة فأنكر مقالته فقال: أنت تقول مخلوقة وكل مخلوق يموت. قال الشيخ ناصر الدين وكل معتقد أن القول بأن القرآن مخلوق محرم بخلاف قول القائل قراءتي ولفظي بالقرآن مخلوق كما ذهب إليه البخاري وأبو سعيد الكلاعي

وأكثر المتأخرين بحدوث الحروف والأصوات والكتابة الدالة عليه وامتنع أحمد بن حنبل من هذا الإطلاق فقيل له لفظي بالقرآن مخلوق فقال لا أقول ذلك، ولا يسمع مني التلفظ بالخلق مع ذكر القرآن حسماً للذريعة حتى لا يحتج به المبتدعة في القول بخلق القرآن وصبر على ما أوذي في الله لأجل امتناعه إذ سجن وضرب لأجل ذلك، ثم طرأت بعده فرقة ادعوا أن مذهبه قدم الحروف وغلوا في ذلك حتى قالوا إن جلد المصحف وعلاقته قديماً. قال المحققون وكفى بهذا شاهد على جهلهم وكلامهم باطل بالضرورة فإن حصول كل حرف مشروط بانقضاء الآخر وقد رأيت تأليفاً للشيخ تقي الدين السبكي في الرد عليهم في ذلك وغيره مما نسبوه للإمام وهو بريء منه وحرر مقالته في ذلك وبين كونها كمذهب السلف دون ما يدعونه وقد حرر ذلك الشيخ أبو الحجاج في أرجوزته أتم تحرير فقال: قراءة الخلق صفات لهم ... فواجب حدوثها مثلهم وقوله المقروء من صفاته ... فواجب قدمه كذاته وهو الذي سمعه الكليم ... وهو كلام ربنا القديم ليس له شبه ولا مثال ... ولا له عن ذاته انتقال وهذه الرسوم والأصوات ... دلائل عليه موضوعات كما يدل الذكر والكتاب ... عليه جل الملك الوهاب ثم القراءة ذوات غاية ... وليس للمقروء من نهاية فنوعب القرآن بالكتاب ... وليس للمقروء من إيعاب كما أتى في محكم القرآن ... في آخر الكهف وفي لقمان يعني قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] الآية وقوله عز وجل {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: 27] الآية ولم يزل السلف يطلقون القرآن ليس بمخلوق وإن لم يتعرضوا للفرق بين التلاوة المتلو وإن كان الفرق موجوداً حتى قال علي بن أبي طالب

كرم الله وجهه أتظنون أني حكمت مخلوقاً لا والله ما حكمت إلا القرآن. وسمع ابن عباس رجلاً يقول يا رب القرآن فنهاه وقال القرآن غير مربوب إنما المربوب المخلوق ولم يحفظ عن مالك وطبقته إلا أن القرآن غير مخلوق دون زائد على ذلك وهو مذهب السلف والله أعلم. (والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه). هذا معطوف على أول الباب أعني قوله من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله واحد والإيمان بالقدر وأنه جار بالخير وهو ما فيه نفع وبالشر وهو ما فيه ضر وبالحلو هو ما فيه لذة وبالمر وهو ما فيه تألم يؤمن بأن كل ذلك قد قدره الله ربنا قالوا وفي قوله (وكل ذلك) للتفسير والمقصود أن كل الحوادث بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره خيراً كانت أو شراً طاعة كانت أو معصية لكن الطاعة بقضائه وقدره ومحبته ورضاه؛ أمره والمعصية بإرادته وقضائه وقدره وسخطه وكراهته لا بأمره ومحبته ورضاه لأن المحبة والرضا إرادة الشيء مع استحسانه. وهذا لا يتحقق في المعصية ولا فرق بين الإرادة والمشيئة خلافاً للكرامية وقالت المعتزلة: الكفر والمعاصي ليست بإرادته تعالى، لأن الإرادة عندهم مطابقة الأمر وعند المحققين مطابقة الفعل فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وقالت المعتزلة المعاصي ليست بقضاء الله وقدره كما قالوا في الإرادة لنا قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]. وقد قال – علي كرم الله وجهه - «لقدري أتقدر بالله أو مع الله أو دون الله فإن قلت بالأول فأنت مؤمن بالله والقدر وإلا ضربت عنقك» وقال لآخر «خلقك الله كما شاء أو كما شئت» قال كما شاء قال ويصرفك فيما شاء أو فيما شئت قال: فيما شاء قال: ويصيرك إلى ما شاء أو إلى ما شئت قال إلى ما شاء قال إذا فليس لك من الأمر شيء انتهى. ومعنى قوله (مقادير الأمور بيده) أي تقديرها والحكم بها تحت قهره وقدره وأمره فإن اليد عند التأويل في حقه تعالى راجعة إلى القدرة وقد فرق بعضهم بين القضاء والقدر فقال الحكم الكلي الإجمالي في الأزل القضاء والقدر جزئيات ذلك

الحكم وتفاصيله ذكره صاحب التوشيح في التنبيه على الجامع الصحيح فالأشياء صادرة من قضاء الله أي حكمة جارية بتقديره. (علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره). يعني أن علمه سابق للمعلومات فما علم أنه يكون إرادة وما لا فلا خلافاً لمن يقول إنه لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها وهو مذهب قدماء القدرية ومنهم تبرأ عبد الله بن عمر المذكور في حديث القدر المذكور أول كتاب مسلم كذا قال عياض وقد قال الشيخ أبو العباس بن البناء في قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ} [الأحزاب: 18] الرب تعالى أعلم ويعلم لأنه عليم لأنه عالم لأنه علم ويعلم انتهى. وهو عجيب والحاصل أن الأشياء إنما تصدر عن علمه وإرادته وقدرته وقوله (لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه الله وسبق علمه به) يعني فالكل منه وإليه قال الإمام الفخر ومما يتمسك به في هذا الأصل إجماع السلف قبل ظهور أهل الأهواء على كلمة متلقاة بالقبول غير معدودة في المجملات وهو قولهم ما شاء الله كان ولم يشأ لم يكن وذكر الآية الواردة في ذلك ثم قال ولنا في العقل مسلكان أحدهما البناء على خلق الأفعال وقد بينا أن كل خلق فالله تعالى بارؤه وخالقه ثم يجب من ذلك أنه مريد لكل حادث أراد إيقاعه واختراعه. الثاني: أن تقول اتفق مثبتو الخالق على تعاليه وتقدسه عن سمات النقص ووصف القصور ثم اتفق أرباب الألباب على أن نفوذ المشيئة أصدق آيات الملك والسلطان وأحق دلالات الكمال ونقيض ذلك نقيض دليل نقيضه قال فإذا زعمت المعتزلة إن معظم ما يجري من العباد فالرب تعالى كاره له وهو واقع على كراهته فقد قضوا بالقصور وهو محال في حقه سبحانه انتهى. فتأمله فإنه مليح. (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير). استشهد بهذه الآية على أن علمه بالأشياء قبل وجودها وحال وجودها بعد وجودها والتقدير كيف لا يعلم الخالق خلقه قبل خلقه وحال خلقه وبعد ذلك في استمرار ووجوده (وهو اللطيف) أي الخفي عن الإدراك والموصل لعباده ما يريد بهم من حيث لا يشعرون إن ربي لطيف لما يشاء (والخبير) المختبر للأشياء أي المظهر لها

على وفق علمه والذي عنده خبر كل شيء من جليل وحقير على التفصيل ولا يقال على الجملة قال القاضي في الهداية تعالى الله عن أن يوصف بأنه يعلم الأشياء جملة لأن العلم بالجملة جهل بالتفصيل فتعالى عن ذلك علواً كبيراً انتهى. ونقله ابن خليل في شرح أرجوزة الضرير وقد رأيت الهداية في خزانة جامع القرويين من مدينة فاس وفي نحو أربعين جزءاً كل واحد أكبر من الرسالة وبالله التوفيق. (يضل من يشاء فيخذله بعدله ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله). تقدم معنى هذه الألفاظ وهي ستة الضلال ويقابله الهداية: والخذلان ويقابله التوفيق والعدل ويقابله الفضل فالضلال التلف عن الحق والهداية الإرشاد والدلالة عليه والخذلان صرف والإعانة والتوفيق توجه الإعانة والعدل ما للمالك أن يفعله من غير منازع والفضل إعطاء الشيء على غير عوض ولا استحقاق وقد نطق القرآن بأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء من غير إسناد إلى سبب ولا علة. (فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد). يعني أن كل عبد مهيأ لما أعد له من شقاوة أو سعادة بتهيئة الله سبحانه وكل بقدرته وإرادته تعالى جار على وفق علمه في جميع الحركات والسكنات والخطرات والإرادات طاعة أو معصية نعمة أو بلية لا تخرج عن علمه وقدرته وإرادته لفتة ناظر ولا فلتة خاطر ولا يجري إلا بما سبق علمه به أسعد من يشاء لا بوسيلة سبقت وأبعد من شاء لا بجريمة تقدمت لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولا تبديل لشقاوة ولا سعادة أزلية وإنما المحو والإثبات في جرائد الملائكة قال الله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] يعني في المكتوب على عباده {وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ} [الرعد: 39] الذي لا يقبل التبديل بحال لا تبديل لكلمات الله. وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وكل بالرحم ملكاً يقول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: ذكر أو أنثى شقي أو سعيد فيكتب في بطن أمه فإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا شبراً أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبينها إلا شبر

أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة» قالوا: يا رسول الله إذا نتكل على كتابنا وندع العمل قال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له فمن كان من أهل الجنة فييسر لعمل أهل الجنة ومن كان من أهل النار فييسر لعمل أهل النار» أخرجه أهل الصحيح في المتفق عليه وهو الأصل الذي يبنى عليه وبالله التوفيق. (تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد أو يكون لأحد عنه غنى أو يكون خالق لشيء إلا هو). بل لا يكون إلا ما أراده لأنه الفعال لما يريد ولا غني لأحد عنه لأن أمر الدنيا والآخرة بيده ولا خالق لشيء سواه بل هو خالق الذوات والصفات والأفعال والحسن والقبيح بالنسبة إلينا قال الله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الزمر: 62، 63] الآية. وكلام الشيخ هنا كله رد على القدرية فقد حكي أنه اجتمع عبد الجبار الهمداني وأبو إسحاق الاسفرائيني في موضع فقال عبد الجبار سبحان من تنزه عن الفحشاء ففهم عنه أبو إسحاق أنه يريد عن خلقها وإنها كلمة حق أريد بها باطل فقال سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء فالتفت إليه عبد الجبار وعرف أنه فهم عنه فقال أفيريد ربنا أن يعصى فقال أبو إسحاق فيعصى ربنا قهراً. فقال عبد الجبار أرأيت إن منعني الهدى وسلك بي سبيل الردى أحسن إلي أم أساء فقال أبو إسحاق: إن منعك مالك فقد أساء وإن منعك ماله فيفعل في ملكه ما يشاء فانصرف الحاضرون وهم يقولون: ليس عن هذا جواب ويحكى أن هذا الجواب بعينه وقع للحسين بن علي رضي الله عنهما مع معتزلي فمر المعتزلي وهو يقول الله أعلم حيث يجعل رسالته. «تنبيه»: قال علماؤنا يقال الله خالق كل شيء من نفع وضر وحلو ومر وخير وشر ولا يقال خالق القبائح والشر ورأوا الكفر والمعاصي والقاذورات والقردة والخنازير. ولا يضاف اسم من أسمائه إلى ذلك أدباً معه سبحانه قال الإمام أبو حامد وهذا

هو المختار من مذهب أهل السنة وقال أبو الفرس الصواب الجواز حيث لا إيهام ومنعه حيث الإيهام ومن أدلة غناه وافتقار الكل إليه قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: 15 - 17]. وقد قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه الحق تعالى مستبد والوجود مستمد والمادة من عين الجود فلم انقطعت المادة لانهد الوجود انتهى ومعنى مستبد قائم بنفسه لا يحتاج إلى غيره والمستمد طالب المادة وهي إيصال ما ينتفع به والجود العطاء الذي لا علة له والله أعلم. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 3] الآية فلا خلق لشيء سواه سبحانه. (رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم). الرب هو المالك فمعنى رب العباد مالكهم والعباد الخلق ومالك أعمالهم لأن موجد المركب موجد أجزائه وأحكامه وإلا فليس له وقالت المعتزلة إن العبد يخلق أفعاله القبيحة ولا صنع لله فيها ولا يصح إضافتها إليه بوجه وكذا جميع الإضافات في غير الأشياء المحمودة لامتناع وجود ذلك منه تعالى وهو مذهب فاسد يؤدي إلى إثبات اللبس كقول لا فعل للعبد أصلاً وما يضاف إليه توسع ومجاز ومذهب أهل الحق أن العبد له قدرة تقترن بالفعل ولا تؤثر فيه وأنه مجبور في عين اختياره حتى قال بعض الشيوخ الفاسيين في ذلك مذهبنا أن لنا قدرة حادثة لسنا بها نقدر خالقنا أبي إطلاقها في قوله تعالى: {مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] ودليلنا على المعتزلة قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] وعلى الجبرية الفرق بين حركة المرتعش والمختار. وقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ} [الحج: 77] وما ورد من الثواب والعقاب وما ورد من تعليق الأحكام بأفعال المكلفين وقد قيل للحسن رحمه الله أجبر الله عباده قال الله أعدل من ذلك قيل أفوض إليهم؟ قال الله أعز من ذلك ثم قال لو جبرهم لما عذبهم ولو فوض إليهم لما كان للأمر معنى ولكنه منزلة بين المنزلتين كبعد ما بين السماء والأرض ولله فيه سر لا تعلمونه. وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقال تعالى: {وَمَا

وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] فالتقدير ما رميت اختراعاً إذ رميت اختياراً ولكن الله رمى اختراعا قال بعض العلماء وهذه المسألة لم يزل الخلاف فيها من لدن آدم إلى الآن ولا يرتفع إلى الأبد وسمعت شيخنا أبا يزيد عبد الرحمن الجزولي التونسي وكان قد أخذ عن الشيخ أبي عبد الله لأبي صاحب شرح مسلم وغيره يقول كان شيخنا يعني الأبي يقول كل أوجل ضلالة المعتزلة في ثلاثة الكلام في الكلام والكلام في القدرة الاكتسابية والكلام في الرؤية، قلت ولكل منها تحرير وتحقيق مذكور في كتب الأئمة يتعين تحصيله على كل طالب نبيل ويتعين على ضعيف العقل تحريره من الاشتباه وترك الاتساع في الخوض فيه طلباً للسلامة وبالله التوفيق. ثم مذهب أهل الحق أن الآجال والأرزاق مقدرة لا يتبدل ما في علمه منها والكلام في ذلك طويل عريض والله سبحانه أعلم. (الباعث الرسل إليهم لإقامة الحجة عليهم). الباعث هو الموجه والمشخص يقال بعثت الرجل إذا وجهته وأشخصته وأرسلته في أمر والرسول في اللغة السفير قال الجوهري السفير المصلح وهو في الشرع إنسان أوحي إليه بشرع أمر بتبليغه فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي قط وقيل النبي والرسول بمعنى واحد ولا يصح وقيل الرسول من جاء بشرع جديد أو كتاب جديد والنبي من جاء مجدداً لشريعة غيره كيوشع بن نون بلا خلاف استدل له بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ} [الحج: 52] فقرنهما في الإرسال وفرق بينهما في المعنى. وقوله عليه السلام: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» ومذهب أهل الحق أن بعث الأنبياء من الجائز المتحقق وقوعه وجعلته المعتزلة واجباً والبراهمة محالاً فأفرط الأولون وفرط الآخرون وهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وروي أن الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفاً والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر فقال المحققون هو خبر أحاد لا يفيد العلم وقد أعل بالوقف فنقر بجملتهم ولا نتعرض لعددهم ونعتقد أن أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم واختلف هل آدم رسول أو نبي فقط. قال المحققون وليس فيهم أنثى لأن النبوة تقتضي الاستشهار والأنوثة تقتضي الاستتار وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً} [الأنبياء: 7].

ونقل عن الأشعري خلافه لحديث أربع نبيات أم موسى وأم عيسى وسارة امرأة إبراهيم وآسية امرأة فرعون وما نقل ابن حزم من أنهن سبع وتأوله الغزالي بأن قال إن ثبت فتأويله رفيعات القدر وذكر ابن القطان في مراتب الصحابة عن إمام الحرمين الإجماع أن مريم ليست نبية وهو محجوج بالخلاف المذكور وقال في كتاب " الأنوار وأكابر العلماء " على أن أربعة من الأنبياء أحياء الخضر إلياس في الأرض وعيسى وإدريس في السماء قال والجمهور على أن لقمان ليس نبياً وكذلك الإسكندري. قلت: والخلاف في ذلك مشهور كالخلاف في الخضر فلا يلزم الجزم إلا بما أثبت الله لهم من الحكمة والتمكين في الأرض والاختصاص بالعلم اللدني ويفوض فيما وراء ذلك بالنبوة والرسالة بل والحياء ورسالة إلياس ثابتة بنص القرآن فلا يتوهم قصوره عن ذلك وإن اختلف في حياته وأفاد الشيخ بقوله لإقامة الحجة عليهم أنهم بعثوا لذلك ودليله قوله تعالى: {رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]. وبيان ذلك في قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ} [المائدة: 19] وإنما تقوم الحجة بعد ثبوت صدقهم وصدقهم إنما ظهر بجريان المعجزة على أيديهم والمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة قائم مقام قول الله صدق عبدي فاتبعوه. ورأيت في الوسيلة للعقباني فيما أظن أن ما وقع من الخوارق قبل النبوة للنبي يسمى كرامة وبعدها ولم يتحد به يسمى آية وبعدها وتحدى به فهو المعجزة قال في كتاب جمع الجوامع هو الدعوى وفي الشفاء لعياض أنه معنى قوله لا يأتي به غيري وقد ذكر العلماء شروط المعجزة وأنهاها الغزالي في كتاب منهاج العابد إلى عشرة فانظر ذلك فإنه يطول قالوا ولا يكفي مجرد الخارق ولو كملت شروطه بل لا بد من ظهور مكارم الأخلاق وظهور الاستقامة. وأدلة البشرى مع ذلك وبذلك يفرق بين السحر والكرامة حتى قال الشيخ أبو العباس بن البناء رحمه الله خرق العادة كرامة للمتبع واستدراج للمبتدع يفرق بينهما التوفيق في سلوك الطريق انتهى.

وقد ذكر في كلامه هذا فرق بين الكرامة وغيرها فكيف بالنبوة والله أعلم. (ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم). الختم والطبع والتمام والنهاية والتغطية على الشيء حتى لا يدخله غيره عند انتهائه والرسالة السفارة بين الله وعباده بوحيه لتقرير أحكامه ونحوها وقد تقدمت حقيقة النبي والرسول فأغنى عن الإعادة وفي الفرق بين النبي والرسول على وجه التحرير والدلالة كلام يطول والنبي مهموز وقد تبدل همزته ياء قيل وهو من النبأ أي الخبر لأنه المخبر عن الله بما تحقق عنده من وحيه أو كلامه وهو المبخر عن الله بواسطة الملك كذلك. وقيل هو من النبوة التي هي ما ارتفع عن الأرض لأنه المرتفع على أبناء جنسه وكل صحيح في حقه عليه الصلاة والسلام لأنه محا الأخبار عن الله كما ذكر والمرتفع على خلقه برفعته له سبحانه وقد تقدم أنه إنسان أوحى إليه بشرع فخرج بقولهم إنسان الملك إذ لا يسمى نبياً وإن أوحي إليه وقوله بشرع احتراز ممن لم يوح إليه بشرع وإن كان قد أوحي إليه إلا بشرع. وقد ذكر الحليمي والنسفي في تفسيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث للملائكة وادعيا الإجماع على ذلك ذكر الزركشي اختلافاً في أفضلية النبوة على الرسالة أو العكس وسيأتي إن شاء الله وإنما ذكر الله سبحانه في كتابه خاتم النبوة فقال ولكن رسول الله وخاتم النبيين لأنه يلزم من ختم النبوة ختم الرسالة ولا ينعكس لأن الرسالة أخص من النبوة ويلزم من رفع الأعم رفع الأخص كما يلزم من ثبوت الأخص ثبوت الأعم ولا ينعكس فافهم وتأمل ذلك. والنذارة الإعلام بمخوف وهو عذاب الله عند المخالفة لأمره ثم النذارة من خواص أهل الحق والظاهرين به بخلاف البشارة فإنه قد يأتي بها غيرهم وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر: 1، 2] ففاتحه في أول خطابه بالأمر بالإنذار لأنه قائم من بساط الحقيقة فظهر بالسطوة والصولة لأن ما جاء به حق لا حيلة فيه ولأنه لا يبشر إلا مطيع ولا مطيع إذ ذاك حتى إذا ظهر الفريقان ظهر بالبشارة فكان بشيراً ونذيراً. وقد أشار إلى ذلك الشيخ بقوله:

(فجعله أخر المرسلين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً). يعني بشيراً لأهل الصلاح بالفلاح أي البقاء في نعيم الأبد وأصل البشارة الخبر الصادق بخير أو شر ثم غلب استعماله في الخير علماً والدعاء إلى الله طلب الانحياش إليه والسراج المصباح مثل به – عليه السلام – لأنه يتناول منه ولا ينقص نوره بخلاف الشمس والقمر وغيرهما من النيرات وكونه منيراً في إشراقه لعموم دعوته وانتفاع العبد بضوئه كالقريب. وفي الصحيح أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب: 45] وحرزاً في الأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يميته الله حتى يقيم به الملة العوجاء قال البخاري يعني ما كانت عليه العرب مما يدعون أنه ملة إبراهيم ففتح به أعينا عمياً وآذانا صماً {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أخرجه البخاري وغيره ويكفي في كرامته أن عيسى عليه السلام من أمته إذ ينزل إلى الأرض فيكون فيها حكماً عادلاً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وإمامنا منا فهو أحد أكابر الملة وقد قيل إنه خاتم الأولياء والله أعلم. وقوله بإذنه أي بأمره يعني حسب ما أمره وبالله التوفيق. (وأنزل عليه كتابه الحكيم وشرح به دينه القويم وهدى به الصراط المستقيم). يعني وأنزل الله كتابه الذي هو القرآن العظيم المحتوي على الحكمة التي هي الإتيان بكل شيء على وجهه وعلى الأحكام الشرعية وقد أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير فجعله معجزاً في جملته وتفصيله {لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23] الآية. قال الشيخ أبو إسحاق فالإعجاز وقع بسورة وأحصر سورة فيه سورة الكوثر وهي ثلاث آيات فالإعجاز وقع بثلاث آيات والقرآن ست آلاف آية ونيف فيه ففيه ألفاً معجزة وزائد وقد سئل بعض العلماء فقيل له لكل كتاب ترجمة فما ترجمة كتابنا

قال: {هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52] وقال عز وعلا: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42]. وقال تعالى: {لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 192، 195] فهو من عند الله أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً محكم الآيات في وضعها وتناسبها ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً لكن لا اختلاف فيه ألبتة فهو من عند الله قال المقترح ومعنى كونه منزلاً أنه نزل به الملك وليس المعنى في نزول الملك أنه انتقل بانتقاله لأنه محال فإن الانتقال محال على المعاني كلها قديمها وحديثها فلا بد من إزالة هذا المحمل المحال وإن تعين محمل عمل عليه وإلا وكلنا ذلك إلى الله قال وشاهد هذه الإطلاقات المشار إليها وأن القرآن كلام الله مكتوب في المصاحف مقروء بالألسنة مسموع بالآذان محفوظ في الصدور منزل من عند الله ورود النص بها نحو قوله تعالى {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ} [العنكبوت: 49] وقوله: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193] انتهى. وذكر الشيخ الصالح الولي أبو مدين رضي الله عنه في شرحه لعقيدة الإمام الغزالي في كونه نزل على قلبه جملة ثم منع النطق به إلى نزوله نجوماً قولين فذكرت ذلك لشيخنا أبي عبد الله السنوسي نزيل تلمسان فقال ليس في هذا ما ينكر لأنه أمر جائز لا يدفعه معارض هذا معنى كلامه غير أنه نقل غريب لم أقف عليه لغير هذا الشيخ وقوله وشرح به وهدى يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل بالقرآن لكن الأول أولى لقوله في الحديث ليقيم به الملة العوجاء. قال البخاري هي ما كانت عليه العرب من ملة إبراهيم يعني فيما يزعمون وليس منها وقال مولانا جلت قدرته: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى: 52، 53] وورد نحو ذلك في القرآن مثل قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}

[الإسراء: 9]، وقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153] على أن هذه تحتمل أن تكون مشاراً بها لجملة ما جاء به صلوات الله وسلامه عليه ومعنى شرح أوضح وبين وإضافة الدين إلى الله إضافة تشريف واختيار إن الدين عند الله الإسلام والقويم والمستقيم بمعنى أي الذي لا أعوجاج فيه والصراط الطريق ومعنى هدى هنا أرشد وقد قال القاضي أبو بكر الباقلاني وهما صراطان صراط في الدنيا معنوي وصراط في الآخرة حسي فمن مشى في الدنيا على المعنوي مشى في الآخرة على الحسي وبالله التوفيق. (وأن الساعة آتية لا ريب فيها). الساعة عبارة عن فراغ أيام الدنيا وانقراضها سميت بذلك لقرب أمرها وسرعته قال الله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ البَصَرِ} [النحل: 77] وهو أقرب ومعنى آتية أي جائية {لاَ رَيْبَ فِيهَا} [الكهف: 21] لا شك فيها يعني لا يمكن الشك لتحقق أمرها إذ قد جاء بالخير الصادق فلا يصح الشك فيه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقربها وذكر علاماتها الصغرى والكبرى كطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وفتح ردم يأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام وخروج الدجال فهذه خمسة كبرى متفق عليها وعد بعضهم الصغرى سبعين وقد ظهر جلها أو كلها فانظر ذلك ولا تعتمد فيه إلا ما صح سنة أو قرآناً قال شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله حاكياً عن سيدي أبي عبد الله الفلالي الصحيح أن لا يعرف حد الدنيا متى ولكن يجزم بالقرب خاصة والله أعلم. وقال الشيخ ناصر الدين يجوز أن يكون المعنى آتية على جميع أمور الدنيا قال وقيل الريب الشك والصواب الريب مصدر رابني وحقيقته قلق النفس واضطرابها وفي الحديث «دع ما يريبك فإن الصدق طمأنينة والشك ريبة ??» والله أعلم. (وإن الله يبعث من يموت كما بداهم يعودون). يعني أن حشر الأجساد حق ثابت لإخبار الصادق به مع ثبوت جوازه عقلاً وقد قال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي القُبُورِ} [الحج: 7] فعدل الشيخ عن ذكر القبور بياناً للمقصد إذ قالوا ذكر القبور خرج للغالب فلا مفهوم له وإن من غرق في البحار ومن أكلته السباع وغيرهم يبعثون كبعث أهل القبور فالمعاد جسماني حق وجاحده

كافر وعليه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس ودليلنا النصوص القاطعة من الكتاب والسنة التي لا تحتمل التأويل حتى صار ذلك معلوماً بالضرورة من الدين فحمله على التصوير والتمثيل للمعاد الروحاني كفر ثم اختلفوا أن الحشر إيجاد بعد الفناء أو جمع بعد التفريق وخلافهم مبني على أن الفناء إعدام الجواهر أو تفريق الأجسام وعليهما. فقوله: (كما بدأهم يعودون) هل يعني أنه يوجدهم بعد العدم أو أنه يؤلفهم بعد التفريق ومذهب المحققين التوقف في ذلك لعدم الدليل وعلى فنائها ففي عجب الذنب قولان وقال المزني يفنى وتأول الحديث الذي هو قوله عليه السلام فكل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب وأنكر الطبيعة المعاد وتوقف جالينوس. قال جمهور الفلاسفة المعاد روحاني فقط وجمهور المسلمين جسماني فقط وكثير من علماء الإسلام جسماني روحاني وهو رأي الغزالي والراغب والحليمي والدبوسي والكلبي وكثير من الصوفية وغيرهم قلت وهو مقتضى النصوص من الكتاب والسنة والله سبحانه وتعالى أعلم. (وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات وغفر الصغائر باجتناب الكبائر وجعل من لم يتب من الكبائر صائراً إلى مشيئته إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). يعني أن تضعيف الحسنات تكثيرها والزيادة فيها وفي الحديث أن الله تعالى يقول آذاهم عبدي بحسنة فلم يعلمها كتبتها له حسنة فإذا علمها كتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف الحديث ابن العربي للتضعيف خمس مراتب الحسنة بعشر للآية وبخمسة عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو «صم يومين ولك ما بقى» يعني من الشهر وثلاثين في الحديث نفسه «صم يوما ولك ما بقى فالحسنة بثلاثين». قلت: وفي الحديث: «من قال لا إله إلا الله كتبت له عشرة ومن قال سبحان الله كتبت له عشرين ومن قال الحمد لله كتبت له ثلاثين» ففي الحديث مرتبة العشرين والثلاثين قال «والرابعة بخمسين» لحديث «من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف خمسون حسنة لا أقول لم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ??» قلت ومثله «ومن قتل وزغة بضربة فله مائة حسنة وبضربتين له خمسون حسنة» رواه

مسلم وفيه زيادة مرتبة المائة قال: والخامسة بسبعمائة لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] الآية قال فهذه خمس مراتب للتضعيف في المقدر، قلت: بل هي سبع زيادة العشرين في حديث التسبيح في حديث الأذكار الثلاثة والمائة قي قتل الوزغ بضربة قال والسادسة غير مقدرة بشيء {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]. وكذلك «الصوم لي وأنا أجزي به» قال وهذا كله مع الإتيان بالعبادة كاملة ولا يحصل على بعضها إذا لم تكمل شيء وذلك كما إذا أتى ببعض صلاة قال ويظهر أثر التضعيف بالموازنة والله أعلم انتهى. ولم يذكر تضعيف الصلوات وهو من المقدر فإذا صلى فذا بعشر وفي جماعة بسبع وعشرين صلاة أو بخمس وعشرين تضرب في عشرة فتكون بمائتين وخمسين وبيت المقدس فذا بخمسمائة تضرب في عشرة فتكون بخمسة آلاف ثم إن ضعفت بالجماعة إلى خمس وعشرين فكما تقدم وفي المدينة بألف تضعف في الجماعة بخمس وعشرين وكذلك القول في مسجد مكة لا سيما على قول الشافعي هي بمائة ألف فتأمل ذلك فهذه سبع مراتب زيادة على ما ذكر فالمجموع سبعة عشر مرتبة والله أعلم. وقوله صفح معناه سمح وتجاوز والتوبة الرجوع عما لا يرضي الله إلى ما يرضيه وعبر عنها الغزالي بتبرئة القلب عن الذنب وقال في النصوح إنها ترك اختيار ذنب سبق مثله عنه تعظيماً الله وحذرا من سخطه وقال إمام المحرمين هي الندم على المعصية لرعاية حق الله وفيه بحث والكبائر جمع كبيرة قال قي " في جمع الجوامع " وقد اضطرب في الكبيرة فقيل ما توعد الله عليه بخصوصه وقيل ما فيه حد وقيل ما نص الكتاب على تحريمه أو وجب في جنسه حد وقال الأستاذ والشيخ الإمام كل ذنب ونفياً الصغائر قال والمختار وفاقا لإمام الحرمين كل جريمة تؤذن بعد اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة كالقتل والزنا واللواط وشرب الخمر ومطلق السكر والسرقة والغصب والقذف والنميمة وشهادة الزور واليمين الفاجرة وقطع الرحم والعقوق والفرار ومال اليتيم وخيانة الكيل والوزن وتقديم الصلاة وتأخيرها والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب المسلم وسب الصحابة رضي الله عنهم وكتمان الشهادة والرشوة والدياثة والقيادة والسعاية ومنع

الزكاة ويأس الرحمة وأمن المكر والظهار ولحم الخنزير والميتة وفطر رمضان والغلول والمحاربة والسحر والربا وإدمان الصغيرة انتهى. وقد ذكر ابن العربي وغيره الإجماع على أن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة وظواهر الأحاديث تقتضي خلاف ذلك ولا سيما حديث «إن الله غفر لأهل عرفات وضمن عنهم التبعات» وهو حديث صححي وجملة العلماء على أن المخصوص بهذا الأمر الخاص فانظر ذلك وأما غفران الصغائر باجتناب الكبائر فلقوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء: 31] وقال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ} [النجم: 32] والمغفرة الستر على الذنوب وعدم المؤاخذة بها وسيأتي مزيد فيه إن شاء الله. وقال علماؤنا فاجتناب الكبيرة مكفر للصغيرة وهل قطعا وهو مذهب الفقهاء والمحدثين أو ظنا وهو مذهب الأصوليين قالوا لو قطع بتكفيرها لكان إباحة إذ لا تباعة فيه ورد بوقوع المؤاخذة فيه بوجه ما وهو إذا لم تجتنب قال بعض علماؤنا وغالب الصغائر إنما هي مقدمات للكبائر فإذا جاهد نفسه وعصمه الله باجتناب الآخر غفر له وإلا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر والفم يزني وزناه القبلة واليد تزني وزناها اللمس والقلب يتمنى أو يشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» أخرجه أهل الصحيح وقد تكون الصغيرة غير مقدمة أو الصغيرة مكررة غير مجتنبة فيكفرها وقوع عبادة موعود به فيها كقوله: «صلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما والجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة ما اجتنبت الكبائر» كما صح قوله صلى الله عليه وسلم للذي قال أصبت من امرأة قبلت أصليت معنا؟ قال نعم، قال: «إن الحسنات يذهبن السيئات» فتأمل ذلك وانظر كلام العلماء في الآيات والأحاديث فإنك لا تحقق ذلك إلا منها فانظره وبالله التوفيق. وقوله (وجعل من لم يتب من الكبائر صائراً إلى مشيئته) يعني في الصغائر

والكبائر إن شاء عاقبه بالجميع أو غفر له الجميع أو غفر له الصغيرة فقط أو الكبيرة فقط وقد قال ابن عطاء الله في الحكم لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله ومعنى صائراً أي راجعاً إلى مشيئته يفعل به ما شاء من رحمة أو تعذيب. والناس قسمان مؤمن وكافر فالكافر في النار بإجماع والمؤمن طائع وعاص فالطائع في الجنة بإجماع والعاصي صاحب كبيرة وصاحب صغيرة فالصغيرة مكفرة باجتناب الكبيرة والكبيرة مغفورة بالتوبة إذا استوفت شروطها في علم الله وهل قطعا أو زنا قولان وإن مات صاحبها قبل التوبة والتكفير فمذهب أهل الحق مؤمن وعاص متعرض للعفو والعقوبة حسب مشيئة الله فيه لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48] فلذلك أتى به الشيخ ههنا ثم في هذا رد على أربع طوائف. الأولى: الخوارج القائلون بتكفير العاصي إن لم يتب والقائلون بأنه منافق وهذا نوع منهم ومنهم من عمم ذلك في الصغيرة والكبيرة ومن خصه بالكبيرة. الثانية: المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان عمل كما لا ينفع مع الكفر طاعة. الثالثة: الوعيدية من المعتزلة القائلون بأنه لا بد من إنفاذ الوعيد والتخليد بالذنب في النار. الرابعة: المعتزلة القائلون بأن له منزلة بين المنزلتين فلا يقال فيه مؤمن ولا كافر وجعلوا الفسق مرتبة بين الكفر والإيمان فالخلاف في العاصي على هذا حقيقة وحكما واسما ومذهب أهل السنة أنه مؤمن حقيقة واسما وحكما ما لم يكن مستحلا أو مستخفا بربه ودليلهم هو الآية وغيرها من الأدلة القاطعة فانظرها وتأملها تجد ما ذكر فيها ظاهرا منها وبالله التوفيق. تنبيه: جرت عادة أكثر المقيدين والشراح بذكر جملة من أحكام التوبة هنا وليس بمحل لها إنما محل الكلام عليها باب جمل من الفرائض والصواب هنا الكلام على ما يتعلق بالمعتقد وقد قالوا إن الاعتقادات كلها مأخوذة من سورة الأنعام فلذلك كان أول الكلام فيها من بدء الخلق والدلالة على الخالق وآخرها الكلام على تضعيف الأعمال

والإمامة فتأمل ذلك تجده صحيحاً وبالله التوفيق. (من عاقبه بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته). يعني أن الأحاديث والآيات دالة على أنه لا بد لطائفة من الموحدين يعاقبون على ذنوبهم بدخول النار خلافاً للمرجئة وأنهم يخرجون منها بما شاء الله من شفاعة أو كرم بلا واسطة لإيمانهم حتى لا يبقى في جهنم إلا الكافرون خلافاً للمعتزلة في التخليد بالذنب وإن كل مؤمن من أهل الجنة طائعاً كان أو عاصياً وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله أخرجوا من النار من في قلبه أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد متحشوا وصاروا حمما فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ألا تروا أنها تخرج صفراء ملتوية» رواه البخاري وغيره. والحبة بكسر الحاء نبت الخلا والله أعلم وقد جاء في الصحيح «لن يدخل أحد الجنة بعمله» قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» فقول الشيخ بإيمانه بيان للسبب والرحمة أصل كل شيء والباء في قوله (بناره) قال الشيخ ناصر الدين يجوز أن تكون بمعنى الفاء أي في ناره كقوله أقمت بمكة وقيل هي باء الفعل كقوله خلق الله العالم بقدرته وإضافة النار إلى الاسم الكريم إضافة ملك لمالك وقد قال تعالى: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهمزة: 6] وإنما أضيفت للتهويل وأضيفت للجنة للتشريف كدين الله وبيت الله ونحو ذلك. (ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره). أشار بهذا لما وقع في الحديث من قوله: «أخرجوا من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان» على أحد الروايات والمثقال زنة الشيء والذرة عبارة عن أدنى الشيء قيل هي النميلة الحمراء وقيل البيضاء لأنها لا تميل الميزان وقيل الحيوان الذي يظهر في الهباء عند دخول الشمس من بعض الكوى وقيل جزء من مائة وسبعين جزءاً من حبة من شعير وقيل ما لا يراه أحد وقيل غير ذلك وقد أنهى بعضهم الأقوال في ذلك إلى عشرين قولاً مرجعها إلى أقل شيء في الوجود ما هو والخير ما فيه منفعة دينية وسلامة هنا ويقابله الشر بضده. وقد جاء القرآن بهما على المقابلة فاكتفى الشيخ بأحدهما عن الآخر لدلالته عليه

أو لأنه قصد لما ذكر في الحديث وهو الظاهر والله أعلم قالوا التقدير من يعمل مثقال ذرة من خير يره خيراً ومن يعمل مثقال ذرة من شر يره شراً فثواب كل عمل من جنسه سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم. (ويخرج منها بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمته). لا خلاف بين أهل السنة أن الشفاعة ثابتة لمحمد صلى الله عليه وسلم في عصاة أمته من أهل الكبائر والصغائر وغيرهم وقالت المعتزلة هي خاصة بالمطيعين في زيادة الثواب لا لأهل المعصية لدرء العقاب ودليلنا قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وطلب المغفرة شفاعة قوله عز وجل للكفرة {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] وقوله عليه السلام: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» الحديث. قال النووي في الروضة لرسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعات خمس، الأولى: الشفاعة العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون إليه بعد الأنبياء كما ثبت في الحديث الصحيح، والثانية: في جماعة فيدخلون الجنة بغير حساب، الثالثة: في جماعة استحقوا النار أن لا يدخلوها، الرابعة: في جماعة دخلوا النار أن يخرجوا منها، والخامسة: في رفع درجات الناس في الجنة وزاد القاضي أبو بكر شفاعته في التخفيف عن أبي طالب وزاد غيره شفاعته بثقل موازين أقوام عند وزن أعمالهم فهذه سبعة كلها خاصة به صلى الله عليه وسلم وقيل الخاص بعضها فقط وهي الأولى إجماعاً وغيرها محتمل لدخول غيره فيها ولعدمه وصحت شفاعته لمن جاء زائراً ولمن يموت بالمدينة ولمن صبر على شدتها ولمن أجاب المؤذن ثم سأل له الوسيلة. وذكر النووي أن العشرة خاصة به والشفاعة في الخروج من النار تقع من الأنبياء والملائكة والأولياء والشهداء وغيرهم ممن ذكر في الأحاديث ونقل عن النووي والشيخ أبي محمد لا شفاعة إلا له صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر كلامه هنا والأحاديث تدل على خلافه. (وإن الله تعالى خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم).

يعني أن الجنة والنار مخلوقتان الآن لقوله تعالى {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ولا يكون معدا إلا ما كان حاصلاً وإلا ما كان ثابتاً فالحمل على ظاهر النصوص واجب هذا مذهب أهل السنة خلافاً لجمهور المعتزلة قال في المقاصد لم يرد نص صريح في مكان الجنة والنار والأكثر على أن الجنة فوق السموات السبع وتحت العرش تشبثاً بقوله تعالى {عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى} [النجم: 14، 15] وقوله عليه السلام: «سقف الجنة عرش الرحمن والنار تحت الأرضين السبع» والحق تفويض ذلك إلى علم العليم الخبير انتهى. قيل وسميت جنة ولا جنتان أرضها بالأشجار أي سترها بها لكثرتها وتضافرها قلت: لو قيل: إنه لاجتنابها أي استتارها عن الأفهام والأوهام إذ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لكان له وجه فتأمل ذلك وقوله (فأعدها دار خلود لا وليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم) يعني هيأها محلا للبقاء السرمدي في حق أوليائه وهم المؤمنون لقوله تعالى الله {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} {وَاللَّهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ} وقد صح إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، يؤتي بالموت على صورة كبش فيقال: يا أهل الجنة ويا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت فيذبح بين الجنة. والنار ثم ينادي منادياً أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت، الحديث صحيح لكن لم أذكر لفظه لطول العهد به والنظر إلى وجهه تعالى أي ذاته من أكبر الكرامات وقد جاء الوعد به في الآخرة بقوله تعالى {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] فبالضاد من النضرة التي هي الحسن والجمال وبالظاء المشالة من النظر الذي هو الأبصار بالبصائر والأبصار، فأما البصائر فلم يتعرض لها الشيخ، وإنما مراده رؤية الأبصار فيكشف سبحانه الغطاء عن أبصار عباده المؤمنين انكشاف القمر ليلة البدر كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه نيف وعشرون من أكابر الصحابة. وقال علماؤنا شبه فيه النظر بالنظر لا المنظور بالمنظور لأنه تعالى منزه عن المكان والجهة والمقابلة والمواجهة وتقليب الحدقة واتصال الأشعة بل هي رؤية وجود لا أنه في مكان محدود بل كما قال بعضهم لما سئل كيف يرى الله في الآخرة يري نفسه

لمخلوقاته وليس في جهه من نفسه ولا مخلوقاته فرؤيته تعالى جائزة عقلاً في الدنيا والآخرة خلافاً لجميع الفرق ودليل جوازها عقلاً هو أن علة الرؤية الوجود في كل موجود، فإذا جازت رؤية موجود جازت رؤية كل موجود وقد أوجبتها الشريعة في الآخرة بالوعد بها كما تقدم ونفتها في الدنيا لحديث «أن الدجال أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت». قال علماؤنا والنبي صلى الله عليه وسلم خارج من هذا الخطاب إذ قد رآه ليلة الإسراء بقلبه عند الأكثر بعيني رأسه عند المحققين وتوقف عياض وغيره لعدم القاطع بنفي أو إثبات وحكى القشيري عن الأشعري قولين في إثبات وقوع رؤيته تعالى لغيره عليه السلام في الدنيا والكافة على المنع المنفي ويحتمل أن يكون أحد القولين رجوعاً إلى الكافة فتتم كلمة الإجماع وإلا فهو ضعيف بل مصادم للنص واستدل بعضهم للنفي بقوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] واستدل بها آخرون للإثبات بقوله {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} فانظر ذلك وذهب الأشعري إلى أنه يجوز أن يقال أنه مشار إليه بناء على زعمه أن الإشارة تقوم بالمشير لا بالمشار إليه واختلف هل لمؤمني الجن رؤيته تعالى في الآخرة كالمؤمنين من الآدميين وجزم ابن عبد السلام بنفي رؤيته تعالى للملائكة وفيه نظر وذكر غيره الخلاف في ذلك وقد حكي عن كثير من السلف رؤيته تعالى في المنام والتحقيق. أن الرائي في النوم هو الروح فتكون الرؤية مكاشفة وقد قال عمر رضي الله عنه رأى قلبي ربي ولما ادعى بعض الصوفية أنه رأى ربه في منامه على وصفه قيل له كيف رأيت فقال انعكس بصري في بصيرتي فصرت كلي بصراً فرأيت من ليس كمثله شيء انتهى. ومذهب الأشعري أن الوجه صفة له تعالى معلومة من الشرع يجب الإيمان بها مع نفي الجارحة المستحيلة وكل ما ينافي الجلال فهو مستحيل. (وقوله وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه). يعني والجنة المذكورة بأنها أعدت لأوليائه تعالى هي التي كان فيها آدم حين قيل له ولمن كان معه {أهبطوا} يعني إلى الأرض والهبوط إنما يكون من علو إلى سفل

وقالت المعتزلة هي جنة بعدن لأن الله تعالى قد قال في الجنة التي أعدت للمتقين {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48] ومذهب أهل السنة في توقف الجزاء بها لأنه وصف ذاتي هنا وقد ذهب منذر بن سعيد البلوطي لمذهب المعتزلة في هذه المسألة حكاه عنه ابن عطية فذكر ابن لما رحل إلى المشرق التقى ببعض المعتزلة فدس عليه هذه المسألة وهو مسبوق بالإجماع ومحجوج به ثم في قوله (نبيه وخليفته) تنبيه على مزية آدم وجلاله قدره حتى لا يتوهم شيء من النقص في نزوله لأن النبي معصوم من المعاصي. والخلافة ثابتة له بقوله تعالى قبل أن يخلقه {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] أتراه يقيمه خليفة على عباده ويجعله محل النقص والعصيان ولذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه والله ما أنزل الله آدم إلى الأرض إلا ليكمله وما أنزله لينقصه ولقد أنزله إليها قبل أن يخلقه إذ قال {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} أتراه يستخلفه في الأرض ثم لا ينزله إليها. وقد أشار الشيخ إلى هذا بقوله بما سبق في سابق علمه وقد جاء القرآن بقوله تعالى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] وهو مما يجب تأويله لبطلان العصيان الموجب للإثم في حقه لما يجب من اعتقاده توقيره وتعزيره الواجب لكل نبي فأجيب أن العصيان عبارة عن مخالفة الأمر بما هو أعم من قصد المخالفة فيصدق على النسيان وغيره وقد جاء صريح القرآن بذكر النسيان في ذلك فوجب حمل العصيان على وقوع المخالفة بالنسيان وذلك لا يوجب نقصاً ولا تأثيماً ومعنى فغوى أي شقي وتعب في الأرض بنزوله إذ كان في الجنة لا يجوع ولا يعري ولا يظمأ ولا يشقي فنزل إلى محل يحتاج إلى أن يأكل فيه من كد يمينه وعرق جبينه فأدركه الكد إلى غير ذلك فيما لا نقص فيه ولا إثم ثم إطلاق هذا الموهم في شأنه لا يضرنا مع تأويله. ونقول في ذلك للسيد أن يقول لعبده ما شاء وعلينا أن نتأدب مع العبد لأنا مأمورون بذلك في قوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] وهذا الذي ذكرنا من أنزه الطرق في التأويل وأوجهها والكلام في هذا الطويل عريض فلينظر في محله من التفاسير وبيان المشكل من الكتاب والسنة وخصوصاً آخر الشفاء لعياض ولكن يحتاج لعلم جم ونظر سديد والله أعلم.

(وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته). ذكر في هذه الجملة أن النار مخلوقة وأنها أعدت للكافرين والملحدين على سبيل التخليد وأنهم محجوبون عن رؤيته ظاهره مطلقاً وقيل أنهم يرونه تعالى في عرصات القيامة لقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وَقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 30] وهو معارض لقوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فتؤول الأول بأنه وقوف معنوي والحجب المعن عن الرؤية وبيان ذلك أن رؤية الملك كرامة فلا تكون إلا لأهل ولايته والحجب من لوازم الطرد والإبعاد وأجيب بأن الرؤية على وجه القمر والعذاب أشد من الحجب وقد تقدم الكلام في أن الجنة والنار مخلوقتان لأهل السعادة والشقاوة معدتان وأن الخلود هو البقاء الذي لا آخر له قالوا وإنما خلد كل لاعتقاده لأنه لو كان باقياً أبداً ما ترك ما هو عليه من دينه. والكفر في اللغة التغطية ومنه سمى الحراث كافراً لأنه يغطي الزرع بالأرض وهو المراد بقوله تعالى: {أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد: 20] وهو شرعاً تغطية الحق بالباطل والإلحاد الحيدة عن الحق في الآيات بإنكارها وتبديلها وإخراجها عن مقصودها وأصله من اللحد وهو الحيدة في الدفن عن سواء القبر إلى جانبه والآيات الدالة الموصلة إلى العلم. وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ القِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] هذا تهديد بل نص في أن من ألحد في آياته يلقى في النار وأن غير الملحد يأتي آمنا يوم القيامة والتحقيق أن الجنة محل رؤيته تعالى وكرامته للمؤمنين وأن النار محل الإهانة فلا رؤية فيها وعرصات القيامة موقف المطالبة ولا كرامة معها مع احتمالها المبالغة في العقوبة بظهور القهر وقيام الحجة ولا نص في ذلك من الشارع. فالصواب الوقف وما في حديث الساق مشكل جداً وللعلماء فيه كلام فانظره وبالله التوفيق. (وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم

وحسابها وعقوبتها وثوابها). قيل يعني يجيء أمره وسلطانه وقيل المجيء في حقه تعالى صفة يجب إثباتها لنص القرآن ويجب إخراجها عن الظاهر المحال كالنزول والاستواء والساق والقدم والجنب والعين ونحو ذلك إلا أن تعرض شبهة فيؤخذ بما يقتضي التتريه من تأويلها وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وقد تقدم القول في الاستواء وأن مذهب السلف فيه التفويض بعد نفي المحال ومذهب غيرهم التأويل. قال بعض المشايخ ولئن كان التأويل أعلم فالتفويض أسلم ويسعنا ما وسع سلفنا إذ كانوا في مثل ذلك يقولون أمروها كما جاءت ولا خلاف في وجوب نفي المحال وإنما التفويض في تعيين المحل قال علماء السلف ولا يضرنا الجهل بتعيين ذلك كما لا يضرنا الجهل بألوان الأنبياء وأنسابهم مع القيام بتعظيمهم واحترامهم وليس ثم ألحن من ذي الحجة بحجته ففوض تسلم والملك الملائكة وهم عباد الله المكرمون بطاعته لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وجمهور أهل المال على أنهم أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة شأنهم الخير والعلم والقدر على الأعمال الشاقة لا يوصفون بالأنوثة إجماعاً ولا بالذكور على التحقيق. ومعنى (صفا صفا) صفوفاً صفوفاً أي صفوفاً بعد صفوف قال بعضهم يكونون ثمانين صفاً محدقين بالخلائق بحيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فانظر ذلك في الأحاديث وتأمله فإن فيه موعظة واعتباراً وقد اختلف في إطلاق ما ورد في القرآن من المشكل في غيره كالمجيء ونحوه فأكثر المتكلمين على عدم جواز الإطلاق وأجازه القلانسي في جماعة من المحدثين والفقهاء وحكى المقترح فيما جرى اصطلاحا عند قوم لا يتوهمون كالحضرة والوصول ونحوه عند الصوفية قولين وأجمعوا على منع ما لا أصل له في كتاب ولا سنة ولا جرى به اصطلاح إن كان إيهامه يبعد عن الأذهان فانظر ذلك. قال الشيخ ناصر الدين: في يوم القيامة مراتب لها ألفاظ منها البعث وهو الإخراج من القبور والحشر الذي هو الجمع والعرض ومعناهما واحد قال ويظهر أن معنى العرض إحضار المعروض وتمييزه عن غيره وهو مغاير لمعنى الجمع والحشر ثم

السؤال وهو ما علمت ولم عملت قال الله تعالى: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6] الآية، وانظر بقية كلامه وحاصلة أن العرض أولا ثم الحساب ثم الوزن ثم العقاب والثواب وفي البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حوسب عذب فقالت عائشة رضي الله عنها أو ليس يقول الله تعالى {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق: 8]، فقال: إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك الحديث. (وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون). يعني أن أعمال العباد توزن بميزان له كفتان ولسان قال الله تعالى: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] والموازين جمع ميزان وظاهر هذا أن الميزان متعدد وهل بحسب كل أمة أو بحسب كل شخص شخص أو الميزان متحد والمتعدد الموزونات ثلاثة أقوال الصحيح منها الآخر إذ لم يدل قاطع على خلافه ولا راجح من الأدلة عليه وأنكرت المعتزلة أن يكون ميزاناً حسياً وقالوا هو شيء يعرف به مقادير الأعمال كما تعرف الأوقات بميزان الشمس ونحوه وقالوا: إن الأعمال معان فلا يمكن وزنها وأجيب بأن الموزون الصحائف والثقل والخفة بحسب ما فيها من المعاني والنقص والرجحان معنى يرد على معنى وذلك غير مستحيل. وظاهر النصوص يقتضيه فلا وجه للعدول عنه وقوله {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} يعني على الوجه المعروف في الثقل والخفة لأن الأشياء لا تصرف على ما يعرف ولا تتأول على خلاف ما يعرف إذ كان المعروف ممكنا من غير معارض ولا دافع خلافاً لمن يقول أنه مخالف لميزان الدنيا بارتفاع كفة الثقل إلى فوق والصواب في هذا كله الوقف بعد إثبات الميزان والله أعلم والفلاح البقاء في النعيم الأبدي لأن الفلاح لغة البقاء لقول الشاعر: لكل ضيق من الأمور سعة ... والمساء والصبح لا فلاح معه أي لا بقاء معه ويقال لمن تخلص من البلاء نجا فإذا حصل مع ذلك في النعيم فقد فاز فإن تم أمره فقد سعد فإن دام نعيمه فقد أفلح قال الله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ

وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] الآية فتأمل ذلك وقد اختصر الشيخ على أحد قسمي أهل الوزن وهم السعداء لأنه يدل على الآخر وهو من خفت موازينه واختلف في وزن أعمال الكفار لتعارض الأدلة فيهم إذ قال تعالى: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف: 105] وقال {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 103] ولا خلود إلا لكافر ولا تظهر الخفة إلا مع الوزن. فتؤول بأن إقامة الوزن نفعه وقيل رجحانه بمقابله أو ظهور أثره فيما يوزن وقيل غير ذلك وحكى الغزالي كفتي الميزان في العظم كأطباق السموات توضع الحسنات في كفة النور على هيئة حسنة وتوضع السيئات في كفة الظلمة على خلاف ذلك قال والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل تحقيقاً لتمام العدل انتهى بالمعنى المحاذي للفظه. (ويؤتون صحائفهم بأعمالهم). يؤتون يعطون وصحائفهم كتبهم المكتوبة فيها أعمالهم قبل الوزن ثم توزن صحائف الحسنات وصحائف السيئات ويحتمل أن تكون بعد الوزن هل المكتوبة عليهم في الدنيا أو يكتبونها في القبر أو يكتبها العبد في قبره كان كاتباً أو ليس بمكاتب كل ذلك محتمل جائز ولم يرد به قاطع فالصواب الوقف بعد الإيمان بإيتاء الصحف. (فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولئك يصلون سعيراً). يعني كما جاء القرآن بذلك ومعنى أوتي أعطي وكتابه مكتوبه الذي فيه أعماله واليمين معلومة وظاهر الأمر أن الكتاب مدفوع إليهم من أيدي الملائكة وقيل تهب ريح من تحت العرش فتلقي لكل إنسان كتابه فيأخذه المؤمن بيمينه ويأخذه الكافر بشماله ثم يجعل يده خلف ظهره ويكلف بأن يقرأه في هذه الحالة زيادة في عذابه والعياذ بالله والحساب اليسير هو السهل اللين ولا خلاف إن المؤمن المطيع يؤتي كتابه بيمينه والكافر بشماله وفي العاصي قولان والأكثر أنه كالمطيع قال في رسالة التنبيه لأبي الحجاج الضرير رحمه الله. والمذنب الفاسق ذو الإيمان ... من آخذي الكتاب بالإيمان وقيل إن حكمه موقوف ولم يرد في أمره توقيف ومعنى {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}

[النساء: 10] أي يحرقون بنار سعرت يحطم بعضها بعضاً والسعير اسم لجملة النار وقيل السعير طبقة من نار وليس في المسألة قاطع يرجع إليه غير ذكر الأسماء التي هي جهنم ولظى والحطمة والسعير والجحيم والهاوية والدرك الأسفل فقيل طبقاتها وقيل اسم لجملتها وليس في ذلك توقيف ولا خلاف أن لها سبعة أبواب لكل باب منهم أي من الكافرين جزء مقسوم لأنه نص القرآن ويذكر أن أبواب الجنة ثمانية. وأنكر ابن العربي قصر أبوابها على هذا العدد وأن تكون الجنات كذلك بل ما صح وهو جنتان آنيتهما وما فيهما من ذهب وجنتان آنيتهما وما فيهما من فضة الحديث. (وإن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم). الصراط لغة الطريق وشرعاً في باب الاعتقاد جسر ممدود على متن جهنم أرق من الشعر وأحد من السيف رواه مسلم وأنكره المعتزلة وقوفاً مع معقول الشاهد واستبعاد لما ورد نصاً من الشارع من جوازه عقلاً ولما سئل صلى الله عليه وسلم كيف يمشي الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: «الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه». وقال القرافي لم يصح أنه أحد من السيف وأرق من الشعر قائلاً والصحيح أنه عريض وفيه طريقان يمنى ويسرى إلى آخره (خ) قلت في قوله (لا يصح فيه أنه أرق من الشعرة وأحد من السيف) نظر لكونه في صحيح مسلم قلت لكنه أعلى بالإرسال وقد خرج الحاكم من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه إنما الصراط مثل حد الموسى والأحاديث كثيرة في ذلك وقد قال عليه الصلاة والسلام «ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحد أحداً إلا نفسه عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل وعند الصحف حتى يعلم أيأخذ كتابه بيمينه أو بشماله وعند الصراط حتى يجاوزه». وفي البخاري «يجوز المؤمنون الصراط فيحبسون على قنطرة بني الجنة والنار» الحديث فكان شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله يقول الصراط في البخاري صراطان صراط عام وصراط خاص فتأمل ذلك وقوله (يجوزه العباد بقدر أعمالهم) ظاهره العموم في الكافر والمؤمن ولا خلاف في المؤمن وإنما الخلاف في الكافر ومعنى فناجون متفاوتون

يعني فيهم في النجاة من السقوط في النار متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم، فمنهم من يجوزه كالبرق ومنهم من يجوزه كالريح المرسلة ومنهم كالخيل السابقة ومنهم من يجري جريا ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يمشي مرة ويكبو أخرى فهؤلاء أقسام الناجين وقسيمهم الهالكون ولا تقسيم فيهم. وقد يفهم ذلك وأنهم على حسب جرمهم وهم المرادون بقوله أوبقتهم فيها أعمالهم أي حصلتهم فيها أعمالهم فلا مخلص لهم منها إلى الأبد إن كانوا كافرين وإلى مدة نفوذ الوعيد إن كانوا مؤمنين والله أعلم. (والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه أبداً ويزاد عنه من بدل وغير). هذا معطوف على قوله (والإيمان بالقدر) كما أن ذلك معطوف على قوله (من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان والإيمان بالحوض حوض محمد صلى الله عليه وسلم) لدلالة الأحاديث عليه وقد ورد في الصحيح «أن ماءه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً» وفي الحديث أيضاً «عرضه مسيرة شهر عليه كيزان» وفي رواية «أباريق على عدد نجوم السماء فيه ميزابان يصبان من الجنة» وفي رواية «من الكوثر» قيل وذلك دليل أن الحوض بعد الصراط والخلاف في ذلك شهير لا يحتاج إلى تقرير والحاصل أن ليس في المسألة قاطع يرجع إليه فالواجب اعتقاد ثبوت الحوض والصراط والله أعلم بالمتقدم. كما قال شيخ شيوخنا الشيخ أبو عبد الله محمد العكرمي رحمه الله في عقيدته إذ قال عند ذكر الحوض والصراط مقدماً يكون أو يتأخر وجزم الغزالي بتأخر الحوض والله أعلم بالأمر وقوله (لا يظمأ) هو بفتح أوله والهمزة آخره والظاء المشالة (لا يعطش من شرب منه) يعني بعد شربه ولو شربة واحدة كذلك ورد في الخبر. ومعنى (يذاد) بذال معجمة أولاً ثم مهملة بينهما ألف يطرد عنه فلا يشرب منه. من بدل وغير يعني بالكفر والابتداع لا بالعصيان المجرد لأنه ليس بتبديل ولا تغيير وإن كان مخالفاً للمطلوب. وأصل المسالة قوله صلى الله عليه وسلم «ليذادن عن حوضي أقوام كما يذاد البعير» وقوله صلى الله عليه وسلم

«ليردن على الحوض أقوام فأعرفهم فأقول ألا هلموا فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول فسحقا فسحقا» الحديث، واختلف أهل لكل نبي حوض أو لا حوض إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم أو لكل نبي إلا صالح فإنه قد استعجل حوضه آية لقومه ثلاثة أقوال والأخير رواه الترمذي في حديث ضعيف والذي يتعين من ذلك أن حوض محمد صلى الله عليه وسلم ثابت وحوض غيره محتمل فيقطع بالأول ويفوض غيره إلى الله سبحانه. (وإن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها فيكون فيها النقص وفيها الزيادة). يعني فالقول الذي هو الشهادتان ترجمة ما في القلب من التصديق والإذعان المعبر عنه هنا بالإخلاص لإفراد الوجه فيه إلى الله ورسوله والعمل شرط كمال فقط كما سيأتي ثم الإيمان حقيقة في العقد مجاز في القول والفعل وقد اختلف في القول هل هو شرط فلا إيمان لمن لم يأت به مطلقاً أو شطر فيعتبر ما لم يحصل مانع كاخترام المنية بعد العزم عليه أو عذر كالإكراه على تركه مع تحقق الإيمان بقلبه وهذا هو الصحيح أو لا واحد منهما فيكفي مجرد الاعتقاد ما لم يكن المانع كبراً أو عناداً فلا يختلف في كفره أما النطق وحده فلا يكفي بإجماع أهل السنة خلافاً للنجارية والكرامية وهو باطل ولو سقط العمل مع ثبوت التصديق والإقرار فمذهب أهل الحق أنه مؤمن ويسمى فاسقاً خلافاً للمعتزلة إذ جعلوا الفسق مرتبة بين الكفر والإيمان. وقد مر الكلام عليه. ثم زيادة الإيمان ونقصانه مختلف فيه على ثلاثة أقوال ثالثها يزيد ولا ينقص وكلها منقولة عن مالك وفي شامل إمام الحرمين كل من أطلق الإيمان على فعل الطاعة زاد ونقص وكان مالك يقول يزيد ولا يقول بنقص ثم لما سأله ابن نافع عند موته قال قد أبرمتمونا وإذا تدبرت هذا الأمر فما شيء يزيد إلا وهو ينقص قال ابن رشد وهو الصحيح، قلت وهو مذهب البخاري وقد انتصر له بظواهر القرآن والسنة كقوله تعالى: {الكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المدثر: 31] {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] إلى غير ذلك. وقال بعضهم الإيمان مثل السراج له آنية هي القول وزيت هو العمل وفتيلة مع نارها ونورها هو الاعتقاد وما يتبعه من أنواره وآثاره فالقول لا يزيد ولا ينقص والعمل

يزيد وينقص والفتيلة يزيد نورها بحسب حسن الزيت وكثرته المناسبة ولا ينقص أصلها لأنه لو نقصت جمرتها طفئت وهذا هو المناسب لكلام الشيخ إذ جعل النقص بالعمل وبه الزيادة لا أن غير العمل يلحقه نقص في ذاته قال الإمام أبو حامد رحمه الله وما روي عن السلف من أن الإيمان يزيد وينقص ليس معناه أن حقيقته تزيد وتنقص ولكن معناه أن ثمرته تزيد وفيض نوره على ماهيته قال الفهري يمكن أن تكون زيادته بكثرة المتعلقات وقال النووي بكثرة الأدلة قلت: لأن ذلك يقتضي تمكنه في القلب وانشراحه حتى يخالط بشاشة القلوب فلا يمكن الرجوع عنه ولا يحتاج إلى برهان عليه فتأمل ذلك وبالله التوفيق. (ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول ولا عمل ونية إلا بموافقة السنة). قول الإيمان هو الشهادتان سواء قلت هو شطر أو شرط لتوقف صحته عليه وقد وقع ما يدل على تغاير الإيمان والإسلام وترادفهما فقال المحققون الذي يظهر من جهة الشرع واستعمال اللغة أن الإيمان حقيقة في العقد مجاز في العمل والإسلام عكسه وهما في الشرع واحد لتوقف كل واحد منهما في صحته على الآخر والمراد بالعمل إقامة الشرائع والحدود فالعمل شرط كمال للإيمان لا شرط صحته بإجماع أهل السنة إلا ما وقع لهم من الخلاف في تكفير تارك الصلاة وباقي القواعد على أن بعض العلماء قال التكفير بذلك من حيث إنه علامة على خبث الباطن لا من حيث ذاته فانظره وقوله (ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول ولا عمل ونية إلا بموافقة السنة) يعني أن النية شرط كمال الأعمال يعني كانت مما تجب فيه أو لا تجب. فالنية كسائر الأعمال تقلب أعيانها إلى الحسن وتزيدها في الثواب، قال الإمام أبو حامد رحمه الله وإنما الشأن في النية فإنها معدن غرور الجهال ومزلة أقدام الرجال، وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه النية عدم غير المنوي عند التلبس به والكلام في ذلك طويل وقد أفرده جماعة بالتأليف وأكمله مدخل ابن الحاج فلينظره من أراد ذلك والسنة المراد بها طريقة محمد صلى الله عليه وسلم التي كان عليها من قول أو فعل أو تقرير وتقابلها البدعة وهي إحداث أمر في الدين مشبه أنه منه وليس به على مذهب من يرى أن

العوائد لا تدخلها البدع وعلى كل حال فما وافق السنة كمال في أي باب كان والخير كله في الاتباع ويرحم الله مالكاً حيث كان كثيراً ما ينشد هذا البيت وخير أمور الدين ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] وقال الحسن رضي الله عنه عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة انتهى. وتحقيق البدعة والسنة والنظر فيهما من أهم المهم لكثرة البدع واتساعها وبالله التوفيق. (وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة). يعني ممن يصلي إليها وهل بالفعل فيخرج تارك الصلاة أو باللزوم فلا يخرج وهما على القولين في تكفيره بتركها والتكفير لأكثر مذهب المحدثين مع أقل الفقهاء وعدمه لأكثر الفقهاء مع أقل المحدثين ولم يقع الأهل السنة تكفير بعمل سوى ما ذكر وأما تقدم أنه معتبر بدلالته على الكفر لا بنفسه والخلاف في باقي القواعد أضعف من الخلاف في الصلاة وفي الحديث ثلاثة من كمال الإيمان فذكر منها الكف عمن قال لا إله إلا الله أن لا نكفره بذنبه ولا نخرجه من الإسلام بعمل الحديث ذكره أبو نعيم وغيره فانظره واختلف في أهل الأهواء الذين يؤول قولهم إلى كفر كالقدرية والجبرية والمرجئة فقال سحنون بتكفيرهم وحكاه عن أكثر الأصحاب. وقال مالك حين سئل أكفارهم من الكفر هربوا وحكى عياض الاتفاق على تكفير القائلين بالقدر وقيل هم كفار دون سائر الفرق وقيل كل الفرق كفار إلا الجبرية لقربهم من الحق وقيل من كفرنا كفرناه وهو مذهب الأستاذ، وقال الشيخ أبو بكر بن فورك الغلط في إدخال ألف كافر بشبهة إسلام خير من الغلط بإخراج مسلم واحد بشبهة كفر وكفر الغزالي الفلاسفة بإنكار حشر الأجساد وقدم العالم ونفي العلم بالجزئيات فانظر ذلك. (وإن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون وأرواح أهل الشقاء معذبة إلى يوم الدين). الشهداء جمع شهيد وهو من قتل في سبيل الله أي في الجهاد لإعلاء كلمة الله

قيل سمي بذلك لأن الملائكة تشهد له عند موته وقيل لأن دمه يشهد له يوم القيامة إذ يأتي وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك الحديث وما ذكره الشيخ هنا هو نص القرآن والتحقيق أنه حياة غير متعلقة وكونهم يرزقون هو على ما يفهم من الأكل والشرب ونحوه غير متعقل الكيف. وقد أشار القرآن لعدم التعقل بقوله: {وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] وقد قال الحسن أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم غدوا وعشيا فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون، وقال مجاهد يرزقون من ثمر الجنة ويجدون ريحها وليسوا فيها وجمهور العلماء على أنهم فيها وما ورد أنهم في حواصل طير خضر أو في قيعان تحت العرش ونحو ذلك قيل اختلافه باختلاف مراتبهم وقيل باختلاف أحوالهم وما في الأحاديث من إطلاق اسم الشهيد على المبطون والمطعون والغرق وصاحب الهدم ونحو ذلك هو من حيث الثواب والكرامة لا أنهم مثل شهيد المعترك والله أعلم. وقوله: (وأرواح أهل السعادة) إلى آخره يعني: أن الأرواح لا تغنى من مسلم ولا من كافر فهي باقية إلى الأبد، هذه منعمة بما يعرض عليها مما أعد الله لها وهذه أيضاً كذلك معذبة قال الله تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُواًّ وَعَشِياًّ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ} [غافر: 46] ولقوله عليه الصلاة والسلام «ما منكم من أحد إلا ويعرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله» الحديث. وقد تكلم الناس في حقيقة الروح فأطالوا وقصروا بسطوا واختصروا حتى لقد قال ابن رشد في كتابه «المرقبة العليا في تفسير الرؤيا» أخبرنا شيخنا القرافي عن شيخه ابن دقيق العيد أنه رأى كتاباً للحكماء في حقيقة الروح والنفس وفيه ثمانية أقوال، قال وكثرة المقالات تؤذن بكثرة الجهالات واختلف العلماء في جواز الخوض في ذلك فمنعه المحققون وأجازه منهم ولم يقف له أحد على حقيقة والأقرب أنه جسم لطيف شفاف نوراني سار في الأجسام سريان النار في الوقيد والله أعلم. وفي جمع

الجوامع حقيقة لم يتكلم فيها محمد صلى الله عليه وسلم فنمسك عنها. (وإن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسالون ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة). فتنة القبر بالسؤال عن الإيمان والتوحيد ونعيمه وعذابه للمستحق ثابت في الأحاديث الصحيحة فلا وجه لإنكاره خلافاً المتأخري المعتزلة ويسأل الصبيان كغيرهم وفي الترمذي «فتانا القبر منكر ونكير» زاد في حيلة أبي نعيم وناكور وحكى الغزالي أن لأهل الطاعة مبشراً وبشيراً ومنكراً ونكير للعصاة وقال أبو عمر فتنة القبر للمؤمن وعذابه للكافر والمنافق قال ودلت الأحاديث الصحيحة أن الكافر لا يسال في قبره وفي البخاري وغيره من أحاديث أسماء رضي الله عنها. وأما المنافق والمرتاب فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته وهذا يدل أن المسئول من وسم بالإسلام وإن كان كافراً فكلامه إذا إنما هو في الكافر المبرز بكفره والله أعلم، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيسأل الشهيد؟ فقال: «كفى ببارقة السيوف شا» أي شاهداً ولكنه أتى به على الترخيم رواه مسلم. قال علماؤنا ولا سؤال إلا بعد حياة فقال إمام الحرمين المرضى عندنا أن السؤال يقع على أجزاء من القلب أو غيره يحييها الله تعالى، وقال الحليمي يحيا بجملته وهو مقتضى ما جاء في حديث البراء بن عازب من إعادة الروح إلى الجسد وكل جائز والله أعلم وكل ميت محله قبره فيسأل فيه. وقال الفهري على وقوع السؤال للصبيان لا بد من تكميل قلوبهم. وقوله (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا) يعني بالشهادة عند الموت وفي الآخرة عند السؤال من الملكين لأن القبر أول منزلة من منازل الآخرة والسؤال من الله عند المواجهة رزقنا الله ذلك في كل موقف بمنه وكرمه. (وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم ولا يسقط شيء من ذلك علم ربهم). ي1/عني لقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10، 11] ***

الآية {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] فيكتبون حسن العمل وسيئه قيل ومباحه ثم يترك وما يؤخذ به من خواطره يعلم ذلك ريح يخرج من فيه وظاهر النصوص أن الكافر يكتب عليه الزيادة في الحجة وفي الحديث «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» قيل كاتبان بالليل وآخران بالنهار وهل يتجددان في كل يوم أم لا وأين يكونان إذا مات الإنسان قيل ومحلهما العانقان وقيل عند الشفتين والصواب في هذا كله الوقف لعدم القاطع عند المحققين والله أعلم. وقوله: (ولا يسقط شيء من ذلك عن علم) ربهم يعين أن الكتب إنما هو لإظهار حكمته وإثبات رحمته وإلا فعلمه محيط بما كان من خلقه لا لتذكره ولا توثق إذ إنما يذكر من يجوز عليه الإغفال وإنما ينبه من يمكن منه الإهمال وكل ذلك عليه تعالى محال. (وإن ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه). ملك الموت هو عزرائيل أحد أكابر الملائكة عليهم السلام وقد تقدم الكلام على حقيقة الملك وأنه مخلوق من نور وأعطي التشكل على ما يريد من الصور ليسوا بإناث ولا يقال فيهم ذكور ولا لهم آباء ولا أبناء ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا يصح منهم الجهل بالله ولا بصفة من صفاته ولا حكم من أحكامه. قال ابن العربي وقد أحياهم الله حياة واحدة ويميتهم ميتة واحدة ثم يحييهم بعد هذا فلهم حياتان وموته واحدة ومن عداهم لهم حياتان وموتتان وللآدمي أربعة حياة الميثاق وحياة التكليف وحياة القبر وحياة الحشر وقال الأشعري الموت صفة وجودية كالحياة لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] قال ولا يعرى جوهر عنها، وقال الإسفرائيني الموت بعد الحياة وتأول الخلق بالتقدير، وهو خلاف الظاهر، وقوله (الأرواح) يعني جميعها من آدمي وغيره لقوله تعالى {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وَكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] الآية وقد يعارض هذا بقوله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42] فيجاب بأن هذه إضافة حقيقية لمحققها وذلك إضافة فعل إلى مكتسب ومعنى بإذن ربه بأمره وحكمه. (وأن خير القرون القرن الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).

يعني لقوله عليه السلام: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قيل ثم كذلك إلى آخر الدهر لقوله عليه السلام: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه». وقيل لا لقوله: «ثم يأتي قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» الحديث والقرن لغة الجيل من الناس قاله الجوهري وقيل هو عبارة عن جماعة من الناس مجتمعه في صفة واحدة أو مكان واحد أو زمان واحد وهو أخصه. واختلف في حده فقيل مائة وعشرون سنة وقيل مائة وهو المتعارف ورجح بظواهر وأحاديث وقيل ثمانون وسبعون وستون وأربعون وثلاثون وعشرة وقيل منها إلى مائة وعشرين والمقصود أن أفضل القرون قرن الصحابة وهو من اجتمع بمحمد صلى الله عليه وسلم مؤمناً به قال أبو زرعة الرازي مات عليه السلام عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً كلهم رآه أو روى عنه ذكره ابن الأثير وابن القطان وغيرهما والقرن الثاني هم التابعون أعني الذين رأوهم وتابعوا التابعين بعدهم وسيأتي تمام الكلام في ذلك آخر الكتاب إن شاء الله فانظره. (وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون الهادون المهديون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان علي رضي الله عنهم أجمعين). الرواية هنا وأفضل أصحابه وفي رواية الصحابة الخلفاء وهم القائمون بأمر الأمة بعد موته عليه السلام وأولهم أبو بكر عبد الله بن عثمان أبو قحافة بويع له يوم وفاته صلى الله عليه وسلم بإجماع الصحابة وإن توقف بعضهم للتروي في النظر فقد لحق بهم في وقته فتم الإجماع على تقديمه وكذلك على تقديم عمر بعده رضي الله عنهما قال أبو منصور السمعاني أجمع أهل السنة على أفضلية أبو بكر على كل الصحابة قال ولا يعتد بخلاف الروافض وغيرهم ثم لا خلاف أن ليس بعد أبي بكر إلا عمر في الفضل والتحقيق أن الخلفاء

الأربع في الفضل على مراتبهم في الخلافة. قال ابن رشد وهو المعمول به من قول مالك وفي المدونة أنه سئل من خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر ثم عمر ثم قال أو في ذلك شك قيل فعلي وعثمان قال ما أدركت أحداً يعتد به يفضل أحدهما على صاحبه ويرى الكف عن ذلك وعنه أدركت أهل العلم ببلدنا لا يفضلون أحداً من الصحابة على أحد ويقولون الكل فضلاء وعليه رواية العطف بالواو الجميع هنا فهي إذا ثلاثة أقوال كلها لمالك، وقال أبو بكر الباقلاني هم في الفضل سواء لأن فضلهم خارج عن الحصر والترجيح لا يكون إلا بالطعن والطعن ممنوع. قال والمسألة اجتهادية فمن فضل باجتهاده من غير طعن فلا عتب عليه والخطأ لا يوجب الإثم لأنه ليس في أمر يلزم العمل به ولا هو من فرائض الدين والواجب إنما هو اعتقاد فضل الصحابة على جميع الأمم ثم العشرة أفضلهم ثم الأربعة وأهل بدر غيرهم دونهم فانظر ذلك وربما عبر بعضهم بقوله أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر واعترض بعيسى فقيل الصواب أن يقال أفضل الناس بعد الأنبياء أبو بكر لأنه أفضل الأمة التي هي أفضل الأمم وعيسى عليه السلام وإن كان نزوله على حكم الأمة فدرجة النبوة في الفضل لا ترتفع عنه والله أعلم. (وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب). يعني أنه يجب تعظيم الصحابة وتوقيرهم والكف عن القدح فيهم لأن الله تعالى قد عظمهم فقال عز من قائل: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] الآية وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه» الحديث. وقال أبو القاسم الحكيم اليهود والنصارى أحسن حالاً من الروافض وإن كانوا

مسلمين لأنه لو قيل ليهودي من أفضل الناس قال موسى فإذا قيل من أفضل الناس بعده قال نقباؤه ولو قيل للنصراني من أفضل الناس قال عيسى فإذا قيل له من بعده في الفضل قال حواريوه ولو قيل لرافضي من أفضل الناس قال محمد صلى الله عليه وسلم فإذا قيل له من شر الناس بعد موته قال أصحابه فقبح الله رأيهم فيما أنوا من ذلك فالواجب ذكرهم بكل جميل والإمساك عن كل ما يؤدي لخلافه وما وقع بين علي ومعاوية فعن اجتهاد ولكل أجر بما وقع منه ومذهب أهل السنة أن الصحابة كلهم عدول وكل ما في ذلك من الخلافة للمعتزلة. وقد قال بعضهم إن الصحابة عيون ودواء العين لا تمس ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وسئل ميمون بن مهران عن أهل صفين فقال تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا تخضب بها ألسنتنا وكذا قال عمر بن عبد العزيز في شأن يزيد قال صاحب الأنوار وجمهور أهل العلم على أنه لا يجوز تكفير يزيد ولا لعنه فإنه من جملة المؤمنين وأنه في المشيئة حتى قال الإمام حجة الإسلام يعني الغزالي وعلى الواعظ وغيره الكف عن رواية مقتل الحسين وما جرى بين الصحابة من التخاصم فإنه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم. وسئل الحسن عن حرب علي ومعاوية فقال شغلني عنه ذكر الهاوية وقد كفر قوم يزيد بمقالات رويت عنه وهو كذلك إن صحت والأمر في الحجاج مثله وقد جزم جماعة من العلماء بكفر الحجاج منهم القاضي أبو بكر بن العربي فسألت شيخنا أبا عبد الله القوري رحمه الله عن ذلك فقال لأنه كان يفضل الملك على النبوة وهذا إن صح لم يختلف في كفره والمقطوع به في شأنه وشأن يزيد أنهما ظالمان سخط الله عليهما أقرب من رحمته لهما ويعلق كفرهما على صحة ما نقل عنهما من الأقوال والأفعال الدالة عليه والله أعلم. ومعنى شجر: اشتبه واختلط وظاهر كلام الشيخ التناقض إذ أمر بالإمساك أولاً ثم بحسن التأويل آخراً وأجيب بأن الأول حكم العوام والثاني حكم الطلبة ومن في معناهم والظاهر أن الإمساك هو الأصل فإن وقع الكلام فالحمل على الوجه الأحسن هو المطلوب والله أعلم. (والطاعة لائمة المسلمين ولاة أمورهم وعلمائهم). يعني من واجب أمور الديانات طاعة الأمراء فيما ليس بمعصية ولا يؤدي إلى

معصية من خروج ولا خلاف فقد قال عمر رضي الله عنه لسويد بن غفلة يا سويد بن غفلة لعلك لا تلقاني بعد اليوم عليك بالسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً مجدعاً إن شتمك فاصبر وإن ضربك فاصبر وإن أخذ مالك فاصبر وإن راودك عن دينك فقل طاعة مني دمي دون ديني ولا تخرج أبداً من طاعته انتهى. وقد قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الآية وقد علم أن العلماء ورثة الأنبياء فوجب الرجوع إليهم وامتثال أمرهم إن كانوا ممن يصح الاقتداء بهم وهو كونهم من أهل العدالة مع علمهم والله أعلم. (وأتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم والاستغفار لهم). السلف الصالح الصحابة ومن تبع طريقتهم من سلف الأمة والصالح من صلحت أقواله وأفعاله وأحواله فلم يمكن وجه الرد عليه ولا معنى للطعن فيه فيجب اتباع طريقتهم واقتفاؤهم يعني موافقتهم في علمهم حتى كأنه يمشي خلف قفاهم من غير حيدة ولا خروج عن هديهم القويم وسبيلهم المستقيم وآثارهم ما دل على أمرهم وشأنهم وإنما يستغفر لهم لما لهم من الحق فيما قاموا به من أمر الشريعة إذ أصلوا وحصلوا وفصلوا وجمعوا ووصلوا ونصحوا الأمة بما فعلوا فما من الأمة واحد إلا ولهم عليه منة في دينه بل وفي دنياه بحسب ما وصل إليه من ذلك والله أعلم وسيأتي في هذا مزيد آخر الكتاب إن شاء الله. (وترك المراء والجدال في الدين). يعني من واجب أمور الديانات ترك المراء والمراء قوة الجدال والجدال المنازعة وقد جاء النهي عنه في أمر الدين لأنه لا يزيد إلا شراً إلا أن تلجئ الضرورة إليه مع الاقتدار على النصرة أو لتذكر العلم بحسن الخلق وقد قسم العلماء الجدال إلى أقسام الشريعة وحمل القاضي عبد الوهاب كلام الشيخ على ترك الكلام مع أهل الأهواء ومنازعتهم لأنه في الغالب ضرر ولا نفع فيه إلا للنادر في النادر والنادر لا حكم له وقد جاء في الحديث «من ترك المرء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة» فانظر ذلك. (وترك كل ما أحدثه المحدثون إلخ). يعني في أمر الدين لقوله عليه السلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه

فهو رد» قال علماؤنا فالبدعة إحداث أمر في الدين يشبه أن يكون منه وليس به وهذا على قول من يرى أن البدع لا تدخل في العادات وإلا فقوله في الدين زيادة والأول أصح وقد قسم عز الدين بن عبد السلام البدع إلى أقسام الشريعة اعتباراً بمطلق الأحاديث. وقال المحققون: إنما تدور بين محرم ومكروه لقوله عليه السلام: «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» ولا يصح أن يكون المباح ونحوه ضلالة ثم البدع ثلاثة أنواع بدع صريحة وهي التي ترفع ما كان مشروعاً أو تزاحمه وبدع إضافية وهي ما أضيف إلى ثابت شرعاً بإدخال كيفية ليست منه وبدع خلافية وهي التي تتجاذبها الأصول فيتبع كل إمام أصله فيها وتفصيل ذلك يطول وقد ألف الناس في ذلك طويلاً وعريضاً فممن ألف الطرطوشي وما أوعب ابن الحاجب في مدخله والشيخ أبو إسحاق الشاطبي في كتاب الحوادث والبدع وابن فرحون وغيره من المتأخرين. وقد فتح الله في ذلك بتأليف فيه مائة فصل دار جله على أمر الصوفية لكثرة البدع من المدعين في طريقهم المبني على الكتاب والسنة أولاً تحريف الظالمين والله بصير بما يعملون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. خاتمة: قد جمعت هذه العقيدة نحواً من مائة مسألة من مسائل الاعتقاد وأتى بها الشيخ مسلمة من غير برهان اكتفاء بالمعاني على الاصطلاح ولأن إيمان المقلد عنده صحيح وهو مذهب جماعة من الأئمة وادعى بعضهم الإجماع عليه وبعضهم الإجماع على عكسه وعلى صحة أئمة المذاهب الأربع الثوري والأوزاعي وكافة أهل الظاهر وكثير من المتكلمين خلافاً لأكثرهم والمعتزلة إن لم يكن مع احتمال شك أو وهم وإلا فليس بصحيح لأن التقليد أخذ قول الغير بغير حجة فإن كان مع الجزم ففيه الخلاف وإلا فباطل واختلف مع الصحة في تأثيره بترك النظر مع القدرة عليه. وقال شيخنا أبو عبد الله السنوسي رحمه الله هو كمال وإن لم يكن واجباً إجماعاً فلا ينبغي تركه بغير عذر وتقدم التنبيه عليه أول الكتاب وإن مأخذ العقائد وجريها على ترتيب سورة الأنعام فلذلك كان أولها خلق السموات والأرض وآخرها عقد

الإمامة وفضل الصحابة لقوله تعالى في خاتمتها: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 165] وهذا جملة الأمر ومداره وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

باب ما يجب منه الوضوء والغسل

باب ما يجب منه الوضوء والغسل يقول هذا باب ذكر ما أي الشيء الذي يجب أي يفترض ويكتسب ويلزم منه أي به إذا حصل أو وقع أو وجد الوضوء الشرعي الذي هو تطهير أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص لتنظيف وتحسين ويرتفع عنها حكم الحدث المانع من أداء العبادة وقوله (والغسل) يعني وذكر ما يجب به الغسل لأن موجب الغسل غير موجب الوضوء فلذلك لزم إدخال التقدير ثابت والمراد الغسل الشرعي الذي هو تعميم ظاهر الجسد بالماء إجماعاً ومع الدلك على المشهور فما موصولة بمعنى الذي والوضوء بضم الواو اسم للفعل وبفتحها اسم للماء وقيل بالعكس وأنكر الأصمعي ضم الواو في الوضوء أن يكون مسموعاً من العرب. قال وإنما هو قياس قاسه النحويون. وقال ثعلب: الوضوء الفعل والوضوء الاسم، وقال في الغريب لا خلاف أعلمه أن الغسل بفتح الغين اسم للفعل وبضمها اسم الماء وذكر غيره الخلاف فيه كالوضوء وقال هو بالكسر اسم لما يغتسل به من أشنان وطفل ونحوه والصحيح سقوط الباب من الترجمة هنا وقد مر الكلام عليه وعلى حقيقة الباب عند قوله باباً باباً والمقصود هنا ذكر ما يجب الوضوء منه وما يوجب الغسل وما ينقضهما بعد صحتهما وكذلك ترجمة القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن نصر في تلقينه إذ قال باب ما يوجب الوضوء وما ينقضه بعد صحته فأما حكم الوضوء وأقسامه وشروطه وأحكامه وحكمته وصفته واشتقاقه فيأتي بعد إن شاء الله تعالى. (الوضوء يجب لما يخرج من أحد المخرجين). يعني لما شأنه أن يخرج منهما إذا خرج يريد على وجه الصحة والعادة لا على وجه المرض والسلسل بدليل ما يذكره بعد من استحبابه لذلك فلو خرج منهما ما ليس من شأنهما كالحصى والدود ونحوهما ففي البيان في هذه المسألة ثلاثة أقوال المشهور لا

وضوء عليه خرجت الدودة نقية أو غير نقية وهو ظاهر ما هنا لقوله (من بول) إلى آخره فأتى بمن لبيان ما تعلق عليه الحكم حتى لا يتناول غيره وقال ابن عبد الحكم يجب بها الوضوء وإن خرجت نقية وثالثها إن خرجت ببلة وجب وإلا فلا وعزاه اللخمي لابن نافع، وقوله (من أحد) المخرجين يعني القبل والدبر وألحق بهما ما يقوم مقامهما من ثقبة تحت المعدة إن أنسد المخرج فإن لم ينسد أو كان الخرق فوق المعدة فقولان ولو اعتاد القيء بصفة المعتاد ففي النقض قولان والأظهر النقض إن صار الفم محلاً له دون محله لا إن كان خروجه من محله أكثر (خ). ولا يجب إن كان خروجه نادراً بلا خلاف انتهى بمعناه (ع). وفي كون القيء المتغير لأحد أوصاف العذرة مثلها في النقض نقله اللخمي وصوب الأول كصيرورة أحد النجاستين تخرج من جائفة على المعدة قال تكررها كالسلس انتهى. وأفاد قوله (يخرج) أن الداخل غير موجب فلا وضوء في حقنة ومغيب الحشفة موجب لما هو أعم فلا يعترض به والله أعلم، وقوله (من بول أو غائط أو ريح) يهني إذا خرج كلها على وجه الصحة والعادة لا على وجه المرض والسلس في الجميع فليس الغائط والريح كالبول وهو مثلهما وحكم الجميع في الصحة متحد والمعتبر ريح الدبر لا القبل وسواء خرج بصوت أو بغير صوت. وجوز بعض الأندلسيين الصوت بغير ريح وجعله موجباً وأنكر ابن بشير وجوده ولا خلاف في وجوب الوضوء بالثلاثة أو أحدها فقول ابن سحنون الوضوء من البول سنة يعني وجب بها ولا أصل له في القرآن وأخذه من ملازمته للغائط بعيد لعدم اشتراط التلازم وإمكان انفكاكه والغائط لغة المطمئن من الأرض سمي به ما علم من باب تسمية الشيء بلازمه أو محله والله أعلم. وقوله (أو لما يخرج من الذكر من مذي) يعني يجب لما ذكر أو لما يختص بالذكر ولا يخرج من غيره وهو المذي يريد إذا خرج معتاداً فأما إن خرج على وجه السلس فإن كان لأبربرة ونحوها فكسلس البول وإن كان لطول عزبة أو تذكر فعند ابن الحاجب وإن كثر المذي للعزبة أو للتذكر فالمشهور الوضوء وفي قابل التداوي قولان (خ) والظاهر في هذا المحل أن يقال المشهور وجوب الوضوء بطول العزبة أو

التذكر كما في المدونة ومقابله لا يجب إلا لمجموعهما كما في كتاب ابن المواز لطول عزبة إذا تذكر والقولان في القادر على رفع المذي حكاه ابن شاس وابن بشير عن العراقيين انتهى. باختصار آخره (ع) ابن بشير ما قدر على رفعه المشهور كمعتاد ونقل ابن الحاجب والعفو عنه لا أعرفه انتهى وفي الجلاب لا خلاف إذا تذكر أن عليه الوضوء وفي قوله من الذكر يستر و (ح) منه أن المرأة لا مذي لها أولها مذي لا ينقض وفي الذخيرة مذيها بلة تجدها فيجب بها الوضوء كذا وذكره شيخنا أبو العباس حلو لو كان الله له في شرحه مختصر (خ) فانظره والمذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء وبكسر المعجمة أيضاً وتشديد الياء قال صاحب الغريب قال ثابت هو بالسكون الاسم وبالكسر الفعل ثم قال فعلى هذا التشديد أحسن لأن الفعل لا يوصف بالخروج والله أعلم. وإنما أفرده الشيخ بالذكر عما قبله لاختصاصه بحكم دونه وبينه بقوله مع غسل الذكر كله منه يعين لأنه يسري مع العسيب ويقتضي حرارة وعلى هذا فلا نية إذا كان معللاً بالتبريد والاحتياط من النجاسة وهذا مذهب الشيخ أنه لا تجب فيه النية وقال أبو العباس الأبياني تجب فيه النية فحمل الأمر به على التعبد وهما جاريان على قول المغاربة بوجوب غسله كله خلافاً للعراقيين في اختصارهم على محل الأذى فقط ابن الحاجب ففي مغسوله قولان تحتملهما أي المدونة جميع الذكر للمغاربة ففي النية قولان وموضع الأذى لغيرهم فلا نية (خ). ووجه احتمالها للقولين أنه قال فيها والمذي عندنا أشد من الودي لأن المذي يجب منه الوضوء مع غسل الفرج قال فقوله (مع غسل الفرج) محتمل أن يريد جميع الفرج أو بعضه أي موضع الأذى منه انتهى وعلى القول بوجوب الكل فرع (خ) في مختصره حيث قال ففي النية وبطلان صلاة تاركها كتارك كله قولان (ع) وفي إعادة

صلاة من اقتصر على محله أبداً وصحتها قولان للأبياني ويحيى بن عمر انتهى. وأفاد تعيين القائل في الأخيرة فانظره وقوله: " وهو ماء أبيض رقيق " يعني في قوام لعاب السفرجل وبياضه وهذا عند اعتدال الطبيعة وإلا فقد يخلف ويختلف ثم هو غالباً إنما يخرج عند اللذة بالإنعاظ أي انتباه الذكر وانتعاشه قال الخليل يقال نعظ ذكر الرجل ينعظ نعظاً ونعوظاً يعني انتبه يقع الإنعاظ غالباً للذة عند الملاعبة مع الأهل ونحوهم والتذكار بفتح التاء أي سريان الفكر فيما يقع بين الرجل وأهله من أمر الجماع وما يرجع إليه وقد يخرج بلا لذة ولا إنعاظ وهذا لا يجب به شيء على المشهور وقد يكون بلذة دون إنعاظ فيجب به إن لم يكن عن سلس ونحوه وقد يكون إنعاظ دونه فإن كان خفيفاً فلا نقض وإن كان كاملاً فاختلف فيه. (ع) وفي نقض بين الإنعاظ ثالثها إن اختلفت عادته في تعقبه بمذي للباجي عنها مع نقله عن ابن شعبان رواية ابن نافع واللخمي (خ) وقال ابن عطاء الله الصحيح أن لا وضوء فيه بمجرده قال فإن انكسر عن مذي توضأ للمذي وإلا فلا وليس الإمذاء من الأمور الخفية حتى تجعل له مظنة انتهى. وخروجه بالتذكار أو دونه كخروجه بالإنعاظ أو دونه الحكم في ذلك سواء فإن عرى التذكار عن المذي وصحبته اللذة ولو مع النظر فلا نقض على المشهور (خ) وذهب أبن بكير والأبياني إلى أن اللذة بالنظر ناقضة انتهى. وهو المنقول عنه بالتذكر والله أعلم. (وأما الودي) يعني بفتح الواو وسكون الدال المهملة قال صاحب الغريب ومن رواه بالمعجمة فقد صحف ثم حكى عن صاحب ألفاظ المدونة اختياره قال وتبع فيه الأبهري وقال ابن السيد في الاقتضاب ولا أدري من أين نقله الأبهري، ويقال أيضاً بكسر الدال والتشديد وعلى كل حال فهو ماء أبيض خاثر دون بياض المذي ودون خثارة المني بل في قوام المخاط ولونه هذا شأنه في اعتدال الطبيعة وغالب الأمر. وقد يخلف ويختلف والغالب أنه يخرج بأثر البول عند حصره أو حدوث برد

ونحوه وقد يخرج معه أو قبله أو دونه وكل ذلك مشاهد وقوله (يجب منه ما يجب من البول) يعني خرج مع البول أو قبله أو بعده أو دونه والذي يجب من البول ثلاثة تنجس محله والوضوء بمعتاده والاستبراء منه وهو استفراغ ما في الفرج بالسلت والنتر الخفيفين لأن قوة النتر يورث عللاً ولا تنقطع المادة ولا يجب التحنح ولا القيام ولا المشي ولا حركة الرجلين إلا لمن اعتاد أن لا يخرج منه إلا وبه قد جرب لطوله أن يهمز بأصبعه بين السبيلين فإنه يدفع الحاصل ويمنع الواصل والله أعلم. (وأما المني فهو الماء الدافق) يعني الذي يدفق بعضه بعضاً أي يدفعه بقوة ويقال المني مضعف الياء مكسور النون ولبعضهم بسكون النون والتخفيف ومعناه المهراق لأن أصل الإمناء الإراقة قال تعالى: {مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم: 46] أي تهراق في الرحم وسميت منى لأنها تهراق فيها دماء الهداية والله أعلم، ومن صفات المني خروجه بتدفق وأنه يخرج عند اللذة الكبرى الواقعة عند انتهاء نضجه واندفاعه حاراً بالجماع غالباً إذ بلا لذة أو بلذة غير كبرى أو بالجماع بلذة أو دونها ولكل حكم يخصه يأتي بعد إن شاء الله. وقوله (رائحته كرائحة الطلع) يعني طلع النخل وهو فقاحه ونوره الذي يتكون منه فأول حمل النخلة يقال له الطلع يعني طلع النخل وعند اشتقاقه يقال له الضحك وكذا قال في الغريب قال: وإنما تكون له رائحة الطلع ما دام رطباً فإذا يبس كان برائحة البيض أشبه وماء المرأة ماء رقيق أصفر كما أن ماء الرجل ماء ثخين أبيض قيل وماء الرجل مر زعاق وماء المرأة رقيق أصفر مالح (ع). وفي حديث صححوه ماء المرأة رقيق أصفر، وماء الرجل غليظ أبيض قالوا كرائحة الطلع انتهى. وهل التشبيه به لأنه الموجود بأرضهم غالباً أو لأن أصله مشارك لأصله إذا خلقت النخلة من فضلة طين آدم أو غير ذلك انظره (خ) وللمني تدفق كرائحة طلع أو

عجين قال غيره ومني الرجل في حال اعتداله أبيض ثخين له رائجة طلع أو عجين ذو تدفق وخروج بشهوة ويعقبه فتور انتهى. وهو جامع حسن وبالله التوفيق. وقوله (يجب به) يعني بماء المرأة إذا برز الطهر أي الغسل إذا كان على وجه العادة والصحة لا على وجه المرض والسلس كما مر ويأتي وقال بعض الأندلسيين لا يبرز ولكن إذا أحست به وجب غسلها وهو خلاف ما ذكره الشيخ بعد من قوله ويجب الطهر مما ذكرنا من خروج الماء الدافق للذة في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة إلا أن يقال الحكم يترتب على الإحساس به لأن الغالب عدم خروجه ويكون الخروج فيه أحرى فانظر ذلك وقوله (فيجب من هذا طهر جميع الجسد كما يجب من طهر الحيضة) يعني بجميع ظاهره إذ لا يجب مضمضة ولا استنشاق ولا صماخ وشبهه بطهر الحيضة لأنها تعرفه أو لأنه متفق عليه فيكون فيه نوع من التنظير والاحتجاج على من لم يوجب به وهو مجاهد رضي الله عنه ومن قال بقوله وقد صح الحديث أن أم سليم رضي الله عنها قالت يا رسول الله أن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال: «نعم إذا رأت الماء» الحديث فقوله رأت أعم من أن يكون بالإحساس البروز والله أعلم. تنبيه: استطراد الشيخ تعريف هذه المياه لإفادة أحكامها على وجه التفرقة والبيان ولبيان أعيانها إذا المخاطب من لا يعرفها وهم الولدان مع حاجتهم لذلك في أقرب الأزمة إليهم وليعمل عليها عند الإشكال فلو وجد في لحافه بللاً اعتبره بأوصافه فعمل على حكمه (خ). وإن شك أمذي أم مني اغتسل وأعاد من آخر نومه كتحققه يعني كما إذا تحقق أنه مني ولم يدر زمنه فإنه يعيد من آخر نومه قاله في الموطأ والمجموع وثالثها إن كان ينزعه فمن آخر نومه وإلا فمن الأولى ولابن سابق إن كان طرياً فمن آخر نومة اتفاقاً فأما الشك في عينه فقال مالك لا أدري ما هذا وأجراه ابن سابق واللخمي وغيرهما على الشك في الحدث ابن الفاكهاني والمشهور الوجوب كما مر الجزم به عند (خ).

وعليه فلا يلزمه وضوء مع الغسل وقال علي: ليس عليه إلا الوضوء مع غسل ذكره والله أعلم. (وأما دم الاستحاضة فيجب منه الوضوء ويستحب لها ولسلس البول أن يتوضأ لكل صلاة). يعني الدم الجاري على المرأة من علة وفساد في رحمها فيجب منه الوضوء إذا انقطع وقيل إذا كان انقطاعه أكثر من إتيانه ويستحب لها أي المستحاضة ولسلس البول أي الذي يخرج منه البول كثيراً بلا حرقة أن يتوضأ لكل صلاة ما دام يجري أو إذا كان إتيانه أكثر من انقطاعه على اختلاف التأويلين في ذلك لأن المسألة مشكلة من جملة إطلاق الوجوب والاستحباب في محل واحد إذ لا يصح جمعهما فتؤول ذلك بنحو عشرة أوجه من أحسنها ما ذكرناه ورد الأول بعد وجوده نصاً في المذهب وبتعارضه بما يذكر بعد من قوله أو انقطاع دم الحيض والاستحاضة فيجاب بأنه لابد من تقدير فيقدر أو مجيء الاستحاضة لمميزة أو الحكم بها مطلقاً ويعضد هذا تغيير العبارة بقوله (أو دم نفاس) والله أعلم. وعلى الوجه الآخر فله صور أربعة إن لازم أكثر الزمان استحب وإن فارق أكثر الزمان وجب وإن تساوياً فقولان بالوجوب والاستحباب ابن رشد والمشهور ولا يجب ابن هارون الظاهر الوجوب أما إن لم يفارق فلا فائدة فيه وهذه طريقة المغاربة في السلس وعليها العمل خلافاً للعراقيين في القول باستحبابه مطلقاً ابن الحاجب والاستحاضة كالسلس يستحب منها الوضوء. (خ) أشار ابن عبد السلام إلى أن معناه أن الاستحاضة كالسلس في جميع الصور المذكورة وقال الباجي إذا ثبت أن دم الاستحاضة لا يجب به غسل فهل يجب به الوضوء المشهور من المذهب لا يجب وقال القاضي أبو الحسن ما يكون منه مرة بعد مرة وجب منه الوضوء وما تكرر بالساعات استحب (ع) والمستحاضة في وجوب وضوئها لكل صلاة واستحبابه رواية اللخمي انتهى. وقد يخرج عليه كلام الشيخ بأن يقال يجب على رواية ويستحب على أخرى فانظر في ذلك وتأمله وبالله التوفيق.

(ويجب الوضوء من زوال العقل بنوم مستثقل أو إغماء أو سكر أو تخبط جنون). يعني بزوال العقل ذهاب التمييز في الحال ولو لم يزل أصله ليدخل النوم إذ ليس بذهاب العقل وإنما هو تغطية له ولم يشترط الاستثقال في غيره فقليل ما سواه وكثيره سواء ويتفصل هو إلى أربعة أوجه ذكرها غير واحد عن اللخمي الطويل الثقيل ينقض مقابله وهو الخفيف القصير لا ينقض الطويل الخفيف يستحب وحكى غيره فيه قولين. والمشهور عدم النقض والقصير قولان والمشهور النقض وعليه دل ما ههنا والله أعلم، وعلامة الاستثقال سقوط شيء من يده أو انحلال حبوته أو سيلان لعابه أو بعده عن الأصوات المتصلة به ولا يتفطن لشيء من ذلك وهذا كله على أن النوم سبب الحدث وهو المشهور ووقع لابن القاسم ما ظاهره أنه حدث وعليه فقليله وكثيره سواء والله أعلم. والإغماء: غيبة العقل بما يعتري البدن من حمى ونحوها وألزم اللخمي عبد الوهاب التفصيل فيه ولا يصح بل القليل والكثير سواء كالسكر والجنون والمعتوه كالمجنون تخبط أو لم يتخبط وفي كلام الشيخ إثبات الجن وتخبطه وهو نص القرآن ومذهب أهل الحق خلافاً للفلاسفة وبعض المعتزلة والنشوان الذي يخطئ ويصيب كالطافح الذي لا يعرف الأرض من السماء لسكره. (فرع) قال مالك فيمن حصل له هم أذهل عقله يتوضأ وعن ابن القاسم لا وضوء عليه وذكر التادلي الوضوء من غيبة العقل بالوجد والحال ونظره غيره بمن استغرق في حب الدنيا حتى غاب عن إحساسه وفيه نظر لعدم اعتباره والله أعلم. (ويجب الوضوء من الملامسة للذة والمباشرة بالجسد للذة والقبلة للذة).

يعني إذا قصدت ووجدت اتفاقاً في الجميع وكذا إن وجدت ولم تقصد عند ابن رشد وابن شاس وغيرهما (خ) ونقض عليه ابن هارون الاتفاق بما نقله ابن يونس عن سحنون في التي كست زوجها أو نقضت خفه لا وضوء عليهما وإن التذا قال وفيه نظر بأنه ليس فيه نص صريح على اللمس ونقضوه أيضاً بقول التلمساني في "اللمع" واختلف إذا وجد ولم يقصد أو قصد ولم يجد ابن الحاجب فإن قصد ولم يجد فكذلك على المنصوص يعني ينتقض ثم قال وخرج اللخمي من الرفض ولا ينتقض. (خ) وتخريج اللخمي ضعيف لأن رفض النية قصد منفرد وهنا قصد وفعل ولا يلزم من إلغاء الأخف إلغاء الأشد قال ومقابل المنصوص منصوص لأشهب وروى عيسى في مريض مس ذراع امرأته ليختبر هل يجد لذة فلم يجدها أنه يتوضأ فحمله ابن رشد على النقض بالقصد. وظاهر كلام الشيخ إن قصده اللذة شرط حتى في القبلة إلا أن يكون أتى باللام للتعليل فلزم أنه إذا لم يقصد ولم يجد أنه ينقض والمشهور خلافه والقول بالنقض به نص عليه الحضرمي ولم يعزه والمعول أن التفصيل المذكور إنما هو الملامسة فقط والقبلة على سائر الجسد منها فأما على الفم. فقال ابن الحاجب تنقض للزوم اللذة (خ) هي رواية أشهب عن مالك وقول أصبغ قال في المدونة وهو دليل المدونة ومقابله لا وضوء كالملامسة قول ابن الماجشون عياض وهو قول مالك في المجموعة ابن رشد، وأما قاصد اللذة بالقبلة ولم يجدها فالوضوء واجب عليه ولا أعلم في ذلك خلافاً ولا يبعد دخول الخلاف فيها معنى، وحكى ابن بزيزة في القبلة مطلقاً ثالثها إن كانت على غير الفم اعتبرت وإلا فلا وظاهر ما هنا أن اللذة إذا وجدت أو قصدت انتقض ولو في محرم وصغيرة لا تشتهي والمشهور أنه لا أثر لمحرم ولا لصغيرة لا تشتهي (خ) وهو ظاهر الجلاب.

ونص عبد الوهاب وغيره أنه إن وجدها في محارمه انتقض (ع) وقبلة ترحم للصغيرة ووداع للكبيرة المحرم ولا لذة لغو ابن رشد ولو قصدها في الصغيرة وجدها إلا على النقض بلذة التذكر ثم قال قلت يرد بقوة الفعل قال يعني ابن رشد وقصدها لفاسق في المحرم ناقض انتهى. وعند اللخمي أنه إن ضمها إليه انتقض بلا تفصيل فلعله مراد الشيخ بالمباشرة وإلا فمن اللمس، وقال ناصر الدين: إذا التقى جسمان فذلك الالتقاء يسمى مسا ثم قال إذا كان الالتقاء بالفم على وجه مخصوص سمي قبلة وإن كان الجسد سمي مباشرة وإن كان باليد سمي لمساً انتهى. فروع أحدها: الحائل الكثيف كالعدم وفي غيره قولان (ع) والحائل سمع ابن القاسم لا يمنع وعلى إن كان خفيفاً ابن رشد تفسير اللخمي رواية على أحسن إن كان باليد وإن ضمها فالكثيف كالخفيف الثاني: (خ) قال في التهذيب والملموس إن وجد اللذة توضأ وإلا فلا قالوا ما لم يقصدها فيكون لامساً انتهى ولابن نافع الكره والاستغفال في القبلة كالقصد. الثالث: لمس الشعر والظفر كغيره وقيل لا والله أعلم. وقوله (ومن مس الذكر) يعني أن مس الذكر موجب الوضوء كما يوجبه ما قبله وظاهره مطلقاً كما في الحديث وليس كذلك لاتفاق أهل المذهب على تقييده بالرواية الأخيرة في المدونة أنه بباطن الكف أو بباطن الأصابع ابن الحاجب أشهب بباطن الكف وفي المجموعة العمد والعراقيون اللذة (خ) يعني بأي عضو وحصلت هكذا. نص عليه السيوري وغيره انتهى. ولابن نافع اعتبار الحشفة فقط وللوقار مع باطن الكف باطن الذراع وفي

الأحوذي فيما بين الأصابع روايتان وفي باب الغسل اعتبار باطن الكف فقيد به ما هنا والمشهور أطراف الأصابع ودائرة جنب الكف والله أعلم والاتصال شرط (ع) ومسه مقطوعاً لغو المازري كذكر الغير قال قلت يرد بأن الحياة مظنة اللذة ونقيضها مظنة نقيضها وقال ومسه من آخر ابن العربي لغو المازري الجمهور كذكر نفسه إلا داود لحديث من مس ذكره فليتوضأ ورده بعض أصحابنا بحديث من مس الذكر الوضوء قال والملموس التلذا انتقض وإلا فقول الأبلي المصري وابن العربي انتهى من مواضع والله أعلم. فروع أولها: في مسه من فوق حائل وثالثها إن كان خفيفاً نقض (خ) حكى المازري وصاحب الأحوزي وابن رشد الثلاثة والظاهر عدم النقض مطلقاً لما في صحيح ابن حبان عنه عليه الصلاة والسلام: «من أفضى بيده إلى فرجه ليس بينهما ستر ولا حجاب فقد وجب عليه الوضوء» انتهى. الثاني: إن مس ذكره وصلى ولم يتوضأ أعاد أبداً على المشهور وقيل في الوقت. وثالثها: في العمد أبداً وفي السهو في الوقت. ورابعها: مثله وفي السهو السقوط. وخامسها: أبداً في الكمرة وفي العسيب السقوط. وسادسها: الإعادة. وسابعها: يعيد فيما قرب كاليومين والثلاثة حكاها كلها في اختصار شرح ابن الفاكهاني لأبي محمد عبد الله الشبيبي القروي فانظره. الثالث: في سماع عيسى من كتاب الصلاة. الرابع من جس امرأة للذة ثم نسي فصلى ولم يتوضأ يعيد في الوقت وبعده ابن رشد معناه إن جسها للذة فالتذ فلو جسها للذة ولم يلتذ لما انبغى أن تجب عليه الإعادة إلا في الوقت لأن كل من عمل في وضوئه أو صلاته بما اختلف أهل العلم فيه فلا إعادة عليه إلا في الوقت انتهى. وأتيت به هنا للقاعدة التي في آخره وهي معارضة للمشهور في التي فوقه ولكثير من المسائل فانظر ذلك وقوله (واختلف في مس المرأة فرجها في إيجاب الوضوء

بذلك) يعني على ثلاث روايات لابن زياد والمدونة وابن أبي أويس ثالثها إن ألطفت وقال قلت ما ألطفت قال أن تدخل يديها بين الشفرين فقيل باتفاقهما أي أنها راجعة للقول الآخر وعزاه ابن عرفة للأبهري قائلاً ابن بشير وعبد الحق وقيل بظاهرها ابن رشد رابع الروايات يستحب وردها الأبهري. (تحصيل موجبات الوضوء ثلاثة أنواع). أحداث وأسباب وخارج عنهما فالحدث ما نقض بنفسه وهو بالخارج المعتاد من المخرج المعتاد على وجه الصحة والاعتياد وقد ذكره الشيخ أول الباب والأسباب ما نقض بما يؤدي إليه وهو المذكور من قوله ويجب الوضوء من زوال العقل إلى هنا والخارج عنها ضربان راجع إليهما كالشك في الحدث ويأتي إن شاء الله وقادح في الأصل أو الحكم كالردة والرفض وفي الكل اختلاف فانظره وبالله التوفيق. (خاتمة): لا وضوء بمس انثييه أو أليتيه أو عانته أو رفغيه أو فرج صبي أو صبية أو بهيمة أو لحم طري ولا بتقطير في مخرجين أو إدخال شيء فيهما ولا بأكل شيء مما مسته النار أو شربه أو لحم الإبل ولا بقلس أو قيء أو حجامة أو فصد أو ذبح أو قلع ضرس أو قهقهة في صلاة ولا بكلمة قبيحة أو إنشاد شعر أو سم صليب أو وثن أو حمل ميت أو وطئ على نجاسة رطبة ولا بمس دبر وأجراه حمديس على فرج المرأة ورده ابن بشير بأنه ليس بقياس وعبد الحق باللذة ونظر فيه غيره وبالله التوفيق. (ويجب الطهر مما ذكرنا من خروج الماء الدافق للذة في نوم أو يقظة). يعني المعتاد إذا خرج مقارناً لها إجماعاً عبد الوهاب فإن عرى عن اللذة فلا غسل فيه ابن الحاجب فإن أمنى بغير لذة أو بلذة غير معتادة كمن حك لجرب أو لدغته عقرب أو ضرب فأمنى فقولان (خ) ابن بشير: المشهور السقوط واختار سحنون وأبو إسحاق القول بالوجوب ابن الحاجب، وعلى النفي ففي الوضوء فقولان: (خ) ويقع في بعض النسخ مفسرين بالوجوب والاستحباب وهو أحسن ابن الحاجب ولو التذ ثم

خرج بعد ذهابها جملة فثالثها إن كان عن جماع وقد اغتسل له فلا يعيد (خ) هذه المسألة على وجهين: أحدهما: أن يجامع ولم ينزل ثم يغتسل ثم يخرج منه مني. والثاني: أن يلتذ بغير جماع ولا ينزل ثم ينزلن وقيل بالوجوب فيها، فقيل لا فيهما لعدم المقارنة. والثالث: التفرقة فيجب في الثاني دون الأول وقد ذكر المازري واللخمي وغيرهما هذه الثلاثة الأقوال هنا وهكذا كان شيخنا يقرر هذا المحل وكذلك قرره ابن هارون انتهى والمشهور التفرقة. (فرعان: أحدهما): قال ابن الحاجب وعلى وجوبه لو كان صلى ففي الإعادة قولان (خ) الإعادة لأصبغ ومقابله لابن المواز واختاره ابن رشد المازري وغيرهما الثاني قال وعلى النفي ففي الوضوء قولان أي بالإيجاب والاستحباب قال الباجي قال القاضي أبو الحسن والظاهر من مذهب مالك أن الوضوء واجب انتهى. وظاهر كلام الشيخ أن خروج الماء باللذة موجب معتادة كانت أو غير معتادة ولم يتعرض لما وراء ذلك بنفي ولا إثبات الحكم لهذا لا يلزم نفيه عن غيره بأي وجه والله أعلم، وقوله في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة يعني أن الخروج موجب بأي وجه حصل لقوله عليه السلام «إنما الماء من الماء» ولا يلزم من وجود اللذة إدراكها فلذلك لا يشترط في النوم ولعدم ضبط النائم حمل على أغلب أحواله وهو وجود اللذة المقارنة ثم أحواله أربعة أن تجد قصة ويجد ماء وعكسه أو يجد ماء ولا ترى قصة وعكسه فيجب فيما وجد فيه لا فيما لم يوجد مطلقاً فيهما والله أعلم. وظاهر ما هنا أن ماء المرأة يبرز وقد تقدم ما فيه والظاهر أنه يختلف باختلاف النساء وقد يختلف باختلاف الأحوال لكن خروجه موجب على كل حال وفي دخول ماء الرجل فرجها دون جماع اختلاف (ع) وفيها إن دخل فرجها ماء واطئها دونه فلا غسل ما لم تلتذ ابن القاسم أي تنزل ابن شعبان لا غسل ما لم تنزل وقيل وإن لم تنزل وهو المختار احتياطاً قال قلت: ظاهره وإن لم تلتذ وقال ابن شاس وإن لم تلتذ فلا

غسل وإلا فقولان ولأبي إبراهيم عن رواية ابن وهب تغتسل لا بشرط لذة انتهى. فتأمله وبالله التوفيق. وقوله أو انقطاع دم الحيض أو الاستحاضة أو دم النفاس يعني أن انقطاع هذه الثلاثة موجب كخروج الماء الدافق وقد يريد أو مجيء الاستحاضة للمميزة أو الحكم بخا لغيرها لأنهما موجبان دون انقطاع بل هما خلف منه إذ لهما حكمة وقد يرادان به من جهة المعنى ولكن لا يؤديه الإطلاق كالتصريح فلذلك بينه وقد يدل لهذا قوله في جمل من الفرائض والغسل من الجنابة ودم الحيض والنفاس فريضة فلم يذكر الاستحاضة إلا أن يقال اكتفى بهما لأنها فرعهما وفيه بعد ومما يؤيد هذا الوجه تكرير لفظة دم التي وقع عليها ذكر الانقطاع في الحيض في النفاس لا في الاستحاضة مع أنها مستغنى عنها فيها فتأمل ذلك وعلى التقرير الأول وهو الانقطاع استشكل الرسالة غير واحد من طريق النقل ولما ذكر (ع) موجبات الغسل قال وانقطاع دم الحيض والنفاس لا الاستحاضة. وفيها ثم قال تتطهر أحب إلي واختاره ابن القاسم والباجي واللخمي والمازري قال مالك مرة تغتسل ومرة لا غسل عليها وابن القاسم واسع فقول ابن عبد السلام استشكلوا ظاهر الرسالة بوجوبه إن كان لمخالفة ظاهر المدونة فالمشهور قد لا يتقيد بها وإن كان لعدم وجوده فقصور انتهى ولا إشكال في استحباب الغسل لها وقد مر بها في وجوب الوضوء فانظره. والاستحاضة: الدم الجاري على المرأة من علة الخليل والمستحاضة: التي لا يرقأ دمها أي لا ينقطع. دم خرج بنفسه من قبل من تحمل عادة. والنفاس الدم الخارج للولادة كذا قال (خ) في مختصره وسيأتي ما لغيره إن شاء الله. (فرع) ابن الحاجب وإن حاضت الجنب أو أنفست أخرت (خ) هذا هو المشهور

(ع) ابن وهب إذا أرادت القراءة اغتسلت لأن الجنب لا يقرأ انتهى وفيه نظر من جهة أن الحيض مانع رفع الجنابة بل الحدث مطلقاً فانظر ذلك. وقوله (أو بمغيب الحشفة في الفرج) يعني من حي أو ميت آدمي أو بهيمة قبل أو دبر على من غابت فيه أو منه من أنثى أو ذكر بشرط البلوغ فيهما ويعتبر لمقطوعها قدرها (ع) موجب الغسل خروج المني بلذة ومغيب حشفة غير خنثى أو مثلها من مقطوعها في دبر أو قبل غير خنثى ولو من بهيمة ماتت على من هي منه أو غابت فيه ولو مكرها أو ذاهباً عقله انتهى. فوطء الكبير الكبيرة موجب عليهما باتفاق والصغيران دون مراهقة لغو باتفاق ابن الحاجب ولو وطئ الصغير كبيرة فلم تنزل فلا غسل عليها على المشهور (خ) الخلاف إنما هو في المراهق ونحوه على ما قال عبد الوهاب وأما ما دون المراهق فلا غسل عليها اتفاقاً قال وتؤمر الصغير على الأصح (خ) أي إذا وطئها الكبير والأصح قول أشهب وابن سحنون ومقابله في مختصر الوقار انتهى فإن تركت أعادت عند أشهب أبداً وقيل في الوقت وقال سحنون: فيما قرب كاليومين والثلاثة والله أعلم. والحشفة: حلمة الذكر وهي الكمرة بفتح الكاف والميم ومن العرب من يسميها الفيشة والفيشلة انظر الغريب وقوله: «وإن لم تنزل» يعني وأما إن أنزل فأحرى وهو مجمع عليه ولم يخالف في مغيب الحشفة غير داود والبخاري فقال في آخر كلامه والغسل أحوط وهذا الآخر إنما بيناه لاختلافهم وأما داود فلم يعتدوا بخلافه في كثير من الأشياء بل قال ابن العربي هو عامي لا حديث عليه والتحقيق أنه إمام هدي كما ذكره ابن السبكي وغيره فلا يطعن فيه ولا يتبع مذهبه لضعفه وانقراض جملته ومحققيه والله أعلم. (تحصيل موجبات الغسل ستة). أربعة متفق عليها وأثنان مختلف فيهما ويعم الرجال والنساء شرطهما ويختص الآخر بالنساء فالعامة الإنزال ومغيب الحشفة وإسلام الكافر على الخلاف فيه والخاصة

الحيض والنفاس وخروج الولد جافاً وسيأتي ما فيه من الخلاف إن شاء الله. (ومغيب الحشفة يوجب الغسل ويوجب الحد ويوجب الصداق ويحصن الزوجين ويحل المطلقة ثلاثاً للذي طلقها ويفسد الحج ويفسد الصوم). يعني إن غابت كلها لا بعضها وفي كونها بحائل ثلاثة كما تقدم في اللمس ومس الذكر وفي النوادر عن ابن شعبان إن أدخلت امرأة العنين فرجه وجب الغسل فظاهره لا يشترط الانتشار فانظر ذلك ويوجب الحد على الزاني واللائط بشرط الانتشار كما هو مذكور في بابه، ويوجب الصداق كاملاً على المتزوج إذا وقع مع زوجته التي لم يدخل بها وظاهر هذا أن الصداق إنما يجب بالدخول ونصفه بالطلاق ولا يجب بالعقد شيء وثالثها نصفه بالعقد وكماله بالدخول وسيأتي إن شاء الله. ويحصن الزوجين الحرين البالغين إن كانا على نكاح صحيح بوجه صحيح كما قال بعد والإحصان أن يتزوج الرجل المرأة نكاحاً صحيحاً ويطأها وطأ صحيحاً ويحل المطلقة ثلاثاً إن وقع من زوج ثان بنكاح صحيح سالم من الدلسة للذي طلقها أولاً إذ لا تحل إلا بعد زوج ذاق عسيلتها وذاقت عسيلته كما في حديث امرأة رفاعة مع عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة بعدها مثناة وراء. ويفسد الحج إن وقع قبل الوقوف بعرفة فيجب إتمامه وقضاؤه والهدي والعمرة وسواء العمد والنسيان والتطوع والفرض لأن نفل الحج كفرضه نية وكفارة وغيرهما والله أعلم. ويفسد الصوم فيوجب القضاء عمدة للفرض والنفل مع الكفارة في الفرض وفي إيجابها في النسيان اختلاف قال بعض الشيوخ وهذا إذا غابت في المنكح لا في المبال وقال ابن العربي أرانا فلان من شيوخه فرج المرأة بأن عقد خمساً وثلاثين وأشار بأن المعتبر الوسط لا الدائرة فانظر ذلك. تنبيه: ذكر الشيخ هنا من موجبات مغيب الحشفة سبعة أشياء وأنهاها بعضهم لزائد على المائة قال بعضهم والمختص منها بذلك أربعة الإحصان والإحلال والحد في محله وسقوط الخيار في العنة والاعتراض والله أعلم.

(افتتاح). لما انتهى كلام الشيخ في موجبات الغسل أراد الكلام على الحيض والنفاس لأنهما من متعلقاته فأردنا تقديم حقيقة الحيض وتقسيم الحيض ليسهل التقرير ومن الله التيسير أما حقيقته فقال (ع) الحيض دم تلقيه رحم معتاد حملها دون ولادة خمسة عشر يوماً في غير حمل وفي حمل ثلاثة أشهر خمسة عشر ونحوها وبعدها ستة وعشرين ونحوها فأقل في الجميع فيخرج دم بنت سبع ونحوها والآيسة انتهى. والنساء خمسة صغيرة لا تشبه أن تحيض وكبيرة مثلها كابنة سبعة وابنة سبعين فلا يعتبر دمهما اتفاقاً في العدة وفي العبادة على المشهور في الآخرة (ع) والآيسة في كون دمها حيضاً في العبادات نقل الصقلي عن أشهب مع الشيخ عن رواية محمد ونقل ابن حبيب معها وعليه في وجوب الغسل لانقطاعه قولاً ابن حبيب وابن القاسم انتهى ثم صغيرة يشبه أن تحيض وكبيرة مثلها فيعتبر اتفاقاً كابنة تسع وابنة أربعين وفيما تردد بينها اختلاف وبالغ في سن من تحيض لا إشكال فيها والدماء الخارجة من النساء ثلاثة حيض ونفاس واستحاضة وقد تقدم تعريفها ودرجات الحيض في قوامه ولونه ونحوهما ستة أوله أسود غليظ منتن ثم يصير أحمر ثم صفرة كماء العصفر ثم كدرة كغسالة اللحم ثم ترية وهي أفتح منها ثم قصة وكلها علامة الحيض فيجب فيها ما يجب فيه إلا الأخير فإنه علامة الطهر كما قال الشيخ هنا. (وإذا رأت المرأة القصة البيضاء تطهرت إلخ). يعني لأنه علامة انقضاء دمها من حيض أو نفاس بإجماع وإن اختلف في تقديمها على الجفوف وفي الغريب قال أبو عبيد القصة التراب الأبيض فإذا رأت المرأة بياضاً

على رحمها استدلت بذلك براءة رحمها ابن الحاجب وهو ماء أبيض كالقصة وهو الجير قال غيره وروي كالبول وقيل كماء العجين وقيل كالخيط الأبيض وروي كالمني وقوله (وكذلك إن رأت الجفوف) يعني: جفوف المحل مما كان فيه من الحيض وما في معناه بأن تخرج لها الخرقة جافة فللطهر إذا علامتان القصة والجفوف (خ) والطهر بجفوف أو قصة وهي أبلغ لمعتادتها فتنتظرها لآخر المختار وفي المبتدأة تردد انتهى. وما ذكره من أن القصة أبلغ لمعتادتها هو قول ابن قاسم وقال ابن عبد الحكم الجفوف أبلغ لها وقال ابن حبيب وعبد الوهاب والداودي هما سواء وفائدة الخلاف انتظار الأقوى لآخر المختار على المشهور وقيل لآخر الضروري (خ) وجعل ابن رشد الخلاف في الانتظار للاختياري أو الضروري مبني على أن الأقوى هو من باب الأولى أو من باب الأوجب (س) والأظهر الاختيار قال والانتظار إنما هو على القولين. وأما الثالث: فأي العلامتين سبقت عنده اغتسلت انتهى وهو ظاهر قوله هنا تطهرت مكانها يعني فلا تنتظر شيئاً والمعتادة كالمبتدأ في هذا القول بخلاف الأولين ففي المبتدأة خلاف يخصها ابن الحاجب أما المبتدأة فقال ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون تنتظر الجفوف وغيرهما سواء قال الباجي نزع ابن القاسم إلى قول ابن عبد الحكم (خ). وكذلك صرح به ابن شاس أنها إذا رأت القصة تنتظر الجفوف وفي المنتقى نحوه إذ قال لا ظهر إلا بالجفوف ونحوع في النوادر عن ابن حبيب عن ابن القاسم وقال المازري: وافق ابن القاسم ابن عبد الحكم على أن المبتدأة إذا رأت الجفوف تطهرت ولم يقل إذا رأت القصة تنتظر الجفوف ونقل عبد الوهاب عن ابن القاسم مثل ما قاله المازري قال في المقدمات ونقله أصح في المعنى انتهى باختصار لفظه فانظره وقد يريد بقوله مكانها الحث على المبادرة للعبادة عند إمكانها والأول أبين وأفيد والله أعلم. وقوله (ثم إن عاودها دم أو رأت صفرة أو كدرة تركت الصلاة): يعني لأن الصفرة والكدرة حيض وحده أي في أيام حيضتها وقال عبد الملك لا يكون حيضاً إذا انفرد ولا حد لأقله في العبادات بل الدفعة حيض في العبادات اتفاقاً. وفي العدة والاستبراء على المشهور وفي النوادر وعن ابن حبيب لو رأت في اليوم قطرة دم كان يوم دم، وفيه عن ابن القاسم في التي لا ترى الدم إلا مرة في اليوم فإن

رأته وقته وتركت الصلاة ثم رأت الطهر قبل العصر فلا تحسبه يوم دم الظهر انتهى. ولعله مراد الشيخ هنا بما تقدم مع قوله: إذا انقطع عنها فاغتسلت وصلت يعني أن انقطاعه موجب للطهر وإتيانه موجب للمنع فلا تنتظر هل يأتيها دم آخر أم لا لأن المحقق لا يؤخر للمشكوك انتهى وكلام الشيخ إشارة لحال الملفقة وهي التي تقطع طهرها فصارت تحيض قبل تمام الطهر الفاصل فتغتسل كلما انقطع وتصوم وتوطأ (خ) لأنها لا تدري هل يعاود الدم أم لا وقوله: (ولكن ذلك كله كدم واحد في العدة والاستبراء) يعني أنها تلفق أيام الدم بعضها لبعض حتى تنتهي لما هو حكمها من عادة أو غيرها ثم تكون مستحاضة في بقية عمرها. وقال ابن مسلمة وابن الماجشون إن كان الدم أكثر وإلا جمعت أيام الطهر طهراً وأيام الحيض حيضاً حقيقة (خ) فتكون طاهراً حائضاً على قولهما ولو بقيت كذلك طول عمرها انتهى بمعناه والمعتبر وقوع الدم في الأيام لا استغراق اليوم به لما تقدم من أن أقل الحيض الدفعة الواحدة وظاهر كلام الشيخ أنها تكون حائضاً طاهراً في العبادة أبداً بخلاف العدة والاستبراء فلا تكون طاهراً حتى يبعد ما بين الدمين بعداً بينا بحيث لا يشك فيه مثل ثمانية أيام على قول سحنون أو عشرة على قول عبد الملك بن حبيب فهذا أقل الطهر عندهما والمشهور خلافه (ع) وأقله روى ابن القاسم العادة وابن الماجشون خمسة أيام ابن حبيب عشرة سحنون ثمانية وابن مسلمة خمسة عشر واعتمده القاضي وجعله ابن شاس المشهور انتهى وعزى الأخير في الجلاب مع ابن مسلمة للمتأخرين من أصحاب مالك وفي التلقين هو الظاهر من المذهب ورجحه ابن عطاء الله وابن عبد السلام وغيرهم وقال ابن عبد السلام أكثر النصوص في الكتب المشهور لمالك عليه والله أعلم. وقوله: (فيكون حيضاً مؤتنفاً) يعني إذا بعد ما بين الدمين فالثاني حيض ولا حد لا كثر الطهر إجماعاً ومعنى مؤتنفاً مبتدأ يعتد به وحده في العدة والاستبراء. (فرع) يجب تفقد المرأة طهرها عند النوم ليلاً (ع) وفي وجوبه قبل الفجر لإدراك المغرب والعشاء قول الباجي عن الداودي وسماع ابن القاسم إذ ليس من عمل الناس ابن رشد يجب في وقت كل صلاة موسعاً ويتعين آخره بحيث تؤديها انتهى.

(ومن تمادى بها الدم بلغت خمسة عشر يوماً ثم هي مستحاضة إلخ). يعني أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً وهذا هو المشهور في الجملة وإلا فالمشهور التفرقة بين المبتدأة والمعتادة والحامل ابن الحاجب والنساء مبتدأة ومعتادة وحامل فالمبتدأة إن تمادى بها الدم فالمشهور خمسة عشر روى ابن زياد تطهر لعادة لذاتها وروى ابن وهب وثلاثة أيام استظهار (س) والاستظهار في رواية ابن وهب بشروطه المعروفة أن لا تجاوز خمسة عشر يوماً. قال ابن الحاجب والمعتادة إن تمادى فخمسة أقوال فيها روايتان خمسة عشر ورجع إلى عادتها مع الاستظهار بثلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوماً قال والثالث عادتها خاصة والرابع خمسة عشر واستظهار يوم أو يومين والخامس قال ابن نافع واستظهار ثلاثة أيام وأنكره سحنون انتهى بإسقاط بعض كلام من خلاله للاختصار (ع). وقول ابن عبد السلام تردد بعضهم في صحته عن ابن نافع قصوراً لرواية ابن حارث واللخمي عنه وترجيحه إياه على رواية محمد يعني التي هي استظهارها بيومين وعليها فأكثر الحيض سبعة عشر وعلى قول ابن نافع ثمانية عشر والله أعلم. والمشهور إن الحامل تحيض وقيل ليس دمها بحيض وعلى المشهور فإن تمادى ففيها قال ابن القاسم تجلس بعد ثلاثة أشهر ونحوها نصف شهر وبعد ستة فأكثر عشرين ونحوها وهل حكم ما قبل ثلاثة كما بعدها أو كالمعتادة قولان وهل الستة كالثلاثة أو كالأكثر قولان. وعن مالك فيها تمكث قدر ما يجتهد لها بلا حد وليس أوله كآخره وروى

أشهب كالحامل وروى مطرف أوله العادة والاستظهار والثاني مثل العادة وفي الثالث ثلاثة أمثالها وكذلك إلى ستين فلا تزيد وقال ابن وهب ضعف عادتها خاصة ولابن القاسم وغيره أقوال أخر فانظر ذلك. (فرع): المشهور في غير المبتدأة والحامل أن الاستظهار على عادتها شرط فإن اختلفت عادتها فقيل تقتصر على أقلها والمشهور على أكثرها (خ) والقول بالأكثر مذهب المدونة والقول بالأقل لابن حبيب ابن الحاجب وأما دم الاستظهار عند قائله فحيض وما بينه وبين خمسة عشر قيل ظاهر (خ) وهو نص قول ابن القاسم في الموازية وظاهر المدونة في الحج وقيل تحتاط فتصوم وتقضي وتمنع الزوج ثم تغتسل ثانياً وعزاه (ع) لرواية ابن وهب وذكر (خ) عن اللخمي وغيره أنها رواية في المدونة والمشهور الأول والله أعلم. وقوله (تتطهر وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها يعفى أن لها حكم الطاهر ما لم تميز بعد طهر تام فتعمل على تميزها) (ع) وما ميزته مستحاضة بعد طهر تام

حيض في العادة ابن حارث اتفاقاً وفي العدة قولان لها ولسحنون مع محمد وأشهب وابن الماجشون وفيها لابن القاسم والنساء يزعمن أن دم الحيض مباين للاستحاضة برائحته ولونه وصح حديث النسائي دم الحيض أسود يعرف بأن رجاله رجال مسلم انتهى.

وما ذكر من التلفيق يجري في كل النساء ويعتبر فيه ما قيل في الطهر والحيض على تفصيله والله سبحانه أعلم وفي قوله (تتطهر إلى آخره) إشارة لموانع الحيض وهي نوعان متفق عليها ومختلف فيها فيمنع الحيض وجوب الصلاة وصحة فعلها وفعل الصوم ومس المصحف والطلاق وابتداء العدة والوطء في الفرج ورفع الحدث ودخول المسجد والطواف والاعتكاف باتفاق وعلى المشهور الوطء بطهر التيمم وبين الطهر والغسل وفيما دون الإزار. ووجوب الصوم ورفع حدث الجنابة بخلاف القراءة والتطهر بفضل مائها على المشهور فانظر ذلك. (وإذا انقطع دم النفساء وإن كان قرب الولادة اغتسلت وصلت إلخ). يعني وكذلك إن خرج الولد جافاً بلا دم على المشهور هو الراجح من روايتين (ع) وسمع أشهب من ولدت دون دم اغتسلت اللخمي هذا استحسان لأنه للدم لا للولد ولو اغتسلت لخروجه دون الدم لم يجزها ابن رشد معنى سماع أشهب دون دم كثير إذ خروجه بلا دم ولا بعده محال عادة قال ونقل ابن الحاجب نفيه رواية وابن بشير قولاً لا أعرفه انتهى والدفعة نفاس كالحيض (خ) ونقطعه ومنعه كالحيض ابن الحاجب وما يجيء بعد طهر تام حيض وإلا ضم ومنع فيه كالحيض فإذا كمل فاستحاضة قال: ولا تقرأ (خ) هذا مما تفرد به وقد صرح في المقدمات بتساوي حكم الحائض والنفساء في القراءة (ع) وعلل ابن عبد السلام قول ابن الحاجب ولا تقرأ بعدم تكرره كالحيض وهو ظاهر نقلهم رواية الجواز في الحيض فقط. وفي التلقين دم الحيض والنفاس يمنع أحد عشر شيئاً وفي قراءة القرآن روايتان فظاهره أنهما سواء انتهى فانظره وقوله (وإن تمادى بها الدم جلست ستين ليلة) يعني من يوم ولادتها وذلك شهران تامان وهذا هو القول المرجوع عنه وهو المشهور (ع) وفيها إن دام جلست شهرين ثم قال قدر ما يراه النساء ابن الماجشون والستون أحب إلي من السعبين والقول بالأربعين لا عمل عليه ابن حارث عن عبد الملك المعتبر الستون ولا يسأل نساء الوقت لجهلهن مطرف به رأيت مالكاً يفتي (خ) ابن الماجشون لا يلتفت إلى قول النساء لقصر أعمارهن وقلة معرفتهن وقد سئلن قديماً فقلن من الستين

إلى السبعين حكاه ابن رشد وحكى الباجي عنه أن أقصاه ستون وسبعون انتهى وقوله: (ثم اغتسلت) يعني بعد الستين بالاستظهار وقيل به إلى السبعين وقيل غير ذلك ومعنى قوله (وكانت مستحاضة) يعني أنه يجري فيها ما يجري في المستحاضة ما لم ينقطع بطهر فأصل أو تمييز فتعمل على ذلك كما تقدم فإن ولدت بعد ستين ليلة ولداً آخر فله حكم نفسه بنفاس آخر. وإن ولدته قبل تمامها ففي كونه حيضاً أو نفاساً قولان وهما في المدونة أحدهما كالحامل في الأول والمشهور نفساء. وعلى الآخر فهل الثاني نفاس مستقل أو بإضافتها لما قبله قولان للشيخ مع أبي سعيد وغيرهما تبنى على الأول وقال أبو إسحاق تستأنف واستظهره غير واحد والله أعلم. فرعان: الأول الدم الخارج للولادة قبلها حكى عياض فيه قولين للشيوخ أحدهما أنه حيض والآخر نفاس، الثاني: الماء الأبيض المعروف بالهادي الذي يخرج من الحامل قرب ولادتها في العتبية عن ابن القاسم يجب منه الوضوء وقال مالك ليس بشيء وأرى أن تصلي به قال ابن رشد وهو الأحسن لكونه ليس بمعتاد. (خ) في مختصره ووجب وضوء بهاد والأظهر نفيه وقوله: (تصوم وتصلي وتوطأ) يعني كمستحاضة الحيض ما لم تميز كما تقدم والمقصود تفعل جميع ما منعت منه وبالله التوفيق.

باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة يقول هذا الباب يذكر فيه طهارة الماء ونجاسته وما يتعلق بذلك وطهارة الثوب والبقعة وهو المكان المصلى عليه ولم يذكر البدن اكتفاء بما يذكره في الاستنجاء وتنبيهاً على أنه واجب لذاته لا للصلاة فقط إذ لا يجوز لأحد أن ينجس عضواً من أعضاء لغير ضرورة حتى لقد عده بعضهم من الصغائر وذكر هنا حكم اللباس لأنه من باب الاستعداد كالطهارة ولأن حكمه مساو حكم طهارة الثوب والبقعة ثم كرره في باب الجامع ليشعر بأن له اعتباراً في الصلاة وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله. وقد عد ابن رشد وغيره في فرائض الوضوء الماء الطاهر ورد بأنه ليس من فعل المكلف وأجيب بأن المراد إعداده ورد بأنه وسيلة والله أعلم وقد تبرع الشيخ في هذا الباب بقوله وقلة الماء مع أحكام الغسل سنة إلى آخره وقال ابن بشير وغيره الطهارة إزالة النجس أو ما في معناه بالماء أو ما في معناه ورده (ع) أنه تعريف للتطهير لا للطهارة فانظره وبالله التوفيق. (والمصلي يناجي ربه إلخ). يعني يساور ربه بالتلاوة والذكر والدعاء والاستغفار فيسارره ربه بما يفتح على قلبه من لطائف حكمته ومواد لطفه وعطفه إذ المناجاة في اللغة المساررة ومنه قوله عليه السلام: «لا يتناجى اثنان دون واحد» الحديث وما ذكره الشيخ هو لفظ حديث صحيح في روايات مختلفة والمقصود به إشعار المصلي عظمة المقام الذي يتوجه له حتى لا تبقى في بقية لغيره فيتذلل تذلل عبد حقير فقير بين يدي ملك علي عظيم كبير لذلك قال ابن بطال - رحمه الله - مناجاة المصلي به عبارة عن إحضار القلب والخشوع قال بعض الصوفية هو ذبول القلب بين يدي الرب سبحانه وقد اختلف في حضور القلب في الصلاة. فقال ابن رشد وغيره واجب لا تبطل الصلاة بتركه وقيل مندوب يكره تركه ولابن العربي يجب نفي الخاطر على كل حال ثم إن كان مما تقدم الكلام فيه قريباً

بطلت وإلا فلا ولبعض من اختصر الإحياء الإجماع على أن حضور القلب في الصلاة واجب والإجماع على أنه لا يجب في كلها بل في جزء منها وينبغي أن يكون عند تكبيرة الإحرام اهـ. وقد أفادني هذا الكتاب شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله وسألته عن مؤلفه فقال مالكي وأنه يعتمد عليه والله أعلم وقد يراد المناجاة ما في حديث أبي هريرة يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين الحديث وقوله (فعليه أن يتأهب لذلك) يعني أن يستعد فإن التأهب الاستعداد ومنه قولهم تأهب الفارس للحرب والعروس للخروج إذا استعدا لذلك والإشارة بذلك الصلاة وما احتوت عليه من المناجاة لأنها أفضل الأعمال فلا يقدم عليها إلا بأحسن الهيئات ظاهراً أو باطناً. قال ابن عطاء الله في الحكم الصلاة طهرة للقلب واستفتاح لباب الغيوب الصلاة محل المناجاة ومعدن المصافاة تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها شوارق الأنوار علم وجود الضعف منك فقلل أعدادها وعلم احتياجك إلى فضله فكثر إمدادها انتهى ثم الاستعداد المذكور يكون ظاهراً بالوضوء وبالطهر حيث يطلب كل واحد منهما وجوباً أو ندباً سنة أو استحباباً فتنظف الأعضاء بالماء ظاهراً وبالتوبة والمغفرة باطناً فقد قال عليه السلام: «إذا توضأ العبد المؤمن فغسل وجهه خرجت الخطايا حتى تخرج من أشفار عينيه» فذكر كل عضو بتكفيره بالغسل وقال في آخره «حتى يخرج نقياً من الذنوب وتكون صلاته وخروجه للمسجد نافلة» الحديث ولما تكلم عليه ابن العربي وغيره قال وهذا في الصغائر وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة واستدل لذلك بوجوه فانظر العارضة وغيرها. وقوله: (إن وجب عليه الطهر) يعني الغسل بأحد موجباته المتقدمة بعد توفر شروطه ومن شروط الوضوء أيضاً البلوغ والعقل والإسلام وبلوغ الدعوة وثبوت حكم الحدث وارتفاع ما نعي الحيض والنفاس وعوارض الإكراه والغفلة والسهو والنوم والقدرة على استعمال الماء بلا مشقة فادحة بعد دخول الوقت إذ لا يجب قبله وإنما

شرط في الاستعداد بالغسل وجوبه دون الوضوء لأن الاستعداد به يكون دون وجوب إذ يستحب تجديده لكل صلاة فرض بعد صلاة به وقيل كونها فرضاً بخلاف الغسل فإنه لا يستحب لكل صلاة بل ربما كان بدعة وإن قال به بعض العباد والله أعلم. (ويكون ذلك بماء طاهر غير مشوب بنجاسة).

يعني قليلة كانت أو كثيرة قليلاً كان أو كثيراً على ما يأتي ذكره إن شاء الله والإشارة بذلك الوضوء والطهر والاستعداد بهما والماء شرط فلا يتطهر بغيره نبيذاً كان أو غيره خلافاً لأبي حنيفة في بعض أقواله والطاهر الخالي عن النجاسة المغيرة اتفاقاً وغير المغيرة إن كان قليلاً على خلاف فيها والمشوب الممزوج المخلوط إذ الشوب الخلط والمزج فيما لم يمازج ولم يخالط لا يضر أما وجدان رائحة جيفة بقرب الماء فيه ولم تحصل إليه أجزاؤها ولا يمكن ذلك لنزول محلها عن محله أو بعدها فباتفاق والدهن الملاصق مثل ذلك. قال ابن عطاء الله ثم الماء عند حلول النجاسة على قسمين متغير وغير متغير فالمتغير لا يتطهر به قل أو كثر وغير المتغير قسمان كثير وقليل فالكثير قسمان متفق على كثرته ومختلف فيها فالكثير باتفاق طهور باتفاق والقليل مختلف فيه حداً وحكماً وسيأتي إن شاء الله نصاً وظاهراً ما هنا أن سلامة الماء من دخول النجاسة عليه شرط في صحة الطهارة به وإن لم يتغير وذلك من حيث الكمال صحيح لا من حيث الجواز وقد تقدم التفصيل فوقه فتأمله ومدار ما ذكر على أنه لا يتطهر بما حلته النجاسة وإن لم تغيره ولا بغيره إن تغير لونه لقوله (ولا بماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه) لدلالة كل من هذه على مخالطته وعدم استهلاكه إن كان تغيره لشيء خالطه بحلوله فيه من شيء نجس أو طاهر لأن الداخل عليه جزء المستعمل فيكون الوضوء بماء وغيره ولا يصح الوضوء بغير الماء الصرف فإذا تحقق التغيير بالمخالطة منع. وإن تحقق كونه بالمجاورة لم يمنع وإن شك في ذلك من حيث الحكم فاختلف ومنه الخلاف في المبخر بالمصطكى وجزم اللخمي بعدم طهوريته وقال (ع) جزمه صواب لتجسدها على وجه الماء عند الكثرة ولم يعتبر ابن الماجشون الريح لضعفه في الدلالة وظاهر كلامه إن ما لم يتغير بالطاهر لا يضره قل أو كثر وهو المشهور خلافاً

لابن القابسي في قليل الماء يحله قليل المائعات ولم يغيره والحاصل أن التغيير مانع من الاستعمال مطلقاً إن كان بما ينفك عنه غالباً لا بما يلازمه غالباً حسبما نبه عليه بقوله إلا ما غيرت لونه الأرض التي هو بها حال اتصالها به وملازمته لها من سبخة بفتح المهملة والموحدة ثم المعجمة وهي أرض ذات ملح ورشح ملازم قال في مختصر العين يقال: سبخت الأرض وأسبخت وحمأة بفتح المهملة وسكون الميم بعدها ألف مهموزة وهي طين أسود منتن قاله الخليل ونحوها كالملح والكبريت والمغرة والنورة والزرنيخ والشب وغير ذلك مما يكون قراراً له حالة كونه قراراً لا يضره بل كل ما لا يفارقه لتولده منه كالطحلب والزغلان ونحوه. وما يكون عن طول مكثه كاصفراره وغلظ قوامه ودهنية تعلوه من ذاته إلى غير ذلك فلو طرأ عليه شيء مما هو قرار له فغيره كإلقاء الريح ونحوه لم يضره اتفاقاً ولو مطروحاً بالقصد ففي الملح. ثالثها: الفرق بين المعدني والمصنوع كذا حكاه المازري وابن بشير وعزا الثالث الباجي (خ) وفي ذلك نظر لأن الباجي لم يحزم به وإنما ذكره على سبيل الاحتمال قال ونقل ابن بشير خلافاً هل القول الثالث تفسير أو خلاف والقول بعدم التأثير لابن القصار مع الشيخ وبالتأثير لابن القابسي وفي غير الملح ثالثها يغتفر التراب لعدم انتقاله بالنقل بخلاف غيره (خ) وقد ذكر مجهول الجلاب أن المشهور في التراب وغيره واحد وهو عدم سلب الطهورية لكن ذكر ابن يونس أن الصواب في الملح سلب الطهورية (خ) في مختصره والأرجح السلب بالملح وفي الاتفاق على السلب به إن صنع تردد وقال الطرطوشي في الطحلب إن كان تغيره لطبخه في الماء ضر لإمكان انفكاكه بخلاف غير المطبوخ وقيل يكره مع وجود غيره مطلقاً وألحق بعضهم بقراره تغيره بالقربة من طول زمانها وتغيرها برائحة القطران في السفر للضرورة. والخلاف في الرائحة سند ولا يستغنى عنه عند العرب وأصحاب البوادي وذكر أبو محمد الشيييي في ماء القربة واللبن يتغير بما يصلحه من الدباغ والطرفاء ونحوها أنه طهور وغيره أحسن وقال وظاهر كلام ابن رشد غير طهور وكذلك حبل السانية والإناء الجديد قال ابن رشد لا يضر إلا أن يكون تغيراً بيناً وأفتى ابن الحاج بخلافه وفيما تغير بورق الشجر قولان (خ) الجواز للعراقيين والمنع للأبياني حكامهما الباجي قال (خ) في

مختصره ويضر بين تغير بحبل سانية كغدير بروث ماشية أو بثر بورق شجر أو تبن والأظهر في بئر البادية بهما الجواز انتهى. وقد بحث فيه من جهة تحرير النقل فانظر ذلك. (فرع) الشك في المغير لا يضر كذا جزم به (خ) في مختصره ونقل في التوضيح عن المازري أن الأصل في المياه الطهارة والتطهير حتى يتحقق الناقل ويقبل خبر الواحد في ذلك إن بين وجهاً أو اتفقا مذهباً وإلا فقال المازري: يستحسن تركه والله أعلم. (وماء السماء وماء الآبار وماء العيون وماء البحر طيب طاهر مطهر للنجاسات). يعني وما في معناها من الأحداث بل هو شرط في رفع الحدث بإجماع وفي زوال النجاسة على المنصوص فقط وهذا كله إذا كان باقياً على أصل خلقته وهو المعبر عنه بالماء المطلق أي الذي يصدق عليه اسم ماء بلا قيد قال (خ) في مختصره قال شيخنا أبو العباس حلو لو: كان الله له وأصله في المقدمات وهو قريب من تعريف الأصلين الماهية ومراده بماء السماء المطر والندى والثلج والبرد والجليد سواء ذاب بنفسه أو ذوب لقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان: 48] الآية وكل ما ذاب بعد جموده يلحق بالثلج ونحوه ولو ملحاً في غير محله. وثالثها: إن كان بغير علاج وإلا فكالطعام حكاها في المقدمات وذكر ابن العربي في الأحكام عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ المُرْسَلِينَ} [الحجر: 80] منع الوضوء ببئر ثمود لأنها بئر غضب وأنه عليه السلام أمر بطرح ما عجن منها وبالتيمم وترك استعمالها فهي مستثناة من الآبار وهو خلاف ما هنا من العموم ونحوه قال ابن شعبان لا يتطهر بماء زمزم لأنه طعام لقوله عليه السلام: «هو طعم وشفاء سقم» والمعول عليه خلافه إلا في زوال النجاسة فيجل عن استعماله فيها وإن استعمل طهر والله أعلم. والمراد بالبحر المالح لأنه محل التغير إذ طعمه مر مالح وريحه منتن لكن قال عليه السلام: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وذكر ابن العربي في العارضة أن الدارقطني روى أنه طهور الملائكة إذا عرجوا وإذا نزلوا قال وفيه أن البحر كله رحمة وبركة ماؤه

طهور وميتته حلال وظهره مجاز وقعره لآلئ وقال غيره خلافه ولعل ذلك يختلف وقوله طيب يعني في ذاته لكل ما يستعمل فيه طاهر في حكمه ما دام غير مخالط بنجس وإن خالطه طاهر مطهر ما دام على أصل خلقته لم يغيره طاهر ولا نجس وقوله للنجاسات يعني وما في معناها لا لها فقط ونص المختلف فيه دون المتفق عليه للاحتياج لتعريف الحكم في محل الخلاف والله أعلم. (وما غير لونه بشيء طاهر حل فيه فذلك الماء طاهر غير مطهر في وضوء أو طهر أو زوال نجاسة). يعني أنه يستعمل في العادات دون العبادات ويل العين دون الحكم وإذا أزيلت به النجاسة لم يتنجس ملاقى محلها على المشهور وإن كان لا يصلي به فالمياه إذا ثلاثة طهور وطاهر فقط ونجس والمشكوك راجع لذلك فانظره والله أعلم. (وما غيرته النجاسة فليس بطاهر ولا مطهر). يعني فليس بطاهر في نفسه ولا مطهر لغيره لكن بشرط حلولها فيه لا بمجاورتها له وسواء كانت قليلاً أو كثيراً كانت له مادة أو لم تكن فإن زال تغيره بمكاثرة ما المادة فيه أو بإدخال ماء آخر عليه طهر، وإن زال بنفسه ففي الإرشاد الظاهر عوده إلى أصله وقيل إن زال بالنقص المجرد فقولان أيضاً. فرع: وإن مات حيوان بري ذو نفس سائلة به وهو راكد فإن تغير وجب نزحه إلى

زوال التغيير وإن لم يتغير وجب النزح بقدر الماء والدابة وقيل يجب بخلاف ما لو وقع ميتاً. (وقليل الماء ينجسه قليل النجاسة وإن لم تغيره). يعني فيلزم تجنبه بل قال ابن القاسم يتيمم من لم يجد سواه فإن توضأ وصلى به أعاد في الوقت (خ) فحمله عبد الحق والسيوري على أن الماء عنده نجس وجعل الإعادة في الوقت مراعاة للخلاف، قلت وهو ظاهر كلام الشيخ في باب جامع الصلاة إذ قال وكذلك من توضأ بماء نجس مختلف في نجاسته قال وحمله ابن رشد على أن الماء عنده مكروه لكونه أمره بالإعادة في الوقت. قلت: فرده لمشهور المذهب وهو أولى وإن كان فيه بعد قال ومن الأشياخ من عده تناقضاً وحمله عبد الوهاب على أنه يجمع بين الماء والتيمم وضعفه عياض لبعده عن اللفظ وفي أول مسألة من البيان رواية المصريين أن الماء اليسير يفسده يسير النجاسة وإن

لم يتغير وصفاً من أوصافه وفي رسم القسمة من سماع عيسى قول ابن وهب وهو الصحيح على أصل مذهب مالك. ورواية المدنيين عليه أن الماء قل أو كثر لا ينجسه شيء حل فيه من النجاسات إلا أن يغيره لحديث بئر بضاعة ابن الحاجب وقيل إن كان مشكوكاً فيه فيجمع بينه وبين التيمم لصلاة واحدة مع تقديم الوضوء قاله عبد الملك فإن أحدث بعد فعلهما لصلاة واحدة على قولين اختلف في مقدار القليل من الماء أعني الذي هو محل الخلاف فوقع للإمام أنه آنية الوضوء وآنية الغسل وفي كلام القاضي عبد الوهاب أنه الحب والجرة انتهى ونبه بعض شيوخنا الأفريقيين على أنه نسبي والقطرة في آنية المتوضئ كالقطرتين في آنية المغتسل وذكر أدلة من كلام الإمام وغيره. (وقلة الماء مع إحكام الغسل سنة). يعني ويستحب العمل بها فهو مندوب إلى التقليل من صب الماء في الطهارة بلا حد على المشهور وإحكام الغسل إتقاانه وهو واجب ابن الحاجب الواجب الإسباغ وأنكر مالك تحديده بأن يسيل أو يقطر وقال بعض من مضى يتوضأ بثلث المد يعني مد هشام (خ) والمشهور أن مد هشام مد وثلثان بمدة عليه السلام والبيان أما ثلث مد النبي صلى الله عليه وسلم فيسير جداً لا يمكن إحكام الوضوء به وقال فضل بن مسلمة إنما أنكر مالك التحديد لا السيلان إذ لو لم يسل كان مسحاً ونحوه لابن محرز. قال عياض بعض من مضى هو عباس بن عبد الله بن سعيد بن العباس بن عبد المطلب بباء موحدة كاسم جده قال والشيوخ يقولون عياش وهو خطأ انتهى وفيه تقديم وتأخير فانظره وفي كلام الشيخ أن المطلوب إحكام المغسول لا المسموح وهو الصحيح لأن المسح مبني على التخفيف فلا تطلب المبالغة فيه وهل تطلب إزالة الوسخ إن لم يكن متنجساً أو لا متجللاً انظره والسرف منه غلو وبدعة يعني السرف من الماء أي الأكثر من صبه في الوضوء إذ السرف لغة الإكثار في غير حق والغلو زيادة في الدين قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] الآية وأصله من قولهم غلا السهم إذا بعد والغلو إحداث أمر في الدين يشبه أن يكون منه وليس به ومرجعه لاعتقاد ما ليس بقربة قربة على وجه الحكم بذلك وهذا منه لمن يراه كمالاً

فأما من يعتريه ذلك من وسوسة يعتقد نقصها وأن ما يفعله من ذلك مخالف لأصل السنة. فلا يصح كونه بدعة أصلها جهل بالسنة وخبال في العقل، ثم البدعة تارة تكون مندوبة وتارة تكون مكروهة ولا يمكن أن يبلغ بها حد التحريم لأنها لم تعارض واجباً ولا رفعت حكماً أصلياً وقد نص في النوادر على الكراهة ثم آفة ذلك من جهات هي أنه ربما اتكل عليه وفرط في الدلك وأبطأ به الحال عن جماعة أو غيرها أو ضر بغيره في الماء لطهارة أو نحوها أو يفقد الماء فلا يمكنه إحكام الطهارة لألفه الكثير أو يبقى مشوش القلب من استعمال القليل قالوا أو يورث الوسواس ولا يمكن معه زوال الشك. وقد جربنا ذلك كله فصح. (فائدة) فال مشايخ الصوفية لا تعتري الوسوسة إلا صادقاً لأنها تحدث من التحفظ في الدين ولا تدوم إلا على جاهل أو مهوس لأن التمسك بها من اتباع الشياطين وهذا معنى كلامهم وهو واضح صحيح وبالله التوفيق. (وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمد وهو وزن رطل وثلث). يعني بمقدار مد من ماء أي ما يسعه من الطعام لأن قدر المد من الماء يسير جداً ومن الطعام أضعافه قاله في العارضة والرطل اثنا عشر أوقية والأوقية عشرة دراهم وثلث والدرهم خمسون حبة وخمس حبة من الشعير الوسط وسيأتي ذلك من الزكاة إن شاء الله. (وتطهر بصاع). أي بقدر صاع على معنى ما يسعه من الطعام كما تقدم في المد وهو أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم وقدره خمسة أرطال وثلث بالرطل المذكور فوقه قال بعض الشيوخ وذلك بعد إزالة الأذى. وقد روى أنه كان يغتسل هو وعائشة رضي الله عنها من إناء يقال له الفرق وهو يسع ثلاثة أصوع. وفي حديث عبد الله بن زيد أنه قال أتى عليه السلام بثلثي مد فجعل يذلك به ذراعيه رواه أحمد وصححه ابن خزيمة فهو حجة لمن رد على ابن شعبان في قوله لا يجوز الاقتصار على دون المد والصاع وقال بعض شيوخ الشافعية في التثليث بالمد

والصاع نظر، قلت تنظيره صحيح في الغسل لا في الوضوء فتأمله وبالله التوفيق. (وطهارة البقع للصلاة واجب). ش: يعني واجبة وكذلك هو في بعض النسخ وكل صحيح فالتذكير بتقدير أمر ومعنى واجب أي لازم ومستحث وأصل الوجوب في اللغة السقوط ومنه فإذا وجبت جنوبها وقولهم وجبت الشمس والمقصود أنه ساقط المكلف سقوطاً لا يمكنه التخلف ولا الانفكاك منه والبقعة المكان الذي يراه لإيقاع الصلاة فيه فيشترط كونه طاهراً إذا قصد الصلاة فيه فلا تجب طهارته قبل ذلك حتى أنه لو تذكره قبل حضور الصلاة ثم نسيه فكأنه لم يرب. ابن الحاجب على المشهور (خ) أي ويعيد في الوقت. س: والشاذ ليس بثابت في المذهب والله أعلم. وإنما اعتمد فيه على نقل ابن شاس وابن شاس ذكره عن ابن العربي ولم يسمع قائله وشأنه في كتبه إدخال مسائل وأقاويل من غير المذهب استحساناً لها واستغراباً أو تضعيفاً. ومن أكثر النظر في كتبه علم ذلك والله أعلم انتهى. وقوله: (وكذلك طهارة الثوب) يعني واجبة كوجوب طهارة البدن ولم يذكره هنا اكتفاء بقوله بعد وهو من باب إيجاب إزالة النجاسة به أو بالاستجمار أن لا يصلي بها في جسده. (ع) ومن علم نجاسة ثوبه في صلاته ففيها يقطع وروى أبو الفرج وإسماعيل إن أمكنه نزعه وإلا قطع اللخمي عن ابن الماجشون وإلا تمادى وأعاد انتهى. (خ) والقطع مشروط بسعة الوقت وأما مع ضيقه فقال ابن هارون لم يختلفوا في

التمادي إذا خشي فوات الوقت لأن المحافظة على الوقت أولى من النجاسة قال في مختصره وسقوطها في صلاة مبطل كذكرها فيها ولا قبلها أو كانت أسفل نعل فخلعها انتهى. وهو على المشهور إذ في الكل خلاف والله أعلم. وقوله (فقيل إن ذلك فيهما) يعني في البقعة والثوب يريد والبدن لما تقدم ويأتي وقوله (واجب وجوب الفرائض) وهو ثلاثة أوجه فرض شرط فيعيد التارك ولو سهوا أبداً وهذه رواية ابن وهب وفرض ليس بشرط وهو مقتضى قول أشهب لا إعادة عليه إلا في الوقت استحباباً عامداً كانا أو ناسياً عند بعضهم وحمله الأكثر على السنة وهو فيه نظر وفرض بشرط الذكر والقدرة ونسبه اللخمي للمدونة لقوله فيها يعيد العامد أبداً والناسي والعاجز في الوقت الباجي وهو الذي يناظر عليه أصحابنا. وطريقة اللخمي تدل عليه لأنه المشهور (خ) وقد صرح بذلك غير واحد قال وذكر في البيان إن المشهور في المذهب قول ابن القاسم عن مالك إن رفع النجاسة من الثياب بالأبدان سنة لا فريضة فمن صلى بثوب نجس على مذهبه ناسياً أو جاهلاً مضطراً إلى الصلاة فيه أعاد في الوقت انتهى. ولهذا القول ولمن قال به قصد الشيخ بقوله وقيل وجوب السنن المؤكدة يعني التي فعلها حسنة وتركها إلى غيرها خطيئة فطريقة الرسالة أن المذهب على قولين الوجوب والسنة ونسب لها ابن الحاجب الوجوب مطلقاً (خ) وما نسب إليها ليس كذلك لأن فيها قولين الوجوب والسنة وحكى غيره طريقة قائلاً ذكرها المازري فانظره (ع) وإزالة

نجاسة لباس المصلي ومحله وجسده ابن القصار والرسالة والتلقين واجبة. والخلاف في إعادته للشرطية الجلاب وشرح الرسالة والبيان والأجوبة سنة والخلاف لترك السنن انتهى فانظر بقيته وبالله التوفيق. (ينهى عن الصلاة في معاطن الإبل ومحجة الطريق وظهر بيت الله عز وجل والحمام حيث لا يوقن منه بطهارة والمزبلة والمجزرة ومقبرة المشركين وكنائسهم). يعني وإن اختلف الحكم فيها ولم تتفق في علة النهي (خ) والتعليل في هذه الأماكن مختلفة أما المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق فلنجاستها غالباً ثم إن تيقن النجاسة والطهارة فواضح وإن لم يتيقن شيئاً فالمشهور يعيد في الوقت بناء على الأصل وقال ابن حبيب أبداً بناء على الغالب وهذا إذا صلى ففي الطريق اختياراً وأما لضيق المسجد فيجوز. قال ونقل المازري عن ابن شاس وابن الكاتب إن صلى بقارعة الطريق لا يعيد إلا أن تكون النجاسة فيها عين قائمة انتهى. وما نقله عن ابن حبيب إنما هو في العمد والجهل لا في النسيان كذا نقله (ع) وغيره وهو أصل مذهبه في الباب والمعاطن جمع معطن ابن الحاجب وهو مجمع صدرها من المنهل (خ): أي موضع اجتماعها عند صدرها من الماء والمعطن: هو الصدر، قال:

فلان واسع العطن أي الصدر، فمعاطن الإبل مباركها عند الماء قال المازري (ع) زاد الجوهري لتشرب عللاً بعد نهل والعلل الشرب الثاني انتهى. واختلف في علة النهي عنها بوجوه كلها منقوضة والأقرب المظنة مع زفارتها فإن انبهم ففي الإعادة لمن صلى بها في الوقت قولان: فأما ظهر بيت الله الحرام – وهو الكعبة – فالصلاة فيه ممنوعة وهو أشد من الصلاة في جوفه لأن المشهور أن على من صلى على ظهره الإعادة أبداً وعلى من صلى في جوفه الإعادة في الوقت. وحكى ابن محرز عن أشهب أن ظهرها مثل جوفها وحكى عنه اللخمي الإعادة، وقال عبد الوهاب إن أقام يقصده كجوفها وذكر ابن الحاجب عن أشهب إن كان بين يديه قطعة من السطح كالجوف (ع) فنقل ابن شاس عن المازري عن أشهب إن كان بين يديه قطعة من سطحه فكجوفه واتبعه ابن الحاجب وشارحه وهم إنما نقلوه عن أبي حنيفة انتهى. وأما الحمام فقيل النهي لما ورد من أنه بيت الشيطان والمشهور للنجاسة فإذا اتضح أمرها فلا إشكال وإن انبهم كره ولا إعادة على المشهور وفي قوله (حيث لا يوقن منه بطهارة) أنه يختلف بالأمكنة أو تختلف أمكنته وفي الأجوبة أن موضع جلوس خارجه طاهر وهو معروف عندنا بالمسلخ. والشيوخ يذكرون في القطرة من سقفه قولين مبناهما انقلاب الأعيان. والغالب على بيته الأول النجاسة والداخل الطهارة والوسط المشكوك وهذا كله ببلاد المغرب لأن بالشرق ترتيباً آخر له حكمه والله أعلم. وأما المزبلة والمجزرة فتقدم الكلام عليهما وفي بعض النسخ إثبات المجزرة وهو الصحيح وفي بعضها إسقاطها ولا خلاف في طهارة الدارسة العافية من آثار أهلها مزبلة كانت أو مجزرة أو كنيسة وإنما الكلام في غيرها وأما مقبرة المشركين فإنها حفرة من حفر النار وقد اختلف في الصلاة في المقبرة مطلقاً (ع) وفي كراهتها بالمقبرة. ثالثها إن نبشت أو كانت لمشرك، ورابعها إن كانت لمشرك انتهى. ابن الحاجب وكرهها في المقبرة مأمونة من أجزاء الموتى والحمام من النجاسة لم يكره على المشهور (خ) هو كذلك في المازري لحديث «جعلت لي الأرض مسجداً

وطهوراً» ابن عبد البر وناسخ لما عارضه وقد ثبت أنه عليه السلام بنى المسجد في مقابر المشركين. قال: وأما الحمام فقد أجاز الصلاة فيه في المدونة إذا كان موضوعة طاهراً وأما الكنائس فهو موضع تعبد الكفار بصلاتهم وقد كره مالك الصلاة فيها النجاسة والصور (ع) وتكره بالكنيسة العامرة اختيار فإن تحقق نجاستها فواضح وإلا ففي إعادته في الوقت مطلقاً أو لم يضطر فلا يعيد ثالثها الجاهل أبداً وغيره في الوقت ولو اضطر انتهى. واستحب إعادة من صلى بها ابن حبيب لا بأس بالدارسة العافية من آثار أهلها قال ومن صلى بيت كافر أو مسلم لا ينزه بيته أعاد أبداً والله أعلم.

تنبيه: الوارد فيما ذكر ما خرج الترمذي وغيره بعضه من حديث ابن عمر وبعضه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما وهما ضعيفان وقع بعض أفراده في الصحيح فاعتبر حكمه بخلاف ما وقع عليه اعتباراً بأصل حكمه والله أعلم. فروع: أولها: تجوز الصلاة في مرابض الغنم والبقر من غير كراهة لعدم النهي ولحديث صلوا في مرابض الغنم فإنها خلقت من الجنة ولأن مواضعها لا تقصد لقضاء الحاجة وفضلاتها طاهرة والله أعلم. الثاني: المشهور جواز النقل في الكعبة لا الفرض ولا الوتر ولا ركعتي الفجر (خ) مقابل المشهور لا شهب بالجواز فيهما وإذا صلى فحيث شاء وندب لغير الباب. الثالث: إن صلى الفرض فيها أعاد في الوقت قاله في المدونة فحمله ابن يونس وجماعة على الناس وحمله عبد الوهاب واللخمي وابن عات على ظاهره وإن العامد كالناسي (ع). ورواية ابن القاسم في الوقت كمن صلى لغير القبلة فيريد ناسياً، والرابع: الحجر كالبيت اللخمي لا نص في الصلاة إليه عن مالك (خ)، وذكر في البيان في التوجه إليه، الخامس: قال (ع) ورد النهي عنها بالوادي ونقل ابن الحاجب عن المذهب لا أعرفه (خ) قيل إنه انفرد به الباجي عن ابن مسلمة لو تذكر صلاة في بطن واد صلاها لعدم عرفانها بها بوجود الشيطان فيه قال الداودي إلا أن يعلم أن ذلك الوادي بعينه فلا تجوز الصلاة فيه قال فهذا قولهم في الفائتة فيحتمل أن يكون لوجوب المبادرة بخلاف الحاضرة لسعة الوقت والله أعلم. (وأقل ما يصلي فيه الرجل من اللباس ثوب ساتر). يعني ساتراً للعورة ولجميع الجسد على الخلاف في ذلك غذ قد اختلف في عورة الرجل على نحو خمسة أقوال المشهور ما بين السيرة والركبة شهره صاحب الإرشاد في العمدة وقال الباجي عليه جمهور أصحابنا ابن الحاجب وقيل السرة حتى الركبة (ع) عن أصبغ السوءتان خاصة (خ) حكاه اللخمي وابن شاس ولم يعزه ولم أره معزواً. وقال صاحب اللباب هو ظاهر قول أصبغ بن الحاجب فانظره وعزاه غير واحد لأبي الفرج ورام منه شيء فإن فعل لم يعد فتأمل ذلك.

وقوله (من درع أو رداء) يعني أن الثوب المذكور لا ينحصر في نوع من الثياب وإن المطلوب الساتر كان درعاً وهو ما يسلك في العنق أو رداء وهو ما يلتحف به غير أنه يطلب كونه سابغاً لا يصف ولا يشف ابن الحاجب والساتر المشف كالعدم وما يصف لرقته أو تحديده فمكروه كالسراويل بخلاف المئرز (ع) وقول ابن بشير وتابعه ما شف كالعدم وما يصف لرقته يكره وهم لرواية الباجي تسوية إعادة الصلاة بأحدهما ولسماع موسى من صلت برقيق يصف أعادت للإصفرار ابن رشد وقيل للغروب (خ) قال في النوادر ومن الواضحة ويكره أن يصلي بثوب رقيق يصف أو خفيف يشف فإن فعل لم يعد قاله مالك وإلا الصفيق الرقيق لا يصف إلا عند الحرج فلا بأس به انتهى. وفي قوله (أقل ما يصلي فيه الرجل إلى آخره) تنبيه على وجوب ستر العورة للصلاة. وقد عده ابن الحاجب وغيره من الشروط الملازمة ابتداء ودواماً (س) وفي عده من الشروط نظر (خ) قال صاحب القبس المشهور بشرط التونسي المشهور فرض ليس بشرط وعلى هذا فلا يحسن عده من الشروط نعم يحسن على ما قاله ابن عطاء الله فإنه قال. والمعروف أن ستر العورة المغلظة من واجبات الصلاة وشرط فيها مع العلم والقدرة ابن الحاجب وفي وجوب ستر العورة في الخلوة قولان. وعلى النفي ففي وجوبه للصلاة قولان أي وإذا فرعنا على أنه لا يجب في غير الصلاة هل يجب للصلاة أو لا؟ قولان: وهذه طريقة اللخمي ورده ابن بشير بأنه لا خلاف في وجوبه للصلاة وإنما الخلاف هل هو شرط في صحتها أم لا؟ (ع). وفي كونه فرضاً أو سنة مدة الصلاة قولان الباجي عن إسماعيل بن بكير والأبهري وابن محرز عن الأكثر قال فرد ابن بشير قول اللخمي في كونه فرضاً أو سنة خلاف بأن لا خلاف في فرضه وإنما في شرطيته تعسف انتهى. ونحوه عند (خ) عن ابن شاس وابن عطاء الله من ضعيف قول ابن بشير بما ذكر والله أعلم. وقوله (والدرع القميص) يعني ما يسلك في العنق كذا سمعناه عن شيوخنا. وفي الغريب درع المرأة يذكر ودرع الرجل يؤنث والله أعلم. (ويكره أن يصلي بثوب ليس على أكتافه منه شيء). يعني اختياراً إذا استرت عورته وفي هذا أن مراده بما تقدم أقل ما يصلي فيه على

وجه الكمال وهو جار على المشهور وإنما يكره على الخلاف وعدم التحمل فقد قال ابن - رضي الله عنه – فنافع أليس قد كسوتك ثوبين؟ قال نعم قال أتريد أن تخرج للسوق دونهما قال لا قال فالله أحق أن يتحمل له. وقوله (فإن فعل ذلك لم يعد) يعني على المشهور وإلا ففي المسألة اختلاف (ع) وفي إعادة مصل بسراويل فقط اختيار قولان لأشهب ولها ابن الحارث والإزار كذلك انتهى والتبان أولى في الكراهة والمنع وإن كان سلمان رضي الله عنه قال نعم الثوب التبان فلوجه آخر والله أعلم. (وأقل ما يجزئ المرأة .. إلخ). يعني الحرة البالغة من اللباس في الصلاة ومع غير محرمها من الرجال الدرع أي القميص الحصيف بالحاء المهملة أي المحكم النسج إذا شددته السابغ أي الكامل التام ومنه إسباغ الوضوء وسابغات وأسبغ عليكم نعمة أي أكملها. (الذي يستر ظهور قدميها). بل جميع بدنها لأنها كلها عورة ولو شعرة إلا الوجه والكفين وخمار تتقنع به أي تستر به رأسها وشعرها والخمار ما يستر الرأس والصدغين وابن الحاجب وتؤمر الصغيرة بستر الكبيرة (خ) وأعادت أن راهقت للإصفرار ككبيرة إن تركت القناع ابن الحاجب والأمة كالرجل بتأكد ومن ثم جاء. الرابع: المشهور أن صليا باديي الفخذ تعيد الأمة خاصة في الوقت (خ) لم أر ما ذكره من الأقوال إنما رأيت ما ذكر أنه المشهور ونقله التونسي واللخمي وابن يونس عن أصبغ ونقل ابن رشد لا خلاف أن فخذ الأمة عورة وإنما الخلاف في فخذ الرجل (ع) وفي الأمة ثلاثة فيها ما عدا الوجه والكفين ومحل الخمار. وروى إسماعيل سوى الصدر أصبغ من السرة إلى الركبة قائلاً تعيد لكشف فخذيها أي في الوقت ابن الحاجب ورأس الحرة وصدرها وأطرافها كالفخذ للآمة (خ) أي تعيد في الوقت (ع) وكل ذات رق فكالأمة إلا أم الولد ففيها كالحرة انتهى. وفي الجلاب والمكاتبة والمشهور خلافه والمرأة مع مثلها كالرجل مع مثله وإن كتابية على المشهور ومع محرم غير الوجه والأطراف وترى من الأجنبي ما يراه من

محرمه وسيأتي هذا المعنى في آخر الكتاب إن شاء الله. وقوله (وتباشر بكفيها الأرض في السجود) يعني استحباباً وكذا بوجهها ابن الحاجب والمنتقبة لا تعيد (خ) لأنها فعلت ما أمرت به وزيادة إلا أنها فعلت مكروهاً إذ هو من الغلو. وقوله (مثل الرجل) يعني أنها كالرجل في ذلك (ع) ابن حبيب يستحب مباشرة الأرض بوجهه ويديه ولا بأس بحائل لحر أو برد ويستحب القيام عليها ويجوز على حائل من نبات لا يستنبت كحصير أو خمر ابن الحاجب بخلاف ثياب الصوف والكتان والقطن والأولى أن يضع يديه على ما يضع به جبهته (خ) ابن بشير إذا كان لأجل الرفاهية فكل ما كانت فيه كره وإلا فلا (خ) وهذا إنما يكره في حق الوجه والكفين وأما غيرهما فلا انتهى. وهذه من مسائل البقعة واللباس وإلا فمحلها السجود وكذلك كل ما ذكر غير المياه فحمله الصلاة لكن يجتمع ذلك كله في الاستعداد ولم يرجع إليه والله أعلم.

باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار يقول هذا باب ذكر كيفية الوضوء الشرعي وترتيبه وقدم السنن لتقدمها في الفعل وإلا فالفرض آكد وأولى بالتقديم وإنما قدم فعلاً لاختبار الماء فلا يأتي الفرض إلا بعد تحقق أمره واللون بالعين والقوام باليدين والطعم بالمضمضة والريح بالاستنشاق والاستنجاء إزالة الأذى بالماء. وقد اختلف في اشتقاقه فقيل مشتق من النجو الذي هو البراز لأنه يزال به عن محله وقيل من النجوة أي ما ارتفع من الأرض لأنه يقصد الاستنثار به عند ذلك. وقيل لأنه يتخلص به من ذلك. والنجا الخلوص ومنه {خَلَصُوا نَجِياً} [يوسف: 80] وقيل غير ذلك. والاستجمار استعمال الجمار وهي الحجارة في إزالة ذلك وقاله في حديث «من استجمر فليوتر» وارتضاه ابن عيينة والله أعلم. (وليس الاستنجاء مما يجب أن يوصل به بالوضوء). يعني لا في الفعل ولا في الصفة ولا في الحكم ولا في الأداء ولا في غيرها فلا مدخل له لا في سنن الوضوء ولا في فرائضه ولا في آدابه ولا في فضائله. وهذا خلاف ما تعتقده العامة من أنه منه ويشترط اقترانه به وللقيام من النوم دون غيره. وعلى معتقدهم نبه بهذا الكلام ثم بين حكمه بقوله وهو من باب إيجاب زوال النجاسة به وبالاستجمار يعني عن البدن وإن كان الاستنجاء أفضل عند الأفراد وجمعهما أحسن ثم لا يلزم تقديمهما بل يجوز تأخيرهما مع الإمكان إذا لم يخل بالوضوء لمس ذكره ونحوه وإيجاب زوال النجاسة إنما هو لأجل أن لا يصلي بها في جسده كما هو في الثوب والبقعة الحكم واحد. وقد تقدم ويأتي حكم من صلى بثوب نجس أو على مكان نجس. وفي هذه المسألة بخصوصها اختلاف ابن الحاجب ولو تركها ناسياً فصلى ففي إعادته في الوقت روايتان لابن القاسم وأشهب. فقال بن أبي زيد الناسي يعيد وخرج اللخمي على وجوب إزالة النجاسة يعيد أبداً (س) أما رواية الإعادة ففي الوقت جارية على المشهور. وأما الرواية بعدم الإعادة مطلقاً فمشكلة إذ لا قائل بسقوط الإعادة مطلقاً في إزالة النجاسة إلا أن يثبت بالاستحباب معنى الفضيلة فتكون هذه الرواية منه ولهذا احتاج ابن أبي زيد للتأويل.

فرع: ابن الحاجب وعرق المحل يصيب الثوب معفو عنه على الأصح (ع) وفي العفو عن عرق محل الاستجمار يصيب ونجاسته قولان: الباجي وابن القصار انتهى. ونظر بعضهم في قوله ونجاسته فانظره. قوله (ويجزئ فعله بغير نية) يعني فعل إزالة النجاسة عن البدن. وكذلك غسل الثوب النجس والمكان النجس لا يفتقر واحد منهما إلى نية حتى لو غسل للنظافة بماء مطلق لصح. وهذا هو المنصوص لأهل المذهب في إزالة النجاسة عينا وحكما حتى بالنضج في محل الشك وإن كان التعبد فيه ظاهر فالماء المطلق شرط في إزالة حكم النجاسة دون النية وهما شرط رفع الحدث بخلاف إزالة العين فإنه لا يشترط واحد منهما والماء يشترط الطاهر فقط. وإذا أزيلت به وهو غير مطلق لم ينجس ملاقي محلها على المشهور. وينوب المسح في إزالة النجس في مواضع منها ما ذكر من الاستجمار. والسيف الصقيل لإفساده. وأثر المحاجم إلى أمد البرء وسيأتي من الخف والنعل والرجل المجردة في باب مسح الخفين إن شاء الله تعالى. (وصفة الاستنجاء إلخ). يعني الكاملة هي الجمع بين الماء والحجارة وما يقوم مقامها لفقد أو غيره هي أن يبدأ بعد غسل يديه معاً لمن قام من النوم أو شك فيهما أو اليسرى فقط وعليهما روايات التثنية والإفراد هو أولى والمراد بلها لئلا يعلق بها شيء من الرائحة عند ملاقاة الأذى وكذلك قال (خ) في مختصره وبلها قبل لقي الأذى. وقوله (فيغسل مخرج البول) يعني إثر ذلك بلا مهلة وفي هذا تقديمه على الدبر وهو مستحب لانتظار بول فإنه يقدم دبره ثم يعيد لذكره فيأخذ في غسله بعد إزالة ما به بالمسح ثم يمسح ما في المخرج الذي هو الدبر من الأذى ليسهل أو ليأتي بسنة الاستجمار قبل الاستنجاء على اختلاف الشيوخ في قصد الشيخ بذلك. وقوله بمدر وغيره أو بيده يعني بالمدر الطوب. وقال الخليل المدر الطين اليابس وغيره يريد مما في معناه وهو كل جامد طاهر منق غير مؤذ ولا محترم فلا يجوز بمبتل ولا نجس ولا زجاج ولا أملس ولا محرق ولا ذي حرمة من مطعوم أو مكتوب أو ذهب أو فضة وجدار وعظم وروث على الأصح.

ويجوز بعود وخزف وفحم وشبهه خلافاً لأصبغ. وهذا كله إذا قصد الاستجمار الشرعي وإلا اتقى ما له حرمة وإذابة ونحوها فقط. وفي ذكر اليد جواز الاستجمار بها وإن قلنا إن مقصوده الاستجمار (خ) وذكر في الإكمال عن بعض شيوخه أنه يزاد في الشروط أن يكون منفصلاً احتراز من يد نفسه لكن قال في الرسالة أو بيده انتهى. وإنما يتم له ذلك لو ذكره في الاستجمار المجرد وقال ابن الحاج في المدخل إن عدم الأحجار فبأصبعه الوسطى بعد غسلها وقوله (ثم يحكها بالأرض ويغسلها مع الحك) (خ) في مختصره وغسلها بالتراب بعد أي بعد الاستنجاء يعني يندب لإزالة الرائحة فيكون ههنا آكد لتلويث المحل بالنجاسة فيطلب فغسلها لئلا تزيد المحل تلويثاً عند مماسة الماء وتضاعف الرائحة بإضافة الثاني للأول قبل زواله وتحلله. وقوله (ثم يستنجي بالماء) يعني إثر إزالة ذلك بغير الماء لإزالة ما بقي من غير أثر وتحصل فضيلة الجمع بين الماء والحجارة أو ما في معناها لأنه مستحب (خ) في مختصره وندب جمع ماء وحجر ثم ماء وتعين في مني وحيض ونفاس وبول امرأة ومنتشر عن مخرج كثير أو مذي يغسل ذكره كله انتهى. وسيأتي منه إن شاء الله ويواصل صبه أي صب الماء لأنه أعون على الإزالة وأقرب لها وأنظف لليد والمحل وأبعد من الوسواس وأعجل في التخلص لأن كل ما تحرك دفعه الماء ومع الفترة ثبت في المحل واتسع فلا يكفي فيه القليل من الماء ولا تزول أعراضه إلا بمشقة. (ويسترخي قليلاً ... إلخ). ليندفع ما في التكاميش التي في حلقة الدبر ويتهيأ الاستنجاء دون مشقة ولا شك في زوال ما هناك لأن التكاميش تؤدي ما فيها وتمانع ما حواليها ما لم ينفتح. وفي ذلك أيضاً فائدة استكمال استفراغ ما في القليل باندفاعه عند ذلك فيعمل بموجبه والله أعلم ويجيد عرك ذلك بيده بحيث يحكه بقوة تقلعه عن المحل وليست يده بشرط بل ما يستنجي به من يد أو غيرها. فرع: وقد اختلف فيمن لا تصل يده لمحله وتمكنه الاستنابة بمن يجوز له الإطلاع على عورته كزوجته وأمته فالمشهور الجواز فإن لم يجد توضأ وصلى كذلك وقيل يتيمم واستشكله ابن الطلاع وقوله (حتى يتنظف) يعني حتى يزول ما في المحل من التلويث.

قال في النوادر حتى تذهب الملوسة وتعقبها الخشونة وقيل حتى يغلب على ظنه طيب المحل. وقيل حتى لا يجد نجاسة اللمس شيئاً مما هنالك من الأذى. (وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين). يعني ولا له ذلك لأنه يضر به ويشبه اللواط في الدبر والسحق في حق المرأة وهو من فعل المبتدعة وقد قال في السليمانية في صفة استنجاء المرأة إنما تغسل قبلها كغسل اللوح ولا تدخل يدها بين شفريها كما تفعل من لا دين لها من النساء. فرع: من آداب الاستنجاء كونه باليسرى وفي غير محل قضاء الحاجة إلا في الحواضر وحيث الماء غالب على المحل ولعله مراد الشيخ إذ ظاهر كلامه جواز ذلك. ولا يمس ذكره بيمينه (ابن حبيب) ولا يمتخط بها انتهى. وقد أطال الناس في آداب الأحداث حتى لقد أنهاها ابن الحاج في مدخله لزائد على السبعين فانظرها إن شئت وسيأتي منها آخر الكتاب وبالله التوفيق. (ولا يستنجي من ريح). يعني لأنه من فعل اليهود وقد قال عليه السلام «من استنجى من ريح فليس منا» أي ليس على سنتنا قالوا ولو وجب الاستنجاء من الريح لوجب غسل ملاقيه من الثياب ولا يصح تخريج الاستنجاء منه على غسل اليدين من رائحة الإبط لتمكن هذه من اليد وندورها الريح والله أعلم. (ومن استجمر بثلاثة أحجار يخرج آخرهن نقياً أجزأه). يعني مع عدم الماء إجماعاً ومع وجوده عند الكافة خلافاً لابن حبيب (خ) وقال ابن حبيب لا تباح الأحجار إلا لمن عدم الماء وتأوله الباجي على الاستحباب. قال وإلا فهو خلاف الإجماع انتهى ومعنى استجمر استعمل الجمار وهي الحجارة في إزالة ما على المحل ابن الحاجب والجامد كالحجر على المشهور (خ) وقاس في المشهور كل جامد كالحجر لأن المقصود الإنقاء ورأى في الشاذ أن هذه رخصة ولا يقاس عليها. والصحيح الأول لأن الرخصة في نفس الفعل لا في المفعول به وعليه ما في مختصره فقال وجاز بيابس طاهر منق غير مؤذ ولا محرم ولا مبتل ونجس وأملس ومحدد

ومحترم من مطعوم ومكتوب وذهب وفضة وجدار وروث وعظم ثم قال فإن أنقت أجزأت كاليد ودون الثلاث انتهى. قال في التوضيح في معنى المكتوب الورق غير المكتوب لما فيه من النشا وعلل في الإكمال الجدارات بأن الناس قد يضطرون بالانضمام إليها لا سيما عند نزول المطر وبلل الثياب (خ) وهو كلام ظاهر. وقال في البيان وأجمعوا على أنه لا يجوز الاستجمار بما له حرمة من الأطعمة وكل ما فيه رطوبة من النجاسات انتهى. وفي الجلاب الاستجمار بالنحاتة وهي بالحاء المهملة نشارة الخرط من العود وهو أولى وأظهر وجاء النهي عن الروث والطعم والحممة. وقال ابن التلمساني ظاهر المذهب في الحممة الجواز ابن الحاجب فلو استجمر بنجس أو ما بمعناه يعني من الروث ونحوه ففي إعادته في الوقت قولان (خ) والإعادة في الوقت لأصبغ وبعدمها لابن حبيب قاله صاحب البيان. ونقل ابن عبد الحكم أنه إن استجمر بما نهي عنه أو بحجر واحد فصلاته باطلة وهو الظاهر عندي وفيه نظر (خ) فانظره وقد ذكر الشيح الإنقاء والعدد وهي الثالث ولا خلاف أن الإنقاء واجب واختلف في العدد (خ) والمشهور أن الواجب الإنقاء دون العدد (ع) تستحب ثلاثة أحجار وفي أجزاء ما أنقى دونها نقلاً المازري عن المذهب وابن شعبان مع أبي الفرج انتهى ابن الحاجب وفي تعيين ثلاثة لكل مخرج قولان وعلى تعيينها في حجر ذي ثلاثة شعب قولان وفي إمرارها على جميع الموضع أو لكل جهة واحدة والثالث الوسط قولان انتهى. وفيه فروع ثلاثة وقيل الأخير (خ) فقال وهذا إنما هو في الدبر وأما القبل فلا بد من تعميم المحل انتهى. وهل يمر الحجر في المسح مراراً أو يديره على المحل وهو أنظف قولان وقال بعضهم يمسح ناحية ثم مقابلتها ثم يمر الثالث عرضاً وهذا أقرب للإزالة وأبلغ للتنظيف والله أعلم (ع) ابن شعبان لا يجزئ ذو ثلاث شعب عنها أي عن الثلاثة ونقل ابن بشير يجزئ لهما لا أعرفه. وقول الجلاب لا بأس بالاقتصار على حجر واحد نقياً. كان ذا شعبة أو شعب لا يثبته الباجي وعليه يجب لكل مخرج ثلاثة ونقل ابن بشير يجزئ لهما لا أعرفه انتهى وما ذكر من ذلك يجزئ في الاستحباب على حكمه

فتأمله وفي قوله (يخرج أخرهن نقياً) أجزأه أنه إن لم يخرج نقياً لم يجز فيزيد عليها إلى الإنقاء ويستحب الإتيان إلى السبع ثم يسقط استحبابه ويجب الماء لانتشاره على المخرج كثيراً فلا تجزئ الأحجار (ع) وما بعد بالماء وفي كون ما خرج حداً كالمخرج أو بالماء قولاً الجلاب مع رواية ابن رشد وابن حارث والشيخ والجلاب مع ابن عبد الحكم مع ابن رشد مع ابن حبيب وابن أبي حازم انتهى. وفي قوله نفيه بالهاء بحث لفظي فانظره إن شئت. وقوله: (والماء أطهر وأطيب وأحب إلى العلماء) يعني الاستنجاء به أطهر للمحل إذ لا يبقى عيناً ولا أثراً وأطيب للنفس إذ يذهب بالشك والتلويث وينظف المحل بلا ريبة. وأحب إلى العلماء كافة إلا ما يروي عن ابن المسيب من قوله الاستنجاء بالماء من فعل النساء وحمل على أنه واجبهن. وقد تقدم أنه يتعين في بول المرأة وفي الذخيرة إلحاق الخصيب ها والمني بالماء والمذي مثله وشاذ قول ابن بشير على المشهور لا أعرفه. وقول المازري قال بعض أصحابنا يجزئ معه الاستجمار كالبول مقابل بقول أبي عمر لا يختلف أن صاحب المذي عليه الغسل إنما اختلفوا في غسل محله أو كل الذكر انتهى. تنبيه: ربما يقول هذا من إجماعات ابن عبد البر قد حذر الشيوخ منها كاتفاقات ابن رشد وخلافيات الباجي لأنه يحكي الخلاف فيما قال فيه اللخمي يختلف فانظر ذلك فإنه مهم. (ومن لم يخرج منه بول ولا غائط وتوضأ لحدث أو نوم أو لغير ذلك مما يوجب الوضوء فلا بد من غسل يديه قبل دخولهما في الإناء). يعني أن غسل اليد قبل إدخالهما في الإناء لا يتوقف على الاستنجاء ولا على موجبه لأنه مطلوب لمطلق الوضوء دون نظر إلى موجب أو غيره ومعنى لا بد هو لازم يريد على وجه الندب لا على الوجوب لقوله بعد ومن سنة الوضوء ومراده هنا بالحدث الريح. وكذا فسره أبو هريرة رضي الله عنه حيث روى حديث «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» فقال رجل من حضرموت يا أبا هريرة قال فساء أو ضراط وجعل النوم قسيماً للحدث فهو عنده ليس بحدث وقد جرى في ذلك على المشهور كما تقدم له

في باب ما يجب منه الوضوء. ابن الحاجب وفيها عن زيد بن أسلم إذا قمتم يعني من النوم (س) تفسير الآية هذا في المدونة عن زيد بن أسلم وهو تفسير يقتضي أن النوم حدث فينقض الطهارة في سائر أقسامه. فائدة: قال والظاهر أن سحنون إنما يسوق من فتاوى الصحابة ومن بعدهم في المدونة ما يكون موافقاً للمذهب إما نصاً وإما إجزاء وما كان ظاهره على غير هذا نبه عليه واعتذر فيحصل في المسألة قولان في المذهب قول بأن النوم حدث ولم يجعل المؤلف هذا القول منقولاً وقد نقله غير واحد عن ابن القاسم لكن أكثرهم يقولون وقع لابن القاسم ما ظاهره أن النوم حدث أو ما أشبه هذا من الألفاظ والله أعلم. وقوله (أو لغير ذلك مما يجب الوضوء) يعني كالمذي والودي والاستحاضة حيث يجب بها أو معها وقد يؤخذ من كلامه أن موجب الوضوء حدث وسبب وخارج عنهما كالشك في الحديث والردة والرفض ونحوهما وتكون الإشارة له بغير ذلك والله أعلم. وقال بعض الشيوخ المقصود غسل اليد أول الوضوء بعدم إدخالها في الإناء قبل غسلها لا يشترط وظاهر كلامهم خلافاً بل حديث «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في إنائه حتى يغسلها» ثلاثاً صريح في ذلك إلا أن يخصص به وقد قال ابن العربي إنما قلنا إن غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء سنة لأنه عليه السلام لم يتوضأ قط إلا فعله. (ومن سنة الوضوء غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء ... إلخ). يعني إذا تيقنت طهارتهما أو غلبت على الظن لا إن كانتا نجستين أو مشكوكتين فإنه يجب والمراد إلى الكوعين والمشهور ما ذكره من السنة وظاهر الجلاب الاستحباب وتأوله (س) بالسنة لأنها عبارة العراقيين وادعى الاتفاق عليها (ع) ابن رشد في كونه سنة أو مستحباً قولان انتهى واستظهر (س) الوجوب بخارج المذهب (خ) ومذهب ابن القاسم أنه للعبادة ومذهب أشهب للنظافة فعلى التعبد بغسلهما مفترقتين بنية ويعيد إن أحدث في خلاله أو بعده وينوي إن قرب لا على التنظف وحكى الباجي عن ابن

القاسم مجتمعتين. وعن أشهب مفترقتين وهو خلاف أصليهما فانظر ذلك وانظر فيه. فرع: لو مس الماء قبل غسل يديه ولم يعلم بهما نجاسة لم يضره ذلك وقيل إن كان جنباً لا يدري ما أصاب يده من ذلك أفسده وقيل إن كان مس فرجه قاله ابن حبيب ولابن حارث عن ابن غافق التونسي يفسده إن كان قائماً من نوم ولو كان طاهرهما ابن رشد إن تيقن نجاستهما فواضح وإن تيقن طهارتهما فظاهر. وإن شك فكذلك وقيل إن كان مس فرجه ولو انتبه أهل بيت أو خدم فاغترفوا من جرة أو نحوها بأيديهم لم يفسده. وكذلك لو جعل أصبعيه في الماء ليختبر حره من برده. وذكر في الموطأ فانظره وهل ذكر الإناء مقصود فلا يدخل الحوض أولاً أما الجاري فلا إشكال فيه وأما غيره فانظره فإني لم أقف فيه على شيء. وقوله (والمضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين) يعني من سنة الوضوء فهي معطوفة على غسل اليدين مساوية له في الحكم أما المضمضة والاستنشاق فمساويان في الخلاف إذا قيل سنتان وهو المشهور وقيل فضيلتان وأما مسح الأذنين فالمشهور ما ذكر من السنة. وفي التلقين واختلف في الأذنين هل هما منه حقيقة أو حكما فمن أوجب عدهما منه ومن لم يوجب عدهما زائدتين انتهى. وأشار به للخلاف في قول مالك الأذنان من الرأس ويستأنف لهما الماء. والمشهور أن مسح الأذنين ظاهراً وباطناً سنة وذهب الأبهري وابن مسلمة إلى أن مسحهما فرض انتهى. وقال باطنهما سنة وفي وجوب ظاهرهما قولان ابن الحاجب وظاهرهما ما يلي الرأس وقيل ما يواجه (خ) وكلامه يحتمل أن التجديد مع المسح سنة واحدة وإليه ذهب أكثر الشيوخ وجعل ابن رشد التجديد سنة مستقلة انتهى. والذي في البيان الأذنان عند مالك من الرأس وإنما السنة في تجديد الماء لهما ورده عياض قائلاً إنما معناه من الرأس في أصل المسح لا في الوجوب وقال ابن حبيب من لم يجدد الماء كمن لم يمسحهما وفي المختصر التجديد مستح وفي التلقين المضمضة إيصال الماء إلى الفم وخضخضته ومجه فجعل الخضخضة والمج شرطين فيها وهو من جهة الكمال صحيح ومن جهة الأجزاء مختلف فيه فانظره والاستنشاق وهو جذب الماء بريح

الأنف إلى داخل الخيشوم ليخلل ما هنالك من الرطوبة ولم يذكر الشيخ الاستنثار إما لأنه تابع في الحكم أو في الفعل بحيث إنه مع الاستنشاق سنة واحدة وهو ظاهر كلام ابن الحاجب وابن عرفة إذ قالا: هذا جذب الماء بأنه ونثره بنفسه. وعد ابن رشد وعياض وغيرهما الاستنثار سنة مستقلة وعدها اللخمي وجماعة من الاستنشاق فانظر ذلك ثم هو دفع الماء بريح الأنف إلا خارجه ليزيل ما هنالك من الرطوبة والله أعلم. وسيأتي حكم من تركها في جميع الصلاة إن شاء الله وصفتها قريباً وبالله التوفيق. وقوله: (وباقيه فريضة) يعني وباقي أعضائه لا باقي أفعاله لأن أفعاله قد بقيت منها سنن وفضائل بخلاف أعضائه فإنها أربعة سنة. وأربعة فرض اختصارها أن يقول المفتوح سنة والمغلوق فرض ممسوحاً كان أو مغسولاً. وإنما لم يذكر باقي السنن لأنها توابع فهي معتبرة بالأعضاء الجارية فيها لا بالوضوء من حيث حقيقته إذ يقال مثلاً السنة في مسح الرأس رد اليدين فيه والبداءة بمقدم وفي مسح الأذنين تجديد الماء لهما وفي أفعال الوضوء ترتيبها إلى غير ذلك فتأمله. تنبيه: ذكر الشيخ هنا غسل اليدين أولاً من سنة الوضوء وسكت عنه في باب جمل من الفرائض إما تنبيهاً على الخلاف في حكمه أو في كونه تعبداً أو لعلة أو لأنه مقدمة لا صلب وقد استشكل مع المشهور الذي هو كون النية إنما تجب عند غسل الوجه فانظر ذلك. وقد اكتفى الشيخ هنا بالفرائض المجمع عليها منها لاختصاصها بالوضوء وكذلك فعل في النوادر فلعله قصد به ما يشاركه في حكمه إذ النية فرض كل فرض يفتقر إلى التمييز عن غيره والماء الطاهر شرط كل طهارة مائية والموالاة شرط كل عبادة يتوقف أولها على آخرها فتأمل ذلك. (فمن قام إلى وضوء من نوم أو غيره فقد قال بعض العلماء يبدأ فيسمى الله). يعني بقوله (فمن قام) إن القيام المذكور في قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة إنما المراد به القصد لها لا القيام م نوم على ذلك نبه بقوله من نوم أو غيره ونبه صاحب الإرشاد في كتاب المستند شرح المعتمد على أن في الآية دليلاً لوجوب النية في الوضوء من قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) إذا جعل الوجوب مقروناً بقصد القيام للصلاة

فتأمله وقد حكى في المقدمات الاتفاق على وجوبها وقال ابن الحاجب فرائض الوضوء ست النية على الأصح ومقابل الأصح رواية عن مالك تقدم الوجوب حكاها المازري نصاً عنه في الوضوء قال ويتخرج الغسل عليه وفي التخريج نظر لأن التعبد في الغسل أقوى (ع) فرائض الوضوء النية. ابن رشد وابن حارث اتفاقا المازري على المشهور انتهى. ابن الحاجب وهي القصد إليه إما بتخصيصه ببعض أحكامه كرفع الحارث أو استباحة شيء مما لا يستباح إلا به وإما بفرضيته (خ) وإن مع تبرد أو أخرج بعض المستباح أي على المشهور وثالثها يستبيح المنوي به فقط كان نوى حدثاً ناسياً غيره لا إن أخرجه فإنه لا يصح (خ) والمشهور أنها عند غسل الوجه. قال والظاهر هو القول الثاني يعني عند أوله لأنا إذا قلنا ينوي عند غسل الوجه يلزم أن يعرى غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق عن النية فإن قلنا ينوي له نية مفروضة يلزم أن يكون للوضوء نيتان ولا قائل بذلك وقاله ابن رشد انتهى. فروع ثلاثة: أولها: تقدم النية بكثير لا يصح معه الوضوء (خ) وفي تقدمها بيسير خلاف (س) الأشهر عدم التأثير ومقتضى الدليل خلافه (خ) وقال المازري الأصح في النظر عدم الإجزاء ابن بزيزة وهو المشهور عن ابن القاسم فيمن مر إلى حمام أو نهر بنية غسل فنسيها عند غسله الإجزاء وفعله كمن أمر أهله فوضعوا له ما يغسل به وقال سحنون يجزئ في النهر فقط وقيل لا يجزئ فيهما انتهى. وآخره نص الشامل. الثاني: يلزم استصحابه النية حكماً لا ذكراً فعزو بها مغتفراً اتفاقاً. الثالث: قال (ع) في إبطال رفضها الوضوء روايتان ابن القصار (خ) وذكر القرافي عن العبدي أنه قال المشهور في الحج والوضوء عدم الارتفاض انتهى. وبقيت فروع كثيرة فانظرها. وقوله: (فقد قال بعض العلماء) - يعني ابن الحاجب - وقد يكون معه غيره كالأبهري إذ روى نحو قوله الأبهري عن مالك أنه يبدأ فيسمى الله أي يقول باسم الله أول وضوئه عند شروعه وفي شرح ابن الفاكهاني يقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ونحوه للنووي من الشافعية ولم يذكر الشيخ حكم هذا القول عند قائله لكن المعزو لابن

حبيب الاستحباب. وروي عن مالك الإباحة – أي التخيير – (خ) واستشكل بعضهم الإباحة في الإنكار لكونها راجحة الفعل وأجيب بأن مراد من أباح إنما هو اقتران هذا الذكر الخاص بأول هذه العبادة الخاصة لا حصول الذكر من حيث هو ذكر وروي عن مالك الإنكار وقال أهو يذبح وإليه أشار الشيخ بقوله ولم يره بعضهم يعني مالكاً من الأمر المعروف عند السلف وقال ابن زياد يكره (س) وظاهر الحديث الوجوب انتهى وهو مذهب أحمد وإسحاق ولعل إنكار مالك بدليل ذكر الذبح لكن لم أقف على من تأوله عليه فانظره (خ) وتشرع يعني التسمية في غسل وتيمم وأكل وشرب وزكاة وركوب دابة وسفينة ودخول وضوئه ولمنزل ومسجد ولبس وغلق باب وإطفاء مصباح ووطء وصعود خطيب منبراً وتغميض ميت ولحده انتهى. (وكون الإناء على يمينه أمكن له في تناوله). يعني فهو مستحب للتمكن لا لذاته فإذا كان غيره أمكن فلا استحباب وقال الشبيي في اختصار الشرح لابن الفاكهاني الأشهر الاستحباب ومقابله التخيير وفضائله موضع طاهر وقلة ماء بلا حد كالغسل وتيمن أعضاء وإناء إن فتح انتهى فشرط في استحبابه انفتاحه لأن غير المنفتح يصعب مع تيمنه التناول منه والله أعلم. (ويبدأ فيغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً). يعني بنية ومطلق مفترقتين على المشهور وقال ابن رشد اجتماعهما أشبه بالإتباع والثالث قول ابن القاسم وروى أشهب مرتين وقيل بلا حد وقد تقدم حكمهما إلا أن التثنية للقائم من النوم آكد لنص الحديث وفي قوله يبدأ أن هذا افتتاح وضوئه وقد يستروح منه أنه محل النية إذ جعله أول العبادة وقد مر ما في ذلك. وقوله: (فإن كان قد بال أة تغوط غسل ذلك منه ثم يتوضأ) يعني أنه لا يشرع في الوضوء الذي بداءته غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء إلا بعد إزالة الأذى إن تعلق به. وإن كان ليس من الوضوء ليكون وقوعه على جسد طاهر ولا خلاف في مطلوبية ذلك وإنما الخلاف في وجوبه. والمشهور عدم الوجوب لكن يعارضه هنا مس الفرج إذا أخر فلو احتمل عليه

استقام القول به والله أعلم وما ذكر هو قول أبي محمد صالح أراد الوضوء اللغوي الذي هو غسل اليدين وقواه بقوله ثم يدخل يده في الإناء بعده فتأمله. (ثم يدخل يده في الإناء فيأخذ الماء). يعني إن أمكنه إدخال يده وإلا أفرغ فيه قدر حاجته للمضمضة من غير إسراف فيمضمض فاه بحيث يجعله فيه ثم يخضخضه ويمجه بقوة فإن فتح فاه فنزل الماء دون دفع ففي مجهل الجلاب قولان ولو لم يمجه رأساً وإن ابتلعه فقولان أيضاً وفي شرح العمدة لابن الفاكهاني قال النووي الجمهور على أن إدارة الماء في الفم لا يلزم. فائدة: سمعت بعض شيوخنا يقول إذا قال أهل الخلاف الكبير الجمهور فإنما يعنون مالكاً والشافعي وأبا حنيفة فلعل هذا منه فانظر ذلك وقوله (ثلاثاً) يعني استحباباً لما يذكر إن شاء الله وقوله (من غرفة واحدة إن شاء أو ثلاث غرفات) يعني أنه مخير في ذلك وإن كان الأولى الثلاث لقوله والنهاية أحسن فأصل الحكم التخيير قالوا والغرفة بالضم اسم للفعل وبالفتح اسم للشيء الذي يغترف به والمراد به هنا الحفنة أي ما يؤخذ بالكف الواحدة وأطلقها في الغسل على ما يؤخذ باليدين فانظر موافق اللغة وبالله التوفيق. وقوله (وإن استاك بأصبعه فحسن) يعني مع المضمضة برفق ليكون ذلك كالدلك وقد روي بأصبعه بالإفراد – يعني السبابة – وبالتثنية مع الإبهام وكل صحيح ثم هو باليمنى وقيل باليسرى ولينق في ذلك بقوة لأنه يزيل البلغم ويضيف الماء بما ينقلع منها وربما أجرى دماء وأثار رائحة كريهة , وفي سماع أشهب استحباب غسلهما مما عسى أن يكون بها خلافاً لابن عبد الحكم. فرع: فإن أدخلهما قبل غسلهما فقال مالك لا بأس به واستخفه ليسارة ما يكون عليها كذا ذكره الشبلي وغيره فانظره. (ثم يستنشق بأنفه الماء). يعني يجذبه بريحه لداخل الخيشوم كما تقدم ويستنثره أي يدفعه بريح أنفه لخارجه ليزيل ما هناك وقد ذكر هنا الاستنثار ولم يذكر حكمه وقوله (يجعل يده على أنفه كامتخاطه) يعني هذه صفته فلا يمتخط دون جعل يده على أنفه لنهيه عليه

السلام عن امتخاط كامتخاط الحمار (ع) والاستنشاق وهو جذب الماء بأنفه ونثره بنفسه ويده على أنفه ثلاثاً وكرهه مالك دونهما أي دون الثلاث وجعل اليد على الأنف والله أعلم. قالوا وإنما يمسكه من أعلاه ثم يمره لآخره لأنه الذي ينظف ويشد أصابعه بالإخراج وكون ذلك باليسار هو أولى وقد اختلف فيه وقوله ثلاثاً يعني لتحصيل الفضيلة وهو هنا آكد للحديث وتقدمت كراهة مالك لما دونها لا سيما عند القيام من النوم ففي الصحيح «إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه» متفق عليه وفي رواية مع ذكر الوضوء. (ويجزئه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق). يعني معا بحيث يفعل لكل واحدة واحدة أو لواحدة أكثر من الأخرى أو اثنتين اثنتين وسواء الفعلات وهي المقصود هنا أو الغرفات وهو الذي يدل عليه كلامه بعد إذ قال وله جمع ذلك في غرفة واحدة يعني بحيث يفعلها منهما أما ستاً أو ثلاثاً أو غير ذلك. ويحتمل جمع المضمضة والاستنشاق سواء فعل ستاً أو غيرها والست بحيث يستنثر من الكف الذي يتضمضم منه حتى يفعل ستاً من ثلاث وهذا ظاهر الأحاديث وحملت عليه الرواية عن مالك وشهره غير واحد وقال ابن رشد هو أشبه بالاتباع بل جاء صريحاً في حديث علي – كرم الله وجهه -. ورواه أبو داود والنسائي والنهاية أحسن التي هي ست من ست لأنه تفرع النقص بالاحتياط والأخذ بأكمل الاحتمالين في الحديث (خ) وبالغ مطرف وفعلهما بست أفضل وجاز أو إحداهما بغرفة انتهى وسيأتي. الثالث: أكثر ما يفعل في المغسولات وأنه يجزئ أقل منها فلا أدري ما وجه تخصيصه فانظر ذلك. (ثم يأخذ الماء إن شاء بيديه جميعاً وإن شاء بيده اليمنى فيجعله في يديه جميعاً). يعني هو مخير في ذلك وظاهر من غير ترجيح لأحد الفعلين وقال ابن حبيب وعبد الوهاب وعن مالك بهما أولى وقد يستروح من تقديمه هنا. وقال ابن القاسم بواحد أولى لأنه عون على التقليل وأقرب للتحصيل وأيسر في التوصيل فيضيفها إلى

الآخر ثم ينقله إلى وجه لا أنه ينقل وجهه إليه ولا ينفض يديه قبل وصوله إلى وجهه ولا ينصب لمطر ولا ميزاب ولا غيره لأنها كلها خارجة عن المأمور به أما نفض يديه فإنه يبرق وجهه ويمسحه فقط فلا يصح وضوؤه باتفاق وأما عدم نقل الماء فسيأتي إن شاء الله قريباً. وقوله (فيفرغه عليه) يعني لا يرشه رشاً ولا يلطمه لطماً ولا يكب وجهه في يديه كباً لأن ذلك كله جهل بل يفرغه تفريغاً حالة كونه في ذلك غاسلاً له بيديه يعني أنه يدلكه بهما مع الماء أو أثره متصلاً به دلكاً وسطاً إذ لا يلزم إزالة الوسخ الخفي بل ما ظهر وحال بين مباشرة الماء للعضو وسيأتي حكم الدلك في الغسل وإن المشهور وجوبه والله أعلم. وقوله (من أعلى جبهته وحد منابت شعر رأسه) – يعني وذلك من أعلاه – والجبهة معلومة وهي ما ارتفع عن الحاجبين إلى مبدأ الرأس المعتاد ابن العربي ويجب أن يأخذ منه بغسله جزء لأنه لا يتوصل إلى استيفاء الوجه إلا به. وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب وآخر اللحية لمن له لحية معتاد اتفاقاً. وكذا لو طالت على المشهور (خ) والذقن مجتمع اللحيين ابن الحاجب والواجب منبت الشعر المعتاد إلى منتهى الذقن فيدخل موضع الغمم ولا يدخل موضع الصلع انتهى. ولا خلاف في عدم دخول ما تحت الذقن في الخطاب لأنه ليس بوجه وقد رأيت شيخ المالكية نور الدين السنهوري وهو من العلماء العاملين يغسله فلا أدري لورع أو غيره. وقوله (ودور وجهه كله) يعني يميناً وشمالاً من أعلاه وأسفله وذلك يقتضي أنه من الأذن إلى الأذن. وروى ابن وهب في المجموعة من العذار إلى العذار وحكى عبد الوهاب عن بعض المتأخرين في حق نقي الحد كالأول وفي الملتحي كالثاني وانفرد عبد الوهاب بأن ما بينهما سنة (خ) واستضعف قول القاضي لأنه إذا كان من الوجه وجب وإلا سقط ولا يثبت كونه سنة إلا بدليل ولم يثبت انتهى وقوله من حد عظمي لحييه الحد الذي تحت الأذنين من نواحيها والصدغين تثنيه صدع قال في الغريب هو ما يلي مؤخر العين ويقال بضم الدال قال وقال ثابت هما ما انحدر من الرأس إلى مركب اللحيين وبين

الصدغ والجبهة الجبينان فهما يكتفان الجبهة كذا قال في الغريب والله أعلم. (ويمر يده على ما غار من ظاهر أجفانه وأسارير جبهته). يعني التكاسير التي تكون فيها وما تحت مارنه من ظاهر أنفه وهي الوترة فاصل ثقبي الأنف قال في الغريب قال ثابت في خلق الإنسان المارن هو الذي إذا عطفته تثنى وفي الأرنبة وهو طرف الأنف (ع) ويجب غسل ما تحت مارنه وظاهر شفتيه وأسارير جبهته وغائر جفنيه لا ما غار جداً من جرع أو خلقة انتهى. وذكر بعضهم أن ذلك محدود برؤية قعره عند المواجهة وعدمها. وذكر في التلقين العنفقة وهو الشعر المجتمع تحت وسط الشفة السفلى متصلاً بها فيخلله إن خف كما سيأتي في حكم تخليل اللحية. تنبيه: للعاملة في الوضوء أمور منها صب الماء دون الجبهة وهو مبطل ونفض اليد قبل إيصال الماء إليه وهو كذلك ولطم الوجه بالماء لطماً وهو جهل لا يضر والتكبير عند ذلك وأنكره النووي وقال لم يقل به إلا بعض أصحابنا ورد عليه قال والأذكار المرتبة عند الأعضاء لا أصل لها. وأنكر ابن العربي أن يكون في الوضوء ذكر خاص غير التسمية أوله والتشهد آخره نعم ورد في الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه أنه – عليه السلام – قال على وضوئه «اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي داري وبارك لي في رزقي» فسأله عن ذلك فقال: وهل تذكر من خير فترجم النسائي لذلك باب ما يقول بعد الوضوء وابن السني ما يقال بين ظهراني وضوئه وذكرهما النووي في حلية الأبرار فانظره وبالله التوفيق. وقوله (يغسل وجهه هكذا ثلاثاً) يعني على الصفة المذكورة من الابتداء والانتهاء وتتبع المغابن والدلك وتفريغ الماء من أعلاه وغير ذلك يفعل ذلك ثلاثاً استحباباً ولو اقتصر على ما دونه أجزأه كما سيأتي إلا أن أمرها في هذا آكد لغيبة هذا العضو على العيان مع كثرة مغابنه ولهذا لم يخير فيه الشيخ كما قال في اليدين. وقوله: (ينقل الماء إليه) يعني على الوجه المتقدم من أنه يأخذ ماء بيده أو بيديه جميعاً ثم يفرغه عليه واختلف في النقل فقال أصبغ واجب وقال ابن القاسم مستحب

فقط ابن الحاجب الثانية يعني من الفرائض غسل جميع الوجه (ينقل الماء إليه) مع الدلك على المشهور وقوله على المشهور عائد على الدلك فقط. ومقابله لابن عبد الحكم أو على الدلك والنقل وفي الآخر نظر لأن النقل غير مشترك خلافاً لأصبغ وغيره (س) وقوله (ينقل الماء إليه) لا يعني ما يعطيه ظاهر اللفظ من رفع الماء بيده أو يد من يستنيبه إليه بل حصوله على سطح الوجه كيفما اتفق حتى لو لاقى وجهه إلى ميزاب أو مطر وابل واتبعه الدلك لكفاه قال وكذلك المنقول في هذه الصورة (ع) وفي شرط نقل الغاسل لمغسوله وقولان لابن حبيب مع ابن رشد على دليل قول سحنون وابن الماجشون وابن القاسم معها لقولها في خائض النهر ثم قال بعد كلام فقول ابن عبد السلام معنى النقل وصول الماء للعضو من ميزاب لا نقله بفعل الغاسل أو نائبه كما ظنه بعضهم فغلط وقصور انتهى. والمنصوص في النسخ أنه لا بد من نقله فلا يصح بنصبه لميزاب ونحوه ذكره ابن عبد السلام وأن الغلط إنما وقع لبعض المتأخرين في اشتراط النقل منه فانظر ذلك وقال بعض المتأخرين نقل الماء للمنغمس غير واجب ولمن أخذه ونفضه من يده ثم مر بها على العضو واجب وفي غيرهما خلاف فتأمل ذلك وبالله التوفيق. وقوله (ويحرك لحيته في غسله وجهه بكفيه) يعني سواء كانت خفيفة أو كثيفة قلنا بوجوب تخليلها أو لم نقل به وما ذلك إلا ليداخلها الماء بتحريكها إياها فيصل الماء إلى وجوه الشعر وأصوله بالتحريك وإنما احتاج للتحريك لدفع الشعر لما يلاقيه من الماء بجساوة وملوسة. وقوله (وليس عليه تخليلها في الوضوء في قول مالك) يعني وله ذلك لأنه مكروه عنده في إحدى الروايتين واجب في الأخرى (ع) وفي كراهة تخليل اللحية واستحبابه ووجوبه ثلاثة أقوال لسماع ابن القاسم معها وابن حبيب وابن عبد الحكم مع روايتي ابن نافع. وابن وهب الباجي إن لم يستر البشرة وجب إيصال الماء لها وإلا فلا التلقين خفيف شعر الوجه إيصال الماء لبشرته بخلاف كثيفه ابن بشير وقيل يجب (س) هو الأظهر عندي بالقياس على المشهور في الغسل (خ) وهذا القول قاله محمد بن عبد الحكم قال في البيان هو قول مالك في رواية ابن وهب وابن نافع.

وحكى في التلقين أن الخفيف ما تظهر البشرة تحته والكثيف ما لا تظهر وحكى عن البيان أن قول ابن حبيب بالاستحباب هو أظهر الأقوال ملفقاً مختصر الأخير. وحكى بعض المتأخرين في تخليل العنفقة قولين ثم أحال على نظر القرافي وذكر ابن الحاجب الهدب وفيه مشقة فانظر فيه. فرع: ذكر البرزلي في نوازله عن السيوري أن ما تعلق بأشفار العين من القذى يزال ما لم يشق البزلي فإن صلى به وكان يسيراً كخيط العجين والمرود فقولان المشهور الإعادة قال وأحفظ لابن دينار يغتفر انتهى باختصار وتخصيص الشيخ عدم التخليل في الوضوء دليل على أن حكم الغسل خلافه وسيأتي إن شاء الله. وقوله (ويجري عليها بيديه إلى آخرها) يعني ولو طالت حتى خرجت عن المعتاد ابن الحاجب ويجب غسل ما طال من اللحية على الأظهر كمسح الرأس (خ) أي الأظهر الوجوب قال في البيان وهو الأشهر المعلوم (خ) التشبيه في هذه المسألة مركب لأنه في الوجوب في المسألتين وفي الخلاف وفي الظهور (ع) وفي وجوب ما طال منها عن الذقن قول ابن رشد عن معلوم المذهب وسماع موسى ورواية ابن القاسم. وقال الأبهري انتهى. وقد أجري الخلاف فيها على شجرة أصلها في الحرم أو في الحل وفروعها في مقابله هل يحل صيدها أم لا فانظر ذلك. والحاصل أن ظاهر اللحية واجب وإن طالت على المشهور. (ثم يغسل يده اليمنى). يعني يبدأ بها لاستحباب البداءة بالميامن قبل المياسر لا لأنه من باب الترتيب إذ لا ترتيب بين متماثلين قاله ابن العربي وغيره وخرج أصحاب السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه السلام: «إذا توضأتم فابدءوها بميامنكم» وصححه ابن خزيمة وقوله ثلاثاً أو اثنتين استحباباً فقد صح أنه عليه السلام غسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين. وإنما كان ذلك لأن اليد شكل مسطح ظاهر للعيان قليل المغابن فيكفي فيه ما لا يكفي في الوجه. وسيأتي حكم الثلاث والاثنين والواحدة إن شاء الله.

وقوله (يفيض عليها الماء) يعني على جهة الندب لا على جهة الوجوب للخلاف المتقدم في النقل والنقل أولى بكل حال لأنه أتم وأبعد من الخلاف وبعركها بيده اليسرى لأن ذلك لا يمكن إلا بها بخلاف الإفاضة فإنها تمكن بها والعرك هو الدلك ومنه قولهم (لأعركنه) عرك الأديم أي لأدلكنه دلك الجلد كذا قال في الغريب وقد يفهم أن العرك دلك بقوة فانظره وينبغي أن يكون ذلك متصلاً بالإفاضة في كل مغسول لأنه أبرأ من الخلاف وإن كان المشهور جواز التعقيب مع الاتصال وسيأتي في الغسل إن شاء الله وقال في الرجلين قليلاً قليلاً ولم يقل ذلك هنا مع أن المطلوب في الكل التقليل لأن الرجلين مظنة الإسراف بخلاف غيرهما والله أعلم. ويخلل أصابع يديه بعضها ببعض بحيث يدخل أصابع اليسرى في خلال اليمنى من ظاهرها لا من باطنها واليمنى في خلال اليسرى كذلك عند غسل كل واحد ولا يدخلها من باطنها لأنه تشبيك والتشبيك منهي عنه ولا يتوصل به لمقصود دلك ما بين الأصابع مستوفياً ويحتمل أمر الشيخ بالتخليل الوجوب والندب وهما قولان (ع) وتخليل أصابعهما أوجبه ابن حبيب واستحبه ابن شعبان انتهى (خ) والمشهور الوجوب قال وقال في الذخيرة ظاهر المذهب عدم الوجوب. فرع: ينزع ما عدا الخاتم من خيط وكشتوان وغيره. واختلف في الخاتم فقال ابن عبد الحكم بنزعه (س) وقول ابن عبد الحكم ينزعه خلاف قول مالك وأصحابه ابن بشير قول ابن عبد الحكم يحتمل الوجوب انتهى ابن الحاجب وفي إجالة الخاتم ثالثها يجب في الضيق. (س) والقول بإجالته لابن شعبان. وبعدمها لمالك والثالث لابن حبيب انتهى والمشهور عدم النزع وعدم الإجالة وفي مختصره لا إجالة خاتمه ونقض غيره انتهى. ويروى آخره بالضاد المعجمة والمهملة فانظره. (ثم يغسل اليسرى كذلك). يعني سواء بسواء في التخليل والدلك والإفاضة وحكم الخاتم وغيره وقد ذكر بعضهم التحفظ على البراجم والرواجب وهي عقود الأنامل من محل اشتراطها ورءوس الأصابع قائلاً يجمعهم ثم يحكمهما بكفه وباطن الكف وما يكون تحت رءوس الأظفار

من الوسخ المانع إذا طالت وما عسى أن يكون على اليدين من عجين أو شمع أو زفت أو شعر دابغ أو غيره فيزيل ما تمكن إزالته ويبالغ في الدلك ونحوه لغيره حتى يباشر الماء جلده بقدر إمكانه والله أعلم. وقوله (يبلغ فيهما بالغسل إلى المرفقين) يعني لأنه نص القرآن وفي ذلك البداءة بأعاليها وهي السنة في غسل ما له أول وآخر من الأعضاء ابن شعبان السنة في غسل الأعضاء أن يبدأ من أولها فإن بدأ من أسفلها أجزأه وبئس ما صنع ويغسل بقية المعصم إن قطع كف بمنكب ولا يغسل محل القطع إن قطع من مفصله دون بقية قاله في التلقين. وقوله (يدخلهما في غسله) يعني يدخل المرفقين في غسل ذراعيه وجوباً على المشهور لأن الغاية داخلة في المغيا وإلى بمعنى مع وهذا قول ابن القاسم وقيل إنما يدخلهما لأن الواجب لا يستوفى إلا بدلكه وقد قيل إليهما حد الغسل الواجب وأن الغاية لا يدخل في المغيا فليس بواجب إدخالهما فيه لا بالأصالة ولا بالاستيفاء إذ يمكن دونهما وهو بعيد وإدخالهما أحوط حكما وأوفى في فعلا وأقرب في التحصيل وأشبه بيسر الدين لزوال تكلف التحديد ومشقته ثم وإدخالهما إلى آخره يحتمل أن يكون من تمام القول بالسقوط وهو الظاهر ويحتمل أن يكون قولاً رابعاً ثم مع ذلك فيمكن أن يكون متقدماً لغير الشيخ ومن اختياره والمنقول ثلاثة وجوبه لذاته ولغيره وثالثها التحديد قالوا ولا تدخل هذه الرواية لمالك عبد الوهاب ما علل به أبو محمد من الاحتياط وزوال التكلف علل به بعض أصحابنا وعليه آخرون فانظر ذلك. (ثم يأخذ الماء بيده اليمنى فيفرغه على باطن يده اليسرى). يعني ويرميه حتى لا يبقى فيهما إلا البلل وإن شاء غمسهما في الماء ثم يرفعهما لكن اختيار ابن القاسم الأول واختار مالك الأخير استحباباً فيهما والمنصوص أنه لا يكفي أن يلاقي راسه لمطر ثم يمسحه بيده لأن الممسوح اليد والتقدير وامسحوا برءوسكم أيديكم ولا يكفي ما تعلق بيديه من بلل غسلهما بل لا بد من ماء جديد (ع) وفيها لمالك إن مسح رأسه ببلل لحيته لم يجزه العتبي عن ابن القاسم ويعيد أبداً قال ومقتضى قول المازري الاتفاق على مسحه ببلل لحيته ابتداء وإنما الخلاف بعد الوقوع

يرد بنقل الشيخ عن ابن الماجشون ما نصه إن بعد عن الماء فلم يمسح به انتهى وفي البيان لا تجزئ ببلل لحيته لأنه لا يكفيه لقول ابن القاسم وليس هذا بمسح وقد اختلفت إذا عظمت. وكان فيما تعلق بها من الماء كفاية للمسح فأجازه ابن الماجشون ومنع مالك من ذلك في المدونة وقوله (ثم يمسح بهما رأسه) يعني كله مباشرة ابن الحاجب ومبدؤه مبدأ الوجه وآخره ما تحوزه الجمجمة (خ) والأحسن لو قال آخره منتهى الجمجمة لأن مقتضى قوله ما تحوزه الجمجمة جوزة الرأس وليس كذلك بل هي من الرأس (ع) الشيخ في نوادره وعظما الصدغين منه الباجي هو ما فوق العظم لحلقة المحرم وما دونه من العذار اللخمي بياض ما فوق الأذن منه انتهى. ابن الحاجب وقيل آخره منبت شعر القفا المعتاد قلت وهو الذي في التلقين. فروع ثلاثة: أولها: غسل رأسه بدلا من مسحه فثالثها يكره (ع) وإجزاء غسله لابن شعبان ابن سابق أباه غيره وكرهه آخرون (خ) قال ابن عطاء الله أشهر الثلاثة الإجزاء لأن الغسل مسح وزيادة ابن الحاجب ويجزئ الغسل اتفاقا (ع) إن أراد باعتبار رفع حدث الجنابة فحق إذ هو المعنى وإن أراد باعتبار حصول أفضل تقديم فلا لرواية علي وابن القاسم منع تأخير غسل الرجلين انتهى فتأمله. الثاني: لو اقتصر على بعض رأسه في المسح فالمنصوص لمالك عدم الإجزاء ابن مسلمة يجزئ الثلثان أبو الفرج الثلث وقال أشهب الناصية وروي أيضاً عن أشهب الإطلاق وقال إن لم يعمم رأسه أجزأه ولم يقدر ما لا يضره تركه (خ) اللخمي لا خلاف أنه مأمور بالجميع ابتداء وإنما الخلاف إذا اقتصر على بعضه وقاله (س) وقال كان بعض أشياخه يحكي عن بعض أشياخه الأندلسيين أن الخلاف ابتداء في المذهب ولم أره وأثبته (ع) من ظاهر قول المازري وابن رشد وابن حارث فانظره. الثالث: المسح من فوق حائل يذكر بعد إن شاء الله تعالى وقد اختلف فيمن حلق رأسه بعد مسح (ع) وله حلقه ففي إعادة مسحه ثالثها يبتدئ الوضوء اللخمي مع نقله عن عبد العزيز والمذهب فيه تقليم الأظفار وعياض عن عبد العزيز مع نقل الصقلي

انتفض وضوءه كنزع الخف (خ) في مختصره ولا يعيد من قلم ظفره أو حلق رأسه وفي لحيته قولان انتهى. وعن (ع) القولان لابن القصار وابن الطلاع فانظره وقوله (يبدأ من مقدمه) يعني استحباباً على المشهور وحكى ابن رشد في ذلك قولين بالسنية وقيل يبدأ من مؤخره وقيل من وسطه ذاهباً إلى وجهه ثم إلى قفاه وقوله (من أول منابت شعر رأسه) يعني المعتاد ويأخذ طرفا من وجهه لأنه مما لا يتوصل للواجب إلا به قاله ابن العربي فلا يعتبر شعر أغم ولا أصلع ولا غيرهما كما تقدم في الوجه فإذا ابتدأ من هنالك أقبل على المسح وقد قرن أطراف أصابع يديه بعضها ببعض على رأسه وجعل إبهاميه في صدغيه يمر بهما ماسحا يتبع راحتاه إبهاميه ويكون رأسه كله قد صار تحت كفيه والأصابع على وسطه ويمر بهما على يمين ذلك وشماله ولا يزال كذلك ماسحا حتى يصل إلى شعر طرف رأسه مما يلي قفاه سواء قلنا إن الوجه ينتهي بذلك أولا لأنه أحوط المطلوب هنا ذكر صفته الكمالية ثم يردهما إلى حيث بدأ من غر تجديد ماء على الوجه الذي تقدم. ويأخذ إبهاميه خلف أذنيه كما فعل في ذهابه ينتهي إلى صدغيه الذين هما المبتدأ من جانبيه فيرد من مؤخره إلى مقدمه ولو بدأ من مؤخره ردهما إليه كذلك نقله اللخمي وصاحب تهذيب الطالب عن ابن القصار وأن السنة في الرد الرجوع إلى مبدأ المسح أي موضع كان فلذلك قال (ع) ورد اليدين من منتهى المسح لمبدئه انتهى وقد يستشعر من قول الشيخ إلى المكان الذي بدأ منه والله أعلم. (وكيفما مسح أجزأه إذا أوعب رأسه). يعني إذا استوفاه لأن الواجب ألا يعاب والكيفية مستحبة وقد قيد بعضهم كلام الشيخ بها فقال وكيفما مسح أجزأه إذا وافق صفة مروية وهو بعيد وقدم الكلام فيمن اقتصر على بعض رأسه في المسح وقال المازري لا خلاف أن الكمال في الإكمال وإنما الخلاف في الإجزاء. فرعان: أحدهما: إذا ذهب الماء من يده قبل استيفاء المسح قال اللخمي اختلف في الإجزاء على قولين وعز الإجزاء للقاضي إسماعيل والله أعلم.

الثاني: قال ابن القاسم لا بأس أن يمسح بأصبع واحدة قال بعض الشيوخ واختلف هل يستأنف يعني كلما يبست أم لا وقوله (والأول أحسن) يعني الكيفية المذكورة وهذا على المشهور وقال ابن الحاجب الاختيار أن يبدأ من المقدم فليلصق به أصابعه ويرفع راحتيه عن فوديه ثم يمر بهما إلى قفاه كذلك ثم يرفع أصابعه ويلصق راحتيه بفوديه ثم يردهما إلى مقدمه وهذا مما انفرد به وقال اخترتها لئلا يتكرر المسح (ع) ورده ابن القصار بأن التكرار المكروه بماء جديد انتهى ونظر فيه بعضهم ويحكى أن ابن الجلاب رجع عن الصفة المذكورة والله أعلم بالواقع من ذلك ولو أدخل يديه في الإناء ثم رفعهما مبلولتين ومسح بهما رأسه أجزأه دون كراهة وفاته المستحب عند ابن القاسم لا عند مالك ومثله في الإجزاء لو نصب كفيه للمطر ثم مسح بهما إلا أن نصب رأسه فإنه لا يجزئه كما تقدم. (ثم يفرغ الماء على سبابتيه). يعني من اليمنى واليسرى وكيفية ذلك أن يجمع الإبهام للسبابة ثم يصب اليسرى على اليمنى ويفعل من ذلك لليسرى ويصب عليهما ما اجتمع في كفه اليمنى ولا يقال إن ذلك مستعمل إذ لم تؤد به عبادة وإنما سميت سبابة لأنها التي يشار بها عند السب ويقال لها السباحة لأنها تسبح في الأشياء والسبحة أيضاً هي التي بين الإبهام والوسطى ويليها من الجانب الآخر البنصر ثم الخنصر والله أعلم. وقوله (وإن شاء غمس ذلك في الماء) أي غمس السبابة والإبهام ولا يكون ذلك استعمالاً وقد يؤخذ من كلامه أن الصب أولى من الغمس لتقديمه عليه والله أعلم. ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بأن يدخل السبابة في الصماخ ويجعل الإبهام من خارج ثم يديرهما كذلك. روى عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل ظاهرهما مما يلي الرأس أو ما يواجه قولان (خ) حكاهما ابن سابق عن المتأخرين. فرع: قال ابن حبيب يكره تتبع غضونهما لأن مقصد الشارع بالمسح التخفيف والتتبع ينافيه والاقتصار على إحدى الجهتين من الظاهر والباطن يجرئ على الخلاف المتقدم فيهما وقوله وتمسح المرأة كما ذكرنا يعني في الرأس والأذنين حكما أو صفة أو مقدار

ذاهبا وراجعا لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما يخص من أحكامهن والله أعلم. وتمسح على دلاليها أي على ما استرخى من شعرها وكذلك الرجل إن كان له شعر وقد تقدم الخلاف فيما طال منه مع ما طال من اللحية ولا تمسح على الوقاية ولا ما في معناها من عمامة وخمار وحناء ونحوها لأن الكل حائل وفي مجهول الجلاب يمسح الملبد في الحج ولا شيء عليه بعض الشيوخ واختلف إذا نفضت الحناء ولم تغسل. فائدة: ذكر الشيخ أبو العباس بن عمران البجائي عند قول ابن الحاجب ولا تمسح على حناء ولا غيره نظائر قال إثرها فهذا يدل على أن إضافة الماء بعد بلوغه للعضو لا تضر ثم قال وما زال السلف يدهنون ويتمندلون بأقدامهم ومعلوم أن الماء ينضاف بملاقاته للعضو وبما عليه انتهى وكان شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله يقول إني لأفتي للناس بالمسح على الحناء لأنا إذا منعناهم منه تركوا الصلاة رأساً وإذا دار الأمر بين ترك الصلاة وبين فعلها على الخلاف فارتكاب الخلاف أولى فانظر ذلك. وقوله (وتدخل يديها من تحت عقاص شعر رأسها في رجوع يديها في المسح) يعني تمسح ما غاب عنها وما وإلي ذلك من دلاليها وكذلك الرجل إن كان له الشعر (خ) في مختصره ولا ينض ضفره رجل أو امرأة ويدخلان يديهما تحته في رد المسح وحكي في التوضيح أن البلنسي ذكر الخلاف في ضفر الرجل قال بعض شيوخنا وعلى المنع فلا بد من نقضه وسيأتي في الغسل إن شاء الله وهل إدخال اليد من تحت العقاص منويا بالوجه لتمام المسح أو بالرد لم أقف على شيء بعد ذلك وهو مشكل فانظره. (ثم يغسل رجليه .... إلخ). يعني يأخذ في غسلهما وفي كلامه أنه يترتب على الوجه المذكور في ذلك تفصيل فأما ترتيب المفروض مع مثله فالأشهر سنة واقتصر عليه ابن يونس وابن الحاجب وقال يعني مالكاً ما أدري ما وجوبه وروى علي بن زياد وجوبه وقال ابن حبيب واجب مع الذكر والقدرة ساقط مع العجز والنسيان (س) وفيه قول بالاستحباب وأنا أميل فيه إلى الوجوب لحجج مذكورة في المطولات انتهى وأما ترتيب المسنون مع مثله أو مع المفروض فالمشهور مستحب (ع) ابن رشد وترتيب المسنون مع المفروض مستحب لقوله

في الموطأ من غسل وجهه قبل مضمضته لم يعد غسله ابن حبيب سنة أخف من مفروض مع مفروض قال مرة من نكس عمداً يعيد وضوءه ومرة لا يعيد إن فارق وضوءه وسهوا لا شيء عليه فصل يريد إن فارق وإلا أعاد المقدم وما بعده وأصله في ذكر سنة منه بحضرته. ابن رشد يحتمل كونه خلاف أصله كالموطأ انتهى فأما الموالاة ومنهم من يعبر عنها بالفور فاختلف فيها أيضاً وشهر في المقدمات القول بالسنية وغيره فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان عليه تجري فروعه. وسيأتي الكلام عليهما مستوفى في جامع الصلاة إن شاء الله. وقوله (يصب الماء بيده اليمنى على رجله اليمنى) يعني أنه يتناول بيده اليمنى ويفتتح غسل رجله اليمنى قبل اليسرى لأن البداءة بالميامن مستحبة. ويعركها بيده اليسرى مع الصب ولو استعان بيده اليمنى في العرك لم يضره ذلك ويكرر العرك والصب قليلاً قليلاً إن كانت الرجل سليمة من الجساوة والشقوق وإلا عركها بقوة كما سيأتي ورد بعضهم قليلاً قليلاً ليصب الماء لا للعرك لقوله فليبالغ بالعرك والله أعلم. وقوله (يوعبها بذلك ثلاثاً) يعني استحباباً وظاهره أنه لا يزيد على ذلك كسائر الأعضاء وحكى ابن رشد عن بعض المشايخ أن المشهور في الرجلين عدم التحديد (خ) وكذا قال سند وقال في مختصره وهل الرجلان كذلك والمطلوب الإنقاء وهل تكره الرابعة أو تمنع خلاف يعني قولان مشهوران وكذلك صرح بهما غيره الشيخ ناصر الدين وقال أشهب الفرض غسلهما مرتين لا بد منهما والصحيح وجوب المرة الواحدة يعني من غير زائد عليها كسائر الأعضاء والله أعلم. وقوله (وإن شاء خلل أصابعه في ذلك) يعني إن شاء خلل أصابع رجليه بأن يدخل أصابع يديه في خلل أصابعهما مع الماء قالوا والمستحب في ذلك أن يخللهما من أسفلهما وكذلك ورد في حديث. رواه الترمذي ويعبرونه بالنحر وتخليل اليدين بالذبح ويبدأ من خنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى فيبدأ باليسرى بإبهامها ويختم اليمنى به والله أعلم. وقوله (وإن ترك فلا حرج) يعني وإن ترك التخليل فلا إثم ولا ضيق لأنه ليس

بواجب على المشهور. وروي الوجوب والندب والإنكار (ع) وظاهر إجزائها ذلك حائض النهر برجليه إحداهما بالأخرى سقوطه الأعم من الإنكار والإباحة انتهى وهو ظاهر التخيير الذي ذكر الشيخ هنا والله أعلم. وقوله (والتخليل أطيب للنفس) يعني لأنه أبرأ من اللاخف وأبلغ من الفعل وأتم في التحصيل وكأنه رجع الندب وهو المشهور (خ) والقول في الندب لابن شعبان وبالإنكار رواه أشهب عن مالك ورجع اللخمي وابن بزيزة وابن عبد السلام الوجوب للحديث انتهى. وذكره (ع) عن مالك فقال ابن حارث عن ابن وهب رجع مالك عن إنكاره إلى وجوبه لما أخبرته بحديث ابن لهيعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يخللهما في وضوئه انتهى. (ويعرك عقبيه). يعني مؤخر القدمين مما يلي الساق قال في الغريب قال ثابت العقب ما يفصل من مؤخر القدم عن الساق وعرقوبيه يعني العصبتين اللتين وصلتا بين الساقين والعقبين من ظاهرهما وما لا يكاد يداخله الماء بسرعة لصلابته واختلف في أجزائه من جساوة أي غلظ جلد وتشنج نشأ عن قشف أو شقوق أي التفايم التي تكون من البلغم وغيره. وكذلك التكاميش التي تكون من استرخاء الجلد في أهل الأجساد الغليظة وما يكون في الكعبين من كثرة الجلوس وهذا كله مع الإمكان بلا مشقة فادحة إذ لا حرج في الدين فليبالغ بالعرك لرجليه وخصوصاً في المواضع المذكورة ويكون ذلك مع صب الماء أي مقروناً به لأنه أيسر وأنقى وأقرب للبر والتقوى فإنه جاء الأثر أي الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم وأنه عليه السلام قال: «ويل للأعقاب من النار» وفي رواية لغير الصحيحين «ويل للعراقيب من النار» ثم اختلف العلماء في محله فقيل الوعيد واقع على الأعقاب أنفسها لأن التعذيب إنما يكون للعضو الذي وقع به العصيان وقيل هو على حذف مضاف فالتقدير «ويل لأصحاب العراقيب» لقوله تعالى: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ الَتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82] فانظره والويل كلمة تقال لمن وقع في الهلكة أو

لمن استحق العذاب كالويح للترحم والويس للخيفة وقيل غير ذلك. وفي تسمية الحديث أثراً نظراً لكونه مخالفاً لاصطلاح المحدثين وقوله (وعقب الشيء طرفه وآخره) يعني وهو آخر فالطرف والآخر بمعنى واحد ومنه عقب الإنسان لولده ثم يفعل باليسرى مثل ذلك من الصب والعرك والتقليل والمبالغة في التوصيل وغيره ولم يذكر الشيخ أن منتهى الغسل إلى الكعبين كما في نص القرآن ولا تكلم عن دخولهما وخروجهما كما فعل في المرفقين اكتفاء بذلك لأن ما هنا هو الذي هناك تحديداً أو احتياطاً وغير ذلك تتبع قال اللخمي الكتفان كالمرفقين وفي التلقين على أقطعهما غسل ما بقي له منهما بخلاف المرفقين (ع) وفي كونهما الناشزتين في الساقين والنكائين عند معقد الشراك قولان لها ولعياض عن رواية ابن ناصر مع اللخمي من رواية ابن القاسم (خ) والمعروف عند الفقهاء وأهل اللغة الأول وأنكر الأصمعي الثاني. تنبيه: ظاهر كلام الذين يحكوم الخلاف في الكعبين كابن بشير وابن شاس وابن الجلاب أن الخلاف في ذلك خلاف في منتهى الغسل وأن في المذهب من يقول إن الغسل ينتهي إلى الكعب الذي في وجه الرجل عند معقد الشراك قال ابن فرحون وهذا لم يقل به أحد في المذهب ولا خارجه ونقل ابن الفرس أن الكعبين اللذين إليهما حد الوضوء الناتئيين في الساقين بالإجماع قال والزناتي أيضاً نقل اتفاق العلماء على أنهما اللذان في جانبي الساقين قال ابن فرحون فعلى هذا لا فائدة في ذكر القول الثاني لأنه على تقدير ثبوته خلاف راجع إلى لغة وكذا قاله الزناتي انتهى فتأمله فإنه حسن والله أعلم. (وليس تحديد غسل أعضائه ثلاثاً بأمر لا يجزئ دونه ولكنه أكثر ما يفعل). يعني بحيث أن الزيادة مكروهة أو ممنوعة والنقص منه بخس فضيلة فقط لأن الثانية والثالثة فضيلة وقيل كلاهما سنة وقيل الثانية سنة والثالثة فضيلة وعن أشهب الثانية فريضة ابن الحاجب وتكره الزيادة يعني على الثلاث (خ) ونحوه في المقدمات وقال عبد الوهاب واللخمي والمازري بل تمتنع ونقل سند عن المنع اتفاق المذهب (ع) والرابعة ممنوعة ابن بشير إجماعاً.

فرع: وهذا الخلاف مع التحقق في العدد وأما مع الشك فيه فهل يبنى على أقل العدد كالشك في الركعات أو على أكثره خوفاً من الوقوع في المحظور قولان نقلهما المازري عن الأشياخ (خ) في مختصره وإن شك في ثالثة في كراهتها قولان قال شكه في يوم عرفة هل هو العيد انتهى وفي قوله غسل إخراج للمسح لأن تكراره مكروه. (ومن كان يوعب بأقل من ذلك أجزأه). يعني وسواء اثنتين أو واحدة وسواء الرجلان أو غيرهما وهذا هو المشهور الشيخ ناصر الدين أجمعت الأمة أن الواحدة المسبغة فرض قال بعد ذكر الخلاف في الزيادة عليها في الرجلين والصحيح وجوب المرة الواحدة قال اللخمي وأجاز مالك في المدونة أن يتوضأ مرة إذا أسبغ وقال أيضاً لا أحب مرة إلا من العالم وقال في سماع أشهب الوضوء مرتين مرتين وثلاثا ثلاثا قيل له فالواحدة قال لا وقال في المختصر لا أحب أن ينقص من اثنتين إذا عمتا وقال ابن رشد الاقتصار على الواحدة مكروه قال واختلف في أوجه الكراهة فقيل لترك الفضيلة وقيل مخافة إن لا يعم بها قال وهو دليل على ما روي عن مالك لا أحب الواحدة إلا للعالم بالوضوء انتهى. وعليه يحوم كلام الشيخ حيث قال إذا أحكم ذلك فجعل الاقتصار دون الثلاث مشروطاً بالأحكام وليس الناس في أحكام ذلك سواء بل هم مختلفون فمنهم من لم يحكم إلا بالثلاث فتتعين عليه فينوي بها الفرض أو ما أسبغ منها ومنهم من لا يحكم إلا باثنين ومنهم من يحكم بالواحدة وهو الذي يصح له تجديد النية. فرع: ابن الحاجب ولو ترك لمعة فانغسلت بنية الفضيلة فقولان (خ) القولان هنا في مسألة يشبهان القولين في مسألة المجدد بتبيين حدثه (ع) الباجي في صحة وضوء مجدد بأن حدثه قولان أشهب وسحنون مع ابن عبد الحكم انتهى. وجزم (خ) في مختصره بعدم الإجزاء وذكروا لها سبع نظائر فانظرها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من

أيها شاء» يعني يوم القيامة وقيل في الحال ويدخل من أيها شاء في المآل وقيل المراد أبواب الخير الموصلة إلى الجنة من الصلاة وتوابعها والله أعلم. وهذا حديث خرجه مسلم ولم يقل فأحسن الوضوء وهذه الزيادة عند الترمذي ولم يقل ثم رفع طرفه إلى السماء وهذا عند الإمام أحمد بلفظ ثم رفع طرفه وهو المراد بالطرف هنا. والذي رواه بن الخطاب رضي الله عنه. وزاد الترمذي في رواية اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ويحتمل كون هذا الثواب أن يكون لمن قاله مرة واحدة وهو ظاهر الحديث ولمن واظب عليه وهو الذي يقتضيه الترغيب هذا مع أن التكرير مطلوب أبدا لعدم القطع بالقبول واحتمال دخول العلل النفسانية في بعض الأوقات على القصد أو الفعل والله أعلم. تنبيه: أفعال الوضوء ثمانية وفصول هذا الذكر ثمانية أبواب الجنة ثمانية وقد أنكر ابن العربي حصر أبواب الجنة الثمانية وقال في العارضة الذين يدعون من أبواب الجنة الثمانية أربعة. الأول: من أنفق زوجين في سبيل الله وهو متفق عليه. الثاني: من قال هذا الذكر وهو في صحيح مسلم. الثالث: من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق خرجه البخاري. الرابع: من مات يؤمن بالله واليوم الآخر وذكر حديثه عن عقبة بن عامر عن عمر - رضي الله عنهما – ثم قال نكتة الوضوء عبادة لم يشرع في أولها ذكر وفي أثنائها وإنما يلزم فيها القصد بها لوجه الله العظيم وهي النية وقد رويت أذكار تقال في أثنائها ولم تصح ولا شيء في الباب يعول عليه إلا حديث عمر المتقدم قال وقد روى أبو جعفر الأبهري عن مالك أنه استحب ذلك من تسمية الله تعالى عند الوضوء. وروى الواقدي أنه مخير قال والذي أراه تركها انتهى بنصبه وحروفه فانظره.

فائدة: ذكر النووي في حلية الأبرار تثليث هذا الذكر وذكر من رواية النسائي أن من قال إثر وضوئه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك طبه عليه بطابع العرش لا يفك إلى يوم القيامة وذكر حديث أبي موسى على الوجه الذي قدمناه عند غسل الوجه فانظر ذلك ثم قال أشهد معناه أقر وأعترف ومعنى لا إله إلا الله لا مستحق للكمال ولا متصف به غيره تعالى وقوله وحده تأكيد بعد تأكيد في نفي التعدد وإثبات التوحيد وقيل أراد وحدانية الذات ونفي الشريك في الأفعال والصفات. وذكر محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية لأنها أشرف النسبة وأبرأ من دعوى النصارى واليهود في نبيهم وكذلك الرسالة والله أعلم. (وقد استحب بعض العلماء أن يقول بإثر الوضوء اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين). يعني يقول ذلك بعد الذكر المتقدم لأنه كذا روي إلا أن رواية هذه الزيادة ضعيفة كما ذكره الترمذي وإن كان قد ضعف أصل الحديث فلا يصح تضعيفه لرواية مسلم قاله ابن العربي وغيره والتوابين جمع تواب وهو الكثير التوبة كالمتطهر لكثير التطهير وقد اختلف الناس في المراد به وذلك راجع لدخول كل توبة وتطهر فيهما حسياً كان أو معنوياً والله أعلم. (ويجب عليه أن يعمل عمل الوضوء احتساباً لله لما أمره به). يعني يجب عليه ذلك فلا بد من قصد التقرب إلى الله تعالى به دون شائبة لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] والإخلاص تقرير العبودية بالعبادة وسيأتي في باب جمل من الفرائض إن شاء الله والاحتساب بالشيء الاعتداد به عند الله وهو المراد بقوله (يرجو تقبله وثوابه وتطهيره من الذنوب به) يعني أنه يعمله خالصاً لوجهه تعالى راجياً منه قبوله بفضله وإثابته عليه حسب وعده الصادق على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وتطهيره من الذنوب به من ثوابه إذ قد ورد في صحيح الأخبار أنه يكفر السيئات قال علماؤنا يعني الصغائر قال ابن العربي وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة وإن أضاف إلى غسل كل عضو التوبة من الذنب

الواقع به غفرت كبائره بتوبته وصغائره بوضوئه. وفي قوله لما أمره به أن يجب أن يكون مقصوداً للامتثال وهو معنى النية فكان قصده هنا لذكرها وقيل بل ذكرها في باب الغسل حيث قال وينويه وقيل بل أشار لها بوقله ويجزئ فعله بغير نية وقد تقدم الكلام على بعض أحكامها ويأتي بعضها في الغسل إن شاء الله. وقوله: (ويشعر نفسه أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه والوقوف بين يديه لأداء فرائضه والخضوع له بالركوع والسجود) يعني أنه مع اعتقاد الإخلاص والتحقق بالرجاء والخوف بشعر نفسه جلال مولاه وعظمته وكبرياءه وأنه يقف بما يفعله بين يديه فيزداد تعظيماً وإجلالاً وحضوراً فيما هو به أو يتوجه له من الطهارة والصلاة وذلك لأن الحضور في الصلاة بقدر الحضور في الوضوء والحضور على قدر التعظيم وعلى قدر المعرفة والله أعلم. والإشعار الإعلام الخفي والتأهب الاستعداد والتنظف والتنقي من الأدناس والمناجاة المساررة وقد مر معناها في أول باب طهارة الماء وأنها على وجه يليق به تعالى من التتريه وعدم التشبيه والوقوف بين يديه القيام على بساط العبودية مشاهداً التعظيم والإجلال على ظاهر البدن كما هو في حقنا تعالى ربنا وتقدس. وأداء الفرائض العمل بها كما يجب والمراد هنا الصلوات والخضوع التذلل والخشوع والركوع والسجود معلومان لكن السجود أشرف أفعال الصلاة إذ قال عليه السلام «أقرب ما يكون العبد من ربه في السجود» وقال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]. وفي الصحيحين «إذا سجد ابن آدم اعتزل الشيطان يبكي» حتى قال بعض الصوفية لا يوجد خاطر شيطاني لهذا الحديث إنما يوجد نفساني أو ما في معناه ومن عرف الخواطر أدرك ذلك وبالله التوفيق. وقوله (يعمل على يقين بذلك وتحفظ فيه) يعني أنه إذا أشعر نفسه ما ذكر تمكن من قلبه الإجلال والتعظيم فينتج له العمل على مقتضاه من اليقين بما وعد وأمر ويكون ذلك سبب تحفظه فيما هو به من طهارة وما يتبعها والله أعلم.

وقد أشار في هذا الفصل لما يداخل هذه العبادة من مقام الإحسان الذي هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم لم تكن تراه فإنه يراك كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجري في الأعمال مجرى الأرواح في الأجسام وعليه تدور مقاصد الصوفية وهو المبدأ والمنتهى فإن تمام كل عمل من أعمال البر ظاهراً كان أو باطناً بحسن النية فيه لأن النية أساس الأعمال وأكسيرها وكمالها ومن كان له في كل شيء نية حصل له من كل شيء أمنية قال الإمام أبو حامد رحمه الله وإنما الشأن في النية فإنها معدن غرور الجهال ومزلة أقدام الرجال وقد ألف في أحكام النيات ووجوهها وما يتعلق بها الشيخ أبو عبد الله بن الحاج كتابا «سماه المدخل إلى علم النيات» وبناه على حديث الأعمال بالنيات فذكر فيه كثيراً مما أغفله الناس من مهمات الدين ونبه على عوائد ردية وبدع كثيرة فوجب على كل متدين مطالعته إن أمكنه. وبالله سبحانه التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل. خاتمة: لم يذكر الشيخ في هذا الباب حكم الوضوء ولا اشتقاقه وذكره في باب جمل من الفرائض وكذا ذكر حكم من ترك شيئاً من وضوئه في باب جامع الصلاة وهو أنسب والله أعلم.

باب في الغسل

باب في الغسل يقول هذا باب يذكر فيه صفة الغسل وبعض أحكامه وفي رواية أبي محمد صالح إسقاط وفي رواية غيره زيادة من الجنابة قال بعض الشيوخ والإطلاق أولى لعدم الاختصاص نصا وحكما وقدم الكلام في ضبطه وحقيقته في باب ما يجب منه الوضوء والغسل فلينظر هنالك. (أما الطهر فهو من الجنابة ومن الحيضة والنفاس سواء). يعني في الصفة والحكم لأن الكل واجب بإجماع وصفة الغسل فيه كما معه دون نقص ولا زيادة وقدم أن الغسل والطهر بمعنى واحد وهو تعميم الجسد بالماء اتفاقا ومع الدلك على المشهور والجنابة عبارة عن الإنزال ومغيب الحشفة ومأخذها من التجنب فانظره وقد مر الكلام في موجبات الغسل وأسبابه ولم يذكر الشيخ فرائضه ولا سننه ولا فضائله هنا ومحلها جمل من الفرائض إن شاء الله. (فإن اقتصر المتطهر على الغسل دون الوضوء أجزأه). يعني إذا أتى بالغسل دون صورة الوضوء أولاً ولا آخراً فلا شيء عليه وأن له أن يصلي بذلك الغسل وإن لم يتوضأ لقول عائشة رضي الله عنها إن الوضوء أعم من الغسل ابن الحاجب ويجزئ الغسل عن الوضوء (خ) وإن تبين عدم جنابة وغسل الوضوء عن غسل محله ولو ناسياً لجنابته كلمعة منها وإن عن جبيرة انتهى من مختصره لأنه أوعب من كلام ابن الحاجب وإنما قال غسل الوضوء لأن المسح لا يجزئ عن الغسل والله أعلم. وقوله (وأفضل له أن يتوضأ) أي يأتي بصورة الوضوء في غسله أولاً ينوي به رفع الجنابة عن أعضائه وإنما قدمت لشرفها فلو نوى الفضيلة أعاد غسلها ولو نوى الوضوء للصلاة لأجزأه وقيل لأنه غير ما وجب عليه ولو شرك النية لجرى فيه النظر كذلك فانظره وظاهر قوله وضوء الصلاة أنه يمسح رأسه وأذنيه ويقدم رجليه ويثلث مغسوله ويمضمض ويستنشق فأما المضمضة والاستنشاق فسنة كالوضوء ومثلها باطن الأذنين يعني الصماخ وكذا غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء وأما تكرار المغسول فقول خليل عياض عن بعض شيوخه ولا فضيلة في تكراره لأنه من الغسل انتهى.

أما مسح الرأس فإن قدم غسل رجليه فعله ابن الحاجب وعلى تأخيرهما ففي ترك المسح روايتان (خ) ووجه الترك أنه لا فائدة للمسح لأنه يغسله حينئذ ووجه مقابله أن الأفضل تقديم أعضاء الوضوء وخرجت الرجلان بدليل فيبقى ما عداهما على الأصل انتهى. ولم أقف على شيء في مسح الأذنين إلا أنهما تبع الرأس والله أعلم. وقوله: (بعد أن يبدأ بغسل ما بفرجه من الأذى) يعين فيبدأ بغسل يديه قبل إدخالهما في الإناء ثم يزيل ما تعلق به من الأذى في أي محل كان لتكون طهارته على بدن طاهر ابن الحاجب ثم يغسل ذكره (خ) مقتضى كلامه أنه لو غسل غسلة واحدة ينوي بها رفع الحدث وأزالت مع ذلك النجاسة أجزأه ونحوه للخمي وابن عبد السلام وغيرهما خلاف ما يعطيه كلام ابن الحاجب حتى لا ينكر مخالفته إذ لا بد من انفصال الماء عن العضو مطلقاً انتهى. ونظر فيه بعض المتأخرين ومراده بالأذى النجاسة ففي كلامه إشارة لنجاسة المني ابن الحاجب والمذهب أن المني نجس فقيل لأصله وقيل لمجراه وعليهما مني المباح وقال صاحب الإرشاد في الآدمي المشهور نجاسة منيه وتكلم عليه ابن فرحون في شرح ابن الحاجب بما مقتضاه فانظره. وقوله: (ثم يتوضأ وضوء الصلاة) يعني يفتتح بعد الإزالة الوضوء المذكور فوقه وهذا كما قال في الوضوء فإن كان قد بال أو تغوط غسل ذلك منه ثم يتوضأ وينوي الطهارة عند أول واجبة كالوضوء إلا أنها في الوضوء مختلف فيها نصاً وهنا المنصوص وجوبها ومقابلها مخرج وقد تقدم. فرع: وفي صحة نية الجنابة إن كانت قولا عيسى وسماعه عن ابن القاسم وقوله: (فإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخرهما إلى آخر غسله) يعني هو مخير في ذلك لتعارض الحديثين حديث عائشة إذ فيه تقديمهما وحديث ميمونة إذ فيه تأخيرهما ابن الحاجب وفي تأخير غسل الردلين ثالثها يؤخر إن كان موضعه وسخا انتهى والتخيير الذي هنا رابع والله أعلم (خ) ابن الفاكهاني شرح العمدة والمشهور التقديم وأما القول الثالث فمنهم من يعده ثالثاً كما قال المؤلف ومنهم من يقوله جمعاً بين الحديثين ثم يغمس يديه

في الإناء أثر وضوئه وام قدم من أعضائه ويفرغ عليهما الماء ويرفعهما من الإناء أو غيره كما غمسهما فيه غير قابض بهما شيئاً من الماء أي غير مغترف له بحيث لا يكون فيهما إلا ما علق بهما فيخلل بها أصول شعر رأسه ليأنس ببرد الماء فلا يتضرر ويقف الشعر فيدخل الماء عند الغسل لأصوله وسواء كان عليه وفر منه أم لا. وظاهر كلامه أنه يخلل جميع الشعر إلا على رواية شعر رأسه وحمل هذا عليه قال الشيخ أبو عمران الجورابي ويبدأ في ذلك مؤخر الجمجمة لأنه يمنع الزكاة والنزلة وهو صحيح مجرب ثم يغرف على رأسه ثلاث غرفات إثر تخليله والتثليث مستحب. ابن حبيب لا أحب أن ينقص عن الثلاث ولو عم بواحدة زاد الثانية والثالثة إذ كذلك فعل عليه السلام ولو اجتزأ بالواحدة أجزأته وإن لم تكف الثلاث زاد إلى الكفاية والله أعلم. عياض يفرق الثلاث على الرأس لكل جانب واحدة والثالثة للوسط وقيل الكل للكل وكل جائز وقوله (غاسلا بهن) يعني أن الثلاث يكون فيها غاسلاً لرأسه بيديه بحيث يتبع الماء بهما دلكاً ويبالغ بقوله عليه السلام «إن تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر واتقوا البشرة» وتفعل ذلك المرأة فتزيل الأذى ثم تتوضأ ثم تخلل ثم تغرف على رأسها ثلاثاً قاله أبو عمران الجورابي قال عبد الوهاب الإشارة بذلك للغرفات والأول واضح وأعم، وتضغث رأسها أي تجمع شعرها وتحكه حتى يختلط ويداخله الماء وأصل الضغث الخلط والجمع عياض وأصله من الضغث وهو الأخلاط من الحشيش وليس عليها حل عقاصه أي عقاص الشعر وفي رواية عقاصها أي عقاص المرأة والكل واحد الخليل العقص هو أن يلوي الخصلة من الشعر ثم يعقدها حتى لا يبقى فيها إلا التواء والجمع العقاص والعقائص والربط كالفضر في ذلك. فرع: ينقض ضفره إذا كثرت خيوطه حتى تمنع من وصول الماء إليه ونظر بعضهم في غسل رأس العروس لتعارض واجب الغسل بإضاعة المال وقد يكون فيها وجه لتضييع الصلاة أو فعلها على غير وجه صحيح فانظر ذلك وقد تقدم ما في عقاص الرجل في الوضوء والله أعلم. ثم يفيض الماء على شقه الأيمن ثم على شقه الأيسر لاستحباب تقديم الميامن على المياسر ويقدم أعاليها ويختم بصدره وبطنه قاله الإمام أبو حامد الغزالي

ونقله عنه ابن ناجي وغيره وهذا كله استخباباً. وقوله (ويتدلك بيديه بإثر صب الماء) يعني على المشهور ابن الحاجب ولو تدلك عقب الانغماس أو الصب أجزأه على الأصح (خ) الصحيح كما قال المصنف لأن في اشتراط المعين حرجا وقد نفاه الله سبحانه وهو قول أبي محمد ومقابله لابن القابسي انتهى. وقد اختلف في الدلك والمشهور وجوبه لذاته وقال أبو الفرج لتوصيل الماء وقال ابن عبد الحكم لا يجب وحكمه في الوضوء والغسل واحد. قوله (حتى يعم جميع جسده) يعني بالماء والدلك على وجه يتحقق ذلك إذ لا تبرأ ذمته إلا بيقين ويدخل في ذلك أشراف أذنيه لا صماخيه لأن الأشراف من الظاهر والصماخ باطن لكنه سنة ابن الحاجب ولا تجب المضمضة ولا الاستنشاق ولا باطن الأذنين كالوضوء ويجب ظاهرهما والباطن هنا الصماخ (خ) يعني أن مسحه سنة انتهى. وليحذر أن يصب الماء في أذنيه لأن ذلك يورث الصمم بل يجعله في كفه ثم يكفي أذنه على كفه ويتبع ذلك بيده دلكاً وما شك أن يكون الماء أخذه من جسده أو لم يأخذه لغيبته أو عسره ونحو ذلك عاود بالماء ودلكه حتى يتحقق عمومه بالماء والدلك لكن كلامه يقتضي بأوله أن الشك في الدلك لا يوجب ذلك وآخره يقتضي أن الدلك واجب لا لذاته بل لإيصال الماء وهما خلاف المشهور إذ المشهور أن الماء لا يكفي وحده في شيء من المسغول حيث الإمكان والقرب فإن بعد استأنف الطهارة وإن صلى أعاد أبدا وإن كان مما لا يصل لدلكه بوجه سقط وليكثر من صب الماء في محله كذا نص عليه غير واحد. وقال ابن بشير لا خلاف في ذلك وقوله (بيده) يعني أو ما يقوم مقامها في ملح التعذر وفي الاستنابة ونحوها خلاف (ع) وما عجز عنه ساقط في وجوب ما أمكنه أو خرقه ثالثها إن كثر للباجي عن سحنون وابن حبيب وابن القصار انتهى. وليحذر في ذلك من أمور أحدها التدلك بالحيطان لأن ذلك يضر بأهلها وربما كانت بها نجاسة أو بعض المؤذيات إلا ما يكون معه لذلك وحائط الحمام خصوصاً قالوا يورث البرص وتمكين الدالك مما تحت الإزار وتمكين من لا ترضى حاله من دلك بدنه لا سيما إن كان ناعماً ويتقي الوسوسة جهده ويستعين عليها بالنظر لاختلاف

العلماء إن كان مبتلى بها كذلك كان يقول لنا شيخنا أبو عبد الله القوري مراراً رحمة الله عليه. وقوله (حتى يوعب جميع جسده) يعني بحيث يتحقق ذلك فلا يكفي غلبة الظن لأن الذمة عامرة فلا تبرأ إلا بيقين وهذا ما لم يكن مستنكحا فيكفيه ما غلب على ظنه والله أعلم. (ويتابع عمق سرته). يعني داخلها وما غار منها ويقال بالمهملة وقد يقال بالمعجمة وفرق بعضهم فقال الإهمال لما قارب الاستواء والإعجام لما كان غائراً وإنما يتابع ذلك بالماء والدلك لأنه محكوم له بحكم الظاهر مع غوره واجتماع الفضلات فيه نبو الماء عنه لا سيما إن كثرت تكاميشه وارتفعت دائرته لسمن ونحوه ثم إن شق جداً أو لم يوصل إليه بوجه سقط. وتحت حلقه أي ما يستره الذقن والأحناك واتصل بالعنق إلى الصدر يتتبعه لأنه غائب عن العين لا لأنه غائر فأمره أخف من ستره إلا أن يكون عليه شعر فيتعين تخليله أو فيه مغابن فيجب إيصال الماء إليها ويخلل شعر لحيته وجوباً على المشهور وقيل لا (ع). وسمع ابن القاسم سقوط تخليل اللحية وأشهب وجوبه انتهى. ابن الحاجب والأشهر وجوب تخليل اللحية والرأس وغيرهما ابن فرحون مراده بغيرهما شعر الحاجبين والهدب والشارب والإبط والعانة إن كان فيها شعر (خ) وما ذكره من الأشهر في اللحية والرأس تبع فيه ابن بشير والذي في العتبية ونقله الباجي وغيره من الخلاف إنما هو اللحية وأما الرأس فلم ينص أصحابنا فيه إلا على الوجه وقد حكى القاضي عياض أنه مجمع عليه انتهى ابن هارون نعم خرج عبد الوزهاب الخلاف في الرأس من اللحية (خ) ومقابل الأشهر نفي الوجوب وهو عليه انتهى ابن هارون. نعم خرج عبد الوهاب الخلاف في الرأس من اللحية (خ) ومقابل الأشهر نفي الوجوب وهو أعم من الندب والسقوط. والذي حكى الباجي السقوط وحكى ابن شاس وعياض الندب قال وانظر كيف جعل الأشهر رواية أشهب إلا أن يكون الأشهر ما قوي دليله انتهى وقد اكتفى الشيخ عن الرأس بما تقدم له في أول الباب. وقوله (وتحت جناحيه) أي إبطيه لأنه كالسرة في الخفاء واجتماع الفضلات

وقد يجب تخليله إن كان ثم شعره وهو يعيد وإن كان واجباً وبين أليتيه مجتمع الوركين تحت عجب الذنب أو محله وفي الغريب الآلية هي المجتمعة فوق العاجزة ورفغيه بضم الراء بعدها فاء تليها معجمة تثنية رفغ وهو أصل الفخذين من داخله قاله الأصمعي وهو المراق أيضاً وقيل كل مغابن الجسد رفع وقيل الرفغ ما بين السبيلين وتتبع كل ذلك لازم لخفائه واجتماع الأسواخ فيه وتحت ركبتيه أي محل طيهما من أسفل يتتبعه لأنه غائب عنه. وأسافل رجليه أي مسطح القدمين من أسفلهما وهو مباشر الأرض منهما ويخلل أصابع يديه في وضوئه إن قدمه وإلا ففي أثناء غسله وجوباً على المشهور وقيل ندبا كما في الوضوء ويغسل رجليه آخر ذلك كما يفعل في الوضوء فيعرك عقبيه وعرقوبيه وما لا يكاد يداخله الماء بسرعة من جساوة أو شقوق وفي تخليل أصابعهما ما في الوضوء. وقد تقدم أن المشهور الندب. وقوله (يجمع ذلك فيهما لتمام غسله ولتمام وضوئه إن كان آخر غسلهما) يعني أنه لا يغسلهما آخرا إلا إن كان أخر غسلهما وقد يستروح من هنا اختيار الشيخ وهو بعيد لتمام غسله الواجب ولتمام وضوئه المندوب تقديمه في غسله نبه لذلك على أن هذا الفصل لا يخل بالموالاة في الوضوء المندوب لأنه مأذون فيه شرعاً والعبادة لا تقطع العبادة لا سيما وأمد الغسل قريب جدا إن عمل على مقتضى السنة بل هما عبادة واحدة اندرج مندوبها في واجبها حكما كما وجب إدراجه نية نعم قال بعض الشيوخ لا يؤخر رجليه في غسل الجمعة لأن الوضوء واجب والغسل تابع مندوب فيكون فاصلا وفيه بحث فتأمله وبالله التوفيق. (ويحذر أن يمس ذكره في تدليكه بباطن كفيه). يعني لئلا ينقض وضوءه بمسه فيحتاج لتجديده متى أراد الصلاة بغسله والباطن شرط وهل مراده به الراحة فقط فيجري على قول أشهب لا نقض إلا بمسه بالراحة ويقيد به ما تقدم من الإطلاق أو لا يقيد ويكون في الرسالة قولان أو مراده به مجموع الكف والأصابع وما يلي ذلك من الدوائر وما بين الأصابع فيجري على المشهور يحتمل الوجهين ويؤيد الأخير بقوله وتباشر بكفيها الأرض فيما تقدم ويكفيك فيما يأتي أنه أطلق الكف هنا على جملة الراحة والأصابع والله الموفق وقوله في ذكر اتقاء المرأة

الفرج اعتبار بأن المشهور عدم النقض بمسها أو اكتفاء بما تقدم في شأنها لدلالة الذكر عليه وفي قوله يحذر أنه لا يعذر بالنسيان في مسه لأنه لو كان معفوا لما احتاج إلى الحذر وفي إطلاقه اعتبار كله فلا فرق بين كمرة وغيرها وفيه أيضاً أن اللذة ليست بشرط في النقض به وقد مر ما في ذلك من الخلاف كله. وقوله: (فإن فعل ذلك وقد أوعب طهره أعاد الوضوء) يعين إن أراد الصلاة بغسله ذلك وإلا فلا يلزم إعادته حتى يريد الصلاة كسائر الأحداث ولا فرق في ذلك بين ما كان مع الغسل أو مجرداً وإن مسه في ابتداء غسله وبعد أن غسل مواضع الوضوء منه فليمر بعد ذلك على مواضع الوضوء بالماء على ما ينبغي أي يصح في ذلك من إجزاء الماء واتباعه بالدلك ويراعي جميع الواجبات من التخليل والموالاة وغيرهما وينويه أي ينوي الوضوءؤ بفعله هذا ليصح وضوؤوه فإن لم ينوه لم يجزه عند الشيخ خلافاً لأبي الحسن القابسي وقد اختلف في معنى الخلاف بينهما فقيل مبناه على طهارة كل عضو بانفراده أو لا يطهر إلا بالجميع فإن قلنا يطهر كل بانفراده لزم تجديدها لأن طهارته قد ذهبت بالحدث فوجب تحديد النية لها عند تجديد الغسل فإن قلنا لم يطهر إلا بالكمال لم يلزم تجديدها لبقائها ضمنا في نية الطهارة الكبرى وقيل مبنى الخلاف على أن الدوام كالابتداء أولا واختاره ابن الحاجب إذ قال وأما خلاف القابسي وابن أبي زيد فيمن أحدث قبل تمام غسله ثم غسل ما مر من أعضاء وضوئه ولم يجدد نية فالمختار بناؤه على أن الدوام كالابتداء أولاً وظاهرها للقابسي (خ) يعني ظاهر المدونة لأنه إنما ذكر فيه إمرار اليد على مواضع الوضوء من غير تعرض للنية فلو كان من شرط صحة الوضوء تجديد النية لذكره فانظر ذلك فإنه ضعفه وضعف في البيان قول الشيخ والله أعلم. تحصيل: قال المغربي رحمه الله إن مسه بعد الفراغ لزمه نية الوضوء بلا خلاف وإن مسه قبل فعل شيء من أعضاء الوضوء فلا تلزمه النية بلا خلاف وإنما الخلاف إذا مسه بعد الفراغ من الوضوء أو من بعض أعضاء الوضوء وقبل تمام الغسل فقال أبو محمد ينويه وقال القابسي لا ينويه وبحسبه فالصور أربعة اختلف في اثنين واتفق على اثنين والله أعلم.

فروع ثلاثة: أحدها: للجنب أن يجامع ويأكل ويشرب ويتصرف واستحبوا له غسل فرجه قبل إعادة الجماع وفي الحديث فإنه أنشط للعود. الثاني: جاء فيه الأمر بوضوئه إذا أراد أن ينام ووضوء الجنب لنومه مستحب وسمع ابن القاسم ولو نهاراً وأوجبه ابن حبيب ورواه اللخمي. الثالث: قال وفي كونه ليبيت بطهر أو لينشط لغسله قولان ابن الجهم مع ابن حبيب يتيمم إن فقد الماء ورواية (خ) الباجي ولا يبطل هذا الوضوء بول ولا غيره غير الجماع. وقال المشهور في الحائض عدم الأمر بناء على التعليل بالنشاط فانظر ذلك وبالله التوفيق.

باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم باب في ذكر حكم من لم يجد الماء للوضوء للغسل ماذا يصنع ومراده بالوجود التمكن منه إذ لا يجب مع عدم التمكن للصوص أو سباع أو غيرهما والمقدور على استعماله إذ لا يجوز غسل البعض والتيمم يجب مع عدم القدرة والماء المعتبر شركاً وهو الكافي لكل الطهارة لا لبعضها أن لا يجوز غسل البعض والتيمم لغيره والسالم الأوصاف لأم المتغير معدوم شرعاً وإن لم يكن معدوما حسا والله أعلم. وقوله (وصفة التيمم) يعني في ذكر كيفية التيمم ولم يترجم لحكم التيمم اكتفاء بحكم من لم يجد الماء واصل التيمم لغة من أم يؤم إذا قصد يقال يممت فلانا وأممته وتيممته إذا قصدته وحقيقته الشرعية طهارة ترابية تستعمل عند الماء أو عدم القدرة على استعماله نياية عن الوضوء أو الغسل. وقد ذكر الشيخ حكمه وشرطه ووقته وما يفعل به وكيفية فعله وأشار لموانعه ثم أحال على جامع الصلاة ببعض مسائلة فتأمل ذلك وله ثلاثة أسماء تيمم طهر وضوء والله أعلم. (التيمم يجب لعدم الماء في السفر). يعني أن حكم العادم للماء في السفر وجوب التيمم ومراده الماء الجائز الاستعمال في الطهارة إذ المعدوم شرعاً كالمعدوم حسا ويريد أيضاً الماء الكافي لطهارته كانت غسلا أو وضوءاً إذ لا يجوز له استعمال الماء في البعض والتيمم في البعض ولا أن ينتقل للطهارة الصغرى إذا لم يجد ما يكفيه للكبرى خلافاً لابن محمد صالح من أهل المذهب في جماعة من المحدثين وغيرهم ولا خلاف في تيمم المسافر عنه عدم الماء يائساً منه إذا كان سفر قصر مباحا واختلف في كونه شرطا فلا يباح للحاضر الصحيح. تنبيهات: أولها ظاهر كلامه أن السفر كيف كان مبيح وحكى فيه ابن الحاجب قولين فقال في تجديد سفره كالقصر قولان (خ) الأول نقهل ابن حبيب والثاني في الإشراف. الثاني: الفرعان المذكوران مرتبان على القول بعدم إباحته لغير المسافر والذي ذكر، لا يقتضي نفي ذلك ولا إثباته والمشهور جوازه للحاضر الصحيح يخشى فوات الوقت ابن

الحاجب ولا يعيد وقال ابن حبيب رجع عنه إلى وجوب الإعادة (ع) وفي الحاضر القادر يخاف فوات الوقت إن ذهب إليه روايتها وابن مسلمة مع سماع ابن القاسم الباجي وعلى التيمم المشهور لا يعيد ابن حبيب وابن عبد الحكم أبدا ابن زرقون ورواه المختصر وروى اللخمي في الوقت. فرع: وعليه لو كانت جمعة قول بعض البغداديين مع المازري عن ابن القصار وأشهب وعزي لابن القصار الصقيل المنع انتهى والقول بمنع الحاضر الصحيح عزاه ابن رشد لمالك في الموازية وقوله (إذا يئس أن يجده في الوقت) يعني المختار فلا يؤخر عنه عند يأسه ابن الحاجب وفيها التأخير بعد الغروب إن طمع في إدراك الماء قبل مغيب الشفق (خ) إنما ذكر هذه المسألة لأن ظاهرها كالنقض لما تقدم من حيث أن التأخير فيما تقدم إنما يكون إلى آخر الوقت ولاحظ للضروري في ذلك ووقت المغرب مقدر بالفراغ منها يعد تحصيل شروطها وما بعد ذلك ضروري فتأخير الصلاة إليه لأجل إدراك الماء يوجب أن تؤخر الظهر والعصر مثلها إلى الضروري قال وهذه المسألة إنما ذكرها في الكتاب بناء والله أعلم على القول الثاني بامتداد وقت المغرب انتهى فانظر ذلك. تنبيهات: أولها: في قوله إذا يئس أن حكم التراخي والمتردد والمتيقن ونحوهم بخلاف ذلك وسيأتي، الثاني: أن اليأس يكون بعد الطلب حيث يرجى أو يتوهم أو يشك فيه (ع) وطلب الماء إن تحقق وفقد ساقط وقال ابن رشد كلام ابن الحاجب يريد بالتحقق الظن

وأما القطع بالعدم فلا يتصور وروده (خ) قائلاً الأولى أن يبقى التحقق على بابه فانظره، الثالث: قوله في الوقت يؤذن بأن هذا حكم الفرض لا النفل من غير أن يذكر نفي ذلك من النفل والمشهور العموم للمسافر دون الحاضر الصحيح ابن الحاجب ولا يتيمم الحاضر للسنن على المشهور (خ) مقابل المشهور لسحنون (ع) ويقيم المسافر ولو نفلا أو مس مصحفاً ومنعه ابن مسلمة لغير الفرض والمازري واللخمي والمريض مثله. فروع: قال (ع) وفيها لابن القاسم يتيمم المرض والمسافر للخسوفين ولمالك لا يتمم محدث في صلاة عيد والجنازة غير متعينة كالعيد والمتعينة قال القاضي: كفرض وتردد ابن القصار لرواية الصلاة على قبر من فاتته انتهى. وأنكر خ وس وابن فرحون تفرقة ابن الحاجب وقالوا تبع فيها ابن بشير قالوا ولم يفرق في المدونة وفيها لا يصلي على جنازة بتيمم إلا مسافر عدم الماء فانظر ذلك. (وقد يجب مع وجوده). يعني وقد يجب التيمم مع وجود الماء لتعذر استعماله وأمره ينزل منزلة عدمه

وذلك إذا لم يقدر على مسه في سفر أو حضر لمرض مانع من استعماله بخوف تلف أو زيادة مرض أو تأخر برء أو تجدد مرض باتفاق في الأول وعلى المشهور فيما بعده وعبر عنه ابن الحاجب بالأصح وقوله: (أو مريض يقدر على مسه ولا يجد من يناوله إياه) يعني فإنه يتيمم في الجميع؛ لأن عدم القدرة على استعماله كعدمه، وكذلك عدم من يناوله وآلة توصل إليه فإن ذلك كله يتنزل منزلة عدمه فيكون جائزاً للمريض والمسافر باتفاق ابن الحاجب. الثاني: ما يتنزل منزلة عدم كعدم الآلة فإن وجدها ولكن يذهب الوقت لها أو لاستعماله يتيمم على المشهور (خ) هذا هو مقتضى المذهب وهو مذهب ابن القصار وعبد الوهاب وغيرهم من العراقيين وهو اختيار التونسي وابن يونس قال (ع) ولا أعلم من شهره ابن فرحون ما ذكره لا يختلف في استعمال المءا لمن هو بين يديه قال وهذا ليس بصحيح ثم ذكر مذهب العراقيين من نقل تقي الدين. ثم قال بعضهم وهو الصواب والله أعلم. فرع: إذا عمت الشجاج والجراح جسده وهو جنب أو أعضاء وضوئه وهو محدث

يتيمم وكذلك إذا لم يبق الأيد أو رجل ابن الحاجب فلو غسل ما صح ومسح على الجبائر لم يجزه كصحيح وجد ماء لا يكفيه فغسل ومسح الباقي انتهى. والتنبيه الذي ذكر لأبي بكر بن عبد الرحمن (ع) ورد لابن محرز بأن مسح الجريح مشروع قال وفتوى ابن رشد يتيمم من خشي على نفسه من غسل رأسه يعيد والأظهر مسحه، وقوله وكذلك مسافر يقرب منه الماء ويمنه منه خوف لصوص أو سباع يعني أنه يتيمم وسواء خاف على نفسه أو على ماله على المشهور ابن الحاجب وكالخوف على نفسه الخوف على ماله على الأصح (خ) الأصح راجع إلى المال فقط لعدم الخلاف في النفس وقال ابن عبد السلام وابن هارون وابن بشير والقول بأنه لا يتيمم إذا خاف على ماله يعيد وأحسن ما يحمل عليه إذا لم يتيقن ولا غلب على ظنه انتهى ومقابل الأصح لابن عبد الحكم. تنبيه: قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد هنا بحث ينبغي أن يتأمل وهو أن المؤلف على الحكم بالخوف فهل يجري على ظاهره من اعتبار مجرد الخوف أو لا يعتبر إلا خوف ينشأ عن سبب أما إذا كان عن جبن وخور لا عن سبب يخاف من مثله فلا اعتبار انتهى. تنبيه: ليس هذا الحكم مقصور على خوف اللصوص والسباع بل هو عام في كل خوف يؤدي لما ذكر من برد وعطش أو غيره (ع) وخوفه على نفسه بطلبه واستعماله أو خوف عطش آدمي كعدمه المازري الظن كالعلم انتهى. يعني ولا يصح التيمم في أوله ولا في وسطه والمراد وقت الاختيار فانظر. (وإذا أيقن المسافر بوجود الماء في الوقت أخر إلى آخره).

يعني ولا يصح التيمم في أوله ولا في وسطه والمراد وقت الاختبار ثم السفر ليس بشرط بل كل ما يباح التيمم لفقد الماء أو لفقد مناوله وعدم القدرة على استعماله إذا أيقن بوجود الماء أخر لآخر المختار. وإنما ذكر الشيخ المسافر جريا على ما سبق له من ذكر المسافر في التيمم لعدم الماء وهل ذلك لأن المسافر هو المتفق عليه دون غيره أو لأنه الغالب في الاحتياج إلى التيمم وفقد الماء أو بناء على أن الحاضر الصحيح لا يتمم؟ وهو خلاف المشهور

احتمالات ثلاث وليس اليقين بشرط بل غلبة الظن كذلك تنزل منزلة اليقين في كثير من الأحكام والله أعلم. وإن يئس منه تيمم في أوله وكذلك إن غلب على ظنه عدم وجوده وذلك بعد طلبه حيث يتوهمه أو يشك فيه أو يغلب على ظنه وجوده أو القدرة عليه والطلب ثلاثة أنواع طلب استكشاف وطلب استيهاب وطلب شراء فأما طلب الاستكشاف فيتعين عليه منه ما يشق بمثله، قال مالك: ومن الناس من يشق عليه نصف الميل في البيان، وأما الميلان فكثير ليس عليه في سفر ولا حضر أن يعدل عن طريقه ميلين أو ثلاثة للمشقة، وقال سحنون في نوازله: وأما الاستيهاب فيتعين عليه في الرفقة القليلة وقوله: (من الكثيرة) ابن الحاجب وفي طلبه مما يليه الرفقة. ثالثها: إن كانوا نحو الثلاث طلب وإلا أعاد أبدا وقال الشيخ تقي الدين مراده بالطلب طلب الاستيهاب لا طلب الاستكشاف هل معهم شيء أو لا وهذا الذي وقعت به النصوص. والظاهر وجوب الطلب إذا رجاه عندهم أو رجا إعطاءهم إياه وسقوطه إذا لم يرج القسمين أو أحدهما وقد يستحب انتهى، وظاهره أن الطلب أعم مما قاله تقي الدين والله أعلم. وقد بحث ابن فرحون وغيره في حكاية الخلاف فيمن يليه من الرفقة بأن الخلاف الذي ساقه إنما هو مذكور في نفس الرفقة أو بأنه لا يطلب الجميع واستبعد وجود القول بطلب الجميع واستشكل شيوخ كلهم كلام ابن الحاجب هنا فانظره. (خ) في مختصره وطلبه طلبا لا يشق بمثله كرفقة قليلة أو ممن حوله من كثيرة إن جهل بخلهم به انتهى وأما البيع فيلزمه شراؤه إلا أن يباع بثمن مجحف أو يكون محتاجاً لثمنه في نفقة سفره فلا يلزمه. فرع: ابن الحاجب فإن وهب له لزمه قبوله على المشهور (خ) (ع) خلافا لابن العربي ثم قال بخلاف ثمنه (خ) لضعف المنة فيه بخلاف الثمن والله أعلم، وقوله (وإن لم يكن عنده منه علم يتيمم في وسطه) يعني أنه إن كان جاهلاً بوجود الماء وعدمه أخر

الصلاة إلى وسط الوقت ثم تيمم وصلى وكذلك إن خاف أن لا يدرك الماء في الوقت ورجا أن يدركه فيه فيتيمم في وسط الوقت لأنه متردد في لحوقه كتردد الذي قبله في وجوده (خ) ولا فرق في التردد بين إدراك الماء ووجوده (ع) والشاك في وسطه ابن رشد وهو وآخر أوله انتهى. وما ذكره هو المشهور في الجميع قال ابن الحاجب: وروى آخره في الجميع وقيل وسطه لا الراجي فيؤخر وقيل آخره إلا الآيس فيقدم. فرعان: أحدهما: قال ابن الحاجب فإن قدم ذو التأخير فوجد الماء في الوقت أعاد أبدا وقيل في الوقت وتحتملهما وقيل إن لم يجد الماء في الوقت فكذلك (خ) ذو التأخير هو الراجي ويدخل في كلامه المتيقن للماء لأنه ذو التأخير وحكى ابن شاس فيهما ثلاثة الوقت لابن القاسم وأبدا لغيره. وثالثها لابن حبيب الراجي في الوقت والمتيقن أبداً. وقال ابن عطاء الله منشأ الخلاف هل التأخير من باب الأوجب واستظهر. س أنه من باب الأولى قال المسألة مقيدة بما إذا وجد الماء المرجو وأما إذا وجد غيره فلا إعادة والله أعلم انتهى ملفقا من مواضع. الثاني: إن قدم ذو التوسط لم يعد بعد الوقت باتفاق وكذلك قال ابن الحاجب واعترض (خ) من جهة النقل رده ابن فرحون بأن النقل كما ذكر في مختصر الواضحة وأن المتردد في وجود الماء أو لحوقه واحد إن جهلا فتيمما في أول الوقت وصليا ثم وجد الماء في الوقت فليعيدا فإن جهلا أن يعيد في الوقت فلا شيء عليهمتا وعزى نقله لتقي الدين (خ) وما حكاه المصنف من الاتفاق (خ) حكاه المازري والله أعلم. (ولا يعيد غير هؤلاء). يعني ممن ذكر من المتيممين على المشهور وبقي حكم من طرأ عليه الماء وهو في الصلاة وأقبل الشروع والوقت متسع ترك التيمم واستعمله اتفاقا وإن ضاق الوقت عن استعماله والصلاة فقال القاضي لا يبطل تيممه وخرجه اللخمي على من وجد الماء وخاف باستعماله خروج الوقت فعلى المشهور أنه يتيمم فهذا أحرى لحصول التيمم بموجبه قاله المازري وعلى الآخر استعماله وإن خرج الوقت والله أعلم.

وإن طرأ عليه بعد الشروع فالمشهور يتمادى على صلاته وفي الطراز عن بعض الأصحاب يبطل تيممه ويقع ونقله أبو عمر في كافيه معللا بالقياس على المعتدة بالمشهور وترى الدم أثناء عدتها قال ومال إليه سحنون وهو صحيح نظراً واحتياطاً ورده (ع) فانظره وكذا رد قياسها اللخمي بالعريان يجد ثوباً ومن ذكر صلاة ومن شرع نية القصر فعرضت له الإقامة وبقدوم وال على وال في الجمعة فانظر ذلك. (ولا يصلي صلاتين بتيمم واحد من هؤلاء إلا مريض لا يقدر على مس الماء لضرر بجسمه مقيم). يعني بحيث لا يرجو انتقالا في الحال وهو قول ابن شعبان والمشهور خلافه وهو قوله وقد قيل بتيمم لكل صلاة يعني فإن صلاهما كذلك أعاد الثانية أبدا عند ابن القاسم في سماع أبي زيد ومثله لمطرف ابن الماجشون وعنه من رواية يحيى إنما يعيد في الوقت وثالثها إن كانتا مشتركتين أعاد الثانية في الوقت وإلا أبدا وقيل غير ذلك. (وقد روى عن مالك فيمن ذكر صلوات أن يصليها بتيمم واحد). رواه أبو الفرج البغدادي. (والتيمم بالصعيد وهو ما ظخر على وجه الأرض منها من تراب أو رمل أو حجارة أو سبخة). يعني هذا ما يتيمم به على مذهب مالك والمشهور من مذهبه (ع) وفيها أيتيمم على الجبل والحصباء وخفيف الطين فاقد التراب قال: نعم ولابن الحاجب وفيها قال يحيى بن سعيد ما حال بينك وبين التراب فهو منها (خ) يريد من جنسها من حجر أو رمل أو ملح أو نبات فقوله قال يحيى استشهاد للمشهور. قلت: وهو معنى قول الشيخ من تراب أو رمل أو حجارة أو سبخة يعني أو غير ذلك من سائر أنواع الأرض كشب ونورة وزرنيخ وغيره ما لم يطبخ وكذلك المعدن غير القديم والجواهر النفيسة

ابن الحاجب وفي الملح والثلج روايتان لابن القاسم وأشهب (ع) وفي الملح وثالثها المعدني وفي الثلج ثالثها إن عدم الصعيد ورابعها يعيد في الوقت بالصعيد وخرج اللخمي الماء الجامد والجليد على الثلج وأبى غيره ذلك في الماء والله أعلم. وقوله (يضرب بيديه الأرض) يعني يضعهما عليها وهو ابتداء الصفة وذلك بعد نية استباحة الصلاة لا رفع الحدث وذكر ابن خويز منداد في رفع الحدث روايتان حكاه المازري وفي المسألة اختلاف وكلام يطول فانظره وقوله: (وإن تعلق بهما شيء نفضهما نفضا خفيفا) ومفهومه وإن لم يتعلق بهما شيء فلا نقض وكذلك قاله بعض الشيوخ والتعلق شرط في النفض وقوله (نفضا خفيفا) شرط أيضاً فلا ينفضهما نفضا قويا وقال ابن حبيب ينفخ فيهما وهو نص الحديث. فرع: ابن الحاجب فلو مسح بيديه على شيء فللمتأخرين قولان بخلاف النفض الخفيف فإنه مشروع والقولان ذكرهما صاحب تهذيب الطالب ورجح (س): الأجزاء ونظر فيه (خ) فانظره وقوله (ثم يمسح بهما وجهه كله مسحا) يعني: مسحا شرعيا بحيث لا يخل بشيء منه ولا يتركه قل أو كثر ولا خلاف في وجود ذلك ابتداء فإن وقع شيء من ذلك فقال مسلمة اليسير عفو ولا خلاف في الكثير (ع) ويعم الوجه مسحا ابن شعبان ولا يتتبع عضونه. (ثم يضرب بيديه الأرض). يعني ثانية على المشهور. وقال ابن الجهم ليس عليه ذلك فإن لم يكررها فالمشهور لا إعادة عليه وسيأتي إن شاء الله قوله (فيمسح يمناه بيسراه) يعني عملا بسنة التيامن إذ ذاك مستحب كغيره والله أعلم. فرع: ابن الحاجب في مراعاة صفة اليدين قولان (خ) أي في الاستحباب إذ لا خلاف أعلمه في عدم الوجوب والمشهور المراعاة ومقابلة لابن عبد الحكم بن الحاجب وعلى المراعاة ففي الصفة قولان ثم ذكر ما في المدونة وما تحتمله فانظره فإنه خلاف ما ذكر

الشيخ وإن حمل على بعض وجوهه والصفة التي ذكر هي قوله (يجعل أصابع يده اليسرى على طرف أصابع يده اليمنى) يعني بالعرض بأعلاها ثم أصابعه التي جعل من فوق وهي اليسرى على ظاهر يده وذراعه الأيمن ماسحا له بذلك وقد حنى عليه أصابعه بحيث عكف أصابعه وضمها إليه ولا يزال كذلك صائراً بالمسح حتى يبلغ المرفق كما يدخله في غسله وقيل لا إذ الخلاف فيه كالوضوء ولا خلاف في وجوبه إلى الكوع (ع) وفي وجوبه إلى المرفقين والكوعين أو هما مستحب. ثالثها: الجنب للكوعين وغيره للإبطين ورابعها: للمنكبين مطلقاً انتهى ثم يجعل كفه على باطن ذراعه من طي مرفقه فيمسح باطن ذراعه بباطن كفه دون أصابعه ويمر في ذلك حالة كونه قابضا عليه بباطن الكف ليأخذ حافتيه بانجماع كفيه كما أخذه بوسطهما ولا يزال كذلك قابضا عليه في مروره حتى يبلغ الكوع من يده اليمنى فإذا بلغه فقد تم مسح ظاهر يده وكذا ذراعه والكوع رأس الزند مما يلي الإبهام والكرسوع يقابله وهو الذي يلي الخنصر والمقصود هنا مجموعهما لكن اكتفى بأحدهما عن الآخر ثم يجري بباطن بهمه على ظاهر بهم يده اليمنى لمسح أحد الإبهامين بالآخر ظاهره إذا لم يسمح ذلك أولا فيتم له مسح يده من ظاهرها (ع) ينزع خاتمه ابن شعبان ويخلل أصابعه الشيخ ولم أره لغيره وبحسب هذا فقول ابن الحاجب قالوا مراده لابن شعبان وإن أوهم الجمع فانظر ذلك. وقوله (ثم يمسح اليسرى باليمنى هكذا) يعني على هذه الصفة ويؤخر كف اليمنى إلى انتهاء مسحها وهذا الذي اختاره مطرف وعبد الملك في الصفة واختار الشيخان وعبد الحميد تكميل الأولى ثم الثانية ورجح بأنه المحصل للترتيب فانظره وعلى التأخير فإذا بلغ الكوع ومسح الإبهام على الوجه المذكور مسح كفه اليمنى بكفه اليسرى إلى آخر أطرافه ويتحفظ في ذلك على رءوس الأصابع وترتيبه وموالاته كالوضوء فانظر ذلك. (ولو مسح اليمنى باليسرى أو اليسرى باليمنى كيف شاء وتيسر عليه وأوعب المسح لأجزأه). يعني أن البداءة بالميامن واعتبار الصفة مستحب والإيعاب واجب ابتداء وانتهاء والله أعلم.

فرع: فلو اقتصر على الكوعين أو على ضربة الوجه واليدين فثالثها يعيد في الوقت ورابعها المشهور يعيد في الأولى خاصة فانظر ذلك وإذا لم يجد الجنب أو الحائض الماء للطهر تيمما وصليا فإذا وجد الماء تطهرا، ولم يعيدا ما صليا يعني وكذلك النفساء ويعتبران في الوقت والطلب وغير ما تقدم وكذلك إذا لم يقدرا على استعمال الماء وقوله (لم يعيدا ما صليا) ظاهره ولو وجداه في الوقت. وقد تقدم ما في ذلك من التفصيل فالمراد بعد الوقت مطلقا وفيه على التفصيل المتقدم. (ولا يطأ الرجل امرأته التي انقطع عنها دم حيض أو نفاس بالتطهر بالتيمم). يعني على المشهور وقال أصبغ يكفي ولابن بكري ودون تيمم. وروي عن كراهيته قبل اغتساله وعلى المشهور فلا يجوز ذلك حتى يجد من الماء ما تتطهر به وتستعمله ثم ما يتطهر به جميعاً إذ يمنع من إدخال الحدث عليه وهو لا يقدر على استعماله وقيل: إذا لم يطل جدا والمتوضئ كذلك منع من التقبيل والله أعلم. وقد روي قوله يجد بالتثنية وبالإفراد فعلى الأولى طلب الماء واشتراؤه عليهما وعلى الثاني على الرجل وحده وهما قولان: وظاهر ما هنا أن الذمية تجبر على الغسل لزوجها المسلم (ع) وصح غسل الذمية من حيضها لحق زوجها المسلم دون نية. ابن رشد لأنها تعبد في غير المتعبد كغسل الميت وإناء الكلب وفي جبرها عليه للحيض والجنابة ثالثها للحيض فقط لوراية ابن رشد وسماع عيسى ولها وأول جبرها للجنابة على أن بجسمها أذى منها انتهى ملفقا. (وفي باب جامع الصلاة شيء من مسائل التيمم). عني وهي مسألة المريض ولم يجد مناولا فيتيمم بالحائط إلى جانبه والله أعلم. تنبيه: ما ذكره من هذه الإحالة يدل أنه بيضها أولاً ثم هذبها أو أن ذلك في ذهنه وهو بعيد.

باب المسح على الخفين

باب المسح على الخفين هذه الترجمة بغير باب في صحيح النسخ والمقصود ذكر أحكام المسح وصفته وآخر الكلام فيه مع أنه من توابع الوضوء تقديما للأهم والأصل على فرعه وفي جمل من الفرائض أنه رخصة فيتكلم عليه هناك إن شاء الله. (وله أن يمسح على الخفين). يعني بشرطه وهو أن يكون من جلد طاهر خرز وستر محل الفرض وأمكن تتابع المشي به بلا ترفه ولا عصيان بلبسه أو سفره بعد طهارة بالماء كاملة وفي قوله له تنبيه على أنه ليس بواجب ولا سنة ولا مندوب وهو المشهور وقوله: (في الحضر والسفر) يعني أنه لا تختص إباحته بمحل ولا حل وهو الذي رجع إليه مالك بعد أن رجع عنه إلى أنه لا يمسح المقيم وهو المشهور ونقله ابن نافع وابن وهب والباجي. وقوله (ما لم ينزعهما) أشار لعدم التحديد في مدة المسح وهو المشهور وروى أشهب للمسافر ثلاثة أيام واقتصر وروى ابن نافع للمقيم من الجمعة لمثلها قيل استحبابا لغسل الجمعة وهو وفاق وقيل وجوبا فلا وفي كتاب السر يوم وليلة للمقيم. تنبيه: (خ) وكتاب السرفي إلى هارون الرشيد أنكره الأبهري وابن القاسم وغيرهما أبو بكر نظرت فيه فوجدته ينقض بعضه بعضا لو سمع مالك من تكلم بما فيه لأوجعه ضربا وقد سأل ابن القاسم عنه فقال لا يعرف لمالك كتاب سر انتهى.

فرع: ابن الحاجب ولو نزع الخفين فأخر الغسل ابتدأ على المشهور فلو نزع أحدهما وجب غسل الآخر فإن عسر وخشي فوات الوقت وانظره. (وذلك إذا أدخل فيهما رجليه بعد أن غسلهما في وضوء تحل به الصلاة). يعني وذلك الحكم الذي هو جواز المسح إذا أدخل رجليه فيهما أي في الخفين معا لا أحدهما فلو أدخل أحدهما لم يمسح حتى ينزع الأخيرة ويعيد بعد كمال الطهارة قال سحنون: وهو المشهور والوضوء مقصود للطهارة المائية فليس شرطا بعينه ويخرج به التيمم. وقال أصبغ يمسح على طهارة التيمم (خ) ومحل الخلاف على ما قاله غير واحد

إذ لبسه قبل الصلاة أما لو لبسه بعدها فلا يخالف في ذلك أصبغ لانقضاء الطهارة المشترطة في ذلك حسا وحكما (ع) ابن رشد بن لبابة شرطه لبسه على طهارة من حدث وخبث وعزى المشهور للمدونة مع ابن حبيب والآخرين واحترز بقوله تحل به الصلاة من الوضوء المندوب والذي لم يكمل قصداً أو غيره وقوله (فهذا الذي إذا أحدث وتوضأ مسح عليهما) يعني في وضوئه بدلاً من غسل رجليه وينوي الوجوب لأنه الأصل وفي كلامه إشارة لأن المغتسل لا يمسح وهو صحيح قاله بعض الشيوخ. وقوله (وإلا فلا) يعني وإن لم يكن الشرط المذكور فلا يمسح على الخفين وليس ذلك الشرط وحده بكاف بل واحد من الشروط في الإسقاط كالجميع والله أعلم. (وصفة المسح أن يجعل يده اليمنى من فوق الخف من طرف الأصابع ويده اليسرى من تحت ذلك ثم يذهب بهما إلى حد الكعبين). يعني هذه الصفة المستحبة وهي التي علمهم مالك كما قال في المدونة وقوله (وكذلك يفعل باليسرى) يعني يبتدؤها من طرف الأصابع وقد جعل إحدى يديه من فوقها والأخرى من أسفلها ثم يذهب بهما إلى الكعبين إلا أنه ينقل اليد العليا للأسفل وبالعكس وهذا قوله: (ويجعل يده اليسرى من فوقها واليمنى من أسفلها) هذا اختيار الشيخ ورواية الآخرين وذكر أن مالكا أراهما المسح هكذا وأن ابن شهاب وصف لهما كذلك. وقال ابن شبلون اليسرى كاليمنى إذ لو كانت مخالفة لنبه عليها. (ولا يمسح على طين في أسفل خفه أو روث دابة حتى يزيله بمسح أو غسل). يعني أن المسح لا يصح بحائل وذكر الأسفل خروج للغالب والمسح والغسل عائدان لإزالة الطين والروث معا عن البدن لأنه يكفي في الخف والنعل من روث الدواب الدلك على المشهور بخلاف العذرة ونحوها والاكتفاء بالدلك فيهما هو الذي رجع إليه مالك للعمل وثالثها لابن حبيب العفو عن الخف خاصة وفي الرجل مجرة ثالثها إن كان لعذر فكالخف فأما العذرة والدم ونحوهما فلا بد من غسله ويخلعه الماسح لا ماء معه ويتيمم. وقال بعضهم في كلام الشيخ هذا المسح راجع للطين والغسل راجع للروث وفيه نظر.

(وقيل يبدأ في مسح أسفله من الكعبين إلى أطراف الأصابع لئلا يصل إلى عقب خفه شيء من رطوبة ما مسح من خفيه من القشب). يعني ياببس الأرواث لا العذرة إذ يجب غسلها وهذه صفة ثانية (خ) وانظر هل يأتي الخلاف المتقدم في كون اليمنى على الرجلين أو اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى أي فتكون الصفات اثنتين ومنتهاها لأربع أنظر ذلك والصفة الثالثة لابن عبد الحكم يده اليمنى على أطراف أصابعه اليمنى واليسرى من مؤخر خفه من عقبه ثم يمرهما تحته إلى آخر أصابعه واليمنى إلى عقبه فهذه ثلاثة أقوال تتضمن خمس صفات وقد أخذها بعضهم من الرسالة فانظره فإن الأخيرة بعيدة والله أعلم. قوله: (وإن كان في أسفله طين فلا يمسح حتى يزيله) يعني لأن مسح أسفله واجب كأعلاه ويفترق ما في أعلى الخف مما في أسفله بالوجوب والندب ابن الحاجب ولو خص أعلاه بالمسح أجزأه ويعيد في الوقت وأسفله لم يجزه أشهب يجزئه فيهما أبو نافع لا يجزئه فيهما قال والغسل والتكرار مكروه وقال: ولا يتتبع الغضون (خ) لأنه مبني على التخفيف خلاف لابن شعبان ففي غضون الخفين والجبهة في التيممويمسح المهاميز إن لم تكن بهما نجاسة وإلا غسلهما فانظر ذلك. تنبيه: لم يذكر الشيخ مسح الجبائر وهو أهم بل تركه انظر ذلك متأملاً وبالله التوفيق. خاتمة: إثبات المسح لا يوجب كون إنكاره بدعة وإذا كان بدعة فلا يقال إنها بدعة منكرة لوجود الخلاف فيه أصلاً وفرعا فلا يبدع القائل به إذ لو قيل بذلك لأدى لتبديع الأمة بعدم القول به ورؤية تركه لا يعد صاجبه مبتدعا بل هو كسائر البدع الخلافية التي يرجع فيها لأصولها وبالله التوفيق.

وهذا آخر الثمن من الرسالة وبانقضائه فرغ كتاب الطهارة فلا يليه إلا كتاب الصلاة وأوله باب في أوقات الصلاة وأسمائها وحكم هذا الترتيب ووجهه مذكور في المطولات والله الموفق للصواب بمنه وكرمه.

باب في أوقات الصلاة وأسمائها

باب في أوقات الصلاة وأسمائها الأوقات جمع وقت وهو الزمان المقدر للعبادة شرعا والصلاة الشرعية عبادة ذات إحرام وسلام أو سجود فقط قال ابن عرفة ودخل فيه صلاة الجنائز لأنها ذات إحرام وسلام وسجود التلاوة في كونه صلاة اختلاف والمراد ذكر أوائل أوقات الصلاة

الواجبة وآخره الاختيار إذا لم يذكر سوى وقت الفريضة ولم يذكر من أوقاتها إلا المختار بطرفيه لأنها إما وقت اختيار وتوسعة أو وقت اختيار وفضيلة فوقت الفضيلة ما قيد الفعل به أولا ووقت التوسعة ما لو لوم على المؤخر إليه بحال. وفائدة ذكر أسماء الصلوات العلم بإعدادها وهو معلوم من الدين ضرورة ولكن ثمرته تمييزها بالنية عند إرادة التلبس بها والتأدب بآداب الشرع في الإطلاق عليها والله أعلم وقد ذكر عياض في اشتقاق الصلاة عشرة أقوال والخلاف فيها لغة مشهور وسنذكر منه إن شاء الله. (أما صلاة الصبح فهي الصلاة الوسطى عند أهل المدينة). الصبح مشتق من الصباح وهو البياض المشوب بالحمرة قال كراع وهو لون يقرب من الصهوبة سمي بذلك لدخول بياضه في حمرته وحمرته في بياضه والوسطى المختارة لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143] أي عدولا خيارا، وقوله عز وجل: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم: 28] فالوسط من كل شيء خياره وقد يراد بين الطرفين وصلاة الصبح كذلك بين طرفي الليل والنهار وما ذكر من أن الصبح هو الوسطى هو المشهور وأضافه لأهل المدينة لنوع من الاجتماع بعمل أهل المدينة في مقابلة ما في المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر. وعلى هذا الحديث أكثر العلماء وقال به ابن حبيب واختار ابن أبي حمزة أن كلا

منهما وسطى لقوله عليه السلام «من صلى البردين وجبت له الجنة» وقوله عليه السلام «سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر فإن استطعتم أن لا تغعلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا» رواه البخاري وغيره. وقيل: صلاة العصر والعشاء وقيل الجمعة وقيل الوتر وقيل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خارج المذهب وقال القاضي: أبو بكر بن العربي أخفاها الله سبحانه كما أخفى ليلة القدر وساعة الجمعة ووليه في خلقه والحسنة الموجبة والسيئة الموجبة ليتحفظ الناس على ذلك وقد قيل لبعضهم بم تتوصل للصلاة الوسطى فقال بالمواظبة على جميع الصلوات. وهو كلام صحيح وبالله التوفيق. وقوله: (وهي صلاة الفجر) يعني وسمى أيضاً بصلاة الفجر فلها إذا ثلاثة أسماء صلاة الصبح وصلاة الفجر وصلاة الوسطى وفي إطلاق الأخير اسما نظر نعم بقي على الشيخ اسمان وهما صلاة الغداة وصلاة الأولى وكلاهما من الحديث فهي إذا خمسة أسماء وبالله التوفيق. (فأول وقتها انصداع الفجر المعترض بالضياء في أقصى المشرق ذاهبا من القبلة إلى دبر القبلة). انصداع انشقاق والصدع الشق والمعترض بالضياء المواجهة للناظر به والممتد عرضا بفتح العين أو عرضا بالضم وهو الطول والفجر ظاهر بالوجهين في أقصى المشرق أي غاية ما ينتهي إليه بصر الناظر لناحية المشرق ذاهبا من القبلة إلى دبر القبلة يعني من وجه المستقبل إلى ما خلفه بحسب الأزمنة فيكون في زمان الشتاء في قبلة المصلى ثم لا يزال ينتقل في كل يوم حتى يطلع في الصيف في دبر المصلى أي خلفه من ناحية المشرق في كل ذلك. وقيل ذاهبا من ناحية القبلة حتى ترتفع فيها فتكون زيادة من الطرفين حتى يرتفع فيعم الأفق قال الشيخ أبو محمد صالح وبهذا يخرج الفجر الكاذب من كلامه وقال أبو عمران الجرائي خرج الكاذب به بجميع القيود لأن الكاذب لا يعترض بالضياء إذ ليس

ضياؤه بواضح وإنما هو كذنب السرحان قال القنازعي في شرح الموطأ وهو الأسد وقال غيره وهو الذئب وهو المعروف وقد ذكروا في تأويل قوله (ذاهبا من القبلة إلى دبر القبلة) عشر تأويلات. قال بعضهم ولم يصب أحد حقيقة المعنى في ذلك وإنما هي تأويلات فانظر ذلك. (وآخر الوقت الأسفار البين الذي سلم منها بدا حاجب الشمس). يعني أن الفجر إذا تحقق دخل وقت صلاة الصبح وتمادى الوقت إلى الإسفار البين الإسفار في اللغة البياض والإيضاح قال الله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} [المدثر: 34] وأولى ما فسر به كلام الشيخ قوله في النوادر عن ابن حبيب آخره الإسفار الذي إذا تمت الصلاة بدا حاجب الشمس وسقط الوقت وقد اعترض به من كلام ابن الحاجب في

ذلك فانظره عياض في إكماله وكافة العلماء وأئمة الفتوى على أن آخر وقتها طلوع الشمس وهو مشهور قولي مالك. وروى ابن القاسم وابن عبد الحكم عنه آخر وقتها عند الإسفار وتأويله أنه الوقت الاختياري وما بعده إلى طلوع الشمس ابن العربي الأصح غره الأكثر وأبو عمر في كونه الإسفار الأعلى وطلوع الشمس روايتان ابن القاسم وابن وهب مع قول الأكثر وفيها وآخره إذا أسفر. وفي كون الإسفار ما إذا قضيت الصلاة بدا حاجب الشمس أو ما تبين به الأشياء تفسيرا عبد الحق مع أبي محمد وابن العربي مع عبد الحق عن بعض المتأخرين انتهى فتأمله وبالله التوفيق. (وما بين هذيبن وقت واسع وأفضل ذلك أوله). يعني وما بين الوقتين وقت واسع لإيقاع الصلاة متى أوقعها فيه لم يكن مفرطا والمذهب أن أول المختار وآخره سواء في نفي الحرج لأن الصلاة تجب بأول الوقت وجوباً موسعا والمصلي يعين على المختار ولا يجب العزم على الأداء خلافا لقوم (خ) وإن مات وسط الوقت بلا أداءئ لم يعص إلا أن يظن الموت انتهى. وتحقق الوقت شرط فلو شط في دخول الوقت لم تجز ولو وقعت فيه وعلى ذلك حمل العلماء قوله عليه السلام «أسفروا بالفجر فأنه أعظكم لأجوركم» وقالوا: «أفضل وقتها أوله». وقال أبو حنيفة آخره لهذا الحديث، وقال ابن حبيب: يستحب تأخيرها في الصيف إلى الأسفار وقال مرة إلى نصف الوقت وهذا للجماعة فأما الفذ فالأفضل له الأول باتفاق المذهب، وروى ابن نافع صلاتها أول الوقت فذا أحب إلى منها في جماعة الإسفار وروى زياد نحوه وأخذ منه الباجي أن الإسفار ضروري ورده المازري وحكى غير واحد الخلاف في ذلك مطلقا ورد ابن العربي ذلك بأن الجماعة آكد من أول الوقت إذ يقاتل عليها ولا يقاتل على أول الوقت وذكره في أول القبس فانظره. (خ) والأفضل للفذ تقديمها مطلقا وعلى جماعة آخره وبالله التوفيق.

(ووقت الظهر إذا زالت الشمس عن كبد السماء وأخذ الظل في الزيادة). الظهر مأخوذ من الظهور سميت بذلك لأنها أول صلاة ظهرت في الإسلام إذ لم يفصل قبلها غيرها وقيل لأنها توقع في وقت الظهيرة أي ظهور الشمس وارتفاعها عن كل شيء وتسمى الأولى صلاة الهجيرة وصلاة الظهيرة فلها إذا أربعة أسماء لم يذكر الشيخ منها غير الأول وكذا الوسطى على القول بأنها هي إذ ما من صلاة إلا وقيل بأنها وسطى ومعنى زالت الشمس مالت عن كبد السماء أي وسطها استعير من كبد الحيوان لأن كبده في وسطه وأخذ الظل في الزيادة يعني غاية نقصه وتحوله الناحية المشرق عبد الوهاب وتعلم ذلك بأن تنصب عودا مستقيما في أرض معتدلة فيكون الظل أول النهار ممتدا فلا يزال ينقص بارتفاع الشمس حتى يقف وذلك إذا توسطت الشمس قبة السماء فإذا بدأ يزيد بعد نقصانه فذلك زوال الشمس. قال الغزالي ولا بأس بالميزان وكرهه ابن العربي لأنه ليس من فعل السلف وقال إنما كانوا يعرفون ذلك بظل الجدار وظل الإنسان وغيره، وقال المازري يكره الأسطرلاب، واختلف في علة الكراهة فانظر ذلك. (ويستحب أن تؤخر في الصيف إلى أن يزيد ظل كل شيء ربعه بعد الظل الذي زالت عليه الشمس وقيل إنما يستحب ذلك في المساجد ليدرك الناس الصلاة وأما الرجل في خاصة فأول الوقت أفضل له وقيل أما في شدة الحر فأفضل له أن يبرد بها وإن كان وحده لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم». القول الأول لابن حبيب فلذا قال لا تؤخر إلا في الصيف وأما الشتاء فتوقع في أول الوقت وروى أبو الفرج عن مالك مثله وقال عبد الوهاب عزاه بعضهم لابن عبد الحكم وفي التهذيب قال مالك أحب إلي أن تصلي الظهر في الشتاء والصيف والفيء ذراع قال عمر وما دام الظل في نقصان فهو غدوة فإذا مر ذاهبا فثم فيء وذراع كل إنسان ربع قامته وهذا القول لم يذكره الشيخ وقد رام بعضهم رد كلامه إليه اتتفق

الرسالة مع المدونة فقال بعد قوله في الصيف يريد والشتاء وهو بعيد وقد تحصل في إلحاق الفذ بالجماعة في التأخير مطلقاً خلاف وفي الصيف على رأي ابن حبيب. فقال ابن القاسم في رواية أبي محمد كقول القاضي بإلحاقه وقال ابن حبيب وابن عبد الحكم وبالبغداديون بعدم الإلحاق ورابعها في شدة الحر يبرد أي يؤخر للحديث وأصل الخلاف في زيادة الذراع هل هو مطلوب لتحقق الوقت أو لانتظار الجماعة أو لغير ذلك، وحديث الإبراد متفق عليه وعممه أبو حنيفة في الشتاء والصيف والكلام في تعليله يطول فانظره. (وآخره أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل نصف النهار). يعني وآخر وقت الظهر الاختياري الذي لا حرج على من أخر إليه من غير ضرورة أن يصير ظل كل شيء مثله بعد وقوف الظل عن الزيادة وهو نصف النهار وذلك يختلف باختلاف البلدان والزمان ولكن يضبطه زيادة الظل بعد غاية نصفه فمن ثم تعتبر القامة وغيرها. وقال الأصيلي أول الوقت وآخره سواء في الفضل حتى الضروري وهو شذوذ من القول وفي متعلق الوجوب من الوقت اختلاف الشافعي أوله والحنفي آخره ومشهور مذهبنا أن كل الوقت ظرف للأداء والمصلي يعين وهل المؤخر لآخر المختار كالعازم على الأداء وهو قول القاضي الباقلاني من أصحابنا أو لا يجب وهو قول الباجي ومختار ابن العربي قولان. (وأول وقت العصر آخر وقت الظهر):

يعني أن آخر هذا بعينه هو أول هذا بعينه (خ) واشتركا بقدر إحداهما وهل في آخر القامة الأولى أو في أول الثانية خلاف. وقال ابن حبيب وعبد الملك وابن المواز فيما نقله اللخمي لا اشتراك والقبس تالله ما بينهما اشتراك وفي التوضيح عن ابن رشد المشهور الاشتراك والأظهر في الأولى لا الثانية وعزاه ابن الحاجب لأشهب رواية واختاره التونسي.

وقال ابن رشد ما حكاه عن أشهب لم أقف عليه في الأمهات له والذي لأشهب في مدونته إن الظهر تشارك العصر في أول القامة الثانية في مقدار أربع ركعات وقال إنه المشهور ووافقه ابن عطاء الله وحكى في المسألة أربعة أقوال فانظره قال ابن رشد والنقل عن ابن حبيب أن بين الظهر والعصر فاصلا لا يصلح لأحد الصلاتين لا يصح ابن يونس عن أشهب أرجو أن من صلى العصر قبل انقضاء القامة والعشاء قبل مغيب الشفق يكون قد صلى وإن لم يكن بعرفة وظاهر كلام الشيخ الاشتراك وأنه في أول القامة الثانية والله أعلم. (وآخره أن يصير ظل كل شيء مثليه بعد ظل نصف النهار وقيل إذا استقبلت الشمس بوجهك وأنت قائم غير منكس رأسك ولا مطاطئ له فإن نظرت إلى الشمس ببصرك فقد دخل الوقت وإن لم ترها ببصرك فلم يدخل الوقت وإن نزلت عن بصرك فقد تمكن دخول الوقت والذي وصف مالك رحمه الله أن الوقت فيها ما لم تصفر الشمس). ذكر في هذه الجملة إن آخر وقت العصر مختلف فيه والقول باعتبار ظل كل شيء مثليه هي رواية ابن عبد الحكم وظاهر كلام الشيخ أن ذلك ليس من قول مالك والموجود خلافه غير أن المشهور رواية ابن القاسم باعتبار الاصفرار وهو الذي عزاه الشيخ لمالك وقوله وقيل إذا استقبلت الشمس إلى آخره ميزان يتعرف به الوقت وقد تعقبه ابن الفخار بأنه لم يوجد قائله بل قال لم يقل بهذا أحد وهذا خطأ وصرح عن الشيخ بإلغائه. وقال عبد الوهاب: يمكن هذا إذا اعتبر وقال ابن رشد لا يصح لأن الشمس تكون مرتفعة في الصيف منحطة في الشتاء قلت: بل التجربة تعطي أنه يقرب وإن كان لا يوصل إلى التحقيق والله أعلم. وقيل إن صيرورة ظل كل شيء مثليه قريب من الاصفرار وهو لا يطرد في كل الأزمنة وفي الحديث ما يشهد للقولين والعمدة في ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت لم يغب الشفق

ووقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس». رواه مسلم وفي الموطأ نحوه عن عمر رضي الله عنه باختلاف ألفاظ فانظر ذلك وسميت العصر عصر الانعصار النهار للفراغ والشمس للغروب، وتسمى أيضاً صلاة العشى وصلاة الوسطى عند من قال به فلها إذا ثلاثة أسماء على خلاف في الأخير والله أعلم. (ووقت المغرب وهي صلاة الشاهد يعني الحاضر يعني أن المسافر لا يقصرها ويصليها كصلاة الحاضر فوقتها غروب الشمس). أما تسميتها بالمغرب فلوجوبها بالغروب وأما تسميتها بالشاهد فلما ذكر ونقض الفاكهاني ذلك بتسمية الصبح به أيضاً وخرج النسائي من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فضيعوها – يعني صلاة العصر – فمن حافظ عليها أوتي أجره مرتين ثم لا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد» يعني النجم قلت ولعله سمي بذلك لأنه شاهد بدخول الليل والله أعلم. وقيل سميت بذلك لأنها تقام على من حضر ولا ينتظر بها من غاب عياض ولا تسمى بصلاة العشاء لا شرعا ولا لغة وورد في الصحيح النهي عن تسميتها بالعشاء والله أعلم. (فإذا توارت بالحجاب وجبت الصلاة لا تؤخر وليس لها إلا وقت واحدة لا تؤخر عنه). توارت استتر بالحجاب الذي تحجب بها يعني الشمس عن الأبصار أي قرصها وجبت صلاة المغرب وقوله لا تؤخر هو مقتضى الأشهر من الروايتين وأن وقت المغرب لا يمتد إلى العشاء وهو مشهور ومذهب الشافعي وعليه فلا بد من تقديم فعلها بعد تحصل شروطها الناجزة (ع) واعتبار ما يسعها بغسلها واجب لوجوبه وعدمه قبل

وقتها وإجماعهم على امتناع التكليف لا يسعه انتهى وباعتباره قال المازري فاعلها أثر الغروب والمتواني قليلاً أداها في وقتها. وروى ابن العربي مصرحا باعتبار قدر الأذان والإقامة وليس الثياب مع ما يسع الطهارة والرواية الثانية أن وقتها يتسع إلى مغيب الشفق وهو قول ابن مسلمة وأخذ أبو عمر واللخمي والمازري وابن رشد من قوله في الموطأ فإذا غاب الشفق خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء وقال ابن العربي هو القول المنصور إذ قاله مالك في كتابه الذي ألفه بيده وقرئ عليه طول عمره ورواه الآلاف من الخلق وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وغيرهم. وحكى اللخمي عن أشهب اتساعه إلى مقدار إيقاعها بعد غيبوبة الشفق وأخذ من قوله في المدونة لا بأس أن يمر المسافر الميل ونحوه ومن مواضع أخر (خ) ما ذكر أنه الأشهر في الاستذكار هو المشهور والله أعلم. وقال أجمع العلماء على أن الفضيلة تقديمها أول الوقت وفي التنفل قبلها ثلاثة سمع ابن القاسم أدركت بعض الشيوخ يفعله وسمع أيضاً لا يعجبني. وثالثها يصلي التحية فقط وخرج ابن رشد على حديث الأمر بالتحية ابن العربي وقد كان في عهده عليه السلام فلما توفي ترك تقديما لأول الوقت والله أعلم، وسبب الاختلاف في الامتداد وعدمه اختلاف الأحاديث فانظر ذلك. (ووقت صلاة العتمة وهي صلاة العشاء وهذا الاسم أولى بها ووقتها غيبوبة الشفق والشفق الحمرة الباقية في المغرب من بقايا شعاع الشمس فإذا لم يبق في المغرب صفرة ولا حمرة فقد وجب الوقت ولا ينظر إلى البياض في المغرب فذلك لها وقتها إلى ثلث الليل لمن يريد تأخيرها لشغل أو عذر).

ش: العتمة: مأخوذة من عتم الليل وهو ظلمته وقال في المغرب سميت بذلك لأن نجما يطلع في وقتها يسمى العاتم، وقيل سميت بذلك لتأخرها من قولهم أعتمت بالأمر إذا أخرته إلى برهة من الليل وتسميتها بصلاة العشاء وهو الذي في القرآن أعني قوله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} [النور: 58]. وفي الحديث الصحيح: «لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا» أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال ابن بطال: فالعتمة بالسنة والعشاء بالقرآن يعني وما كان بالقرآن أولى لأنه قطعي بخلاف الآخر وقد جاء النهي عن تسميتها بالعتمة وسمع ابن القاسم أكره تسميتها العتمة واستحب تعليم الأهل والولد تسميتها العشاء قال وأرجو سعة تكليم من لا يفهمها إلا بالعتمة ابن رشد في

كتاب ابن مزين من قال فيها العتمة كتبت عليه سيئة (ع) فيكون حراما قلت يعني على المشهور لا على من يقول بالتأثيم في المكروه وهو منقول عن علي بن زياد وغيره. قال وقول الشيخ تسميتها بالعشاء أولى خلافهما وأما كون الشفق الحمرة فقد رواه الدارقطني من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وصححه أبو حاتم ووافقه ابن شعبان وأكثر أجوبة مالك أنه الحمرة فأخذ منه اللخمي وابن العربي أقلها البياض ورده المازري باحتمال أنه رواية ابن القاسم أنه الحمرة والبياض أبين وهذا تردد منه لا جزم أبو إسحاق لا يعتبر البياض الباقي بعد الحمرة وهو معنى قول الشيخ (لا ينظر إلى البياض في المغرب) يعني في محل غروب الشمس وكذا قوله (فإذا لم يبق في المغرب) إنما يعني محل غروبها. وذكر عبد الحق وجدنا ثلاثا تلي النهار وهي الفجر الأول والفجر الثاني وطلوع الشمس وثلاثة تلي الليل غروب الشمس والشفق الأول والشفق الثاني واتفقنا على أن الاعتبار بالطالعة الوسطى في الصبح فلزم أن يكون بالغاربة الوسطى في العشاء وأيضاً كما لا يمنعه ذلك البياض من الأكل لا يمنعه هذا من الصلاة وقوله (إلى ثلث الليل) يعني إلى انقضاء وكون آخر وقت المختار إلى ثلث الليل هو المشهور وقال ابن حبيب نصفه ووقع كل منهما في الحديث. فقال ابن العربي لأن وقتها مأخوذ بالتقريب والثلث من النصف قريب وفي كتاب عمر رضي الله عنه لأبي موسى رضي الله عنه أن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل فإن أخرت فإلى شطر الليل ولا تكن من الغافلين وفي المدونة أحب للقبائل تأخيرها إلى ما بعد مغيب الشفق قائلا وكذلك في الحرس ولا تؤخر إلى ثلث الليل والحرس بالفتح فقط الثغور ابن حبيب لا يؤخر إلى ثلث الليل إلا المسافر وقال أشهب يؤخر وظاهر الرسالة خلافهما إذا قيده بالشغل والعذر فانظر ذلك. (والمبادرة بها أولى): حذرا من تفريطها وهو المشهور (ع) وفي كون فضيلة تأخيرها قليلا أو لثلث الليل ثالثها أوله لرواية أبي عمر ورواية العراقيين ابن حبيب تؤخر شيئاً في الشتاء وفوقه في رمضان والفذ ما لم يخف نوما واللخمي تعجيلها إن حضر الناس وتأخيرها إن

تأخروا وهذا هو الثالث عند ابن الحاجب (س) أكثر نصوص المذهب على الثالث (خ) ليس ما قاله بظاهر لأن المازري وغيره لم ينقلاه إلا عن اللخمي وحديث جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام كان يصلي العشاء أحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم ابطئوا أخر متفق عليه. وفي حديث أبي برزة رضي الله عنه أنه عليه السلام كان يستحب أن يؤخر في العشاء وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها متفق عليه وقول الشيخ لا بأس أن يؤخرها أهل المساجد قليلا لاجتماع الناس نحوه في المدونة وظاهرها استحبابه وغاية ما هنا الإباحة وفي حديث أبي أيوب الأنصارؤي رضي الله عنه: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل» رواه الترمذي وغيره. وقوله (ويكره النوم قبلها والحديث لغير شغل بعدها) يعني لأن الأول مؤد إلى تفريطها والكسل عنها فيها والثاني: ختم للصحيفة بما لا يعني وإعانة على تفريط قيام الليل وصلاة الصبح وتقييد الحديث بعدها بعدم الشغل لما ورد في الحديث كراهيته إلا لعروس قالوا: ولإيناس الضيف ومذاكرة العلم والنظر في مصالح المسلمين وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده والله أعلم.

باب الأذان والإقامة

باب الأذان والإقامة الأذان في اللغة: الإعلام وفي الشرع إعلام مخصوص على وجه مخصوص بسبب مخصوص وهو الإعلام بأن الدار دار الإسلام وأن وقت الصلاة قد حان وهذا محل الاجتماع لها وكون ذلك بألفاظ جامعة لمعاني الشريعة وفضل الأذان كثير وثوابه عظيم وفي كونه أفضل من الإمامة أو العكس قولان وفي البخاري وغيره من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» قيل يعني لاقترعوا وقيل: يعني لتضاربوا بالسهام والله أعلم. (الأذان واجب في المساجد والجماعة الراتبة). عبد الوهاب يعني السنن وقال غيره الأذان يجب على أهل مصر كفاية يقاتلون عليه أبو عمر روى الطبري إن تركه أهل مصر عمدا بطلت وجوب صلاتهم، وروى أشهب إن تركه مسافر عمدا فليعد صلاته (ع) في كونه لمساجد الجماعة سنة واجبة طريق البغداديين والشيخ وفي الموطأ إنما يجب في مساجد الجماعة المازري فسر القاضي الوجوب بالسنة وفسر غيره السنة بعدم شرطيته (خ) الشيخ وغيره الموطأ على الوجوب واختاره الباجي قلت: وهو خلاف ما تقدم لعبد الوهاب هنا اللخمي الأذان على خمسة

أقسام سنة ومختلف فيه هل هو واجب أو سنة ومستحب ومختلف فيه هل هو مستحب أو لا وممنوع. فالأول الأذان في المواضع التي يجتمع الناس إليها والجماعة والعدد الكثير في السفر وفي المساجد أكد والثاني: الأذان للجمعة قيل سنة وقيل واجب وهو أحسن لتعلق الواجب به، الثالث: أذان الفذ في السفر لحديث أبي سعيد رضي الله عنه «إذا كنت في غنمك وباديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» رواه البخاري وغيره، الرابع: أذان الفذ في غير السفر والجماعات المجتمعة. الخامس: للفوائت وما سوى الفرائض والنساء انتهى. ابن الحاجب: الأذان لم يختلف في مشروعيته في المفروضة الوقتية إذا قصد الدعاء لها وإذا لم يقصد فوقع لا يؤذن ووقع إن أذن فحسن فحمله اللخمي والمازري على الخلاف وغيرهم على خلافه فانظر ذلك. (فأما الرجل في خاصة نفسه فإن آذان فحسن ولا بد له من الإقامة): ظاهر كلامه أن المسافر والمقيم سواء في كون ذلك مستحباً لهما والمشهور اختصاصه بالمسافر (ع) واستحب مالك وابن حبيب للفذ المسافر ومن بفلاة لما ورد فيه قال فعزو ابن رشد وابن الحاجب استحبابه للمتأخرين قصور وروى أشهب إن تركه مسافر عمدا أعاد صلاته (ع) قلت: هذا الذي عزاه عياض رواية الطبري وهو نحو المخالف بوجوبه وقوله: (لابد له من الإقامة) يعني لأنها سنة مؤكدة في كل فرض عموما قضاء كان أو أداء: ولا شيء فيها إن تركت سهوا كالعمد على المشهور. وقال ابن كنانة وغيره يعيد تاركها عمدا ويستحب لفذ إسراره بها (ع) التونسي والشيخ عن أشهب خروج الوقت لفعلها يسقطها. (وأما المرأة فإن أقامت فحسن). يعني أن إقامتها مستحبة وقيل مباحة وفي سماع أشهب الكراهة وفي الطراز إذ لم يرو ذلك عن أزواجه عليه السلام ولا عن أحد من الصحابة (س) ولا أعلم فيها نص حديث والمرأة إسرارها متأكد والله أعلم. وقوله (وإلا فلا حرج) يحتمل قصره على مسألة ويحتمل عمومه في المرأة والرجل

وكل صحيح. (ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح فلا بأس أن يؤذن في السدس الأخير من الليل). أما لا يؤذن لصلاة قبل وقتها فلأن الأذان إعلام بالوقت ولا وقت فالإعلام كذب وأما إباحة ذلك أو ندبه في الصبح فللتأهب للصلاة ولا كذب فيه إذا علم تقديمه لا سيما مع تكريره لطلوع فقد قال عليه السلام: «إن بلالاً ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم» الحديث وكون السدس الأخير من الليل هو مبدأ الأذان للصبح هو المشهور ورواه ابن وهب قاله سحنون وقال ابن حبيب بعد نصف الليل وحكي المازري والباجي عن الوقار إذا صليت العشاء ولو أول الوقت ورد بهذه الزيادة تأويلاً ابن العربي بقول من قال إذا خرج الوقت المختار ثم قول الشيخ لا بأس يؤذن بإباحة التقديم فقط والمذهب أنه مستحب فأجيب بأن لا بأس رفع لحكم الحظر الأصلي والندب وراء ذلك وهو جواب غير مخلص والله أعلم ولم يذكر الشيخ شروط المؤذن ولا لوازمه فانظره. (والأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمداً رسول الله اشهد أن محمداً رسول الله ثم ترجع بأرفع من صوتك أول مرة فتكرر التشهد فتقول أشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمداً رسول الله اشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح فإن كنت في نداء الصبح زدت ههنا الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم لا تقل ذلك في غير نداء الصبح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله مرة واحدة).

حاصله أن الأذان في غير الصبح عشر كلمات بزيادة الصلاة خير من النوم وهو المشهور ولابن وهب إنما يقولها مرة واحدة وظاهر كلام الشيخ أنه يخفض التكبير مع التشهد أولا وهو مختار عبد الحميد الصائغ وقيل بل يرفع صوته بالتكبير أولاً ثم يخفضه بالشهادتين ثم يرفع وهو مختار المازري وفيهما قولان وفي الإكمال هما روايتان ابن الحاجب ويرفع صوته بالتكبير ابتداء على المشهور (خ) ما ذكر أنه المشهور هو كذلك في الإكمال قائلا وعليه عمل الناس وعبر عنه ابن بشير بالصحيح وعزاه أبو عمران لبعض متأخري أصحاب مالك وعزاه لمالك هنالك.

وقال المازري في شرح الجوزقي اختار شيوخ صقلية جزم الأذان واختار شيوخ القيروان إعرابه والجميع جائز وكل شيء من الأذان مثنى إلا التهليلة الأخيرة والإقامة وتر إلا بتكبيرها فلو أوتر الأذان وشفع الإقامة أعاد الأذان ولم يعد الإقامة على المشهور خلافا لأصبغ واختلف في الترجيع فذكر فيه التخيير ونسبه لأحمد وغيره لاختلاف الأحاديث المجهول أمرها. قال: وذكر نحو هذا لمالك وفي التمهيد الاختلاف في ألفاظ الأذان والتشهد ونحوه اختلاف في مخير ومواضع اللحن من الأذان كثير منها مد ألف الله من اسم الجلالة وأول الشهادة وهو قريب من الكفر لأنه صورة استفهام ومد همزة أكبر وكذا إشباع الباء لأنه يصير به جمع كبر وذلك يضارع الكفر أيضاً وإبدال راء أكبر لاما وهذا قد استخفو هـ في الإحرام فيكون هنا أحرى وكذلك ضم الباء وكسرها والإتيان بها بين الكسرة والفتحة وفتح الكاف أيضاً ومنه تشديد الهاء في أشهد وإشباع الدال وتسكينها أو تنوينها وفتح النون من قول أن لا إله إلا الله والمد على هاء الله وتسكينها أو تنوينها وهو أفحش والإتيان بهاء زائدة بعد الهاء من الله وضم محمد وإظهار تنوينه ومد حي أو تخفيفها وإسقاط الهاء من الصلاة والحاء من الفلاح والتطريب والتحزين مكروه. والمغير المعنى أو القادح فيه ممنوع وموالاته شرط في صحته فلا يجوز قطعه بسلام ولا كلام ولا غير ذلك ولو بالإشارة وفي رده السلام قولان للمدونة وابن اللباد والشيخ عن أبي القاسم إن خاف على آدمي أو دابة تكلم وبنى اللخمي إن طال ابتدأ وأن لحفظ آدمي وقال مالك واسع جعل أصبعه في أذنيه للإسماع وللشيخ عن ابن حبيب يستحب وفي المختصر لا بأس أن يستدير يمينا وشمالاً وخلفا، والقيام فيه شرط على المشهور فلا يجوز أذان الجالس إلا مريض لنفسه خلافا لرواية أبي الفرج ويجوز للراكب ولا يقوم إلا في محل صلاته خلافا لرواية ابن وهب. ويستحب ارتفاعه على شيء وإلى القبلة وعلى طهارة كونه صيتا وروى ابن وهب جواز أذان من أذن بموضع آخر إذا لم يكن قد صلى واللخمي عن أشهب لا يؤذن لصلاة من صلاها وشرط المؤذن كونه مسلما عاقلا ذكرا عارفا بالأوقات أمينا وفي أذان الصبي قولان وكذا في أذان الجنب خارج المسجد أجازه سحنون وكرهه ابن القاسم.

ومعنى الله أكبر الله أكبر من كل شيء وقيل كل شيء دونه تعالى محتقر وأشهد أقر وأعترف ولا إله إلا الله لا مستحق للكمالات إلا الله مع اتصافه بها ومعنى حي على الصلاة تعالوا إليها والفلاح البقاء في النعيم والمراد تعالوا إلى الصلاة والصلاة فيها الفلاح فتعالوا إليها وعلى نحو هذا قول ابن عطاء الله أوجب عليك خدمته وما أوجب عليك إلا دخول جنته فافهم. (والإقامة وتر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله مرة واحدة).

صفحة بيضاء

يعني أن الإقامة مفردة الألفاظ إلا التكبير حتى قوله قامت الصلاة على المشهور

وروي تكريرها لمذهب الشافعي وهما روايتان في الحديث فعلى الأول عدد كلماتها عشر وعلى الثاني أحد عشر وشروطها الاتصال بالصلاة فلو طال ما بين الإقامة والإحرام في التهذيب سمعنا في المذكرات قولين للشيخ روى ابن القاسم إن طال ما بين الإقامة والصلاة أعيدت وفي إعادتها لبطلان صلاتها مطلقا وإن طال نقل عياض عن ظاهرها وبعضهم وعن المازري الأول لبعضهم أخذا له من قولها ومن رأى نجاسة في ثوبه فقطع وابتدأ الإقامة. وفي المدونة ولا بأس أن يقيم غير من أذن ولا بأس أن يقيم خارج المسجد للإسماع وفي الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقمت فاهذر وإذا آذنت فترسل واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله» وسمع ابن القاسم لا يقيم أحدكم في نفسه بعد الإقامة ومن فعله خالف ابن رشد يعني السنة لأن السنة إقامة المؤذن دون الإمام وحكاية الأذان دون الإقامة ولأنه محل دعاء الاشتغال بالإجابة وسمعت شيخنا أبا عبد الله القوري رحمه الله يقول استغفار المؤذن قبل الإقامة مقصودا لها بدعة ابن العربي ولو أقيمت لمعين فلم يقم وقام غيره أعيدت يعني الإقامة فانظر في ذلك ومسائل الأذان كثيرة فانظرها وبالله التوفيق.

باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن يعني هذا باب يذكر فيه صفة - أي كيفية - العمل في الصلوات أي كيف تفعل المفروضة يعني على الأعيان أصلا وقضاء لا كفاية وبدلا فتخرج الجنازة لأنها من فروض الكفاية على خلاف فيها والجمعة لأنها بدل من الظهر على ما سيأتي ذكره إن شاء الله وما موصولة بمعنى الذي أي ويذكر فيه الذي يتصل بها أي بالصلوات المفروضة من النوافل أي الزوائد على الفرائض وهي الرواتب والسنن التي هي الوتر باتفاق والفجر على خلاف فيه. ذكر كيفية العمل في ذلك كله وقد تقدم الجواب عن اهتمامه بالصفة دون الإحكام في باب صفة الوضوء. وقد تقدم الخلاف فيمن عمل ما لا يعرف فيه فرضا من سنة وأن الصحيح أن يجزئه إن كان أخذ وصفه عن عالم فانظر ذلك وبالله التوفيق. (والإحرام في الصلاة أن تقول الله أكبر).

الإحرام في الصلاة: الدخول في حرمها وحرمتها والحرمة ما لا يحل انتهاكه لأنه إذا أحرم حرم عليه كل مناف للصلاة وظاهر كلامه أن التكبير عند الإحرام وفي جمل من الفرائض وتكبيرة الإحرام فريضة فجعل الإحرام غير التكبير وإنما هو واجب له، وأجيب بأن التكبير لما كان عنوانه صار كأنه عينه فجاز إطلاقه عليه ابن العربي الإحرام نية (ع) الإحرام ابتداؤها مقارنا لنيتها والتحقيق أنه مركب من عقد هو النية وقول هو التكبير وفعل هو الاستقبال ونحوه وفي المدونة «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» وهو حديث خرجه الترمذي. قال حديث حسن وكون الإحرام والسلام متفقا عليهما بالوجوب هو المعروف. ونص عليه ابن رشد وإنما اختلف هل هو شرط أو ركن والشرط ما تتوقف صحة الماهية عليه وليس منها والركن ما كان داخلا فيها وفي تعليق المازري على

الجوزقي حكى الصائغ في كون الإحرام والسلام من نفس الصلاة قولين (ع) ظاهره في المذهب وفائدته فساد صلاة من قارن إحرامه وسلامه إحرام إمامه وسلامه وصحتها وقطع من ألقي عليه ثوب نجس فسقط عنه وتمامه وفساد صلاة من نظر عورة إمامه حال إحرامه وصحتها عن قول سحنون انتهى. وفي التنبيهات: معنى الله أكبر عند بعضهم أي أكبر من كل شيء وأبى هذا آخرون وقال الله أكبر وقيل بل جاء على نمط كلام العرب في المبالغة في الوصف ولم يرد المفاضلة انتهى. وحكمة افتتاحها بالتكبير الإشعار بعظمة الله تعالى حتى يتوجه له بقلب سليم مما سواه على وجه الإجلال والتعظيم وفي قوله (لا يجزئ) غير هذه الكلمة يعني باتفاق المذهب فلا يجزئ الكبير ولا الأكبر خلافا للشافعي ولا كل وصف يقتضي التعظيم خلافا للحنفي لأنه عليه السلام وأصحابه لم يدخلوا الصلاة قط إلا بهذه اللفظة فدل على أن الألف واللام في قوله التكبير للعهد لا للجنس اللفظي ولا للجنس المعنوي. وإنما تجزئ هذه الكلمة بشروطها وهو القيام والنية حالة الاستقبال فأما القيام لغير المسبوق فواجب عليه فإذا تركها بطلت وفي المدونة في المسبوق إذا كبر للركوع، ونوى به العقد أحزأه ابن يونس وهذا إذا كبر قائما وفسرها الباجي بما ينفي شرطية القيام وتبعه ابن بشير فهما تأويلان وبالأول قال ابن المواز وصرح في التنبيهات بمشهوريته فانظر. وأما النية فاقترانها بالإحرام شرط دون تأخير بقليل ولا كثير اتفاقا والتقديم الكثير كذلك وفي تقديمها بيسير قولان أبو عمر حاصل مذهب مالك لا يضر عزوب النية بعد قصد النية للصلاة المعينة ما لم يصرفها لغير ذلك ابن بشير في لزوم عدد الركعات قولان والمشهور عدم الوجوب كنية القضاء والأداء وذكر اليوم الذي هو فيه وإنما يلزم استصحابها حكما لا ذكرا فعزوبها مغتفر ومحل النية القلب فلو نطق بها فواسع وإن تخالفا أي النطق والعقد فالمعتبر العقد وفي الإرشاد تستحب الإعادة في الوقت لذلك (خ) والرفض مبطل كسلام أو ظنه فأتم بنفل يعني على المشهور ولو لم يسلم ولا ظن سلاما ولكن ظن أنه في نفل فأتم عليه فصلاته صحيحة على المشهور

ولعدم إتيانه بالمنافي والله أعلم وحكم السهو ونحوه يذكر في محله إن شاء الله. فرع: والأخرس تكفيه النية عن التكبير اتفاقا وفي العاجز بعجمة ثلاثة الأبهري مجرد النية أبو الفرج بما دخل به الإسلام بعض شيوخ القاضي يترجم عنه بلغته وفي المدونة أكره إن يحرم بالعجمية (خ) وقال سند لا يجزئ كبار بإشباع الباء واستخف (الله وكبر) بإبدال الهمزة واوا والله أعلم. (وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك). يعني مع الإحرام وقيل مكروه وقيل ممنوع ذكره اللخمي وقيل يرفع الرجل دون المرأة والمشهور فصره على تكبيرة الإحرام (ع) وفي رفعهما في غير الإحرام المشهور تركه وروى ابن عبد الحكم يرفع مع الافتتاح وفي الرفع من الركوع زاد في رواية ابن وهب وعند الركوع وقال ابن وهب وعند القيام من اثنتين وروى ابن خويز منداد يرفع في كل خفض ورفع (ع) ومقتضى الروايات الرفع مع التكبير أو مقاربة له وينتهي الرفع إلى المنكبين على المشهور (س). وروى أشهب إلى الصدر ومال إليه سحنون وهو ظاهر المدونة عند ابن رشد (خ) (س) الظاهر قائمتين على صفة النابذ قال العراقيون كفاه حذو منكبيه وأصابعه حذو أذنيه وهو قريب مما ذكر الشيخ، وقال سحنون مبسوطتان بطونهما إلى الأرض على صفة الراهب ولبعض المتأخرين قائمتان مع عطف الأصابع عياض قيل مبسوطتان بطونهما إلى السمءا يعني كالراغب وقوله (أو دون ذلك) يحتمل أن يكون تخييرا في الفعل فقط ولم أقف على هذا القول ويحتمل أن يكون تخييرا في الأقوال كقوله مثل ثمانية أو عشرة في الظهر فتأمل ذلك. فرع: في حكم الإرسال بعد تمام الرفع اختلاف ولا يضع يمناه على يسراه في الفريضة وذلك جائز في النافلة لطول القيام ليعين نفسه الطرطوشي إنما منعه في الفريضة لأجل الاعتماد وفي العتبية لا أرى به بأساً في الفريضة والنافلة ابن رشد ظاهره اختلاف قول وروى الإخوان يستحب والعراقيون يمنع عبد الوهاب التفرقة بين الفريضة والنافلة غير

صحيح والتأويل بالاعتماد غير صحيح وإنما اختلف الناس هل ذلك من هيئات الصلاة أم لا في البيان يتحصل في ثلاثة أقوال الإباحة مطلقا والكراهة إلا في طول النافلة والاستحباب وهو يقبض اليمنى على كوع اليسرى وتحت صدره. (ثم تقرأ). يعني أنه ليس بعد الإحرام إلا القراءة دون فاصل من دعاء ولا غيره وهذا هو المشهور قال في المدونة: ولا يقرأ من صلى وحده أو إمام أو مأموم هذا الذي بقوله الناس «سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» وكان مالك لا يعرفه عياض لا يعرفه سنة وروى ابن شعبان قول مالك وسمع ابن القاسم يقول إذا كبر سبحانك اللهم إلى آخره ولابن رشد من رواية النسائي استحبابه وخرج اللخمي عليه قوله: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي اللهم وبحمدك» أخرجه أصحاب السنن مرفوعا وهو عند مسلم مسند منقطع وهو موقوف. وفي الزاهي لابن شعبان حق على كل قائم للصلاة قول: «سبحان الله العظيم وبحمده» وقال الباجي كره مالك دعاء التوجه «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين» ولابن شعبان روى ابن وهب قوله عن مالك. وقال ابن حبيب: لا بأس قبل إحرامه وفيه بحث فانظر فيه ثم أصل حديثه في مسلم من رواية علي كرم الله وجهه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وفي رواية وذلك في صلاة الليل. (فإن كنت في الصبح قرأت جهرا بأم القرآن لا تستفتح حيث الجهر في كلها وتشاركها في ذلك عشاء المسافر يقصر وصلاة الجمعة من الفرائض والعيدين والاستسقاء من السنن والصلوات بالنسبة إلى السر والجهر ثلاثة قسم

يجهر في كل وهو ما ذكر وقسم يسر في كله وهو الظهر والعصر وقسم بجهر في أوييه وهي المغرب والعشاء والله أعلم وسيأتي أن الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه والسر أن يحرك لسانه بالقرآن ولو لم يسمع نفسه خلافا للشافعية وغيرهم ويذكر في محله إن شاء الله. وأم القرآن هي الحمد لله رب العالمين سميت بذلك لأنه أوله أو لأنه دائر على معانيها ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي من الله على نبيه). فقال عز من قائل: ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم والمشهور وجوبها في كل ركعة الفذ والإمام فقط لأنها لا تلزم المأموم في جهر ولا سر كما سيأتي إن شاء الله في باب السهو إن شاء الله. ثم وجوبها على الفذ والإمام فقط لأنها لا تلزم المأموم في جهر ولا سر كما سيأتي إن شاء الله وإذا كانت واجبة فيلزم جاهلها تعلمها (ع) فإن ضاق الوقت أتم فإن انفرد ففي صحتها قولا أشهب ومحمد مع سحنون فإن لم يجد قال سحنون والشيخ عن ابن القاسم فقال عبد الحق استحب إسماعيل وقوفه قدر الفاتحة والسورة يذكر الله تعالى انتهى. والمشهور السقوط مع استحباب ويفصل بين إحرامه وركوعه. وقوله لا تستفتح إلى آخره يعني لأن ذلك مكروه على المشهور إذ لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه بسمل في صلاة قط. وقال أنس رضي الله عنه صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها وعند ابن رشد ترك البسملة من فضائل ولأبي عمر عن ابن نافع مسلمة وهو مذهب الشافعي لحديث فاتحة الكتاب سبع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية منها رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصوب وقفه ومذهب مالك إن روى على أنه قرآن لم يثبت أنه من القرآن لأنه خبر آحاد فللشافعي فاعرف ذلك. وكان المازري يبسمل سرا فقيل له في ذلك فقال مذهب مالك على قول واحد من بسمل لا تبطل صلاته وفي الذخيرة عن الطراز لا يختلف في جواز البسملة في النافلة وأنها لا تبطل صلاة الفريضة ومذهب المدونة التخيير في النافلة في البسملة وحكى ابن رشد روايتين لا يقولها ويقرؤها عياض عن ابن نافع لا يتركها بحال لا فرض ولا نفل

ابن رشد ولمالك في البسملة أول سورة ثلاثة أقوال الاستحباب والكراهة والإباحة. وفي المدونة لا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة ويتعوذ في قيام رمضان ولم يزل القراء يتعوذون وفي جواز الجهر بالتعوذ وكراهته قولان وفي كون قبل الفاتحة أو بعدها قولان ظاهر المدونة التقديم وجواز الجهر وفي العتبية كراهة الجهر لأنها ليست من الفاتحة بإجماع وفي المجموعة محلها بعد أم القرآن إن كان في صلاة اللخمي والشأن أن التكبير ينوب عن الاستعاذة وقد جاء هروب الشيطان منه في الآذان. فرع: وحكم السر والجهر في الفريضة مختلف فيه الباجي عن أكثر الأصحاب سنة ولأشهب لا سجود فيه فهو فضيلة وثالثها وجوبه ابن القاسم إذ قال تبطل صلاة تاركه عمدا والمشهور الأول وظاهر كلام الشيخ تساوي الفاتحة والسورة في حكم تارك البسملة وإن الفرض والنفل في ذلك سواء وقد تقدم ما في ذلك وإن المشهور والتفصيل والله أعلم. (فإذا قلت ولا الضالين فقل آمين إن كنت وحدك أو خلف إمام وتخفيها ولا يقولها الإمام فيما جهر فيه ويقولها فيما اسر فيه وفي قوله إياها في الجهر اختلاف).

الشيخ آمين ممدود مخفف وقيل مقصور عياض حكاه ثعلب وأنكره ابن قتيبة الداودي مده وشد ميمه لغة شاذة ثعلب هي خطأ المازري قيل هو لفظ عبراني معرب وبنى على الفتح وقيل بضم النون اسم لله حرف ندائه (ع) وفي كون معناه اللهم استجب لنا واهدنا سبيل من أنعمت عليهم فعد ثلاثة لنقل أبي عمر انتهى. والأكثر على الأول وعن جعفر الصادق رضي الله عنه أن معناه قصدناك وأنت لا تخيب القاصدين. وحكم التأمين الاستحباب للإمام والفذ على قراءتهما وكذا المأموم في السرية على قراءة نفسه وفي الجهرية على قراءة إمامه لقوله عليه السلام: «فإذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه». رواه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهل الموافقة في الإجابة أو في خلوص النية أقوال ابن عطية الذي يترجح أن المعنى فمن وافق في الوقت مع خلوص النية وقوله (وتخفيها) يعني إن كنت فذا أو مأموما على المشهور. وقال ابن العربي: كل مصل مخير في السر والجهر في كل صلاة جهرية أو سرية وقوله (ولا يقولها) الإمام فيما جهر فيه يعني على المشهور لقوله بعد وفي قوله (إياها في الجهر اختلاف) يريد روايتان وروى المدنيون يؤمن والمصريون لا يؤمن (خ) والمشهور رواية المصريين (س) رواية المدنيين أصح لثبوت ذلك في السنة وقيل مطلقا الباجي ويقولها في السر اتفاقا والله أعلم. فرع: إذا لم يسمع المأموم ختم إمامه فهل يتحراه ويؤمن على تحريه وقاله ابن عبدوس ولقمان بن يوسف وقال الشيخ مع يحيى بن عمر وعيسى بن دينار لا يفعل ورجحه ابن رشد وثالثها سماع ابن نافع التخيير والله أعلم، وخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من قراءة الفاتحة رفع صوته وقال آمين. قال الدارقطني حديث حسن وصححه الحاكم.

(ثم تقرأ سورة من طوال المفصل وإن كانت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس وتجهر بقراءتها). أما قراءة السورة إثر الفاتحة فسنة على المشهور في أول كل فرض وفي الصبح والجمعة وقيل بوجوبها وأخذه اللخمي من قول عيسى تعاد الصلاة لترك السورة جهلا أبدا ورده المازري بعدم إعادة ترك السنة عمدا والجاهل كالعامد وقيل فضيلة وإقامه اللخمي من قول مالك وأشهب تاركها سهوا إلا يسجد ورده ابن بشير فبنى هذا القول على القول بقصر السجود على ما ورد فيه ولم يرد في السورة فإن تم التخرج فتتحصل ففيه ثلاثة الوجوب والسنة والاستحباب وظاهر كلامه أن السورة بكمالها سنة وهو المشهور (ع). وفي المختصر لا يقرأ ببعض سورة وروى الواقدي لا بأس بآية الدين فقول عياض المشهور كلها يعيدها انتهى. والسورة لغة القطعة من الكلام وشرعا معلوما والمفصل ما كثرت فصوله بالبسملة قيل ما لا نسخ فيه واختلف في أوله فقيل الشورى وقيل الزخرف وقيل الدخان وقيل الجاثية وقيل القتال وقيل الحجرات وهو المعمول به وقيل ق، وقيل سورة الرحمن طواله إلى عبس ومتوسطاته من ثم إلى والنجم وقصاره إلى الختم وقد يوجد من متوسطه في وطواله وفي قصاره ابن حبيب والصبح والظهر نظيرتان وقراءتهما من (البقرة) وقراءتها من البقرة إلى عبس والعصر والمغرب من (والضحى) إلى آخره والعشاء (إذا الشمس كورت) ونحوها. وقال صلى (بالحاقة) ونحوها وفي المدونة وأطول الصلوات قراءة الصبح والظهر ولا بأس (بسبح) للسفر وإلا كرياء يعجلون الناس وروى ابن حبيب إن افتتح في العصر طويلة تركها وإن قرأ نصفها ركع ولو افتتح قصيرة بدل طويلة فإن أتمها زاد غيرها وإن ركع فلا سجود الباجي إن كان طول ما يطول يوجب ركوع ركعة بعد وقتها خفيفة. وقوله (وتجهر بقراءتها) يعني كما جهرت بالفاتحة فإن حكمها وصفة الجهر تأتي إن شاء الله.

(فإذا تمت السورة كبرت في انحطاطك للركوع فتمكن يديك من ركبتيك وتسوي مستويا ولا ترفع رأسك ولا تطاطئه وتجافي بضبعيك عن جنبيك وتعتقد الخضوع بذلك في ركوعك وسجودك).

ظاهر كلامه أن تمام السورة تمام للسنة وهو المشهور وتقدم تشهير عياض أن السنة بعضها وأن تمامها مستحب واستبعده (ع) وظاهر كلامه أنه عند تمامها لا يمهل شيئاً وذكر الغزالي أنه يستحب وقوفه بعدها قدر تسبيحه تحقيقا لختمتها قائما ولم تقف في المذهب على شيء من ذلك وقوله: (في انحطاطك) يعن يحالة كونك منحطا فتعمر هذا المحل بالتكبير من أوله إلى آخره وهذا مستحب فإن عجل أو أخر فلا بأس بذلك نعم وحكم التكبير في كل خفض ورفع السنة على المشهور اللخمي وقيل مستحب المازري بعض المتأخرين وجوبه لقوله إن طال عدم سجود تاركه ابن رشد وهل كل تكبيرة سنة أو المجموع سنة واحدة قولان وهما في المدونة والأول سماع يحيى عن ابن القاسم. والثاني: سماع أبي زيد وأخذ لابن القاسم أن كثيره واجب بخلاف اليسير وقوله (فتمكن إلى آخره) ذكر فيه صفة الكمال في الركوع قال ابن بشير الركوع أقله أن ينحني بحيث يسوي ظهره وعنقه وينصب ركبتيه ويضع كفيه عليهما ويجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه ولا يجاوز الانحناء إلى الاستواء ويقول الله أكبر رافعا يديه عند الهوى قلت: والمشهور لا يرفع وفي رواية ابن وهب ويسبح ما تيسر له الباجي المنحني من الركوع أن يمكن يديه من ركبتيه اللخمي هو قوله في المدونة. وفي رواية ابن شعبان أخفه بلوغ يديه آخر فخذيه وسع أشهب لا يرفع رأسه ولا ينكسه وأحسنه استواء ظهره ويستحب نصب ركبتيه عليهما يداه ابن العربي وابن شعبان مفترقة أصابعهما وفي المدونة أيفرق أصابعه في ركوعه ويضمها في سجوده قال أكره أن أحج فيه حدا أو رآه بدعة وخرج الحاكم عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع مكن يديه من ركبتيه وهصر ظهره الحديث ومعنى هصر بهاء

بعدها صاد مهملة مفتوحتين مال بهما إلى الأرض فيبقى مطمئنا بين طرفيه وذلك بالغ في الاستواء والله أعلم والتطأطؤ تصويب الراس لأسفل ضد الرفع. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تدبيح كتدبيح الحمار. يعني تغييب الظهر حتى يصير كظهر الحمار والتدبيح بالحاء المهملة قال الجوهري ومعنى تجافى تباعد قليلا والضبعين بفتح الضاد المعجمة والموحدة الساكنة هما العضدان وهذا التجافي خاص بالرجل هنا وفي السجود وسيأتي من كلام الشيخ أن المرأة لا تفعله بل تكون منضمة منزوية وقوله (وتعتقد الخضوع إلى آخره) حض على الخشوع وقد عده عياض من فرائض الصلاة التي لا تبطل الصلاة بتركه وقد قال بعض الصوفية من لم يخشع في صلاته فهو إلى العقوبة أقرب. وقال بعض من اختصر الإحياء حضور القلب في صلاة واجب بإجماع ولا يجب في كلها إجماعا وإنما يجب في جزء وينبغي أن يكون عند تكبيرة الإحرام قلت: ودعوى الإجماع يحتاج على ثبوت وثبوته في هذه المسألة بعيد والمشهور أن التفكر بدنيوي في الصلاة مكروه. وقال القاضي أبو بكر بن العربي إن كان ما عرض مما تقدم ذكره بقرب الصلاة فهذا يدخل في الصلاة فيتعين القطع وإلا دفعه والدفع لازم على كل حال، وذكر لنا الفقيه أبو عبد الله القوري رحمه الله أن من طعن بإصبعه في فخذه اليسرى عند الوسوسة في الصلاة انصرفت عنه وعزاه لأبي حنيفة وقد جرب كون الخضوع في الصلاة بقدر الحضور في الطهارة ونص عليه بعض العلماء المتصوفة وبالله التوفيق. (ولا تدع في ركوعك وقل إن شئت سبحان ربي العظيم وبحمده وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في اللبث). النهي عن الدعاء في الركوع نهي كراهة لقوله عليه السلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب» الحديث وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي».

متفق عليه قال ابن دقيق العيد وهذا يقتضي الدعاء في الركوع ولا يعارضه قوله عليه السلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب» فإنه يوجد من الأول والجواز ومن الآخر الأولوية. وأجاز اللخمي الدعاء في الركوع وعزاه للمازري ولأبي مصعب بن دقيق العيد: يحتمل أن يكون النهي للأفراد والوارد إنما هو مجموع التسبيح والدعاء. وفي المدونة لا يدع في ركوعه عبد الحق ولا بعد إحرامه قبل القراءة ولا قبل التشهد الطراز ولا في قيامه قبل قراءته ولا في الفاتحة الصقلي وعبد الحق وعن ابن عبد الرحمن إنما يكره قبل الفاتحة في الركعة الأولى. وفي الكافي إنما يكره في الركوع فقط وتبعه عليه صاحب الإرشاد والمشهور كراهته في التشهد الأول وبعد سلام الإمام للمأموم قبل سلامه ولا يكره بين السجدتين على الأصح. وقوله: (وقل إن شئت إلى آخره) يعني قل ما شئت من التسبيح من غير تعيين فالتسبيح مستحب، والتعيين غير لازم، وفي المدونة قال مالك: لا أعرف قول الناس في الركوع سبحان ربي العظيم، وفي السجود سبحان ربي الأعلى ويكره ولم يحد فيه حدا ولا دعاء مخصوصا وهو معنى قول الشيخ وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في اللبث ووقع الحديث يقول ذلك ثلاثا وهو أقله وتأوله ابن رشد أن ذلك في حق الإمام الذي يطلب منه عدم التطويل فانظره. وفي الحديث لما نزل {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} [الواقعة: 74] قال عليه السلام: «اجعلوها في ركوعكم» ولما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قال: «اجعلوها في سجودكم» ومعنى سبحان الله تنزيها لله والواو في قوله وبحمده سببية أي سبب تسبيحنا له حمده، فالتقدير وإنما سبحناه بحمده أي لما اقتضاه حمده أي ثناؤه الجميل لا لدفع النقص إذ لا يليق به سبحانه حتى يحتاج إلى التنزيه عنه. ولذلك قال بعضهم في اسمه القدوس هو المنزه عن كل كمال لغيره لأن قوله (المنزه عن النقائص) بمثابة قوله الملك ليس بجزار فافهم وقيل الواو بمعنى مع أي مع

حمده قوله وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكنا يعني وأقل اللبث أن تطمئن أي تستقر مفاصلك عن الاضطراب اطمئنانا متمكنا فالطمأنينة فرض على المشهور في جميع أركان الصلاة وعزاه اللخمي للمدونة ونحوه في الجلاب ونقل ابن رشد في سماع يحيى أنه سنة وصوبه اللخمي وعن ابن القاسم غير واجبة ومرة قال فضيلة والزائدة على أقل الطمأنينة قال ابن شعبان فرض موسع وبعضهم نقل وصوبه اللخمي واستشكل بإدراك المسبوق في آخر الركوع فانظر ذلك. (ثم ترفع رأسك وأنت قائل سمع الله لمن حمد ثم تقول اللهم ربنا ولك الحمد إن كنت وحدك ولا يقولها الإمام ولا يقول المأموم سمع الله لمن حمده ويقول اللهم ربنا ولك الحمد). الرفع من الركوع مطلوب بلا خلاف ابن رشد في كونه سنة أو فرضا قولان عليهما قولا مالك في كون عقد الركعة الركوع أو رفعه وعلى أنه سنة يسجد تاركه سهوا وعمدا يستغفر الله وهي رواية علي، وعلى أن الرفع فرض ويرجع محدود باقي السهو قاله محمد ويسجد قبل فإن فات رجوعه لبعده ألغى الركعة وسجد وسمع ابن القاسم فيمن خر من ركوعه ساجدا أن لا يعتد بتلك الركعة، وأحب تماديه على صلاته معتدا بها ويعيد صلاته سحنون وروى علي لا إعادة عليه. وقول ابن القاسم لا يعتد بها ظاهره كان ناسيا أو عامدا وتماديه رعيا للخلاف (ع) عزا الشيخ لمالك استحباب تماديه وإعادته وزاد عن ابن المواز إن رجع قائما بطلت صلاته وقوله (وأنت قائل: سمع الله لمن حمده) يعني ويعمر بها المحل كما تقدم في التكبير لأن أفعال الصلاة كعظامها وأذكارها كمخ تلك العظام ولا عبرة بعظم لا مخ فيه، وتحصيل ما ذكر أن الفذ يجمع بين سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد ويفرد الإمام يسمع الله لمن حمده والمأموم بربنا ولك الحمد وهذا هو المشهور، وروى ابن شعبان جمع الإمام بينهما كالفذ وفي الصحيح نحوه عنه عليه السلام ولابن نافع وعيسى

يجمعهما المأموم واختاره عياض وغيره وحكم سمع الله لمن حمده السنة، وربنا ولك الحمد الفضيلة وتفسير سمع الله لمن حمده اللهم استجب لنا وفي لفظة الثاني ثلاثة اللهم ربنا ولك الحمد ربنا لك الحمد. قال أبو إسحاق وهو أبلغ لأنه دعاء وتحميد إذ تقديره ربنا استجب لنا ولك الحمد ثم الواو هي رواية ابن القاسم خلافا الرواية ابن وهب والله أعلم. فرع: قال ابن رشد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رفع رأسه من الركوع «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه» الحديث، وكره مالك ذلك لئلا يعتقد أنه من فرائض الصلاة أن من فضائلها، وقال ابن شعبان تبطل صلاة قائله قال وقول ابن شعبان تبطل صلاة قائله لا معنى له لثبوته والله أعلم. (وتستوي قائما مطمئنا مترسلا). ذكر في هذه المسألة الاعتدال والطمأنينة والترسل وهو التمكن بعد الطمأنينة فأما الطمأنينة والزائد عليها فقد تقدم الكلام عليهما قريبا وفسر بعضهم الترسل برجوع العظام إلى مفاصلها. وأما الاعتدال وهو استواء المفاصل فمن أركان الصلاة قال مالك في رواية ابن وهب إن لم يعتدل استغفر الله ولا شيء عليه وقاله ابن القاسم وقال ابن وهب وأشهب والتونسي: لا يجزئه ويعيد. وحكى ابن القصار عن بعض الأصحاب يجب ما قرب إلى القيام ابن رشد أوجبه ابن عبد البر ودليل قول ابن القاسم أنه سنة إذ لا يستغفر من ترك فضيلة قال ورواية لا سجود أي لتركه مرة كرواية عدم السجود لترك تكبيرة وصحح ابن رشد السنة واقتصر ابن الحاجب على سنية الزائد على قدر الاعتدال وفيه قولان وأصل الباب في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً دخل المسجد فصلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه

وسلم فسلم عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع فصل فإنك لم تصل». فرجع فصلى كما صلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مثله فرجع فصلى ثم قال في الثالثة أو في الرابعة والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن» وفي رواية لأبي داود «ثم اقرأ بفاتحة الكتاب وبما شاء الله ثم اركع حتى تطمئن راكعا». الحديث فأخذ منه علماؤنا وجوب الطمأنينة والاعتدال قالوا: ولم يذكر له عليه السلام إلا الواجبات ومن جمع أطراف رواية حصل له فيها ذلك نعم. وفيه أن العالم لا يجب عليه التعليم حتى يطلب وهو الصحيح عند القاضي أبي بكر وغيره خلافا للطرطوشي ومن قال بقوله والتنبيه بالرفق والإرشاد مطلوب عند الجميع ما لم يخف فتنة والله أعلم. (ثم تهوي ساجدا لا تجلس ثم تسجد وتكبر في انحطاطك للسجود). أهوى وعاد أي مال إلى نزول من علو إلى سفل والمعنى ثم تأخذ في السجود بالهوي من قيامك وهو أول أفعال سجودك وهل المقصود أولا النهي عن الجلوس قبل السجود فيكون قوله (لا تجلس لما بعده) أي لا تجلس ثم تسجد من جلوسك وأنه مضاف لما فيه ويكون ثم تسجد استئنافا لذكر الكيفية ونهيه عن الجلوس خلافا للشافعي وغيره في أن الجلوس قبل السجود بوجه خفيف جدا من سنة وقد صح فعله له عليه السلام فقالت عائشة رضي الله عنه: «إنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم آخر أمره لأنه بدن». أي ثقلت حركة أعضائه لارتفاع سنه وقال مالك فهو عادي لا شرعي عنده وهذا الجلوس إن وقع سهوا ولو لم يطل ضر والمتأول على تأويله والله أعلم.

(وتكبر في انحطاطك للسجود). يعني بحيث يعمر الركن به كما تقدم في الركوع لأن الأذكار مخ الأركان فإذا خلت منها كانت ضعيفة والله أعلم. (فتمكن جبهتك وأنفك من الأرض). يعني أو ما يقوم مقامها والتمكين المذكور إلصاقها بالأرض إلصاقا تستقر معه عليها منهبطة إن أمكن وإلا فالواجب منها أدنى جزء قاله (س). وكره مالك شد جبهته على الأرض وأنكره أبو سعيد الخدري رضي الله عنه على من ظهر أثره في جبهته، قال علماؤنا ولا يفعلها إلا جهال الرجال وضعفه النسائي وقوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] يعني خضوعهم وخشوعهم ونحو ذلك (ع) والسجود مس الأرض وما اتصل بها من مسطح محل المصلى كالسرير بالجبهة والأنف قال وفي صحته بإحداهما يعني الجبهة وحدها وبالأنف وحده (فيها) أي في المدونة بالجبهة وبالأنف يعيد أبدا. أبو الفرج عند ابن القاسم يعيد في الوقت.

قلت: قالوا وهو المشهور ابن حبيب يعيد أبدا فيهما يعني إن ترك الأنف أعاد أبدا وإن ترك الجبهة فكذلك وفي المدونة من بجبهته قروح تمنعه السجود عليها أومأ ولم يسجد على أنفه أشهب إن سجد عليه أجزأه وهل خلاف أو وفاق وقاله ابن القصار قائلا ويسجد على أنفه أو خلاف وهو كمن أبيح له التيمم لبرد ونحوه فاغتسل وقاله ابن يونس وشيخه عتيق (س) ولك في تحصيل الواجب أدنى ما يمكن من الجبهة وما زاد على ذلك فهو كمال والله أعلم. (وتباشر بكفيك الأرض باسطا يديك مستويتين إلى القبلة تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك). يعني أن مباشرة الأرض بالكفين من غير حائل من كمال السجود وهو مستحب اللخمي ويبرزهما من كميه واختلف إذا لم يبرزهما وسمع يحيى من ابن القاسم قبض الساجد أصابعه على شيء لعذر أو لغير عذر عمدا يستغفر الله قال سند فحمله أنه مس الأرض ببعض كفه قال ولو لم يسمها إلا بظاهر أصابعه لم يجزه ابن رشد إيجاب الاستغفار يدل أنه سنة فيتخرج في تركه عمدا لا لعذر قولان وسمع ابن القاسم أرجو خفة وضع يديه على الأرض لإمساك عنان فرسه إن لم يجد بدا ابن رشد وهو أحسن من سماعه بزيادة ولا أحب له تعمده. وسمع ابن القاسم إن لم يضع يديه على ركبتيه ولا بالأرض لجعل كسائه تحت إبطه لعجزه عن جعله في كفه لثقله وبالأرض خوف أن يخطف له لم يعد وإن لم يخف ومنعه ذلك وضع يديه على ركبتيه أعاد وهذا كله من فروع قوله (باسطا يديه)، وقوله (مستويتين إلى القبلة) قال في المدونة ويتوجه بيديه إلى القبلة ولو خالف وهو متوجه بكل ذاته لم يضره ذلك. وقوله (تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك) يعني استحبابا ثم قوله (أو دون ذلك) يحتمل أن يكون تخييراً في الفعل من القائل الواحد ويحتمل أن يكون على القولين فهو تخيير في النقلين كقوله مثل ثمانية أيام أو عشرة وقوله (وإن نوى إقامة أربعة أيام بموضع أو ما يصلي فيه عشرين صلاة) يريد على القول الأول أو الثاني فانظر ذلك وشرط الجبهة في السجود أن تكون ماسة للأرض أو محل المصلى فلو سجد على كور

عمامته فقال في المدونة يكره قال ابن عبد الحكم، وابن حبيب: إن كان قدر طاقة ونحوها وإن كثر أعاد في الوقت وإن مس الأرض بأنفه المازري، هذا فيمن شد على الجبهة لا فيما برز ومنع لصوقها بالأرض اللخمي إن تكتفت العمامة لم يجزه، وقوله: (وذلك واسع) يعني وضع يده حيث شاء من الأرض وجميع ما في هيئة سجوده غير ما يصح السجود إلا به، فإن الهيئات مستحبة لا شيء على من خالفها إلا فيما يجب والله أعلم. (غير أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض ولا تضم عضديك إلى جنبيك ولكن نجنح بهما تجنيحا وسطا وتكون رجلاك في سجودك قائمتين وبطون إبهاميهما إلى الأرض). قد ثبت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه في سجوده افتراش الأسد وفي رواية افتراش الكلب. وهذا غاية ما ينتهي إليه القبح بفعل مكروه بل نص الشافعية على أن استواء العجيزة والرأس في السجود مبطل له قال ابن الفاكهاني ولا نص عندنا في المذهب في ذلك وما ذكر من عدم ضم العضدين والتجنيح بهما قد تقدم نحوه في الركوع وأن ذلك حكم الرجال لا النساء وأنه يعتقد الخضوع بذلك في ركوعه وسجوده أي الذلة والافتقار. وكون الرجلين في السجود قائمتين بطون إبهاميهما إلى الأرض تحقيقا للسجود عليهما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم». الجبهة وأشار بيديه إلى الأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين ابن العربي فقد أجمعوا على السجود السبعة الأعضاء، قال ابن القصار، قوي في نفسه أنه علي الركبتين وأطراف القدمين سنة. وذكر سحنون في ترك رفع اليدين من الأرض عند الرفع من السجود قولين وأخذ منه الخلاف في وجوب السجود عليهما فانظر ذلك. (وتقول إن شئت في سجودك سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي أو غير ذلك إن شئت وتدعو في السجود إن شئت).

يعني أنه مخير في سجوده بين أن يسبح أو يدعو أو يجمع بينهما. وكان الشيخ اختار الجمع بينهما وفي صحيح البخاري وغيره قال أبو بكر يا رسول الله علمني أدعو به في صلاتي قال: «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيراً» وفي رواية بالموحدة. قال النووي: فيجمع بينهما من أراد العمل بهذا الحديث «ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم». وفي الصحيح أنه عليه السلام كان يقول في ركوعه وسجوده «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر» وهذا جمع بينهما وقد تقدم الكلام عليه في الركوع، وروى أنه عليه السلام لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} [الواقعة: 74] قال: «اجعلوها في ركوعكم» ولما

نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال: «اجعلوها في سجودكم». والحاصل أن الدعاء مكروه في الركوع لا في السجود وفي الركوع فيه بحث واختلاف تكره في كل منهما والله أعلم. (وليس لطول ذلك وقت وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكنا). ليس من شأن مالك التحديد في فعل ولا قول بل ذلك شأن الشارع صلوات الله عليه وسلامه فما وقته وقتناه وما تركه تركناه قال مالك إنما يوقت أهل العراق. فروع مجموعة: قال اللخمي تستحب مباشرة الأرض بوجهه ويديه ولا بأس بحائل خفيف لبرد أو حر ويستحب القيام عليه ويستحب كون الحائل من نبات لا مستنبت كحصير أو حمرة اللخمي وشبهة مما لا يقصد لترفه وفي ثياب الكتان والقطن والكراهة للمدونة والجواز لابن مسلمة ويحيى وغير نباتها كالصوف مكروه اللخمي وابن رشد ولا يضع يديه إلا على ما يضع عليه جبهته والله سبحانه أعلم. (ثم ترفع رأسك بالتكبير فتجلس فتثني رجلك اليسرى في جلوسك بين السجدتين وتنصب اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وترفع يديك عن الأرض على ركبتيك ثم تسجد الثانية كما فعلت أولاً). يعني أن الرفع عند انتهاء السجود يكون كما ذكر وهو فرض بلا خلاف لعدم تصوير السجدة الثانية إلا وبه الاعتدال في سجوده كالاعتدال في الرفع من الركوع. وذكر المازري الأقوال الثلاثة المذكورة هناك الباجي في كون الجلسة بين السجدتين فرضا أو سنة خلاف وعلى الوجوب، ففي وجوب الطمأنينة خلاف، وروى الشيخ الدعاء بين السجدتين ولا تسبيح ومن دعا فليخفف اللخمي ولا يدعو بينهما وقال سحنون إذا لم يرفع يديه عن الأرض بين سجدتيه قال بعض أصحابنا لا يجزيه وخففه بعضهم وأقيم من القول بالبطلان وجوب السجود على اليدين ومن الثاني عدمه (س) والتخريج ظاهر وأما وضعهما على الركبتين فمستحب ويستحب عند السجود تقديم يديه قبل ركبتيه في القيام وعكسه إذ ورد النهي عن خلاف ذلك والله أعلم.

وفي الحديث أنه عليه السلام كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واجبرني واهدني وعافني واعف عني». (ثم تقوم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس ولكن كما ذكرت لك وتكبر في حال قيامك). أما اعتماده على يديه فللاستعانة على القيام وهو خلاف مذهب الحنفية. وقوله: (لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس) هذه تسمى جلسة الاستراحة وقد أثبتها الشافعية سنة لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعلها وقال مالك: إنما فعل ذلك لما أثقلت أعضاؤه فهو عادي لا شرعي وهو تأويل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها واستحبه ابن العربي لثبوته في الحديث قائلا وقولهم بالسجود منه وهم عظيم والمذهب أن من جلس عمدا لا شيء عليه لوروده سنة فأما السهو فإن كان قدر التشهد فإنه يسجد له وإن كان دون ذلك فقال أشهب: يسجد. وقال ابن القاسم وابن كنانة وابن أبي حازم مع رواية ابن وهب وابن أبي أويس لا سجود وهل الاعتماد على اليدين في القيام مباح أو مستحب وهو دليل سماع ابن القاسم تركه مكروه كسماع أشهب وصوبه ابن رشد والله أعلم. (ثم تقرأ كما قرأت في الأولى أو دون ذلك وتفعل مثل ذلك سواء غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قفت قبل الركوع بعد تمام القراءة). يعني أنك تقرأ في الثانية بأم القرآن وسورة تجهر بقراءتهما في الصبح ولا تطول الثانية على الأولى. ابن العربي: من لم يطل الأولى عن الثانية فهو جاهل، وظاهر كلام الشيخ أنه بين المساواة وبين تقصير الثانية، وفي المختصر لا بأس بطول القراءة في ثانية الفرض على الأولى وفي الواضحة استحباب عكسه قال الباجي ويكره في الثانية سورة قبل السورة الأولى في ترتيب المصحف ابن حبيب الترتيب أفضل وعن مالك عكسه ابن رشد وعليه فينبغي أن يبعد من الأولى حتى لا يتحقق العكس وسمع ابن القاسم كراهة تكرار سورة الإخلاص في النفل وسعة ركوع من حصر عن تمام السورة دون قراءة سورة أخرى

قاله الشيخ في المختصر ولا بأس أن يفتح عليه مأمومه لا من ليس معه في صلاة. وروى ابن حبيب لا يلقن وإن خرج من سورة إلى الأخرى حتى يقف ينتظر الباجي لو غير آية رحمة بآية عذاب تغيير يقتضي كفرا لقن (ع) وكذا إن كان ذلك بوقف قبيح. (غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قنت قبل الركوع بعد تمام القراءة). يعني تدعو بالدعاء المعروف بالقنوت وهو في الثانية من صلاة الصبح وليس غير

هذا الموضع على المشهور لا في وتر ولا غيره. وروي القنوت في الوتر في النصف الآخر من رمضان وروي لا قنوت فيه وهو المشهور وكونه بعد الركوع في ثانية الصبح هو مذهب ابن حبيب، وقال الباجي المشهور قبله وظاهر الرسالة التخيير وهو مذهب المدونة والخلاف في محله لا بأس برفع يديه فيه وفي حديث أنس رضي الله عنه كان عليه السلام لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا عليهم متفق عليه زاد الدارقطني ما في الصبح فلم يزل يقنت حتى لقي الله وفي المدونة قال ابن مسعود القنوت في الصبح سنة ماضية يعني مضى العمل بها وليست سنة لازمة. وقال سحنون: سنة. وفي السليمانية يسجد لسهوه والمشهور مستحب وعبر عنه الشيخ بعد بقوله (والقنوت في الصبح حسن وليس بسنة ويستحب إسراره) وقال علي بن زياد من تركه بطلت إما لأنه واجب عنده أو لأن التهاون بالسنن كالتهاون بالفرائض وقال يحيى بن يحيى هو بدعة وإليه ذهب أبو حنيفة وقال سعيد بن طارق لابنه حين سأله عن القنوت هل كان عليه السلام والخلفاء بعده يفعلونه أي بنى محدث. (والقنوت اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق). يعني هذا مختار مالك في لفظ القنوت. قيل وهما سورتان في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وفي المدونة لا بأس بالدعاء بغيرهما وعلى الظالم ولنفسه بأمر دنياه وآخرته وروى ابن وهب أن قوله اللهم إنا نستعينك إلى آخره علمه جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ومعنى نستعينك: نطلب منك العون أي القوة على ما نريده من أمور الدنيا والدين ونستغفرك: أي نطلب منك المغفرة التي هي الستر على الذنوب وعدم المؤاخذة بها ونؤمن بك أي نصدق بوجودك وكمالك مع الإذعان لما جاء عنك من أمر ونهي وغيره ونخنع لك بنونين بينهما خاء معجمة أي نذل غاية الذلة بين يديك لجلال عظمتك ونخلع عن كل

ما لا ترضاه ولا يرضاه رسولك لما فيه رضاك ورضا رسولك ونترك من يكفرك وفي رواية من يكفر بك أي نعاديه ونجانبه لأجل كفره: بك والكفر تغطية الحق بالباطل اللهم أي يا الله أقيمت الميم مقام حرف النداء إياك نعبد يعني لا غيرك لأن تقديم المعمول يؤذن بالحصر والعبادة كل مأمور به شرعاً. قال القاضي أبو بكر بن العربي وتخفيف الياء من إياك يحيل المعنى لأن إياك بالتخفيف: اسم للشمس ومعنى نصلي نقبل على المعنى اللغوي وعلى وجه خاص إن قصدت الصلاة الشرعية ونسجد يعني في صلاتنا وكأنه أتى بخاص بعد عام لأن الصلاة أفضل الأعمال وأفضل أفعالها السجود لأنه محل القرب وأقرب ما يكون العبد من ربه في السجود. وقوله (نسعى) يعني نقبل أو نعمل بجد لا تقصير فيه ونحفد بكسر الفاء نسارع في مرضاته (نرجو رحمتك) يعني أن تنالنا فيما نحن فيه من أمر الدنيا والدين ونخاف عذابك الجد بكسر الجيم الذي لا مريه فيه ولا هزل يدخله ولا يعتريه (إن عذابك بالكافرين ملحق) بكسر الحاء يلحق من قضيت عليه به وهم الكفرة حتما وغيرهم إن شئت ذلك وعلى رواية فتح الحاء يلحقه بهم من شئت من خلقك زبانية وغيرهم. وهذه ألفاظ القنوت عنده من غير زائد. وفي التلقين اللهم اهدنا فيمن هديت إلى آخره وهذا الذي اقتصر عليه الشافعي وأتى به جهراً وهو مشهور رواه علي كرم الله وجهه. وخرجه البيهقي والطبراني ولم يصح حديثه وليس في صحيح الرواية ونتوكل عليك وثبت في بعض النسخ والمشهور لا يتقيد للقنوت دعاء ودعا بما أحب وإن لدنيا ولو قال يا فلان فعل الله بك كذا لم تبطل على الأصح. وفي الجلاب إنما يدعو في القيام بعد القراءة وفي الجلوس بعد التشهد وروى الشيخ أيدعو بكسوته في سجوده؟ فقال يزيد ذكر السراويل ليدع بما دعا به الصالحون وبما في القرآن والقول بالبطلان في قوله يا فلان فعل الله بك كذا لابن شعبان قال الشيخ رواه لغيره. (ثم تفعل في السجود والجلوس كما تقدم من الوصف).

يعني وتتقي الإفعاء وهو الجلوس على صدور القدمين ماسا بأليتيه عقبيه كذا في المجموعة وانظر التونسي واللخمي وابن يونس وابن زرقون في ذلك. (فإذا جلست بين السجدتين نصبت رجلك اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وثنيت اليسرى وأفضيت بأليتك إلى الأرض ولا تقعد على رجلك). يعني فتكون رجلاك معا خارجتين لناحية اليمين ومعنى نصب اليمنى جعلها موجهة للقبلة بركبتها وبحسب ما ذكر فتكون اليسرى معترضة من شمال إلى يمين فتكون مضجعة على يسارها ووراءها إبهام اليمنى قائم على رأسه وكذا كل ما أمكن من أصابعها ومعنى ثنيت عطفت وأفضيت إلى الأرض وضعت بها أو ملت إليها أو خالطت وكل قريب والمراد بأليته هنا الورك اليسرى. وقد رواه بعض الناس بأليتيك بالتثنية وهو يوافق المذهب والله أعلم. وقوله: (ولا تقعد على رجلك اليسرى) يعني خلافا لأبي حنيفة وهو مقتضى حديث وائل بن حجر رضي الله عنه في صفة الصلاة وذهب الشافعي إلى حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه وهو أن يجلس في الأولى كفعل أبي حنيفة وفي الثانية كفعل مالك متوركا وقال أحمد بن حنبل اختلاف الأحاديث قاض بالتخيير فأيهما جلس كان على السنة ومذهب مالك أن هذا كله مستحب وكيفما جلس أجزأه وقد تقدم حكم الإقعاء قريبا وبالله التوفيق. (وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها إلى الأرض فواسع). يعني أن توقيف الرجل اليمنى وجعل إبهامها وأصابعها إلى الأرض ليس بشرط بل الأمر على التخيير في ذلك وفي هذه وقد زاد الشيخ في صفة الجلوس في هذا الموضع ثلاثا الإفضاء بالألية إلى الأرض والنهي عن الجلوس على الرجل اليسرى وإمالة اليمنى وجعل جنب بهمها إلى الأرض مع أن سنة الجلوس في المذهب واحدة. وفي قوله (بهمها) مناقشة لفظية وذلك أن الجوهري قال الإبهام أعظم الأصابع والبهم أولاد الضأن فكان صوابه أن يقول جنب إبهامها والله أعلم. (ثم تتشهد والتشهد التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد

أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله). قوله (ثم تتشهد) يعني تأخذ في ذكر التشهد بلفظه الوارد شرعاً وقد وردت فيه ألفاظ متقاربة المعنى. قال في التمهيد: والاختلاف فيها اختلاف في مخيرايه أولى عياض وقد صحت فيه

روايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن طريق ابن عباس رواية قال بها الشافعي ومن طريق ابن مسعود قال بها أبو حنيفة وقال مالك بالتشهد الذي علمه عمره رضي الله عنه على المنبر بمحضر الصحابة ولا نكير يعني فكان كالمجمع عليه قلت: وقد أنهيت الروايات فيه إلى نحو العشرة وفي أول بعضها باسم الله وبالله ولم يأخذ به مالك وسمعت بعض الشيوخ يقول تشهد عمر ليس فيه ورحمة الله وبركاته وهو ثابت في بعض روايات الموطأ وصحيح في رواية عبد الله بن عمر وكذلك وجده لا شريك له في التشهد الأول. والصحيح أن محمدا عبد الله ورسوله بصريح الاسم لا بالضمير وقد اختلف في معنى التحيات بما يطول وأحسن من ذلك قول من قال التعظيمات لله فلا يستحقها سواه لأنه الملك الذي ليس فوقه ملك والعظيم الذي يصغر عند ذكر وصفه كل شيء والله أعلم. والظاهر أن الزاكيات والطيبات وصف للتحيات ومعنى الزاكيات: الطاهرات من النقص والمتزايدات في الظهور والمعاني والطيبات الخالصات الجليلات وقيل الزاكيات الأعمال الصالحات لله أي اختراعها وإيجادها كغيرها والطيبات من الكلام كذلك لقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] والصلوات الإقبالات وقيل ذوات الركوع والسجود فلا يصح أن تعمل لغيره. قال ابن العربي وإنما أضيفت هذه كلها إلى الله تعالى تشريفاً وتعظيماً كقوله {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ} وإلا فالكل منه وإليه وقوله (السلام عليك) قيل السلامة الدائمة والنجاة لك يا رسول الله ابن دقيق العيد وقيل بمعنى الانقياد لقوله تعالى: {ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] وضعفه بجهة التعديل يعلى إذ لو كان المعنى هذا لكان السلام لك وإنما قال أيها النبي ولم يقل أيها الرسول لعموم النبوة قلت: ليس المراد الجنس حتى يكون مثل هذا جوابا وإنما المراد شخص بعينه فالظاهر أنه عدل للوصف والأخصر الذي هو النبوة باعتبار اللفظ والله أعلم. (ورحمة الله) ما يتعدد من نفحات إحسانه المتداركة وبركاته خيراته المتزايدة لأن البركة هي الخير المتدارك وقوله: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) رجوع في حكم النيابة في رد السلام المتوجه منا للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد بالصالحين

قيل كل المؤمنين لقوله عليه السلام: «فإذا أصابت كل عبد مؤمن في السماء والأرض» وقال: الزجاج الصالح القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق العباد. وقيل الصالح من سلم عمله من المفسدات ولسانه من المبطلات أو من الخطيئات وبطنه من الشبهات وقوله: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) قد تقدم معناه في الأذان وإنما ذكر بالعبودية لأنها أشرف أسمائه وتبريا مما قاله النصارى وفي نبيهم وقد قال عليه السلام لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ولكن قولوا عبده ورسوله. تنبيه: وما يقع للعوام كثيراً قولهم التاحيات بزيادة الألف بعد التاء وتخفيف الياء وقد نص الشافعية على بطلان الصلاة بذلك ولم أقف لأهل المذهب على شيء فيه فانظره. (فإن سلمت بعد هذا أجزأك). أي في استعمال سنة التشهد والمشهور أن كلا التشهدين سنة واحدة. وروى أبو مصعب وجوب الأخير كمذهب الشافعي وقال ابن زرقون ظاهر نقل أبي عمر عنه وجوبها وسيأتي قول الشيخ والتشهد وإن قيل سمي التشهد لاحتوائه على التشهدين قلت مع تضمن معناهما والله أعلم. (ومما تزيده إن شئت وأشهد أن الذي جاء به محمد حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور). يحتمل أن يكون التخيير في الزيادة وتركها وهو الظاهر ويحتمل كونه في المزيد واعترض ابن الفخار هذه الجملة بأنها إنما وردت في تشهد الوصية لا في تشهد الصلاة وبالغ ابن العربي في إنكارها حتى قال: وهذا من تحريف الشريعة وتبديلها وهو إسراف في النكير إذ لم يرفع حكما ولا أخل بحكمة ولا نقل عن محله الذي ورد فيه نقلا يقتضي إسقاطه عما ورد فيه بل هو من كمال العقيدة غر أن الوارد في هذا المحل إنما هو قوله عليه السلام ثم ليتخير من المسألة أحب إليه وهو الذي فعله الشيخ في تمام الزيادة المذكورة. (اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وإلى

آخره). المشهور أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة سنة عند ابن شاس. وقال ابن الحاجب هو الأصح، وقال ابن عطاء الله الأصح فضيلة، وروي عن ابن المواز الوجوب مثل قول الشافعي وظاهر كلام الشيخ والاستحباب لتخييره في الزيادة التي في الصلاة منها وقال ابن العربي حذرا من قول ابن أبي زيد (وارحم محمدا) فإنه قريب من بدعة ورد بحديث ابن مسعود رضي الله عنه إذا تشهد أحدكم في صلاته فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم إلى آخره. رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين فلا وجه لإنكاره. وذكر عياض اختلافا في الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة هل يجوز أو يكره فكرهه أبو عمر بن عبد البر وقيل: يجوز وإليه ذهب أبو محمد وأنكر عياض أن يكون فيه حديث صحيح فانظر ذلك نعم ويشكل أيضا على قول من قال إن الصلاة هي الرحمة لأنه تكرار ونقل الشارمساحي في شرح أصول ابن الحاجب أن الصلاة عند جمهور العلماء بمعنى الرحمة ورحمة الله لمن أراد رحمته إرادة إنعامه. وقال القرافي إنها من الله زيادة الإحسان قال بعض المتأخرين هي بمعنى القبول والتكرار أي الإقبال بزيادة التشريف والتعظيم وقد تقدم ذلك، وقوله (كما صليت على إبراهيم) يعني في التحديد والتكرار بعد حصول صلاته عليه في الأصل والله أعلم. ومعنى حميد محمود في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله مجيد أي عظيم في ذلك، وقوله (أنبيائك والمرسلين) خصوص بعد عموم لأن النبي إنسان أوحى إليه بشرع فإن أمر بتبليغه فهو رسول وإلا فنبني فقط، وقيل: الرسول من جاء بشرع جديد أو كتاب جديد والنبي من لم يجيء بشرع أو جاء مجددا لشريعة غيره وقد تقدم في قوله (وعلى أهل طاعتك أجمعين) فيه جواز الصلاة على غير الأنبياء والمشهور جوازه بالتبع لا مع

الإفراد وعن مالك لا يصلي إلا على محمد صلى الله عليه وسلم. (اللهم اغفر لي ولوالدي ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزما). هذا من تخيير المسالة وقدم نفسه في الطلب لإشعار الافتقار ثم والديه لواجب حقهما ويشكل هذا في حق من والداه على غير الإسلام ومعنى مغفرة عزما غير متوقفة على شرط وقيل يعني ناجز وقوعها وقيل غير ذلك. وقوله: (اللهم إني أسألك من كل خير سألك ... إلى آخره) كذا علمه النبي صلى الله عليه وسلم بعض من سمعه يدعو ويطول التفصيل في دعائه إثر صلاته رواه الترمذي وغيره. وقوله (ما قدمنا وما أخرنا) يعني ما قدمنا من السيئات وما أخرنا أي وما تركنا من الواجبات وقيل ما قدمنا من الذنوب وما أخرنا من التوبة وقال ابن عباس رضي الله عنه، في قوله تعالى: {يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13] بما قدم ما عمل بنفسه وما أخر ما سنه ليعمل به بعد موته وقوله (وما أنت أعلم به منا) يعني وما تعلمه ولا علم لنا به أو لنا به علم لكن في علمك منه ما لا نعلمه لأن علمنا لا يساوي شيئا مع علمك إذ لا نعلم إلا ما علمتنا ومن فهم أن علم العبد بنفسه وغيره ينقي علم الله به أو يقتضي له قصورا ويتبعه فهو كافر إجماعا والله أعلم. وقد حكى بعض المفسرين في معنى قوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] خمسمائة قول سمعت ذلك من شيخنا أبي عبد الله

القوري يذكره غير مرة ويحكي أنه في مسألة الروح سبعمائة قول ومرجع الأقوال كلها في الأول إلى طلب ما هو حسن في الدنيا حسن في الآخرة فكل من فهم في ذلك شيئاً قال إنه المراد والتحقيق أنه من وجوهه والله أعلم. (اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب النار وسوء المصير). فتنة المحيا ما يقع من الفتن في حال الحياة وأنواعها كثيرة فضلا عن أعيانها أعاذنا الله منها وفتنة الممات أعظمها خاتمة السوء والعياذ بالله وأقلها الشغل عن الذكر في ذلك الوقت مع الابتلاء بالأمور الشنيعة نسأل الله العافية وفتنة القبر سؤال الملكين وما يتبعه من سؤال القبر ونحوه حتى قالوا إن إبليس يدخل معه في قبره فإذا سأله الملكان من ربك وما نبيك أشار إليه أن يقول إنه هو ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وهو غريب والمسيح بالحاء المهملة والخاء المعجمة سمي بالأول لأنه أمسح اليمنى أو لأنه يمسح الأرض في أقرب مدة وهي أربعون يوما وبالثاني بمعنى أنه ممسوخ فعول بمعنى مفعول والصحيح بالمهملة والدجال لغة: الكذاب البالغ في الكذب للغاية والله أعلم وسوء المصير قبيح المرجع. تنبيه: هذا منتهى ما اختاره الشيخ من الأدعية ولك أن تدعو بغيره وأن تنقص منه وتزيد عليه ولا يزيد إلا في آخر التشهد الأخير لأن سنة الأول التخفيف وقوله (السلام عليك أيها النبي إلى آخره) كان يقوله عبد الله بن عمر رضي الله عنه آخر تشهده. (ثم قال السلام عليك إلخ)

بهذا اللفظ من غير نقص إذ لا يجزئ على المشهور ولا زيادة رحمة الله ولا غيره لأن المذهب خلافه ابن الحاجب وفي اشتراطه نية الخروج به قولان (خ) قال ابن الفاكهاني والمشهور عدم اشتراطه نية الخروج بالسلام وأن النية الأولى منسحبة عليه قال سند ظاهر المذهب اشتراط نية الخروج به وكذا حكاه وعن ابن العربي الافتقار لابن حبيب وعدمه لمعروف المذهب ولم يحك ابن رشد غيره والتعريف شرط على المشهور فلو قال سلام عليكم فقال الشيخ عبد الوهاب لا يجزئ ولو جمع بين التعريف والتممير بأن قال السلام بالتنوين فقال الشارمساحي يجري فيها ما يجري في صلاة اللحان وجزم ابن الفاكهاني عن بعض المتأخرين بالبطلان. وحكى الشيخ الصالح أبو محمد يمكن في من قال السلام ولم يقل عليكم قولين (وقوله تسليمة واحدة عن يمينك) هو مشهور المذهب وروى اللخمي ثانية على اليسار وقال أبو الفرج: إن كان أحد بيساره (خ) وزيادة الثانية هي رواية ابن وهب وقوله (عن يمينك) تقصد بها قبالة وجهك كالمتنافي والمراد أنك لا تنحرف عن القبلة في حال سلامك بأول وهلة ولكن تسلم قبالة وجهك ثم تنحو برأسك لناحية اليمين لآخره ليدل ذلك على خروجه من الصلاة.

وقال ابن شعبان: من بدأ فسلم عن يساره قبل أن يسلم عن يمينه حتى تكلم بطلت صلاته واستشكله الشيخ بأنه إنما ترك التيامن وهو مندوب على المشهور ونقل اللخمي عن مطرف الأجزاء ولو عمدا فرأى اللخمي إن سلم عن يساره ونوى به التحلل أجزأه وإن نوى به الفضيلة وإنما يتحلل بالثانية فنسي حتى طال انصرافه بطلت وإن كان ظن أنه سلم الأولى بالتحلل ثم أتى بالثانية وإن رأى صحة التحلل بالثانية صحت وإلا فلا (ع). والصواب في القسم الثاني بطلانها لكلامه ابن رشد إن سلم الإمام في الثانية ونسي الأولى لم يجزه على قول مالك ويجزيه على ما تأولناه من قول ابن شهاب وابن المسيب. فرع: ولو سلم شاكا في تمام صلاته فقال ابن حبيب تصح برجوعه لإتمامها والأظهر قول غيره ببطلانها وعن الشيخ صحتها لكتاب ابن سحنون وبطلانها الابن عبدوس عن سحنون وقوله (هكذا يفعل الإمام والرجل وحده) يعني في العدد والهيئة غير أن في الواضحة ليحذف الإمام سلامة ولا يمده قال أبو هريرة وتلك السنة وكان عمر بن عبد العزيز يحذفه يخفض به صوته وفي المدونة يسمع الإمام من يليه ولا يخفض جدا وسمع ابن وهب أحي إلي عدم جهر المأموم بالتكبير (وربنا ولك الحمد)، فإن أسمع من يليه فلا بأس وتركه أحب إلي ولا يحذف تكبيرة ولا تسليمة حتى لا يفهم ولا يطيله جدا. فرع: سمع عبد الملك بن وهب من صلى خلف من يسلم تسليمتين فلا يسلم حتى يسلم إمامه الثانية وسمع ابن القاسم وقيامه لقضائه كذلك. (وأما المأموم فيسلم واحدة يتيامن بها قليلا ويرد أخرى على الإمام قبالته يشير بها إليه ويرد أخرى على من كان سلم عليه عن يساره). يعني أن المأموم يسلم ثلاثة واحدة للخروج من الصلاة والأخرى للإمام والثالثة لمن على يساره ولم يقل قبالة وجهه كما قال في الفذ والإمام المازري وظاهر رواية ابن القاسم في المدونة فلا يحتاج أن يسلم قبالة وجهه.

ونقل عياض أنه كالفذ والإمام والبداءة بعد الأولى بالإمام على المشهور ولابن محرز عن أشهب رأيت مالكا بدأ أبيمينه ثم يساره ثم على الإمام في كل ذلك سلام عليكم وفي هذه الرواية أجزاء سلام عليكم في كل سلام. وقال الباجي لا يجزئ وروى ابن شعبان يجزئ الباجي واختار بعض أصحابنا (سلام عليكم) فتتحصل ثلاثة أقوال مشهورها عدم الإجزاء وروي إنما يسلم واحدة للخروج من الصلاة وأخرى للإمام والجماعة يشركهما فيها واختاره ابن العربي في العارضة. فرع: وفي المسبوق إذا ذهب إمامه ومن على يساره هل يسلم عليهما أم لا؟ روايتان المازري على ثبوته ببقاء حكم الإمام عليه ونفيه فإن شرط الرد الاتصال. (فإن لم يكن سلم عليه أحد لم يرد على يساره شيئاً). يعني المأموم فلا يرد على قاض بإزائه وهل يرد الإمام على مصل في يساره هو تأويل أبي الفرج على رواية اللخمي يسلم المأموم اثنتين ابن سعدون ويكون على إمامه تلقاء وجهه وليس عليه أن يشير إلى المأمومين ولأن المأموم لو كان بين يدي الإمام لم يكن سلامه عليه وجهه والنية تجزئ في ذلك. وقيل: يرد على يساره للملائكة ومؤمني الجن لأنهم هناك والله أعلم. فرع: والسلام فرض على المنصوص وأخذ لابن القاسم فيمن أحدث بعد سلام إمامه أنه ينصرف ولا شيء عليه أنه ليس بواجب وقال الباجي هو قول أبي حنيفة ورده المازري عنه بأن أبا حنيفة يجزئ ذلك ابتداء ويجعله كافيا وهذا خلافه فانظره. (ويجعل يديه في تشهده على فخذيه). فمن لازمه رفع يديه عن الأرض. وقد حكى سحنون في وجوبه قولين وجعلهما مستحبا وهو قريب من قوله (وترفع يديك على ركبتيك بلا فرق بينهما) (ع) وكفاه في جلوسه على فخذيه قابضا اليمنى بسبابتها وحرفها إلى وجهه زاد ابن بشير ثلاثا وثلاثين ابن الحاجب شبه

تسعة وعشرين والمروي ثلاثا وخمسين والذي نقله (خ) عن ابن بشير ثلاثا وثلاثين وصوب ابن فرحون ما لابن الحاجب فانظره قلت: وصفة العشرين من الإبهام بعد طول السبابة والثلاثة تحتها ضم الوسطى والبنصر والخنصر لأصلها والتسعة جعل رءوس الثلاث على لحمة الكف وصفة الخمسين جعل الإبهام إلى جانب السبابة كالراكع والله أعلم. فأما الثلاثون فهي أن يجمع رأس المسبحة إلى رأس الإبهام كحلقة واسعة والثلاث كما تقدم في غيرها ويقال إمساك القملة بالثلاثين وقتلها بالسبعين والله أعلم، وقوله (يشير بها) يعني إلى التوحيد وفي أبي داود أنه عليه السلام رأى رجلاً يشير بأصبعيه السبابتين فقبض له واحدة وقال " إنما هو إله واحد. وقوله (واختلف في التحريك) يعني في المراد به عند القائل به فقيل يعتقد بالإشارة بها أن الله واحد وهذا يجري على قول يحيى بن عمر أنه لا يحركها إلا عند قوله " أشهد أن لا إله إلا الله " وقال ابن القاسم إنما يجدها ساكنة جنبها الأيسر إلى وجهه ولا يحركها. وقال يحيى بن سعيد: يقبضها ولا يحركها وفي سماع ابن القاسم التخيير وسمع ابن القاسم يسن تحريكها في جميع التشهد قال ورأيت مالكاً يحركها في التشهد ملحاً من تحت الساجة ابن رشد وهو السنة وقال ابن عمر هو من سنة الصلاة يعني الإشارة خلافاً لابن العربي ابن الفاكهاني وصفة تحريكها أن يشير بها شرقاً وغرباً كالمدية قيل وإنما اختصت السبابة بذلك لأن عروقها متصلة بنياط القلب فإذا حركت انزعج وتنبه يعني فيحضر لبقية الصلاة ولعله ومقصود الشيخ بقوله وأحسب تأويل ذلك) ومن ثم كانت مقمعة للشيطان وإلا فأين الشيطان وكيف تقابله أصبع واحدة بل ولا يد واحدة والمقمعة هو القياس والرواية الفتح من القمع وهو القهر والغلبة وبالله التوفيق. (ويستحب الذكر بإثر الصلوات يسبح الله ثلاثاً وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ويكبر ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).

يعني كما صح ذلك من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قائلاً: «من قاله غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر» أخرجه مسلم. وفي حديث ثوبان رضي الله عنه كان عليه السلام إذا انصرف من الصلاة استغفر ثلاثا قال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تبارك ذو الجلال والإكرام» رواه مسلم قال الأوزاعي يقول استغفر الله استغفر الله استغفر الله وقال ابن العربي إنما يقول " رب اغفر لي " والعمل على الأول وفي حديث معاذ رضي الله عنه أنه عليه السلام قال: «إني أحبك يا معاذ فلا تدعن في دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» رواه أبو داود وغيره في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا الموت صححه ابن حبان وغيره. وفي حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما " من قرأها في إثر صلاة حفظ إلى صلاة أخرى رواه الطبراني وزاد " قل هو الله أحد " معها، وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه عليه السلام أمره بقراءة المعوذتين في دبر كل صلاة وفي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه عن علي – كرم الله وجهه – من قال في دبر كل صلاة مكتوبة: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] الآية فقد اكتال بالكيل الأوفي من الأجر فهذه وظيفة الخواص عند العلماء واختلفوا هل يجمع الكل أو يقولها ثلاثا وثلاثين وهو مختار جماعة من السلف وأئمة الفقهاء منهم الشيخ الصالح الفقيه ابن (ع) فيما حكى عن الأبي

ومنهم من اختار التفصيل وهو ظاهر الحديث وسألت الشيخ فخر الدين الدمياطي حافظ العصر وإمام الحديث عن ذلك فقال مقتضى الأحاديث الجمع. وقد صح الترغيب في ذلك عشرا عشرا وكان شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله يقول: إذا استعجلت الأمر عملت بحديث العشر وإذا تأنيت أخذت بالثلاث والثلاثين قلت: ويشكل في صلاتين من يوم لقوله في دبر كل صلاة مكتوبة فانظر ذلك. وفي الصحيح أنهم قالوا يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال: «جوف الليل الآخر وأدبار الصلوات المكتوبة» فالدعاء في أدبار الصلوات مطلوب وفي كونه على الوجه الواقع في المساجد اليوم بدعة مستحسنة أو بدعة مستحبة خلاف بين المتأخرين وحديث حبيب بن مسلمة البهزي رضي الله عنه وكان مجاب الدعوة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجتمع قوم مسلمون فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا استجاب الله لهم دعاءهم». رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم وهذا كله في إثر المكتوبة للفرق بينها وبين النافلة قاله ابن الفاكهاني وحكى أبو عمر أن السلام كاف فيه والله أعلم. (ويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها وليس بواجب). أما استحباب الذكر في هذا الوقت فلأنه افتتاح صحيفة النهار ووقت فراغ القلب من أشغال الدنيا ومفتاح الخير ومحل تنزل الخير والبركة، وحديث أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام كان إذا صلى الصبح تربع في مجلسه يذكر الله حتى تطلع الشمس وعنه «من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الصبح ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة» رواه الترمذي، وقال حديث حسن.

وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه يقول الله تعالى: «ابن آدم اذكرني ساعة بعد الصبح وساعة بعد العصر أكفك ما بينهما» وعن علقمة بن قيس رضي الله عنه قال بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من النائم بعد صلاة الصبح وذكر العلماء أن البركة في الغنم باستيقاظها في هذا الوقت وعدمه في الكلاب بنومها فيه حتى إن الكلبة تلد سبعة ولا ذبح والشاة تلد واحدة وإن أكثرت اثنان والغنم مع ذلك أكثر من الكلاب والحاصل أنها أربعة النوم في هذا الوقت مكروه قال في الاستيفاء إلا من اتصل سهرة بصلاته لقيام بليله وقال أحمد بن خالد لا يكره. الثاني: وهو إن كان بالعلم ونحوه كالذكر وقد كان عليه السلام يقول في هذا الوقت: «هل رأى أحد منكم رؤيا وكانوا يتحدثون بأمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم» وإن كان بغير العلم فيكره عندنا لأنه وقت عبادة. الثالث: السكوت وقال ابن رشد هو المختص بثواب هذا الوقت فأما الذكر والدعاء فثوابهما في أنفسهما لا يختص بوقت ولكن قد يعتبر بالإضافة هكذا. وقال أحمد بن خالد من أهل المذهب لا يختص هذا الوقت بشيء وقال أبو حنيفة إنما يختص ما قبل صلاة الصبح والمعول الأول عند الكافة وقد قال مالك كان عمر بن عبد العزيز إذا صلى الصبح لا يكلم أحداً إلا جواباً بما خف وكان مالك - رحمه الله - إذا أصبح حدث وتكلم في المسائل وغيرها فإذا أقيمت الصلاة كأنه لم يعرف الناس ولم يعرفوه وقال بعض الشيوخ أشرف الذكر بالنهار الذكر بعد صلاة الصبح وكان السلف يثابرون على الاشتغال بالذكر بعد صلاة الصبح إلى آخر وقتها قالوا وإنما يمنع النفل في هذا الوقت ليتفرغ الوقت للذكر وكذا قالوا فيما بعد صلاة العصر إلا أني لم أقف فيه على حديث صحيح وما وقفت لأهل المذهب فيه على شيء وفي غير الصبح وآثار السلف فيه شيء كثير. وقد ذكر الإمام أبو حامد وظائف هذين الوقتين أربعة الذكر والدعاء والتفكر والتلاوة وأحاديث الأذكار كثيرة فخذ ما صح واتضح ودع عنك البدع واتباع المتبدع وقد أفرد العلماء لذلك كتابا «كالحصن الحصين» لابن الجزري " والأذكار " للنووي وكذا " حلية الأبرار " والرياض " ونحوها فانظر ذلك.

وقد قال عليه السلام: «لن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» يعني ذكر طرفي النهار وآخر الليل فأول النهار للتحصيل وآخره للتفصيل أي النظر في الأعمال بمحاسبة ونحوها وآخر الليل للتوصيل لأن السحر وقت المناجاة فاعرف ذلك وبالله التوفيق. وإنما قال وليس بواجب خلافاً لأهل الظاهر. (ويركع ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح بعد الفجر يقرأ في كل ركعة بأم القرآن يسرها).

هذا أول كلام فيما يتصل بالصلاة المفروضة من النوافل والسنة وهو كلام في ركعتي الفجر وينحصر في ثلاثة أطراف حكمهما وصفتهما ووقتهما فأما حكمهما فلا خلاف في أنها ليست بواجبة وأنها أعلى رتبة من كل ما دون الوتر من الرواتب وهل هي سنة وقاله أشهب وهو ظاهر المدونة عند ابن رشد أو من الرغائب وقاله أصبغ وابن عبد الحكم قولان وقد صح " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " وما تركها عليه السلام حتى توفي وأما وقتها فقبل صلاة الصبح وبعد طلوع الفجر (ع) وفيها إن تحرى في غيم فركع فلا بأس فإن ظن أنه قبل الفجر ففي إعادتها قولان لابن حبيب مع ابن الماجشون والشيخ مع ابن وهب إن ركع ركعة قبله وركعة بعده فيعيده أحب إلي. وفي المختصر لا يجزيه وسمع ابن القاسم إن أسفر جداً فلا يركعهما انتهى. ولو ذكرهما في المسجد وأقيمت الصلاة دخل فيها على المشهور وفي الجلاب يخرج فيركعهما ما لم يخف فوات ركعة وروى أيضاً ما لم يخف فوات الصلاة وروى غيره يدخل ويتركها وروى ابن نافع إن كان قرب المسجد دخل وتركهما وإن بعد ركع ولو وجد الإمام في تشهد الصبح ففي سماع ابن القاسم أرى أن يكبر ويدعهما ابن

القاسم ويركعهما ويركعهما بعد طلوع الشمس ابن رشد هذا أحسن من قول ابن حبيب لا يكبر وإذا سلم الإمام قام فركعهما ثم صلى (ع) وروى الباجي من نسيهما قضاهما بعد طلوع الشمس فحمله ابن العربي على ظاهره وقال الأبهري مجاز عن نقل مكانه ابن محرز على ابن شعبان من فاتاه قضاهما ما لم تزل الشمس الباجي وقتهما إلى الضحى، وعن أشهب في وقت حل النافلة بالليل والنهار وبعد الظهر وروى ابن وهب لا تقضي بعد الزوال (خ). والقضاء هو المشهور لما في الموطأ من حديث الوادي قال في مختصره ولا تقضي سنة غيرها وأما صفتهما فقال الشيخ يقرأ فيهما بأم القرآن يسرها فذكر حكمين الاقتصار على أم القرآن فيهما وهو المشهور ونحوه في المدونة من فعل مالك وروى ابن القاسم وزيادة سورة من قصار المفصل وروى ابن وهب كان عليه السلام يقرأ فيهما (بقل يا أيها الكافرون) (وقل هو الله أحد) وهو في مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفي أبي داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وقال به الشافعي وقد جرب لوجع الأسنان فصح وما يذكر من قرأها بـ (ألم) وألم لم يصبه ألم لا أصل له بدعة أو قريب منها وفي ضمن ما ذكر تخفيفها ولا خلاف بأنه سنتها وفيه حديث والسر مأخوذ من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجوز فيهما حتى أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن أم لا ومن لازم قصر هما في هذا الوقت إيقاعهما بنية تخصهما. فروع ثلاثة: أولها: روى ابن نافع ولا بأس بالنفل بأم القرآن فقط (ع) فقول ابن شاس وتابعيه هي سنة في أولى كل صلاة سوى ركعتي الفجر لا أعرفه. الثاني: أطلق في المدونة الكراهة على الضجعة بين صلاة الصبح وركعتي الفجر إن يرد بها فصلاً بينهما وإن لم يذكر ذلك فجائز وقال ابن حبيب تستحب (ع) لا بأس بالضجعة بين صلاة الصبح وركعتي الفجر الشيخ لا تفعل استنانا ابن بشير المشهور أنها

غير مشروعة قلت: وقد رأيت للعزى جزءاً سماه اغتنام الأجر في الرد على من أنكر الضجعة بعد الفجر. الثالث: في كون ركعتي الفجر في البيت أفضل من المسجد قولان فللشيخ عن ابن حبيب في البيت أفضل ولابن محرز عن السليمانية في المسجد أفضل لإظهار السنة والله أعلم. (والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطوال أو دون ذلك قليلاً). يعني أن السنة تطويلها كالصبح وهل هما نظيرتان وهو قول أشهب وفهم ابن رشد من المذهب أن الصبح أطول وقاله يحيى بن عمر مع مالك ونقله الباجي عن المذهب والمازري وعن مالك وهل هو ثالث أو تخيير بين القولين محتمل ويستحب كون الثانية أقصر في كل صلاة فإن طول الثانية فقال ابن العربي جهل وقال غيره ولا في الحديث ما يشهد للمساواة والله أعلم. (ولا يجهر فيها بشيء من القراءة)

يعني قلت أو كثرت فإن جهر بالآية والآيتين فلا شيء عليه وإن كان أكثر من ذلك سجد بعد السلام لسهوه وإن تعمد فهي أربعة يعيد أبدا يعيد في الوقت ولا إعادة ولا سجود ويسجد بعد السلام وقد ذكره اللخمي في تارك السنن عمدا والمشهور قول ابن القاسم يستغفر الله ولا شيء عليه والصلاة بالنسبة إلى السر والجهر ثلاثة أقسام قسم يجهر في كله وهو الصبح، والجمعة والعشاء في القصر، وقسم يسر في كله وهو الظهر والعصر، وقسم يجهر في أولييه وهو المغرب مطلقا والعشاء إن كملت وهذا كله مما لا خلاف فيه والله أعلم. (ويقرأ في الأولى والثانية في كل ركعة بأم القرآن وسورة وفي الأخيرتين بأم القرآن وحدها سراً). أما قراءة السورة في الأولى والثانية فقد تقدم أنه سنة وأن من تركها سجد لها وتقدم الخلاف في السنة هل هي كلها سنة وهو المشهور أو بعضها والباقي فضيلة وشهره عياض وأنكره (ع) وإن السر والجهر كل واحد سنة وأن من ترك الجهر يسجد قبل السلام ومن ترك السر يسجد بعده ويأتي منه إن شاء الله. وقال ابن عبد الحكم إن شاء زاد سورة في الأوليين وإن شاء قرأ بسورة في الأخريين يريد أنه أفضل وكان ابن عمر رضي الله عنه يفعله وعلى المشهور لا يفعل ابتداء وإن فعل فلا سجود عليه كما لو طال في غير محله أو قصر في غير محله بغير إفراط وقال أشهب يسجد لزيادة السورة في الأخريين لأنه لا محل له فيه والله أعلم.

(ويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله). يعني لا يزيد عن ذلك في دعاء ولا غيره وهذا هو المشهور. وروى ابن نافع جواز الدعاء عقبه، وروى علي ليس بموضع دعاء ووسع فيه ابن القاسم رأى بتشهدهما سواء وجلسة الثاني أطول والجلسة بفتح الجيم فيهما هي المرة وبكسرها الهيئة والله أعلم. (ثم يقوم فلا يكبر حتى يستوي قائماً هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام يقوم المأموم أيضاً فإذا استوى قائما كبر). يعني كمفتتح صلاة أخرى لا سيما على ما ورد في الحديث من أن الأخيرتين زيادة في صلاة الحضر ومن أنه عليه السلام كان يرفع عند ذلك وقال ابن وهب لابن الحاجب والسنة التكبير حين الشروع إلا في القيام من الجلوس الوسط فإنه بعد أن يستقل قائماً للعمل إذا لم ينتقل عن ركن وقال ابن العربي والشافعي يكبر في الشروع ونقله خلف عن ابن الماجشون (خ) وما ذكر هو المشهور. (ويفعل في بقية صلاة الظهر من صفة الركوع والسجود والجلوس نحو ما تقدم ذكره في الصبح). لأن أفعال الصلاة واحدة من حيث صورها وإنما تختلف أقوالها في الطول والقصر والكيفية ونحوها. ص: (ويتنفل بعدها ويستحب له أن يتنفل بأربع كلمات يسلم من كل ركعتين ويستحب له مثل ذلك قبل صلاة العصر). الصلوات منها ما يتنفل قبله وبعده وهو الظهر والعشاء ومنه امن ما يتنفل قبله لا بعده وهو الصبح والعصر ومنها ما يتنفل بعده لا قبله وهو المغرب وكل صلاة يتنفل قبلها وبعدها فقال مالك يستحب تنفله بلا حد وظاهر كلام الشيخ التحديد للأحاديث في ذلك فحديث الأربع قبل الظهر وأربع بعدها خرجه الترمذي بسند صحيح عن أم حبيبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار» وفي حديث علي وغيره رضي الله عنهم كان عليه السلام يصلي أربعاً

قبل الظهر وبعدها ركعتين وأخرجه أهل الصحيح من حديث عائشة بزيادة وإذا لم يصل قبل الظهر صلى بعدها أربعا واختلف في العصر هل لها راتبة أم لا؟. وقد صحح ابن حبان من طريق ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر وذكره في الموطأ» والله أعلم وكونه يسلم من كل ركعتين هو سنة كل نافلة عند مالك ليلية كانت أو نهارية ابن الحاجب، وعدد النوافل في ليل أو نهار ركعتان فإن سها في الثالثة عقدها أكمل أربعا، وقيل إن كان نهارا سجد وفي محله قولان (خ) والمشهور أن محله قبل السلام (س) وإنما يكون أربعا لقوة الخلاف في التنفل بأربع والله أعلم. (ويفعل في صلاة العصر كما وصفنا في الظهر سواء إلا أنه يقرأ في الركعتين الأوليين مع أم القرآن بالقصار من السور مثل (والضحى) (وإنا أنزلناه) ونحوهما وأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين منها ويقرأ في كل ركعة منها بأم القرآن وسورة من السور القصار وفي الثالثة بأم القرآن فقط ويتشهد ويسلم). ذكر في هذه الجملة صفة العمل في العصر والمغرب وإنما يشتركان في قصر القراءة إلا أن العصر أطول قليلاً وقيل لا وهو المشهور ويختلفان في السر والجهر في الأوليين فللمغرب الجهر وللعصر السر فيها ومثل للقصار بـ (والضحى) (وإنا أنزلناه) وقد تقدم تفصيل المفصل إلى طويل وقصير ومتوسط وقوله (في ثالثة المغرب بأم القرآن) فقط لقول مالك في المدونة ليس على القراءة في ثالثة المغرب {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] وفي الموطأ أن أبا بكر رضي الله عنه قرأ بها في ثالثة المغرب فخشي مالك أن يعتقد أنها سنة فنبه عليه الباجي، ولعل أبا بكر لم يقصد بهذه الآية ضمها إلى الفاتحة في ثالثة المغرب بل ذكرها على وجه الدعاء بها تبركا بلفظ القرآن كما يدعو الإنسان في صلاته لأمر يتذكره أو لخشوع يحضره اقتضاه الدعاء وإلا فقد استمر العمل على أن الركعتين الأخيرتين لا يزاد فيهما على أم القرآن شيئاً. قالوا: وهذا تأويل صحيح يشهد له أن الصديق رضي الله عنه لم ينقل عنه أنه داوم على

ذلك ولم يذكر التشهد الوسط اكتفاء بما تقدم فيه وأشار بذكر الأخير إلى أنه لا شيء بعد ما ذكر والله أعلم. (ويستحب أن يتنفل بعدها بركعتين وما زاد فهو خير وإن تنفل بست ركعات فحسن). يعني أن المغرب يتنفل بعدها بركعتين وأقل التنفل بعدها بالركعتين وجعلهما في الجلاب كركعتي الفجر في التأكيد ولعله لحديث عائشة وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم في أنه صلى الله عليه وسلم لم يترك ذلك حتى لقي الله بل قال ابن مسعود رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين قبل صلاة الغداة والركعتين بعد صلاة المغرب ما لا أحصي بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وأحاديثها صحيحة كثيرة وحديث الست مشهور وهو قوله عليه السلام: «من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له عبادة اثنتي عشرة سنة صيامها وقيامها» رواه الترمذي وضعفه وقواه غيره وربما صح ما يفعله بعض الناس من تخصيص قراءة الركعتين بعدها بخاتمة البقرة وآية الكرسي ونحوها مما ورد في الترغيب في مساء قريب من بدعة لثبوت قراءتها بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وقد نص عليه النواوي. وعلى صلاة الاستخارة وركعتي الفجر والركعتين بعد الظهر وركعتي الطواف والإحرام وأن كل ذلك بالكافرون والإخلاص وقد مر ما في ركعتي الفجر والله أعلم. (والتنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه). هذا من نسبة قوله وما زاد فهو خير إذ لم يأت بحد فيه وقد روى في ذلك عشرون وعن حذيفة رضي الله عنه إحياء ما بين العشاءين وكذا عن غيره وأما الترمذي. وقد قال رحمه الله كل ما كان في كتابي هذا معمول به إلا حديثين حديث جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر ولا مطر وحديث «إذا شرب الخمر فاجلدوه وإذا شرب الثانية فاجلدوه وإذا شرب في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه» قال وقد عرضت كتابي هذا على علماء العراق وعلماء خراسان وعلماء الحجاز فكلهم قبلوه ورضوا به قال: ومن كان كتابي هذا في بيته

فكأنما في بيته نبي ينطق فانظره وكون حديث الجمع لم يعمل به يعني عن السلف الأول وإلا ففي المذهب قول يجاوزه في الظهرين لغير ضرورة والجمع الصوري أيضاً. وقد حكى ذلك الباجي وغيره وهم أئمة هدى والدليل معهم والله أعلم. تنبيه: قد ورد ما بين العشاءين والأوابين وجاء أن صلاة الأوابين حين ترمض الفصال يعني الضحى ومعنى الأواب الرجاع وكل من الوقتين وقت اشتغال الناس بالأسباب والعوائد فلا يتركهما في ذلك الوقت للعبادة إلا أواب راجع إلى ربه وتارك لما سواه والله أعلم. (وأما غير ذلك من شأنها فكما تقدم ذكره في غيرها). يعني من أفعال التلبس بها والانصراف منها غير أنه قد صح أن من قال إثرها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم عشر مرات بعث الله له مسلحة من الملائكة يحفظونه حتى يصبح وكتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات وحفظ من الشيطان الرجيم حتى يصبح من المكروه كذلك ولم يتبع بذنب أن يدركه سوى الشرك وكذا إن قاله بعد الصبح يكون له إلى المساء رواه الترمذي من حديث أبي الدرداء، وقال حسن وصححه غيره. ولا خلاف في أن السنة تقصير القراءة فيها وما ورد في الصحيح من قراءتها بـ (الأعراف) و (الطور) وبـ (المرسلات) إنما ورد لبيان الجواز ومحمول على أنه قد أبغض ذلك وقد قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح بالمعوذتين رواه النسائي وذلك ليبين الجواز والله أعلم. (وأما العشاء الآخرة وهي العتمة واسم العشاء أخص بها وأولى فيجهر في الأوليين بأن القرآن وسورة في كل ركعة وقراءتها أطول قليلاً من قراءة العصر وفي الأخريين بأم القرآن وحدها في كل ركعة سراً ثم يفعل في سائرها كما تقدم من الوصف ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لغير ضرورة).

استشكل قوله الآخرة لأنه يتضمن إن تم عشاء أولى وليس كذلك عياض لا تسمى مغرب عشاء لا لغة ولا شرعاً. وأما قوله في المدونة (بين العشاءين) فعلى التغليب كالعمرين والقمرين وأثبت بعضهم اسم المغرب للعشاء لحديث فيه وكون هذا الاسم أولى بها تقدم أن ذلك لأنه نص القرآن والقطعي أولى من الظني وقوله (أخص) يقضي بدخول الغير في هذا الاسم

وهو مقتضى قول من أجاز إطلاق العشاء على المغرب وكونه أطول من العصر هو المشهور فيقرأ بمتوسطات المفصل (كالتين والزيتون) و (الشمس وضحاها) (والليل إذا يغشى) و (إذا السماء انشقت) ونحو ذلك كما ورد في الصحيح وكراهة النوم قبلها خوف تقويتها أو تأخيرها عن وقتها المختار أو صلاتها بكسل وثقل والحديث بعدها لغير ضرورة لئلا يؤدي إلى تفويت صلاة الصبح أو تأخيرها عن وقتها أو عدم الحضور بالتكسل والنعاس فيها. فرع: قيام كل ليل لمن يصلي الصبح مغلوب عليه مكروه اتفاقا (ع) وفي كون من لا يغلب عليه كذلك وجوازه روايتان قال الشيخ واتخاذ ذلك عادة من غير حالة غالبة لم يكن من شأن السلف وبالله التوفيق. (والقراءة التي سر بها في الصلوات كلها هي بتحريك اللسان بالتكلم بالقرآن وأما الجهر فإن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده). يعني أن إسرار القراءة في الصلاة يكفي فيه تحريك اللسان فلا يلزم سماع نفسه ولا يكفي دون تحريك ابن يونس حركة اللسان شرط في صحة القراءة عبد الوهاب وإن لم يتحرك اللسان فهو قصور وتصرف بالقلب وليس بقراءة. وحكى ابن يونس عن أشهب أن من حلف أن لا يقرأ فقرأ بقلبه لم يحنث وفي سماع سحنون سألت ابن القاسم عن قراءة الظهر والعصر التي يسر فيها إن حرك لسانه ولم يسمع أذنيه قال يجزيه ولو لم أسمع شيئاً يسيراً كان أحب إلي ابن رشد وهو كما قال وقال الشيخ أبو الحسن الصغير المعروف عند المشارقة بالمغربي فللجهر طرف لا يشاركه في السر وللسر طرف لا يشاركه فيه الجهر وواسطة يشتركان فيها بإسماع نفسه ومن يليه خاص بالجهر وتحريك اللسان دون السماع يختص بالسر والمشترك بينهما أن يسمع نفسه فقط وهذا أعلى السر وأدنى الجهر انتهى بمعناه فانظره. وقوله (بالتكلم القرآني) اعترضه القاضي الباقلاني بأن القرآن قديم فكلف يتكلم به الحديث وأجيب بأن المراد المعني وهو التكلم بالحروف والأصوات المؤدية لمعناه والله أعلم.

وقوله (إن كان وحده) أشار به إلى أن جهر الإمام فوق ذلك لأنه يتعين أن يسمع من مع في الصلاة وفي الموطأ كانت تسمع صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عند دار أبي جهم بالبلاط موضع بالمدينة الباجي قد يكون ذلك لجهارة صوته وقوته وهو الوسط في حقه إذا قال تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] الآية ولعل الشيخ إنما قال بالتكلم بالقرآن احترازاً ممن يقرأ ويفسر كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه فإن من قرأ بها في الصلاة بطلت كمن قرأ بالمنسوخ لفظاً أو نحوه فانظر ذلك. فرع: ابن رشد لا يجوز لمصل بالمسجد وإلى جنبه مصل رفع صوته بالقرآن ومن قضى ركعة جهراً لا يجوز له أن يفرط في الجهر بقرب مصل مثله. (والمرأة دون الرجل في الجهر وهي في هيئة صلاتها مثله غير أنها تنضم ولا تفرج فخذيها ولا عضديها وتكون منضمة منزوية في جلوسها وسجودها وأمرها كله). يعني أن جهر المرأة تسمع نفسها فقط لأن صوتها عورة وهيئة الصلاة في صفتها والانضمام والانزواء بمعنى واحد وقيل والانزواء أشد ولا تفرج الرواية بفتح الفوقية وسكون الفاء وتخفيف الراء قالوا وهو معنى الانضمام والانزواء وإنما يكره لها ذلك لأنه معين على التذكار لأحوال فراشها وذلك مناف لحال الصلاة والله أعلم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأتين تصليان فأمرهما بالانضمام والله أعلم. (ثم يصلي الشفع والوتر جهراً وكذلك يستحب في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار).

هذا الكلام في الوتر ومداره على ثلاثة أطراف حكمه وصفته ووقته فأما حكمه فالمشهور السنة وقال أبو عمر ضارع به مالك الوجوب من قوله (أنه يقطع له صلاة الصبح) وخرج اللخمي وجوبه من قول سحنون يجرح تاركه وقول أصبغ يؤدب وأجيب بأنه تهاون بأمر الدين واستخفاف بالسنة فلذلك يجرح ويؤدب كقول ابن خويز منداد من استخف بترك السنة فسق وإن تمالأ عليه أهل بلد حوربوا. وأما صفته فقال اللخمي اختلف في عدة فقال مرة الوتر واحدة وفي صيامها وتر بثلاث فمحمد بن سحنون من ذكر سجدة لا يدري من الشفع أو الوتر سجد وأعاد الشفع والوتر فلو كان واحدة كفته السجدة، وقال المازري لم يختلف المذهب في كراهة الاقتصار على الواحدة في الوتر في حق مقيم لا عذر له وإنما اختلفوا في المسافر ففي المدونة لا يوتر بواحدة وأجازه مالك في كتاب ابن سحنون للمسافر وكان سحنون في مرضه يوتر بها ولابن زرقون عن ابن نافع ولا بأس أن يوتر بواحدة ولو كان صحيحاً مقيما للباجي وعلى المشهور لو أوتر دون شفع شفعه بالقرب فإن طال ففي أجزائه وإعادته بعد شفع قولا سحنون وأشهب وللشيخ عن أشهب من أوتر بواحدة دون شفع وأعاد وتره ما لم يصل الصبح والمشهور الفصل بين الشفع والوتر بسلام إلا المصلي خلف من لا يفصل. ابن زرقون وروى أشهب ثلاثا يسلم لآخرتها لا قبل ثالثها وقاله ابن نافع ولو أدرك ثانية من لا يفصل فقال ابن القاسم يتم ثلاثاً ولا يفصل وقال مطرف وعبد الملك يسلم معه في ثانيته وفي اشتراط اتصال الشفع بالوتر روايتان لابن القاسم وابن نافع، وذكر اللخمي في افتقاره إلى نية تخصه قولين وأما وقته فقال المازري أوله عند الفراغ من العشاء يريد في غير ليلة الجمع فإن صلاة قبل العشاء مع الذكر لم يعتد بها وليلة الجمع يؤخر إلى بعد الشفق على المعروف ولابن مسعود عن ابن القاسم عبد الحق وظنه السيوري يصليه قبل غيبوبة الشفق ليلة الجمع بعد فراغه من العشاء وآخر وقته يأتي إن

شاء الله. وأما الجهر في نوافل الليل والسر في نوافل النهار فللأحاديث في ذلك. وقال الأبياني يجهر في ركعة الوتر وهو في الشفع مخير ومن أسر في وتره ساهيا سجد قبل السلام وإن كان عامداً أو جاهلاً أعاد ما دام في ليله وقيل لا شيء عليه كما لو قرأ بأم القرآن نقله ابن يونس واستبعد عبد الحق بطلانه والشيخ في مختصره لا بأس بالجهر في نفل الليل والنهار ابن حبيب هو ليل أفضل. وقوله (وإن جهر في النهار في تنفله فذلك واسع) نص في تخفيف الأمر في الجهر نهاراً وقيل يكره الجهر نهاراً فإنما نوافل الليل فالسر جائز ابن الحاجب وكذلك الوتر على المشهور وفي كراهة الجهر نهاراً قولان (خ) يريد مع كونه خلاف الأفضل ومقابل المشهور للأبياني قال وإن أسر فيه ناسياً سجد قبل وإن جهل ذلك أو تعمد فعليه الإعادة قال وأما الشفع فإن شاء جهر فيه أو أسر. وما حكاه من القولين في كراهة الجهر نهارا وحكاه عبد الوهاب. فرعان: أحدهما: سمع أشهب لا بأس برفع صوته في قراءته في بيته وحده ولعله أنشط له وكانوا بالمدينة يفعلونه حتى صار المسافرون يتواعدون لقيام القراءة وسمع ابن القاسم استحبابه. الثاني: ابن رشد لا يجوز لمصل بالمسجد وإلى جانبه مصل رفع صوتا بالقراءة ومن قضى ركعة جهراً ألا يجوز له أن يفرط في جهره بقرب مصل مثله وقد تقدم تقريباً. (وأقل الشفع ركعتان). يعني أكثره لا حد له وعلى هذا فلا يتعين ابن الحاجب وفي كونه لأجله قولان وقال غيره لا يشترط كونه لأجله على الأظهر (خ) وقال اللخمي وغيره للحديث قال وقوله ثم في شرط اتصاله قولان ليس هو مرتبا على أنه لأجله بل هو كما قال ابن شاس وإذا قلنا بتقديم شفع فلا بد هل يلزم اتصاله بالوتر أو يجوز وإن فرق بينهما بزمان طويل والقول باشتراط الاتصال لابن القاسم في العتبية وهو ظاهر رواية ابن القاسم عن مالك في المجموعة والقول بعدم الاشتراط رواه ابن نافع عن مالك ونقل

أيضاً عن ابن القاسم. (ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون). يعني سواء اقتصر عليهما أو كان له ورد، وفي المسألة اختلاف ابن الحاجب وفي قراءة الشفع بـ (يسبح) و (قل يا أيها الكافرون) روايتان (خ) والمشهور استحباب ذلك للحديث وقوله (ويتشهد ويسلم) صريح في أنه يفصل بين الشفع والوتر بسلام فيكره وصله إلا للاقتداء بواصل فيتبعه خلافا لأشهب وكان عمر ربما أمر ببعض حاجته قبل أن يوتر. (ثم يصلي الوتر ركعة إلخ). يعني متصلة بالشفع ليخرج من الخلاف المتقدم وقوله (يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين) يعني استحباباً مطلقاً ابن الحاجب وفي قراءة (قل هو الله أحد) والمعوذتين أو ما تيسر قولان (خ) يعني في استحبابه وهو المشهور لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني أن عائشة رضي الله عنها سئلت بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأولى بـ (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية بـ (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة بـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين (ع) والمعلوم منه صلى الله عليه وسلم التجهد اللخمي رجع مالك لقراءة الوتر بالفاتحة والإخلاص والمعوذتين وروى ابن نافع: التزمه الناس وليس بلازم. وروى ابن القاسم إني لا أفعله يحيى بن عمر لا يختص (خ) ولعل مقابل المشهور رواية فذكرها وقال ابن العربي يقرأ فيه المتهجد من تمام حزبه وغيره بقل هو الله أحد فقط لحديث الترمذي وهو أصح من قراءته بها مع المعوذتين قال وانتهت الغفلة بقوم يصلون التراويح فإذا انتهوا للوتر قرءوا فيه بقل هو الله أحد والمعوذتين اهـ. وعليه عول (خ) في مختصره وسنذكر في الوتر حكاية المازري رضي الله عنه إن شاء الله. فرع: ابن الحاجب ولا يقنت في الوتر ولا بعد نصف رمضان على المشهور (خ)

والشاذ لمالك أيضاً وابن نافع والخلاف إنما هو في نصف رمضان. (وإن زاد من الإشفاع جعل آخر ذلك الوتر). يعني بواحدة وعلى هذا فلا يتعين أن يقال بعد شفعه وقد نص على استحباب ذلك في المدونة وفي الصحيح انتهلا وتره عليه السلام إلى السحر وفي مسلم " بادروا بالوتر الفجر ". فروع: ابن الحاجب فإن أوتر ثم تنفل جاز ولم يعد على المشهور (س) (خ) يعني إذا حدثت له نية التنفل بعد أن أوتر وإلا فهو خلاف السنة وأمره في المدونة أن يؤخر التنفل قليلاً (ع) وفي إعادته لنفل بعده روايتا المبسوط وغيره ثم قال وسمع ابن القاسم نعم من أوتر مع الإمام في رمضان أن يصل وتره بركعة ليوتر بعد ذلك بل يسلم ويصلي بعد ذلك ما شاء الله وقال بعد ذلك ويتأنى قليلاً أعجب إلي. (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل اثنتي عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدة).

يعني وكلا الحديثين صحيح من رواية عائشة رضي الله عنها والجمع بينهما أنه عليه السلام كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين فتارة اعتبرتهما من الورد فقالت اثنتي عشرة وتارة لم تعتبرهما لأنهما مقصودتان للوضوء أو لحل عقد الشيطان في حق من يتأسى به عليه السلام إذ لا يصح عقد الشيطان عليه لعصمته لكنه كان يفعل ما يأمر به وإن كانت حكمته مقصودة لغيره لتحقيق الحكم وإثبات الاقتداء به كما كان يتقي من نفسه ما هو نجس من غيره ليكون أسوة فيه والله أعلم. تنبيه: أكثر ما روي في صلاته عليه السلام من الليل سبع عشرة ركعة وأقل ما روي سبع فقيل إنها لأحوال مختلفة وقيل لقصود مختلفة وقيل بالجمع ومن أحسن ذلك أنه عليه السلام كان له عدد يعتبره بالدورة فإذا أكثر بالنهار قلل بالليل وبالعكس والذي يهدي إليه الاستقراء أنها كانت خمسين ركعة بالفرض والنفل إشارة إلى الأصل ففي حديث علي رضي الله عنه كان يصلي من النهار ست عشرة ركعة في الضحى ستا وقبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين وقبل العصر أربعا وحديث ركعتي المغرب والفجر وثلاثة عشر

من الليل لا يخفى فتلك ثلاث وثلاثون وربما نقص من ليلها وزاد النهار وربما نقص من النهار وزاد في الليل كما اقتضته أحاديث يطول ذكرها. وقد أشار عياض لشيء من هذا فانظره وحكم قيام الليل وصفته يأتي إن شاء الله تعالى. (وأفضل الليل آخره في القيام). يعني لما ورد في ذلك من الأحاديث النبوية قولا وفعلا وذهب الشافعي إلى أن أفضل الليل وسطه لحديث «أفضل القيام قيام داود عليه السلام كان ينام نصف الليل الأول ويقوم ثلثه وينام سدسه» متفق عليه وقال مالك بآخره لحديث النزول وانتهاء وتره عليه السلام إلى السحر وهو لا يأخذ في نفسه الكريمة إلا بما هو الأفضل ولقوله عليه السلام لما سئل أي الدعاء أسمع؟ فقال: «جوف الليل الأخير وأدبار الصلوات المكتوبات» الحديث رواه أبو داود وغيره وبحسب هذا فمن آخر تنفله ووتره إلى آخره فذلك أفضل له إن لم يكن تأخيره عرضة للتفريط بالترك أو بالخروج عن الوقت غالباً وهو فقوله (إلا من الغالب عليه أن لا ينتبه فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل) يعني وهذا التقديم أفضل له من التأخير وقد عبر بعضهم عن هذا بقوله وأفضل ليله غالبه في القيام. وقد كان أبو بكر رضي الله عنه يقدم وتره أول الليل مبادرة للعبادة واعتباراً بقصد الأهل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أخذت بالعزم» وكان عمر رضي الله عنه يؤخر ثقة بسنة الله في إيقاظه وعملاً على عادته مع الله تعالى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أخذت بالحزم» الحديث. وقوله (ثم إن شاء إذا استيقظ) يعني من آخر الليل ومن وسطه (تنفل ما شاء منها) أي من الصلاة (مثنى مثنى) أي ركعتين ركعتين لقوله عليه السلام «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح ولو حدثت له نية قبل نومه فله ذلك وقد تقدمت قريباً» فانظرها. وقوله: (ولا يعيد الوتر) يعني لقوله عليه السلام «لا وتران في ليلة» وقد أشار بما ذكر لمن يقول يتنقل إذا استيقظ حتى يصلي ركعة يضيفها للتي صلى قبل نومه

وتسمى نقض الوتر أو أنه يعيد الوتر دون ذلك فالكل خلاف المذهب والله أعلم. (ومن غلبته عيناه عن حزبه فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار). يعني الإسفار الأعلى الذي تتراءى فيه الوجوه ومعنى غلبته عيناه استغرقه النوم فلم يشعر حتى طلع الفجر والغلبة شرط فلا يجوز التأخير اختياراً وشرط ذلك أيضاً أن يكون ممن عادته الانتباه آخر الليل وله ورد وهذا أيضاً إذا كان وحده وإلا ففضل الجماعة مقدم على ورده كما أن ورده مقدم على أول الوقت ونص على اعتبار الجماعة صاحب الإرشاد وغيره وقد اختلف الشيوخ في قوله بينه وبين طلوع الفجر هل المراد بين قيامه من النوم وطلوع الفجر ثم بين الفجر وأول الإسفار؟ أو المراد بين طلوع الفجر وأول الإسفار؟ فانظر ذلك. وقوله (ثم يوتر ويصلي الصبح) يعني أنه لا يقدم الوتر إذا خشي الفجر قبل تمام ورده بل يؤخر لإتمامه ثم إن ضاق الوقت عن ورده صلى وتره ابن الحاجب وإذا ضاق الوقت إلا عن ركعة فالصبح فإن اتسع لثانية فالوتر على المنصوص قلت: قال الشيخ الثلاثة ما ذكر أنه المنصوص هو لأصبغ ومقابله في المدونة فكيف يجعله تخريجاً ولكن السهو لا ينفك عنه الإنسان قال: فإن اتسع لرابعة ففي الشفع قولان. تنبيه: قال الشيخ ينبغي لطالب العلم أن يكون له ورد من قيام كما ذكر الشيخ من فعله عليه السلام ولو أن يقرأ فيه الفاتحة فقط فإن تيسر له أكثر فهو خير إلا أن ابن الحاجب قال ويقرأ فيه بما خف من القرآن أي يكون له في تلك الركعات جزء معلوم من حزبين إلى ثلاثة لأن أحب العلم إلى الله تعالى أدومه وإن قل كما في الحديث قال: وإذا وجد حلاوة المناجاة في التلاوة فليمض فيها ولا يقتصر على حزبه انتهى. واستدل على التقليل بقضاء الصحابة أورادهم حيث يغلبهم النوم ثم يدركون الصلاة معه عليه السلام وهو يقرأ بالستين إلى المائة ويسلم والنجوم بادية مشتبكة فاعرف ذلك وتأمله وبالله التوفيق. (ولا يقضي الوتر من ذكره بعد أن يصلي الصبح).

يعني بخلاف من ذكره فيها أو قبلها فالأقسام إذا ثلاثة قبلها وبعدها وفيها فقبلها إن لم يطلع الفجر يصليها باتفاق إن وسع الوقت وبعدها لا قضاء لها ولا شيء من السنن إلا ما تقدم في ركعتي الفجر (ع) ولا يقضي الوتر بعد صلاة الصبح اتفاقا وفي قضائه بعد الفجر قبلها قولان لها مع الأكثر واللخمي مع أبي مصعب ابن الحاجب وعلى المشهور ولو افتتح الصبح فثالثها يقطع إن كان فذا ورابعها أو إماماً (خ) وعلى إثبات الضروري لم يذكر في المدونة في المنفرد الاستحباب القطع وذكر في المأموم روايتين استحب له أولاً القطع ثم أرخى له في التمادي وصرح المازري وسند بأن المشهور في الفذ القطع اللخمي وفي المبسوط لا يقطع الفذ وهو أظهر وهو قول المغيرة وغيره قال في الاستذكار لم يقل أحد بقطع الصبح إلا أبو حنيفة وابن القاسم والصحيح عن مالك عدم القطع وروى مطرف عن مالك أنه يقطع كان إماماً أو مأموماً أو فذا إلا أن يسفر جداً. وروى نحوه ابن القاسم وابن وهب وذكره الباجي رواية ثالثة في الإمام بالتخيير بالقطع وعدمه وحكى التلمساني أيضاً في المأموم رواية بالتخيير قال هذا ما رأيته من الأقوال في هذه المسألة انظر بقية كلامه وهل هذا الخلاف ما لم يعقد ركعة أو وإن عقدها طريقتان أيضاً انظر ذلك. (ومن دخل المسجد على وضوء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) يعني تحية المسجد فالدخول شرط والمسجد شرط والوضوء شرط والجلوس شرط والوقت شرط فلو أدخل يده أو رأسه أو رجله فقط فلا شيء عليه ولا في غير المسجد من المواضع العظمة ولا إن كان محدثاً ولا إن كان مارا وإن تكرر مروره قال زيد بن

ثابت إذا رجع المار ركع كذا حكاه في المجموعة وحمل عليه ابن عبد البر ما في المدونة عنه ولم يقل به مالك ويشترط كونه في وقت حل النافلة لقوله (إن كان وقت يجوز فيه الركوع) يعني لا بعد الصبح ولا بعد العصر ولا قبل المغرب ولا عند خروج الإمام لخطبة الجمعة لأنها من سائر النوافل وإن كان لها سبب والله أعلم (ع). والركوع قبل الجلوس في المسجد ووقت النفل في الموطأ حسن لا واجب وأجاز فيها للمار فيه تركه وكره لغيره القعود دونه قال ونقل ابن الحاجب لم يأخذ مالك بجواز تركه للمار وهم يكفي عنه الفرض انتهى. (خ) وقيد بعضهم ما في المدونة من جواز المرور فيه بما إذا لم يتخذ طريقا يعني إذا لم يكن سابقاً على الطريق لأنه تغيير للحبس ومن أشراط الساعة وتحية مسجد مكة الطواف. فرع: استحب ابن القاسم في مسجده عليه السلام أن يبدأ بالركوع قبل السلام عليه صلى الله عليه وسلم ووسع فيه مالك ابن رشد لأن المنهي عنه الجلوس قبل الركوع أنظر بقية فروعه. (ومن دخل المسجد ولم يركعه الفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر). يعني وكذلك غيرها من الصلوات تجزئ عن التحية حتى الفرض والوتر لأن القصد تعظيم المسجد عند الدخول فيه للجلوس وقال ابن القابسي لا يجزئ ذلك عنها ورجحه ابن عبد السلام بأنهما عبادتان لا تقوم إحداهما مقامهما (خ) والمشهور أظهر يعني الأول والمشهور تأخيرها للمسجد وقيل: صلاتهما في البيت أفضل فانظر ذلك. (وإن ركع الفجر في بيته ثم أتى المسجد فاختلف فيه فقيل يركع وقيل لا يركع). وعلى الركوع فهل بنية التحية أو إعادة الفجر قولان (خ). ابن رشد وروى ابن القاسم وابن وهب الركوع واختاره ابن عبد الحكم وروى ابن نافع عدمه (خ) والروايتان مشهورتان وعن مالك للركوع وعدمه واسع وقد رأيت من فعله وتركه أحب إلي وبه قال سحنون ابن الحاجب ثم في تعيينها قولان (خ) أي إذا

قلنا يركع فهل بنية الفجر أو بنية تحية المسجد وهو الظاهر والقولان للأشياخ. تنبيه: لا بد من تنبيه تخصيص ركعتي الفجر كالوتر وغيرهما من المندوبات المطلوبة لذاتها ولو كانت تابعة بخلاف ما طلب لغيره. (ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر إلى طلوع الشمس). يعني ارتفاعها قدر رمح لأن الصلاة ممنوعة في هذا الوقت فأما قبل صلاة الصبح فالصلاة فيه مكروهة إلا ما ذكر من الفجر والورد لمن نام عنه. وقال اللخمي: لا بأس به (ع) وقول اللخمي لا بأس بالنفل بعد الفجر إلى إقامة الصلاة خلاف قوله لا يعجبني بعد الفجر غير ركعتيه إلا من فاته حزب ليله فانظره وقال: يمنع النفل غير ركعتي الفجر بطلوعه حتى ترتفع وبعد العصر حتى تغرب ابن حارث اتفاقا لغير أسير قرب للقتل بعد العصر في ركعتيه حينئذ رواية الوليد وقول ابن سحنون مع رواية ابن نافع ابن رشد إنما نهي عن النفل بعد العصر والصبح خوف الذريعة لأن توقع عند الطلوع وعند الغروب وسيأتي ذكر النهي عن الصلاة وقت خروج الإمام لخطبة الجمعة وتقدم ما بعد الغروب وقل المغرب؛ لأنه مكروه ويأتي حكم صلاة الجنازة وسجود التلاوة ووقت الوقوف بعد إن شاء الله. فرع: ابن الحاجب ومن أحرم في وقت منع قطع (خ) لأنه لا يتقرب إلى الله بما نهى عنه زاد ابن شاس ولا قضاء عليه انتهى. وبانتهائه ختم هذا الباب ختم الله لنا بالحسنى ونفع به عباده وتمم لنا إحسانه في ذلك وفي غيره بمنه وكرمه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلام تسليماً.

باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم يعني هذا الباب يذكر فيه ما يصح في الإمامة وما لا يصح وحكم الإمام في حال الصلاة وبعدها وقبلها وحكم المأموم في ذلك كله والإمامة لغة التقدم وإنما سمي الإمام لتقدمه من قولك أمه يؤمه إذا تقدمه ولذلك سميت الراية إماما لتقدمها الجيش وهي في الشرع على قسمين إمامة كبرى ولها شروط تخصها وإمامة صغرى ولها شروط تخصها وهي المقصود هنا وشروطها على قسمين شروطا صحة وشروط كمال وقد أتى بها الشيخ بجملة غير مفصلة مضمنة في إحكامها فافتتح ذلك بأن قال. (ويؤم الناس أفضلهم وأفقهم).

يعني أنه يختار للإمامة أعلى الناس منزلة في الدين وهو الأفضل ديانة والأفقه أي أكثر فقها فإن وجد فذاك وإلا فالأفقه مقدم عند انتفاء نقص المنع عنه ابن الحاجب وتقدم عند انتفاء نقص المنع والكراهة السلطان ثم صاحب المنزل ثم الأفقه ثم الأورع على الأظهر ثم الأقرأ ثم بالسن في الإسلام ثم بالنسب ثم بالخلق ثم بالخلق ثم باللباس وذكر (ع) في الأرجح طرقا قال في آخرها وقول ابن بشير لا نص في الأصلح مع الأفقه وللشافعية قولان قصور لقولها أحقهم بها أعلمهم إذا كانت حالة حسنة وقول أبي سعيد إذا كان أحسنهم حالاً متعقب. وقال أيضاً وإن كانوا في الفضل على العكس لمسيس حاجة الصلاة بالأسن في الإسلام انظر ذلك واختلف في قول الشيخ أفضلهم وأفقههم هل هما صفتان لموصوف

واحد وهو الظاهر الذي قدمناه أو لموصوفين فتؤخذ منه المساواة بين الأفضل والأفقه وهو في باب الأجزاء صحيح إن كان كل منهما مستوفيا الشروط إلا في باب الكمال أو يحتمل كلامه الوجهين فيشكل على الآخر لا على الأول. (ولا تؤم المرأة في فريضة ولا نافلة لا رجال ولا نساء). يعني لأنها ناقصة عقل ودين على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى ابن أيمن تؤم النساء (ع) وذهب أبو إبراهيم الأندلسي إلى أن من ائتم بها من النساء أعاد في الوقت واحترز بذكر النافلة من قول النخعي بذلك وقد أشار الشيخ بهذه الشروط لصحة الإمامة وبالذي قبلها لشروط كمالها فشروط صحتها سبعة مسلما بالغاً عاقلا ذكرا عفيفا عالما بما لا تصح الصلاة إلا به قادر على أدائها على وجهها فلا يؤم كافر ولو أم مسلمين لم يعلموا به بطلت وكذلك لو أمت امرأة ولو نساء على المشهور كما تقدم ولا صبي (ع). وفي إعادة مأمومة ثالثها في الوقت إن استخلف لتمامها لها ولأبي مصعب وأشهب وسمع ابن القاسم خفة إمامته لأمثاله في المكتب قال وفي إمامته في النفل روايتان للجلاب مع سماع أشهب ولها (س) والظاهر صحة إمامته مطلقاً لحديث عمرو بن مسلمة المشهور وأما العقل فلا تصح إمامة المجنون ولا السكران حالة جنونه وسكره (ع). وروى محمد من ائتم بسكران أعاد أبدا وسمع ابن القاسم لا يؤم معتوه سحنون:

ويعيد مأمومه الشيخ روى ابن عبد الحكم ولا بأس بإمامة المجنون حين إفاقته وأما العفاف فلا تجوز إمامة الفاسق وفيه أربعة كالمبتدع ابن الحاجب وفي المبتدع كالحروري والقدري ثالثها وتعاد في الوقت ورابعها أبداً ما لم يكن والياء بناء على كفرهم وفسقهم (ع). وخامسها إلا الجمعة فلا تعاد وعزاها لأصبغ ورواية سحنون عن كبار الرواة وابن القاسم وابن حبيب والمازري واللخمي عن ابن عبد الحكم انظر ذلك (خ) والمشهور إعادة من صلى خلف صاحب كبيرة أبدا وقال اللخمي إن كان فسقه لا يتعلق بالصلاة كالزنا وغصب الأموال أجزأت ولا تجزئ إذا كان يتعلق بالصلاة كالطهارة فأما الجاهل بما لا تصح الصلاة إلا به فلا تصح إمامته أيضاً. وكذلك العاجز عن أدائها على وجهها ويلحق بهما إلا لكن واللحان وفيهما تفصيل واختلاف بطول فانظره. (ويقرأ مع الإمام فيما يسر فيه ولا يقرأ معه فيما يجهر فيه). يعني أن القراءة مع الإمام فيما جهر فيه ساقطة بل مكروهة والقراءة معه فيما يسر فيه مطلوبة وقال ابن وهب وأصبغ لا يستحب له ذلك والمشهور لا يقرأ إذا لم يسمع القراءة. وقال أبو مصعب يقرأ لنفسه إذا لم يسمعها واختار في العارضة الوجوب في السر والتحريم في الجهر فانظر ذلك فإنه خلاف المذهب. (ومن أدرك ركعة فأكثر فقد أدرك الجماعة). يعني أدرك فضلها وحكمها فيكون له ثواب من حضرها من أولها كاملاً ويجزي عليه حكمه فيصح استخلافه ولا يعيد في جماعة أخرى ويسجد مع الإمام سهوة قبل السلام أو بعده وسلامه كسلام المأموم ويبني في الرعاف على خلاف فيه قال مالك وحد إدراك الركعة أن يمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام مطمئناً (خ) حكى ابن العربي وسند الإجماع على هذا والمشهور أنه إذا خشي فواته بوصوله إلى الصف أنه يركع دونه ثم إن كان بقربه دب إليه وهو مذهب المدونة. وروى ابن حبيب لا يكبر ولا يركع حتى يأخذ مكانه من الصف أو يقاربه وروى ابن وهب إذا كبر دون الصف أعاد وفي البيان أما لو علم أنه إذا ركع دون

الصف لا يدرك أن يصل إلى الصف راكعاً حتى يرفع الإمام فلا يجوز أن يركع دون الصف وليتماد إليه وإن فاتته الركعة قولاً واحداً. (ع) قلت هذا خلاف نفل الشيخ رواية ابن نافع وإن خاف فوته إن دخل المسجد ركع على بلاط خارجه وفي دبه راكعاً أو بعد رفعه أو سجوده ثلاثة لها ولرواية المازري وسماع أشهب (خ) وفي الجلاب لا بأس أن يمشي قبل الركوع وبعده وأن يدب راكعاً ولا يدب ساجداً أو جالساً اللخمي وهو ظاهر الكتاب. فروع ثلاثة: أحدها: (ع) استحب مالك عدم إحرامه حين الشك في إدراكها فإن فعل فسمع أشهب يقضيها وتمت صلاته وعيسى وابن القاسم يسلم مع الإمام ويعبد وروى ابن شعبان لا يعيد (خ) والأقليس يلغيها ويقضي ركعة ويسجد بعد السلام وهو تأويل صاحب البيان. الثاني: في النوادر ومن سماع ابن القاسم لا ينتظر الإمام من وراءه إن أحسه مقبلاً ابن حبيب إذا كان راكعاً فلا يمد في ركوعه وكذلك قول اللخمي ومن وراءه أعظم عليه حقا وجوز سحنون الإطالة واختاره عياض. الثالث: إن ركع الإمام ثم أيقن أنه إنما أدركه رافعا من الركوع فإنه لم يدرك تلك الركعة باتفاق وحكمه أن لا يرفع معه لأن الإمام يرفع من ركوع يعتد به وهذا يرفع من ركوع لا يعتد به فإن فعل ورفع معه جاهلاً أو عامداً بطلت صلاته وسواء أتى بركعة بعد سلاك الإمام أو لم يأت بها ذكر ذلك الشيخ أبو محمد بن علي بن محمد بن الفخار الجذامي في شرح الطيطي. وقال نص عليه صاحب كتاب التهذيب قلت وذكره أيضاً الشيخ أبو القاسم الجزيري في جزء له في العبادات وأوقفنا عليه الأخ في الله تعالى أبو عمران موسى بن علي الأعصاري المعروف بابن العقدة أحد المدرسين بجامع القرويين ونقل ذلك أيضاً الزهري في شرحه على قواعد عياض وذكر هذه المسألة في التوضيح ولم يجوز نقلها فانظره. (فليقض بعد سلاك الإمام ما فاته). يعني أنه لا يقضي إلا بعد سلام الإمام فلو ظنه سلم فقام ثم بان له أنه لم يسلم

رجع إليه ولو لم يعرف ذلك إلا بسلامه أو بعده ومعنى القضاء هنا إتيانه بما بقي عليه من بقية صلاته الذي فاته مع الإمام وإلا فهو بأن في الأفعال قاض في الأقوال لقوله على نحو ما فعل الإمام في القراءة وأما في القيام والجلوس ففعله كفعل الباني المصلي وحده يعني أنه بان في الأفعال قاض في الأقوال. وفي كلامه إشكال من حيث أنه أحال مجهولاً على مجهول وهو فعل ألباني المصلي وحده إذا لم يتقدم له ذكر والمقصود من ذلك أن من فسد له وهو فذ ركعة فأكثر من صلاته بني على ما صح له منها وعمل على أنه أول صلاته وكذلك هذا في أفعال صلاته لا في أقوالها فالمأموم على حدته والفذ على حدته في بنائه والمدرك واسطة بينهما، فإذا أدرك مثلاً ركعة من العشاء الآخرة يأتي بركعة بأم القرآن وسورة جهراً لأن الإمام كذلك فعل ثم يجلس عليها لأنها ثانية بنائه ثم بأخرى بأم القرآن وسورة جهراً أيضاً ثم ركعة بأم القرآن فقط. وهذه طريقة الأكثر عند ابن الحاجب (خ) هي لابن أبي زيد وعبد الحميد وقال بها جل المتأخرين واختارها ورد طريقة اللخمي بأن القول الذي حكاه أنه قاض في الأفعال غير موجود إذ حكى ثلاثة بأنه قاض فيهما والفرق هذه طريقته وثالث الطرق للقرويين في القراءة قولان انظر ابن الحاجب وشراحه. ولو قال الشيخ كفعل الباني دون قيد المصلي وحده لكان أتم لأن الإمام والمأموم والفذ في البناء على ما صح من صلاته عند فساد بعضها واحد ويجمع بين " سمع الله لمن حمده " وربنا ولك الحمد " ولا يحمل الإمام سجود سهوه في قضائه على المشهور. فرع: ابن الحاجب ويقوم المسبوق بتكبير إن كان ثانية وقيل مطلقاً وفيها مدرك التشهد الأخير يقوم بتكبير (خ) مقابل المشهور لابن الماجشون واستشهد له بقوله (وفيها) ويجاب عنه بأنه إنما قيل ههنا بالتكبير لأنه كالمفتتح صلاته (ع) ورد ابن رشد احتجاج ابن الماجشون به على قيامه بتكبير بأنه فيه في حكم إمامه وبعد سلام إمامه في حكم نفسه فانظره. (ومن صلى وحده فله أن يعيد في الجماعة للفضل في ذلك إلا المغرب

وحدها). يعني وكذا العشاء إذا أوتر على المشهور فقوله (وحدها) يريد بانفرادها إذا عريت العشاء عن الوتر ونص على هذا ابن الحاجب وقيل يعادان (خ) والقول بإعادة المغرب للمغيرة وابن سلمة قال اللخمي وعلى قول المغيرة تعاد العشاء بعد الوتر (س) ومنع بعض أهل العلم من إعادة الصبح والعصر قال ولا يبعد إجراؤه على بعض القواعد المذهبية (ع). وفي إعادة المغرب والعشاء إذا أوتر. ثالثها: تعاد غير المغرب والعصر والصبح ورابعها الجميع فانظر عزوها (ع) وعلى الأول فإنه نسي فأتم وذكر قبل ركعة فطلع وبعدها في الواضحة يشفعها وسمع عيسى ابن القاسم أحب قطعه فإن شفعها رجوت خفته ثم ذكر كلاما لابن رشد وذيله بكلام لخ ثم قال إثره ونقل ابن بشير وقيل يتمها لا أعرفه على منع إعادتها. وقوله: (في جماعة) ظاهره أنه لا يعيد مع الواحد (ع) وأقلها اثنان وإمام راتب ولذا فيها لا يعيد ونقل ابن الحاجب تعاد مع واحد لا أعرفه وفي الكافي يعيد المنفرد ولو كان إماماً راتباً ثم قال قلت فلا تعاد معه فانظر ذلك وظاهر قوله: (فله) أن ذلك مباح فقط وقد اختلف النقل في ذلك (ع) الجلاب من صلى وحده أعاد في جماعة والتلقين يستحب اللخمي معها له أن يعيد وفي الموطأ لا بأس أن يعيد وفي المبسوط أن مر وهم يصلون فلا يدخل أي المسجد لأنه يوجب على نفسه أن يعيد ذلك لا ينبغي انتهى. ولابن رشد ظاهر المذهب أن للمنفرد طلب الجماعة ليعيد معها وظاهر قوله وحده أنه إن صلى مع أحد لا يعيد وهو كذلك ابن الحاجب وفي إعادة من صلى مع صبي أو أهله قولان (خ) القول بالإعادة لأبي بكر بن عبد الرحمن وبعدمها لبعض شيوخ عبد الحق كذا عزاه (ع) قال (خ) واختلف في أيام أبي محمد فيمن صلى مع امرأته هل يعيدها في جماعة وإلى عدم الإعادة ذهب أبو الحسن القابسي وأبو عمر وهو اختيار جماعة المازري لأنه مع المرأة جماعة انتهى وبقيت فروع كثيرة تتعلق بما نحن فيه تركناها خشية التطويل. وقوله (للفضل في ذلك) يريد المقصود به تحصيل فضيلة الجماعة لا أنه يعيد نية الفضيلة إذ المشهور إنما يعيد بنية التفويض وقاله في المدونة وصرح بمشهوريته الشيخ تاج

الدين في شرح العمدة (ع) وفي كونها بنية النفل أو الفرض ورفض الأولى أو التفويض رابعها بنية فرض مكمل لرواية الباجي مع رواية ابن رشد عن أشهب وأخذه من سماع عيسى بن القاسم ورواية الباجي. ونقل المازري انتهى. ولم يحك المازري غير روايتي النفل والتفويض وحكى اللخمي ثلاثة الأول وقال ابن رشد لم أر القول الأول بالفريضة معزوا أو صحح ابن عبد البر وابن العربي وغيرهما النفل فانظر كلامهم في ذلك وبالله التوفيق. (ومن أدرك ركعة فأكثر من صلاة الجماعة فلا يعيدها في جماعة). يعني سواء كانت الأولى قليلة أو كثيرة لو كان رجلاً واحد على المشهور ولأن الجماعة لا تتفاضل بالكثرة والإدراك يحصل بالركعة كما تقدم وقال ابن حبيب تتفاضل الجماعة بالكثرة (س) ومنهم من يري أن إطلاق الأول بالتسوية إنما هو في نفي الإعادة فيمن صلى مع واحد فأكثر لأن الصلاة مع واحد في الثواب كالصلاة مع ألف وقد جاءت أحاديث تشهد لذلك قال ابن هارون وهو أبين عندي. (ومن لم يدرك إلا التشهد والجلوس فله أن يعيد في جماعة). يعني ويبني على إحرامه إن شاء فيتم فذا أو يقطع ويدرك جماعة أخرى إن رجاها وهل قطعة أو لا لخوف فوات الفضيلة أو إتمامها فذا انظر ذلك وفي البيان فيمن أدرك التشهد في صلاة الصبح قول مالك يتمها ولا يذهب لجماعة أخرى قال في البيان لأن الفضيلة تحصل بأدنى جزء بخلاف الحكم ولابن يونس نحوه فانظره وظاهر كلام ابن الحاجب خلافه والله أعلم. (والرجل الواحد مع الإمام يقوم عن يمينه ويقوم الرجلان فأكثر خلفه إلخ). يعني استحبابا فلو صلى الرجل عن يساره والرجلان محاذيان فلا شيء عليهم ولو صلى بين يدي الإمام أحد كره وصحت ابن الحاجب وتصح في دون محجورة في غير الجمعة وفيها بين يديه تكره وتصح (خ) الكراهة بين اليدين محمولة على عدم الضرورة قال ابن عبد البر وروي عن مالك أنه يعيد إذا فعله من غير ضرورة وهو أحب إلي قال وظاهره البطلان انتهى.

وقال بعض المصريين بل ظاهره عدم البطلان لقوله أحب إلي إن كانت من لفظ مالك وقوله خلفه أعم من أن يكون بقربه أو بعيداً منه وفيه تفصيل ابن الحاجب ولا بأس بالنهر الصغير وبالطريق بينهم (س) هذا مما لا خلاف فيه أعلمه وسكت عن الحكم فيما إذا كان بينهم نهر كبير وأقل مراتبه الكراهة وأظن أني رأيت البطلان مع البعد الكثير. (ع) وعن أشهب إن عظم عرض الطريق جدا لم تجزئهم إلا أن يكون فيها مأمونا ابن الحاجب وقال في سطوح المسجد جائز ثم كره ولم يكرهه ابن القاسم إن لم يتكلف رفع صوته وخامسها إن كثروا في غير فرض كالعيد والجنازة وسادسها والجماعة لنفل عياض انتهى. ونظر فيه وبعضهم من طريق النقل فانظره. وجملة ما ذكره الشيخ من مراتب موقف الجماعة خلف الإمام سبعة فذكر موقف الرجل والرجلين أولاً والثالثة (قوله فإن كانت امرأة معهما قامت خلفهما) والرابعة وقوله (وإن كان معها رجل) يعني مع الإمام والمرأة قام عن يمين الإمام والمرأة خلفهما الخامسة قوله (ومن صلى بزوجته قامت خلفه) يعني وكذلك بكل امرأة كانت محرما أو أجنبية وإنما ذكر الزوجة للغالب والحاصل أن المرأة مؤخرة أبدا فإن تقدمت لمرتبة الرجل أو إمام الإمام فكالرجل يتقدم يكره له ذلك ولا تفسد صلاته ولا صلاة من معه إلا أن يتلذذ برؤيتها أو مماستها والله أعلم. السادسة: قوله (والصبي إن صلى مع رجل واحد خلف الإمام قاما خلفه) يعني وذلك بشرط هو قوله (إن كان الصبي يعقل لا يذهب ويدع من يقف معه) (ع) ويستحب وقف الرجل عن يمين إمامه والاثنان خلفه والخنثى خلف الرجل مطلقا والأنثى خلفه ابن حبيب والصغير يثبت كالكبير وغيره لغو اللخمي مقتضى رواية ابن حبيب بدأ الصف خلفه ثم يمينه ثم يساره أيسر من قوله فيها فانظره. (والإمام الراتب إن صلى وحده قام مقام الجماعة). يعني بالراتب المنتصب للإمامة الملتزم بها وكونه يقوم مقام الجماعة أي في الفضيلة والحكم فله ثواب الجماعة وحكمها بحيث لا يعيد في جماعة أخرى ولا يصلي بعده في مسجده تلك الصلاة ويعيد معه من أراد الفضل قال بعض الشيوخ ويجمع ليلة المطر إن

شاء عبد الوهاب وهذا إن أذن وأقام وانتصب للإمامة وانتظر الناس على عادته زاد الباجي وينوي أنه إمام فهو من المواضع التي يشترط فيها نية الإمامة وذكر عياض أربعا دون هذه فذكر الجمعة والجمع والخوف والاستخلاف. وقال بعضهم كل صلاة لا تصح إلا بإمام فإن نية الإمامة فيها لازمة والله أعلم. (ويكره في كل مسجد له إمام راتب أن تجمع فيه الصلاة مرتين). يعني قبله أو بعده أو معه إذا كان هو المصلي فإن صلى غيره ولم يستخلف ولا أبطأ عن وقته فاحشا فله هو التجميع بعدها لا غيره ابن الحاجب ولا يجمع صلاة في مسجد له إمام راتب مرتين وإمامه وحده كالجماعة إلا أن يكون غيره قد جمع قبله ويخرجون فيصلون جماعة في موضع غيره إلا في ثلاثة المساجد فيصلوا أفذاذاً (س) هذا هو المشهور وذهب أشهب إلى جوازه وهو الأصل وظاهر حديث «من يتصدق على هذا» دليل له. (ع) قال أشهب لأصبغ في المسجد وقد صلى الناس تنح لزاوية وائتم ففعل اللخمي والمازري ولا قبله إلا بعد ضرر طول انتظاره قال قلت فقوله فيها إن جمعوا قبل حضوره فله أن يجمع بتقديمه انتهى وانظر فروعها فإنها متعينة والله أعلم. (ومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحداً). يعني سواء صلاها فذا أو في جماعة كان إماماً أو مأموماً زاد في المدونة ويعيد من ائتم به والمشهور لزوم الإعادة أبدا وقال سحنون يعيد من ائتم به ما لم يطل ويعيدون أفذاذاً عند ابن حبيب مراعاة للخلاف (ع) ظاهر المدونة إعادتهم جماعة إن شاءوا. فرع: اللخمي إن نوى الفرض صحت على الفرض وإن نوى التفويض صحت على الفرض إن بطلت الأولى وإن نوى النفل صحت على القول بصحة إمامة الصبي انتهى. (وإذا سها الإمام وسجد لسهوه فليتبعه من لم يسه معه ممن خلفه). يعني لقوله عليه السلام «ليس على من خلف الإمام سهو وإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه» خرجه الدارقطني وظاهر كلام الشيخ يتبعه وإن كان مسبوقاً فأما غير المسبوق فلا خلاف أنه يسجد معه البعدي ينتظر جالساً وقيل يقوم إلى القضاء وقيل هو

مخير ابن رشد والثلاثة لمالك ثم يسجد بعد قضائه وإن لم يعقد معه ركعة لم يترتب عليه سجوده البعدي وقال أشهب لا يلزمه ولكن يسجده احتياطاً. وأما القبلي فقال ابن القاسم لا يتبعه وقال سحنون يتبعه. فروع: أولها: لو سجد المسبوق البعدي مع الإمام سهواً أعاده بعد سلامه وجهلاً أو عمدا سمع عيسى بن القاسم صلاته صحيحة ويسجد بعد سلامه وقال عيسى تبطل ويؤيد الأول قول سفيان فيها يسجد البعدي معه قال الشيوخ عادة سحنون أن لا يدخل شيئاً من الآثار فيها ولا من أقاويل السلف إلا إذا جرى على قواعد المذهب فكأنه استشهاد. الثاني: لو سجد معه القبلي ثم سها في القضاء قال ابن رشد يسجد لسهوه في قضائه اتفاقا كفذ وقال اللخمي الشيخ في نيابة سجوده معه عن سهو قضائه قولان لابن الماجشون وأشهب مع ابن القاسم ولو كان سجود إمامه بعديا وسهوه في قضائه قبليا ففيها يسجد قبل السلام ابن حبيب بعده. الثالث: سهوه في قضائه يسجد كالفذ على المشهور وقيل ينسحب عليه حكم الإمام ولابن عبد السلام فيه كلام فانظره. (ولا يرفع أحد رأسه قبل الإمام ولا يفعل إلا بعد فعله). يعني لقوله عليه السلام: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» ولقوله عليه السلام «أما يخاف الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله صورته وصورة حمار» الحديث فالمطلوب في صلاة الجماعة متابعة الإمام في كل شيء من أمر الصلاة ولا تجوز مسابقته ولا مساوقته ثم إن وقعت المسابقة فيما عدا الإحرام والسلام فلا تبطل ولكن يؤمر أن يعيد إن علم إدراكه قبل رفع إمامه لا إن علم نفيه خلافا لسحنون الباجي إن علم من رفع قبل إمامه أنه يدركه راكعا لزمه الرجوع وإن علم عدم إدراكه فروى أشهب وابن حبيب لا يرجع ورجعه سحنون ثانيا قدر ما فاته ومن ظن أن الإمام رفع فرفع ثم تبين له أن الإمام لم يزل راكعاً ففي سماع ابن القاسم يرجع ليرفع برفع الإمام اللخمي وهو أحسن من سماع أشهب من سجد قبل إمامه فسجد إمامه ثبت معه ولا

يرفع ثم يسجد. ومن قول سحنون من رفع إمامه بعده رجع فسجد ما فعل إمامه اتباعا للحديث فأما من تعمد الرفع قبل الإمام وقد ركع معه واطمأن فبئس ما صنع وإن لم يدركه الإمام راكعا فإن ركع قبله ورفع قبله ولم يفعل من الركوع معه قدر الواجب فهو كتارك الركوع وقوله (ولا يفعل إلا بعد فعله) يعني أنه لا يساويه فإن ساواه كره. وقال بعضهم مقصود كلامه أن المطلوب ابتداء المتابعة إلا أنها واجبة في الإحرام والسلام والقيام من اثنتين لا غير فلذلك أفرد هذه بالذكر فقال (ويفتتح بعده) يعني أنه لا يحرم حتى يحرم ابن رشد إن بدأ بعد بدء الإمام التكبير صح وإن أتم معه أو قبله بطل وإن أتم بعده اتفاقا فيهما وأعاد إحرامه وفي قطعه الأول بسلام أو دونه قولان (ع). والثاني: للمدونة والأول قال التونسي لسحنون ابن رشد لو بدأ الإحرام معه فقال مالك مرة يعيد بعده فإن لم يفعل وأتمه معه أو بعده ففي صحته قولان ابن عبد الحكم مع ابن القاسم في سماع سحنون بالصحة ابن حبيب وأصبغ بالبطلان ونقله الشيخ عن رواية سحنون ونقل غيره ثالثاً عن ابن عبد الحكم إن سبقه إمامه ببعض الحروف صحت وإلا بطلت. فرع: لو ابتدأ الإمام تكبيرة الإحرام وابتدأ المأموم بعد ابتدائه وختم التكبير قبل ختم إمامه فالأظهر بطلانها (ع) لأن المعتبر محل التكبير لا بعضه والله أعلم. وقوله (ومن يقوم من اثنين بعد قيامه) يعني فإن خالف للمساواة اغتفر وحكمه كسائر الأفعال يتأكد في ذلك بخلاف الإحرام والسلام. وقوله (ويسلم بعد سلامه) فإن سبقه بطلت وفروعه كفروع السبق وغيره في الإحرام والله أعلم. وقوله (وما سوى ذلك) فواسع أن يفعله معه (وبعده أحسن) يعني أن المساواة في غير الإحرام والسلام جائزة مكروهة فقط وقد مر حكم المسابقة ومعنى قوله ولا يفعل إلا بعد فعله فتأمل ذلك. (وكل سهو سهاه المأموم فالإمام يحمله عنه إلا ركعة أو سجدة أو تكبيرة الإحرام أو السلام أو اعتقاد نية الفريضة).

يعني أن كل ما يكون فيه سهو الإمام سهوا لمأمومه فإنه يحمله وما لا فلا وتعقب ابن الفخار كلامه بأن الإمام لا يحمل القيام الأول ولا الجلوس الأخير ولو كبر في حال انحطاطه للإحرام لم يجزئه كما إذا سلم وهو قائم وكذلك لو جلس في التشهد الأول حتى اطمأن الإمام راكعاً فليقم وليركع فإن لم يقم يحمل الإمام عنه قال بعض الشيوخ وما قاله مخالف لما قاله ابن الفخار إذ قال فيها إن كبر للركوع ونوى به الإحرام أجزأه قال ابن الفاكهاني وهذا عندي غير مخالف لقول مالك. قال بعض الشيوخ وكان حق الشيخ أن يقول ولا يحمل من الفرائض غير أم القرآن ولو كبر للركوع ناسياً للإحرام مضى على صلاته وأعاد وجوبا على ظاهر المذهب وعزاه التلمساني للجلاب. وقال ابن القاسم احتياطا وجزم به صاحب الإرشاد وعزا الاستحباب لعبد الملك ولو شرك في النية بين الإحرام والركوع في تكبيرة واحدة ففي النكت يجزئه كمن اغتسل للجمعة والجنابة ينويهما ولو انبهم عليه فلم ينوا إحراماً ولا ركوعا ففي أجوبة ابن رشد يجزئه لأنه تكبير منضم إلى نية التي قام بها إلى الصلاة قبل الإحرام بيسير وقد تقدم ما في ذلك ولو نوى الإحرام بتكبير السجود ففي المقدمات هو كتكبيره وفي المسألة قولان بالإجزاء وعدمه وبالله التوفيق. (وإذا سلم الإمام فلا يثبت بعد ولينصرف إلا أن يكون في محله فذلك واسع). يعني بحيث يكون ذلك في بيته وما في معناه هذا هو المراد بمحله لأن علة النهي أحد ثلاث وقوع الكبر في نفسه وانقضاء مدة تقدمه الذي يقتضي شغل المكان المحبس عليه أو التلبيس على الداخل بكون الصلاة بقي منها شيء وهو أسعدها بالمعنى (ع) ويكفي في ذلك تحويل الهيئة. خاتمة: ثلاثة من جهل الإمام المبادرة إلى المحراب قبل تمام الإقامة والتعمق في المحراب بعد دخوله والتنفل به بعد الصلاة وكذا الإقامة به لغير ضرورة ولا خلاف في مشروعية الدعاء إثر الصلاة فقد قال عليه السلام: «اسمع الدعاء جوف الليل الأخير وأدبار

الصلوات المكتوبات» وخرج الحاكم على شرط مسلم من طريق حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنه «لا يجتمع قوم مسلمون فيدعوا بعضهم ويؤمن بعضهم إلا استحباب الله دعاءهم». وقد أنكر جماعة كون الدعاء بعدها على الهيئة المعهودة من تأمين المؤذن بوجه خاص وأجازه ابن عرفة والكلام في ذلك واسع وقد ألف فيه الشيخ أبو إسحاق الشاطبي ورام ابن عرفة وأصحابه الرد عليهم وحجتهم في ذلك ضعيفة والله أعلم. وقد انتهى الربع الأول من الرسالة والله المسئول في تحصيل ما بقي وتصحيحه والنفع به وهو حسبنا ونعم الوكيل.

باب جامع في الصلاة

باب جامع في الصلاة يقول هذا باب جامع لمسائل في الصلاة وما يرجع إليها من طهارة ولباس وسهو وهيئة وما يعرض من جمع وتيمم ورعاف ونحوه وسجود التلاوة وغير ذلك. وأول من وضع الجامع في كتابه مالك ثم استحسنه الناس فتبعوه عليه. (وأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف السابغ الذي يستر ظهور قدميها وهو القميص والخمار الحصيف ويجزئ الرجل في الصلاة ثوب واحد). المراد بالمرأة الحرة لأن الحرة هي التي يجب لها ما ذكر فأما الأمة فكالرجل. قال ابن الحاجب يتأكد ومن ثم جاء الرابع المشهور تعيد الأمة خاصة في الوقت (خ) ابن رشد لا خلاف في أن فخذ الأمة عورة وإنما الخلاف في فخذ الرجل وما نقله أنه المشهور هو كذلك عند اللخمي وابن يونس والتونسي وعزاه لأصبغ (ع) وفي الأمة ثلاث فيها ما عدا الوجه والكفين ومحل الخمار. وروى إسماعيل وسوى الصدر ونقد ما لأصبغ وأنها كالرجل بل يتأكد قال وكل ذات رق فكالأمة إلا أم الولد ففيها كالحرة وتقدم في باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة ما يغني عن الإعادة والتكرار وإنما كرر هذه المسألة في هذا

الباب ليعلم أنه صالح لذكره في الصلاة كما أنه صالح لذكره في الطهارة والله أعلم. و (القميص) جميع ما يسلك في العنق ومعنى (الحصيف) المحكم النسج بالحاء المهملة ومن قاله بالمعجمة فقد صحف وقيل لا وقوله (وتجزئ الرجل الصلاة في ثوب واحد) يعني كان مخيطا أو لا لقوله عليه السلام «أو لكلكم ثوبان». وقال «إن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به». وقد تقدم إن صلى بثوب ليس على أكتافه منه شيء وفي البخاري قال سلمان نعم الثوب التبان وهو سراويل قصير الرجلين وسئل مالك عن الصلاة في الرداء والسراويل في المسجد فقال لا، والله ما الصلاة في السراويل لقبيحة وما هو من لباس الناس إلا أن يكون من تحت القميص والحياء من الإيمان وتقدم في الصلاة في السراويل بمفردها ثالثها يعيد أبدا والمشهور يكره ولا إعادة. (ولا يغطي أنفه أو وجهه في الصلاة أو يضم ثيابه أو يكفت شعره). يعني ينهي عن ذلك قوله عليه السلام «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكفت شعراً ولا ثوباً». يعني في الصلاة وقيل مطلقاً يريد لأن ذلك من أفعال المتكبرين وهو مناف لمقصود الصلاة الذي هو الخضوع والذلة فهو مكروه وقد ينتهي إلى التحريم إذا قصد لكبر ونحوه قاله ابن بشير وفي الإكمال كراهيته مطلقاً كظاهر ما هن أو عزاه لجمهور المحققين قائلاً: وقال الداودي: إنما يكره إذا كان لأجل الصلاة وفي المدونة ما يوافقه وهو قوله ومن صلى محتزما أو جمع شعره بوقاية أو شمر كميه فإن كان ذلك لباسه أو كان في عمل حتى حضرت الصلاة فلا بأس به وإن تعمد إكفات ثوبه أو شعره فلا خير فيه. قال أبو محمد ولا يعيد وفي الطراز كل موضع في المدونة فلا خير فيه على المنع إلا هذا وأقام ابن رشد من قوله ((إن كان لباسه جواز صلاة المرابطين)) يعني أهل اللثام بالتلثم لأنه لباسهم الذي يعرفون به ذكره في الأجوبة.

(وكل سهو في الصلاة بزيادة فليسجد له سجدتين بعد السلام يتشهد لهما ويسلم منها).

السهو الذهول في الشيء أو عنه بما يؤدي إلى الإخلال به بزيادة أو نقصان أو كل منهما وكل يقع في الصلاة فيجبر بالسجود ما لم يكثر جدا فتبطل أو يقل جداً فيغتفر كما إذا أبيح والزيادة إما أن تكون في الأقوال أو في الأفعال وكلاهما إما أن

يكون أجنبيا عن الصلاة أو من جنسها وفي ذلك تفصيل واختلاف يطول وهو وهم فلينظر وبالله التوفيق. ثم قوله: (في الصلاة) يعني: المفروضة وغيرها لأن سهو الزيادة في النفل كالفرض على تفصيل في مسائله وقوله: (سجدتين) شرط فلو سجد واحدة ام تجزئ ولو سجد ثلاثاً لم تجزئ ولو شك في السجدتين أو في إحداهما ففي المدونة سجد ما شك فيه ولا شيء عليه ولو شك هل سجد واحدة أو اثنتين سجد أخرى وتشهد وسلم وكذا لو سجد لسهو ثلاث سجدات فلا سهو عليه. اللخمي: إن كان بعديا وإلا سجد قبل السلام وقوله (يتشهد لهما ويسلم منهما) ابن حبيب ولا يطول ولا يدعو (ع) وفي الإحرام لهما ثالثها إن طال تأخيرها اللخمي عن روايتين وسماع عيسى رجوع ابن القاسم عن الثانية قائلا لا يهوي لهما من قيام بل يجلس ويسجد. ابن رشد أجمعوا على عدمه في القرب (خ) ولم يحك المازري وابن يونس الخلاف إلا مع الطول ولابن عطاء الله المشهور افتقاره إلى الإحرام وفي سر سلامه روايتان لابن وهب وابن القاسم (س) وهذا والله أعلم لغير الإمام وإلا فهو يجهر ليقتدي به واتحاد الطهارة شرط عياض فلو أحدث بينهما أعادهما اتفاقا ولو أحدث قبل سلامهما فقال مالك يعيدهما وقال ابن القاسم لا. فرع: في سجود السهو البعدي هل هو سنة أو واجب قولان المشهور سنة وفي الطراز قول بالوجوب وهو مذهب أبي حنيفة وجزم ابن هارون بنفي الخلاف في أنه لا يجب ورده (ع) بوجوه إذ قال وسجود سهو الزيادة – المازري والقاضي – سنة الطراز واجبتان قائلا: ولا يبطلها تركهما وإنما شرع البعدي ترغيما للشيطان والله أعلم. (خ) وفي المختصر وصح إن قدم أو أخر وفي المسألة اختلاف يذكر إن شاء الله. (وكل سهو بنقص فليسجد له قبل السلام إذا تم تشهده ثم يتشهد ويسلم وقيل لا يعيد التشهد). يعني إذا كان النقص في السنن المؤكدة لا في الأركان فإنه مبطل ولا في الفضائل

والسنن الخفيفة فإنه لغو والسنن المؤكدة سبعة السورة مع أم القرآن والتكبير كله سوى تكبيرة الإحرام وسمع الله لمن حمده حيث كان والجهر في موضع الجهر والسر في موضع السر والتشهد الأول مع الجلوس له والتشهد الآخر مع الجلوس له إلا قدر إيقاع السلام فإنه فرض. وقال أبو مصعب كل هذا الجلوس فرض وهل السنة مجموع التكبير أو كل تكبيرة سنة قولان أقامهما ابن رشد من المدونة والأول سماع يحيى من ابن القاسم والثاني سماع أبي زيد منه والسهو عن هذه فيه تفصيل يذكر بعد إن شاء الله. وأنواع النقص ثلاثة نقص في السنن وهو المذكور هنا ونقص في الأركان ويذكر في قوله (ولا يجزئ سجود السهو لنقص ركعة إلى آخره ونقص في الفضائل) وهو المذكورة في قوله ومن سها عن تكبيرة إلى آخره والمتروك من السنن إما أن يكون عمدا أو جهلاً أو نسياناً فأما العمد فالمشهور يستغفر الله ولا شيء عليه. وقاله ابن القاسم وقال عيسى تبطل صلاته لأن المتهاون بالسنن كالمتهاون بالفرائض وثالثها يجبر بالسجود ورابعها يعيد في الوقت وأما الجهل فالمشهور إلحاقه بالعمد وأما النسيان فإن تأكدت جبر بالسجود وإن لم تتأكد فعفو كما سيذكر إن شاء الله وقد اختلف في سجود السهو القبلي على ثلاثة أقوال الوجوب، والسنة والتفصيل وأخذ المازري الوجوب من بطلان الصلاة بتركه، والثاني: لابن عبد الحكم، والثالث: بالتفصيل وفيه طرق وأقواله والله أعلم. وقوله (إذا تم تشهده) يعني الأخير لا قبل ذلك إذ ليس من صلب الصلاة وإنما هو إجبار بعد تحقق الموجب وقد يتعدد فيما بقي منها وقوله (ثم يتشهد) يعني بعد سجوده لسهوه ليسلم إثره ليكون سلامه إثر تشهد وقيل لا يعيد التشهد اكتفاء بالأول (ع) وفي تشهد القبلي ثالثها يستحب والقول بثبوته رواية ابن القاسم وسقوطه رواية أشهب والاستحباب لابن عبد الحكم مع ابن رشد عن ابن وهب. (ومن نقص وزاد سجد قبل السلام). يعني تغليباً للنقص إذ هو للإجبار لا للزيادة لأنها ترغيم للشيطان وقال ابن أبي حازم وابن أبي سلمة يسجد للزيادة بعده وللنقص قبله وقال الشافعي السجود كله قبل

وقال الحنفي كله بعد وفصل مالك بين الزيادة والنقص وهو مشهور المذهب. وقال النواوي وهو أحسن المذاهب وأحسن منه قول أحمد بن حنبل أسجد لكل سهو حيث سجد له عليه السلام ولا أسجد في غيره وهو جمود مع الظواهر والله أعلم. وقال الشيخ أبو محمد الشبيبي رحمه الله وصور السهو ثمانية اثنان يسجد فيهما بعد السلام وهما الزيادة المتيقنة والزيادة المشكوكة ويسجد في ذلك بعد السلام وستة يسجد فيها قبل السلام وهو تيقن النقصان والشك فيه وتيقن النقصان والزيادة معا والشك فيهما وتيقن أحدهما والشك في الآخر وتأمل ذلك. (ومن نسي أن يسجد بعد السلام فليسجد متى ما ذكر وإن طال ذلك وإن كان قبل السلام سجد إن كان قريباً وإن بعد ابتدأ صلاته إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة مع أم القرآن أو تكبيرة أو التشهدين وشبه ذلك فلا شيء عليه).

ولو طال كالشهر ونحوه قاله في المدونة وفي الواضحة والمجموعة ولو بعد سنة وفي أي محل ذكر إلا من الجمعة في اشتراط المسجد لهما إن كانتا قبيلتين لمحمد وابن شعبان في الرعاف بالنفي أحرى ولم أقف عليه (خ) ولو ذكرهما في وقت نهي سجدهما أو في صلاة فبعدهما. وحكى عبد الحق عن بعض شيوخه إن كان عن نافلة فلا يسجد في وقت كراهتها وإن كان عن فرض سجد وكل وقت والقريب أن يذكر وهو في مصلاه إثر صلاته فيرجع فيسجد ما بقي وقد تمت صلاته، وروي عن ابن المواز أن ذكرهما بعد إحرامه رجع إليهما بإحرام وكذلك من رجع لباق عليه، فالقرب والبعد معتبر بالعرف لأنه كذاكر جزء من الصلاة. وقوله: (إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة) إلى آخره يعني فإنها تصح وله مع تدارك السجود أو لا قولان، وفي الذي تبطل الصلاة بسهوه إن فات محل السجود له ستة أقوال معولها قول (س) كان يفتي غير واحد ممن لقيناه بأنها تبطل إن كان السجود عن ترك الجلوس الوسط وعن ترك ثلاث سنن سواه يعنون من السنن التي يسجد لها ولا يعيد لها ثم سنن لا يسجد لها وإن نظرها في المقدمات وإنما لا

تبطل بترك السجود للسهو لأنهم لم يعدوا القيام لها سنة مستقلة فهي في حكم السنتين والتكبيرتين والتسميعتين مثلها ومفهوم كلامه أن التكبيرة الواحدة والتسمية أحرى في عدم السجود وفي التهذيب إن نسي التشهدين سجد قبل السلام وتعقب القرافي تصويره بأن التشهد يمكن استدراكه بالرجوع للإتيان به. (ع) وفيها مع الشيخ عن رواية ابن حبيب إن نسي التشهد الأخير وسلم رجع إن قرب فتشهد وسلم وسجد بعد سلامه وإن طال فلا شيء عليه قال قلت: وهذا معارض لقول المازري في المدونة إن ذكر تارك التشهد الأخير وهو بمكانه سجد لسهوه وإن طال فلا شيء عليه ونحوه للصقلي فيكون فيها قولان يعني هل يسجد لإجبار صلاته أو لا يسجد لفواته فانظر ذلك وصور القرافي وجود التشهدين في مسائل البناء والقضاء في الرعاف حيث تصير الرباعية كلها جلوساً فانظر ذلك. وقوله (وشبه ذلك) يعني كالتكبير والتسميعة ونحو ذلك وقد تقدم ويأتي. (ولا يجزئ سجود السهو لنقص ركعة ولا سجدة ولا لترك القراءة في الصلاة كلها أو في ركعتين منها وكذلك في ترك القراءة في ركعة من الصبح واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها). أما ما ذكر في شأن الركعة والسجدة فلأنها أركان والأركان لا تجبر إلا بالإتيان بها ما لم تفت أو لا يمكن استدراكها فالنية والإحرام لا يمكن استدراكهما فيستأنف الصلاة من نسيهما وما وقع في الركعة الأولى يستدرك ما لم تفت فيأتي بركعة مكانها ويصلح الثانية ما لم يعقد الثالثة والثالثة ما لم يعقد الرابعة والرابعة ما لم يسلم وقيل إن سلم على المشهور فإنه يجبرها فتفوت الركعة بعقد ركعة تليها (خ). وهذا ظاهر إن كانت أصلية ولو كانت غير أصلية كالقيام إلى خامسة غلطا فاختلف هل هي كالأصلية أم لا قولان حكاهما المازري وابن الحاجب والمشهور أن السلام غير مفيت وقال ابن القاسم السلام فوت ومقابل المشهور لابن القاسم فانظر ذلك. والمراد بترك القراءة في الصلاة ترك قراءة الفاتحة لأن ما بعدها سنة. وقد تقدم حكمه فيمن ترك القراءة في الصلاة كلها بطلت على المشهور لأن الفاتخة واجبة في كل ركعة أو في جزء ولم يقرأ في شيء من صلاته وهذا على قول مالك إن الفاتحة واجبة

في كل ركعة والقول الثاني أنها واجبة في جلها وهما مشهوران وقالهما في المدونة أو في ركعتين منها بناء على أنها تجب في نصف الصلاة ونقله أبو عمر عن مالك ولابن رشد وابن حارث والشيخ لم يختلف قول مالك في أن تركها في ركعتين من الرباعية مفسد والركعة من الصبح كالركعتين من غيرها لأنها نصف الصلاة. (واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها إلخ). يعني من غير الصبح كالرباعية والثلاثية فقيل يجزئ فيها سجود السهو قبل السلام وهذا على أنها فرض في جل الصلاة أو جزء منها وأنها سنة في الباقي والقول بالجزء هو للمغيرة في النوادر قال فيها إن لم يقرأ إلا في ركعة من الظهر أجزأه سجود السهو قبل السلام وقيل يلغيها ويأتي بركعة وهو مبني على القول بوجوبها في كل ركعة وقد تقدم أنه في المدونة واختاره عبد الوهاب وقيل يسجد قبل السلام. ولا يأتي بركعة ويعيد الصلاة احتياطا قال ابن رشد وهذا استحسان أشار إليه الشيخ بقوله وهذا أحسن ذلك أنه شاء الله وهو قول ابن القاسم وجعله اللخمي المشهور وأشعر الشيخ بقوله إن شاء الله إن اختيار من عند ابن رشد وعلى التفريع عليه إن ذكر قبل الركوع من الأولى أنه ترك الفاتحة وقرأ فإنه يقرأ الفاتحة والسورة بعدها وهل يسجد لزيادة القراءة قبلها قولان وإن ذكر بعد رفع رأسه من الركوع أو سجدة قطع وابتدأ وبعد تمام السجدتين قولان سماع أبي زيد من ابن القاسم يقطع ورواية ابن المواز عنه لا يقطع ويتمها نافلة والكلام في المسألة واسع فانظره وبالله التوفيق. فرع: ترك الآية من الفاتحة كترك كلها ونقله المازري عن بعضهم ولإسماعيل عن المذهب يسجد لها قبل السلام وقيل لا سجود عليه والله سبحانه أعلم. (ومن سها عن تكبيرة أو عن سمع الله لمن حمده مرة أو القنوت فلا سجود عليه). يعني لا أولا ولا آخرا لا سجودا ولا غيره وهذا على المشهور لأن الأولين سنة مخففة والآخر مستحب على المشهور (ع) وفي السجود لنقص تكبيرة قولان للجلاب عن ابن القاسم، ولها عزاهما ابن رشد لها إن القنوت فضيلة (ع) فلا سجود لتركه (خ)

والمشهور ابن سحنون سنة وفي السليمانية يسجد لسهوه وقال علي بن زياد من ترك القنوت متعمدا فسدت صلاته انتهى ملفقا. فرع: ابن رشد عن أشهب: من سجد لترك قنوت أو تسبيح قبل السلام فسدت صلاته قال (ع) قلت: هو دليلها وجزم (خ) في مختصره ببطلانها بالسجود لفضيلة أو تكبيرة فانظره. (ومن انصرف من الصلاة ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها فليرجع إن كان بقرب ذلك فيكبر تكبيرة يحرم بها ثم يصلي ما بقي عليه). يعني بالانصراف الخروج من الصلاة وهل بسلام وهو الظاهر أو مطلقا وكل ذلك سهوا مع اعتقاده الإتمام هو المقصود لقوله (ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها) أي من أركانها المفروضة فيها كالركوع والسجود أو السلام ونحوه وهل يدخل في ذلك التشهد الأخير والسجود القبلي محتمل ثم ليس من شرط ذكره لما ذكر أن يتيقنه بل إذا شك فيه وهو غير مستنكح فكذلك. وقوله: (فليرجع) يعني ينوي الرجوع إلى الصلاة ظاهره وسواء ذكر قائما أو قاعدا ويحتمل أن يريد فليرجع إلى المحل الذي فارق منه الصلاة قياما كان أو جلوسا إن كان قد فارقه وسيأتي إن شاء الله فيكبر تكبيرة واحدة يحرم بها ظاهره ولو قرب جدا ابن الحاجب ويبني بغير إحرام إن قرب جدا اتفاقا وإلا فقولان. ابن هارون وهكذا حكي ابن بشير وصاحب الطراز الاتفاق وحكى الباجي وغيره عن ابن القاسم عن مالك أن كل من جاز له أن يبني في القرب فليرجع بإحرام (ع) وفي وصفي بنائه طرق على إخراج سلام السهو من الصلاة يبني بإحرام وقاله ابن القاسم ورواه انتهى وعليه يجري ما ذكره الشيخ والله أعلم. (خ) وقوله يعني: قول ابن الحاجي وإلا فقولان المازري المشهور إذا قرب ولم يطل جداً أنه يرجع بإحرام فإنه تركه لم تبطل ابن الحاجب وعلى الإحرام ففي قيامه له قولان وعلى قيامه ففي جلوسه بعده ثم ينفض ليتم قولان. (خ) نحوه لابن بشير وابن شاس وظاهره أن القولين جاريان ولو كان جالسا

(س) وابن هارون وإنما القولان في حق من نذكر بعد أن قام هل يطلب بجلوس وهو قول ابن شبلون لأنه الحالة التي فارق عليها الصلاة وهو الأصل أو يجوز له أن يحرم وهو قائم ليكون إحرامه بالفور وهو وقول قدماء أصحاب مالك وعلى القيام فهل يجلس بعد ذلك قولان، وأما من تذكر وهو جالس فإنه يحرم كذلك ولا يطلب منه القيام اتفاقا انتهى. فانظره. والقرب في ذلك معتبر بالعرف ويتبين بقوله (فإن تباعد ذلك أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته) يعني أن خروجه من المسجد طول ولو كان عند بابه أو خرج عنه بأدنى شيء وكذلك الحدث وظاهر كلام بعضهم أن هذا متفق عليه وقال (خ) في قول ابن الحاجب وقيل وإن بعد ظاهره وإن خرج من المسجد لحديث ذي اليدين فأما التباعد فمقابل القرب وقد قال بعضهم كل حكم يحتاج إلى فرق بين القرب والبعد لم يرد فيه حكم من الشارع فالعرف يبين المقصود من ذلك. وقال أشهب القرب ما لم يجاوز ما يصلي فيه بصلاة الإمام وقد مر الكلام فيه في نسيان السجود القبلي وقد تقدم إلحاق سجدتي القبلي في نسيانه بهذا وقوله (وكذا من نسي السلام) يعني فإنه يرجع إن كان بقرب ذلك فيكبر محرما ثم يسلم ويسجد بعد السلام إن كان قد انحرف عن القبلة وإلا فلا إحرام ولا سجود وإن طال ابتدأ الصلاة. ابن الحاجب وفي إعادة التشهد في الطول قولان (ع) وناسي سلامه وقال اللخمي إن كان ذكره بمحله ولا طول سلم دون تكبير وتشهد وسجد لسهوه ونقله الشيخ وظاهره عن ابن القاسم وقال ابن بشير وتابعه لا سجود عليه لا أعرفه منصوصاً انتهى. قالوا وهذه المسألة داخلة في التي قبلها لكن كررها إشارة للخلاف في السلام وفي الاكتفاء دونه بالمنافي فانظره. (ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا بنى على اليقين وصلى ما شك فيه وأتى برابعة وسجد بعد السلام).

يعني من شك في صلاته ولم يدر كم صلى منها أثلاث ركعات أم أربعا فهو شاك في التي هو فيها هل هي ثالثة أو رابعة بنى على اليقين الذي هو الثلاث وصلى ما شك فيه التي هي الرابعة وعلى هذا فقوله (وأتى برابعة) تفسير لما شك فيه وقيل مراده من شك في الثالثة والرابعة فعلهما معا وعليه فالتقدير ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا ولم يتيقن غير اثنتين بنى على اليقين التي هي الاثنتان وصلى ما شك فيه التي هي الثالثة وأتى برابعة وقيل بنى على اليقين الثنتين وصلى الثالثة التي وقع له الشك وهو فيها وأتى برابعة فهذه وجوه ثلاثة ترفع ما يتوهم من ظاهر الكلام وهو أنه قد صلى ما شك فيه وأتى برابعة بعد قوله (لم يدر ثلاثا أم أربعا) فكان ظاهره أنه يأتي بخمس ولا يصح. وقوله: (بنى على اليقين) مفهومه أنه لا يبني على شك ولا ظن فأما على الشك فلا يصح باتفاق وأما على الظن فقولان والمعول أن الذمة عامرة لا تبرأ ألا بيقين (ع) والشك في النقص كتحققه وفي كون ظن الإكمال كذلك أو كتحققه نفلا

اللخمي فانظره وقوله (وسجد بعد سلامه) يعني ما لم يكن موسوسا على المشهور فيها ابن الحاجب وسجود المتم للشك بعده على المشهور (خ) (س). وقال ابن لبابة في هذه الصورة يسجد قبله لحديث أبي سعيد الصحيح قال وفي سجود الموسوس قولان (خ) والموسوس هو الذي تكثر شكوكه (س) وظاهر المدونة سقوط حكم الوسوسة مطلقا إما للمشقة أو للشبهة غير العقلاء (خ) والقولان في سجوده لمالك. (ومن تكلم ساهيا سجد بعد السلام). يعني إلا أن يكون مأموما فيحمله الإمام عنه وسواء سها عن كونه في الصلاة أو سها عن كونه متكلما ولا يجزئ فيه السجود إلا إذا لم يكن كثيرا جدا فإن كثر بطلت وما كان من جنس أقوال الصلاة وخف فلا سجود فيه كان سهوا أو عمدا ويأتي الكلام فيه إن شاء الله. (ومن لم يدر أسلم أم لم يسلم سلم ولا سجود عليه). يعني ذلك بقرب تشهده ولم يتحول عن القبلة ولا أتى بفعل ولا قول يخيل الإعراض عن الصلاة وإلا رجع لصلاته بإحرام فتشهد وسلم كما تقدم فيمن نسي السلام لأن الشك في الإسقاط كالتحقق وعلى هذا فيتقيد ما هنا بما تقدم بأن يقال ما لم يطل أو يتحول عن القبلة ويتقيد ما هناك بما هنا بأن يقال: ما لم يكن على هيئة ولم يحدث شيئاً وفيه نظر. (ومن استنكحه الشك في السهو فليله عنه ولا إصلاح عليه ولكن عليه أن يسجد بعد السلام إلخ). يعني يسجد بعد السلام ترغيما للشيطان ولا يصلح لأنه ساقط الاعتبار إما للمشقة أو لشبهه بالمجانين كما تقدم وقوله (فليله عنه) قال في الغريب معناه فليضرب

عنه أي فليكف عنه بمعنى أنه لا يعول على ما يجده في نفسه من ذلك وعلى هذا فمذهب الشيخ مخالف لمن يقول يعمل على أول خاطريه وخاطر تؤول أيضا وكلامه به وهو بعيد وقوله (ولكن عليه أن يسجد بعد السلام) يعني استحبابا وعلى السجود على المشهور إذ قد تقدم فيه قولان وعلى السجود ففي محله قولان. وتقدم أن مذهب المدونة عدم اعتباره مطلقا عند ابن عبد السلام وسواء كان الشك في زيادة أو نقصان ويكون جوابه في النقص للشيطان كملت وفي الزيادة نفيها ومتى اشتغل بالتحقيق والنظر فيما وقع له تزايد عليه لأن الشيطان كالكلب إن اشتغلت برده أولع بك فقطع الثياب ومزق الإهاب وإن رجعت إلى ربه رده عنك برفق فاستعن بالله عليه وهو أي المستنكح الذي يشك كثيراً بحيث يعتريه ذلك في اليوم مرات أو يتكرر عليه كل يوم فأما إن كان لا يعتريه إلا في الأيام مرة فليس بمستنكح وموقع شكه هو أن يكون سها ونقص في نسخة زاد ونقص والأول أصح لأن محل الإصلاح إنما هو النقص والشك في الزيادة والنقص يكون مع إثبات أحدهما وهو بعيد من قصد الكلام وإن جعلت الواو بمعنى أو فيكون المراد سها بنقص أو زيادة ولا يوقن بسهوه هل حصل أم لا فليسجد بعد السلام فقط كرر أمر السجود وأكده بقوله فقط احترازاً ممن يرى أن عليه الإصلاح وإبعاد الذهن الموسوس عن التوهم. وقد قال بعضهم أصل الوسوسة جهل بالسنة أو خبال في العقل وإذا أيقن المستنكح في صلاته بالسهو فيها بزيادة أو نقصان سجد لسهوه على سنته بعد إصلاح صلاته لأنه في حكم الصحيح كما إذا بال صاحب السلس بوله المعتاد أو أمنى المنى المعتاد أو أمذى كذلك ونحوه فإن الطهارة واجبة عليه ولا يعذر إلا فيما خرج عن العادة وإن كثر ذلك منه أي كثر الشك من المستنكح فهو يعتريه أي يصيبه ويعتريه كثيراً بحيث يكون عليه فيه مشقة والحالة أنه يوقن بالسهو أو يشك فيه. وقد تيقن في هذا إصلاح صلاته لما وقع وتيقن من الحال ولم يسجد لسهوه للمشقة اللاحقة له فيه وهذا هو المشهور وقيل يسجد كغيره والله أعلم وقد حصل بعضهم كلام الشيخ في الشك فقال يخرج من كلامه أن الشاكين على قسمين موقن وشاك والشاك على قسمين سليم ومستنكح والمستنكح على قسمين موقن ومتردد

والموقن على قسمين قوي الاستنكاح وغيره قوية فالشاك المستنكح هو قوله (ومن لم يدر ما صلى) والسليم قبله والمستنكح بأقسامه بعده والله أعلم. (ومن قام من اثنتين رجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه وإذا فارقتها تمادى ولم يرجع وسجد قبل سلامه).

يعني من افتتح القيام وإلا فهو متزحزح لا قائم إذ لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه وقد يقال أطلق القيام على التزحزح مجازا وفيه نظر فإن رجع قبل مفارقتها فلا سجود على المشهور وقوله (فإذا فارقها تمادى) يعني على المشهور ولمالك في الواضحة يرجع ما لم يستقل قائما وقيل يرجع ما لم يكن إلى القيام أقرب. (ع) وفيها إن نسي الجلوس الأول حتى إذا استقل عن الأرض تمادى فصوب عياض تفسير الشيخ بمفارقتها بركبتيه ويديه قال وقبولهم تفسير ابن المنذر وابن شعبان بمفارقتها أي الأرض بأليتيه لا يتصور لمنع مالك رجوعه قبل قيامه على أليتيه انتهى. وقوله (ولم يرجع) أتى به لتحقيق التمادي ونفي التخيير ابن الحاجب فإذا رجع

ففي السجود قولان أي فإذا رجع بعد التزحزح وقبل الاستقلال عمدا أو جهلا فأما سهو فلا خلاف أنها لا تبطل قاله (ع) ابن الحاجب وبعد الاستقلال في البطلان قولان (خ) قال المازري والمشهور الصحة والبطلان حكاه في الجلاب عن عيسى بن دينار ومحمد بن عبد الحكم وحكاه في النوادر عن ابن سحنون وصححه مصنف الإرشاد ثم قال ابن الحاجب في محل السجود قولان أي على القول بالصحة والمشهور بعده والله أعلم. وقوله: (وسجد قبل الإسلام) يعني لأنه نقص الجلوس وهذا إذا تمادى ساهيا أو حيث تعين عليه التمادي فأما أن تعين رجوعه فتمادى جاهلا أو عامدا فهو جار على من ترك سنة عمدا أو جهلا والجهل كالعمد على المشهور والله أعلم. (ومن ذكر صلاة صلاها متى ما ذكرها على نحو ما فاتته) يعني من سر جهر أو إتمام أو قصر ذكرها في ليل أو نهار في سفر أو إقامة فإن شك أسفرية أو حضرية صلى مع كل حضرية سفرية ولو شك هل إحداهما حضرية والأخرى سفرية ولا يدري السابقة فكذلك وقيل يصلي كل صلاتين حضر بينهما سفرية وقبل بالعكس وقيل يصليهما تامتين ثم مقصورتين ثم تامتين وإن بدأ بالقصر ختم به ولو جهل عين منسية صلى خمسا ولو ذكرها دون يومها صلاها ناويالها ويؤخذ من قوله على نحو ما

فاتته ترتيب الفوائت في أنفسها وهو واجب وقيل مع الذكر والقدرة وقيل سنة فإن قدم بعضها على بعض عمدا أو جهلا فثالثها إن تعمد الثانية قبل الأولى أعادها إلا أن ذكرها في أثنائها وأسقط بعضهم الترتيب من المتماثلات فانظر ذلك وظاهر كلامه أنه يقنت في الصبح ويعتبر طول القراءة وقصرها كالحواضر وكل ذلك خفيف بخلاف الإقامة. وقوله: (ثم أعاد ما كان في وقته مما صلى بعدها) يعني لتحصيل الترتيب بينها وبين الحاضرة والفائتة كالترتيب بين الحاضرتين وبين الفوائت أنفسها إن كانت الفوائت يسيرة فإن كانت كثيرة فلا ترتيب مع الحواضر كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وظاهر كلامه أن هذا خاص بالنسيان مع إبهامه في الوقت وفي الكل اختلاف ابن الحاجب فلو بدأ بالحاضرة سهوا صلى المنسية وأعاد في الوقت وفي تعيين وقت الاختيار أو الاضطرار قولان (خ) المشهور الضروري. والقائل بالاختيار هو ابن حبيب. فرع: قال وفيها رجع إلى أنه لا إعادة على مأموميه (خ) وإعادتهم أقيس – ابن بشير – وهو المشهور بناء على الارتباط فانظر ذلك وبالله التوفيق. (ومن عليه صلوات كثيرة صلاها في كل وقت من ليل أو نهار وعند طلوع الشمس وعند غروبها وكيفما تيسر له). يعني سواء كان تركها عن نسيان أو غفلة أو ذهول أو نوم أو عمد لأن قضاء الكل واجب بإجماع إلا الأخير فعن الجمهور وروى عن مالك لا قضاء عليه وأنكره عياض وقوله (في كل وقت) تكرار مع قوله قبل (متى ما ذكرها) وذكر الليل والنهار للمبالغة في البيان وأشار بذكر طلوع الشمس وغروبها لمذهب الحنفي إذ يمنع من ذلك في الوقتين المذكورين وقوله: (وكيفما تيسر له) يعني من القلة والكثرة ما لم يخرج لحد التفريط ولا حد في ذلك بل يجتهد بقدر استطاعته كما قال ابن رشد مع التكسب لعياله ونحوه لا كما قال ابن العربي. وعن أبي محمد صالح إن قضى كل يوم يومين لم يكن مفرطا ويذكر خمسا فأما مع كل صلاة صلاة فكما تقول العامة فعل لا يساوي بصلة ومن لم يقدر إلا على ذلك فلا يدعه لأن بعض الشر أهون من بعض وقد منعوه من التنفل مطلقا وكان بعض ... الشيوخ يفتي بأنه إن كان يترك الجميع فلا يترك النافلة

وإن كان يفعل الفرض فلا يتنفل ابن الحاجب ويعتبر في الفوائت براءة الذمة فإن شك أوقع أعداد تحيط بجهات الشكوك (خ). قوله (فإن شك) أي في الإتيان أو في الأعيان أو في الترتيب وبيان ذلك واسع فانظره. تنبيه: الشك الذي لا يستند لعلامة لغو لأنه وسوسة فلا قضاء إلا لشك عليه دليل وقد أولع كثير من المنتمين للصلاح بقضاء الفوائت مع عدم تحقق الفوت أو ظنه أو الشك فيه ويسمونه صلاة العمر ويرونها كمالا ويزيد بعضهم لذلك أنه لا يصلي نافلة أصلاً بل يجعل في محل كل نافلة فائتة لما عسى أن يكون من نقص أو تقصير أو جهل وذلك بعيد عن حال السلف وفيه هجران المندوبات وتعلق بما لا آخر له وقد سمعت شيخنا أبا عبد الله محمد بن يوسف السنوسي ثم التلمساني يذكران النهي عن ذلك منصوص فحققته عليه فقال: نص عليه القرافي في «الذخيرة» ولم أقف عليه نعم رأيت لسيدي أبي عبد الله البلالي في اختصار الإحياء عكسه وقد أخذ بعضهم من كلام الشيخ أن قضاء الفوائت على الفور ومأخذه من باب جمل من الفرائض أظهر إذا قال وكل ما ضيع من فرائضه فليفعله الآن. وفي قوله (وكيف تيسر) أن في التطويل في محله والتقصير لا يلزم ونية القضاء والأداء كذلك وكذلك إسقاط الإقامة إلا أنها على سنتها في الحكم فتأمل ذلك وانظره. وقوله (وإن كانت يسيرة أقل من صلاة يوم بدأ بهن وإن فاته وقت ما هو في وقته) يعني أن ترتيب الفوائت مع الحواضر لا يلزم إلا إذا كانت الفوائت يسيرة وفي المسألة اختلاف أولاً ثم في حد اليسير ثانياً وقد جزم الشيخ بأن اليسير أقل من صلاة يوم (ع) وفي المشهور تقديم يسير ما فات على ما حضر ولو ضاق وقته. بعض الشيوخ عبد الحق اليسير بقية كاليسير أصلا ورجع ابن القاسم لسقوط قضاء الوقتية عن ذاكر ما يستغرق وقتها من ذي عذر ابن وهب الوقتية أحق وخير أشهب بن بشير عن البغداديين تقديم المنسية مستحب وقد مر من كلام ابن الحاجب فلو بدأ بالحاضرة سهوا على المنسية أعاد في الوقت ثم قال وعمدا فكذلك.

وروى ابن الماجشون يعيد أبدا بناء على أنه – يعني الترتيب بين الحاضرة والفائتة – شرط أم لا (خ) المشهور نفي الشرطية قال وتظهر ثمرة الخلاف لو ذكر صلاة في صلاة ولم يقطع فعلى المشهور تصح لأنه إنما خالف واجبا ليس بشرط وعلى الشرطية لا تصح (ع) وعمدا أو جهلا في إعادة أبدا أو في الوقت ثالثها إن ذكرها فيها أو في الوقت إن أحرم ذاكر السماع عيسى بن القاسم مع رواية ابن الماجشون وسحنون والمقدمات عنها مجريا الثلاثة من تقديم عصر على ظهر فات فانظره. فأما حد اليسير فشهر المازري أن اليسير خمس فما دونها ومقتضى ما هنا أربع وتؤول القولان على المدونة قال في البيان وقيل إن الكثير أربع على ظاهر المدونة وقال ابن يونس إن كانت أربعا فأقل فلا خلاف بين أصحابنا أنه يبدأ بهن وإن فات وقت الحاضرة فانظر ذلك. وقوله (وإن كثرت بدأ بما يخاف فوات وقته) يعني وإن زادت على أربع صلوات كما هو ظاهر كلامه أو على خمس كما هو المشهور ثم بداءته بالوقتية هنا على المشهور ابن الحاجب في وجوب ترتيب كثير الفوائت قولان (خ) أي مع الحاضرة والمشهور سقوط الوجوب ثم قال ابن الحاجب ولا تقدم إن ضاق الوقت اتفاقا أي كما قال ابن رشد المازري عن ابن القصار أجمعوا ونقضه (ع) يقول ابن مسلمة تقدم المنسيات ولو كثرت وإن خرج وقت الحاضرة إذا كان لا يفارقها حتى يستوفي جميعها مرة واحدة والله أعلم. (ومن ذكر صلاة في صلاة فسدت هذه عليه). يعني كانت المذكورة وقتية أو فائتة والمذكور فيها كذلك جمعة كانت أو غيرها وفي الكل اختلاف مبني على وجوب الترتيب وعدمه فلو ذكر ظهرا في عصر أو مغربا في عشاء قطع اتفاقا عند بعضهم إن كان فذا أو إماما وتمادى وأعاد إن كان مأموما على ما يذكر إن شاء الله وإن ذكر فائتة في وقتية ففي وجوب القطع واستحبابه قولان (خ) والقولان لمالك وهما في حق المنفرد. فأما الإمام والمأموم فيأتي وفي إتمام ركعتين قولان مقتضى كلامه أنه لو عقد ركعة أضاف إليها أخرى وسلم عن نافلة وحصل فيها في البيان سبعة أقوال (ع) وفيها قطع ما لم يركع ثم ذكر بقية السبعة فانظره ابن

الحاجب وإن كان إماما قطع أيضاً. وروى ابن القاسم يسري فلا يستخلف ورجع عنه وروى أشهب لا يسري فيستخلف (خ) والمشهور سيران الفساد إلى صلاة المأمومين فلا يستخلف وقد ذكر الشيخ لذكر المنسية ثلاث حالات قبل الحاضرة وبعدها وفيها أعطى كلا حكمه من قوله ومن ذكر صلاة صلاها إلى هنا فتأمل ذلك. (ومن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد الوضوء). يعني ضحك قهقهة فيه أعادها أبدا كان عامداً أو ساهيا أو مغلوبا وقيل يلحق سهوها بسهو الكلام والمشهور ما هنا (خ). وقال اللخمي قال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن الضحك يقطع الصلاة يريد أنهم فرقوا بينه وبين الكلام لأن فيه أمرا زائداً على الكلام وهو قلة الوقار وفيه ضرب من اللعب ابن هارون وهذا الإجماع عندي مقيد بالعمد دون الغلبة والسهو وقوله (ولم يعد الوضوء) أشار به لأبي حنيفة الذي يقول إنه يعيد الوضوء من القهقهة في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك لما ضحك من معه في الصلاة وتأوله غير واحد بأنه عليه السلام علم في القوم من أحدث ممن ضحكوا وأراد الستر على الجميع فأمر الكل بإعادة الوضوء والله أعلم. (وإن كان مع إمام تمادى وأعاد). يعني يتمادى المأموم لحرمة الصلاة فتماديه استحبابا وإعادته وجوبا ابن الحاجب وفيها يتمادى المأموم – ابن هارون – إذا كان غلبة أو سهو وإلا قطع (خ) وكذلك قال سند وعلى قول سحنون إنه كالكلام يحمله الإمام في السهو ويقطع في العمد (ع) وفيها يقطع الفذ ويتمادى المأموم ويعيد المازري ظاهر الواضحة يقطع انتهى. وهذا أحد مساجين الإمام الأربعة والثاني: من ذكر صلاة في صلاة والثالث: من ذكر الوتر في الصبح، والرابع: من كبر للركوع ناسيا للإحرام وهل للإمام ملحق فيقطع

ويستخلف أو يستخلف ويتخلف فيكون له حكم المأموم بعد واختلف فيه. (ولا شيء عليه في التبسم). يعني وإن كان عمدا لأنه مما يباح في غير الصلاة وليس بعمل كثير ولا قادح. وروى ابن القاسم لا يسجد وروى أشهب قبله وابن عبد الحكم بعده ذكرها ابن يونس. (س) رواية ابن القاسم أظهر (خ) واستحسن اللخمي قول أشهب لنقصه الخشوع. فرع: قال ابن القاسم في المدونة وكان مالك إذا تثاءب سد فاه بيده ونفث في غير الصلاة ولم أدر ما فعله في الصلاة ابن هارون أي في النفث وأما سد فيه فكان يفعله في الصلاة وغيرها (خ) روي أنه كان يسد فاه في الصلاة فإن احتاج إلى نفث نفث في طرف ثوبه. (والنفخ في الصلاة كالكلام). يعني يفرق فيه بين السهو والعمد لأنه مركب من ألف وفاء ومد إن كان فهذا هو المشهور (ع) وفيها النفخ كالكلام وروى على ليس مثله والعامد لذلك أي للنفخ وللكلام مفسد لصلاته على المشهور في النفخ إلا أن يكون لضرورة مرض لا يمكنه رده معه، وفي الكلام عمدا تفصيل هو أنه إن لم يكن لإصلاحها فإن كان بعد السلام أتى به معتقد التمام مثل ما لم تكمل فيقول: أكملت ومثل أن يسأل فيخبر فالمشهور لا تبطل وهو قول ابن القاسم في المدونة. قال الباجي: وعليه تناظر شيوخنا بالعراق، وقال ابن عبد البر أصحاب مالك على خلافه وهو قول ابن كنانة وقال سحنون: إن كان بعد السلام من اثنتين فلا تبطل ابن هارون وإذا قلنا بالجواز على المشهور فليس على إطلاقه بل لا بد من تقييد بأمرين أحدهما: تعذر الإعلام بالتسبيح وهو ظاهر المدونة حيث قال وإذا نسي الإمام فإنه يسبح به فإن لم يفقه فحينئذ يكلم والقيد الثاني عدم إطالة الكلام وكثرته (ع) ابن رشد

وسؤال الإمام قبل سلامه مبطل لوجوب بنائه على يقينه حتى ينبه بخلاف سماع موسى بن القاسم جواز سؤال من استخلف كم صلى الأول إذا لم يفهم إشارة (خ) وأما إذا شك الإمام قبل سلامه فحكى اللخمي والمازري في ذلك ثلاثة أقوال المشهور أنه لا يجوز له أن يسأل المأمومين كان في صلاة أو انصراف منها بسلام ثم حدث له الشك بعد سلامه وهذا لفظ المازري وعبر اللخمي عن المشهور بالمعروف ووجهه أنه مع الشك مخاطب بالبناء على اليقين. وقال أصبغ يجوز السؤال بعد التسليم خاصة، وقال محمد بن عبد الحكم يجوز قبل السلام وبعده انتهى. فرع: سمع ابن القاسم التنحنح للإفهام منكر لا خير فيه ابن رشد كتنحنح الجاهل للإمام يخطئ في قراءته وفي صحة صلاته قولان ابن الحاجب والتنحنح لضرورة غير مبطل ولغيرها في إلحاقه بالكلام روايتان (س) الظاهر عدم إلحاقه بالكلام لمباينته له بجميع وجوهه وكذلك القول في النفخ (ع) المازري هو لضرورة الطبع وأنين الوجع عفو فنقل عياض القولين في تنحنح المضطر وهم انتهى. (ومن أخطأ القبلة أعاد في الوقت).

يعني من يجب عليه الاجتهاد فاجتهد ثم أخطأ ولم يتبين له الخطأ إلا بعد الصلاة فيعيد في الوقت قاله في المدونة قال فيها والوقت في الظهر والعصر للاصفرار بخلاف ذي العذر. وقال ابن مسلمة إلا أن يستدبر فيعيد أبدا ابن سحنون يعيد أبدا أبناء على أن الواجب الاجتهاد والإصابة (خ) في مختصره وإن تبين خطأ بصلاة قطع غير أعمى ومنحرف يسيراً وقال أشهب يدور إلى القبلة مطلقا (ع) وفي تكرير اجتهاده لكل صلاة وإن مضى زمن تغير الأدلة قولاً ابن وهب وسند (خ) وما في الطراز أظهر (ع) وإن اختلف مجتهدان لم يأتما ولو قال لأعمى فيها أخطأ مقلدك المجتهد فصدقه انحرف وبنى ابن سحنون إن أخبره عن اجتهاده ولو أخبره عن عيان قطع قال: كونه عن عيان مع كون أولا عن اجتهاد مشكل. ونظر في هذا الإشكال بعض الشيوخ (ع) وفي إعادة الجاهل في الوقت أو أبدا قولا ابن الماجشون وابن حبيب ورجحه اللخمي بأنه صلى لغير القبلة قطعا وجعله ابن الحاجب المشهور وقبله ابن عبد السلام في شرحه وهو مقتضى قولهم المشهور أن الجهل في العبادات كالعمد وفي الكافي من صلى لغيرها دون اجتهاد وهو يمكنه فلا صلاة له قال: وبلغني عن ابن عبد السلام أنه رجع إلى أن الأول هو المشهور وهو ظاهر قولها من استدبر أو شرق أو غرب يظن أنها القبلة وعلم في الصلاة قطع وابتدأ بإقامة وبعدها يعيد في الوقت ولم يقيدوه (خ). قال ابن يونس الرواية في الناسي أنه يعيد أبدا وعلى هذا فيعيد الجاهل أبدا من باب أولى. وقال ابن الماجشون يعيدان في الوقت وقال ابن الرشد في البيان مشهور المذهب في الناسي والمجتهد يعيدان في الوقت قال (خ) والظاهر أن المراد بالجاهل الجاهل بالأدلة ولا يصح أن يراد الجاهل بوجوب القبلة لأن هذا لا يختلف في وجوب الإعادة عليه أبدا قاله ابن رشد والله أعلم. وسيذكر بيان القبلة وأقسامها وأدلتها في جمل من الفرائض إن شاء الله تعالى. وقوله: (وكذلك من صلى بثوب نجس أو على مكان نجس) يعني أو في بدنه

نجاسة ناسيا ولم يذكر حتى فرغ من صلاته يعيد في الوقت على المشهور وكذلك العاجز ووقته في الظهرين الأصفرار وفي العشاءين الليل كله وقيل لآخر الضروري وقيل المضطر للغروب وغيره للأصفرار وشهر الأول وهذا كله على أنها فرض مع الذكر والقدرة لا مع العجز والنسيان أو سنة واجبة وهما قولان مشهوران تقدما. فائدة: ثمان مسائل في المذهب فيها الوجوب مع الذكر والسقوط مع النسيان إزالة النجاسة والنضج والموالاة في الوضوء وترتيب الصلوات والتسمية في الذبيحة والكفارة في رمضان وطواف القدوم وقضاء التطوع من صلاة وصوم واعتكاف يعني إذا قطعت عمدا من غر عذر لزم القضاء وإن كان لعذر لم يلزم انتهى. وظاهر كلام الشيخ أن المصلي بثوب نجس إنما يعيد في الوقت ولو كان عامدا وهو وقول أشهب في المدونة وخلاف المشهور (خ) وسقوطها في صلاة مبطل كذكرها فيها ولا قبلها أو كانت أسفل نعل فخلعها يعني وهذا على المشهور في الجميع إذ في الكل اختلاف قال (في التوضيح والقطع) يعني في الأولى والثانية مشروط بسعة الوقت وأما مع ضيقه فقال ابن هارون لا يختلفون في التمادي إذا خشي فوات الوقت لأن المحافظة على الوقت أولى من النجاسة سحنون ولو رآها في سعة الوقت قطع على المشهور (ع) ومن علم نجاسة ثوبه في صلاته وفيها يقطع وروى أبو الفرج وإسماعيل إن أمكنه نزع وإلا قطع اللخمي عن ابن الماجشون وإلا تمادى وأعاد ولو سقطت على مصل ثم وقعت عنه ابتدأ ولو رآها في صلاة فنسي وتمادى فقال ابن حبيب تبطل صلاته (س) وهو الجاري على مذهب المدونة. وقال ابن العربي لا تبطل قال وما أظنه يوجد منصوصاً عليه لغيره وأما رؤيتها قبلها ثم نسيها فالمشهور كمن لم يرها (س) الشاك هنا ليس بثابت في المذهب والله أعلم وإنما اعتمد فيه ابن الحاجب على ابن شاس وابن شاس ذكره عن ابن العربي وابن العربي لم يسم قائله وشأنه في كتبه إدخال مسائل وأقاويل من غير المذهب استحسانا لها أو استغرابا أو تضعيفا ومن أكثر النظر في كتبه علم ذلك والله أعلم. انتهى. وإنما قرن الشيخ هذه بالتي قبلها والتي بعدها لاستوائها في الحكم والتقدير وقوله

(أو توضأ بماء نجس مختلف في نجاسته) يعني بماء محكوم بنجاسته عنده وهو قوله وقيل بنجسه قليل النجاسة وإن لم تغيره فهذا الماء نجس عنده مختلف فيه عند العلماء غيره وهو في ذلك تابع لابن القاسم إذ قال يتركه ويتيمم فإن توضأ به وصلى أعاد في الوقت وأظنه أشار بذكر الخلاف لأن الاقتصار على الوقت إنما هو مراعاة للخلاف فيه وعلى ذلك حمله عبد الحق والسيوري وحمله ابن رشد على أن الماء عنده مكروه لكونه أمر بالإعادة في الوقت (خ). ومن الأشياخ من عده تناقضا وحمله عبد الوهاب على أنه يجمع بين الماء والتيمم وضعفه عياض لبعده عن اللفظ انتهى (خ). قال ابن رشد في المقدمات ولم يفرق ابن القاسم في الإعادة في الوقت بين أن يكون ناسيا أو جاهلا أو عامدا وقال ابن حبيب في الواضحة إن كان عامدا أو جاهلا أعاد أبدا وقيد أبو محمد والبراذعي في اختصارهما الإعادة بعدم العلم وتعقب عليهما بعدم وجوده في الأصل وأجيب بأنهما عولا على ما في صلاتها الأولى فانظره والله أعلم. وقوله: (وأما من توضأ بماء تغير لونه أو طعمه أعاد صلاته أبدا ووضوءه) وفيه تعيين أن مراده بالماء النجس المختلف فيه هو القليل بنجاسة لم تغيره لأن الكثير طهور باتفاق ما لم يتغير وإنما الخلاف في القليل وقد تقدم وإنما لم يذكر تغير ريحه لدلالة الطعم واللون عليه أو لأنه لم يتفق عليه إذ لا عبرة به عند ابن عبد الحكم والله أعلم. (وأرخص في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر وكذلك في طين وظلمة).

يعني على المشهور وروى ابن القاسم إنكاره وأوجب إعادة العشاء على من فعله أبدا وسيأتي ما فيه من الخلاف بعد إن شاء الله وحقيقة الرخصة أباحة الشيء الممنوع مع قيام السبب المانع قال في جمع الجوامع والحكم إن تغير للسهولة مع قيام السبب للحكم الأصلي فرخصه (خ) وأعلم أنه إن اجتمع المطر والطين والظلمة أو اثنان منها جاز الجمع اتفاقا وإن انفردت الظلمة لم يجزأ الجمع اتفاقا أي عند من يقول بالجمع فيهما. وإن انفرد الطين أو المطر. فقال صاحب العمدة المشهور جواز الجمع لوجود المشقة قال في الذخيرة المشهور في الطين عدمه وهو الأظهر لأن المازري وسند أو ابن عطاء الله وغيرهم قالوا ظاهر المذهب عدم الجواز في انفراد الطين وحده لقوله في المدونة ويجمع في الحضر بين المغرب والعشاء في المطر والطين والظلمة فاشترط الظلمة مع الطين وفي التنبيهات هذا الذي قاله الشيوخ. وقال ابن الفاكهاني وظاهر المذهب في الطين وحده الجواز ونحوه لمالك في العتبية (ع) وفي الطين طريقان ابن رشد فيه ذا وحل قولان لسماع ابن القاسم وأشهب مع الواضحة والمدونة اللخمي أجازه مرة وقال مرة أرجو في الطين وكثرة الوحل انتهى واستقراء الباجي وابن الكاتب من قوله في الموطأ جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير جوف ولا سفر إذ قال مالك أراه في المطر (ع) ورد بأنه تفسير

لفظ لا نتيجة اجتهاد ونظر في هذا الرد (خ) بل رده فانظره وشرط المطر أن يكون وإبلا لا خفيفا جدا وسواء كان واقعا أو متوقعا لا إن ارتفع وصحت قبلها والمراد بالظلمة التي لا قمر فيها فلو كان تحت السحاب فليس بظلمة ودليل الرخصة وجهها يأتي ف جمل من الفرائض إن شاء الله. وقوله (يؤذن للمغرب أول الوقت خارج المسجد) يعني على المنار ونحوه كما هي سنة الأذان كله أول الوقت كسائر الصلوات لا يقدم ولا يؤخر وأخذ بعضهم من هنا إن للمغرب وقتين وفي ذكر المسجد والأذان دليل أن الجمع خاص بالجماعة فلا يجمع منفرد لأنه إنما شرع لرفع المشقة في إدراك فضل الجماعة (ع) ولفضل الجماعة بمسجد بين العشاءين في جوازه ثالثها بمسجده صلى الله عليه وسلم فقط ورابعها دون مساجد المدينة فقط وخامسها بالمسجدين فقط وسادسها: بالبلاد المطيرة الباردة كالأندلس فقط فانظر عزوها. وقوله: (ثم يؤخر قليلا في قول مالك) يعني الواقع في المدونة إذ قال فيها تؤخر المغرب شيئاً ويجمعان قبل مغيب الشفق ينصرفون وعليهم أسفار قليل (ع) فسره ابن رشد بنصف الوقت وقال ابن عبد الحكم وابن وهب وأشهب أول الوقت ابن رشد ومن جعلهما على رأي امتداد وقت المغرب واتحاده اللخمي وروى ابن عبد الحكم تؤخر المغرب ويطيلون أذان العشاء لمغيبه وقاله أشهب المازري وهذا يخيل معنى الجمع (خ) وهو جمع صوري قال مع (س) وضعفه المشهور أيضاً لأن فيه إخراج كل صلاة عن وقتها وقوله (ثم يقيم في داخل المسجد يصليها) يعني: المغرب كما هو الشأن دائما (ثم يصليها) يعني؟ على سنتها من تقصير القراءة وغيره على المشهور خلافا لمن رأى تطويلها إلى دخول وقت العشاء إذ لا فائدة له (ثم يؤذن للعشاء في داخل المسجد ويقيم ثم يصليها) يعني: ويكون هذا الأذان بصوت منخفض واختلف في محله (ع) وعلى المشهور في كون الأذان في مقدم المسجد داخله أو صحنه وقلا علي عن مالك وابن حبيب قائلا يخفض صوته وقوله (ويقيم ثم يصليها) يعني دون أن يتنفل شيئاً قاله مالك والمازري وكل صلاتين يجمع بينهما فالتنفل بينهما ممنوع ونحوه للخمي (ع) والمشهور منع التنفل بين جمعهما وروى العتبي ولا بعده بالمسجد لابن الحاجب.

وفي الأذان في الجمع ثالثها المشهور يؤذن لكل منهما قال وينوي الجمع أول الأولى فإن أخره إلى الثانية فقولان (خ) هذا الخلاف ذكره ابن بشير وابن شاس وابن عطاء الله ولم يعزه واحد منهم (ع) وقول ابن الحاجب في تأخير نية الجمع للثانية قولان لا أعرفه يعني نصا وإلا فقد أشار (خ) للتخريج وكذلك هو المفهوم من نقل المازري والله أعلم. (فروع ثلاثة): أولها: حدوث سبب الجمع بعد الفراغ من الأولى ففي النوادر إن فرغوا من الأولى قبل نزول المطر لا يجمعون وعزاه لابن القاسم. الثاني: قال ابن القاسم في المدونة إن صلى المغرب في بيته ثم أتى المسجد فوجدهم في العشاء ليلة الجمع فله الدخول معهم وفي المبسوط خلافه. الثالث: إن وجد الناس قد فرغوا من الجمع فلا يصلي العشاء إلا بعد مغيب الشفق إلا أن يكون في مسجد مكة أو المدينة أو بيت المقدس فيصليها بعد الجماعة وقبل مغيب الشفق لأن الصلاة في هذه المساجد الثلاثة أفضل من صلاة الجماعة. وكذا نقله الباجي وابن يونس عن مالك ولم يذكروا فيه بيت المقدس وقد ذكره (خ) في مختصره. (ثم ينصرفون وعليهم أسفار قبل مغيب الشفق). الإسفار البياض الباقي من النهار وقوله (قبل مغيب الشفق) تفسير فلو قعدوا إلى مغيب الشفق أعادوا العشاء وقبل لا يعيدون وثالثها إن قعد الجل أعادوا الأقل وظاهر

كلامه أنهم ينصرفون بإثر صلاة بلا مهلة فلا يتنفلون كما رواه العتبي ولا يوترون على المشهور وروى ابن القاسم لا يوتر جامع قبل الشفق وأجازه بعضهم لقوم لا يقرءون واضح ابن سعدون عن ابن القاسم عبد الخالق يعني السيوري يوتر ليلة الجمع بعد العشاء قبل الشفق. فرع: سمع القرينان يجمع جار المسجد وإن قرب أبو عمران والغريب يبيت به يحيى بن عمر والمعتكف عبد الحق وإن كان إماماً رجع مأموماً (ع) ونقل ابن عبد السلام استحباب إتمامه ولا أعرفه واختلف في الضعيف والمرأة في بيتهما فقيل يجمعون بالسمع وقيل لا والقولان للمتأخرين والمنع لأبي عمران وقال المازري خالف غيره من أشياخ عبد الحق والله أعلم. (والجمع بعرفة بين الظهر والعصر عند الزوال سنة واجبة بأذان وإقامة لكل صلاة وكذلك في جمع المغرب والعشاء بمزدلفة إذا وصل إليها). لا خلاف في سنية الجمع للجماعة في هذا الموضع.

وفي الفذ اختلاف وجمع عرفة بالتقديم ومزدلفة بالتأخير وإنما يصلي بعد حط رحله وقيل يصلي المغرب ثم يحط ثم يصلي العشاء وأفاد قوله (وكذلك في جمع المغرب والعشاء بمزدلفة) أنهما بأذانين وإقامتين كما تقدم في جمع عرفة وفي وقوله (إذا وصل إليها) أنه لا يصليها حتى يصل ولو منعه مانع وسئل مالك إذا وصل قبل مغيب الشفق فقال ما أظنه يكون ويؤخر إلى مغيب الشفق والله أعلم. (وإذا وجد السير بالمسافر فله أن يجمع بين الصلاتين في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر). ظاهر كلام الشيخ شرط الجد لإباحة الجمع وقال ابن رشد في المقدمات لا شرط على المشهور إلا سفر قصر ابن الحاجب ولا يكره على المشهور ولا يختص بالطويل (ع) دليل قول الأصحاب جوازه في سفر غير القصر وقال الصقلي نقله القاضي عن المذهب وصرح به المازري ثم بحث فيه فانظره وقوله (في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر) يعني إذا كان على ظهر سفر نعم وكذلك المقيم لأنه جمع صوري ليس فيه إخراج صلاة عن وقتها بتقديم ولا تأخير واتفق فقهاء الأمصار على جوازه للصحيح والمقيم فضلا عن غيره. ولذلك قال المازري لا وجه له وهذا الجمع من الرخص وتأول ذلك بما فيه من فوت فضيلة أول الوقت وفيه نظر والله أعلم. فرع: في النكت إنما يجمع مسافر البر لا البحر لأن الجمع إنما أبيح لمشقة النزول والله أعلم. (وإذا ارتحل في أول وقت الصلاة الأولى جمع حينئذ). لا جمع إلا بين مشتركتين وهما الظهر والعصر والمغرب والعشاء فالظهر والعصر هو المنقول في الأحاديث والمغرب والعشاء بالحمل عليه فكان حكمهما متعديا. وقد اختلف في هذا الإلحاق والمشهور الإلحاق وأنه إذا ارتحل في أول وقت الأولى من النهاريتين أو الليليتين يجمع حينئذ بشرط نية النزول إلى آخر الوقت أو فراغه وهذا كله إذا كان ارتحاله بعد النزول في النهاريتين (ع) فإن زالت بمنهله ونوى النزول

بعد الغروب جمع وبعد الأصفرار لا جمع وبينهما قال المازري في جمعة نظر للزوم كون الثانية في غير مختارها اللخمي يجوز تأخيره الثانية وهو أولى المازري هذا على عدم تأثيم من أخر إليه وإلا ففيه نظر. قال: قلت: رده اللخمي بقوله: لا إثم للضرورة ابن بشير المشهور الجمع وقيل يؤخر الثانية قال وإن رحل قبل الزوال ونوى بعد الغروب جمعهما لوقتيهما وقبل الأصفرار لآخرهما وبينهما قال اللخمي والمازري جاز تأخيره لجمعه وقال ابن مسلمة وابن رشد لوقتيهما قال: وفيها إن ارتحل بعد الزوال جمع حينئذ ولم يذكر في العشاءين الرحيل من المنهل سحنون هما سواء يعني رحيلان فقيل وفاق وقيل خلاف لنزوله بعد الغروب ابن رشد والأول أصح للحديث. تنبيه: وهذا كله إذا كان يضبط نزوله وإلا فلا يصح له التقديم بل يجمع جمعا صوريا فقط قاله ابن بشير والله أعلم. فروع ثلاثة: أولها: لو حدثت له نية السفر بعد صلاة الأولى جرى على الخلاف في وجوب نية الجمع في الأولى. الثاني: إذا نوى الإقامة بعد الجمع فلا يعيد الصلاة الثانية على المشهور وحكى التلمساني قولا لمالك في المجموعة أنه يعيد في الوقت. الثالث: لو ارتحل قبل الزوال وقد جمع بينهما فروى علي يعيد العصر ما دام في الوقت الباجي لأنه خلاف سنة الجمع فاستحب الإتيان به على سنة الجمع والله أعلم. (وللمريض أن يجمع إذا خاف أن يغلب على عقله عند الزوال وعند الغروب).

يعني ليحصل الصلاة حرصا على الخير وإلا فلو دفع إلى ما يمنعه الصلاة سقطت وهو أرفق به لا عكسه وعند الزوال يعني للظهرين وعند الغروب يعني للعشاءين (ع) جمع المشتركتين للمريض خوف الإغماء أو مشقة الحركة المشهور جوازه المازري منعه مطلقا عن ابن نافع الباجي خوفه ما يمنعه الثانية أو حمى كخوف إغمائه ولم يحك الثاني فقول ابن بشير يجمع للمرض مطلقا اتفاقا قصور. وقال ابن الحاجب يجمع للإغماء وفي غيره قولان وعكسه لابن عبد السلام لا أعرفها ابن الحاجب وفي الخوف لابن القاسم قولان (خ) هما في العتبية والذي رجع إليه الجواز قال الباجي: ووجهه أم مشقته أكثر من مشقة المرض والسفر والمطر. فروع خمسة: أولها: روى علي لمريد طلوع البحر بعد الزوال يخاف عجزه عن القيام في العصر لعلمه بميده جمعه بينهما بالبر قائما. الثاني: سمع ابن القاسم لذي صحة تأخيرهما لزوال إغمائه ما لم يخرج وقتها ابن

رشد مختارها وقيل مختار مشاركتها وظاهر سماع ابن القاسم في المغرب ما لم يطلع الفجر. الثالث: للعتب وأصبغ وعيسى وابن مزين إن جمع لخوف ذهاب عقله فسلم أعاد قال سند يعني في الوقت. الرابع: سمع عيسى بن القاسم لا يجمع لخوف عذر فإن فعل فلا بأس. وعلى الثاني قال الباجي: إن توقع الخوف مع تأخير الصلاة جمع أول الوقت فإن كان خوف يمنع الإقبال عليها والانفراد بها جمع لوقتها المختار كالمريض. الخامس: (خ) حكى الباجي وصاحب المقدمات عن أشهب أجازة الجمع لغير سبب. (س) وإنما حكوه مطلقا لا اعتباراً بالصوري والله أعلم. (وإن كان الجمع أرفق به لبطن به ونحوه جمع وسط وقت الظهر وعند غيبوبة الشفق). يعني أن الجمع إذا كان لقصد الرفق مجرداً عن دواعي الوجوب فالحكم إيقاعه وسط وقت الصلاتين المجموعتين وذلك عند انتهاء القامة الأولى في الظهر وعند غيبوبة الشفق في العشاءين قال في المدونة فأما إن كان الجمع أرفق به لشدة مرض أو بطن منحرق ولم يخف على عقله جمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر وبين العشاءين عند غيبوبة الشفق لا قبل ذلك قال في التنبيهات وكذلك ألحقنا وسطه من كتاب ابن عتبا وغيره وعليه اختصرها ابن أبي زمنين قال ابن وضاح وابن سحنون بطرح وسطه وبإسقاطها يوافق الجواب في الظهر والعصر الجواب في المغرب والعشاء وبإثباتها يخالفه فنأول بعض الشيوخ أن المراد بالوقت وقت الاختيار وهو نصف القامة وإليه ذهب ابن أخي هشام فهذا على المخالفة بين هذه الصلاة ولابن سفيان القروي وسط الوقت في الظهر ثلث القامة وحمل سحنون وغيره على الجمع الصوري وأن المراد بوسط الوقت آخر القامة ابن الحاجب ويقدم خائف الإغماء على الأصح لا غيره على الأصح (خ). أي لا غير خائف الإغماء يريد كصاحب البطن المتخرق ونحوه فمقابله لابن شعبان أنه يجمع عند الزوال وعند الغروب انتهى. وتقدم ما في المدونة فوقه وهو موافق لما هنا والله أعلم.

(والمغمى عليه لا يقضي ما خرج وقته في إغمائه). المغمى عليه هو الغائب العقل لحمى ونحوها وكونه لا يقضي ما خرج وقته في إغمائه أي في حال كونه غائب العقل لأن العقل من شروط الوجوب فلا تجب على مغمى حال غيبته ولا مجنون حال جنونه وكذلك الحائض والنفساء في حال كونهما كذلك. وكذلك الكفار قبل إسلامه والصبي دون احتلامه وهؤلاء هم أصحاب الأعذار يعني الكافر يسلم والصبي يحتلم والحائض تطهر والمغمى والمجنون يفيقان فإذا خرج الوقت وهم كذلك فلا صلاة عليهم إلا أنهم يختلفون في التأثيم والتدارك والله أعلم. تنبيه: قد ذكر الشيخ في هذا الفصل أنواع الصلوات المرخص في جمعها والتي قد أذن في التقديم والتأخير فيها ومن العلماء من جعلها من أقسام الصلوات المعتبرة وفي ذلك نظر ثم ذكر أحكام المريض في صلاته وهو من باب الرخص وذكر حكم السقوط بالمرض بوجه لا يفيد وهو الإغماء ونحوه وفرق بين الصلاة والصوم فيها إذ قال في الصوم لا يقضي مطلقا وفي الصلاة لا يقضي ما خرج وقته ويقضي ما أفاق في وقته مما يدرك منه ركعة فأكثر من الصلوات يعني من وقت الضرورة ابن الحاجب والضروري ما يكون فيه دون الصلاة مؤديا وقيل من غير كارهة لتحقق المكروه (ع) والضروري تال الاختياري للغروب في النهاريتين وفي الليليتين الفجر. وذكر في الصبح اختلافا هل لها ضروري أم لا؟ فقال ابن العربي الصحيح من ذلك أن وقتها الاختياري يمتد إلى طلوع الشمس ولا وقت لها ضروري ومشهور المذهب ما في المدون وهو قول ابن حبيب أن لها ضروريا هو ما بعد الأسفار والمعتبر للإدراك ركعة على المشهور وقيل الركوع فقط وقيل غير ذلك وقد حصل فيها (ع) أربعة. وقوله: (وكذلك الحائض تطهر) يعني لمقدار ما تدرك به الصلاة بركعة بعد الأولى فإنها تقضي الأولى والثانية أو لدون ذلك فإنها تقضي الثانية فقط وكذلك كل ذي عذر في زوال عذره إذ أدرك لزمه قضاء ما أدرك وذو الأعذار جماعة منهم الكافر

يسلم والصبي يحتلم والمغمى والمجنون يفيقان والحائض والنفساء لطهرهما كذلك فإذا بقي عليهما من النهار بعد طهرهما بغير توان خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن كان بقي من الليل أربع ركعات صلت المغرب والعشاء وإن كان من الليل أو من النهار أقل من ذلك صلت الصلاة الآخرة يعني تدرك الأولى من النهاريتين بقدرها وهو أربع ركعات ثم تدرك ثالثتها بركعة، وفي الليليتين تدرك الأولى بثلاث ركعات والثانية بواحدة. هذا إن كان في الحضر وإلا فالمعتبر الأولى ركعتين في النهاريتين والثالث لإدراك الثانية ولا يزال في الليليتين على أربع حاضر أو مسافر لعدم تغير الأولى والله أعلم. وهذا كله على المشهور وهو التقدير بالأولى وهو قول ابن القاسم وأصبغ لا على التقدير بالثانية وهو قول ابن عبد الحكم وعبد الملك وابن مسلمة وسحنون فتكون العشاء قد حازت الوقت كله والمغرب قد خرج وقتها في زمن حيضها ابن الحاجب وقال أصبغ سأل ابن القاسم آخر مسألة فقال أصبت وأخطأ ابن عبد الحكم وسئل سحنون فعكس ابن القاسم والصحيح قول سحنون (ع). وفي وجوب أولى المشتركتين بإدراك ركعة فوق قدرها أو قدر الثانية ثالثها فوق قدر أقلها وما روي عن ابن القاسم عزاه المازري لمالك وأصل الكلام في هذا كله يرجع لقوله عليه السلام: «ومن أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الوقت» إذ قال علماؤنا إنما هذا في أصحاب الأعذار لا غيرهم إذ لا يجوز لغيرهم التأخير لمثل هذا الوقت والله أعلم. وقوله: (بعد طهرها بغير توان) يعني أن الإدراك المذكور إنما يعتبر للحائض مقدراً بطهرها فإذا كان الوقت بحيث نقدر أنها تتطهر فيه ثم تدرك المقدار المذكور للصلاتين لزمتا أو لإحداهما وجبت وإلا فلا وظاهر كلامه إنما يعتبر ذلك دون غيرها من أصحاب الأعذار الذي جزم به (خ) تقديره لكل معذور إلا الكافر إذ قال في مختصره والمعذور غير كافر يقدر له الطهر (م) ويعتبر في مقدار الطهر للصبي اتفاقا وفي غيره أربعة اعتباره للجميع ونفيه واعتباره لغير الكافر وقيل والمغمى عليه وجرد في النوادر الحائض عن الخلاف كالصبي وأجرى غيره الخلاف في الجميع حتى الصبي انتهى.

ومعنى قوله (بغير توان) أي بغير تراخ ولا مهلة وهو تنبيه حسن وبالله التوفيق. (وإن حاضت لهذا التقدير لم تقض ما حاضت في وقته وإن حاضت لأربع ركعات من النهار فأقل إلى ركعة أو لثلاث ركعات من الليل إلى ركعة قضت الصلاة الأولى فقط). يعني أن التقدير المعتبر للوجوب هو المعتبر للسقوط فلو حاضت لمقدار خمس ركعات من النهاريتين أو لأربع من الليليتين على المشهور (ع) المازري فلو حاضت سقط ما يجب عند قائله ولا يعتبر مقدار الطهر في السقوط لأنه لا تعلق له به وأما لو حاضت لأقل من خمس في النهاريتين أو أربع في الليليتين فإنما تقضي الأولى لأن الأخيرة إنما جاء وقتها بعد حصول العذر فهي ساقطة. وقوله (إلى ركعة) تنبيه على أن بقاء الركعة موجب للسقوط لا دونها كالوجوب وفيه اختلاف (ع) وفي سقوطها لطهوره لقدر ركعة أو أقل لحظة منها إلا ثالثها لا تسقط عن متعمد التأخير إلا بقدر الصلاة ورابعها إلا لقدر ركعة إن كان متعمد التأخير متوضئاً الظاهر المذهب وابن الحاجب واللخمي عن بعض المتأخرين

والمازري عن بعض أشياخه واختاره المازري انتهى فانظره فإن التلفيق غير كاف فيه والله أعلم. (واختلف في حيضها لأربع ركعات من الليل فقيل مثل ذلك وقيل إنها حاضت في وقتهما فلا تقضيهما). يعني أنه اختلف في التقدير بالأولى فتكون المغرب ثلاثا وفد خرج وقتها في حال العذر والعشاء مثلها إذ قد بقي من وقتها هذا ركعة فيسقطان معا وهذا هو المشهور والقول الآخر التقدير بالثانية فتكون الأربع للعشاء لأنه قدرها وليس للمغرب شيء فلا يسقط غيرها وقد تقدم عزو القولين وأن المشهور الأول وهو قول ابن القاسم وعزاه المازري لمالك فانظر ذلك متأملاً وبالله التوفيق. فرع: ذكر عبد الحق في تهذيب الطالب له عن غير واحد من شيوخه أن وقت الاختيار يدرك بالإحرام وفهم (س) وابن رشد عن ابن الحاجب لا يدرك إلا بكمال الصلاة وفهم (خ) عن ابن هارون أنه يدرك بركعة وهو مقتضى عموم الأحاديث والله أعلم. (ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء). يعني كما قال في المدونة وحملها أبو الفراج وابن القصار على ظاهرها من الوجوب وقال أبو يعقوب الرازي هو: على الندب (س) وحمل المدونة في ذلك على الوجوب أبين لتشبيهها فيها بمن شك في عدد الركعات وهذا في غير المستنكح فإنه عفو وفي ذلك خمسة أقوال وما ذكر هو المشهور من الخمسة وهي الوجوب والندب وتؤولا

على المدونة. وفيها من تيقن الطهارة وشك في الحدث أعاد وضوءه قيل وعليه الأكثر وقيل استحبابا وقال ابن حبيب إن خيل إليه أن ريحا خرجت منه فلا وضوء إلا أن يوقن بها وإن أدخله الشك بالحس فلا وضوء عليه. ورابعها: إن شك في صلاته لم يقطع وإن كان قبل دخوله فلا بد من وضوئه واختاره ابن أبي حمزة قائلاً: لأن الصلاة دخول على الملك فلا تكون إلا بأمر محقق والقطع خروج عنه فلا يكون إلا كذلك. وخامسها: عدم الوجوب مطلقا وهو مذهب الشافعي وهو الأصل لأنه لا عمل بشك لكن قال ابن العربي أما لو شك في إكمال الطهارة فلا خلاف في الاستئناف وكذلك لو تيقن الحدث وشك في الطهارة أو مع الشك في السابق منهما وجب الوضوء اتفاقا. فرع: فلو صلى شاكا في الطهارة ثم تذكرها لم يعد خلافا لأشهب وابن وهب. تنبيه: قال شيخنا أبو عبد الله القوري – رحمه الله – وعلى القول بالاستحباب فلا يصح عمله إلا بنية الوجوب للاحتياط فانظر ذلك. (ومن ذكر من وضوئه شيئاً مما هو فريضة منه فإن كان بالقرب أعاد ذلك وما يليه وإن تطاول ذلك أعاده فقط وإن تعمد ذلك ابتدأ الوضوء إن طال ذلك وإن كان قد صلى في جميع ذلك أعاد صلاته أبدا ووضوءه). يعني: أن المتروك من الوضوء إما فرض أو سنة وكل منهما إما عمدا أو نسيان أما الفرض فاركه عمدا مبطل إن طال وإن كان بالقرب أعاده وما يليه للترتيب وإن بعد أعاده فقط دون ما بعده وهل الطول معتبر بجفاف الأعضاء المعتدلة في الزمان المعتدل. وهو المشهور أو باجتهاد المتطهر قولان حكاهما الباجي وما ذكر من الابتداء عند التعمد هو المشهور لأن الموالاة فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان وقيل سنة وشهر أيضاً واغتفر إن خف وفي غير ثلاثة لابن وهب وابن عبد الحكم وابن القاسم. ثالثها: يغتفر مع النسيان وكذلك العجز على المشهور ففي النسيان يبني على

وضوئه مطلقاً وفي العجز ما لم يطل الفصل وكذلك القول في الترتيب فيعاد المنكس خاصة عند ابن القاسم ومع ما بعده لابن حبيب. فرع: من ذكر لمعة ولم يجد ما يغسلها به قال الأبياني لا يبطل وضوءه إذا غسلها ولو بعد طول ما لم يفرط وقال بعض شيوخ عبد الحق هو كمن عجز ماؤه تجري فيه الأقوال الثلاثة التي ثالثها إن أعد ما يكفيه فأريق أو غصب بنى وإلا فلا وإعادة الصلاة في ذلك مبنية على وجوب الموالاة مع الذكر والله أعلم. (وإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين فإن كان قريبا فعل ذلك ولم يعد ما بعده وإن تطاول فعل ذلك لما يستقبل ولم يعد ما صلى قبل أن يفعل ذلك).

يعني إن ترك سنة من سنن الوضوء سهوا فلا شيء عليه وإنما يفعل ذلك لما يستقبل ولا يعيد ما صلى بعده اتفاقا وفي العامد اختلاف فعن ابن القاسم يعيد في الوقت. وقال ابن حبيب لا إعادة ابن رشد ويتخرج فيه الإعادة أبدا من ترك السنة عامدا في الصلاة أنه يبطلها قال وهو المشهور والمعلوم من قول ابن القاسم. (ومن صلى على موضع طاهر من حصير وبموضع آخر منه نجاسة فلا شيء عليه). قد تقدم أن المصلي مأمور بالطهارة فلا يجوز أن يتقرب إلى الله تعالى إلا ببدن طاهر وثوب طاهر وبقعة طاهرة والمعتبر من البقعة محل قيامه وقعوده وسجوده ووضع يديه لا أمامه أو خلفه أو يمينه أو شماله فقوله (وبموضع آخر منه نجاسة) يعني لا تماسه وظاهره تحركت بحركته أم لا. وقيل إن تحركت بحركته اعتبرت وإلا فلا وحكى ابن الحاجب قولا باعتبارها مطلقا فتحصلت في ذلك ثلاثة ثالثها إن تحركت بحركته ضرت وإلا فلا والثالث حكاه عبد الحق في عدم اعتبارها حكاه عن بعضهم وهو ظاهر الرسالة والعمامة الطويلة جدا يكون في طرفها نجس معتبر لأنه لابس لها سواء تحركت بحركته أم لا قاله عبد الحق وابن يونس فيقتضي أنها إذا لم تتحرك لا تضر وللقرافي عن السليمانية يعيد في الوقت ولو طالت وله عن أبي العباس الأبياني من نزع نعله ووقف عليه فنجاسة أسفله لا تضره كنجاسة ظهر الحصير إذا كان ما يلي وجه المصلي طاهرا لا يضر والله أعلم. (والمريض إذا كان على فراش نجس فلا بأس أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا ويصلي عليه). يعني وكذلك الصحيح على الأرجح قاله ابن يونس لكن المريض أعذر في ذلك ووقوع مثل ذلك له في الغالب وقيل إن هذا خاص بالمريض قيل بكراهة وقيل بغير كراهة وهو المشهور وكونه كثيفا شرط لأنه لا يكون حائلاً إلا بذلك وكونه طاهرا شرطا لمباشرته محل المصلى والمشهور في استقباله محل النجس الكراهة إن بعد عن نفسه وهو في قبلته والله أعلم.

وصلاة المريض إن لم يقدر على القيام صلى جالسا إن قدر على التربع وإلا فبقدر طاقته إلخ).

يعني إن فرض القيام في الصلاة يسقط عن المريض العاجز عنه بلا مشقة فادحة ابن شاس إن عجز ففرضه التوكؤ يعني لأنه غاية مقدوره لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فإن عجز جلس من غير استناد فإن عجز استند وإن انتقل عما هو فرضه أعاد أبدا ولأشهب في المجموعة في المريض الذي لو تكلف الصوم والصلاة قائما قدر على ذلك إلا أنه بمشقة وتعب فيفطر ويصلي جالسا فإن دين الله يسر. ابن رشد إن لم يقدر أن يستقل قائما إلا أن يعتمد على شيء فقد سقط عنه القيام وجاز له أن يصلي جالسا في المكتوبة وإن كان أحب إلي أن يصلي قائما متكئا لأنه لما سقط عنه فرض القيام صار له نافلة وفضيلة كما هو في النافلة قال بعض الشيوخ وهو خلاف ما لابن شاس وتبعه ابن الحاجب عليه (ع) ابن مسلمة مشقة القيام

عجز وقاله ابن عبد الحكم خوف عود علته وعدم ملك ريح للقيام عجز عنه فلت والأواخر سنة إباحة التيمم (خ) واستشكل سند مسألة الريح لا سلس لا يترك الركن لأجله وحيث يستند فلغير حائض وجنب عبد الحق عن الشيخ لنجاسة ثوبيهما يعني غالبا أو بدنهما فإن طهرا جاز عبد الوهاب لإعانتهما في الصلاة فألزم غير المتوضئ اللخمي لأنهما كنجس لمنعهما المسجد وخرج جوازه على إجازة ابن سلمة دخولهما إياه. فرع: لو استند لحائض فلابن القاسم يعيد في الوقت والله أعلم، وقال المازري وهو على سبيل الأولى وقال أشهب إن استند إليهما فلا شيء عليه نقله الباجي وإن تيقنت الطهار فلا إشكال وقيل إنما الخلاف مع تيقنها وقوله (إن قدر على التربع) يعني: لأنه أولى على المشهور وقال ابن عبد الحكم: الأولى مثل جلوس الصلاة، وظاهر كلام الشيخ أن التربع واجب وليس كذلك بل هو مستحب وإلا فالمطلوب انتصاب ما قدر عليه من قامته في حالته التي يصلي عليها وغير ذلك مستحب والله أعلم وقوله (وإن لم يقدر على السجود فليومئ بالركوع والسجود ويكون سجوده أخفض من ركوعه) يعني أنه ينتقل إلى الإيماء عند العجز عن الركوع والسجود فيومئ إلى الركوع من قيامه وإلى السجود الأول كذلك وإلى الثاني من جلوسه ويفرق بينهما بكون إيمائه لسجوده أخفض من ركوعه. (ع) وفيها الإيماء برأسه وظهره المازري أو الطرف لمن أعجزه غيره (خ). وأخذ المازري واللخمي من قوله (فيها يومئ القائم بالسجود أخفض من الركوع) أنه ليس عليه نهاية طاقته ورده ابن العربي بأنه لا فرق لأنه إنما يومئ وسعه ابن الحاجب وفي إيمائه وسعه قولان (س) الأظهر ينهي وسعه لأنه الأقرب إلى الأصل (ع) وهو ظاهر رواية ابن شعبان إن أومأ صحت وإلا فسدت (خ) في مختصره وهل (يومئ بيديه) يعني في السجود أو يضعهما على الأرض وهو المختار كحسر عمامته تأويلان وعزا الأول في التوضيح لأبي عمران قائلا واعلم أنه لا يسقط عندنا ركن للعجز عن آخر ابن الحاجب ويكره وضع شيء يسجد عليه. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض فرآه يسجد على وسادة فرمى بها

وقال: «اسجد على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء» الحديث. (وإن لم يقدر صلى على جنبه الأيمن إيماء وإن لم يقدر إلا على ظهره فعل ذلك). يعني إن لم يقدر على الصلاة جالسا مستندا صلى على جنبه الأيمن ثم الأيسر ثم على ظهره ولابن القاسم تقديم الظهر على الأيسر ولابن محرز عن أشهب تقديم الظهر على الجنبين. (س) ترتيب حالات المريض من القيام إلى الاضطجاع على الوجوب وما بين جنبه وظهره على الاستحباب (خ) والقول بتقديم الاستلقاء لابن القاسم وبتقديم الأيسر لابن المواز وابن عبد الحكم ومطرف وأصبغ والقول بالتسوية لظاهر المدونة إذ قال فيها ويصلي على جنب أو ظهر لكن تؤول على أنه أراد تقدمه الأيسر وقد صرح اللخمي بأن في نص المدونة تقديم الأيسر على الظهر قال (خ) لم أر من صرح بهذا القول غير أنه مقتضى قول التونسي. (ولا يؤخر الصلاة إذا كان في عقله وليصلها بقدر ما يطيق).

يعني إن لم يقدر إلا على نية أو مع إيماء بطرف. فقال المازري وغيره: لا نص ومقتضى المذهب الوجوب هذا نص مختصر (ع) قلت: قوله – أي ابن بشير ومن تبعه – لا نص في فاقد غير النية قصور لقول ابن رشد وفي سقوطها عن الغريق العاجز عن الإيماء وغيره وقضائها رواية معن عن مالك في المكتوف كذلك وقوله فيها (ومن تحت الهدم لا يستطيع الصلاة) يقضي ابن فرحون أي فلا نص صريح وأما الظواهر فلا لأن الجلاب والكافي لا تسقط الصلاة عنه ومعه شيء من عقله ونحوه في الرسالة (ع) قلت: الغالب لا نص فقهي والله أعلم. (وإن لم يقدر على مس الماء لضرر به أو لأنه لا يجد من يناوله إياه تيمم فإن لم يجد من يناوله ترابا تيمم بالحائط إلى جانبه إن كان طينا أو عليه طين فإن كان عليه جص أو جير فلا يتيمم به). هذا حكم المريض العادم القدرة على استعمال الماء أو لا يجده وكذلك الصحيح

وأنه يجوز له التيمم بالتراب المنقول وإن كان في حائط أو غيره ما لم تغيره الصناعة فيصير جيراً أو جبساً أو آجرا أو يكون به حائل يمنع من مباشرته والمريض والصحيح في ذلك سواء إذا جرى مبيح التيمم والله أعلم. (والمسافر يأخذه الوقت في طين خضخاض لا يجد أين يصلي فلينزل عن دابته ويصلي فيه قائما يومئ بالسجود أخفض من الركوع). المسافر ليس بشرط وإنما خرج للغالب والحكم فيه وفي الحاضر سواء وقوله (يأخذه الوقت) يعني الذي لا يمكنه معه تأخير بحيث يضيق جداً (والخضخاض) الذي يصعب خضه وقوله: (لا يجد أين يصلي) يعني راكعا ساجدا إلا بمشقة فلينزل إلى آخره هذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم. وقال ابن عبد الحكم وابن نافع وأشهب يصلي فيه راكعا وساجدا وإن تلوثت ثيابه وقيل إلا أن تكون رفيعة يؤدي التلويث إلى إفسادها فكقول ابن القاسم وإلا فكقول ابن عبد الحكم ومن معه وعلى المشهور فينوي بإيمائه مواضعه من الركوع والسجود والجلوس للتشهد إلى غير ذلك من مواضع الإيماء. (فإن لم يقدر أن ينزل فيه صلى على دابته إلى القبلة). بعد توقيفها نحوها وهذا إن خاف ضرراً بينا والله أعلم). (وللمسافر أن يتنفل على دابته في سفره حيثما توجهت به إن كان سفرا تقصر فيه الصلاة إلخ).

يعني المسافر الراكب فلا يتنفل الرجل حيثما توجه والتوجه شرط فلا يصلي محولا رأسه لدير البعير ابن رشد ولو كان تحوله تلقاء القبلة ولا يشترط ابتداؤه إلى القبلة ولا تلحق السفينة بالدابة خلافا لابن حبيب فيهما (ع) وروى اللخمي ويرفع عمامته عن جبهته إذا أومأ ويقصد الأرض ابن حبيب لا يسجد على قربوسة ويضرب دابته لركوبه وغيره ولا يتكلم وسمع ابن القاسم للمصلي في محله يعيا فيمد رجله أرجو خفته وسمع القرينان لا بأس بتنحية وجهه من الشمس. وكون ذلك في سفر القصر شرط ككون الصلاة نفلا وقد نبه على ذلك بقوله (ويوتر على دابته إن شاء) لأن وتره من نافلته لعدم وجوبه وقد كان عليه الصلاة والسلام يوتر على دابته ولا يصلي الفريضة وإن كان مريضا إلا بالأرض يعني لأن مطلوب النفل التحصيل فبأي وجه أمكن جاز ما لم يكن مناف والفرض واجبه الإتمام ما أمكن فلا يسمح فيه إلا بما لا يمكن والله أعلم إلا أن يكون إن نزل صلى جالسا إيماء لمرضه فليصل بعد أن توقف له (ويستقبل بها القبلة) يعني أنه إذا كان حكمه في النزول والركوب سواء لم يلزمه النزول. قال في المدونة والشديد المرض والذي لا يقدر أن يجلس لا يعجبني أن يصلي

المكتوبة في المحمل ولكن على الأرض قال أبو محمد معناه لا يصلي على دابته وبهذا التأويل يرجع ما في المدونة لما هنا والله أعلم. ابن رشد وتجوز الصلاة على السرير اتفاقا. (ومن رعف مع الإمام خرج فغسل الدم ثم بنى ما لم يتكلم أو يمشي على نجاسة).

الرعاف سيلان الدم من الأنف يقال رعف بالفتح للماضي يرعف بالضم ويريد لا قبلة للمستقبل وقوله (مع الإمام) وحده ولا هو إمام لأنه إن كان قبله أمسك إلى آخر الوقت المختار ثم صلى كما هو إن لم يكف وإن رعف وحده فقيل لا بناء له وقيل يبني بناء على أن بناءه لحرمة الجماعة وهو ظاهر كلام الشيخ أو لحرمة الصلاة والخلاف في الإمام على ذلك والمشهور عدم ذلك في الفذ والمشهور استحباب البناء وجواز القطع. وفي المسألة خمسة أقوال وعلى المشهور فله شروط جمعها (خ) في مختصره بقوله فيخرج ممسكا أنفه فيغسل إن لم يجاوز أقرب مكان ممكن قرب لم يستدبر قبله بلا عذر ويطأ نجسا ويتكلم ولو سهوا انتهى (ع).

ويخرج ممسكا أنفه ساكتا غير واطئ نجس لأقرب مما يمكن اللخمي ولو مستدبر القبلة ابن حبيب غير متفاحش بعده قال وجهل كلامه مبطل وفيه ناسيا ثالثها إن كان في مضيه لابن رشد مع ابن حارث عن ابن حبيب ومحمد يعني ابن سحنون عن أبيه واللخمي مع الشيخ عن ابن حبيب قال ونقل ابن شاس الثالث معكوسا خلاف ما تقدم انتهى. (ولا يبني على ركعة لم تتم بسجدتيها وليلغها). سواء رعف في أثنائها أو قبل عقدها كانت أولى أو غيرها خلافا لابن مسلمة (خ) وهو أظهر (س) الأشهر الإلغاء والأظهر الاعتداد ابن الحاجب ثم يبتدئ في القراءة وإن كان سجد واحدة بخلاف السجدتين. (ولا ينصرف لدم خفيف وليفتله بأصابعه إلخ). يعني لا ينصرف عن الصلاة إذا كان دم الرعاف خفيفا ويفتله بأصابعه اليسرى إلا أنه وقع في المدونة كذلك الباجي وعليا أنامل اليد يسير ونقل الباجي عن ابن نافع أن أنامل الأربع قليل وإنما يفتل بالأنامل العليا فإن زاد إلى الوسطى قطع كذلك حكى الباجي وذكر معها الإبهام عن المجموعة وهذا كله إن ظن انقطاعه بذلك وإلا قطع. (ولا يبني في قيء ولا حدث). خلالا لمن يرى ذلك وإن ورد فيه حديث لأن الحدث مناف والقيء مشغل إلا يسير القلس والقلس الماء الحامض الذي يخرج مع الجشاءة أشهب أن بنى في غسل نجاسة صح. ابن الحاجب ولا يبني في قرحة ولا جرح ولا قيء ولا حدث ولا شيء غير الرعاف يعني لأنه خصصه عمل السلف بخلاف غيره. (ومن رعف بعد سلام الإمام سلم وانصرف). يعني لأن صلاته قد انقضت وقوله (وإن رعف قبل سلامه انصرف وغسل الدم ثم رجع فجلس وسلم) يعني ولا يعيد التشهد إلا أن يكون لم يتشهد قبل ذلك ونحوه في المدونة ابن يونس لو رعف قبل سلامه ثم سلام الإمام في الوقت سلم وانصرف. (وللراعف أن يبني في منزله إذا يئس أن يدرك بقية صلاة الإمام إلا في

الجمعة فلا يبني إلا في الجامع). المشهور ما ذكر في إتمامه في محل غسله إن تيقن فراغ صلاة إمامه أو ظن وأنه يرجع في الجمعة لأول الجامع فلو خالف بطلت في المسألتين (خ) ورجع إن ظن بقاءه أو شك ولو بتشهد وفي الجمعة مطلقا لأول الجامع وإلا مطلقا فانظره. وحكى اللخمي فيها ثلاثة أقوال ومسائل الرعاف كثيرة واسعة وغالبها نادر الوقوع وقد رجح قوم القطع على البناء وهو أولى بالعامي ومن لا يحكم التصرف بالعلم لجهله وبالله التوفيق. (ويغسل قليل الدم من الثوب ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره). غسل قليل الدم قيل واجب وقيل مندوب لعدم الإعادة بعدم غسله واليسارة والكثرة معتبرة بالعرف. وقال ابن الحاجب في اليسير والكثير طريقان ابن سابق ما دون الدرهم يعني يسير وما فوقه كثير وفي الدرهم روايتان ابن بشير قدر الخنصر والدرهم يسير وفيما بينهما قولان والمراد بالدرهم البغلي وقيل نسبته إلى البغل لأنه يشبه العلامة التي في ذراع البغل أو لأنه من سكة قديمة ضربها ملك يقال له رأس بغل ذكره النووي في تحريره ويدل عليه قول مالك - رحمه الله تعالى - إن هذه الدراهم تختلف بعضها أكبر بعض (خ) والخنصر قال مصنف الإرشاد في العمدة والمراد به والله أعلم مساحة رأسه لا طوله فإن طوله أكثر من الدرهم وفي مجهول الجلاب يعنون الأنملة العليا. وقال ابن هارون والمراد الخنصر عند من اعتبره إذا كان مطويا انتهى. فتأمل ذلك. وقوله: (ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره) يعني أنه إن صلى بكثير الدم وهو ما فوق الخنصر أو الدرهم أو هما على الخلاف المتقدم أعاد أبدا إن تعمد أو جهل وفي النسيان والعجز يعيد في الوقت على المشهور ويقطع الصلاة لدم إن كان كثيراً أو قد رآه فيها بخلاف اليسير والله أعلم. (وقليل كل نجاسة غيره وكثيرها سواء). يعني يغسل قليله وكثيره وتعاد الصلاة منه بالعمد أبدا وفي العجز والنسيان في الوقت وإن كان قدر رءوس الإبر وعن مالك يعفي عما تطاير من البول كرءوس الإبر.

(س) فيحتمل أن يكون عموما في كل يسير من البول ويحتمل قصره على المتطاير حين البول لأنه محل الضرورة لتكرره في كل وقت والله أعلم والمشهور ما ذكره الشيخ هنا والله أعلم. والنجاسة بالنظر إلى العفو أربعة أقسام قسم يعفى عن قليله وكثيره وهي كل نجاسة لا يقدر على إزالتها بمشقة فادحة أو لا يمكن إزالتها أصلا وقسم لا يعفى عن قليله ولا عن كثيره وهي كل نجاسة قدر على إزالتها لا بمشقة فادحة سوى الدم وقسم يعفى عن قليله دون كثيره وهو الدم على المشهور وما تطاير من رشاش البول على الآخر وقسم يعفي عن أثره دون عينه وهي التي يعسر زوال لونها وريحها مع ذهاب طعمها وكعرق المحل يصيب الثوب ونحو ذلك. فرعان: قال سند يعفى عن يسير البول والعذرة يعلق بالذباب ثم يجلس على المحل وقال عبد الله بن عمر لولا أن أزيد في الدين علما لم يكن فيه لقلت أنه نجس وسئل عنه الشافعي فقال يجوز أن يكون في طيرانه ما يذهب ما بجناحه وإلا فالأمر إذا ضاق اتسع. الثاني: قال في المدونة والقيح والصديد مثل الدم يعني في العفو عن اليسير (ع) وفي يسير القيح والصديد روايتا اللخمي انتهى وأخذ بعضهم القولين من كلامه هنا اعتبارا بأنه من الدم أو من غيره فيلحق بأصله والله أعلم. (ودم البراغيث ليس عليه غسله إلا أن يتفاحش).

يعني فيكون عليه غسله إذا تفاحش وجوبا هذا ظاهر كلامه قاله (خ) (ع) وفيها ولا دم البراغيث إلا ما تفاحش فظاهره وجوبه (خ) ورأيت في نسخة من التهذيب لا يغسل من الدم البراغيث إلا ما تفاحش فيستحب غسله (س) التفاحش على قسمين نادر وغير نادر الثاني معفو عنه والأول غير معفو عنه (خ) وندب غسله إلا في صلاة أي فلا يندب قطعها له قالوا والتفاحش أن يستحيا به.

باب في سجود القرآن

باب في سجود القرآن (وسجود القرآن إحدى عشرة سجدة).

يعني على المشهور من قول مالك وروي أربع عشرة فزاد ثلاث المفصل النجم والإنشقاق والعلق فيفعل في الأولى والآخرة كالأعراف وكذا في الانشقاق على أنه آخرها وقيل لا يسجدون وزاد ابن وهب وابن حبيب ثانية الحج وهل واسجدوا أواخرها قولان قال المازري وقال أبو الطاهر جمهور المتأخرين يرون هذا اختلافا وقال عبد الوهاب وحماد بن إسحاق وأخو القاضي إسماعيل الخمسة عشر مأمور بسجودها والعزائم الإحدى عشرة وتأول عليه الإحدى عشرة فانظر ذلك. (وهي العزائم إلخ). يعني السنن المتأكدات التي لا يسع تركها وإن لم يأثم تاركها وقيل فضيلة وقيل سنة (خ) وظاهر كلام ابن الحاجب أن المشهور الفضيلة والذي حكاه ابن يونس وابن محرز وصاحب اللباب السنية ابن عطاء الله وهو المشهور (ع) سجود التلاوة الأكثر سنة لقولها يسجدها بعد الصبح والعصر ما لم تصفر أو يسفر كالجنازة والقاضي وابن الكاتب فضيلة لقولها يستحب (خ) ولا دليل في ذلك لأن السنة عليها المستحب. (في {المص} عند قوله {ويسبحونه وله يسجدون} وهو آخرها فمن كان صلاة فإذا سجدها قام فقرأ من الأنفال أو من غيرها ما تيسر عليه ثم ركع وسجد). يعني هذا هو المستحب فلو قام ولم يقرأ شيئاً ثم ركع فلا شيء عليه لأنه إنما ترك مستحبا فقط. (وفي الرعد عند قوله {وظلالهم بالغدو والأصال} [الرعد: 15] وفي النحل {يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} [النحل: 50] وفي بني إسرائيل {ويحرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً} [الإسراء: 109] وفي مريم {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا} [مريم: 58] وفي الحج أولها {ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما شاء} [الحج: 18] وفي الفرقان {أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً} [الفرقان: 60] وفي الهدهد {الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} [النمل: 26] وفي {الم * تنزيل} {وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون} [السجدة: 15] وفي ص {فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب} [ص: 24] وقيل عند قوله {لزلفى وحسن مأب} [ص: 25]

وفي {حم * تنزيل} [غافر: 1، 2] {واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} [فصلت: 37] وقيل عند قوله (وهم لا يسامون). يعني هذا مواضع السجود وفائدة الخلاف في بعضها أن متجاوزها يسجد على الثاني كان قرب في غير ذلك (ع) وحد اللخمي اليسير بالآيتين وإن بعد أعاد قراءتها وسجد واحترز بأولها في الحج من الثانية فإن المذهب لا يرى سجودها والله أعلم. (ولا تسجد السجدة في التلاوة إلا على وضوء). يعني أنه لا يشترط لها إلا ما يشترط لسائر الصلوات من الطهارة والاستقبال ونحو ذلك وفي البخاري قال ابن عمر رضي الله عنه يسجد على غير وضوء فكأن الشيخ قصد ذلك. فرع: فلو قرأ غير متوضئ تعداها على المشهور ولو سجدها كذلك فقد أساء وأعاد إن أمكن في الحال وإلا فهي سنة والسنن لا تقضى فانظر ذلك. (ويكبر لها ولا يسلم منها إلخ). يعني مطلقاً أما في الصلاة فيكبر في خفضه ورفعه اتفاقا وأما في غير الصلاة فالمشهور لا يسلم وثالثها لابن القاسم التخيير في تكبير الرفع في غير الصلاة وكلها في المدونة وإلا هو ظاهر الرسالة لقوله (وفي التكبير في الرفع منها سعة) يعني إن شاء كبر وإن شاء ترك والراجح التكبير لقوله وإن كبر فهو أحب إلينا وظاهر كلامه أن التكبير الأول حتم وليس بإحرام ابن الحاجب وشرطها كالصلاة الإحرام والسلام فانظر ذلك. (ويسجدها من قرأها في الفريضة والنافلة). يعني ويكبر في خفضه ورفعه ويجهر بها في سره فإن لم يجهر وسجد فقال ابن القاسم يتبعه مأمومه وقال سحنون لا يتبعه لاحتمال سهوه (ع) وتصح صلاتهم إن لم يتبعوه على القولين وظاهر كلام الشيخ أن السجود في الفرض والنفل سواء أمن التخليط أو لم يأمنه. ابن الحاجب ويسجد المصلي في النفل مطلقا ابن رشد أراد فذا كان أو إماما المازري يريد أمن التخليط أو لم يأمنه أبو الطاهر المنصوص جواز سجوده

ولو خشي التخليط للعمل وقيل لا يسجد إلا مع أمن التخليط ابن رشد لم أر هذا القول معزوا ويف الجلاب ما يدل عليه وتكره قراءتها في الفرض ابتداء فإن فعل المشهور يسجد. (ويسجدها من قرأها بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس). يعني فإذا أسفر أي بين أو أسفرت لم يسجد اتفاقا وفيها فليعدها ابن يونس وصاحب النكت يريد موضع السجود لا الآية. ابن الحاجب. وفي الجنائز وسجود التلاوة بعد صلاة الصبح وقبل الإسفار وبعد صلاة العصر وقبل الاصفرار المنع للموطأ والجواز للمدونة والجواز في الصبح لابن حبيب (س) خرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنه صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس فلأجل هذا يترجح مذهب الموطأ قال: وقول ابن حبيب ضعيف (ع) لأن النهي فيهما واحد ووهم ابن شاس فيما عزاه للموطأ فانظره وبالله التوفيق.

باب في صلاة السفر

باب في صلاة السفر يعني: ذكر حكم الصلاة المفروضة في السفر فليست صلاة السفر بل كيفية الصلاة فيه إذ تتغير أحكامها بوجوه عند توفر شرط ذلك ومنه القصر وهو المقصود هنا وشروطه خمسة كونه مباحا على المشهور ومعزوما على طول أربعة برد فأكثر قد دخل فيه بالفعل وفارق موضع إقامته ولم ينو إقامة أربعة أيام في أثنائه ولا عاد لأهله ومحله وحكم صلاة السفر في جمل من الفرائض. (ومن سافر مسافة أربعة برد وهي ثمانية وأربعون ميلا فعليه أن يقصر الصلاة). تضمن كلامه فصولاً ثلاثة تحديد مسافة القصر وحكم القصر ومحله أما مسافته فالمشهور ما ذكر وهو حديث ابن عباس رضي الله عنه لا تبصر الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان رواه الدارقطني وصحح ابن خزيمة وقفه والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل قال ابن حبيب ألفا ذراع وشهر ولأبي عمر ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة وصحح.

وقيل ألف باع والباع أربعة أشبار والشبر اثنا عشر أصبعا والأصبع ست شعيرات بالعرض والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون. فرع: فإن قصر في أقل مما ذكر فعن ابن القاسم إن كان في ستة وثلاثين ميلا أجزأه وقال يحيى بن عمر يعيد أبدا ابن عبد الحكم في الوقت ومن قصر في أقل من ذلك أعاد أبدا اتفاقا وشرطه أن يكون مقصودا دفعة فلا يلفق ذهابه برجوعه. تنبيه: يقصر المكي في خروجه لعرفات ورجوعه فلا تعتبر المسافة في حقه للسنة في ذلك عند مالك والله أعلم، وأما حكمه فقوله (فعليه) من ألفاظ الوجوب وقد صرح به في باب جمل من الفرائض لكن حمله القاضي على وجوب السنن وهو المشهور. ابن رشد قصر الصلاة في السفر على مذهب مالك وجميع أصحابه سنة من السنن التي الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غيرها خطيئة لأبي عمر وروى أشهب القصر فرض. اللخمي وقاله ابن سجنون: المازري ومال إليه ابن المواز بن يونس ونقله القاضي عن جماعة من البغداديين وقال به إسماعيل القاضي وابن أبي الجهم وقال الأبهري مستحب وقيل مباح. فرع: فعلى الفرض تبطل بإتمامها كان اقتدى بمقيم وقيل تصح ويتبعه وقيل ينتظره ويسلم معه وعلى التخيير والاستحباب فلا تبطل إن أتم وعلى السنة إن نوى القصر وقصر فواضح وإن تعمد الإتمام مع نية القصر أعاد أبدا وقيل في الوقت لا إعادة وإن أتم سهوا أعاد في الوقت وإليه رجع ابن القاسم وعنه يسجد ولا يعيد وهما روايتان وعن سحنون يعيد أبدا (خ). والجهل هنا كالسهو اتفاقا وإن نوى الإتمام وأحرم عليه سهوا أو جهلا أعاد لآخر الضروري فانظر باقي مسائله وأما محله فالصلاة الرباعية وهو قوله (صلى ركعتين إلا المغرب فلا يقصرها) يعني لأنها وتر صلاة النهار كذا في الحديث وزادوا إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإنما لم يذكر الشيخ الصبح اكتفاء بقوله يصلي

ركعتين إذ يفهم منه أن لا قصر فيما دون ركعتين. تنبيه: ظاهر قوله (من سافر) أنه لا يشترط انتفاء العصيان على السفر فيما ذكر والمشهور اشتراط كون السفر مباحا فلا يقصر من عصى بسفره كآبق وعاق على المشهور ما لم يتب ولا لاه على الأصح وروى ابن زياد قصر كل مسافر وعليه أكثر أهل الظاهر ولا خلاف في السفر الواجب والمندوب والله أعلم. (ولا يقصر حتى يجاوز بيوت المصر وتصير خلفه ليس بين يديه ولا بحذائه منها شيء). هذا إن كان مصرا اتصلت بيوته وبساتين فيها بيوت وإن لم تتصل به واستقلت بنفسها قصر عند مفارقته وإن لم تكن بيوت فالمشهور يقصر عند مفارقته وروى حتى يجاوز ثلاثة أميال حد وجوب إتيان الجمعة وقاله ابن عبد الحكم والقرية التي تصلي فيها الجمعة كالمصر والتي لا تصلي فيها يقصر بمفارقتها ونقل سند فيها اعتبار ثلاثة أميال وأنكر وللعمودي مفارقة بيوت حلته ولغيرهما الانفصال. فرع: فلو قصر قبل مجاوزة البيوت على المشهور فهل يعيد في الوقت أو مطلقا أولا إعادة عليه انظر ذلك فإني لم أقف عليه. (ثم لا يزال يقصر حتى يرجع إليها أو يقاربها بأقل من الميل). يعني حتى يرجع لبيوت المصر القاصي مبدأ القصر منتهاه ومثله روى مطرف وابن الماجشون الشيخ وسمع أشهب من قرب بميل أو نحوه أثم. وفي المدونة لم يحد مالك في القرب حدا وفيها حتى يدخل قرية أو يقاربها وسئل عمن كان على الميل فقال يقصر ولابن الماجشون حتى يدخل إلى أهله وفي المجموعة حتى يدخل منزله ولابن حبيب إذا أتى مسافة وجوب الجمعة حيث تجب والله أعلم. ابن يونس وكان ابن عمر إذا سافر قصر وهو بين يدي البيوت وإذا رجع قصر حتى يدخل البيوت ورأى علي بن أبي طالب خصا حين خرج من البصرة فقال: لولا هذا الخص لصليت ركعتين.

فرع: إذا صلى قصر إثم دخل وطنه قبل خروج الوقت لم يعد إن بنى على يقين في أمره وإن كان شاكا أو مترددا في دخوله فينبغي له أن يؤخر لآخر المختار فإن قدم فهل يعيد أو لا انظره. (وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع أو ما يصلي فيه عشرين صلاة أتم الصلاة حتى يظعن من مكانه ذلك). يعني أن القصر بشرطه تقطعه نية الإقامة أربعة أيام صحاح فأكثر هذا مذهب ابن القاسم فيلغي يوم دخوله بعد الفجر ويوم خروجه على المشهور في ذلك. وقال سحنون وعبد الملك: من يصلي فيه عشرين صلاة فيلفق يوم دخوله ليوم خروجه وقاله ابن نافع: فقول الشيخ للخلاف لا للتخيير كقوله (مثل ثمانية أيام أو عشرة) أي أربعة أيام على قول أو عشرين صلاة على قول يقلد منها ما شاء وفي قوله (نوى بموضع) تنبيه على عدم اشتراط العمران وعدم اشتراط الأهل. وفي قوله (نوى) أنه إن لم ينو قصر ما دام ناويا السفر والله أعلم. فرع: من عرضت له نية الإقامة بعد أن صلى قصرا لم يعد وفي المدونة استحبابها في الوقت واستشكل وفي الطراز لعلها حدثت له في أثنائها ومن عرضت له في أثناء الصلاة ففيه أربعة أقوال فانظرها. تنبيه: جزم النية بالمقام مقصود فلو قدم بز البيع تجر شاكا في قدر مقامه فروى اللخمي يتم لأن رجوعه ابتداء سفر إلا أن يعلم أنه يرجع قبل أربعة أيام (ع) هذا خلاف قول ابن الحاجب إن لم ينو أربعة قصر في غير وطنه أبدا ولو في منتهى سفره وفي تعليقة الوانوغي على المدونة قال النووي لو نوى العبد أو الزوجة أو الجيش إقامة أربعة لم ينوها متبوعهم ففي لزوم الإتمام في حقهم قولان أقواهما ليس لهما الإتمام لأن نيتهم لا تفيد لعدم استقلالهم قال وانظره على مذهبنا. (ومن خرج ولم يصل الظهر والعصر وقد بقي من النهار قدر ثلاث ركعات

صلاهما سفريتين وإن بقي قدر ما يصلي فيه ركعتين أو ركعة صلى الظهر حضرية والعصر سفرية). لأنه في الثلاث يدرك الظهر كاملة ويدرك العصر بركعة وفي الركعتين فدونهما قد فات وقت الظهر وهو حاضر وما بقي للعصر تامة أو ركعة منها وظاهر كلامه كان تأخيره عمدا أو نسيانا وهو جار علي أن المؤخر مؤدا ما عاص أو وقت كراهة لا قاض والله أعلم. (ولو دخل لخمس ركعات ناسيا لهما صلاهما حضريتين). يعني لأنه في وقت هذه بكلها وهو في جزء معتبر من التي تليها فكل منهما حاضرة وفي قوله ناسيا لهما نوع اعتذار وحسن مخرج وإلا فلا مفهوم له والله أعلم. (فإن كان بقدر أربع ركعات فأقل إلى ركعة صلى الظهر سفرية والعصر حضرية). يعني إن كان الدخول لذلك كانت الأولى قد خرج وقتها في السفر، والثانية قد أدرك فيها العصر قبل خروج وقتها اللخمي ويبدأ فيصلي الظهر ركعتين ثم يدرك العصر بما بقي وإن كان قد بقي ثلاث ركعات فأكثر فإن دخل لركعة خاصة فهل يبدأ بالظهر ولو أدى إلى إيقاع العصر خارج وقتها لأجل الترتيب أو يبدأ بالعصر ليدرك الوقت بفعلها ثم يصلي الظهر بعدها قولان. فرع: ابن رشد اختلف في اختصاص العصر بأربع ركعات قبل الغروب فلابن القاسم في سماع يحيى الاختصاص وفي سماع أصبغ وسماع عيسى نفيه فعلى الأول من قدم من سفره لأربع ركعات قبل الغروب وقد صلى العصر ناسيا للظهر فإنه يصلي الظهر سفرية لدخوله قبل خروج وقتها وتقررها في ذمته سفرية. وعلى الثاني يصليها حضرية لأنه دخل في وقت مشترك بينها وبين العصر فانظر ذلك. (وإن قدم في ليل وقد بقي للفجر ركعة فأكثر ولم يكن صلى المغرب والعشاء صلى المغرب ثلاثا والعشاء حضرية). يعني لأنه قد خرج وقت المغرب بكلها وركعة من العشاء في الحضر فللعشاء

حكم الحضر والمغرب لا تقصر. (ولو خرج وقد بقي من الليل ركعة فأكثر صلى المغرب ثم صلى العشاء سفرية). وهذا كله على المشهور والتقدير بالأولى لا بالثانية ولو خرج لأربع قبل الفجر فالعشاء سفرية على القولين ولما دونها كذلك وروى حضرية كما لو قدم لأربع. قال عبد الحق: لأن المغرب لا يتغير حكمها بالسفر فلا يقدر لها شيء وما بقي من الليل هو لآخر الصلاتين وقاله اللخمي وفروع الباب نادرة كثيرة. خاتمة: يكره اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه وهو أشد كراهة فإن فعل كمل وأجزأه وقيل يعيد بوقت وروي إلا بالمساجد الكبار وإن ظن الإمام مسافراً فظهر خلافه أو بالعكس أعاد أبدا وثالثها في الوقت ويستحب تعجيل الأوبه والقدوم ضحى وستأتي آداب السفر آخر الكتاب وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

باب في صلاة الجمعة

باب في صلاة الجمعة يعني ذكر صفتها وأحكامها وما يرجع إليها من شروط وغيرها فأما حكمها وهو الوجوب فيذكر في جمل من الفرائض إن شاء الله.

(والسعي إلى الجمعة فريضة). يعني لقوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9] وهذا في حق من تجب عليه وهو كل بالغ عاقل مسلم حر مقيم فمن توفرت فيه هذه الشروط وجب عليه السعي في وقته إلا لعذر وعلة فيجوز التخلف. ابن رشد والأعذار على ثلاثة أقسام قسم يبيح التخلف باتفاق كالمرض والقيام بميت لم يجد من يكفيه وخشي عليه التغير أو يكون يجود بنفسه والأعمى لا قائد له والتمريض وقسم لا يبيح باتفاق كالمديان يخاف الغرماء ولو خاف أن يسجنه الحاكم في غير موضع السجن أو يضر به سقطت وقسم اختلف فيه كالأجذم لما على الناس من الضرر في مخالطته في الجامع وكالمطر الشديد وفيه روايتان وفي تخلف العروس اختلاف ضعيف وقال غيره تسقط بالخوف على النفس والمال وعدم ما يستر به عورته ورجاء عفو قود وعن آكل ثوم وشيخ فإن ابن شعبان وعن خوف يمين في بيعة ظالم. تنبيه: قال عليه السلام: «من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه بطابع النفاق» وقال عليه السلام: «لينتهن أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» رواه مسلم من حديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنه وفي الصحيح «لقد هممت إن آمر رجلا يصلي الناس ثم أخاف إلى بيوت رجال لا يشهدون الجمعة فحرق عليهم بيوتهم» الحديث. فرع: قال ابن العربي: ليس لترك الجمعة كفارة إلا صلاتها أربعا في الوقت والتوبة أن لا يعود أبدا وكل ما روي فيه من الكفارة بصدقة مدين أو مد أو غير ذلك لم يصح وإن عمل به أحد فلا بأس انظر العارضة. (وذلك عند جلوس الإمام على المنبر وأخذ المؤذن في الأذان).

بين هذا الوقت الذي يتعين فيه السعي وما ذكر هو في حق قريب الدار على المشهور وقيل عند الزوال فأما غيره فيتعين عليه السعي قبل النداء بقدر الإدراك وهذا أيضاً إذا كان الأذان على سنته بعد الزوال وخروج الإمام وجلوسه على المنبر فلو تقدم الأذان وتأخر الإمام أو بالعكس فهل يعتبر السابق أو اللاحق انظر ذلك. فروع: اختلف في حكم الأذان الجمعة فالمشهور سنة وقيل فرض في قوله (وأخذ) نسختان إحداهما بفتح الخاء والذال وهي الصحيحة والأخرى بسكون الخاء على المصدر فتكسر الذال وما بعدها. (والسنة المتقدمة أن يصعدوا حينئذ على المنار فيؤذنون). وإنما أراد بالسنة المتقدمة سنة الصحابة إذ لم يكن في زمانه عليه السلام منار وإنما كانوا يؤذون عند باب المسجد. وفي قوله: (فيؤذنون) تنبيه لتعدد المؤذنين في وقت خروج الإمام وجلوسه على المنبر واحد بعد واحد قيل ثلاثة وقيل اثنان وقيل واحد ونصره ابن العربي والمعول الأول وكونه على المنار هو مذهب ابن حبيب ولأبي عمر ين يدي الإمام والله أعلم. (ويحرم حينئذ البيع وكل ما يشغل عن السعي إليها). يحرم البيع على من وجبت عليه حينئذ كان بائعا أو مشتريا أو هما معا ومن لم تجب عليه لا يحرم عليه مع مثله على المشهور ويكره له ويمنع منهم في السوق للاستبداد بالربح.

فرع: فإن باع من تلزمه الجمعة فثالثها المشهور فسخه ما لم يفت بحوالة سوق فأعلى فإن فات مضى بالثمن عند المغيرة وسحنون وبالقيمة عن ابن القاسم وغيره على القيمة ففي كونها وقت القبض وإتمام الصلاة قولان لابن القاسم وأشهب وروى علي وابن وهب إن باع استغفر ولا شيء عليه وقال عبد الملك لا يفسخ إلا إن اعتاد ذلك، وعلى القول بإمضاء البيع فقال مالك للمشتري: أكله، وقال ابن القاسم: لا يأكله وأحب إلي أن يتصدق به ولأصبغ من باع ما اشتراه حينئذ فربح لم يجز له أن يأكل الربح وأحب إلينا أن يتصدق به. ابن حبيب وينبغي للإمام أن يوكل عند النداء من ينهى عن البيع والشراء ويقيم من الأسواق من يبيع ومن لا يبيع. مسألة: الشيخ من انتقض وضوؤه قبل النداء أو عنده فلم يجد الماء إلا بالشراء فلا بأس أن يشتريه ومن باع في آخر وقت الصلاة الضروري وهو لم يصلها قال أبو عمران يفسخ وقاله إسماعيل القاضي. وقال سحنون: يمضي وصوبه ابن محرز وفرق بأن الجمعة لا تقضي وبأن النهي فيها بالمطابقة وفي هذه بالعموم والله أعلم، وقوله (وكل ما يشغل عن السعي إليها) يدخل فيه جميع العقود من الإجارة والشركة والتولية والإقالة والنكاح ونحو ذلك، ويكون لجميعه حكم البيع في التحريم والفسخ وفي المسألة قولان مبنيان على علة المنع هل هو الاشتغال فيمنع الجميع؟ أو الاستبداد بالأرباح فلا يمنع إلا البيع؟. ابن القاسم: لا يفسخ الذي عقد من النكاح والإمام يخطب والصدقة والهبة جائزة في تلك الساعة أصبغ لا يعجبني قوله في النكاح وأرى أن يفسخ وهو عندي بيع من البيوع اللخمي وقول ابن القاسم في هذا أجسن وقال ابن عبد الحكم يفسخ الجميع ابن المواز إلا الشفعة والإقالة والشركة والتولية والإجارة كالبيع لأن ذلك مما يتكرر وقوعه اللخمي اختلف بعد القول بالفسخ هل يفسخ ما يتكرر نزوله؟. فقال ابن عبد الحكم في الإقالة والشركة والتولية والشفعة يفسخ؛ لأنه بيع ثم ذكر قول ابن القاسم وأصبغ فانظر ذلك.

(وهذا الأذان الثاني أحدثه بنو أمية). أجمل الشيخ في أخباره عن الأذان الثاني فظاهر كلامه أن الأذان الثاني في الفعل ومراده الثاني في الأحداث وإن كان أولا في الفعل ففي العتبية سئل مالك عن أي النداءين يمنع فيه المسلمون البيع، فقال الذي ينادي به والإمام جالس على المنبر وقال الأذان بين يدي الإمام من الأمر القديم فعلى هذا يكون الثاني في الفعل هو المحدث. وقيل: كان بين يديه عليه السلام والصحيح الأول وعليه جمهور أصحابنا ولما كثر الناس أمر عثمان بأذان قبله على الزوراء فهو المشار إليه في أحد الوجهين ثم نقله هشام بن عبد الملك إلى المسجد وجعل الآخر بين يديه وبنو أمية منهم عثمان رضي الله عنه ومنهم هشام فإحداث بني أمية متعدد بإثبات الأول ونقل الآخر إلا أن إحداث عثمان رضي الله عنه مقبول لكونه أحد الخلفاء الأربع الراشدين وفي إحداث هشام متكلم استوفاه ابن الحاج في مدخله فانظره. (والجمعة تجب بالمصر والجماعة).

يعني أنه إذا كان مصر وجماعة وجبت الجمعة والمصر ما كثر دياره واتصلت سواء كان عليه سور أم لا فإن كان مفرقا كانت مدينة إن بلغ أربعمائة بيت فإن لم يكن ذلك كانت قرية وقد تطلق القرية على الأولين انظر الجزولي فإن كان مصر وجماعة وجبت الجمعة اتفاقا إن كانت الجماعة مناسبة للمصر في الكثرة فكان الشيخ إنما تكلم على المتفق عليه. وفي المدونة يصليها أهل الخصوص والقرية المتصلة البنيان زاد مرة ذات الأسواق وروى مطرف ذات ثلاثين بيتا وأسقطها سحنون على أهل المنستير قال سحنون: وأما إقامتها بقلشانة وسوسة وسفاقس إلا زحفا وأنكر ابن سحنون إقامتها على ابن طالب اللخمي أخبرت أن بها عشر مساجد وقال يحيى بن عمر أجمع مالك وأصحابه أن لا تقام الجمعة إلا بمصر الجزولي ومنع سحنون إقامتها بحصن تكاثرت فيه البيوت بغير ديار فحكم له بحكم دار واحدة وهو القياس إذ لا فرق بينه وبين الفنادق إذ لا تسمى بلد أو لو زادت بيوتها على بيوت البلد. قال والاتصال عندهم شرط في محل الجمعة فإذا لم يمنع ما بين البناءين بناء ثالث فله حكم الاتصال وما زاد فله حكم الانفصال قال وذكر الأبياني أن ما بينه وبين غيره أربعون قدما فأقل فله حكم الاتصال وما زاد فله حكم الانفصال والجامع شرط واتصاله بالدور شرط فلو انفرد الجامع عن البيوت لم تصح فيه قاله في المنتقى ونقله عن ابن حبيب قائلا لأن موضع إقامتها لا تصح فيه الجمع المنتقى بانفراد فلا تصح بما هو تبع له. ورد ابن بشير ما عند الباجي من اشتراط هيئة مخصوصة للمسجد وعدم صحتها

إذا انتقل عنه لعذر إلا باعتقاده التأبيد فانظر ذلك فأما الجماعة الذين تجب بهم الجمعة فمعروف المذهب لا تحديد ولا تجزئ بالأربع ونحوها. وفي المدونة كتب عمر بن عبد العزيز أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلا فيجمعوا الجمعة وفي الواضحة إذا اجتمع ثلاثون رجلا وما قاربهم في قرية لزمتهم الجمعة وروي نحوه وقيل اثنا عشر وقيل عشرة وحكى ابن الصباغ عن مالك وأحمد كالشافعي تجب بأربعين قيل: وهذا في أول إقامتها وإلا فتجوز باثني عشر رجلا وشرطهم أن يكونوا ممن تلزمهم وفي اعتبار العبيد والمسافرين والنساء معهم قولان لأشهب وسحنون والصبيان لغو اتفاقا والله أعلم. فرع: وفي وجوبها على أهل العمود والمحال المسكونة مقيمين رواية عيسى عن ابن القاسم وسماع أشهب ابن رشد على خلاف رواية عيسى حمله الأكثر ويحتمل حمله على المجتمعين من غير القادرين فلا يكون خلافا والأول أظهر تخريج اللخمي عليه سقوطها على أهل الخصوص والقرى يرد باستيطانها وبقية الفروع انظرها في المطولات وبالله التوفيق. (والخطبة فيها واجبة قبل الصلاة).

يعني أن الخطبة واجبة وجوب الفرائض للجمعة وهذا هو المشهور. وقد اختلف فيها في مواضع أولها غي حكمها ثلاثة لابن القاسم وجوب الخطبتين ولعبد الملك هما سنة ولرواية ابن حبيب الأولى فرض والثانية سنة والأصح أنها شرط في صحتها وروي تجزيه بدونها وفي اشتراط الطهارة اختلاف في الجلاب هي مستحبة واللخمي عن سحنون هي فرض كالخطبة. وفي المدونة إن أحدث في خطبته استخلف من يتمها فأخذ منه عياض اشتراط الطهارة لها ولو خطب محدثا ثم توضأ وصلى أجزأه على المشهور، ويشترط حصول الجماعة لها على الأصح وهو مذهب المدونة عند ابن بشير وقال القاضيان ليس لمالك فيها نص وأصل مذهبه لا تصح إلا بذلك واختاره ابن عطاء الله والمشهور إجزاء ما يسمى خطبة عند العرب وقيل حمد الله والصلاة على محمد نبيه صلى الله عليه وسلم وتحذير وتبشير

وقرآن وروي إن سبح أو هلل أو كبر أعاد وإن صلى أجزأه وقبل أن تكلم بما قل أو كثر أجزأه ولابن عبد الحكم تجزئة تهليلة وتسبيحة وتحميدة ويشترط كونها بعد الزوال وقبل الصلاة متصلة بها. فرع: فلو خطب قبل الزوال لم تجز ولو اتصلت ولو صلى ثم خطب أعاد الصلاة ظهرا إن خرج الوقت خلافا لعبد الملك المازري وأشار أشهب إلى وصل الصلاة بها كوصل أولتي الرباعية لا يصلي غير من خطب إلا لعذر ويبني على الخطبة إن صلاها أربعا عامدا أو جاهلا ويعيدها ركعتين دون الخطبة والله أعلم. (ويتوكأ الإمام على قوس أو عصا). يعني لأنها أهيأ لراحته وإشغال ليديه عن البعث (ع) وفي استحباب توكؤه على عصا بيمينه خوف العبث روايتا ابن القاسم وشاذها وفي إغناء القوس عنها مطلقا أو السيف فقط روايتا ابن وهب وابن زياد ويؤخذ من قوله (يتوكأ) أنه يخطب قائما والسنة كذلك وهل فرض أو سنة قولان المشهور وابن العربي ونحوه في الإشراف لعبد الوهاب قال فإن خطب جالسا أساء ولا تبطل. فرع: يستحب أن تكون الخطبة على منبر غربي المحراب وروى ابن القاسم تخيير من لا يرقاه في قيامه بيمينه أو شماله ورجح ابن رشد بيمينه لمن يمسك عصا بقرب المحراب وشماله لتاركها ليضع يده على عود المنبر ولو لم يتوكأ فلا شيء عليه وأنكر ابن الحاج الرقي إلى أعلى درجة في منبر عال فانظره. (ويجلس في أولها وفي وسطها). يعني أنه يجلس بين الخطبة الأولى والثانية وقبل للقيام للخطبة. وقد اختلف في حكم ذلك فالمشهور أنه سنة فيها وقيل فرض وقيل الجلوس الأول مستحب وقال ابن القصار الذي يقوي في نفسي أن القيام والجلسة واجبان وجوب السنن فقط ويستحب تخفيف الخطبتين لحديث مسلم طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقه والثانية أقصر ويستحب بدؤها بالحمد وختمها بالاستغفار

ويستحب أن يقرأ في الأول من قصار المفصل فقد كان عمر بن عبد العزيز يقرأ فيها بـ {إلهكم التكاثر} [التكاثر: 1] مرة وبالعصر أخرى (ع) وظاهر المذهب أن إسرارها كعدمه وأنكر نقل ابن هارون الأجزاء معه والثانية شرط وقيل سنة. الباجي عن ابن القاسم: إذا لم يأت في الثانية بما له قدر وبال لم تجزهم وقوله (وتقام الصلاة عند فراغها) يعني بلا فصل لأنها كركعتين فلزم اتصالها بالركعتين الأخريين بلا مهلة والفصل اليسير عفو. فرع: فلو صلاها بلا خطبة أو بخطبة واحدة أعاد على المشهور في الثانية وباتفاق في الأولى والله أعلم. (ويصلي الإمام ركعتين). يعني لا يزيد عليهما فلو زاد عمدا بطلت وإن كان سهوا فعلى حكم الزيادة في الصلاة وينوي الإمامة وإلا لم تجز (ع) صلاة الجمعة ركعتان ويضعان وجوب الظهر على رأي وقال بعض شيوخ المغاربة ينوي أنها بدل من الظهر وفي كونها فرض يومها أو بدلا من الظهر اختلاف. فرع: ويستحب التعجيل بها في أول الوقت فإن أخرت جاز ما لم يخرج وقتها وفي آخره خمسة العصر للمازري عن ابن القاسم وقاله عبد الملك بن القصار وتدرك بركعة قبلها وعزاه ابن رشد للأبهري وقال ركعة بسجدتيها وللمازري عن أصبغ الأصفرار ولسحنون ما لم تبق أربع ركعات قبل العصر ابن رشد وهو بعض روايتها وفيها لبقاء ركعة قبل الغروب يدرك بها العصر. ونقل ابن حبيب عن مطرف رواية الغروب مطلقا وفي اعتبار الركعات بالوسط أو بمعتاده قولان وفي المدونة إذا أتى من تأخير الأئمة ما يستنكر جمعوا دونه إن قدروا وإلا صلوا ظهرا أربعا وجعلوا صلاتهم معه نافلة اللخمي المستنكر خروج وقتها ولا يتنفل بها معه إلا خائف. المازري عن بعضهم إن اعتاد ذلك صلوا ظهر الربع القامة ابن حبيب خائف

صلاتها ظهرا يومئ كخوف عدو والله أعلم. وقوله: (يجهر فيها بالقراءة) يعني أن ذلك سنة فلو أسر فعلى ما تقدم في جهرية غيرها وقوله (يقرأ في الأولى من صلاة الجمعة) وفي قوله (ونحوها في الأولى بالجمعة ونحوها وفي الثانية بـ {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية: 1] ونحوها) يعني أن ذلك مستحب لفعله عليه السلام مكرراً وفي المجموعة قيل لمالك سورة الجمعة في صلاة الجمعة سنة قال ما أدري ما سنة ولكن من أدركنا كان يقرأ بها في الأولى والثانية تنبيها على أنه لا بأس بغيرها وصح عنه عليه السلام صلاها: بالجمعة والمنافقون وبالجمعة {هل أتاك} [الغاشية:1] و {سبح} [الأعلى: 1] و {هل أتاك} [الغاشية: 1] والكل في صحيح مسلم والله أعلم. (ويجب السعي إليها على من في المصر ومن على ثلاثة أميال منه فأقل). يعني لا أكثر من ذلك ابن رشد يسعى لها من في المصر ولو كانت داره من الجامع على ستة أميال أو أكثر قال وهكذا روى ابن أبي أويس وابن وهب قال وهو عندي تفسير للمذهب وانظر إذا تعددت هل يسعى لأقربها أو للعتيق وإن بعد يجري على الخلاف في ذلك والعمل على جواز تعددها للضرورة وهو اختيار اللخمي العتيق أولى للخروج من الخلاف وقوله (ومن على ثلاثة أميال منه فاقل) يعني من المصر إذ لم يتقدم لغيره ذكر وهذا قول ابن عبد الحكم وروى على من المنار وقوله (فأقل) ظاهر في التحديد فلا يجيب من كان وراءها ولواءها ولو قلت الزيادة وهي رواية أشهب خلافا لابن القاسم إذ قال في المدونة يجب إتيان الجمعة من ثلاثة أميال وزيادة يسيرة. ابن رشد ورواية ابن القاسم أصوب. فرع: إذا كان بقرب المصر قوم يستوطنون لهم حكم الاستقلال وأرادوا أن يجمعوا فإن كان أكثر من ثلاثة أميال لهم ذلك وقيل ستة وقيل البريد وفيما قرب لهم حكم تكرارها في المصر الكبير فانظر ذلك. (ولا تجب على مسافر ولا على أهل منى ولا على عبد ولا امرأة ولا صبي). أما المسافر فقال ابن بشير اختلف هل وجبت عليه ومنعه منها عذر السفر أم لم

تجب عليه أصلا؟ وفائدة الخلاف وهل تجزئه أم لا؟ والمشهور الإجزاء إن صلى ابن الماجشون لا تجزئ عن ظهر مسافر وفي إمامته فيها ثلاثة: الصحة لأشهب وسحنون والبطلان لابن القاسم وثالثها لمطرف وعبد الملك تصح في الاستخلاف فقط والمراد بأهل منى النازلون بها للنسك لإسكانها إذ قد تجب عليهم إذا نزلوا وتقرروا بها وأما العبد فقال عليه السلام: «الجمعة على كل مسلم إلا على أربعة العبد والمرأة والصبي والمريض إذا كان لا يقدر على السعي». ابن شعبان المشهور من مذهب مالك عدم وجوبها على البعد يريد أنه اختلف فيها قوله (الجلاب) يستحب حضورها للمكاتب دون المدير فأما المرأة والصبي فباتفاق اللخمي الذين لا تجب عليهم الجمعة ثلاثة أصناف صنف إذا حضرها وجبت عليه وصحت له وهما أصحاب الأعذار وصنف لا تجب عليهم ولا تنعقد بهم إذا حضروها وهم الصبيان وصنف لا تجب عليهم واختلف هل تنعقد بهم وهم النساء والمسافرون والعبيد. (وإن حضرها عبد أو امرأة فليصلها). يعني وتجزيهم عما وجب عليهم من الظهر أما المرأة فباتفاق وأما العبد فقال اللخمي اختلف فيه في ثلاثة مواضع هل تجب عليه وهل تنعقد به وهل تصح إقامته إياها بالإحرام؟. فرع: من لا يخاطب بالجمعة له صلاة الظهر قبل إقامتها إلا المسافر يظن إدراكها بدخول بلد أو بلعمه فإنه يؤخر لها فإن لم يفعل أعادها قاله الباجي وفي المسافر قدم لمحل إقامته بعد أن صلى الظهر ثم أدركها ثلاثة الإعادة لمالك ولابن القاسم نفيها ولأشهب إن صلاها وحده فله أن يجمع وثالثها لسحنون إن صلاها في نحو ثلاثة أميال فأقل أعاد وإلا فلا ابن شاس راجي زوال عذره لإدراكها يؤخر لفوتها وتلزم من أدركها لزوال عذره ولو صلى كالبلوغ ابن رشدان برئ مريض أو عتق عبد لإدراكه ركعة منها بعد أن صلاها ظهرا ففي لزومها قولان من قولي ابن القاسم وسحنون وأشهب في المسافر الشيخ إن صلى صبي ثم احتلم بخمس ركعات أعاد ظهرا وفي صلاة من سقطت عنه

جمعة قولان للمشهور وشاذة ابن القاسم وفيمن فاتتهم الجمعة هل يجمعونها في الظهر أم لا قولان المشهور المنع والجواز لمالك وأشهب وابن نافع. (وينصت للإمام في خطبته ويستقبله الناس). أما الإنصات فواجب لقوله عليه السلام: «إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت». وفي حديث آخر الذي يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت لا جمعة له الباجي الإنصات لها واجب على كل من شهدها سمعها أو لم يسمعها ونقل ابن زرقون عن ابن نافع أنه سمع بلغني أن عبد الله بن رواحة سمعه صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو مقبل للجمعة يقول «اجلسوا» فجلس في الطريق ابن رشد فيه استحباب الإنصات بالطريق حيث يسمع كلام الخطبة ولابن الماجشون ومطرف إنما يجب بدخول المسجد وقيل بدخول رحابه التي تصلى فيها الجمعة من ضيقه ومفهوم قوله (في خطبته) أن الكلام بعد فراغها جائز لكن لا بين الخطبتين لأن جلوسه منهما ابن العربي في التكلم بين النزول من المنبر والصلاة روايتان ومذهب المدونة الجواز وظاهر ما هنا أن الإنصات واجب مطلقا سواء خرج عن عرض الخطبة أو لم يخرج كأن سب أو مدح من لا يجوز مدحه أو سبه وفي المسألة قولان لمالك وابن حبيب والأول حماية وفي العتبية وفي الإمام يأخذ في قراءة كتاب ليس من أمر الجمعة فليس على الإنصات فيه ولا في غيره مما عدا الخطبة أشهب ولا يقطع ذلك الخطبة وصوب اللخمي التكلم حين سمعه ابن العربي رأيت زهاد بغداد والكوفة إذا دعا لأهل الدنيا صلوا وتكلموا وبعض الخطباء يكذب حينئذ والشغل عنهم بطاعة واجب. فرع: في المدونة ومن كلمة الإمام فرد عليه لم يكن لاغيا اللخمي وفي مسلم من حرك الحصباء فقد لغا فلا يجوز حينئذ أن يحرك شيئاً له صوت ككتاب أو ثوب جديد وما أشبه ذلك ولا يرد سلاما ولا يشرب ماء ولا يشمت عاطسا وفيه ومن عطس والإمام يخطب حمد الله في نفسه وفيها جواز الذكر الخفيف في نفسه والتهليل والاستغفار

والدعاء والتعوذ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأسبابها جائز وفي جواز الجهر بذلك قولان لابن حبيب مع ابن شعبان ومالك والله أعلم. وقوله (ويستقبله الناس) قال ابن العربي إن لم يستقبلوه فمع من يتكلم وفي المدونة استقباله واجب وأسقط اللخمي عمن بالصف الأول قيل وهو خلاف المذهب. (والغسل لها واجب والتهجير حسن). يعني واجب وجوب السنن وعليه تأول قوله عليه السلام «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» لأنه لو كان فرضا كان معارضا لقوله عليه السلام: «من توضأ يوم الجمعة ثم راح فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل». الحديث اللخمي والغسل لمن لا رائحة له حسن. ومن له رائحة واجب كالحوات والقصاب وغيرهما ومن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا فعليه أن يزيل ذلك والتهجير المشي في وقت المهاجرة وهي المعنى بقوله عليه السلام: «من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى». الحديث قال مالك الذي يقع في نفسي أن هذه الساعات كلها في ساعة واحدة وليست في ساعات النهار ابن يونس والرواح عند الغروب لا يكون إلا بعد الزوال. وقال ابن حبيب إنما عنى الساعات النهار كلها وهو مذهب الشافعي مالك: تجوز في الساعات وتحقق في الرواح، وابن حبيب كالشافعي عكسه. (وليس ذلك في أول النهار). يعني لا الغسل ولا التهجير أما الغسل فشرطه أن يكون متصلا بالرواح على المشهور خلافا لابن وهب ولا يجزئ قبل الفجر باتفاق. فرع: ابن القاسم فإن اغتسل وراح ثم خرج من المسجد إلى موضع قريب لم ينتقض غسله وإن تباعد وتغذى أو نام بعد غسله أعاده أبو عمران يريد غلبه الحدث فإن

تعمده أعاد وقاله عبد الحق في النوم ابن حبيب في النوم والغذاء هذا إذا طال أمره وإن كما شيئاً خفيفا لم يعده ولابن وهب جواز اغتساله قبل كما تقدم. (وليتطيب لها ويلبس أحسن ثيابه). يعني لأنها عيد الإسلام فيتزين لها بما أمكن والطيب مما له رائحة طيبة. وفي بعض الأحاديث ما يدل أنه يكفي عن الغسل لمن تعذر عليه ويستحب له ثوبان في الجمعة لحديث يحيى بن سعيد في الموطأ والله أعلم. (وأحب إلينا أن ينصرف بعد فراغها). يعني لقوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10] إذ حمله أهل الظاهر على الوجوب فكان هذا الانصراف للخروج من الخلاف وفيه نظر. (ولا يتنفل في المسجد بعدها). يعني بعد الصلاة حتى يفصل بخروج أو غيره واختلف في صلاته على الجنازة هل يعد فصلا أو لا والأول نقل حسان والآخر للمازري وفيها ولا يتنفل الإمام والمأموم في المسجد بعد الجمعة وإن تنفل فيه المأموم فواسع ابن رشد لا كراهة في الركوع بعدها ولا استحباب في الجلوس وقيل الجلوس مستحب والتنفل واسع قال والتنف مكروه فإن جلس ولم يصل أجر على جلوسه ولم يؤجر على تنفله. (وليتنفل إن شاء قبلها). يعني المأموم وقد ورد الترغيب فيه. فرع: فإن خرج الإمام وهو قائم يصلي خففها وسمع ابن القاسم إن كان في التشهد سلم ولم يدع. ابن حبيب يطيل في دعائه ولا أحب ابن رشد عن رواية ابن وهب يدعو ما دام الأذان وللمازري عن ابن عبدوس واسع إتمامه في آخر ركعة ما بقي عليه من الآيات وجوز السيوري التحية ولو وجد الإمام يخطب كالشافعي. وفي الحديث خروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام فإن افتتحها بعد خروجه وقبل جلوسه على المنبر ففي القطع والإتمام قولان.

(ولا يفعل ذلك الإمام). يعني لا يتنفل قبل ولا بعد أما بعد فهو أشد كراهة من غيره لمكان الاقتداء ونحوه وأما قبل فلقوله (وليرق المنبر كما يدخل) يعني كذلك جاءت السنة ويسلم عند دخوله لا جلوسه والله أعلم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وسلم.

باب في صلاة الخوف

باب في صلاة الخوف هذا باب يذكر فيه حكم الصلاة في الخوف وكيف يصنع فيها. (وصلاة الخوف في السفر إذا خافوا العدو أن يتقدم الإمام بطائفة ويدع طائفة مواجهة العدو فيصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يثبت قائما ويصلون لأنفسهم ركعة ثم يسلمون فيقفون مكان أصحابهم ثم يأتي أصحابهم فيحرمون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يتشهد ويسلم ثم يقضون

الركعة التي فاتتهم وينصرفون هكذا يفعل الإمام في صلاة الفرائض كلها إلا المغرب فإنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة).

صلاة الخوف رخصة وجمهور العلماء على عدم اختصاصها به عليه السلام والمشهور عدم اختصاصها بالفسر فتجوز بالحضر كالسفر وفي البحر كالبر خلافا لعبد الملك. وقوله (إذا خافوا العدو) يعني سواء كان العدو مسلما أو كافرا إن كان ممن يجوز قتاله ولو على مال أو خوف لصوص أو سباع أو هزيمة مباحة من كفار وفي إقامتها في أتباعهم في انهزامهم ثالثها إن خيف معرتهم إن تركها جاز إلا منع ولها صفة في السفر هي ما ذكر على المشهور وصفة في الحضر هي ما يذكر إن شاء الله فيجزئهم الإمام طائفتين وإن على دوابهم والعدو إلى القبلة ويعلمهم ما يفعلون. وقوله (ثم يثبت قائما) قال عبد الحق ساكتا أو داعيا أو قارئا سورة يعلم إتيان الطائفة الأخيرة قبل إتمامها وروى ابن بشير وهو جالس فتكمل الأولى ثم يسلمون ويذهبون تجاه العدو وقيل لا يسلمون حتى تقضي الطائفة الأخيرة فيسلم بهم وعن أشهب تقف الأولى تجاه العدو بلا قضاء حتى يسلم ثم تقضي بعد إتمام الأولى بعد سلامه وقيل غير ذلك. ابن دقيق العيد: روى عنه عليه السلام فيها وجوه مختلفة تزيد على عشرة فمن الناس من أجاز الكل اعتقادا أنه عمل بالكل ومن الناس من رجح فانظر ذلك. تنبيه: قوله تعالى: {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} [النساء: 102] معناه على المشهور فإذا كملوا ركعتم الثانية، وعلى رواية أشهب إذا سجدوا مع الإمام للآية.

(وإن صلى بهم في الحضر لشدة خوف صلى في الظهر والعصر والعشاء بكل طائفة ركعتين). يعني الكيفية بحالها تقضي الأولى ركعتين والإمام واقف ثم تنصرف وتأتي الأخرى فإذا سلم أتمت الأربع. فرع: فلو جهل فصلى في المغرب أو في الرباعية بكل طائفة بطلت صلاة الأولى فيهما والثانية في الرباعية وصحت في غير ذلك وقال سحنون: تبطل عليه وعليهم وصوبه ابن عبد السلام قائلا هو أصح من قول ابن حبيب. (وإذا اشتد الخوف على ذلك صلوا وحدانا بقدر طاقتهم مشاة أو ركبانا ماشين أو ساعين مستقبلي القبلة وغير مستقبليها). يعني ىخ رالوقت المختار وإنما يكون هذا عند الالتحام ويفعل فيها كل ما لا يمكنه تركه وهي صلاة المسابقة والله أعلم.

باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى أي هذا باب في ذكر كيفية صلاة العيدين وأحكامهما وذكر التكبير أيام منى أي ذكر كيفيته وحكمه وسمى العيد عيدا لأنه يعود أي يتكرر أو يعود الناس فيه على أهاليهم بالإنفاق ويعود الله فيه على عباده بالمغفرة وقد جرت سنة الله في سائر الدهر طبعا باتخاذ يوم أو أيام يتألفون فيها على حال سرور، ولم يخل الله من ذلك خلقا من خلقه ولا أرضا من أرضه فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد لهم يومين يلعبون فيهما فأبدلهم الله منها يوم الفطر والأضحى والله أعلم.

(وصلاة العيدين سنة واجبة). يعني تجب إقامتها لأنها من السنن المؤكدة المظهرة لشعائر الإسلام ابن دقيق العيد لا خلاف أنها من الشعائر المطلوبة شرعا وقد تواتر بها النقل الذي يقطع العذر ويغني عن أخبار الآحاد والمشهور ما ذكر الشيخ من السنية فيهما ولابن زرقون فرض كفاية

وقيل هي شكر الملة لأن الوحي كان في آخر رمضان فعيد الفطر شكره وآخر يوم عرفة إذ نزل فيها {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] وإلا ضحى شكره قاله ابن الأنباري فانظره. تنبيه: شرط مطلوبيتها شرط الجمعة فهي لمن تلزمهم الجمعة لا غيرهم على المشهور ولو على فرسخ على الأصح. (يخرج لها الإمام والناس ضحوة). يعني أن وقتها من بياض الشمس إلى آخر الزوال قال في المدونة ثم يغدو من داره أو من المسجد إذا طلعت الشمس. اللخمي ولمالك من غدا إليها قبل طلوع الشمس فلا بأس وهو في ذلك يختلف فلا يمهل من في البلد الكبير إلى طلوع الشمس فتفوتهم الصلاة وأرى أن يبكر كل قوم من موضعهم بقدر ما يرون أنهم يكونون مجتمعين قبل وصول الإمام والله أعلم. وقوله: (قدر ما إذا وصل حانت الصلاة) يعني يكون خروجهم لهذا المقدار والظاهر اعتبار الإمام في ذلك ولذلك قال وصل ولم يقل وصلوا والله أعلم. فرع: في المبسوط من خرج للعيد ففاتته الصلاة إن شاء مضى وصلى في المصلى وإن شاء صلى في بيته وإن شاء ترك. وقال سجنون: في أهل مصر أصابهم المطر فمنعهم الخروج للعيد فصلوا في المسجد ولم يحملهم كلهم لا أرى لمن بقي أن يجمعوا الصلاة وإن أحبوا صلوا أفذاذا اللخمي إن كان الباقي كثيرا فيختلف قياس على الجمعة هل تصلي في جامعين وإن بقي النزر اليسير فيختلف فيهم قياسا على من لم يصل الجمعة مع الناس لعذر والمشهور فواتها إذا لم يثبت إلا بعد الزوال واختير خلافه وهو أن يعوض منه اليوم الثاني فيخرجون والله أعلم. (وليس فيها أذان ولا إقامة). يعني لأن الأذان والإقامة من أمارات الفرض.

وقد روى ابن عباس نفيه في هذه ولا ينادي الصلاة جامعة بخلاف الكسوف وأنكر بعضهم تحضير المغاربة وأجازه لأنه تثويب كقوله الصلاة جامعة. (فيصلي بهم ركعتين يقرأ فيهما جهرا بأم القرآن {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] {والشمس وضحاها} [الشمس: 1] ونحوهما). يعني لأنه السنة وقد جاء بسبح والغاشية رواه الترمذي وحسنه اللخمي. وفي الموطأ كان عليه السلام يقرأ في الفطر والأضحى بـ (ق)،و {اقتربت الساعة} واستحب ذلك ابن حبيب والأول أرفق بالناس اليوم وليس هم في الرغبة في الخير كما كان السلف ابن الحاجب بـ {والضحى} {ألم نشرح} والله أعلم. (يكبر في الأولى سبعا قبل القراءة يعد فيها تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات لا يعد فيها تكبيرة القيام وفي كل ركعة سجدتان ثم يتشهد ويسلم). هذا تمام الصفة وفي التلقين الأولى. وكذلك لعياض في قواعده وأظنه تابعا لعبد الوهاب في ذلك ويوالي التكبير إلا قدر تكبير مأموميه ولا يقول شيئاً وأجاز له بعض العلماء الذكر بني التكبير بقدر ذلك فإن زاد لم يتبع وتحرى تكبيره من لم يسمعه وفي رفع يديه مع كل تكبيرة أولى مشهورها في الأولى فقط وهي رواية مطرف ومن وجد الإمام يقرأ كبر على المشهور كمن فاته بعض التكبير خلافا لابن الماجشون وإن وجده راكعا أجزأه الإحرام فإن كان في قراءة الثانية كبر خمسا وقضى ركعة بسبع بالقيام. فرع: المسبوق بالتكبير سمع عيسى ابن القاسم لا يكبر قبل الركوع أصبغ وابن وهب وغيرهما لا يكبر إلا تكبيرة واحدة وسمع يحيى ابن القاسم إن كان في الثانية كبر خمسا وفي القضاء سبعا وعنه أيضاً ستا ابن حبيب ستا فيها والسابعة تقدمت للإحرام وفيها في مدرك التشهد الأخير يقوم بتكبير فانظر ذلك. فرع: لو قدم القراءة على التكبير كبر ما لم يركع وأعاد القراءة على الأصح وسجد بعد السلام وقيل لا سجود فلو ذكر منحنيا ففي رجوعه للتكبير قولان ومذهب ابن

القاسم فوته. (ثم يرقى المنبر فيخطب). يعني بعد الصلاة ملاصقا بها ابن دقيق العيد جميع ما له خطبة من الصلوات فالصلاة فيه مقدمة على الخطبة إلا الجمعة وجمع عرفة ابن حبيب وأحدث مروان بن الحكم خطبة فيها قبل الصلاة وهشام الأذان والإقامة وكلاهما خلاف السنة. فرع: فلو قدمت الخطبة أعيدت استحبابا فإن لم يعد أجزأه كمن خطب محدثا. (ويجلس في أول خطبته ووسطها ثم ينصرف). يعن يعند فراغها بلا جلوس ولا غيره. وفي المبسوط لا يجلس أول خطبة العيد والاستسقاء وعرفة بخلاف الجمعة فإنه يجلس لفراغ المؤذن وسمع ابن القاسم يكبر في ابتداء خطبته وخلالها بلا حد ابن حبيب يستفتح بسبع في الأولى والثانية ثم بثلاث ثلاث مطرف وابن الماجشون وبه استمر العمل عندنا ويكبر من حضر معه خلافا للمغيرة واستحب استقباله والإنصات له والبروز للصحراء في فعلها إلا بمكة وذهابه ماشيا ولا يخرج لها بالمنبر ولا يتنفل قبلها ولا بعدها إذا صليت في الصحراء على المعروف واختلف في المسجد فلابن القاسم الجواز ولابن حبيب المنع ولأشهب بعدها لا قبلها وهو مروي وقيل قبلها. وعن ابن حبيب كراهة النفل يومه إلى الزوال ومنعه غيره. (ويستحب أن يرجع من طريق غير الطريق التي أتى منها والناس كذلك). يعني مستحب للإمام والناس لما ورد من السنة في ذلك وقد اختلف في تأويله فانظره). (وإن كان في الأضحى خرج بأضحيته إلى المصلى فذبحها أو نحرها ليعلم ذلك الناس فيذبحون بعده). يعني لأنه مقتدى به في ذلك وعلى هذا المعتبر إمام الصلاة وقال بن ابن رشد وقال اللخمي إمام الطاعة وقيل غير ذلك وسيأتي ما في الأضاحي فانظر هناك. (وليذكر الله في خروجه من بيته في الفطر والأضحى جهرا حتى يأتي

المصلى الإمام والناس كذلك فإذا دخل الإمام للصلاة قطعوا ذلك). يعني والجهر في ذلك أن يسمع نفسه ومن يليه قريبا وظاهر ما هنا سواء خرج قبل طلوع الشمس أو بعدها وروى علي أن غدا قبل الطلوع لم يكبر حتى تطلع وفي المجموعة إن غدا قبل الطلوع فلا بأس ولكن لا يكبر حتى تطلع وهو نحو الأول ولابن حبيب لا يكبر حتى يسفر. وفي المبسوط يكبر من إثر صلاة الصبح ابن مسلمة يتحرى تكبيرة الإمام حين يغدو حين يكبر ولم يحده مالك واختار ابن حبيب بعد تكبيرتين لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا اللهم اجعلنا من الشاكرين وزاد أصبغ الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقوله: (فإذا دخل الإمام للصلاة) يعني لمحل إقامة العيد وقيل للخطبة والأظهر لقيامه للصلاة. (ويكبرون بتكبير الإمام في خطبته). يعني من سمعه وينصتون فيما سوى ذلك يعني استحبابا وقال المغيرة لا يكبر معه وقد تقدمت. (فإن كانت أيام النحر فليكبر الناس دبر الصلوات من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح في اليوم الرابع منه وهو آخر أيام منى يكبر إذا صلى الصبح ثم يقطع). يعني أنه يكبر إثر خمس عشرة صلاة مكتوبة حاضرة من أول ما ذكر إلى آخره على المشهور وقيل إلى صلاة الظهر من الرابع. فرع: فإن نسيه حتى بعد فلا شيء عليه ونقل المازري قولا لا بقضائه وإن كان بالقرب كبره وإن لزمه سجود بعدي سجده ثم كبر وقوله (دبر الصلوات) يعني المكتوبة الحاضرة فلا يكبر إثر نافلة على المشهور وروى الواقدي يكبر ولاء أثر فائته من غير أيام التشريق وفيها خلاف لعبد الملك وإما منها فقولان وفي المختصر لا يكبر النساء ولا يكبر أهل الآفاق في غير دبر الصلوات خلافا لابن حبيب وصوب اللخمي قوله بأنه للاقتداء بأهل منى وفعلهم عام.

فرع: فلو نسي الإمام التكبير كبره المأموم ويأتي به القاضي بعد تمام صلاته والله أعلم. (والتكبير دبر الصلوات: الله أكبر الله أكبر الله أكبر وإن جمع مع التكبير تهليلا وتحميدا فحسن يقول إن شاء ذلك الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وقد ريو عن مالك هذا والأول وكل واسع). يعني الأول ومذهب المدونة قال فيها: وليس في تكبير أيام التشريق حد وبلغني عن مالك يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا اللخمي فيها تناقض قال غيره التقدير لم أسمع من مالك فيه شيئاً عياض المشهور حده بالثلاث وقفد مر ما لابن حبيب وأصبغ في ذكر الخروج وفيها سأل سحنون ابن القاسم هل عينه مالك فقال لا وما كان مالك يحد في مثل هذا شيئاً وإنما استحسن الأول لأنه أبلغ في الثناء والتعظيم والله أعلم. (والأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة والأيام المعدودات أيام منى وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر). يعني أن يوم النحر ويومين بعده معلومات للذبح والنحر واليومان بعد يوم النحر من المعلومات معدودات لرمي الجمار مع اليوم الرابع فالأول معلوم غير معدود والآخر معدود غير معلوم واليومان معلومان معدودان والله أعلم. وكأنه قصد لبيان قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة: 203] وقوله: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم} [الحج: 28] فانظر ذلك. (والغسل للعيدين حسن وليس بلازم). يعني أنه لا يجب ولا يتأكد كتأكد الجمعة ففي المدونة غسل العيدين مستحب حسن وقال مالك في المختصر يستحب الغسل والزينة والطيب في كل عيد والغسل قبل الفجر فيها واسع ابن حبيب أفضل أوقات الغسل لها بعد صلاة الصبح وينزل إليهما من ثلاثة أميال كالجمعة وروى ابن القاسم في المجموعة في قرية فيها عشرون رجلا يصلون العيد. وقال ابن نافع ليس إلا على من تلزمهم الجمعة أشهب ذلك لهم وإن لم تلزمهم الجمعة والله أعلم.

(ويستحب فيهما الطيب والحسن من الثياب). يعني وإن لم يصلها لإظهار أبهة الإسلام ويستحب أيضاً إحياء ليلتها وإقامتها لمن فاتته ولمن لا تلزمه فذا وكذلك جماعة على الأصح فيهما كطيب وتزين بلباس والله سبحانه أعلم. خاتمة: قال ابن حبيب سئل مالك عن قول الرجل للرجل في العيد تقبل الله منا ومنك وغفر لنا ولك فقال ما أعرفه ولا أنكره ابن حبيب أي لا يعرفه سنة ولا ينكره لأنه قول حسن ورأيت من أدركت من أصحابنا لا يبدءون به ولا ينكرونه على من قاله لهم ويردون عليه مثله ولا بأس عندي أن يبدأ به قيل والمصافحة فيه حسنة والصدقة لها فضل وجميع أعمال البر والمشي أفضل من الركوب في الذهاب لا في الرجوع لأنه مقبل إلى عباده وكره مالك اجتماع الناس لدعاء يوم عرفة وعن أشهب أنه حضره من وراء النسا وقد استوفى القرطبي نق لالقول فيها عند قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} [البقرة: 198] فانظره وبالله التوفيق.

باب في صلاة الخسوف

باب في صلاة الخسوف الخسوف لغة التغيير ولأهل اللغة كلام في الخسوف والكسوف يطول ذكره ابن بشير الخسوف عبارة عن ظلمة أحد النيرين الشمس والقمر أو بعضهما وفي سبب ذلك ومادته ما يطول ذكره فانظره إن شئت.

(وصلاة الخسوف سنة واجبة). يعني صلاة خسوف الشمس ولا خلاف في أنها سنة مؤكدة بخلاف صلاة خسوف القمر فإنها فضيلة وعن اللخمي والجلاب أنها سنة وفي المدونة في خسوف الشمس ويصليها أهل الحضر والقرى والمسافرون ويجمعون إلا أن يجد بالمسافر السير ويصليها المسافر وحده وكذلك المرأة تصليها في بيتها ولا بأس أن تخرج إليها المتجالة ابن حبيب من فاتته مع الإمام فليس عليه أن يصليها بشرط الجماعة وهو خلاف المشهور والشيخ عن أشهب إن لم يقدر عليها مع الإمام من ضعيف أو امرأة صلاها فذا. (إذا خسفت الشمس خرج الإمام إلى المسجد فافتتح الصلاة بالناس بغير أذان ولا إقامة).

ظاهر ما هنا في أي وقت خسفت وفي المدونة تصلى من غدوة إلى الزوال وفي الجلاب ثلاث روايات ثالثها من طلوع الشمس إلى أن تصلي العصر ومن الطلوع إلى الغروب وعليه فتصلى إذا طلعت مكسوفة وإن غابت كذلك فلا اتفاقا وهل يقفون للدعاء قولان. وقوله (إلى المسجد) هو المشهور للعمل. وقال ابن حبيب المسجد أو صحنه أو البراز وفرق اللخمي يخير في البدل الصغير لا في الكبير لمشقة الخروج ونحوه وعدم الأذان والإقامة لأنهما من خواص الفرض الحاضر والله أعلم وقوله (افتتح الصلاة) يعني أحرم فيها كسائر الصلوات. (ثم قرأ قراءة طويلة سرا بنحو سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا نحو ذلك ثم يرفع رأسه ويقول سمع الله لمن حمده فيقرأ دون قراءته الأولى ثم يركع نحو قراءته الثانية ثم يرفع رأسه ويقول سمع الله لمن حمده ثم يسجد سجدتين تامتين ثم يقوم فيقرأ دون قراءته التي تلي ذلك ثم يركع نحو قراءته ثم يرفع كما ذكرنا ويقرأ دون قراءته هذه ثم يركع نحو ذلك ثم يرفع كما ذكرنا ثم يسجد كما ذكرنا ثم يتشهد ويسلم). يعني أنهما ركعتان سرا على المشهور ولكل منهما ركوعان وقيامان متفاوتان على التدلي من أولها لآخرها ويستحب في الأولى بعد الفاتحة سورة البقرة وثانيا بالفاتحة وآل عمران وثالثا النساء ورابعا المائدة بعد الفاتحة وأي سورة قرأ أجزأت والمشهور إعادة الفاتحة في القيامين الزائدين خلافا لابن مسلمة ويطيل الركوع نحو القراءة كالسجود على المشهور وله أشار بقوله خلافا لابن عبد الحكم ولا يطيل الفصل بين السجدتين والله أعلم فإن قصر في محل الطول سجد قبل السلام. وقال ابن شعبان يجهر بقراءتها رواه الترمذي عن مالك وفي قراءة المأموم خلف الإمام قولان لأصبغ وأشهب. فرع: فلو تجلت قبل تمامها وبعد انقضاء شرطها فقال أصبغ تكمل على سننها وقال سحنون كسائر النوافل الباجي انظر لو انجلت قبل تمام شرطها ونقل ابن زرقون في ذلك قولين بالقطع والإتمام كالنفل ولا تكرر إن لم تنجل ويقفون للدعاء ومن شاء

تنفل ابن حبيب ومن فاتته مع الإمام فليس عليه قضاؤها كما إذا انجلبت اتفاقا. (ولمن شاء أن يصلي في بيته مثل ذلك أن يفعل). يعني على المشهور خلافا لابن حبيب في اشتراط الجماعة وقد مر قريبا فانظره. (وليس في صلاة خسوف القمر جماعة وليصل الناس عند ذلك أفذاذا والقراءة فيها جهرا كسائر ركوع النوافل). يعني فهي في البيوت أفضل وليس لها كيفية خاصة وقال عبد الملك كصلاة كسوف الشمس ولا يجمع لها المشهور ولا تفتقر لنية بخلاف كسوف الشمس وأجاز أشهب الجمع لها وهو أبين. (وليس في إثر صلاة خسوف الشمس خطبة مرتبة ولا بأس أن يعظ الناس ويذكرهم). يعني لأنه عليه السلام لم يفعل إذ ذاك شيئا من لوازم الخطبة وإنما ذكر حكم الواقع وذكر بما عاين دون زائد وقد ذكر ابن دقيق العيد في ذلك كلاما يطول فانظره وبالله التوفيق. خاتمة: في المدونة كره مالك سجود الزلازل، اللخمي ورأى أن يفزع الناس إلى الصلاة عند الحادث الذي يخاف أن يكون عقوبة وهو قول أشهب في الظلمة والريح الشديدتين والله أعلم.

باب في صلاة الاستسقاء

باب في صلاة الاستسقاء يعني في ذكر الصلاة التي يطلب بها السقيا من الله وقد عرف الاستسقاء (ع) بأنه طلب السقيا من الله لذي كبد رطبة أو نبات بالدعاء وحده أو بالصلاة والإجماع على طلبه بالدعاء وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن الصلاة له بدعة وقد صح فعله عليه السلام لها والخلفاء بعده فهو محجوج بذلك.

(وصلاة الاستسقاء سنة تقام). يعين عند الحاجة والمقحطة الشديدة لسقي زرع أو شرب ببئر أو سفينة يقيمها أهل الحاجة لذلك وفي إقامة المخصب للمجدب فيها تردد ابن شاس ولا بأس بتكررها إذا تأخرت الإجابة ابن حبيب ولا بأس بأيام متوالية ويستسقى في إبطاء النيل أصبغ فعل بمصر خمسة وعشرين يوما متوالية على سنة الاستسقاء وحضر ابن القاسم وابن وهب ورجال صالحون فلم ينكروه ولا خلاف في الأمر قبله بالتوبة ورد المظالم مخافة أن تكون المعاصي سبب منع الغيث ويؤمر بالصدقة وفي استحباب الأمر بالصوم قبلها قولان والمشهور يأمرهم غير الإمام بصيام ثلاثة أيام خلافا لعبد الملك. (يخرج لها الإمام كما يخرج للعيدين ضحوة). يعني أن وقتها كوقت صلاة العيد ضحى وفي امتداده إلى الزوال قولان ابن بشير المشهور امتداده إلى الزوال والشاذ جوازه في كل وقت وفي العتبية لا بأس بالاستسقاء بعد الغروب وبعد الصبح وقد فعل عندنا وما هو من الأمر الدائم ابن رشد إنما يريد الدعاء لا الصلاة في المصلى لأن السنة في ذلك أن لا يكون إلا ضحى وفي قوله (يخرج لها الإمام والناس) أنها لا تقام في المسجد إلا من ضرورة ابن بشير وفي تنفلهم في المصلى قولان مشهورهما الجواز والشاذ الكراهة كالعيد مالك ولا يخرج لها بالمنبر ويخرج الإمام إليها ماشيا متواضعا غير مطهر لفخر ولا زينة راجيا ما عند الله تعالى ولا يكبر في ممشاه حتى يأتي مصلاه ونقل ابن بشير قولا أنه يكبر في ممشاه كالعيد.

ابن حبيب ويخرج الناس مشاة في بذلتهم لا يلبسون ثياب الجمعة. اللخمي يخرج للاستسقاء ثلاث الرجال ومن يعقل الصلاة من الصبيان والمتجالة من النساء واختلف في خروج أربعة ومن لا يعقل الصلاة من الصبيان والشواب من النساء وأهل الذمة والبهائم والمنع في أهل الذمة حسن ثالثها المشهور يخرج معهم في ناحية لا منفردين بيوم ولا يمنعون من التطواف بصلبانهم بل من إظهارها للمسلمين في الاستسقاء وغيره. (فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ في الأولى بأم القرآن و {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] وفي الثانية بأم القرآن {والشمس وضحاها} [الشمس: 1] وفي كل ركعة سجدتان وركعة واحدة ويتشهد ويسلم. يعني لا يكبر فيها كالعيد بل كسائر النوافل ولا زيادة ركوع كالخسوف وقال الشافعي يكبر كالعيد والله أعلم. وقوله (ثم يستقبل الناس بوجهه) يعني أنه لا يرتفع على شيء بل يخطب بالأرض وخطبتها بعد الصلاة على المشهور وإليه رجع مالك وقيل لا خطبة لها وقوله (فيجلس جلسة) يعني قبل الشروع في الخطبة على المشهور وقيل لا يجلس في أولها. (فإذا اطمأن الناس قام متوكئاً على قوس أو عصا). يعني استحبابا فإن لم يفعل فلا حرج وقوله (فخطب ثم جلس ثم قام فخطب) يعني أن لها خطبتين كالعيد لكنه يبدل التكبير استغفاراً. اللخمي والإكثار منه فيها مستحب لقوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم} [نوح: 10] الآيبة ابن يونس: المشهور في الاستسقاء خطبتان ولا يدعو في خطبته إلا بكشف ما نزل بهم لا لأحد من المخلوقين وقاله اللخمي ولم يدع موسى بن نصير يومئذ للأمير وقال ليس هذا يوم ذلك ابن حبيب يأمر فيها بالطاعة ويحذر من المعصية ويحض على الصدقة ويجتهد في الدعاء بالسقيا ابن الماجشون ويصل كلامه بالاستغفار ولا تشترط طهارته فيها فلو أحدث كملها دون وضوء والله أعلم. (فإذا فرغ استقبل القبلة فحول رداءه). يعني أنه بعد الخطبة الثانية يحول رداءه وفي المجموعة يحول بين الخطبتين وقيل في

أثنائها والمشهور الأول وقوله (رداءه) مقصود فلا تحول الأكسية والبرانيس ونحوها وقوله (ما على منكبه الأيمن على الأيسر وما على الأيسر على الأيمن ولا يقلب ذلك) يعني على المشهور وقد فسر عياض المدونة ببقاء السطح الظاهر من الثوب ظاهراً فتصير الحاشية العليا سفلى وإليه أشار بقوله (ولا يقلب ذلك) واللخمي والمازري عكسه اللخمي يجعل ما على جسده إلى السماء فيصير ما على يمينه على يساره وبالعكس وتبقى الحاشية على ما هي عليه اللخمي ثبت عنه عليه السلام أنه قلب في الاستسقاء ومقتضى الجلاب جواز الجميع ولا يتصور القلب إلا في الأردية قوله (وليفعل الناس مثله) يعني في التحويل الجزولي. واتفقوا على أن الإمام يحول واختلف في السناء ولا يحول من عليه ثوب واحد من الرجال والله أعلم. وقوله (وهو قائم) يعن يحال التحويل وقوله (ثم يدعو كذلك) يعني حال كونه قائما مستقبلا وحكمة قيامه لأنه وقوف العبيد بين يدي الملك في محل الرغبة والرهبة قال وحكمة التحويل التفاؤل بأن يحول ما بهم ابن العربي طريقة الفأل أن يكون غير مقصود وهذا مقصود فهي إذا أمارة بين الله ونبيه في تحويل الحال والله أعلم. وقوله (ثم ينصرف وينصرفون) يعني أنهم لا يزيدون على ذلك شيئا والله أعلم. (ولا يكبر فيها ولا في الخسوف غير تكبيرة الإحرام والخفض والرفع). يعين فليس فيها تكبير كالعيد بل الإحرام والرفع والخفض عن ابن عباس أنه عليه السلام صلاها كالعيد وقال به الشافعي وحضرت بعض الأئمة بمدينة فاس سها في أولها وتذكر أثناء تكبيرة فأتمها على ذلك أظنه تقليدا للشافعي ورجاء أن يكون ذلك من الله في تنسيته فما رجعنا من المصلى إلا بالمطر وحضرت الإمام غير مرة إذا رفع من سنة الصلاة ألفى ثيابه صدقة ليرغب الناس فيفعلون مثله وما رأيتهم خيبوا قط سمعت شيخنا أبا عبد الله القوري – رحمه الله – يقول إن منذر بن سعيد البلوطي خطب في الاستسقاء مرة فأكثر أن يقول سلام عليكم حتى التفت الناس إليه فقال: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ

فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 54]. قال: فبكى الناس وما رجعوا إلا بالمطر وكذلك فعل مرة أخرى أكثر أن يقول: يا أيها الناس فلما التفتوا إليه قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: 15 - 17] فكان كذلك وقصة موسى بن نصير في إخراج الأطفال والبهائم وعزل الأولاد عن أمهاتهم لاستعطاف الوقت معلومة وبلغ ذلك أهل العلم فاستحسنوه. وقال مالط كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت». يرددها في دعائه صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم.

باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه يعني باب ما يعامل به الميت عند احتضاره أي حين تحضره الملائكة تقبض روحه ويحضره أجله ويحضره أهله لعظيم ما نزل به فالمحتضر بفتح الضاد الذي حضر والميت من فارق روحه جسده من الأحياء بقدر الله تعالى وقد تكلم الناس هنا في حقيقة الروح والموت فأطالوا وقصروا وحقيقة الأمر في ذلك إلى الله سبحانه. (ويستحب استقبال القبلة بالمحتضر وإغماضه إذا قضى). لأن القبلة هي التي كان يعظمها في حياته فينبغي إيثارها عند مماته واستقباله هو المعروف وقيل يكره وروى ابن القاسم لا أعلمه من الأمر القديم وأنكره ابن رشد من روايته على النوادر وهل كراهته لئلا يستعجل فيتأذى به المحتضر أو لأنه لم يفعل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بأحد من أصحابه ورده (ع) بما في النوادر من أنه فعل بعلي وبجماعة من السلف ابن حبيب ولا أحبه قبل إحداد بصره وعلى المعروف فروى ابن القاسم وابن وهب على شقه الأيمن فإن عجزه فعلى ظهره ورجلاه إلى القبلة وخرج من صلاة المريض. فأما الإغماض فلإزالة شناعة حاله وما ذكر من الاستحباب هو نقل الأكثر وقال ابن شعبان إغماضه سنة قال ابن حبيب ويقول بسم الله وعلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه موته وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه سند لا بأس بشد لحيه الأسفل بعصابة تربط فوق رأسه خوف دخول الهوام في فيه ابن المنذر لا بأس بجعل حديدة على بطنه لئلا يسرع انتفاخ بطنه كل ذلك

قبل أن تبرد أعضاؤه. (ويلقن لا إله إلا الله عند الموت). يعني بحيث وتذكر عنده على وجه يسمعها ولا يلح عليه ولا يقال له قل ويلقنه أرفق الناس به وأحبهم له ولبعض الشافعية يلقنه غير وارثه فإن لم يكن فأرفقهم به وبمهل بين كل مرة فإن قالها مرة أعيدت عليه فإن لم يتكلم ترك. وقال بعض الشيوخ القرويين في قوله: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» يريد جميع كلمتي الشهادة كقوله عليه السلام «أمرت أن أقاتل الناس يقولوا لا إله إلا الله» ومثله لابن الفاكهاني ونقل (خ) عن وهل تلقينه ليكون آخر كلامه أو لإعانته على دفع الشياطين الداعين له للموت على غير الإسلام يحتمل الوجهين قاله المازري في المعلم ابن ناجي والصواب هما معا وظاهر كلام الشيخ أن الصغير يلقن كغيره. وقال النووي لا يلقن إلا بالغ قال التادلي وظاهر كلام الشيخ لا يلقن بعد الموت وبه قال عز الدين وجزم النووي باستحبابه قال واستحبه من أصحابنا القاضي حسين وأبو الفتح الزاهد وأبو الرافع وسئل عنه أبو بكر بن الطلاع وقال هذا الذي نختاره ونعمل به وقد روينا فيه حديثا عن أبي أمامة ليس بقائم ولكنه اعتضد بالشواهد وبعمل أهل الشام قديما وللمتيوي نحوه. (وإن قدر على أن يكون طاهرا وما عليه طاهر فهو أحسن). يعني تكرمه للملائكة واستحب ابن حبيب الطيب والبخور عند ذلك وسمع ابن القاسم وأشبه ليس هو العمل والله أعلم. (ويستحب أن لا يقربه حائض ولا جنب). يعني إذا وجد غيرهما وقال ابن عبد الحكم لا بأس بإغماض الحائض والجنب وقال اللخمي اختلف في تجنبه الحائض والجنب والمنع أحسن ونقل التادلي ثالثها بإغماضه الحائض لأنها لا تملك طهرها بخلاف الجنب فإنه يملك أمره وحيث لا غير الحائض والجنب فلا يمنعان باتفاق. (وأرخص بعض العلماء في القراءة عند رأسه بسورة يس ولم يكن ذلك عند

مالك أمرا معمولا به). يعني وما لم يصحبه العمل مما ورد الترغيب فيه فليس بمندوب عند مالك لأنهم كانوا أحرص على الخير وأعلم بالسنة وما تركوه إلا لأمر عندهم فيه وقال غيره إذا ورد الحديث اكتفي به في باب الترغيب والترهيب وإن كان ضعيفاً وبعض العلماء حيث كان في الرسالة فالمراد به ابن حبيب وهل هذا الخلاف خاص بسورة يس أو بغيرها من القرآن ظاهر كلام الشيخ إنما الخلاف فيها وأما غيرها فغيره مشروع اتفاقا وظاهر كلام الجلاب العموم ونبه عليه (س) والله أعلم. (ولا بأس بالبكاء بالدموع حينئذ وحسن التعزي والتصبر أجمل لمن استطاع). يعني لمن قدر على ذلك قوله (بالدموع) أتى به للتأكيد لئلا يحمل على الحزن وقوله (حينئذ) حين يحضر الموت قال ابن الفاكهاني قال الشيخ أبو محمد عن ابن حبيب بالبكاء قبل الموت وبعده مباح بلا رفع صوت ولا كلام يكره ولا اجتماع نساء ونهى عمر رضي الله عنه نساء يبكين على ميت فقال عليه السلام «دعهن يابن الخطاب فإن العين دامعة والنفس مصابة والعهد حديث» ويكره اجتماعهن للبكاء ولو سرا ونهاهن عمر عن ذلك عند موت أبي بكر وفرق جمعهن وكذلك في موت خالد رضي الله عنه. (وينهى عن الصراخ والنياحة). يعني لأنهما من فعل الجاهلية وقد قال عليه السلام «ليس منا من حلق ولا من خرق وسلق ودلق الحلق حلق الشعر» والخرق تخريق الثياب والدلق ضرب الخدود والسلق الصياح بالبكاء وقبيح القول وقال عليه السلام: «ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» ومعنى ليس منا حيث ورد أي ليس على سنتنا فيما فعل ولا يخرجه ذلك عن الدين والنهي عن النياحة نهي تحريم تجب على فاعله التوبة منه والاستغفار ويجب على الإمام أن يزجر فاعله ويفرق الجمع في ذلك قاله ابن حبيب والتعزي التأسي للصبر والله أعلم.

(وليس في غسل الميت حد). يعني لازم ينتهي إليه ولا يزاد عليه ولكن ينقى ويغسل وترا من غير تحديد في الوترية وإن كان حدا ينتهي إليه وهو الإنقاء فلا عدد فيه لازم غير أن الإنقاء واجب بوجوبه والإيتار مستحب وهل غسله سنة وقاله أبو محمد وغيره وشهره ابن بزيزة أو فرض وهو الأصح وقاله ابن عبد الحكم وعبد الوهاب وابن محرز وقيل مستحب واختلف هل تعبدا أو لعلة الإنقاء قولان للمشهور. وابن شعبان لقوله يجوز بماء الورد وشبهه إن لم يكن سرف للقاء الملائكة وقال أبو محمد هو خلاف قول أهل المدينة وقال في قوله لا يغسل بماء زمزم ولا تزال به نجاسة هو خلاف قول مالك وأصحابه. وفي القبس هو مقصود للنظافة والعبادة كالعدة للتعبد وبراءة الرحم وعلى كل

فلا يفتقر إلى نية لأنه مما يفعله الإنسان في غيره ذكره الباجي وابن رشد فانظره. فرع: خير ابن شاس بين غسله بالماء البارد والسخن وفي الجلاب لا بأس بالسخن يعني أنه خير من غيره قال بعضهم وكذا شأنه الإطلاق ولا بأس في مثل ذلك كثيراً والله أعلم، وقوله (وترا) يعني ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك بحسب ما يراه الغاسل كما ف يحديث أم عطية إذ قال لها عليه السلام في غسل ابنته ((غسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك)). ابن حبيب يستجب الوتر وأدناه ثلاث ومثله لابن رشد وظاهر كلامهما ولو زاد على السبع اللخمي لا يقتصر في غسله على الثلاث فإن أنقى بأربع فخمس وبست فسبع وقال ابن عبد البر ذهب أصحاب مالك إلى أنه أكثره ثلاث. وقال المازري حكاية عن مالك إن المعتبر الإنقاء لا العدد تعلقا برواية ابن القاسم ليس فيه حد معلوم فتتحصل أربعة أقوال وقوله (بماء وسدر) يعني بماء وحده ثم بسدر وماء قال ابن حبيب يغسل أولاً بالماء وحده وثانيا بماء وغاسول وثالثة بماء وكافور وظاهر ما هنا خلط السدر بالماء وهو ظاهر المدونة فتأوله قوم بما ذكر فوقه وأخذ منه آخرون غسله بالماء المضاف كقول ابن شعبان وأجيب بأن المراد لا يخلط الماء بالسدر ولكن يحكه عليه أولاً ثم يتبعه الماء واختاره بعض المتأخرين. فرع: لمالك في غسل من غسل ميتا ثلاث الوجوب والسقوط والاستحباب حكاها ابن عتاب وعزاها غيره لسماع ابن القاسم وقوله مع أشهب ورواية ابن حبيب فانظر ذلك والله أعلم. وقوله (ويجعل في الآخرة كافوراً) يعني لما في حديث أم عطية من ذلك والكافور نوع من الطيب بارد جداً يسد المسام فلا يسرع التغير وينفر الهوام فلا تضر الميت.

(وتستر عورته). يعني عند تجريده للغسل قال الباجي وهو ظاهر قول أصحابنا أشهب ولا يطلع على ما سوى عورته غير غاسله ومن يليه ابن حبيب يستر من السرة إلى الركبة المازري واستحب سحنون ستر صدره ابن العربي كله عورة فلا يجرد عياض واستحب العلماء غسله تحت ثوب إذا تغير بالمرض إذا كان يكره أن يطلع عليه وهو بتلك الصفة الباجي عن أشهب ستر وجهه وصدره واستحب سحنون في نحيل الجسم ستر صدره واختاره اللخمي بهذا القيد وتقدم نقل سحنون بالإطلاق والمرأة تستر المرأة من سرتها لركبتها كالرجل مع الرجل وقال اللخمي على قول سحنون سترد جميع جسدها مع مثلها في الحمام ستر هنا ابن عبد البر أجمعوا على تحريم النظر إلى فرج ميت أو ميتة غير صغيرة لا أرب فيها. وفي المدونة يجعل الغاسل على يده خرقة وإن احتاج إلى أن يباشر بيده فعل ومنع اللخمي وابن حبيب مباشرة فرج الميت لإزالة نجاسة ولو اضطر اللخمي وهو أحسن. (ولا تقلم أظفاره ولا يحلق شعره). يعني أن خصال الفطرة التي يفعلها الحي لا تفعل به أشهب ويبقى وسخ أظفاره ابن حبيب وما سقط منه من شعر وغيره جعل معه في أكفانه ولا يختن اتفاقا وللنووي عن مذهبه المشهور أنه لا يختن وقيل يختن الكبير دون الصغير وعن ابن القاسم يلف شعر المرأة وعنه يفعلون به ما شاءوا إلا الضفر فلا وعن ابن حبيب لا بأس أن يضفر واختاره بعض المتأخرين لحديث أم عطية في غسل ابنته عليه السلام إذ قالت: وجعلنا رأسها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها. (ويعصر بطنه عصرا رفيقا). يعني لئلا يخرج منه شيء فتلطخ أكفانه وما ذكره مثله في المدونة فإن خرجت منه فضلة غسل محلها وفي إعادة وضوئه قولان. فرع: فإن كان الجنين يضطرب في البطن ولم يمكن إخراجه إلا بالبقر ففي المدونة لا يبقر عليه وقال أشهب وسحنون يبقر عليه وفي غرائب ابن عبد الحكم رأيت رجلاً

مبقورا على فرس مبقورة يأخذ بمذهب أشهب دون ابن القاسم قائلاً لأن أشهب كان سبب حياتي قيل ويبقر من الجانب الأيسر؛ لأنه أقرب للخروج عياض ويتخرج عليهما أكل الميتة الآدمي للضرورة وفي الميت يبتلع المال ثلاثة ابن القاسم لا يبقر ابن حبيب يبقر وثالثها إن كان ذا فضيلة دينية كصالح أو فقيه فلا وإلا بقر عبد الحق وأفتى أبو عمر أن في ميت ادعى رجل أنه ابتلع له مالا ومات بفوره أقام على ذلك شاهدا قال يحلف ويبقر له وقد اختلف في القصاص في الجراح بالشاهد واليمين فتجرى هذه عليه. (وإن وضئ وضوء الصلاة فحسن وليس بواجب ويقلب لجنبه في الغسل أحسن). يعني لا بأس به وقوله (وليس بواجب) مستغنى عنه بقوله (فحسن) وما ذكره هو المشهور ولأشهب نحوه وعنه في ترك وضوئه سعة والقولان حكاهما عنه المازري وفي تكريره بتكرير الغسلات قولان لأشهب وسحنون اللخمي ويبدأ الغاسل بالميامن ومواضع الوضوء للحديث في غسل ابنته عليه السلام «ابدأن أن بميامنها ومواضع الوضوء منها» وفي الجلاب وغسله كالجنب وذكر صفته. وفي المدونة: يصب الماء على المجروح والمجدور الذي يخاف أن ينزلع ولا ييمم ابن عبد الحكم وينجس الثوب الذي ينشفه به أبو إسحاق ولا يصلي عله ولا به حتى يغسل وكذلك ما اصاب من مائه وهذا على الخلاف في نجاسته واختار الشيخ التقليب لما في الجلاب لأنه أيسر والله أعلم. (ولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه من غير ضرورة). يعني ولو قبل البناء بشرط النكاح الصحيح ولا خيار ولا طلاق ولا نزاع مع من له حق في ذلك ولا تزويج بعد الولادة ولا عقد بعدها على من يحرم الجمع بينهما أن لو كانت حية فلو كان النكاح فاسدا مجمعا فساده فلا يغسل أحد الزوجين صاحبه. قال سحنون: وما فسد لصداقة ولم يدخل فكذلك وما دخل فكالصحيح. ابن يونس كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه فلا يتغاسلان، وما كان لأحد الزوجين أو الولي إجازته فإنهما يتغاسلان ابن القابسي الأصل الذي لا ينخرم هو إذا كان له النظر

إلى محاسنها والاستمتاع بها في حياتها تغاسلا بعد الموت وإن كان ممنوعا من ذلك فالغسل ممنوع وفي المدونة المطلقة رجعيا لا تغسل زوجها في العدة وفي كتاب أبي الفرج تغسله وهي رواية ابن نافع في المبسوط واختار اللخمي الأول لامتناع التلذذ بها في الحياة وظاهر كلام الشيخ ولو وضعت حملها منه وهو كذلك واختلف إذا نكح أختها بعد موتها على قولين بالكراهة والجواز وإن كان بينهما ما يقتضي خيار فله غسلها وخرج اللخمي قولا بالمنع وعلى القول ببقاء الخيار بعد الموت للوارث الحر يغسل زوجته إن نازعه أولياؤها فأما الأمة ينازعه سيدها. فقال سحنون: يقدم السيد اللخمي يقدم الزوج والعبد كالحر إن أذن له سيده وإلا سقط حقه إن نوزع. فرع: وفي القضاء لهما ثلاثة لابن القاسم وغيره وقال سحنون: يقضي للزوج دون الزوجة وفي المدونة يستر كل واحد منهما عورة صاحبة التونسي فظاهره ينظر كل واحد منهما عورة صاحبه إذ عورتهما في التحقيق كأجسامهما ولتقدم إباحة ذلك لهما في حال الحياة. (والمرأة تموت في السفر لا نساء معها ولا ذو محرم من الرجال فليمم رجل وجهها وكفيها إلى الكوعين). يعني مباشرة لأن الوجه والكفين مما يباح نظره إليه منها وألزم اللخمي قول ابن شعبان غسله للنظافة أن لا يتيمم وأخذ من اقتصاره على الكوعين أن ما وراءهما ليس بواجب في التيمم وأجيب بأن هذا للضرورة والمحل محل الخلاف فروعي فانظر ذلك. فرع: اختلف إذا كانت معها امرأة كتابية فقال مالك تفسلها وقال أشهب: لا وقال سحنون: تغسلها وتيممها والله أعلم. (ولو كان الميت رجلا يمم النساء وجهه ويديه إلى المرفقين إن لم يكن معهن رجلا يغسله ولا امرأة من محارمه).

يعني إن لم يكن رجل أصلا واختلف إذا كان ثم ذمي بالثلاثة الأقوال المتقدمة وظاهر ما هنا النفي المطلق وإنما يبلغ المرفق في تيممه لأن جسده أخف أمرا من جسد المرأة والله أعلم. (فإن كانت امرأة من محارمه غسلته وسترت عورته). يعني وتغسله مجردا من سوى عورته وهو ظاهر المدونة عند التونسي الباجي وقال ابن القاسم وسحنون من فوق ثوب وتأولها اللخمي عليه سحنون تيممه أحب إلي وظاهر كلام الشيخ كانت من محارم النسب والصهر وهو المنصوص وخرج التفريق من غسل الرجل ذوات محارمه ونظر فيه ابن هارون فانظره. (وإن كان مع الميتة ذو محرم غسلها من فوق ثوب يستر جميع جسدها). يعني مطلقاً كانت محرميته من نسب أو صهر ونحوه في المدونة وقال أشهب بيممها أحب إلي وثالثها لابن نافع يغسلها إن كانت من نسب لا من غيره وروي أنه يصب عليها الماء لا يباشر جسدها إلا من فوق ثوب وقال ابن حبيب يغسلها وعليها ثوب يصب الماء بينه وبينها خوف لصوقه بجسمها وظاهره يباشر جسمها بيده. قال ابن رشد ومعناه عندي ويده ملفوفة بخرقة فيما بين سرتها وركبتيها وقيل

كذلك إلا أن يده ملفوفة في كل غسلها قاله اللخمي فيتحصل في المسألة خمسة أقوال بل سبعة والله سبحانه أعلم. (ويستحب أن يكفن الميت في وتر ثلاثة أثواب أو خمسة أو سبعة). يعني أن الكفن وإن كان واجبا فالوترية فيه مطلوبة استحبابا فالاستحباب يرجع للإيتار لا للتكفين وقيل أعلاه في الاستحباب خمسة. وقال مالك في العتبية: ليس في الكفن حد ولا على الناس فيه ضيق اللخمي ولا يزاد على السبع لأنه سرف ولا خلاف في استحباب الزيادة على الثوب الواحد ابن

حبيب ثلاثة أحب إلي من أربعة قال غيره ويكفن مع الوجود في ثلاثة وإن تنازع الغرماء ككسوته التي لا نزاع فيها ويختلف الحال في ذلك كالحياة وإذا لم ينقص من الثلاثة للغرماء فمن الورثة أحرى. قال عيسى بن دينار ويقضي له عليهما بذلك ابن رشد ويقضي على الأولياء عند المشاحة بمثل ما يلبس في الجمعة والأعياد إلا أن يوصي بأقل ونحوه ومثله في كتاب ابن شعبان سحنون ولو أوصى بثوب وزاد بعض الورثة آخر لم يضمن لأن عليه في الواحد وصما ابن رشد لأنه أوصى بما لا قربة فيه فلا تنفذ وصيته ابن الحاجب وخشونته ورقته على قدر حال ابن هارون ظاهر ما يقتضيه لباسه في سائر الأيام وهو خلاف قول ابن رشد كثوب جمعته فانظره وفي التقييد والتقسيم لابن رشد الواجب منه ستر العورة وباقيه سنة ومثله لابن عبد البر. (وما جعل له من أزرة وقميص وعمامة فذلك محسوب في عدد الأثواب الوتر). يعني أنه يعمم وقاله في المدونة قال في الموطأ ويؤزر ويقمص ويلف في الثوب الثالث وهذا مثل ما ذكر الشيخ وأن ذلك مفعول محسوب ونقل غير واحد أن القميص والعمامة مباحان وفي العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم لا يجعل في الكفن مئرز ولا عمامة ولا قميص ولكن يدرج في ثلاثة أثواب درجا. وقال ابن شعبان السنة ترك العمامة والقميص الباجي المستحب عند مالك على المشهور خمسة قميص وعمامة ومئرز وثوبان يدرج فيهما ويجعل للمرأة خمار عوض العمامة ولا بأس أن تزاد المرأة إلى السبع لحاجتها في الستر على قول مالك ويستحب إن كان له ثوب قد لبس في مواطن القرب كالحروب وغيرها أن يكفن فيه. فرع: ومن خلف كفنه مرهونا فالرهن أولى به لتعلق حق المرتهن والله أعلم. (وقد كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب أبيض سحولية أدرج فيها أدراجا صلى الله عليه وسلم). يعني هذا الصحيح في تكفينه عليه السلام وما قيل غير ذلك فضعيف والسحولية منسوب إلى سحولي قرية باليمن وفي الصحيحين أنها من كرسف أي قطن وسأل المرفق إسماعيل القاضي ما الذي يصح عندكم في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن عبد العزيز الهاشمي

يقول في خمسة أثواب قميص وعمامة وثلاثة أثواب؟. قال القاضي إسماعيل الذي صح عندنا ثلاثة أثواب سحولية وعلى هذا فقوله ليس فيها قميص ولا عمامة يعني موجودان وقيل هما موجودان لا معدودان أبو إسحاق واختلف هل نزع ثوبه الذي مات فيه أم لا فقال ابن عباس: كفن فيه وحلة نجرانية وقيل غير ذلك. فرع: البياض مطلوب استحبابا ومنع اللخمي الأزرق والأخضر والأسود وقيل يكره وفي المعصفر ثلاثة الكراهة والجواز لمالك معا وثالثها لابن حبيب جوازه للنساء وفي الحرير ثلاثة مثلها فأما المورس والمزعفر فجائز لأنهما طيب والله أعلم. (ولا بأس أن يقمص الميت ويعمم). يعني للاحتمال في الحديث المذكور وكان الراجح عنده نفي وجودهما في تكفينه عليه السلام فلذلك أتى بقوله (لا بأس) وقد استحب القميص في الموطأ والعمامة في المدونة ابن بشير لا خلاف في القميص والعمامة لأنهما لا يحرمان ولا يحيان واختلف في الأولية على قولين. (وينبغي أن يحنط). يعني أن الحنوط مستحب وليس بواجب وقيل سنة ومرجعه لتطييب الميت وقال في المدونة عن عطاء أحب الحنوط إلى الكافر عبد الوهاب يحنط بالمسك والعنبر وسائر الطيب الذي يجوز التطيب به ويحسن فقد حنط رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسك وأوصى عمر رضي الله عنه أن يجعل في حنوطه مسك وجعل له الكافر وقال هو أفضل حنوطه عليه السلام نعم ولا يحنط حتى ينشف بخرقة طاهرة نظيفة فتزيل بقايا الماء ونحوه من الغسل والله أعلم. (ويجعل الحنوط بين أكفانه وجسده ومواضع السجود منه). يعني وصفة ذلك أن ينشر الثوب الأكمل ثم يضع عليه الثوب الثاني والثالث ويذر على كل لفافة من الحنوط شيء ثم يوضع الميت عليه ويجعل في منافذه كالمنخرين قطنة فيها كافور قال سحنون: ويسد الدبر بخرقة برفق ثم يجعل الحنوط في مواضع السجود تشريفا لها ثم الراس ثم مغابن البدن الإبطين والفخذين ومحل الأوساخ والأدران

كالأنف والفم والأذن وسائر البدن وبين الجسد والكفن ولا يجعل على ظاهر الأثواب لأنه سرف وفيه مباهاة ويربط عند رأسه ورجليه فإذا ألحد في قبره حل ذلك. قال ابن حبيب وقال ابن شعبان يخاط عليه الكفن وقد يختلف ذلك بالسعة والضيق والله أعلم. (ولا يغسل الشهيد في المعترك ولا يصلي عليه ويدفن بثيابه). سمى التشهد شهيدا لأن الملائكة تشهده عند موته ولأنه شهد القتال ولأن حاله شاهد بصحة إيمانه فلا يغسل لتبقى شواهده فيه من دم وغيره وكل ما لا يغسل لا يصلي عليه هذا أصل المذهب وحكى الجوزقي عن مالك يغسل ولا يصلي عليه وهو

وهم وهذا كله إن فاضت نفسه في وقته ولو بقي في المعركة حتى مات بمدبرة وهو في غمرات الموت. فقال مالك: هو كذلك وقال أشهب وسحنون إن كانت بحيث لا يقتل قاتله إلا بقسامة غسل وإلا فلا يريد إن أنفذت مقاتلة وإلا فكغيره وعن مالك إن أكل أو شرب أو عاش حياة بينة غسل وإلا فلا وسئل أبو عمران عن شهيد أنفذت مقاتلة فأكل أو شرب فقال اختلف: في ميراثه فمن قال يرث جعله كغيره ومن قال لا يرث قال لا يغسل ولا يصلي عليه ولو مات في بلد الإسلام فهو شهيد عند ابن وهب وأشهب وظاهر المدونة. وقال ابن القاسم هو كغيره والنائم يقتل في نومه قال ابن وهب وأصبغ وسحنون هو شهيد وقال مالك هو كغيره وعزي لأشهب أيضاً. فرع: ولو كان جنبا فلا يغسل عند عبد الملك وأشهب خلافا لسحنون وقال ابن بشير لم يختلف في دفنه بثيابه المعتادة قال في المدونمة ولا ينزع له شيء لا خف ولا موق إلا الدرع والسلاح وقاله مالك في المختصر اللخمي يريد وتنزع عنه آلة الحرب قال ويختلف في الخاتم كالمنطقة والمنصوص لابن القاسم إن كان له فص ثمين نزع وإلا فلا ابن حبيب لا ينزع عنه إلا السلاح مما كان من درع أو مغفر أو بيضة أو ساعد أو سيف وهو متقلد به أو منطقة أو مهاميز وما كان من الحديد كله فأما الثياب والعمامة والقباء والسراويل والمدرعة وشبهها فلا ينزع عنه شيء من ذلك وهو مما اجتمع عليه من علمت من أهل العلم. وظاهر كلام الشيخ أنه لا يزاد على ثيابه وقال أصبغ وأشهب لا بأس بالزيادة أما لو قصرت ثيابه فالزيادة إلى ستره مطلوب والله أعلم. (ويصلي على قاتل نفسه ويصلي على من قتله الإمام في حد أو قود ولا يصلي عليه الإمام). لأنه مؤمن عاص وأثمه على نفسه كقاتل غيره وما ورد من إحباط عمله فمؤول. وقد قال بعضهم لا يصلي عليه أهل الفضل زجرا لأمثاله كتارك الصلاة وكذلك

من قتله الإمام في حد أو قود يصلي عليه لأن ذلك كفارة له إذ قد صح من حديث عبادة بن الصامت قوله عليه السلام: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب شيئاً من ذلك ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه». أخرجه البخاري من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو نص في أن الحدود كفارات لأهلها. وروي ما يدل أنها زيادة عقوبة وعليها مبني الخلاف في ذلك وعلى كل فحرمة الإسلام تقتضي الصلاة عليه وإن كان عاصيا وترك الصلاة عليه زجرا لأمثاله لا يقطع هذا الأصل والله أعلم. وأما كون الإمام لا يصلي عليه فلأنه معاقب له فلا يكون له شفيعا بالدعاء له بالصلاة عليه لأن القتل لا يكون إلا بالغلظة والشفاعة إنما مقدمتها الشفقة وهما متنافيان وقال ابن نافع وابن عبد الحكم يصلي الإمام على ذي الحد بالقود ونص أبو عمران على أنه يصلي على من قدم نفسه للقتل خوفا من القتل قبل إقامة الحد لأن ترك الصلاة من توابع الحد. فرع: في المدونة لا يصلي على المبتدعة ولا تعاد مرضاهم ولا تشهد جنائزهم قال سحنون أدبا لهم فإن خيف عليهم الضياع غسلوا وصلي عليهم قال ابن عبد الحكم يصلي عليهم ابتداء. الثاني: في المدونة لا يصلي على المرتد المميز ولا يغسل ولا تؤكل ذبيحته وقال سحنون يصلي عليه لأنه يجبر على الإسلام من غير قتل والله أعلم. (ولا يتبع الميت بمجمر). يعني لقول أبي هريرة وعائشة لا تجعلوا آحر زاده من الدنيا نارا. ابن حبيب إنما ذلك للتفاؤل.

(والمشي أمام الجنازة أفضل). يعني على المشهور قال في المدونة وهو السنة وهل سنة أو فضيلة قولان أحدهما للرسالة والجلاب ويتأخر النساء قولاً واحدا قال ابن حبيب يكره خروجهن لقريب أو غيره قائلاً ينبغي للإمام أن يمنعهن عن ذلك وقد قال عليه السلام لنساء رآهن في جنازة «أتحملنه؟» قلن لا قال: «أفتدخلنه قبره؟» قلن: لا قال: «أفتحثين عليه التراب» قلن: لا قال: «فارجعن مأزورات غير مأجورات». ورد اللخمي التعليل في المشي أمامها بالشفاعة مع أن الشأن في ذلك العكس

والله أعلم. (ويجعل الميت في قبره على شقه الأيمن). يعني موجها وجهه إلى القبلة ويده اليمنى تحت جنبه الأيمن واليسرى من أعلاه ويعدل رأسه بالتراب حتى يكون كالوسادة ويعدل رجليه في وطئ القبر ثم يحل عقد كفنه من عند رأسه ورجليه قال ابن حبيب وإدخاله القبر من ناحية القبلة أحب إلي وقال في المبسوط كيفما تيسر ويتولى ذلك الرجال وإن كانت امرأة فزوجها أو ذو محرم منها أو أحد صالحي المؤمنين إلا إن تيسر من له قدرة على ذلك من قواعد المؤمنات فهي أولى به وليس لعدد من يتولى ذلك حد. وقج تولى النبي صلى الله عليه وسلم أربعة العباس وولده الفضل وعلي بن أبي طالب واختلف في الرابع. فروع: أولها: في الجلاب إن لم يمكن استقباله في قبره جعل على ظهره ورجلاه إلى القبلة وقال سحنون: إن جعلوا رأسه مكان رجليه أو استدبروا به القبلة لم يخرج من القبر ونزعوا عنه التراب ثم حولوه إلى القبلة وتركوه وقال ابن حبيب يخرج ما لم يخف تغيره. الثاني: قال ابن القاسم وغيره في ميت السفينة إن طمعوا بالبر لم يرم في البحر وأخروه إليه وإلا جهزوه وشدوا كفنه عليه ووضعوه في البحر كوضعه في قبره ولا يثقل بشيء وحق على من وجده في البر دفنه. وقال سحنون بثقل ونقل التادلي عنه إن كان قريبا من البر فلا يثقل وقال النووي إن كان أهل الساحل كفارا ثقل وإلا فلا التادلي وهو لا يختلف فيه. الثالث: قال ابن حبيب لا بأس بالدفن ليلا قال مطرف وابن أبي حازم وقد دفنت فاطمة رضي الله عنها ليلا وكذلك الصديق وابنته عائشة رضي الله عنهما وعلي رضي الله عنه في محراب الكوفة ليلا أيضاً وجاء حديث في النهي عن الدفن ليلا والله أعلم. (وينصب عليه اللبن).

يعني على الميت عند استوائه في قبره واللبن بفتح أوله وكسر ثانيه أو بالعكس جمع لبنة وهي ما عمل من الطين المعجون بالتبن ونحوه دون طبخ ابن حبيب أفضل ما يسد به على الميت باللبن ثم اللوح ثم القرمرد ثم الحجارة ثم القصب وكل ذلك أفضل من التراب والتراب أفضل من التابوت وسمع موسى بن معاوية أكره التابوت. وقال سحنون: لم يكره التابوت إلا ابن القاسم ولابن عات التابوت مكروه عند أهل العلم وقال بعض الصالحين ما جنبي الأيمن بالتراب بأولى من جنبي الأيسر وبالله التوفيق. (ويقول حينئذ اللهم إن صاحبنا قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره وافتقر إلى ما عندك اللهم ثبت عند المسألة منطقة ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم). يعني يقول ذلك واضعه في قبره ومن حضر من المسلمين والمطلوب الدعاء للميت ولا يتعين هذا الدعاء فيه ولا غيره ولابن عبدوس عن أشهب يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله اللهم تقبله بأحسن قبول وإن دعا بغيره فحسن والترك واسع والله أعلم. (ويكره البناء على القبور وتجصيصها). يعني ما يكون منه على نفس القبر إذا قصد به الظهور لا إن قصد به المباهاة فيحرم قاله ابن بشير إلا إن قصد به التمييز فيجوز بشرط أن لا يضيق به على أحد ولا يكون المدفن حبسا فيمنع. وفي الجلاب يسطح القبر ولا يسنم ويرفع عن الأرض قليلا بقدر ما يعرف عياض والمعروف من مذهبنا جواز تسنيمه وهو السنة لأنه صفة قبره عليه السلام وقبور الصحابة من بعده. فرع: ابن عبد الحكم لا تنفذ وصية من أوصى بالبناء على قبره اللخمي يريد بناء البيوت ولا بأس ببناء حاجز بين القبور يعرف به فأفتى ابن رشد بهدم بناء عشرة أشبار

على القبر ويوجب هدم ما بني عليها من القباب والسقائف والروضات ولا يترك من ذلك إلا ما يميز به خيفة الدفن عليه وذلك قدر ما يمكن دخوله من كل ناحية دون باب قال وإن كان بناؤها في ملك بانيها فحكمها حكم الدور (ع) إن كانت بحيث لا يأوى إليها أهل الفسق. ابن بشير المباهاة حرام وفي البناء لقصد التمييز قولان بالكراهة والجواز وكره ابن القاسم الحجر المكتوب أو بالعود ولم ير به بأسا ما لم يكتب ليعرف به قبر صاحبه. فرع: وسمع ابن القاسم لا بأس بالمسجد على القبور العافية وكراهتها على غير العافية وقال البلالي من الشافعية (ويحرم بناء مسجد بقبر وصلاة به تبركا) يعني لحديث «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» وقوله عليه السلام: «أولئك شرار الخلق كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا عليه مسجدا». الحديث رواه مسلم وفي الحديث النهي عن الجلوس على المقابر وحمله مالك على التخلي وعن علي كرم الله وجهه أنه كان يجلس على المقابر ويتوسدها والله أعلم. (ولا يغسل المسلم أباه الكافر ولا يدخله قبره إلا أن يخاف أن يضيع فليواره). يعني لأن ذلك من حقوق الآدمية وقد قال عليه السلام: «لعلي كرم الله وجهه قم فوار أباك فواراه» وقد قيل لمالك أيغسل المسلم أباه الكافر فقال أيغسله للنار أهل دينه أولى بذلك قيل له أيمشي معه قال يمشي معه لا يضيع ابن رشد إن لم يخش عليه الضيعة لم يمش معه وإلا مشى معتزلا عن أهل دينه الحاملين له ولابن حبيب في الأخ والابن ونحوه وقال ثلاثة يوفون للبر والفاجر الأمانة والعهد والملة. وعن مالك يعزى المسلم بأبيه الكافر ابن رشد وليس بالبين لأن التعزية تجمع ثلاثة أشياء، أولها تهوين المصيبة وتسلية صاحبها وتخضيضه على الصبر واحتساب الأجر فيه والرضا بقدر الله، الثاني: الدعاء بجزيل الثواب، والثالث: الدعاء للميت والاستغفار

فسقط الثالث ولا مصيبة على الرجل أعظم من أن يموت ولا يمنع أن يؤجر بموت أبيه الكافر إذا شكر الله وفوض إليه أمره انتهى. (واللحد أحب إلى أهل العلم من الشق وهو أن يحفر للميت تحت الجرف في حائط قبلة القبر وذلك إن كانت تربة صلبة لا تتهيل ولا تتقطع). دفن الميت في حفرة تستر الميت وتقيه الضرر وتكتم الرائحة واجب وكيفية الإقبار باللحد وبالشق فالشق أن تجعل حفرة مستوية كشق في الأرض فيه ما يضع عليه اللحد من أعلاه على استواء الحفرة اللحد كما فسره الشيخ. وقد كان بالمدينة عند موته عليه السلام لحاد وشقاق فبعثوا لكل منهما وقالوا يختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فجاء اللحاد قبل الشقاق فدفنوه عليه السلام باللحد فاستحبه العلماء لكل ميت لأنه مختار الله لنبيه عليه السلام وفي الخبر اللحد لنا والشق لغيرنا ولم يصح والله سبحانه أعلم.

باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت يعني الدعاء الخاص بالجنائز والجنازة بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وقيل بفتح الجيم اسم للمجهول وبالكسر اسم لما يحمل عليه الميت من نعش ونحوه واشتقاقه من جنزت الشيء إذا سترته والله أعلم. (والتكبير على الجنائز أربع تكبيرات يرفع يديه في أولاهن وإن رفع في كل تكبيرة فلا بأس). صلاة الجنازة إحرام وسلام بينهما أربع تكبيرات يدعو إثر كل واحدة بشرط الصلاة من الطهارتين والاستقبال وترك المنافي من كلام وغيره مع القيام في كلها وذكر لنا بعض شيوخنا أن في التكبيرة الأولى منها اختلافا هل هي مقام الركعة كغيرها أو هي للإحرام قولان نقلهما ابن محرز وبنى عليهما أما إذا أتي بجنازة في أثنائها فعلى أن لها إحراماً يستأنف بعد سلامه وعلى الآخر يزيد في التكبير ما فاته قبلها وقد صحت، ولا قراءة فيها خلافا لأشهب والمشهور لا قراءة وحكى القرافي قولا بوجوب الفاتحة كالشافعي والعمل به ورع للخروج من الخلاف. وقال أشهب إن صلى عليها جالسا أعاد إلا من ضرورة ويستأنف إن قهقه أو تكلم عمداً فيتأخر مؤتما ويستأنف وفي استحباب إعادته إذا تبين أنه لغير القبلة أو تجب أو لا تعاد أقوال وإن ذكر فائتة تمادى وإن أحدث أو رعف استخلف وإن سها عن تكبيرة أتى بها في القرب وإلا استأنف فإن والى التكبير اختياراً أو تعمداً لنقص وإن دفن فكمن لم يصل عليه وإن زاد الإمام ففي انتظاره وتسليمه روايتان لابن القاسم والمسبوق يصبر بالتكبير إلى ما يليه قال ويدعو في انتظاره وأخذ به عبد الملك وأصبغ

ورواه ابن القاسم وروى أشهب يدخل بينهما واختاره ابن حبيب وروي يدخل بالنية فإذا كبر كبر معه ولو لم يدرك شيئاً معه صبر وإلا كبر وهل يحتسب بما كبر معه إن زاد أو لا قولان لأصبغ وأشهب وعلى النفي يقضي بعد سلام إمامه ما فاته ويدعو إن تركت وإلا والى التكبير نسقا وقيل يواليه مطلقا وقيل يدعو فانظر ذلك. فرع: سمع ابن القاسم يباح لمن شهد الجنازة أن ينصرف قبل الصلاة عليها وسمع أشهب كراهة ذلك والمشهور في رفع اليدين أولا فقط كالصلوات وروى ابن وهب يرفع في الأربع وكلاهما في المدونة وفي الأسدية ومختصر ابن شعبان لا يرفع أصلا ورابعها يخير في الأولى والله أعلم. (وإن شاء دعا بعد الأربع ثم يسلم وإن شاء سلم بعد الرابعة مكانه). يعني هو مخير في ذلك ولا يوجد التخيير هنا لغير الشيخ وفي المذهب قولان بالدعاء لسحنون وعدمه لابن حبيب (خ) والتخيير في الرسالة ثالث ابن ناجي ولم أقف عليه لغيره. (ويقف الإمام في الرجل عند وسطه وفي المرأة عند منكبيها). يعني على المشهور ونحوه في المدونة عن ابن مسعود رضي الله عنه. وقال ابن شعبان يقف حيث شاء وروى ابن غانم الوسط في الجميع وقال اللخمي الأحسن التيامن في صدر الرجل مطلقا والمرأة إن كانت عليها قبة أو كفنها قطن وإلا فوسطها والمطلوب كون رأس الميت على يمين المصلي ولو عكس. فقال ابن القاسم وسحنون لا تعاد الصلاة عليهم والصواب أن لا يصلي عليه إلا عند القبر أو خارج المسجد ويصلي أهل المسجد بصلاة الإمام فيه إذا ضاق خارجه بأهله قاله في المدونة ابن رشد النداء بها في المسجد لا يجوز باتفاق وكراهة رفع الصوت فيه ولو بالعلم وعند بابه مكروه وأجازه ابن وهب والإعلام بغير نداء جائز إجماعاً. فرع: في المدونة أكره أن توضع الجنائز في المسجد ابن حبيب: يجوز ابن شعبان: يمنع، عياض: يقوم من قوله فيها يكره أن الميت ليس بنجس يعني أن الكراهة على بابها ولو

كان نجسا لم يقله وعليها لما يتوقع من تفجيره قال وفي كتاب الرضاع أن لبن الميتة نجس والقولان معلومان في المذهب وبنجاسته قال ابن القاسم وابن عبد الحكم وابن شعبان وبطهارته قال سحنون وشهره ابن القصار وجماعة من البغداديين واستظهره ابن رشد وخرج الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنه «لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن لا ينجس حياً ولا ميتاً» قال صحيح على شرط مسلم وشواهده كثيرة. (والسلام من الصلاة على الجنائز تسليمة واحدة خفيفة للإمام والمأموم). يعني على المشهور وهو مذهب المدونة في كونها واحدة وقال أشهب تسليمتين وقيل للمأموم تسليمتان بخلاف الإمام وكونها خفيفة في حق المأموم وفي إسرار الإمام به قولان ولا خلاف في إسرار المأموم وفي بعض النسخ خفية فانظر ذلك. (وفي الصلاة على الميت قيراط من الأجر وقيراط في حضور دفنه). هما قيراطان وزاد بعضهم في إتباعها قيراطا ثالثا وفي البقاء معها حتى يفرغ من الدفن قيراطا رابعا قال التادلي ظاهر كلام الشيخ حصول قيراط الدفن وإن لم يتبعها وهو ظاهر المدونة في قوله لا بأس أن تسبق وتنتظر وفي الجواهر الأفضل أن يتبع الجنازة ولا ينصرف إلا بإذن أهلها ما لم يطل لحد يتضرر به. فرع: والتعزية بالميت المسلم سنة وهي الدعاء للميت والتذكير بالصبر ونحوه ويعزى في الصغير والكبير والذكر والأنثى وصح في الصغير لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب وفي المرأة بزوجها اللهم اؤجرني في مصيبتي وعوضني خيراً منها إلى غير ذلك. وقوله: وذلك في التمثيل (مثل جبل أحد) ثوابا يعني قدر القيراط وأحد جبل بالمدينة معلوم وقع التمثيل به تقريبا للأذهان في عظم الثواب وقيل إن لو كان طعام أو ذهبا يتصدق به وقيل غير ذلك. (ويقال في الدعاء على الميت غير شيء). يعني أن الدعاء لا يتقيد بوجه ولا ينحصر فيه ولا يتعين إلا على وجه الاستحباب (خ) إن قلت قول ابن الحاجب: لا يستحب دعاء معين اتفاقا يعارضه قول

الرسالة ومن مستحسن ما قيل في ذلك وقوله المدونة أحب ما سمعت إلي في ذلك فالجواب: أن في الرسالة إنما قال ومن مستحسن ما قيل والاستحسان لا يلزم منه الاستحباب والمدونة رجح فيها ولم يعين والمشهور الابتداء بحمد الله والصلاة على رسوله والدعاء. وعن مالك لا يبتدأ فيها بذلك وظاهر المذهب كراهة قراءة الفاتحة فيها قال عبد الحق والميت لا ينتفع بالقرآن فلا معنى للعمل بها (خ) قال ابن رشد كان شيخنا القرافي يحكي عن أشهب قراءة الفاتحة فيها واجبة وقال أبو عمران لا يقال لولد الزنا وابن عبدك إنما يقال وابن أمتك فقط ولابن القاسم يصلى على ولد الزنى وإثمه على والديه. وقوله: (فشفعنا فيه) قال ابن العربي رب ميت يقال فشفعه فينا وفي الإرشاد يثني على الله إثر التكبيرة الأولى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أثر الثانية ويدعو إثر الثالثة وهو مذهب الشافعي وفي قول الشيخ تقول ذلك إثر كل تكبير فيه حرج لطوله وحكى عبد الحق عن القاضي إسماعيل إن قدر الدعاء بين كل تكبيرتين قدر الفاتحة وسورة وقال ابن رشد أقله اللهم اغفر له وسمع زياد أن كبر الإمام دون دعاء أعاد الصلاة، وقوله: (وإن كانت امرأة قلت: اللهم إنها أمتك ثم تتمادى بذكرها على التأنيث) يعني في بقية الدعاء فإن كان معها ذكر غلب التذكير ولو نوى الإمام الصلاة على رجل فإذا هي امرأة أو العكس أجزأت قاله ابن نافع قال وذلك صواب لأنه نوع بالصلاة الشخص الذي يصلي عليه ولا يضر الجهل به قال وقد يصلي على الجنازة من لا يعرف أنها رجل ولا امرأة في الليل وآخر الناس وذلك واسع. (ونساء الجنة مقصورات على أزواجهن لا يبغين بهم بدلا والرجل يكون له زوجات كثيرة في الجنة ولا يكون للمرأة أزواج). يعني وقصرهن اختيار لأنه لا قهر في الآخرة والمرأة في الآخرة إذا كان لها أزواج قيل تخير فيهم وقيل هي لمن افتضها وقيل لأرفقهم بها وقيل لأعلاهم درجة. (ولا بأس أن تجمع الجنائز في صلاة واحدة وبلي الإمام الرجال إن كان فيهم نساء وإن كانوا رجالا جعل أفضلهم مما يلي الإمام وجعل من دونهم النساء والصبيان من وراء ذلك إلى القبلة).

يعني أن الجنائز ترتب على ما يليق بها فيقدم الأفضل في الدين كالإمامة ابن رشد وفي تقديم العالم على الصالح أو العكس قولان وعن ابن القاسم يقدم ذكور الأرقاء على صغار الأحرار لأنهم يؤمرون بالفرض والمشهور خلافه وحكى الباجي عن ابن حبيب عن من لقي من أصحاب مالك تقدم الحرة البالغة على صغار الرقيق والمشهور العكس. ابن ناجي وعلى نقل ابن حبيب هو اعتماد الشيخ والرسالة لا تتقيد بالمشهور وعدم نقله في النوادر لا يدل على عدم وقوفه عليه، وقول ابن العربي أخذ عليه في تقديم النساء على الصبيان ويجاب بأن الواو لا ترتب ويقدم من الأولياء للصلاة على الجنازة أفضل على العصبة فإن استووا فالقرعة وفي تقديم ولي الذكر إذا كان مفضولا اختلاف قال مالك ولي المرأة إذا كان أفضل أولى وقال عبد الملك ولي الذكر وإن كان مفضولا أولى فانظر ذلك فإن الكلام فيه متسع جدا والله أعلم. (ولا بأس أن يجعلوا صفا واحدا ويقرب للإمام أفضلهم وأما في دفن الجماعة في قبر واحد فيجعل أفضلهم مما يلي القبلة). يعني أنه يخير في جعلهم صفا واحدا أو مرتبين وهذا قول مالك في رواية أشهب وثالثها لابن كنانة إن قلوا كالاثنين فالمطلوب جعلهما واحدا بعد واحد وإن جعلوا سطرا فواسع بخلاف إن كثروا وقال الإخوان يرتبون في العشرين فما دونها وفيما فوقها التخيير.

وأما الدفن في القبر الواحد فلا يجوز إلا من ضرورة قال أصبغ وعيسى بن دينار فأما لغير الضرورة فلا يجوز وفي الغضب من التهذيب أن دفن الرجل وامرأة في قبر واحد جعل الرجل مما يلي القبلة فيل أيجعل بينهما حاجز من الصعيد ويدفنان في قبره من غير ضرورة قال: ما سمعت منه فيه شيئاً ابن رشد وفي سماع موسى إن جعلوا في قبر للضرورة فالرجل مما يلي القبلة والصبي مما يلي الرجل والمرأة خلفهما. قال غيره: وتعتبر هذه الأولية في ترتيب قبورهم فيجعل قبر الأفضل مما يلي القبلة (ع) ويؤخذ منه تقديم الأفضل في الإقبار قال: ونزلت هذه النازلة في شيخنا ابن هارون وزوجه وحضر السلطان أبو الحسن المريني فسأل شيخنا أبا عبد الله السطي في تعيين من يقدم فقال الأمر واسع وذكر نص المدونة المذكور فوقه والله أعلم. (ومن دفن ولم يصل عليه ووري فإنه يصلي على قبره). يعني على قول ابن القاسم وابن وهب لأن الفراغ من دفنه فوت للصلاة عليه. وقال أشهب وسحنون: لا يفوت إلا بخوف التغيير وحكى ابن بشير إخراجه ما لم يخف تغيره وما لم يطل وكأنه راجع للذي قبله واللخمي نحوه مطلقا وأقصى ما قيل في الطول شهر وعن مالك في المبسوط لا يصلي على قبره وإنما يدعون وينصرفون. (ولا يصلي على من قد صلي عليه).

يعني على المشهور والمنع والجواز مطلقا ذكر اللخمي من رواية ابن القصار وابن عمر عن ابن عبد الحكم وثالثها ما لم يطل وهو نقل ابن رشد عنه واللخمي نحوه مطلقا. فرع: جعل ابن رشد كون الصلاة على الميت بإمام شرط إجزاء فيجب التلافي ما لم يفت وفي إعادة الصلاة على من صلى عليه رجل واحد قولان. (ويصلى على أكثر الجسد واختلف في الصلاة على مثل اليد والرجل). يعني والصلاة على الأكثر باتفاق ومنع مالك في مثل اليد والرجل وأجازه ابن حبيب وابن مسلمة وقال ابن حبيب في النصف أيضاً وقال ابن رشد إنما منع مالك لأنها صلاة على الغائب وحكى ابن القصار في الصلاة على الغائب الجواز عن مالك وقاله ابن وهب وغيره واحتجوا بصلاته عليه السلام على النجاشي وتؤول بأنه رفع إليه حتى صلى إليه معاينة كما أخبر به تحقيقا والأمر خارق فلا يقاس به والمعتاد والله أعلم وقد حصل بعض الشيوخ في الصلاة على البعض خمسة أقوال فانظرها وبالله التوفيق.

باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله يعني ذكر ذلك وكيفية العمل فيه وهو باب من معنى الذي قبله وإنما أفرد بالذكر جبرا للقلوب في موت الأولاد ولكن كيفية العمل فيهم ليست كغيرهم بزيادة بعض الأحكام التي قد يستهين بها كثير من الناس والله أعلم. (تثني على الله تبارك وتعالى وتصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم). يعني كما فعلت في التي قبلها من قولك الحمد لله الذي أمات وأحيا إلى آخره والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدمت لكن قال ابن العربي في العارضة حذار من قول ابن

أبي زيد وارحم محمد فإنه قريب من بدعة وتقدم الكلام على ذلك في الصلاة فانظره. (ثم تقول اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه اللهم فاجعله لوالديه سلفا وذخرا إلى آخره). (سلفا) متقدمة نافعة (والذخر) ما يرجع إليه عند الحاجة والمهمات وقد قيل لأبي عمران ميف يدعي لولد الزنى قال يذكر والدته قيل أيقال اجعله سلفا وذخرا قال: نعم قيل أيكون لها ذخرا ويشفع لها قال لا يريد لها حكم الولادة ألا ترى أنه ينفق عليها ويرثها وثرثه؟ وللمازري أجمعوا على أن أولاد الأنبياء في الجنة والجمهور أن أولاد المؤمنين كذلك وفي أولاد الكفار اختلاف وذكر ابن تامسريت في ذلك اختلافا وهو بعيد وإليه أشار عليه السلام إلى الوقف في أولاد المشركين لما سئل عنهم إذ قال «الله أعلم بما كانوا عاملين». وقوله (وعافه من فتنة القبر) فيه دليل أن فتنة القبر تعرض حتى للأطفال وروي أنه عليه السلام قال في الصلاة على جنازة صبي «وقه من فتنة القبر». (ولا يصلي على من لم يستهل صارخا ولا يرث ولا يورث). (الاستهلال) الظهور (الصراخ) الصياح قال ابن حبيب ولو كان خفيا ابن يونس وليس العطاس باستهلال ولا الحركة ولا الرضاع وإن قام يوما يتحرك ويتنفس ويفتح عينيه ابن وهب الرضاع كالاستهلال صارخا وصوبه اللخمي قال وكذلك الحركة البينة والعطاس أضعفها وصوب عبد الحق أن طول المكث علامة. وقال يحيى بن عمر لو بقى عشرين يوما أو أكثر يصرح ثم مات لم يغسل والرضاع الكثير كالصراخ باتفاق. (ويكره أن يدفن السقط في الدور). (السقط) هو الولد الخارج قبل تمام خلقه ابن بشير في دفن السقط في الدور قولان وفي كونه عيبا قولان. وقال ابن حبيب: أحب إلي دفن السقط ومن لم يستهل صارخا في المقبرة وإن دفن في المنزل فجائز واختلف في علة الكراهة فقال ابن القابسي لئلا ينبش وقيل خوف بيعه مع الدار والقبر لا يباع وفي كراهة الانتفاع بموضعه من الدار قولان والقبر الكبير

عيب في الدار فقيل عيب يوجب الرد وقال عبد الحق عيب قيمة ورد لابن بشير وقال ابن بشير لا تمكن إزالته وهو كالكبير. فرع: قال ابن حبيب يسمى السقط لأنه يشفع لوالديه كما ورد في الحديث وقيل لا يسمى لأنه غير معتب ويسمى المستهل صارخا وهل وجوب أو ندبا وقال (ع) لا نص والظاهر الوجوب. (ولا بأس أن يغسل النساء الصبي الصغير ابن ست سنين أو سبع ولا يغسل الرجال الصبية واختلف فيها إن كانت لم تبلغ أن تشتهي والأول أحب إلينا). يعني القول بأنهم لا يغسلونها أحب ابن الحاجب وغيره إن كانت رضيعة جاز اتفاقا وعكسه إن كانت مطيقة للوطء وفيما بينهمات قولان وحكى ابن هارون فيها ثلاثة الجواز مطلقا لأشهب والمنع مطلقا ولو كانت صغيرة لابن القاسم وثالثها لمالك الجواز للصغيرة جدا لا في غيرها. فرع: قال اللخمي ويجوز غسلها مجردة والستر أفضل وقال غيره لا بد من سترها. خاتمة تحتوي على خمس مسائل: أولها: زيارة المقابر جائزة للاعتبار والتذكر لقوله عليه السلام: «كنت نهيتكم عن زيارة المقابر فزوروها ولا تقولوا هجرا». والهجر: - بضم الهاء وسكون الجيم ثم الراء – الكلام الخلف وهذا في حق الرجال وإلا فقد قال عليه السلام «لعن الله زوارات القبور» وهذا في حق الشابة فأما المتجالة فكالرجال. الثانية: زيارة المقبرة لنفعها من القراءة ونحوها والانتفاع بها من الدعاء عندها وشبهه قال به جماعة من العلماء ونفاه آخرون فممن نفاه القاضي أبو بكر بن العربي قائلا لا يزار لينتفع به إلا واحد وهو النبي صلى الله عليه وسلم وغاية النفع بغيره الاعتبار به.

وقال الغزالي كل من يتبرك به في حياته يجوز التبرك بغيره بعد موته أصله قبره عليه السلام الجائز إجماعا خلافا لابن تيمية وأظن به قد حاد عن الحق. قال الغزالي ويجوز شد الرحال لهذا الغرض بحديث الثلاثة مساجد لتفاوت الصالحين في الفضل بخلاف المساجد وقد جربت الإجابة عند قبور كثير من أهل الخير حتى قال الشافعي قبر موسى الكاظم الترياق المجرب. وقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالدعاء والصدقة واختلف في القراءة ولكن قال بعض المتأخرين تضافرت مرائي الصالحين على أصولها فلا وجه لإنكارها. وقال أحمد ينتفع بسماعها فتقرأ عند القبر. وقال ابن الحاج إن جعلت دعاء بوصول ثوابها وصل اتفاقا لأن الدعاء متفق عليه فانظر ذلك. الثالثة: من البدع اتخاذ المساجد على مقبرة الصالحين ووقد القناديل عليه دائما أو في زمان بعينه والتمسح بالقبر عند الزيارة وهو من فعل النصارى وحمل تراب القبر تبركا به وكل ذلك ممنوع بل يحرم كادعاء تحديث أهل المقابر ورؤية أحوالهم ولو تحققت إلا بما لا يضر ضعفاء المسلمين. الرابعة اصطناع الطعام لأهل الميت أو وليه وردت به السنة لقوله عليه السلام: «اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم» فأما تكليف أهل الميت وعمل المبائت والمحازن والصدقات ونحوها فبدعة لا أصل لها والله أعلم. الخامسة: قال مالك بلغني أن الأرواح بفناء المقابر فلا تختص زيارتها بيوم بعينه وإنما يختص يوم الجمعة لفضله والفراغ فيه والله أعلم.

باب في الصيام

باب في الصيام يعني ذكر أحكامه وفروعه ولوازمه ومدار الكلام فيه على أربعة أطراف في حقيقته وحكمه وفروعه وتوابعه وقد أتى الشيخ بكل منها بطرف إلا الأول وهو حقيقته وله حقيقة لغوية هي مطلق الإمساك وحقيقة شرعية قال ابن رشد الإمساك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية ورده (ع) بوجوه يطول ذكرها ثم عرفة بأنه إمساك بنية عن إنزال يقظة ووطء وإنعاظ ومذي ووصول غذاء غير غالب وذباب وفلقة بين أسنانه لحلق أو جوف في زمان الفجر حتى الغروب دون إغماء أكثر نهاره وأما حكمه فيختلف باختلاف متعلقاته وتفاصيلها يطول لكن الواجب لذاته لا لعلة تقتضيه هو صوم رمضان بإجماع الأمة. (وصوم شهر رمضان فريضة). هو مما لا خلاف فيه ابن يونس صيام شهر رمضان فريضة واجب على الأعيان المكلفين المطيقين لقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] وقال عليه السلام: «بني الإسلام على خمس». ثم قال: «وصوم رمضان» الحديث.

واختلف في كراهة إطلاق رمضان دون إضافة الشهر وإجازته فكره ذلك أصحاب مالك بناء على أن رمضان اسم من أسمائه تعالى وفيه حديث ضعيف وأجازه جماعة من العلماء لحديث «إذا دخل رمضان» قال غير واحد وهو الصحيح وأكثر الشافعية مع القاضي الباقلاني من أهل المذهب إن كانت قرينة تصرفه إلى الشهر كصمنا وقمنا جاز وإن كان بنحو دخل وخرج كره ابن الفاكهاني وقد استوعبت الكلام على هذا في رياض الإبهام في شرح عمدة الأحكام وبالله التوفيق. وذكر جحوده وتركه في باب أحكام الدماء والحدود فلينظر هناك. (يصام لرؤية الهلال ويفطر لرؤيته كان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما فإن غم الهلال فيعد ثلاثين يوما من غرة الشهر الذي قبله ثم يصام وكذلك في الفطر). ذكر في هذه الجملة أحد شروط وجوبه وهي ثبوت دخول الشهر ويعرف ذلك بثلاثة أسباب رؤية الهلال وإكمال العدة وحساب المنجمين فأما الأول والثاني فلا خلاف في أعمالها وسواء كانت الرؤية مستفيضة أو بشاهد مع الغيم في مصر صغيرا أو كبير اتفاقا أو مع الصحو في الصغير كذلك وفي الكبير على المشهور وعزاه ابن رشد للمدونة والتونسي ليحيى بن عمرو مقابله لسحنون. وثالثها: إن نظروا إلى صوب واحد لم يعمل عليها وإن اختلفت الجهة عمل عليها ومال التونسي إلى توفيق القولين بالأخير (خ) لم أر من صرح بالثالث ولم يذكره ابن رشد على أنه خلاف بل قال إنه خلاف في حال وكان نحا نحو التونسي فانظره (ج) ذكره اللخمي إلى أن كلامه يقتضي أنه متفق عليه وعده (ع) ثالثا وفسر به التونسي للمدونة. فرع: ابن الحاجب والشاهد الواحد كالعدم سحنون ولو كان مثل عمر بن عبد العزيز ابن الحارث اتفاقا وأجازه ابن مسلمة برجل وامرأتين ولأشهب في المبسوط قبول رجل وامرأة حكاه (خ) والعدالة شرط فلا يقبل مسخوط ولا عبد وكذا النصاب فالواحد لا يكفي ومن رأى الهلال وحده لزمه الصوم ولزم أهله من الاعتناء لهم بشأنه (خ) وعلى

عدل ومرجو رفع شهادته ولزم إن نقل بشاهدين عن ثبوته بشاهدين. وقال ابن ميسر إن أخبر عدل بثبوته عند الإمام قبله آخر لزم الشيخ كما يخبر الرجل أهله وابنته البكر فيلزم الصوم بقوله. فرع: المشهور لا يفطر منفرد بشوال وإن أمن الظهور إبقاء على عرضه قاله في الموطأ وقيل يفطر بالنية وقيل غير ذلك وأما حساب المنجمين. فقال ابن بشير: ركن إليه بعض البغداديين وهو باطل وشنع ابن العربي على القائل به من الشافعية وحكى ابن رشد العمل به مطرف – يعني ابن عبد الله بن الشخير – وهو شافعي وحكى ابن بريزة رواية البغداديين عن مالك (خ) ونقل مثله عن الداودي فلا يصح قول ابن الحاجب اتفاقا سواء أراد مطلقا أو في المذهب فانظر ذلك. (ويبيت الصيام في أوله وليس عليه البيان في بقيته). يعني على المشهور في الوجهين لأن عبد الملك وصاحبه أحمد بن المعدل يقولان في من أصبح ولم يعلم أن اليوم من رمضان يصومه ويجزئه وقال ذلك في كل صوم معين ووافقهما ابن حبيب في يوم عاشوراء وروى ابن عبد الحكم يلزم البيات في كل ليلة والمشهور في كل صيام متتابع أن أول ليلة كافية. وفي حديث حفصة رضي الله عنها «لا صيام لمن لم يبيت الصيام قبل الفجر». صححه ابن خزيمة وابن حبان ورواه أصحاب السنن ومال الترمذي والنسائي إلى وقفه وهو محتمل لتجديدها كل أول ليلة ومبنى الخلاف هل هي عبادة واحدة فتكفي نية واحدة أو عبادات فيكون لكل نية والله أعلم واعترضوا قول الشيخ وليس عليه البيات بأن الصواب التبييت وهي مسألة لغوية فانظرها وبالله التوفيق. فرع: اللخمي اختلف في تعيين النية لرمضان كالخلاف في تعيين اليوم للصلاة انتهى فانظره. (ويتم الصيام إلى الليل). يعني وجوبا فلا يقطعه بنية ولا فعل فلو قطعه بنية رفضه فالمشهور بطلانه الباجي

وجوب الإمساك إلى الليل يقتضي وجوبه إلى أول جزء منه غير أنه لا بد من إمساك جزء منه ليتيقن إكمال النهار أشهب تأخير الفطر عن الغروب لحاجة واسع ويكره تنطعا ابن حبيب لا ينبغي لرؤية النجوم وقال التادلي اختلف في أخذ جزء من الليل عند الإفطار وعند السحور (خ) الخلاف في الثاني شهير قال عبد الوهاب وابن القصار بوجوبه. وقال اللخمي: لا يجب. فرع: قال عياض في الإكمال اختلف العلماء في الإمساك بعد الغروب هل يحرم كما يحرم صومه يوم الفطر والأضحى أو هو جائز وله أجر الصائم ولا يصح الإتمام إلا بتحقق العروب فالشك في الغروب كتيقن العدم لوجوب الاستصحاب فإن أكل قضاه اتفاقا وفي الكفارة قولان ويفرق بينه وبين الشك في الفجر بأن هذا شك في المقتضى والشك في الفجر شك في المانع فانظر ذلك متأملاً وبالله التوفيق. (ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور).

قال الباجي تعجيل الفطر أن لا يؤخر بعد غروب الشمس على وجه التشديد والمبالغة واعتقاد أنه لا يجوز الفطر عند الغروب على حسب ما يفعله اليهود وأما من أخره لأمر عارض واختيار مع اعتقاد أن صومه كمل بغروب الشمس فلا يكره له ذلك. ابن نافع في المجموعة عياض واختلف إذا حضر الطعام والصلاة فذهب الشافعي

إلى البداءة بالطعام للأحاديث وحكى ابن المنذر عن مالك بداءته بالصلاة إلا أن يكون شيئاً خفيفاً وذكر ابن العربي في القبس وغيره فيمن حلف أن لا يفطر على حار ولا على بارد فأفتى ابن الصباغ من الشافعية بحنثه وأبو إسحاق الشيرازي بأنه لا يحنث لقوله عليه السلام: «إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم» فحكم بفطره. قالوا وفتيا ابن الصباغ أشبه بالمذهب لأنه يعتبر المقاصد وفتيا أبي إسحاق كالشافعي لأنه يعتبر الألفاظ. فرع: في كراهة الوصال لغيره عليه السلام قولان المشهور الأول وفي الحديث إن كان ولا بد فإلى السحر واختاره اللخمي وفي الصحيح «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور» وفي حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه: «فرق ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحور فتسحروا يا أمة محمد» رواه مسلم عياض والرواية بضم الهمزة ومعناه اللقمة الواحدة وصوابه فتحها واعترضه التادلي بأن تقليل الأكل مطلوب والسحور بالفتح اسم لما يتسحر به وبالضم اسم للفعل وهو ههنا بالضم والله أعلم. (وإن شك في الفجر فلا يأكل). يعني أن استحباب التأخير إنما هو ما يدخل الشك في الفجر قاله أشهب في المجموعة قائلاً ومن عجله فواسع يرجى له من الأجر ما يرجى لمن أخر إلى آخر أوقاته وهل نهى الشيخ عن الأكل مع الشك على الكراهة أو على التحريم محتمل وقد صرح في المدونة بالكراهة فحملها اللخمي على التترية وحمله أبو عمران على التحريم وهو المشهور (خ) وهو مقتضى فهم البرادعي لأنه اختصرها بلفظ النهي وفي المسألة أربعة أقوال ذكرها اللخمي فانظرها واختار إمساكه في الغيم وجوبا وفي الصحو استحبابا ولابن حبيب جواز الأكل مطلقا. فرع: فلو أكل مع الشك في الفجر فلم يتبين أنه قبله ولا بعده فلا كفارة وفي القضاء

اختلاف ولو آكل مع الشك في الغروب فقال القاضيان عبد الوهاب وابن القصار يقضي ولا يكفر وقال بعض الأندلسيين يكفر والمشهور الأول وفي المدونة شكه بعد أكله كشكه قبله وقال ابن حبيب يجوز تقليد المؤذن العدل العارف بالأوقات وإن الفجر لم يطلع فإن سمع الأذان ولم يكف سأله عن الوقت ولو اختلف عليه فقال رجل أكلت قبله وقال الآخر بعده فقال: ابن عبدوس يقضي يومه اللخمي لشكه ولو تيقن شيئاً عمل عليه ولو طلع الفجر وهو أكل أو شارب كف ولا قضاء على المنصوص وإن كان يجامع ففي القضاء قولان لعبد الملك وابن القاسم وهو المشهور وإن لم يخضخض فاه بعده ابن القصار وإن لبث قليلا عمدا كفر والله أعلم وعلى قول عبد الملك فلا كفارة عنده قائلا لأنه لم ينتهك حرمة رمضان والله أعلم. (ولا يصام يوم الشك ليحتاط به من رمضان).

يوم الشك هو صبيحة ليلة التماس هلال رمضان إذا لم يرا لغيم في الآفق لاحتمال أن الحاجب له غيم لا غيره، وقال الشافعي ما منع الجزم بثبوته كالتوقف في شهود رؤيته ومثله لابن عبد الحكم قوله ((إن تأخر قبول الشهود للكشف عنهم لم يصم حتى يثبت) وكونه لا يصام احتياطا. قال ابن عطاء الله الكافة مجمعون على ذلك وفي المدونة لا ينبغي صوم يوم الشك وحمله أبو إسحاق على المنع وفي الجلاب يكره صيام يوم الشك وخرج اللخمي صيامه

من صيام من شك في الفجر ونحوه ابن الحاجب تخريجه غلط لثبوت النهي (س) وهو قول عمر رضي الله عنه من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: ولم يبين من حكمه سوى النهي. والظاهر أنه على التحريم وكذلك قاله (خ) وقال وهو ظاهر ما نسبه اللخمي لمالك إذ قال ومنعه مالك لابن بشير هو من موافقة أهل البدع والعمل على المنجمين والله أعلم. (ومن صامه كذلك لم يجزه وإن وافقه من رمضان). لأنه بمثابة من صلى الظهر ونحوه شاكا في الوقت ثم تبين وقوعها فيه فلا يجزئه قاله أشهب وقيل هو بمثابة من شك في الطهارة ثم تبين صحتها أنه يجزئه وهو مقتضى قول اللخمي والمذهب الأول. وفي المدونة من صامه تطوعا فإذا هو من رمضان لم يجزه وخرج عياض الأجزاء من الأسير تلتبس عليه الشهور فيتحرى فيصادفه أنه يجزئه وهو قول سحنون، وقال ابن القاسم لا يجزئه ونظيرتها من سلم شاكا في صلاته ثم تبين الكمال ففي صحتها قولان وصحح ابن رشد البطلان والله أعلم. (ولمن شاء صومه تطوعا أن يفعل). ظاهر كلامه التخيير مطلقا وهو قول مالك وعبد الملك وكره ابن مسلمة مطلقا وله قول مثل مالك نقله عنه اللخمي وثالثها للباجي عنه يكره إلا لمن شأنه سرد الصوم ولا خلاف في جواز صومه قضاء ونذرا صادف لا بعينه (س) لأن نذره من حيث إنه يوم شك يتضمن معصية فسقط ورده (ع) بعدم كراهة صومه تطوعا أي على المشهور. وفي الحديث النهي عن صوم آخر شعبان لمن لم يصم من أوله وبالله التوفيق. (ومن أصبح فلم يأكل ولم يشرب ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان لم يجزه وليمسك عن الأكل في بقية يومه ويقضيه). إنما لم يجزه لفقد النية وهو خلاف قول عبد الملك وصاحبه أحمد بن المعدل أن النية في كل صوم معين لا تلزم لأنه منوي قبل ذلك وإذا كان لا يجزئه مع عدم الأكل والشرب فأحرى إن أكل أو شرب.

ولابن بشير وغيره ما معناه أنه ينبغي الإمساك يوم الشك عن المفطرات حتى يأتي المسافرون من أحواز البلد وينتشر الناس وتسمع أخبار الرؤية فإذا ارتفع النهار ولم يظهر موجب جاز الفطر وإن ثبت وجب الإمساك لحرمة الشهر وإن كان قد أكل يلزمه القضاء التادلي عبادتان يجب الإمساك في فسادهما وهما الصوم في رمضان لحرمته والنسكان لخوف التمادي في إفسادهما انتهى بمعناه. فرع: إن أكل بعد علمه بأن اليوم من رمضان متعمداً ففي المدونة لا كفارة عليه إلا أن يتهاون بفطره لعلمه ما على متعمد الفطر وحكى غير واحد فيه قولين والمشهور مذهب المدونة والله أعلم. (وإذا قدم المسافر مفطرا أو طهرت الحائض نهارا فلهما الأكل في بقية يومهما). يعني أن من زال عذره ممن يباح له الفطر لعذر لا يلزمه إمساك بقية يوم زوال عذره ولو قدم في يوم طهرها وهو مفطر لسفره فله مجامعتها وفي حلية الكتابية ثالثها إن كان طهرها في يومها وفي استحباب إمساك الصبي بقية يوم احتلامه خلاف وفي الموطأ يمسك الكافر إذا أسلم بقية يومه ولأشهب في المجموعة لا يمسك وفي وجوب كف المفطر لعطش ونحوه أزاله قولان لابن حبيب قائلا ولا كفارة إن لم يكف ولسحنون في كتاب ابنه يتمادى على الفطر ويطأ. وبه قال جمهور أهل العلم القاضي وكل مباح له الفطر مع العلم برمضان فله التمادي عند زوال عذره في أثناء اليوم والله أعلم. (ومن أفطر في تطوعه عامدا أو سافر فيه فأفطر في سفره فعليه القضاء).

الوفاء بالعقد مع الله واجب وحله حرام في كل عبادة يتوقف أولها على آخرها عند مالك إلا لوجه ففطر الصائم المتطوع حرام ابن يونس قال مالك لا ينبغي أن يفطر من صام متطوعا إلا من ضرورة وبلغني أن ابن عمر قال: «من صام متطوعا ثم أفطر من غير ضرورة فذلك الذي يلعب بدينه». قال مطرف وإن حلف عليه رجل بالطلاق أو بالعتاق فليحنثه ولا يفطر إلا أن يكون لذلك وجه فليفطر وقد أساء ثم يقضي وإن عزم عليه أبواه فأحب إلي أن يطيعهما إن كان رقة منهما لإدامة صومه وظاهر كلام غير واحد الإطلاق وكذا في الشيخ (خ) قال ابن عات المسراتي وذلك لأن عقده مع شيخه أن لا يعصيه سبق عقده على صومه (خ) وظاهر المذهب أن شيخه الذي يتعلم عليه العلم لا يتنزل منزلته قال وكان بعض من لاقيته يفتي بأنه كهو قلت بل هو نص مختصر (خ) وعليه مشى في توضيحه. وذهب الشافعي لجواز الإفطار مطلقا للأحاديث الواردة في ذلك ومال إليه (س) ونقل نحوه عن عيسى بن مسكين إذا أمر صاحبا له بالإفطار في تطوعه وقال: ثوابك في سرور أخيك بفطرك أفضل من صومك ولم يأمره بالقضاء، عياض: قضاؤه واجب وإنما لم يأمره عيسى به اكتفاء بعلمه بوجوبه (ع) هذا خلاف المذهب وقد ألف الشيخ أبو العباس بن البناء العددي في هذه المسألة جزءاً حسنا ومال لترجيح القول بالجواز وقال التادلي: يفيد وجوب القضاء بالعمد الحرام كما قال ابن الحاجب ويجب في النفل بالعمد الحرام واحترز بذلك من تفطير الأبوين والزوج لزوجته والعبد مع سيده ونحو ذلك. إذ لا قضاء فيه وفطره للسفر في تطوعه لا يسقط قضاءه على المشهور وهو في

المدونة خلافا لابن حبيب والله أعلم. (وإن أفطر ساهيا فلا قضاء عليه بخلاف الفريضة). قال ابن رشد في ((بداية المجتهد ونهاية المقتصد)) أجمعوا على عدم القضاء في فطر التطوع لعذر أو نسيان وخالف ابن علية في النسيان واختلفوا إن كان لغير عذر فأوجب مالك وأبو جنيفة عليه القضاء وقال الشافعي وجماعة: لا قضاء عليه، ومعروف المذهب المفطر ساهيا في الفطر يقضي وإن كان في رمضان وجب عليه إمساك بقية يومه لحرمته. قال عياض: مشهور مذهب مالك قضاء من أفطر في رمضان ناسيا وذلك مشعر بوجود الخلاف في المذهب (خ) وهو غريب والمشهور لا قضاء عليه في النذر المعين إذا أفطر فيه لعذر وثالثها يقضي الناسي فقط واعترضه ابن هارون بأن نص المدونة قضاؤه ورده بأن المشهور لا يتقيد بها وإن كان الغالب عليها، ورابعها: لعبد الملك إن كان لليومن فضيلة كعاشوراء أو يوم عرفة وإلا قضى والله أعلم. فرع: لا كفارة على من أفطر في تطوع وإن كان متأكداً وروى ابن القاسم من أفطر في تطوعه لغير عذر قضى يومين قال ابن عطاء الله ولا أدري ما وجهه وسيأتي قضاء القضاء إن شاء الله. (ولا بأس بالسواك للصائم في جميع نهاره). ما ذكر هو نص المدونة ولا بأس هنا لمطلق الإباحة وذلك في أول النهار بلا خلاف وفيما بعد الزوال إلى آخره على المشهور.

وقال الشافعي يكره وروى البرقي نحوه عن أشهب لحديث «لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك» ورد بأن الخلوف من الجوف فلا يزيله السواك وجهل ابن العربي فاهم الحديث على الأمر بإبقائه والخلوف بالضم ففتح خائه لحن وحيث أبيح فبسواك لا يصل منه شيء إلى الحلق. وفي المدونة كراهة ما يتحلل وفي استياكه بالأخضر ثلاثة الجواز لأبي مصعب والكراهة للمدونة وثالثها لابن حبيب: لا يكره إلا لمن لا يعرف المج أو لا يقدر عليه. ابن يونس: وإنما يكره الرطب لأن له رائحة وطعما وحرافة ولا ينقطع ذلك بعد فراغه فيتقي أن يبتلع ريقه وطعمه في فيه ولو مج ما يجتمع له فلا شيء عليه وإن وصل منه شيء إلى حلقه فعليه القضاء ولا كفارة. قال الباجي: والقياس وجوبها عن ابن لبابة إن استاك بالجوز نهارا قضى وكفر وإن فعله ليلا فأصبح على فيه قضي فأقسام السواك في رمضان ثلاثة جائز ومكروه وحرام وقد عرفت بما ذكر فوقه وبالله التوفيق. (ولا تكره له الحجامة إلا خشية التغرير). يعني أن الحجامة للصائم جائزة إلا أنها تكره لمن خاف أن يغر بصومه بحيث يؤديه احتجامه إلى فطره لضعفه فهي إذا على ثلاثة أوجه جائزة باتفاق لمن تحقق سلامته وغير جائزة لمن تحقق عكسها ومكروهة لمجهول حاله (ج) وهذا التفصيل هو المشهور وقيل تكره وإن علمت السلامة، الباجي: وهذه رواية ابن نافع بقوله: لا يحتجم قوي ولا ضعيف لأنه ربما يضعف القوي وهو نحو رواية عيسى عن ابن القاسم. وقال أحمد: يبطل به الصوم ولا كفارة وقد خرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه أنه عليه السلام احتجم وهو صائم، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه عليه السلام رخص في الحجامة للصائم بعد نهيه عن ذلك وحديثه معلوم فحمل على النسخ وغيره فانظر ذلك. (ومن ذرعه القيء في رمضان فلا قضاء عليه وإن استقاء فقاء فعليه القضاء). يعني أن القيء الضروري كالعدم لا قضاء فإن رجع منه شيء إلى جوفه غلبة أو نسيانا فروى ابن أبي أويس يقضي في الغلبة وروى ابن شعبان لا يقضي وإن كان نسيانا فخرج اللخمي قول أحدهما في الآخر ولو رده مختارا فكالآكل وإن رد القلس متمكنا من طرحه فرجع مالك إلى أنه يقضي (م) ابن حبيب ويكفر في العمد والجهل

وإن ابتلع نخامة وصلت لسانه فلا شيء عليه وقد أساء. وقال سحنون: عليه القضاء فأما إن استقاء فقاء بالمد والهمزة فيهما فإنه يقضي وهل وجوبا وهو الذي عليه حمل أبو يعقوب قول مالك وهو ظاهر ما هنا ولفظ المدونة مثله وحمله أبو بكر الأبهري على الاستحباب وثالثها لابن حبيب وهو في التطوع لغو وفي الفرض يقضي ورابعها لعبد الملك إن كان لعذر فلا قضاء وإلا وجب وعزا في الشبيبي الوجوب لأشهب والاستحباب لابن الكاتب وعدمه لابن حبيب ولعبد الملك القضاء والكفارة ولابن يونس إن علم برجوع شيء إلى جوفه قضى وكفر والله أعلم. فرع: (خ) لا قضاء في غالب قيء أو ذباب أو غبار طريق أو كيل أو دقيق أو جبس لصانعه أو حقنة من إحليل أو دهن جائفة ومني مستنكح أو مذي أو نزع مأكول أو مشروب أو نزع فرج طلوع الفجر انتهى. وذرعه – بالمعجمة بعدها راء ثم مهملة – غلبه والقيء معلوم. (وإذا خافت الحامل على ما في بطنها أفطرت ولم تطعم وقد قيل تطعم وللمرضع إن خافت على ولدها ولم تجد من تستأجر له أو لم يقبل غيرها أن تفطر وتطعم).

أما الحامل فما ذكر فيها أولاً هو المشهور والقول بالإطعام رواه ابن وهب الشيخ وهذه الرواية لا توجد لمالك وإنما نقلها سحنون من موطأ ابن وهب بالتأويل وفيها قال عنه أشهب هذا استحسان واستحباب من غير إيجاب والثلاثة في المدونة ورابعها لأبي مصعب إن دخلت في السابع لم تطعم لأنها مريضة وإن كانت قبل ستة أشهر أطعمت اللخمي يريد لأن المرض يسقط الإطعام وإن شاركه الخوف على الولد، وخامسها: لعبد الملك إن أفطرت للخوف على ولدها أطعمت وإن كان للخوف على نفسها فلا فإنها مريضة. اللخمي وللحامل ثلاث حالات حالة تصوم وجوبا وحالة تفطر وجوبا وحالة مخيرة ففي أول حملها ولا يجهدها الصوم لا تفطر وإن خافت على نفسها أو على ما في بطنها الهلاك لزمها الإفطار وإن كان يجهدها جهد مشقة لا تهلك معها لا هي ولا ولدها ولا تخاف ذلك فهي مخيرة وفي لزومها الفدية اختلاف تقدم فوقه. قال وللمرضع ثمان حالات يلزمها الصوم في أربع ويلزمها الفطر في ثلاث وهي بالخيار في الثامنة فإن كان للرضيع مال غير مضر بها ولا بولدها أو كان مضرا بها وهناك مال لأب أو للأبن أو للأم تستأجر منه من يرضعه والولد يقبل غير أمه لزمه الصوم وإن كان مضرا بها تخاف على نفسها وعلى ولدها وهو لا يقبل غيرها أو يقبل ولا تجد من تستأجر له أو يوجد وليس ثم من يستأجر له لزمها الفطر وإن كان يجهدها الصوم ولا تخاف على نفسها منه ولا على ولدها والولد يقبل غيرها كانت بالخيار بين الفطر والصيام والقضاء لازم حيثما أفطرت ويبدأ في الأجرة بمال الولد ثم مال الأب لأن أصل النفقة عليه، ثم مال الأم لأنها آخر المرجع والمشهور تطعم لإفطارها وهو قوله في المدونة عكس الحامل وفي مختصر ابن عبد الحكم لا تطعم قال وهو أحسن لأنها كالمريض والمسافر والله أعلم. (ويستحب للشيخ الكبير إذا أفطر أن يطعم). ما ذكر من الاستحباب هو قول مالك في الموطأ وبه قال سحنون وحكى ابن بشير قولا بوجوبه. ابن الحاجب ولا فدية على المشهور (س) والمنقول ما تقدم من القولين لا ما يعطيه كلامه (ج) بل هو اختيار اللخمي وتأوله بعضهم على المدونة اللخمي إن كان

معه من القوة ما لا يشق معه الصوم أو كان في زمن لا يشق فيه الصوم لزمه أن يصوم وإن كان في شدة الحر وإن كان في غيره صام أفطر وقضى في الزمن الآخر وإن بلغ به الكبر إلى العجز جملة أفطر ولا إطعام عليه قال وهذا هو الصواب من المذهب فانظر ذلك. (والإطعام في هذا كله مد عن كل يوم يقضيه). يعني أن اللازم في الفدية مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم يعطيه لمسكين كلما قضى يوما أعطى مدا من جل عيش أهل البلد والعدد شرط فلا يجوز أن يعطي آصعا لواحد ولا يقسم صاعا أو مدا على جماعة. وفي المدونة لا تجزي أمداد كثيرة لمسكين واحد (ع) يريد من رمضان واحد لأن فدية الرمضان الواحد كأمداد اليمين الواحدة والرمضانين كل كيمينين قال بعضهم وقدر المدر ملء الكفين معا من معتدل الأعضاء برا أو شعيرا أو غيرهما والله أعلم. (وكذلك يطعم من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر). يعني مدا عن كل يوم يقضيه قال التادلي وكذلك من دخلت عليه رمضانا متعددة فليس عليه إلا مد واحد لكل يوم يقضيه قال في الجواهر ولا يتعدد بتعدد السنين وقال ابن بشير لا يجب قضاء رمضان على الفور اتفاقا واستقرأ ابن رشد قولا بالفور إذا صح وقدم ثم مات وأوصى بالفدية فإنها في الثلث مبدأة والقول بالتراخي في القضاء هو الذي عليه البغداديون والقرويون قال بعضهم وهما على الخلاف فيمن آخر الواجب الموسع فمات قبل أدائه هل يكون عاصياً أم لا ولو مرض أو سافر عند تعين القضاء ففي الفدية قولان ذكرهما عياض وهما تأويلان على المدونة. فرع: ولو تمادى به المرض أو السفر من رمضان إلى رمضان فالمشهور لا يطعم وروي يطعم وقاله عبد الملك وهل وقت القضاء عند الأخذ في القضاء أو بعده وهو المشهور أو عند تعذر الصوم وهو قول أشهب في مدونة ابن حبيب والمستحب في الإطعام كلما صام يوما أطعم مسكينا ومن قدم الإطعام أو أخره أو فرقه أو جمعه أجزأه ومن لا قدرة له على القضاء كفر يوم الفطر والله أعلم.

(ولا صيام على الصبيان حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية وبالبلوغ لزمتهم أعمال الأبدان فريضة). يعني أن وجوب الصيام على الصغار من الذكور والإناث معلق بالبلوغ والبلوغ علامته في الذكور الاحتلام وكذا في الإناث وينفردن بالحيض والحمل والمراد بالاحتلام خروج المني في النوم يقظة أو دونها وليس بشرط بل خروجه مطلقا كاف وهو المقصود وإنما ذكر الاحتلام للغلبة وما في معنى الحيض مثلهم وهو الحمل. وقوله: (وبالبلوغ لزمتهم أعمال الأبدان) تنبيه على أن البلوغ شرط في وجوب كل عبادة من صلاة وغيءرها وفي قوله الأبدان أن تنبيه على أن أعمال غير الأبدان لا يشترط فيها البلوغ كالزكاة ونحوها وقوله (فريضة) تنبيه على اللزوم دون فرض كالأمر بالصلاة في السبع وفي المدونة لا يؤمر الصبيان بالصوم بخلاف الصلاة وقال أشهب يجب عليهم بالبلوغ ويؤمروا به استحبابا إذا أطاقوا. وقال ابن حبيب كان عروة بن الزبير يأمر بنيه بالصلاة إذا عقلوا وبالصيام إذا أطاقوا والمشهور الأول ويعتبر السن بالاحتلام أولا وآخرا أفمن احتلم أو حاضت في سن من لا يقع له ذلك عادة لصغر لم يعتد بذلك فيه ومن لم يحتلم ففي الحكم باحتلامه ثلاثة لابن وهب خمسة عشر سنة ولابن القاسم سبعة عشر وعنه ثمانية عشر وهو المشهور قاله المازري وفي كون الإنبات علامة قولان وهما في المدونة وفي كتاب السرقة منها أصغى مالك إلى الاحتلام حين كلمته بالإنبات وقال يحيى بن عمر وهذا فيما يلزم في الحك الظاهر من طلاق وحد ونحوه وفيما بينه وبين الله لا يلزمه قالوا ويصدق في الاحتلام ما لم تكن ريبة ابن العربي ينظر في المرأة ابن الحاجب وهو غريب قيل يعني بعيد وقيل مما انفرد به فانظر ذلك. فرع: ابن يونس واللخمي إذا لم تظهر بالمرأة علامة من البلوغ فأفطرت رمضان ثم

ظهر حملها في ذي القعدة لزمها القضاء وإن ظهر في نصف ذي الحجة لزمها قضاء نصف رمضان وإن ظهر في آخره لم تقض شيئاً لأن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر والله أعلم. (قال الله سبحانه وتعالى {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا} [النور: 59]. فجعل سبحانه وجوب الاستئذان مربوطا بالبلوغ وقد قال علماؤنا إن شرط التكليف ثلاثة البلوغ والعقل وبلوغ الدعوة واختلفوا في الفروع هل شرط للإسلام أو بلوغ الدعوة؟. وشروط وجوب الصيام أربعة البلوغ والعقل والإقامة والقدرة عليه من غير مرض ولا ضرر ولا حرج ويسقط عن اثني عشر عن الصبي والمجنون والحائض والنفساء والمغمى عليه والمسافر والصحيح الضعيف البنية العاجز عن القيام به والمتعطش والمريض والحامل والمرضع والشيخ الكبير انتهى من تقييد القلشاني وبالله التوفيق. (ومن أصبح جنبا ولم يتطهر أو امرأة حائض طهرت قبل الفجر فلم يغتسلا إلا بعد الفجر أجزاهما صوم ذلك اليوم). أما الإصباح بالجنابة اختيارية كانت أو اضطرارية فإنه لا يضر.

قال أشهب: ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم لحديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أنهما قالتا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح جنبا من جماع يدركه الفجر ولم يغتسل فيغتسل ويصوم وأما الحائض فلها حالات والمشهور متى تحقق طهرها قبل الفجر ونوت الصيام فإنه يجزئها ولأبي عمر وأبي الفرج أن جنابة الدم تمنع صحة الصوم مطلقا وعزوه لعبد الملك وإن شكت في طهرها هل هو قبل الفجر أو بعده ففي المدونة تصوم وتقضي ابن يونس لأنه لا يزول الفرض إلا بيقين وأقيم من هذه المسألة صيام يوم الشك وأن نية المعين لا تلزك في ذلك كله نظر والله أعلم (ع) والشاكة في طهرها قبل الفجر تصوم وتقضي والمشهور أن نفس الارتفاع كاف دون اعتبار قدر الطهارة والله أعلم. (ولا يجوز صيام يوم الفطر ولا يوم النحر). يعني أن ذلك أمر مجمع عليه من الدين ضرورة وقد قال عليه السلام: «إنما هي أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى فلا يصح قول من عدها في المكروهات» ثم قال (ولا يصام اليومان اللذان بعد يوم النحر) يعني وجوبا لأن صومهما كاليوم قبلهما في التحريم إلا التمتع الذي لا يجد هديا فإن لازمه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع من يوم يحرم فإن فاته ذلك قبل العيد – أعني صوم الثلاث السابقة – أتى بها فيما بعد يوم النحر لا يباح ذلك لغيره على المشهور.

قال في المدونة وكذلك كل من لزمه هدي قبل الوقوف بعرفة ولم يجده والقارن كالمتمتع في ذلك واختلف في صحة القضاء فيهما والنذر المعين ثلاثة صحته للخمي نقلا وللمدونة وثالثها لأشهب إنما يصح ذلك في آخرها قائلا ويفطر متى ذكر أي فصل فيها (خ) عدم القضاء فيها هو المشهور ومقتضى كلام ابن الحاجب أنها في الجواز ابتداء واللخمي إنما نقلها في الإجزاء بعد الوقوع (خ) وقال بعضهم: لا خلاف في المذهب في منع لصوم اليومين الأولين عن نذر معين أو غير معين. الباجي وابن عطاء الله عن أبي الفرج من نذر اعتكاف أيام التشريق اعتكفها وصامها والله أعلم. (واليوم الرابع لا يصومه متطوع ويصومه من نذر أو من كان في صيام متتابع قبل ذلك). يعني يكون قد صادف ذلك أنه قصده بنذره ومتابعته لأن ذلك ممنوع والصوم على أقسام الواجب منه بالأصالة رمضان وبسبب الكفارات وباستئناف النذر والممنوع العيدان واليومان بعد يوم الأضحى مختلف فيهما بالكراهة والتحريم ومنه الخلاف في اليوم الرابع وفي كراهة يوم الجمعة منفردا قولان وكذلك صوم الدهر والأيام البيض والست من شوال ويوم عر فة لغير الحاج بعرفة ولهذه الجملة تفصيل يطول. (ومن أفطر في نهار رمضان ناسيا فعليه القضاء وكذلك من أفطر فيه لضرورة من مرض).

يعني ونحوه من مبيحات الإفطار وموجباته فإن القضاء لازم للكل فالقضاء واجب بالفطر مطلقا ومع الانتهاك تتبعه الكفارة ولذي العذر المنفصل الفدية وقد ذكرت (ع) وزمن القضاء غير زمنه أي غير محل الصوم وما حرم صومه اللخمي أو وجب بنذره ابن الحاجب ويجب التعدد (ع) ولو قضى شهر الهلال عن آخر ففي كون المعتبر عدد الأول أو كل الثاني فيجزئ إن كان أقل ويكمل إن كان أتم قولان لنقل اللخمي عن المذهب ورواية ابن وهب (ع) وتتابع قضاء رمضان والنذر مستحب. (ومن سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فله أن يفطر وإن لم تنله ضرورة وعليه القضاء والصوم أحب إلينا). يعني أن إباحة القصر في السفر تبيح الإفطار (ع) القصر يبيح فطره وسمع ابن القاسم البحر كالبر الشيخ عن ابن نافع ولو أقام ببلد ما لا يوجب إتمامه ومن شرط إباحة الإفطار في السفر تبييت الفطر والاتصاف به لا نيته فقط أبو عمر اتفاقا اللخمي لا يفطر قبل تلبسه به اتفاقا. فرع: وفيمن عزم دون فعل أربعة مالك يكفر أشهب لا كفارة ابن حبيب إن لم يأخذ في الأهبة كفر ولأشهب أيضاً مع سحنون إن تم سفره فلا كفارة وإن لم يتم كفر

وقوله (والصوم أحب إلينا) يعني على المشهور وهو مذهب المدونة ولابن الماجشون الفطر أفضل والصقلي إن كان سفر جهاد فالفطر أفضل وعزاه لابن حبيب واللخمي عن أشهب الفطر والصوم سواء والله أعلم. (ومن سافر أقل من أربعة برد فظن أن الفطر مباح له فأفطر فلا كفارة عليه وعليه القضاء). أما القضاء فلا إشكال في وجوبه وأما الكفارة فإنما نقاها عنه وجود التأويل القريب وهذه المسألة في المدونة في العبد يبعثه سيده بغنم يرعاها له على ثلاثة أميال من البلد فظن إباحة الفطر له فإنه لا شيء عليه. (وكل من أفطر متأولا فلا كفارة عليه). التأول مانع من الكفارة عند ابن عبد الحكم مطلقا وهو ظاهر ما هنا والمشهور لا مانع منهما غير التأويل القريب لا البعيد وقطع بالقريب في المدونة في أربع مسائل. أولها: مسألة العبد المتقدمة فوقه. الثانية: إذا أفطر ناسيا فظن إباحة الأكل فأكل بقية يومه. الثالثة: الحائض تطهر ليلا ولم تغتسل فتظن أن يومها مباح للأكل فتأكل يومها. الرابعة: مسافر يقدم ليلا فيظن إن شرط وجوب صومه قدومه نهارا فيفطر قال ابن القاسم ما رأيت في شيء من ذلك كفارة إلا المفطرة لكونه يوم حيضها ثم تعجل قبل تحققه. فرع: فمن رأى هلال رمضان وحده فظن أن الأكل مباح له ثلاثة الكفارة للمغيرة وعدمها لعبد الملك وثالثها له أيضاً إن كان فطره بجماع كفر وإلا فلا. (وإنما الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أو جماع مع القضاء).

أما القضاء فهو واجب في كل إفطار مطلقا وأما الكفارة فعمدتها الانتهاك لحرمة الشهر فلا تجب إلا مع العمد زاد الشافعية والجماع إذ لا يجب عندهم في غيره كفارة وقال عبد الملك عمده وسهوه سواء وإنما الكفارة فيما وصل للحلق من الفم لا من غيره على المشهور لقوله عليه السلام «حلق الصائم حمى» وقال أبو مصعب كل منفذ.

واسع كالفم كما هو في وجوب القضاء ولم يوجبها أبو مصعب فيما وصل من العين بخلاف الأنف وظاهر كلام الشيخ أن المكره كغيره. فرع: في المدونة من أكره زوجته كفر عنه وعنها وقال سحنون لا يكفر عنها لأنها ساقطة اللخمي عليه كفارتان لنية انتهاك صومها وصومه وللشيخ عن بعض أصحابنا طوع الأمة إكراه ابن يونس إلا أن تطلبه هي وفي من صب في حلقه ماء نائما قولان وعلى السقوط ففي تكفير الفاعل عنه قولان ولابن حبيب من أكره رجلا على الشرب كفر. (والكفارة في ذلك إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد بمد النبي عليه السلام فذلك أحب إلينا وله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين). يعني أنه مخير في التكفير بإحدى الثلاث على المشهور. عبد الوهاب لم يختلف العلماء في أن كفارة الصوم بهذه الثلاث التي هي الإطعام والعتق والصوم المذكورة وإنما اختلفوا في التخيير والترتيب. وروى ابن وهب وابن أبي أويس كقول أشهب لا أرجحية لواحد منهما على الآخر وثالثها لابن حبيب هي مرتبة كالظهار واختاره ابن العربي وهو مذهب الشافعي وظاهر الحديث معه ورابعها لأبي مصعب يكفر الجماع بالصيام والعتق والإطعام لغيره وضعفه ابن عبد السلام والباجي عن متأخري الأصحاب العتق في الرخاء والإطعام في الغلاء وسادسها لأبي إبراهيم الصوم للغني وغيره لغيره وأفتى به محمد بن يحيى للأمير عبد الرحمن عن وطئه جاريته في رمضان قائلا لو خيرته لجامع في كل يوم وأعتق فلم ينكروا عليه. وقال في المدونة لم يعرف مالك إلا الإطعام لا صوم ولا عتق. عياض لا يحل تأويلها على إسقاط ما عداه لأنه خرق للإجماع ولم يقل به أحد. ابن دقيق العيد إن حمل هذا الكلام على ظاهره من عدم جريان العتق والصوم في كفارؤة الفطر فهي معضلة وقد تأوله بعض المحققين على استحباب الإطعام دون العتق والصوم وهي رواية مطرف وعبد الملك وحملت عليه المدونة والله أعلم.

(وليس على من أفطر في قضاء رمضان متعمدا كفارة). يعني أن الكفارة معللة بانتهاك حرمة الشهر وهي هنا غير موجودة والحكم يدور مع علته وجودا وعدما وفي ظهار المدونة إنما يلزم القاضي يوم فقط وفي حجها يلزمه يومان ابن الحاجب وفي قضاء القضاء قولان (ع) عزاهما ابن يونس لمالك وحكى ابن عات ثلاثة ونقله ابن رشد في البيان. (ومن أغمى عليه ليلا فأفاق بعد طلوع الفجر فعليه قضاء الصوم ولا يقضي من الصلوات إلا ما أفاق في وقتها). يعني لا يعتد بصوم يوم أغمى قبله فلم يفق إلا بعد طلوع الفجر لفوات محل النية وهو ليس بعاقل وهذا إن استمر إغماؤه إلى الغروب وإن كان الإغماء بعد طلوع الفجر فإن كان يسيراً فعفو. قال بعض الشيوخ وظاهر كلام اللخمي فيه أنه متفق عليه ويس كذلك بل حكى ابن يونس عن ابن عبد الحكم إن قليل الإغماء وكثيره سواء وعليه القضاء وإن كان بعد صلاة العصر. وقد فصل اللخمي المسألة تفصيلا حسنا لكنه يطول وتحصيل القول في ذلك أن الإغماء أقل اليوم أو نصفه لا يضر على الأصبح فيهما إن سلم أوله وإلا قضى على المشهور ككل النهار اتفاقا أو جله ولو سلم أوله خلافا لابن وهب وثالثها يستحب فانظر ذلك. فرع: ومن سكر ليلا وأصبح ذاهب العقل لم يجز له الفطر ويلزمه القضاء ولا أثر للنوم اتفاقا ولو كل النهار وإنما فصلوا هذا التفصيل في الإغماء لكونه بين رتبتي الجنون والنوم فانظر ذلك. فرع: حصل (ع) فيمن أغمي عليه نصف النهار فأكثر أربعة ثالثها لا يجزيه في الأكثر بخلاف النصف قاله مالك في المدونة قال إثره وهذا استحسان ولو أجتزأ به ما عنف والله أعلم.

(وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه ويعظم من شهر رمضان ما عظم الله سبحانه). (ينبغي) معناه يصلح ولا ينبغي لا يصلح فهي تجزي في باب الواجب والمندوب وإن كان أكثر استعمالها في الندب والكراهة واستعمالهات هنا يحتمل أن يكون فيما وراء الواجب فيكون موقعها على الفضول وما لا يعني من كل شيء وكأنه أمر بزيادة التحفظ في زمن الصوم لحرمته فيحفظ لسانه من الغيبة وجوبا ومن فضول الكلام ندبا وجوارحه من الانبساط إلى ما لا حاجة به. فقد قال عليه السلام: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ شاتمه فليقل إني صائم إني صائم» قال علماؤنا يقول ذلك في نفسه لنفسه زجرا لها عن الوقوع في ذلك، وقال أيضاً عليه السلام «الغيبة تفطر الصائم». قال علماؤنا تذهب بثواب صيامه لا أنها تفسده في الحكم بحيث يلزمه فإن ذلك ليس بمقصود بإجماع السلف رضي الله عنهم وظاهر كلام الشيخ أن هذا إنما يؤمر به في شهر رمضان فقط وليس كذلك بل هو في كل صوم للحديث المتقدم وفي الصحيح يقول الله تعالى: «الصوم لي وأنا أجزي به» فأضافه تعالى لنفسه وهذا غاية التعظيم. قيل: ومعناه الصوم لا يمكن أن يكون لغيره تعالى فلا يدخله رياء وقيل (الصوم لي) يعني من صفتي لأنه تعالى لا يطعم والصائم كذلك وهو متخلق بأخلاق الربوبية والصوم صبر وقد قال تعالى {إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] ويكفي فيه قوله عليه السلام: «من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» وفي رواية «وما تأخر». ومن وجوه تعظيم هذا الشهر المبارك أن الله سبحانه أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر قيامها وصيامها فيجب على كل ذي إيمان ويقين ويتعين على كل من له تلبس بأعمال المتقين

أن يقدر هذا الشهر قدره ويوفيه من التعظيم والاحترام حقه ويتحفظ فيه من كل شيء يكرهه الشارع صلوات الله عليه وسلامه كان واجبا أو مندوبا ويرى ذلك من أكبر ذخاره عند ربه ولا يهمل ذلك بحال ويستعين على ذلك بمطالعة الأحاديث المروية فيه وهي كثيرة وبالله التوفيق. (ولا يقرب الصائم النساء بوطء ولا مباشرة ولا قبلة للذة في نهار رمضان ولا يحرم ذلك عليه في ليله). يعني أن الجماع ومقدماته وما يؤول إليه تحرم على الصائم ف ينهاره لأن معنى الصوم: الكف عن الأكل والشرب والجماع ومقدماته مدة بياض النهار بل مدة وجوده وقد قال تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وقال سبحانه وتعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187]. ابن بشير لا خلاف أن الجماع واستدعاء المني محرم في الصوم وأما مباديه وهو الفكر والنظر والقبلة والملاعبة والمباشرة فإن استديمت حتى خرج بها المني رجعت إلى ما قدمنا من تحريم استدعائه وإن لم يستدم فأما الفكر والنظر فلا يحرمان وأما القبلة وما بعدها ففي المذهب اضطراب هل تحرم أو تكره. ويختلف حال الشيخ والشاب قال وتحقيق المذهب في ذلك أن من علمت سلامته من الإنعاظ وما بعده لم تحرم في حقه ومن علم نفيها حرمت في حقه ومن شك فقولان بالتحريم والكراهة انتهى. وقد قسم بعضهم القبلة والمباشرة والملاعبة إلى ثلاثة أقسام قسم لا تحرم فيه وهو ما إذا علمت السلامة، وقسم تحرم فيه وهو ما إذا علم غير السلامة، وقسم ترجح القول فيه وهو ما إذا شك فيه قولان بالكراهة والتحريم. وقال ابن هارون إن شك في المني فالظاهر التحريم. وإن شك في المذي فالظاهر الكراهة والمشهور فيما عدا الوطء الكراهة وسواء الفرض والنفل والشاب والشيخ وروى الخطابي كراهة القبلة للشاب لا الشيخ. وروى ابن وهب منعها في الفرض لا

في النفل وقال ابن العربي أصل الباب الإباحة ومن غلبته شهوته فمصيبته من نفسه وقد كان في أول الإسلام منع إتيان النساء ليلا كالنهار ثم نسخ بجواز إتياهن ليلا وكان أحدهم يأكل ويقارف ما لم ينم فإذا نام فقد فات فانظر ذلك وكان بعض الصالحين لا يقرب بيته نهارا في رمضان خشية أن يتشوش أو يشوش على عياله وهو باب من الورع والتحفظ قد يحمد للاحتياط وقد لا لمخالفة السنة. وظاهر كلام الشيخ أن الحكم المذكور خاص برمضان وليس كذلك بل هو عام في كل صوم وإن كان تطوعا وظاهر كلامه أيضاً أن الفكر والنظر واللمس المجرد لا يضر وفروع الباب كثيرة مهمة فانظرها وبالله التوفيق. (ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). هذا حديث صحيح خرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ومعنى (إيمانا) تصديقا أي بما جاء به من الوعد (واحتسابا) يعد ثوابه عند الله لا لغرض من أغراض الدنيا كالمباهاة والمضاهاة وطلب الثناء وأجر القيام فيه وقد اختلف في حكم قيامه فقال ابن حبيب فضيلة وفي الرسالة من النوافل المرغب فيها. وعند ابن يونس قام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان ورغب في قيامه من غير أن يأمر فيه بعزيمة وفي حديث «من صامه وقامه وجبت له الجنة» وفي أخرى «هو شهر خير وبركة يغشاكم الله فيه بالرحمة ويحط فيه الخطايا ويستجيب فيه الدعاء وينظر إلى تنافسكم ويباهي لكم الملائكة فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل» وقال أبو عمر بن عبد البر قيام رمضان بل قيام الليل سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حض عليه وأظهره ولم يتركه حتى لقي الله. وقوله: (وإن قمت فيه بما تيسر فذلك مرجو فضله وتكفير الذنوب به) يعني أن ثواب القيام لا يتقيد بالليل كله ولا بوجه منه وفضله جار لكل من قام فيه بشيء وصلى قدر حاله من غير تحديد والله أعلم. (والقيام فيه في مساجد الجماعات بإمام ومن شاء قام في بيته وهو أحسن لمن قويت نيته وحده).

واختلف في قيام رمضان فروى أبو عمر في البيت أفضل وقال هو من عند تفسه هذا إن لم تعطل المساجد وحكى في التمهيد عن الطحاوي أجمعوا على منع تعطيله من المساجد وإنما فضلت صلاته في البيت لأنها سنة النوافل. (وكان السلف الصالح يقومون فيه في المساجد بعشرين ركعة ثم يوترون بثلاث ويفصلون بين الشفع والوتر بسلام ثم صلوا بعد ذلك ستا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر وكل ذلك واسع ويسلم من كل ركعتين وقالت عائشة رضي الله عنها ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على اثنتي عشرة ركعة بعدها الوتر). (السلف) عبارة عن الصحابة رضي الله عنهم واختلف فيما ذكر في المدونة يقوم بتسع وثلاثين ركعة يوتر منها بثلاث وفي مختصر ما ليس في المختصر إحدى عشر صلاته عليه السلام وفي الموطأ أمر عمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة ويقرأ بالمائة وفي رواية بالمائتي آية قال حتى كنا نعتمد على العصى من طول القيام وفيه كانوا يقومون بثلاث عشرة ركعة في زمن عمر. ابن حبيب أمر عمر بإحدى عشرة ثم رجع إلى ثلاث وعشرين وذكر ابن وهب أن عمر بن عبد العزيز أمر بعشر آيات في الركعة وقال مالك الذي آخذ به في نفسي ما كان عليه السلام يفعله وهي الاثنا عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة. فرع مهم: أقام (ع) عدم قيام صلاة رمضان قبل صلاة العشاء من رواية ابن وهب وابن نافع من دخل المسجد وهم يصلون القيام وعليه صلاة العشاء قال لا يؤخرها وروى ابن القاسم يصليها وسط الناس ومرة قال بمؤخر المسجد وروى ابن حبيب له تأخيرها ويدخل معهم في القيام ما لم يخرج الوقت المختار للعشاء فأقيم منه جواز تعجيل التراويح قبلها كما يفعله بعض الناس في الصيف وإذا أدرك من القيام ركعة قضى بعد سلام الإمام الأولى يوخففها ثم يدخل مع الإمام هذا قول سحنون وابن عبد الحكم ابن رشد وهذا أولى ما قيل فيها والله أعلم.

باب في الاعتكاف

باب في الاعتكاف يعين ذكر حكمه وبعض فروعه وسيأتي تعريفه. (والاعتكاف من نوافل الخير). يعني من القرب المرغب فيها وقيل هو من الأمور الجائزة قال في العارضة هو سنة لا يقال فيه مباح وقول أصحابنا في كتبهم جائز جهل وفي الكافي هو في رمضان سنة وفي غيره جائز وأخذ ابن رشد كراهته من رواية ابن نافع ما رأيت صحابيا اعتكف وقد اعتكف صلى الله عليه وسلم حتى قبض وهو أشد الناس اتباعا فلم أزل أفكر حتى أجد في نفسي

أنهم تركوه لشدته لأن ليله ونهاره سواء كالوصال المنهي عنه مع وصاله صلى الله عليه وسلم. (والعكوف الملازمة). ومنه قوله تعالى: {الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} [طه: 97] {لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} [طه: 91] إلى غير ذلك هذه حقيقته اللغوية. فأما الشرعية فقال ابن بشير لزوم العبادة المختصة بالإنسان في الأماكن المختصة بالعبادة. وقال ابن الحاجب لزوم المسلم المميز المسجد للعبادة صائما كافا عن الجماع ومقدماته يوما فما فوقه بالنية وقال (ع) لزوم مسجد مباح لقربة قاصرة بصوم مقدور على دوامه يوما وليلة سوى وقت خروجه لجمعة أو لمعينه الممنوع فيه انتهى فانظره. وعرفه غيره بقوله لزوم المميز المسجد مدة أقلها يوم وليلة بصيام وصلاة وذكر وتلاوة فقط فتأمله. (ولا اعتكاف إلا بصيام ولا يكون إلا متتابعا ولا يكون إلا في المساجد كما قال الله سبحانه فإن كان بلد فيه الجمعة فلا يكون في الجامع إلا أن ينذر أياما لا تأخذه فيها الجمعة).

هذه شروط صحته فأما الصيام فشرط فيه ولا يلزم كونه له ولو كان نذرا أو غيره على المشهور وأما التتابع فإذا عزم أو نذر أياما لزم تتابعها لأنه العرف بخلاف الصوم وأما أنه لا يكون إلا في المساجد فعلى المشهور خلافا لابن لبابة، وهو القائل بعدم لزوم الصيام فيه، وقول الله عز وجل هو قوله: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ولا يلزم الجامع إلا لمن قصد أيام تأتي عليه فيها الجمعة فيلزم الجامع فإن ابتدأه في مسجد غيره خرج لها على المشهور ثم كمل فيه ولا يرجع للأول وثالثها مخير. (وأقل ما هو أحب إلينا من الاعتكاف عشرة أيام). وقال ابن حبيب هذا أكثره وأقله يوم وليلة وعلى الأول فأكثره شهر ابن رشد ويكره ما زاد على الشهر قال وقول مالك مرة أقل الاعتكاف يوم وليلة ومرة عشرة أقل مستحبة لا واجبة ولابن وهب وأبي غمر أقله ثلاثة أيام ويلزم أقل الاعتكاف في ابتدائه مع النية لا بمجردها قاله عبد الملك ولابن العربي ما يقتضي اللزوم بمجردها وظاهر كلام الشيخ أنه لا حد لأكثره وقيده اللخمي بما إذا لم يخرج لحد التبتل المنهي عنه. (ومن نذر اعتكاف فأكثر لزمه وإن نذر ليلة لزمه يوم وليلة). ابن حارث من نذر اعتكاف يوم لزمه يوم وليلة اتفاقا وحكى غيره في ذلك اختلافا وظاهر ما هنا أنه لا يلزمه والمعروف خلافه وما ذكر في نذر اعتكاف ليلة هو

مذهب المدونة. وقال سحنون: لا يلزمه شيء وصوبه اللخمي لأنه كمن نذر صلاة ركعة فانظره. (ومن أفطر فيه متعمدا فليبتدئ اعتكافه وكذلك من جامع فيه ليلا أو نهار متعمدا أو ناسيا). يعني أن الاعتكاف يبطل بموجب الكفارة في الصوم نهارا وبوقوع المعصية غيرها ليلا ونهارا وظاهر كلام الشيخ التفريق بين الناسي والعامد فيما ذكر فيه ذلك والمشهور استواء العمد والنسيان في ذلك وفروع المسألة كثيرة غير مهمة لقلة العمل به فانظرها إن شئت. (وإن مرض خرج إلى بيته فإذا صح بنى على ما تقدم وكذلك إن حاضت المعتكفة وحرمة الاعتكاف عليهما في المرض وعلى الحائض في الحيض فإذا طهرت الحائض أو أفاق المريض في ليل أو نهار رجعا ساعتئذ إلى المسجد ولا يخرج المعتكف من معتكفه إلا لحاجة الإنسان). أما خروجه للمرض والحيض ونحوه فللضرورة وذلك لا يسقط حرمته ولا يجب معه التزامه بل يخرج وحرمة الاعتكاف عليه بترك ما يجب تركه وفعل ما يقدر عليه من شأنه وكذا جميع ما يخرج إليه إنما يكون بحرمة اعتكافه وجملة ذلك خمسة نظمها الغافقي فقال: وما له إذا نوى أن يبرحا ... إلا بخمسة لها قد سرحا منها هديت حاجة الإنسان ... والحيض والنفاس للنسوان ونازل من حدث أو من مرض ... وسعيه في قوته لا يعترض قالوا: فيخرج لمرض أبويه أو تمريضهما أو تجهيزهما إن لم يكن أحد لا لجنازتهما أو لغسل ثوبه النجس وله الجلوس عنده حتى يجف إلى غير ذلك وسيأتي بعض ذلك إن شاء الله تعالى. (وليدخل معتكفه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يبتدئ فيها اعتكافه).

لا خلاف أن دخوله المعتكف أول ليلة ابتدائه به مطلوب وهل وجوبا فإن لم يفعل لم يعتد بذلك اليوم وهو قول سحنون أو استحبابا وهو قول البغداديين من أصحابنا قال بعضهم وتحصيل القول فيه أن دخوله إن كان قبل الغروب أجزأ اتفاقا ومع طلوع الشمس لم يجز اتفاقا وفي دخوله قبل الفجر قولان أصحهما الإجزاء وإن دخل مع الفجر فقولان أصحهما البطلان لفوت نية الصوم منه وبالصحة. قال اللخمي فانظره. (ولا يعود مريضا ولا يصلي على جنازة ولا يخرج لتجارة). أما لا يعود مريضا فلأنه يؤدي إلى الخروج من المسجد وأما الجنازة ففي المدونة لا يصلي عليها ولو اتصلت بالصفوف إليه. وفي المعونة جوازها بالمسجد وفي الجلاب لا بأس أن يكتب في المسجد ويقرأ عليه القرآن بموضعه. ابن العربي ما يجوز بالمسجد يجوز له من علم وتدريس وإنما الخلاف فيما بخارجه وفي جواز إمامته قولان لمطرف وسحنون وفي أذانه بسطح المسجد وعند بابه من داخله اختلاف وأصل الكل هل عمل المعتكف سائغ في جميع أعمال البر أو مقصور على

الصلاة والصوم والذكر والدعاء والتلاوة فقط والتعميم لابن وهب والتخصيص هو المشهور والله أعلم. (ولا شرط في الاعتكاف ولا بأس أن يكون إمام المسجد وله أن يتزوج ويعقد نكاح غيره).

معنى الشرط في الاعتكاف أن ينوي فعل أمر مناف له في أثنائه عند عزمه عليه، قال في المدونة: وليس للمعتكف أن يشترط ف يالاعتكاف أمرا يغير سنته وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم وعرف المسلمين سنة الاعتكاف قيل لابن شهاب فإن اشترط المعتكف أن يطلع لقريته اليوم واليومين؟ قال شرك المعتكف في السنة التي مضت قال مالك وإن سافر أو عاد مريضا أو شهد جنازة ابتدأ اعتكافه ولم ينفعه شرطه وليقبل إذا اعتكف على شأنه ابن يونس حكى لنا عن ابن القصار أنه إن اشترط في الاعتكاف ما لا يجوز له لم يلزمه شيء عبد الوهاب وأجاز الشافعي الشرط في الاعتكاف والله أعلم. وقوله (ولا بأس أن يكون إمام المسجد) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الإمامة باعتكافه ولا استخلف أيامه عياض وحكى ابن وضاح عن سحنون ولا يؤم في فرض ولا نفل وعلى الجواز فقال عبد الحق لا يجمع بهم ليلة المطر قال غيره ويستخلف من يصلي بهم على الجنازة وأما إباحة التزوج والتزويج له دون الحاج فلأنه غير ممنوع بالمسجد مع عدم الطول والحج مخالف له فيهما والله أعلم. (ومن اعتكف أول الشهر أو وسطه خرج من اعتكافه بعد غروب الشمس من آخره وإن اعتكف بما يتصل فيه اعتكافه بيوم الفطر فليبت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى). في الجواهر خروجه بعد غروب الشمس من آخر يوم من أيام اعتكافه جائز إلا إذا اعتكف العشر الأواخر من رمضان فإنه يؤمر ببقائه حتى يخرج إلى العيد وروى

سحنون عن ابن القاسم أنه يخرج ليلة الفطر وعلى القول بعدم الخروج فقال عبد الملك بقاؤه واجب وقال عبد الوهاب مندوب وفائدة الخلاف تظهر في مسائل الاعتكاف التي منها أنه لو خرج ليلة الفطر هل يبطل اعتكافه أو لا والله أعلم. خاتمة: قال ابن حبيب أفضل الاعتكاف ما كان في العشر الأواخر من رمضان لالتماس ليلة القدر وفي الموطأ التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة وفي المدونة التاسعة ليلة إحدى وعشرين والسابعة ليلة ثلاث وعشرين والخامسة ليلة خمس وعشرين. ابن رشد المذهب أنها تنتقل كانتقالها في العشر الوسط ليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة وفي أوتار العشر الأواخر، ابن عبد البر قول مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور أنها تنتقل في العشر الأواخر (خ) وانتقلت وهل في السنة أو في الشهر خلاف (ع) فيها تسعة عشر قولا أحدها أنها مبهمة في كل سنة الثاني: أنها مبهمة في كل الشهر. وقاله ابن عمر وجماعة من الصحابة الثالث أنها مبهمة في العشر الوسط أو الأواخر الرابع: أنها مبهمة في الأخرى، الخامس: من رواية المدونة مع ابن حبيب والموطأ الذي تقدم، السادس: انتقالها في أشفاع الأواخر وحكاه ابن العربي عن الأنصار السابع نقل ابن رشد عن المذهب انتقالها وقد تقدم، الثامن: نقله عن ابن حبيب يتحرى جميع لياليها، التاسع: ليلة إحدى وعشرين ورجحه الشافعي كالثالث والعشرين، العاشر: أنها ليلة سبعة وعشرين. الحادي عشر: أنها ليلة ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين. الثاني عشر: أنها ليلة سبع عشرة. قاله ابن الزبير ومال إليه جماعة: الثالث عشر لعلي وابن مسعود رضي الله عنهما ليلة سبع وعشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين. الرابع عشر: ليلة التاسع عشر. الخامس عشر: أنها رفعت فانظر ذلك. والتحقيق أن الله أخفاها كالوسطى في الصلوات ووليه في المؤمنين والحسنة الموجبة والسيئة الموجبة وساعة الجمعة ومن ملح ما وقع في ذلك أن القاضي أبا بكر بن العربي يقول تكون في النصف الأخير من رمضان ليلة الجمعة فإذا دخل الشهر بالأحد

كانت ليلة سبع وعشرين وإذا دخل بالاثنين فهي ليلة تسعة عشرة، وإذا كان بالثلاثاء كانت ليلة خمس وعشرين وإذا كان بالأربعاء كانت ليلة سبعة عشر، وإذا كان بالخميس كانت ليلة ثلاث وعشرين، وإذا كان بالجمعة كانت ليلة تسع وعشرين وإذا كان بالسبت كانت ليلة إحدى وعشرين كذا وجدته عنه ولم أقف عليه في كتبه. وسمع الشيخ أبا عبد الله القوري يحكيه غير مرة ومن عجيب الاستنباط فيها أن قوله تعالى في سورة القدر (هي) وقع سابع وعشرين كلمة فكأنها تعيين لها وكذا ما يذكر عن بعض الطلبة أنه قال ليلة القدر تسعة أحرف، وقد تكرر هذا الاسم في السورة ثلاثا فيضرب في عدد الحروف يكون سبعا وعشرين فتكون هي واحتج لها بعض الناس بإجماع أهل المغرب الأقصى على ذلك وليس بحجة وجرى ابن عباس رضي الله عنه في ذلك بوجوه كثيرة وكل ذلك ايتئناس لا تقوم به حجة. وما ذكره بعض المتصوفة من أن التضعيف يؤدي إليها بأن اليوم الأول بعشر والثاني بضعفه ثم كذلك حتى يكون الثالث عشر أكثر من ألف شهر وما بعده أكثر منه وعلى هذا فتكون متعددة وهو بعيد لا سلف فيه ولا سنة فيلغى ولا يعتبر به والله أعلم. والحق أن الله أخفاها عن خلقه ليحرص الناس على قيام الليل قيل لبعضهم بم تعرف ليلة القدر قال: إن أردتها فلا يفوتنك القيام في ليلة من السنة فإنك تدركها في ضرورة وكذا قال بعضهم: إن أردت إدراك الصلاة الوسطى فحافظ على كل الصلوات فإنها فيها ضرورة وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» قال ابن أبي جمرة ولا يعرف القيام عند السلف إلا بعد نوم فهو أفضل وحكى غيره اختلافا في هذا هل الأفضل في طلبها قيام الليل كله أو بعضه. قال هو رحمه الله والأفضل قيامها بورده عليه السلام الاثنتي عشرة ركعة إذ لم يخالفها قط ولا يأخذ في نفسه الكريمة إلا بما هو الأفضل وذكر أن ثوابها يجري في الجزاء على حسبها لقول ابن المسيب رضي الله عنه من صلى العشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر قال هذا بما لا يقول التابعي برأيه والله أعلم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» رواه أصحاب السنن الخمسة إلا أبا داود وصححه الترمذي والحاكم وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عدي بن أرطاة عليك بأربع ليال من السنة فإن الله يفرغ الرحمة فيها أفراغا أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلتا العيد قلت: فهي مظنة لها وقد نص أهل المذهب على استحباب إحياء ليلتلي العيد والتوفيق بيد الله وهو المرجو للعفو عنا وإصلاح أحوالنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين ذكر في هذه الترجمة سبعة أشياء أصلها أولها وباقيها بالتبع لها ولكل حقيقة وحكم وحكمة فالزكاة في اللغة النمو والزيادة زكا الشيء إذا نما بذاته وكثر كالزرع أو بغيره كالمال أو بفضائله كالإنسان قيل وإنما سميت صدقة المال الواجبة زكاة لأنها إنما تتعلق بالأموال النامية والعين والحرث والماشية وقيل لأن معطيها يزكو بها عند الله وقيل لأنها تزيد عند الله كما قال عليه السلام «فكأنما يضعها في كف الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تصير كالجبل» الحديث. وحقيقتها الشرعية: قال (ع): الزكاة اسم لجزء من المال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصابا ومصدر إخراج جزء من المال إلى آخره ولا خلاف في وجوبها وأنها من قواعد الإسلام وشروطها بعد الإسلام ثمانية الحرية والنصاب وصحة الملك وكماله واتحاده وتمام الحول في غير الحبوب وعدم الدين في العين ومجيء الساعي في الماشية على المشهور وشروط أجزائها أربعة نية مخرجها إنها زكاته أو زكاة من ينوب عنه وإخراجها بعد وجوبها لا قبله وكونها من عين ما وجبت فيه إلا في الشنق ودفعها لمستحقها لا لغيره وفي قصرها على بلد وجبت فيه تفصيل واختلاف. (وزكاة العين والحرث والماشية فريضة).

(العين) الذهب والفضة ويسمى النقد أيضاً و (الحرث) اسم لجميع فوائد الأرض وما بين الحبوب وثمار مطعومة يريد مدخرة قاله الجزولي. قال غيره: والذي تتعلق به الزكاة في الحرث ثلاثة: الحبوب والثمار وذوات الزيوت، فأما الحبوب: ففيها ثلاثة أقوال: مشهورها أنها المقتات المدخر المتخذ للعيش غالبا للقمح والشعير والسلت والعلس والدخن والذرة، والأرز والقطاني وقيل المخبوز منها فقط، فتخرج القطاني وثالثها قول ابن عبد الحكم كل مأكول مدخر يزكى. وفي المدونة إنما الزكاة في التمر والعنب والزبيب والحب والقطنية وأما الثمار فلا خلاف في وجودها في التمر والعنب الذي ينتيه كغيره على المشهور وفيها سواهما من ثم رالشجر ثلاثة: الوجوب لابن حبيب وغيره، والسقوط للموطأ، وثالثها: تجب في التين فقط وأظنه لابن القصار والأشهر خلافه ويشترط كون ذلك مستنبتا فلا تجب فيما يجمع من الجبال مما ليس بمملوك من تمر أو عنب أو زيتون، وإن بلغ حرصه نصابا كما لا تجب في فاكهة وعلف كرمان وكمثرى وقصب ويقول وكذا في الكرسنة وقال أشهب من القطاني وأما ذوات الزيوت فأصلها الزيتون والمشهور وجوبها فيه ولابن زرقون عن ابن وهب لا زكاة في الزيتون، ونقل ابن حارث عنه وجوبها في العلس مخالفا المشور في الوجهين وفي حب الفجل والعصفر والكتان ثالثها إن كثر وجبت ورابعها: إلا في الأخير وهي رواية ابن القاسم والماشية بهيمة الأنعام وهي ثلاثة الإبل عرابها وبختها والبقر جواميسها وغيرها والغنم ضأنها ومعزها وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى. (فأما زكاة الحرث فيوم حصاده والعين والماشية ففي كل حول مرة). يعني أن الزكاة تتعلق بالحرث يوم استحقاقه للحصاد وهو إفراك الحب وطيب الثمرة ولا يجزئ قبلهما فلو مات بعدهما أو باع أو تصدق وجبت في ملكه وكذا لو مات قبلهما وعليه دين مستغرق ولم يقم به ربه حتى طابت وإلا لم تجب إلا على وارث نابه نصاب تام وهذا كله على أن الوجوب يتعلق به يوم استحقاق الحصاد والجداد وهو المشهور فتجب يوم الاستحقاق وتخرج بحسب الإمكان فلو تلف قبل إمكان الإخراج أو ما ينقصه عن النصاب لم تجب بخلاف ما إذا توفي ربه وخرجت عن

ملكه باختياره. وقيل إنما تجب بالحصاد والجداد وثالثها تجب بالخرص فيما يخرص وهو الثمر والعنب إلا الزرع على المشهور وإنما يخرص إذا حل بيعه واختلفت حاجة أهله إليه ويخرص نخلة نخلة فيوضع نقصه لا ما يسقط أو يفسد أو يأكله الطير أو دوابه أو أربابه على المشهور. وكون الحول شرطا في العين يريد غير المعدن وأن فيه النصاب وغير الركاز إن سميناه زكاة عند إفادته لا بعد ذلك فإنه كفيره وشرط الماشية بعد الحول مجيء الساعي على المشهور إن كان ويصل وإلا وجبت بالحول اتفاقا وعلى المشهور لو أخرجت قبل مجيئه حيث يكون لم تجزه والله أعلم. (ولا زكاة من الحب والتمر في أقل من خمسة أوسق وذلك ستة أقفزه وربع قفيز).

أما أنه لا زكاة في أقل من خمسة أوسق فهو نص حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة». متفق عليه واللفظ لمسلم وأما كون الخمسة بكيلهم ستة أقفزة وربع قفيز فبيان لأن المعتبر المعيار الشرعي لا العادي اختلفا أو اتفقا فإن لم يكن فعادة محله ثم بين المعيار الشرعي بأن قال. (والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعة أمداد بمده عليه الصلاة والسلام). أما كون الوسق ستين صاعا والصاع أربعة أمداد فلا خلاف وأما كون المد رطلا وثلثا بالبغدادي فهو المشهور والرطل اثنا عشر أوقية والأوقية عشرة دراهم فمجموع الرطل مائة وثمانية وعشرون درهما ووزن كل درهم خمسون حبة وخمسا حبة من حب الشعير الوسط فجملة النصاب ألف وستمائة رطل وهو بكيل مصر ستة أرادب وثلث وربع أردب والقفيز التونسي اليوم وسق شرعي كالصحفة الفاسية وإنما يعتبر مقدار جفافه إن كان مما يخرص ولا يجف وقد ذكر شيوخ التونسيين أن النصاب عندهم في الزبيب يكون من ستة وثلاثين قنطارا من العنب قالوا لأنها يابسة اثنا عشر قنطارا وذلك خمسة أوسق. وذكر لنا الشيخ أبو عبد الله القوري – رحمة الله عليه – عن الفقيه أبي القاسم التازغدري وكان له إلمام بالفلاحة أن النصاب في عنب مدينة فاس عشرون قنطارا قلت: والظاهر أن ذلك لحر البلاد بتونس ورطوبتها بالأخرى والله أعلم. (ويجمع القمح والشعير والسلت في الزكاة فإذا اجتمع من جميعها خمسة

أوسق فليزك ذلك وكذلك تجمع أصناف القطنية وكذلك تجمع أصناف التمر وكذلك أصناف الزبيب والأرز والدخن والذرة كل واحد صنف لا يضم إلى الآخر في الزكاة). أجمع العلماء على ضم رديء كل جنس إلى جيده وبالعكس واختلفوا في اعتبار الجنسية فقال مالك بتقارب المنافع وقال الجماعة باتفاق الأسماء والمذهب أن ما تقاربت منافعه واستوى في المحصد والمنبت جنس وإن اختلفت أسماؤه كالقمح والشعير والسلت. وروى ابن حبيب كقول ابن كنانة إلحاق العلس بها بخلاف الأرز وأصحابه على المنصوص وخرج الباجي إلحاقها من قول ابن وهب في البيوع والمشهور خلافه في الموضعين، وفي المدونة القطاني هي القول والجلبان والحمص واللوبيا والعدس وشبهها. وفي العتبية والترمس ابن رشد اتفاقا وفي الجلاب البسيلة الباجي هي الكرسنة وفيه نظر وقد ألحقها أشهب بالقطاني وحكى ابن رشد عن ابن وهب ويحيى بن يحيى أنها علف فلا زكاة فيها واستدل بها على أنها ليست من القطاني وفي باب البيوع لم يختلف قول مالك في الزكاة أنها صنف واحد يعني بضم بعضها إلى بعض قالوا وقد وجد في الموازية ما يدل للجواز في ذلك. وسميت قطاني لأنها تقطن في البيوت أي تدوم لقلة استعمالها، وقال ابن الطيب التمر والزبيب في البيوع صنف وهل الزكاة كذلك انظره. والمشهور خلافه وقد تقدم ما في الأرز وذويه والمشهور أنها أصناف لا يضم بعضها إلى بعض ولا يشترط في الضم اتحاد بلد المزارع بل الاجتماع في الفصل الواحد قاله مالك وقال ابن مسلمة يشترط زراعة أحدهما قبل حصاد الآخر والله أعلم. (وإذا كان في الحائط أصناف من التمر أدى الزكاة عن الجميع من وسطه). اختلاف الأصناف في أجناس الحبوب والثمار يوجب في كل بحسبه كما تقدم لكنه يخرج في الحب من كل بقدره عن المشهور وقيل عن الكل من وسطه والمشهور في التمر عكسه.

وروى أشهب كمشهور الحبوب المختلفة وعلى المشهور في الثمار إن ظهرت زيادة بعضها فمنه لا من الوسط وظاهر كلام الشيخ خلافه وفي إلحاق الزبيب بالحبوب أو بالتمر قولان حكاهما اللخمي ومفهوم كلام الشيخ إذا كان صنفا واحدا فإنه يؤدي منه كان جيدا أو رديئا أو وسطا ولا خلاف في أنه منه إن كان وسطا وكذا إن كان جيدا أو رديئا على المشهور وقال سحنون: يكلف الوسط كخيار الماشية وشرارها إلا أن يشاء دفع الجيد بخلاف العكس. (ويزكي الزيتون إذا بلغ حبه خمسة أوسق أخرج من زيته ويخرج من الجلجلان وحب الفجل من زيته فإذا باع ذلك أجزأه أن يخرج من ثمنه إن شاء الله). قد تقدم أن أول من زكى الزيتون عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأن ابن وهب قال: لا يزكي والمشهور خلافه وكيفية تزكيته كسائر ذوات الزيوت أن يوسق حبه يوم الجداد على المشهور لا قبل ذلك ولا بعده وقال اللخمي الصواب قول ابن مسلمة وابن عبد الحكم يخرج من حبه والمشهور ما ذكره الشيخ وأنه يخرج من زيته، وقال ابن عبد السلام: المشهور إلحاق ما لا يتزيت بما يتزيت كعنب لا يتزبب وتمر لا يتتمر لأن غالب جنسه هو ذاك فهذا تبع له اللخمي ولا تجب في الجلجلان بأرض المغرب زكاة لأنه إنما يتخذ بها للدواء وحب الفجل كذلك. وقد تقدم ذكر ذلك والمشهور في بيع ما يعصر قبل عصره لزوم مثل لازمه زيتا فلا يجزي من ثمنه ففي المدونة: من باع زيتونا له زيت أو رطبا يتمر، أو عنبا يزبب فليأت بما لزمه زيتا أو تمرا أو زبيبا، وهو خلاف ما هنا للشيخ. وروى محمد إن باعه عنبا كل يوم وجهل خرصه أخرج من ثمنه والمشهور فيما لا زيت له الإخراج من ثمنه كما لا يجب من الثمار على المشهور أيضاً. وقيل: من حب الزيتون وجنس الثمار وجبت يخرج من ثمنه فسواء قل أو كثر وحيث يخرج من عينه لبيع ونحوهن فيسأل المبتاع إن وثق به عن مخرجه غالبا وإلا فأهل المعرفة به وقول الشيخ (إن شاء الله) تنبيه على أنه اختياره والله أعلم. (ولا زكاة في الفواكه والخضر).

يعني: بالفواكه والخضر كالتفاح والمشمش، وفي معنى ذلك مما لا يدخر ولا يقتات، وكذلك اىلقصب بالصاد – أي: المهملة – والقضب بالضاد – أي المعجمة – وقد قالت عائشة رضي الله عنها جرت السنة أن لا زكاة في الخضر على عهده عليه السلام وعهد الخلفاء من بعده وعليه عامة الفقهاء إلا أبا حنيفة فإنه أثبتها في جميع النبات إلا الحشيش والحطب والقصب ولم يعتبر نصابا في شيء من المعشرات والله أعلم. تتميم: لا يزاد في المخرج لقشر أرز ولا عدس ويحسب في النصاب وكذا ما أكله أو علفه أو تصدق به بعد طيبه مما له بال أو استأجر به قتا ويسقط ما أكلته الدواب في الدرس بأفواهها أو أكله بلحا ويتحرى ما أكله من الفريك والفول والحمص أخضر فإن بلغ به نصابا بعد تقدير جفافه زكاة ويخرج عما تحرى من جنسه جافا، وقيل: من ثمنه إن شاء وكل ما في سقيه كبير كلفه كالنضج والسواقي والدلاء وهي النواعير فليس إلا نصف العشر وفيما كان بالسيح العشر ولو كان السيح مشترى على المشهور قاله

ابن بشير وقال اللخمي فيما اشتري أصل مائة العشر لأن ماءه نحلة وفيما سقى بواد أجرى إليه بنفقة نصف عشر أول عام وعشر فيما بعده وفيما سقي بكلفة وبغير كلفة تفصيل وبالله التوفيق. (ولا زكاة من الذهب في أقل من عشرين دينارا فإذا بلغت عشرين دينارا ففيها نصف دينار ربع العشر فما زاد فبحساب ذلك وإن قل ولا زكاة من الفضة في أقل من مائتي درهم وذلك خمس أواق). لا خلاف في وجوب الزكاة في الذهب والفضة وزكاة الفضة هي التي في حديث أبي سعيد وجابر رضي الله عنهما وأن «لا زكاة فيما دون خمس أواق من الفضة» متفق عليه وفي حديث علي كرم الله وجهه «إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم» قال: «وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك» رواه أبو داود وهو حسن. واختلف في رفعه ووقفه. قال المازري وهو إن لم يكن مرفوعا فقد اتفقت الأمة على أعماله إلا ما روي عن بعض السلف في ذلك وقد اتفق على تركه فإن نقصت عن عشرين دينارا أو عن نصاب الدراهم عددا أو وزنا نقصا يحطها عن الكاملة سقطت الزكاة اتفاقا وإن لم يحطها بأن راجت كالوازنة فثلاثة الوجوب للموطأ مع ابن المواز والسقوط لرواية ابن القصار وثالثها لسحنون مع ابن القاسم ومالك إن كان النقص كثيرا سقطت وإن كان يسيرا فلا تسقط ولا يجبر بجودة وحسن سكة والمعتبر الخالص من الذهب والفضة ورديئهما لرداءة المعدن كالخالص الباجي: ولا نص في الرداءة لنقص التصفية وأرى أن قل وجرى كالخالص أنه مثله وإلا اعتبر خالصه فقط وبه فسر ابن رشد المذهب والرديء بما أضيف إليه. قال الباجي: إن كان لضرورة الضرب فكالخالص القاضي كدانق واحد في عشر دوانق وإن كثر فللباجي المعتبر خالصه اللخمي: المعتبر خالصه وقيمة نحاسه ابن يونس في تقويم نحاسه حين زكاته مطلقا أو إن كان مديرا قولان وحكم الزيادة ما ذكر في المدونة وفي التلقين ما زاد فبحسابه في كل ممكن ابن عبد السلام.

واختلف شيوخنا هل هو اختلاف فيكون عند عبد الوهاب أنها لا تجب في زائد لا يقبل القسمة في ذاته إلى ما يجب إخراجه وهو جزء من أربعين وعلى ظاهر المدونة يشتري به الطعام مثلا ويقسم إلى ذلك ثم يخرج واجبة منه هذا معنى كلامه والله أعلم. (والأوقية أربعون درهما من وزن سبعة أعني أن السبعة دنانير وزنها عشرة دراهم فإذا بلغت هذه الدراهم مائتي درهم ففيها ربع عشرها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك).

بين في هذه الجملة قدر الأوقية التي ذكرها وأنها أربعون درهما من وزن سبعة ثم ذكر معنى قوله (وزن سبعة) بوزن الذهب فكان بيانا لقدر الدينار أيضاً وجملة ذلك أن وزن الدينار سبعة أعشار وزن الدرهم وذلك أن كل درهم وزنه خمسون حبة وخمسا حبة من حب الشعير الوسط وكل دينار وزنه اثنان وسبعون حبة فيكون مجموع العشرة الدراهم خمسمائة حبة وأربع حبوب وذلك وزن مجموع السبعة لأن السبعة في سبعين بأربعمائة وتسعين والأثنان في سبعة بأربعة عشر فالخارج خمسمائة وأربعة والعشرة في خمسين بخمسمائة والخمسان في عشرة بأربعة صحيحه فاتفق السبعة الدنانير والعشرة الدراهم في عدد الحبوب وزنا. وحكى الخطابي وغيره أن أصل المعاملة كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانت بدراهم الفرس والروم وكانت الفارسية تسمى السوداء ووزنها ثمانية دوانق وكانت الرومية تسمى الطبرية ووزنها أربعة دوانق فكان النصاب يعتبر بمائة من هذه ومائة من هذه فلما كان زمن عبد الملك بن مرون تحرج من ذلك فضرب سكة لنفسه وكيلها بذلك فجعل الدرهم من ست دوانق على السواء لأن مجموع الدرهمين كانت اثنا عشر دانقا ووزن كل دانق ثمان حبات من حب الشعير الوسط وثلث حبة وثلث خمس حبة فكان الدراهم خمسين حبة وخمسين حبة لأن الثمانية إذا ضربت في ستة كانت ثمانية وأربعين والثلث في الستة باثنين هي تمام الخمسين وثلث الخمس في سنة بخمسين ثم عدل كا عشرة دراهم بسبعة دنانير وجعل الدينار أربعة وعشرين قيراطا وزن كل قيراط ثلاث حبات فكانت حبوبه اثنين وسبعين حبة لأن العشرين في ثلاثة بستين والأربعة في ثلاثة باثني عشر ورأيت بخط ابن البناء العددي رحمه الله أنه وزن ذلك بأنواع من الشعير فلم يصح حتى أخذ نصف العدد من صغيره ونصفه من كبيره فصح معه وبحسب هذا فالنصاب بدراهم مصر خمسة وثمانون درهما ونصف درهم وثمن قاله في التوضيح. واختبر الدرهم التونسي سنة فكان أربعة وعشرين حبة وبحسب ذلك فالنصاب به أربعمائة جديدة وعشرون درهما ووزن الدينار التونسي على ما اختبر في ذلك التاريخ ثلاثة وثمانون حبة فنصابه سبعة عشر دينارا أو تسعة وعشرون جزءا من ثلاثة

وثمانين جزءا ولم أزل أسمع أن نصاب الذهب بمدينة فاس سبعة عشر دينار أو سبع دينارا وقال الشيخ أبو عبد الله القوري رحمه الله إن نصاب الذهب سبعة عشر دينارا بدنانيرنا والفضة ثمانية عشر أوقية بأواقنا وأمرني بإلحاق ذلك في كتاب ألفته في العبادات وقرأته عليه فلا أدري هل ذلك تحقيق أو تقريب وتحقيق ذلك بمعرفة حبوب النصاب وهي من الذهب أربعمائة وأربع وأربعون حبة ونصاب الفضة عشرة آلاف وثمانون حبة ولا يعتبر ذلك بحب القمح لأنه أخف عند التفضيل وإن كان أثقل عند التحميل لتداخله وأفادني الأخ في الله الفقيه المحقق أبو عبد الله بن غازي - كان الله له - أن وزن الدينار الشرعي بحب القمح ست وتسعون حبة ولا أدري من أين نقله إلا أنه رجل محقق والله أعلم. (ويجمع الذهب والفضة في الزكاة فمن كان له مائة درهم وعشرة دنانير فليخرج من كل مال ربع عشره). اتفاق الذهب والفضة في المعنى المقصود منها هو علة ضم كل منهما إلى صاحبه باتفاق المذهب وهو مذهب الحنفي خلافا للشافعي إلا أن معروف المذهب أن الاعتبار في ذلك بالجزء لا بالقيمة خلافا لأبي حنيفة فمن له تسعة دنانير تساوي مائة درهم وعنده مائة درهم فلا زكاة عليه عندنا بخلاف من له عشرة دنانير ومائة درهم ولو كانت العشرة تساوي خمسين والمائة تساوي خمسة وما ذكره ابن الحاجب عن الغزالي يطول ذكره ورده فانظره. (ولا زكاة في العروض حتى تكون للتجارة فإذا بعتها بعد حول فأكثر من يوم أخذت ثمنها أو زكيته ففي ثمنها الزكاة لحول واحد أقامت قبل البيع حولا أو أكثر إلا أن تكون مدبرا لا يستقر بيدك عين ولا عرض فإنك تقوم عروضك كل عام وتزكي ذلك مع ما بيدك من العين).

العروض على ثلاثة أوجه: أحدها: عروض القنية التي لا يتجر فيها وهذه لا زكاة فيها ولا تنقلها نية التجارة عن حكمها حتى يعمل بها ولو نواها بعد عمل التجارة تنقل إليها على المشهور فيهما. الثاني: عروض الحكر وهي التي يترصد بها الأسواق للتجارة وهذه تجب فيها الزكاة لعام واحد بعد بيعه ولو أقام قبل البيع سنين عدة لكن بشروط سبعة هي أن يكون مملوكا بعوض أصله عين بيده وإن أقل أو عرض تجارة وأن يباع بعين ناضا لا استهلاكا وأن يرصد بها الأسواق وأن يكون مقامه قبل البيع حولا فما فوقه وأن يكون منويا للتجارة في أصله وأم لا ينوي به القنية قبل تزكيته على المشهور لا بلا نية فلا تجب كان نوى القنية أو مع الغلة على المشهور. الثالث: عروض الإدارة وهي التي تشتري للتجارة وتباع بالسعر الواقع من غير

ترصد وهذا يزكى كل عام بتقويم عروضه بشرط أن ينض له شيء من الدراهم ولو قل على المشهور ولو في أول السنة على المشهور فيضيف ما قوم لما بيده ويزكيها في حوله فإن لم ينض له شيء إلا بعد الحول فالمشهور يحسبه مع ما يقوم حينئذ ولو كان دون نصاب خلافا لأشهب ويكون حوله يومئذ ويلغي الزائد. وروى مطرف وعبد الملك عدم اشتراط النضوض مطلقا وعليه فهل يخرج العرض أو العين قولان ولما كان لا يستقر بيده عين ولا غيره كان حوله ما يصيبه من شهور السنة لتقويم عروضه قال الباجي وقال غيره أو شهر من السنة الثانية ويعد دينه النقد الحال المرجو على المشهور والمؤجل المرجو يزكي قيمته على الأصح ولو بارت سلعه. فقال سحنون: يصير محتكرا وقال ابن القاسم لا رخصة اللخمي ببوار اليسير وهل يحد البوار بالعامين أو بالعرف قولا سحنون وعبد الملك والتقويم بما يباع به من ذهب أو فضة ويخير فيما يباع بهما وهل حوله من حين ملكه أو من حين إدارته أو ما بين الأصل والإدارة خلاف اللخمي لا يقوم أوانيه ولا آلة الإدارة وكذا بقر حرث التجارة وحكى ابن بشير في الآت الحائك وماعون العطار قولين. (وحول ربح المال حول أصله وكذلك حول نسل الأنعام حول الأمهات). يعني ولو قصر الأصل عن النصاب على المشهور ابن رشد وكذلك لو كان الأصل يقصر عن ثمن ما ربح فيه أو لم ينقده وهذا هو المشهور وروى زياد إلا أن يقصر الأصل عن ثمن ما ربح فيه فيكون حكم نفسه وسمع أشهب كرواية ابن نافع إن قصر ولم ينقده فله حكم نفسه قالوا والأصل في ذلك نسل الأنعام إن له حول الأمهات فكان حقه أن يقدم لأنه المقيس عليه ولكن أتى به الشيخ للتنظير ولم يعتبر للتأصيل. (ومن له مال تجب فيه الزكاة وعليه دين مثله أو ينقصه عن مقدار مال الزكاة فلا زكاة عليه إلا أن يكون عنده مما لا يزكي من عروض مقتناة أو رقيق أو حيوانات مقتناة أو عقار أو ربع ما فيه وفاء لدينه فليزك ما بيده من المال فإن لم تف عروضه بدينه حسب بقية دينه مما بيده فإن بقي بعد ما فيه الزكاة زكاة). يعني أن زكاة العين تسقط بوجود الدين الذي تتوجه المطالبة به كان عن عرض

أو لا كان حالا أو مؤجلاً أو كان لآدمي على خلاف في بعض ذلك فالمشهور في دين الزكاة لا تسقط به فالكفارات ونحوها أحرى والأشهر سقوطها بدين مهر المرأة وإن كان يتأخر لموت أو فراق وقاله ابن القاسم خلافا لابن حبيب واللخمي وتسقط بنفقة الزوجة مطلقا بدين وبنفقة الولد إن قضي بها إلا إن لم يقض بها كنفقة الولد على المشهور فيها. ومسائل الباب كثيرة ثم نقص النصاب بالدين كموازاته له فمن له عشرون دينارا أو عليه نصف دينار أو أقل أو أكثر فلا زكاة عليه إلا أن يكون ما يوازي الدين من غير مال الزكاة هناك فإنه يجعل دينه فيه ويعتبر ما يباع مثله في دينه عند فلسه كداره وسرجه وسلاحه وخاتمه وماله قيمة من ثوب جمعة وكتب فيجعل الدين فيه على المشهور وفي دينه على المشهور ثم إن كان حالا اعتبر عدده. وقال سحنون: قيمته وغير المرجو كالعدم كثياب ظهره وما يعيش به الأيام هو وأهله ويقوم العرض يوم الوجوب عند ابن القاسم وعنه القولان وعبده الآبق المرجو كالحاضر على المشهور والماشية والمعادن والمعشرات كالعروض إن زكيت قبل على المشهور فيجعل فيه الدين كرقبة المدبر قبل الدين على المشهور فيعتبر قيمتها عند ابن القاسم وخدمته عند أشهب وبالله التوفيق. والعروض في باب الزكاة ما سوى العين والحيوان فيدخل الطعام والرقيق العبيد والحيوان الماشية والبهائم والعقار - بالتخفيف والفتح - الأصول الثابتة وإن لم تكن له عتبة والربع ما له عتبة كالدور ونحوها فهو خاص بعد عام والله أعلم. (ولا يسقط الدين زكاة حب ولا تمر ولا ماشية). لأن هذه الثلاثة ظاهرة لا تمكن الخيانة فيها بخلاف العين فأعين على زكاتها بمسامحة أهلها عند توجه الدين وقد أجمع الصحابة على إسقاط زكاة العين بالدين قاله ابن رشد وكان عثمان رضي الله عنه وغيره من الخلفاء يأخذون زكاة ما عدا العين ولا يسألون عن الدين اللخمي والقياس سقوط الجميع فانظر ذلك. (ولا زكاة عليه في دين حتى يقبضه وإن أقام أعواما فإنما يزكيه لعام واحد بعد قبضه وكذلك العرض حتى يبيعه وإن كان الدين أو العرض من

ميراث فليستقبل حولا بما يقبض منه). زكاة الدين لا تجب عند مالك إلا بعد قبضه ما لم يكن مديرا فيحسبه في إدارته إن كان حالا مرجوا على خلاف فيه ثم إذا قبض فهو كالعرض المحتكر يزكي لعام واحد إن كان عن أصل بيده وإلا فهو فائدة والفوائد يستقبل بها من يوم القبض وستأتي إن شاء الله تعالى والحاصل أن العرض كالدين والدين كالعرض قبض الدين كبيع العرض وبالعكس والله أعلم فانظر ذلك. (وعلى الأصاغر الزكاة في أموالهم في الحرث والماشية وزكاة الفطر). يعني أن الزكاة حق تعلق بعين المال فلا يشترط في وجوبها بلوغ ولا عقل لثبوت الملك لها ويخرجها الولي عن الصبي والمجنون وغيره ممن تحت ولايته وإذا أخرجها أشهد عليها فإن لم يشهد فقال ابن حبيب: يصدق الولي إن كان مأمونا الشيخ إنما يزكي الولي عن يتيمه إن أمن التعقب وجعل له ذلك وإلا فلا كقولهم في التركة يجد فيها خمرا فانظره. (ولا زكاة على عبد ولا على من فيه بقية رق في ذلك كله فإذا أعتق فليأتنف حولا من يومئذ بما يملك من ماله). إنما لا تجب الزكاة في مال العبد لأن ملكه مزلزل في حقه وفي حق سيده وكمال الملك شرط في ذلك وقال ابن كنانة تجب على سيده لأن للسيج انتزاعه (س) الظاهر عندي تعلق الزكاة بمال العبد إما عليه أو على سيده لأنه لأحدهما قطعا للسيد بانتزاعه وللعبد باستمراره فانظره. وما ذكره من الائتناف عند العتق واضح قالوا وإذا أعتق وزرعه أخضر وجبت عليه زكاته وإن كان بعد الحصاد فلا شيء عليه اتفاقا فيهما وفيه بعد الإفراك واليابس اختلاف تقدم فيما تجب الزكاة به فانظره. (ولا زكاة على أحد في عبده وخادمه وفرسه وداره ولا فيما يتخذ للقنية من الرباع والعروض ولا فيما يتخذ للباس من الحلي). أما الثلاثة الأول ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «ليس على مسلم في عبده ولا فرسه صدقة» رواه البخاري ولمسلم «ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر» وأما القنية

فهو ما ينوي به الاقتناء كسكنى الدار ولبس الثياب ونحوه وهذا لا زكاة فيه ومقابله المتخذ للتجارة وفيه تفصيل تقدم وثالث التقسيم أن يكون الانتفاع بغلته كالدور للكراء والعبد للخراج والغنم للصوف والبساتين للغلة وحكمه إذا بيع حكم عروض القنية يستقبل بثمنه على المشهور وقيل كعروض الاحتكار وحكم غلته دائر بين الحكمين فانظره في المطولات وأما الحلي فالمتخذ للباس المباح لمن يباح له لا زكاة فيه وكذا ما اتخذ للعارية. قال الباجي: وإن كان لرجل وهو المشهور وقال ابن حبيب إن كان لامرأة وإلا فلا وفيما اتخذ للكراء ثالثها إنما يسقط إن كان لامرأة ولعياض عن الباجي إنما الخلاف في كراء النساء حلي الرجال وبالعكس. وفي المدونة لا زكاة فيما اتخنه ليكرينه وفيها لا زكاة فيما حبس لإصلاحه ابن يونس: وقيده بعضهم بما لا يمكن إصلاحه فيه من غير إنشاء بعد كسره الباجي. وروى محمد: لا زكاة في التبر والحلي المكسور يريد أهله إصلاحه وفي زكاة ما اتخذ للعاقبة اختلاف. (ومن ورث عرضا أو وهب له أو رفع من أرضه زرعا فزكاة فلا زكاة عليه في شيء من ذلك حتى يباع ويستقبل له حولا من يوم يقبض ثمنه). هذه زكاة الفوائد والفائدة ما تجدد من المال عن غير أصل كالموروث والموهوب وصابه الحرث ونحو ذلك فلا زكاة فيه اتفاقا إلا زكاة الحرث ثم إذا بيع استأنف بثمنه حولا من يوم القبض ولو بيع بمؤجل فالمشهور كالأول. وقال عبد الملك من يوم البيع ولو ورث ناضا غائبا وتأخر قبضه عاما فأكثر فحكى اللخمي فيه أربعة فانظرها وفي المدونة حول الأصاغر فيما ورثوه من عين من يوم قبضه وصيهم معينا لهم ولو قبضه مشاعا بينهم وبين كبير فحق لهم من يوم القسم والله أعلم. (وفيما يخرج من المعدن من ذهب أو فضة الزكاة إذا بلغ وزن عشرين دينار أو خمس أواق فضة ففي ذلك ربع العشر يوم خروجه).

المعدن عين فيشترط نصابه كالعين ويكون الإخراج منه كذلك ولا يعتبر فيه الحول لأنه يشبه الحرث في نمائه بنفسه وفي اشتراط الإسلام والحرية قولان والمشهور اشتراطهما ثم مصرف الواجب فيه مصرف الزكاة ومعنى يوم خروجه أي يوم خلاصه والله أعلم. (وكذلك فيما يخرج بعد ذلك متصلا به فإن قل وإن انقطع نيله بيده وابتدأ غيره لم يخرج شيئاً حتى يبلغ ما فيه الزكاة). يعني أن ما يخرج من المعدن يضم بعضه إلى بعض إذا اتصل نيله وعمله لا إن انقطع وسواء كان من موضع واحد أو من مواضع متقاربة وما حدث بعد انقطاع العرق له حكم نفسه فلا يضم لغيره حتى يبلغ نصابا خلافا لابن مسلمة ولا يضم معدن لآخر إلا في وقته على الأظهر وفي ضم ذهب لورق إن اتحد معدنهما قولان. وخرج أبو داود عن بلال بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية

الصدقى وأقطعها .... الحديث - والقبلية بفتح القاف والباء - الموحدة موضع على خمسة أيام من المدينة والله أعلم. (وتؤخذ الجزية من رجال أهل الذمة الأحرار البالغين ولا تؤخذ من نسائهم وصبيانهم وعبيدهم وتؤخذ من المجوس ومن نصارى العرب). أخذ الجزية من أهل الكتاب على تقريرهم تحت ذمة الإسلام مجمع عليه وفي أخذها من غيرهم من الكفار أربعة لعبد الملك قصرها على أهل الكتاب لأن القرآن لم يذكر غيرهم والمشهور أخذها من كل كافر إلا من المرتد وثالثها لابن وهب من كل كافر إلا من مجوس العرب ورابعها إلا من قريش فقيل إكراما لهم وقيل لأنه لا يوجد قرشي كافر إلا مرتد والمرتد لا يقر وإنما تؤخذ ممن يقتل في الحرب لأنها مشروعة لحقن الدماء ولا يقتل النساء والصبيان ولا العبيد والرهبان فلا تؤخذ منهم الجزية ولا تؤخذ إلا من ذكر بالغ عاقل حر على المشهور مخالط لهم تنالهم أحكامنا قال بعضهم ولا يبنغي أن يختلف في أخذها من مجوس العجم لقوله عليه السلام: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب». وفي البخاري والموطأ عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر ولأبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه عليه السلام بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة فأخذه وحقن دمه وصالحه على الجزية ... الحديث. (والجزية على أهل الذهب أربعة دنانير على أهل الورق أربعون درهما ويخفف عن الفقير). هذا في جزية أهل العنوة وكذا فرضها عمر رضي الله عنه بزيادة إرفاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام وحكى ابن المواز عن مالك تطرح عنهم الضيافة اليوم لأنهم لم يوف لهم وتؤخذ منهم آخر كل سنة على الأحسن ولا تزاد لغنى على المشهور ولا تنقص لفقر إن قوى عليها وتسقط إن عجز عن جملتها. وروى الجلاب لا جزية على فقير ابن رشد من ضعف عنها فظاهر قول ابن القاسم سقوطها وقيل إلا ما يحمل ابن القصار ولا حد لأقلها وقيل أقلها ربعها وهو دينار أو عشرة دراهم فصرف دينار الجزية عشرة دراهم كدينار الزكاة بخلاف دينار الدية والإيمان والقطع والنكاح فإنه اثنا عشر وسيأتي إن شاء الله - عز وجل - وجزية

الصلح اصطلاحية فما شرط وجب وإن أطلق بحيث نزلوا على الجزية دون تعيين فكالعنوي والله أعلم. (ويؤخذ ممن تجر منهم من أفق إلى الأفق عشر ثمن ما يبيعونه وإن اختلفوا في السنة مرارا). يعني أنه يؤخذ العشرة من تجار أهل الذمة لأن الجزية إنما هي لحقن دمائهم فقط عند مالك ويؤخذ منهم العشر في التجارة للتوسع في بلاد الإسلام وهل الواجب عشر القمن وهو المشهور فإذا لم يبع فلا شيء عليه أو عشر المبيع فيؤخذ منه ولو لم يبع قولان ابن يونس وروى محمد بن عبدوس إن رجع بما قدم به أخذ منه عشرة ثم إن نزل بلدا آخرا لم يؤخذ منه شيء ابن رشد إن كان البلد الآخر من ذلك الأفق نفسه وإلا عشر عليه وسمع القرينان ما جلب من تيماء إلى المدينة عشر بخلاف ما جلب من وادي القرى ابن رشد الحجاز واليمن أفقان والأندلس كلها أفق واحد (ع) مقتضى الروايات أن أفقه محل أخذ الجزية منه. وفي المدونة الشام بالمدينة أفقان قال الشيخ أبو مهدي الغبريني تلميذ (ع) تونس وقسطنطينية أفقان فانظر فيه وأصل مالك وجوب تكرار التعشير بتكرار الدخول. (وإن حملوا الطعام خاصة إلى مكة والمدينة خاصة أخذ منهم نصف العشر من ثمنه). المراد بالطعام ما يقتات غالبا فلذلك استثنى ابن رشد القطنية لأنها إدام وفي الموطأ وغيره ذكر الحنطة والزبيب وفي الجلاب قرى مكة والمدينة لها حكم مكة والمدينة وروى ابن الحكم يؤخذ منهم العشر في مكة والمدينة كغيرها قائلا ولا يؤخذ فيهما إلا فيما جلبوه من الطعام خاصة فلا يؤخذ منهم شيء في غيرهما من البلاد والمشهور ما في الأصل وأصل الخلاف هل ذلك للحرمة فيهم في كل زمان أو للجلب فلا ينقص عند التيسير فانظر ذلك. (ويؤخذ من تجار الحربيين العشر إلا أن ينزلوا على أكثر من ذلك). يعني أن الحربي إذا اتجر إلى بلاد الإسلام ودخل بالأمان على شيء يعطيه لزمه ولا يزاد عليه وإن لم يعين شيئا لزمه العشر فما دونه باجتهاد الإمام على المشهور. قال

ابن القاسم وأشهب ولا يزاد على العشر وقال أصبغ إن كانوا معروفين بالنزول على العشر قبل ذلك وظاهر كلام الشيخ أنه لا ينقص من العشر وإن رآه الإمام والمشهور أن ذلك لاجتهاد الإمام في النقص والزيادة والله أعلم. (وفي الركاز وهو دفن الجاهلية الخمس على من أصابه). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في الركاز الخمس» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي المدونة أولا لمالك هو دفن الجاهلية كما قال الشيخ نقول أولا وفيها آخرا مع الموطأ سمعت أهل العلم يقولون إنما الركاز دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال أو كبير عمل وإن أصيب مرة دون أخرى فغير ركاز عياض قيل قولاها اختلاف وقيل وفاق وهذا في المعدن والأول في الدفن والمشهور تخميس القليل والكثير منه كان عينا أو لؤلؤا أو نحاسا أو غيرها إليه رجع مالك عن تخصيصه بالعين واختاره ابن القاسم وغيره وما كثر العمل والنفقة في تحصيله فليس فيه إلا الزكاة على الأصح. وفي قوله (على من أصابه) عموم فلا يشترط الإسلام ولا غيره وهو لواجده بموات أو فيفاء أو مجهولة ولمالكها بغيرهما إن وجده اتفاقا أو غيره على المشهور وقيل للواجد مطلقا ودفن مسلم أو ذمي لقطة وذو علامتي الإسلام وغيره لواجده.

فرع: وما لفظه البحر من عنبر ولؤلؤ ونحوه غير مملوك فلواجده ولا يخمس ولو رآه أحد وبادر غيره أو واحد من جماعة فللرسابق فإن كان مملوكا فهل لمالكه أو لواجده قولان إلا الحربي فلواجده كان أخذه منه بقتال هو السبب وإلا ففيء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وجد كنزا في خربة «إن وجدته في قرية مسكونة فعرفه وإن وجدته في غير قرية ففيه وفي الركاز الخمس». أخرجه ابن ماجه من طريق عمرو بن شعيب وإسناده حسن والله أعلم.

باب في زكاة الماشية

باب في زكاة الماشية أفرد هذا الباب للتهمم به ولأنه ورد في الحديث بمفرده لأن وجه العمل فيه مختلف والله أعلم. (وزكاة الإبل والبقر والغنم فريضة).

الماشية عبارة عما ذكر من الثلاثة الأنواع ولا خلاف بين المسلمين في وجوب الزكاة فيها بشروط وجوبها في العين إلا عدم الدين ويزيد في هذه مجيء الساعي فإنه شرط وجوب على المشهور إن اعتيد والمعلوفة والعاملة كالسائمة وفيما تولد منها ومن الوحش ثالثها إن كانت الأمهات من الوحش سقطت وتفاصيل نصابها ذكرها الشيخ وبدأ بالإبل. (فقال ولا زكاة من الإبل في أقل من خمس ذود وهي خمس من الإبل ففيها شاة جذعة أو ثنية من جل غنم أهل ذلك البلد من ضأن أو معز إلى تسع ثم في العشر شاتان إلى أربعة عشر ثم في خمسة عشر ثلاث شياءه إلى تسعة عشر فإذا كانت عشرين فأربع شياه إلى أربع وعشرين ثم في خمس وعشرين بنت مخاض وهي بنت سنتين فإن لم تكن فيها فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين ثم في ست وثلاثين بنت لبون وهي بنت ثلاث سنين إلى خمس وأربعين ثم في ست وأربعين حقة وهي التي يصلح على ظهرها الحمل ويطرقه الفحل وهي بنت أربع سنين إلى ستين ثم في إحدى وستين جذعة وهي بنت خمس سنين إلى خمس وسبعين ثم في ست وسبعين بنتا لبون إلى تسعين ثم في إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة فما زاد على ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون). ثم ما ذكره ظاهر التصور وقد جاء تفصيل ذلك في كتاب فريضة الصدقة الذي كتبه أبو بكر رضي الله عنه قائلا هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله الحديث على اختلاف ألفاظه وروايته في غير النصب والأعداد إلا أن في قول الشيخ خمس ذود إطلاق الذود على الواحد من الإبل ولم يسمع من

العرب فانظره والجذع من الضأن معلوم ولا تؤخذ من المعز إلا أن يكون حل غنم البلد وسيأتي ذكر أسنانها قريبا إن شاء الله وقوله (من جل غنم البلد) هو المشهور. وروى ابن نافع يراعي كسبه وقال ابن حبيب إن كان بيده صنف فمنه وإن كان بيده الصنفان فمن أكثرهما ورابعها يخير الساعي ولبعض شيوخ المازري إن عدما ببلده عمل على أقرب البلاد إليه ولو أخرج عن الشاة بعيرا فالأصح الإجزاء وهو قول ابن عبد المنعم. وقال ابن العربي والباجي لا يجزئ والمزكي بالغنم من الإبل يسمى الشنق؛ لأن المزكي يشنق صاحب الإبل فيما ليس عنده ولا يزكى مال من غيره عند الجمهور غير أول مراتب الإبل المذكورة، وقوله (فإن لم تكن فيها فأبن لبون ذكر) يريد إن وجد في إبله وعدمت أصلا أو خالصة لا إن وجدت ولا إن فقدهما فإنه يشتري بنت المخاض لا ابن اللبون إلا أن يرى الساعي أخذ ابن اللبون نظرا وفي المسألة خلاف وأمده بقوله (ذكر) لرفع الاحتمال في البنوة والله أعلم. وحاصل ما ذكر أن الفرض ينتقل في كل خمس إلى خمس وعشرين ثم ينتقل بالعشرات إلى ست وأربعين ثم بالخمسة عشر إلى إحدى وتسعين ثم في الثلاثين فهي مراتب أربع في الأولى انتقالات خمس وفي الثانية اثنان وفي الثالثة ثلاثة وسيأتي ذلك في الأوقاص إن شاء الله. ثم إن زادت بعد العشرين ومائة إلى تسع وعشرين فمشهورها يخير الساعي بين حقتين وثلاث بنات لبون إن وجدا أو فقدا وهل إن وجد أحدهما فقط أو يتعين وهو الأقرب قولان وفي ثلاثين ومائة حقة وبنتا لبون اتفاقا فانظر ذلك. وما ذكر في الأسنان واضح وإذا أطاع بسن أفضل أجزأ وهل إن أخذ للفضل ثمنا وأعطى عن النقص وصوب أو لا وشهر أو يكره فإن وقع أجزأ وشهر أيضاً أقوال فانظرها. (ولا زكاة من البقر في أقل من ثلاثين فإذا بلغتها ففيها تبيع عجل جذع قد أوفى سنتين ثم كذلك حتى تبلغ أربعين فيكون فيها مسنة ولا تؤخذ إلا أنثى وهي بنت أربع سنين وهي ثنية فما زاد ففي كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين

تبيع). هذه زكاة البقر ونصبها وهي في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه رواه الخمسة وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم وما ذكره الشيخ من سن التبيع هو قول ابن نافع وقال ابن حبيب هو ما أوفى سنة ودخل في الثانية وكونه ذكرا شرط على المشهور فلو أراد الساعي جبره على الأنثى من سنه فليس له ذلك عند ابن القاسم. وقال ابن حبيب مع رواية أشهب له ذلك ولا يؤخذ الذكر في فرض المسنة اتفاقا وكونها بنت أربع سنين خالف فيه ابن شعبان فقال التي أتمت سنتين ونقله الباجي عن

ابن حبيب ونقل اللخمي عنه ما تمت ثلاث سنين. (وفي مائة وعشرين من البقر ما في مائتين من الإبل) يعن يخير الساعب بين ثلاث مسنات أو أربع تبايع كما يخير الآخر في ثلاث حقائق أو أربع بنات لبون والله أعلم. (ولا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغتها ففيها شاه جدعة أو ثنية إلى عشرين ومائة فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان إلى مائتي شاة فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فما زاد فيف كل مائة شاة).

أول نصاب الغنم أربعون فلا زكاة فيما دونها وكذا في كتاب أبي بكر رضي الله عنه ثم ذكر ما بعده وكون الشاة جذعة أو ثنية ظاهره أن الضأن والمعز في ذلك سواء وكذا

قال في المدونة ونقل ابن يونس عن ابن حبيب ولا يؤخذ من المعز إلا الثني وعنه اشتراط الأنوثة فيه مع ذلك. وقال ابن القصار الأنوثة شرط في المأخوذ مطلقا والمشهور عدم اشتراط ذلك ونقله اللخمي عن ابن القاسم وأشهب وفي كون التخيير في الجذع والثني للساعي أو لربها قولان لأشهب وابن نافع ثم انتقال الفرض أو لا بثمانين وكذا ثانيا وبعده بالمئين والله أعلم. تنبيه: كلما كثر المال كثرت مؤنته وعظمت في النفس هيبته فقلت زكاته رفقا بأهله ولذا كان في العين ربع العشر وفي غيرة فافهم. (ولا زكاة في الأوقاص وهو ما بين الفريضتين من كل الأنعام). قد فسر (الوقص) بأنه ما بين الفرضين فهو في الإبل من أربعة إلى ثمانية وعشرين فالوقص في الشنق أربعة أربعة ومن خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين عشرة ومن ست وثلاثين على ست وأربعين تسعة ومن سبع وأربعين إلى إحدى وستين أربعة عشر وكذا إلى خمس وسبعين وإلى إحدى وتسعين ومن ثم إلى المائة وعشرين ثمانية وعشرون. ووقص البقرة تسعة إلى تسعة عشر والغنم ثمانون إلى مائة وثمانية وتسعين والمشهور ما ذكر من عدم زكاة الأوقاص وقيل هي مزكاة وعليها الخلاف في شاة المائة والعشرين هل هي عن الأربعين والثمانون؟ عفو هي عن الجميع ويظهر ذلك في الخليطين وسيأتي إن شاء الله والأنعام عبارة عن الإبل والبقر والغنم كالمواشي لا يقال ذلك في غيرها والله أعلم. (ويجمع الضأن والمعز في الزكاة والجواميس والبقر والبخت والعراب). يعني أن من له عشرون ضائنة وعشرون معزا تلزمه الزكاة وكذا من له ثلاثون من أحدهما وكمل النصاب من الآخر والقول في الجواميس والبقر كذلك وكذلك البخت والعراب من الإبل لكن في التساوي يخير الساعي فأيهما شاء أخذ وقال اللخمي القياس النصف من كل ناحية قال غيره لكنهم اعتبروا ضرر الشركة ولزوم القيمة وقال

ابن بشير هو خلاف ما فهم من الشريعة من عدم زكاة الأوقاص فإن تفاوتا أخذ من الأكثر. وقال ابن مسلمة إن لم يكن الأقل نصابا والأخير وإن وجب شاتان فمنهما إن تساويتا أو كان الأقل نصابا غير وقص كأربعين ومائة وإلا فمائة وإلا فمن الأكثر كثلاثين مع مائة وأربعين مع مائة وثلاثين. وقال سحنون: من الأكثر مطلقا وتفصيل ذلك والخلاف فيه يطول فانظره. والضأن والمعز معلومان وهل يلحق غنم الشرك بالضأن أو المعز لم أقف على شيء فيه (والجواميس) بقر سود ضخام صغيرة الأعين طويلة الخراطيم مرفوعة الرءوس إلى قدام بطيئة الحركة قوية جدا لا تكاد تفارق الماء بل ترقد فيه غالب أوقاتها يقال إنها إذا فارقت الماء يوما فأكثر هزلت رأيناها بمصر وأعمالها (والبخت) إبل ضخمة مائلة إلى القصر لها سنمان أحدهما خلف الآخر تأتي من ناحية العراق وقد رأيناها بمصر والحجاز مع الأروام في حجهم فسبحان الخلاق العظيم. (وكل خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية). يعني لقوله عليه السلام في كتاب فريضة الصدقة «وما كان من خليطين فإنهما يترادان بالسوية» وكأن الشيخ أتى به بعينه فيراجع المأخوذ منه شريكه على الإجزاء بالقيمة يوم الأخذ لا يوم الوفاء خلافا لأشهب إن حصل الوقص منهما اتفاقا أو من أحدهما على المشهور والذي رجع إليه مالك وفيه أن الأوقاص مزكاة والله أعلم. (ولا زكاة على من لم تبلغ حصته عدد الزكاة). يعني كان خليطا أو غيره هذا هو المشهور وعن ابن وهب لا يشترط ذلك والمذهب أن الخلطاء كالمالك الواحد بشروط ستة اتحاد النوع وقصد الرفق وكون ذلك قبل الحول ما لم يقرب جدا ونية الخلطة خلافا لأشهب وملك كل نصابا على المشهور وحلول حول كل نصاب واجتماعها في ملك أو منفعة في الجل من ماء ومبيت وراع بإذنهم وفحل لمرفق ومراح وهو موضع إقامتها وقيل موضع الرواح للمبيت فهي ستة يجمع حلها الراعي فلذا قيل يكفي وجوده وقيل يكفي اثنان منها والله أعلم. (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وذلك إذا

قرب الحلول فإذا كان ينقص أداؤهما بافتراقهما أو باجتماعهما أخذ بما كانا عليه قبل ذلك). يعني أن أرباب الماشية إذا خافوا كثرة الصدقة فخلطوها ليس لهم ذلك كما قصد الساعي ذلك ليكثرها وكذا إن فرقوها لذلك أو فرقها لذلك ويؤخذون بما كانوا عليه قبل ذلك إلا أن تدل قرينة على عدم القصد للتقليل أو للتكثير فيعتبر القرب على المشهور ففي المدونة إن اجتمعوا قبل الحول بشهرين ابن القاسم أو أقل فهم خلطاء ما لم يقرب جدا فإن إشكل فثالثها يحلف المتهم ومثل الجمع للتقليل أن يكون لكل واحد أربعون شاة وهم ثلاثة فيجمعونها لكيلا تلزمهم إلا شاة واحدة وقيل: لا تكون خلطة بأقل من شهرين وقيل: لا تكون بأقل من عام. وقيل: تحصل بشهر وبدونه ما لم يقرب جدا. ومثاله في التكثير أن يكون لكل واحد مائة وشاة الزمهم على كل مائة شاة فإذا اجتمعت كانت في المجموع ثلاث شياه والتفريق للتقليل أن يكونوا خليطين فيفرقون المائتين وواحدة لتلزم كل واحد وللتكثير أن يفرق الثلاث الأربعينات ليأخذ من كل شاة لأنه لا يلزم في المائة والعشرين إلا واحدة والله أعلم. (ولا تؤخذ في الصدقة السخلة وتعد على رب الغنم ولا تؤخذ العجاجيل في البقر ولا الفصلان في الإبل وتعد عليهم ولا يؤخذ تيس ولا هرمة ولا الماخض ولا فحل الغنم ولا شاة العلف ولا التي تربي ولدها ولا خيار أموال الناس). (السخلة) هي الصغيرة من الغنم (والعجاجيل) جمع عجل وهو صغير البقر (والفصلان) جمع فصيل وهو صغير الإبل (والتيس) ذكر المعز (والهرمة) الكبيرة جدا (والماخض) التي يتمخض الجنين في بطنها وذات العور المعيبة بعيب ينقص ثمنها و (فحل الغنم) المعد لإنتاجها و (شاة العلف) المتخذة للتسمين بذلك (والتي تربي ولدها) تسمى الربى – بضم الراء والموحدة مشدة – وكذا هي مذكورة في الحديث والحاصل ما يدور عليه الكلام أنه لا يؤخذ شرار لتعلق حق المساكين ولا خيار لتعلق حق أرباب الأموال فإن كانت كلها خيارا وشرارا فلا يؤخذ إلا الوسط على المشهور إلا برضا المالك في الخيار أو رضا الساعي في الشرار غير السخال ولابن عبد الحكم يؤخذ منها مطلقا ولمطرف إلا أن تكون خيار فلا يلزمه منها ولعبد الملك إلا أن تكون سخالا والله أعلم.

(ولا يؤخذ في ذلك عرض ولا ثمن فإن أجبره المصدق على أخذ الثمن في الأنعام أو غيرها أجزأه إن شاء الله). اتفق مالك والشافعية وأحمد على أن زكاة كل مال منه إلا أول نصاب الإبل فالغنم كما ورد وقال أبو حنيفة يجوز إخراج القيمة وقد اختلف المذهب في إخراج الذهب عن الفضة وعكسه فثالثها يجوز إخراج الفضة عن الذهب لا عكسه المشهور الجواز مطلقا لاتحادهما في الحكم فأما إخراج العرض عن العين فالمشهور أنه لا يجزئ. وقال أشهب يجزئ وحكى المازري في المدير يقوم عروضه فيخرج منها بالقيمة قولين وفيمن ذبح شاة الزكاة وفرقها على الفقراء الإجزاء لأشهب وعدمه لابن القاسم في سماع عيسى وفي إخراج العين عن الطعام وعكسه أربعة الكراهة لأصبغ وغيره والمنع لغيره قائلا ولا يجزئ وثالثها إخراج العين عن الحب مكروه ويجزي وإخراج الحب عن العين لا يجزئ لابن القاسم في سماع أبي زيد وزاد عنه يحيى العين عن الماشية كالعين عن الحب ورابعها يجزئ الحب عن العين في زمن الحاجة إليه لا عكسه ونقله ابن رشد عن ابن حبيب وما ذكر في جبر المصدق. وقال في المدونة من جبره المصدق على أخذ ثمن الصدقة رجوت أن تجزيه قال الشيوخ لأنه حاكم وحكم الحاكم يرفع الخلاف ولا خلاف أنها تدفع للإمام العدل اختيارا وغير العدل لا تدفع إليه إلا أن يطلبها ولا يمكن إخفاؤها عنه ومن أمكنه أن يفرقها دونه لم يجز له دفعها إليه ورواه ابن القاسم وابن نافع إن كان يحلفه عليها أجزأه دفعها إليه أشهب إن أكرهه عليها أن تجزيه وأحب إعادتها ودفعها ابن عبد الحكم إلى والي المدينة. وقال ابن رشد اختلف في إجزاء دفعها لمن لا يعدل فيها ولا يضعها موضعها فمذهب المدونة وأصبغ وابن وهب وأحد قولي ابن القاسم في سماع يحيى الإجزاء والقول الثاني لابن القاسم في السماع عدم الإجزاء والمشهور إجزاؤها إن أكره الله حسيب من ظلم ولكن لا تجزئ إلا بتسميتها زكاة وأخذه برسمها وقال ابن القصار المذهب افتقار الزكاة إلى النية ولا نص وحكى ابن بزيزة الخلاف في ذلك وبالله التوفيق.

باب في زكاة الفطر

باب في زكاة الفطر يعني في ذكر أحكامها ومتعلقاتها. (وزكاة الفطر سنة واجبة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل كبير أو صغير ذكر وأنثى حر أو عبد من المسلمين صاعا عن كل نفس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم).

ما ذكره الشيخ هو لفظ حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه في المتفق عليه ومعنى (سنة فرضها) قيل سنة في الحكم (وفرضها) بمعنى قدرها وقيل هي فرض بالسنة وهذا هو المشهور وتجب على من وجد قوت يومه معها وقيل على من لا يجحف به إخراجها في فساد معاشه وقيل إلا أن يحل له أخذها قاله ابن حبيب وقيل أخذ الزكاة. وروي إنما تجب إذا كان عنده قوت شهر أو نصفه مثلاً وفي وجوبها على من له عبد لا يملك غيره روايتان وفي سقوطها بالدين قولان وكونها صاعا عن كل نفس هو المشهور مطلقا ابن حبيب إلا من البر فنصفه يجزئ أما من لم يفضل عن قوته وقوت عياله إلا أقل من صاع فهو فرضه واختلف في أول وقت الوجوب فقيل غروب الشمس ليلة الفطر وهو المشهور وقيل طلوع الفجر من يومه وشهر أيضاً وقيل طلوع شمسه وصحح وقيل من غروب الشمس إلى زوال يومه وقيل ما بين الغروبين وينبني عليها من ولد أو مات أو أسلم أو عتق أو ملك رقيقا أو أخرجه عن ملكه أو نكح أو طلق أو زال فقره في خلال ذلك واستحب لمن زال فقره أو أسلم أو عتق يوم الفطر أن يخرجها. وقال أشهب إذا أسلم في آخر يوم من رمضان ولم يدرك الصوم فلا تجب عليه

بناء على أنها لشكر اليوم أو كفارة ملاغاة الصوم والله أعلم. (وتؤدي من جل عيش أهل ذلك البلد من بر أو شعير أو سلت أو تمر أو أقط أو زبيب أو دخن أو ذرة أو أرز وقيل إن كان العلس قوت قوم أخرجت منه وهو حب صغير يقرب من خلقة البر). ما ذكر من أنها تخرج من التسعة الأولى هو المشهور والقول في العلس لابن حبيب ويسمى في جبال بلادنا تيشنتيت – بشين معجمة ونون بعدها فوقيتان بينهما تحتية – وعن ابن القاسم إنما تخرج من الخمس الأولى خاصة وخالف ابن الماجشون في الزبيب وأثبت السل وقال أشهب من الست الأولى ولو اقتيت التين أو السويق أو اللحم أو اللبن أو القطنية أجزأ على المشهور وقاله ابن القاسم. وروى ابن المواز لا يخرجون منها والمدونة لا يجزئ الدقيق ابن حبيب إلا أن يخرج بريعة وكذا الخبز ابن يونس وغيره قال ابن حبيب وفاق حمله الباجي على الخلاف وفيها كره مالك أن يؤدي فيها ثمنا قال وأنا أرى أنه لا يجزيه وعن ابن القاسم إن وقع أجزأ فانظره. وعيش أهل البلد هو المعتبر في ذلك لا عيشه سواء كان أعلى أو أدنى على المشهور. (س) م كان قوته أدنى من قوت أهل البلد لا لشح ولا لضعف ولكن لمقتضى حاله كالبدوي يسكن الحاضرة ويأكل الشعير وهو مليء ففيه قولان ولو كان لعجزه عن قوت أهل البلد أخرج من قوته قاله ابن رشد وجعله تفسيراً للمذهب ونقل عن ابن المواز أنه يخرج من قوته إلا أن يكون قوته أدنى لبخله فانظر ذلك. (ويخرج عن العبد سيده والصغير لا مال له يخرج عنه والده ويخرج الرجل زكاة الفطر عن كل مسلم تلزمه نفقته وعن مكاتبه وإن كان لا ينفق عليه لأنه عبد له بعد). أما إخراجها عن عبده إذا كان قنا فلا إشكال فيه إن كان مسلما وفي إخراجه عن العبد الكافر قولان للمشهور وعن ابن وهب وفي الذي بعضه حر خمسة وجوبها على السيد لأصبغ وروي عن مالك في المدونة تجب عليه بقدر ملكه منه ويسقط الباقي وثالثها لأشهب يجب على كل منهما قسطه ورابعها لابن مسلمة إلا أن يكون العبد

معدما فكلها على السيد وخامسها لابن أبي أويس سقوطها عنهما ولو كان مشتركا بين أحرار ففي المدونة يخرج كل بقدر نصيبه وروى على كل واحد زكاة كاملة وقيل غير ذلك فانظره. والصغير فمن بعده يشترط فيهم الإسلام على المشهور وقال ابن وهب كل من تلزمه نفقته يلزمه إخراجها عنه ولو كان كافرا والمشهور خلافه وشرط عدم المال في الصبي لأن نفقته لا تلزم إلا مع ذلك كالأبوين وتجب عليه في زوجته بوجوب نفقتها للدخول أو الدعاء إليه مع إمكان الوطء على المشهور أو بالعقد على قول ابن عبد الحكم وفي اليتيمة بالعقد وفي غيرها بالدخول. وقاله سحنون هناك وقال ابن نافع وابن أشرس لا تلزمه زكاة الفطر عن زوجته مطلقا وعلى المشهور فللمرأة دفعها لزوجها الفقير ولا يجوز له هو دفعها لها وإن كانت فقيرة لأن نفقتها تلزمه والمشهور أداؤها عن زوجة أبيه الفقير، وكذا زوج أمه إذا التزمت نفقته، وعن خادم زوجته إن كانت ذات شرف على المشهور. قال ابن القاسم ولا يلزمه إلا واحدة وفي الخادمين والثلاثة اختلاف ففي سماع ابن القاسم لا تلزم إلا عن خادمين لا أكثر وقال أصبغ يخرج عنهن ما كن وفي المكاتب ثلاثة مذهب المدونة الرسالة يخرج عنهم لقوله عليه السلام: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» ونقل القاضي رواية بوجوبها على المكاتب لأنه أحرز نفسه وماله وثالثها السقوط حكاه اللخمي. (ويستحب إخراجها إذا طلع الفجر من يوم الفطر). يعني قبل الغدو إلى المصلى يعني على المشهور الذي هو القول بوجوبها بطلوع

الفجر سند فأما على القول بأن وجوبها بطلوع الشمس فلا ومذهب المدونة جواز إخراجها قبل الفطر بيون خلافا لابن مسلمة وعن سحنون لا تجوز وشهر عدم الجواز إلا المفرق وشهر الجواز مطلقا قبل وعليه الأكثر والقادر على إخراجها ثم إن لم يفعل حتى فات يوم الفطر لا تسقط عنه ولو تعددت السنون ومن أسر بعد أعوام لم يقضها ويؤديها الوصي عن اليتامى وعن رقيقهم من أموالهم ويستحب للمسافر إخراجها حيث هو فإن أخرج عنه أهله أجزأه إن أمرهن أو كانت عادتهم والله أعلم. (ويستحب الفطر فيه قبل الغدو إلى المصلى وليس ذلك في الأضحى). يعني لأنه في الفطر كان صائما قبله فيفرق بين يومه وأمسه وقد كان عليه السلام لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل ثمرات ويأكلهن وترا. رواه البخاري وغيره وفيه ولم يكن يفعل ذلك في الأضحى بل جاء أنه كان يمهل حتى يفطر على كبد أحضيته صلى الله عليه وسلم. (ويستحب في العيدين أن يمضي من طريق ويرجع من أخرى). يعني تفاؤلا بأنه يرجع بغير ما خرج من ذنوبه وقيل ليتصدق على أهل الطريقين وقيل ليحمل شهادة الطريقين له بالعبادة وقيل ليكون لهذه من الشرف مثل ما للأخرى وقيل إظهارا لأبهات الإسلام وإيهاما للعدو بالكثرة وقيل غير ذلك مما يطول ذكره فانظره وبالله التوفيق.

باب في الحج والعمرة

باب في الحج والعمرة يعني ذكر صفاتهما وأحكامهما والحج لغة القصد المتكرر فسمي به هذا لأن الحاج يتكرر قصده البيت والعمرة في اللغة الزيادة وقد ألف الناس فيهما كثير للحاجة لذلك فلنقتصر على لفظ الشيخ لأن الزيادة توسع لا يكفي والله أعلم.

(وحج بيت الله الحرام الذي ببكة فريضة على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا من المسلمين الأحرار البالغين مرة في عمره). إضافة البيت إلى الله إضافة تشريف (والحرام) الذي يمتنع انتهاك حرمته و (بكة) - بالباء - قيل هي مكة بالميم وقيل بالباء مكان البيت وبالميم مكان البلد وقيل غير ذلك وكون الحج فريضة يأثم تاركه ويثاب فاعله لا خلاف فيه بين المسلمين إذا توفرت شروطه وهل على الفور وهو قول العراقيين وقاله مالك وشهر ولو آخر على الأول فقضاء وقيل أداء وأكثر المغاربة على التسوسع ما لم يخف فواته وشهر أيضا قولان وشروط وجوبه أربعة الإسلام والبلوغ والحرية والاستطاعة هذه التي ذكر الشيخ. وقد اختلف في أولها هل هو شرط وجوب أو شرط أداء ولم يذكر العقل وهو شرط تكليف فانظر ذلك ثم فصل الاستطاعة بقوله. (والسبيل الطريق السابلة والزاد المبلغ إلى مكة والقوة على الوصول إلى

مكة إما راجلا أو راكبا مع صحة البدن). فمعنى الطريق السابلة التي يمكن الوصول عليها بلا مشقة فادحة ويجمع ذلك أربعة أمن الطريق فلو خاف على نفسه أو ماله فلا شيء عليه إجماعا في الأول وعلى المشهور في الآخر ويسقط بما يأخذه الظالم مما يجحف به في ماله وفيما لا يجحف قولان للمتأخرين اللخمي ولا يسقط بغرم اليسير ولعبد الحق عن بعض الاستطاعة وجود الماء في كل مبتهل ولابن حبيب مع ابن مسلمة وسحنون هي المزاد والراحلة الشيخ يريد بعيد الدار والمشهور خلافه والزاد المبلغ شرط وفي اشتراط ما يرده ثالثها يعتبر ما يرده لأقرب الأماكن التي يرتجي فيها معاشه واختاره اللخمي وفي تقديمه الراجل على الراكب تفضيل المشي على الركوب والمشهور من المذهب خلافه وصحة البدن شرط فلا يلزم المريض العاجز عنه أو الذي تدركه المشقة الفادحة فيه فانظر ذلك. (وإنما يؤمر أن يحرم من الميقات). يعني من الميقات المكاني الذي يذكره الآن لا قبل الوصول إليه على المشهور إذ في كراهته وجوازه قبله روايتان حكاهما اللخمي ولا تجوز مجاوزته بلا إحرام لمن يريد النسك لا يختلفون في إساءة متعدي الميقات بلا إحرام وهو يريد الحج ولا أنه لا يجوز له دخول مكة إلا محرما ثم إن جاوزه فإن كان قريبا رجع فأحرم ولا شيء عليه وإن بعد ولم يدخل مكة رجع فأحرم ولا شيء عليه على المشهور وظاهر المدونة ولو شارف مكة والمشهور لمن شارفها لم يرجع ويحرم وليلزمه دم كمن دخلها أو أحرم في الطريق ولو رجع ولو تعمد لضيق وقت ونحوه أحرم من موضعه عليه دم وإن قرب خلافا لابن حبيب. وأول الميقات أفضل وميقات الحج الزماني شوال وتالياه على المشهور فيكره الإحرام قل دخوله على المشهور ويلزمه إن وقع وقوة كلام الشيخ تعطي أنه أراد المكاني فقط ولا يعيد قصد الزماني معه فلا يؤمر قبلها فتأمله. (وميقات أهل الشام ومصر وأهل المغرب الجحفة فإن مروا بالمدينة فالأفضل لهم أن يحرموا من ميقات أهلها من ذي الحليفة وميقات أهل العراق ذات عرق وأهل اليمن يلملم وأهل نجد من قرن).

ما ذكره من المواقيت وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذات عرق ففيها اختلاف هل وقتها عليه السلام؟ وفي البخاري ما يدل له أو إنما وقتها عمر رضي الله عنه هو صريح في حديث والجحفة اسمها مهيعة على وزن مفعلة أو مهيعة على وزن عميمة ولطيفة وإنها سميت جحفة لأنها نزلها قوم من العماليق فأجحفهم السيل وهي قرية على يسار الذاهب إلى مكة من طريق سيف البحر ورابغ بقربها وأختلف شيوخ (خ) هل هي من عملها؟ ولا

يكره الإحرام منها أولا فيكره لأنها قبل الميقات وبينه وبين مكة مراحل أربعة وكون الأفضل لأهلها إن مروا بالمدينة أن يحرموا من ذي الحليفة لأنه ميقاته عليه السلام الذي أحرم منه، وفي كلامه جواز التأخير إلى ميقاتهم، وإن كان الأفضل بخلافه وذو الحليفة هو الموضع المعروف اليوم ببئر علي في طرف العقيق قريب من جبل عرينة على طريق المتوجة للمدينة من ناحية المغرب على أميال ستة أو نحوها من المدينة وبينه وبين مكة عشر مراحل وكل ميقات غيره أقرب من الجحفة إلى مكة قالوا فحكم ذلك قرب الأفق وبعده فأقرب الآفاق المدينة وهي أبعد ميقات بخلاف غيرها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن فمن كان من دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة» قال: ومن كان من بين ميقاتين ولا أرجحية فمن بيته والمكي يحرم من المسجد استحبابا وقيل من بابه وقيل مكة كلها له سواء ويستحب له إذا دخل ذو الحجة كخروج ذي التفث إلى الميقات ولا بد للمعتمر من الخروج للحل كما سيأتي إن شاء الله. (ومن مر من هؤلاء بالمدينة فواجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة إذ لا يتعداه إلى ميقات له). أشار بهؤلاء لغير الجحفي لأن الكل لا يمرون بميقات لهم بعدها بخلاف الجحفي ابن حبيب إلا أن يقصد عدم المرور بالجحفة وحمل على من لا يحاذي في مروره الجحفة لأن من حاذى ميقاتا لا يمر بعده بميقات له كان كمروره به وسواء في ذلك البر والبحر. وقال سند لا يحرم بحري إلا بعذر نزوله الساحل لاحتمال رده الريح والمشهور خلافه وفي مريض في الحليفة يؤخر إلى الجحفة قولان والمشهور له ذلك لضرورة المرض ولا يؤخر صحيح من أهلها وإلا فالدم على الأصح ولا تؤخر حائض لرجاء طهر والله أعلم.

(ويحرم الحاج أو المعتمر بإثر صلاة فريضة أو نافلة يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وينوي ما أراد من حج أو عمرة). أما إحرامه بإثر صلاة فهو السنة وكونها نافلة أرجح على المشهور وظاهر المدونة خلافه وتترجح النافلة بكونها مقصود النسك مع زيادة خيره وقد اختلف في ذلك من فعله عليه السلام والأكثر على أنه أحرم إثر فريضة وقوله (يقول: لبيك ...) إلى آخره فيه أن الإحرام ركنه أو شرطه التلبية وهو قول ابن حبيب والمشهور خلافه وهو أن التلبية لا تتعين بل قول أو فعل مناسب كان شرعيا أو عاديا مع النية وسيأتي إن شاء الله قريبا وحكم التلبية على المشهور السنية واختار مالك في لفظ ما ذكره الشيخ من غير زيادة. ومعنى (لبيك) إجابة لك بعد إجابة ولزوما لطاعتك والتثنية للتأكيد واختلف أهل اللغة هل هو لفظ مفرد أو مثنى وقيل إنه من لب بالمكان إذا أقام به أي أنا مقيم على طاعتك وقيل إنه لباب الشيء أي خالصه أي إخلاصي لك وقوله (إن الحمد) بفتح الهمزة وكسرها والكسر أولى لأنه استئناف وفي قوله النعمة والفتح وهو الأشهر ويجوز الرفع على الابتداء وخبر إن محذوف و (الملك) وصف العظمة المقتضي التصرف يف المخلوقات بالقضايا والتدبيرات والله أعلم. وقوله (وينوي ما أراد من حج أو عمرة) يعني مع التلبية لأنها عند ابن حبيب بمثابة تكبيرة الإحرام والغسل كالإقامة والركوع كرفع اليدين في الصلاة وقد اختلف في حقيقة الإحرام فقال ابن دقيق العيد الإحرام الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأعماله واعترضه (س) ورد اعتراضه (ع) فانظره وحده ابن يونس بأنه اعتقاد الدخول في حج أو عمرة (ع) والإحرام صفة حكمية توجب لموصوفها حرمة مقدمات الوطء مطلقا وإلقاء التفث والطيب ولبس الذكور المخيط والصيد لغير ضرورة قال وينعقد بالنية مع ابتداء توجه الماشي واستواء الراكب على راحلته وشرط ابن حبيب تلبيته كتكبيرة الإحرام وهل ينعقد بالنية مع التقليد أو الإشعار؟ قولان المازري ينعقد بالنية فقط ابن بشير لا ينعقد بها، اللخمي: يجرى فيه قولان كانعقاد اليمين والله أعلم. (ويؤمر أن يغتسل عند الإحرام قبل أن يحرم وليتجرد من مخيط الثياب

ويستحب له أن يغتسل لدخول مكة).

الغسل للإحرام سنة على ما صرح به الشيخ بعد هذا والغسل لدخول مكة مستحب وفي مختصر (خ) العكس وروى ابن خويز منداد غسل الأحرام آكد من غسل الجمعة وقال عبد الملك هذا اللازم والأدب لتركه وتؤمر به الحائض والنفساء بخلاف غسل دخول مكة الباجي وهذا يدل على أنه للطواف لا للدخول فقط ثم غسل الإحرام يستحب فيه المبالغة في التنظيف وإزالة الشعث ما أمكن لئلا يؤذيه بعد واتصاله بالرواح شرط وللخليفي الغسل بالمدينة إذا مضى من فوره واستحبه عبد الملك ولا بأس أن يلبس ثيابه بعده لينزعها بذي الحليفة إذا أحرم فإن اغتسل غدوة ثم راح عشية أعاد وفي كتاب محمد إن تأخر إلى الزوال كره ولا يتيمم لتعذر الماء ولو أحرمت حائض أو غيرها بلا غسل اغتسلت بعد دون إزالة شعث خلافا لعبد الملك وغيره في قولهم يفوت بالإحرام. وثالثها: إنما يفوت بمجاورته بميل وزيادة والتجرد عن المخيط – بفتح الميم والمعجمة – واجب.

وكذا المحيط – بضم الميم والحاء المهملة – شرط إحرام الرجال لا النساء فلا يدع عليه ما يمتسك لخياطته أو إحاطته إلا إزاره دون عقد ولا زر بخلاف طرفيه ويأتي بكل ناحية لمقابلها فيلفه عليه ونفقته على جلده وكذا مع نفقة غيره بخلاف نفقته وحده إلا لمن يكون شدها مع نفقته فنفدت نفقته دونها ففيه خلاف مشهوره الجواز واستحب العلماء كون الغسل لدخول مكة بذي طوى رواه ابن المواز قائلا وإن فعله بعد دخوله واسع الشيخ. روى ابن وهب استحب بعض العلماء الغسل للسعي والرمي والدثور بالمزدلفة وفي الجلاب يغتسل لكل أركان الحج فأخذ منه القرافي الاغتسال لطواف الإفاضة قال ولأشهب: يغتسل لزيارته عليه السلام ولرمي الجمار وسيأتي غسل الوقوف بعرفة والكل لا يزال فيها الشعث إلا الأول والله أعلم. (ولا يزال يلبي دبر الصلوات وعند كل شرف وعند ملاقاة الرفاق وليس عليه كثرة الإلحاح بذلك). يعني أن المحرم يفعل ذلك أول إحرامه إلى محل قطعه وروى ابن حبيب يستحب أن يلبي في كل شرف وبطن ودبر كل صلاة ولقاء الناس واصطدام الرفاق وإثر النوم وعند سماع ملب قال ابن المواز ويلبي العجمي بلسانه الذي ينطق به ويجهر الملبي جهرا أوسطا فوق جهر الصلاة ولا يلح ولا يقصر وقد جعل الله لكل شيء قدرا قال مالك وتسمع المرأة نفسها كجهرها في الصلاة. وفي الصحيح «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية». وقال ابن حازم كان الصحابة لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم. فرع: فلو ترك التلبية حتى طال فعليه دم ولو لبى حين أحرم مرة ثم قطع فثلاثة لزوم الدم للمشهور وسقوطها وهو في كتاب محمد وثالثها إن عوضها بتكبير ونحوه فلا دم وإلا لزم وقاله اللخمي. (فإذا دخل مكة أمسك عن التلبية حتى يطوف ويسعى ثم يعاودها حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها).

قطع التلبية أولا بدخول بيوت مكة على المشهور وفي المدونة بشروعه في الطواف ولمالك في المختصر إذا دخل المسجد وروى محمد إن كان أهل من المواقيت فللمحرم. وذكره الباجي وغيره وظاهر كلامه أنه لا يراجعها إلا بانتهاء السعي وروى اللخمي جوازها في الطواف وروى محمد عن أشهب وقيل يعاودها إثر الطواف كمحرم مكة وفي المدونة كررها مالك في أول طوافه حتى يتم سعيه وكون قطعها الثاني بزوال الشمس بعرفة (ورواحه إلى مصلاها) هو المشهور الذي رجع إليه مالك وثبت عليه وعند لرواح الموقف وللزوال للشروع في الصلاة ولفراغه من الوقوف وصوبه اللخمي ولرمي جمرة العقبة وقواه بعضهم بحديث البخاري وهو مذهب الشافعي. (ويستحب أن يدخل مكة من كداء الثنية التي بأعلى مكة وإذا خرج خرج من كدي وإن لم يفعل في الوجهين فلا حرج). (كداء الثنية) بالفتح والمد هو الحجوز أعني الثنية المشرفة على الأبطع حيث المقابر وهي المعروفة بباب المعلى و (كدى) بضم الكاف والقصر وهي المعروفة بباب الشبيكة اليوم وإنما يدخل من هذه ويخرج من هذه لفعله عليه السلام وإنما لا حرج عليه في الترك لأن ترك المستحب واسع، وحكمة دخولها من أعلاها قيل: لدعوة إبراهيم عليه السلام: {فأجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم} [إبراهيم: 37] فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ولم يقل تصعد إليهم والله أعلم. (قال فاذا دخل مكة فليدخل المسجد ومستحسن أن يدخل من باب بني شيبة فيستلم الحجر الأسود بفيه إن قدر وإلا وضع يده عليه ثم وضعها على فيه من غير تقبيل).

الفاعل يقال هو مالك وقيل عطاء لأنه مفتي الحج في زمن السلف وقيل ابن عمر رضي الله عنهما لأن أكثر مآخذها عنه والأول هو الصحيح واستحباب المبادرة للمسجد لأنه هو المقصود فالتراخي عنه إساءة أدب وقلة همة فلا يقدم عليه إلا ما لا بد منه من حط رحله والأكل الخفيف إن احتاج إليه ثم إذا رفع بصره على جزء من البيت دعا بما تيسر. قال ابن حبيب يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام إلخ وليس عند مالك شيء من ذلك في هذا ولا في غيره ويدعو بما تيسر له وباب بني شيبة هو المعروف اليوم بباب السلام وهو أول باب يجده الداخل إلى المسجد إذا أتى من المعلي، قال ابن حبيب: وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة وخرج إلى الصفا من باب بني مخزوم وهو المعروف اليوم بباب الصفا وله خمس طاقات كلها سواء وخرج إلى المدينة من باب بني سهم وهو المعروف اليوم بباب العمرة وإذا دخل من باب بني شيبة قابله البيت بابه فقابله الحجر بالكسر والحجر بالفتح والمقام والملتزم وكان زمزم عن يساره بغير بعد فواجهه الخير كله بدخوله وذلك أحد الوجوه في إيثاره مع تيسر الأمر عليه وإيثار البيوت من أبوابها والله أعلم. وروى ابن عبدوس: إذا استقبل الركن يعني الأسود حمد الله تعالى وكبره ولم أسمع وفي رفع اليدين حينئذ ولا عند رؤية البيت شيئا واستلام الحجر يفيه أول طوافه سنة وفيما وراء ذلك مستحب فإن زوحم فبيده ثم يضعها على فيه ثم يعود بغير تقبيل وثالثها يقبل يده أولا ثم يستلم وفي الصوت عند تقبيله بفيه قولان فإن لم يصل بشيء كبر من غير رفع اليدين ولا إشارة والله أعلم.

(ثم يطوف والبيت عن يساره سبعة أطواف ثلاثة خببا ثم أربعة مشيا ويستلم الركن كلما مر به كما ذكرنا ويكبر ولا يستلم الركن اليماني بفيه ولكن بيده ثم يضعها على فيه). يعني أنه يسرع في الطواف إثر التقبيل لأنه سنة وهذا طواف القدوم وهو واجب على الأصح وكذا نص عليه في المدونة وفي الرسالة واجب وطواف الإفاضة آكد منه وإنما يجب على غير المقيم بمكة وغير المراهق أي الذي ضاق وقته وفي لزوم الدم بتركه قولان لابن القاسم مع مالك وأشهب وقال اللخمي ناسيه كعامد تركه وقال ابن القاسم لا دم عليه وكون البيت عن يساره شرط كاستقبال القبلة في الصلاة فلو جعله عن يمينه أعاد ويرجع للإعادة من بلده عما إذا طاق غير متطهر وبداءته من الحجر الأسود كذلك فلو ابتدأه من غيره ألغي ما قبله وخروجه عنه ببدنه شرط فيتقي ملاصقته للخروج عن شاذر وأنه لاحتمال كونه منه ويستحب قرب رجل وبعد امرأة منه وإذا قبل الحجر ثبت على رجليه ورجع منتصبا كما كان ولا يقبله ثم يمشي مطأطئا رأسه والسبع شرط فلو شك بنى على الأول كعدد الركعات لأنه كصلاة فالطهر إن شرط كالستر فلو طاف بلا طهر أعاد وقيل ما دام بمكة وإلا فلا شيء عليه وإن أصاب النساء على المشهور ولو أحدث في أثنائه تطهر وابتدأ ولا يبني على المشهور وثالثها إن كان واجبا وإن تذكر نجاسة طرحها وبنى على الأصح كالراعف فإن ذكر بعد الركعتين أعادهما استحبابا إن كان قريبا ولم يحدث وإلا فلا شيء عليه. وقال أصبغ عليه الإعادة وقيل غير ذلك والموالاة شرط فلو فرقه ابتدأ وله قطعة لفريضة أقيمت عليه ثم يبني بعد سلامه وظاهر المدونة يبتدئ من حيث قطع الشوط وأجازة ابن حبيب واستحسن ابتداء الشوط من أوله ولو تذكر نفقة ضاعت له وحضرت صلاة جنازة لم يقطع على المشهور في الجنازة وعلى المنصوص في النفقة وله قطع التطوع لركعتي الفجر خوف فوات الصبح ولو ذكر بعض طوافع في السعي قطع وكمله وسعى فإن كمل السعي ابتدأ الطواف على المشهور (والخبب) فوق المشي ودون الجري ويقال له الرمل – بالفتح – وهو سنة على المشهور لرجل غير مراهق ولا محرم دون الميقات ولو صبيا محمولا على الأصح أو مريضا على المنصوص ولا دم في

تركه على المشهور لرجل غير مراهق وإليه رجع مالك ولو ذكر في الرابع أنه لم يرمل في الأول فلا شيء عليه وقيل يلغي ما مضى وليكمل ويرمل من طاف عن رجل لا امرأة لأن الملازم للفرع على حسب أصله والله أعلم. ولا يدع استلام الركنين كلما مر بهما إلا أن يمكنه فيفعل مقدوره ولا يستلم ركني جهة الحجر بيده ولا غيره ويدعو في طوافه ويذكر ويسبح بلا حد ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويدع ما وراء ذلك إلا من ضرورة فإنه يكره حتى التلاوة والله أعلم. (فإذا تم طوافه ركع عند المقام ركعتين ثم استلم الحجر إن قدر). الركوع إثر الطواف مطلوب بلا خلاف وفي كونه سنة أو واجبا أو على حكم طوافه ثلاثة أقوال ويستحب كونهما بالإخلاص والكافرون وخلف المقام في كل طواف على المشهور وأي موضع كان من المسجد جاز إلا الحجر وداخل البيت واتصالهما شرط بلا فصل بين أسبوع وركعتيه بثان ويقطع إن شرع فإن كمل ركع لهما على المشهور ويقتصر في وقت الكراهة على أسبوع ويؤخر ركوعه لوقت الإباحة ويقدم المغرب عليهما إن حضرت والمشهور لا يؤخرها فإن فعل فلا شيء عهليه وإن طاف بعد الصبح مغلسا جاز أن يركعهما حينئذ ولو نسي الركوع رجع له مما قرب فإن بعد حتى رجع إلى بلده ركعهما وأهدى إن كان طواف ركن وإلا فلا شيء عليه والله أعلم. واستلامه الحجر إثر ركوعه لإرادة خروج ونحوه مستحب ليكون آخر عهده بالبيت نعم ويدعو في أماكن الإجابة حوله وهو الحجر الأسود والملتزم وهو ما بينه وبين الباب وفي الحجر تحت ميزاب الرحمة وفي المستجار وهو ما يقابل الملتزم ويليه الركن اليماني وفي الحطيم وهو ما بين المقام وزمزم ممتدا إلى الباب ثم إلى ما خلفه قيل إنما سمي حطيما لأنه ما دعي فيه على ظالم إلا انحطم والله أعلم. (ثم يخرج إلى الصفا فيقف عليه للدعاء ثم يسعى إلى المروة ويخب في بطن المسيل فإذا أتى المروة وقف عليها للدعاء ثم يسعى إلى الصفا يفعل ذلك سبع مرات فيقف بذلك أربع وقفات على الصفا وأربعا على المروة).

هذا الركن الثالث من الحج وهو السعي وشرطه أن يكون بعد طواف صحيح والمشهور اشتراط كونه واجبا كطواف الإفاضة والقدوم قال يف المدونة وإن لم ينو فريضة الطواف قبله أعاده فإن تباعد أو طال أو وطئ فالدم وتقديمه عند طواف القدوم واجب لغير المراهق والحائض والناسي فيؤخرونه للإفاضة كالمتمتع وإن أخره غيرهم له فالدم خلافا لأشهب ولو أخره للوداع ففي الإجزاء مع الدم أو يرجع له من بلده خلاف. قال في المدونة ولم يحد مالك من أين يخرج ابن حبيب خرج له النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني مخزوم وهي المعروفة اليوم بباب الصفا لأنها تقابله ولها خمس طاقات متحاذية قالوا ويستحب في خروجه إلى الصفا أن يمر بزمزم فيشرب منها ولما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصفا تلا قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] الآية ثم قال أبداً بما بدأ الله به على صيغة الخبر. وفي النسائي بصيغة الأمر فالبداءة بالصفا واجبة فلو بدأ بالمروة ألغى ما فعل قبل الصفا ثم رقى صلى الله عليه وسلم حتى رأى البيت وهذا مستحب في الصفا والمروة فاستقبل القبلة وكبر وهلل ودعا بما تيسر قال مالك ولا يرفع يديه في ذلك وقيل يرفع والأول أصح ولا تصعد النساء أعلاه إلا أن لا يكون به أحد والله أعلم.

ثم إذا نزل من الصفا مشى على الميل الأخضر ثم خب خببا أقوى من خبب الطواف حتى يصل إلى الميل الآخر فيمشي حتى يصل المروة فيفعل عليها كما يفعل على الصفا وأرضها اليوم غير مصعدة فليستحب الدخول لأقصى محلها لأنه الأعلى وإنما يخب الرجال دون النساء قالوا والخبب هنا آكد من الذي في الطواف واللازم في إسقاطها متحد والطهارة فيه سنة ابتداء ودواما فلو أحدث في أثنائه توضأ وبنى. وفي المدونة فإن جلس في خلاله أو وقف لحديث مع غيره أو صلى على جنازة أو باع أو ابتاع بنى فيما خف وإن تفاحش ابتدأ وفي إعادة الطواف قولان ويقطع لفرض أقيم عليه لا لغيره وكمال الأشواط شرط فلو تركه أو شوطا منه في حج أو عمرة صحيحين أو فاسدين رجع له من بلده على المشهور وأتى بعمرة إن وطئ وإلا فدم وخفف ابن القاسم الشوطين ثم رجع ورأى إن تباعد أو طال أو وطئ وإلا قدم والله أعلم. تنبيه: هذا آخر ما يشترط فيه الحج والعمرة ثم ما ينفرد الحج من أفعاله بما لا يشاركه فيه غيره وهو سماع الخطبة بمكة يوم السابع والخروج إلى منى يوم الثامن والوقوف بعرفة يوم التاسع والمبيت بمزدلفة عند النفر منه ليلا والتحليل الأصغر منه يوم العاشر ثم الأكبر بطواف الإفاضة ثم رمي الجمرات وهو الآخر وبالله التوفيق. (ثم يخرج يوم التروية إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح). سمي يوم التروية لأن الحاج يروي في أموره لعرفات فما بعدها وقيل لأن العرب كانت تعد فيه السقيا لشرب الحج فيما بعد. قال ابن حبيب فإذا زالت الشمس من يوم التروية فطف بالبيت سبعا واخرج إلى منى وأنت ملب وإن خرجت قبل ذلك فلا حرج ولمالك في الموازية أكره المقام بمكة يوم التروية إلى أن يسمي ومن أدركه يوم الجمعة بمكة من مكان أو غيره ممن أقام بها أربعة أيام فعليهم أن يصلوا الجمعة قبل رواحهم والمبيت بمنى في هذه الليلة مستحب لا شيء على تاركه وإنما شرع تقريبا لعرفة.

قلت: وقد كان الناس فيما قبل هذه السنين لا يبيت بها إلا القليل وربما تضرروا بالحرامية وقد عاينا ذلك في سنة خمس وسبعين وفي سنة أربع وثمانين فلما كانت سنة أربع وتسعين بات الأمير والناس حتى أصبحوا ثم مشوا إلى عرفات فأحيوا هذه السنة فالحمد لله على ذلك. (ثم يمضي إلى عرفات ولا يدع التلبية في هذا كله حتى تزوال الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها وليتطهر قبل رواحه ويجمع بين الظهر والعصر مع الإمام ثم يروح معه إلى موقف عرفة فيقف معه إلى غروب الشمس ثم يدفع بدفعه إلى المزدلفة فيصلي معه بالمزدلفة المغرب والعشاء والصبح ثم يقف معه بالمشعر يومئذ بها).

هذا افتتاح الكلام في الركن الرابع من الحج وهو أعظم أركانه إذ يتوقف عليه ما قبله وما بعده كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «الحج عرفة» ثم المضي من منى يكون عند طلوع الشمس وكونه ملبيا هو السنة ولا يزال ملبيا إلى الزوال ورواحه إلى المصلى هذا هو المشهور وقيل ذلك في يومه وقيل بعده إلى رمي الجمرة وهذا مذهب الشافعي ويسمى مصلاها مسجد نمرة وهو مسجد في آخر الحرم وأول الحل وقد أردكنا بناءه كيف اتفق وهو الآن في حكم البناء وفي وسطه ما زال ينتفع بمائه ومحل الجمع عند الزوال فيجمع العصر إلى الظهر بعد أن يخطب خطبة يعرف الناس فيها ما يفعلون في الموقف ما بعده ويؤذنون في آخر خطبته عند عبد الملك والشافعي، والمشهور عند انقضاء الخطبة. ثم يصلي الظهر والعصر ركعتين بإقامتين لأن مالكا أجرى الخروج لعرفة في الحج مجرى القصر فلذلك قالوا يبنغي أن يكون الإمام مالكيا على أن لا يشوش الناس وهم اليوم يخطب الشافعي ثم يستخلف مالكيا للصلاة قال ابن حبيب فإذا سلم الإمام من الصلاة ركب فدفع إلى عرفات فيقف راكبا – يعني استحبابا – وكل أفعال الحج يستحب فيها المشيء إلا الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة والوقوف بالمشعر.

وقد قال عليه السلام: «وقفت ههنا وعرفات كلها موقف» وارتفعوا عن بطن عرنة قال ابن المواز وكتب لي أصبغ المسجد من بطن عرنة فمن وقف فيه فلا حج له وحكى ابن المواز عن مالك من وقف فيه تم حجه ويهريق دما والمراد بالوقوف الكون في داخله قائما أو جالسا أو نائما أو غير ذلك حتى المجتاز إن عرفها ونوى الوقوف بمروره قال ابن عبد البر والجمع فيه سنة إجماعا. وفي المدونة من فاته الجمع مع الإمام جمع وحده ويستحب الوقوف على طهارة فإن كان جنبا من احتلام أو غير متوضئ فلا شيء عليه والأولى كونه متطهرا والتطهر قبل الرواح مستحب ولا يزال فيه وسخا ولا يتدلك الغاسل بإمرار اليد ولما ظهر الماء بعرفة سنة خمس وسبعين وثمانمائة رأيت بعض الناس يسبح في الجابية ويلعب كما يلعب في النهر وذلك ما ينافي الإحرام لإزالة الشعث فليتقه المشفق على دينه ثم وقوفه نهارا سنة والواجب جزء من الليل على مذهب مالك فمن فاته النهار اختيارا لزمة دم ومن فاته الليل بطل حجه وإن وقف أدنى جزء منه كفاه. وروى ابن وهب وقوفه راكبا أحب إلي من الوقوف قائما وقيده اللخمي بعدم الإضرار بالدواب والرواية (يدعو الماشي قائما فإن أعيا جلس) أشهب روى ابن حبيب إن وقف بنفسه وترك دابة بلا علة بها فلا شيء عليه الشيخ وروى ابن حبيب له أن يستظل يومئذ من الشمس، وروى محمد لا بأس باستظلاله بالفسطاط والبيت المبني والقبة وهو نازل المازري عن الرياشي قلت لابن المعذل وقد وقف ضاحيا في شدة حر قد اختلف في هذا فلو أخذت بالتوسعة فقال: أضحيت كي أستظل بظله ... إذا الظل أضحي في القيامة قالصا ويا أسفي إن كان سعيك باطلا ... ويا حسرتي إن كان حجك ناقصا وقوله (يدفع بدفعه إلى المزدلفة) يعني أنه لا يدفع من عرفة حتى يدفع الإمام إثر غروب الشمس بلا مهلة ثم إذا وصل مزدلفة مع الإمام جمع المغرب والعشاء معه بعد حط رحله وإن كان وحده فكذلك على المشهور وقاله مالك وقال ابن المواز يصلي كل صلاة لوقتها وثالثها إن رجا إدراك المزدلفة قبل ثلث الليل أخر إليه وإلا فلا وقاله ابن القاسم (س) وهذا القسم متفق عليه في غالب ظني والله أعلم.

وفي العتبية عن ابن القاسم من صلى العشاء قبل مغيب الشفق أعاد العشاء أبدا قال ابن المواز وقول ابن القاسم أحب إلينا ابن حبيب هو كمن صلى قبل الوقت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلاة أمامك» ثم النزول بمزدلفة متأكد والمبيت مستحب فإن لم ينزل بها فعليه دم على المشهور وهل يمتد وقته إلى طلوع الشمس؟ وهو المشهور وقاله في المدونة. وقال ابن حبيب إذا رجعت من عرفة فارفع يدك إلى الله عز وجل ثم ادفع وعليك السكينة وامش الهوينا وإن كنت راكبا فالعنق فإن وجدت فجوة فلا بأس أن تحرك شيئاً فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق يعني شيئا شيئا فإذا وجد فجوة أي فرجة نص أي استرسل في المشي وقال وأكثر من ذكر الله وتحميده وفي المدونة يستحب مروره بين المأزمين وهما رأسان من الجبل بينهما طريق معروف. وفي المدونة يستحب ليلة المزدلفة كثرة الصلاة والذكر والرحيل منها بعد صلاة الصبح غلسا ويلتقط حصى الجمار منها ليكون أهيأ له لأنه من نسك ولا يكسرها كما يفعله الدهال ويقولون الأجر على قدر المشقة وهذا إبطال إنما الأجر على قدر الاتباع ويأتي المعتمر وهو من مزدلفة ولذلك قال الشيخ فيقف بالمشعر يومئذ بها وذلك قريب من بطن المحسر لناحية المشرق وعلى يسار المتوجه إلى مكة فيكبر ويهلل ويذكر الله ويدعو إلى قرب طلوع الشمس وإن ترك هذا فلا شيء عليه لأنه سنة على المشهور. وقال عبد الملك فريضة بل اختلف النقل عنه في ركنيته وقال ابن رشد ما يقتضي وجوب الدم لتركه فانظر ذلك ومزدلفة تسمى جمعا - بفتح الجيم وسكون الميم المهملة - فإذا وقف بالمشعر لم يبق له إلا التحلل الأول برمي جمرة العقبة ثم التحلل الثاني بطواف الإفاضة وتوابع ذلك من النحر والحلاف والرمي في أيام منى الثلاثة وبالله التوفيق. (ثم يدفع بقرب طلوع الشمس إلى منى ويحرك دابته ببطن محسر فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات مثل حصى الخذف ويكبر مع كل حصاة ثم ينحر إن كان معه هدي ثم يحلق).

يعني أن الدفع من المشعر يكون قبل طلوع الشمس قال في المدونة ولا يقف أحد بالمشعر الحرام إلى الإسفار ولكن يدفعون قبل ذلك وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل واقفا بالمشعر ويكبر ويهلل ويدعو حتى أسفر جدا هذا الذي يقتضيه كلام الشيخ إذ قال بقرب طلوع الشمس والله أعلم وإنما يحرك دابته ببطن محسر وهو الوادي الذي بين المشعر ومنى لأنه المحل الذي أصاب فيه أصحاب الفيل ما أصابهم وقد أمرنا بالإسراع في مواضع العقوبات والله أعلم. وقوله (دابته) ليس بشرط بل وحتى الماشي يسرع وقد سمع ابن القاسم أحب للماشي أن يسعى على قدميه في هبوطه من بطن محسر والله أعلم وقوله (فإذا وصل إلى منى) يعني لمحل جمرة العقبة منها بدليل قوله (ومن جمرة العقبة) إلخ. نعم ورمي هذه الجمرة أول التحليل لأنه بعد رميها يحل له كل شيء إلا النساء والطيب والصيد ثم هل واجبة؟ وبه قال عبد الملك بل عدها ركنا من أركان الحج وجمرة العقبة بآخر منى من ناحية مكة رأس وادي المحصب عن يمين الماشي إلى مكة. قال ابن الفاكهاني وتختص بأربعة أشياء. الأول: أنها ترمى من بعد طلوع الشمس إلى الزوال خلافا للشافعي في قوله أول وقتها السحر. الثاني: أن رميها يوم النحر وليس معها غيرها في يومها. الثالث: أنها ترمي من أسفلها وهذا مستحب. الرابع: أنه لا يوقف عندها للدعاء وكون رميها بسبع حصيات شرط فلا يجزئ

أقل من ذلك وكون السبع واحدة بعد واحدة فلو رمى أكثر بمرة لم تعد له إلا واحدة ويكبر مع كل حصاة فإن ترك فلا حرج ولا بد من رميها فلو طرحها لم يجزه واستحب مالك كونها فوق حصى الخذف بل فوق العول ودون النبق ويستحب رمي هذه الجمرة راكبا من بطن الوادي ولو خالف فلا شيء عليه إذا كان الرمي والخذف بالمعجمتين والفاء جعل الحصاة على طرفي الإبهام في وسط السبابة ثم يدفعها بقوة كانت العرب تلعب بذلك فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال: «إياكم والخذف فإنه يكسر السن ويفقأ العين ولا يجدي شيئاً» وسبه ههنا في القدر لا في غيره والله أعلم. والسنة تقديم النحر بعد الرمي فلو عكس لزمته الفدية على الأصح والله أعلم. (ثم يأتي البيت فيفيض ويطوف سبعا ويركع). طواف الإفاضة هو طواف الركن وقته من يوم النحر إلى آخر ذي الحجة على المشهور وقيل إلى انقضاء أيام التشريق قال في المدونة تعجيل الإفاضة يوم النحر أفضل وإن أخرها حتى أتى مكة بعد أيام التشريق فلا بأس ولو أخرها والسعي بعد وصوله من منى أياما وطال أهدى اللخمي وهذا استحسان لرعي الخلاف (س) ذهب مالك في جماعة إلى أن أشهر الحج آخرها آخر ذي الحجة فعليه لا يلزمه الدم إلا إن أخر الإفاضة حتى يخرج الشهر والله أعلم ثم إذا ركع إثر طواف الإفاضة حل له كل شيء حتى الطيب والنساء والصيد ولم يبق عليه غير رمي الجمار. (ثم يقيم بمنى ثلاثة أيام فإذا زالت الشمس من كل يوم منها رمي الجمرة التي تلي منى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يرمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك من كل يوم منها رمي الجمرة التي تلي مني بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم رمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة ويقف للدعاء بإثر الرمي في الجمرة في الأولى والثانية ولا يقف عند جمرة العقبة ولينصرف فإذا رمي في اليوم الثالث وهو رابع يوم النحر انصرف إلى مكة وقد تم حجه وإن شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف). حاصل ما ذكر في هذه الجملة أنه إذا طاف للإفاضة عجل بالخروج لئلا تغرب عليه الشمس قبل الوصول إلى منى فإذا بات دونها أو أخذ جل الليل فعليه الدم وكذلك

في بقية ليالي الرمي وكثير من العوام ينزل في المحصب قريبا من العقبة فيكون عليه ذلك وهو لا يشعر وإنما المبيت فيما وراء العقبة من ناحية المشرق وأحكام الرمي وفروعه كثيرة وصوره معروفة من النص فانظر في مواضعها وما ذكر من التعجيل هو نص القرآن في قوله الكريم: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} [البقرة: 203]. والمشهور أن أهل مكة كغيرهم في جواز التعجيل وأن اليوم الثالث يسقط وقال ابن حبيب بل يضيفه على آخرها ويرميه ثم لا يصح له التعجيل لا إذا عزم عليه قبل غروب الشمس من اليوم الآخر والله أعلم فأما طواف الوداع فليس من الحج ولا من العمرة ولكنه ملحق بها لحرمة البيت ويرجع له ما لم يخش فوات رفقته ثم لا دم عليه ونزوله بالأبطح عند رجوعه من منى مستحب ولا شيء عليه في تركه والله أعلم. (والعمرة يفعل فيها كما ذكرنا في الحج إلى تمام السعي بين الصفا والمروة ثم يحلق رأسه وقد تمت عمرته).

تقدم أن العمرة سنة على المشهور لا فريضة مرة في العمرة كالحج في وجوبه ووقتها لمن لم يحج السنة كلها ما بعد غروب آخر أيام التشريق والمشهور كراهة تكرارها في السنة مرارا وأجازه ابن المواز واختاره اللخمي وفي قوله (إلى تمام السعي بين الصفا والمروة) أن الحلاق ليس بركن للعمرة وفيه خلاف وقوله (ثم يحلق وقد تمت عمرته) يعطي أن تمامها بالحلاق واختلف في ذلك فقيل إن الحلاق ركن لها وقيل لا فانظر ذلك وقد كنت نظمت أبياتا قبل هذا اختصرت فيها مقاصد الحج والعمرة فقلت في ذلك: أحرم ولب ثم طف واسع وزد ... في عمرة حلقا وحجا إن ترد فزد منى وعرفات جمعا ... ومشعرا والجمرات السبعا وانحر وقصر وأفض ثم ارجع ... من رمي أيام منى وودع وكمل الحجة بالزيارة ... متقيا من نفسك الإمارة فالسر في التقوى والاستقامة ... وفي اليقين أكبر الكرامة (والحلاق أفضل في الحج والعمرة والتقصير يجزي وليقصر من جميع شعره وسنة المرأة التقصير). ذهب مالك إلى أن الحلاق أو التقصير في الحج نسك وتحليل معا وأبو حنيفة نسك والشافعي تحليل فقط وعلى النسك يلزم الدم بتركه وإلا فلا والأفضل البداءة بالشق الأيمن في ذلك قاله ابن حبيب. وفي المدونة أقل ما يكفي من التقصير الأخذ من جميع الشعر قصيره وطويله وسنة الرجال أن يجز من قرب أصوله وتأخذ المرأة قدر الأنملة من شعرها والناس في ذلك ثلاثة أقسام قسم يتعين عليه الحلاق وهو الأجلح الذي لا شعر له والأقرع والملبد وقسم حكمة التقصير وهي المرأة قال الحسن: لأن حلقها مثله وقسم يخبر فيهما وهو من عدا من ذكرا والحلاق أفضل إلا لوجه كاستبقاء الشعث في عمرة المتمتع لأجل حجه والله أعلم. (ولا بأس أن يقتل المحرم الفارة والحية والعقرب وشبهها والكلب العقور وما يعد ومن الذئاب والسباع ونحوها ويقتل من الطير ما يتقى أذاه من الغربان والأحدية فقط).

في الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفارة والكلب العقور» والمشهور أن صغار ما ذكر من الحيات والفئران والعقارب كلها ككبارها. وفي المدونة يكره قتل سباع الطير كلها وغير سباعها فإن قتل شيئا منها فعليه الجزاء إلا أن تعدوا أو يخافها على نفسه فلا جزاء وتردد التونسي فيما في المدونة هل هو في كبارها وصغارها فيكون خلافا لما في الموطأ أو المراد ما عدا المذكور في الحديث فيكون وفاقا وهل المراد بالكبار كل ما عدا من السباع فيدخل السبع والنمر ونحوها وهو المشهور أو الكلب المعروف قولان والمشهور قتل ما يتقي أذاه من الغربان والأحدية وإن لم يؤذ لم يبتدأ وهو مذهب الموطأ الباجي وهو المشهور. (ويجتنب في حجه وعمرته النساء والطيب ومخيط الثياب والصيد وقتل الدواب وإلقاء التفث). يعني أنه يحرم عليه إتيان النساء وقربهن بمقدمة جماع حتى عقد النكاح لنفسه ولغيره وجاء النهي عن أن يخطب أو يخطب عليه إن وطئ قبل عرفة بطل حجه وفيما بعد ذلك اختلاف وتفصيل يطول فانظره والطيب المؤنث حرام عليه التطيب به فإن فعل افتدى (س) الاستعمال الموجب للفدية هو المس الذي يتعلق بسببه الطيب ويحصل به الانتفاع لأن ذلك فعل المتطيب عادة وقد يخالف لما هو أشد أو دون وفي المدونة مس الطيب أشد من شمه وشربه أشد من مسه والفدية في شربه أو لمسه والمؤنث منه كالمسك والكافور والزعفران والورس ويكره شم المذكر منه كالورد والياسمين والريحان ولا فدية فيه على أي وجه كان استعمله أو مسه وهل يمنع شم المؤنث أو يكره قولان الباجي قائلا المذهب المنع وابن القصار يكره وفي مسه دون علوق شيء منه قولان وفيما نزع قرب استعماله قولان قال مالك ويغسل ما علق به خلوق الكعبة ولا شيء عليه وله تركه إن قل فانظر ذلك ومخيط الثياب المراد به ما يمتسك بنفسه بخياطة كان بخياطة أو نسج أو غيره من ربط أو زر ونحوه.

والمحيط – بضم الميم والحاء المهملة – كالمخيط – بالخاء المعجمة – فالخاتم والحزام والجلد تكون فيه الحروز ونحو ذلك كله ممنوع إلا شد نفقته على جلده ولا بأس بنفقته غيره معها بخلاف نفقة الغير وحدها باختلاف فإنها لا تجوز على المشهور ولو نفدت نفقته أو ذهبت دون النفقة التي معها لغيره جاز استمراره ولا يضره كما تقدم وأما الصيد – يعني البري – فيحرم عليه اصطياده لقوله تعالى: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حراماً} [المائدة: 96] والإعانة عليه ولو بالإشارة كاصطياده ولو كان تحت يده وقت إحرامه وجب عليه إطلاقه ولا يقبله هديه ولا غيرها وما صيد من أجله كما اصطاده بنفسه وما لم يصطد من أجله وأتى منه بلحم جاز له أكله. وليحذر مما تفعله العامة عند رؤية الصيد من عياطهم بقولهم حرام حرام فإن ذلك جهل وتنفير له وهو حرام على المحرم فأما قتل الدواب كالقمل فالمشهور أن في القملة والقملات كفا من طعام يتصدق به والتفث الوسخ وما في معناه فإلقاؤه بقص الشارب أو نتف الإبط أو نحو ذلك وكل ذلك ممنوع وفيه الفدية وسواء في ذلك العامد وغيره. (ولا يغطي رأسه في الإحرام ولا يحلقه إلا من ضرورة ثم يفتدي بصيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو ينسك بشاة يذبحها حيث شاء من البلاد وتلبس المرأة الخفين والثياب في إحرامها وتجتنب ما سوى ذلك مما يجتنبه الرجل وإحرام المرأة في وجهها وكفيها وإحرام الرجل في وجهه ورأسه). أما تغطية المحرم رأسه فإن فعل لزمته الفدية إن دام حتى انتفع به واختلف في يديه إذا غطاهما حتى انتفع هل يفتدي أو لا؟ على قولين هما في المدونة وهل مبني لزوم الفدية وعدمه على تحريم التغطية أو كراهتها تأويلان وأصل الفدية حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به والقمل يتناثر على وجهه فقال: «ما أظن الوجع بلغ بك ما أرى أيؤذيك هوام رأسك» قال بلى يا رسول الله فأنزل الله تعالى الفدية {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام} [البقرة: 196] الآية وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم

بما ذكره الشيخ من تخييره بين الأمور الثلاثة التي هي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ينسك بشاة يختار أي ذلك شاء من غير تعيين زمان ولا مكان وقوله (وتلبس المرأة) الخفين لأن رجليها ليا بمحل إحرام لها بخلاف الفقازين لأن يديها محل إحرام لها والقفاز ما يجعل على هيئة الكف لحمل الطيور ونحوها وتفتدي إن لبسته عند مالك خلافا لابن حبيب والله أعلم. (وإحرام الرجل في وجهه ورأسه) فلو غطى رأسه بما لا يعد ساترا فلا شيء عليه فيه وإن كان مما يعد ساترا افتدى على المشهور قال مالك ولا بأس أن يستظل بالفسطاط والقبة وهو نازل ولا يعجبني أن يستظل المحرم إذا نزل الأرض ولا بأس أن يلقى ثوبا على شجرة ويقبل تحته وليس كالراكب والماشي وهو للنازل كالخباء المضروب وذكر ابن المواز أنه لا يستظل إذا نزل بالأرض بأعواد يجعل عليه ثوبا كساء أو غيره قال وإنما وسع له في الخباء والبيت المبني. اللخمي إذا كان في محارة كشف عنها فإن لم يفعل افتدى فإن كان نازلا في الأرض لم يستظل تحت المحارة فإن فعل افتدى ولا بأس أن يكون في ظلها خارجا عنها ولا يمشي تحتها واختلف إذا فعل ونقل المازري أن ابن عمر أنكر على من استظل راكبا وقال أضح لمن أحرمت له نعم ويجوز أن يحمل على رأسه ما لا بد له منه مخرجه وجرابه ونحوه ولا يحمل تجارة لنفسه ولا بإجارة لغيره ولا تطوعا فإن فعل افتدى وبالله التوفيق. (ولا يلبس المحرم الخفين في الإحرام إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين).

هكذا وقع في الحديث بنصه إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم، فقال: لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أن لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين» والمشهور بقاء هذا الحكم وقال ابن حبيب ذلك خاص بزمانه عليه السلام فأما اليوم إذا اتسع الحال على الناس فلا والله أعلم. (والإفراد بالحج عندنا أفضل من التمتع ومن القرآن). (الإفراد) هو الإفراد بالحج وحده دون أن يخالطه شيء في زمن فعله وما ذكر أنه الأفضل هو المشهور عندنا وعند الشافعية وقال أبو حنيفة القرآن أفضل وبقوله قال اللخمي من أهل المذهب وروى أشهب الإفراد أفضل للمراهق وأما من يطول أمده في

الإحرام فالتمتع أفضل وقال أبو عمر كل الثلاثة سواء في الفضل وعلى المشهور فالمشهور أن القرآن يلي الإفراد في الفضل وقيل التمتع والمذهب تفضيله على عدمه وساواه في الحكم ولا خلاف أن من أحرم بوجه من وجوه الإحرام أجزأه واختلف في إحرامه عليه السلام هل كان بالإفراد أو التمتع والقرآن لاختلاف الأحاديث فانظر ذلك. (فمن قرن أو تمتع من غير أهل مكة فعليه هدي يذبحه أو ينحره بمنى إن أوقفه بعرفة وإن لم يوقفه بعرفة فلينحره بمكة بالمروة بعد أن يدخل به من الحل فإن لم يجد هديا فصيان ثلاثة أيام في الحج يعني من وقت يحرم إلى يوم عرفة فإن فاته صام أيام منى وسبعة إذا رجع). يشترط لزوم الهدي في التمتع والقرآن كون الفاعل آفاقيا فلا هدي على أهل مكة في تمتع ولا قرآن وشرط الهدي إيقافه بعرفة لمن أراد نحره بمنى فإن لم يرد أو لم يجد حتى فات وقوفه لزمه إخراجه إلى الحل ثم يذبحه بمكة وفجاجها كلها مذبح غير أن المروة مستحبة لذلك ومن لم يجد الهدي في تمتعه ولا قرآنه صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وهو قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ} [البقرة: 196] قال ابن حبيب وغير حاضري المسجد الحرام أهل ذي طوى ومن في معناهم وحكى اللخمي قولا بأنه كل من دون المواقيت. وآخر أيام الحج أيام التشريق فأيام التشريق لمن فاته الثلاثة قبل العيد أيام استدراك لصيامها وقال علي وابن عمر رضي الله عنهما وتبعهما مالك فأما السبعة إذا رجع. فقال مالك في جماعة يعني إذا رجعتم من منى فيصومها بمكة إن أقام بها وفي الطريق إن نهض لها وفي رواية المختصر في أهله أحب زاد في رواية محمد إلا أن يقيم بمكة وصومه بطريقة يجزيه اللخمي هذا أبين لتخفيف الشرع صوم رمضان في السفر والله أعلم، ومن عجل السبعة قبل وقوفه بعرفة فقولان اللخمي ويجزئه محتجا بأن تأخيرها توسعة فأحرى تقديمها في السفر كرمضان في السفر ونقل عن ظاهر المذهب لا

يجزئه والله سبحانه أعلم. (وصفة التمتع أن يحرم بعمرة ثم يحل منها في أشهر الحج ثم يحج من عامة قبل الرجوع إلى أفقه أو إلي مثل أفقه ولهذا أن يحرم من مكة إن كان لها ولا يحرم منها من أراد أن يعتمر حتى يخرج إلى الحل).

يعني أن صفة التمتع الموجب للهدي ما ذكر وجملة ما ذكر فيه ستة شروط

مأخوذة من كلام المؤلف أولها إحلاله من العمرة في أشهر الحج وإن لم يحرم فيها. الثاني: أن يحج من عامة فلو لم يحج إلى قابل لم يكن متمعتاً، الثالث: كون ذلك قبل الرجوع إلى أفقه أو مثله في البعد. الرابع: أن تكون عمرة سابقة على حجة فلو تأخرت لم يكن متمعتاً. الخامس: أن يكون إحرامه بالحج بعد إحلاله لأجل التلبس بالعمرة فإنه إن فعل كان قارنا متمتعا فيلزمه هديان إن كان أردف مع الشروط المتقدمة. والسادس: كونه ليس من حاضري المسجد الحرام. فتأمل ذلك من كلام الشيخ رحمه الله وبالله التوفيق وقوله (ولهذا أن يحرم) من مكة يعني بالحج لأنه منعزل عن العمرة وإنما يلزمه الهدي لجمعهما في أشهر الحج بخلاف القرآن فإنه لا يحرم به منها لدخول العمرة في نسكه وهي لا تصح إلا بالجمع بين حل وحرم والله أعلم. (وصفة القرآن أن يحرم بحج وعمرة معا ويبدأ بالعمرة في نيته وإذا أردف الحج على عمرة قبل أن يطوف ويركع فهو قارن). ذكر في هذه الجملة أن القرآن على وجهين قرآن قصد في أول الافتتاح وشرطه أن يبدأ بالعمرة في نيته وقرآن حصل بإرداف الحج على العمرة وشرطه أن يكون قد بقي من العمرة جزء ويعتد به فأكثر فيحرم بالحج مستدركا عمرته به وقال الشيخ قبل أن يطوف ويركع وهو المشهور فإذا أردف في أثناء الطواف صح واختلف في أثناء السعي لا بعده فيلزم الإحرام ويجب تأخير الحلاق ويلزم الدم لتأخيره ولا يكون قارنا به ولا فرق بين القارن والمفرد إلا في النية أولا ولزوم الهدي آخرا وإلا فالعمرة مندرجة في

الحج خلافا لأبي حنيفة والله أعلم. (وليس على أهل مكة هدي في تمتع ولا قرآن). يعني اتفاقا في الأول وعلى المشهور في الثاني خلافا لعبد الملك وحكمة سقوطه فيهما أن الهدي واجب لمساكين مكة فلا يكون عليهم والحج كله إنما وجب من أجلهم إذ قال إبراهيم عليه السلام: {فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم} [إبراهيم: 37] وقياسهم فيها من باب مساعدة رب المنزل للقادم عليه فاعرف ذلك. (ومن حل من عمرته في أشهر الحج ثم حج من عامة فليس بمتمتع). يعني لأن من شرطه أن يحل منها في أشهر الحج وقد تقدم ذلك نعم وقد وقع في نفوس العوام أن المتمع هو الذي يتجرد عند إحرامه ثم يرجع إلى ثيابه في الحال وهو جهل وضلال وقد نبه الشيخ (خ) عليه في مناسكه وكذا ابن الحاج وغيره فانظره. (ومن أصاب صيداً فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من فقهاء المسلمين ومحله منى إن وقف به بعرفة وإلا فمكة ويدخل به من الحل وله أن يختار ذلك أو كفارة طعام مساكين أن ينظر إلى قيمة الصيد طعاما فيتصدق به أو عدل ذلك صياما أن يصوم عن كل مد يوما ولكسر المد يوما كاملاً).

ذكر في هذه الجملة جزاء الصيد على من قتله وفسر في كلامه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة: 96] الآية فأمر الحكم فيه موكول إلى عدلين عالمين لا يجوز لأحد أن يعمل به إلا بحكم العدلين المذكورين وإنما يحتاجهما لتقدير ما يجب عليه وتغليظ الأمر عليه حتى يعود فلا يحكم لنفسه ولا يكتفي بواحد وإن كان أعلم البرية وأعدلها وإيقاف الهدي بعرفة ليذبح بمنى وذبحه بمكة إن لم يوقف بعد خروجه إلى الحل شرط كل هدي وبسط هذه الجملة يستدعي طولا مع عدم مس الحاجة إليه في الوقت فلنقتصر على ما ذكره الشيخ وبالله التوفيق. (والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر). يعني بشرط الاستطاعة وتوابعها كالحج وما ذكر هو المشهور وقال ابن الجهم واجبة وقد تقدم الكلام في ذلك وفي وقتها وكيفية العمل بها وأتى في فضلها خير كثير منه قوله عليه السلام: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).

ومعنى المبرور قيل الذي يبره صاحبه فلم يعص الله فيه من أول التلبس إلى انقضائه وقيل الذي لم يعص الله بعده وقال عليه السلام: «من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» وكلا الحديثين صحيح وبالله التوفيق. (ويستحب لمن انصرف من مكة من حج أو عمرة أن يقول أيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده). إنما يقول ذلك إشعاراً لنفسه بما كان عليه ليوم حجه (فالآيبون) الراجعون إلى الله في السراء بالحمد والشكر وفي الضراء بالرضا والصبر ولذلك أثنى الله على كل من سليمان وأيوب عليهما السلاك بـ {نعم العبد إنه أواب} [ص: 44] مع اختلاف ما هما فيه لكن استويا في الرجوع إلى الله عما هما فيه والتائب هو الراجع إلى الله تعالى عما لا يرضيه طلبا لرضوانه وتصديقا لوعده عابدون له تعالى بما من به علينا من الحج والعمرة فهو اعتراف بالمنة (لربنا حامدون) على ذلك كله (صدق الله وعده) لنبيه وللمؤمنين إذ قال {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله أمنين} [الفتح: 27] الآية وهو الصادق الوعد في كل شيء (ونصر عبده) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم في دخول مكة وبما قبلها وما بعدها من غزواته وسراياه وغير ذلك. (وهزم الأحزاب) الذين تحزبوا (وحده) أي بلا سبب من غيره وإن كان الكل من عنده {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِياً عَزِيزاً} [الأحزاب: 25] إذ أرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله قويا عزيزاً لا رب غيره ولا معبود سواه. خاتمة: قد أتيت في هذا الباب بما أمكنني متيسرا واهتممت ببيان الصفات وأحكامها واقتصرت بل قصدت فيما وراء ذلك لطوله وعدم مسيس الحاجة إليه مع أنه لا بد لمن أراد العمل به أو تعليمه من مراجعة غيره فليعذر في ذلك وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة ذكر الشيخ في هذه الترجمة سبعة أشياء ولم يرتبها في آخر الباب كما رتبها في الترجمة بل قدم الأهم فالأهم منها فكان فيه تنبيه على تقاربها في الترتيب واختلافها في المراتب وسيأتي تحقيق كل منها في محله إن شاء الله تعالى. فأما الضحية فقال الجوهري الضحية شاة تذبح يوم الأضحى والجمع أضاح وضحايا وذكر الأصمعي فيها أربع لغات ضم الهمزة وكسرها مع تخفيف الياء وتشديدها (ع) الضحية اسم لما يقرب بذكاته من جذع ضأن وثني ما سواه من النعم سليمين من عيب مشروطا بكونه في نهار عاشر ذي الحجة وتالييه بعد صلاة الإمام عبده وقدر زمان ذبحه لغيره ولو تحريا لغير حاضره انتهى. وأصل مشروعيتها قصة إبراهيم غليه السلام. (والأضحية سنة واجبة على من استطاعها).

معنى (سنة واجبة) أنها سنة يجب العمل بها بحيث لو اتفق أهل بلد على تركها قوتلوا لامتناعهم منها وما ذكر هو كذلك في التلقين والكافي والمعلم والمقدمات وهو المشهور في الموطأ سنة غير واجبة. وفي المدونة لا أحب تركها لمن قدر عليها ولا يدع الضحية ليتصدق بثمنها وروي إن وجد فقير ثمنها أو مفلس لزمته وللشيخ عن ابن حبيب وابن يونس عن ابن القاسم يأثم تاركها وأخذ منه اللخمي وجوبها الباجي: والأول أشهر المازري وقع لأصحابنا التاثيم بترك السنن على صفة فقد ينحو له ابن حبيب: وإن كان الأظهر حمله على الوجوب قال ابن حبيب: وهي أفضل من العتق ومن عظيم الصدقة، ابن رشد في كون إقامتها أفضل والتصدق بثمنها روايتان مشهورهما أنها أفضل. وقوله (على من استطاعها) يعني من ذكر أو أنثى صغيرا أو كبيرا مقيما أو مسافرا إلا الحاج بمنى ابن زرقون عن ابن أبي أويس تسقط عن المسافر كصلاة العيد ابن بشير إن كان الرجل فقيرا لا شيء عنده إلا ثمن الشاة فليضح فإن لم يجد فليستلف ابن حبيب تطلب على الرجل فيمن عليه نفقته من ولده قال ويلزم من بيده مال اليتيم أن يضحي عنه منه كنفقة وفي المدونة الأضحية عليه عن زوجته ابن رشد وأوجبها عليه عنها ابن دينار. فرع: الشركة في الأضحية بالثمن والأجزاء ممنوعة وللمضحي أن يدخل أهل بيته فيها بالنية للثواب وتجزيهم ولو كانوا أكثر من سبعة الباجي واللخمي بشرط قرابتهم وكونهم في نفقته ومساكنته قالا وتسقط عن المدخل وإن كان مليا وفي المدونة تجزئ الشاة الواحدة عن أهل البيت وأحب إلي أن يذبح عن كل نفس شاة إن قدر. الباجي والمازري ولحمها باق على ملك صاحبها ومن أدخله منهم معه فيها يعطي من شاء منهم ما يريد وليس لهم منعه من الصدقة بجميعها وروى محمد لا يدخل معه يتيمه ولا مع يتيم آخر ولو كان آخرين ولا جده مع جدته إلا أن يكونا زوجين اللخمي وإن دخل من لم يجز إدخاله لم تجز واحد منهما. (وأقل ما يجزئ فيها من الأسنان الجذع من الضأن وهو ابن سنة وقيل ابن

ثمانية أشهر وقيل ابن عشرة أشهر والثني من المعز وهو ما أوفى سنة ودخل في الثانية). شرط الضحية أن تكون من خالص الأنعام والغنم والبقر والإبل ولا يضحي بوحشي ولا بمن أمه من الوحش وإن كان الأب من الأنعام قال ابن شعبان: اتفاقا واختلف فيما إذا كانت الأمهات إنسية فاختار ابن شعبان الإجزاء وهو المشهور لأن الحيوان الذي لم يعقل تابع لأمه وقيل لا لدخول شائبة التوحش فيه وإنما كان الجذع من الضأن لا يساويه إلا ثني غيره لأنه يضرب في الولادة إذا أجزع وغيره لا يقع له ذلك حتى تثني وكون جذع الضأن ابن سنة هو قول علي بن زياد مع القرنين أشهب وابن نافع وهو المشهور وعن علي أيضاً ابن ستة أشهر وثالثها ابن ثمانية أشهر ورابعها لابن وهب ابن عشرة أشهر وخامسها إن كان ابن فتيين فابن ستة أشهر إلى ثمانية وإن كان ابن شارفين فمن عشرة إلى ستة وما ذكر في ثني المعز هو المشهور ومقابله أنه ما دخل في الثالثة. (ولا يجزئ في الضحايا من المعز والبقر والإبل إلا الثني والثني من البقر ما دخل في السنة الرابعة الثني من الإبل ابن ست سنين).

وإنما لا يجزئ من غير الضأن إلا الثني لأن غير الثني من غيره لا ينتج قاله ابن الأعرابي وما ذكر من الأسنان هو المشهور وقد تقدم في الزكاة. (وفحول الضأن في الضحايا أفضل من خصيانها وخصيانها أفضل من إناثها وإناثها أفضل من ذكور المعز ومن إناثها المعز أفضل من الإبل والبقر في الضحايا وأما في الهدايا فالإبل أفضل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز). المشهور أن المعتبر في الضحية طيب اللحم لا كثرته قال ابن رشد فأصل الضحايا الكبش الفحل الأبيض الأقرن الذي يمشي في سواد وينظر في سواد ويأكل في سواد وقيل وهذه صفة الكبش الذي فدي به ابن إبراهيم عليه السلام المازري المشهور تفضيل الفحل. وقال ابن شهاب الفحل والخصي سيان ابن حبيب سمين الفحل خير من سمين الخصي وسمين الخصي أحب إلي من هزيل الفحل والمشهور تفضيل الذكر على أنثى جنسه وروى اللخمي أنثى كل جنس مساوية لذكره واختلف فيما بين الإبل والبقر فرواية المختصر أن البقر أفضل اعنبارا بطيب اللحم واعتبر ابن شعبان والقاضي كثرة اللحم فقالا كالهدايا في غير الغنم وثالثها للشيخ عن أشهب البقر أفضل لغير من بمنى قائلا ولا أرى على من يمنى أضيحة والمقصود في الهدايا كثرة اللحم لنفع المساكين والله أعلم. (ولا يجوز في شيء من ذلك عوراء ولا مريضة ولا العرجاء البين ظلعها ولا العجفاء التي لا شحم فيها ويتقي فيها العيب كله ولا المشقوقة الأذن إلا أن يكون يسيراً وكذلك القطع ومكسورة القرن إن كان يدمي فلا يجوز وإن لم يدم فذلك جائز). أصل هذا الباب حديث البراء بن عازب رضي الله عنه «أربعة لا تجزئ في الضحايا العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والكبيرة التي لا

تنقي «أخرجه ابن حبان والترمذي وصححها واتفق العلماء على العمل به ف يمنع ما فيه أحد هذه العيوب وإلحاق ما هو أشد منها بها وعلى عدم إلحاق ما هو دونها واختلفوا فيما هو مساو لها فمذهب المدونة إلحاقه وهو المشهور وعليه الأكثر واللخمي عن الجلاب وابن القصار وغيره من البغداديين عدم الإلحاق وقد فرق الشيخ بين الأصل وبين ما يلحق به باستئناف الكلام على الثاني بقوله (ويتقي فيها العيب كله) بعد ذكر الأربعة التي في الحديث والمراد العيب المنقص للقيمة والذي يشين الذات ويغير المنفعة ويخل بطيب اللحم. ثم المراد بالعور ذهاب نور أحد العينين وإن بقيت صورتها والعمى كذلك فلا يتوقف على فقد الناظر منه شيء والمراد بالمرض ما يمنع من التصرف بتصرف الغنم (ح) ومنه البشم أي التخمة والجرب وسقوط الأسنان أو جلها على الأشهر وفي السن الواحدة والاثنتين قولان وفي البيان لا يضر سقوطها للاثغار ولا تجزئ إن كسرت اتفاقا فيهما وفي الكافي لا بأس بالثولي بفتح المثلثة وسكون الواو وفتح اللام إذا كانت سمينة. الجوهري والثول بالتحريك جنون يصيب الشاة فلا نتبع الغنم الباجي: ولا نص في المجنونة ولا تجزئ وقال اللخمي إنما تمنع إذا كان جنونها لازما قالوا وتمنع البخراء وهي المنتنة الفم جدا لأن ذلك دليل قبح اللحم ومنشؤه غالبا مرض. وللشيخ عن ابن القاسم لا بأس بالهرمة ابن حبيب ما لم تكن بينة الهرم وقد قال الحكماء إن الهرم مرض أصلي والمرض هرم عارض فهو داخل في المرض والله أعلم. و (العرج المانع) هو الذي لا تلحق معه الغنم فيف المدونة يسير العرج الذي لا يمنع لحوق الغنم مغتفر وسمع القرينان المجبورة بعد كسر إن صحت حتى لا ينقص من ثمنها ولا مشيها ولا صحتها شيء كالصحيحة ابن رشد وإن برئت على عرج يسير اغتفر وللشيخ عن سحنون تجزئ مقعدة الشحم لأنه من كمالها و (العجف) – بفتح العين والجيم ساكنة بعدها فاء – قوة الهزال وشدته وما ذكر من أنها التي لا شحم فيها هو تفسير ابن حبيب لقوله في الحديث «التي لا تنقى» وقال اللخمي التي لا مخ فيها وفي الجلاب لا شيء منهما فانظر ذلك ثم ما ذكر في شأن الأذن جار على المشهور الذي هو إلحاق العيوب المساوية.

وفي المدونة لا تجزئ السكاء وهي الصغيرة الأذنين جدا الباجي إن كان ذلك يشينها ويقبح خلقتها وإلا أجزأت وللشيخ عن ابن المواز لا بأس بقطع يسير الذنب والثلث عندنا كثير الباجي الثلث عندنا في الذنب كثير وفي الأذنين يسير لأنه لحم وعصب وعظم والأذن طرف جلد ليس إلا أما مقطوعة الذنب فهي البتراء وفي الحديث منعها وفي المدونة لا بأس بيسير قطع الأذن وشقها اللخمي، ما دون الثلث يسير وما فوقه كثير وفي الثلث قولان لابن حبيب وغيره قال والشق أيسر من القطع فشق النصف يسير بخلاف القطع الباجي. وسمع مالك شق الأذن يسير كالسمة ونحوها قال وعندي أنه لا يمنع الإجزاء إلا أن يشوه خلقها وفي حديث علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نستشرف العين والأذن ولا نضمي ولا عوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا ثرماء صحح أوله الترمذي وابن حبان والحاكم ابن الحاج والنهي عن الخرقاء والشرقاء والمدابرة والمقابلة بيان للأكمل على الأشهر وعزاه ابن بشير لابن القصار وقال الباجي وهذا مطلق والمذهب أن كثير القطع يمنع الإجزاء واللخمي نحوه إذ قال قد يحمل النهي على ما كثر من ذلك قال: والخرقاء مشقوقة الأذن والمقابلة مقطوعة الأذن من قدامها والمدابرة مما يلي قفاها والثرماء المكسورة الأسنان أو بعضها وتحرير القول في ذلك أن سقوط الأسنان إن كان للأثغار لا يضر اتفاقا وللكبر قال ابن حبيب لا تجزئ وسمع ابن القاسم تجزئ المازري وهو خلاف في حال هل ذلك نقص بين أم لا وروى ابن المواز لا بأس بذهاب سن واحدة وروى القاضي إسماعيل لا يضحى بها اللخمي ومحله على الاستحسان لخفته وللباجي رواية عن القاضي إن ذهب لها سن أو أسنان فلا يضحى بها ورواه المازري في قلع سن واحدة فأما القرن فقال (ع) كسر خارجه دون إماء عفو وفي داخله ثالثها إن لم يدم فعفو لا إن أدمى فإنه مرض ولا خلاف في إجزاء الجماء التي لا قرن لها بالأصالة التونسي ولو اتصل قرناها ثم برئت أجزأت والله أعلم. فرعان: أحدهما: الجمهور على جواز تسمين الأضحية وكرهه ابن شعبان لمشابهة اليهود ذكر ذلك عياض وعن محمد بن سحنون مقعدة الشحم تجزئ لأنه كمال لها والله أعلم.

الثاني: سمع القرينان يكره التغالي في ثمنها أن يجد بعشرة دراهم فيشتري بمائة درهم ابن رشد لأنه يؤدي إلى المباهاة واستحب اللخمي استفراها لقوله تعالى: {بذبح عظيم} [الصافات: 107] ولحديث: «أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها» (ع) ظاهره خلاف الأول إلا أن يحمل على التغالي لمجرد المباهاة وفيه نظر فتأمله وبالله التوفيق. (وليل الرجل ذبح أضحيته بيده بعد ذبح الإمام ونحره يوم النحر ضحوة). ذكر في هذه الجملة ثلاثة أمور من يلي ذبح الأضحية وزمن ذبحها الخاص والعام، فأما من يلي ذبحها فمالكها استحبابا على المشهور وهي رواية القرينين وقال في رواية محمد لا يليه غير ربها فقال محمد إلا من ضرورة أو ضعف ابن حبيب أو كبر ورعشة ونحوهما وقوله (الرجل) يحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له وأن المرأة والصبي كذلك ويحتمل أن يكون مقصودا فلا تذبح المرأة ولا الصبي وفي المسألة اختلاف فيف الموازية لتلي المرأة ذبح أضحيتها بيدها أحب إلي. وكان أبو موسى - رضي الله عنه – يأمر بناته بذلك ولا يذبح الصبي أضحيته ابن رشد الأظهر منع المرأة من ذبح أضحيتها بيدها لأنه عليه السلام قد ذبح عن أزواجه في الحج ولم يأمرهن به. واستنابه الغير بصريح اللفظ جائزة إن ذبح عن المالك اتفاقا ولو ذبح عن نفسه فعلى المشهور فقد روى أن ابن عمر اجتاز يوم العيد بصاحب غنم فاشترى منه شاة ثم قال اذبحها عني أضحية فقال الرجل باسم الله والله أكبر اللهم تقبل مني أضحيتي فقال ابن عمر رضي الله عنه ربك أعلم من أنزلها من الجبل ابن رشد وهذا يدل أن المعتبر نية المالك لا نية النائب عنه والإجزاء هو سماع القرينين وقال فضل بن مسلمة لا تجزئ وثالثها لأصبغ تجزئ عن الذابح ويضمن القيمة وإنما تصح نيابة من تصح منه القربة مصليا وفي استنابة الكتابي المنع لابن القاسم في المدونة والجواز لأشهب قائلا. وقد أساء. وفي تارك الصلاة قولان اللخمي: فإن فعل استحب إعادتها للخلاف في زكاة تارك الصلاة هل تصح أم لا نعم والاستنابة العرفية كافية عن التصريح في حق القريب اللخمي فلو ذبحها بغير إذنه غير صديق ولا نائب لم يجزه ولو كان ولده أو من عياله ففي الأجزاء قولان لابن القاسم وأشهب ابن المواز عن ابن القاسم إن ذبح أضحية

جاره إكراماً له فرضي لم تجزه ثم قال ولو كان لصداقة ووثق بأنه ذبحها أجزأت الباجي إن كان قد فوض إليه أموره أو كان ممن يدخله معه في ثواب أضحيته أو ممن يحملها عنه وإلا فظاهر المذهب عدم الإجزاء فانظر ذلك ولو ظنها أضحيته فذبحها فإذا هي أضحية جاره غلطا وقد ضمنه صاحبها القيمة فإنها لا تجزئ اتفاقا وله بيعها. قال ابن حبيب وإن لم يضمنه القيمة فثلاثة في المدونة لا تجزئ وهو قول أشهب ولمحمد أنها تجزئ وثالثها لابن حبيب فإن فاتت فوتا لا يمكن استرجاعها معه أجزأت عن ذابحها فانظر ذلك، وأما زمن ذبحها الخاص فهو بعد ذبح الإمام ما يذبح أو نحره ما بنحر يوم النحر بعد الصلاة أو قدرها فلو ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قد قربه إلى أهله ليس من النسك في شيء كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ع). وفي كون المعتبر إمام الصلاة أو إمام الطاعة طريقان لابن رشد واللخمي قائلا المعتبر أمير المؤمنين كالعباسي اليوم أو من قام مقامه، وأما وقتها العام فأوله يوم النحر ضحوة بعد الصلاة على ما تقدم ويأتي إن شاء الله. (ومن ذبح قبل أن يذبح الإمام أو ينحر أعاد أضحيته).

ما ذكره قد صرح به الحديث بقوله عليه السلام: «ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قربه إلى أهله فليعد أضحيته» (ع) وأول وقتها إثر صلاة الإمام وإثر ذبحه لغيره إن لم يتراخ.

وقال أشهب: إن أخر الذبح لا ينتظر ابن رشد إن كان لعذر غالبا انتظر إلى الزوال قال والسنة ذبحه بالمصلى قال ابن المواز والصواب إثر نزوله عن المنبر (ع) ومقتضى قول ابن رشد السنة ذبحه بالمصلى كراهة ذبحه بمنزله انتهى ثم إن لم يبرز أضحيته تحرى الناس ذبحه وذبحوا فإن تبين أن ذبحهم وقع قبله أجزأهم عند أبي مصعب وفي الموازية لا تجزئ (ومن لا إمام لهم فليتحروا صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه). يعني وإذا غلب على ظنهم صلاته وذبحه جاز لهم الذبح وإلا فلا وإن أخطئوا في تحريهم أجزأهم على المشهور بخلاف تحريهم ذبح إمامهم إذا أخر فإن المشهور أنهم إذا أخطئوا لا يجزئ لأن هذا معذور على تحصيل العلم بخلاف الآخر والله أعلم. ونص أشهب على أن الإمام إذ أخر الذبح ذبح الناس ولا ينتظرونه وقال ابن المواز إن ذبح على المسافر أهله فإنما يراعي ذبح إمامهم لا ذبح الذي بموضعه واستدل بخ ابن عرفة على أن المراد بالإمام أمام الصلاة لعدم تعدد إمام الطاعة قال وعليه لا يعتبر ذبح إمام صلاتنا لأن إخراج السلطان أضحيته للمصلي دليل على عدم نيابته إياه في الاقتداء بذبحه خلافا لبعضهم. (ومن ضحى بليل أو أهدى لم يجزه). هذا هو المذهب خلافا للشافعي عبد الوهاب لأن المقصود بهما إظهار شعار الإسلام ولا يكون ذلك ليلا مع أن الله تعالى قد قال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] الاية فذكر الأيام دون الليالي وقال عليه السلام: «من ذبح بلبل أو أهدى فليعد» ابن القصار وروى مالك فيمن ضحى بليل أنها تجزئه قال وعلى هذا يجزئ الهدي إذا نحر ليلا ولأشهب في مدونته لا تجزئ الضحية ويجزئ الهدي، وهذا كله فيما بعد ليلة يوم النحر لأن أول وقتها لم يدخل بعد والله أعلم. (وأيام النحر ثلاثة يذبح فيها أو ينحر إلى غروب الشمس من آخرها وأفضل أيام النحر أولها ومن فاته الذبح في اليوم الأول إلى الزوال فقد قال بعض

أهل العلم يستحب له أن يصبر إلى ضحى اليوم الثاني). أما كون أيام النحر ثلاثة فدون اليوم الأول منها لما تقدم من اشتراط صلاة الإمام وذبحه وقال الشافعي أربعة كالرمي للجمار وقال قتادة ستة وقال سليمان بن يسار بقية الشهر كله ولا خلاف في أن فضلها أولها قبل زوال ذلك اليوم وهل ما بعد الزوال أفضل من أول اليوم الثاني أو العكس قولان، والثاني: عزاه الشيخ لابن حبيب لأنهم قالوا بعض العلماء حيثما ورد في الرسالة فالمراد به ابن حبيب ابن رشد لا يختلف في رجحان أول يوم الثالث على آخر الثاني وللقابسي واللخمس إجزاء الخلاف فيما بين آخر الثاني وأول الثالث فانظر ذلك وللشيخ أبي محمد لا يراعي في اليوم الثاني والثالث قدر ذبح الإمام. ولكن إذا حلت الصلاة ولو ذبح بعد الفجر أجزأه وعزاه الباجي لرواية ابن حبيب وقال ابن بشير في مراعاة وقت صلاة الإمام فيها المشهور والشاذ إذا ذبح بعد الفجر أجزأه (ع) ظاهره عدم الإجزاء وهو خلاف نص الروايات وذكر أن طلوع الشمس مستحب فيهما والله أعلم. (ولا يباع شيء من الأضحية جلد ولا غيره). إنما لا يباع شيء منها لأنها قربان وما كان الله لا يصح بيعه وليس بقاصر على البيع بل كل معاوضة من إجارة وغيرها لا تجوز بشيء منها وفي المدونة والتلقين لا يعاوض بشيء منها للجزار ولا يعطى صوفها لمن يدبغ جلدها ولا بالعكس وسمع ابن القاسم لا بأس بإعطاء الظئر النصرانية تطلب فروة ضحية ابنها فروتها ومن لحمها فأقام منه (ع) جواز إعطاء القابلة والقران والكواش ونحوهم قال ومنعه بعض شيوخ بلدنا الباجي عن ابن حبيب إن باع جلدها جهلا تصدق بثمنه لابن القاسم مطلقا ولابن عبد الحكم يصنع به ما شاء ولسحنون يجعل ثمن الجلد في ماعون وثمن اللحم في الطعام وجاز إجارة جلدها كجلد ميتة دبغ وحكى ابن شاس عن المذهب نحوه ثم ذكره قول سحنون فانظره وسمع أصبغ إن باع أهله جلد أضحيته أو لحما وضعه لهم منها تصدق بثمنه من عينه ولا شيء عليه إن أنفقوه أصبغ إن رخص لهم في بيعه فكأنما باعه. ابن رشد إن أنفقوه فيما لا غنى به عنه لزمت الصدقة بقدره ابن القابسي وما

ذبح قبل ذبح الإمام لا يباع وإن كان لا يجزئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سماه نسيكة عياض فيه نظر وفي الواضحة إذا أطلع على عيب أضحيته بعد ذبحها لم يجز بيعها وإن لم تجز ونقل ابن رشد قولا بالجواز وعزاه (س) لأصبغ والمشهور في الرءوس تسرق من عند الشواء أنه لا يغرم شيئاً وكأنه رآه بيعا خلافا لعبد الملك وأصبغ وغيرهما (س) وهذا أصل مختلف فيه هل القيمة فيما لا يجوز بيعه تتنزل منزلة الثمن أم لا كدية الحر. ومنه أم الولد هل تجب فيها القيمة أم لا فانظر ذلك. (وتوجه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة وليقل الذابح باسم الله والله أكبر وإن زاد في الأضحية ربنا تقبل منا فلا بأس بذلك) أما توجيه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة فمستحب قال ابن المواز إجماعا فإن تركت لعذر من نسيان أو غيره أكلت وإن كان عبدا فقال ابن المواز لا أحب أكلها وقال ابن حبيب إن فعله عمدا لا جهلا لم تؤكل واللخمي عنه تحريم أكلها والمشهور أكلها مطلقا وأما التسمية فلا خلاف في مشروعيتها في الزكاة والمذهب أنها فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان وما ذكر من التكبير هو سنة تسمية الذبيحة قالوا ولا تكمل لأن الرحمة والذبح لا يجتمعان ابن القاسم وليس بموضع صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا يذكر إلا الله عز وجل ابن حبيب ويكفيه من التسمية لا إله إلا الله أو سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

وقال ابن شعبان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم على ما يتقرب به من هدي أو نسك أو ضحية أو عقيقة حسن ولا بأس بقوله اللهم منك العطاء ولك النسك وإليك تقربت وظاهر الرسالة خلاف قول ابن شعبان لإظهار الاستحباب وظاهرها الإباحة فقط. (ومن نسي التسمية في ذبح أضحية أو غيرها فإنها تؤكل وإن تعمد ترك التسمية لم تؤكل وكذلك عند إرسال الجوارح على الصيد). لا خلاف إن ترك التسمية في ذبح أضحيته وغيره تهاونا لم تؤكل معه وتؤكل مع نسيانها اتفاقا قاله ابن بشير وفي العبد بلا تهاون ثلاثة الإباحة والكراهة والمنع وهو المشهور ولابن حارث عن أشهب المتهاون كالناسي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» رواه مسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه. (ع) الشيخ في كتاب محمد السنة أخذ الشاة برفق فليضجعها على شقها الأيسر ورأسها مشرف ويأخذه بيده اليسرى جلد حلقها من المنحر الأسفل فيمده لتبين البشرة ثم يضع السكين حيث تكون الجوزة في الرأس ثم يسمي الله ويمر السكين مرا مجهزا بغير تردد فيرفع دون نخع. وقد حدد الشفرة قبل ذلك ولا يضرب بها الأرض ولا يجعل رجله على عنقها ولا يجرها برجلها وسمع ابن القاسم ذكر مالك قول عمر رضي الله عنه لمن يضجع شاة وهو يحد شفرته علام تعذبها ألا حددتها قبل وعلاه بالدرة ابن رشد أسنده ابن مسعود وكره ربيعة وابن حبيب ذبحها وأخرى تنظر إليها وخففه مالك وقال الإبل تصف قياما وتنحر فانظر ذلك. (ولا يباع من الأضحية والعقيقة والنسك لحم ولا جلد ولا ودك ولا عصب ولا غير ذلك). يعني لأن ذلك كله يتقرب به وأكل صاحبه له صدقة من الله عليه والنسك الهدي ونحوه مما يتعلق بالحج وقد اختلف في الضحية هل تتعين بنفس الشراء فلا يباع صوفها إن جز ونحوه وإنما تتعين بالذبح فيجوز ذلك وعلى الخلاف في تبديلها

لعطب وغيره في البا فروع كثيرة فانظرها عالما أن المشهور أنها لا تتعين إلا بالذبح ولهم مسائل تقتضي خلاف ذلك والله أعلم. (ويأكل الرجل من أضحيته ويتصدق منها أفضل له وليس بواجب عليه ولا يأكل من فدية الأذى وجزاء الصيد ونذر المساكين وما عطب من هدي بالتطوع قبل محله ويأكل مما سوى ذلك إن شاء). يعني أن من سنة الأضحية استحباب الجمع بين الأكل والتصدق لقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمغتر} [الحج: 37] وقوله {وأطعموا البائس الفقير} [الحج: 28] الآيتين. وقد اختلف في تفسيرهما فانظر ذلك. ابن المواز: تستحب صدقته ببعض أضحيته فإن لم يفعل جاز وروى ابن حبيب صدقته بكلها خطأ وروى محمد هو أعلى أجرا الباجي ومبنى القولين هل الأمر على الإباحة أو الندب والرواية نفي تحديد الأكل والتصدق وفي الجلاب الاختيار أكل أقلها وقسم أكثرها ولو قيل يقسم الثلثين وأكل الثلث لكان حسنا، وروى ابن المواز لا بأس أن يطعم الغني والفقير من المسلمين وفي كراهة إطعام الكافر منه روايتا العتبية واختيار ابن القاسم الكراهة ابن حبيب يستحب أن يأكل يوم النحر ويطعم. وفي الكافي يطعم ويأكل يوم النحر نيا ومطبوخا وفي التلقين له: أن يدخر القدر الذي له أكله والأصح كراهة الاقتصار على التصدق بكلها وأكل كلها وحكى ابن الحاجب قولا باستحباب النصف والثلث وأنكره (ع) فانظره. وإنما لا يأكل من فدية الأذى لأنها مستحقة للمساكين كفارة وجزاء الصيد كذلك ونذر المساكين كذلك وكذا ما عطب من هدي تطوع قبل محله ولأنه يتهم أن يكون أعطبه بالقصد ليأكله الأبهري فإن أكله فعليه بدله لأنه ذبحه لنفسه ودماء الحج ثمانية أربعة لا يؤكل منها وهي المذكورة وأربعة يؤكل منها وهي ما عداها ومحل الكلام عليها المناسك فانظرها وبالله التوفيق. (والزكاة قطع الحلقوم والأوداج ولا يجزئ أقل من ذلك).

الزكاة في الشرع على أربعة أوجه الذبح والنحر وهو للمقدور عليه مما يذبح أو ينحر والعقر في المعجز عنه حالة المعجوز كان العجز بالأصالة أو بالعرض على خلاف في هذه وفعل ما يسرع الموت في الجراد والحلزون ونحوه وأركان الزكاة أربعة ذابح ومذبوح وآلة وصفة فأما الذابح فإن كان مسلما بالغا عاقلا مصليا صاحيا عارفا غير يدعي جازت ذبيحته إجماعا وإن اختل وصف منها دخل الخلاف إلا في خمسة المجوسي والمرتد والسكران الطافح والصبي الذي لم يميز والمجنون المطبق فلا تصح زكاتهم اتفاقا ويختلف في خمس المرأة والخنثى والخصي والأغلف والفاسق ثم في خمس أخرى تارك الصلاة والسكران الذي يخطئ ويصيب والنصراني العربي والبدعي الذي يختلف في تكفيره والكتابي يذبح لمسلم بأمره. وأما المذكي فلا خلاف في أن الذكاة لا تعمل في الخنزير ولا يصح أكل حيوان البر الإنسي إلا بها حيث يباح أكله وسيأتي بيان ما يؤكل وما لا يؤكل. وأما الآلة فقال (ع) ما قطع بضغطه للأسفل وفي التلقين ولو كان زجاجا فيخرج المنشار كقول ابن حبيب لا خير ف يمنجل الحصد للضرس لا الأملس ولو قطع الأملس قطع الشفرة فلا بأس به وما أراه يفعل وفيها مع رواية ابن حبيب تقييد ما سوى آلة الحديد بعدمها وخوف فوتها ومعها مكروه قال وقد أساء ولا يحرم أكلها عياض لا يذكي بغير الحديد معه اتفاقا وروي: «ما ذبح بفلقة قصب أو عصا أو حجر أكل» انتهى. وفي المتفق عليه من حديث رافع بن خديج «ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل» ليست السن والظفر أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة واختلف في النهي فقيل على الكراهة وقيل على المنع وثالثها النهي عنه المتصل لأنه نخس ونهش بخلاف المنفصل فإنه يجوز والمشهور الأول والله أعلم.

وأما صفة الذكاة فقد تقدمت عند قوله (وتوجه الذبيحة) إلى آخره وما تعرض له هنا هو شرط صحتها من صفتها وهي أربعة في البح النية والاستقبال أي كون القطع من أمام الحيوان المذبوح والفور في الإجهاز بمرة دون رفع ولا تراخ وقطع كل المأمور به وجوبا من محله فلو ذبح لا بنية الذكاة فلا تؤكل ولو ذبح من القفا لم تؤكل وسيأتي في كلام الشيخ ولو رفع يده قبل الإجهاز فكذلك وتأتي إن شاء الله والمقطوع في الذكاة أقله ما ذكره الشيخ من الحلقوم والأوداج. عياض والناس مجمعون على صحة الذكاة إذا قطع الأربع التي هي الحلقون والأوداج والمريء تحت الجوزة التي هي الغلصمة ابن الحاجب ولو لم يقطع الجوزة وأحازها إلى البدن فثلاثة وشهر التلمساني المنع وهو قول مالك وابن القاسم وغيرهما (ع) الشيخ عن يحيى بن عمر على المنع إن بقي منها في الرأس قدر حلقة الخاتم أكلت وإلا فلا ولابن رشد واللخمي إن بقي قدر نصف الدائرة فعلى قول ابن القاسم وسحنون في اعتبار قطع الحلقوم ولغوه فانظر ذلك. وفي كلام الشيخ هنا أنه لو ترك المريء وهو المعروف بأبي حشيشة عندنا لم يضر ذلك وهو المشهور خلافا لرواية أبي تمام وقال الباجي لا أعلم من اعتبر المريء إلا الشافعي وفي المدونة لا يكفي قطع الودجين دون الحلقوم وهو معروف المذهب وخرج ابن رشد واللخمي عدم اعتبار الحلقوم من مسائل من المدونة فانظر ذلك وظاهر ما هنا يكفي نصف الحلقوم وقاله سجنون وقال ابن حبيب وعن ابن القاسم يكفي في الطير فقط عياض ولو قطع الحلقوم وأحد الودجين فقولان لمالك ولو قطع الحلقوم والودجين إلا يسيرا منهما فالمشهور عدم أكلها وهو مذهب المدونة وقال ابن محرز لا تحرم والمغلصمة ما رجعت الغلصمة فيه إلى البدن والغلصمة آخر الحلقوم من جهة الرأس ولا يخلو القطع من وجوه. أحدها: أن يكون في العقدة نفسها أو فوقها فإن كان القطع فيها وبقيت منه لناحية الرأس دائرة فلا خلاف في جواز أكلها لأن الذكاة قد حصلت في الحلقوم والودجين وإن بقي في الرأس أقل من دائرة فلا يخلة إما أن يكون النصف أو أقل ويجري الخلاف فيها مجرى الخلاف في الاكتفاء ببعض الحلقوم.

ولو صارت الجوزة كلها إلى البدن فثلاثة المنع لابن القاسم وأصبغ وسحنون في أحد قوليه وصرح ابن مزين بتحريمها والجواز لابن وهب وأبي مصعب وأشهب والصنابحي وابن وضاح وأول قولي سحنون اللخمي وأنكر أبو مصعب الأول وقال هذه دار السنة والهجرة لم يذكر فيها شرط كون الغلصمة في الرأس بحال وثالثها لنقل ابن بشير كراهة كلها وانظر بقية بعض فروع الباب فإنها مهمة وبالله التوفيق. (وإن رفع يده بعد قطع بعض ذلك ثم أعاد يده فأجهز فلا تؤكل وإن تمادى حتى قطع الرأس فقد أساء ولتؤكل ومن ذبح من القفا لم تؤكل). قد تقدم أن شرط الذكاة الإجهاز من غير تراخ ولا فصل ولو فصل برفع السكين قبل التمام فههنا لا تؤكل مطلقا. وقال القابسي: إن كان الرفع بحيث تعيش فعوده لذكاتها كابتدائه وإن رفع بحيث لا تعيش فإن عاد بعد طول أو تفريط ولا ضرورة لم تؤكل اتفاقا وإن رجع بالقرب دون تفريط فخمسة المشهور لا تؤكل وقاله سحنون ونقل عنه كراهة أكلها فقط وثالثها لابن حبيب تؤكل ورابعها إن رفع مختبرا أكلت لا معتقدا التمام قال سحنون أيضاً وخامسها عكسه قاله ابن عبد الرحمن قياسا على من سلم من صلاته معتقدا التمام فإنها لا تبطل ويرجع لإتمامها بخلاف من سلم شاكا فإنها تبطل وصوبه القابسي وغيره فلو كان فصله لسقوط الآلة من يده خوفا أو نهرا فبادر إليها أكلت (س) ينبغي أن تجري على مسألة عجز ماء المتطهر في الغلبة وحكى (ع) عن أبي حفص العطار فيما إذا قامت قبل التمام ثم أضجعها وأتم الذكاة أنها تؤكل ولم يقيد بقرب ولا بعد وقال ونزلت في أيام قضاء ابن قداح في ثور كانت مسافة هروبه نحو ثلاثمائة باع فحكم بأكله وبيان بائعه ذلك وجعل التونسي ما إذا قامت فأضجعها وكان أمرا قريبا محل النظر وأما إن تمادى حتى قطع الرأس فظاهر ما هنا أكلها تعمد ذلك أو نزلت يده له من غير قصد وهو المشهور. وقاله ابن القاسم وأصبغ وأحد التأويلين على قول مالك وقال ابن نافع لا تؤكل وثالثها إن تعمد ذلك لم تؤكل وإن ترامت يده من غير قصد أكلت وقاله مطرف وعبد الملك وتأول فيه قول مالك قيل وهو أقرب للصواب والبحث فيه يقرب ممن غسل

رأسه بدلا من مسحه في الوضوء فانظر ذلك. وأما من ذبح من القفا فإنها لا تؤكل اتفاقا لأنها تصير ميتة بقطع نخاعها قبل حلقومها وودجها والله أعلم. (والبقر تذبح فإن نحرت أكلت والإبل تنحر فإن ذبحت لم تؤكل وقد اختلف في أكلها والغنم تذبح فإن نحرت لم تؤكل وقد اختلف أيضاً في ذلك). المذكى ثلاثة أنواع قسم يذبح ولا ينحر وهو ما عدا الإبل والبقر وقسم ينحر ولا يذبح وهو الإبل وقسم يكون فيه الأمران وهو البقر والذبح فيه مقدم استحبابا قاله مالك لقوله تعالى: {فذبحوها} الآية ونص الإرشاد ذبح البعير ونحر غيره لضرورة تبيحه ولغير ضرورة تحرمه على المشهور قالوا وهذا قول مالك في الموازية وهو ظاهر المدونة وحمل على الكراهة أيضاً وثالثها الإباحة هو لأشهب ورابعها لابن بكير إن ذبح ما ينحر أكل لا عكسه وصوبه (س) لأن في الذبح زيادة على النحر لأنه قطع الحلقوم مع ودج أحد والذبح يقطع الحلقوم مع الودجين. (ع) ونحر الطير حتى النعامة لغو ابن رشد لأنه لا لبة لها وفي المقدمات أن الطير كالغنم في نحره وفي النوادر عن أشهب إن ذبح بعيرا ونحر بقرة أكلا واللخمي عن مالك ما بين المنحر والمذبح مذبح ومنحر فإن ذبح فجائز وإن نحر فجائز ابن رشد معناه عند الضرورة إن لم يجد أن ينحر إلا موضع الذبح نحر فيه وإن لم يجد أن يذبح إلا موضع النحر ذبح فيه قال وهو بين من قوله في المدونة (ع) ومحل النحر اللبة الجوهري وهي محل القلادة من الصدر من كل شيء قال وما عجز عنه في مهواة جاز فيه ما أمكن من نحر وذبح فإن تعذر ففي حله بطعنه في غير محلها قول ابن حبيب والمشهور ابن رشد قد عدم آلة الذبح ضرورة تبيح نحر ما يذبح وكذا عكسه فيما ينحر وقيل الجهل في ذلك ضرورة الأبهري وإن نحر الفيل جاز الانتفاع بعظمه وجلده الباجي هو كالبقر يجوز فيه الأمران والخيل كذلك والله أعلم. (وذكاة ما في البطن ذكاة أمه إذا تم خلقه ونبت شعره). يعني أن الجنين ذكاة أمه كافية فيه لكن بشروط ثلاثة خروجه ميتا وتمام خلقه ونبات شعره وسمع ابن القاسم الذي خرج ميتا بمر المدية على حلقه ليخرج دمه ابن

رشد إن خرج ميتا أو حيا فمات قبل إمكان ذكاته أكل دون ذبح وإن شك في دوام حياته ولم يؤكل إلا بذكاة وحمل قو لمالك في ذلك على جهة الاستحباب وعزا الباجي لعيسى أحب إلي أن لا يؤكل إلا بذكاة (ع) ونحوه روى محمد بن وهب وزاد في روايتهما إن سبقهم بنفسه كره أكله وفي الجلاب لا يحل فانظر ذلك. (ع) وظاهر الروايات وأقوال الشيوخ أن المعتبر شعر جسده لا شعر عينه فقط خلافا لبعض أهل الوقت وفتوى بعض شيوخ شيوخنا وللباجي أن تمام خلقته تمام صورته التي وجد عليها ولو كان ناقص يد أو رجل وتم خلقه على ذلك لم يدفع تمام خلقه. فرع: قال ابن رشد السلا وعاء الولد وهو كلحم الناقة المذكاة وقال ابن الصائغ لا يؤكل وقال بعض شيوخ ابن عرفة هو تابع للولد فإن كان الولد قد تم خلقه ونبت شعره وإلا فلا فانظر ذلك. (والمنخنقة بحبل ونحوه والموقوذة بعصا وشبهها والمتردية والنطيحة وأكميلة السبه إن بلغ ذلك منها في هذه الوجوه مبلغا لا تعيش معه لم تؤكل بذكاة) المنخنقة وما معها محرم كل ذلك في كتاب الله واختلف في قوله تعالى {إلا

ما ذكيتم} [المائدة: 3] هل المراد من غير هذه فيكون الاستثناء منفصلا وإلا ما ذكيتم في هذه الوجوه والمذهب الأول (ع) والمنخنقة وما معها ما أصابه مطلق ضرب أو سقوط لأسفل أو نطح أو عقر إن رجيت حياتها فكصحيحها وإن أنفذت مقاتلها فكما

مر يعني في غيرها وقد ذكر في ذلك طرقا الباجي ذكاتها لغو اتفاقا ابن رشد هو المنصوص اللخمي إنكان إنقاذها بموضع الذكاة كفرى الأوداج لم تؤكل وإلا فقولان ثم قال (ع) " وإلا " أي وإن لم تنفذ مقاتلها فإن أيست حياتها وشك فيها ففي حلها كالمريضة وحرمتها. ثالثها: إن شك فيها يعني حلت إن أيست ومعنى استقرار الحياة وعدم إنقاذ المقاتل الباجي والمقاتل يعني المتفق عليه خمسة انقطاع النخاع المخ الأبيض الذي في فقار الظهر وانقطاع الظهر وانتثار الدماغ وانتثار الحشوة وخرق الأوداج وانشقاق المصير قيل الأعلى لا الأسفل والله أعلم. (ع) قلت: وأطلق الأكثر خرق المصير وقال ابن رشد معناه الأعلى في مجرى الطعام والشراب قبل تغيره وفيها لا تؤكل مقطوعة النخاع ولابن القاسم أكل منثورة الحشوة وفي كون اندقاق العنق مقتلا للباجي وابن رشد روايتا الأخوين وابن القاسم. وقال عبد الحق قطع الودج مقتل ولابن المواز بعض الأوداج والحلق مقتل وفروع الباب كثير مهمة فانظرها إن شئت وبالله التوفيق. (ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها طرحها). المضطر هو الذي بلغ الغاية في الحاجة إلى الطعام والشراب أو لهما بحيث يخاف على نفسه الهلاك فهذا الذي تباح له الميتة ولا يلزمه الصبر إلى الإشراف لأن الأكل ينفعه إذ ذاك فيباح له ما يرد به رمقه من ميتة وخنزير وغيرهما إلا ميتة الآدمي فلا يأكلها على المشهور ولا يشرب الخمر لأنها لا ترد جوعا ولا عطشا على المشهور بخلاف الغصة لا يجد لها مساغا إلا بها أو الموت فإنه يجوز له ما يسوغ به على المشهور ولا يجوز التداوي به ولا ينجس من باطن الجسد، وفي دهن الجرح غير الجائفة، وغسل الجرح بالبول اختلاف مشهوره المنع وإباحة الشبع والتزود على الإطلاق وهو المشهور. وقال ابن حبيب وابن عبد الملك لا يشبع ويتزود إلا في المخمصة لأنها مظنة الدوام قال ابن العربي: ويقدم طعام الغير على الميتة والميتة على الخنزير وله السرقة بقدر حاجته إن أمن القطع ويقاتل عليه إن قدر فإن مات ربه فهدر وإن مات هو فالقصاص

واختلف هل يضمن ما يأخذه بهذا الوجه والمشهور تضمينه بناء على عدم وجوب المواساة وعدم التضمين على وجوبه وظاهر ما في الجواهر خوف نسبته للسرقة كاف في جواز استعماله الميتة وترك مال الغير لأجل ذلك وإن أمن القطع وظاهر كلام غيره خلافه والمحرم يجتزئ بالميتة عن الصيد على المشهور وقال ابن الحكم لو نابني ذلك لأكلت الصيد فانظر ذلك في الجواهر فإنه قصر وأطال فانظره. (ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ ولا يصلى عليه ولا يباع). الانتفاع بجلد الميتة مشروط بدباغه قال الباجي والدباغ ما أزال النتن والشعر ثم المشهور أن الانتفاع به مقصور على استعماله في اليابسات والماء مع بقاء حكم النجاسة عليه وهذه طريقة (خ). وابن الحاجب جعلها طهارة مقيدة بما ذكر وقال ابن وهب يباع ويصلي عليه لأنه يطهر مطلقا وهذه المسألة من باب الطهارة والكلام فيها واسع مشهور فانظره. (ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها). يعني أن الذكاة قد أزالت خبثها وفي المقدمات أن مذهب مالك أن كل ما يطهره الدباغ تطهره الذكاة والذي لا يطهره الدباغ جلد الخنزير فلا تطهره الذكاة بخلاف سائر السباع وفي ذلك اختلاف في باب الطهارة فانظره وبالله التوفيق. (وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في الحياة وأحب إلينا أن يغسل ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها وكره الانتفاع بأنياب الفيل وقد اختلف في ذلك). ما ينزع من الحيوان لا يخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن لا يتألم به عند إزالته كالشعر والوبر والصوف وزغب الريش وما في معناه فهذا طاهر في حياته وموته إلا أن يعلق به شيء من أصوله فيزال واستحب غسل صوف الميتة قاله في المدونة. الثاني: أن يتألم بقطعه كالجلد واللحم والعصب ونحوه وهذا نجس بلا خلاف عند نافيه مطلقاً. الثالث: ما يتألم به في وجه دون وجه كالظفر والظلف والناب وقصبة الريش

ونحو ذلك. وهذا اختلاف فيه والمشهور نجاسته واستشكلوا ما وقع في المدونة من كراهة أنياب الفيل مع أن المذهب المشهور نجاستها حتى قال (خ) وفيها كراهة العاج والتوقف في الكيمخت قيل والكيمخت – بفتح الكاف وسكون الياء بعدها ميم مفتوحة – جلد الحمار وقيل جلد البغل وقيل غير ذلك. (وما ماتت فيه فارة من زيت أو سمن أو عسل ذائب طرح ولم يؤكل ولا بأس أن يستصبح بالزيت وشبهه في غير المساجد ويتحفظ منه لأنه نجس وإن كان جامداً طرحت وما حولها وأكل ما بقي قال سحنون إلا أن يطول مقامها فيه فإنه يطرح كله). في البخاري من حديث ميمونة رضي الله عنها سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن فقال: «ألقوها وما حولها وكلوه». وفي أبي داود من طريق أبي هريرة رضي الله عنه «إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم وإن كان مائعا فلا تقربوه» فقاس علماؤنا على السمن كل ما في معناه من زيت أو عسل ونحوه غير أنهم اختلفوا في الزيت هل يقبل التطهير لغلظ جوهره أم لا فالمشهور لا يقبله. ونقله الباجي عن ابن القاسم وفي سماع ابن القاسم يقبله بأن يطبخ في الماء مرتين أو ثلاثة وأفتى به ابن اللباد وثالثها لأصبغ يطهر الكثير لا اليسير ورابعها إن تنجس بما ماتت فيه فأرة لم يقبل التطهير وإن تنجس بغير ذلك قبل التطهير وقاله عبد الملك وقال الباجي: الزيت الكثير تموت فيه الفأرة أو تقع فيه الميتة ولم تغيره المشهور قول مالك الكراهة ولابن سحنون عن ابن نافع لا يضره ذلك. ابن الماجشون إن ماتت فيه طرح وإلا فحلال وخفف سحنون في الزيت توجد فيه فأرة ميتة يابسة لدلالة يبسها على صب الزيت عليها لا على موتها فيه (خ) ولا يطهر زيت خولط ولحم طبخ وزيتون ملح وبيض صلق بنجس يريد على المشهور إذ في الكل خلاف فانظره. وقوله: (ولا بأس أن يستصبح بالزيت وشبهه) يعني كالسمن ونحوه من

المتنجس بخلاف النجس (خ) وينتفع بمتنجس لا نجس في غير مسجد وآدمي يعني لحرمها والمشهور منع الاستصباح بشحم الميتة وطلي السفن والجولد ونحو ذلك بها لنص الحديث في منعه. وقال الأبهري وابن الجهم لا بأس أن يستصبح بشحم الميتة ويتحفظ منه، وقال عبد الملك لا بأس أن يطعم عبيده الكفار ما عجن بالماء المتنجس وقال سحنون لا يطعمهم ولا يمنعهم وحكى عبد الحق عن سحنون في قملة وقعت في ثريد ولم توجد بعد البحث عنها أنه يؤكل ولابن رشد عن سليمان الكندي صاحب سحنون أنه طرح عجين دقيق وقعت فيه قملة ابن رشد هو إغراق في الورع ولما كانت النجاسة تسري في كل المانع طرح كله وفي بعض الجامد طرح تقذرا لظن سريانها وإن طال مقامها في الجوامد حتى أمكن السريان لذوبانه بحر ونحوه ألحق بالمائع وهذا الذي بينه سحنون بقوله والظاهر أنه تفسير وبيان والله أعلم. (ولا بأس بأكل طعام أهل الكتاب وذبائحهم وكره أكل شحوم اليهود منهم من غير تحريم). {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} [المائدة: 5] قال علماؤنا أخبر الله تعالى بحلية طعامهم لتناولنا ولهم وبحلية طعامنا لهم لتناولهم إياه قال ابن عطية الجمهور من المفسرين على أن الطعام هنا الذبيحة كلها وتذكية الكتابي عاملة قال غيره ولا يخلو الكتابي أن يكون ممن يستحل الميتة أم لا فإن كان ممن يستحلها فلا عبرة بذكاته لأنه لا ينويها وإن كان لا يستحلها فلا يخلو إما أن يذكي ما يستحله أو ما لا يستحله فإن ذكى ما يستحله لنفسه جاز أكله وإن ذكاه لمسلم فالجواز والمنع والكراهة وإن ذكى ما لا يستحله. فإن كان تحريمه عليه ثابتا بشرعنا كذي الظفر فلا يؤكل على المشهور وإن كان غير ثابت بشرعنا كالطريفة فالمشهور الكراهة وقال ابن القاسم لا تؤكل الباجي ظاهره المنع جملة ولو حمل على التحريم ما بعد وفي المدونة كره مالك الشراء من مجازر اليهود وقال نهى عمر أن يكونوا في أسواقنا جزارين أو صيارفة وأمر أن يقاموا من الأسواق وقال ابن حبيب عن مطرف وعبد الملك ينهى عن الشراء منهم ولا يشتري منهم إلا

رجل سوء ولا يفسخ شراؤه وقد ظلم نفسه إلا أن يشتري منهم ما لا يأكلونه مثل الطرفة ونحوها فإنه يفسخ على كل حال ومعنى (ذي الظفر) ما ليس بمشقوق الخف ولا منفرج القائمة كالبعير وحمار الوحش والنعام والأوز ولابن حارث عن ابن القاسم كراهة ما ذكر عليه اسم المسيح ورواه أشهب قال ويباح أكله لأن الله قد أباح طعامهم وعلم ما يفعلون وفيما ذبحوه لكنائسهم الكراهة للمدونة والمنع لغيرها وكذا الإباحة فأما ما ذكر من كراهة أكل شحوم اليهود فهو قول ابن القاسم ومالك وابن نافع ولمالك في الموازية المنع وقاله ابن القاسم وأشهب وابن حبيب وفي المبسوط إباحته عن مالك والمشهور الأول وقول الشيخ منهم احترز به من المرتد إليهم والدخيل فيهم إذ لا يحل طعامه على خلاف فيمن ارتد من كفر إلى كفر والمشهور إلحاق الصابئ والسامري بالكتابي في الجزية لا في النكاح والذبيحة والله أعلم. (ولا يؤكل ما ذكاه المجوسي وما كان مما ليس فيه ذكاة من طعامهم فليس بحرام). إنما يؤكل ما ذكاة المجوسي لأنه ليس من أهل الكتاب وإن اختلف فيه وقوله عليه السلام «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» يعني في الجزية لا في النكاح والذبائح وفي العتبية كراهة جبن المجوس لما يجعل فيه من أنافح الميتة وأما الزيت والسمن فلا أرى به بأسا فحمله ابن رشد على التحريم وأشار بنقل العتبي لم يكن الناس يقولون هذا حلال وهذا حرام وإنما كانوا يقولون يكره هذا وهذا الذي يعجبني وحمله غيره على ظاهره من الكراهة وفي الصحيح من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل الكتاب – وفي رواية بأرض قوم مجوس – أفنأكل في آنيتهم؟ قال: «لا إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها». فرع مهم: سئل مالك عن جبن الروم فقال ما أحب أن أحرم حلالا وأما أن يكرهه رجل في خاصة نفسه فلا أرى بذلك بأساً وأما أني أحرمه فلا أدري ما حقيقته وقد قيل إنهم يجعلون فيه أنفحة الخنزير وهم نصارى وما أحب أن أحرم حلالا.

وقال القرافي بتحريم قديد الروم وجبنهم وصنف فيه الطرطوشي مرجحا تحريمه ووجدت كرامة له في ذلك أن من كانت له مهمة يأتي إلى قبره زائراً ويعاهد الله أن لا يأكل جبن الروم فإن الله يقضي حاجته وخصوصا رفع الحمى الدائمة كذا سمعته من بعض أهل العلم يحكيه عن تجربة أهل الإسكندرية وصنف ابن العربي في إباحته وإباحة مذكى النصراني بغير وجه ذكاته (خ). والمحققون على تحريمه قال فلا ينبغي أن يشتري من حانوت هو فيه لأنه ينجس الميزان والبائع ويديه قلت أخبرني بعض من طالت إقامته أسيراً بأرض أميو رقة من بلاد النصارى عن ذلك فقال لم أرهم يجعلون فيه أنفحة خنزير ولكنهم يشقون الخنازير ويمسلحونها ثم يجعلونها مفتوحة مصفوفة ويصفون عليها الجبن ثم يغطونه كذلك فينحل ما فيها من الودك إليه ولذلك تراه أصفر على غير الوجه المعتاد ثم سألت غيره عن ذلك فأجاب بكيفية أخرى فالله أعلم إنه يختلف باختلاف البلاد وعلى كل حال فتركه متعين على كل مشفق على دينه والسلام. (والصيد للهو مكروه والصيد لغير اللهو مباح).

ظاهر كلامه أن ليس إلا القسمان المذكوران وليس كذلك بل ينقسم لأحكام الشريعة الخمسة (ع). وروى عن ابن حبيب من جعله كسبا أو قرم للحم فلا بأس به ولو كان غنيا وروى الأخوان خفته لأهل البادية وخروج أهل الحضر له خفة وسفه عن ابن القاسم لا أرى صيد البر إلا لذي حاجة وصيد البحر والأنهار أخف منه اللخمي وهو لعيشه اختيارا مباح ولسد خلته ولتوسع ضيق عياله مندوب ولإحياء نفس واجب وللهو مكروه وإباحته ابن عبد الحكم بلا كراهة خلاف المشهور وبدون نية أو تضييع واجب حرام انتهى فانظره. (وكل ما قتله كلبك المعلم أو بازك المعلم فجائز أكله إذا أرسلته عليه وكذلك ما أنفذت الجوارح مقاتله قبل قدرتك على ذكاته وما أدركته قبل إنفاذها لمقاتله لم يؤكل إلا بذكاة).

أركان هذا الباب أربعة الصائد والمصيد والمصيد به وكيفية الاصطياد، فأما الصائد فمن تصح ذكاته وتؤكل ذبيحته، والمصيد ما لا يقدر عليه من حيوان البر والبحر، والمصيد به إما سلاح أو جوارح، فشرط السلاح التحديد وشرط الجوارح التعليم فإن لم تكن معلمة لم يحل ما صيد بها (ع) وفي التعليم طرق اللخمي في كونه الإشلاء والانزجار والإجابة رابعها لغو انزجار الطيور. وقال ابن بشير ليس هذا اختلافا والمعتبر ما يمكن عادة وفي المدونة الفهد وجميع السباع كالكلب وإذا علمت سباع الطير فكالبازي ابن شعبان المعتبر ما يفقه التعليم ولو سنوراً أو ابن عرس والإرسال شرط في إباحة ما انفذت الجوارح مقاتله قبل القدرة على ذكاته وشرطه مع ذلك التسمية والاتصال فإن استرسل بنفسه لم يؤكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته وذكر (ع). وفيها إن لم تنفذ الجوارح مقاتله وقدر على خلاصه منه أو عجز وقدر على ذكاته تحته لم يؤكل إلا بها فلو زهفت روحه قبل إمكانها أكل إن نيبته ولو ذكاه وهو ينهشه قادرا عليه لم يؤكل ابن القاسم إلا أن يوقن أن موته بذكاته فحمله ابن رشد على الخلاف وغيره على الوفاق نعم وتشترط التسمية عند الإرسال كالذكاة.

(وكل ما صدته بسهمك أو رمحك فكله فإن أدركت ذكاته فذكه وإن فات بنفسه فكله إذا قتله سهمك ما لم يبت عنك وقيل إنما ذلك فيما بات عنك مما قتلته الجوارح وأما السهم يوجد في مقاتله فلا بأس بأكله). يعني أن شرط أكل الوحش بالعقر كونه غير مقدور على تذكيته بما يذكي به الغنم وصيد الحبالة والشرك والبندق والحجر والعصا واليد كذلك لا يؤكل شيء من ذلك بما يؤكل به الصيد وهو وقيذ في البندق والحجر والعصا ابن المواز ولو ألجأه الجارح إلى حفرة أو لجة ثم أخذه فقتله لم يؤكل لأنه أسيره فانظر ذلك وإنما شرط في العقر والإصابة به عدم مبيته عنه لاحتمال أن يكون موته من برد الليل أو نهش بعض الحيوانات لا من إصابة السهم والرمح والله أعلم. وما حكاه بقوله (وقيل إنما ذلك إلخ) هو أحد خمسة أقوال في المسألة فانظره وما جزم به الشيخ أولا هو مذهب المدونة. (ولا تؤكل الإنسية بما يؤكل به الصيد). يعني لو ندت وتوحشت على المشهور وثالثها لابن حبيب تؤكل البقر بالعقر إن ندت ولم يقدر عليها إلا به لأن لها أصلا في التوحش قال ولا بأس أن يعرقب البقر وتعقر عقرا لا يبلغ مقتلا ثم تذكي وتأويل حديث الصالحين «إن لهذه النعم أوابد كأوابد الوحش» الحديث وألزم اللخمي ابن حبيب بعموم الأول مما وقع في مهواة وفرق ابن رشد والمازري بتحقق الفوات في المهواة بخلاف الندود والله أعلم. (والعقيقة سنة مستحبة).

يعني أنها من السنن التي يستحب العمل بها ابن حبيب ليست كوجوب الأضحية

وسمع ابن القاسم يقع في قلبي أنها شريعة الإسلام ابن رشد العقيقة من الأمور التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام ولا خلاف بين مالك وأصحابه في عدم وجوبها. وقال ابن الحاجب العقيقة ذبح الولادة وأصله شعر المولود الجوهري وشعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يولد عليه عقيقة وعقوق. (ويعق عن المولود يوم سابعه (بشاة) مثل ما ذكرنا من سن الأضحية وصفتها). المولود يريد ذكرا كان أو أنثى وقوله (بشاة) مقصود فلا يطلب غير واحدة في الذكر والأنثى وقال الشافعي للذكر شاتان وهو نص حديث قال ابن رشد ولو عمل به أحد لم يكن مخطئا وفي قوله (بشاة) أن بعضها إلا يجزئ وقوله (يوم سابعه) يريد بشرط حياته إليه إذ سمع القرينان لا يعق عمن مات قلبه. والغنم شرط عند ابن شعبان ورواه ابن القاسم وسمع القرينان سائر النعم رواه ابن حبيب وسن الأضحية الجذع من الضأن والثني مما سواه وصفتها السلامة من العيوب القادحة. (ولا يحسب في السبعة الأيام اليوم الذي ولد فيه وتذبح ضحوة). يعني على المشهور وهو مذهب المدون وفي البيان لا يحسب إلا من غروب الشمس التي بعد الولادة كانت ليلا أو نهارا والمشهور فوتها بفوت السابع الأول وذبحها ضحوة هو السنة فلا تجزئ إن ذبحت ليلا ولا قبل طلوع الشمس وثالثها تجزئ بعد الفجر. (ولا يمس الصبي بشيء من دمها ويؤكل منها ويتصدق وتكسر عظامها وإن حلق شعر رأس المولود وتصدق بوزنه من ذهب أو فضة فذلك مستحب حسن وإن خلق رأسه بخلوق بدلا من الدم الذي كانت تفعله الجاهلية فلا بأس بذلك). أما (لا يمس الصبي بشيء من دمها) فلأن الدم نجس وكانت الجاهلية تخلق رأسه بذلك فجاء الإسلام بتركه وأما الأكل منها فسمع ابن القاسم لا بأس أن يعطي منها نبأ ومطبوخا وسمع أيضاً يطبخ ويؤكل ويطعم أهل البيت والجيران فأما الدعاء لها فأنا أكره الفخر وفي سماع القرينين إن أرادوا طبخوا من غير هذا ودعوا وسمع ابن القاسم شأن الناس إطعامها.

وقال عيسى عنه: وإطعام أهل الحاجة أحب إلي من الأغنياء وأرجو أن لا شيء عليه في فعله ولا بأس بالإدخار منها كالأضحية وتمنع المعاوضة فيها ومنع غير واحد إعطاء القابلة لأنه إجارة والله أعلم. وقوله (وتكسر عظامها) يعني أن ذلك مباح وتكره بما كانت الجاهلية تراه من ترك ذلك والتشؤوم به بدعة وفي الجلاب استحباب حلق شعره يوم سابعه لحديث «وأميطوا عنه الأذى» والتصدق بوزن شعره من ذهب أو فضة. وفي الموطأ فعلته فاطمة - رضي الله عنها - ونقله أبو عمر عن جملة أهل العلم قائلا وهو آكد لمن لم يعق لقلة ما له وروى ابن حبيب كراهته خوف اعتقاد وجوبه وثالثها الإباحة وهو ظاهر ما هنا كالجلاب والله أعلم وتبديل الدم الذي كانت الجاهلية تفعله بالخلوق من الزعفران ونحوه مباح فقط والله أعلم. (والختان في الذكور سنة واجبة والخفاض في النساء مكرمة). ومذهب مالك وكثير من أصحابه الختان سنة وقال الشافعي بوجوبه وفيمن أسلم شيخا كبيرا يخاف على نفسه من ختانه قولان لابن عبد الحكم بسقوطه وقال سحنون لا يسقط و (الخفاض) إزالة ما بفرج المرأة من الزيادة وهو في نساء المشرق لا في نساء المغرب وإنما كان مكرمة لأنه يرد ماء الوجه وبطيب الجماع للزوج والله أعلم. خاتمة: قال (ع) مقتضى القواعد وجوب التسمية وسمع ابن القاسم يسمى يوم سابعه للحديث وواسع أن يسمى قبل السابع لقوله عليه السلام: «ولد لي الليلة مولود سميته باسم أبي إبراهيم» وغير ذلك فانظره فإنه مهم وقد طال على ذكره. وهذا آخر النصف الأول من الرسالة والله المسئول في تكميله وتصحيح ذلك بمنه وكرمه والله أعلم. تم بحمد الله

باب في الجهاد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ باب في الجهاد يعني ذكر حكمه وتوابعه وبعض فروعه وقد جرت عادة المالكية بإلحاقه بالعبادات اعتبارا بقصد الجهاد ولأنه نصرة لدينالله وطلب لإعلاء كلمته وإعانة على الدخول في الإسلام وجعله الشافعية في باب الجناية اعتبارا بأنه جناية على الكافر لأجل كفره ابن رشد وهو مأخوذ من الجهد- بفتح الجيم - أي التعب فمعنى الجهاد في سبيل الله: المبالغة في إتعاب النفس في ذات الله وإعلاء كلمته التي جعلها طريقا إلى الجنة وسببا إليها. قال الله تعالى {وجاهدوا في الله حق جهاده} [الحج: 78] وحقيقته عرفا قتال العدو لإعلاء كلمة الله

(والجهاد فريضة يحمله بعض الناس عن بعض) ما ذكر من أن الجهاد فرض كفاية هو المشهور لقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين} [التوبة: 122] الآية. وكذلك طلب العلم فريضة يعني ما يلزم الإنسان في خاصته بل كل أمر يحتاج إليه من أمور الدنيا والدين من غير خصوص بشخص ولا عموم في الأشخاص فهو كذلك حتى أصول الصنائع والقيام بضرائر الناس فانظر ذلك. وعن سحنون الجهاد سنة فقط وعن ابن المسيب وابن شبرمة فرض عين كالحج الأول وقد تعرض له الأحكام الخمسة بحسب العوارض والمقصود والله أعلم. (وأحب إلينا أن لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلى دين الله فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية وإلا قوتلوا). صوةرة الدعوى أن يقال لهم إما أن تسلموا أو تؤدوا الجزية أو انتصبوا للحرب فإن أجابوا للأولى بينت لهم الشريعة من الصلاة والزكاة والصوم والحج فإن قبلوا ذلك وإلا قوتلوا قاله ابن حبيب وهو ظاهر الرسالة ونحوه في حديث معاذ رضي الله عنه حين بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وهذا إذا كان المسلمون في منعة ولم يعاجلهم العدو وكان قريب الدار بحيث لا يخفى عليه أمر الإسلام وقد حصل المازري في الدعوة أربعة أقوال الوجوب وعدمه وثالثها تجب فيمن تبلغه الدعوة ورابعها تجب على الجيش الكبير الآمن لا على غيره ورجح إن عاجلوا لم تجب وإن لم يعاجلو ورجي قبولهم وجبت إن كانوا جاهلين بها اتفاقا والخلاف فيما سوى ذلك. ابن رشد إن تيقنت الإجابة وجبت الدعوة وإن رجيت استحبت وإن أيست جازت. (وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا حيث تنالهم أحكامنا وإن بعدوا منا فلا

تقبل منهم الجزية إلا أن يرتحلوا إلى بلادنا وإلا قوتلوا). (الجزية): مقصودة لإظهار عز الإسلام وتقريب أذهانهم لقبوله وإلا فالأصل عدم تقرير الكفر ومتى بعدوا منا لم يكن ذلك فيهم قال الله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرن} [التوبة: 29] وقدرها وشروطها وأقسامها تقدمت في باب الزكاة. (والفرار من العدو من الكبائر إذا كانوا مثلي عدد المسلمين فأقل فإن كانوا أكثر من ذلك فلا بأس بذلك). الفرار من الزحف حرام إجماعا إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فشرط كون العدو مثلي عدد المسلمين فأقل لقوله تعالى: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله} [الأنفال: 66] فالحكم ألا يفر واحد من اثنين ظاهر ولو انفرد وانفردوا أو كانوا أقوى استعدادا وخيلا وقيل إنما المراد مقابلة جمع بجمع ضعفهم لا واحد باثنين في انفرادهم. قال العراقيون وإذا بلغ المسلمون اثنا عشر ألفا لم يجز الفرار مطلقا ولو بلغ العدو مائتي ألف لقوله عليه السلام: " ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة إلا أن تختلف كلمتهم" وعزاه ابن رشد لأكثر أهل العلم وأنكره سحنون ومن فر من الزحف حين لا يباح له ترد شهادته وإمامته إلا أن تظهر توبته (ع) وظهورها بجهاده مرة أخرى وعدم فراره ابن رشد حمل الرجل الواحد منالجيش الكثير على جيش العدو للسمعة والشجاعة مكروه اتفاقا (ع) الصواب حرمته ولعل مراده قال وحمله محتسبا بنفسه ليقوي نفوس المسلمين في كونه مكروها منهيا عنه وجائز مستحبا ليقوى على ذلك قولان والثاني الصحيح وقال ابن المواز فمن نزل به العدو وحده له أن يقاتل أو يستأسر وسمع القرينان حمل رجل أحاط به العدو على مثليه خوف الأسر خفيف. ابن رشد له أن يستأسر اتفاقا. (ويقاتل العدو مع كل بر وفاجر من الوالاة)

يعني أن الإمام الجائر يجاهد معه ولو كحان ذلك عونا له على ظلمه لأن الجهاد معه نصرة للإسلام وتركه خذلان للمسلمين فيرتكب أخف الضررين وقد كان مالك يمنع ذلك أولا ثم رجع عنه إلى الجواز وهو الأشهر. وفي سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه " ثلاثة من أصل الإيمان الكف عن من قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالقدر". (ولا بأس بقتل من أسر من الأعلاج ولا يقتل أحد بعد أمان ولا يخفر لهم بعهد). العلج: الرجل من كبار العجم قاله الجوهري وفي التلقين يخيرج الإمام في الأسرى بين خمس خصال القتل والاسترقاق والمن والفداء عقد الذمة يعني أنه يجتهد فيما يراه مصلحة من ذلك يفعله وفي الموازية إن ترك قتل الأسير لرجاء فداء أو بيع أو دلالة أو سبب أو أخذوه يستخبرونه الخبر أو أبقوه لصنعة تظاهر بها فلم تكن لم يقتل ومن تركه ليرى الإمام فيه رأيه فليقتله وإنما لم يقتل أحد بعد أمان لأن ذلك خيانة. وقد قال تعالى {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} [البقرة: 177] وخفر العهد نقضه وقد قال عليه السلام: " إني لا أخفر بالعهد ولا أهيج الرسل". وبعث معاوية رسلا للروم فغدروهم وكان عنده رسل منهم فأكرمهم وأرسلهم فقيل له في ذلك فقال وفاء بعهد خير من غدر بغدر. (ولا يقتل النساء والصبيان ويجتنب قتل الرهبان والأحبار إلا أن يقاتلوا وكذلك المرأة تقتل إن قاتلت).

فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان وقال أبو بكر رضي الله عنه في أصحاب الصوامع دعوهم وما حبسوا أنفهسم إليه وأصحاب الصوامع هم الرهبان من النصارى والأحبار وعلماء اليهود قالوا وهم ينتفع برأيهم فالواجب جواز قتلهم وقد قال أبو بكر رضي الله عنه في الذين فحصوا أوساط رءوسهم في الكنائس أضرب ما فحصوا عنه بالسيف. والحاصل أن من ذكر إذا لم تكن له شوكة ولا رأي لا يقتل وإن كان ينتفع برأيه ويتعرض للقتال فإنه يقتل فالمرأة والصبي يقتلان إذا قاتلا في وجه القتال وبعد أسرهما لا يقتلان والأحبار والرهبان كذلك إلا أن يكون لهما رأي ينتفع به فيكون حكمهما كالمقاتلة. واختلف في وجه ترك قتل من ذكر فقيل لأنهم أقرب للإسلام فيتركون لما يرجى من ذلك وهذا مبني على أن القتال للكفر وقيل لأنهم لا يقاتلون بناء على أن القتل إنما هو للقتال إذ قال تعالى {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} [التوبة: 36] وفي بعض نسخ الرسالة الأجراء بدلا من الأحبار لأن الأحبار يقتلون للانتفاع في الرأي والتحريض وكل من لا شوكة له فكالنساء والصبيان مثل الزمن والشيخ الفاني والأجير للخدمة والصانع والفلاح إذا أسروا ولم يكن منهم قتال لا يقتلون على المشهور وقال سحنون يجوز قتلهم. (ويجوز أمان أدنى المسلمين على بقيتهم وكذلك المرأة والصبي إذا عقل الأمان). (أدنى المسلمين) العبد ونحوه ولا خلاف في جواز تأمين الإمام وأمير الجيش مطلقا لم يلحق بأمانه ضرر للمسلمين واختلف في غيره ممن جمع شروطا خمسة الإسلام والبلوغ عقل وحرية وذكورة فالمشهور انعقاد أمانهم وفي المجنون والكافر اختلاف مشهوره خلاف الذي قبله وظاهر كلام الشيخ بل نصه أن البلوغ والذكورية ليسا بشرط وقد قال عليه السلام: " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" فقيل إجازة لها وقيل تقرير حكم فمن ثم جاء الخلاف في أمان المرأة هل يتوقف على الإجازة؟ وكذا غيرها أم لا؟ والله أعلم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: " المسلمون تتكافا دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم

أقصاهم وهم يد على من سواهم" الحديث وفي البخاري من حديث علي كرم الله وجهه " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم" زاد ابن ماجه " ويرد عليهم أقصاهم". (وما غنم المسلمون بإيجاف فليأخذ الإمام خمسة ويقسم أربعة أخماس بين أهل الجيش وقسم ذلك ببلد الحرب أولى). الغنيمة ما حصل بأيدي المسلمين من أموال الكفار على سبيل القهر بالخيل والركاب كذا عرفها بعضهم والإيجاف في اللغة الإضرار ومنه قوله تعالى {قلوب يومئذ واجفة} [النازعات: 8] والوجيف: ضرب من سير الإبل والخيل كأنه اضطر بها عند الحرب لحركاته والله أعلم والخيل معلومة والركاب الإبل والله أعلم. ثم قوله (فليأخذ الإمام خمسه) إلى آخره لا خلاف فيه من حيث الجملة لقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} [الأنفال: 41] الآية ولا يختص بذلك أحد بعينه بل يفعل فيه الإمام نظره وله إيقافه لنوائب المسلمين خلافا لابن عبد الحكم وروي عن عمر رضي الله عنه والمشهور أن غنيمة الأرض توقف للمصالح فلا تخمس ولا تقسم وقال سحنون وينبغي أن تباع أولا بالدراهم ثم تقسم الدراهم فإن لم يوجد من يشتري فتقسم بالقيمة ويقرع عليه. ابن حبيب وسمعت أهل العلم يقولون ما تستطاع قسمته قسمة الإمام إذا شاء وإلا قسم ثمنه الباجي والأظهر عندي قسمة ذلك لفعله صلى الله عليه وسلم ولأن حقوقهم متعلقة بعينه وإنما كان قسمها ببلد الحرب أولى لأنه أبلغ في نكاية العدو وقال في المدونة وهم أولى برخصها ولأنه أبعد من الضياع لأن من حاز سهما حفظه وإذا كان الأمر شائعا كان الحفظ متراخيا. (وإنما يقسم ويخمس ما أوجف عليه بالخيل والركاب وما غنم بقتال). يعني أن ما كان موجب أخذه من أموال الكفار قتلا هو الذي يخمس وما هربوا عنه بسبب قتال أو كان مركبا انكسر في البحر وخرج لبر المسلمين هو فيء لبيت المال لا يقسم ولا يخمس واختلف فيما فروا عنه لنزول الجيش بهم على قولين حكاهما

اللخمي وروى محمد وغيره ما أخذ من حيث يقاتل عليه كما أخذ من فرارهم فهو الذي قوتل عليه وهذا في حق الجيش والواحد والاثنين ونحوهم لهم ما أخذوه دون شيء والله أعلم. (لا بأس أن يأكل من الغنيمة قبل أن يقسم الطعام والعلف لمن احتاج إلى ذلك). في هذا الكلام جواز ما ذكر وإن بغير إذن الإمام عياض أجمع المسلمون على إجازة أكل الطعام من الغنيمة بأرض العدو بقدر الحاجة وجمهورهم على عدم شرط إذن الإمام وحكاية الزهري بشرطه لم يتابع عليه ابن حبيب عدم قسم المطعم والمشرب ومن أصابه أحق به إلا أن يواسي منه أو يفضل عن حاجته وله النفقة إلى منصرفه دون إذن الإمام ولو نهاهم عنه ثم اضطروا إليه جاز لهم أكله. وفي المدونة الطعام والعلف والغنم البقر بأرض الحرب جائز أكله وفروع هذا

الفصل كثيرة فانظرها. (وإنما يسهم لمن حضر القتال أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم). يسهم لمن توفتر فيه شروط سبعة بلا خلاف كونه حرا مسلما بالغا عاقلا صحيحا حاضرا للوقعة قاتل أو لم يقاتل خارجا بنية الجهاد لا لتجارة أو أجير فإذا توفرت الشروط السبعة قسم له بلا خلاف واختلف في المرأة تقاتل والعبد والصبي المطيق والمجنون القادر والمريض قبل توجه الغنيمة وتعداد ذلك يطول فانظره والحاصل أنهم ثلاثة أقسام قسم يسهم له باتفاق وهو المذكور بالشروط السبعة وقسم لا يسهم له اتفاقا ومنه التجار والأجراء وقسم يختلف فيه فانظر ذلك. (ويسهم للمريض وللفرس الرهيص). (الرهيصة) أن يدمى باطن حافر الدابة من حجر تطؤه ونحوه قال الكسائي رهصت الدابة رهصا وأرهصها الله تعالى والمريض بعد الإشراف على الغنيمة يسهم له وكذلك الذي دخل القتال وهو مريض ثم تمادى به ثالثها إن كان له رأي ينتفع به أسهم له وإلا فلا. (ويسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه). يعني فالفارس له ثلاثة أسهم والراجل له سهم واحد وهذا هو المشهور في الفارس سهم للفرس وسهم للفارس وسهم في خدمته وقال ابن وهب إنما له سهمان سهم له وسهم لراكبه وقال أبو حنيفة لا يكون الحيوان البهيمي أفضل من الآدمي وهو صحيح في وجوه أخر مردود في هذا الوجه للسنة والمصلحة. (ولا يسهم للعبد ولا للصبي ولا للمرأة إلا أن يطيق الصبي الذي لم يحتلم القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له ولا يسهم للأجير إلا أن يقاتل). وأما العبد والذمي فثالثها يسهم له إن كانوا محتاجا إليهم وإلا فلا وأما المرأة إن قالت ففيها قولان وأما الصبي المطيق فثالثها إن قاتل أسهم له وظاهر كلام الشيخ تخصيصه بالخلاف دون من ذكر معه فانظره ثم ما ذكر الشيخ فيه من الشروط يفيد قولا رابعا إن خلا هذا الوجه من الخلاف فانظر ذلك.

والمجنون المطبق حيث لا ينتفع به ألبتة لا يسهم له والذي يعقل بوجه ما يسهم له وربما كان قتاله أنفع لتحامله والأعمى والأعرج والأقطع إن كانت بهم منفعة أسهم لهم وإلا فلا ولا يسهم للأجراء الذين يخرجون لا بنية الجهاد اتفاقا إن لم يقاتلوا وإن قاتلوا فقولان وإن خرجوا بنية الجهاد أسهم لهم وحضور القتال شرط وقد تقدم. (ومن أسلم من العدو على شيء في يديه من أموال المسلمين فهو له حلال). خلافا للشافعي في أنه لربه بناء على أنهم لا يملكون علينا وقول الشيخ (من أموال المسلمين) أخرج به الرقاب فلو أسلم وبيده أسير مسلم لم يصح تقريره عليه ولو ملك له وهو معروف المذهب وخالف فيه ابن شعبان وأحمد بن خالد قال ابن عبد البر وهو شذوذ من القول ولو أسلم وبيده مسلمون ثلاثة يجبر على بيعهم قاله أصخاب مالك إلا ابن قاسم فإنه قال لا يجبر وثالثها يجبر على بيع النساء المسلمات دون الرجال رواه سحنون عن ابن القاسم. (ومن اشترى شيئا منها من العدو لم يأخذه إلا بالثمن وما وقع في المقاسم منها فربه أحق به بالثمن وما لم يقع في المقاسم منها فربه أحق به بلا ثمن). ذكر في هذه الجملة مسائل ثلاث أولها من اشترى من العدو شيئا أخذه في حربه فعرفه ربه بعنيه أنه لا يؤخذ منه إلا بالثمن وهذا قول مالك وأبي حنيفة خلافا للشافعي فإنه يأخذه بلا شيء لأنهم لا يملكون علينا. فرع: وما فدى من اللصوص هل يأخذه ربه بغير شيء أو لا يأخذه إلا بما فدى به قولان حكاهما ابن بشير (ع) والأظهر أن فداءه بحيث يرجى لربه خلاصه من اللص بأمر مأمن حرمة ربه أو قوته أو إغاثة تمنع اللص من الاستمداد به فيوجب حرمان فادية (س) عن اختيار بعض أشياخه أن ربه لا يأخذه إلا بالثمن لأن عدم الثمن يؤدي لعدم نصح ذي الوجاهة ومن له قدرة على افتكاكه من افتكاكه وبالناس حاجة لهذا الأمر ولا تجوز له الأجرة على ذلك إن دفع الثمن من عنده لأنه سلف جر منفعة وإن كان الدافع غيره ففي إجازة ذلك محل للنظر " قلت" وهي قريبة من مسألة الغفر وثالثها إن

كان ذلك بجاهة مجردا حرم لأنه ثمن الجاه وإن كان بقوة أو بني عمه ونحو ذلك جاز. وفي المسألة كلام متسع فانظره ويصدق المشتري من العدو فيما يشبه من الثمن فإن ادعى ما لا يشبه رجع إلى القيمة. وقوله (فيما وقع في المقاسم بالثمن) يعني به القيمة التي وقع المقسم بها وقت القسم وإن عثر عليه في المغنم قبل القسمة كان له بلا شيء وكأنه لم يؤخذ منه لانفساخ ملك الكافر إلى غير مالك معين. (ولا نفل إلا من الخمس على الاجتهاد من الإمام ولا يكون ذلك قبل الغنيمة والسلب من النفل). ذكر في هذه الجملة مسائل أربع: أولها: (لا نفل) –بفتحات- أي لا زيادة بعد القسم أو إعطاء لمن لا قسمة له إلا من وسط الغنيمة وهو مذهب كثير من علماء الحجاز خلافا لأهل الشام وبعض أهل العراق. الثاني: كونه على الاجتهاد من الإمام هو الأصل لينتفي الظلم والميل ويجري الأمر على ما هو السداد إن شاء الله. الثالث: لا يكون قبل الغنيمة لئلا يوقع الناس نفوسهم في الهلاك على طلب الدنيا وقد كره مالك الأسير أن يقاتل مع الروم عدوا لهم على أن يخلوه إلى بلد الإسلام قال ولا يسفك أحد دمه على مثل هذا. الرابع: السلب من النفل فإذا قال الإمام " من قتل قتيلا فله سلبه " فذلك نفل يجري فيه حكمه فلا يقول قبل القتال لئلا يتهالك الناس في طلب الدنيا وقال الحنفي وغيره يقال قبل القتال لأنه إغراء على القتال. (والرباط فيه فضل كثير وذلك بقد خوف أهل ذلك الثغر وكثرة تحرزهم من عدوهم). (الرباط): حفظ الثغر أن الموضع الذي يلي الكفار من بلد الإسلام ليكون ذلك سبب لحقن دماء المسلمين قال ابن عمر رضي الله عنه شرع الرباط لحق دماء المسلمين والجهاد لسفك دماء المسلمين أحب إلي فظاهره أن الرباط أفضل.

من الجهاد وقال عمر رضي الله عنه بعكسه قال ابن رشد في هذا أن ذلك بحسب المواضع وشدة الحاجة إلى الرباط وعدمها فلا يقال إن أحدهما أفضل من الآخر على الإطلاق. وحكى المازري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تمام الرباط أربعين يوما" فاستحب العلماء ذلك قال وليس من سكن الثغر بأهله وولده مرابطا إنما الرباط من خرج من منزله يتفقد الثغر في موضع الخوف ووقته. (ولا يغزى بغير إذن الأبوين إلا أن يفجأ العدو مدينة قوم ويغيرون عليهم ففرض عليهم دفعهم ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا). إنما لا يغزى بغير إذن الأبوين لأن حقوقهما محرم وبرهما فرض عين والجهاد فرض كفاية فإذا فجأ العدو ومدينة قوم هم فيها أو بإزائها وجبت النصرة على الأعيان فسقط حق الوالدين وهذا كله إذا كانا مسلمين لأن الكافر لا يحب نصرة الإسلام ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. خاتمة: الجهاد على أربعة أنواع جهاد بالقلب وجهاد باللسان وجهاد باليد وجهاد بالسيف فالأول جهاد النفس والشيطان عن المحرمات والشهوات وفيه قال صلى الله عليه وسلم: " المجاهد من جاهد نفسه عن هواها". والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرطه وهي ثلاث أن يكون محققا في مذهب الفاعل وأن لا يؤدي إلى منكر أعظم وأن يسلم فيه من الضرر في دينه ونفسه. والثالث: جهاد العامة بالحدود والآداب ونحوها وهو نصيب الأمراء ليس لأحد فيه شيء إلا الرجل في أهله بالوجه السائغ له. والرابع: جهاد الكفار بالسيف وفرائضه خمس طاعة الإمام وترك الغلول والثبات عند الزحف والوفاء بالأمان وثبات الواحد للاثنين فأقل وباب الجهاد طويل عريض في أحكامه فلنقتصر على ما ذكرناه ومن أراد الاستيفاء فعليه بالمطولات وبالله التوفيق.

باب في الأيمان والنذور

باب في الأيمان والنذور قال بعض الشيوخ هذا أول النصف الثاني من الرسالة والأيمان جمع يمين ابن العربي واليمين ربط الحلف والعقد بالامتناع والترك أو الإقدام على فعل بمعنى معظم حقيقة أو اعتقاد (ع) اليمين قسم أو التزام مندوب غير مقصود به القربة أو ما يجب بإنشاء لا يفتقر إلى قبول معلق بأمر مقصود عدمه فدخل بالتزام مندوب الحج والصوم ونحوه وخرج بقوله غير مقصود بالقربة والنذر والذي يجب بالإنشاء ولا يفتقر للقبول هو الطلاق والعتاق وكون الالتزام معلقا بأمر مقصود عدمه به يتحقق كونه يمينا والله أعلم. (ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت). هذا نص حديث متفق عليه من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهل المراد من أراد أن يحلف مطلقا فلا يكره اليمين ابتداء وهو الذي رجحه ابن رشد أو من لزمته يمين لا بد له منها فيكون القدوم اختيارا مكروه وهو الذي رجحه غير واحد ولا خلاف في

كراهته والإكثار لقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} [البقرة: 224] الآية وللشيخ عن ابن حبيب أقول كما قال عمر رضي الله عنه اليمني مأثمة مندمة ولا يكاد من حلف يسلم من الحنث انتهى. وأنه لكذلك والله أعلم. (ويؤدب من حلف بطلاق أو عتاق ويلزمه). إنما يؤدب للتشبه بالفساق وإلا فاليمين مكروهة فقط وقد روى ابن حبيب في الواضحة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ورثة الأنبياء وإلى أشبه الناس" لا تحلفوا بطلاق ولا بعتاق فإنهما من أيمان الفساق" قال ابن حبيب وترد شهادة الحالف به وذلك غير المكره وفاقد العقل ثم لزومه مشروط بوجود ما علق عليه من امرأة أو عبد فلا يلزم الطلاق من لا زوجة له ولا العتق من لا عبد له حين الحلف قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد إلا أن يعلق على وجود ذلك فيلزم عند وجوده والله أعلم. (ولا ثنيا ولا كفارة إلى في اليمين بالله أو بشيء من أسمائه وصفاته). (الثنيا) الاستثناء أي تعليق الأمر بمشيئة الله تعالى وهذا الوجه الذي يختص باليمين بالله لا آلائه فأدوات الاستثناء مثل إلا أن يكون كذا فإنه ينفع في جميع الأيمان وتقرير كلام الشيخ (لا تنفع ثنيا ولا كفاة في يمين إلا في اليمين بالله) أي هذا الاسم الكريم أو بشيئ من أسمائه كالعزيز والخلاق والرزاق والبارئ ونحوه وصفاته الذاتية والمعنوية كحياته وعلمه وقدرته وإرادته وكلامه وسمعه وبصره وعظمته وجلاله وكبريائه وكفالته وعهده وميثاقه. وكذا بما أنزل في التوراة والإنجيل والفرقان والمصحف لأنه كلامه ما لم يقصد الورق ونحوه فله نيته قال ابن حبيب والآية كالكل والله أعلم. (ومن استثنى فلا كفارة عليه إذا قصد الاستثناء وقال إن شاء الله ووصلها بيمينه قبل أن يصمت وإلا لم ينفعه ذلك). فائدة: الاستثناء رفع حكم الحنث ثم هل هو بدل من الكفارة أو حل لليمين قولان لابن القاسم وعبد الملك وعليهما لو طرأ بعد تمام اليمين متصلا فالمشهور صحته خلافا لابن المواز في اشتراط قصده قبل تمام وقد ذكر الشيخ شروطا ثلاثة القصد فلا يجزئ إن لهج به دون قصد قاله في العتبية والقول فال تجزئ النية وحدها إلا أن يكون

اليمين بالنية وكونه إن شاء الله ويلحق به إلا أن يريد الله أو يقضي الله على الأرجح خلافا لابن القاسم وأصبغ فيهما. وقال عيسى ينفعان في اليمين بالله فحمله ابن حارث وابن رشد على الخلاف كما هنا واختار قول عيسى وظاهر النوادر حمل الأول على الإطلاق فهو وفاق واتصاله باليمين شرط مع الاختيار فلو فصله لضرورة سعال أو عطاس نفعه اتفاقا لا لفكرة خلاف للشافعي والله أعلم. (والأيمان بالله أربعة يمينان يكفران وهو أن يحلف بالله إن فعلت أو يحلف ليفعلن ويمينان لا يكفران إحداهما لغو اليمين بأن يحلف على شيء يظنه كذلك في يقينه ثم تبيه له خلافه ولا كفارة عليه ولا إثم والآخر الحالف متعمدا للكذب أو شاكا فهو آثم ولا تكفر ذلك الكفارة وليتب من ذلك إلى الله سبحانه). مرجع الأقسام الأربعة على أن الحلف على المستقبل بنفي أو إثبات هي التي تكفر وعلى الماضي لا تكفر إلا أنه في النفي على بر وصيغتها ثلاث لا فعلت وإن فعلت ولا أفعلن وفي الإثبات: لأفعلن وإن لم أفعل (ع) يمين البر متعلقها سعي أو وجود

مؤجل ويمين الحنث خلافها وفي من حلف ليكلمن زيدا أو ليضربن دابة قولان لابن المواز لأنهما كالأجل وعكس ابن كنانة والحلف على الماضي لا كفارة فيه والكذب منه يسمى غموسا لأنه يغمس صاحبه في الإثم وكذا مع الشك والظن الذي فيه تردد بخلاف الظن الجازم فإنه لغو اليمين على المشهور كأن يحلف على زيد قاطعا به فإذا به عمر ولا لغو إلا في موجب الكفارة. فقد قضى عمر بن عبد العزيز فيمن حلف بالطلاق على ناقة إنها فلانة فظهر خلافه بالحنث وللشيخ عن ابن حبيب الحلف على شك أو ظن فإن صادف صدقا فلا شيئ عليه وقالت عائشة –رضي الله عنها- لغو اليمين قول الرجل لا والله وبلى والله رواه البخاري ورفعه أبو داود قال به إسماعيل والأبهري واللخمي والله أعلم. (والكفارة في ذلك إطعام عشرة مساكين من المسلمين الأحرار مدا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وأحب إلينا أن لو زاد على المد ثلث مد أو نصف مد وذلك بقدر ما يكون وسط عيشهم في غلاء أو رخص ومن أخرج مدا على كل حال أجزأه). هذا أحد ما يكفر به اليمين وقد ذكر الله تعالى في كتابه ثلاثة على التخيير أي الإطعام والكسوة والعتق وواحد على الترتيب وهو الصوم بالعدد وشرط في الإطعام التعدد فلا تعطى لأكثر ولا لأقل ولا لواحد مرارا وإن أعطاها لغني أو كافر أو عبد أو من فيه بقية رق عالما بذلك بطلت وإن كان جاهلا ففي بطلانها قولان للأسدية والمدونة اللخمي إن فات وإلا انتزعت قال وعدم الإجزاء أحسن بخلاف الزكاة فإن مقصدها الإخراج وكذا لو ضاعت بعد الإخراج بلا تفريط تجزئ الزكاة لا الكفارة

والمد شرط فلا يخرج دونه ويجزئ بالمدينة اتفاقا ابن القاسم وكذلك بغيرها وقال أشهب: وثلث وقال ابن وهب: ونصف ونحوه مالك في المدونة: ويعطي الفطيم كالكبير وفي الرضيع ثلاثة الجلاب وظاهر المدونة وثالثها لأصبغ إن كان حبا أعطى وإلا فلا وأوسط العيش الحب المقتات غالبا الباجي ما يجزئ في زكاة الفطر. وفي المدونة لا يجزئ سويق ولا دقيق في كفارة كما لا يجزئ في الفطر وهل المعتبر عيش أهل البلد وهو المشهور ورواية المدونة ولابن حبيب عيش المكفر غير البخيل وروى محمد الأرفع وجعله الباجي الأظهر والأشهر. (وإن كساهم كساهم للرجل قميص وخمار أو عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد ذلك ولا إطعاما فليصم ثلاثة أيمام يتابعهن فإن فرقهن أجزأه إلخ). هذه بقية ما تكفر به اليمين أولها الكسوة والعدد شرط فيها كالإطعام وفي المدونة لا يجزئ من الكسوة إلا ما تحل به الصلاة للرجل قميص وللمرأة قميص وخمار فلا تجزئ عمامة وحدها الباجي ولا نص فيما يتزر به الرجل ويشتمل والأشهر منعه لأنه ليس بكسوة والصغير كالكبير وقيل يعطي ثوبا قدره وقيل ثوب كبير بلا خمار. وعن ابن القاسم لا يعجبني كسوة الأصاغر بحال إلا من أمر بالصلاة يكسى ثوبا وهل على قدره أو كالرجل تأويلان ابن بشير لا يشترط كون الكسوة كسوة أهله ونفسه ورأى اللخمي لزومه والمعروف الأول وشرط الرقبة كونها مؤمنة سليمة من العيوب كما يذكر في الظهار إن شاء الله والتكفير بالصوم مشروط بالعدم فلا يصوم من له دار وخادم إلا أن يكون عليه دين مستغرق وإن كان الدين انتظر حلوله إن فرق وإن صام أجزأه كعبد ملي أذن له سيده وقال ابن حبيب لا يجزيه ويتسلف ذو المال الغائب مطلقا عند ابن القاسم. وقال أشهب إن قرب انتظره أو تسلف وإن صام مع وجود مسلف أجزأه وروى محمد لا يصوم حتى لا يجد إلا قوته أو كونه في محل لا يعطف عليه فيه اللخمي هذا حرج ومقتضى الدين التوسعة فوق هذا. (ع) والأقرب اعتبار عجزه عن الفاضل الذي يباع على المفلس واستحباب

التتابع في الصيام هو المشهور وقاله في المدونة وروى القاضي جواز ذلك ابتداء وأجزأه ولابن القاسم مع محمد يجزئ إن وقع وفي الجلاب عدم الإجزاء وهو ظاهر رواية أشهب وتؤولت بالكراهة ولابن القاسم في الموازية إن كانت يمينه على حنث كفر قبله وإلا فلا وأصل الخلاف هل الكفارة حل لليمين أو رفع لإثم الحنث. وقد قال عليه السلام: " إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمين وأتيت الذي هو خير" وروي " إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يمين" وكذا حديث " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها" أبو عمر وأكثر الروايات " فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه" وعليه فلا يكفر قبل الحنث ولا أقل من استحباب التأخير والله أعلم. (ومن نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه ولا شيء عليه). هذا لفظ حديث رواه البخاري إلى آخره من حديث عائشة رضي الله عنها غير قوله (ولا شيء عليه) وفيه إشارة لمن يقول عليه كفارة يمين وأن المذهب خلافه الباجي ونذر الطاعة جائز ما لم يعلق ببرء مريض أو ملك كذا فيكره ابن رشد يستحب إن كان مطلقا شكر الله تعالى لأمر وقع ويباح إن علق بشيء لا يتكرر ومتكرر لا مكروه وفي التزامه خلاف وشرط لزوم نذر الطاعة التكليف والإسلام فلو أسلم لم يلزمه ما نذر كافرا خلافا للمغيرة ولابن بشير عن ابن القاسم في نذر اللجاج والغضب كفارة يمين. وفي الشامل النذر التزام مكلف تأهل للعبادو ولو غضب على المعروف وقيل كنذر المعصية ابن عرفة النذر الأعم من الجائز إيجاب امرئ على نفسه لله أمرا والأخص المأمور بأدائه التزام طاعة بنية قربة لا للامتناع من أمر إذ صلى الله عليه وسلم إذ هذه يمين كما مر والله أعلم. (ومن نذر صدقة مال غير أو عتق عبد غيره ولم يلزمه شيء). يريد إلا أن يعلق على ملكه فيلزمه متى ملكه كقوله إن تزوجتك فأنت طالق وكذا امرأة فلان أو جاريته على المشهور وقد قال عليه السلام " لا وفاء لنذر في معصية الله ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك ابن آدم" رواه أبو داود والطبراني من

حديث ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه- وهو صحيح الأسانيد والله أعلم. (ومن قال إن فعلت كذا فعلي نذر كذا وكذا لشيء يذكره من فعل البر من صلاة أو صوم أو حج أو عمرة أو صدقة شيء سماه فذلك يلزمه إن حنث كما يلزمه لو نذره مجردا بغير يمين وإن لم يسم لنذره مخرجا من الأعمال فعليه كفارة يمين). قال الجزولي قصده بيان الفرق بين مفسر النذر ومبهمه ومعلقه ومقيده فمفسره بين ولا خلاف في لزومه ومبهمه ما لم يسم له مخرج كقول لله علي نذر والمذهب أن عليه فيه كفارة يمين لحديث ابن عباس – رضي الله عنه – " من نذر نذا لم يسم به فكفارته كفارة يمين" أخرج أبو داود بإسناد صحيح وإن رجح الحافظ وقفه والمطلق ما لم يعلق بشيء والمقيد ما علق بمتوقع كـ " إن جاء غائبي" أو شفا الله مريضي فيلزم بوقوعه لأنه يمين كما أشار إليه كما يلزم الذي لا تعليق فيه. وفي قوله (لشيء سماه) تنبيه على تعيين قدره أنه لا يلزم إن لم يعين أو في الجملة انظر ذلك. (ومن نذر معصية من قتل نفس أو شرب خمر أو شبهه أو ما ليس بطاعة

ولا معصية فلا شيء عليه وليستغفر الله). هذا واضح ولا خلاف في منع نذر المعصية والوفاء به إن وقع لحديث مسلم عن عمر – رضي الله عنه – " لا وفاء لنذر في معصية" وظاهر كلامه أن نذر المباح ممنوع للزومه الاستغفار وأطلق عليه مالك في الموطأ اسم المعصية ورآه من التلاعب بالدين واستحب أن يأتي عنه بطاعة من جنسه وجعل ابن رشد نذر المباح مباحا ولا يجب الوفاء به وهو مقتضى الحديث والله أعلم. (وإن حلف بالله ليفعلن معصية فليكفر عن يمينه ولا يفعل ذلك وإن تجرأ ففعله أثم ولا كفارة عليه ليمينه). يجب عليه الحنث في هذا اليمين ويحرم الوفاء فإن حلف وفعل برئ من اليمين وتعلق به الإثم وإن كان إلى أجل لم يحنث إلا بأجله وإن كان له محل فات بفوت محله كسائر الأيمان والله أعلم. (ومن قال علي عهد الله وميثاقه في يمين فحنث فعليه كفارتان). قال الجوهري العهد الأمان واليمين والموثق والذمة فالميثاق إذا بمعنى العهد عبدا لوهاب العهد عندنا يمين والميثاق يمين فإذا اجتمعا في يمين كانا يمينين العوفي عهد الله إلزامه لقوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} [النحل: 91] أي بتكاليفه فهو صفة ذاته والميثاق والعهد المؤكد بالحلف يرجع إلى كلامه وذكر اللخمي في الحلف

بالعهد أربعة أقسام تلزم الكفارة في واحد وتسقط في اثنين ويختلف في الرابع فالأول على عهد الله والاثنان لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله والرابع أعاهد الله اعتبره ابن حبيب وأسقطه ابن شعبان وهو أحسن. (وليس على من وكد اليمين فكررها في شيء واحد غير كفارة واحدة). يريد ما لم يقصد التعداد بالتكرار فبحسبه وكذا إن كان قصده الإنشاء دون تعدد الكفارة على المشهور، وقال لا بعته من فلان ولا من فلان أو قال والله ووالله ولم ينو التعدد ووالله والله أو والله وإن قصد التعداد اختير تعددها وإن قال علي كذا وسمي عهودا ونذورا أو عهدوا أو كفارات أو مواثيق فعدده كفارات وفى فعددها بالصفات مشهورها نفيه وهذا كله في اليمين بالله وفي غيره تفصيل. (ومن قال أشركت بالله أو هو يهوي أو نصراني إن فعل كذا فلا يلزمه غير الاستغفار). هذا لما في الحديث من قوله عليه السلام " من حلف بدين غير الإسلام فهو كما قال" قال علماؤنا إذا قصد تعظيم ذلك الدين ودخوله لأن الرضا بالكفر كفر وإلا فهو محرم وفي الصحيح" من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله". والأيمان ثلاثة مباح وهو اليمين بالله أو بشيء من أسماء الله وصفاته ومحرم وهو باللات والعزى وما يعبد من دون الله وإن كان لتعظيم فهو كفر ومكروه كالحلف بالأمانة للنهي عنه وقوله يرغم الله أنفي. وقول الصائم والذي خاتمه على فمي والمشهور التحريم بنحو النبي والكعبة والمخلوق وقيل يكره وشهره ابن الفاكهاني ولا كفارة إلا في اليمين المباحة والله أعلم. (ومن حرم على نفسه شيئا مما أحل الله فلا شيء عليه إلا في زوجته فإنها تحرم عليه إلا بعد زوج). لهذه المسألة صورة أحدها أن يقول الحلال عليه حرام فتحرم عليه الزوجة دون ما سواها إلا أن يخرجها بالاستثناء وهي الثانية من الصور فثلاثة أقوال قال ابن عبد السلام مشهورها ينفعه يريد فيما بينه وبين الله وتعقب ابن عرفة عزوه لابن القاسم بنقله ابن رشد عن ابن حبيب قال وعزوه ابن هارون للمدونة وهم فانظره الثالث أن

يذكر الزوجة وحدها وهذا لا خلاف عندنا في تحريمها عليه. (ومن جعل ماله صدقة أو هديا أجزأه ثلثه). (الصدقة) ما يخرج لله تعالى (والهدي) ما يبعث لبيت الله و (إجزاء الثلث) هو المشهور وقال ابن وهب يجب جميعه وثالثها إن لم يحجف به ابن رشد إن حلف بصدقة ما يفيد أو يكتسبه فلا شيء ع ليه اتفاقا ولو استثنى شيئا لزمه الباقي ولو قال في مدة كذا أو مكان كذا لزمه الثلث خلافا لعبد الملك وعليهما كل ما أربحه في مدة كذا إلا أنه يتصدق بجملة الربح ولو قال في السبيل حمل على الجهاد وفي الرباط الثغر المخوف (ع) ونذر شيء لميت صالح معظم في نفس الناذر لا أعرف نصا فيه وأرى إن قصد مجرد كون الثواب للميت تصدق بموضع الناذر وإن قصج به الفقراء الملازمين لقبره أو زاوية تعين لهم إن أمكن وصوله إليهم والله أعلم. (ومن حلف بنحر ولده فإن ذكر مقام إبراهيم أهدى هديا يذبح بمكة وتجزيه شاة وإن لم يذكر المقام فلا شيء عليه). مشهور المذهب فيمن حلف بنحر ولده أو نذهره أنه يلزمه هدي إن قال في مقام إبراهيم أو ما في معناه من مكة ومنى وتجزيه الشاة وفاقا لابن شعبان وقيل البدنة فإن لم يجد فالبقر فإن لم يجد فالغنم وإن لم يذكر المقام ولا ما في معناه فلا شيء عليه وقيل لا شيء عليه مطلقا وقيل لا كفارة عليه مطلقا وثالثها عليه كفارة يمين الباجي ولو قال ذلك لأجنبي فالأكثر كذلك وإن لم يذكر مكانا ولا هديا فعن مالك روايتان السقوط والكفارة. (ومن حلف بالمشي إلى مكة فحنث عليه المشي من موضع حلفه فليمش إن شاء في حج أو عمرة فإن عجز عن المشي ركب ثم يرجع ثانية إن قدر فيمشي أماكن ركوبه فإن علم أنه لا يقدر قعد وأهدى وقال عطاء لا يرجع ثانية وإن قدر ويجزيه الهدي وإن كان ضرورة جعل ذلك في عمرة فإذا طاف وسعى وقصر أحرم من مكة بفريضته وكان متمتعا والحلاق في غير هذا أفضل وإنما يستحب له التقصير في هذا استبقاء للشعث في الحج) اختلف في الحلف بالمشي إلى مكة

فالمذهب وجوب المشي كما ذكر وقال أبو عمر والثقات عن ابن القاسم أنه أفتى ولده عبد الصمد حين حلف بذلك بكفارة يمين وقال أفتيك بمذهب الليث فإن عدت أفتيك بمذهب مالك وعلى المشهور يمشي على قدميه لا حافيا ولو نذر الحفاء وهو قادر عليه وفي المدونة الرجال والنساء في لزوم المشي سواء ولابن المواز إن كان مشي

مثلها عورة مشت الأميال محتجزة عن الناس ثم ركبت وأهدت وظاهر ماهنا يمشي من موضع حلفه كانت يمينه على بر أو على حنث. ابن بشير: إن كان برمشي من موضع حلفه لأنه يطالب بما قبله وإن كان على حنث قولان وتخييره بين الحج والعمرة شأن القريب وفي بعيد الدار قولان للمتأخرين بتعيين الحج والتخيير حكاهما في الجواهر قال وإنما يرجع لإماكن ركوبه من بعده كمصر ابن عبد السلام هذا ظاهر المدونة والموازية ابن رشد والبعيد جدا كإفريقية والأندلس لا يختلف في عدم رجوعه وبعدم الرجوع قال ابن مزين وحكاه عن مالك وابن وهب وأصبغ ثم رجوعه إنما هو في المركوب المعتبر لا كاليوم واليومين. عند ابن حبيب وعن الأبهري مجموع اليوم والليلة قليلة والتحقيق عند ابن حبيب وغيره يختلف باختلاف المسافات وعطاء هو ابن أبي رباح مفتي الحج في زمن السلف وليقه مالك بالمدين فقال يا مالك اتق الله يحبك الناس وإن كرهوا والصرورة بالصاد المهملة الذي لم يحج قط وإنما يجعل يمينه في عمرة ليفرغ لحجة فلو جعله في حج أو قران نواهما ففي ذلك اختلاف يطول ولا يمكن متمتعا إلا إذا صادفت عمرته أو بعضها أشهر الحج قبله ثم حج من عامة قبل رجوعه إلى أفقه أو إلى مثل أفقه في البعد واستبقاء الشعث لقوله عليه السلام " الحاج أشعث أغبر" وليجد ما يحلق عند فراغ حجة والله أعلم. (ومن نذر مشيا إلى المدينة أو إلى بيت المقدس أتاهما راكبا إن نوى الصلاة في مسجديهما وإلا فلا شيء عليه) يعني أنه لا يلزمه المشي في ذلك ولو صرح به.

في نذره لأه ليس بقربة بخلافه في الحج والعمرة وشرط نية الصلاة في اللزوم صحيح وإلا فلا قربة وظاهرة من أي محل نوى ذلك والمشهور إن كان نوى الأفضل لا يأتي غيره والمدينة أفضل على المشهور ثم مكة وهما أفضل من بيت المقدس اتفاقا ولا يأتي مسجد قباء منها ولا من غيرها على المشهور. (وأما غير هذه الثلاثة مساجد فلا يأتيها ماشيا ولا راكبا لصلاة نذرها وليصل بموضعه). أما ما يحتاج فيه إلى راحلته فلا يجوز قصده ونذره محظور قاله الباجي لقوله عليه السلام "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" متفق عليه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وفيما قرب من ذلك من المساجد قولان للجلاب وغيره وظاهر الرسالة عدم وتقف الغبريني في نذر زيارته عليه السلام بعد النص واستظهر غيره اللزوم لتحقق القربة. (ومن نذر رباط بموضع من الثغور فذلك عليه أن يأتيه). ظاهره وإن كان في ساحل مثله وقال التونسي فيه نظر إن كان أشد خوفا من موضعه لزم بخلاف العكس وقال من نذر رباطا وصوما بموضع يقرب كعسقلان والإسكندرية لزمه وإن كان مكيا أو مدنيا انتهى.

باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع ذكر في هذا تراجم ثمان كلها كتب في المدونة وغيرها والأصل منها الأول والباقي توابع له وسنذكر حقائقها في مواضعها إن شاء الله تعالى، فأما النكاح فحقيقته في اللغة الضم والجمع ومنه قولهم نكحت الحصى إخفاف الإبل ونكح النوم العين وأنكح الذراع البذر الأرض أي ألزمها إياه وحقيقته الشرعية قال (ع) عقد على مجرد التمتع بآدمية غير موجب قيمتها بنية قبله غير عالم عاقده حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر قال وقوله ابن بشير عقد على لابضع بعوض يرد بدخول بعض صور الزنا فيه وحكمه الندب في الجملة للأحاديث في الأمر به قاله ابن بشير وتابعه وقسمه اللخمي للأحكام الخمسة فانظره. (ولا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدين عدلين).

يعني أن من حقيقته أن يكون بهذه الثلاثة فإن دخل على إسقاطها أو إسقاط بعضها فليس بنكاح في الأول يفسخ قبل البناء وبعده لقوله عليه السلام " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل وإن دخل بها فلها المهر بما استحل فرجها". رواه أصحاب السنن من حديث عائشة رضي الله عنها وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم وعليه العمل عندنا. وهل الفسخ بطلاق أم لا قولان لابن القاسم وابن نافع وشرط إسقاط الصداق يوجب الفسخ قبل البناء وفي إمضائه بعده بصداق المثل قولان ولو سكتا عنه فهو صحيح لأنه نكاح تفويض وسيأتي إن شاء الله والإشهاد شرط في المدخول مستحب في العقد وظاهر رواية أشهب وجوبه في العقد وعلى المشهور مشي الشيخ فقال:

(فإن لم يشهدا في العقد فلا يبني بها حتى يشهدا). مفهوم كلامه بل صريحه أن الإشهاد في العقد كاف والتثنية راجعبة للزوج ومقابلة من ولي أو امرأة فالمراد المتعاقدان اثنين كانا أو ثلاثة ثم إن بنى دون إشهاد فسخ مطلقا وهل بطلاق وهي رواية محمد عند الشيخ قائلا وخطبتها بعد ثلاثة حيض وقيل بغير طلاق وسواء اتفقا على إسقاط الإشهاد أو لاث ثم إن أقر بالوطء حدا إن كانا عالمين بالمنع ولم يفش اتفاقا ولا يحدان إن كانا جاهلين مع فشوه كذلك وفي فشوه وهما عالمان قولان لابن القاسم وأشهب وابن حبيب مع أصبغ وعبد الملك قائلين الشاهد فشو ولا يقبل الولي الجاهل كالعالم في عدم الفشو على المشهور (خ) ولا حد إن فشا ولو عالمين يريد على المشهور في الأخير والله أعلم. (وأقل الصداق ربع دينار).

يعني من خالص الذهب وهو وزن نحو ثمان عشرة حبة من حب الشعير المتوسط أو ثلاثة دراهم من فضة خالصة وزون كل درهم خمسة حبة وخمسا حبا أو ما قيمة أحدهما من العروض على المشهور في الجميع وأجازه ابن وهب في الدرهمين والسوط والنعلين وفي الواضحة بأدنى من الدرهمين وبما تراضيا عليه والمشهور إن وقع بأدنى من الدرهمين أمر بتكميلهما وإلا فسخ ولها نصف الدرهمين ولا حد لأكثره إجماعا وقد رام عمر رضي الله عنه تحديده بما أصدقه عليه السلام نساءه وبناته فقالت له امرأة وهو على المنبر أين أنت من قول الله تعالى {وآتيتم إحداهن قنطاراً} [النساء: 20] فقال: " كل الناس أفقه منك يا عمر حتى امرأة" إنصافا وتواضعا ورجوعا للحق وكره مالك الإغراق في كثرته لما رواه ابن حبان " من يمن المرأة يسر مهرها " من حديث عائشة رضي الله عنها وقال الحاكم على شرط مسلم. (وللأب إنكاح ابنته وإن بلغت بغير إذنها). لا خلاف في جبر الصغيرة غير الثيب والمشهور ما ذكر في البالغ حتى العانس إلا المرشدة والتي أقامت في البيت سنة وشهدت مشاهد النساء والأصح جبر العانس ابن وهب وهي بنت ثلاثين سنة ولابن القاسم أربعين ولغيرهما غير ذلك المتيطي المشهور عدم جبر المرشدة ولا بد من إذنها تصريحا كالتي عطلت أو زوجت بمرض أو لرزق أو لذي عيب أو يتيمة أفتيت عليها (م) وكالبكر من ثيبت بعارض أو بحرام وهل إن

كررت الزنا تأويلان. (وإن شاء شاورها). ظاهره التخيير في مشاورتها دون أرجحية قال في المدونة وليست المشورة بلازمة للأب في الأبكار وفي الجلاب استحباب مشورتها تطييبا لقلبها واستئلا فا للزوج وليعلم ما عندها من إقبال وغيره ولما عسى أن يكون بها من عيب فتخبر به وقال السيوري بوجوبه وهو مذهب الشافعي ودليلنا قوله عليه السلام: " ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر" فخصه باليتيمة ولو كان مطلقا لما خصت بالذكر فتعين حمل الإطلاق الذي في الحديث الآخر على الندب أو إرجاعها لهذا ابن حبيب تزويجها لمن هو دونها قدرا ومالا وبدون مهر المثل وبضرير وقبيح منظر وعلى ضرة لا مجنون تخاف منه أو برص مولع أو مجزوم مقطع وفي كخصي وعنين قولان. (وأما غير الأب في البكر وصي أو غيره فلا يزوجها حتى تبلغ وتأذن). لما كان شرط نكاحها الإذن لزم اعتبار البلوغ إذ لا تصرف لغير بالغ وفي المدونة لا يزوج اليتيمة التي يتولي عليها حتى تبلغ وتأذن لأمره عليه السلام " باستئذان اليتيمة" (ع) في جبر الولي غير الوصي البكر اليتيمة قبل بلوغها ثالثها إن أطاقت المسيس ورابعها إن كانت فقيرة للمازري عن قوله شاذة والمعروف عن ابن الحارث من رواية ابن نافع اتفقوا على منعه قبل إطاقتها المسيس وابن بشير قائلا اتفاق المتأخرين إن خيف عليها ابن عبد السلام وعليه العمل عندنا إن بلغت عشرا وشوور القاضي وسيأتي حكم تزويج الوصي إن شاء الله. (وإذنها صماتها) يعني أن اليتيمة إذا استؤذنت في الإنكاح فصمتت فذلك إذن منها وظاهره سواء علمت أن الصمت إذن أم لا فلا تعذر بدعوى جهله قال في المدونة قال غيره إذا كانت تعلم أن السكوت رصا فحمله ابن الحارث على الخلاف وحمديس على والوفاق وتوقف أبو عمران وقيل إن عرفت ببله عذرت وإلا فلا وجعل ابن رشد مذهب المدونة.

استحباب إعلامها بأن رضاها صمت وروى ابن مسلمة وجوبه ونقله حمديس عن ابن القاسم وعليه فالمشهور تكفي المرة ولابن شعبان ثلاثا إن رضيت فاصمتي وإن كرهت فانطقي عبد الملك ويستحب أن يطيلوا المقام عندها قليلا. المغربي: فإذا تكلمت فقد تكلفت ما لا يلزمها ولا يضرها ذلك وروى محمد إنكارها بالقول لا بالصمت وفي الجلاب إن نفرت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على الكراهة لم تزوج ابن مغيث: وصمتها رضا كأن بكت قائلا ونزلت فحكم بإمضائه وفي الجلاب كقول ابن مسلمة ليس بكاؤها رضى (ع) والأولى الكشف عن حال بكائها هل هو إنكار أم لا. (ولا يزوج الثيب أب ولا غيره إلا برضاها وتأذن بالقول). يعني إن كانت بالغة رشيدة لا مملوكة وقد ثيبت بنكاح أو ملك أو بشبهة منهما على المشهور في الجميع فتجبر الصغيرة والبالغة التي تثيب قبل بلوغها وطلقت قبله على المشهور المجنونة كيفما كانت وفي السفيهة خلاف مشهوره عدم جبرها وقال ابن عات إن جدد عليها الحجر جبرها وللسيد جبر أمته كيف كانت وقد تقدم ما في الثيب بعارض ونحوه ولو زوجت بغير إذنها فلها الرد وإن رضيت. وثالثها المشهور إن أجازته بالقرب صح والقرب. قال عيسى مثل أن يقعد في المسجد أو في السوق ثم يسار إليها به وروى ابن حبيب اليوم كثير وقال سحنون اليومان قليل والخمسة كثير وقيل يعتبر بالعرف في الكثرة والقلة. (ولا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها كالرجل من عشيرتها أو السلطان). هذا الكلام نقله مالك في المدونة عن عمر رضي الله عنه غير قوله (كالرجل من عشيرتها) تفسير لذي الرأي من مالك قائلا فذو الرأي من العشيرة أو ابن العم أو الولي وقال عنه ابن نافع هو الرجل من العصبة وثالثها لعبد الملك هو الرجل من البطن وعصبة الرجل أقاربه من جهة الأب ثم البطن وهو أوسع من العصبة ثم الفخذ القبيلة ابن الفاكهاني وأعلى الطبقات الشعب ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة ثم الحي والعشيرة ومثلها بوجوه ثم قال هكذا وجدت في بعض الحواشي عن ابن الكلبي.

والحاصل أن الولاية خاصة وعامة فالخاصة ما أدلي فيه بنسب أو سبب والعامة ولاية الإسلام. (ع) الولي من له على المرأة ملك أو أبوة أو تعصب أو كفالة أو إيصاء أو ذو إسلام انتهى وأقواها الأبوة والملك في محل الإجبار لأنه لا يصح معهما من غيرهما والمراد بالإذن العقد أو التوكيل فيه لمن يصح منه لا إطلاق النكاح للمرأة والله أعلم. (وقد اختلف في الدنية أن تولي أجنبيا). (الدنية) التي لا يرغب فيها بجمال ولا مال ولا قدر ولا حال كالسواداء الفقيرة والمسلمانية ومن في معناهما والمراد (بالأجنبي) من له ولاية الإسلام فقط والمقصود إذا تزوجت به من الولي الخاص الذي لا جبر له والمشهور صحته وهي رواية ابن القاسم وقوله (كشريفة) دخل وطال وإلا فسخ وإن دخل ما لم يطل ولم ير السنة طولا وروى أشهب لا يصح في شريفة ولا دنية وقاله ابن حبيب وروى عبد الوهاب هي ولاية فيهما وهو ظاهر رواية ابن المواز والله أعلم. (والابن أولى من الأب والأب أولى من الأخ ومن قرب من العصبة أحق وإن زوجها البعيد مضى ذلك). هذه مراتب الأولياء في غير مواضع الجبر ولم يستوفها الشيخ (ع) والأحق المالك وهو المعروف ثم الابن وإن سفل ثم الأب الباجي في بعض الكتب روى المدنيون الأب ثم الابن ثم الأخ للأب ثم ابنه ولو سفل ثم الجد. وقال المغيرة الجد ثم الأخ ثم العم ولو علا ثم ابنه ولو سفل ثم الجد على رتبة الإرث دون تقديم أخ شقيق على أخ لأب روايتان لابن حبيب مع قول ابن القاسم ولهما فأجراهما اللخمي في ابنيهما وفي العمين وابنيهما. قال ورواية ابن القصار يجوز للأخ إنكاح إخته مع وجود الأخ مرغوب عنها الباجي ثم المولى الأعلى وقال في الجالب يعقد الأسفل وإن لم يكن عاصب ولأبي عمر في الكافة لا ولاية لأسفل ثم عصبة المعتق ثم معتقه واختلف في تقديم السلطان على ذي الرأي فللمتيطي عن ابن القاسم السلطان وذو الرأي سواه وقاله سحنون وروى أصبغ عن ابن القاسم الولي مقدم إلا في العضل ولابن حبيب عن عبد الملك السلطان

أولى من ذي الرأي والله أعلم. (وإن زوجها البعيد مضي ذلك). يعني أن البعيد من الأولياء كابن العم مع الأخ إن زوج مضي ذلك وهو آثم وقيل مكروه وهذا كله على المشهور ما لم يكن القريب مجبرا فيفسخ أبدا وفهم من كلامه أن المتساوين أحرى في إمضائه وفي المدونة إمضاؤه من ولد فوض إليه أموره ببينة فزوج أخته البكر ثم أجزأه وفي المسألة وفي المسألة فروع وتفاصيل يطول ذكرها. (وللوصي أن يزوج الطفل في ولايته ولا يزوج الصغيرة إلا أن يأمر الاب بإنكاحها). مشهور المذهب تزويج الولي الطفل في ولايته وقاله في المدونة ومنعه سحنون وروى محمد لا يعجبني وللمغيرة منعه وإن كانت رضيعة إلا أن كانت شريفة أو ابنة عم فيجوز وأجراها اللخمي في تزويج الأب ابن الصغير (ع) وهو بعيد والحاكم كالوصي ولابن القاسم وابن حبيب يجبر الأب والوصي البالغ السفيه وأقسم من نكاح المدونة الأول في إرخاء الستور لا يجبر. وقاله عبد الملك واختاره ابن عبد السلام لأنه قد يطلق فينعكس المقصود والله أعلم فأما الصغير فليس له تزويجها حتى تبلغ وتأذن إن لم يكن لها ولي فوقه إلا أن يأمره الأب بإنكاحها وينص له على الجبر فلو دخل فله ذلك على المشهور وإن قال زوجها ممن أحبت فكذلك على المشهور وقال سحنون والقاضيان لا يجبرها. ابن رشد: فلو قال أنت وصي على نكاح بناتي في جبرهن قولا محمد وابن حبيب ولو قال أنت وصي فقط فلا جبر وفي كونه وليا لكل من للولي عليه ولاية أقوال نقها ابن رشد قال ولا ولاية لوصي على معين على غيره من قرابة الموصي اتفاقا وقال ابن حبيب إن قال وصي على بضع بناتي كان وليا فيهن ولو كن مالكات أنفسهن ولا جبر له قال ابن عطاء وكان القاضي ابن السليم يأمر الوصي بأمر الولي والله أعلم. (وليس ذوو الأرحام من الأولياء والأولياء من العصبة). (ذوو الأرحام) من كان من جهة الأم كالخال وما في معناه وروى على تزويج الأخ للأم صحيح والمشهور خلافه ويخرج من كلامه الكافل والمشهور أنه ولي وهل

مطلقا وهو قول ابن العطاء أو في الدنية فقط وهو ظاهر المدونة ومختصر الشيخ وجعل ابن رشد الكافل كالوكيل يزوج بحضرة الأب وجعله ابن يونس كالوصي لا يزوج إلا بعد وفاة الآباء بالإذن والرضا وكل حمل المدونة على قوله ولابن العطار هو ولي في غيبة الأب ويجبرها وسمع القرينان لا يبجبرها والعاصب كر يدلي بنفسه أو بذكر مثله والأقوى تعصيبا مقدم. (ولا يخطب أحد على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه وذلك إذا ركنا وتقاربا). (الخطبة): بالضمة كلام مسجد فيه حمد الله والصلاة على رسوله ونحو ذلك وبالكسر طلب التزويج ويجوز الإفراد والجماعة أي يخطب الواحد لنفسه وللجماعة وكل من الجماعة في فور أو متراسلين ما لم تركن لواحد على ذلك حمل أهل المذهب قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له" متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال ابن القاسم: وهذا في المتقاربين فأما صالح أو فاسق فلا يمنع الصالح من خطبته على الفاسق والركون والتقارب بما يدل على سكون فيصح لبعض ولو لم يفرض صداق على قول ابن القاسم وغيره وهو المشهور. وقال ابن نافع إن لم يفرض صداقا جازت الخطبة عليه ثم إن تزوج الثاني حيث يمنع ففي فساد النكاح لمطابقة النهي قولان ثم في كونه مطلقا أو قبل البناء قولان نقلهما ابن رشد أبو عمر ثالث الروايات يفسخ قبل البناء وللعتبي عن سحنون لا يفسخ ويؤدب فاعله ولابن وهب إن وقع تحلل منه الأول فإن لم يفعل استحسنت له فراقها دون قضاء عليه قال عيسى إن لم يحلله استغفر ولا شيء عليه. وحكى الجزولي في الذمي قولين وقال المشهور منع الخطبة عليه لأن المقصود الإبعاد بخلاف السوم وسيأتي إن شاء الله. (ولا يجوز نكاح الشغار وهو البضع بالبضع ولا نكاح بغير صداق ولا نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل ولا النكاح في العدة ولا ما جر إلى غرر في عقد أو صداق.

ولا بما لا يجوز بيعه). هذه الأربعة متفق على منعها ابتداء واختلف في رده وإمضائه بعد الوقوع على تفصيل في ذلك و (الشغار) قيل من قولهم دار شاغرة أي خالية لخلوه عن الصداق وقيل من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول لأنه ليس فيه إلا رفع الساق ففي حديث ابن عمر رضي الله عنه: " نهى عليه السلام عن نكاح الشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوج الآخر ابنته وليس بينهما صداق" متفق عليه. والمشهور عدم خصوصه بذات الجبر بل كل ولية كذلك فلو زوجه أخته على ذلك أمه ونحو ذلك فكذلك وقسمه أهل المذهب إلى ثلاثة أنواع نفس الشغار بعرو البضعين معا عن التسمية فيفسخ قبل البناء وبعده على المشهور ووجه الشغار وهو أن يسمى لكل واحدة لها شيء والأخرى بلا شيء فيجرى كل على حكم ما تقدم في اللتين قبلها وكل بطلاق على المشهور ولا شيء فيما فسخ قبل البناء. ولمن بنى بها مهر مثلها في القسم الأول على المشهور وفي الثاني الأكثر من مهر المثل والمسمى لا المثل مطلقا على المشهور وتؤولت المدونة عليها وفي الثالث على ما تقدم فيهما والله أعلم وعلة منعه كون كل معقودبه معقودا عليه فيقع التبعيض ونفي الصداق ونكاح المتعة قال الأبهري سمى ذلك لانتفاعها بما يعطيه وانتفاعه بشهوة وفساده لتأجيله فتدخل النهارية ويفسخ أبدا إلا النهارية فقبل البناء على المشهور ولهما صداق المثل والأولى المسمى على الأصح فيهما إن دخل. وقال المازري تقرر الإجماع على تحريم نكاح المتعة ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة وقد أبيحت أول الإسلام ثم نسخت والله أعلم، وقد تقدم النكاح بغير صداق وإن دخلا على إسقاطه وأنه فاسد ونكاح المتعة يأتي تفصيله إن شاء الله. والغرر في العقد كالكناح على خيارهما أو خيار أحدهما أو غيرهما فإن وقع فسخ قبل البناء وثبت بعده إن كان في كيومين وإليه رجع ولها المسمى كأن لم يأت بالصداق إلى أجل كذا فلا نكاح بيننا والغرر في الصداق ككونه بآبق أو شارد وما لا يجوز بيعه كالخمر والخنزير فالصداق كالثمن لا يجوز فيه إلا ما صح أن يكون ثمنا أو مثمونا.

ومسائله كثيرة فانظرها. (وما فسد من النكاح لصداقه فسخ قبل البناء فإن دخل بها مضى وكان فيه صداق المثل). ما ذكر هو المشهور وفساده لصداقه كونه بما لا يحل أو بغرر كالجنين وثمرة لم يبد صلاحها ونحوه والخلاف في بعض الصور لاحتمال كونه لصداقه أو لعقده صداق المثل في النكاح كالقيمة في البيوع يرجع إليه عند الفساد ونحوه وكل ما يفسخ قبل البناء فلا شيء فيه إلا نكاح الدرهمين ونحوه على المشهور فلها نصفهما، واختلفا في فسخ ما فسخ قبل البناء واجب وإثباته بعد مراعاة للقائل بثبوته أو هو مندوب ولولا ذلك ما أثبت بوجه وهذا الذي رجحه ابن بشير وغيره. والفسخ في ذلك بطلاق وما فسد من النكاح لعقد يختلف. (وما فسد من النكاح لعقده وفسخ بعد البناء ففيه المسمى وتقع به الحرمة كما تقع بالنكاح الصحيح ولكن لا تحل به المطلقة ثلاثا ولا يحصن به الزوجان). فساده لعقده ككونه بغير ولي ونكاح الشغار والمتعة والخامسة ونحو ذلك ثم هو في الفسخ نوعان نوع يفسخ قبل البناء وبعده وهو ما ثبت تحريمه بنص أو إجماع أو سنة أو لحق فيه وإرث كالخامسة والجمع بين محرمتي الجمع وهذا فيه المسمى أي ما سمي لها من الصداق إن دخل بها وإلا فلا شيء لها وهذا الذي نص عليه الشيخ وأفاد التقسيم بزيادة الواو قبل قوله فسخ. والنوع الثاني: يثبت بعد البناء مطلقا أو مع الطول وهو ما كان الخلل في عقده كذات قدر ولت أجنبيا فيفسخ هذا بطلقة بائنة وإن كولاية امرأة ومهر فاسد قبل البناء وشغار ونكاح مريض فروايتان الأكثر بغير طلاق ورجع عنه ابن القاسم وما أجمع على فساده فسخ بغير طلاق ولا غرث فيما فسخ بغير طلاق ولو طلق فيه لم يلزم بخلاف غيره فيهما. وقوله: (وتقع الحرمة به كما تقع بالنكاح الصحيح ولكن لا تحل به المطلقة ولا يحصن به الزوجان) يرجع لقاعدة المذهب أن الفاسد كالصحيح في نشر الحرمة في الأبناء والآباء ونحوهما ثم إن درأ الحد هكذا وإلا فلا ينشرها لأنه زنى ولا

يحرم بالزنى ولا تحل به المطلقة ثلاثا احتياطا للفروج ولا يحصن به الزوجان درءا للحدود بالشبهات والله أعلم. (وحرم الله سبحانه من النساء سبعا بالقرابة وسعبا بالرضاع والصهر فقال تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 32] إلى قوله {وبنات الأخ} قال: فهؤلاء بالقرابة). وهي أصوله وإن علوا ولو أتت به من زنى وفصوله وإن سلفوا ولو مخلوقة من مائه على المشهور خلافا لعبد الملك أو منفيه بلعان اتفاقا وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا ثم قال. (واللواتي من الرضاعة والصهر قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد} وقال {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء: 22]). فحصل من هذا خمس من الصهر واثنتان من الرضاع وشرط في تحريم البنت الدخول بأمها بخلاف العكس وذكر الحجور للاستعطاف ونحوه وإلا بشرط عند الجمهور وأنكر عزوه لمالك وسيأتي بيان بعض ذلك إن شاء الله. (وحرم النبي صلى الله عليه وسلم بالرضاع ما يحرم من النسب). فكل امرأة لو قدرت قريبة من النسب بحيث تحرم به تحرم بالرضاع إلا أم أخيك أو أختك فإنها من النسب وحليلة أبيك فلا تحرم بالرضاع كأم عمتك أو عمك أو أم خالتك أو خالك وأم خالتك وأخت ولدك وجدته من الرضاع فلا يحرمن فيقدر الرضيع خاصة ولدا للمرضعة ولصاحب اللبن إن كان ولذلك حل لأخيه نسبا نكاح أمه أو أخته من الرضاعة فتأمل ذلك والتحريم في حديث ابن عباس رضي الله عنه متفق عليه إذ قال عليه السلام في ابنة حمة " لا تحل لي هي ابنت أخي" الحديث. (ونهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها). هذا حديث متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فلا يحوز الجمع بين الأختين.

بنص القرآن ولا من ذكر بالسنة ابن الحاجب والجمع بين الأختين وكل محرم محرم وضابطه كل امرأتين بينهما من القرابة أو من الرضاع ما يمنع تناكحهما أن لو كانت إحداهما ذكر فإنه يحرم الجمع بينهما وقد ذكر صاحب التلقين أربعين امرأة محرمات بالأصالة والعرض فانظر ذلك. (فمن نكح امرأة حرمت بالعقد دون أن تمس على آبائه وأبنائه وحرمت عليه أمهاتها ولا تحرم عليه بناتها حتى يدخل بالأم أو يتلذذ منها بنكاح أو ملك يمين أو بشبهة من نكاح أو ملك). يعني لأن الله تعالى قال {وأمهات نسائكم} فاطلق وقيد في الربائب بكونهن مدخولا بأمهاتهن وقيد في أزواج الأبناء بالأصلاب ليخرج ابن التبني وهم الأدعياء كما صرح بذلك في سورة الأحزاب فالعقد على البنات يحرم الأمهات ولا يحرم البنات إلا الدخول بالأمهات فالدخول محرم فيهما كان بملك أو نكاح وجعل مالك التلذذ كالدخول ولو بعد المتوت أو النظر لباطن الجسد على المشهور وهل الوجه كذلك أو لا أثر لنظره اتفاقا طريقان وشبهة النكاح والملك هي التي لا يحد بوطئها إن حكم بالفساد أو التحريم ووطء الملك المبيح كوطء العقد وكذا شبهته على المشهور فيهما ويحرم العقد الفاسد ما لم يكن مجمعا عليه والله أعلم. (ولا يحرم بالزنا حلال). يعني أن الزنا لا ينشر الحرمة لأب ولا ابن بخلاف العقد الفاسد فهذا مذهب الموطأ والشافعي وجماعة من الأئمة وقال عبد الملك يحرم كالحنفي وثالثها كراهته وقاله ابن المواز المدونة يفارقها وحملت على الكراهة والوجوب وفي الغلط قولان المشهور كالمباح وقال سحنون والطابشي وابن أخي هشام: لا ينشر ووقعت لابن التبان فاختلف فيها القرويون وألف بعضهم على بعض والله أعلم. (وحرم الله سبحانه وطء الكوافر ممن ليس من أهل الكتاب بملك أو نكاح ويحل وطء الكتابيات بملك ويحل وطء حرائرهن بالنكاح ولا يحل وطء أمهاتهن بالنكاح لحر ولا لعبد).

الأصل عدم وطء الكافرة مطلقا لقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: 221] حتى جاء ما جاء في المحصنات أي الحرائر من أهل الكتاب وبقى الباقي على الأصل والملك أخو النكاح في الاستباحة غير أن الأمة الكتابية لا يجوز نكاحها لقوله تعالى: {من فتياتكم المؤمنات} [النساء: 25] ويجوز بالملك لعموم {ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3] فتأمل ذلك. (ولا تتزوج المرأة عبدها ولا عبد ولدها ولا الرجل أمته ولا أمة ولده وله أن يتزوج أمة والده وأمة أمه). أما المرأة في عبدها والرجل في أمته فلتعارض الحقوق إذ تطالبه بحقوق الزوجية فيطالبها بحقوق الرق وبالعكس. وأما عبد الولد وأمته فللشبهة التي للأبوين في مال

الابن حتى أنهما لا يقطعان بسرقة لقوله عليه السلام: " أنت ومالك لأبيك" وأما تزويجه أمة والده فإنه لا شبهة له فيه إذ يقطع بسرقته وحكى اللخمي عند عبد الملك عن عبد الحكم أن للأب تزويج أمة ولده والله أعلم. (وله أن يتزوج بنت امرأة أبيه من رجل غيره وتتزوج المرأة ابن زوجة أبيها من رجل غيره). يعني لأن كل واحد أجنبي عن صاحبه ثم إن تزيد مولود بعد من الأب مع الأم كان أخا لهما فيقول أخي تزوج أختي وهي مما يلقى في المحاضرات والله أعلم. (ويجوز للحر والعبد نكاح أربع حرائر مسلمات أو كتابيات وللعبد نكاح أربع إماء مسلمات وللحر ذلك إن خشي العنت ولم يجد للحرائر طولا). لا خلاف للحر فيما ذكر وقال ابن وهب الثالثة للعبد كالخامسة للحر واختلف في نكاح الحر الأمة فمشهور المذهب لا يجوز إلا بعدم الطول وخوف العنت وقال ابن القاسم في مشهور قوليه بالجواز مطلقا وعلى المشهور فالعنت الزنا كما يفسره بعد وقاله في الموطا ولأصبغ عن ربيعة العنت المشقة ابن بشير وعليهما لو خاف العنت في أمة بعينها وحكاهما اللخمي عن الموازية والواضحة وأختار إن كان عزبا تزوج ليذهب ما به لحديث: " إذا رأى أحدكم المرأة فاعطبته فليأت أهله" صحيح وإلا جاز وظاهر ما هنا كرواية محمد أن إباحة الأولى صحيح للأربع بلا شرط وللباجي إن لم يزل خوف العنت إلا أربع جاز. وعن عبد الملك منع ما وراء الواحدة إن لم يخف عنتا و (الطول) قيل المال ورواه ابن نافع هل مهر الحرة فقط وقاله مالك أو مع القدرة على الإنفاق وقاله أصبغ واختاره اللخمي والمشهور أن الحرة تحته ليست بطول وهل القدرة على نكاح الكتابية طول فيه خلاف فانظره وعلة المنع إرقاق الولد. (وليعدل بين نسائه وعليه النفقة والسكنى بقدر وجده).

يعدل بينهن وجوبا في أربع الكون ونفقة كل واحدة كما يليق بها من حاله وكسوتها وسكناها كذلك ويقوم لهن بالوطء على قدر نشاطه فلا يحل له توفير نفسه في ليلة واحدة مع نشاطه للأخرى وإلا فلا شيء عليه. قال في المدونة ليس عليه المساواة في الوطء ولا في القلب ولا حرج عليه أن ينشط للجماع في يوم هذه دون الأخرى إلا أن يفعل ذلك ضررا أو يكف عن هذه للذته في الأخرى فلا يفعل ذلك لأنه لا يحل. وسمع ابن القاسم لا بأس أن يحلي هذه ويكسوها الخز دون الأخرى إن لم يكن ميل ابن رشد هذا معروف المذهب إن قام لكل واحدة بما يجب لها بقدر حالها ابن نافع

يجب عليه أن يعدل بينهن في ماله بعد إقامته لكل واحدة بما يجب لها وذكر المتيطي رواية ولا يدخل لواحدة في زمن الأخرى إلا عابرا أو لوضع ثيابه أو لحاجته وروي إلا لعذر لابد منه وله أن يقف ويسلم ببابها ويأكل ما تبعث إليه ويبين عندها إن أغلقت الأخرى بابها ولم يمكنه المبيت في حجرتها وقيل ليس له ذلك وإن ظلمت ولا يزيد في القسم على يوم وليلة أو يدعوهن لمحله على التناوب برضاهن وإن تباعد بلداهما قسم على ما أمكنه فإن ظلم في القسم فات ويستغفر الله وبالله التوفيق. (ولا قسم في المبيت لأمته ولا لأم ولده). يعني لأن الحق للسيد في الوطء والتصرف بخلاف الزوجة وفي الجواهر من له زوجة واحدة لا يجب عليه المبيت عندها (ع) الأظهر وجوبه أو تبيت امرأة ترضى معها لأن تركها وحدها ضرر بها وربما يتعين عليه من خوف المحارب والسارق الشيخ روى محمد لا قسم لأم ولد ولا لأمة مع حرة ولا قسم بين السراري والمستولدات ولا بين الإماء. ولابن شاس واللخمي لا مقال للحرة في مقامه عند الأمة قال وفيه نظر. (ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول بها وهي ممن يوطأ مثلها). النفقة في مقابلة الاستمتاع فلا تجب إلا مع إمكانه وتمكينه على المشهور وقال ابن عبد الحكم تجب بنفس العقد لأنها من حقوق النكاح ووافقه سحنون في اليتيمة وصحة الزوج شرط فلو دعي بحال مرض في السياق أو يمنع الجماع لم يجب عليه شيء ولو كان مريضا لا يمنع الجماع ولا يبلغ حد السياق فقولان وكذا في مرض الزوجة وما يمنع الجماع كالصحة والمشهور وشرط بلوغ الزوج خلافا لرواية ابن شعبان في شرط إطاقة الوطء فقط بخلافها هي فإنه لا يشترط البلوغ بل الإطاقة فقط والله أعلم. (ونكاح التفويض جائز وهو أن يعقداه ولا يذركران صداقا ثم لا يدخل بها حتى يفرض لها فإن فرض لها صداق المثل لزمها وإن كان أقل فهي مخيرة فإن كرهت فرق بينهما إلا أن يرضيها أو يفرض لها صداق مثلها فيلزمها). الأصل في نكاح التفويض قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} [البقرة: 236] لأنه نكاح إلى بصدق فلزم جوازه

ومرجعه العقد دون تسمية مهر لم تيفقا على إسقاطه فإن اتفقا على إسقاطه كان نكاحا بغير صداق وقد مر ما فيه ومعنى أنه لا يدخل حتى يفرض لها هو أن لها الامتناع من التمكين إلا بعد الفرض فإن رضيت بالتمكين قبل الفرض جاز إن دفع ربع دينار. قال اللخمي وفي الجواهر لها حبس نفسها للفرض لا لتسليم المهر (ع) ومسائل المدونة كالنص في تبدئة الزوج بالدفع وهو الصواب ويعتبر صداق مثلها يوم العقد لأنه موجب الميراث وغيره من حقوق النكاح الثابتة به وقال الباجي: النظر في مهر المثل لأربع صفات الدين والمال والحسب والجمال، ومن شروطها التساوي مع ذلك في الأزمنة والبلاد ابن الحاجب ومهر المثل ما يرغب به مثلها في مثلها. قال في المدونةلا ينظر فيه لنساء قومها إنما ينظر فيه لشبابها وغناها وموضعها وإنما تخير إذا كانت مالكة أمرها غير مولى عليها ولا يجبره أب ووصيه. ابن رشد: أما الثيب الرشيدة فهي أحق بالقبول والرد ومستقلة به وأما البكر المجيرة فذلك إلى أبيها أبو حفص العطار اتفاقا فيها. وفي المرشدة والعانس قولان ومذهب المدونة لغو رضا اليتيمة بدونه خلافا لسحنون وفي ذات الوصي أربعة رابعها استحسان اللخمي: أن الوصي فيها وفي الثيب كاف ولغه للمدونة ولو وافقته وصحته إن رآه نظرا لابن فتحون عن المذهب وثالثها إن وافقته لابن العطار قائلا اتفاقا. وإنما يجب لها مهر المثل بالدخول لا بالعقد ولا بالموت فإن مات أحدهما توارثا ولا صداق إلا بفرض على المشهور وأثبته عبد الحميد عن بعضهم بالموت ولو دخلا على رفع خيارها بأي شيء فرض فسد ونكاح التحكيم ملحق به على المشهور والله أعلم. (وإذا ارتد أحد الزوجين انفسخ النكاح بطلاق وقد قيل بغير طلاق). الردة خروج عن الإسلام وقوعها من أحد الزوجين يوجب فسخ نكاحهما وإن كان ارتداد الرجل إلى دينها وهي كتابية على المشهور وكون فسخه بطلاق هو المشهور ومذهب المدونة كونه بائنا وقال سحنون رجعيا وكونه بغير طلاق قاله بعد الملك ولو رماها الزوج بالردة فأنكرت لزمه لأنه مقر على نفسه بموجب فراقها ولها المسمى إن بنى بها وعلى أنها رجعية فبتوبته وقيل تنتظر في العدة والله أعلم. (وإذا أسلم الكافر إن ثبتا على نكاحهما، وإن أسلم أحدهما فذلك فسخ بغير

طلاق فإن أسملت هي كان أحق بها إن أسلم في العدة وإن أسلم هو وكانت كتابية ثبت عليها فإن كانت مجوسية فأسلمت بعده مكانها كانا زوجين وإن تأخر ذلك فقد بانت منه). إسلام الزوجين مصحح لنكاحهما وإن كان بوجه فاسد يتعلق بالعقد أو بالصداق لا بالزوجين وبأحدهما كنكاح ذات محرم أو معتدة ولم تنقض أو لأجل ولم يأت إلا أن يتفقا على البقاء بعده فيقر إن كان وقع بدون عقد ولا ولي ولا صداق وكون إسلام أحدهما فسخا بغير طلاق هو المشهور ومذهب المدونة وسمع عيسى بطلاق فأما إن أسلمت هي فإن كانت مدخولا بها انتظر، فإن أسلم في عدتها كان أحق بها ولو كان طلقها ثلاثا لفساد أنكحهم على المشهور فيهما إن لم يبنها عنه وإلا فبعقد جديد بلا محلل وفي نفقة ما بين إسلامهما قولان وتبين غير المدخول بها بنفس الإسلام على المشهور. وإن كانت كتابية أسلم زوجها ثبت عليها لجواز نكاحها بالأصالة ما لم تكن أمة على المشهور إذ لا يجوز نكاحها ابتداء دون كراهة على الأصح ولو صغيرة جبرها أبوها والمشهور ما ذكر في المجوسية تسلم ثم يسلم زوجها وأنها تبين بنفس الإسلام والله أعلم. (وإذا أسلم مشرك وعنده أكثر من أربع فليختر أربعا ويفارق باقيهن). يعني ولو كان الأربع مجموعات بعقد واحد أو كن أواخر معقودا عليهن على المنصوص واختاره بلفظ صريح وما يدل عليه من لوازم النكاح ولو الإيلاء والطلاق والظهار ونحوه ولا يختار من يمنع ابتداء النكاح به في الإسلام كأم وابنتها وذوات محرم أو أختين فقد أمر صلى الله عليه وسلم فيروز الديلمي رضي الله عنه حين أسلم أن يختار واحد من اثنتين رواه أصحاب السنن وصحح ابن حبان والبيهقي والدارقطني وحديث غيلان بن مسلمة رضي الله عنه حين أسلم على عشرة نسوة رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان. (ومن لاعن زوجته لم تحل له أبدا وكذلك الذي يتزوج المرأة في عدتها ويطؤها في عدتها).

المذهب أن اللعان محرم للأبد لحديث أبي داود مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا وأما النكاح في العدة فحرام إن دخل فيها على المشهور ورواه ابن نافع وإن علم بالتحريم وإلا حرمت اتفاقا وكذلك إن عقد ووطئ بعدها خلافا لابن نافع وهو ظاهر ما هنا وإن فسخ قبل الدخول ثم إن شاء عقد بعد انقضاء

عدتها والمباشرة والنظر باللذة كالدخول ويعاقب الشهود والولي والزوجان أن تعمدوا والله أعلم. (ولا نكاح لعبد ولا لأمة إلا بإذن السيد). العبد والأمة لا يملكان من العقود شيئا إلا بإذن السيد فإذا أذن لهما في عقد أو تصرف لزمه وليس له رجوع فيه غير أن العبد يتصرف بأحكام النكاح ثم إن عقد العبد بغير إذن خير السيد بين إمضائه ورده بطلاق بائن وكونه واحدة هو المشهور لا بطلقتين جميع طلاق العبد خلافا لابن وهب ثم إن كان الفسخ بعد الدخول استرد السيد ما أخذته إلا ربع دينار واتبعت بما أخذ بعد عتقه كسائر الديون فأما الأمة فليس للسيد إمضاء نكاحها بحال ولو تزوجت بأجنبي على المنصوص وقد قال عليه السلام: " أيما عبد نكح بغير إذن مواليه وأهله فهو عاهر" رواه أبو داود من حديث جابر رضي الله عنه وصححه الترمذي وابن حبان وقال به أبو الفرج فجعل الذكر والأنثى في تحتم الفسخ سواء وفرق بأن ممن يعقد على نفسه ولو كان حرا بخلافها والله أعلم. (ولا تعقد امرأة ولا عبد ولا من على غير دين الإسلام نكاح امرأة) أشار بهذه الجملة لشروط الولي وهي خمسة متفق عليها واثنان مختلف فيهما فالمتفق عليها الذكورية والحرية والبلوغ والعقل والإسلام واختلف في الرشد والعدالة ذكر ذلك اللخمي وغيره. فأما الذكورية فلقوله عليه السلام " لا تنكح المرأة نفسها ولا تنكح المرأة المرأة" رواه ابن ماجه والدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورجاله ثقات ولها التوكيل إن كانت مالكة أو وصية ولا تولي إلا من تصح ولايته ولها تزويج عبدها وذكر في حجرها على المشهور ولا ولاية لكافر على مسلمة إجماعا ولا عبرة برضاها ولا باستخلافه ولا لمسلم على كافرة على المشهور وله تزويج أمته الكافرة على المشهور ومعتقته على المنصوص وولي الكتابية لمسلم ولي كافر ثم أسقف والكافر كذلك والله أعلم.

(ولا يجوز أن يتزوج الرجل امرأة ليحلها لمن طلقها ثلاثا ولا يحلها ذلك). نكاح المحلل حرام لقوله عليه السلام: " لعن الله المحلل والمحلل له". أخرجه رواة أحمد والنسائي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وصححه الترمذي وسماه في حديث آخر: بـ " التيس المستعار "وقال مالك – رحمه الله- لمن استفتاه في ذلك اتق الله ولا تكن مسمار نار في كتاب الله والمذهب على ذلك قالوا: ويسفخ نكاح المحلل أبدا ابن رشد قاله جميع أصحاب مالك قال ابن بعد الحكم ولها بالبناء صداق المثل. وقال محمد بل المسلمى قائلا وأحب إلى أن لا يتزوجها أبدا، وفي الموازية: يفسخ نكاح المحلل بطلقة إن كان بإقراره وإن ثبت إقراره قبل نكاحها فليس بنكاح فإن تزوجها الأول به فسخ بغير طلاق قالوا والمعتبر نية المحلل دون المرأة والذي طلقها إذ سمع القرينان لا تنظر نية المرأة، وروى محمد ولا نية الزوج الأول والمذهب أن نكاح المحلل لا يحلها اتفاقا ولابن حبيب متى خالط نيته شيء من التحليل دون شرط لم تحل به عند مالك وقال غير واحد من أصحابنا يحلها وهو مأجور ويعاقب من عمل بنكاح المحلل من زوج وولي وشهود وزوجة وروى ابن نافع لا بأس أن يتزوج الرجل المرأة تعجبه ليصيبها وقد اضمر فراقها بعد شهر وفي تحليلها بنكاح من حلف ليتزوجن على امرأة فتزوجها ثالثها إن كانت من نسائه وهي رواية المدونة وابن كنانة والله أعلم. (ولا يجوز نكاح المحرم لنفسه لا يعقد نكاحا لغيره). يعني لقوله عليه السلام: " لا ينكح المحرم ولا ينكح " رواه مسلم من حديث عمر رضي الله عنه وزاد ابن حبان " ولا يخطب " وفرق بينه وبين المعتكف بوجود المانع من الوطء وهو المسجد بخلاف الحج وإن كان الكل ممنوعا لحرمة العبادة فهذا له إمكان فضيق عليه وذا لا إمكان له فجاز له العقد والولاية بخلاف المحرم ويفسخ وإن ولدت الأولاد بطلاق على المشهور فيهما ومنتهاه في الحج الإفاضة فلو وقع بعدها فلا شيء عليه وقبلها ولو بعد جمرة العقبة فسخ ولو أفاض ولو لم تركه فكما إذا كمل ولو طاف

للوداع ناسيا له فكذلك ولا يمنع من ارتجاع وشراء أمة والله أعلم. (ولا يجوز نكاح المريض ويفسخ وإن بنى بها فلها الصداق في الثلث مبدأ ولا ميراث لها). المريض إما أن يكون مرضه غير مخوف فيجوز نكاه مطلقا أو مخوفا متطاولا كالسل والجذام فيجوز في أوله أو مخوفا أشرف صاحبه على الموت فلا يجوز ومخوفا غير متطاول ولم يشرف فحكى فيه اللخمي ثلاثة مشهورها قول مالك وأصحابه فاسد ولا ميراث لها مات قبل البناء أو بعده كان فسخ قبله وإن فسخ بعد البناء فلا ميراث ثم إن كانت هي المريضة فلها المسمى وإن كان المريض هو ففي استحقاق المسمى أو مهر المثل قولان حكاهما اللخمي. وفي ثاني نكاحها إن دخل فمهرها في ثلثه وهو المعروف وللمغيرة من رأس المال وللقاضي ما زاد على ربع دينار ففي الثلث وفي الأيمان بالطلاق إن زاد على مهر مثلها سقط ما زاد عياض فسرها أبو عمران بالأقل منه ومن المسمى وقوله (مبدأ): ظاهره ولو على مدبر الصحة الصقلي روى محمد لا يبدأ عليه في مدبر الصحة وقال مرة ولا مدبر الصحة وليس بشيء وهذا الذي هنا والأول في الوصايا إلا أن يتأول هذا به فيرد إلى المشهور والله أعلم. ومعنى التبدئة إعطاء ما وجب في الثلث إن لم يكن غيره للمبدأ دون غيره من أهله ثم أن برئ المريض قبل الفسخ صح النكاح عند ابن القاسم وإليه رجع مالك وأمره بمجرد الفسخ فهي أحد المحرمات الأربعة من المدونة. والثانية في الضحايا والثالثة في الأيمان والرابعة في السرقة واختار سحنون الفسخ وضعفه ابن رشد والله أعلم. (ولو طلق المريض امرأته لزمه ذلك وكان لها الميراث منه إن مات في مرضه ذلك). يريد ولو تداولتها الأزواج بعده إن كان المرض مخوفا أيضا وغير أحرى في هذه وإنما ترثه لأنه يتهم بقصد إخراج الوارث كما يتهم في التزويج بإدخال الوارث فتحرم في الأول وتعطى في الأخير ولو حلف في صحته وحنث في مرض موته ثم مات بعد

انقضاء عدتها فالمشهور ترثه وأنه طلاق قاله في المدونة ولو كانت هي التي أحنثته وروى المدنيون فيمن حلف لها إن دخلت الدار فأنت طالق في صحته فدخلتها بعد مرضه عصيانا أو خلافا لم ترثه وبالله التوفيقز (ومن طلق امرأته ثلاثا لم تحل له بملك ولا نكاح حتى تنكح زوجا غيره). يعني أن المبتوتة: أي المستوفاة طلاق بحيث طلقت ثلاثا لا تحل إلا بشروط هي أن يتزوجها مسلم ويطأها ولو كانت ذمية على المشهور بالغ قائم الذكر ولو خصيا على الأصح قد أولج حشفته أو قدرها في فرجها وهي عالمة به لا الزوج على الأصح فيهما وكونها مطيقة للوطء شرط كالانتشار على المشهور ولو داخل الفرج بنكاح صحيح لازم دون مناكرة في المسيس مع ثبوت الخلوة. وكون الوطء في زمن مباح لا في حيض وصوم وإحرام على المشهور خلافا لعبد الملك ومنع ابن القاسم في صوم الفرض ووقف في التطوع وقال ابن عطية أجمعت الأئمة في هذه النازلة على اتباع حديث امرأة رفاعة القرظي التي قالت يا رسول الله كنت عند رفاعة فطلقني فأبت طلاقي فزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة وإنما معه مثل هدبة الثوب فقال: " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا

حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" فأخذ العلماء منه أن النكاح هنا الدخول قالوا ولم يرد في كتاب الله بمعنى الدخول إلا في هذه الآية قالوكلهم على أن مغيب الحشفة كاف إلا الحسن فإنه قال الإتزال وخطئ ابن المسيب في قوله يحلها العقد وتؤول بأن الحديث لم يبلغه والله أعلم. (وطلاق الثلاث في كلمة واحدة بدعة ويزلم إن وقع). الطلاق باعتبار صورته ثلاثة أنواع طلاق بدعة وهو الذي لم تأذن فيه السنة بل أنكرته وهو ما زاد على الواحدة في كملته وفي منع الاثنين وكراهتهما كالثلاث قولان والمعروف من المذهب لزومها وحكى التلمساني واحدة فقط وعزاه للنوادر والمذكور في الأقضية نقض الحكم به حتى أن بعضهم ادعى الإجماع على لزومه وهو بعيد وإن كان مذهب الجمهور وطلاق السنة يأتي إن شاء الله وغيرهما مباح وقد يكره أو يجب أو يندب لما يحمل عليه والله أعلم. (وطلاق السنة مباح وهو أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه طلقة ثم لا يتبعها طلاقا حتى تنقضي العدة).

والطلاق الذي أمرت به السنة لا حرج على أحد فيه من حيث فعله وإن ان مثابا على استعمال السنة فيه وشروطه ستة إيقاعه في طهر لا في حيض وكون ذلك الطهر لم يقربها وكونها طلقة واحدة وأن لا يتبعها طلاقا في العدة إلى انقضائه فهذه الأربع في هذ النص، والخامس: في قوله: (التي لم يدخل بها يطلقها متى شاء) وهو كونها مدخولا بها واشتراط كونها ممن تحيض مفهوم من الجملة فتخرج الصغيرة والآيسة الحامل وقد صرح به بعد في قوله: (فإن كانت ممن لم تحض) إلى آخره والله أعلم. (وله الرجعة في التي تحيض ما لم تدخل في الحيضة الثالثة في الحرة أو الثانية في الأمة). يعني أن المعتدة بالإقراء ترتجع متى دامت أقراؤها فإذا طلقت في طهر حلت بأول يوم من الحيضة الثالثة على المشهور. وقال أشهب حتى يكون حيضا مستقيما وقال ابن وهب لا تحل إلى تمام الحيضة الثالثة وهو مذهب أبي حنيفة والليث والثانية في الأمة كالثالثة في الحرة واللفظ كاف في الحكم (ع) والأظهر أن اللفظ الصريح كارتجعت لا يفتقر إلى نية وغيره كأمسكت

ورددت يفتقر ابن رشد القول دون نية لا تصح به رجعة فيما بينه وبين الله وإن حكمنا عليه بها لظاهر لفظه ثم في جواز وطئه بعد الحكم عليه بلا نية قولان وفي صحة الرجعة بالنية قولان مخرجان على صحة الطلاق به والمشهور أن الوطء بمجرده ليس برجعة. لابن وهب في المدونة أنه رجعة وعلى المشهور لو تمادى غيرنا والرجعة سمع ابن القاسم ليراجعها فيما بقي من العدة بالقول والإشهاد ولا يطؤها إلا بعد استبرائها من مائه الفاسد ابن رشد فإن تزوجها وبنى بها قبل الاستبراء ففي حرمتها عليه للأبد قولان وفي المدونة من طلق فليشهد على طلاقه وعلى رجعته وقال مالك فيمن منعت نفسها وقد ارتجع حتى يشهد قد أصابت (ع) تصويب منعها دليل وجوب الإشهاد وهي رواية أبي بكر القاضي وللقاضي مع ابن القصار الأمر به استحباب. وفي المدونة إن قال ارتجعتك ولم يشهد فهي رجعة والله أعلم. (فإن كانت ممن لم تحض أو ممن قد يئست من المحيض طلقها متى شاء وكذلك الحامل وترتجع الحامل ما لم تضع والمعتدة بالشهور ما لم تنقض عدتها). أما كون الصغيرة واليائسة والحامل يطلقهن متى شاء فلأن علة النهي عن الطلاق في الحيض إطالة العدة وهنا لا إطالة فليطلق متى شاء وتصدق المرأة في انقضاء عدتها إن ادعت ما يشبه ولا تصدق في نقيضه وفيما تردد النظر فيه أحد عشر قولا فانظرها ثم اختلف في أقل الحيض والاستبراء على خمسة أقوال روى ابن القاسم مطلق المسمى حيض كالعبادات وللقاضي رواية أقلها يوم فيهما ولابن مسلمة ثلاثة أيام ولعبد الملك خمسة وللمدونة يسأل النساء. (والأقراء هي الأطهار). الأقراء من أسماء الأضداد فيطلق القرء على الطهر والحيض واختار مالك والشافعي وأه الحجاز أن المراد بها في القرآن الأطهار وللحديث الآتي وذهب أهل العراق أنها الحيض ولكل حجة قائمة. (وينهى أن يطلق في الحيض فإن طلق لزمه ويجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة والتي لم يدخل بها يطلقها متى شاء والواحدة تبينها والثلاث تحرمها

إلا بعد زوج). أما النهي عن الطلاق في الحيض فلحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه طلق امراته في الحيض لقوله عليه السلام مرة: " فليراجعها وليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن بدا له بعد أن يطلقها قبل أن يمسها فليطلقها فتلك العدة التي يطلق لها النساء" الحديث متفق عليه المارزي: فالطلاق في الحيض حرام يجبر فاعله على الرجعة ما لم تنقض العدة على المشهور. وقال أشهب وابن شعبان ما لم تطهر الثانية ابن القاسم وأشهب وجبره تهديد ثم سجن ثم ضرب في موضع واحد قريبا فإن أبى حكم عليه بها ثم في جواز استمتاعه بهذه الرجعة قولان لأبي عمر وبعض البغداديين والقول قوله في كونها طاهرا عند ابن القاسم وقيل قولها وصوب ابن رشد ينظر في ذلك النساء والله أعلم. وكونه يطلق غير المدخول بها متى شاء هو المشهور وقاله في المدونة ولأشهب لا تطلق في الحيض بناء على أن علة النهي التطويل للعدة أو هو تعبد وحكاهما القاضي روايتين وعن اللخمي لأشهب الكراهة والثلاث تحرمها لأنه دفعه والله أعلم. (ومن قال لزوجته أنت طالق فهي واحدة حتى ينوي أكثر من ذلك). الطلاق باعتبار ألفاظه أربعة أنواع صريحة وكناية ظاهرة وكناية مبهمة ومختلف فيه فصريحه ما تضمن لفظه وإطلاقه واحدة إلا أن ينوي أكثر فإن ادعى إرادة طلق الولادة أو من وثاق وقف على قرينة الحال ابن حارث ولو قال أنت طالق وفي نيته أن يقول ألبتة فقيل له اتق الله فسكت ففي المدونة لا تلزمه إلا واحدة وسمع ابن القاسم تلزمه ألبتة وفي لغو النية الجازمة روايتان للأكثر وأشهب واللفظ بلا نية إن كان يسبق لسانه ونحوه فلا عبرة به في الفتوى ولا يعذر به في القضاء وباقي الأقسام يأتي بعد إن شاء الله. (والخلع طلقة لا رجعة فيها وإن لم يسم طلاقا إذا أعطته شيئا فخلعها به من نفسه).

حقيقة الخلع ما ذكر ومداره على أنه طلاق يجعل سواء سمي طلاقا أم لا خلافا لمن يراه فسخا بلا طلاق والطلاق قال (ع) صفة حكمية ترفع حلية تمتع الزوج بزوجته موجب تكرارها مرتين ومرة لذوي رق لحرمتها عليه قبل زوج ثم هو أربعة أنواع خلع ورجعي وبائن وبتات. فالرجعي: ما يرتجع فيه الزوجة بغير رضاها والرجعة (ع) رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعة بالزوجة لطلاقها ثم ذكر وجها آخر واعترض على ابن الحاجب تعريفه فانظره. وحكم الخلع يأتي بعد إن شاء الله وكأنه ما قصد هنا إلا تعريفة كونه طلاقا والله أعلم. (ومن قال لزوجته أنت طالق ألبتة فهي ثلاث دخل بها أو لم يدخل وإن قال برية أو خلية أو حرام أو حبلك على غاربك فهي ثلاث في التي دخل بها وينوي في التي لم يدخل بها). كل هذه الألفاظ من الكناية الظاهرة في الطلاق فلا يقبل قوله في إرادة غيره وإنما اختلف هل يقبل في نية الواحدة بها ففي ألبتة والبتلة هي ثلاث دخل بها أو لم يدخل على المشهور وروى عبد الملك ينوي قبل الدخول لا بعده وظاهر ما في الإرشاد أنه المشهور ولا يصح والمشهور في الخلية والبرية كذلك وهو خلاف كلام الشيخ وحيث ينوي فقال مالك يحلف وقال سحنون إذا أراد تجديد نكاحها فإما حرام ففيها سبعة أقوال في المذهب وسبعة خارجه والمشهور ما ذكر فيه ومعنى (حبلك على غاربك) أنت مسرحة فإن العرب إذا فسخت الخصام عن البعير وجعلته بين سنامه وعنقه وأرسلته للرعي قالت حبله على غاربه أي هو مطلوق لنفسه قال الأزهري وقد قال أبو عمران ينوى فيه قبل البناء اتفاقا للخمي. وظاهر المدونة لا ينوي وللباجي مقتضى المذهب لا ينوى وإنها ثلاثة ومعنى (برية) من البراءة أي بريت من الزوج وخلا منها (والحرام): الممنوع منه وهو منها والكناية المحتملة: كاذهبي اغربي واخرجي وانصرفي واعتدي وألحقي بأهلك فيقبل في ذلك ما أراده قال في الإرشاد: والمشهور أن السراح والفراق كناية وقيل صريح وفروع الباب ومسائله كثيرة فانظرها وبالله التوفيق.

(والمطلقة قبل البناء له نصف الصداق إلا أن تعفو عنه هي إن كانت ثيبا وإن كانت بكرا فذلك إلى أبيها وكذلك السيد في أمته). لا خلاف في أن المطلقة قبل البناء مسمى لها أن لها نصف الصداق إن كانا لزوج مختار الطلاق لنص القرآن في ذلك واختلف هل وجب لها بالعقد ويجب النصف الآخر بموت أو دخول وهو قول مالك وابن القاسم أو كله وجب بالعقد ويسقط نصفه بالطلاق وقاله عبد الملك ونوه في رهون المدونة أو نصفه يجب بالطلاق ونصفه بالدخول أو الموت وهذا مقتضى المدونة عند ابن رشد. وقال أبو عبد الله المراغي في قوله تعالى: {إلا أن يعفون أو يعفو االذي بيده عقدة النكاح} [البقرة: 237] الزوج والله أعلم وقد يراد به الأب في ابنته والمالك في أمته وهو ظاهر كلام الشيخ والله أعلم. (ومن طلق فينبغي له أن يمتع ولا يجبر). المتعة مستحبة على المشهور لا واجبة وقال ابن ميلمة واجبة يقضى بها وهي لازمة لا يأبى أن يكون من المحسنين ولا من المتقين إلا رجل سوء وحكى ابن بشير ترجيح هذا القول عن بعض شيوخه وقواه (ع). فإن المحسن والمتقي عند المتقدمين سواء والعموم مقدم على المفهوم ومذهب المدونة لا حد لقدرها أو عمران هي بقدر حال المرأة أبو عمر بقدر حال الرجل. ابن رشد: بقدر حالهما معا والله أعلم. (والتي لم يدخل بها وقد فرض لها فلا متعة لها ولا للمختلعة). شرط المتعة لكل مطلقة مسلمة أو كتابية أو أمة كونها مطلقة من عصمة لا ثلم فيها ولا خيار على الزوج ولا خلع ولا تسمية قبل الدخول لأنها مطلوبة لجبر القلب ونصف الصداق غاية الجبر والمختلعة طالبة فلا كسر عندها فأما التي قد مات عنها فلها الصداق كاملا والميراث حاصلا وذلك غاية في الجبر والله أعلم. (وإن مات عن التي لم يفرض لها ولم يبن بها فلها الميراث ولا صداق لها ولو دخل بها كان لها صداق المثل إن لم تكن رضيت بشيء معلوم). هذا من أحكام نكاح التفويض وقد تقدم الخلاف فيها وأن ما ذكر الشيخ هنا

هو المشهور والحاصل أن الموت كالدخول في لزوم الصداق والعقد كاف في ثبوت الميراث وإنما يعتبر رضاها حيث لا حجر وإلا فهو لوليها والله أعلم. (وترد المرأة من المجنون والجذام والبرص وداء الفرج). أصل هذا الباب قول عمر رضي الله عنه: " أيما رجل تزوج امرأة فوجد بها برصا أو مجنونة أو مجذومة فلها الصداق بمسيسه إياها وهو له على من غره فيها". أخرجه مالك في موطئه وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب ورواه عن علي كرم الله وجهه وزاد " أو بها قرن في فرجها" فذكره الباجي. و (الجنون): الصرع أو الوسواس المذهب للعقل ابن وهب المعتوه والمطبق ومن يعتل مرة بعد مرة سواء ظاهر الرسالة كالمدونة وردها بالعيوب الأربعة ولا فرق في الثلاثة الأول بين القليل والكثير إذا تقدم والكثير إذا تقدم على العقد وما حدث بها بعده مصيبة نزلت بالرجل وفي " مختصر ما ليس في المختصر" يرد بالجذام ولو قال لما يخشى حدوثه بالآخر ولأنه لا تطيب نفس معه وقلما يسلم ولدها فإن سلم كان في نسله اللخمي يلزم عليه رده في جذام أحد الأبوين. ولابن رشد برص المرأة إن كان كثيرا أو يسيرا لا تؤمن زيادته ردت باتفاق وإن أمنت زيادة يسيرة فباختلاف وقال الباجي عن ابن حبيب فاحش القراع كالجذام قال وظاهر المذهب خلافه وأنه كالجرب وللباجي عن ابن حبيب فاحش القرع وداء الفرج ما يقطع لذة الوطء كالعفل والرتق والقرن. وروى محمد ما هو عند أهل النظر من داء الفرج رد به وإن لم يمنع الوطء كالعفل القليل والقرن وحرق النار ابن الفاكهاني عيوب فرج المرأة ستة الرتق بالفتح وهو التحام الفرج حتى لا يمكن دخول الذكر إياه والعفل بالفتح أيضا لحمه في وسط الفرج تمنع الوطء والقرن بالفتح وبالسكون وهو عظم فيه مانع أيضا والاستحاضة معلومة والبخر الرائحة التي تخرج من الفرج عند الجماع والإفضاء وهو اختلاط السبيلين. وزاد بعضهم العذيطة وهي الحدث عند الجماع ويرد بها الزوج كسائر ما تقدم من العيوب وإن كان سابقا على العقد ولم يعلم به إلى زمن الدخول ولم يقع مسيس بعد العلم فإن أمكنته عالمة بعيبه فهو رضي كما إذا بنى بها عالما وأفتى أحمد بن نصر

صاحب سحنون في ادعاء كل منهما العذيطة على صاحبه إن يطعم أحدهما تينا والآخر فوسا ثم ينتظر فراشها وثبوت عيب سائر الجسد بالرجال وفي إثبات عيب الفرج بنظر النساء وتصديقها بيمينها قولان لمالك والله أعلم. (فإن دخل بها ولم يعلم أدى صداقها ورجع به على أبيها وكذلك إن زوجها أخوها وإن زوجها ولي ليس بقريب القرابة فلا شيء عليه ولا يكون لها إلا ربع دينار). هذا كما قال عمر رضي الله عنه رجوعه على من غره بعد أداء صداقها لما استحل من فرجها فإن كانت هي الغارة رجع عليها وترك لها ربع دينار لئلا يعرى البضع عن الصداق وإن كان وليها رجع عليها وظاهره سواء كان غروره بالقول أو بالفعل. وحكى ابن بشير ثالثها يعتبر بالفعل لا بالقول وهو المشهور فلو سئل فأخبر عن سلامتها فلا شيء عليه بخلاف ما إذا كان هو العاقد وقريب القرابة من الأولياء محمول على العلم بحالها بخلاف العبيد كالعم المجانب ونحوه. وفي الموازية عن مالك: فلا يرجع عليه بل عليها ولا يجوز له أن يخبر بعيب وليته الذي لا يوجب الرد وفي سماع ابن القاسم لا ينبغي لمن سمع لوليته فاحشة أن يخبربها إذا خطبت ابن رشد لأن من تزوج امرأة فاطلع على أنها كانت أحدثت ليس له ردها بذلك وفي الموطأ أن عمر رضي الله عنه ضرب رجلا أو كاد أن يضربه إذا أخبر خاطبا بأنها كانت أحدثت. ابن فتحون يلزم إعلام الزوج بسقوط عذرتها إن كان بسبب لا يقدح فإن لم يعلمه ووجدها كذلك جاء القولان في ردها بشرط البكارة المتيطى ينبغي لأولياء المرأة تذهب عذرتها بغير جماع أن يشيعوا ما نزل بوليتهم ويشهدوا به ليرتفع عنها العار عند نكاحها ولو شرط كونها عذراء فوجدها ثيبا ردت اتفاقا ابن رشد ولو وصفها وليها عند الخطبة بأنها عذراء دون شرط جرى على الاخلاف وهل في كونه بكرا كذلك قولان لابن العطار وأصبغ قائلا: إلا أن يشترط عذراء والله أعلم. (ويؤجل المعترض سنة فإن وطئ وإلا فرق بينهما إن شاءت). الاعتراض: هو العجز عن الوطء لعارض وإن كان بصفة التمكن وقد تفسر به

العنة وربما حصل بعد الوطء وفي المرأة دون أخرى ثم حكمه أن لا كلام لها إن حصل بعد وطئه على المنصوص فإن ادعت اعتراضه وأكذبها فالقول لها بلا يمين. وقال ابن حبيب بيمين لأنه مما يؤمن عليه النساء كما ائتمنهن الله على أرحامهن ولها اختيار الفراق بعد الرضى على الأصح وإذ تقول فعلته لعله يبرأ وإنما يؤجل سنة لذلك إذ تدور عليه الفصول الأربع وذلك يقتضي إلحاق العيب به والمشهور إنما عليه نصفها وهما روايتان وأجله من يوم البرء إن كان مريضا ولها الصداق كاملا إن طلقت قبله لأجل ويقيل نصفه فقط ويصدق في دعوى المسيس والله أعلم. (والمفقود ضرب له أجل أربع سنين من يوم ترفع ذلك وينتهي الكشف عنه). الفقد لغة العدم بعد الوجود وشرعا قال (ع) من انقطع خبره ممكن الكشف عنه فخرج الأسر ابن عات والمحبوس الذي لا يستطاع الكشف عنه وفي المقدمات المفقود على أربعة أوجه، مفقود في بلاد المسلمين ومفقود في بلاد الحرب ومفقود في صف المسلمين مع الكفار ومفقود في بلاد المسلمين في الفتن الواقعة بينهم ثم ذكر تفاصيلها فانظره. ومراد الشيخ: من حكم له بأنه مفقود في الجملة فترفع زوجته أمرها إلى القاضي أو من يقوم مقامه في عدمه من صاحب شرطة أو وال أو صالحي جيرانهما فيكلفها ثبوت الزوجية والغيبة. ثم يرسل إلى بلد الذي يظن فيه أو إلى البلد والجامع إن ظن في بلد بعينه يذكر في كتابه اسمه وصفته وبلده وصناعته ويكتب هو بذلك إلى نواحي بلده فإذا أخبر بعدم أثره وانقطاع خبره ضرب لامرأته لأجل من يومئذ وهو انتهاء الكشف عنه، وقيل من يوم ترفع ذلك فهما قولان بل روايتان رواية المختصر وبها جزم ابن رشد ورواية اللخمي فيحتمل أن مراداه الشيخ ذكرهما ويحتمل أن يريد اعتبار كلا الأمرين فلو انتهى الكشف دون رفع لم يكتف به ولو رفع بلا كشف لم تكن البداءة منه والله أعلم. وهذا كله إن كان له ما ينفق وإلا فلا عسار كاف فيه بعد التلوم والأسير والمفقود في بلد الحرب لا يقضى عليه بفراق ولا غيره إلى تحقق موته أو يأتي عليه ما لم يعيش إلى مثله.

اللخمي ومن فقد ببلده في زمن الطاعون أو ببلد توجه إليه زمنه حكم بموته لقول مالك في قوم أصابهم سعال في طريق الحج: يموت الرجل بيسير ولا يوجد له خبر موت ولا حياة تزوج نساؤهم وتقسم أموالهم وكذلك شأن البوادي ينتجعون في الشدائد من ديارهم إلى غيرها فإنهم على الموت إذا فقدوا لذلك. (ثم تعتد كعدة الميت ثم تتزوج إن شاءت). يعني أنها محكوم لها بموت زوجها وعليها الإحداد على المشهور خلافا لعبد الملك بن عبد الرحمن لو رجعت بعد تمام عدتها للبقاء على عصمة المفقود لم يكن لها ذلك لأنها أبيحت لغيره ولها البقاء على عصمته في خلال الأربع سنين ونفقتها عليه في الأجل لا في العدة قاله في المدونة ثم إن جاء أو علمت حياته وهي في العدة فزوجته اتفاقا ولا تفوت قبل تزويجها على المعروف وكذلك إن تزوجت على الأصح ويفسخ إلا أن يدخل بها الثاني على المنصوص. (ولا يورث ماله إلا أن يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش إلى مثله).

والذي لا يعيش إلى مثله غالبا سبعون على الأصح وهو قول مالك وابن القاسم وأشهب وللمتيطي عن سجلات الباجي خمس وسبعون وبه أفتى وحكم به ابن زرب ولمالك مع ابن القاسم ثمانون وأفتى به أيضا واختاره ابن أبي زيد والقابسي وابن محرز وقضى به ابن عبد السلام ولمالك مع عبد الملك تسعون ولعبد الملك مع أشهب مائة قيل وإليه رجع مالك وحكى الداودي عن رواية ابن عبد الحكم مائة وعشرون فإن فقد فوق هذا السن تلوم له بحسب سنية فانظر ذلك. (ولا تخطب المرأة في عدتها ولا بأس بالتعريض بالقول المعروف). صريح خطبة المعتدة ومواعدتها حرام ولو كانت مستبرأة من زنى ووليها المجبر مثلها وغيره يكره على المشهور وفي الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم أنه كان يقول التعريض قول الرجل للمرأة في عدتها إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله سائق إليك خيرا ورزقا ونحوه وروى ابن حبيب لا بأس أن يهدي لها ولا أحب أن يفتى به إلا من تحجزه التقوى عما وراءه وقال إسماعيل القاضي إنما يعرض بالخطبة لفهم مراده إيجابا وفي المقدمات يجوز تعريض كل منهما للآخر والله أعلم. (ومن نكح بكرا فله أن يقيم عندها سبعا دون سائر نسائه وفي الثيب ثلاثة أيام). يروى فله ويروى فلها وقد رواه مسلم من حديث أنس- رضي الله عنه – ابن عبد السلام اختلف في هذه المسألة فلمالك والشافعي يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا قال والذي عليه الأكثر في هذا أن الحق إنما يكون منحقها على القول بأنه حق للمرأة قال وذلك إذا كانت له امرأة وغيرها وأما إذا لم يكن غير هذه التي تزوج الآن فلا حق لها في ذلك بل يقيم عندها ما شاء. وقال ابن عبد الحكم هو حق لها كانت امرأة أخرى أو لم تكن وفي لزوم القضاء به قولان المتيطي: المشهور لا يلزمه ولابن شاس عن القاضي أبي بكر الصحيح القضاء به وفي خروجه للجمعة والجماعة اختلاف واللخمي عن ابن حبيب يتصرف في

حوائجه إلى المسجد قال والعادة اليوم أن لا يخرج ولا إلى الصلاة وإن كان خلوا من غيرها وعلى المرأة وصم في خروجه وأرى أن تلزم العادة. (ولا يجمع بين الأختين من مالك اليمين في الوطء فإن شاء وطء الأخرى فليحرم عليه فرج الأولى ببيع أو كتابة أو عتق وشبهه مما تحرم به). قوله في (الوطء) شرط فلا يمنع جمع ملكها لخدمة ونحوها ودليل الحرمة قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين} [النساء: 23] ابن عطية وغيره يعني بملك أو نكاح وقد قال عثمان رضي الله عنه أحلتها آية أي عموم ملك اليمين وحرمتها آية وهي التي حرم بها الجمع وإذا اجتمع مبيح ومحظر تعين الحظر وعليه الجمهور بالكافة في هذه وكل امرأة لا يحل جمعها بالنكاح لا يحل بالملك إلا في مجرد الملك ولا خلاف أن البيع الصحيح يحرمها كالفاسد بعد الموت وأما الكتابة فالعموم كذلك وعزاه بعض الشيوخ بأعراض الحج ولا فرق في المعت بين الناجز والمؤجل لمنعها الوطء ولا تكفي هبتها لمن يعتصرها لأنه في حكم الملك ولا ليتيمة لإمكان الاسترجاع ولو بالبيع والله أعلم. (ومن وطئ أمة بالملك لم تحل له أمها ولا ابنتها وتحرم على آبائه وأبنائه كتحريم النكاح). لأن الملك كالنكاح فى التحريم بالصهر لعموم قوله تعالى: {حرمت} وذلك واضح من الشريعة فلو ملك أمه أبيه أو ابنه ولم يعلم هل وطئها أم لا لم تحل له. اللخمي: وهذا يحسن فى العلية ويندب في الوحش ولا يحرم ولو قال الأب وطئت المرأة وأنكر الابن عند قصده ذلك استحب التترة وقد تقدم أن الملك الصحيح كالفاسد فى تحريم الصهر إن درأ الحد والله أعلم. (والطلاق بيد العبد دون السيد). لأنه بإذنه له في النكاح لزمه الطلاق بجميع لوازه وقد جاء في الحديث: " الطلاق لمن أخذ بالساق" ولا يمنعه من متعة تعينت بطلاقه لأنها من أحكامه والله أعلم. (ولا طلاق لصبي).

ظاهره ولو كان مراهقا وحكى اللخمي في لزوم طلاقه قولا وفي خلع الولي عن سفيهه للبالغ قولان جعل ابن الحاجب المشهور الأول وابن فتحون الثاني وفاقل العقل بجنون أو ذهول مثل الصبي في عدم اللزوم بخلاف السكران والمذهب عدم لزوم طلاق المكره كعتقه ونكاحه ونحو ذلك فانظره. (والمملكة والمخيرة لهما أن يقضيا ما دامتا في المجلس). التمليك والتخيير كتاب في المدونة وغيرها فهو مما تبرع به الشيخ ولم يترجم له أولا ومرجعهما إلى التفويض وهو ثلاثة أنواع توكيل كوكلتك في طلاقك وتمليك كقوله أمرك أو طلاقك بيدك وملكتك أمرك وإن شئت وتخيير كاختاريني أو اختاري نفسك وورى محمد أو طلقي نفسك ثلاثا أو اختاري أمرك فيلزم ذلك إذا قضت به في المجلس الذي وقع فيه إن قاتل قبلت أمري ونحوه. وقال ابن القاسم في ذلك وفي العبد والآمة يملكها العتق لهما ذلك ما لم يتفرقا أو يطول المجلس أو أحدثا ما يرى أنه ترك لذلك وهو أول قول مالك وبه أخذ ابن القاسم وعليه جماعة الناس ثم رجع مالك فقال ذلك لها وإن قامت إلا أن تتركه يطؤها ونحوه أو توقف وكذلك قال في العتق الثاني. (وله أن يناكر المملكة خاصة فيما فوق الواحدة).

يعني أن له إذا قال للمرأة ملكتك أمر نفسك أو ما هو مثله من ألفاظ التمليك المتقدمة فوقه فقالت قد طلقت نفسي ثلاثا أو اثنتين أن يقول لم أرد ذلك وإنما أردت واحدة فيرد حكمها بالثلاث أو الاثنين إلى الواحدة عبد الوهاب إنما تصح مناكرته بأربعة شروط أن ينكر عند سماعه بلا سكوت ولا إمهال فإن سكت ثم أنكر لم يقبل وأن تختص نكرته بالعدد فإن أنكر إرادة الطلاق رأسا لم يقبل قوله ويقع ما أوقعته عليه فانظر ذلك. (وليس لها في التخيير أن تقضي إلا بالثلاث ثم لا نكرة له فيها). يعني أنه إذا قال لها اختاريني أو اختاري نفسك أو ما في معناه فقالت اخترت نفسي بطلقة وقال لم أرد إلا الثلاث فالقول قوه ويبطل ما بيدها من التخيير على المشهور وهو مذهب المدونة وقثال أشهب لا يبطل ما بيدها ولها أن تقضي بعد ذلك بالثلاث فالتمليك والتخيير بمعنى واحد في حل العصمة ولكن لا بمعنى واحد في الإيقاع وذلك لأنه في قوله ملكتك أمر نفسك جعل لها ماله من الملك فيها وهو مطلق الطلاق وهو يملك الواحدة فيصدق في إرادتها ولا يكون اختيارها لنفسها إلا بأمر لا يصح له فيه ذلك بعد وهو الثلاث وهذا ذكر جرى على عرف التخاطب لا اللغة والله سبحانه أعلم. (وكل حالف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر فهو مول). والإيلاء في اللغة الحلف ومنه قوله تعالى: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم} [النور: 22] أي لا يحلف وقوله عليه السلام: " من يتأل على الله يكذبه" وفي الشرع ما قاله الشيخ وعرفه (ع) فقال حلف زوج على وطء زوجته يوجب خيارها في طلاقه ولابن الحاجب تعريف فيه بحث فانظره وأصل الباب قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة: 266] الآية ولو كان حلفه خوف حمل مرضعة لئلا يتضرر الولد به. ففي المدونة غير مول وقال أصبغ مول واختاره اللخمي وعن ابن مسعود كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين فوقت الله أربعة أشهر فإذا كان أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء رواه البيهقي بإطلاق الإيلاء على المشهو في الحديث الصحيح اعتبار باللغة والله أعلم.

(ولا يقع عليه الطلاق إلا بعد أجل الإيلاء وهو أربعة أشهر للحر وشهران للعبد حتى يوقفه السلطان). أفاد بهذا مسائل ثلاثا أولها فراقه بطلاق يوقعه هو بأمر القاضي فإن امتنع طلق عليه ثم كل طلاق أوقعه الحاكم فهو بائن إلا أربعة هذا وطلاق المعسر بالنفقة وطلاق المفقود وإسلام غير المجوسية قبل زوجها وطلاق المعترض. الثانية: أن أجل الإيلاء يشترط كالحدود والطلاق قاله مالك قائلا وقد جعل الله لكل شيء قدرا وهو المشهور في مختصر ابن شعبان والحر كالعبد لأنها المدة التي يلحق المرأة فيها الضرر فهو معتبر بذلك. الثالثة: المشهور لا يقع عليه الطلاق بعد الأجل حتى يوقفه السلطان وهذا هو المشهور ودليله قول سليمان بن يسار رضي الله عنه أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يوقف المولى رواه الشافعي في مسنده وللبخاري نحوه موقوفا عن ابن عمر رضي الله عنه والله أعلم. (ومن تظاهر من امرأته فلا يطؤها حتى يكفر بعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ليس فيها شرك ولا طرف من حرية فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدين لكل مسكين).

الظهار تشبيه من يحل وطؤها بمن قاله ابن الحاجب (ع): تشبيه ذي زوج زوجته أو ذي أمة حل وطؤه إياها بمحرم منه أو بظهر أجنبية في تمتعه منها والجزء كالكل وقد يرسم بأنه تشبيه ذي حل متعة حاصلة أو مقدرة بآدمية إياها أو في جزئها بظهر أجنبية.

أو بمن يحرم أبدا أو جزء في الحرمة عبد الوهاب والتشبيه على أربعة أقسام تشبيه جملة بجملة كقوله أنت علي كأمي وتشبيه جملة ببعض كقوله أنت علي كظهر أمي وتشبيه بعض بجملة كقوله فرجك علي كأمي وتشبيه بعض ببعض مثل أن يشبيه بعض زوجته ببعض أمه انتهى. وقال ابن العربي في القسم الأول إن نوى به الظهار كان ظهارا وإن نوى به الطلاق كان طلاقا وإن لم ينو شيئا كان ظهار وفي المدونة إن قال أنت علي حرام كظهر أمي فهو مظاهر لأنه جعل للكعلام مخرجا حيث قال مثل أمي وقال غيره ولا تحرم عليه لأن الله أنزل الكفارة في الظهار ولا يعقل من لفظ به سوى التحريم ابن رشد هو ظاهر ما لم يرد به الطلاق فإن أراد به الطلاق ففي كونه طلاقا أو ظهارا ثلاثة ثالثها إن سمى الظهر وإلا فطلاق لابن الماجشون وابن القاسم ورواية أشهب وفي تشبيهها بظهر أجنبية خمسة أقوال وأصل الظهار قوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3]. واختلف في العود ففي الموطأ العزم على الإمساك والوطء معا وقيل العزم على الإمساك فقط ومشهور قول العراقيين الوطء ومذهب مالك اشتراط الإيمان في الرقاب الواجبة وسلامتها من العيوب التي تشين وتمنع من الكسب وفيما بينهما خلاف وفي كونها خالصة الرق شرط ولا خلاف في أن هذه الكفارة مرتبة ككفارة القتل بل كل كفارة فيها: {فمن لم يجد} كهدي التمتع والصوم في اليمين بالله فهي إذا أربع وجنس ما يطعم كما في زكاة الفطر وسائر الكفارات وكونها مدين رواية عن مالك وفي المدونة مد بمد هشام وهو مدان إلا ثلث. اللخمي: الكفارات كفارة اليمين وهي مقيدة بالوسط وكفارة الأذى وهي مد أن لكل مسكين وهذا تردد بينهما فجعلها مرة مدين لأن الزوجة محرمة بالعقد فلا تحل إلا بما لا شك فيه وهي أقصى الكفارات واعتبرها مرة تابعة للأيمان لوجود الإنشاء فانظر ذلك. (ولا يطؤها في ليل أو نهار حتى تنقضي الكفارة فإن فعل ذلك فليتب إلى الله سبحانه فإن كان وطؤه بعد أن فعل بعض الكفارة بإطعام أو صوم فليبتدئها).

يعني ولا يطأ حتى يكملها ففي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا ظاهر من امرأته ثم وقع عليا فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني وقعت عليها قبل أن أكفر قال: " فلا تقر بها حتى تفعل ما أمرك الله " رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي فإن لم يمكنه شيء من جميع ما ذكر الله تعالى فقال ابن القطان أجمعوا على أنه لا يطأ حتى يجدوا حدا من تلك الأصناف إلا الثوري وابن صالح فإنهما قالا يطأ بلا كفارة (ع) فظاهر إجماعهم على لغو الكسوة فيها فانظره. (ولا بأس بعتق الأعور في الظهار وولد الزنا ويجزئ الصغير ومن صلى وصام أحب إلينا). هذا حكم كل رقبة واجبة فالصغير يجزئ ولو كان رضيعا لصدق اسم الرقبة عليه والمشهور في الأعور ما ذكر لأن أحد عينيه كاتنتين في دية وقال عبد الملك لأنه شين في خلقته ونقص في تصرفه والله أعلم. (واللعان بين كل زوجين في نفي حمل يدعي قبله الاستبراء أو رؤية الزنا كالمرود في المكحلة).

(اللعان): مأخوذ من اللعنة لذكرها فيه (ع) (اللعان) حلف الزوج على زنى زوجته أو نفي حملها اللازم له وحلفها على تكذيبه أن أوجب نكولها حدا لها بحكم قاض ولابن الحاجب يمين الزوج على زوجته بزنى أو نفي نسب ويمين الزوجة على تكذيبه وفيه بحث يطول فانظره وقول الشيخ كل زوجين يريد بالغين عاقلين مسلمين أو هي كتابية أو مجوسية أسلم زوجها لا الكافرين إلا أن يتحاكما إلينا والعبد والسفيه والهرم والعنين والأخرس كذلك بإشارة مفهمة كالأعمى فيما تحققه ويعمل كل على يقينه ولا يلزم الوصف في الرؤية على المشهور. (واختلف في اللعان في القذف). يعني أنه إذا قال لها زنيت فقط من غير أن يدعي رؤية وفيها روايتان الحد واللعان ولو أقرت به ثم أنكرت ففي الموازية يحد ولا يلاعن وإن قال في نفي الحمل الولد ليس مني فقيل لمن قال لا أدري حد إلا أن يقول زنت فيلا عن ولو أقرت بالزنى وقد أتت بولد ففي سقوطه بغير لعان روايتان. (وإذا افترقا باللعان لم يتناكحا أبدا). تقدم أن اللعان من مؤبدات التحريم عبد الوهاب ويتعلق باللعان أربعة أحكام سقوط الحد ونفي النسب وقطع النكاح وتأبيد التحريم فأما سقوط الحد عن المرأة فمتعلق بالتعانها وأما التفرقة فمتعلق بالتعانهما معا. وأما تأبيد التحريم فيتبع الفرقة وهي واقعة بنفس فراقها من اللعان بغير حاجة إلى

حكم حاكم ويلتعن الزوج والزوجة بالنكاح الفاسد ولا يرتفع التحريم بإكذاب نفسه والله أعلم. (ويبدأ الزوج فيلتعن أربع شهادات بالله ثم يخمس باللعنة ثم تلتعن هي أربعا أيضا وتخمس بالغضب كما ذكر الله سبحانه وتعالى فإن نكلت رجمت إن كانت محصنة بوطء تقدم من هذا الزوج أو زوج غيره وإلا جلدت مائة جلدة وإن نكل الزوج جلد حد القذف ثمانين جلدة ولحق به الولد).

أما صفة الحلف فكما قال هو نص كتاب الله تعالى في قوله: {والذين يرمون

أزواجهم} [النور: 6] الآية وكونها تحد إذا نكلت مأخوذ من قوله تعالى: {ويدرؤا عنها العذاب} [النور: 8] واختلف إذا رجعت بعد النكول فقال أبو بكر بن عبد الرحمن لها ذلك كالمقر بالزنا إذا رجع أقيل وقال أبو عمران وابن الكاتب ليس لها ذلك وفي الرجل خلاف والبداءة بالرجل شرط فلو بدأ بها فلغو ويحلفان بمسجد جامع على سنة الإيمان من القيام وحيث يعظم بالله الذي لا إله إلا هو ويستحب بعد صلاة العصر يوم الجمعة وبحضرة الإمام أو نوابة في الحكم مع جماعة من المسلمين أقلها أربعة والله أعلم. وأصل الباب حديث عويمر بن عجلان وهو في البخاري وغيره فانظره. تنبيه: لا خلاف أن الظهار محرم وأنه من الكبائر لقوله تعالى: {وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً} [المجادلة: 2] وروى ابن شعبان ويؤدب المظاهر وأخذ عصيان المولى من قوله تعالى: {فإن فاءو فإن الله غفور رحيم} [البقرة: 226] والتخيير يتضمن الثلاث في كلمته ففي إباحته وكراهته ومنعه ويكره لها إيقاع الثلاث أربعة وعلى المنع فينزعه الحاكم من يدها ما لم توقع (ع) لا نص في حكم اللعان ابن عات لا عن ابن الهندي زوجته بجامع قرطبة فعوتب في ذلك فقال أردت إحياء السنة ورده (ع) بأن السنن المطلوب إحياؤها ما تعلق بقربة أو كلاما هذا معناه وبالله التوفيق. (وللمرأة أن تفتدي من زوجها بصداقها أو أقل أو أكثر إذا لم يكن عن ضرر بها فإن كان عن ضرر بها رجعت بما أعطته ولزمه الخلع والخلع طلقة لا رجعة فيها إلا بنكاح جديد برضاها). الافتداء والمبارة والخلع راجعا لأصل واحد هو كونه طلاقا بعوض وقد قال تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله} [البقرة: 229] الأية فيملك الرجل العوض ملكا تاما ولا يفتقر إلى حوز على المشهور وقيل يفتقر وكونه بصداقها أن ترده أو مثله إذا قبضته أو قيمته إن كان مقوما أو تتركه إن كان مؤجلا ويسامح فيه من الغرر ما لا يسامح فيه في غيره. ابن رشد يجوز على مجرد رضاع ولده اتفاقا وإن كان فيه غرر لاحتمال موته قيل تمام أمده لوجوبه عليها في عدم الأب وفيما لا يجب ثالثها فيما لا يقدر على إزالته.

والمعروف عدم كراهة الخلع خلافا لابن القصار إلا لاضرارها فلا يجوز اللخمي إن كان الضرر منها فقط جاز العوض منها على الإمساك والطلاق وإن كان منه فقط جاز على إبقائها لا على طالقها وإن كان منهما فهي مسألة الحكمين الباجي إن كان الضرر منها قال بعض القرويين لا يجوز أن يأخذ منها شيئا وقال هو نص من تقدم من علمائنا ويثبت الضرر بشهادة عدلين والمشهور قبول لفيف الناس والجيران المتيطي وهو المعمول به وفيها خمسة أقوال وسمع ابن وهب لا يقبل فيها النساء إلا أن يكون معهن رجل لأنه مال. ولو رد الضرر وكان بحميل. ففي رجوع الحميل على المحتمل قولان لابن العطار وابن الفخار وسمع عييسى بن القاسم من نشرت امرأته وقالت لا أصلي ولا أصوم ولا أغتسل من جنابة لا يجبر على فراقها وله فراقها ويحل له ما افتدت به ابن رشد ولا يجبر على فراقها لأنها ليست مرتدة على الصحيح وله تأديبها على ذلك فإن افتدت لترك التأديب على ذلك حل له إن لم يؤذها وسمع أيضا من اطلع على زنا امرأته لم تنبغ له مضارتها لتفتدي منه ولا يصح له ابن رشد: هذا قول مالك وأصحابه اتفاقا وفي الباب فروع كثيرة فلنقتصر (ع) باذل الخلع من صح معروفة لأن عوضه غير مالي والمذهب صحته من غير الزوجة مستقلا ما لم يظهر قصد ضررها وهو بائن لا يلحقه إرداد إن لم يكن في الفور ولا رجوع فيه إلا بنكاح جديد فيه صداق وولي وشهود غير الأول ولو شرط عدم البينونة لم ينفعه الشرط على المشهور والله أعلم. وأصل الباب حديث ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه في الصحيحين إذا كان قبيح الوجه قالت امرأته يا رسول الله ما أغمص على ثابت شيئا في دين ولا خلق غير أنه دميم الوجه وإني أكره الكفر في الإسلام فقال عليه السلام: " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم قال: " خذ الحديقة وطلقها تطليقة" الحديث. (والمعتقة تحت العبد لها الخيار أن تقيم معه أو تفارقه). شفإن كانت تحت الحر فلا خيار لها عند مالك ولا خلاف في الأول لحديث بريرة رضي الله عنه وأن النبي صلى الله عليه وسلم خيرها فاختارت نفسها فهي طلقة واحدة على المشهور وعن مالك هو أحق بها ما لم تنقض العدة وهو القياس كمن طلق لعيبه فزال في العدة.

(ومن اشترى زوجته انفسخ نكاحه). لأن الملك يهدم النكاح لقوة الاستمتاع به وهما متعارضان فينتقل الحكم والله أعلم. (وطلاق العبد طلقتان وعدة الأمة حيضتان وكفارة العبد كالحر بخلاف معاني الحدود والطلاق). الطلاق معتبر بالرجل فلذلك شطر برقه وإن كانت المرأة حرة والعدة معتبرة بالمرأة فلذلك شطرت برقها وإن كان الرجل حرا وساوى العبد الحر في الكفارات لأنها عبادة ولم يساوه في معاني الحدود والإحصان ونحوه ومعاني الطلاق أي ما يرجع إليه كالإيلاء ونحوه كالفقد والعنة والله أعلم. (وكل ما وصل إلى جوف الرضيع في الحولين من اللبن فإنه يحرم ولو مصة واحدة).

الرضاع عرفا وصول لبن آدمية لمحل مظنة غذاء آخر وينحصر الكلام في الرضاع في فصول خمسة في المرضع والرضيع واللبن والإرضاع وأحكام الرضاع فالمرضع شرطه الآدمية والأنوثة خلافا لابن اللبان قال ابن شعبان يكره ويحرم الكبيرة كالصغيرة التي تطيق الوطء والحية كالميتة وفي لبن صغيرة لا تطيق الوطء قولان والرضيع شرطه الصغر فلا أثر لكبير وإن كان محتاجا والاحتياج شرط فلا عبرة برضاع مستغن بالطعام وسيأتي وشرط اللبن كونه غير مستهلك بغيره ولو خلط بدواء أو طعام وهو الغالب حرم وإن كان مغلوبا فقولان التحريم للأخوين وعدمه للمدونة وصوب اللخمي التحريم في الطعام والدواء غير المبطل غذاؤه قال وغيره مشكل فأما الإرضاع وأحكام الرضاع فتأتي الآن إن شاء الله. (ولا يحرم ما أرضع بع الحولين إلا ما قرب منهما كالشهر ونحوه وقيل الشهرين). (الشهر ونحوه) رواه عبد الملك وقاله ابن القصار والشهران رواية المدونة والثلاثة روياة الوليد بن مسلمة وقال عبد الملك ما قرب كما بعد لا يحرم ورواه ابن عبد الحكم ولمالك في المختصر إلا كالأيام اليسيرة ولسحنون كمالك إلا في الأيام اليسيرة بعد الحولين مثل نقصان الشهور فهذه ستة أقوال. (ولو فصل قبل الحولين فصلا استغنى فيه بالطعام لم يحرم ما أرضع بعد ذلك).

هذا المشهور ونقل اللخمي عن أصبغ أنه يحرم بكل ما أرضع في الحولين واختار اللخمي أنه إن كان كمصتين لم يحرم وإن رد إلى الرضاع دون طعام حرم فلو قال الشيخ وكل ما وصل لمستمر الرضاع في الحولين لكان أحسن والماء الأصفر الذي يخرج من الثدي لغو عند ابن القاسم والله أعلم. (ويحرم بالوجور والسعوط). (الوجور) بالفتح في وسط الحلق وجانبي الفم (ع) وتحت اللسان (والسعوط) بالفتح ما صب في المنخرين واللدود في جنبي الفم والكل له حكم الرضاع الباجي وابن حبيب القطرة الواحدة تحرم وفي التحريم بالسعوط مطلقا وإن وصل إلى الجوف قولان وفي الكل به في عقاقيره توصله إلى الجوف ولغوه قولان لابن حبيب وابن القاسم وفي التحريم في الحقنة به مطلقا أو بشرط كونه غذاء ثالثها بشرط إن لم يطعم وسقي بالحقنة عاش رابعا لغوها لابن حبيب والمدونة ومحمد ورواية ابن المنذر وهذا آخر الكلام في الرضاع فأما أحكام الرضاع اللازمة عليه فهو التحريم. (ومن أرضع صبيا فبنات تلك المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر إخوة له ولأخيه نكاح بناتها). أما بنات المرأة فواضح وأما بنات فحلها عبد الوهاب الرضاع يوجب التحريم وينشر حرمته بين المرضع وبين المرضعة وزوجها ويكسب من وجد به الاسم ما يكسب النسب فإذا أرضعت المرأة طفلا حرمت عليه لأنها أمه وابنتها لأنها أخته وإختها لأنها خالته وأمها لأنها جدته وبنت صاحب اللبن لأنها أخته وأخت صاحب اللبن لأنها عمته وأمه لأنها جدته وبناتهما وبنات بينهما لأنهن بنات أخوته وأخواته. وفي المدونة فلبن الواطئ له ما استمر (ع) ولو طال وهو الظاهر وعن سحنون إذا طلقها وتمادى إلى خمس سنين غاية الحمل فليس له وأنكر أبو عمران ورآه خلاف ظاهرها ولابن المنذر أجمع كل من يحفظ العلم على أن حكم لبن الزوج الأول ينقطع بولادتها من الثاني. وفي المدونة هو ابن لهما ولو حملت من الثاني وفيه اختلاف لبن الحرم يحرم اتفاقا بالمرأة وحكى القاض في الرجل إن لحق الولد حرم وفيما لا يلحق كالزنى والغصب

قولان ذكرهما ابن رشد فانظره ويثبت الرضاع بشهادة عدلين وبشهادة السماع الفاشي المستفيض وبإقرار أحد الرجلين قبل العقد وبإقرار الزوج بعده وإقرارها بعد لا يقبل إلا موافقته أو ثبوت ذلك ولابن القاسم في المدونة إن شهد برضاع الزوجين أمهاتهما لم تقبل إلا أن يكون فشا من قولهما قبل النكاح ابن رشد وشهادة امرأتين بالرضاع مع الفشو جائزة وشهادة الواحدة دون فشو اتفاقا فيهما. واختلف في شهادة امرأتين دون فشو وفي شهادة امرأة مع الفشو فانظر ذلك وما ذكر من نكاح بناتها تقدم في معنى حديث: " يحرم بالرضاع ما يحب بالنسب" فانظره والله أعلم.

باب في العدة والنفقة والاستبراء

باب في العدة والنفقة والاستبراء يعني ذكر أحكام هذه الأربعة وهي من أبواب الأحكام فيتعين الاهتمام بها من أربابها من محالها وهي الوثائق ونحوها والله أعلم. (ع) دليل براءة الرحم عدة واستبراء فالعدة مدة منع النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه فتدخل مدة منع من طلق رابعة نكاح غيرها إن قيل هو له عدة وإن أريد إخراجه قبل مدة منع المرأة إلى آخرها قال والنفقة ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف فتدخل الكسوة والله أعلم.

(وعدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء كانت مسلمة أو كتابية والأمة ومن فيها بقية رق قرءان كان الزوج في جميعهن حرا أو عبدا). أما الحرة فبنص كتاب الله لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] الآية ولا عدة قبل دخوله لقوله تعالى: {فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49] وقد تقدم أن العدة معتبرة بالمرأة والمذهب تشطيرها برقها خلافا لأهل الظاهر وحكى ابن عبد السلام قولا في المذهب مثله لعموم المطلقات والله أعلم. (والأقراء هي الأطهار التي بين الدمين). قد تقدم أن القرء من أسماء الأضداد وأنه يطلق على الحيض والطهر معا وإن الراجح في النظر الشرعي كون المراد بها الأطهار لقوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1]

وبيان ذلك بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه في طلاق زوجته في الحيض وبه أخذ الشافعي وجماعة من السلف كعائشة وابن عمر وابنه سالم والقاسم بن محمد بن أبي بكر وأبي بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار قائلا ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا. (فإن كانت ممن لم تحض أو ممن قد يئست من المحيض فثلاثة أشهر في الحرة والأمة). يعني لعموم قوله تعالى: {واللائي يئسن من الميحض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} [الطلاق: 4] فالتي لا تحيض لصغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر اتفاقا وفي الأمة على المشهور وقال أشهب عدة الأمة شهران وحكى ابن بشير قولا بشهر ونصف ثم اليائسة نوعان يائسة لا يمكن حيضها بحال في جري العادة كبنت السبعين فما يجري عليها من الدم غير معتبرة ويائسة يمكن حيضها فيرجع إلى النساء فيها ثم تنتقل للاعتداد بالإقراء إن رأته في أثناء عدتها وكذلك صغيرة تطيق الوطء فترى الدم في عدتها بالشهور وتنتقل للإقراء ثم إن لم يعاود كانت مرتابة والله أعلم. والنساء خمس صغيرة ويائسة معتادة وحامل ومرتابة وقد تقدم حكم الثلاث الأول ومن المرتابات المستحاضة فلذلك حكم لها بالسنة. (وعدة الحرة المستحاضة والأمة في الطلاق سنة). يريد إن كانت غير مميزة اتفاقا فتقعد تسعة أشهر لنفي الريبة لمضي معتاد أمد الحمل ثم تعتد بثلاثة أشهر لانتقالها عن الإقراء وسواء الحرة والأمة ولا خلاف أن المرأة تعمل على تمييزها في العبادة إن كانت تمير بين الحيض والاستحاضة. واختلف في العادة على روايتين مختار ابن القاسم: العمل عليها وهو الأقرب خلافا لاختيار ابن وهب وهو ظاهر ما هنا ثم تأخر الحيض يكون بأسباب ثلاثة المرض والرضاع والاستحاضة فالمريضة لتأخر حيضتها قال أشهب عدتها بالأقراء ولو تباعدت كالمرضع وتحل في الوفاة بأربعة أشهر وعشر وقال مالك وابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ كالمرتابة عدتها سنة والمرضع بتأخير حيضتها بالإقراء قال ابن يونس إجماعا. ابن رشد وارتفاع الحيض مع الرضاع ليس ريبة اتفاقا فتعتد بثلاثة قروء أو سنة

بيضاء لا دم فيها بعد الرضاع وهو سماع ابن القاسم والمستحاضة تقدمت. (وعدة الحامل في طلاق أو وفاة وضع حملها كانت حرة أو أمة أو كتابية). لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4] فتحل للأزواج بوضعها ولو بعد موته أو طلاقه بالحيضة لا قبله إنما تحل بولد يمكن الحاقة بخلاف المنفي قطعا كادعائها إياه من وطء صبي لم يبلغ أو محبوب ونحوه ويشترط كون الوضع مما تعد به أم ولد أن لو كانت أمة قال في إرخاء الستور من المدونة وتنقضي العدة بما أسقطت المرأة مما يعلم النساء أنه ولد من مضغة أو علقة وتكون الامة به أم ولد. واختلف في الدم المجتمع وإن ولدت ولدا أو بقي في بطنها آخر لم تحل إلا بخروج الثاني: ولها التزوج وهي في دمها لكن لا يحل وطؤها والله أعلم. (والمطلقة التي لم يدخل بها لا عدة عليها). لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49] الآية. فإن ادعت المسيس وأنكره فعليها العدة ولا رجعة له فدعواه فيها لغو وظهور حمل يمكن كونه منه كالبناء في العدة والرجعة وإذا أرخى الستور عليها وأمكن والوطء فادعاه وأنكرته فعلهيا وتسقط بإنكارها نفقتها وسكناها إن كانت رشيدة ولها نصف المهر وإن كانت سفيهة ففي الواضحة تصدق ولمطرف لا تصدق وقاله سحنون فيها وفي الآمة وفي إرخاء الستور من المدونة إن كذبته في دعوى المسيس في خلوة البناء فلها أخذه بكل المهر أو نصفه ابن رشد وغيره عن سحنن وليس لها أخذه بجميعه حتى تكذب نفسها وتصدقه المتيطي وقاله عبد الملك. أبو عمران هو تفسير عياض الأكثر أنه

وفاق وبحث (ع) مع وليه. (وعدة الحرة من الوفاة أربعة أشهر وعشر كانت صغيرة أو كبيرة دخل بها أو لم يدخل مسلمة كانت أو كتابية وفي الأمة ومن فيها بقية رق شهران وخمس ليال ما لم ترتب الكبيرة ذات الحيض بتأخيره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة وأما التي لا تحيض لصغر أو كبر وقد بنى بها فلا تنكح في الوفاء إلا بعد ثلاثة أشهر). موجبات العدة ثلاثة الطلاق بعد الدخول والفسخ بعده حيث يدرأ الحد والوفاة مطلقاز وكل عدة يدخلها التعليل والتعبد وعلة التعبد في عدة الوفاة أقوى والتعليل في غيرها أظهر ثم عدة الوفاة لغير الحامل شرطها صحة النكاح أو ما يقوم مقام صحته الشيخ عن ابن المواز عدة فاسد النكاح كصحيحه إلا في الوفاة وما يفسخ قبل البناء إن مات قبل فسخه كالصحيح وما يفسخ بعده لا عدة فيه فإن بنى بها. فقال أشهب وأصبغ فيه ثلاث حيض ورجع إليه ابن القاسم اللخمي إن مات فيما اختلف فيه قبل البناء فعلى الإرث فيه العدة وعلى نفيه نفي عدتها وبعد البناء الإرث والعدة ثم إن حاضت في مدة عدتها حرة كانت أو أمة حيضة واحدة حلت اتفاقا ولو لم تحض ومضى وقته لا لسبب ولا ريبة بجس بطنها فالمشهور قول مالك وأصحابه لا تحل إلا بحيضة أو تسعة أشهر غالب أمد الحمل. وقال سحنون وعبد الملك تحل بانقضاء عدتها ولو لم تر شيئا لو ارتابت بامتلاء بطن لم تحل إلا بزوال الريبة أو بلوغ أقصى الحمل وهو خمس سنين على المشهور قالوا: وولد مالك لسنتين وقيل كانت مدة حمل أمه به ثلاثين شهرا ولو فقدت الحيض لعادة تأخرت عن الأربعة أشهر وعشر فالمشهور تحل لمضيها خلافا لرواية ابن كنانة واللخمي ولو تحقق حملها والشك لطول المدة لم تحل أبدا وقوله: (وأما التي لا تحيض لصغر أو كبر) يعني من الإماء فلا تنكح في الوفاة إلا بعد ثلاثة أشهر ظاهره وإن أمن حملها ونقله في النوادر عن مالك وعن اشهب إن أمن حملها لم ترفع لذلك بل تكتفي بالشهرين وخمس ليال لأن الزيادة إنما هي لتبرئة الرحم مما عسى أن يكون فيه لأنه لا يوجد في الأصول أن رحما تبرأ من وطء بغير حيض ممن يمكن منها الحمل بأقل من ثلاثة

أشهر والله أعلم. (والإحداد أن لا تقرب المعتدة من الوفاة شيئا من الزينة بحلي أو كحل أو غيره وتجتنب الصباغ كله إلا السواد وتجتنب الطيب كله ولا تختضب بحناء ولا تقرب دهنا مطيبا ولا تمشط بما يختمر في رأسها وعلى الأمة والحرة الصغيرة والكبيرة الإحداد واختلف في الكتابية وليس على المطلقة إحداد). الإحداد مأخوذ من الحد وهو المنع فهو الامتناع مما هو زينة (ع) ولو مع غيره ابن محرز ترك الزينة المعتاد ويبطل طرده بلبس المبتذلة اللخمي يتضمن الامتناع من خمس لبس المصبغات إلى الأسود والحلي الخاتم فما فوقه والكحل والطيب وإلقاء التفث انتهى. وفي الكحل تداويا بغير طيب ظاهر المذهب جوازه اتفاقا وفي وجوب مسحه نهارا قولان وفي جوازه بما فيه طيب لضرورة ثالثها وتمسحه نهارا لظاهر المدونة وروايتان وظاهر الحديث المنع مطلقا وفي دخول الحمام قولان: المنع ولو من ضرورة والمنع إلا من ضرورة أشهب واختاره ابن لبابة وفي الإطلاء بالنورة وقولان ولا بأس أن تخرج من ضرورة ثم لا تبيت إلا في بيتها ولا تمنع من الادهان بزيت غير مطيب ولا خلاف في وجوب الإحداد في عدة الوفاة من نكاح صحيح أو في حكمه على كل مسلمة حرة أو أمة كبيرة أو صغيرة لو في القماط كان الزوج حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا دخل أو لم يدخل. واختلف في أربع نسوة الكتابية وامرأة المفقود والمنكوحة في المرض وفاسدة النكاح ففي المدونة على الكتابية الإحداد وقال ابن نافع لا إحداد عليها والقولان في امرأة المفقود لأشهب وعبد الملك والأخوين على الخلاف في عدتهن عيااض ولا خلاف أن المطلقة واحدة لا إحداد عليها، واختلف في المطلقة ثلاثا فمذهبنا كالشافعي لا إحداد ولأبي حنيفة وغيره إثباته انظر الإكمال. (وتجبر الحرة الكتابية على العدة من المسلم في الوفاة والطلاق). إن مات زوجها بعد البناء وهل بثلاثة قروء فيهما أو في الوفاة بأربعة أشهر وعشر قولان واختلف إذا مات قبل بنائها هل تعتد عدة أم لا ولا يتزوجها مسلم بعد

وفاة ذمي عنها أو طلاقه إلا بعد ثلاث حيض اتفاقا. (وعدة أم الولد من وفاة سيدها حيضة وكذلك إن اعتقها فإن قعدت عن الحيض فثلاثة أشهر).

ما ذكر نحوه في المدونة قائلا ولو مات عنها وهي أول الحيضة أو غاب عنها فحاضت بعده حيضة ومات في غيبته لزمتها حيضة بعد وفاته لأنها لها عدة بخلاف الاستبراء ابن القاسم لقوة الخلاف فيها قال بعض العلماء عليها أربعة أشهر وعشر. وقالب عضهم ثلاث حيض قال مالك ولا أحب لها المواعدة فيها ولا تبيت إلا في بيتها ولا إحداد عليها فإن كانت ممن لم تحض فثلاثة أشهر والله أعلم. (واستبراء الأمة في انتقال الملك حيضة انتقل الملك ببيع أو هبة أو سبي أو غير ذلك ومن هي عنده في حيازته قد حاضت عنده ثم إنه اشتراها فلا استبراء عليه إن لم تكن تخرج). (الاستبراء) لغة البحث عن التبرئة والكشف عن الشيء وشرعا كشف حال الرحم ليعلم أبرية أم مشغولة بحمل ابن رشد استبراء الإماء واجب في البيع لحفظ الأنساب كوجوب العدة التي فرضها الله على عباده جعلها حدا ينتهى إليه وقد قال عليه السلام في سبايا أوطاس " لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة". أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وصححه الحاكم. وقوله (ومن هي عنده) بيان لأن تحقق البراءة يسقط الاستبراء وهو الفرق بينه وبين العدة وقاعدتها أن ما يتيقن فيه البراءة فلا استبراء وما ظن لحد القطع فكذلك وما شك فيه وجب واختلف في صور منها التي في حيازته وهي تخرج قال ابن القاسم يجب وقال أشهب لا يجب وكذا التي اشتراها له وكيله وقد حاضت في الطريق قولان لابن القاسم وأشهب أيضا واختاره اللخمي إن كان مع أهله أو في جماعة من الناس سقط وإلا استحب وفي التي غاب عليها المشتري في بيع الخيار ثم رد قولان بالوجوب واختاره اللخمي والاستحباب.

(واستبراء الصغيرة في البيع إن كانت توطأ بثلاثة أشهر واليائسة من المحيض بثلاثة أشهر والتي لا توطأ فلا استبراء فيها). هذا ظاهر التصور واستشكل استبراء الصغيرة التي لا توطأ فالمنصوص في وطء الصبي أنه لا يوجب عدة وفرق بأن الصبي لا ماء له قطعا فلا يولد له قطعا ونفي الولد عن الصغيرة المطيقة لا ينهض فانظر ذلك. (ومن ابتاع حاملا من غيره أو ملكها بغير البيع فلا يقربها ولا يتلذذ منها بشيء حتى تضع). الحديث رويفع بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره" أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان وحسنه البزار وعليه مشهور المذهب والله أعلم. (والسكنى لكل مطلقة مدخول بها ولا نفقة إلا للتي طلقت دون الثلاث وللحامل كانت مطلقة واحدة أو ثلاثا ولا نفقة للمختلعة إلا في الحمل ولا نفقة للملاعنة وإن كانت حاملا ولا نفقة لكل معتدة من وفاة ولها السكنى إن كانت الدار للميت أو قد نقد كراءها). قد أوجب الله تعالى في النكاح أربعة لأربعة الصداق للاستباحة والنفقة للاستمتاع والكسوة لدوامه والسكنى للقصر فإذا ذهب الاستمتاع أو انقطع النكاح فلا نفقة ولا كسوة ويبقى السكنى ما دامت مقصورة بالعدة والنساء في ذلك على ثلاثة أقسام قسم يجب له الإنفاق وهي كل مطلقة سوى من ذكر غير الملاعنة وذات الفسخ ففي سقوط السكنى وهو قول القاضي إسماعيل واختيار ابن رشد وجوبه وهو المشهور قولان وهذا هو القسم الثالث والمشهور ما ذكر في سكنى المتوفى عنها وهي رواية الموازية وغيرها وهو خلاف نقل عبد الحق عن بعض القرويين من أن نقد الكراء لبس بشرط ابن يونس وذكر غيره من القرويين أن أبا قرة رواه هكذا والله أعلم.

(ولا تخرج من بيتها في طلاق أو وفاة حتى تتم العدة إلا أن يخرجها رب الدار ولم يقبل من الكراء ما يشبه فلتخرج ولتقم بالموضع الذي تنتقل إليه حتى تنقضي العدة). أما عدة خروج المطلقة فلقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن} [الطلاق: 1] الآية فوجب أن لا تخرج من بيتها التي طلقت فيه إلى انقضاء عدتها إلا أن تخشى عورة أو يخرجها خوف فتنتقل وتقيم في الذي تنتقل إليه والخيمة كغيرها وأما في الوفاة فلحديث الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها حين قتل زوجها: " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا فقضى به بعد ذلك عثمان رضي الله عنه أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي والذهلي وابن حبان وغيره. وفي المدونة لا تخرج المعتدة لوال بدله قبل تمامها كذي الحبس حيته (ع) وفي كون امرأة إمام المسجد في الدار المحبسة عليه كذلك وخروجها بموته إن أخرجها جماعة المسجد قولان الأول للمتيطي عن بعض القرويين ابن عات وبه جرى العمل بقرطبة كامرأة الأمير المعتدة لا تخرج حتى تتم عدتا وانظر بقية كلامه. (والمرأة ترضع ولدها في العصمة إلا أن يكون مثلها لا ترضع وللمطلقة رضاع ولدها على أبيه ولها أن تأخذ أجر رضاعها إن شاءت). يعني لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن} [البقرة: 233] الآية فالعصمة وما فيه معناها من الطلاق والرجعي عليها إرضاعه فيه إلا أن تكون عليه لا يرضع مثلها فيجب على الأب استئجار غيرها ولو مرض أو قل لبنها فلا يجب عليها إرضاعه ويستأجر له الأب فإن عدم وهي موسرة ففي وجوبه عليها قولان اللخمي والقول بوجوبه عليها ليس بحسن لأن رضاعه ليس في ذمتها فتكلف العوض وإن كانت مطلقة لم يجب عليها إلا أن يعسر أو يموت ولا مال فالمشهور عليها إرضاعه بخلاف النفقة. وفي الجلاب لا يجب عليها وهو في بيت المال وإذا وجبت الأجرة على الأب ولم يقبل غيرها تعينت أجرة المثل فإن قبل غيرها وطلبت أكثر فالخيار للأب وإن طلبت

أجرة المثل أو وجد بدونها أو بلا شيء فله ذلك وإن كان معسر وفي المعسر روايتان ابن الكاتب والقول قول الأم إذا لم يجد من يرضعه غيرها واختار ابن يونس أنها أحق بأجرة المثل مطلقا لحقها في الحضانة وفي المدونة يكره استرضاع الكوافر وأن يتخذن ظئور الماء يتغذين به ويعذين الولد ويكره استرضاع الفاجرة ابن حبيب ورد النهي عن استرضاع الحمقاء أخرجه أبو داود مرفوعا عن زياد السهمي فهو مرسل إذ ليست لزياد صحبة والله أعلم. (والحضانة للأم بعد الطلاق إلى احتلام الذكر ونكاح الأنثى ودخولها وذلك بعد الأم إن ماتت أو نكحت للجدة ثم للخالة فإن لم يكن من ذوي رحم الأم أحد فالأخوات والعمات فإن لم يكونوا فالعصبة).

معنى الحضانة الكفالة والتربية والقيام بأمور الولد لافتقاره إلى من يجلب له ما ينفعه ويدفع عنه ما يضره ورسمها (ع) بأنها حفظ الولد في مبيتة ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسمه ابن رشد والإجماع على وجوب كفالة الأطفال الصغار لأنهم خلق ضعيف مفتقر لكافل يربيهم حتى يقوم بنفسه فهو فرض كفاية إن قام به قائم سقط عن الباقين قيل: ولا يتعين إلا على الأب والأم في زمان رضاعه إن لم يكن له أب أو كان ولا مال له أو كان لا يقبل غيرها. وكونه للأم لا خلاف فيه وهل حق لها أو حق عليها ينبني عليها جواز أخذ الأجرة وعدمها وكونه بعد الطلاق فبعد الوفاة أحرى الباجي ولا تمنعه من الاختلاف إلى أبيه ومعلمه ويأوي إلى أمه رواه ابن حبيب عن عبد الملك يريد أن للأب تعليمه وتأديبه وإسلامه في المكتب والصنائع والتصريف وكونه إلى احتلام الذكر هو قول ابن القاسم ولعبد الملك إذا قرب الاحتلام واسود نباته فللأب أخذه بذلك ولابن وهب إذا أثغر وعزاه اللخمي لأبي مصعب بن القصار وقول مالك في الذكور إن الأثغار يملك به الولد حضانة نفسه يشبه قول الشافعي: إنه يخير بين أبيه وأمه كما لو بلغ ورده اللخمي بأن مراده مالك يأخذه أبوه من أمه ولا يخير الولد لأنه لم يرشد غير أن التخيير حسن لاختلاف حال الأولاد قال ولا أرى أن تخير البنت لأن الأم أصون لها وقد تخير إن كانت عند غير الأم. وفي المدونة إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء وليس لأبيه منعه الشيخ يريد نفسه لا بماله لقول ابن القاسم: إن الولد لا يأخذ ماله حتى يعلم رشده قالوا وهو تفسير وروى زياد بنفس بلوغه يخرج من ولاية أبيه والمشهور الأول فلا يخرج من ولاية أبيه إلا ببلوغ ورشد الباجي لم يختلف قول مالك بأن بقاء الأنثى في حضانة الأم إلى

نكاح البنت ودخولها إلا إذا كان موضع أبيها أحرز وأصون وقد شبت فيختار لها الأصول ابن عرفة مذهب المدونة بقاؤها عند أمها إذا كان موضعها صينا ولو كان موضع الأب أصون. ابن رشد في سقوط حضانتها بدخلو من تزوجها بها أو بالحكم عليها قولان ومراده الشيخ الجدة للأم لأن درجات الحضانة تسعة الأم ثم أمها ثم الخالة ثم الجدة للأب ثم أخت المحضون ثم عمته ثم بنت أخيه ثم العصبة فانظر بقية ذلك. ابن الحاجب: شرط الحضانة العقل والأمانة والكفاية وحرز المكان في البنت يخاف عليها وإن كان رجلا روعي في نسائه حسن القيام بالمحضون ورفع مضرته (ع) وصفة الحاضنة أن لا تكون عاجزة عن القيام بالمضحون ولا يخشى أن يدخل عليه ضرر ولا فساد طبع ولا بدن ولا معيش فمن بلغ ضعفها إلى أن لا تتصرف فلا حضانة لها والسفيه في الدين أو العقل أو حفظ المال بتبذيره قبل تمام مدة كبره يسقطها والسفيهه المولى عليها ذات صون وقيام غير متلفة لما تقبضه من حضانتها ثابت المتيطي في السفيهه قولان فانظر ذلك. (ولا يلزم الرجل النفقة إلا على زوجته كانت غنية أو فقيرة وعلى أبويه الفقيرين وعلى صغار ولده الذين لا مال لهم على الذكور حتى يحتلموا ولا زمانة بهم وعلى الإناث حتى ينكحن ويدخلن بهن أزواجهن ولا نفقة لمن سوى هؤلاء من الأقارب وإن اتسع فعليه إخدام زوجته).

موجب النفقة ثلاث النكاح والقرابة والملك وقد ذكر الشيخ هنا الأولين والآخر يأتي فشرط وجوب النفقة الزوجة بدخولها أو دعوتها إليه وهي ممن يوطأ مثلها كما تقدم فيقضى بها على الزوج ويباع فيها ربعه وتطلق عليه بعد التلوم بالعجز عنها إلى أن تكون زوجته عالمة بفقره وعجزه عن النفقة. اللخمي ووجوبها بالدعاء إلى الدخول بعد قدر التربص للبناء والمشهورة عادة وفي وجوب النفقة بمجرد العقد عادة ثالثها في اليتيمة والكسوة من النفقة تجب بوجوبها ولا حد لها بل على قدر حالها من حاله وحاله من حالها ويلزم من الزينة ما تستضر بتركه كالكحل المعتاد والحناء والدهن لمعتادته ويعتبر في الكسوة الزمان والمكان قالوا وليس لها أن تطلبه بالكسوة حين دخولا ولا في حدثانه وكذلك الفرش وشورتها من

صداقها بل سمع يحيى بن القاسم لا يحل للمراة أن تقضي من دين عليها من نقدها إلا التافه اليسير الدينار ونحوه قاله مالك ابن رشد ومثله في ديات المدونة. وروى محمد مثل الدينارين والثلاثة وليس اختلافا بل على قلة المهر وكثرته والدينار من الثلاثة كثير والعشرة من الألف قليل قال وهذا أصله في وجوب تجهيزها به ولم يجب على الكالئ هل هو كالنقد وما لا حق للزوج في التجهيز به فللغرماء أخذه قبل البناء ابن عات عن ابن زرب ليس عليها بيع جهازها من نقدها إلا بعد مضي مدة انتفاع الزوج به والسنة في ذلك قليل فإن طال عهد البناء وتخلفت الشورة فعلى الرجل ما لا غنى عنه. أشهب ومنهن من لو كساها الوصف أنصف ومنهن من لو كساها الصوف أدب مالك ولا يلزم الحرير فعممه ابن القاسم ابن القصار وتأويله عندي في أهل المدينة لقناعتهم ابن عبد السلام وهو الصواب عند جماعة من الشيوخ ومدار أمر الزينة وما تحتاج إليه فيها على العرف عند المحققين وهو يختلف باختلاف الناس والبلاد ونحو ذلك والله أعلم. وأما نفقة الأبوين فإنها تجب بفقرها كالأولاد والفرق بينهم وبين الزوجة أن إنفاقها في مقابلة الاستمتاع ونفقة الأقارب مواساة لا في مقالبة شيء فإذا افتقر الأبوان أو أحدهما وجبت نفقتهما إن كان الولد غنيا الباجي وإن كانا قويين على العمل وخالفه اللخمي ويلزم ما لا بد منه ففي المدونة ينفق على زوجة واحدة لأبيه لا أكثر اللخمي وإن لم يكن محتاجا لإصابتها فهو محتاج لمن يقوم به، ولأن فراقها العدم لنفقة معرة عليه وإن كانتا اثنتين أمه وأجنبية أنفق على أمه إلا أن تكون أمه مسنة والأخرى شابة والوالد محتاج إليها. وسمع ابن القاسم لا يجبر على إحجاج والده ولا إنكاحه ابن رشد: وهذا على أن الحج على التراخي وعلى أنه على الفور يلزمه كما يلزمه شراء الماء لغسله ووضوئه وروى أشهب جبره على إنكاحه وهذا ينحو لقولها بإثبات النفقة على زوجة أبيه وقول مالك هنا ينحو إلى قول المغيرة وابن عبد الحكم أنه لا تجب عليه نفقة زوجة أبيه ولو تحققت حاجة الأب إلى النكاح لا ينبغي أن لا يختلف فيه وإن تعدد الأولاد

كان عليهم كلهم على عدد رءوسهم أو على قدر أموالهم أو على قدر إرثهم ثلاثة لعبد الملك ولمحمد مع أصبغ وللأخوين وفي إنفاقه على زوج أمه لخوف طلاقها والزوج ملى قولان للباجي واللخمي قائلا إلا أن تكون مسنة والزوج على غير ذلك وعلى الأب إثبات فقره إن أنكره ولده واختلف في يمينه ولو سلم فقر أبيه وادعى فقر نفسه فقال ابن العطار لا يصدق إلا بإثباته وخالفه ابن الفخار. وما قدر عليه الأبوان من الإنفاق فلا يلزم الولد غير إتمامه اللخمي وإنما ينفق عليهما بما فضل عن نفقته ونفقة زوجته والله أعلم. وأما نفقة الأولاد كالأبوين لا تجب إلا بشرط افتقارهم فإن كان للولد مال أنفق عليه والده منه إن شاء ابن عبد السلام وفي معنى الغني لمن كان قادرا على التكسب لصناعة نص على ذلك في المدونة قالوا وكذلك الصبية إذا كانت لها صنعة لا تدركه بها معرة فإن كانت صنعتها لا تفي بنفقتها أتم الأب باقيها. اللخمي: إن لم تدركه بذلك معرة فيهما ولم تكسد صنعتها ولم يقع بها مرض فتجب على الأب ولو كان لا يقدر إلا على جهة وله أب فقير وولد كذلك فقيل يتحاصان وقال ابن خويز منداد ببدأ الولد ولا أرى أن يبدأ إلا من كان صغيرا لا يهتدي لنفع ولو كان الولد كبيرا ترجح الأبوان وكذلك في الولدين يرجح الصغير على الكبير والأنثى على الذكر وتبدأ الأم على الأب المتيطي: له أن يؤاجر ابنه الصغير لنفقة غيره ونفسه ولو كان الأب غنيا وقاله غير واحد من الموثقين خلافا لبعض الفقهاء ونحوه في رواية محمد وفي منعه الانتفاع بفاضل خراج ابنه الصغير عن نفسه وجوازه قولان لبعض الموثقين وأصبغ عن ابن لبابة (ع) الروايات واضحة بعدم إتباع الابن بما أنفق عليه. وفي المدونة إلا أن يكون له مال حين أنفق عليه فيرجع بما أنفق، قال السطي في تعليقه على المدونة يصح رجوعه بستة شروط: أن يكون له مال حين الإنفاق وأن يكون المنفق عالما به وكون المال غير عين وأن ينوي الرجوع بنفقته، وأن يحلف على ذلك وأن تكون النفقة غير سرف والله أعلم. وأما كون سقوط نفقتهم بالبلوغ في الذكور وبالدخول في الإناث فمشروط

بصحبتهم فلو لم يبلغوا إلا زمناء أو معتلين بعمى ونحوه فقال ابن القاسم لا ترفع النفقة عن الأب وإن طرأ بعد البلوغ لم تعد وقال ابن وهب في الموازية لا تجب وللجلاب عن عبد الملك عكسه واستحسنه اللخمي وظاهر الرسالة أن الدخول بالإناث مسقط ولو طلقت قبل البلوغ أو كانت زمنة أو فقيرة لا تتكفف وأجراها اللخمي على الأقوال الثلاثة ولمحمد لو دخل بها اللخمي وهي أولى من الصبي لأن معرتها أشد. وحكى ابن يونس في الصغيرة: أنها تعود نفقتها لأن له جبرها ولو مكثت حتى بلغت سقطت خلافا لسحنون حكاه المتيوي ولا نفقة لمن سوى هؤلاء وقوله: (لا نفقة لغير هؤلاء) يعني من الأقارب وحكى (ع) في إخدام الزوجة خمسة أقوال والمشهور ما هنا وهو في المدونة وفي الزياة على الواحدة اختلاف. (وعليه أن ينفق على عبيده ويكفنهم إذا اماتوا واختلف في كفن الزوجة فقال ابن القاسم في مالها وقال عبد الملك في مال الزوج وقال سحنون إن كانت ملية ففي مالها وإن كانت فقيرة ففي مال الزوج).

كلامه ظاهر التصور وقد رواه مسلم قال عليه السلام: " للمملوك كسوته وطعامه ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أبو عمر يجبر الرجل على أن يعلف دابته أو يرعاها إن كان في رعيها ما يكفيها أو يبيعها أو يذبح ما يجوز ذبح ولا يترك يعذبها بالجوع (ع) لازم هذا يقضى عليه لأنه منكر وتغيير المنكر والقضاء به واجب قال وهذا أصوب من نقل ابن رشد يؤمر بتقوى الله في ترك إجاعتها ولا يقضى عليه بعلفها قائلا والفرق بين العبد والدابة أن العبد مكلف تجب عليه الحقوق من الجناية وغيرها فكما يقضى عليه يقضى له والدابة كما لا يقضى عليها لا يقضى لها (ع) تعذر شكوى الدابة يوجب أحروية القضاء لها وفي النسائي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه: " كفى المرء إثما أن يضيع من يقوت" وهو عند مسلم بلفظ: " أن يحبس عمن يملك قوته". وفي المدونة كفن العبد المرهون على ربه وأقيم منه أن إخراج الدابة تموت بدار غير ربها على ربها لا على رب الدار وقيل على رب الدار ووجه قول ابن القاسم في

كفن الزوجة انقطاع العصمة وقول عبد الملك اتصال حكمها بدليل جواز غسلها ونحوه وقول سحنون استحسان بنوع مراعاة للوجهين. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهي له صدقة" رواه البخاري وغيره من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول" تقول المرأة أطعمني أو طلقني ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الولد أطعمني إلى من تدعني قالوا يا أبا هريرة هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا هذا من كيس أبي هريرة أخرجه أهل الصحيح وفي قوله: (من كيس): ضبطان كسر الكاف وسكون الياء ميتا وفتح الكاف والسكون الحي ثم هل توقيعه للإنكار فيكون مرفوعا أو للإخبار فيكون بيانا لأنه مدرج يعني قوله تقول المرأة إلى آخره والله أعلم.

باب في البيوع وما شاكل البيوع

باب في البيوع وما شاكل البيوع البيوع جمع بيع جمع باعتبار أنواعه وتقاسيمه وهي كثيرة، وحقيقته الشرعية نقل ملك إلى ملك بعوض معين على وجه صحيح فخرجت الإجارة بذكر نقل الملك لأنها نقل منافع والكتابة ونحوها بقوله إلى ملك لأنها إلى حرية وبذكر العوض الهبة المجردة والصدقة وبتعيينه هبة الثواب وبالوجه الصحيح الفاسد لأنه لا ينقل الملك على المشهور وإن أردت القول الآخر أسقطت هذا القيد (ع) البيع الأعم عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة فتخرج الإجارة والنكاح ويدخل الصرف والمراطلة والسلم وهبة الثواب. قال: والغالب عرفا أخص منه بزيادة دون مكايسة أحد عوضيه غير هب ولا فضة معين غير المعين فيه فتخرج الأربعة المذكورة والمشاكلة المجانسة والموافقة في الوصف بوجه ما فالمشاكل للبيوع الإجارة والجعل والشركة والقراض والقرض والمساقاة ونحو ذلك من العقود والله أعلم. (وأحل الله البيع وحرم الربا). أتى بهذه الآية للدلالة على حلية البيع وهو محل إجماع فلا يحتاج إلى دليل نعم قال عبد الوهاب الأصل في البيوع الحلية حتى يدل دليل على خلافه وإنما يحل البيع إذا تمت شروطه في أركانه وأركانه أربعة: أولها: الصيغة المعقود بها وهي ما يدل على الرضا الباطن من قول منهما كبعني وبعتك وفعل منهما كأن يعطيه الثمن فيعطيه المثمون وهي المعاطاة وبالقول من أحدهما وهو الاستحباب والفعل من الآخر وهو القبول واحترز بالرضا الباطن من بيع المضغوط فإن رضاه ظاهرا فقط والله أعلم. الثاني: المعوقد فيه وهو الزمان وشرطه أن يكون خليا عن النهيى بالمطابقة كوقت نداء الجمعة أو بالعموم كوقت صلاة ضاق وقتها إلا أنه في الأول يفسخ على المشهور وفي الثاني لا يفسخ وانظر المقدمات. الثالث: المعقود عليه وهو الثمن والمثمون وشرطه أن يكون طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه غير مخصوص بنهي في بيعه أو ملكه معلوم القدر والصفة. الرابع: عاقداه وهما البائعان وشرطهما التمييز لا لسكر فتردد ولا يلزم منهما إلا

بالغ رشيد بخلاف غيره فإنه يوقف على إجازة وليه والربا قيل كل بيع فاسد وقيل ما فيه زيادة على أمر الله في ثمن أو أجل وفيهما كربا الجاهلية في الديون. (وكان ربا الجاهلية في الديون أما إن يقضيه وأما إن يربي له فيه). يعني إذا حل الأجل فإما أن يقضى الذي له أو يزيده في القدر لأجل الزيادة في الأجل وهذا النوع من الربا مجمع على تحريمه وفيه نزل قوله تعالى: {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} [البقرة: 278] الآية وقد قال مالك شرب الخمر وأكل الحرام أيسر من الربا لأن الله تعالى قد توعد على أكل الربا بالحرب ولم يقل ذلك في خمر ولا غيره ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الربا وموكله وشاهديه وقال هم سواء أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ويسمى هذا بالنسيئة ومقابله ربا الفضل وهو خاص بالنقود وشيء من المطعومات كما يذكر إن شاء الله. (ومن الربا في غير النسيئة بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا وكذلك الذهب بالذهب).

أتى بهذا تبينها وردا على من يقول: لا ربا إلا في النسيئة وهو مذهب وقع الإجماع على ترك العمل به لقوله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد أو اتسزاد فهو ربا" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (ولا يجوز ذهب بذهب ولا فضة بفضة إلا مثلا بمثل يدا بيد). يعني جيد الجنس ورديئه وصحيحه ومكسوره وتبره ومضروبه سواء وتتحقق فيه المماثلة بالمراطلة وهي جعل كل منهما في كفة حتى إذا استويا أخذ كل واحد منهما ما باع به أو بصنجة أو بوزن أحدهما حتى إذا علم وزن الآخر كذلك ثم يأخذ ويعطي بلا مهلة قيل والصنجة أحسن لتحققها وسمع القرينان لا باس بالشاهدين ابن رشد لا فرق بينه وبين غيره (ع) وأظنه المعروف عندنا بالقسطون وهو لا يؤدي إلى تحقيق ويستثنى

مما ذكر السلف للمعروف وإبدال الناقص بالوازن معروف فيما قل والرد في الدرهم والدرهمين ولكل شروط فانظرها. (والفضة بالذهب ربا إلا يدا ببيد). هذا هو المسمى صرفا عند الفقهاء، أعني بيع كل منهما بخلاف جنسه منهما وشرطه التناجز فقط كما أنه شرط في الجنس الواحد مع التماثل فلا يجوز فيه تأخير معتبر اتفاقا وحكى اللخمي في يسير التأخير جدا قولين بالتخفيف والكراهة ومنعوا فيه الحمالة والرهن والحيازة واتفاق والوكالة والحوالة ولو في المجلس على المشهور وشرط أشهب التقابض الحسي فلم يجز صرف ما في الذمم ولا مصارفة الذمم والمشهور خلافه. (والطعام من الحبوب والقطنية وشبهها مما يدخر من قوت أو إدام لا يجوز الجنس منه بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد ولا يجوز فيه تأخير). (الحبوب) ذوات السنابل كالقمح والشعير والسلت وذوات الأغلاث: الدخن والذرة والأرز والقطنية ذوات المزاود الفول وذويه سميت بذلك لأنها تقطن في البيوت أي تدوم فيها لقلة استعمالها فمنها الكرسنة على المشهور وقاله أشهب واختاره اللخمي وقال ابن حبيب ليست منها ولابن رشد ليست بطعام إنما هي علف لقول يحيى بن يحيى وابن وهب لا زكاة فيها والقوت ما تقوم به البنية الآدمية والإدام ما يتبع القوت من مصلحاته وهذا نحو ما في الموطأ من قول ابن نافع أن العلة في منع التفاضل الطعمية والادخار والائتدام وحملت أيضا على أن العلة الاقتيات والادخار فقط كلازم قول اللخمي المذهب أن الجوز واللوز ربويان الباجي من جعل العلة الاقتيات والادخار لم يجعلهما ربويين والمشهور أن العلة مجموعهما وعليه الأكثر وحمل عليه ابن رشد المدونة. وحكى في الجواهر عن بعض المتأخرين أنه المعمول به وقال القاضيات الاقتيات والادخار للعيش غالبا وأنكره اللخمي ومصلحات القوت مثله في علة حكمه وهو المعبر عنه بالإدام فما اجتمعت فيه العلل فربوي اتفاقا وما انتفت منه فلا وما ثبت فيه بعضها اختلف فيه بحبسه وشرح ذلك يطول فانظره ومعنى الربوي الذي لا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه ويمنع التأخير فيه عند بيعه به والله أعلم. (ولا يجوز طعام بطعام منه إلى أجل كان من جنسه أو من خلافه كان مما

يدخر أو لا يدخر).

يعني أن علة تحريم التأخير إنما ثبت كونه طعاما لا يجوز بيعه بطعام إلا يدا بيد وما ليس بطعام كالصبر والسقمونيا والطلع والكثر وهو البلح الصغير جدا والقضب والقصب والزعفران فليس بربوي حتى قال ابن سحنون يستتاب مانع بيع الزعفران بطعام إلى أجل لأنه لي بربوي إجماعا ورده (ع) بأنه إجماع غير قطعي وإنما يستتاب مانع القطعي واختلف في الحلبة هل هي طعام أو دواء ثالثها الخضراء طعام لا غيرها وهل على ظاهرها أو باتفاقها خلاف والمشهور إلحاقها بالطلع والكثير فليست بربوبة والله أعلم. (ولا بأس بالفواكه والبقول وما لا يدخر متفاضلا وإن كان من جنس واحد يدا بيد). يريد الفواكه الخضرة التي لا تدخر بوجه وفيما ادخر بعلاك أو في أفق دون أفق اختلاف كالتين وحب الفجل على المشهور وروى محمد ربوية التين وهو أحد قولي القاضي واستظهر وثالثها لابن نافع يابسها ربوي لا أخضرها ولابن رشد لا يكون حب الفجل ربويا إلا حيث يتخذ لزيته وهو المشهور والله أعلم. (ولا يجوز التفاضل في الجنيس الواحد فيما يدخر من الفواكه اليابسة ومن سائر الإدام والطعام والشراب إلا الماء وحده). الفواكه اليابسة كالجوز واللوز والتين إذا اعتبرنا مطلق الادخار إلا أن قيدناه بما يعم ادخاره ولا يدخل البلوط لندور ادخاره، ولأنه مما يوجد بنفسه غير دائم الادخار.

وقد ذكر ابن ناجي أن المعتبر في الادخار ستة أشهر فما فوقها ومن الإدام البصل والثوم والمشهور ربويتهما وقيل فيهما قولان (ع) والليم من مصلحات الإدام بخلاف النارنج ومشهور المذهب ما ذكر من أن الماء غير ربوي لأنه ليس بطعام وإن كان مقتاتا مدخرا. وروى ابن وهب وابن نافع أبو الفرج لا يجوز بطعام إلى أجل فأخذ منه عبد الوهاب ربويته ووهم لأن غير الربوي كذلك وأجيب بأن علة انتفاء الربوية كونه ليس بطعام فلما أعطي حكمه لزم أن يكون مثله في الربوية لوجود شروطها والله أعلم. (وما اختلف أجناسه من ذلك من سائر الحبوب والثمار والطعام فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه إلا في الخضر والفواكه). هذا إجمال بعد تفصيل وتحصيل بعد توصيل وقد ذكر ابن أبي جمرة في حديث: " ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" والسنة في إلقاء العلم إن شاء الله الإجمال بعد التفصيل والتفصيل بعد الإجمال ليقع الفهم والتحصيله وجملة هذا الفصل دائر على حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيدا" رواه مسلم وعليه عمل الكافة ثم اختلفوا في قصرا الحكم عليها وتعدية ما ذكر فيها بجامع حكمته فذهب الظاهرية لقصر الحكم عليها وذهب الحنفي إلى أن العلية الكيل والوزن والشافعي الطعم في المطعومات والثمنية في النقود، وقيل العلية في الثمنية وعلى الأول تدخل الفلوس وعلى الآخر لا تدخل والقولان في المذهب وفي المذهب في غيرها طريقان إحداهما تفصيلية ففي البر الاقتيات وكذا الشعير للضرورة وفي التمر التفكه وأنكر لأنه كان قوتا في زمنه عليه السلام وفي الملح الإصلاح للقوت وفي معنى الملح كل ما يشاركه في علته واستظهر ابن بشير هذه الطريقة والثانية إجمالية فقال القاضي إسماعيل الاقتيات وروى اللخمي الادخار غالبا والمشهور مجموعهما وقد تقدم. (والقمح والشعير والسلت كجنس واحد فيما يحل فيه ويحرم).

(السلت): حب يشبه الشعير المقشور في صورته ويقرب من القمح في لونه وطعمه يعرف بشعير النبي عند أهل المغرب ولم يختلف قدماء أهل المذهب في كون الشعير والقمح جنسا واحدا وخالف فيه السيوري وعبد الحميد فجعلاه غيره كالشافعي والكافة (ع) وفي أجراء الخلاف في السلت مثلهما نظر والأظهر عدمه ألحق ابن حبيب العلس وهو حب صغير يقرب من خلقة البر، وألحق ابن وهب الدخن والذرة الأرز قائلا إنها جنس وهو مذهب الليث فلعله سرى إليه من قراءته عليه

والمذهب عدم إلحاقها وأنها أجناس والله أعلم. (والزبيب كله صنف والتمر كله صنف). يعني أن أعلاه وأدناه واحد في البيوع وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على خيبر فأتاه بتمر جنيب فقال عليه السلام: " أكل تمر خيبر كذا؟ ". قال: لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع منه بالصاعين الصاعين بالثلاثة فقال: " لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا". أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما وألحق القاضي أبو بكر الباقلاني الزبيب بالتمر فجعلها جنسا واحدا الباجي: والتين كله صنفه أي لا يجوز فيه التفاضل على القول بربويته والله أعلم. (والقطنية أصناف في البيوع واخلف فيها قول مالك ولم يختلف قوله في الزكاة أنها صنف واحد). فالفول والترمس والجلبان والعدس واللوبيا والحمص والبسلة والكرسنة كل ذلك أجناس يجوز التفاضل فيها على المشهور وهو المرجوع عنه في المدونة والمرجوع إليها أنها صنف واحد. وفي الموازية الذي ثبت عليه مالك وقال أصحابه أنها أصناف إلا اللوبيا مع الحمص والبسلة مع الجلبان وما قاله من عدم اختلاف قوله في الزكاة يعني في المدونة وإلا فقد وجد في الموازية ما يدل للقول بأنها أصناف في الزكاة وقد تقدم إلحاق الكرسنة بها. (ولحوم ذوات الأربع من الأنعام والوحش صنف ولحوم الطير كله صنف ولحوم دواب الماء كله صنف).

لا يباع شيء من ذلك بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد وقاله ابن عبد السلام لقول الشافعي في ذوات الأربع والطير والنعام من الطير اللخمي واختلف في التفاضل في البيض فمنعه مالك ورآه مدخرا وحكى ابن شعبان فيه الجواز والمنع ونص غيره على أن المشهور المنع وفي تهذيب الطالب عن الموازية البيض كله صنف النعام والطاووس فما دونهما مما يطير أو لا يطير يستحيا أو لا يستحيا صغيره وكبيره لا يباع إلا مثلا بمثل تحريا وإن اختلف الأعداد والمشهور استثناء قشر بيض النعام لأنه سلعة على حدته وغير مستهلك. عبد الوهاب والجراد جنس وحده لا من الطير ولا من الحوت وأجاز في المدونة التفاضل بينه وبين الحوت وهذا كله النيئ وفي جنسيه المطبوخ من جنسين قولان وشهر عبد الحق اتحادهما كالخبزين (ع) وظاهر المدونة أن طبخه بالماء واللملح لغو وفي مصلوق الفول والترمس بيابسه متافضلا ثالثها يجوز في الترمس فقط. (وما تولد من لحوم الجنس الواحد من شحم فهو كلحمه). يعني أن الشحوم تابعة للحومها لأنها متولدة عنها والفرع تابع لأصله فلا يجوز شحم بشحم من جنسه إلا متماثلا وكذلك الشحم باللحم والمذهب أن الأمراق المختلفة باللحوم المطبوخة جنس وقيل إلا ما غلب عليه الشحم واللحم إلا أن يكون تغييرها بدخول إبزار ونحوه عليها فإنه تصير به جنسا آخر والله أعلم.

(وألبان ذلك الصنف وجبنه وسمنه صنف). يعني الألبان كلها صنف ما له زبد وما لا زبد له يباع بعضه ببعض متماثلا ولو اختلف زبدها أو كان أحدهما لا زبد له كلبن الإبل بلبن البقر على المشهور اعتبارا بالمنفعة الحالية ومنعه أبو الفرج بكل وجه للمزابنة والمخيض والمضروب بمثله متماثلا جائز اتفاقا والمشهور منعه متفاضلا نص عليه ابن الفاكهاني. و (الجبن) بضم الجيم والموحدة مضمومة مع شد النون أو مسكنة مع تخفيفها معلوم وجواز بعضه ببعض متماثلا واضح إن تحقق التماثل والسمن بمثله جائز بخلاف اللبن بأحد هذه لأنها تكون منه فيمنع متماثلا ومتفاضلا للمزابنة و (الزبد) بالسمن من باب الرطب باليابس وكذلك الأقط باللبن فيمنع الخمس باللبن والأقط كذلك والله أعلم. (ومن ابتاع طعاما فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه إذا كان شراؤوه ذلك على كيل أو وزن أو عدد بخلاف الجزاف وكذلك كل طعام أو إدام أو شراب إلا الماء وحده). الابتياع شرط وكذا ما في معناه من الإجارة ونحوها والمقصود أن من ملك طعاما على معاوضة فلا يبيعه ولا يعاوض عليه حتى يستوفيه بخلاف ما ملك من غير معاوضة كالهبة والصدقة والإرث والحرث والسلف فإنه يجوز بيعه قبل قبضه وكذا من أخرجه بغير عوض فإنه يجوز وإن كان مبتاعا له فلا يجوز فالبيع شرط في الوجهين وكونه طعاما شرط فيجوز بيع غيره قبل القبض بأي وجه ملك والكيل ونحوه شرط بخلاف الجزاف فإنه يجوز بيعه قبل نقله على المشهور. وروى الوقار منعه حتى ينقل وهو نص حديث وقاله ابن حبيب في كل مبيع وفيه حديث وأفاد بقوله (كل طعام) دخول الربوي وغيره وهو المشهور خلافا لرواية ابن وهب في اشتراطه وفي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله" الحديث وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه: " لأنه دراهم بدراهم" والطعام مرجا وعلله أهل المذهب بربح ما لم يضمن واستثناء الماء لأنه ليس بطعام وقد تقدم. (وما يكون من الأدوية والزراريع التي لا يعتصر منها زيت فلا يدخل ذلك

فيما يحرم من بيع الطعام قبل قبضه أو التفاضل في الجنس الواحد منه). هذا أصل يرجع إليه فيما هو طعام وما لا المازري والنكة التي تدور عليها فروع هذا الباب هي اعتبار الغرض في مقتضى العادة في الطعام هل يدخل للدواء أو العلاج أو لإصلاح القوت أو للاقتيات أو للائتدام؟ قال الكل ربوي إلا الأولين لأنهما ليسا بطعام في جري العادة. وفي المدونة يجوز بيع زريعة الفجل الأبيض والصلق والكراث والبصل والحرقر وهو البطيخ الأصفر وشبهه قبل قبضه لأنه ليس بطعام وإن أنتب طعاما فأما زريعة الفحل الذي يخرج منه الزيت فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه لأن هذا طعام ألا ترى أن الزيت فيه ابن رشد هذا في البلد الذي يخرج فيه. اللخمي واختلف في التوابل فمذهب المدونة أنها طعام وروى ابن شعبان ليست بطعام وقال ابن القاسم الشمار وهو النافع عندنا والبسباس عند إفريقية والينسون هو الحبة حلوة والكمونان الأسود وهو الشونيز والأخضر وهو المر هذه الأربعة طعام يجري فيها الربا. وقال أصبغ وابن المواز أدوية وروى أشهب كل واحد منها صنف وعن ابن القاسم كلها صنف وعنه الأولان صنف والكمونان صنف ابن حبيب الحرف ليس بطعام وألحق (ع) الليم بالطعام المدخر لأنه من مصلحات إدامه بخلاف النارنج والزنجبيل بالفلفل لأنه مصلح مثله وهو واضح. (ولا بأس ببيع طعام القرض قبل أن يستوفيه). وكذلك الموروث والموهوب والمتصدق به لأنه ملك من غير عوض، بخلاف ما كان إجازة أو عوضا عن شيء قال في الواضحة والموازية ما يأخذ القضاة والمؤذنون وصاحب السوق والكتاب زاد في البيان والجند والأعوان فلا يباع حتى يستوفى وما كان لغلة أو عطية أو هبة أو ميراث فقال مالك في العتبية ومثل ما فرض عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس أن يباع قبل قبضه وفيما يفرض صداقا قولان ابن عبد السلام وما يفرض من نفقات الزوجات أخف منه ورده (ع) فانظر ومعن الفرض هو السلف والله أعلم. (ولا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل قبل قبضه). (الشركة) الإدخال في الصفقة ببعضها و (التولية): إخراج المبيع لغير ربه

و (الإقالة): ارجاعة لربه وشرط الكل: أن يكون بمثل الثمن وصفة عقده وإلا صار بيعا مستأنفا وأن لا يشترط على الشريك والمولي أن ينقد عنه الكل أو البعض غير حصته لأنه سلف جر منفعة وما ذكر في الشركة هو المشهور وروى أبو الفرج لا شركة في طعام حتى يقبض والإقالة جائزة اتفاقا واختلف في إلحاق التولية فيها أو بالشركة على قولين وإنما أبيحت هذه الثلاث لما دخلها من المعروف وقد روي استثناؤها في حديث من مراسيل سعيد بن المسيب والله أعلم. تحصيل: فإن بعض الشيوخ بيع الطعام قبل قبضه على ثلاثة أقسام جائز وممنوع ومختلف فيه، فالجائز بيعه أربعة طعام القرض والإرث والصدقة وهبة غير الثواب، والممنوع بيعه أربعة المشتري على التوفية من كيل أو وزن أو عدد والمستأجر به والمصالح به في دم عمد وطعام النكاح أي المجعول صداقا ونحوه وفيه خلاف والختلف فيه أربعة المصالح به في الخطأ والمكاتب به ومعروف المعلم والمبيع جزافا والله أعلم. (وكل عقد بيع أو إجارة أو كراء بخطر أو غرر في ثمن أو مثمون أو أجل فلا يجوز). (عقد البيع) ما كان لتمليك الرقبة و (الإجارة) العقد على منفعة الحيوان العاقل و (الكراء) على منفعة ما لا يعقل من حيوان أو غيره وما لم يتيقن وجوده كقوله بعني فرسك بما أربح غدا فقد يربح وقد لا و (الغرر) ما يتيقن وجوده يش في تمامه كبيع الثمار قبل بدو صلاحها قاله المتيوي ومثال الخطر في الثمن بيع النتاج المنهي عنه شرعا وكذا الاستئجار به والاكتراء. وفي المثمون عسيب الفجل أي استئجاره على اللقاح وشراء ماء ظهره ومثال الغرر البيع والاستئجار على عبده الآبق وبعيره الشارد فإنه لا يدري هل يجده سليما أو معيبا أو لا يجده وكذا بيع الملامسة والمنابذة المنهي عنه. وكلام الشيخ يتضمن ثمانية عشر صورة لأنهما أصلان الخطر والغرر كل منهما يجري في ثلاثة هي البيع والأجرة والكراء وكل واحد من الثلاثة تجري فيه ثلاثة فيكون تسعة في اثنين بثمانية عشر والله أعلم.

(ولا يجوز بعي الغرر ولا بيع شيء مجهول ولا إلى أجل مجهول)

قيل هذا مكرر مع ما قبله في نفسه وأجيب بأن تكريره للتأكيد وما كرر به في نفسه هو أن بيع المجهول هو الغرر كذي الأجل المجهول وقيل كرر للمغايرة وأن الثاني تفسير للخطر الذي هو قسيم للغرر نعم الغرر يداخل الخطر ولا ينعكس فإنه في الخطر إذا كان هل يكون على المراد أو على خلافه لأن الجهل بالوجود يتضمن الجهل بالوصف ولا ينعكس وقد فسر الخطر بجهل الوجود والغرر بجهل الكيفية وفي الإرشاد بيع الغرر ما يتعذر تسليمه ولا ينتفع به كالمشرف وقال المازري حقيقة الغرر ما تردد بين السلامة والعطب (ع) والأقرب أنه ما شك في أحد وصفيه أو مقصودية غالبا الباجي ويسير الغرر عفو إذ لا يكاد يفارق المازري وكون متعلق اليسير غير مقصود والضرورة إلى ارتكابه وغرره كقوله كبيع الجبة المحشوة المجهول حشوها الممنوع بيعه وحده وجواز كراء الشهر مع احتمال نقصه وتمامه وجواز دخول الحمام مع اختلاف قدر ماء الناس ولبثهم فيه والشرب من السقاء إجماعا في الجميع دليل إلغاء ما هو منه يسير غير مقصود دعت الضرورة للغوه انتهى وحديث النهي عن بيع الغرر رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (ولا يجوز في البيوع التدليس والا الغش ولا الخلابة ولا الخديعة ولا كتمان العيوب ولا خلط دنيء بجيد ولا أن يكتم من أمر سلعته ما إذا ذكره كرهه المبتاع أو كان ذكره أبخس له في الثمن). (التدليس) إخفاء العيب وإظهار الحسن كتسويد شعر الأمة الكبيرة وجعل

طيب السلع من فوقها لتباع على ذلك (والغش): إدخال ما ليس منها عليها كخلط اللبن بالماء والحناء بالسدر والنيلج بالرمل ونحو ذلك (والخديعة) أن يريه النصح من نفسه ويريد تحصيله في غير كزيادة الثمن أو نقص السلعة ونحوه (والخلابة) الخيانة بأن يريه شيئا ويعطيه دون أن يظهر له التغفل ويعامله بالحيلة فيكتب على السلعة اثنا عشر ليرى أن اشتراها بها ويطلب فيها عشرة ويبيعها بثمانية وهي عليه بدون ذلك أو يجعل في طرف كساء ونحوه ليزيد في ثمنه بعض الطماعين لأجل ذلك. وقيل: هي الخديعة وكتمان العيوب بالفعل كسترها وبالقول كمدحها وبالسكوت عما أطلع عليه فيها والكل ممنوع و (خلط دنيء بجيد) كالسمين من اللحم بالهزيل قال ابن القاسم لا يحل ولو بينه وقال مالك من خلط بدونه عوقب والذي كرهه المبتاع ثوب الميت بالوباء والمجذوم والمقمل والجديد النجس قال الغبريني ومنه دراهم الكيمياء لأنها لا تقف لشديد الاختبار في الغالب ولا يحصل منها على حقيقة ونص (ع) على تجريح المشتغل بمطلق علم الكيمياء وأفتى الشيخ أبو الحسن المنتصر بمنع إمامة المشتغل بها وقد عقد ابن الحاج فصلا للكلام على ذلك فانظره فإنه مهم وقيل كل ما ذكره الشيخ داخل في التدليس وقيل بعضها مرادف لبعضها فانظر ذلك. (من ابتاع عبدا فوجد به عيبا فله أن يحبسه ولا شيء له أو يرده ويأخذ ثمنه). هذه عاقد باب الرد بالعيب (ع) الرد بالعيب لقب لتمكين المبتاع من رد مبيعه على بائعه لنقص حالة بيع عليها غير قلة كمية قبل ضمانه مبتاعه فقوله غير قلة أراد به أن الرد بالعيب يتعلق بنقص الكيفية لا بنقص الكمية إذ له حكم يخصه وكون ذلك قبل ضمانه المبتاع شرط احترز به من رده بعد الحكم بكونه ضامنا له لتصرف ونحوه ثم قوله: (عبدا) لا مفهوم له لأن غير العبد في ذلك كالعبد والمراد بالعيب هنا العيب المفسد وهو ما نقص المنفعة أو كان علاقة أو مخوف العاقبة قاله في الإرشاد السطي في تعليقه على المدونة العيوب في الرقيق بالأبدان والأديان والأخلاق والعلائق وهي الولد والزوج والزوجة تكون له لأنها لنقص الثمن والمنفعة الباجي عيب الرد ما نقص الثمن كاعلور وبياض العين والصمم والخرص.

وفي قوله: (فوجد به عيبا) أن رده بالعيب القديم الذي لا علم له به حال العقد فول كان حادثا فلا رجوع له ولو علم به ثم تصرف بعد العلم به لزمه ولو تنازعا في وجوده أو قدمه رد لأصحاب المعرفة وإن لم يكونوا عدولا المتيطي ويقبل أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرهم والواحد يجزئ لأنه من باب الخبر. قال: وهذا هو المشهور والمعمول به وقال بعضهم إنما ذلك إذا بعثهم القاضي وإلا فلا بد من عدلين عبد الملك وليس له أن يتمسك به ويأخذ الأرش للنقص إنما هو أخذ أو ترك والله أعلم. (إلا أن يدخله عنده عيب مفسد فله أن يرجع بقيمة العيب القديم من الثمن أو يرده ويرد ما نقصه العيب عنده). يعني لأن له من الحق مثل الذي عليه فيختار أحد الأمرين فإذا أراد الرجوع بقيمة العيب القديم قوم العبد سليما ثم بعيبه القديم فأخذ من الثمن ما بين السلامة والعيب فإذا كان سليما بثلاثين هي ثمنه مثلا وبعيبه القديم بعشرين رد عليه البائع عشرة وكان له معها وإن أراد الرد قوم ثلاث تقويمات أولا سليما لتعرف نسبه العيب القديم عند التقويم الثاني فتكون على البائع ثم يقوم ثالثا معيبا بالعيب الحادث بعد القديم فيكون للبائع ما نقصه على المبتاع ويأخذه البائع مثاله لو قوم سليما بثلاثين وكان ثمنه معيا بالقديم بعشرين ثم الحادث بعد بخمسة عشر كان للبائع على المشتري خمسة وللمشتري على البائع عشرة فيقاصة بالخمسة ويعطيه خمسة إن شاء وإلا أخذ كل وأعطى ولو كان الثمن مخالفا للقيمة أخذ منه على نسبتها وبيان ذلك في المقدمات. والعيوب ثلاثة: عيب مفسد وهو الذي تقدم وعيب مفيت وليس فيه إلا القيمة عيب ليس بمفسد ولا مفيت وهو الخفيف كالرمد والجرب والدماميل فلا حكم له والله أعلم. وقوله: (وإن رد عبدا بعيب وقد استغله فله غلته) يعني لقوله عليه السلام " الخراج بالضمان". رواه أبو داود والترمذي والغلة بالضمان وفسره كما أنه إذا هلك ضمنه إذا

استغله فله غلته وهذا عام في كل شيء أخذ بوجه جائز ولا خلاف أن اللبن غلة وأن الولد جزء يرد واختلف في الصوف. (والبيع على الخيار جائز إذا ضربا لذلك أجلا قريبا إلى ما تختبر في تلك السلعة أو ما تكون فيه المشورة). الخيار ثلاثة أنواع خيار النقيصة وهو الرد بالعيب وتقدم آنفار وخيار المجلس ويأتي الكلام عليه عند قوله والبيع ينعقد بالكلام وخيار التروي وهو المذكور هنا (ع) الخيار بيع وقف بته على إمضاء يتوقع فيخرج ذو الخيار الحكمي وحكمه الجواز لحديث ابن عمر رضي الله عنه في البيعين المازري وفي كونه رخصة لاستثنائه من الغرر وحجر المبيع خلاف والأجل فيه شرط حكمي فلو سكنا عنه حكم به ولو نفياه فسد وظاهر كلام الشيخ أن اشتراطه شرط وليس كذلك بل شرط وجوده قربه على الوجه الذي ذكره من الاختبار والمشهورة اللخمي ويختلف الأمر في ذلك بحسب المبيع التونسي ولا يجوز في التروي أكثر من ثلاثة أيام قال ولو شرط في الدار شهر للتروي لم يجزه بخلاف الاختبار ورده اللخمي لتفاوت النظر في الاثمان فليس التردد في دفع دينار كالتردد في دفع عشرة فمعنى التروي النظر في أمره هل يأخذ أو تيرك وفي قوله (المشورة) البيع على مشورة فلان أو خياره وفيه خلاف مشهوره الجواز بشرط حضوره أوقرب مغيبه لا إن بعد ولأصبغ وابن القاسم لا يعجبني ولسحنون يفسد لوجود الغرر والله أعلم. (ولا يجوز النقد في الخيار ولا في عهدة الثلاث ولا في المواضعة بشرط). يعني أن من شرط بيع الخيار أن لا يشترط فيه النقد وكذلك المواضعة وعهدة الثلاث وزاد بعد هذا بيع الغائب على الصفة والأرض غير المأمونة قبل أن تروى فهي إذا خمس لا يجوز فيها النقد بشرط ويجوز بغير شرط وإنما يمنع لأنه يكون تارة بيعا وتارة سلفا ومعنى المواضعة جعل الأمة على يد أمين إلى أن تظهر براءة رحمها فينبرم بيعها وعهدة الثلاث الرجوع بكل ما يحدث في الرقيق من العيوب في ثلاثة أيام بعد عقد البيع وقوله (والضمان في ذلك والنفقة على البائع) يعني في الخيار وفي عهدة الثلاث وفي المواضعة لأن المبيع لم يخرج عن ملكه في ذلك. وهذا على أن بيع الخيار منحل حتى ينبرم وحكى المازري فيه قولين وقال ابن

رشد هو منحل اتفاقا فإن أمضى فهل يعد ممضي من يوم نزل أو من يوم أمضى قولان قال والمبيع في مدة الخيار للبائع والأمضاء نقل وقال بعد الرحمن هو ملك للمبتاع فالأمضاء تقرير والرد فسخ. (وإنما يتواضع للاستبراء الجارية التي للفراش في الأغلب أو التي أقر البائع بوطئه وإن كانت وخاشا). يعني أن المواضعة إنما تكون في الرفعيات اللواتي شأنهن الاتخاذ للفراش أو التي أقر البائع بوطئها للتبري من شغل رحمها ابن رشد الحكم بالمواضعة واجب في كل بلد كانت جارية فيه أو لم تكن ولم يختلف قول مالك كما اختلف في العهدة ولو شرط تركها بطل الشرط فقط على المشهور. وقال الأبهري: يفسد البيع بشرط ترك المواضعة حيث تجب اللخمي ولا مواضعة في ست ذات زوج وذات حمل ومعتدة من وفاة ومعتدة من طلاق ومستبرأة من زنا ومستبرأة من غصب (والوخس) هي الأمة الدنيئة الوصف التي لا تشتهي في الغالب والله أعلم. (ولا تجوزو البراءة من الحمل إلا حملا ظاهرا). (البراءة): التبري مما عسى أن يكون منه وذلك لا يصح وقوعه إلا في العليات ففي لام الشيخ قلق بل قال ابن الفخار إجماله لهذا اللفظ غلط والصواب أنه لا يجوز في الحمل إلا في الجواري المرتفعات إلا في حمل ظاهر وتجوز في الحمل من الوخش وإن لم يكن ظاهرا قال هذا قول مالك لا يعرف خلافه وذلك لأنه عيب في الرفيعة كمال في الوخش وفي المدونة لا يجوز بيع أمة رائعة بالبراءة من الحمل ولا بأس بذلك في الوخش انتهى. (والبراءة في الرقيق جائزة مما لم يعلم البائع). عياض معنى البراءة أن لا يرجع بعيب قديم في المبيع مما لم يعلم البائع وما ذكره الشيخ هو الذي رجع إليه مالك (والبراءة في الرقيق) خاصة ولا تنفعه البراءة مما لم يعلم حتى يبينه ولا في غير الرقيق مطلقا عبد الوهاب لأن الرقيق يخفي عيوبه وغيره لا يخفيها وحكى عياض في ذلك عشرة أقوال مشهورها ما هنا والله أعلم.

(ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع حتى يثغر). يعني لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: " من فرق بين والدة ولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" رواه أحمد وصححه الترمذي والحاكم وقالا على شرط مسلم. وقال ابن القطان عن الأشراف أجمع المسلمون على العمل بهذا الخبر إذا كان الولد طفلا لم يبلغ سبع سنين وهو حد التفريق عند ابن حبيب والإثغار سقوط الرواضع وقيل نباته بعد السقوط ابن عبد السلام والأمر في ذلك قريب ويروى بتشديد الثاء مع كسرها واعتباره هو المشهور والذي في المدونة ما لم يعجل كن جواري أو غلمانا وروى ابن غانم لا تفرقة إلا بالبلوغ وقال ابن عبد الحكم لا يفرق بينها أبدا والمشهور عدمه ولا يلحق غيرهما اتفاقا والمشهور إن جمعا في ملك لا يصح ثم هل هو حق لله وهو المشهور فلا يجوز التفريق إذا رضيت الأم أولها فيجوز إذا رضيت. وقال ابن عبد الحكم أو للولد فإذا أقيم به جاز ثم إن وقعت التفرقة فسخ إلا أن يجمعا في ملك وقيل مطلقا ويعاقبان وقوله في البيع شرط فيجوز في العتقد اتفاقا وكذا الهبة والصدقة ويؤمران بالمقاومات أو البيع من واحدة فانظر ذلك. (وكل بيع فاسد فضمانه من البائع فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه فإن حال سوقه أو تغير في بدنه فعليه قيمته يوم قبضه ولا يرده وإن كان مما يوزن أو يكال فليرد مثله).

البيع الفاسد هو الذي اختلفت بعض شروطه أركانه أو كلها عبد الوهاب هو ما وقع على خلاف وفق الشرع وشرطه والمشهور أن البيع الفاسد لا ينقل الملك بعقده فإذا هلك قبل قببضه فضمانه من ربه بخلاف الصحيح فإنه على ذمة المشتري بنفس العقد على المشهور وسمع سحنون وابن القاسم يضمن المبتاع الجزاف ولو كان بأرص بائعه وهو جار على المشهور في أن النظر إليه قبض وظاهر كلامه أنه يضمنه بالقبض ولو كان مجمعا على فساده وهو المشهور خلافا لسماع أبي زيد وظاهره ولو كان بيع خيار لاشتراط النقد فيه أو لطول مدة أجله والمشهور أنه على حكمه في الخيار فيستثني خلافا لابن سحنون وقوله يوم (قبضه) يعني: لا يوم البيع ابن يونس لأن الفاسد فيه الرد قبل القبض فلا يضمنه بخلاف الصحيح فإنه لا زم له وإن لم يقبض وهذا على المشهور وقوله فإن حال سوقه أو تغير في بدنه يروى بدنه بموحدة ونون يعني بسمن أو هزال ونحوه ويروى في يديه أي وهو في كمه هذا أعم وحوالة الأسواق أن يغيرها بالغلاء والرخص فإذا تغير سوق السلعة وهي مما يفتيه حوالة الأسواق وجبت القيمة إن كانت مقومة كالعروض أو المثل إن كانت مثلية كالطعام وجميع المكيلات والموزونات قال في المدونة والبيع الفاسد إذا فات عجلت فيه القيمة وفسخ البيع. ابن يونس وإذا وجبت القيمة في البيع الفاسد فأجرة المقوم عليهما إن كان لا يقوم إلا بها لأنهما دخلا البيع بمعنى واحد وعزاه لبعض القرويين وقوله ولا يرد في المقوم

يريد جبرا وأما بالرضا فلذلك جائز بعد معرفة القيمة لئلا يكون بيعا ثانيا بثمن مجهول وقيل يجوز وإن لم تعرف القيمة اللخمي لم يختلف فيما يكال أو يوزن أنه لا يفته تغيره في نفسه ولا ذهاب عينه لأنه مما يقضى فيه بالمثل والمثل يقوم مقام الأول واختلف إذا تغير سوقه وهو قائم العين أو فائت فقال مالك وابن القاسم ليس بفوت وقال ابن وهب وغيره أنه فوت والله أعلم. (ولا يفيت الرباع حوالة الأسواق). قاعدة المسألة إن كان ما شأنه أن يتخذ للأسواق كالعروض والحيوان والرقيق تفيته الحوالة وما شأنه أن يتخذ للأسواق كالرباع والعقار لا تفيته وما تردد بينهما كالطعام فقولان تقدما فوقه والله أعلم. (ولا يجوز سلف يجر منفعة). يعني جرها للمسلف لا للمستلف لأن استلافه عين المنفعة بخلاف المسلف فإنه كالمتصدق وقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه السلف على ثلاثة أوجه سلف تريد به وجه الله فلك وجه الله وسلف تريد به وجه صاحبك فلك وجه صاحبك وسلف اسلفته لتبدل خبيثا بطيب فذلك الربا قال فكيف أصنع قال إن تشق الصحيفة فإن أعطاك مثل الذي أعطيته قبلته وإن أعطاك دون ما أسلفته أجرت وإن أعطاك فوقه طابت به نفسه فذلك شكر لك ولك أجر ما أنظرته به واختلف فيهما إذا كان النفع لهما كالسائس في الغلاء ليأخذ عوضه جديدا قال ابن بشير وهو من السفتجة وفيها اختلاف مشهورها المنع وأفتى بعض شيوخنا بالجواز للضرورة وصورتها يسلف منه في بلد ويكتب لوكيله أن يفدع له في أخرى من خوف الطريق ولو شرط إسقاط يمين القضاء عند التنازع فقيل منفعة تمنع وقيل لا ولو أطاع بذلك فأجيز وقيل هو هدية مديان والله أعلم. (ولا يجوز بيع وسلف وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء) يعني إذا كان ذلك بشرط لنهيه عليه السلام عن بيع وشرط صححه الترمذي والحاكم وابن خزيمة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال لا يحل البيع بشرط السلف إجماعا ابن رشد تحصيل القول مسألة البيع والسلف هل هو بيع فاسد أو من بيوع الشروط؟ فقال ابن عبد الحكم فاسد ومذهب الكتاب أنه من بيوع الشروط.

وقاله مالك وابن القاسم وسحنون وأصبغ وابن حبيب وعليه لو أسقط الشرط قبل الغيبة على المبيع وقبل فواته جاز ولو أسقطه بعد الغيبة عليها وقيل الفوات فقال سحنون وابن حبيب لا يصح لأن الربا بينهما قد تم وقال الأصبغ يصح ما لم تفت وإن فات فإن كان السلف من البائع فله الأقل من الثمن والقيمة وإذا كان من المبتاع فقال ابن القاسم عليه الأكثر منهما بالغا ما بلغ وقال أصبغ ما لم تجاوز القيمة والسلف فلا يزاد وهي القيمة يوم القبض قاله في المدونة أو يوم الفوت وقاله في الجلاب فانظره. (والسلف جائز في كل شيء إلا في الجواري وكذلك تراب الفضة). شروط السف سبعة أن يكون مما يجوز تملكه وبيعه وأن يكون مما تحصره الصفة وأن يكون معلوم الصفة وكونه غير منفي الأجل ولا تدخله عارية الفروج كالجوري لغير ذلك محرم ومن لا يطأ على المشهرو وكونه مما يبان به وينقل ومما يقدر على أدائه بعد فقوله في كل شيء يريد مما يحصل في الذمة وبيان به إلا الجواري لأن فيهن عارية الفروج وأجازه ابن عبد السلام في الجواري بشرط أن يرد عينها واختلف في إجارتها لمن لا يمكن منه الوطء هل هو قيد في المشهور أو قول بالتفصيل وتراب الفضة لا تحصره الصفة فلذلك منع والله أعلم. (ولا تجوز الوضعية من الدين على تعجيله ولا التأخير به على الزيادة فيه). الأولى تسمى عند الفقهاء ضع وتعجل وحكمها المنع على المشهور لأن من عجل شيئا قبل الأجل عد مسلفا فيكون قد سلف دينارا مثلا على أن يقبض من نفسه عند الأجل اثنين ونقل اللخمي جوازه فنقله طالب من كتابه فأنكر عليها فبحث في بيوعه فلم يوجد فاغتم لذلك فرآه اللخمي في منامه فأخبره فقال ذكرته في الخلع فنظره فوجده فكان رفعة له وأما الزيادة فيه للتأخير فهو ربا الجاهلية المتقدم أولا ويسمى أخر وأزيدك والله أعلم. (ولا تعجيل عرض على الزيادة فيه إذا كان من بيع ولا بأس بتعجيله ذلك من قرض إذا كانت الزيادة في الصفة). العرض إذا بيع لأجل فليس للمشتري أن يجبر صاحبه على التعجيل وله ذلك

تفضلا ولو أخذ شيئا على التعجيل لم يجز لأنه يدخله حط الضمان وأزيدك وهو من أكل المال بالباطل كضمان بجعل وهذا إذا كان من بيع لأن الأجل فيه من حق البائع إذ لا يجبر عليه بخلاف القرض الذي هو السلف فإن الأجل فيه من حق المدين فيجبر عليه عند تعجيله وهو من حسن القضاء وإنما يجوز في القرض إذا كانت الزيادة على الصفة لأنه من باب حسن القضاء وقد صح: " خياركم أحسنكم قضاء". واستسلف صلى الله عليه وسلم بكرا فرد رباعيا رواه مسلم بمعناه ولو كانت الزيادة في القدر ففيه اختلاف هو قول الشيخ. (ومن رد في القرض أكثر عددا في المجلس القضاء فقد اختلف في ذلك إذا لم يكن فيه شرط ولا وأي ولا عادة فأجازه أشهب وكرهه ابن القاسم ولم يجزه). خرج بقوله (عددا) الصفة وقد تقدم جوازها وبقوله في مجلس القضاء ما كان قبل ذلك لأنه هدية مديان وقال مجلس القضاء لأنه يشمل ما وقع وغيره والشرط معلوم والوأي ما يفهم به المقصود من الزيادة وغيرها كقوله أسلفني وترى ما أعمل لك من عادتي وإنما أرد بزيادة ونحو هذا فإن ذلك سلف بشرط نفع وهو حرام وما عزاه لأشهب عزاه غير لعيسى وعزى لأشهب الجواز بقيد اليسارة كالدرهمين في المائة ودينارين. كذلك ومنعه في ذلك ابن حبيب قائلا في كل شيء إن كانا من أهل الصحة ويكون ذلك عند القضاء أو بعده لا قبله والمنع لابن القاسم في الرسالة مطلقا وفي غيرها الأمثل رجحان الميزان. (ومن عليه دنانير أو دراهم من بيع أو قرض مؤجلا فله أن يعجله قبل أجله وكذلك له أن يعجل العروض والطعام من قرض لا من بيع).

الأجل في القرض من حق المقترض فله التعجيل مطلقا إلا أن يكون في تعجيله ضرر على رب الدين وفي البيع من حق البائع فما يراد للأسواق لا يجبر على قبوله عند تعجيله إلا أن يشاء إن كان مما يرصد للأسواق كالعروض والطعام بخلاف الدنانير والدراهم فأنه يجبر إلا لخوف ونحوه.

وقال ابن القاسم: إن كان الغريم معسرا أجبر رب الدين على أخذه وإن كان موسرا لا يجبر ويجبر الغريم على أداء الحق أي عند الأجل والله أعلم. (ولا يجوز بيع ثمر أو حب لم يبد صلاحه ويجوز بيعه إذا بدا صلاح بعض وإن نخلة من نخيل كثيرة). بيع الثمر قبل بدو صلاحها على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يشتريها على التبقية إلى طيبها فهذا لا يجوز اتفاقا في المذهب. الثاني: بيعها على الجد الآن وهذا يجوز بشروط ثلاثة: أن يكون فيها ما ينتفع به وإلا فهو أكل المال بالباطل وأن تمس الحاجة إليه؛ وإلا فهو إضرار ولا يتمالا عليه أهل البلد وإلا فهو فساد في الأرض. الثالث: أن يشتريها على السكة وفيه قولان يصح ويحمل على الجد في الحال وهو في المدونة في البيوع الفاسدة. وقال العراقيون: لا يصح وهو الجاري على المشهور في البيع المحتمل للصحة والفاسد أنه محمول على الفساد خلافا لابن حبيب وتؤولت به المدونة فانظر ذلك وقد علل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنع بقوله: " أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال

أخيه" الحديث وصلاح الثمرة طيبها ويختلف باختلاف الثمار وجامع ذلك أن يصلح للأكل والانتفاع به ففي التين حلاوته وفي العنب جريان الماء فيه وفي الزيتون أن ينحو إلى السواد وفي القثاء والفقوس أن ينعقد ويبلغ مبلغا يوجد له طعم وروى أصبغ عن أشهب أن يؤكل فقوسا قال أشهب فقوسا قد تهيأ للتطبيخ فأما الحبوب والقطاني ونحوها فباشتداد الحب والنور بانفتاحه وذوات الأصل إذا استقلت وفي الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه نهى عليه السلام عن بيع الثمار حتى تزهي قيل وما زهوها قال: " تحمار وتصفر" متفق عليه وعنه نهى عليه السلام عن بيع العنب حتى يسود عن بيع الحب حتى يشتد رواه أصحاب السنن غير النسائي وصححه ابن حبان والحاكم عليه العمل عند أهل العلم والله أعلم. وقولهك ويجوز إذا بدأ صلاح بعضها إلى آخره يعني لأن تأخيره لطيب جميعه يؤدي إلى فساده ابن المواز وإذا بدأ صلاح نخله واحدة من نخيل كثيرة جاز البيع إلا أن تكون باكورة فلا يباع بها المؤخر عبد الوهاب المراعى بلوغ الزمان الذي يؤمن فيه بلوغ العاهة على الثمرة غالبا لأنالو لم نجز البيع إلا بعد أن يبدو الصلاح في الحائط كله لكان في هذا ضررا عظيما بأرباب الأموال لأنه إذا حبس أوله على آخره فسد وفيه مشقة على المشتري لأنه يريد أن يتفكه ففي بيعه بصلاح بعضه مصلحة للجميع. وإنما يباع بشرط اتحاد النوع واتصال الأرض ولو لم يتحد الملك على المشهور الله أعلم. (ولا يجوز بيع ما في الأنهار والبرك من الحيتان ولا بيع الجنين في بطن أمه ولا بيع ما في بطون سائر الحيوانات ولا بيع نتاج ما تنتج الناقة ولا بيع ما في ظهور الإبل ولا بيع الآبق والبعير الشارد).

الأنهار جمع نهر بالسكون والفتح وهو الماء السائل الكثير والبرك بالكسر جمع بركة وهو الذي انقطعت جريته وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه نهى عليه السلام عن شراء السمك في الماء لأنه غرر رواه أحمد وما في المدونة موافق له ونهى عليه السلام عن بيع المضامين وهي ما في بطون الإناث من الإبل وعن الملاقيح وهي ما في ظهور الذكور وقيل بالعكس والكل ممنوع للخطر والغرر كسائر الحيوان وبيع النتاج وهي حبل الحبلة وهو أن يبيع النتاج نفسه وقيل إنتاجها ثم إنتاج التي في بطنها ونهى عليه السلام عن عسب الفحل وهو اكتراؤه لحبل الأنثى فلا يجوز إلا أن يكون على زمان أو مرات فإن حبلت فيما دونه فسخ في باقيه و (بيع الآبق والشارد) في حال إباقه وشروده غرر عبد الوهاب ويجمع الغرر ثلاثة: تعذر التسليم والجهل بالمبيع والقمار ثم ذكر تفصيله فانظره. (ونهى عن بيع الكلاب واختلف في بيع ما أذن في اتخاذه منها وأما من قتله فعليه قيمته). أما النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن متفق علي من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، وفي مسلم من حديث جابر بن عبد اله رضي الله عنه زجر عليه السلام عن ثمن الكلب وثمن السنور وزاد النسائي: " إلا كلب صيد" فمن ثم قال سحنون أبيعه وأحج بثمنه ولا خلاف في منع غير المأذون وفي غيره ثمانية أقوال مشهورها ما ذكره الشيخ وفي ضحايا المدونة من قتله فعليه قيمته. ولابن المواز لا يجوز بيع القرد ولا كسبه وأجازوا بيع الهر والسبع للجلد والله أعلم. ومهر البغي ما تأخذه الزانية على بضعها وسمى مهرا مجازا وحلوان الكاهن ما يأخذه على تكهينه والله أعلم. (ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه). لنهيه عليه السلام عن بيع اللحم بالحيوان قال مالك إن هذا في الجنس الواحد يعني للمزابنة وأجازه أو حنيفة مطلقا نقل أبو عمر عن أشهب مثله قائلا والمعروف عنه كقول مالك وقال ابن القصار وهوخاص بالحي الذي لا يراد إلا اللحم حكاه ابن محرز وعزاه اللخمي له ولعبد الوهاب والأبهري وغيرهم من البغداديين والمشهور ما هنا وقال الشافعي بالمنع مطلقا هو ظاهر الحديث والله أعلم.

وهذا كله في النيء فأما المطبوخ: فقال ابن القاسم: يجوز بالحيوان ولابن المواز عن أشهب كراهته ولابن شاس عنه المنع على اعتبار صورته بالطبخ جنسا آخر وحكى (ع) رابعا هو جوازه نقدا وكراهته لأجل والله أعلم. (ولا بيعتان في بيعة وذلك أن يشتري سلعة إما بخمسة نقدا أو بعشرة إلى أجل قد لزمته بأحد الثمنين). نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة رواه أبو داود والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر رضي الله عنه وفسره أهل المذهب بما ذكر لما في رواية أبي داود: " باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا" يعني أن له أقل ما باع به على كل حال وإلا أخذ الربا والحكم كذلك عندنا بعد الفوات وفي الجلاب لزوم أحد مثمونين مختلفين بثمن واحد من ذلك واللزوم شرط فلو كان على الغير اللزوم جاز لانتفاء الغرر قاله المازري ولو قال هذه الشاة بدينار أو هذا الثوب بدينار ولم يزد عليه. فروى ابن القاسم وابن وهب منعه وروى أشهب جوازه وفي المدينة جواز شراء ثوب اختاره من ثياب أو ثوبين على اللزوم ولو اختلفت القيمة وقال ابن المواز إذا لم يختلفا اختلافا يبيح سلم أحدهما في الآخر ومنع ابن حبيب حتى يستويا في الصفة والقيمة (ع) وهو الأقرب قائلا ولو قيل بالمنع مطلقا لكان له وجه لاختلاف الإغراض في المقومات والله أعلم. (ولا يجوز بيع الثمر بالرطب والزبيب بالعنب متافضلا ولا مثلا بمثل ولا رطب بيابس من جنسه من سائر الثمار والفواكه وهو مما نهى عنه من المزابنة). (المزابنة): مفاعلة من الزبن وهو الدفع وسمي خزان جهنم بالزبانية لأنهم يدفعون الكفار إليها وسميت هذه بذلك لأن كل واحد من البيعين يرى أنه دفع صاحبه عما يريده من الفائدة بجهل المبيع وقاعدة المذهب أن الجهل بالتماثل كتحقيق التفاضل فيما لا يجوز فيه التفاضل فلذلك لا يجوز التمر بالرطب وما ذكر معه. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال: " أنيقض الرطب إذا يبس؟ " قال: "نعم " فنهى عن ذلك.

رواه أصحاب السنن وصححه ابن المديني والترمذي وابن حبان والحاكم وفي المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا وإن زرعا أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله الحديث. وبمعنى ما في الحديث فسرها أهل المذهب إذ قالوا هي بيع معلوم بمجهول أو بيع مجهول بمعلوم من جنسه قال في الإرشاد ومنها رطب كل جنس بيابسه وحب بدهنه ولبن بجبن أو زبد أو سمن إلا المخيض والمشهور جواز الحليب والرطب والمشوي والقديد والعفن كل بمثله إن استويا في الشيء والعفن ونحوها والله أعلم. (ولا يباع جزاف بمكيل من صنفه ولا جزاف بجزاف من صنفه إلا أن يتبين الفضل بينهما إن كان مما يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه). ما ذكره أولا هو الذي فسر به المزابنة في الحديث المتقدم فبيع الجزاف بالمكيل بيع المعلوم بمجهول وبيع الجزاف بالجزاف بيع مجهول بمجهول ومنه الرطب بالرطب عند قوم والمشهور خلافه إن تقاربا. وقال ابن رشد في الرطب باليابس لا يجوز ذلك في الصنف الذي لا يجزو فيه التفاضل اتفاقا قال: واختلف فيما يجوز فيه التفاضل كالتفاح والخوخ وعين البقر على ثلاثة أقوال كلها لابن القاسم بالمنع وهو ظاهر سماع عيسى والجواز في رسم باع شاة والجواز إن تبين الفضل بينهما لسماع أبي زيد ورجع فضل بن مسلمة بالقولين إليه وهو ظاهر الرساة وفي قوله: (من صنفه): أن يجوز بغير صنفه ففي الذخيرة بشروط الجزاف وفي غيرها تفصيل يطول فانظره. (ولا بأس ببيع الشي الغائب على الصفة). يعني إذا وصف بما تختلف فيه الأغراض والأثمان ووصفه غير بائعها ابن العطار ولو المشتري للأمن من كذب البائع وفي المدونة: جوا بيعه دون صفة وقيل إن اشترط الخيار للمبتاع إذا رآه لا إن سكتا عنه أو اشتراط نفيه. المازري وأنكر ابن القصار والأبهري والقاضي مذهب المدونة لجهل المبيع حال العقد (ع) مذهب المدونة هو المعروف والغائب على ثلاثة أوجه غائب العين بحاضر

المجلس وهذا لا يجوز بيعه إلا بعد رؤيته غير البرنامج على خلاف فيه وغائب المجلس حاضر البلد جاز بيعه في المدونة على الصفة في خمس مواضع في الموازية منعه لأنه عدول للخبر عن المعاينة دون ضرورة وغائب بخروجه عن البلد وهو ثلاثة أوجه بعيد جدا كإفريقية من خراسان وهذا لا يجوز مطلقا وبعيد بعدا متوسطا بحيث لا يتغير وصفه في مدة الوصول إليه فهذا يجوز وقريب كاليوم ونحوه ويجوز بيعه على المشهور خلافا لرواية ابن شعبان وما دون ذلك حاضر والله أعلم. (ولا ينتقد فيه بشرط إلا أن يقرب مكانه أو يكون مما يؤمن تغيره من دار أو أرض أو شجر فيجوز النقد فيه). شروط بيع الغائب ثلاثة أن يكون موصوفا أو معلوما للمشتري على المشهور وأن يكون في رؤيته كلفة على المشهور أيضا وأن لا ينقد فيه بشرط أن كان على البت ومطلقا إن كان على الخيار وقوله: (إلا أن يكون مما يؤمن تغيره) فيه أن ضمان الغائب من البائع وهو المشهور في غير الربع والعقار، وفي المدونة يختلف قول مالك في الربع أنه من المبتاع. وفي قوله: (بشرط) أن التطوع جائز وهو ظاهر المدونة والتلقين وقيدها اللخمي إن كان بما يجوز بالمكيل والموزون لأن غيره غرر وكذا شرطوا كونه على البت إذ قالوا كل ما يتعجل قبضه عند أمد الخيار لا يجوز النقد فيه بشرط ولا دونه. وهي مسائل أربعة المواضع في الخيار وبيع الغائب على الخيار والكراء المضمون على خيار والسلم بخيار. وقد تقدم أن في الرسالة خمسا لا يجوز النقد فيها بشرط وبقيت خمس هي بيع العقار مذارعة والحائط على عدد نخله وأجير لزرع ودابة معينين اشترطت منفعتهما بعد شهر الخامس الجهل فانظر أصولها. (والعهدة في الرقيق جائزة إن اشترطت أو كانت جارية بالبلد فعهدة الثلاث الضمان فيها من البائع من كل شيء وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص). (العهدة) الرجوع بالثمن كذا عند المتيوي وقال الباجي العهدة تعلق المبيع

بضمان البائع بعد العقد وقد قال عليه السلام: " عهدة الرقيق ثلاثة أيام" أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه واختلف هل هي حكم شرعي يحكم بها على من جهلها ومن عرفها وهذه رواية المدنيين وروى المصريون لا تلزم إن لم يجعلهم الإمام عليها وبتعين جهلهم عليها ورى أشهب لا يجعلهم ويترك أهل كل بلد على حالهم وإن اشترطت أو وجدت عادة بها وهذا هو المشهور والذي هنا وفي المدونة عهدة الثلاث أمر قائم بالمدينة. وذهب ابن عبد الحكم إلى تحريم عهدة السنة المشهور أنها في الجواز كالتي قبها وإن خالفتهافي المتعلق والمدة إذ مدة الأولى أضيق ومتعلقها أوسع ومدة الثانية أوسع ومتعلقها أضيقها فإن هذه من ثلاث فقط وتلك من كل شيء فيرد بما حدث من ذلك في المدة المذكورة فيهما على ما ذكر ولو شرط إسقاطها فهل تسقط ويصح أو يصح وتلزم أو يفسد أقوال ومبدؤها من يوم البيع وفي تليق بعضها لبعض آخرها ولغو قولان فانظر ذلك. (ولا بأس بالسلم في العروض والرقيق والحيوان والطعام والإدام بصفة معلومة وأجل معلوم ويعجل رأس المال أو يؤخره إلى مثل يومين أو ثلاثة وإن كان بشرط). (السلم) لغة: السلف وقريب منه في الشرع وليس به البيوع أرعبة ما تعجل

الثمن والمثمون وهو بيع النقد وما تأخر فيه الكالئ بالكالئ وما تعجل فيه المثمون وهو البيع إلى أجل وما تعجل فيه الثمن وهذا هو السلم وكلها مباح إلا الثاني والسلم رخصة مستثناة من أصل ممنوع وهو بيع ما ليس عنده ورسمه. (ع) عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير مماثل العوضين فخرج بغير عين البيع إلى أجل وبلا منفعة كراء الدور والأرضين والرواحل المضمونة وبغير مماثل العوضين السلف ولها شروط تزيد على العشرة منها أن يكون مما يجوز تملكه وبيعه في عوضين وأن يكون مثمونه مما يبان به وينقل. وأن يكون مما تحصره الصفة وأن يكون مع ذلك موصوفا بما تختلف فيه الأغراض والأثمان وأن يوصف بذلك عند العقد حتى يعلم قدره ووصفه وأن يكون رأس ماله معجلا أو في حكم المعجل وأن يكون ثمنه مخالفا لمثمونه في الصفة التي تتعلق بها الأغراض وأن يكون مرسلا في الذمة غير معني الجهة وأن يكون أجله واسعا تختلف به الأثمان وتحول به الأسواق وأن يكون ثمنه ومثمونه مما يباع بعضه ببعض إلى أجل لا كذهب بفضة أو طعام بطعام وأن يكون مما يمكن وجوده عند الأجل لا كتركي أسود أو حبشي أبيض وكلها مأخوذة من كلام الشيخ. فقوله: (العروض) إلى قوله: (الإدام) دخل فيه كونه يملك وبيان به إذا لم يكن الربع والعقار الذي لا بيان به وكونه مما تحصره الصفة وقوله: (بصفة معلمومة وأجل معلوم) ففيه كونه معلوم القدر والصفة مؤجلا معلوم الأجل. وقوله: (ويعجل رأس المال) فيه شرط تعجيل الثمن وجواز تأخيره المدة اليسيرة

وذلك توسعة وإلا فالأصل التعجيل لا سيما عند من يجيز السلم الحال والمشهور خلافه وقال ابن رشد وقع في المدونة ما ظاهره أن رأس المال لا يتأخر بشرط لا قليل ولا كثير والمشهور أنه جائز كما قال الشيخ المتيوي وفي طرر ابن بزخ أن تأخير رأس المال بغير شرط جائز اتفاقا وإن تأخر إلى أكثر بشرط لم يجز اتفاقا وإن تأخر إلى الثلاث بشرط أو إلى فوقها بغير شرط فاختلف هذا اختصار كلامه وسيأتي منه إن شاء الله. (وأجل السلم أحب إلينا أن يكون خمسة عشر يوما أو على أن يقبض ببلد آخر وإن كانت مسافته يومين أو ثلاثة ومن أسلم إلى ثلاثة أيام يقبضه ببلد أسلم فيه فقد أجازه غير واحد من العلماء وكرهه آخرون). تضمن كلامه هذا كون الأجل واسعا تختلف فيه الأسواق عرفا وتحديد ذلك بالخمسة عشر يوما هو قول ابن القاسم لأنه الغالب ولم يحد مالك فيه حدا لاختلاف حال السلع والأسواق وعن مالك جوازه إلى يومين وعن ابن عبد الحكم إلى يوم وقال أصبغ إن وقع إلى يومين لم يفسخ لأنه ليس بحرام بين ولا مكروه بين واختاره ابن حبيب. وقال ابن المواز فسخه أحب إلينا وهو ظاهر المدونة عند ابن رشد وقوله: (أو على أن يقبض ببلد آخر): جعل اختلاف البلدين كتابعد الأجل لحصول المقصد واختلاف الأسعار وذكر اليومين والثلاثة للتقليل لئلا يقال لا يجزئ إلا إذا كانت مسافة كمسافة الأجل المذكور ونحوه قاله المتيوي ونفى به أيضا ما يتوهم من أن مجرد الاختلاف كاف بل لا بد من بعد ما لأن ما تقاربت مسافته تقاربت أسعاره وقاله ابن العطار وقال بعض المتأخرين: قد يختلف ذلك بالأمن والخوف وغيرهما عبد الحق عن بعض الأندلسين إنما يجوز بشرط أن يضربا أجلا للقبض في البلد الذي يقبض فيه ويكون الخروج لتتنزل المسافة منزلة الأجل وهذا إن كان السفر في البر لا في البحر إذ لا مسافة له معروفة ففي اشتراط الأجل في اختلاف البلدان قولان وقيل يتفق على عدم اشتراط الأجل اختلافهما. وقوله: (ومن أسلم إلى ثلاثة أيام) إلى آخره: للشيوخ فيه طريقان: أحدهما: تقدر إلى مسافة ثلاثة أيام فتكون هي المسألة التي قبلها لكنه خالف في القبض دون محل

الشرط فأجازه غير واحد من العلماء وهو مالك وأصحابه لأنهما لم يدخلا على إسقاط الأجل ومنع آخرون لأنه آل إلى السلم الحال وهو ممنوع على المشهور ويتهمان على قصده والطريق الثاني لا تقدير فيها وأنه عقد على الوجه الممنوع على المشهور فيراعى فيه الخلاف وهو قول ابن عبد الحكم من جواز اليوم وهو نحو قول أصبغ لعدم فسخه في اليومين كما تقدم وقد ذكر الجزولي الطريقين في فهم كلام الشيخ واقتصر المتيوى على الأول والله أعلم. (ولا يجوز أن يكون رأس المال من جنس ما أسلم فيه ولا يسلم شيء في جنسه ولا فيما يقرب منه إلا أن يقرضه شيئا في مثله صفة ومقدارا والنفع للمستلف). سلم الشيء في جنسه ممنوع لأنه سلف جر منفعة إلا أن يقصد سلفا على وجه المعروف مع المساواة بكل وجه ولا نفع للمسلف بحال فإنه مندوب وقد تقدم حكم السلف قبل هذا وسلم الشيء في جنسه على ثلاثة أوجه أحدها أن تتفق المنافع فلا يجوز الثاني: أن تختلف بوجه لا يبعد به عنه فكذلك أيضا وهو قوله (فيما قرب منه). الثالث: أن تختلف اختلافا متباينا فهذا جائز فالجنسية هنا معتبرة بما تختلف به الأغراض والأثمان وإن اتفقت الأعيان فلذلك أجازوا إحمارا فارها بحمارين غير فارهين ونحو ذلك، ومسائل الباب كثيرة. وأصله حديث ابن عباس رضي الله عنه: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجدهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاثة فقال: " من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم" إلى أجل معلوم متفق عليه. (ولا يجوز دين بدين وتأخير رأس المال بشرط إلى محل السلم أو ما بعد من العقدة من ذلك). يعني أن تأخير رأس مال السلم بشرط إلى محل القبض من باب دين بدين لأنه داينه بالمبيع على أن يداينه بالثمن وقد جاء في الحديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ يعني الدين بالدين رواه إسحاق بن راهويه والبزار بإسناد ضعيف ابن المنذر أجمع أهل

العلم على أن الدين بالدين لا يجوز. (ع) وحقيقته بيع شيء في ذمته بشيء في ذمة أخرى غير سابق تقرر أحدهما على الآخر، وهو معني قولهم: ابتداء الدين بالدين، وهو ملزوم لتعدد الذمة قال: ووجهه كصريحه كوجه الظهار والتفليس وغيرهما لا كوجه الشغار، وأما ما تقدم فيه تقرر الذمة فيسمى فسخ الدين في الدين، ويدخل في الدين بالدين ثلاثة أوجه: ابتداء الدين بالدين وهو قد تقدم تفسيره ومنعه بالإجماع وبيع الدين بالدين وهو محرم بالسنة المجمع على إعمالها وله صورة وفسخ الدين بالدين في الدين وهو محرم القرآن لدخوله في ربا الجاهلية وقد ذكر الشيخ صورته فقال: (لا يجوز فسخ دين في دين وهو أن يكون لك شيء في ذمته فتفسخه في شيء آخر لا تتعجله). مثال أن يكون لك عليه دينار إلى شهر فتؤخره به على أن يعطيك به ثوبا إلى شهرين فيدخله آخر وأزيدك وما في معناه وفي ذلك وجوه أربعة لكل منها أحكام أولها فسخه في معين يتأخر قبضه غائبا كان أو حاضرا الثاني: فسخه في شيء مضمون في الذمة الثالث فسخه في منفعة معينة من ذوات معينة الرابع فسخه في منفعة مضمونة فانظر ذلك إن شئت. ومثال ابتداء الدين بالدين أن تبيع له ثوبا على أن يأخذه بعد شهر ولا يعطيك شيئا إلى شهر وإلى نصفه. ومثال بيع الدين بالدين أن يكون لك دين على رجل إلى شهر فتبيعه من آخر إلى شهرين وقد نص في المدونة على أن شرط بيع الدين تنجيز الثمن فانظر ذلك. (ولا يجوز بيع ما ليس عندك على أن يكون عليك حالا). لحديث مسلم أن حكيم بن حزام رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تبع ما ليس عندك" قال المتيوي: لأنه إذا اشترى ما ليس عنده كأنه قال له خذ هذه الدراهم واشتر بها كذا وكذا على أن لك ما فضل وعليه ما نقص ابن رشد وبيع ما ليس عندك ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

قسم جائز: وهو أن يبيع بنقد ما ليس عنده إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض وهو السلم الذي جوزه القرآن والسنة. وقسم ممنوع: وهو أن يكون الثمن والمثمون مؤجلين. وقسم مختلف: فيه وهو كونها نقدا فوجه كراهته أن كمن اشترى منه سعلة فلان على أن يخلصها منه وإن كان هذا أشد كراهة لأن فلان قد لا يبيع ووجهه أشهب بما تقدم عن المتيوي قائلا: فتدخله المخاطرة والغرر والله أعلم. (وإذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأقل منه نقدا أو إلى أجل دون الأجل الأول، ولا بأكثر منه إلى أبعد من أجله وأما إلى الأجل نفسه فذلك كله جائز وتكون مقاصة). وهذه المسألة بيوع الآجال ولم يقل بها غير مالك لاعتباره سد الذرائع وذلك في البيوع على أوجه هو كل ما لو قصد لكان حراما إذا كثر قصد الناس إليه منع عنده كل بيع تضمنه كسلف جر منفعة وسلف وبيع لا ما يقل القصد إليه كأسلفني وأسلفك وضمان بجعل فإنه لا يمنع ما يتضمنه إلا بقصده ومن اشترى ما باعه إلى أجل بأقل منه نقدا فكأنه أسلف ذلك الأقل على أن يأخذ عوضه ما باع به وهو الأكثر عند الأجل فكان سلفا جر منفعة. وكذال إلى أجل دون الأجل لأنه يدفع عند الأجل الأدنى ويأخذ أكثر منه عند الآخر فهي كالتي قبلها وإن اشتراه بأكثر إلى أبعد كان المشتري الآن مسلفا عند أجله ما يأخذ عوضه بعد أكثر منه وهو الأجل. الثاني: فهذه ثلاثة ممنوعة من اثني عشر وهو ما تعجل فيه الأقل وضابط المسألة أن تقول إذا اتفقت الآجال فلا تبال بالأثمان وإذا اتفقت الأثمان فلا تبال بالآجال وإذا اختلفت الآ<ال والأثمان فإن رجع إلى اليد مثل ما خرج منها أو أقل جاز وإلا منع وقد أنهى ابن رشد صورها إلى نحو من خمسين فانظر المقدمات. وفي الديباج المذهب لابن فرحون أن الشار مساحي لما دخل بغداد ليقرأ فيها قال له بعض الناس كم تعرف في مسألة بيوع الآجل من وجه قال ثمانين ألف وجه فكأنهم استبعدوا ذلك فأخذ يسرد حتى جاوز المائتين فاستثقلوها فترك والله أعلم.

(والمقاصة): جعل مالك فيما عليك إذا تساويا الدينان أو في بعضه عند وجوبه بقدره أن تراضيا عليه وفي الحكم بها إن امتنع أحدهما قولان وقد قال عليه السلام: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" رواه أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (ولا بأس بشراء الجزاف فيما يوزن أو يكال سوى الدنانير والدراهم ما كان مسكوكا، وأما نقار الذهب والفضة فذلك فيهما جائز، ولا يجوز شراء الرقيق والثياب جزافا ولا ما يمكن عدده بلا مشقة جزافا). عبد الوهاب بيع الجزاف فيه ضرب من الغرر ولكن أجيز للرفق والمشقة في الكيل والوزن وشرط جوازه سبعة قال في الشامل وجاز جزاف إن رئي وجهلاه معا واستوى مكانه وأمكن حرزه وهما من أهله ولم تقصد آحاده إلا أن يقل ثمنه كبطيخ وفقوس وهل أن علم البائع عدده قولان لا غير مرئي كغائب ونحو قمح في تبن بخلاف زرع قائم كمحصود على الأظهر وأخرج بقوله: (مما يوزن أو يكال): ما تقصد آحاده من عروض ونحوها ولابن حبيب لا يباع ما يعرف أحدهما كيله أو وزنه جزافا إلا في القثاء والبطيخ والأترج وما تختلف مقاديره فلا بأس به يريد لأن العدد لا يؤدي فيه إلى معرفة لاختلاف مقاديره. ومنعه ابن المواز مطلقا وبقوله: (ما كان مسكوكا) غير المسكوك فيجوز الجزاف في غير المسكوك من الدراهم لأنها غير مقصودة الآحاد فتجوز جزافا على الصحيح وقال اللخمي في المسكوك إن تعومل به عددا جازو إلا فقولان بالمنع والكراهة وعكس الباجي فقال: إن تعومل به عددا لو يجز اتفاقا لأنها مقصودة الآحاد وإلا فقولان وحكى ابن حارث المنع لمالك والجواز لابن عبد الحكم مطلقا وطريقة ابن رشد وابن يونس أن بيع الدنانير والدراهم والفلوس جزافا ممنوع ونقار الذهب والفضة في فجر أو نحوها مما لم يكيف اللخمي: وأجاز محمد بيع الحلي المحشو ذهبا أو فضة جزافا ما لم يعلم البائع وزنه يريد إذا دل دليل على ما في داخله كقطع طرف منه يدل على كثافته ورقته. وقوله: (في الرقيق والثياب): لأنهما مما تقصد آحاده ومما يمكن عده بلا مشقة،

وروى محمد منع الجزاف في كبير الحيتان وروى يحي عن ابن القاسم في كثير الخشب المجموع بعضها إلى بعض لأنه مما تخف مؤنة عده كالبقر والغنم وروى محمد في الثياب والحيوان وسائر العروض التي لا تكال ولا توزن المازري لم يفصل بين كبير وصغير والصواب إن تساوات آحاده وقد مبلغه لأجل كل واحدة في نفسها جازت وإلا منع وقاله ابن حبيب في حي الطير في الأقفاص. وقد ذكر ابن الفاكهاني في شرحه هنا فروعا نقلها عن عبد الوهاب تطول فانظره. (ومن باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وكذلك غيرها من الثمار والإبار التذكير وإبار الزرع خروجه من الأرض). ما ذكره في النخل هونص حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين وغيرها من الثمار مقيس عليها وفي نصه أن غير المأبورة للمبتاع ولا خلاف فيه إن كان المأبور الجميع وإن كان المأبور البعض فإن كان الأقل فهو تبع للأكثر وإن تساويا فإن كان في نخلات بأعيانها فقال ابن زرقون لا يختلف في أن ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمبتاع وإن كان شائعا في نخلة ومقابله كذلك فأربعة؛ لابن حبيب وابن دينار مع ابن القاسم في العتبية، وثالثها بخير المبتاع فإما أسلم جميع الثمرة وإلا فسخ البيع. ابن العطار: والقضاء بقول ابن القاسم في العتبية وأن لكه للمبتاع وقاله ابن المواز والمشهور أنه لا يجوز للمبتاع بعد الإبار لبعض الثمرة بل كلها خلافا لأشهب ولا يجوز للبائع اشتراط غير المأبورة على المشهور وحكى المخزومي فيه خلافا مبناه على أن المستثنى مبيع فلا يجوز كالجنين في بطن أمه أو المستثنى مبقى فانظر ذلك ولا يلزمه الجد قبل الطيب إن اشترط ما يجوز له اتفاقا المتيطي: في كون السقي على البائع أو على المبتاع قولان لابن المواز والمخزومي ابن القاسم لو اشترى زيتونة للقطع وتوانى حتى أثمرت فثمرتها له والتذكير التلقيح والتشقيح وهو جعل نور الذكر في محل نور الأنثى ليسري غباره إليها بالريح فيثبت ما فيها وينعقد قالوا وكل ما له زهر فعقده كإباره. الباجي: التأبير في التين وما لا زهر له بروز جميع الثمرة عن موضعها والمشهور ما ذكر في إبار الزرع فمن باع أرضا بها زرع لم يخرج فهو للمشتري وقيل للبائع والله أعلم.

(ومن باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع). حكم مال العبد كالثمرة المأبورة ابن رشد لمشتري العبد أن يستثني ماله ولو كان عينا وسماه والثمن عينا ولو كان لأجل لأنه للعبد لا للمبتاع وهو بين من قول مالك في الموطأ الأمر المجتمع عليه عندنا أن للمبتاع اشتراط مال العبد عينا أو عرضا لأنه لا زكاة فيه على سيده والعبد يستحل فرج جاريته بملكه إياها وإن عتق تبعه ماله ابن رشد لو استثنى مشتري العبد ماله لنفسه لا للعبد لم يجز إلا بما يجوز به بيعه وفي الموازية لا يجوز للبائع أن يستثني لباس العبد أو الأمة قال والشرط باطل ويتبع العبد لباس مهنته يعني بخلاف لباس الزينة والله أعلم. (ولا بأس بشراء ما في العدل على البرنامج بصفة معلومة). (البرنامج) بفتح الباء وكسرها فارسي معرب وهو الرقم على إعدال البرنامج بعددها وصفتها قاله عياض والمشهور الجواز كما ذكر وروى ابن شعبان المنع عبد الوهاب وشرط الجواز ذكر عدد ما فيه ووصفه ما تختلف فيه الأغراض وفي الموطأ جواز بيع البرنامج بخلاف الساج المدرج قال وفرق بينهما عمل الماضين ومعرفته في صدور الناس الشيخ عن ابن حبيب فرق بينهما كثرة الثياب وعظم المؤنة في الفتح أبو عمر إذا خرج طرف الثوب أجزاه. (ولا يجوز شراب ثوب لا ينشر ولا يوصف أو في ليل مظلم لا يتأملانه ولا يعرفان ما فيه وكذلك الدابة في ليل مظلم). هذا معنى الحديث المتفق عليه في النهي عن بيع المنابذة والملامسة قال في المدونة: (الملامسة): شراؤك الثوب لا تنشره ولا تعلم ما فيه وتبتاعه ليلا أو لا تتأملانه أو ثوبا مدرجا لا ينشر من جرابه. و (المنابذة) أن تبيع ثوبا من رجل فتنبذ إليه من غير تأمل منكما ذكروا في الساج المدرج والثوب الرفيع جدا خلاف ابن رشد أما ثوب على غير هذه الصفة فلا ينبغي أن يختلف فيه والدابة في ليل مظلم مثل الثوب قالوا إلا ما يراد للذبح فيكفي فيه الجس وبيع الأعمى أو شراؤه عن صفة يعلمها جائز للضرورة بخلاف ما لا يعلم. (ولا يسوم أحد على سوم أخيه وذلك إذا ركنا وتقاربا لا في أول التساوم).

قد صح قوله عليه السلام: " لا يبيع بعضكم على بيع بعض" وهو متفق عليه وهو من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال مالك في الموطأ إنما النهي إذا ركنا بأن يركن البائع للتسليم وجعل يشترط ووزن الذهب ويتبرأ من العيوب وشبه ذلك مما يعرف أنه أراد مبايعة السالم ذكر القيمة خرج للغالب فلا مفهوم له. الباجي روى محمد الذمي كالمسلم وبيع المزايدة خارج عن ذلك لعدمالركون ولو بيع على ذلك فروى ابن حبيب يمضي لسحنون عن ابن القاسم يؤدب فاعله الباجي لعله فيمن تكرر ذلك منه روى ابن حبيب يعرضها على الأول بالثمن زادت أو نقصت وإن اتفق عليها ما زادت به غرمه الأول مع الثمن وإن نقصت لم يحطه والله أعلم. (والبيع ينعقد بالكلام وإن لم يفترق المتبايعان).

أشار بهذا الحديث: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا" رواه جميع أهل الصحة حتى مالك ولم يقل به للعمل واتفاق الفقهاء السبعة على ذلك وقيل إلا ابن المسيب وقال ابن حبيب السيوري كالشافعي وغيره فانظر ذلك وبالله التوفيق. تنبيه: هنا انتهى كلام الشيخ في البيوع فذكر أولا الصرف وما في معناه ثم الرد بالعيب وما يرجع إليه ثم الخيار وحكمه ثم القرض وما يتبعه ثم السلم وشروطه ثم البيع الفاسد ثم أشار لأركان البيع بآخر مسألة وجعلها كالتنبيه لأن كل ما ذكر من البيوع وما بعدها مشاكلة وهي عشرة بعد السبعة الإجارة والجعل والكراء وتضمين الصناع والشركة والقراض والمساقاة والمزارعة والجوائح والعرايا فتأمل ذلك تجده وبالله التوفيق. (والإجارة: جائزة إذا ضربا لها أجلا وسميا الثمن).

(الإجارة) مأخوذة من الأجر والثواب وتطلق على الجعل والكراء بخلاف العكس فهي بهذا الوجه تمليك منفعة بعوض وبالوجه الأخص عرفها (ع) فقال الإجارة بيع منفعة ما أمكن نقله لغلة غير سفينة لا يحوان لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضها يتبعض بتبعيضها فخرج بما أمكن نقله كراء الدور والأرضين إذ إنما يسمى كراء واستثنيت السفينة لأنها مما ينقل وعقدها كراء الإجارة ونفى غير الحيوان العاقل ليدخل فيها العاقل لأن العقد على غير العاقل إنما يسمى كراء لا إجارة وسواء الدواب والرواحل وغيرها وتخرج المغارسة بكون العوض غير ناشئ عنها. وقوله: (بعضه) يعني بعض العوض يتبعض بتبعيضها أي بتبعيض الإجارة فخرج الجعل إذ لا شيء فيه إلا بتمام العمل. ابن المنذر الإجماع على جواز قال ابن يونس: وشذ الأصم فمنعها وهو مبتدع لا يعتبر وأجل الإجارة نوعان وجود فراغها وعملها في زمن مقدر شرط وكل جائز ثم إن جمع بينهما في الشرط كان يقول على أن تعملها اليوم وهو على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون الأجل أوسع من العمل. الثاني: أن يكون لا يسع العمل. الثالث: أن يكون الزمان مقدار العمل فيجوز في الأول لا في الثاني اتفاقا فيهما واختلف في الثالث بالجواز والمنع وفي المشهور منهما قولان عياض والإجارة معاوضة صحيحة يجري فيها ما يجري في جميع البيوع من الحلال والحرام وتبعه ابن الحاجب في ذلك وبحث فيه ابن عبد السلام فانظره. (ولا يضرب في الجعل أجل في رد آبق أو بعير شارد أو حفر بئر أو بيع ثوب ونحوه ولا شيء له إلا بتمام العمل). (الجعل) نوع من الإارة بفارقها في اللزوم وضرب الأجل ومنع النقد فيه وكونه لا شيء له إلا بتماغم العمل (ع): الجعل: عقد معاوضة على عمل آدمي بعوض ناشئ عن محله بل لا يجب عوضه إلا بتمامه لا بعضه ببعضه قال بعضهم والقياس منع الجعل لما فيه من الغرر كما قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وأجازه أهل المذهب بحديث السلم إذ جاعلوهم على قطيع من الغنم كما في الصحيح ولأن شرع من قبلنا شرع لنا فيما لم يرد فيه شيء وقد قال منادي يوسف عليه السلام {ولمن جاء به حمل بعير} [يوسف: 72] وفي المقدمات من شرط صحة الجعالة أن يكون الجعل معلوما ولا ينقد فيه ولا يكون منفعة فيه للجاعل إلا بتمام العمل ولا يضرب للعمل المجعول فيه أجل فإن ضرب فيه أجلا ولم يشترط أن يترك متى شاء لم يجز. واختلف إذا اشترط أجلا فعن ابن القاسم قال مالك في مثل هذا أنه جائز وهو جل قوله الذي يعتمد عليه ابن يونس يريد إذا كان له أن يترك متى شاء انتهى وإنما لا يضرب في الجعل أجل لأنه لو انتهى قبل تمام الأجل ذهب عناؤه باطلا إذ لا يستحق إلا بتمام العمل ولو علق بتمام الأجل فقط خرج عن كونه جعلا ويلزم بالمشروع من جهة الجاعل على المشهور ابن عبد السلام فهو يشبه القراض في المشهور أيضا ورد الآبق يلزم به أن يكون ربه قد جعل فيه جعلا وسواء جاء به من عين له أو غيره وله نفقة العبد في مدة الإتيان به ولو جاء بضالة ابتداء فله أجر مثله إن كانت عادته الأجرة عن الآبق. وكان سيده ممن لا يتولى ذلك بنفسه، ولربه أن يتركه ولا يدفع أجرا ولو وجده

دون عمل لم يجز عليه أخذ بشارة ولا غيرها لوجوب ذلك عليه وكذا إن دل على مكانه ويرد ما أخذه وفي الإرشاد يجوز في الحصاد والجداد ونفض الزيتون بجزء منه معين ولو كان بنصف ما يخرج منه لم يجز ونص عليه في المدونة في سماع أشهب لا بأس به وتأوله ابن رشد وفي المدونة لا خير في أن يدفع الرجل دابته لمن يحتطب عليها بالنصف ابن المواز يري ثمن نصف الحطب ولو أراد نصفه عينه أو نقلة بنقلة جاز. ولو قال القط أو احصد فما حصدت أو لقطت فلك نصفه لم يجز لأنه مجهول والله أعلم. ويشترط في الجعل على حفر البئر ثلاثة اختبار الأرض في لينها وقساوتها ونص عليه في المدونة واستواء الجاعل والمجعول في العلم بها والجهل قال في العتبية فلو كان أحدهما عالما بها فقط منع وكونها في غير أرض المجاعل لئلا ينتفع بما فعل عند العجز أو الفسخ. وشرط بيع الثوب ثلاثة كونه بغير أجل وتسمية الثمن أو تفويضه وتسمية المعطي على بيعه دون تحديد ابن يونس عن ابن المواز الجائز في الجعل في بيع الثوب عند مالك وأصحابه أن يقول له بعه بكذا ولك كذا أو يقول بعه بما رأيت ولك كذا. فلو قاله الجاعل للمنادي لا تبع إلا بإذن ولم يسم ثمنا فهو جعل فاسد والأقرب أنه يريد إلى إجارة مثله قال بعض القروين لأنه خرج عن حكم الجعل والله أعلم. (والأجير على البيع إذا تم الأجل ولم يبع وجب له جميع الأجر وإن باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة). يعني أنه استأجر على بيع شيء بعينه إلى أجل فإن عمل في ذلك ما شرط عليه أو مقتضى العرف فانقضى الأجل ولم يبع فله أجره كاملا بخلاف الجعل فإنه لا شيء له إلا بتمام العمل ابن يونس يريد أن لا ينتفع الجاعل بما عمل له المجعول فيكون له بقدر ما انتفع من عمله ولو باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة أو في أقل منه فله بحسب ما عمل المتيوى ويجوز استئجار الدلال شرها على بيع سلع فإن كان معينة فلا يجوز النقد فيها بشرط ومتى باعها فله بحسابه فإن تم الأجل قبل بيعها استحق أجره وإن كانت غير معينة جاز النقد فيها وعليه أن يبيع له طول الأمد على ما جرت به العادة.

وقد قسم ابن القاسم الجعل إلى أقسام ثلاثة فانظر ذلك وفي المدونة كل ما جاز فيه الجعل جازت فيه الإجارة وليس كل ما جازت فيه الإجارة يجوز فيه الجعل وقد بحث (ع) بما يطول ذكره فانظره. (والكراء كالبيع فيما يحل ويحرم). (ع) الكراء عقد على منافع غير آدمي أو ما بيان به وينقل فيدخل بغير آدمي كراء الرواحل والدواب وبما يبان به وينقل غير الدور والأرضين لأن غير ذلك إجارة إلا السفينة وهذا كله تحفظ عن الإصطلاح وإلا فالكل إجارة وأركانها كالبيع عاقد ومعقود فيه ومعقود به ومعقود عليه وشرط الكل كما في البيع إلا الأجير فله شروط تخصه هي أن يكون متقوما غير متضمن استيفاء عين قصدا ولا واجب ولا محرم ولا ممتنع تسليمه فخرج ما ليس له قيمة باستئجار الأشجار لتجفيف الثياب وفيه قولان: ابن عبد السلام: والأقرب الجواز لتأثير الأشجار بذلك ونقص منفعة كثيرة منها وخرج بغير متضمن استيفاء عين قصدا كراء الشجرة لثمرها والشاة لصوفها ونتاجها وذكر القصد لما كان تبعا فإنه يجوز كلبن الظهر وثمرة الشجرة في الدار المكتراة أو لم يبلغ قيمة الثمرة الثلث فانظر ذلك وبكونه غير واجب يخرج الاستجئار على ما تعين من العبادة كصلاة وصوم ونحوه، وتجوز على ما لم يتعين كالأذان والقيام بالمسجد وعلى الإمامة إذا انضم إليها أحدهما وإلا فلا وبه العمل. وجوزها ابن عبد الحكم مطلقا خلافا لابن حبيب وروى الجواز في الفرض لا في النفل وفي قيام رمضان روايتان فإن كانت أجرة الإمام من الأحباس أو من بيت المال كره خاصة وقيل يجوز كذا في الشامل وجعله غيره طريقة والله أعلم والذي يمنع تسليمه كنس المسجد من الحائض مثلا والدار لمن يتخذها خمارة أو كنيسة والأرض الغرقة التي لا يرتفع الماء عنها إلا نادرا ولا إليها إلا كذلك والله أعلم. (ومن اكترى دابة بعينها إلى بلد فماتت انفسخ الكراء فيما بقي وكذلك الأجير يموت والدار تنهدم قبل تمام مدة الكراء).

ذكر مسائل ثلاثة وأعطى لها حكما واحد: هو انفساخها في كلها وما ذلك إلا لإتفاقها ي شرطها وكونها بعينها وقاعدة الباب أن هلاك ما يستوفي منه المنفعة كالدار والأجير ونحو ذلك تنفسخ به الإجارة بخلاف ما تستوفي به فإنها لا تنفسخ بهلاكه إلا حبيين وفرسين صبي الرضاع وصبي التعليم وفرس الرياضة وفرس النزوان وخالف سحنون في الصبيين وزاد ابن الحاجب المستأجر على قلع ضرس فسكنت أو على

القصاص من غريم فعفى عنه وزاد المازري من أجر على حصد وزرع أو بناء دار فمنع مانع من ذلك زاد غيرهما الحائط والخياط يستأجران على عمل ذلك اللباس لا للتجارة وليس عنده غيرها. زاد الباجي مداواة العليل مدة فيموت قبل المدة فهي إذا عشرة أو نحوها تنفسخ مما يستوفى به وقد ضبطوه بأن كل ما يتعذر خلفه ينسخ كراؤه وإن كا ما يستوفى به وستأتي زيادة بعد إن شاء الله وقوله: (الدار تنهدم) يريد كلها أو معظمها أو ما فيه مضرة كبير منها وتسقط الوجيبة بخروجه للإصلاح فلا يلزمه الرجوع بخلاف ما إذا بقي ساكنا حتى أصلحت ولو سكن الصحيح منها وقد انهدم الأكثر فأجرى ابن رشد في لزوم الكراء قولين لابن القاسم لزوم الكراء وهو الجاري على المدونة وعدمهه وهو الجاري على ما في سماع عيسى فإن اتفقا على الإصلاح أو رضي بسكناها منهدمة بجميع الكراء فلا فسخ اتفاقا وبما ينوب الباني على أحد القولين والله أعلم. (ولا بأس بتعليم المعلم القرآن على الحذاق ومشارطة الطبيب على البرء). (الحذاق) –بكسر الحاء والدال المهملة- عياض يحذقهم القرآن يعلمهم ويحفظهم إياه الجواهر حذق الصبي القرآن والعمل بحذق حذقا وحذاقا أمهر فيه وحذق بالكسر لغة فيه ويقال لليوم الذي يختم فيه القرآن هذا يوم حذاقة وفي الموازية قال مالك لم يبلغني عن أحد كراهية تعليم القرآن والكتاب بأجر المتيطي: وتنقسم الإجارة فيه إلى قسمين مشاهرة ومساناة لا يشترط فيها حفظ جزء معلوم أو على جزء معلوم منه أو جميعه ولا يذكر فإن استأجره لمدة وشرط عليها فيا حفظ جزء من القرآن ولا يدري هل يمكن ذلك منه أم لا فسدت الإجارة، وإن كان الغالب أنه يحفظ ذلك فيه أجيز ومنع. فإن مضى الأجل ولم يتعلم فيه الجزء الذي شرط فيه كان له الأقل من أجرة المثل والمسمى وروى الجلاب أنه لا يجوز في التعليم إلا مشاهرة أو مساناة ابن عبد السلام ولا ب من اختبار حال المتعلم إذا كانت الإجارة على تعليمه جزءا من القرآن

أو سورة وكذلك إن كانت الإجارة على تعليمه جزءا معلوما من الصناعة لسرعة تعليم الحاذق وبطء البليد والله أعلم. وأما مشارطة الطبيب فقال ابن عبادة هي وتعليم الصبي على الأيام إجارة وعلى الحذاق والبرء جعل عبد الوهاب يجري ذلك عند أصحابنا مجرى الجعل والإجارة وأجازوه للضرروة ابن يونس ولا يكون الدواء إلا من عند العليل ولو كان من عند الطبيب كان غررا لأنه إن مهر حتى برأ أخذ حقه وإلا ذهب عناؤه باطلا وإن برأ دخله جعل وبيع وقاله ابن القاسم وابن وهب في العتبية ولو دخل على أنه إن لم يبرأ أخذ ثمن أدويته لم يجز لأنه شرطان في شرط ولو دخل على الإجارة لم يجز اشتراط النقد لأنه قدر يبرأ قبل الأجل فيأخذ بحسابه فيدور الباقي بين السلف والإجارة ونص عليه اللخمي فانظره. (ولا ينتقض الكراء بموت الراكب أو الساكن ولا بموت غنم الرعاية وليأت بمثلها). يعني لأن كلا مما ذكر مما يستوفى به لا منه ولا يتعذر مماثله وظاهر ما هنا أن غنم الرعاية يأتي بمثلها إن لم يشترط خلفها عليه وحمله أبو عمران وهو قول سحنون وابن حبيب والأخوين، فأما ابن القاسم فقال لا بد من شرط خلف المعينة وإلا فسد العقد ولا يأتي بمثلها إن هلكت. وفي المدونة إن لم تكن بأعيانها كان لها الخلف وإن لم يشترط وإن كانت بأعيانها فلا يجوز حتى يشترط ابن عبد السلام قول سحنون ومن معه أجري على الأصول والله أعلم. (ومن اكترى كراء مضمونا فماتت الدابة فليأت بغيرها وإن مات الراكب لم ينفسخ الكراء وليكتر وإمكانه غيره). المضمون المرسل في الذمة ومقابله المعين وقد قال ابن القاسم كراء الدواب على قسمين مضمون بذمة أو دابة بعينها وقد مضى عمر رضي الله عنه أن الدابة المعينة إذا هلكت انفسخ الكراء ولا يأتي بغيرها إلا أن يشترط البلاغ وهو المضمون وقاله علي كرم الله وجه ابن يونس كراء الدابة المعينة كسائر السلعة المعينة وكراء المضمون كشراء السلعة

المضمونة فانظره ابن المواز إن وقع على الإطلاق حمل على المضمون حتى يتبين خلافه وانظر بقية مسائله إن شئت وقوله (وليكتروا مكانه) يعني أولياء الميت لأن ما يستوفى به لا يتعين وللمكتري أن يكري لكن يتعين اتحاد الأصل والفروع في وصفه من الثقل والخفة ونحوها فلا يجوز أكثر بخلاف دونه والله أعلم. (ومن اكترى ماعونا أو غيره فلا ضمان عليه في هلاكه بيده وهو مصدق إلا أن يتبين كذبه). (الماعون) ما يستعان به في الأمور من الأثاث الجوهري الماعون اسم جامع لأثاث البيت كالقدر والفأس ونحوهما وأصل المذهب أن من ملك منفعة بعوض فالقول قوله في تلف الذات كانت مما يغاب عليه كالجفنة أو مما لا يغاب عليه كالحيوان هذا هو المعروف قال في المدونة ومن استأجر فسطاطا أو بساطا أو غرائر أو آنية إلى مكة ذابها راجعا جاز فإن ادعى حين رجع ضياع هذه الأشياء في البداءة صدق في الضياع ولزمه الكراء كله إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع وذكر عن الغير سقوط الكراء مطلقا إلا ما قال أنه انتفع به وروى أشهب كقوله مالك وابن القاسم في الدمياطية تضمينه بالقصعة ولابن رشد وسحنون هنا كلام فانظره. (والصناع ضامنون لما غابوا عليه عملوه بأجر أو بغير أجر). يعني لأن ترك الأجر لا يخرجهم عن حكم الاستصناع (ع) المنتصب لبيع صنعته بمحله اللخمي المنتصب من أقام نفسه لعمل صنعته التي استعمل فيها كان بداره أو بسوقها وغير المنتصب من لم يقم نفسه ولا منها معاشه. قال في المدونة وقد قضى الخلفاء رضي الله عنهم بتضمين الصناع وهذا العامة الباجي ضمان الصناع مما أجمع عليه عامة علماء المدينة وقال القاضي أجمع عليه الصحابة ابن رشد وللشافعي قول بعدم الضمان وإن عمل بأجر وهذا كله إذا لم تقم بينة بأن هلاكه من غيره ففي المدونة إذا احترق الخبز في الفرن فلا ضمان على الفران لأن النار تغلبه فليست كغيرها إلا أن يغر من نفسه ويفرط والله أعلم. (ولا ضمان على صاحب الحمام ولا ضمان على صاحب السفينة ولا كراء له إلا على البلاغ).

أصل الباب عدم تضمين من أخذ بالأمانة وتضمين أمره على ذلك فجاء ما جاء به الصناع ويبقى غيرهم على الأصل اللخمي واختلف في تضمين صاحب الحمام ما ذهب من الثياب قال مالك في المدونة ولا ضمان عليه وفي الموازية يضمن إلا أن يأتي بحارس فيسقط ضمانه ويعود الخلاف في الحارس وللموازية كالمدونة لا ضمان عليه وقال ابن حبيب يضمن وفي المدونة إذا غرقت السفينة بفعل النواتية فإن فعلوا ما يجوز لهم فعله من السير والعمل فيها لم يضمنوا وإن قعدوا فأخرقوا في أمر أو علاج ضمنوا ما هلك فيها من الناس والحمولة والمشهور قول مالك لاشيء لهم إلا بالبلاغ وقال ابن نافع له بحساب ما سار وقال يحيى بن عمر وأصبغ إن كانت المسافة لجية كما بين أفريقية والأندلس أو صقلية فكما قال مالك وإن كانت على خلاف ذلك كما بين مصر والإسكندرية فكما قال ابن نافع والقولان في الدابة بالمتاع تتلف في الطريق كذلك والله أعلم. (ولا بأس بالشركة بالأبدان إذا عملا في موضع واحد عملا واحدا متقاربا).

ولا بأس بالشركة فيه إباحة شركة الأبدان والشركة ثلاثة أنواع هذا منها وشرط كلها النصح والأمانة قال عليه السلام ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما رواه أبو داود صححه الحاكم ولكل أحكام تذكر بعد إن شاء اله عياض الشركة عقد يلزم بالعقد كسائر العقود والمعواضات وهو رخصة في بابه الذي يختص به هذا مذهب ابن القاسم ومذهب غيره أنه لا يلزم إلا بالخلط. وذكر الشيخ لهذه الشركة شرطين هما أن يعملا عملا واحدا أو متقاربا في محل واحد وفهم من كلامه شرط تقاربهما في الحذق بالعمل والقدرة عليه زاد غره الآله بينهما بقدر الشركة بملك أو كراء أو غيره ويتساويان في العمل ويتقاربان والربح على نسبة ذلك واتحاد مكانها فهي إذا خمسة والله أعلم. (وتجوز الشركة بالأموال على أن يكون الربح بينهما بقدر ما أخرج كل واحد منهما والعمل عليهما بقدر ما شرطا من الربح لكل واحد ولا يجوز أن

يختلف رأس المال ويستوفيا في الربح). الاشتراك لغة الاختلاط وعرفا قال (ع) الشركة الأعمية تقرر متمول بين مالكين فأكثر فقط والأخصية بيع مالك كل بعضه ببعض كل الآخر بموجب صحة قصد تصرفهما في الجميع قال فتدخل الأولى شركة الإرث والغنيمة لا شركة التجر وهما في الثانية على العكس انظر بقيته. عياض: الشركة ثلاثة أضرب شركة أموال وشركة أبدان وشركة ذمم وكل ضرب منها ثلاثة أقسام فشركة الأموال شركة مفاوضة وهي الاختلاط فيكل شيء من أموال التجارة وهي الجائزة عندنا باتفاق ومنعها الشافعي ثم قال بعد كلام. الثاني: شركة العنان وهي الشركة في شيء مخصوص للتجارة قال في تفسير ابن مزين على السواء واتفق على جوازها ولم يعرف لمالك اسمها ولا تخصيصها بالجواز

واستعمال هذا اللفظ ببلدهم ويقال عنهم بكسر العين من عنان الدابة وبالفتح من عن الأمر. الثالثة: شركة مضاربة وهي القراض من الضرب في الأرض بالمال في السفر به. وأما شركة الأبدان فهي أيضا ثلاثة أضرب شركة بغير آله ولا رأس مال كالحمل على الرءوس التعليم والخياطة والبناء فمن شرط جوازها ثلاث صفات التقارب في القدرة والمعرفة بذلك العمل وأن يكون عملا واحدا وأن يكونا فيه مجتمعين ثم تأمل ما في العتبية من جواز الافتراق بتقاربهما والتعاون في الموضعين فردها إلى المدونة ثم قال الثالث أن يكون عملهما يحتاج إلى آله كالكمد والنجر والنسج والصيد بالجوارح والعمل على الدواب فيحتاج لشرطين زائدين على الثلاثة المتقدمة الاشتراك في ملك الآلة والقسمة على رءوس أموالهما. أما شركة الذمم فعلى ثلاثة أضرب شركة في شراء شيء بعينه فهذه تجوز اتفاقا أو اختلافا ويتبع كل واحد منهما بقدر نصيبه الثانية اشتراكهما في معين على أن يحمل كل واحد منهما لصاحبه فإن كانا معتدلين فيهما جازت الشركة والبيع وإن كانا مختلفين لم تجز الثالثة: أن يشتركا على غير معين فهذا لا يجوز لأنه من باب تحمل عني وأحمل عنك وأسلفني وأسلفك انتهى ما تعلق به الغرض من كلام عياض وربما أسقطت بعض فروعه لطوله وإلا فهو بلفظه والله أعلم. تنبيه: تجوز الشركة بالعرضين اتفقا أواختلفا ورأس مالها ما قوما به وبالعينين بشرط اتحادهما لا ذهب من ناحية وفضة من الآخر لأنها شركة وصرف قاله في المدونة وأجازه سحنون ونحوه في كتاب ابن المواز ولو كان نوعاهما من كل جانب متماثلا جاز ذلك واتحاد الضربين شرط ولا عبرة باختلاف السكك واختلف في الشركة بالطعامين وفي جواز غيبة أحد المالين قولان لابن القاسم مع مالك وسحنون وخلط المال حقيقة أو حكما شرط وبالله التوفيق. (والقراض جائز بالدنانيروالدراهم وقد أرخص فيه بنقار الذهب والفضة ولا يجوز بالعروض ويكون إن نزل أجيرا في بيعها وعلى قراض مثله في الثمن).

القراض رخصه شرعية مباركة لقوله عليه السلام: " ثلاثة فيهن البركة البيع إلى أجل والمقارضة خلط الشعير بالبر للبيت لا للبيع". رواه ابن ماجه عن صهيب رضي الله عنهما. وحقيقة القراض تنمية العامل المال بالتجارة على جزء من الربح يتفقان عليه قاله في الإرشاد ونحوه قال ابن الحاجب إجارة على التجر في المال بجزء من ربحه ورده (ع) ثم رسمه هو بقوله القراض تمكين مالم لمن يتجر به بجزء من ربحه لا بلفظ إجارة وفي مختصر الشيخ خليل القراض توكيل على تجر في نقد مضروب مسلم بجزء من ربحه إن علم قدرهما فخرج بقوله: (على تجر) ما عدا الشركة وخرجت الشركة بقوله: (في نقد) لأنها لا تختص به بل تجوز بالعروض بخلافه وخرج (بجزء من المال) بعدد منه وبـ (المضروب) النقار والتبر والحلي في الكل خلاف كالفلوس وبقوله مسلم اشتراط يده معه أو جعل أمين عليه إذ يفسد بذلك وخرج بالربح غيره مطلقا منه أو من غيره والعمل بالجزء والقدر شرط يفسد بعقده ثم هو من العقود الجائزة فلا يجب إلا بالشروع في العمل كشغل المال الظعن به والله أعلم. عياض لا خلاف في جواز القراض بين المسلمين وأنه رخصة مستثناة من الإجارة المجهولة ومن السلف بمنفعة قال ولا خلاف فيه الدنانير والدراهم وغير جائز بالعروض لأنه فسخ دين في دين وسواء كانت العروض ما كانت واختلف في الشروط التي بها يصح فعندنا أن شروطه عشرة تقدير رأس المال للعامل وكونه معلوما وكونه غير مضمون على العامل وكونه مما يتبايع به أهل تلك البلدة من العين مسكوكا كان أو غير مسكوك ومعرفة الجزء الذي تقارضا عليه من ربحه وكونه مشاعا لا مقدرا بعد ذلك تقديرا وأن لا يختص أحدهما بشيء معين سواه إلا ما يضطر إليه العامل من نفقة ومؤنة في السفر وله اختصاص العامل بالعمل وأن لا يضيق عمله بالتحجير أو بتخصيص يضر بالعامل وأن لا يضربا له أجلا انتهى. والنقار بكسر النون معناه الفجرات ونحوها قال في المدونة وقد ذكر بعض

أصحابنا أن مالكا سهل في القراض بنقار الذهب والفضة فسألت مالكا عن ذلك فقال: لا يجوز وقد تقدم منع القراض بالعروض وذكر الشيخ أنه إن نزل أي وقع القراض بالعروض أنه يكون أجيرا في بيعها ومقارضها في ثمنها فيعطى أجرة البيع من رأس المال ويعتبر القراض من يوم قبض الثمن وإشغال وكأنه وكيل في الوجهين ويعتبر المثل في الجانبين وإنما هذا إذا فات بالعمل وإلا فسخ فقط وما ذكر الشيخ هو المشهور ومذهب المدونة والله أعلم. (وللعامل كسوته وطعمه إذا سافر في المال الذي له بال وإنما يكتسى في السفر البعيد). قال في المدونة وإذا كان العامل مقيما في أهله فلا كسوة له من المال ولا نفقة قال الشيخ إلا أن يشغله البيع فيتغذى بالأفلس ولا ينفق منه لتجهزه لسفره حتى يظعن فإذا شخص كانت نفقته في المال في طعامه وشرابه وفيما يصلحه بالمعروف من غير سرف ذاهبا وراجعا إن كان المال يحمل ذلك ابن الفاكهاني قيل وأقله خمسون دينارا عينا قال غيره وهو في الموازية وفي مختصر ما ليس في المختصر ينفق منه إذا كان يسيرا وإن كان سبعين دينارا وقال بعض الشيوخ إذا كان السفر بعيدا والمال كثيرا فالنفقة والكسوة وإن كان السفر قريبا والمال قليلا فله النفقة دون الكسوة على ما في سماع عيسى وظاهر الواضحة لا نفقة ولا كسوة والله أعلم. (ولا يتقسمان الربح حتى ينض رأس المال). لأنهما إن اقتسما الربح قبل النضوض حصل في المال وضيعة جبراها مما اقتسماه فلم يكن لقسمتهما فائدة قال ابن المواز أخبرني أصحاب مالك أنه قال لا يجوز أن يتفاصلا حتى يحضر جميع المال ثم يقبض رأس ماله ثم يقتسمان الربح وفي الباب مسائل يطول جلبها فانظرها إن شئت وبالله التوفيق. (والمساقاة جائزة في الأصول على ما تراضيا عليه من الأجزاء والعمل كله على المساقي). المساقاة مأخوذة من السقي لأنه معظم ما يعمل فيها (ع) المساقاة عقد على عمل مؤنة النبات بقدر ما من غلته لا بلفظ بيع أو إجارة أو جعل فيدخل قول المدونة لا

بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل ومساقة البعل عياض هي سنة على حيالها مستثناة من المخابرة وكراء الأرض بما يخرج منها ومن بيع الثمرة والإجارة بها قبل طيبها وقبل وجودها ومن الإجارة المجهولة والغرر. والأصل في ذلك معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ولداعيته إلى ذلك وهو أصل منقول بأحكام تختص به قال وتنعقد باللفظ كسائر الإجارات والمعاوضات كما قال الكتاب ولا نتعقد إلا بلفظ المساقاة خصوصا على مذهب ابن القاسم فلو قال استأجرتك على عمل حائطي وسقيه بنصف ثمرته أو ربعها لم يجز حتى يسمياها مساقاة. قال: وشروط وجوبها وصحتها وجوازها ثمانية: أولها: أنها لا تصح إلا في أصل يثمر أو ما في معناه من ذوات الأزهار والأوراق التي ينتفع بها كالورد والآس. الثاني: أن يكون قبل طيب الثمرة وجواز بيعها. الثالث: أن تكون مدة معلومة ما لم تطل جدا. الرابع: أن تكون بلفظ المساقاة كما تقدم. الخامس: أن تكون بجزء مشاع مقدر. السادس: أن يكون العمل كله على العامل. السابع: أن لا يشترط واحد منهما من الثمرة ولا من غيرها شيئا معينا خالصا لنفسه. الثامن: أن لا يشترط على العامل عملا خارجا عن منفعة الثمرة أو يبقى بعد جذاذها مما له بال وقدر انتهى. وقد جعل ابن نافع غير الأصول الثابتة مثلها في المساقاة وقيده مالك بالضرورة فقول الشيخ: (في الأصول): يريد وما في معناها وحكمها وقوله من الأجزاء يريد وكذلك عمل الثمر كله على المساقي قاله في المدونة وقوله (والعمل كله على المساقي) يعني أنه إنما يأخذ على عمله فلا حجة له في رده على غيره ولا يجوز اشتراط شيء منه عليه. (ولا يشترط عليه عملا غير عمل المساقاة ولا عمل شيء ينشئه في الحائط

إلا ما لا بال له من سد الحظيرة وإصلاح الضفيرة وهي مجتمع الماء من غير أن ينشئ بناءها والتذكير على العامل وتنقية مناقع الشجر وإصلاح مسقط الماء من الغرب وتنقية العين وشبه ذلك جائز أن يشترط على العامل). المشترط في المساقاة ثلاثة أقسام: قسم يقتضيه الحكم وهو ما تفتقر إليه الثمرة من سقي أو آلة أو فاعلية ونفقة العبيد والدواب ونحو ذلك فهذا لا يحتاج فيه إلى شرط. وقسم يلزم بالشرط وهو ما لا بال له كسد الحظيرة وإصلاح الضفيرة ولا يلزم بلا شرط.

وقسم لا يجوز اشتراطه وهو ما كان خارجا عن عمل المساقاة أو كان يبقى بعد فراغها وله بال كإنشاء حائظ ونحوه وكلام الشيخ وقوله (سد) يروى بالمهملة والمعجمة والحظيرة. قال يحيى بن يحيى ما يحظر بزرب فهو حظيرة الباجي: ومعنى سد الحظيرة أن يسترخى رباطه فيشترط على العامل سده والضفيرة عيدان تشد وتنسج ثم تضفر وتطين يجتمع فيه الماء كالصهريج. وقوله: (التذكير على العامل) يحتمل أن يريد تعليق الذكار وهو عمل مجرد وشراؤه والإتيان به مع ذلك وحكى اللخمي اختلافا عن مالك وتأول عليه بعضهم كون العمل على العامل والذكار على رب الحائط والله أعلم. ومنقع الماء مجتمعه في أصول الشجر قال الجوهري و (الغرب) الدلو العظيمة و (المسقط) بكسر القاف موضع السقوط وهو مما جاء على غير قياس لأن مضارعه يسقط بالضم والله أعلم. (ولا تجوز المساقاة على إخراج ما في الحائط من الدواب وما مات منها فعلى ربه خلفه، ونفقة الدواب والأجراء على العامل وعليه زريعة البياض اليسير ولا بأس أن يلغى ذلك للعامل وهو أحله وإن كان البياض كثرا لم يجز أن يدخله في مساقاة النخل إلا أن يكون قدر الثلث من الجميع فأقل). يعني إذا كان في الحائط دواب ورقيق حال العقد لم يجز لربه إخراجهم عند عقد المساقاة ولا بعد ذلك لأن العامل إنما دخل عليهم ولو لم يكونوا لم يلزمه الإتيان هم وإن مات منهم شيء فعلى ربه خلفه لنقص العدد الذي دخل عليه العامل وقال في المدونة ونفقة الدواب على العامل كانوا لربه أو له وكذا نفقة الأجراء وكسوتهم إن كانت مشترطة كانت على العامل وإن كانت وجيبة كانت على رب الحائط إن دخل عليهم وكل هذا على المشهور وفي مختصر ما ليس في المختصر نفقة الرقيق على رب الحائط والله أعلم. و (الزريعة بتخفيف الراء وتشديدها لحن وهي ما يستنبت منه الشيء والبياض ما لا شجر فيه من الأرض وما ذكر في ذلك هو المشهور وقوله وهو أحله قال ابن عبد

السلام ليسلما من كراء الأرض بما يخرج منها وفي الباب أحكام وفروع فانظرها إن شئت وبالله التوفيق. (والشركة في الزرع جائزة إذا كانت الزريعة منهما جميعا والريح بينهما كانت الأرض لأحدهما والعمل على الآخر أن العمل بينهما وأكتريا الأرض أو كانت بينهما أما إن كان البذر من عند أحدهما ومن عند الآخر الأرض والبذر من عند أحدهما وعلى الآخر العمل جازا إذا تقاربت قيمة ذلك). هذا فصل المزارعة وفي كونها عقدا لازما بالعقد أو لا تلزم إلا بالأبدان ثلاثة لسحنون مع عبد الملك وابن كنانة وابن القاسم في كتاب ابن سحنون وقال ابن كنانة في المبسوط لا تلزم إلا بالشروع ابن رشد وبه الفتيا بقرطبة وهو قياس رواية علي في لزوم الجعل وثالثها لابن القاسم في سماع أصبغ لا تلزم إلا بالأبدان ابن حارث واتفقوا على لزومها بالعمل. عياض وجوهها ثلاثةك إن اشتركا في الأرض والزريعة والعمل جاز اتفاقا وإن اختص أحدهما بالأرض من عنده والآخر بالبذر والأرض لها قيمة اشتركا في غيرها تساويا أو تفاوتا لم تجز وتفسد اتفاقا لاشتمالها على كراء الأرض بما يخرج منها لا على قول الداودي والأصيلي ويحيى بن يحيى في إجازة كراء الأرض بالجزء وهو خلاف مذهب مالك وأصحابه وما عدا هذين الوجهين يختلف فيه انتهى. وحاصله إذا كانت الأرض سالمة من كرائها بما تنتب لئلا يقابلها أو جزء منها الزريعة أو جزء منها فإن ذلك جائز بأي وجه كان إذا تساويا في الربح بأن لا يأخذ كل واحد على نسبة ماله ولا يشترط الشركة في الآلة والبقر قاله مالك في رواية ابن القاسم وهو المشهور قال ابن غالب في رواية لا يجوز إلا مع الاشتراك في الآلة وقد تضمن كلام الشيخ صورا أربعة أولها الزريعة منهما جميعا والربح بينهما والأرض لإحداهما والعمل في مقابلتها. الثانية: بحالها والعمل بينهما والأرض كانت ملكا أو مكتراة أو غير ذلك. الثالثة: أن يكون البذر في مقابلة الأرض أو جزء منها كانت لمن جعلها أو اكتراها والعمل عليها أو على واحد منهما.

الرابعة: أن يكون كل شيء منهما والزريعة من عند واحد وعلى الآخر العمل والأرض مكتراة بينهما فكل هذه الصور عنده جائزة إلا الثالثة فتأمل ذلك. وقد سئل ابن رشد عن رجلين اشتركا في الزرع على أن جعل أحدهما الأرض والزرع والبقر. والثاني: العمل ويكون الربع للعامل بيده والثلاثة الأرباع لصاحبه هل يجوز ذلك أم لا فأجاب لا يخلو الأمر من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يعقداها بلفظ الشركة. الثاني: أن يعقداها بلفظ الإجارة الثالث: أن لا يسميا في عقدها شركة ولا إجارة فإن عقداها بلفظ الشركة جازت وإن عقداها بلفظ الإجارة لم تجز وإن لم يسميا شركة ولا إجارة وإنما قال أدفع إليك أرضي وبقري وبذري وتتولى أنت العمل ويكون لك ربع الزرع أوخمسه أو جزء من أجزائه يسميانه فحمله ابن القاسم على الإجارة فلم يجزه وإليه ذهب ابن حبيب وحمله سحنون على الشركة فأجازه ثم قال هذا تحصيل القول عندي في هذه المسألة، وقد كان أدركنا من الشيوخ لا يحصلونها، هذا التحصيل ويذهبون إلى أنها مسألة اختلاف جملة من غير تفصيل وليس ذلك عندي بصحيح انتهى. قال ابن عبد السلام وهذه هي مسألة الخماس في بلادنا ورده (ع) بما يطول ومرجعه لتحيق مناظرها فانظره. (ولا ينقد في كراء أرض غير مأمونة قبل أن تروى). مفهوم كلامه أن المأمونة يجوز فيها كالتي رويت ابن رشد لا يفرق ابن القاسم في الأرضين بين العقد لعام ولا أعوام ولوكانت غير مأمونة وهي في جواز النقد قسمان فالمأمونة كأرض النيل والمطر المأمون والسقي بالأنهار والعيون الثابة والآبار المعينة النقد فيها لأعوام كثيرة جائزة وغير المأمونة لا يجوز فيها النقد إلا بعد ريها وإمكان حرها كانت من أرض النيل أو المطر أو العير أو الآبار وهي في وجوبه قسمان فارض النيل يجب فيها إذا رويت لأنها لا تفتقر للسقي فبريها يكون المكتري قابضا لما اكترى. وأرض السقي والمطر لا يجب فيها حتى يتم الزرع ويستغنى عن الماء ووافقه ابن

الماجشون في أرض النيل وفي أرض السقي لغير مأمون وخالفه في أرض السقي المأمون فانظر بقية كلامه فقد طال علي وتفاصيل الباب كثيرة. (ومن ابتاع ثمرة في رءوس الشجر فأجيج ببرد أو جراد أو جليد أو غيره فإن أجيح قدر الثلث فأكثر وضع عن المشتري قدر ذلك من الثمن وما نقص عن الثلث فمن المبتاع). (الجائحة) ما ينزل بالثمر من المتلفات في زمن انتظار استيفاء طيبها وهي ثلاثة أنواع أمر سماوي لا سبب لأحد فيه ولا قدرة على دفعه كالجليد والبرد وهي الحجارة من السماء والثلج العطش ونحوه وهذا لا خلاف في الرجوع بما نقص على الوجه الذي ذكر والمشهور قول ابن القاسم أن المعتبر ثلث المكيلة لأن الضرر متعلق بعينها وقال أشهب ثلث القيمة لأنها المقصودة منها قيل والخلاف إنما هو في ثمرة لا يحبس أولها على آخرها فانظره. الثاني: أمر أرضى مقدور على دفعه ومنه السارق عند ابن القاسم وهو خلاف قوله في المدونة لو أن سارقا سرقها لكانت جائحة وقيده بعض الأندلسين بالفتنة أو حيث لا يستطاع وصرح الإخوان بأن ما كان من آدمي فليس بجائحة. الثالث: ما كان من الأمور الأرضية التي لا يقدر على دفعها فاختلف فيه كالدود والفأر والجيش وهذا مختلف فيه ففي المدونة الجيش جائحة ومقتضى قول الأخوين ليس بجائحة فانظر ذلك وقوله: (وما نقص عن الثلث): يريد ولو قال فلا شيء فيه لا في المكيلة ولا في القيمة والله أعلم. (ولا جاحئة في الزرع ولا فيما اشترى بعد أن يبس من الثمار وتوضع جائحة البقول وإن قلت وقيل لا يوضع إلا قدر الثلث). المشتري من النبات ثلاثة البل والمشهور لا حد فيه بل توضع جائحته قلت أوكثرت لأن الغالب جاحته العطش والحكم أن يوضع بجائحته ما قل وجل وقل عبد الوهاب هو كالثمار يعتبر فيه الثلث ورواه علي بن زياد وفي مختصر الشيخ ثالث بالسقوط مطلقا والزرع لا جائحة فيه لأنه لا يباع إلا بعد يبسه. ابن القاسم: كل ما لا يباع إلا بعد يبسه من قمح أو شعير أو غيرهما فلا جائحة

فيه الثالث: الثمار وهي على ثلاثة أقسام ما بيع منها بعد يبسه واستيفاء طيبه كله فلا جائحة فيه كالزرع اتفاقا وما بيع منها في ابتداء طيبة وبقي لتلاحقه وانتهائه ففيه اتفاقا وما بيع بعد تمام صلاحه وبقى لحفظ رونقه نضارته وخيفة تغيره كالعنب وقصب السكر فاختلف في جائحته كما إذا بقى لنفاق سوقه وفي الكيل روايتان والله أعلم. وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح" وهو عمدة الباب والله الموفق للصواب. (ومن أعرى ثمر نخلات لرجل من جنانه فلا بأس أن يشتريها منه إذا أزهت بخرصها ثمرا يعطيه ذلك عند الجداد إن كان فيها خمسة أوسق فأقل ولا يجوز شراء أكثر من خمسة أوسق إلا بالعين أو العرض). العرية بتشديد الياء اشتقاها من عروت الرجل أعروه إذا طلبت معروفة ومنه قوله تعالى: {وأطعموا القانع والمعتر} أي طالب المعروف عبد الوهاب هي هبة الرجل نخلة أو نخلات من حائطه الباجي وهذا الحد على مذهب أشهب وابن حبيب فأما على مذهب ابن القاسم فيه إعطاؤها على وجه يخصها وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق وفي خمسة أوسق متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي رواية لزيد بن ثابت رضي الله عنه عند مسلم بخرصها كيلا يأكلها أهلها رطبا عياض والعربة رخصة مستثناة من أربعة أصول ممنوعة محرمة من المزابنة ومن بيع طعام بمثله دون تحقق تماثل ومن بيع الطعام بالطعام إلى أجل ومن الرجوع في الهبة هذا جملة كلامه بمعناه. قال: وشراء العرية بخرصها يجوز بعشرة شروط الأول أن يكون معريها هو مشتريها الثاني: أن تكون قد طابت يعني أزهت أي يبدوا صلاحها. الثالث: أن لا تكون إلا بثمر. الرابع: أن لا تكون إلا بخرصها. الخامس: أن لا تباع إلا بنوعها.

السادس: أن لا تكون إلا بالجداد هذه الستة متفق عليها. السابع: أن لا تكون إلا باسم العرية. الثامن: أن تكون خمسة أوسق فما دونها. التاسع: أن يكون المشتري جملة ما أعري. العاشر: أن تكون العرية مما يبس ويدخر وهذه الأربعة مختلف فيها اختلاف مشهورا. انتهى وبتمامه تم الباب وهو من آكد الأبواب وأهما على المتدين فقد قال عليه الصلاة والسلام لما سئل أي: الكسب أطيب؟ " عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور". رواه الترمذي من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه وصححه الحاكم والله الموفق للعمل عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل.

باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء ذكر في هذه الترجمة ستة أشياء معظمها رزمة العبيد فإن رزم الفقه ستة رزمة الشراء ورزمة ال، كحة ورزمة البيوع ورزمة العبيد ورزمة الأقضية ومنها باب الشفعة وما معها ورزمة الجنايات والحدود ثم لكل ما ذكر حقيقة وحكم يأتي في محله إن شاء الله وأول ذلك الوصية وحقيقتها قال (ع) الوصية في عرف الفقهاء لا الفرائض عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده وفي الشامل الوصية تمليك مضاف لما بعد الموت بطريق التبرع أبو عمر: أجمع العلماء على أنها غير واجبة ونقل غيره عن البلوطي القول بوجوبها وقد قسمها بعضهم إلى أقسام الشريعة ولا يصح مع تعريفاتهم فانظر فيه. (ويحق على من له ما يوصي فيه أن يعد وصيته). هذا لحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أحق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" متفق عليه ومحمله الندب والإرشاد لأن صيغة ما حق كقول القائل ليس من حقه كذا وهي صغية لا تأتي إلا للإرشاد والندب في الغالب وتعبير الشيخ محتمل للندب والوجوب والرجوع به لمعنى الحديث ومحمله أولى وإنما إعدادها بكتبها الإشهاد عليها إذ لا يكتفى بالكتب وحده وهل موضع الحديث عموما أو عند المرض ونحوه قولان. وقد قال ابن عمر رضي الله عنه ما مرت ليلة منذ سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وعندي وصيتي عياض: ولصحة الوصية ثلاثة شروط العقل، الحرية، وصحة ملكية المال الموصى فيه ومعنى العقل هنا ما يصح به تمييز القربة على المشهور الله أعلم. (ولا وصية لوارث). هذا لفظ حديث أبي أمامة رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" رواه أحمد والترمذي وحسناه وقواه ابن خزيمة ابن

الجارود ورواه الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنه وزاد في آخره: " إلا أن يشاء الروثة" وإسناده حسن قال مالك: والسنة التي لا اختلاف فيها عندنا أنه لا تجوز وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة وإن أجاز بعضهم جاز له حق من أجاز. وهل " لا " في قوله: " لا وصية" لنفي الصحة فقط أو مضمنة معنى النهي؟ قولان: والراجح هو الأول. وشروط الموصى له ثلاثة: كونه غير وارث عند نفوذ هؤلاء وإلا سقطت وقبولها بعد الموت إن كان معينا وهي غير عتقه وأن يكون قابلا للملك في أصل وجوده والله أعلم. (والوصايا خارجة من الثلث ويرد ما زاد عليه إلا أن يجيزه الورثة). يعني أن الوصايا كلها إنما تؤخذ من الثلث كائنا ما كانت فإن ضاق عنها بدئ المبدأ وحوصص غيره فلا حق لوصية فيما وراء الثلث والزيادة على الثلث إن لم يجزها الورثة ردت وحدها على المشهور وقيل يرد كله لأنه عقد فاسد وهو المشهور في تصرف المرأة فيما زاد على ثلثها أنه يرد الجميع وإن أجازوا فهل تنفذ لفعل ميت فيملك أو هي عطية قولان اختار القضاة الثلاثة أبو الحسن وأبو محمد وأبو الوليد الأول: وأقام اللخمي من المدونة الأخير واقتصر عليه الشيخ خليل في مختصره. وشروط الموصى به ثلاثة: كونه مما يحل تملكه وبيعه وكونه معلوم القدر ولو لم يعرف ونحوه فإن جهلت بكل وجه بطلت في الثلث فدونه أبو عمر وينبغي أن يقتصر دون الثلث وثالثها: إن كان المال قليلا والورثة كثيرا ومحاويج فالأقل أولى والله أعلم. (والعتق بعينه مبدأ عليها والمدبر في الصحة مبدأ على ما في المرض من عتق وغيره وعلى ما فرط فيه من الزكاة فأوصى به فإن ذلك في ثلثه مبدأ على الوصايا). يعني: أن الثلث إذا ضاق عن الوصايا بدئ بالآكد فالآكد منها فالعتق المعين مبدأ على جميع الوصايا غيره مما تبرع به في وصيته إلا ثلاثة فكاك الأسير ومدبر الصحة والمنكوحة في المرض هذا الذي اقتصر عليه الشيخ خليل في مختصره وظاهر ما هنا تقديم مدبر الصحة حتى على فك الأسير ونص على تبدئته أو عمر الأشبيلي ونقله ابن عات

وظاهر ما في باب النكاح تبدئه المنكوحة في المرض. ووجهه أنه في مقابلة حق بخلاف غيره وكل ما أحدث في المرض من تبتيل عتق أو غيره فما ذكر فمبدأ عليه وصيته بالزكاة التي فرض فيها بعد العتق المعين بخلاف زكاة عامه يموت قبل التمكن من إخراجها فإنها من رأس ماله لتعينها وهو مفهوم من قوله على ما فرط فيه وهل لو لم يعلم حلولها إلا منه قاله ابن الحاجب وشارحوه (ع) وظاهر الروايات شرط معرفة حلولها من غيره وهذا في الحرث والماشية قال أشهب والعين كذلك واختاره اللخمي وقال ابن القاسم إن أوصى بها وإلا فلا تخرج من رأس ماله ولا ثلث وقوله الشيخ (ومدبر الصحة) مبدأ عليه تكرار للجمع والتأكيد والله أعلم. (وإذا ضاق الثلث تحاص أهل الوصايا التي لا تبدئه فيها). الحصاص إعطاء كل من الثلث على قدر نسبة ما له في الوصية كانت الجملة عينا أو عرضا أو مجموعهما على تفصيل في الأخير فانظر كيفيته وبالله التوفيق. وإن أوصى بترتيب ابتع ولو كان ما يقتضي التبدئة مؤخرا فيها قاله ابن شاء وتابعه (ع) وهو قول ابن يونس عن عبد الملك هذا في ماله الرجوع عنه فأمره غيره كعتق بتل أو عطيرة كذلك أو تدبير في مرض فلا يبدأ ما يقول على ما هو أوجب مه لأن تبدئته عليه رجوع منه وهو واضح والله أعلم. (وللرجل الرجوع عن وصيته من عتق وغيره). يعني لأنه وعد لم يتنجز بعد وعدم الرجوع يؤدي لقطع باب المروف فله الرجوع وهي على أمر متوقع هو تأخير الموصى له عن الموصي لا يتحقق وقوعه فلا يلزم فتبطل بالرجوع وظاهره ولو نص على التزام عدم الرجوع وقال (ع) اختلف فيهما شيوخ تونس فحكى ابن علوان فيها ثلاثة ثالثها إن كانت بعتق فلا رجوع ولم يعزها فانظر ذلك الباجي: ولا خلاف في الرجوع على الوصية بالقول ابن حارث اتفقوا فيمن أوصى لرجل بعبد ثم باعه أو وهبه أو أعتقه أن ذلك رجوع وفي الجواهر الكتابة رجوع (8) لا أعلمه لأحد من أهل المذهب وأصول المذهب توافقه ابن كنانة لو أوصى لرجل بجارية لم يمنعه ذلك وطأها وليس برجوع ما لم تحمل وروى ابن القاسم إذا أوصى بزرع فحصدة أو بثمر فجذه فلي برجوع إلا أن يدرس القمح ويكتاله ويدخله بيته

الباجي لأنه بالدرس والتصفية يصير قمحا وشعيرا فينتقل عنه اسم الزرع والله أعلم. (والتدبير أن يقول الرجل لعبده أنت مدبر أو أنت حر عن دبر مني). (التدبير): مأخوذ من الإدبار لأنه عتق معلق بإدبار السيد عن الدنيا (خ) التدبير تعليق مكلف رشيد وإن زوجه في زائد الثلث العتق بموت لا على وصية فخرج بالتعليق البتل وبالمكلف الصبي والمجنون إذ لا يصح تبرعهما وبالرشيد السفيه وقيده في التوضيح بالمولى عليه هو سماع أصبغ من ابن القاسم قائلا وإن حسنت حاله وإن كان مله واسعا وذكر الزوجة في زائد الثلث للخلاف فيما إذا كان العبد الثلث فأقل إذ قال مالك لا رد لزوجها. وروى عكسه كقول سحنون وقاله الإخوان وقوله لا على وصية أخرج به الموصي بعتقه وإنما هي ثلاث إن صرح بالتدبير فتدبير وإن صرح بالوصية فوصية وإن قال كلمة محتملة كإن مت فعبدي حر فقولان مشهورهما وصية أو إن مت فمدبر فعن ابن القاسم وصية وفي الموازية تدبير ولو قال إن مت فأعتقوه فإنها وصية اتفاقا (ع) المدبر هو المعتق من ثلث مالكه بعد موته بعتق لازم فيخرج العتق إلى أجل وأم الولد والموصى بعتقه. (ثم لا يجوز له بيعه وله خدمته وله انتزاع ماهل ما لم يمرض). أما منع بيعه فلدخول شائبة الحرية فيه كالعتق المؤجل إذ أجله موت السيد ويباع في الفلس والدين بعد الموت وأما انتزاع ماله وخدمته فلأنه لم يخرج من الرق بعد وأما كون ذلك محدودا بما إذا لم يمرض مرض موته فلأنه قد تهيأ لفواته فيتنزل منزلة فواته بعتقه إذ يتبعه ماله في عتقه والله أعلم. ص: (وله وطؤها إن كانت أمة ولا يطأ المعتقة إلى أجل ولا يبيعها وله أن يستخدمها وله انتزاع مالها ما لم يقرب الأجل). الفرق بين الدبرة والمعتقة إلى أجل في الوطء أن المدبرة غير موقوفة على حد معروف وإنما هي مغياة بالعمر الذي ينتهي إليه التأييد والأخرى لها حد تنتهي إليه دون ذلك وشرط استباحة الفروج اعتقاد التأبيد والخدمة تدور مع الرق فهما فيه سواء. (وإذا مات فالمدبر من ثلثه والمعتق إلى أجل من رأس ماله).

إنما كان ذلك لأن المؤجل مبتل ينتهي إلى حد معروف والمدبر مجهول الأجل مع أن شبيه بالموصي بعتقه فأعطي حكما بين حكمين لأن له حالا بين حالين والآخر محرر الحال إلى أحد الجهتين والحاصل أن المدبر والمؤجل يتفقان في كل شيء إلا في ثلاث كون المدبر من الثلث والآخر نم رأس المال ويطأ المدبر ولا يطأ الأخرى ويمنع من انتزاع مال المدبر بالمرض ويعتبر في الآخرى قرب الأجل وفي المدونة ليست السنة بقريب بل الشهر والشهران ونحو ذلك وفي بيعهما في الفلس تفصيل. (والمكاتب عبد ما بقي عليه شيء). يعني من كتابته ولو قل لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال عليه الصلاة والسلام: " المكاتب عبد ما بقى عليه من كتابته درهم". رواه أصحاب السنن وصححه الحاكم ومعناه أن له حكم الرق في كل شيء غير أنه أحرز نفسه وماله والكتابة مأخوذة من الكتب (ع) الكتابة عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه ولا خلاف في عدم وجوبها إلا ما يروي عن داود الظاهري قيل في رده إن كانت ردا فلا يجبر أحد على بيع ماله وإن كانت عتقا فكذلك فالأمر بها للندب أو للإباحة فقط والله أعلم. (والكتابة جائزة على ما رضيه العبد والسيد من المال منجما قلت النجوم أو كثرت) كونها جائزة فلا خلاف فيه ثم هل راجحة فتكون مندوبة للأمر بها وهو المشهور وقاله في المدونة وقال مطرف ورواه ابن القاصر وعبر عنه (ع) بالمعروف وحمله إسماعيل القاضي وعبد الوهاب على الإباحة فقط كقوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10] ورجح الأول بتضمنها القربة بخلافها وقسمها اللخمي لما عدا الوجوب. وفي المدونة تجوز كتابة الصغير ومن لا حرفة له وإن كان يسأل وقال غيره لا تجوز كتابة الصبي إلا أن تفوت بالأداء أو يكون بيده ما يؤدي منه فيؤخذ منه ولا يترك له وكره مالك كتابة أمة لا كسب لها لأنها تضيع نفسها أو يؤدي ذلك لأمر آخر ولو طلب السيد جبر عبده على الكتابة فقال إسماعيل القاضي له جبره وهو الآتي على ما في المدونة قالها ابن يونس ولابن رشد اختلف في ذلك قول ابن القاسم وعلى الجبر فترجع

المراضاة للمقدار والله أعلم. وظاهر ما هنا أن التنجيم شرط في الكتابة الطرطوشي وهذا ظاهر قول مالك ونحوه في المدونة وفي المقدمات المذهب جوازها حالة ومؤجلة وهو خلاف ذلك والله أعلم وفي قوله: (قلت أو كثرت) دليل على أن المطلوب تعدد النجوم فلا تكون نجما واحدا وفيه خلاف فانظره. (فإن عجز رجع رقيقا وحل له ما أخذ منه ولا يعجزه إلا السلطان بعد التلوم إن امتنع من التعجيز). أما رقه بعجزه فللحديث المتقدم وأنه على حكم الرق وأدائه ويحل له ما أخذ منه لأنه مال لعبده وإن تمسك به كان انتزاعه بل أحرى في الحلية وأما كونه لا يعجزه إلا السلطان إن امتنع فيريد ولو شرط ذلك لنفسه قاله في المدونة ولو اتفقا على العجز فمنعه مالك وإن كان له مال ظاهر لحق الله في العتق وفيه خمسة أقوال والتلوم التأجيل والإنظار اللخمي لو أراد السيد حل الكتابة وأبى المكاتب أو بالعكس فالقول قول المتمسك والله أعلم. (وكل ذات رحم فولدها بمنزلتها من مكاتبة أو مدبرة أو معتقة إلى أجل أو مرهونة). المراد بذت الرحم: الحامل من الآدميات، فولد المكاتبة والمدبرة الذي حملت به بعد العقد تابع لها في الرق والحرية والكتابة والتدبير قاله ابن القاسم في المدونة غير أن ولد أم الولد من سيدها تابع لأبيه فيعتق ولد المكاتبة بأدائها وولد المدبرة من ثلث سيدها وكذلك المؤجلة يعتق من رأس المال معها والولد رهن مع أمه إلى انقضاء أمد الرهن والله أعلم. (وولد أم الولد من غير السيد بمنزلتها). يعني في العتق لا في الخدمة فإذا عتقت عتق ولدها الحادث بعد الاستيلاء مع غير السيد وله أخذ أمه وتباع خدمته في دين السيد ثم ولد أم الولد على ثلاثة أوجه: ما كان قبل الاستيلاء من غير السيد فهو رقيق وما كان بعده من غيره فهو على حكم أمه كما تقدم وولدها من سيدها هو أصل حريتها وقد قالوا الولد تابع لأمه في الرق والحرية إلا

ولد أم الولد من سيدها فإنه تابع لأبيه والله أعلم. (مال العبد له إلا أن ينتزعه السيد). المذهب أن العبد بملك ملكا مزلزلا فلملكه يجوز له التسري بجواريه ولتزلزله لاتجب عليه زكاة ولا على سيده وانتزاع ماله مشروط بعدم عقد حرية قد توجهت فيه وكونه غير مأذمون في ديونه فانظر ذلك. (فإن أعتقه أو كاتبه ولم يستثن ماله فليس له أن ينتزعه). خروج العبد عن سيده على ثلاثة أوجه: إما أن يخرج من ملك إلى ملك بعوض فهذا لا يتبعه ماله إلا بالشرط وإما أن يخرج من ملك إلى حرية فماله تابع له إلا بالشرط وإما أن يخرج من رق إلى رق لا بعوض كالهبة والصدقة فاختلف فيه هل يلحق بالأول لجامع الملك أو بالأخير لعارض المعروف فانظر ذلك. (وليس له وطء مكاتبته). يريد ولو شرطه قال في المدونة ومن كتاب أمة على ألف درهم نجمها عليها على أن يطأها ما دامت في الكتابة بطل الشرط وجازت الكتابة إن أعتق أمة إلى أجل على أن يطأها وشرط على المكاتبة أن ما ولدت في كتابتها فهو عبد فالشرط باطل والعتق نافذ إلى أجله قال فيها أيضا ومن كاتب أمته فليس له وطؤها فإن فعل درئ عنه وعنها الحد أكرهها أو طاوعته ويعاقب إلا أن يعذر بجهل انتهى وتصير يحملها أم ولد فتخير في أيهما شاءت فإن اختار الكتابة عتقت بها وإلا فيموت السيد والله أعلم. (وما حدث للمكاتبة من ولد دخل معهما في الكتابة وعتق بعتقهما). يعني أن يعتق بأدائهما ويؤدي بعد موتهما من مالهما ويرثهما وهذا هو الدخول الحكمي ابن الفاكهاني احترز بما حدث من أن يكاتبه وأمته حامل منه فإنه لا يدخل معه حملها لأنه انفصل عنه وإنما يدخل معه ما هو في طلبه حال الكتابة ويدخل أيضا مع المكاتبة ما كان في بطنها فما كان في البطن بمنزلة ما في الظهر وما انفصل من الظهر بمنزلة ما انفصل من البطن وإتباعه لأبيه إنما هو في وطء أمته فإذا كان العبد له أمة

يطؤها ثم كوتب فحملها منه بعد كتابته كان الولد مكاتبا معه وإلا فهو تابع لأمه في الرق والحرية والله أعلم. (وتجوز كتابة الجماعة ولا يعتقون إلا بأداء الجميع). يعني إن كانت كتابتهم دفعة لا مترتبين وسواء دخلوا على الحمالة أم لا ولا يوضع عنهم شيء بموت أحدهم ثم إن أراد واحد منهم الجميع رجع على غير من يعتق عليه عند ابن القاسم وقال ابن كنانة على غير وارث وقال أشهب لا يرجع على قريب وإن كان غير وارث لأنه يحمل على العطف وقال المغيرة يرجع على الجميع لأنها حمالة وهل رجوعه على قدر قوتهم يوم الكتابة وهو قول ابن القاسم وأشهب أو لا أقوال خمسة فانظره. (وليس للمكاتب عتق ولا إتلاف ماله حتى يعتق). يعني أن ممنوع من التبرعات التي لا يعود عليها منها نفع كالعبد القن بخلاف مكاتبة عبيده وإنكاحهم بتولية غيره عقودهم لإرادة الفضل وله البيع والشراء والمشاركة وإسلام أمته أو فداؤها إن جنت وكان نظرا. (ولا يتزوج ولا يسافر السفر البعيد إلا بإذن سيده). أما النكاح فاختلف فيه مطلقا إذا لم يكن مؤديا إلى عجزه من غير ضرورة وأما السفر فالقريب أجازه ابن القاسم إذا لم يكن فيه كبير مؤنة فيما يغيب عن سيده ومنعه مالك جملة واختار اللخمي إن كان صانعا أو تاجرا قبل مكاتبته فللسيد منعه فإن بارت صناعته أو تجارته فاحتاج إلى السفر لم يكن له ذلك إلا أن يأتي بحميل بأقل ما بقي عليه أو قيمته وإن كان شأنه السفر لم يكن له منعه فإن كان يحل عليه النجم قبل رجوعه منع منه وإن كان يعود بعد حلوله واتهم بعدم الرجوع أو التأخير منع إلا أن يأتي بحميل. (وإذا مات وله ولد قام مقامه وأدى من ماله ما بقي عليه حالا وورث من معه من ولده ما بقي). موت المكاتب يحل به ما عليه لخراب ذمته كالمديان فإن كان له من يؤدي عنه أدى عنه بالحلول من ماله ابن الحاجب وتفنسخ بموت العبد ولو خلف وفاء إلا أن يكون معه ولد ولو دخل معه بالشرط أو غيره بمقتضى العقد لكونه حملا يوم عقدها أو

حدث بعد عقدها قال ولا يرث الباقي إلا قريب يعتق عليه من الآباء أو الأبناء أو الأخوة ممن معه في الكتابة خاصة. وهذا قول ابن القاسم في المدونة وروايته وهو المشهور واستثنى فيها من المدونة الزوجة وإن كان معه في الكتابة ولا يرثه أحرار ولده لدخول معنى الولاء في إرثه فلا يرثه إلا من له فيه شبهة وهذا كله إن كان في المال وفاء لنجومه كان الأولاد صغارا أو كبار فأما إن لم يكن فيه وفاء فقال: (وإن لم يكن في المال وفاء فإن ولده يسعون فيه ويؤدون نجوما إن كانوا كبارا وإن كانوا صغارا أو ليس في المال قدر النجوم إلى بلوغهم السعي رقوا). ظاهره أنهم يرقون بنفس الموت إن لم يكن له وفاء وهم صغار كظاهر المدونة وفي التلقين يتجر لهم فيه إن أمكن حتى يوفي هل يتقيد لهما فيكون وفاقا أو خلافا قولان قال في المدونة ولا يدفع ذلك المال لمن معه في الكتابة غير الولد من قريب أو أجنبي وقال أشهب يسعى علهيها من بقى من أهل الكتابة وإن كان أخا أو أجنبيا وعن ربيعة ماله لسيده وإن كان معه ولد والله أعلم. (وإن لم يكن له ولد معه في كتابه ورثه سيده). يريد وكذا قريب يعتق عليه وإنما يرثه سيده لانفساخ كتابته بالموت، وعوده بذلك رقيقا وكل ذلك على المشهور إلا إذا لم يكن معه أحد ولا وارث فلا خوف فيه. والله أعلم. (ومن أولد أمة فله أن يستمتع منها في حياته وتعتق من رأس ماله بعد مماته ولا يجوز له بيعها ولا له عليه خدمة ولا غلة وله ذلك في ولدها من غيره وهو بمنزلة أمه في العتق يعتق بعتقها). هذا حكم أم الولد وكتاب أمهات الأولاد من المدونة (ع) أم الولد هي الحر حملها من وطء مالكها عليها جبرا فتخرج المستحقة حاملا من زوج لأنه غير ملكه وتدخل المستحقة حاملا من ملك على أخذ قيمتها بذلك وتخرج أمة العبد بعتق سيده حمله منها عنه لأنه غير جبر والله أعلم. وحكمها حكم الحرة إلا أن وطأها لما كان سبب نفعها فلا يكون سبب حرمان

سيدها عياض لأم الولد حكم الحرة في ستة أوجه وحكم الأمة في أربعة فالستة لا تباع في دين ولا غيره ولا ترهن ولا توهب ولا تؤاجر ولا تسلم في جناية ولا تستسعى والأربعة له انتزاع مالها ما لم يمرض وجبرها على النكاح في أحد القولين وله استخداما فيما خف وله أن يستمتع بها في حياته وحكى بعضهم ثبوت الإجماع على من ع بيعها. (ع): ومنع بعضهم ثبوت الإجماع وكذا بيعها حاملا من سيدها قلت ويؤيد منعه قول جابر رضي الله عنه كنا نبيع سرائرنا أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا نرى بذلك بأسا رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني وصححه ابن حبان الباجي ليس له أن يعنت أم ولده في الخدمة وإن كانت دنيئة وتمتهن الدنيئة في الحوائج الخفيفة بما لا تبتذل فيه الرفيعة وقال عبد الوهاب استخدامها فيما يقرب ولا يشق وحكم ولدها تقدم. (وكل ما أسقطته مما يعلم أنه لود فهي به أم ولد). يعني سواء كان مضغة أو علقة واختلف في الدم المجتمع فقول ابن القاسم وروايته هي به أم ولد وقال أشهب لا تكون به أم ولد يعرف ذلك بصب الماء السخن عليه ودعكه فإن انحل فدم وإلا فخلق مخلق والله أعلم. (ولا ينفعه العزل إذا أنكر ولدها وأقر بالوطء فإن ادعى استبراء لم يطأ بعده لم يلحق به ما جاء من ولده). أما العزل فلأن الماء قد يغلبه ولو اليسير منه اللخمي إلا أن يكون العزل البين واختلف في الوطء في الدبر مع الإنزال وكذا بين الفخذين مع الإنزال واستبعد الباجي لحوق الولد مع الإنزال بين الفخذين واستبعده غيره بأن الماء إذا باشر الهواء فسد اللخمي فإن كان الإنزال بين شفري الفرج لحق والولد قولا واحد ابن القاسم ولو قال كنت أطأ ولا أنزل لم يلزمه الولد وأما دعوى الاستبراء فيصدق فيه بغير يمين وقال عيسى يلحق مطلقا وقال ابن مسلمة إن اتهم وفي كتاب ابن سحنون عن المغيرة لا يبرأ منها إلا إلى خمس سنين غاية الحمل عند مالك لأن الحامل عنده تحيض فانظر ذلك. (ولا يجوز عتق من أحاط الدين بماله). لأنه لا مال له وما بيده مستحق لغرمائه وتمنع جميع تبرعاته ويرد منها ما كان

قائم العين قبل فواته وهذا أول باب العتق (ع) العتق رفع ملك حقيقي عن آدمي حي لا بسباء محرم خرج بآدمي غيره وبذكر حقيقي استحقاق عبد بحرية بسباء محرم فداء المسلم من الحربي وبحي رفعه عنه بموته ثم هو من أعظم القربات إجماعا فقد صح: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله من كل عضو بعضو منها حتى الفرج بالفرج" الحديث وفي حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه: " من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غارما في عسرته أو مكاتبا في رقبته أظله الله يوم لا ظل إلا ظله" رواه أحمد وصححه الحاكم. وفي الجواهر أركان العتق ثلاثة المعتق بالكسر والمعتق بالفتح والصيغة فشرط الأول أن يكون جائز التصرف بلا حجر صحيح الملك بلا معارض والثاني كل رقيق لم يتعلق بعينه حق لازم والصيغة ما يؤدي معنى خروجه عن الملك لا إلى ملك وهي صريح وكناية فالصريح كاعتقت وحررت وأنت حر وعتيق ونحو ذلك إن فهم قصده والكناية كوهبت لك نفسك وأعتقتك أو تصدقت عليك بك ونحو ذلك. (ومن أعتق بعض عبده استتم عليه وإن كان لغير معه في شركة قوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم يقام عليه وعتق فإن لم يوجد له مال بقى سهم الشريك رقيقا). بتعيض العتق غير جائز فيكمل على كل حال إلا أن يعارضه حق للغير وليس للمعتق ما يوفي ويجب حتى بقوله يدك أو رجلك أو شعرك أو ظفرك حر فيلزم التكميل وهل يسري بنفس وقوعه أو حتى بحكم به قولان وينبني على ذلك أحكام ما بين العتق والحكم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق" متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه وحديث الاستسعاء مدرج فلذلك لم يقل به مالك ومن قاله بقوله وفي تقويمه معيبا بالعتق أو سليما منه قولان وقوله: (يوم يقام عليه): هو المشهور وقيل يوم العتق بناء على السراية بنفس العتق وإذا وجد له بعض ما يقوم به لزمه مقداره قالوا ويباع عليه شوار بيته في ذلك ولا يترك له من الكسوة ما لهبال وعيشة الأيام.

الباجي عن الأشهب إنما يترك له ما يواريه لصلاته عبد الملك يترك له ما لا يباع على المفلس الباجي وما يعلم به عسرة إلا أن يكون له مال ظاهر ويسأل عن جيرانه ومن يعرفه فإن لم يعلموا له مالا حلف ولم يسجن عند عبد الملك وقاله الأصحاب إلا اليمين ذكره اللخمي قالوا وهذا هو الأصل في كل ما لم يكن أصله معاوضة فإنه لا يضيق الأمر فيه كالمداينة وهذا كله في صحته وإلا فلا تقويم على تفصيل في ذلك فانظره ومتى بقي سهم الشريك رقيقا كان لنفسه بقدر عتقه وللآخر بقد رقه والله أعلم. (ومن مثل بعبده مثلة بينة من قطع جارحة ونحوه عتق عليه). (المثلة البينة) هي التي تضرر منها ويظهر نقصه كقطع جارحة ونحوها بخلاف حلق لحيته ونحوها وقال عبد الملك هي مثلة الوجه ولنفيه قصد الشيخ بقوله: (بينة) وشرطها العمد فلو لم يتعمد فلا شيء عليه ولو ادعى السيد الخطأ والعبد العمد فقال سحنون مرة القول للسيد مع يمينه وقال مرة للعبد واختلف هل يعتق بنفس المثلة أو حتى يحكم عليه على قولين ولابن القاسم في الدمياطية لو قطع أذنه أو لسانه أو يده ورجليه ثم مات قبل الحكم ورثه سيده بالرق. وقال أشهب في الموازية من مثل بعبده مثلة بينة فهو حر حين مثل به غير سلطان اللخمي والأول أحسن وقال الحنفي كالشافعي لا عتق بمثلة بل العقولة فقط والله أعلم. (ومن ملك أبويه أو أحدا من ولده أو ولد ولده أو ولد بناته أو جدته او أخاه لأم أو لأب أو لهما جميعا عتق عليه). ما ذكر هو عمود النسب وجناحاه والمشهور ما ذكر في ذلك هل بنفس الملك وهو المذهب عند ابن رشد والجلاب واختار اللخمي وقفه في الأخوة وهم الجناحان على الحكم وخرج عليه انتزاع ما لهم وإن شارفوا العتق ورواه ورده (ع) بأن بقية الأجل في المعتق إلى أجل واجبة وروى ابن خوزي منداد لا يعتق عليه إلا عمود النسب لا جناحاه. وقال ابن وهب يعتق عليه كل ذي رحم محرم لحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: " من ملك ذا رحم محرم فهو حر" رواه أصحاب السنن وأحمد ورجح الحافظ وقفه على عمر رضي الله عنه وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: " لا يجزي ولد والده إلا أن

بجده مملوكا فيعتقه" رواه مسلم وليس بحجة في هذه لأن أحاديث الترغيب والترهيب لا تؤخذ منها الأحكام ونص عليه إمام الحرمين والله أعلم. (ومن أعتق حاملا كان جنينها حرا معها). لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها يريد سواء كان ذلك في الرقاب الواجبة أو غيرها عبد الوهاب لأنه لا يوجد في الأصول حرة حامل بعبد وإنما يوجد أمة حمل بحر ابن الفاكهاني وهذا في أربع مسائل الراهن يطأ أمته المرهونة وهو عديم والأمة تجني فيطؤها السيد بعد علمه بجنايتها فإنها للمجني عليه وأمة المفلس يطؤها في أيام وقفها للبيع والأمة يطؤها الولد من تركة أبيه وهو عالم بدين أبيه واستغراقه التركة مع فلسه هو في نفسه قال فهذه الأربع تحمل فيها حرة بعبد قال ولم أجد لها خامسا فمن وجد شيئا من ذلك فليضفه إليها راجيا ثواب الله انتهى باختصار بعض ألفاظها. (ولا يعتق في الرقاب الواجبة من فيه معنى من عتق بتدبير أو كتابة أن غيرهما ولا أعمى ولا أقطع اليد وشبهه ولا من على غير الإسلام). الرقاب الواجبة تجب في خمس مواضع: كفارة الصوم وكفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة القتل وما يوجبه الإنسان على نفسه بالنذر إن لم يكن معينا ولا موصوفا فلا يجوز في ذلك كله إلا ما سلم من عيب النقص والرد والله أعلم. (ولا يجوز عتق الصبي ولا الموالي عليه).

يعني أن يشترط في المعتق أي فاعل العتق البلوغ والرشد ظاهر كلامه مطلقا وفي المدونة إلا السفيه في أم ولده فله عتقها خلاف للمغيرة في منعه (ع) المعتق كل من لا حجر عليه في متعلق عتقه طائعا قال فيخرج من أحاط دينه بما أعتق أو ببعضه وذات الزوج بما يحجر فيه عليها إلا السفيه في أم ولده ففي المديان منها عتق أم ولده جائز لأنه ليس فيها إلا المتعة. (والولاء لمن أعتق ولا يجوز بيعه ولا هبته). هذا لفظ الحديث الكريم المتفق عليه من رواية عائشة رضي الله عنها وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر: " قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق" متفق عليه ومعنى (الولاء) رجوع الإرث للمنع بالعتق اللخمي ولا يكون الولاء لمن أعتق إلا بشروط خمسة كون العبد ملكا له وعتقه من نفسه لا عن غيره وكمال حرية المعتق وتساوي الحر والعبد في أصل الدين فإن انخرم منها شرط فلا ولاء له. وقوله: (ولا يجوز بيعه ولا هبته) يعني لقوله عليه الصلاة والسلام: " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" رواه الحاكم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه وصححه ابن حبان واتفق على إعماله والله أعلم. (ومن أعتق عبدا عن رجل فالولاء للرجل).

يريد وعلى المرأة والصبي كذلك وهذا قول ابن القاسم ومالك فيما إذا لم يكن بإذنه لأنه لا يصح العتق عنه إلا بملكه إياه فالتوجه له بالعتق تمليك مضمن فيه وقال ابن عبد الحكم وأشهب الولاء للمعتق للحديث وإن كان بإذنه فالولاء للمعتق عنه باتفاق المذهب وفي خارجه اختلاف. (ولا يكون الولاء لمن أسلم على يديه وهو للمسلمين). هذا تنبيه على حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه قلت يا رسول الله ما السنة فيمن أسلم على يديه رجل قال: " هو أحق به في محياه ومماته" قال ابن رشد وهو محمول عندنا على أنه أحق به في نصرته والقيام بأمره وتولي دفنه إذا مات بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: " إنما الولاء لمن أعتق" والله أعلم. (وولاء ما أعتقت المرأة لها وولاء من يجر من ولد أو عبد أعتقته). قال في الجواهر الولاء لا يثبت لامرأة أصلا إذا إذا باشرت العتق فلها الولاء على من أعتقت وعلى من رجه ولاؤه لها بولادة أو عتق فيسترسل ولاؤها على أولاده وحفذته ومعتقيه كالرجل، وقال الجعدي لا يرث النساء من ولاء شيئا إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو ما ولد من الذكور خاصة ذكرا كان الولد أو أنثى قال ولا يكون

ولاء ولد المرأة لمواليها إلا في أربعة مواضع أن يكون أبوهم عبدا أو يكونوا من زنى أو من لعان أو يكون الأب حربيا مات ببلد الحرب قال الغماري لأنه مجهول النسب وإلا فلو كان معروف النسب لكان ولاؤه لمن أعتقه لأن الكفر لا يعتقه والله أعلم. (ولا ترث ما أعتق غيرها من أب أو ابن أو زوج أو غيره). لأن الولاء من التعصيب فلا يرثه إلا عاصب ولا شيء للنساء من التعصيب ولا حظ للنساء فيه وإن أشبهن العاصب في بعض الصور والله أعلم. (وميراث السائبة لجماعة المسلمين). يعني وكذلك المنبوذ ومعتق الزكاة عياض وعتق السائبة هو أن يقول للعبد أنت سائبة يريد العتق فهذا الذي ولاؤه للمسلمين عند مالك وأصحابه، وروى ابن وهب أنه لمعتقه وحكاه ابن الفاكهاني عن ابن نافع وعبد الملك وقال وكره مالك السائبة من أجل لفظ الجاهلية ابن رشد اختلف في عتق السائبة فكرهه ابن القاسم فإن وقع فولاؤه للمسلمين وأجازه أصبغ ابتداء ومنعه عبد الملك فإن وقع فولاؤه للمسلمين. (والولاء للأقعد من عصبة الميت الأول فإن ترك ابنين فورثا ولاء مولى لأبيهما ثم مات أحدهما وترك بنين رجع الولاء إلى أخيه دون بنيه). لأن ولده أقعد في التعصيب من ولد ولده ألا ترى أنه يحجبهم عن إرث أبي أبيهم بوجوده والله أعلم. (فإن مات واحد وترك ولدا ومات أخوه وترك ولدين فالولاء بين الثلاثة أثلاثا). يعني لاستوائهم في الدرجة عبد الوهاب هو بين الجمع لتساويهم في القرب من الميت المعتق وكذلك إن مات أحدهم وترك ولدا ومات الآخر وترك أربع بنين فإن الولاء بينهم أخماسا قال وقاله مالك والشافعي والحنفي وأصحابهم وأحمد وإسحاق والأوزاعي وروي عن علي وعثمان رضي الله عنهم وخالف شريح انظر ذلك. خاتمة: الأخ وابنه مقدمان على الجد والجد على ابن الأخ في ثلاثة مواضع الولاء والتزويج والصلاة على الميت لمحض التعصيب وفي الحضانة بتقديم الأخ على الجد وفي الميراث يتساوى الأخ والجد ويحجب الجد ابن الأخ والله أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن العارية والوديعة واللقطة والغصب

باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن العارية والوديعة واللقطة والغصب ذكر في هذه الترجمة تسعة أشياء يتسع الكلام فيها وهي من أبواب الأقضية فلنقتصر على ما لا بد منه في كل باب منها في محله، فأما الشفعة فقال عياض هي بسكون الفاء وهل هي من الشفع لأن الشريك يشفع نصيبه بنصيب صاحبه بعد أن كان وترا أي فردا أو من الشفاعة لأن العرب كانت إذا باع الشريك شفعة لشريكه أي يصير البيع له هذا الذي ارتضاه ابن الفاكهاني وقيل لأن أحد النصيبين شفع لمالكه في تحصيل الآخر (ع) الشفعة استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه ورد قول ابن الحاجب أخذ شريك حصة الشريك جبرا بشراء فانظر ذلك والمشهور أن الذمي كغيره في الشفعة وفي المجموعة عن ابن القاسم لا شفعة لشريك النصراني والله أعلم. (وإنما الشفعة في المشاع ولا شفعة فيما قد قسم ولا لجار ولا في طريق ولا عرصة دار قد قسمت بيوتها ولا في فحل نخل أو بئر إذا قسمت النخل أو الأرض ولا شفعة إلا في الأرض وما يتصل بها من البناء والشجر). أصل هذا الباب عندنا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة متفق عليه قال ابن الفاكهاني تضمن هذا الحديث ثلاثة أحكام وجوب الشفعة بالشركة وسقوطها بالجوار

لأنه بعد القسم جائز وأن الشفعة في الرباع دون العروض الحيوان قال والشفعة تجب بثلاثة شروط: أحدها: أن يكون المبيع عقارا أو ما يتصل به. الثاني: أن يكون البيع قبل القسمة. الثالث: أن يكون مما يحمل القسمة انتهى. والمشاع هو الذي يقسم بل كل نصيب الشريكين شائع في كله، وقال الحنفي بشفعة الجار لحديث: " الجار أحق بصقبة ومحمله" على الندب والإرشاد فأما بقعة الطريق والرصة فهي تبع لما تؤدي إليه فإذا قسم كانت تبعا له بخلاف ما إذا كان مشاعا فإنها تشفع كمتبوعها عبد الوهاب أما البئر وفحل النخل إذا كان في أرض غير مقسمومة ففيه الشفعة لأن أصله فيه الشفعة وهما تبع بخلاف ما إذا قسمت لعدم إمكان القسمة هو متصل بما لا شفعة فيه. (والعرصة) بفتح المهملة القاعة و (فحل النخل) ذكره الذي يذكر منه واختصاص الشفعة بالأصول الثابتة هو المذهب واختلف في توابع النخل وشبهه ففي الثمر المعلق روايتان وسواء المساقي وغيره وذكر اللخمي اثنتي عشرة مسألة في كل واحد قولين ونقلها ابن الفاكهاني بلفظه فانظره. (ولا شفعة للحاضر بعد السنة والغائب على شفعته وإن طالت غيبته). ظاهر كلامه أن الحاضر لا شفعة له بعد السنة ولو بلحظة وهو قول أشهب وروايته وفي التوضيح عن الميتطي إنما يقطع شفعة الحاضر أكثر من السنة بما يعد طولا وهو قول ابن القاسم وبه القضاء قال والغائب والصغير المهمل والسفثه الذي مات وليه واليتيم والبكر لا تنقطع شفعتهم إلا بعد عام من قدوم الغائب وبلوغ اليتيم وترشيد

السفيه وإنكاح البكر ورشدها قال وهذا هو المشهور وبه العمل قال والذي في المدونة لابن القاسم وروايته أن السنة قليل والزيادة عليها في الوثائق المجموعة الشهر والشهر أن وبالشهرين قال ابن الهندي وفي القاسمية الذي جرى به العمل ما زاد على الشهرين وللعبدي ثلاثة ولابن سهل أربعة وهذا كله ما لم يحضر البيع ويشهد في وثيقته فإنه لا يسامح إلا فيما قرب كالعشرة الأيام وفي أصل المسألة أقوال ثمانية وفي فروعها اختلاف فانظره. (وعهده الشفيع على المشتري). يعني أن المشفوع إذا استحق من يد الشفيع رجع بالثمن على الذي أخذ من يده بالشفعة وهو المشتري لأنه المأخوذ من يده بعد صيرورة الملك له ابن المواز وأجمع مالك وأصحابه أن عهدة الشفيع على المشتري أشهب وإليه يرجع الثمن إن كان دفع للبائع وعلى المشتري إقباض الشقص للشفيع وللشفيع قبضه من البائع وعهدته في كل ذلك على المبتاع ابن رشد. وفي المدونة ما يدل على أن الشفيع مخير في كتب عهدته على ما شاء منهما وليس بصحيح. (ويوقف الشفيع فإما أخذ أو ترك). يعني يوقف الحاكم المشتري بعد الشراء لا قبله إن طلب ذلك فإما أخذ بعد العلم بالثمن وصفة عقده والمشتري أو ترك فإن أبى واحد منهما جبرة الحاكم عليه ابن يونس روى ابن عبد الحكم ويؤخره الحاكم اليومين والثلاثة لينظر ويستشير وقال ابن عبد السلام المشهور لا يؤخر ويقال له خذ الآن أو دع وهو نص كتاب ابن المواز ومثله لأشهب في المجموعة وهو ظاهر المدونة واختار اللخمي إن كان إيقافه بحدثان الشراء أمهل اليومين ونحوهما وإن لم يوقف حتى طال لم يهمل ابن المواز وإيقاف غير الحاكم لغو وله تأخيره بالثمن الأيام إذ أخذ وهل اليومين ونحوهما وقاله مالك أو أكثر أقوال. (ولا توهب الشفعة ولا تباع). يريد لغير المشتري عبد الوهاب لأن الشفعة إنما جعلت للشفيع لرفع الضرر بأن يدخل عليه من لا يعرف شركته ولا معاملته فإذا نقلها لغيره بطل المعنى المقصود منها وكان المشتري أحق وفي بعضها مسائلها اختلاف وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه " الشفعة كحل العقال" رواه ابن ماجه والبزار وهو ضعيف.

(وتقسيم بين الشركاء بقدر الأنصباء). يريد لا على عدد الرءوس وهذا إن شفعوا كلهم وهذا قول ابن القاسم وقال عبد الملك على عدد رءوسهم فإن طلب بعضهم وترك البعض فليس للطالب أخذه بقدر نصيبه فإما أخذ الكل أو ترك الكل كان الشفيع واحدا أو جماعة ابن شاس هذا إذا كانوا في الشركة سواء لا خصوص لبعضهم عن بعض وإلا فأهل كل حيز من حيزهم ثم لمن يليهم وتفصيل ذلك يطول فانظره إن شئت. (ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة). ولا يشترط التحويز في ذلك وهو معاينة الشهود للحوز بخلاف الرهن كذا نص عليه (ع) وسيأتي والحاصل أن ما ذكر يلزم بالعقد ويتمم بالحيازة (ع) لزوم العطية بعقدها ابن زرقون عن المازري للواهب الرجوع في هبته قبل حوزها عند جماعة وفي قولة شاذة عندنا حكاها الطحاوي عن مالك وكذا ابن خويز منداد (ع) والمذهب وقف تمامها على حوزها ابن زرقون وروى أبو تمام عدم وقف الصدقة والحبس على الحوز ووقف الهبةعليه ثم الحوز معنوي وحسي فالمعنوي حوز الولي لمن في حجره فيخرج الحوز للرشيد ويدخل الكبير السفيه لا الوالد العبد ولا الأم لولدها إلا أن تكون وصية عليه. والحسي رفع تصرف المعطي في العطية تصرف التمكين منه للمعطي أو نائبه سمع ابن القاسم دفع المتصدق بدار مفتاحها للمتصدق عليه بها حوز ولو لم يسكنها ابن رشد اتفاقا. (فإن مات قبل أن تحاز عنه فهي ميراث إلا أن يكون ذلك في المرض فذلك نافذ من الثلث إن كان لغير وارث). شرط الحوز أن يكون في صحة المعطى وعقله وشرط الواهب كونه لا حجر عليه بوجه فإن كان في غير صحته كان لاحقا بكل تصرفاته تخرج من ثلثه كما لم يكن عليه دين مستغرق سابق لها وفي كون إحاطته بعدها قبل حوزها يبطلها أو لا قولان

لأخوين وأصبغ وفيما إذا منعه منع من الحوز دون تراخ اختلاف وفيما حيز في مرض موت معطية ثلاثة بطلانها وصحتها في ثلث الشيء الموهوب للمعطي وكونها في ثلث المعطى بجملتها للمدونة وأشهب وتخريج اللخمي فانظره وظاهر الرسالة فيما إذا عقد ولم يجز والله أعلم. (والهبة لصلة الرحم أو لفقير كالصدقة لا رجوع فيها ومن تصدق على ولده فلا رجوع له). الجوهري (الصدقة) ما تصدق به على الفقراء (ع) والصدقة تمليك ذي منفعة لوجه الله (والهبة) لغير ثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطى له بغير عوض فإن أراد مع ذلك ثوابها لله فقال الأكثر تصير صدقة يمنع فيها الاعتصار أي الرجوع ممن يصح له وقال مطرف لا تخرج بذلك عن حكم الهبة وقال ابن عبد البر لا خلاف أعلمه أن الصدقة وكل هبة أريد بها وجه الله فالرجوع فيها حرام. عياض وخرج بعض شيوخنا من إجازة مالك في العتبية الآكل مما تصدق به على ولده جواز الاعتصار في الصدقة ونقل ابن رشد قول مطرف أن هبته لولده لله أو لصة الرحم له اعتصارها حتى يسميها صدقة ثم وجه ذلك بأن الهبة ما قصد به الموهوب وإن كان مع طلب الثواب والمشهور ما هنا والله أعلم. (وله أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير ما لم ينكح لذلك أو يداين أو يحدث في الهبة حدثا).

الاعتصار ارتجاع المعطي لعطيته دون عوض لا بطوع المعطي والمذهب أنه لا رجوع في هبة حيزت بوجه صحيح إلا الأب والأم في ابنيهما فالأب يعتصر مطلقا ما لم يتعلق حق بعين العطية كأن ينكح لذلك أو يداين فيتعلق به حق الغير أو يحدث بناء ونحوه معتبرا فيتعلق حقه به فلا يصح اعتصاره. وقال ابن دينار إنكاح الذكر بعد الهبة لا يمنع الاعتصار لأن له أن يحل عن نفسه بخلاف الأنثى واختار اللخمي إن لم يتزوج للهبة لقلتها أو لكثرتها وهو ظاهر اليسار فله الاعتصار إلا أن تكون كثيرة ولولا هي ما تزوج وهذا الذي يطعيه كلام الشيخ وروى مطرف كقوله مع ابن القاسم وأصبغ إن لم يتزوج لأجلها لم يمنع الاعصار وقال عبد الملك يمنع وقال اللخمي عن محمد إنما يمنع الدين إن داينه الناس لأجلها وأرى لغوه أن استدان وله وفاء بدينه لأن له هبة الهبة وإنما يمنع الاعتصار إذا تعلق حق الغريم به والمشهور منع الاعتصار بحدوث مرض للوالد أو الولد وقوله أو يحدث حدثا يعني معتبرا كضرب الحديد أو النحاس آنية (ع) وتغير الأسواق لغو وفي فوته بتغير الزيادة والنقص قولان. وفي الجلاب خلط الدنانير والدراهم فوت وأخذ من المدونة خلافه والله أعلم. (والأم تعتصر ما دام الأب حيا فإذا مات لم تعتصر ولا يعتصر من يتميم واليتيم من قبل الأب). اعتصار الأب من ولده الصغير أو الكبير هو المذهب وفي كون الأم مثله مطلقا أو بشرط عدم حوز الأب الهبة قولان المشهور وعبد الملك وظاهر الرسالة مع المشهور فلا يمنعها إلا موت الأب وفي الجواهر كون الابن صغيرا وعديم الأب يمنع الأم من الاعتصار ولو بعد البلوغ قال القاضي أبو الوليد هذا قول أصحاب مالك ولو كان الأب موجودا في يوم العطية فلم تعتصر حتى مات الأب كان لها أن تعتصر لأنه لم يكن على وجه الصدقة. وفي الموازية لا تعتصر إذا مات قبل بلوغه اللخمي والأول أحسن لأن المراعاة وقت العطية فلو لم تعتصر حتى مات الأب كان لها أن تعتصر لأنه لم يكن على وجه الصدقة وفي الموازةي (ع) وطرو اليتم وهو موت أب الصغير قال الباجي يمنع اعتصار الأم قال ولو كبر في حياة أبيه ثم مات لم يمنعه انتهى وقوله (ولا يعتصر من يتيم) بيان

لقاعدة المنع وأنه اليتيم وتفسير لليتم وأنه موت الأب وذلك في حق الآدمي لأن قوامه منه بخلاف غيره فإنه من أمه والله أعلم. (وما وهبه لابنه الصغير فيحازته له جائزة إذا لم يسكن ذلك أو يلبسه إن كان ثوابا وإنا يحوز له ما يعرف بعينه وأما الكبير فلا تجوز حيازته له). المراد (بالصغير) في هذه المواضع كلها غير البالغ والكبير هو البالغ يعني الرشيد والأب يحوز لصغار ولده ومن بلغ من أبكار بناته ما وهب لهم وأشهد عليه ولا زال حتى يؤنس رشهدهم والوصي ومن يجوز أمره عليه كأبيه ابن سهل ويكتفي بالإشهاد إلا في دار سكناه فلابد من الإخلاء ابن عبد السلام يقال في إشهاد الأب بالحيازة لما وهب لولده الصغير رفع يد الملك ووضع يد الحوز وألحقوه بالأجنبي في هبة دار سكناه فشرطوا معاينة الشهود لها خالية من شواغلها. وقوله (إنما يجوز له ما يعرف بعينه) يعني كالدور والأرضين والحيوان والرقيق (ع) حوز الأب لصغير ولده ما يعرف بعينه صحيح ابن رشد اتفاقا ولو حاز له ما لا يعرف بعينه فقال ابن القاسم لغو وقال مطرف إن حيز بحضرة البينة ورفعها عنده بختمه فوجدت كذلك فهي له. وباقي مسائله فيها اختلاف فانظرها. (ولا يرجع الرجل في صدقته ولا ترجع إليه إلا بالميراث ولا بأس أن يشرب من لبن ما تصدق به ولا يشتري ما تصدق به).

هذا كله لحديث عمر رضي الله عنه: " ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" متفق عليه اللخمي واختلف في محمله هل هو على الندب أو على الوجوب فقال مالك لا ينبغي أن يشتريها وقد يكره وقال الداودي حرام وظاهر الموازية لا يجوز وفي كتاب الزكاة لا يشتري الرجل صدقة حائطة ولا زرعة ولا ماشيته ابن رشد في جواز شراء الصدقة من غير الذي تصدق به عليه رواية ابن وهب لا بأس بذلك وقولاها: لا يجوز اللخمي ولابن نافع في شرح ابن مزين أكره أن ينتفع بصدقته على ولده كانت أو أجنبيا فهو أحسن لعموم الحديث والمشهور كراهة الشراء ومنع الرجوع والله أعلم. وما ذكر في شرب اللبن. قال بعض الشيوخ لا يوجد لغيره وكأنه استخف اللبن لاستهلاكه فيكون الماء المتصدق به في ذلك أحرى وانظر التادلي فقد طال عهدي بالمسألة. (والموهوب للعوض إما أثاب القيمة أو رد الهبة فإن فاتت فعليه قيمتها وذلك إذا كان يرى أنه أراد الثواب من الموهوب له). هذه هبة الثواب وحكها الجواز إلا النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز له أن يهب ليثاب بأكثر لقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} الآية ومنعها الشافعي والحنفي في آخرين مطلقا والمشهور أن الخيار للموهوب في القيمة أو الرد مع القيام وقال مطرف يلزمه أكثر

ورواه عن مالك قائلا لو أراد القيمة ما أهداها ولباعها في السوق (ع) وفي كون الفوت الموجب له على الموهوب قيمتها قبضها أو حوالة سوقها أو تغيرها بزيادة أو نقصان رابعها ينقصها فقط وقوله (إذا كان يرى) إلخ يحتاج لتفصيل وتحقيق مراده على المعروف ابن شعبان لا ثواب فيما وهب لفقيه اللخمي إلا أن يكون بين فقيهين القاضي وكذلك الرجل الصالح الباجي لمحمد عن أشهب لا ثواب فيما وهب ذو سلطان وفي كون الهبة له كذلك قول ابن شعبان ونقل الباجي عن المذهب. (ويكره أن يهب لبعض ولده ماله كله وأما الشيء منه فذلك واسع) المذهب كراهة ما ذكر لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه إذ قال عليه الصلاة والسلام " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" الحديث ابن القاسم إن وقع وحيز فلايرد بقضاء وعنه يرد في حياته ومماته قال مالك وقد قضى برده في المدونة وقال أصبغ إذا حيز عنه جاز اجتمع أمر القضة والفقهاء على ذلك وقوله و (أما الشيء منه) قال في النوادر وقد فعله الصديق وقال به عمر وعثمان رضي الله عنهم. (ولا بأس أن يتصدق على الفقراء بماله كله لله تعالى). يريد بشروط خمسة أن يكون رجاؤه في الله مانعا من ندمه وقوة يقينه مانعا من تشويشه وأن يرجع إلى سبب لا شبهة فيه ولا ارتكاب محظور ولا يخشى الحاجة والتكفف لغنى يصرف أو سبب يكتسب به كحال أبي بكر رضي الله عنه حين خرج عن ماله كله لله ورسوله والله أعلم. وقد ذكر معنى ذلك ابن الفاكهاني فانظره. (ومن وهب هبة فلم يحزوها الموهوب له حتى مرض الواهب أو أفلس فليس له حينئذ قبضها ولو مات الموهوب له كان لروثته القيام فيها على الواهب الصحيح). هذا معنى ما تقدم أنه لا تمام إلا بجوز وأن الوجوب بالقول فالمنع يؤثر مع عدم الحوز فتصير ميراثا إن مات واهبا ومن ماله إن أفلس لخراب ذمته مطلقا في الأخير ومنع تصرف فيما سوى الثلث أولا ولو كان الموهوب هو الميت فذلك حق ترتيب له في ذمة صحيحة ومن مات عن حق فلورثته والله أعلم.

(ومن حبس دارا فهي على ما جعلها عليه إن حيزت قبل موته). يريد وكذلك غير الدار ثم هذه أول مسائل الحبس (ع) الحبس إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطية ولو تقديرا فتخرج الذوات والعارية والعمرى والعبد المخدم حياته يموت قبل موت سيده لعدم لزوم بقائه في ملك معطية لجواز بيعه برضاه مع معطاه ثم رد تعريف ابن عبد السلام فانظره والمذهب جوازه بل ندبه في بعض الوجوه وعليه الوجوب بعد الإجماع عليه في المساجد ونحوها ويصح في الأصول الثابتة باتفاق المذهب وفي غيرها اختلاف وقيل الخلاف في غير الخيل وفي قوله على ما جعلها عليه أنه يتعين ما عليه المحبس من المصرف السائغ شرعا واختلف إذا لم يذكر مصرفا هل يصرف للفقراء أو في وجوه الخيرات؟ قولان لشيخ وللقاضي ابن عبد السلام المذهب سؤال المحبس فإن تعذر حمل على غالب البلد فإن لم يمكن صرفه للفقراء والله أعلم. (ولو كانت حبسا على ولده الصغير جازت حيازته له إلى أن يبلغ وليكرها له ولا يسكنها فإن لم يدع سكناها حتى مات بطلت). إنما يرتفع حكم حوزه ببلوغه إذا كان رشيدا المتيطى فإن بقي بيده بعد رشده حتى مات الأب أو مرض بطل وهي ميراث كالهبة والصدقة وسمع عيسى رواية ابن القاسم كراء الأب ما وهب لابنه الصغير من ربع حوز وإن لم يقل أكريت ولم يخرجه لم يحز له ونحوه في سماع أصبغ وفي نوازله الأب يتصدق بالأرض على ابنه الصغير محمول على تعميره إياها لولده حتى يثبت خلافه قال وفي الدار يتصدق بها عليه محمول

على أنه كان يسكنها أو يشغلها بمتاعه حتى يثبت إخلاؤه الغبريني والعمل على أنه إذا خلاها سنة من تاريخ الهبة أو الصدقة أو الحبس أو بعده ثم رجع إليها لا يبطل فانظر ذلك. (وإن انقضر من حبست عليه رجعت حبسا على أقرب الناس بالمحبس يوم المرجع). مقصود هذه المسألة أن الحبس المعقب الذي لا تعرف نهايته وقد قيد بنسب أو أشخاص يرجع عند انتهائهم لأقرب الناس بالمحبس يوم المرجع الذي هو انقراض من حبس عليه إن كان قد مات ولا ترجع إليه إن كان حيا وإنما ترجع لنحو أخميه ثم وجود عمه ثم كذلك فإن لم تكن له قرابة رجعت إلى الفقراء والمساكين فانظر ذلك. (ومن أعمر رجلا حياته دارا رجعت بعد موت الساكن ملكا لربها وكذلك أن أعمر عقبه فانقرضوا بخلاف الحبس فإن مات المعمر يومئذ كانت لورثته يوم موته ملكا). العمري تمليك منفعة معطى بغير عوض إنشاء إلى أمد هو عمر المعمر أو المعمر أو غيرهما أو جملة من عقب أو غيره وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقبي وأرخص في العمري الرقبي – بضم الراء وسكون القاف- أن يترقب كل موت صاحبه ليأخذ داره وهي باطلة وفي الإرشاد العمى هبة السكنة مدة عمر الموهوب فإذا انقضى عادت لمالكها أو وارثه إلا أن يعمره أو عقبه فتمتد إلى انقراضهم ثم تعود لربها أو لروثته وهي كالحبس إلا في التأبيد والله أعلم. (ومن مات من أهل الحبس فنصيبه على من بقي منهم). يريد إذا كان المحبس عليهم غير معدودين ولا مسمين وكانوا يلون ذلك بأنفسهم فأما إن كانوا على عدد مسمين وهو مقسوم بينهم وهم لا يلون ذلك فمن مات منهم فنصيبه راجع إلى الذي حبسه وهذا قول مالك الأول الذي عليه الرواية ويحتمل أن تبقى على إطلاقها على قول ابن القاسم فانظر ذلك. (ويؤثر في الحبس أهل الحاجة بالسكنى والغلة ومن سكن فلا يخرج لغيره إلا أن يكون في أصل الحبس شرط فيمضي). ابن رشد مشهور المذهب قسم الحبس المعقب بين آخذيه بقدر حاجتهم ولابن

الماجشون يقسم بالسورية والغني كالفقير وقال الباجي معنى المجموعة المعقب كالصدقة لا يعطي منه غني ويعطي للمسدد بقدر حاله ولابن القاسم في النوادر وما على قوم بأعيانهم فقيرهم وغنيهم وحاضرهم وغائبهم سواء ابن رشد اتفاقا والساكن بالاستحقاق لا يخرج لمستحق ولا غيره ابن الفاكهاني إلا أن يرى الناظر إخراجه وإساكن غيره مصلحة للحبس فله ذلك لا سيما إن خاف من سكناه ضررا ولمثل هذا جعل الناظر. وفي المدونة لا يخرج من الحبس أحد لأحد ومن لم يجد مسكنا فلا كراء له ومن مات أو غاب غيبة انتقال استحق الحاضر مكانه ومن سافر لا يريد انتقالا فهوعلى حقه وشرط الحبس معتبر إلا أن يمنعه مانع شرعي والله أعلم. (ولا يباع الحبس وإن خرب). الجمهور على منع الحبس واستدل له سحنون ببقاء أحباس السلف خرابا إذا انقطعت منفعة الحبس وعاد بقاؤه ضررا أجاز بيعه وإن لم يكن ضرر أو رجى أن تعود منفعته لم يجز بيعه واختلف إذا لم يكن ضرر ولا رجيت منفعته والذي آخذ به المنع خوف كونه ذريعة لبيع الحبس (ع) في منعه ثالثها إن كان بمدينة للمعروف وإحدى روايتي أبي الفرج ونقلا اللخمي انتهى. (وبياع الفرس الحبس يكلب ويجعل ثمنه في مثله أو يعان به فيه). المشهور جوازو تحبيس الفرس لحديث: " من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا لوعده فإن شبعه وريه في ميزانه يوم القيامة" (ع): لفظ الحديث من حبس بتخفيف الموحدة وهو لا يقتضي التحبيس فوهم اللخمي في ذلك فانظره ومعنى الكلب بفتح الكاف واللام في الحيوا هو شبه الجنون قاله أهل اللغة وما ذكر من بيعه ذلك هو معروف المذهب لدورانه بين الضياع والانتفاع بخلاف الدار تنهدم فإنها ترجى للبناء. (واختلف في المعاوضة بالربع الخرب بربع غير خرب). وجواز المعاوضة رواه أبو الفرج المالكي فيما نقل عز الدين بن عبد السلام وعزاه غيره لربيعة قال والمشهور المنع وفي نوازل ابن رشد تفصيل يطول فانظره.

(والرهن جائز ولا يتم إلا بالحيازة). ابن الحاجب (الرهن) إعطاء امرئ وثيقة بحق وتعقبوه بأنه غير مانع لدخول اليمين ليقضينه إلىأجل كذا ودفع الوثيقة المشهودة بالدين ونحو ذلك فانظره وكونه جائزا لا خلاف فيه لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه في شطر شعير عند يهودي لحديث. وهذا من العقود الجائز التي تلزم بالعقد ولا يتم إلا بالحيازة فيجبر الراهن على إقباضه المرتهن إن عقد عليه لأن عين ماله فيه عند الفلس فيما أخذه دون غيره من الغرماء برد ما زاد وإلا تباع بما نقص إن ظهر ما يستوفى منه وفهم من هذا أنه لا يكون إلا بما يعرف بعينه وأن يكون معينا فلو عقد على غير معين خير البائع بين إمضاء البيع بلا رهن أو فسخه نعم وشرط المرهون أن يصح منه الاستيفاء عند تعذر أخذه الغريم وشرط المرهون به أن يكون دينا في الذمة لازما أو صائر إلى اللزوم يمكن استيفاؤه من

الرهن وشرط ابن القاسم التصريح بأنه رهن وإلا فلا يصح عنده خلافا لأشهب وهو قول (ع) في كون الدلالة مطابقة أو تكفي دلالة الالتزام قولان لابن القاسم وأشهب والله أعلم. (ولا تنفع الشهادة في حيازته إلا بمعاينت البينة). عبد الوهاب لأن البينة إذا شهدت بحيازته ثبت كونه رهنا وتعلق حق المرتهن به وانفرد به وإذا لم يكن إلا بإقرار المرتهن لا يقبل لأنه إسقاط لحق غيرهما ابن الفاكهاني ولا بد من معيانة البينة خوف قيام الغرماء على الرهن بادعائهم سبق حقهم على إعطائه للمرتهن وأنه لم يعطه إلا بعد قيامهم عليه فيحتاج لليمين على نفي دعواهم والمشهور اشتراط التحويز أي إذن الراهن في الحوز وتمكين منه بالإشهاد على معاينة قبضه ودوام القبض شرط فلو رده إليه ولو بالعارية وصادق قيام الغرماء وهو تحت يد الراهن فلا حق له فيه كما إذا فوته بعتق أو تحبيس وشبهه ولو عاد إلى الراهن بغير اختيار المرتهن كهروب الدابة والعبد فهو على حقه والمطالبة به والله أعلم. (وضمان الرهن من المرتهن فيما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه).

(ما يغاب عليه) كالعروض والثياب وما لا يغاب عليه كالرقيق والحيوان فإذ ادعى المرتهن ضياع ما يغاب عليه أو هلاكه لم يقبل قوله إلا ببينة تشهد- بهلاكه من غير تفريط منه ولا سبب يملكه فلا يضمنه على المشهور وقاله ابن القاسم وقال أشهب يضمنه على كل حال بناء على أن ضمانه للتهمة أو بالأصالة ولو شرط الضمان فيما لا يغاب عليه أو نفيه فيما يغاب لعيه فقولان وأصل المذهب وجوب الوفاء بالشروط في هذا الفصل لأن الضمان المختلف فيه يجوز نقله كما تقدم في بيع الغائب فانظره وإنما يضمن ما يغاب عليه فقط لأنه أخذ بالذمة والأمانة معا كالعراية وما في معناها ولو أخذ بالأمانة كالوديعة فلا ضمان عليه ويضمن في عكسه مطلقا وهو ما إذا أخذ بالذمة فقط كالبيع وإن كان فاسدا فاعرف ذلك. (وثمرة النخل الرهن للراهن وكذلك غلة الدور والولد رهن مع الأمة تلده بعد الرهن ولا يكون مال العبد رهنا معه إلا بشرط). يعني أن التوابع لا تعطي حكم الأصول في الرهن فالثمرة للراهن ولا تكون رهنا

مع الأصل على المشهور من قولي مالك وقال ابن القاسم عسل النحل الرهن للراهن الشيخ يريد ولا يكون رهنا معها وإلا جنة داخلة في الرهن لقوله عليه الصلاة والسلام " كل ذات رحم فولدها بمنزلتها". خلافا للشافعي واتفقوا على أن النماء المتصل داخل كالسمن ابن الجلاب وكذلك فراخ النخل والشجر والمشهور عدم دخول مال العبد إلا بشرط وقال ابن رشد يدخل فيه عند مالك في القول الشاذ والله أعلم. فرع: شرط المرتهن الانتفاع بالرهن جائز في البيع لا في القرض لأنه سلف جر نفعا ولا يتطوع به بعد عقدا لبيع لأنه هدية المديان ولو شرط أن يكريه ويأخذ كراءه في حقه ففي المدونة إن ان دينه من قرض جاز وكذا إن كان من بيع إلا أنه بعد عقدته ولا يجوز في عقدة البيع إذ لا يدري ما يقتضي أيقل أم يكثر فانظر ذلك. (وما هلك بيد أمين فهو من الراهن). يعني أنهما لو وضعا الرهن بيد أمين فهلك فإن ضمانه من الراهن لأنه ملكه وقد دفعه بالأمانة المحضة فلا ضمان على الأمين ولا المرتهن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن من راهنه" الحديث فاشتراط غلقه بمبطل والغلق منعه من بيعه عند الأجل والاصل اختصاص الرهن بالمرتهن من بين الغرماء ولا يتسقل بالبيع بعد الأجل إلا بإذن. وفي سماع أصبغ من كتاب السلطان من ادعى أن رجلا رهنة قدحا في كساء أن السلطان يأمره ببيع القدح في الكساء على زعمه أنه رهن وقال ابن رشد لا يأمره حتى يثبت ارتهانه عنده وبه العمل ولو اشترط المرتهن بيعه عند الأجل إن لم يوفه فإن كان في عقد المعاملة فروى ابن القاسم لا يبيع إلا بأمر السلطان واختلف فيه قول ابن القاسم فروى عنه أصبغ مثل قول مالك وروى غيره كراهية البيع وجوازه إن وقع وبهذا القول القضاء ولم يفرق بين عظيم وحقير في هذه الرواية وفي أقوال أخر وأما إن كان الشرط

بعد العقد فأجازه اللخمي لأنه معروف ورده بعض الموثقين بأنه هدية مديان ولو أراد عزله بعد ما جعل له فقال إسماعيل له ذلك وقال القاضيان لا يعزله اللخمي وهو أقيس وفروع الباب كثيرة وفيما ذكر كفاية وبالله التوفيق بمنه وكرمه. (والعارية مؤداة يضمن ما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه من عبد أو دابة إلا أن يتعدى). (العارية) قال الجوهري بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار وقيل من التعاور الذي هو التداول (ع) وهي مصدرا تمليك منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض فيدخل العمري والإخدام لا الحبس قال وهي اسم مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض م تمليك منفعة عين بلا عوض وحكمها من حيث ذاتها الندب لأنها إحسان والله يحب المحسنين ويعرض وجوبها وحرمتها وكراهتها ومعنى قوله (مؤداة) مأمور بإرجاعها لأهلها لما دخلها من معنى الأمانة غير أنه يضمن ما يغاب عليه ضمان تهمة على المشهور ولا يضمن ما لا يغاب عليه كما لو هلك ببينة مما يغاب عليه على المشهور خلافا لأشهب والمذهب إن كان أخذ لمنفعة نفسه ضمن ومن أخذ لمنفعة رب الشيء لم يضمن ومن أخذ لمنفعته ومنفعة ربه ضمن ما يغاب عليه ولم يضمن ما لايغاب عليه وذهب الشافعي إلى أن العارية مضمونة ضمان أصالة مطلقا والحنفي إلى نقيضه وقوله (إلا أن يتعدى) يعني المستعير بالخروج عن الشرط أو ما تنزل منزلته من عادة أو قصد وقد قال ابن القاسم فيمن استعار آلة كالفأس والمنشار ونحوه فأتى به مكسورا وادعى أنه انكسر في الاستعمال أنه يضمن. وقال ابن وهب وأشهب لا يضمن وقال عيسى وابن حبيب إنما يضمن إذا ادعى ما لا يشبه من الاستعمال ولا يضمن إن ادعى ما يشبه وصوبه (س) بأنه إن فعل ما يجوز له ولم يقم دليل على كذبه أنه لا يضمن اللخمي ومستعير الرحا إذا ردها حفية فلا ضمان عليه قولا واحدا والله أعلم. (والمودع إن قال: رددت الوديعة إليك صدق إلا أن يكون قبضها بإشهاد وإن قال ذهبت فهو مصدق بكل حال). (الوديعة) قال ابن الحاجب: استنابة في حفظ المال (م) الوديعة توكيل على

حفظ مال دون عوض وهي أمانة غير لا زمة لهما إلا لمعارض (ع) الوديعة بمعنى الإيداع نقل مجرد حفظ ملك منتقل فيدخل إيداع الوثائق ويخرج حفظ الإماء والولاية لأنها لا زيد م الحفظ وحفظ الربع ومعنى لفظها متملك نقل لمجرد حفظه فتنتقل وتصديقه في ادعاء الرد. قال عبد الحق يمينه كان متهما أم لا وظاهر ما هنا يصدق بغير يمين وثالثها يحلفها المتهم ومراده في قبضا الإشهاد إذا كان الإشهاد للتوثيق فلا يرد إلا به لأنه لم يؤمنه إذا شهد عليه اللخمي ولو وكان الإشهاد لا للتوثيق كأن يقول أشهد عليها إنها وديعة لئلا يقال إنها سلف فهو كمن قبض بغير إشهاد وحكى عبد الحق عن بعض شيوخه من أهل بلده يعني صقلية أنه يحلف في دعوى الرد متهما وغير متهم ولا يحلف في دعوى الضياع إلا متهما لظن صدقة في دعوى الضياع بخلاف دعوى الرد فإنه متيقن الكذب عند صاحبه فأصل الأمانة ثابت في دعوى الضياع بخلاف الرد والفرق وهو ثالث الأقوال والله أعلم. (والعارية لا يصدق في هلاكها فيما يغاب عليه). يعني بل يضمنه إلا ببينة تشهد بهلاكه وقد تقدم وجهه وقاعدة المذهب إن من قبض بالأمانة وهو المودع لا يضمن بحال ومن قبض بالذمة يضمن في كل حال ومن قبض فيهما يضمن ما يغاب عليه لا غيره ويقال من قبض لنفع غيره لم يضمن ولنفع نفسه يضمن وما دخله نفع المالك مع نفعه ضمن ما يغاب عليه فقط وقد تقدمت هذه القاعدة في البيوع الفاسدة وتكرر معناها فتأمله ولو ادع رد العارية وأنكره ربها لم يقبل قوله على المنصوص. وخرج اللخمي خلافه فيمن قبض بغير بينة من قول عبد الملك في الصانع يدعي الرد أنه يقبل والله أعلم. (ومن تعدى على وديعة ضمنها وإن كانت دنانير فردها في صرتها ثم هلكت فقد اختلف في تضمينه). أما الضمان بالتعدي فلا إشكال فيه ابن الفاكهاني يكون بسبعة أشيا أولها الإيداع لغير عذر الثاني نقل الوديعة إلى غير محلها. الثالث: خلطها بما لا تتميز عنه

كالقمح والشعير بمثله. الرابع: الانتفاع بها كلبس الثوب وركوب الدابة ثم تهلك في أثناء ذلك. الخامس: المخالفة في حفظها إلى ما هو إغراء ونحوه كأن يقول في صندوق له لا تقفله فيقفله ولو قال اقفله بواحد فقفله باثنين لم يكن متعديا إلا أن يعرف أن ذلك إغراء ولو أمره بجعلها في آنية خزف فجعلها في آنية نحاس فهو إغراء بخلاف العكس. السادس: إتلافها بأن يجعلها في مضيعة من الأرض أو يدل عليها سارقا أو ظالما ونحوه. السابع: النسيان فلو نسيها في مكان قبضها فيه فقال ابن عبد الحكم لا يضمن قال وهذا أصل مختلف فيه وقال ابن حبيب يضمن كما لو ظن أنها له فجعلها في كمة فضاعت من كمه والله أعلم. وقوله: (فردها في صرتها فقد اختلف في تضمينه) يعني على أربعة أقوال مشهورها عدم تضمينه وأنه يبرأ بردها وقاله مالك وابن القاسم وأشهب وابن عبدالحكم وأصبغ وعليه فهل يصدق في الرد بيمين أو بغير يمين والأول ولأشهب ونحوه في الموازية ابن شعبان ومن أودع وديعة قويل له إن شئت تسلفها فتسلفها لم يردها إلا إلى ربها اللخمي ولا يختلف في هذا لأن السلف من ربها (ع) ووجهه الباجي بهذا وقال عندي أنه يبرأ بردها والله أعلم. (ومن اتجر مكروه والربح له إن كانت عينا وإن باع الوديعة وهي عرض فربها مخير بين أخذ الثمن أو القيمة يوم التعدي). إنما يكون التجر بالوديعة مكروها إذا جهل طيب نفس صاحبها بذلك والآخذ لها ملئ بما تؤدي منه وقيل يحرم لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذن وإنما كان الربح له لأنه بنفس التعدي صارت في ذمته وقيد في العتبية جواز التصرف فيها بما إذا أشهد عليه (س) وهذا التقييد لا بد منه وقال عبد الملك إن كانت مربوطة مختومة لم يجز التصرف فيها وإن علم طيب نفس صابحها والمتصرف ملئ جاز بلا كراهة وإن كان معدما مما تؤدي به منع أخذها. وقد قال عليه السلام: " من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله" وما ذكر من تخيير رب العرض في ثمنه أو قيمته لأنه في الثمن كتقدير بيع الفضولي وفي القيمة ضامن بالتعدي ثم إنه لا يجوز له القدوم على أخذ ذوات القيم لاختلاف الأغراض فيها

واختلف في ذوات الأمثال فقيل العين كالعرض اللخمي المكيل والموزون وإن كثر اختلافه لم يجز تسلفه وكذا ما لا يقضي فيه بالقيمة وفي إلحاق القمح والشعير وشبهه بالعين أو بالعرض قولان. (ومن وجد لقطة فليعرفها سنة بموضع يرجو التعريف بها).

(اللقطة) بسكون القاف هي القياس والأكثر بضم اللام وفتح القاف على غير قياس (ع) اللقطة مال وجد بغير حرز محترما ليس حيوانا ناطقا ولا بكما فيخرج الركاز وما بأرض الحرب ويدخل الدجاج وحمام الدور ونحو ذلك لا السمكة تقع في سفينة فهي لمن وقعت إليه حكاه ابن عات عن الشعباني. (م) اللقط مال معصوم عرض للضيعة وإن في عام وإن فرسا أو حمار أو كلبا أذن في اتخاذه وحرم أخذه لمن علم خيانة نفسه ووجب لخوف خائن وكره في غير ذلك وقيل يستحب فيما له بال وقيل مطلقا ووجب تعريفه ولو في كدار لا لإتلافها يعني كالثمرة ونحوها لقوله عليه الصلاة والسلام في تمرة وجدها بالطريق: " لولا أني أخشى أن تكون صدقة لأكلتها" وتعريفها سنة مخصوص بما له بال وإلا فبحبسه على خلاف ذلك ثم السنة من حين الأخذ في كل يوم ثلاث مرات بنفسه أو ثقة واختلف عن مالك في تسمية جنسها في التعريف اللخمي وتركه أحسن وروى الباجي من طريق ابن نافع لا يريها أحدا ولا يقول من يعرف دنانير أو دراهم أو حليا أو عرضا وغير ذلك وتعريفها بأبواب المساجد لا فيها برفع الصوت. وروى القرينان لا باس أن يطوف على الخلق في المسجد ويخبرهم بها فأما رفع الصوت فيه فأكرهه حتى بالعلم وإن بين بلدين أو قريتين عرفها بكل منهما فانظر ذلك فإن فروعه كثيرة. (فإن تمت سنة ولم يأت لها أحد فإن شاء حبسها وإن شاء تصدق بها وضمنها لربها إن جاء فإن انتفع بها ضمنها وإن هلكت قبل السنة أو بعدها بغير تحريك لم يضمنها). التحديد بالسنة جاء بنص الحديث وهو خاص بغير مكة ابن رشد لقطة مكة لا يحل استنفاقها بوجه إجماعا وعليه أن يعرفها أبدا الباجي لقوله عليه الصلاة والسلام " لا

تحل ساقطتها إلا لمنشد" ابن زرقون ولابن القصار لقطة مكة كغيرها (ع) تصرفه فيها بالصدقة حيث يباح له جائز اتفاقا إن كان على خيار ربها قالوا وتملكها ما لم يأخذها على عدم وجه الغرم لربها غير جائز اتفاقا ثم هو فيها أمين لا يضره هلاكها ما لم يأخذها بنية التصرف فيها لنفسه وفي الباب فروع يطول هلاكها ما لم يأخذها بنية التصرف فيها لنفسه وفي الباب فروع يطول ذكرها فانظرها. (وإذا عرف طالبا العفاص والوكاء أخذها). (العفاص) عبارة عما هي مصرورة فيه و (الوكاء) ما هي مصرورة به وإن لم يعرف واحدا منهما لم يأخذ شيئا ولو عرف أحدهما فكذلك على المشهور وظاهر ما هنا إن مجرد معرفة العفاص والوكاء كاف وهو قول ابن القاسم وقال أشهب لا بد من يمينه وقيل لا بد من معرفة العدد وقال ابن عبد الحكم إن كان لها عشرة أوصاف فأخطأ واحدا لم يأخذها والمشهور الأول وهو نص الحديث والله أعلم. (ولا يأخذ الرجل ضالة الإبل من الصحراء وله أخذ الشاة وأكلها إن كانت فيفاء لا عمارة فيها).

هذا كله لما ورد في المتفق عليه من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: " اعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة فإن جاء ربها وإلا فاستنفق بها وإنما هو مال الله يؤتيه من يشاء". قال: " فضالة الغنم قال هي لك أو لأخيك أو للذئب" قال: فضالة الإبل؟ قال: " ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها" الحديث قال الطحاوي ولم يقل أحد من العلماء أنه لا غرم عليه في شاة أكلها لوجودها بفيفاء لا عمارة فيها غير مالك فانظر ذلك. (ومن استهلك عرضا فعليه قيمته وإن كان مما يكال أو يوزن فليرد مثله). حاصل ما هنا أن من استهلك مقوما لزمته قيمته أو مثليا لزمه مثله فإن كان المثل متعذرا في الحال فقال أشهب يخير بين الصبر إلى زمن وجوده أو القيمة في الحال وقال ابن القاسم لا يخير ابن عبدوس والخلاف فيه كمن أسلم في الفاكهة فيفرغ إبانها يوبقى منها شيء. (والغاصب ضامن لما غصب فإن رد ذلك بحاله فلا شيء عليه وإن تغير في يده فربه مخير بين أخذه بنقصه أو تضمينه القيمة). الجوهري الغصب أخذ الشيء ظلما ابن الحاجب أخذ المال ظلما قهرا عدوانا من غير حرابة (ع) الغصب أخذ مال غير منفعة ظلما قهر لا بخوف قتال فتخرج الغيلة والحرابة والتعدي وقوله وإن تغير في يده يعني تغيرت ذاته ولو تغير سوقه لنقص فليس كذلك على المشهور وقال بن عبدوس روى ابن وهب عن مالك يضمن بحوالة الأسواق وذكر ابن حارث م الغصب أخذ مال قهرا تعديا لا حرابة وسيأتي الكلام بعد إن شاء الله. (ولو كان النقص بتعديه خير أيضا في أخذه وأخذ ما نقصه وقد اختلف في ذلك). مثال النقص بتعديه أن يكون عبدا فيقطع له جارحة أو ما في معنى ذلك فيخير.

ربه بين أخذه وما نقصه العيب أو يأخذ القيمة ويسلمه للغاصب هذا قول ابن القاسم وابن كنانة ومطرف وعبد الملك وقال أشهب ليس لربه إلا أخذه على حاله بغير عوض للقطع أو يغرم الغاصب قيمة العبد يوم الغصب وقاله ابن المواز وسحنون فانظره. (ولا غلة للغاصب ويرد ما أكل من غلة أو انتفع وعليه الحد وإن وطئ وولده رقيق لرب الأمة). يعني لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس لعرق ظالم حق" وظاهر ما هنا وجوب رد الغلة بالإطلاق سواء كان المغصوب ربعا أو رقيقا أو حيوانا أو غير ذلك وسواء استغلها أو استعملها وهو الذي رواه أشهب وابن زياد وذهب إليه الشافعي وهو التحقيق عند المتأخرين وفي المسألة أقوال فانظرها وإنما يحد ويرق ولده في الأمة إذا أولدها وهي المغصوبة لأنه لا شبهة له في تصرفه والله أعلم. (ولا يطيب لغاصب المال ربحه حتى يرد الأصل على ربه ولو تصدق بالربح كان أحب إلى بعض أصحاب مالك). ظاهر كلام الشيخ أنه إذا رد الغاصب الأصل حلت له الغلة والربح سواء كانت طابت نفس صاحبه أم لا وفي المسألة اختلاف يأتي منه إن شاء الله وهو الذي أشار إليه الشيخ بقوله: (وفي باب الأقضية شيء من هذا المعنى). يعني أنه سيذكر في باب الأقضية شيئا من أحكام الغصب وظاهر ما هنا أن باب الأقضية كتب قبل هذا الباب وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

باب في أحكام الدماء والحدود

باب في أحكام الدماء والحدود يعني ذكر ما يجب في الدماء قتلا وقضاء وغير ذاك من الأحكام وما يوجب ذلك وما يمنعه. والحد لغة المنع، وشرعا: ما رسم لمنع أمور معلومة بوجه خاص. (ولا تقتل نفس بنفس إلا ببنية عادلة أو اعتراف أو بالقسامة إذا وجبت). قد حرم الله في كل ملة قتل النفس بغير حق وأوجب النفس بالنفس فيقتل القاتل عمدا وعدوانا بالمقتول على الوجه الذي قتله ما لم يتضمن معصية يكون قتله بالسيف عند وجوبه فمن قتل بشيء قتل به إلا اللواط والسحر فيعدل إلى السيف ونحوها لتضمن السبب معصية إجماعا واختلف في النار والسم فقيل مثلها وقيل لا. وطريق ثبوت الدم ثلاثة بينة عادلة تشهد بالقول المستوفى أو اعتراف يشهد به عدلان على عاقل بالغ غير مكره ولا مزلزل الذهن وشرط البينة العادلة على المقاتلة وكذلك الاعتراف أي الشهادة على إخبار القاتل عن نفسه أنه قتل والقسامة لها شروط لا تجب بها فلذلك قال إذا وجبت وشروط وجوبها سبعة: بلوغ المدعي عليه الدم، وعقله بل تكليفه وكون المقتول عمدا عدوانا وكونه غير ثابت ببينة ولا اعتراف وثبوت اللوث على ما يذكر بعد إن شاء الله وكون الدعوى بين المسلمين يصح قتل أحدهما بالآخر ومن مسلم حر على ذمي ونحوه واتحاد المطلوب بالدم وتعدد الحالفين وكونهم عصبة واثنين فصاعدا. وسمع ابن القاسم إن لم يكن للقتيل عمدا عصبة بطلبت القسامة قال ولا قسامة لأحد إلا بوراثة ونسب ثابت أو ولاء قال ولا يقسم الولاة الأسفلون وفي المدونة من لا عصبة له فلا قسامة يه ولا يقتل فيه إلا ببينة أو اعتراف ولا يصح القتل حيث يتوجه إلا بشروط ستة مكافأة المقتول للقاتل في الدين والحرية أو كون المقتول أعلى وثبوت الدم بما يثبت به من شهادة أو اعتراف أو قسامة على وجها واتفاق الأولياء على القتل وكون القتل على وجه العمد العدوان وكون القاتل بالغا عاقلا لأن عمد الصبي والمجنون كالخطأ وكون القاتل غير أب على خلاف في بعض صوره وكون الدعوى على من تمكن غالبا على خلاف في هذه القسامة والله أعلم.

(يقسم الولاة خمسين يمينا ويستحقون الدم). قوله الولاة فيه شرط التعدد وكونهم ولاة فلا يقسم غير والة الدم قال في المدونة ويمين القسامة على البت وإن كان أحدهم أعمى أو غائبا عن القتل ومثله في الموازية قال سحنون في المجموعة لأن القتل يحصل به العلم بالخبر والسماع كما يحصل بالمعاينة (ع) القسامة حلف الولاة خمسين يمينا أو جزءها على إثبات الدم وقد تقدمت شروطها ذكرها الشيخ مفصلة فمنها قوله. (ولا يحلف في العمد أقل من رجلين ولا يقتل بالقسامة أكثر من رجل واحد). أما أنه لا يحلف في العمد أقل من رجلين فنحوه في الموطأ ابن رشد والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: " تحلفون وتستحقون دم صاحبكم" فجمعهم في الأيمان ولأن الدم لما كان لا يستحق بأقل من شاهدين لم تصح القسامة إلا باثنين والنصاب شرط فإن لم يكن الولي غير واحد فلا قسامة إلا أن يجد من يحلف معه من العصبة أو

العشيرة الذين يجتمعون معهم في أب واحد معروف فيقسم كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينا وإن كانوا أكثر قسمت الأيمان على حسبهم كما سيأتي فإن رضوا حمل أكثر مما عليهم لم يجز وإن رضى بحمل أكثر مما عليه جاز ما لم يجاوز خمسة وعشرين انظر كلام ابن رشد وأما أنه لا يقتل بالقسامة أكثر من رجل واحد فإن انفرد أقسموا عليه وقتلوه وإن تعدد المدعى عليهم. فقال ابن القاسم في المدونة والمجموعة يختارون واحدا فيقسمون عليه ثم يقتل وقال أشهب إن شاءوا أقسموا على الجميع وقتلوا واحدا أو اختاروا واحد وأقسموا عليه وقال سحنون إن كان الضرب واحدا حلفوا على الجميع ثم قتلوا واحدا وإن افترقوا في الضرب لم يحلفوا إلا على واحد. (وإنما تجب القسامة بقول الميت دمي عند فلان أو بشاهد على القتل أو بشاهدين على الجرح ثم يعيش ويأكل ويشرب). اللوث شرط في ثبوت القسامة ويقال له اللطخ أيضا ومعناه القرينة المقوية للتهمة ويشترط في العمد على قوله: (دمي عند فلان) كونه بالغا عاقلا مسلما وسواء كان المدعى عليه مسلما أو كافر عبدا أو حرا ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا والخطأ في ذلك كالعمد ابن حارث والشاهد العدل بالقتل لوث اتفاقا وظاهر كلام الشيخ أن قوله دمي عند فلان كاف في اللوث وإن لم يكن جرحا ولا غيره وهي التدمية البيضان وقال بها أصبغ وعيسى بن دينار وهو دليل سماع يحيى وقال ابن كنانة التدمية البيضاء لغو واختاره اللخمي وابن رشد وبه العمل ولطخ الصبي غير المراهق لغو اتفاق. وكذلك المراهق على المشهور والعبد كذلك لأنه مدع لغيره ولا قسامة فيه والكافر كذلك ولو شهد بالقتل غير عدل لم يكن لوثا عند ابن القاسم وسمع أشهب أنه لوث وتأوله ابن رشد بمجهول الحال الذي لا تتوهم فيه جرحه ولا عدالة فأما المتهم بالجرحة فليس بلوث عنده. وروى مطرف اللوث اللطخ البين من النساء والسواد والصبيان قال مطرف وقتل بذلك عندنا بالمدينة مالك ومثل الرجلين النفر يشهدون على ذلك وهم عدول وليست رواية مطرف هذه بخلاف رواية أشهب وروى ابن وهب اللوث الشهادة غير

القائمة من شهادة النساء وشبهها قال ومثل أن يرى المتهم بحذاء المقتول أو مر به فإن لم يكونوا رأوه حين أصابه ونحوه للجلاب قائلا وفي شهادة النساء قولان أبو عمر القول بأن الواحد وإن لم يكن عدلا لوث ضعيف لا عمل عليه ولا يعرض عليه واختلف في الشاهد العدل يشهد على إقرار القاتل بأنه قتل عمدا أو خطأ على ثلاثة أقوال لأشهب أنه لوث ولابن القاسم في الموازية عدم إعماله بلا قسامة وهو في آخر سماع سحنون وظاهر المدونة وثالثها الفرق بين العمد والخطأ وهو الأظهر وعليه أصلح سحنون المدونة وقاله (ع) ناقلا عن ابن رشد والله أعلم. فأما أكله وشربه بعد الشاهدين على الجرح فقال ابن الحارث اتفقوا على أنه إن شهد شاهد أن فلانا ضرب فلانا أو جرحه فغاش المجروح أو المضروب وأكل وشرب ثم مات أو لورثته أن يقسموا أو يستحقوا الدم ما لم ينفذ الجرح مقاتله فلا قسامة هو كالمقتول قطعا وإن لم تنفذ مقاتله وشهد به شاهد فقط فلابن القاسم في كتاب الديات ثبوت القسامة. وقال في العتبية لا قسامة فيه وقال سحنون هذا أصل تنازعته الروايات فانظر ذلك ولو قيل للمجروح من ضربك فقال لا أعرف ولا أدري من ضربني ثم قال دمي عند فلان فالتدمية باطلة والله أعلم. (وإن نكل مدعو الدم حلف المدعى عليهم خمسين يمينا فإن لم يجد من يحلف معه من ولاته غير المدعى عليه وحده حلف الخمسين يمينا). قال في المدونة وإن نكل ولاة الدم عن الأيمان ردت على المدعى عليه فإن حلف خمسين يمينا برئ فإن نكل حبس حتى يحلف اللخمي وقال أشهب إذا نكل كانت عليه الدية وأراد يخير أولياء الدم في حبسه أبدا حتى يحلف أو الدية. وفي المقدمات إذا نكل ولاة الدم والقسامة بقول الميت دمي عند فلان أو بشاهد على القتل فثلاثة رواية سحنون ومحمد عن ابن القاسم ترد على المدعى عليه فيحلف خمسين يمينا أو يحلفها عنه رجلان من أوليائه ولا يحلف معهم ولابن القاسم في العتبية ترد الأيمان على القتال وأوليائه فيحلف معهم فإن لم يجد من أوليائه من يحلف معهم حلفها وحده وهذا الذي هنا وثالثها إنما يحلف وحده وقال مطرف في الواضحة ابن رشد ولو ثبتت القسامة بشاهدين على الجرح ففي رد الأيمان على القاتل وأوليائه قولان

فانظر ذلك. (ولو ادعى القتل على جماعة حلف كل واحد خمسين يمينا). يعني أن الأيمان إذا ردت على المدعى عليه والقتل متعدد فلا بد لكل واحد من الخمسين في نفي ما ادعى عليه فإن امتنعوا أو أحدهم فالممتنع مطالب بما طولب به الجميع من الدم لاستوائهم في حكم الطلب به والله أعلم. (ويحلف من الولاة في طلب الدم خمسون رجلا خمسين يمينا وإن كانوا أقل من ذلك قسمت عليهم الإيمان). يعني: أن (الولاة) إذا كان ولاة الدم أكثر من خمسين لم يحلف منهم إلا خمسون هذا هو المشهور المعلوم وحكى ابن رشد أنه رأى لعبد الملك لابد من حلف كل واحد منهم يمينا قال وروايته في كتاب مجهول ابن رشد وإن كان أولياء الدم أكثر من اثنين إلى خمسين رجلا وهم في القعد سواء وتشاحوا في حملها قسمت على عددهم فإن وقع فيها كسر ككونهم عشرين فتبقى من الأيمان عشرة يقال لهم لا سبيل إلى الدم حتى تأتوا بعشرة منكم يحلفون ما بقى فإن أبوا بطل الدم كنكولهم فإن طاع اثنان بحمل الخمسين جاز عند ابن القاسم. وقال أشهب والمغيرة وعبد الملك لا بد أن يحلفوا كلهم وإن لم يحلف واحد منهم فنكولهم ولو كانوا اثنين خاص حلف كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينا فإن طاع واحد منهم بأكثر من نصيبه حتى يحلف مثل صاحبه والله أعلم. (ولا تحلف المرأة في العمد). يعني: لأن استحاق الدم بالقسامة شرطه الذكورية ما ذكر هو معروف المذهب وحكى ابن الفاكهاني قولا بأنها تحلف قال القلشاني ولم أقف عليه وأصل المذهب أن لا مدخل للنساء في القسامة في العمد وإن كان لهمن القيام بالدم والعفو فيه على تفصيل يذكر بعد إن شاء الله فانظر ذلك. (ويحلف الورثة في الخطأ على قدر ما يرثون من الدية من رجل أو امرأة وإن انكسرت عليهم يمين حلفها أكثرهم نصيبا منها). يعني أن أيمان القسامة في الخطأ تفارق العمد في دخول النساء فيها وعدم تقيدها

بالعصبة وأن من له نصيب من الإرث يحلف على قدر نصيبه فتوزع الأيمان على الأنصباء وقوله (حلفها أكثرهم نصيبا منها) يعني من اليمين الباقية لا من جلة الأيمان وصورة ما ذكر من انكسار اليمين أن يكون الورثة أخا شقيق وأختا شقيقة أو لأب فيكون عليه الثلثان وهي أينان وثلاثنون من ثمانية وأربعين وعليها ستة عشر فتبقى يمينان عليه منها يمين وثلث لأن له في كل يمين ثلثين فاستوفى إحدى اليمينين ودخل في الأخرى بثلث فبقى للأخت منها ثلثان فهي أكثرهم نصبا من هذه اليمين وإن كانت أقل نصيبا من الأيمان فيحلف ثلاثة وثلاثين وتحلف سبعة عشر يمينا وهذا مذهب المدونة وهو مبني على إلغاء التبع وإعطاء التابع حكم المتبوع وحكى ابن رشد قولا بأنه يحلفها أكثرهم نصيبا من الأيمان وعزاه بعضهم للموطأ من رواية يحيى لا من رواية ابن القاسم وابن بكير وغيرهم. وثالثها تلزم كل من عليه كسر وهو قول الشافعي والأظهر في النظر والله أعلم. ولو انكسرت اليمين بأجزاء متساوية مثل أن يكون أخوة ثلاثة فلابن القاسم يحلف كل واحد سبعة عشرة يمينا وقال أشهب يحلف كل ستة عشرة ثم يعينون اثنين منهم يحلفون الاثنين الباقية فإن تشاحوا فقال ابن رشد رأيت لابن كنانة لا يجبرون على اليمين ولكن لا يعطون شيئا حتى يحلفوا الباقية قال ويشبه أن يقول أشهب هذه أو يقرع بينهم فيهما وقال بعض أهل النظر والله أعلم. (وإذا حضر بعض ورثة دية الخطأ لم يكن له بد أن يحلف جميع الأيمان ثم يحلف من يأتي بعده بقدر نصيبه من الميراث).

يعني: أن الأول لا يستحق شيئا إلا بعد الثبوت وهو مشروط بتمام الخمسين ومن بعده إنما يحلف على استحاقه فيحلف بقدر نصيبه (ع) لا يستحق الدية إلا أن يحلف خمسين يمينا فلو تعذر بعض الورثة لصغر أو غيبة لم يستحق من حضر إلا أن يحلف الخميسن ومن بعده بقدر حظه فيها وإن لم يدع الميت إلا ابنه بغير عصبة حلفت خمسين يمينا واستحقت نصيب الدية وإن حلفت مع العصبة من حلفت خمسة وعشرين يمينا والعصبة مثلها وإن كانت بنتا وابنا غائبا فلم تأخذ البنت ثلث الدية حتى تحلف الخمسين يمينا كلها فإذا قدم الابن الغائب حلف ثلثي الأيمان وأخذ ثلثي الدية والله أعلم. (ويحلفون في القسامة قياما يجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس أهل أعمالها للقسامة ولا يجلب في غيرها إلا من الأميال اليسيرة). تغلظ اليمين في القسامة بالزمان والمكان والكيفية

والزمان: كونه بعد العصر ويوم الجمعة والمكان: بأن يكون في الأماكن المعظمة. والهيئة: أن يحلف قائما. ابن الفاكهاني إنما يحلف قائما لكونها أردع للحالف وأهول في حقه لعله يرجع للحق إن كان مبلطا فإن لم يحلفوا قياما فهل يكون كالنكول أو لا قولان وذكر مكي في تكرته أنهم يحلفون قعودا عن عبد الملك المذهب خلافه وأمال الجلب فقال اللخمي لا يجلب في الأيمان إلى غير موضعع إلا في القسامة فقال مالك يجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس وغيرهم يستحقون في موضعهم إلا أن يكون قريبا من مصر كعشرة أميال ونحوها وقال أبو مصعب يجلب إلى الأمصار من كل محل ثلاثة أميال. (ولا قسامة في حرج ولا في عبد ولا بين أهل الكتاب لا في قتيل بين الصنفين أو وجد في محلة قوم)

يعني: أنه لما كان الجراح يتسع فيها النظر ويتوجه الاحتمال لم تصح فيها القسامة بخلاف القتل فإنه متحد لا يقع الجزم به إلا بعد التحقق وأيضا فالقسامة رخصة وضعت لحفظ الدماء لعظمتها والجراح أخف أمرا منها لم يتعد بها محلها وأما العبد فلا قسامة فيه لأنه مال وحرمته دون حرمة الحر فلا يستباح له ما يستباح للحر والله أعلم. وأما أهل الكتاب فإذا تحاكموا إلينا لا نحكم بينهم بالقسامة ولا بيننا وبينهم قسامة في قتيلهم بخلاف ما إذا قتلوا منا قتيلا فإن القسامة متوجهة وأما القتيل بين الصفين فحكى الجلاب فيه روايتين إحداهما أنه لا قود فيه وديته على الفئة التي نازعت إن كانت من الفئة الأخرى وإن من غيرها فديته عليهما معا. والرواية الأخرى إن وجد بينهما معا فهو لوث يوجب القسامة لولاته فيقسمون على من الدعوى عليه ويقتلونه ابن رشد قيل في قوله لا قسامة فيمن قتل بين الصفين أنه لا قسامة فيه بحل لا بقول المقتول ولا بشاهد على القتل وقيل معناه لا قسامة بينهم بدعوى أولياء القتل على الطائفة التي ناعزعت طائفته ولو ادعى القتيل على واحد أو شهد عليه بالقتل واحد وجبت القسامة قال والقولان لابن القاسم. وأمال الموجود في محله قوم فقال في المدونة إن وجد قتيل في قرية أو في دار لقوم

ولا يدري من قتله لم يؤخذ به أحد وتبطل ديته فلا تكون في بيت المال ولا غيره ابن يونس يريد إن لم يوحد معه أحد ولو وجد في ذلك معه رجل وعليه أثر القتل قتل به مع القسامة ابن رشد في المقدمات لو وقعت مثل قضية حويصة ومحيصة في زماننا لوجب الحكم به ولا يصح أن يعدل إلى غيره قلت: وقضية حويصة ومحصية في الصحيحين أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في عين أو فقير فأتي يهودي فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا والله ما قتلناه فقدم على قومه فأخبرهم بذلك ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحيصة: " كبر كبر" يريد السن فتكلم حويصة فقال رسول الله: " أما أن يدوا صاحبكم أو يؤذنوا بحرب" فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبوا إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصلة ومحيصة وعبد الرحمن" تحلفون وتستحقون دم صاحبكم" قالوا لا قال: " فتحلف لكم يهود" قالوا لسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة حمراء وفي بعض طرقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقسم خمسون منكم" الحديث. وهذا أصل باب العمل بالقسامة وفي الباب تفصيل واختلاف يطول ذكره فلينظره من له به حاجة وبالله التوفيق. (وقتل الغيلة لا عفو فيه) قال أهل اللغة قتل الغيلة أن يخدعه بالقول حتى يأمن فيمشي به إلى موضع فيقتله يريد لأخذ ماله لا لثائرة بينهما وإلا فليس بغيلة وفي النوادر عن الموازية قتل الغيلة من الحرابة أن يغتال رجلا أو صبيا فيخدعه حتى يدخل موضعا فيقتله ويأخذ ما معه اللخمي من أخذ مال رجل بالقهر ثم قتله خوفا من أن يطلبه بما أخذ لم يكن محاربا وإنما هو مغتال (ع) هذا إذا فعل ذلك خفية وإلا فليس بغيله عبد الوهاب وإنما لم يجز العفو في قتل الغيلة لأنه حق لله وكل حق تعلق به حق الله فلا عفو فيه كالزكاة وغيرها.

قلت وعلى هذا فهو مقتول حدا لا قودا والله أعلم. (وللرجل العفو عن دمه العمد إن لم يكن قتل غيلة وعفوه عنا الخطأ في ثلثه). يعني: أن للمقتول قبل قتله إن انفذت مقاتله العفو عن قاتله عمدا لأن القاتل حق الله فإذا تكره صح تركه بخلاف قتل الخطأ عفوه لا يصح إلا إذا كانت ديته ثلث ماله لأنه قد تهيأ للمورثهة ما سواه وإلا كان له ما يحمله الثلث لا غيره قال في صلح المدونة وللمقتول العفو عن دم العمد وجراحاته وإن لم يدع مالا وإن كان عليه يغترقه لا مقال لغرمائه. وفي الجواهر لولي المفلس العفو عن القود إذ ليس بمال إلا عن الدية بعد تقررها فلو كان الدم لرجلين مفلسين فعفا أحداهما ثم الثاني صح عفو الأول لا الثاني إلا فيما زاد عن ديته وفي ديات المدونة إن قطع يده عمدا فعفا عنه ثم مات فلأوليائه القود بالقسمة في النفس إن كان عفا عن الدية لا النفس واستثناؤه لقتل الغيلة لما تقدم فوقه والحرابة كالغيلة في ذلك لما سيأتي إن شاء الله. (وإذا عفا أحد البنين فلا قتل ولمن بقي نصيبهم من الدية ولا عفو للبنات مع البنين). يعني أن عفو أحد البنين مسقط للقود لأن الدم لا يتبعض وإسقاط البعض كإسقاط الكل في عدم القود وينتقل الحكم للدية في حق من بقى على حقه وغير البنين من الولاة كالبنين في ذلك إن كانوا رجالا وهم في القعدد كذلك كالإخوة الأشقياء أو لأب والعمومة وكذا بنوا النبين أعني الأخوة والعمومة عند آبائهم إذا عفا أحدهم سقط القود كأحد البنين وإن كان بعضهم أقرب من بعض فالقول قول الأقرب وإن كانوا نساء ورجالا وهم في العقدد سواء فلا قول للنساء في عفو ولا قتل يفهم هذا من قول الشيخ لا عفو للبنات مع البنين وأما إن كان النساء أقرب فلا بد من اجتماعهم على العفو أو القتل أعني الرجال والنساء وطلب العصبة مقدم على الأم فإن لم يكن للمقتول غير أم وعصبة فلا عفو للعصبة عند ابن القاسم إلا بالموافقة الأم. وفي الجلاب في أم مع عصبة أو بنت مع عصبة أو أخت مع عصبة ثلاثة أقوال ثالثها القول قول مدعي القصاص وهو معنى ما في المدونة أن لا عفو إلا باجتماعهم

كلهم ابن رشد ولا حق فيه إلا لمن لا إرث له منهن كالعمات وبنات الأخت. وأفتى ابن رشد فيمن له بنون صغار وعصبة كبار أن الصغار ينتظرون لأنهم أحق بالدم فسئل عن فتواه بخلاف الرواية المأثورة في ذلك فقال خفي عن السائل معنى ذلك وظن أنه لا يسوغ للمفتي العدول عن الرواية وليس كذلك بل لا يسوغ للمفتي تقليد الرواية إلا بعد معرفته بصحتها ولا خلاف فيه بين أهل العلم وحكى الباجي أن مالكا لا يجيز تقليد الرواية إلا بعد معرفة صحة ما رواه وهو قريب من هذا والله أعلم. (ومن عفي عنه في العمد ضرب مائة وحبس عاما). يعني كان حرا أو عبدا ذكرا أو أنثى مسلما أو ذميا (ع) والقاتل يرتفع عنه القصاص أو يمتنع بضرب مائة ويسجن عاما قال في المدونة ومن ثبت عليه أنه قتل إنسانا عمدا ببينة أو بإقرار أو بقسامة فعفي أو سقط قتله لأن الدم لم يتكافأ ضرب مائة وسجن عاما، وروى ابن عبدوس وابن المواز لو تعلقت القسامة بجماعة فقتل أحدهم فالضرب والسجن على الباقين لكل واحد مائة وسجنه وكذا لو نكل أولياء الدم فحلف القاتل وبرئ قاله محمد وعزاه لأصحاب مالك إلا عبد الملك ولو عفا عنه قبل ثبوت الدم كشف عن ذلك وإن كان آيلا إلى الثبوت بقسامة أو بينة ضرب وإلا فلا قال ابن الفاكهاني ومعنى هذا الضرب والسجن عمل الصحابة رضي الله عنهم وخرج الدارقطني عن عمرون بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل عبدا متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه سنة ومحا اسمه من المسلمين وأمره بعتق رقبة وصححه ابن القطان قال بعض المتأخرين يتعين على المالكي حفظ هذا الحديث لتصحيح ابن القطان له لأنه حجة المذهب والله أعلم. (والدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل المذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم).

الدية بتخفيف المثناة التحتية مال يجب بقتل نفس آدمي حر وعوضا عن دمه كذا قال (ع) انظر بقيته وهي ثابتة في الشرع إجماعا في الخطأ ونحوه بشرط وما ذكر من فتصيله كذلك هو في الحديث (وأهل الإبل) أهل العمود والبادية وفي المدونة أهل الذهب كأهل مصر والشام ابن الجلاب وأهل المغرب ابن حبيب وأهل الأندلس ومكة والمدينة أهل الورق وقال في المجموعة أهل العراق وفي الجلاب وفارس وخراسان وقال أصبغ يعتبر في كل قطر ما يغلب على أهله في عصره وقت وجوبها وفرضها وكون

الدارهم اثني عشر ألفا في مقابلة ألف دينار يقتضي أن صرف كل دينار اثنا عشر درهما وهو كذلك هنا وفي النكاح وفي السرقة وتغليظ اليمين لأن كل واحد منهما بربع دينار أو ثلاثة دراهم بخلاف دينار الزكاة والجزية فإن كل دينار مقابل بعشرة دراهم والله أعلم. (ودية العمد إذا قبلت خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض ودية الخطأ مخمسة عشرون من كل ما ذكرناه وعشرون ابن لبون ذكرا وإنما تغلظ الدية في الأب يرمي ابنه بحديدة فيقتله فلا يقتل به وتكون الدية عليه ثلاثين جذعة وثلاثين حقة وأربعين خلفة في بطونها أولادها وقيل ذلك على عاقلته وقيل ذلك في ماله). يعني أن الديات ثلاثة مربعة ومخمسة ومثلثة. والمخمسة للخطأ المطلق والمربعة للعمد إذا قبلت فهي لا تجب إلا أن يصطلحوا عليها بحث يقول أولياء الدم عفونا ولم يبينوا شيئا ولو بينوا شيئا لزم ولو قال الجاني ليس لكم إلا قود أو عفو فقالوا لم نرد إلا الدية فقولان لابن القاسم وأشهب فقوله إذا قبلت شرطا في وجوبها مع الجهل وفي كلامه أن الحق لهم فيها لا للجاني والله أعلم. والأسنان الجارية المذكورة في الديات مفصلة في الزكاة إذ ليس هنا إلا ما هناك غير أن الخلفات في الدية المغلظة- بكسر اللام بعد خاء معجمة مفتوجة- هن الحوامل من أي سن كن الحقاق فما فوقهن ابن رشد وأهل الدية العمد من أهل الذهب والورق كأهل الخطأ لا يزاد عليهم شيء إنما هي ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم. وأما الدية المغلظة فليس في مذهب مالك إلا صورة واحدة وهي الرجل يرمي ابنه بحديدة واختلف في إطلاق شبه العمد ومشهور المذهب عدم إطلاقه عياض وشبه العمد ما أشكل هل يريد به القتل أم لا فاختلف فيه هل له حكم يخصه من رفع القصاص وتغليظ الدية وهو قول أكثر الفقهاء وسموه شبه العمد ولم ير ذلك مالك إلا في الآباء مع أبنائهم وهو قول أكثر أصحابه وفي المدونة شبه العمد باطل لا أعرفه وإنما هو عمد أو خطأ ولا تغلظ الدية إلا في مثل المدلجي بابنه فإن الأب إذا قتل ابنه بحديدة حذفه بها أو بغيرها بما يقاد فيه فإن الأب يدرأ عنه القود وتغلظ عليه الدية وتكون في ماله قلت وهذا أحد القولين اللذين حكاهما الشيخ وهما لمالك وحكى

اللخمي ثالثا هو إن كان له مال ففيه الدية وإلا فعلى عاقتله والله أعلم. (ودية المرأة على النصف من دية الرجل وكذلك دية الكتابيين ونسائهم على النصف من ذلك والمجوسي ديته ثمانمائة درهم ونساؤهم على النصف من ذلك ودية جراحهم كذلك).

أما كون دية المرأة مثل نصف دية الرجل فمتفق عليه وكذلك في كتابه عليه الصلاة والسلام لعمرو ابن حزم وأما كون الكتابي مثل المرأة فهو المذهب خلافا لأبي حنيفة والشافعي في مساواة المسلم عندهما وألحق به أبو حنيفة المجوسي ووافقنا عليه الشافعي لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في ذلك وأخرجه النسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دية المجوسي ثمانمائة درهم" قال علماؤنا وذلك ثلثا عشر دية المسلم والله أعلم. (وفي اليدين الدية وكذلك في الرجلين والعينين وفي كل واحد منهما نصفها وفي الأنف يقطع مارنه الدية وفي السمع الدية وفي العقل الدية وفي الصلب ينكسر الدية وفي الأنثيين الدية وفي الحشفة الدية وفي اللسان الدية وفي ما منع منه الكلام الدية وفي ثدي المرأة الدية وفي عين الأعور الدية.). ذكر الشيخ في هذه الجملة الأبعاض التي تكمل فيها الدية وهي نوعان منها ما هو منفرد في الإنسان فتكمل فيه الدية وحده ومنها ما هو مزدوج فتكون الدية فيه وفي مثله وهي أحدهما نصف الدية قال في المدونة الأعين الأعور للسنة فإن فيها الدية كاملة وقد ذكر الشيخ اثني عشر موضعا دون عين الأعور وجمعها الغافقي في رجز بوجه حسن فقال: وكل شيء هو في الإنسان ... منفرد وليس منه اثنان فدية الإنسان فيه تكمل ... في كل جسم خمسة تحصل أول ما يذكر منه عقله ... ثم اللسان يعطي ذاك مثله والأنف والذكر ثم الصلب ... وكلها منصوصة في الكتبة وما يكون منه اثنان في الجسد ... فجملة الدية فيها تعد وهي سبع في جميع الأبدان ... جملتها العينان ثم الأذنان وبعدها فعدد اليدين ... وصلهما في ذاك بالرجلين والشفتان ثم الأنثيان ... وبعدها في المرأة الثديان

وعلى الأنثى عشر اقتصر في الجواهر وفي المقدمات فيما يجني على الرجل ثمان عشرة دية على خلاف فيه إحدى عشر في راسه العقل والسمع والبصر وإشراف الأذنين عند أشهب والشم على خلاف فيه والأنف والذوق والكلام والشفتان والشوى والأضراس والأسنان يجتمع فيها على قول مالك أكثر من دية والتي في الجسد اليدان والرجلان والصلب والذكر والأنثيان وإذهاب الجماع قال وفي المرأة ثمان عشرة أيضا ليست في الرجل الشفرتان والحلمتان والأليتان. زاد ابن الفاكهاني في المرأة الإفضاء وهو خلط السبيلن وعزاه لابن القاسم وقال اللخمي تجب الدية إذا أجذمه أو أبرصه أو سقاه سما أو سود جلده أو وجه وقال عبد الملك تجب في هدم عظام الصدر وقال ابن عبدوس فيه حكومة وقال عبد الوهاب الحكومة أن يقوم المجني عليه لو كان عبدا سليما ثم يقوم بالجناية فما نقص من ديته جعل من قيمته بالغا ما بلغ وإنما تتعلق الدية بالمنفعة المقصودة التي هي الزينة والإفادة فيما أعد العضو له فالمعتبر في العينين إذهاب ضوئهما وإن بقيت العين بحالها وفي اليد ذهاب نفعها فشلل اليد كقطعها وقطعها من الكف كقطعها من الأصابع وقطعها من الأصابع كقطعها من الكتف ومنفعتها في أصابعها وفي المدونة إن لم يكن في الكف أصبع ففي قطعها أو بعضها حكومة وإن كانت فالدية على قدر الأصابع الشيخ. وروى ابن نافع إن دخلها نقص ففيه من ديتها بقدر ما نقص منها أو من جمالها زاد اللخمي اعتبار القود من الأصابع لا من جملة اليد والرجلان في ذلك كاليدين بل كل عضو يعتبر فيه ما ذكر من الذهاب والنقص وتفصيل ذلك يطول فانظره في الأصول وانفردت عين الأعور بكمال الدية من بين المزدوجات لرجوع ضوء الأخرى إليها وعلله المدونة بالسنة وقال به ابن المسيب والحسن والزهري ويحيى بن سعيد وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون والد عبد الملك والليث بن سعد وغيرهم خلافا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما أن فيها نصف الدية والله أعلم. وفي المدونة ليس في ثدي الرجل إلا الاجتهاد فانظر ذلك ثم ذكر الشيخ دية الأبعاض غير المستوفية فقال. (وفي الموضحة خمس من الإبل وفي السن خمس وفي كل أصبع عشر وفي

الأنملة ثلاثة وثلث وفي أنملة من كل الإبهامين خمس من الإبل وفي المنقلة عشر ونصف عشر). جراح البدن أما في الرأس فتسمى شجاجا وأما في البدن فتسمى جراحا ليس إلا فكل شجاج جراح وليس كل جراح شجاجا فالشجاج كله على الاجتهاد إلا ثلاثة الموضحة والمنقلة والمأمولة وجراح الجسد كلها كذلك إلا الجائفة فهذه الأربع فيها أمر مقرر من الشارع هو ما ذكر وتفسيرها يأتي الآن إن شاء الله فالخمس في الموضحة نصف عشر الدية فليعتبر به في الذ ... هب والورق في المنقلة خمسة عشر بعيرا وهي عشر الدية ونصف عشرها فيعتبر ذلك في غير الإبل والمأمولة الجائفة في كل واحد ثلث الدية ونسبتها واضحة من كل ما يستعمل في الدية وفي الأسنان هو قضاء معاوية رضي الله عنه ومجموعها يزيد عن الدية لأن الأسنان اثنا عشر سنا، أربع ثنايا، وأربع رباعية، وأربع أنياب، والأضراس عشرون؛ أربع ضواحك وهي التي تلي الأنيابن والاثنا عشر وهي ثلاثة في كل شق أربع نواجذ وهي أقصاها فجميع دياتها على قول مالك مائة وستون بعيرا اللخمي والنواجذ سن الحلم التي تخرج أقصى الحنك بعد الاحتلام الكبر وقال ابن شعبان للرجل الألح اثنان وثلاثون سنا وللكوسج ثمانية وعشرون يريد أنه لا نواجذ له والله أعلم. وفي المدونة السن والضرس سواء وفيها إن ضربه فاسودت سنة ثم عقلها وإن اصفرت أو احمرت أو اخضرت فإن ذلك كالسواد تم عقلها وإلا فعلى حساب ما نقص وفي المدونة السوداء في الدية كالصحيحة وفي تحريكها تفصيل فانظره وبالله التوفيق. وأما الأصابع فإن كان هناك أصبع زائدة ففي العتبية إن كانت لها قولة كغيرها ففيها عشر من الإبل ولو قطعت عمدا إذ لا قصاص فيها وإن كانت ضعيفة ففيها حكومة قاله ابنا لقاسم وفي سماع يحيى ولابن سحنون عن أبيه في يديها سادس تنقطع ففيها نصف الدية وحكومة ولم يفرق بين قوية وضعيفة والمشهور أن البارز في الإباهام أنملتان خاصة وعليه مشى الشيخ هنا. ابن المواز: ورجع مالك إلى أنها ثلاثة أنامل في الإبهام، ورواه ابن كنانة قيل: وهذا الخلاف خاص بأنامل اليديل فلا يدخل فيها أنامل الرجلين وما ذكره في المنقلة بكسر القاف المشددة مذكور في كتابه عليه الصلاة

والسلام لعمرو بن حزم ابن رشد ولا خلاف أن ديتها ما ذكر والخطأ والعمد سواء إذ لا قصاص فيها لأنها من التآلف والله أعلم. (والموضعة ما أوضع العظم والمنقلة ما طار فراشها من العظم ولم يصل إلى الدماغ وما وصل إليه فهي المأمونة ففيها ثلث الدية وكذلك الجائفة وليس فيما دون الموضعة إلا الاجتهاد وكذلك في جراح الجسد). بين في هذه الجملة أسماء الجراح بمعانيها وما ذكر في الموضحة عند الجوهري نحوه وهي لا تختص بالرأس بل يشاركها الوجه فيها والتي تختص به هي المأمومة كما تختص الجائفة بالجسد لأنها التي نفذت للجوف ثم الجراح المسماة إحدى عشر أولها الحارصة بحاء وصاد مهملتين التي حرصتالجلد فشقته وتسمى الدامية ولأنها تدمي والدامعة بالمهملة لأن ما يخج منها كالدمع وقيل الدامية التي تدمي الرأس ولا تشق الجلد ثم الحارصة ودمها أكثر قيل هي السمحاق لأنها تجعل الجلد كسماحيق السحاب ثم الدامغة ثم الباضعة وهي التي أخذت في اللحم وبضعته وهي المتلاحمة ثم الملطا بكسر الميم وسكون اللام والطاء المهملة وهي التي بينها وبين العظم قليل من اللحم قيل وهي السمحاق ثم الموضحة وهي التي كشفت العظم ثم الهاشمة التي هشمت العظم ثم المنقلة وهي التي يحتاج في إصلاحها لإخراج بعض عظامها. عياض وإنما تكون الموضحة في الرأس والوجه خاصة ما عدا الأنف واللحي الأسفل لأنه غير متصل بعظم الرأس والله أعلم. وقوله: (وليس فيما دون الموضحة إلا الاجتهاد) عياض والعقول المفروضة وهي الديات المحدودات في الموضحة فما فوقها من شجاج الرأس المختصة وعن ابن زرقون لابن كنانة في المبسوط في الملطا نصف عشر الموضحة وقضى به عمر وعثمان اللخمي وفي كون الهاشمة عند من عرفها ثلاثة كالموضحة لابن المواز مع حكومة لابن القصار وكالمنقلة للأبهري وحكى ابن رشد فيها عند غير مالك عشر من الإبل والله أعلم. (ولا يعقل جرح إلا بعد البرء وما برئ على غير شين مما دون الموضحة فلا شيء فيه). معنى (لا يعقل جرح) أي لا يفرض له ما يلزم فيه في الخطأ حتى يعلم قدر الزيادة

والنقص به ولأنه فد يترامى إلى النفس فتكون في الدية أو القود وظاهر كلام الشيخ ولو لم يبرأ في سنة وقاله في المدونة في العين ينتظر برؤها بعد السنة ولا دية ولا قود إلا بعد البرد وقال أشهب ليس بعد السنة انتظار يعني في الخطأ ويعقل الجرح بحاله بعدها ويطالب بما زاد بعد عيضا وظاهر الرسالة إذا حصل البر قبل السنة عقد الجرح. وقال ابن مناس السنة شرط فلا يعقل قبلها ولو برئ واختلف في الصلح قبل البرء فانظر ذلك ابن رشد والفقهاء السبعة على وجوب أجرة الطبيب فيما دون الموضحة من جراح الخطأ وأخذه بعضهم من قول مالك مرة بوجوب رفو الثوب (ع) وهو أحرى لأن الدماء أكبر من الأموال وقوله وما برئ على غير شين ظاهرة لا شيء فيه مطلقا إلا في الموضحة وفي الموضحة إذا برئت على شين ثلاثة مشهورها قول مالك وابن القاسم أنه يزاد على ديتها بقدر الشين. وروى أشهب لا يزاد وروى ابن وهب وابن نافع إن كان أمرا منكرا زيد له وإلا فلا. (وفي الجراح القصاص في العمد إلا في المتآلف مثل المأمومة والجائفة والمنقلة والفخذ والأنثيين والصلب ونحوه ففي كل ذلك الدية). قال الله تعالى: {والجروح قصاص} أي مساواة يؤاخذ بمثل ما جنى به إن أمكنته المماثلة ابن زرقون وربيعة يرى القصاص في كل جرح وإن كان متلفا إلا ما خصه الحديث كالمأمومة والجائفة الباجي وقال أشهب أجمع العلماء على أنه لا قود في المخوف وقال ابن المواز أجمعنا على أنه لا قود في عظام العنق والفخذ والصلب وشبه ذلك من المتآلف وما لا قصاص فيه من المخوف فلا بد من وجيع الأدب والله أعلم. (ولا تحمل العاقلة قتل عمد وهي اصطلاحية ودية خطأ وهي حكمية فالاصطلاحية عوض عن العفو وهو أمر يتعلق بالجاني من حيث جنايته فلا يحمل عنه ودية الخطأ أمر نزل به فينبغي بل يجب أن يعان ويقام به عنه والأصل خلاف ذلك لكن قررتها

السنة والإجماع فلم يبق لأحد مقال وهي من أمر الجاهلية التي قررها الإسلام بشرطها وما ذكر في الاعتراف فيه ستة أقوال وما ذكره الشيخ هو قول مالك في المدونة وقاله المغيرة وعبد الملك فانظر ذلك. وإنما لا تحمل العاقلة الاعتراف بالدم العمد لاحتمال التواصي على أخذ الدية من العاقلة بين القاتل وولي المقتول والله أعلم. وقوله: (قدر الثلث) يعني من دية المجني عليه هذا الذي رجحه ابن رشد واللخمي وفي الموازية عن ابن القاسم لا تحمل العاقلة إلا ثلث دية الرجل يكون الجاني من كان والمجني عليه من كان وفي المدونة إن جنى مسلم على مجوسية خطأ بلغ ما بلغ ثلث ديتها أو ثلث ديته حملته عاقلته مثل أن يقطع لها أصبعين فتحمل ذلك عاقلته فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال والله أعلم. (وأما المأمومة والجائفة عمدا فقال مالك ذلك على العاقلة وقال أيضا إن ذلك في ماله إلا أن يكون عديما فتحمله العاقلة لأنهما لا يقاد من عمدهما وكذلك ما بلغ ثلث الدية مما لا يقاد منه لأنه متلف). في المدونة وعقل المأمومة والجائفة عمدا على العاقلة ولو كان للجاني مال وعليه ثبت مالك وبه أقول وكان يقول أنها في ماله إلا أن يكون عديما فعلى العقالة وقال ابن زرقون الرواية الثابتة أنها في ماله من غير تفصيل قال غيره لأنه عمد والعمد لا تحمله العاقلة س وهو قول مالك الأول. (ولا تعقل العاقلة من قتل نفسه عمدا أو خطأ). يعني: ولا يكون له دية بل هو هدر ولا يلزم أحدا منها شيء قاله فقهاء الأمصار ونقله عبد الوهاب وشروط لزنوم الدية العاقلة ثلاثة: كون القتل خطأ واختلف في شبه العمد وفيما امتنع فيه القصاص من المتآلف لأنه اشبه الخطأ من حيث إن مثله في الجانب ولا يقتص منه. الشرط الثاني: أن يثبت القتل ببينة وما في معناها من لوث وقسامة. الثالث: أن يبلغ قدره ثلث الدية قال في المدونة وعلى الجاني القود وكذلك كل ما لا يستطاع القود منه إذا بلغت الحكومة فيه ثلث الدية والله أعلم.

(وتعاقل المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل فإن بلغتها رجعت إلى عقلها). يعني أن دية المرأة في أبعاضها ما دامت لم تبلغ دية الرجل فإذا بلغتها كانت دية أبعاضها على نسبة ديتها قال أبو عمر بن عبد البر قال ربيعة لابن المسيب كم في أصبع في أصابع المرأة قال عشر من الإبل قال كم في إصبعين قال عشرون قال كم في ثلاث قال ثلاثون قال كم في أربع قال عشرون قال حين عظم جرحها واشتدت بليتها قل عقلها قال أعراقي أنت قال بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال هذه السنة قال أبو عمر هذا مذهب مالك وجمهور أهل المدينة والليث وعمر بن عبد العزيز وغيرهم وتمامه في المدونة والموطأ فانظره. (والنفر يقتلون رجلا فإنهم يقتلون به).

(النفر): الجماعة المجموعة من ثلاثة إلى عشرة وفي المدونة إن اجتمع نفر في قتل امرأة أو صبي عمدا قتلوا بذلك وكذلك إن اجتمعوا على قتل عبد أو ذمي قتل غيلة؛ قتلوا به، وفيها إذا قطع جماعة يد رجل عمدا فله قطع أيديهم كلهم بمنزلة القتل والعبد كذلك. وفي الموطأ: من أمسك رجلا لآخر ليضربه فمات إن كان يرى أنه يريد قتله قتلا معا وإن كان يرى أنه لا يقتله قتل الممسك خاصة وعوقب الآخر أشد العقوبة وحبس عاما ابن القصار إنما يقتل الممسك إذا علم أنه يقتله ظلما والله أعلم. (والسكران إن قتل قتل وإن قتل مجنون رجلا فالدية على عاقلته وعمد الصبي كالخطأ وذلك على عاقلته إن كان ثلث الدية فأكثر وإلا ففي ماله). أما السكران ففي المدونة كما هنا وأطلق بن يونس لأنه أدخل الفساد على نفسه فيؤخذ بجنايته وقال ابن يونس والباجي: هذا في المختلط الذي معه بقية من عقله وأما الذي لا يعرف الأرض من السماء ولا يفرق بين الرجل والمرأة فلا خلاف أنه كالمجنون في أقواله وأفعاله: قالوا: واختلف في أفعال المختلط من طلاق وعتق وبيع وشراء وغير ذلك على أربعة أقوال فقيل تلزمه وهو قول مالك وقيل لا تلزمه وثالثها تلزمه الأفعال لا الأقوال. ورابعها: تلزمه الجنايات والديات والحدود والعتق والطلاق بخلاف الإقرارات والعقود من بيع وشراء ونكاح ونحو ذلك.

وأما المجنون: فالمراد في حال جنونه كان مطبقا أم لا وإنما كانت الدية على عاقتله لأنه غير متسبب في ذهاب عقله وفي المدونة والمجنون الذي يفيق أحيانا في حال إفاقته كالسليم وأما الصبي ففي سماع ابن القاسم في رسم العشور أن الصبي الذي لا يعقل كابن سنة ونصفها لا خلاف أن حكمه حكم المجنون وقد اختلف في ذلك فقال مالك وابن القاسم جنايته على المال في ماله وعلى الدماء على عاقلته إلا ما دون الثلث وفي الموازية: جنايته هدر في الجميع وثالثها: السماع ابن القاسم: المال هدر والدية على العاقلة ابن رشد ولا خلاف أن الصبي الذي لا يعقل يضمن المال عمدا أو خطأ وحكم عمده في الدماء حكم المجنون وحكم الكبير المولى عليه فيما حكم الرشيد ولابن زرقون: الخلاف المتقدم إنما هو في صبي ينزجر وأما ابن ستة أشهر ونحوها فإنه جبار وقال ابن رشد وعبر عنه بالرضيع. فرع: قال المازري المكره على قتل رجل ظلما يقتل المباشر لأن الإكراه لا يبيح له قتل مسلم ظلما ويقتل المكره لأن المباشر كالآلة (ع) الخطأ في الدماء ما مسببه غير مقصود لفاعله ظلما انتهى فانظر بقيته. (وتقتل المرأة بالرجل والرجل بها ويقتص لبعضهم من بعض في الجراح، ولا يقتل حر بعبد ويقتل به العبد ولا يقتل مسلم بكافر ويقتل به الكافر ولا قصاص بين عبد وحر في جرح ولا بين مسلم وكافر). أما قتل المرأة بالرجل والرجل بها فحكى ابن عطية الإجماع عليه ولابن رشد نحوه قائلا على الشرط الذي ذكرناه وهو أن لا يكون المقتول ناقصاعن مرتبة القاتل بعد حرية أو إسلام إلا أن بعض أهل العلم قال: الرجل إذ قتل بالمرأة قضي له بنصف الدية قال: وهو قول عثمان البتى وهو قول مرغوب عنه ترده الأصول في قوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] تخصيص يطول ذكره ونقل الزمخشري عن مالك والشافعي والحسن وغيرهم: أن الذكر لا يقتل بالأنثى وهو قول لا يصح وإن صح فهو في غاية الشذوذ والعمل على حديث " المسلمون تتكافأ دماؤهم" فانظر ذلك.

وقصاص الجراح شرطه كشرط القتل من التكافؤ (ع) ومتعلق الجناية غير نفس إذا أبانت بعض الجسم فقطع وإلا فإن أزالت اتصال عظم لم بين فكسر وإلا فإن أثرت في الجسن فجرح وإلا فإتلاف منعفة فالقصاص في الأطراف كالنفس إلا في جناية آدمي على أعلى فلو قطع كافر أو عبد حرا مسلما فطريق الباجي ومشهور مذهب مالك: لا قصاص وتلزم الدية. وروى القاضي في قطع الكافر المسلم الاجتهاد وتحمل هذه الرواية القود اللخمي: قال مالك: لا قصاص، وروى ابن القصار القصاص قال: وهو القياس وروى العتبي: يمنع في العبد ويجوز في النصراني ولابن نافع: الخيار بين القصاص والعقل وهو أحسن ولابن عبد الحكم ونحوه. وقال: له الدية ولا قود بينهما وعليه فللحر أن يقتص من العبد في الجراح وفي المسألة أقوال ستة يطول ذكرها فانظر وفي الصحيحين قيل لعلي رضي الله عنه هل عندكم شيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة قالوا وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بكافر. (والسائق والقائد والراكب ضامنون لما وطئت الدابة وما كان منها من غير فعلهم فذلك هدر أو وهي واقفة بغير شيء فعل بها فذلك هدر وما مات في بئر أو معدن من غير فعل أحد فهو هدر). هذا كله مأخوذ مما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم " العجماء جبار والبئر جبار والنار جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس". يعني ما تلف بذلك كله بغير فعل أحد ومعنى جبار هدر لا شيء فيه والعجماء الدابة وقول الشيخ: (السائق): هو الذي يضربها من خلفها و (القائد): هو الذي يجرها من أمامها و (الراكب): معلوم قال عبد الوهاب إنما كانوا ضامنين لأنهم قادرون على ضبطها وإمساكها وظاهر كلام الشيخ إذا كانوا منفردين مع احتمال الاجتماع. وفي المدونة إذا اجتمعوا فعلى السائق والقائد لا أن يكون فعلهما بسبب الراكب

وحده فذلك عليه خاصة إذا لم يكن فيه عون من السائق والقائد وكل من تسبب منهم بانفراده ضمن ابن المواز: ومن انفتلتت دابته فنادى رجلا يحبسها له فضربته فمات فلا شيء عليه وهذا من فعل العجماء لا أن يكون المأمور صبيا أو عبدا فإن دية الحر على عاقلته وقيمة العبد في ماله ابن حبيب: عن مطرف وعبد الملك وأصبغ عن ابن القاسم ما أتلف الفلو يتبع أمه جبار لا على راكب ولا قائد. وحكى ابن المواز عن أصحابنا: من هلك بنفور دابة من مار ولو على الطريق جبار إلا أن يكون من حركته. وسمع أبو زيد من ابن القاسم من طلب غريقا فأخذه ثم خاف الموت فتكره فلا شيء عليه ولو ذهب يعلمه العوم فنال ذلك ضمن ديته ابن رشد على عاقتله. ومعنى (وطئت الدابة): أي مشت عليه يريد وكذا لو دفعته في سيرها واختلف إذا طارت حصاة من تحت حافرها ففقأت عين إنسان أو كسرت آنية فقال أبو عمر الأشبيلي: يضمن الراكب وقال ابن زرب هدر فلا ضمان (ع) بعضهم إن أطارت بطرف حافرها ضمن وإن كان بوسطه لم يضمن وفي أكرية المدونة: إذا ربط المشتري دابته بباب الدار فرمحت فكسرت أو قتلت ابن رب الدار فذلك جبار وكذلك من نزل عنها باب المسجد أو باب الأمير أو الحانوت ينزل لحاجته فما أصابت فهو جبار. ابن العطار: إن كان يعلم أنها تضرب برجلها فهو ضامن كتخذ كلب عقور حيث لاي جوز له يضمن وإن لم يتقدم إليه وإنما يحتاج إلى التقدم إذا كان في داره فأما في الطريق فهو ضامن وأما في البئر فقال الباجي: روى عيسى في المجموعة من فعل ما يجوز له كمن حفر بئرا بباب داره لغير ضرر أحد أو بداره غيره بإذنه أو رش فناءه تبردا أو تنظفا فزلق به من هلك أو ربط كلبا بداره للصيد أو للغنم أو أوقف دابته بالطريق بباب مسجد أو حمام أو سوق أو أخرج روشنا من داره أو عسكرا فلا شيء عليه. وفي الزاهي لابن شعبان من نضح ماء بالطريق فأصيب به إنسان أو مال ضمن ومن وضع خفية أو نعله بالمسجد ضمن إن عثر به إنسان كالطريق وسمع محمد بن خالد من ابن القاسم: من أوقد نارا تحت قدر له فطار ما فيها فقتل صبيا كان حوله لم يعلم به رب القدر لا شيء عليه ابن رشد لا جناية فيه عمدا ولا خطأ ولا شيء على العاقلة كقولها: فيمن أرسل نارا بأرضه وأرض جاره بعيدة مأمونة من النار فحملها

الريح إلى أرض جاره فلا شيء عليه فيما أحرقت ولو كانت غير مأمونة فما قتلت فعلى عاقلته ومسائل الباب كثيرة فنظرها وبالله التوفيق. (وتنجم الدية على العاقلة في ثلاث سنين وثلثها في سنة ونصفها في سنتين). أما تنجيم الدية فللرق والإعانة على القيام بها وفي الموطأ سمعت أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع مالك والثلاث أحب إلى الباجي هذا حكم الدية وأما بعضها ففي حلوله وتأجيله روايتان بالتأجيل والتعجيل حكاهما عبد الوهاب وعلى التأجيل ثلثها في سنة وثلثاها في سنتين الجلاب في النصف والثلاثة الأرباع روايتان إحداهما في سنتين والأخرى ترد إلى الاجتهاد وقال ابن المواز: وبالأولى قال أصحاب مالك كلهم إلا أشهب فانظر ذلك. (ودية موروثة على الفرائض). يعني: لأنها مال من مال المبيت إذ هي عوض نفسه وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة من دية فزوجها قاله عبد الوهاب وفي كتاب الديات من المدونة قال مالك تنفذ منها وصاياه وتقضى منها ديونه والله أعلم. (وفي جنين المرأة غربة عبد أو وليد تقوم بخمسين دينار أو ستمائة درهم وتورث عل كتاب الله). الرواية الصحيحة غرة بالتنوين دون إضافة وكذا عبد وما ذكر هو قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في المتفق عليه من الصحيحين واتفق العلماء على أن دية الجنين الغرة ذكرا كان أو أنثى (ع): الغرة دية الجنين الحر المسلم محكما يلقى غير مستهل بفعل آدمي قال والجنين هو ما علم أنه حمل وإن كان مضغة أو علقة أو مصورا والدم المجتمع لغو وفي استبراء المدونة أنه حمل قال في المدونة والحمران من الرقيق أحب إلي من السودان فإن قل الحمران فلتؤخذ من السودان والقيمة في ذلك خمسون دينارا أو ستمائة درهم اللخمي هذا ليس ببين لأنه عليه الصلاة والسلام إنما أوجب الغرة من غير اعتبار بقيمة وأثمان العبيد تختلف في البلدان. عبد الحق: إنما جعلوا قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم قياسا على أقل

الجراح المنصوص عليها وهي الموضحة فانظر ذلك. وفي كون الغرة في مال الجاني أو على عاقلته روايتان لأبي الفرج والمدونة وإنما تجب في جنين انفصل ميتا قبل موت أمه ولو انفصل ميتا بعد موتها فالمشهور لغو خلافا لأشهب انظر بقية كلامه وكون دية الجنين موروثة على الفرائض هو المشهور قال ابن هرمز هي للأبوين من انفرد بها منهما أخذها وقال ربيعة: وهي للأم فقط والله أعلم. (ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية ويرث قاتل الخطأ من المال دون الدية). موانع الإرث ثلاثة: الكفر والرق وقتل العمد مطلقا والخطأ من الدية عند مالك. وقال الشافعي: لا إرث لقاتل مطلقا، وحكى ابن الفاكهاني عن شيخه الغماري عن بعض العلماء إرثه مطلقا والحديث خلافه وإنما يمنع الإرث في العمد لاتهامه بالاستعجال وهو ظالم ولا حق للظالم وفي الخطأ لأن الدية وجبت عليه لفعله فلا تجب له والله أعلم. (وفي جنين الأمة من سيدها ما في جنين الحرة وإن كان من غيره ففيه عشر قيمتها). كل جنين ففيه نصف عشر دية أبيه حتى ولد أم الولد، والقاعدة أن كل ذوات رحم فولدها بمنزلتها إلا ولد أم الولد ففيه نصف عشر دية أبيه وهي خمسون دينارا كجنين الحرة وإن كان من غير السيد فهو عبد يراعى فيه قيمة أمه لأن القيمة فيها كالدية. (ومن قتل عبدا فعليه قيمته). لأنه مال يجب غرمه لسيده وخرج الدارقطني من حديث ابن عباس رضي الله عنه " لا يقتل حر بعبد". مالك: وسواء في ذلك القن ومن فيه شائبة حرية حتى المكاتب لا يلزم في الجميع لا القيمة والله أعلم. (وتقتل الجماعة بالواحد في الحرابة والغيلة وإن ولي القتل بعضهم). عبد الوهاب لأن كل معنى أوجب قتل الواحد بالواحد أوجب قتل الجماعات

بالواحد أصله القود ولأن القتل بالحرابة أغلظ وآكد من القتل بالقود لأن العفو في القود جائز بخلاف الحرابة قالوا هذا قولنا وقول أبي حنيفة والشافعي لا يقتل إلا المباشر وفي الموطأ: " أن عمر رضي الله عنه قتل نفرا خمسة أو ستة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعا" فانظر ذلك. (وكفارة القتل في الخطأ واجبة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ويؤمر بذلك إن عفي عنه في العمد فهو خير). يعني: أن الله عز وجل قد قال {ومن قتل مؤمنا خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة}، {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} [النساء: 92] فإنما هو عتق ثم صيام على الترتيب ولا إطعام فيها وإنما كانت الكفارة في الخطأ دون العمد لأنه أعظم من أن تكفره الكفارة وفي الحديث" ومن أظلم ممن هدم بنيان الله لهدم الكعبة ورميها في البحر حجرا حجرا أيسر عند الله من قتل نفس مؤمنة" وقد اختلف قول مالك في صحة ثبوت القاتل ومال ابن رشد إلى قبولها وصححه قائلا: وينبغي له أن يعتق ويكفر يكون ذلك مقدمة له في التكفير ويتحامل على الجهاد ونحوه فانظر ذلك. (ويقتل الزنديق ولا تقبل توبته وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام وكذلك الساحر لا تقبل توبته). أما قتل الزنديق وهو المنافق في زمنه عليه الصلاة والسلام فقد خرج البخاري أن عليا رضي الله عنه وكرم وجهه: أحرق زنادقة فبلغ ابن عباس رضي الله عنه فقالوا لو كنت أنا قتلتهم ولم أحرقهم بنار لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يعذب بالنار إلا الذي خلقها". وإنما لا تقبل توبة الزنديق لأنها لا تتحقق وخبثه يدل على بقائها في باطنه. وأما الساحر فيقتل كفرا عند مالك قال ابن عطية والسحر والعمل عند مالك كفر ولا يستتاب كالزنديق وقال الشافعي: إن تضمن سحره كفرا استتيب وإلا فلا ابن العربي حقيقة السحر كلام مؤلف يعظم به غير الله وتنسب المقادير فيه والكيفيات والكائنات لغيره وقال مالك: في الذي يعقد الرجل عن النساء يعاقب ولا يقتل وهل يقتل ساحر أهل الذمة أو إلا أن يتصل سحره قولان ولا يقتل الساحر إلا الإمام أصبغ:

ولا يقتل حتى يتستثبت أن ما فعله سحر. وفي الموازية: المتعلم للسحر دون مباشرة فعله فيؤدب أدبا شديد فقط. فرع: لو لم يعثر على الزنديق والساحر حتى جاء تائبا قبل والذي لا تقبل توبته من ظهر عليه وقال ابن لبابة: تقبل وإن ظهر عليه. (ويقتل من ارتد إلا أن يتوب ويؤخر للتوبة ثلاث وكذلك المرأة). الردة كفر بعد إسلام تقرر بالنطق مع التزام أحكامها المتيطي: إن نطق الكافر بالشهادتين وقف على شرائع الإسلام وحدوده فإن التزامها تم إسلامه وإن أبى من التزامها لم يقبل إسلامه ولم يكره على التزامها ويترك على دينه ولم يعد مرتدا وإذا لم يوقف هذا الإسلامي على الشرائع فالمشهور أنه يؤدب ويشدد عليه فإن أبى وتمادى على غيه ترك في لعنة الله وقال مالك وابن القاسم وغيرهما وبه العمل والقضاء وقال أصبغ: إن رجع بعد تشهده قتل بحكم الارتداد وإن لم يصل الإمام. ابن شاس ظهور الردة إما بالتصريح بالكفر أو بلفظ يقتيضيه أو بفعل يتضمنه وفسر ذلك (ع) فانظره. ابن شاس: لا ينبغي أن تقبل الشهادة على الردة مطلقا دون تفصيل لاختلاف المذاهب في التكفير والله أعلم وقوله: (ثلاثا) يعني: (ثلاث) مرات ويرفق به في ذلك إن أبى هدد وضيق عليه فإن أبى إلا تماديا بعد الثلاث فإلى أمه الهاوية نسأل الله السلامة والعافية. (ومن لم يرتد وأقر بالصلاة وقال لا أصلي أخر حتى يمضي وقت الصلاة واحدة فإن لم يصلها قتل). لا خلاف في تكفير جاحد وجوب الصلاة وأنه مرتد إلا أن يكون قريب عهد بدخول الإسلام ويحمل على الجهل ويعلم قال القاضي: وكذلك جاحد فروض الوضوء والغسل وفي استتابته كالمرتد ولزوم قتله قولان للأكثر وابن مسلمة وعلى الأول ففيها في الحال وفي ثلاثة أيام روايتان وفي تخويفه فيه قولان لمالك وأصبغ وإن كان مقرا بالوجوب ممتنعا من الفعل بقوله لا أصلي قتل حدا على المشهور لتكره ولو قال أصلي

ولم يفعل ففي قتله والمبالغة في أدبه قولان لمالك ابن حبيب وظاهر ما هنا أن قوله لا أصلي شرط في استباحة دمه فهوعلى قول ابن حبيب وفي امتناعه من قضاء الفوائت قولان للمتأخرين. وقوله: (أخر حتى يمضي وقت صلاة واحدة) يعني: وقتها الضروري وخطأ المازي قول ابن خويز منداد لآخر الوقت الاختياري إلا أن يقال المؤخر عنه قاض آثمن وحكى ابن زرقون عن عبد الملك لا يؤخر القائل لا أصلي بل يعجل قتله فإن لم يصلها قتل، قيل: حدا وهو المذهب وقيل: كفرا لابن حبيب وهو قول أصبغ ونحوه عن مالك واستشكل قتله حدا بأنه لو قال أصلي وصلى لم يقتل وليس هذا شأن الحدود. وفي كون قتله بالسيف وهو المشهور وسماع أشهب أو ينخس به حتى يموت وهو قول بعض المتأخرين قولان وتحصيل القول في ذلك أن تارك الصلاة مع الإقرار بوجوبها أكثر الفقهاء مع أقل المحدثني يقول بقتله حدا وأكثر المحدثين مع أقل الفقهاء يقولون يقتل كفروا ومال إليه ابن عبد السلام. وثالثها: الحنفي يبالغ في أدبه ولا يقتل ومال إليه ابن دقيق العيد وفي المسألة كلام أوسع من هذا فانظره. (ومن امتنع من الزكاة أخذت منه كرها ومن ترك الحج فالله حسيبه). أما أخذ الزكاة من تاركها فهو أصل الشريعة وفي الحديث " من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها ومن منعها فأنا آخذها" الحديث أخرجه الحاكم من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ولقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] الآية ثم إن نواها صاحبها أجزأته وإن لم ينوها زكاته فالمشهور تكفيه الأخذ وقيل: لا وفائدته إذا تاب من منعها هل يلزمه إعادة ما أخذ منه كراها أم لا؟ قال ابن بزيرة وإنما قال في تارك الحج: (الله حسيبه) لأن شرطه موكول علمه لأمانته وهو الاستطاعة ومعنى (الله حسيبه): أن الله منتقم منه وإنما يقال هذا فيمن توفرت فيه شروط وبلغ معترك المنايا إن قلنا بأنه على الفور والمفطر في نهار رمضان يؤدب لانتهاك الحرمة ويلزم الكفارة. (ومن ترك الصلاة جحدا لها فهو كالمرتد يستتاب ثلاثا فإن لم يتم قتل). ابن الحاجب أما جاحدها فكافر باتفاق (س) يعني جاحدا وجوبها ولو وافق على

مشروعيتها وكذا جاحد الركوع والسجود ونص مالك رحمه الله على ذلك وقال فيمن يقال له صل فيقول لمن قال له: ذلك إذا دخلت الجنة فأغلق الباب عليك، فهذا ينبغي أن ينظر في لفظه وفيما أراد فإن أراد صلاة المنكر عليه خاصة وأنه لم تنهه عن الفحشاء والمنكر فهو ممن اختلف فيه وإن أراد أن الصلاة لا أثر لها في الدين وشبه ذلك فلا يختلف في كفره. ومن قال عند الإمام: لا أتوضأ ولا أغتسل من جنابة ولا أصوم شهر رمضان؛ فكتارك الصلاة قاله ابن يونس وعزاه غيره لابن حبيب وفي تكفير من امتنع عن رمضان ما فيها. (ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ولا تقبل توبته ومن سبه من أهل الذمة بغير ما به كفر أو سب الله عز وجل بغير ما به كفر قتل إلا أن يسلم). يعني أنه سبه عليه الصلاة والسلام كفر مبيح الدم وكذا سب الله تعالى قال الله تعالى {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً} [الأحزاب:57] قال بعض العلماء لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في كفره وقتله إذا كان مسلما وسواء سبه أو عابه أو تنقصه في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة ممن خصاله أو عرض به أو أزرى عليه وصغر شأنه أو دعا عليه أو نسب إليه ما لا يليق به على طريق الذم أو غيره بشيء مما جرى عليه في ذات الله وهذا كله بإجماع العلماء وقد استوفى القاضي في الشفاء الكلام على ذلك فانظره في آخر الكتاب وبالله التوفيق. وإنما لا تقبل توبته لأنه مقتول حدا وقيل: كفرا وعليهما الخلاف في ميراثه فقال سحنون: لجماعة المسلمين بناء على كفره وقال أصبغ إن كان مظهرا وإلا فلورثته وقال القاضي إن مات منكرا لما شهد به عليه فميراثه لورثته وكذا لو أقر وتبا وهو ناكر فهو للمسلمين. (وميراث المرتد لجماعة المسلمين). يعني إن مات على ارتداده وإلا فالحكم إيقاف ماله فإن مات على ارتداده فماله لجماعة المسلمين وإن تاب رجع إليه على الأصح وقبل هو في نفسه والله أعلم. (والمحارب لا عفو فيه إذا ظفر به فإن قتل أحا فلا بد من قتله وإن لم يقتل

أحدا فيسع الإمام فيه اجتهاده بقدر جرمه وكثرة مقامه في فساده فأما قتله أو صلبه ثم قتله أو يقطعه من خلاف أو ينفيه إلى بلد يسجن بها حتى يتوب فإن لم يقدر عليه حتى اء تائبا وضع عنه كل حق هو لله من ذلك وأخذ بحقوق الناس في مال أو دم). (الحرابة): الخروج لإخاقة السبيل بأخذ مال محرز مكابرة بقتال أو خوف أو ذهاب عقل أو قتب لخفية لمجرد قطع الطريق لا لإمرة ولا نائرة ولا عدواة فيدخل قولها يعني المدونة والخناقون والذين يسقون الناس السيكران ليأخذوا أموالهم محاربون وللباجي عن ابن القاسم الغيلة حرابة وهو قتل الرجل خفية لأخذ ماله وفي الموازية والعتبية من خرج لقطع السبيل لغير مال فهو محارب كقوله: لا أدع هؤلاء يخرجون إلى الشام أو إلى مصر أو إلى مكة وكذلك كل من حمل السلاح على الناس وأخافهم من غير عداوة ولا ناشرة الشيخ عن محمد: من أدخل رجلا فقتله لعداوة أو ناشرة ليس لأخذ مال فليس بحرابة ابن الفاكهاني في قوله لا عفو فيه هو عام. قال العلماء: المحارب هو القاطع للطريق المخيف للسبيل الشاهر للسلاح الطلاب للمال فإن أعطى وإلا قاتل عليه في المصر أو خارجا عنه والمشهور ما ذكر من أنه إن قتل فلا بد من قتله وقال أبو مصعب يخير فيه الإمام مطلقا. وقوله (أحدا): أعم من أن يكون عبدا أو حرا أو ذميا أو مسلما وهو كذلك وشرط الإمام في الاجتهاد تقييده بالأربع الواقعة في القرآن {أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} [المائدة:33] ويشاور فيهم أصحابه من الفقهاء والعلماء وقاله مالك وأصحابه. وقوله: (بقدر جرمه): هو المشهور وقاله أشهب وروى ابن وهب: قليل الجرم وكثيره سواء والاجتهاد مع قتل فلا بد من قتله اللخمي وقتله بالسيف لا بصفة تعذيب ولا يصلب منكوسا وتطلق يداه وظاهر القرآن الصلب وحده كاف والمذهب إضافته إلى القتل في بعض المواضع ابن القاسم: يصلب ثم يقتل وهذا الذي اقتصر عليه الشيخ. وقال أشهب: يؤخر الصلب ولو قدم على العقل فله ذلك عبد الملك ولا يمكن أهله من إنزاله حتى يفنى أو تأكله الكلاب وقال سحنون: ينزل من ساعته ويدفع لأهله

لتجهيزه وقال أيضا: إن رأى الإمام أن يبقيه اليومين والثلاثة لردع أمثاله فله ذلك ولكن ينزله حتى يغسل ويصلى عليه ثم إن شاء أعاده. وقال أصبغ: لا بأس أن يخلى لأهله ينزلوه ويصلى عليه ويدفن وفي معنى النفي خمسة أقوال مشهورها ما ذكر الشيخ. وقوله فإن جاء تائبا هو معنى قوله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة: 34] وفي المقدمات اختلف في صفة توبته على ثلاثة أقوال: أحدها: يترك ما هو عليه فقط. الثاني: أن يلقي السلاح ويأتي الإمام طائعا ولو لم يصل الإمام. الثالث: أن الحد لا يسقط عنه إلا بوصوله إليه تائبا ثم اختلف فيما تسقط عنه توبته والمشهور ما ذكره الشيخ. فرع: في المدونة جهاد المحاربين جهاد ابن شعبان جهادهم أفضل من جهاد الكفار ابن رشد: جهاد المحاربين عند مالك وأصحابه جهاد قال عنه أشهب من أفضل الجهاد وأعظمه أجرا عند الله وقال مالك في أعراب قطعوا الطريق جهادهم أفضل من جهاد الروم وفي المدونة إذا طلب السلابة طعام أو شيئا خفيفا رأيت أن يعطوه ولا يقاتلوا الشيخ عن سحنون لا أرى أن يعطوا شيئا ولو قل انتهى وهو حيث المنعة والقدرة عليهم لا حيث تكون يدهم أقوى إذ لا يجوز لأحد أن يلقي نفسه إلى الهلكة والله أعلم. (وكل واحد من اللصوص ضامن لجميع ما سلبوه من الأموال وتقتل الجماعة بالواحد في الحرابة وإن لوي القتل واحد منهم ويقتل المسلم بقتل الذمي قتل غيلة أو حرابة). لما كان فعل الكل من اللصوص بإعانة الكل كان كل واحد كالكل فيؤخذ بما يؤخذ به الكل إن انفرد ومع الكل في النفس وفي النوادر روى محمد إن تاب أحد المحاربين وقد أخذ كل منهم حصته من المال ضمن هذا التائب جميع المال ولمحمد بن عبد الحكم لا أرى على كل واحد منهم إلا ما أخذوه وتجوز شهادة القافلة ونحوها على من حاربهم فيما أخذوه وقتلوه إن كانوا عدولا لأنفسهم.

اللخمي: وروى ذلك ابن سحنون عن أبيه وأتى به حتى في التفصيل انظر كلام اللخمي في ذلك، وقتل الجماعة بالواحد تقدم وقتل المسلم بالذمي في الحرابة والغيلة حكم فيه عثمان – رضي الله عنه- وليس من باب القصاص لكن المغتال والمحارب محدود بالقتل والله أعلم. (ومن زنا من حر محصن رجم حتى يموت)

حرمة الزنا معلومة من الدين ضرورة ابن رشد: الزنا من أعظم الذنوب وأجل الخطايا فليس بعد الشرك بالله تعالى وقتل النفس التي حرم الله تعالى أعظم منه (ع): الزنا الشامل للواط مغيب حشفة من آدمي في فرج آخر دون شبهة حله عمدا فتخرج المحللة ووطء الأب أمة ابنه لا زوجته ابن الحاجب الزنا هو أن يطأ فرج آدمي لا ملك له فيه باتفاق متعمدا فيتناول اللواط وإتيان الأجنبية في دبرها وفي كونه زنا ولواطا قولان: ولا يتناول المساحقة وتعقب رسمه هذا بخروج المرأة لأنها موطوءة لا واطئة. وقوله (محصن) روي – بفتح الصاد المهملة وكسرها والفتح أصوب- وقال الجوهري: ياقل أحصن الرجل إذا تزوج فهو محصن بالفتح ابن عطية: الإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء وعلى ذلك تصرفت فيه اللغة في كتاب الله فتستعمله في الزواج وفي الحرية والإسلام والعفة وكون رجمه حتى يموت لا خلاف فيه عند توفر شروطه وإنما يرمى بحجارة متوسطة تؤلمه ولا تعذبه ولا تعجل عليه الموت فلا يرمى بالصخور ولا الحجارة الصغيرة جدا. الشيخ عن أبي إسحاق يرمى بأكبر حجر يقدر الرامي على حمله وتقصد مقاتله ولا يحفر له وقال أصبغ: يحفر له مع الإرسال يديه إن أمن فراره بالكلية ولا ترجم الحامل ونحوها والله أعلم. (والإحصان أن يتزوج الرجل امرأة نكاحا صحيحا ويطأها وطأ صحيحا). شروط الإحصان ستة: البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرية، والنكاح الصحيح، والوطء الصحيح. ولا خلاف أن النكاح الفاسد لا يحصن والوطء الصحيح هو الذي لم يتعلق به نهى فلا إحصان بوطء صائمة ولا محرمة ولا حائض ونحوها. (فإن لم يحصن جلد مائة جلدة وغربه الإمام إلى بلد آخر وحبس فيه عاما). لقوله عليه الصلاة والسلام: " البكر بالكبر جلد مائة وتغريب عام" وفي حديث العيسف" إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام" وفي كتابه عليه الصلاة

والسلام لأهل اليمين" ومم زنى مم حر محصن فضرجوه بالأضاميم ومم زنى مم بكر فاضعفوه مائة واستوفضوه سنة". (وعلى اليد في الزنا خمسون جلدة وكذلك الأمة وإن كان متزوجين ولا تغريب عليهما ولا على امرأة). أما أن العبد والأمة على كل واحد منهما في زناه خمسون فلقوله تعالى {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25] وشرط الإحصان الحرية ولا حرية فحدهما أبدا الخمسون ولا يغرب العبد ولا الأمة لأنه تفويت لحق السيد ولا المرأة لأنه زيادة هتكة ومثله قد يؤديها لأعظم مما وقعت فيه والله أعلم. (ولا يحد الزاني إلا باعتراف أو حمل يظهر أو بشهادة أربعة رجال أحرار بالغين عدول يرونه كالمردود في المكحلة ويشهدون في وقت واحد وإن لم يتم أحدهم الصفة حد الثلاثة الذين أتموها). أما الاعتراف فقال القاضي إذا كان ممن يصح اعترافه وأما الحمل فقال اللخمي تحد به إن لم يكن زوج ولا سيد ولا شبهة ولم تكن طارئة فإن كان طارئة وقالت من زوج طلقني أو غاب عني أو ادعت أنه من غاصب وتقدم لها ذكر ذلك وادعته على من يشبه فإنها لا تحد وإن ادعت على رجل صالح حدت والله أعلم. وشروط الشهادة: أن تكون في وقت واحد بفعل واحد فإن شهدوا متفرقين بفعل واحد فقال ابن القاسم: لا تثبت الشهادة ولا يحد المشهود عليه وقال أشهب في الموازية: تجمع شهادتهم ويحد المشهود عليه وقد شهد على المغير عند عمر – رضي الله عنه- أبو بكرة وشبل ونافع فأكملوا الصفة وقال زياد: رأيته بين رجلي امرأة وقدماها مخضوبتان واستين مكشوفتين وسمعت حفزا شديدا قال: هل رأيت كالمرود في المكحلة قال لا قال فهل تعرف المرأة قال لا ولكن أشبهها قال: تنح وأمر بالثلاثة فجلدوا والقصة شهيرة ذكرت للضرورة المازري: ويجوز النظر لفروجهما للشهادة عليهما لأنه لا يتحقق أمرهما إلا بذلك عز الدين وينظرون من ذلك ما يحصل به وجوب الحد فقط. (ع): ويشترط في قبول شهادتهم عجزهم عن منع الفاعلين عن تمام ما هم عليه ولو فتروا عن ذلك بقول أو فعل بطلت شهادتهم لأنهم عصاة بعدم النكير للمنكر والله أعلم.

(ولا حد على من لم يحتلم ويحد واطئ أمة والده ولا يحد واطئ أمة ولده وتقوم عليه وإن لم تحمل ويؤدب الشريك في الأمة يطؤها ويضمن قيمتها إن كان له مال فإن لم تحمل فالشريك بالخيار بين أن يتماسك أو تقوم عليه). أما أنه لا حد على من لم يحتلم فلقوله عليه الصلاة والسلام: " رفع القلم عن ثلاث". فذكر: " الصبي حتى يحتلم" وأما واطئ أمة والده فالمشهور ما ذكر. وذكر ابن خوبز منداد عن أشهب وابن وهب: أنه لا حد على الأب اللخمي لأن شبهة الأب في مال ولده من جهة وجوب الإنفاق عند العجز فكذلك الولد يتعين على الوالد إنفاق عند العجز في قول أهل العلم. فكان مثله فيدرأ عنه الحد للاختلاف والجد في ذلك كالأب، وإن كان للأم وأما الشريك في الأمة فيؤدب لإقدامه على ما لا يحل له ويدرأ عنه الحد لما له فيه من الملك وإنما تقوم أمة الوالد على الولد لأنها تحرم على الولد بعد الأب وكذلك أمة الشريك تقوم عليه حيث تفوت عليه بالحمل بخلاف إذا لم تحمل. (وإن قالت امرأة بها حمل استكرهت لم تصدق وحدت إلا أن تعرف بينة أنها احتملت حتى غاب عليها أو جاءت مستغيثة عند النازلة أو جاءت تدمي).

يعني أن دعوى المرأة الإكراه مع ظهور الحمل بها لا يفيد إلا بوجه واضح وفي المدونة قال مالك: في امرأة ادعت أن فلانا قد استكرهها أنه إن كان ممن لا يشار إليه بذلك حدت وإن كان ممن يشار إليه به نظر الإمام فيه اللخمي: وإذا كانت المرأة معروفة بالخير وظهر بها الحمل فاعتذرت بأنه اغتصبها وقالت كتمت ذلك رجاء أن لا أحمل ويسقط أنها تعذر وقضى به عمر- رضي الله عنه-. وقوله: (إلا أن تعرف ببينة) إلى آخره ويكون لها المهر على الغاصب إن أقر مع الحد وإن أنكر صدقت وهل بيمين أو لا قولان اللخمي نفيها أحسن إلا أن تكون بكرا فينظرها النساء. وعن ابن محرز حلفها لابن القاسم ومجيئها تدمي عند النازلة مصدق لها فيما تدعيه والله أعلم. وفي المسألة تفصيل يطول فانظره. وقوله (إن جاءت عند النازلة تدمي). من خواص البكر وقد يقع منه للثيب واستئكله ابن رشد واغتصاب المغتصبة ومغيب الغائب عليها يثبت بشاهدين على رواية سحنون عن ابن القاسم والله أعلم. (والنصراني إن غصب المسلمة في الزنا قتل). يعني: أنه ناقض للعهد باغتصابها إذا لم تعاده على ذلك ويعني بالمسلمة الحرة فأما الأمة فإنه يبالغ في عقوبته فقط ويغرم ما نقصها قال أشهب: لأنها مال ولا يقتل بالجناية على مال واختلف إن زنا النصراني بالحرة المسلمة طائعة هل يقتل أم لا فقال مالك لا ح عليه ويرد إلى أهل دينه ويعاقب العقوبة الشديدة أشهب ويجب أن يتجاوز الحد بذلك وقد أخبرني مالك عن ربيعة أنه قال يقتل ورآه ناقضا للعهد قال مالك وتحد المرأة. (وإن رجع المقر بالزنا أقيل وترك). يعني: إن رجع إلى شبهة اتفاقا مثل أن يقول: إنما وطئت جارية لي فيها شرك فظننت أنه زنى وإن رجع إلى غير شبهة فكذلك على المشهور وقول ابن القاسم: وظاهر ما هنا وقال أشهب لا ورواه عن مالك وفي حديث ماعز بن عامر أنه لما أذلقته الحجارة فرها ربا قال عليه الصلاة والسلام ألا تركتموه لعله يرجع هذا أصل الباب وظاهره الإطلاق وقد يفهم تقييده والله أعلم.

(ويقيم الرجل الحد على عبده وأمته حد الزنا إذا ظهر حمل أو قامت بينة غيرة أربعة شهداء أو كان إقرار ولكن إن كان للأمة زوج حر أو عبد لغيره فلا يقيم الحد عليها إلا السلطان). أما إقامة الرجل الحد على عبده فلقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بحبل من شعر" متفق عليه وأما تقييده بحد الزنا يريد وكذلك حد الخمر والقذف بخلاف حد السرقة لأن هذا يؤدي إلى استباحة المثلة به الموجبة لتعتقه عليه أن لو لم يكن السبب فيكون ذريعة لدعوى ذلك عند وقوعه وإنما لا يقيمة عند التزوج إلا السلطان لأن فيه ضررا بالزوج في إلحاق المعرة به وبولده إذ الولد للفراش فيكون ذلك إقرار به وقوله عليه الصلاة والسلام في الثالثة أو الرابعة بيعها على سبيل الإرشاد والندب للمصلحة لأنها إذا ألفت الزنا دعاها ذلك للسرقة ونحوها إذ طلب ما تتقرب به للرجال مع عظم جرءتها والله أعلم. (ومن عمل عمل قوم لوط بذكر بالغ أطاعه رجما أحصنا أو لم يحصنا). عمل قوم لوط معلوم وشرطه الحد فيه كالزنا من مغيب الحشفة وثبوته ببينة كالزنا أو اعتراف ثم إن كان بالغين رجما وإلا فالبالغ مرجوم وغيره يبالغ فيه وكذا من حصلت له خلوة من غير مغيب حشفة وشرط الحد في المفعول به الطوع فلا حد على مكره بالقتل ونحوه مغتصبا. قال مال: الرجم هي العقوبة التي أنزل الله بقوم لوط ولم يميز بين محصن ولا غيره فيجب أن يكون حد اللائط رجمه. وقال الشافعي في أحد قوليه والمشهور عنه هو كالزنا فيرجم المحصن ويجلد البكر. وقال أبو حنيفة: إنما يلزمه التعزيز لأنه لا قياس في الحدود وهذا أمر غير طبيعي يعني شهوة الدبر وقال بعض أصحابه يلقى من شاهق لأن الله قد خسف بقوم لوط وهذا مثله وقال ابن عباس – رضي الله عنه – بزيادة ويتبع بالحجارة وكتب أبو بكر – رضي الله عنه – في رجل كان يؤتي في زمانه أن يحرق وحكم به ابن الزبير- رضي الله

عنه- وعلى العبد والحر سواء في ذلك، وقاله ابن عبد الحكم وقال أشهب لا يرجم العبيد ويضرب كل واحد خمسين ووجد رجل معه صبي في كساء بحيث لم يشكوا في المنكر فأمر مالك أمير المدينة بسجنه فسجنه سنة ثم ضربه أربعمائة سوط فانفتح منها ومات ولم يحفل به وكان أبوه في مدة سجنه يقول اتق الله يا مالك فوالله ما خلقت النار باطلاق فيقول من الباطل ما فعله والدك فاعرف ذلك. فرع: ذكر القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه من سورة {قد أفلح} [المؤمنون: 1] في قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظن (5) إلا على أزواجهم} [المؤمنون: 5 - 6] الآية. أن مذهب مالك والشافعي تحريم الاستمناء قال وأحمد على جلالة قدره يقول بإباحته وأنه كالفصادة ثم قال: وليس هذا من الخلاف الذي يجوز العمل به وليت شعري لو كان فيه نص صريح بالجواز كان ذو همة يرضاه لنفسه قلت والذي في كتاب الحنابلة يعزر فاعله إلا أن يكون له عذر واضح والله أعلم (وعلى القاذف الحر الحد ثمانون وعلى العبد أربعون في القذف وخمسون في الزنا والكافر يحد في القزف ثمانين). حد القذف ثابت بالقرآن بقوله تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} [النور: 4] الآية. (ع) القذف الأعم نسبة آدمي غيره لزنا أو قطع نسب والأخص بإيجاب الحد نسبة آدمي مكلف غيره حرا عفيفا مسلما بالغا أو صغيرة تطيق الوطء لزنا أو قطع نسب مسلم فيخرج قاذف نفسه. عياض: يجب حد القاذف بعشرة شروط ستة في المقذوف وأربعة في القاذف؛ فالمقذوف أن يكون عاقلا مسلما حرا بالغا حد التكليف على خلاف في هذا بريئا من الفاحشة التي رمي بها مع آلتها وهو ما يمكن الزنا به في القاذف أن يكون بالغا عاقلا قد صرح بالقذف بالفاحشة أو عرض بها بها تعريضا بينا يمكن لصحة جسمه إقامة الحد عليه بالسوط والله أعلم. وإنما يشترط حد القذف للعبد قياسا على زناه لقوله تعالى {فعليهن نصف ما على

المحصنات من العذاب} [النساء: 25] وحد الكافر في القذف بكمال الحد لأنه أدنى فيستوفى منه لا له إذا ليس من أهل الحق والله أعلم. (ولا حد على قاذف عبد أو كافر ويحد قاذف الصبية إن كان مثلها يوطأ ولا يحد قاذف الصبي ولا حد على من لا يبلغ في قذف ولا وطء). يعني: لأن موجب الحد قوة حرمة العرض والكافر لا حرمة لعرضه والعبد كذلك لعدم تأثيره بالمعرة غالبا عبد الوهاب إنما يحد قاذف الصبية للحقو المعرة والنقص بها بخلاف الصبي أبو محمد صالح بل يحد إذا قذفه بأن مفعول لأن المعرة فيه موجودة بل هي أقوى وقد تقدم أنه لا حد على من لم يحتلم فانظره. (ومن نفى رجلا من نسبه فعليه الحد وفي التعريض الحد ومن قال لرجل يا لوطي حد). فأما نفي الرجل من نسبه بأن يقول له لست ابن فلان ولا فلانة أو لست من القبيلة الفلانية وهو منها اللخمي: لو قال رجل يا ابن اليهودي أو ابن النصاراني قال ابن القاسم يحد وقال أشهب لا يحد. (ع): وربما جريا على القول بالتكفير بنفي الصفات وعدمه وكذا قول يا ابن الأعمى ويا ابن الأقطع ويا بن الأعور وليس في آبائه الباجي: ومن قال لا أصل لك ولا فصل ففي العتبية والموازية لا يحد، وقال أصبغ: يحد وثالثها إن كان من العرب حد له، وفي زاهي ابن شعبان لو قيل لعربي أنا خير منك حد له وجعله بعض المتأخرين موقف نظر فانظره ولو كان الأب عبدا والأم والولد حرين حد لقطع نسب الولد ولقذف الأم ولو كان الأبو الابن رين حد لقطع النسب فقط والله أعلم. وأما الترعيض فهو ما يفهم نفي نسب أو ثبوت فاحشة ابن رشد كقوله أما أنا فلست بزان وفي الموازية إذا قال لرجل ما أنا بزان أو أخبرت أنك بزان حد. وفي الموطأ تقييده بالمشاتمة ابن الماجشون من قال لامرأته في مشاتمته أني لعفيف حد ولو قاله لرجل فكذلك إلا أن يدعي أنه عفيف في الكسب والمطعم فيحلف ولا يحد وفروع الباب كثيرة فانظرها ولما كان حد القذف لأجل تنقص العرض كان قوله يا لوطي كقوله يا زاني والله سبحانه والله أعلم.

(ومن قذف جماعة فحد واحد يلزمه لمن قام به ثم منهم لا شيء عليه ومن كرر شرب الخمر أو الزنا فحد واحد في ذلك كله وكذلك من قذف جماعة). أما من قذف جماعة فلا يلزمه إلا حد واحد فهو قول مالك سواء قاموا في مجلس واحد أو في مجالس وقال المغيرة وابن دينار: إن قاموا قيمة رجل واحد فكذلك وإلا فلكل واحد حد. وثالثها: إن قذفهم بكلمة فحدوا حدا وإن افترق فبقدره حكاه ابن شعبان ولو قال لجماعة أحدكم زان وابن زانية لم يحد لعدم التعيين الشيخ ومن قال لرجل يا قران قال محمد يحد إن قامت به المرأة لأنه عند الناس زوج الفاعلة وقال ابن القاسم وقال يحيى بن عمر لا يحد ويضرب عشرين سوطا. فرع: ومن قذف بالزنا وهو يعلم أنه فعله فمذهب المدونة له القيام بالحد نفيا عن عرضه وقال ابن الحكم لا يحل له القيام وفي سماع أبي زيد ابن القاسم إن كان المقذوف يعلم أنه رآه وهو يعلم ذلك منه لم يحل له أن يقوم به والله أعلم. وقوله: وكذلك من قذف جماعة قيل تكرار وتحصيل أحدهما في المفترقين والآخر في المجتمعين والله أعلم. (ومن لزمته حدود وقتل فالقتل يجزئ عن ذلك إلا في القذف فليحد قبل أن يقتل). يعني: أن الحدود تتداخل بل تندرج في الأقوى منها وهو القتل وظاهر كلامه ولو كان القتل قودا ولم أقف عليه وإنما لا يندرج حد القذف في القتل لأنه لدفع المعرة التي لا تندفع شرعا إلا بإيقاعه غالبا وحكى ابن حارث في اندراج حد القذف في حد الزنا قولين لعبد الملك وابن القاسم مع أشهب وفي المدونة: من قذف قوما فلم يحد حتى حد في شرب الخمر فقد سقكت عنه كل فرية كانت قبلة ابن رشد لأنهما من جنس واحد وفروع الباب واسعة فانظرها. (ومن شرب خمرا أو نبيذا مسكرا حد ثمانين سكر أو لم يسكر ولا سجن عليه).

يعني: إذا ثبت عليه الشرب بشهادة أو اعتراف أو بثبوت الرائحة قال أبو عمر وجوب الحد بالرائحة هو قول عمر وعثمان وابن مسعود ومالك وجمهور أهل الحجاز وصفة الشهادة مختلف فيها وفي الموطأ استشار عمر في الخمر فقال علي رضي الله عنه

أرى أن يجلد ثمانين لأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى. وفي رواية فقال عمر أعوذ بالله من معضلة لا يحضرها علي ثم استقر على ذلك وفي المدونة: لا يحد السكران حتى يصحو زاد في سماع أبي زيد ولو خاف أنه يأتي بشفيع يبطل حده اللخمي وكذلك في الزنا والفرية ولو أخطأ الإمام فحده طافحا لم يجزئه وإن كان نشوانا أجزأه إذا كان يجد ألم الضرب وقال ابن حبيب ليس على المحدود في الخمر سواه من حلاق ولا سجن ولا طواف إلا المدمن المعتاد المشهور بالفسق فلا بأس أن يطاف به ويشهر واستحب مالك أن يلزم السجن ولا حد على مكره ولا غالط ولا ذي غصة لم يجد مساغا إلا بالخمر وقد تقدم ما في التداوي به في الضحايا فانظره وسيذكر في الجامع إن شاء الله. (ويجرد المحدود ولا تجرد المرأة إلا مما يقيها الضرب ويجلدان قاعدين). أما تجريد الرجل فزيادة في زجره وعقوبته وعدم كشف المرأة لأن جسدها عورة وفي العتبية: يجرد الرجل للضرب ويترك للمرأة ما يستر جسدها ولا يقيها الضرب زاد في المدونة: أن بعض الأئمة أقعد المرأة في قفة فبلغ ذلك مالك فأعجبه ابن عبد الحكم أحب إلي أن يضرب المحدود بين يدي القاضي لئلا يتعدى عليها فيها. وفي المدونة: صفة الضرب في الزنا والشرب والفرية والتعزيز ضرب واحد بين ضربين ليس بالمبرح ولا بالخفيف ولم يحد مالك ضرب الضارب ويده مضمونة إلى جنبه ولم يجز الضرب في الحدود بقضيب ولا شراك ولا درة ولكن السوط وإنما كانت درة عمر للأدب فإذا وقعت الحدود ضرب بالسوط وللباجي عن محمد لا يتولى ضرب الحد قوي ولا خفيف ولا ضعيف ولكن سوط من الرجال قال مالك: وكنت أسمع أنه يختار له العدل ويضرب في الظهر والكتفين دون سائر الأعضاء والله أعلم. (ولا تحد الحامل حتى تضع ولا مريض مثقل حتى يبرأ). أما أن الحامل لا تحد حال حملها فلأن الضرر يلحق ما في بطنها بالموت في الرحم فتكون عقوبتين في حد واحد لنفسين إحداهما جانية والأخرى بريئة أو بالزجر في الضرب فيكون إهلاك أحد النفسين بغير حق أو تضرب من لا فعل له بذلك فلابد من تأخيرها إلى الموضع قالوا فإن شهد على المرأة بالزنا منذ أربعين يوما أخرت إلى تمام

ثلاثة أشهر فإن ظهر حمل أخر لوضعه وإن لم يظهر حدت حينئذ وإن لم تض له أربعون عجل حدها كان ضربا أو رجما إذا لم يقع تخليق في بطنها وأما المريض ففي المدونة وكذا المريض إن خيف عليه من إقامة الحد أخر. وقد قال مالك: إن خيف على السارق أن يقطع في البرد أخر ابن القاسم: والذي يضرب المحدود في البرد مثله يؤخر إذا خيف عليه والحر كالبر في ذلك اللخمي: إن كان ضعيف الجسم فخيف عليه الموت سقط الحد وسجن وإن قصاصا رجع إلى الدية في كونها في ماله أو على العاقلة قولان. (ولا يقتل واطئ البهيمة وليعاقب). هذا الذي ذكر في المشهور خلافا لما في كتاب ابن شعبان من أنه يحد حكاه عنه اللخمي وكذلك خالف المشهور أيضا فيمن وطئ امرأة ميتة وفي رضاع المدونة يحد من وطئ ميتة وقال ابن شعبان لا يحد الأبهري وما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من وطئ بهيمة فاقتلوه واقتولها معه" فغير ثابت، قال الطرطوشي: لا يختلف مذهب مالك أن البهيمة لا تقتل وإن كانت مما يؤكل أكلت أظن أني رأيت في الترمذي أنه حديث لم يعمل به أحد من أهل العلم ومن قال به علله بوجه لا يظهر في النظر والله أعلم. (ومن سرق ربع دينار ذهبا أو ما قيمته يوم السرقة ثلاثة دراهم من العروض أو وزن ثلاثة دراهم فضة قطع إذا سرق من حرز). (السرقة): أخذ مكلف حر لا يعقل لصغره مالا محترما لغيره نصابا أخرجه من حرزه بقصد واحد خفية لا شبهة له فيه قاله (ع): ثم فيخرج أخذ الأسير مال حربي وما اجتمع بتعدد إخراج وقصد الأب مال ولده والمضطر في المجاعة انتهى. وأورد عليه ان من مال الذمي المحترم الخمر للذمي ولا قطع فيه مع لزوم القيمة في إتلافها عليه والنصاب الذي يقطع فيه ربع دينار من الذهب الخالص أو ثلاثة دراهم من فضة خالصة أو ما قيمته ثلاثة دراهم قال ابن رشد: ولا تقوم إلا بالدراهم كان البلد تجري فيه الدنانير أو الدراهم أو لا يجري فيه أحدهما وإنما التعامل بالعروض لأنه

عليه الصلاة والسلام: " إنما قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم". والمجن – بكسر الميم وفتح الجيم والنون- الترس للأبهري تقوم بأغلب النقدين اللخمي القياس الرجوع إلى نصاب الذهب وكون المعتبر في القيمة يوم السرقة هو المذهب لأنه وقت تعلقها بالذمة وقوله: (أو وزن ثلاثة دراهم) يعني: أنه إذا سرق وزن ثلاثة دراهم من فضة غير مطبوعة وقال ابن عبد الحكم: المعتبر في ذلك ما يساوي ربع دينار يعتبر في كل مقوم منفعته المباحة وفي الموازية أيقوم البازي على ما هو عليه من التعليم وقال أشهب يقوم على أنه غير معلم والله أعلم. وظاهر كلام ابن رشد أن المقوم الواحد إذا كان من عند الحاكم كاف وظاهر كلام غيره لا يكفي فانظره ذلك. (والحرز): ما يعود صونا للمال استقل بحفظه أو بحافظ غيره كالحانوت والدار والجيب والكم ونحوه فانظره. (ولا قطع في الخلسة). عياض: المختلس الخاطف والاختلاس أخذ المال بحضرة صاحبه أو القائم عليه أو الناس ظاهرا غفلة وفر به بسرعة وفي الترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس على منتهب ولا خائن ولا مختلس قطع" قال: حديث حسن صحيح عياض أخذ أموال الناس بغير حلها ورضى أربابها حرام وهي على ضروب عشرة: حرابة وغيلة وغصب وقهر وخيانة وسرقة واختلاس وخديعة وتعد وجحد واسم الغصب ينطلق على ذلك في اللغة ولكل واحد من هذه الضروب في الشرع حكم على حياله. فالحرابة: كل ما أخذ بمكابرة ومدافعة. والغيلة: كل ما أخذ بعد قتل صاحبه بحيلة إهلاكه كإلقائه في مهواة أو سقيه سما وحكمه حكم الحرابة والغصب في عرف الشرع: ما أخذه ذو القدرة والسلطان بسلطانه ممن لا قدرة له على دفعه. والقهر: نحو منه إلا أن يكون من أهل القوة في الجسم للضعيف أو من الجماعة للواحد حكمه حكم الغصب واسمه ينطلق عليه لغة وشراعا وعلى ذلك يحمل ما في

كتاب محمد إذا كان ي داخل المصر وأما إذا كان خارجه فحكمه حكم الحرابة وعليه يحمل ما في المدونة إذا كان بغير سلاح وقول ابن القاسم لا قطع على كابر إلا أن يؤخذ بحكم الحرابة والخيانة كل ما كان لآخذه عليه أمانة أو يد أو للتصرف فيه إذن والسرقة كل ما أخذ على وجه الخفاء والتستر والاختلاس كل ما أخذ بحضرة صاحبه أو القائم عليه أو الناس ظاهرا على غفلة وفر به آخذه بغفلة وسرعة. والخديعة: كل ما أخذ بحيلة خدع بها صاحبه كالمشبه بصاحب الحق والوديعة فيأخذها ممن هي عنده والمرائي لزي الصلاح أو الفقه وليس منهم ليأكل بذلك ما لا يحل أو ممن أبيح له ذلك أو الذي يسقي السكران حتى ينام أو يغفل غفلة فيأخذ ماله أو شبه شعوذة ونحو ذلك. وفي المدونة في ساقي السكران أنها محاربة وظاهر كتاب محمد أنها إنما تكون حرابة إذا سقاه ما يموت منه والجحد إنكار ما تقرر في الذمة الجاحد على وجه القهر أو أمانته من مال وهونوع من الخيانة والتعدي ما أخذ بغير إذن صاحبه بحضرته أو مغيبة وليس على وجه القهر والاختلاس وهو نحو الغصب لأن بينهما فرقا في الصورة وفي بعض وجوه أحكامها ولهذها لوجوه في الشرع حكمان ضمان ما أخذ لربه وحدود الله عز وجل في أخذ ذلك فانظره ذلك وبالله التوفيق. (ويقطع في ذلك يد الرجل والمرأة والعبد ثم إن سرق قطعت رجله من خلاف ثم إن سرق فيده ثم إن سرق فرجله ثم إن سرق جلد وسجن). قال الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله} [المائدة: 38] فعم الرجل والمرأة والعبد والذمي والمعاهد وأول ما تقطع اليمنى وتحسم بالنار لئلاتضرر بها أو يسري إلى النفس وقطع رجله اليسرى في الثانية قال عبد الوهاب لا خلاف فيه وإنما الخلاف في الثالثة والرابعة. قال مالك: إن سرق ثالثة قطعت يده اليسرى أو رابعة فرجله اليمنى وبه قال الشافعي: ولأبي حنيفة ولا يقطع في السرقة إلا رجل واحدة وقول عبد الوهاب لا خلاف معارض بنقل ابن العربي عن عطاء لا تقطع إلا اليمنى فقط والله أعلم. وما ذكر من جلده وسجنه بعد الرابعة هو المشهور وقال أبو مصعب يقتل وفيه

حديث أخرجه أبو داود والنسائي والله أعلم. (ومن أقر بالسرقة قطع وإن رجع أقيل وغرم السرقة إن كانت معه وإلا اتبع بها).

(السرقة): إنما تثبت ببنية أو إقرار ففي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام أتى بسارق اعترف اعترافا ولم يوجد عنده شيء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أخالك سرقت" قال بلى: قال: " فاذهبوا به فاقطعوا" فقطعوه ثم جاءوا به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل استغفر

الله وأتوب إليه" فقال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفر له وتب عليه" رواه النسائي وأبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. فوقله:" ما خالك سرقت" تعريض له بالرجوع. أبو عمر: وقد اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة على قبول المقر بالزنى والسرقة والشرب إذا لم يدع المسروق منه ما أقر السارق به وقال ابن أبي ليلى وعمر والبتى لا يقبل رجوعهم في شيء من ذلك (ع): ولعله مما لم يذكر له وجها ابن يونس قال مالك: من أقر على أنه سرق لرجل مائة درهم ثم نزع لم يقطع ويغرم المائة لربها وقيل لا يقال إلا لعذر بين والأول أولى. (ومن أخذ في الحرز لم يقطع حتى يخرج السرقة من الحرز وكذلك الكفن من القبر). يعني أن شرط القطع في السرقة خروجها من الحرز ابن حارث اتفقوا في السارق يؤخذ في الحرز قبل أن يخرج المتاع أنه لا يقطع وسمع ابن القاسم إن دخل سارق دار رجل فاتزر بإزار فأخذ في البيت ففر منه والإزار ع ليه وقد علم أهل البيت أو لم يعلموا لأقطع عليه. ابن رشد لأنه لم يخرج به إلا مختلسا وفي المدونة لو قربه أحدهما لباب الحرز أو النقب فتناوله الآخر قطع الخارج إذ هو الذي أخرجه. وقال أشهب في الموازية: يقطعان ولو أخذ في الحرز بعد أن ألقى المتاع خارجا فقد شك فيها مالك فقال مرة ويقطع مرة لا يقطع ولو كانت السرقة طعاما فأكله في الحرز لم يقطع بخلاف الدرة يبتلعها ثم يخرج بها وفي الكل اختلاف. وفي الجلاب: أن أخرج النباش الكفن من القبر قطع وإلا فلا وفي الباب مسائل يطول ذكرها فانظرها. (ومن سرق من بيت أذن له في دخوله لم يقطع ولا يقطع المختلس). يعني: لأن سرقته من موضع أذن له فيه خيانة إلا أن يسرق من صندوق فيه ونحوه مما حرز عنه وفي المدونة من أذنت له في دخول بيتك أو دعوته إلى طعامك فسرقك فهذه خيانة وفي سرقة قناديل المسجد ثالثها إن كان المسجد يغلق عليه والثلاثة لابن القاسم وفي حصره ثالثها إن تسور عليه ليلا ورابعها: إن خيط عليها أو بعضها.

إلى بعض وخامسها: إن كان عليها غلق وفي المدونة: قطع المرأة إذا سرقت من مال زوجها الذي حجر عليها لا ما هو في بيت سكناها وفروع الباب كثيرة فانظرها وقد مر الكلام في المختلس وبالله التوفيق. (وإقرار العبد فيما يلزمه من بدنه في حد أو قطع يلزمه وما كان في رقبته فلا إقرار له). يعني: لأن إقراراه في الأول مضر به وجناية على نفسه لا يتهم فيه وقال أشهب: لا يصح إقراره لتعلق حق السيد بعينه ويحلف السيد على نفيه وقوله في رقبته يعني: فيما يجب أخذه فيه فإنه يتهم يجب انتقاله إلى من أقر له لأن العبد فيما جنى فلا يقبل والله أعلم. (ولا قطع في ثمر معلق ولا في الجمار في النخل ولا في الغنم الراعية حتى تسرق من مراحها وكذلك الثمر من الأندر). أما (الثمر المعلق والجمار): ففي الحديث لا قطع فيه قال علماؤنا إلا أن يكون الشجر في داره ونحوها فإنه في حرز فإن يقطع سارقها وقال ابن المواز (ع) وعليه لو كان الحائط بحارس قطع سارقه وما ذكر في الغنم واضح لأن مراحها حرزها إذ يقصد به الحفظ بخلاف مراعها وفي الحديث في الثمر المعلق حتى يؤويه صاحب الجرين يعني الأندر والله أعلم. (ولا يشفع لمن بلغ الإمام في السرقة والزنا واختلف في ذلك في القذف).

الأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " إذا بلغت الحدود الإمام فلعنة الله على الشافع والمشفع". وقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حين شفع في المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده " أتشفع في حد من حدود الله؟ والذي نفسي بيده! لوسرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها". الحديث وقد أعاذها الله من ذلك فليست بأصالة ولكن خرج للمبالغة وإنما اختلف في القذف بناء على أنه حق الله فلا يشفع أو حق لمخلوق فيمكن رفعه والله أعلم. (ومن سرق من الكم قطع ومن سرق من الهري أو بيت المال أو المغنم فليقطع وقيل إن سرق فوق حقه بثلاث دراهم قطع). الهري موضع خزن زرع الزكاة أو نحوها مما للمسلمين على يد السلطان وظاهره ولو كان المسروق منه زكاة الفطر بعد وضعها في المسجد واختلف في ذلك بالخلاف الذي في حصر المسجد والمشهور أنه حرز كبيت المال الذي هو حاصل مال المسلمين وموضع خزنة فيقطع في ذلك كله لأنه موضع لحفظه. وأما المعتم ففي المدونة قيل له يعني لابن القاسم أليس له في المغنم حصة قال قال مالك وكم تلك الحصة قال الشيوخ: وإنما اختصرها أبو سعيد سؤالا وجوابا لإشكالها إذ يفهم منها أن المسروق لو كان قدر حصة السارق من الغنم لم يقطع وهو القول الثاني الذي حكاه الشيخ بقوله: وقيل إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم وعليه فهل يعتبر مقدار حقه من المسروق أو من كل الغنيمة احتمالان فأما الكم فإنه حرز لما فيه إذا وضع لحفظه وكذلك الجيب وفيه تفصيل. وقد نص عبد الوهاب: على أنه حرز وكذا غيره وفي تعاليق أبي عمران: أن سرق من كم رجل في دعوة أو صنيع فلا قطع عليه قال ابن الفاكهاني: فالكم ههنا ليس بحرز ونظر فيه بعض من قرب زمانه فتأمله. (ويتبع السارق إذا قطع بقيمة ما فات من السرقة في ملائه ولا يتبع به في عمده). اختلف المذهب في السارق إذا قطع وقد فات ما أخذ هل يتبع أم لا فقال أبو حنيفة لا يتبع وما أخذ هو دية يده وقال الشافعي يتبع مطلقا لأن هذا حرز للمال قد

تعلق بالذمة وقال مالك يتبع في ملائه لا عدمه وقد اعترض بعض من يتهم بالزندقة قطع اليد بربع دينار في السرقة مع أنها في الديات بخمسمائة دينار فقال: يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض ما لنا إلا السكوت له ... ونستجير بمولانا من النار فأجابه بعض الشيوخ على ذلك جوابا شافيا حسنا إذ قال ما نصه: عز الأمانة أغلاها وأوضعها ... ذل الخيانة فافهم حكمة الباري وذكر لنا الشيخ الصالح الأصولي المعتمد المدرس أبو زيد عبد الرحمن الجزولي رحمه الله أن قائل البيتين الأولين هو أبو العلاء المعري. وأن المجيب هو القاضي عبد الوهاب بن نصر صاحب التلقين وغيره والله أعلم. ثم على مشهور الشيخ الصالح الأصولي المعتمد المدرس أبو زيد عبد الرحمن الجزولي رحمه الله أن قائل البيتين الأولين هو أبو العلاء المعري. وأن المجيب هو القاضي عبد الوهاب بن نصر صاحب التلقين وغيره والله أعلم. ثم على مشهور المذهب وأنه يقوم السرقة في ملائه إذ كان قد استهلكها على ذلك إذا اتصل ملاؤه من حين سرقته إلى حين القطع فيه وهو المشهور أو إلى حين القيام عليه وهو قول أشهب وحكى عبد الوهاب عن بعض شيوخه أن غرمه استحسان لأن القياس عدم تغريمه كمذهب الحنفي قائلا لا يجمع عليه القطع والغرم بل المالك مخير فيهما وأيهما اختار سقط الآخر وقال ابن شعبان كالشافعية يغرم على كل حال لأن القطع حق لله والمال حق الآدمي فلا يندرج أحدهما في الآخر والله أعلم. (ويتبع في عدمه بقيمة ما لا قطع فيه من السرقة. يعني: سواء فات أو كان حاضرا موجودا أو ما لا قطع فيه أما أن يكون مما لا يحل تملكه وبيعه كالخمر والخنزير إذا سرقه من ذمي فباعه أو شربه أو أكله فقد حكى الشيخ: رواية محمد عدم قطعه في الميت والخمر والخنزير إن سرقة من مسلم أو ذمي إلا أن الذمي يتبعه به في ملائه وعدمه مع وجيع الألم والأدب والله أعلم. وكذا إن كان مما يجوز تملكه ولا يجوز بيعه كالكلب المتخذ للضرع أو للزرع أو للصيد لا قطع فيه على المشهور ويلزم غرمه في الملاء والعدم هذا مذهب ابن القاسم وقال أشهب: يقطع وكذا لا يقطع سارق لحم الأضحية والزيت التي ماتت فيه فأرة ونحوها على المشهور ويغرم بكل حال وقال أصبغ: يقطع بناء على أنه لا يستدام ملكه وأنه يستقر ملكه عليه بوجه ما.

وقد تقدم عدم قطعه فيما ليس في حرز كالثمر المعلق والزرع قبل أيوائه محل حفظه ونحو ذلك وكذا لا يقطع إن قصر المسروق عن النصاب الذي هو ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته ثلاثة دراهم وسواء كان جميع المسروق نصابا أخرجه مرات كل مرة أقل من نصاب أو كان المجموع أقل من نصاب فأنه لا يقطع في ذلك ويغرم على كل حال ومسائل الباب كثيرة واسعة فانظرها وبالله التوفيق. خاتمة: اختلف هل الحدود كفارات أو زواجر وصحح كثير من العلماء الأول لقوله صلى الله عليه وسلم " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهي كفارة". الحديث رواه البخاري وغيره من حديث عبادة بن الصمات رضي الله عنه وقال بعض أئمة الشافعية عقوبة الذنب أبلغ في كفارته من غفرانه فانظره والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

باب في الأقضية والشهادات

باب في الأقضية والشهادات يعني ذكر أحكامها ومتعلقاتها والأقضية: جمع قضاء وأصله في اللغة الحكم وقال أبو منصور الأزهري: هو في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه وحقيقته عرفا قال (ع): صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين فيخرج التحكيم وولاية الشرطة وأحكامها وأخواتهما والإمامة انتهى. وحكم القضاء وجوبه لمن أهل له على الكفاية ويجوز الفرار وإن عين دون سائر فروض الكفاية (س) وما ذلك إلا لعظم الخطر في الفصل بين الناس عياض: وشروط القضاء التي لا يتم للقاضي القضاء إلى بها ولا ينفذ ولا يستديم عقدة إلا معها عشرة الإسلام والعقل والحرية والذكورة والبلوغ والعلم والعدالة والسلامة من العمي والصمم والبكم وكونه واحدا لا أكثر انتهى وفي أخيرته تفصيل: (والبينة على المدعي واليمين على من أنكر).

هذا لفظ الحديث أخرجه البيهقي بإسناد صحيح رواه أبو عمر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزاد: " إلا في القسامة" وفي البخاري وغيره: " ولو يعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه". و (المدعي): من عريت دعواه من مرجح غير شاهد (ع): المدعى عليه من اقترنت دعواه به قال: وقول ابن الحاجب: من ترجح قوله عن مصدق يبطل عكسه بالمدعي ومعه بينة وفي المقدمات قال: ابن المسيب المدعي من قال قد كان والمدعى عليه من قال لم يكن ومن عرفهما لم يلتبس عليه الحكم ابن رشد: وليس كلامه على عمومه في كل موضع وذكر ما يطول نقله فانظره. (ولا يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة كذلك قضى حكام أهل المدينة). يعني أنه لا يقضى باليمين علىالمدعى عليه حتى يثبت كونه مخالطا للدعي أو يكون منه ما يظن به صدق دعواه (ع) (الخلطة): حالة ترفع بعد توجه الدعوى على المدعى عليه: قال: وثبوتها بما تثبت به الحقوق من شاهدين أو شاهد وامرأتين وفي ثبوتها بشاهد واحد ثالثها مع اليمين ورابعها بشاهد وامرأتين المشهور توجه يمين التهمة وهو ظاهر قول الشيخ أو الظنة والظنة بكسر الظاء المشالة من الظن وهي التهمة ابن رشد مذهب مالك وكافة أصحابه العمل بالخلطة. وحكى ابن زرقون عن ابن نافع لا يعمل بها (ع): وعمل القضاة اليوم عندنا عليه وقال وحكى ابن عبد السلام أن بعض القضاة كان يحكم بها إذا طلبها المدعى عليه أصبغ وخمسة لا تعتبر في الخلطة الصانع والمتهم بالسرقة ومن قال عند موته لي على فلان دين ومن مرض في رفقة فادعى على رجل منها أنه دفع إليه مالا فيحلف ولو كان أعد لها والغريب يدعي أمانة على بعض أهل البلد ذكرها ابن رشد وكأنها عنده المذهب وإنما أسندها لقضاء حكام أهل المدينة لأنه ليس في الآثار المسندة ما يدل لثبوتها قاله أبو عمر نعم جاء عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في الموطأ قال مالك وعليه العمل عندنا

فهو إجماع أهل المدينة. وما حكى عن عمر بن عبد العزيز من قوله تحدث للناس أقضية واضح والمراد قضية عادلة والله أعلم. (وإذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف فيما يدعي فيه المعرفة). يعني أن الطالب إذا عجز عن إقامة البينة بما يدعيه فإنه لا يقضى له على المدعى عليه بمجرد دعواه بل حتى يحلف على ما يدعيه إن كان يعرف تقرره في ذمته حقيقة لا إن كانت دعوة تهمة فإنها لا تنقلب على المشهور والحكم بذلك عمل بغموس فإذا حلف الطالب مع نكول المطلوب تنزلت يمينه منزلة عدل ونكول غريمة منزلة عدل يثبت حقه في الأصل بما يشبه العدلين والأصل في الحقوق أن لا تثبت إلا بشيئين أولهما الشاهدان ثم بالشاهد واليمين أو المرأتين واليمين أو الأصول واليمين أو اليمين والنكول. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه" الحديث. ابن يونس: وكول المدعي بعد نكول المدعى عليه كحلف المدعى عليه (ع): هونص الروايات فيها وفي غيرها والله أعلم. (واليمين بالله الذي لا إله إلا هو). يعني يمين القضاء فيما قال وجل بهذا اللفظ لا يزاد عليه ولا ينقص منه على المشهور وزاد ابن كنانة عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ابن شعان: وإن حلف عند منبره عليه الصلاة والسلام فليقل ورب هذا المنبر اللخمي: واختلف إذا قال والله لم يزد على ذلك قال: فمقتضى قول مالك أنها يمين جازمة واختاره اللخمي لأنها يمين تكفير (ع): ولا يلزم من أنها تكفير أنها تثبت بها الحقوق. وقال أشهب: لا تجزئه وهو ظاهر المدونة وفي لفظ يمين القسامة خمسة مذكورة في محلها وفي يمين اللعان ثلاثة فانظرها فقد قيدها المازري وغيره.

(ويحلف قائما عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر وفي غير المدينة يحلف في ذلك الجامع في وحيث يعظم منه).

اليمين تغلظ في الأمور على حسبها فتغلظ بالهيئة وهو كونه قائما في القسامة واللعان والمال الذي له بال، فلو حلف جالسا لم يجزئه على المشهور، وذكر مكي في تذكرته جوازه في القسامة جلوسا عن عبد الملك وفي غيرها أحرى ابن الفاكهاني إنما يحلف قائما لأنه أردع له عن اليمين أما المكان ففي المدونة عند منبره عليه الصلاة والسلام وفي غير المدونة في المساجد لأنها المعظمة عند أهل الإسلام لعله ينزع ولعبد الحق عن مالك: يحلف في مكة عند الركن يعني الأسود. كل ذلك في ربع دينار فأكثر الأبهري: لأنه أقل ما تثبت به الحرمة في استباحة يد السارق وعقد النكاح وفي الجلاب: يحلف في أقل من ربع دينار في سائر المساجد في ربع دينار في الجامع ولا يحلف عند منبر غير منبره عليه الصلاة والسلام ولا بد من حضور صاحب الحق لتقاضي اليمين فلو حلف دون حضوره لزمه إعادته قال بعضهم: يريد ما لم يتغيب لذلك فيقدم القاضي لذلك من يفعله وأما التغليظ بالزمان فمطلوب في الأمور العظيمة كالقاسمة واللعان ونحوهما يقصد بذلك ما بعد العصر والجمعة ورمضان وليلة القدر منه ويوم عرفة وعاشوراء ونحو ذلك. (ويحلف الكافر بالله حيث يعظم). يعني أن الكافر في الحقوق لا يحلف بغير قوله "الله" فلا يقبل منه غير الحلف بالله ولا يزاد على قوله والله في المشهور المذهب وروى الواقدي يزيد اليهودي الذي أنزل التوارة على موسى والنصراني: الذي أنزل الإنجيل على عيسى وفي تحليف اليهودي

يوم السب والنصراني يوم الأحد قولان لابن القاسم وبعض المتأخرين حكاهما ابن عات وخص غيره الخلاف باليهودي والذي يعظمه النصراني الكنيسة واليهودي بيت الصلاة والبيعة والمجوسي بيت النار والله أعلم. (وإذا وجد الطالب بينة بعد يمين المطلوب لم يكن علم بها قضى لها بها وإن كان علم بها فلا تقبل منه وقد قيل تقبل منه). يعني أن المطلوب إذا عدم البينة عند المطالبة له تحليف المطلوب ثم إن وجد بينة لم يقض بها إن كان عالما بها وكتم أمرها على المشهورن وإن كان علمه بها مع اعتقاد عجزه عن الاجتماع بها لبعدها أو لمانع يمنع من أدائها وثبت ذلك قضي لها بها وإن لم يكن له عذر لم يقض له بها على المشهور كما إذا لم يحلف المطلوب حتى أسقط له القيام بها وقد قيل تقبل منه إشارة لقول عمر رضي الله عنه البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة ولو حلف على أنه متى وجد بينه قام بها ففي إعمال شرطه قولان فانظر ذلك. (ويقضى بشاهد ويمين في الأموال ولا يقضى بذلك في نكاح أو طلاق أو حد ولا في دم عمد أو نفس إلا في القسامة في النفس وقد قيل يقتضى بذلك في الجراح). أما القضاء بالشاهد واليمين في المال فهو سنة وقد روى ابن حبيب عن طرق كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد مع اليمين وكل ما يقضى فيه بالشاهد واليمين يقضى فيه بالمرأتين واليمين وبالنكول مع اليمين واختلف في إلحاق ما هو آيل إلى المال بالمال كالوصية والوكالة ولانكاح بعد الموت ونحو ذلك فالمشهور الإلحاق ومقابلة عدمه ولا يقضى بذلك يعني بالشاهد واليمين في النكاح يريد في حال الحياة إذ قال ابن القاسم في التي يشهد لها رجل بالنكاح تحلف معه وترث. وقال أشهب: لا ترث اعتبار بمآله إلى المال وأنه بشهادة على عقد لا يلزم الإرث إلا به وتوقف أصبغ ولكنه إذا أنكر لزمته اليمين على النفي فإن أبى قيل يحبس حتى يحلف وقيل تنجز عليه طلقة حين نكوله وقال ابن القاسم بلغني عن مالك أنه إذا ال سجنه دين وخلي سبيله وهو رأي. قيل: والطول سنة وعلى المشهور فالخلع آيل إلى المال وفيه اختلاف وأما الحد فلا يقضى فيه بالشاهد واليمين واختلف هل يتبرأ القاذف باليمين أم لا؟.

وقد تقدم وأما دم العمد فقال المتيطي: قال بعض الفقهاء: اختلف في القصاص من جراح العمد بشاهد ويمين على ثلاثة أولها لمالك في كتاب الأقضية يقتص به ومقابله لابن القاسم في كتاب الشهادات وثالثها لعبد الملك وروايته يقضى بذلك في صغير الجراح دون كبيرها واختاره سحنون والقسامة تقدم الكلام عليها قالوا: وكل دعوى لا تثبت إلا بشاهدين فلا يمين بمجردها خلافا لأبي حنيفة والشافعي والله أعلم. (ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأمولا ومائة امرأة كامرأتين وذلك كرجل واحد يقضي بذلك مع رجل أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولاة والاستهلال وشبهه جائزة).

يعني: أن النساء لا تجوز شهادتهن فيما هو من شأن الرجال إلا في الأموال إجماعا لقوله تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} [البقرة: 282] فالمشهور أن ما يؤول إلى الأموال كالأموال وقد تقدم ابن محرز وشهادة النساء جائزة في ثلاثة مواضع عند ابن القاسم أحدها: الأموال الثاني: ما ليس بمال ولكنه موجب مال كالوصية بالمال والوكالة على الأموال والموت إن لم يكن في التركة إلا المال الثالث: ما لا يطلع عليه الرجال في غالب الحال فأما الأموال فلا تقبل شهادتهن فيها إلا مع رجل أو مع يمين الطالب، وأما الثاني فهو ما ليس بمال يعني ويؤول إليه فإنها لا تقبل إلا بما تقبل به في المال. وأما الثالث وهو ما لا يحضره الرجال في غالب الحال فإن شهادة امرأتين تقوم مقام الرجلين ولا يلزم الطالب يمين وذلك كشهادتهما على الولاة والاستهلال والرضاع وعيوب النساء والحمل والحيض والسقط وشبه ذلك فانظر ذلك، فإنما أتيت به باختصار والله سبحانه أعلم. (ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين). يعني أن شهادة الخصم على خصمه لا تجوز لأنه عدوه ولا يؤمن على شأنه والظنين المتهم الذي يظن بموالاة المشهود له أو معاداة المشهود عليه ومنه الزوج للزوجة وهي له والولد لأبيه وهو له أبو عمر: لا تجوز شهادة العدو على عدوه مصارما كان أو غير مصارم وللمازري عن ابن كنانة إن كانت العدواة خفيفة على أمر خفيف لم تبطل الشهادة. وفي نوازل سحنون: إن كانت العدواة على أمور الدنيا كالأموال والمواريث والتجارات ونحوها سقطت وإن كان غصبا لله لفسقه وجرأته على الله لا لغير ذلك جازت ابن رشد وقوله مفسر لجميع الروايات ولذلك لا تسقط شهادة القاضي على من أقام عليه الحدود وضربه في أمر يوجب ضربه وحصل ابن رشد في شهادة الخصوم

بعضهم على بعض ثلاثة أقوال فانظرها. ومن باب الظنة قول ابن وهب لا تجوز شهادة القارئ يعني العالم على مثله المتطي: لأنهم أشد الناس تحاسدا وقال سفيان الثوري ومالك بن دينار (ع) والعلماء على خلاف ذلك فشهادة ذوي القبول منهم مقبولة بينهم كغيرهم قال: ولعل قول ابن وهب فيمن ثبت التحاسد بينهم والله أعلم. (ولا يقبل إلا العدول). يعني لقوله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] والعدول: جمع عدل وهو الذي لا يميل عن الحق لعدواة ولا صداقة ولا غيرها (ع): العدالة صفة مظنة يمنع لموصوفها البدعة وما يشينه عرفا ومعصية غير قليل الصغائر فالصغائر الخسيسة مندرجة فيما يشين وبادر الكذب في غير عظيم مفسدة عفو مندرج في قليل الصغائر بدليل قولها- يعني المدونة- ومما يجرح به الشاهد كونه كذابا في غير شيء ولابن محرز عن الأبهري في صفة من تقبل شهادته هو المجتنتب للكبائر المتقي لأكثر الصغائر إذا كان ذا مروءة وتمييز متيقظا متوسط الحال بين البغض والمحبة. قال ابن محرز: وقد أتت هذه الصفة على جميع ما ينبغي في الشاهد انتهى. عياض: وشروط العدالة أربعة صدق اللهجة واجتناب الكبائر وتوقي المثابرة على الصغائر والتزام مروءة مثله وذكر أن شروط الشاهد ثمانية البلوغ والعقل والإسلام والحرية والعدالة. قلت: وما قبلها مندرج فيها فلو اكتفى بها كان أحسن، ثم قال: وضبط الإشهاد عند الأداء وحسن السماع وارتفاع الظنة من عدواة خاصة للمشهود عليه أو ولاية خاصة للمشهود له، قال: وقد ينخرم بعض هذه الشروط في بعض النوازل، وقال: الشيخ في النوادر عدول كل بلدا مثلهم حالا يعني عند فقد العدول لأنها حالة ضرورة والله أعلم. (ولا تجوز شهادة المحدودة ولا شهادة عبد ولا صبي ولا كافر وإذا تاب المحدود في الزنا قبلت شاهدته إلا في الزنا). أما شهادة المحدود فلأن الحد لا يقع إلا على فاسق ولا شهادة لفاسق إلا أن

يتوب المازري: ولا تقبل توبته لمجرد قوله تبت بل بدلالة حاله والقرائن على صدقه مع اتصافه بصفات العدالة قال: ولا توقيت في ذلك ووقته بعض أهل العلم بسنة وبستة أشهر والتحقيق ما قلته والمشهور أن الحرية شرط العدالة والصبا مانع من قبول الشهادة إلا في الجراح بشرطها وشهادة الكافر مردودة إجماعا إذ لا أكبر من جرمه وكون المحدود في الزنا لا تقبل شهادته فيه لتهمته تكثير أمثاله وأضعاف المعرة عن نفسه بذلك وهذا حكم كل محدود المشهور لا تقبل شهادته فيما حد فيه وقال ابن كنانة إذا صحت التوبة قبلت الشهادة وما حد فيه كغيره المازري وهو ظاهر المدونة. (ولا تجوز شهادة الابن للأبوين ولا هما له ولا الزوج للزوجة ولا هي له وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه). يعني ومنع ذلك كله للتهمة بالمباحات لما بين من ذكر المودة غالبا المازري وما علا من الآباء وما سفل من الأبناء كالملاصق في المنع لأن المودة لا تختص بالقريب بل قد تكون للأبعد آكد كما هو مشاهد ونسب بعض الشافعية لمذهب مالك إجازة شهادة الأبناء للآباء لا العكس فأنكر والله أعلم. ثم اعلم أن مواضع الشهادة سبعة: أولها: التغفل فلا يقبل المتغفل ولو كان عدلا. الثاني: الجلب لنفسه والدفع عنها وسيأتي ذكرهما. والثالث: التهمة بالحب والبغض ومنه والوالد والولد والخصم وما في معناه. الرابع: العداوة وقد تقدم القول فيها. الخامس: نقص المعرة بتكثير مثلها ومنها شهادة المحدود فيهما حد فيه. السادس: الحرص على الأداء والتحمل وفيه تفصيل فانظر ذلك فإنه معهم وبالله التوفيق. وقوله: (وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه): ظاهره إن لم يكن مبرزا وهذا هو المشهور وقيل بشرط التبرز في العدالة على مذهب ابن القاسم والأجير لمن استأجره إن لم يكن في عياله كالأخ لأخيه وكذا المولى لمن أعتقه والصديق والملاطف والشريك المفاوض في غير مال المفاوضة والله أعلم.

(ولا تجوز شهادة مجرب في كذب ولا مظهر لكبيرة ولا جار إلى نفسه ولا دافع عنها ولا وصي ليتيمة وتجوز شهادته عليه). أما المجرب في الكذب بتكراره منه فلا تصح شهادته لأنه غير موثوق بقوله وأما المظهر للكبيرة فهو فاسق والفاسق لا تقبل شهادته إلا أن يتوب وتظهر توبته وظاهر كلامه أن الفلتة في الكذب لا تضر ما لم يتضمن عظيم مفسدة كما تقدم في كلام ابن عرفة وأن عدم إظهار الكبيرة هو الشرط. ومثال الجار لنفسه أن يشهد لمن في عياله بوصية أو بوصية له فيها نصيب وقد حصل فيها ابن رشد: إذا كان نصيب الشاهد منها يسيرا أربعة: صحتها له ولغيره وعزاه لابن القاسم في المدونة ورواية مطرف وبطلانها لهما وهي رواية بن وهب وجوازها لغيره لا له وقاله عبد الملك. ورابعها ليحيى ابن سعيد في المدونة فانظره. ومثال الدافع عنها شهادة المديان المعسر لرب الدين منعها ابن القاسم وأشهب وعبد الملك ومطرف قائلا لأنه كالأسير في يده ومن الجر شهادة الوصي ليتيمه وقد يكون للدفع وحكى الجلاب فيها للوصي على يتيمه روايتان وفي الإرشاد وغيره كل من لا تجوز شهادته عليه تجوز شهادته له وهو أصل لا يطرد فتأمله. (ولا يجوز تعديل النساء ولا تجريحهن). يعني: لأنهن ناقصات عقل ودين كما صح والتعديل والتجريح أصل يستدام العمل به ولذلك قال سحنون: ليس كل من تجوز شهادته تجوز تزكيته وقد تجوز شهادة الرجل ولا تجوز تزكيته ولا يجوز في التزكية إلا العدل المبرز والناقد الفطن الذي لا يخدع عقله ولا يستنزل في رأيه المتيطي وقول سحنون هذا هو الذي عليه أكثر أصحاب مالك وبه العمل وإن شهود التعديل ليسوا كغيرهم قال: وعنه أنهم يكونون كسائر شهود الحق والله أعلم. (ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضي). يعني: يقول ذلك في شهادته فيمن شهد له عدل في نفسه مرضي في أفعاله لأن الله تعالى قد قال مرة {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: 282] وقال مرة {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] وظاهر ما هنا أنه لا يكفي أحد الوصفين اللخمي:

إن قالهما صحت العدالة وإن اقتصر فاختلف فيه إن كان سكوته عن الآخر لا مع سؤال فإن كان مع سؤال لم تصح ول سأل فتوقف لم تقبل لأنها ريبة وحكى ابن هشام عن ابن شعبان أن قوله خير تعديل وكذا قوله نعم العبد. وروى ابن وهب قوله لا أعلم إلا خيرا ليس بتعديل والله أعلم. (ولا يقبل في ذلك ولا في التجريح واحد). يعني أن الشهادة في التعديل والتجريح لا يكفي فيهما إلا عدلان فصاعدا وظاهره سواء في ذلك السر والعلانية والأصوب حملهما على العلانية لأن المشهور الاكتفاء بالواحد في السر لما تقرر أن ما يبتدئ فيه القاضي بالسؤال يكفي فيه الواحد وفي المجموعة عن ابن القاسم: يكفي الواحد في تزكية السر وفي العتبية لا أحب أقل من اثنين وقال سحنون وابن زرقون وهو ظاهر المدونة ابن المناصف: لابد من اثنين على كل حال ولو فيما ابتدأه القاضي وهو ظاهر ما هنا والله أعلم. (وتجوز شهادة الصبيان في الجراح قبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبير).

قوله (الصبيان): شرط فلا تجوز شهادة البنات وفيها اختلاف وظاهر كلامه عموما وليس كذلك بل الأحرار العاقلون لا شهادة المحكوم لهم بالإسلام غير المعروفين بالكذب وشرطهم الانفراد فلو كان معهم كبير بالأصالة أو بالعرض لم يقبلوا وكون شهادتهم في الجراح ظاهرة ولا تجوز في غيره حتى القتل. والمشهور جوازها في القتل وهو قول ابن القاسم وروايته (وقبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبير): لئلا يخببوا أي يعلموا خلاف الحق الذي يعرفونه وذكر عبد الوهاب في تلقينه أن شهادة الصبيان جائزة بشروط تسعة: كونهم أحرارا ذكورا محكوما لهم بالإسلام عاقلين للشهادة وكون المشهود به جرحا أو قتلا وكون ذلك فيما بينهم لا لصغير على كبير ولا لكبير على صغير وكونهم اثنين فصاعدا واتفاقهم في الشهادة من غير اختلاف. فرع: ما يقع للنساء في الحمامات والأعراس والمآتم فشهادة النساء فيه مقبولة وقال اللخمي: حكى الجلاب في ذلك قولين وإن لم تكونا عدلتين لأنه موضع لا يحضره العدول وحكى المازري روايتين ظاهر لفظ الجلاب أن معروف المذهب السقوط والله أعلم. (وإذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم يأخذ المبتاع أو يحلف ويبرأ). اختلاف المتبايعين على سبعة أوجه اختلاف في جنس المعقود عليه واختلاف في نوعه واختلاف في قدر الثمن واختلاف في القبض واختلاف في الأجل واختلاف في البت والخيار واختلاف في الصحة والفساد.

والذي تكلم عليه الشيخ هنا هو الاختلاف في قدر الثمن وتضمن كلامه أنهما يتحالفان ويتفاسخان يريد إذا كانت السلعة قائمة لم تفت وسواء قبضها المبتاع أو لم يقبضها على المشهور والمشهور تبدئة البائع باليمين كما قال وفي العتبية: يبدأ المشتري وثالثها يقرع بينهما ورابعها يخير الحاكم. وعلى المشهور فيحلف البائع بالذي لا إله إلا هو ما بعت سلعتي هذه منه إلا بعشرة فإذا حلف خير المبتاع بين أن يأخذ العشرة أو يحلف على أنه إنما أخذها بالخمسة ثم يفسخ ونص هذه اليمين في كتاب الخيار يدل على أن كلا منهما على إثبات دعواه ونفي دعوى خصمه. قال: ويتحصل في التبدئة أربعة أقوال ثم ذكر الأقوال المتقدمة قال: وهل هي من باب الأولى أو الأوجب؟ قولان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف المتبايعان ليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة أو يتناكران". رواه أصحاب السنن وأحمد وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود رضي الله عنه وظاهر كلام الشيخ العموم فانظر ذلك. (وإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما حلفا وقسم بينهما فإن أقاما بينتين قضى بأعد لهما فإن استويا حلفا وكان بينهما). يعني أن المتداعيين إذا ادعى كل واحد منهما الشيء المدعى فيه لنفسه وهو مما يصلح أن يكون لصاحبه معه فيه شرك ولم يقم لواحد منهما دليل على صدقه ولم ينازعهما فيه أحد وهومما يشبه أن يكسبه كل واحد منهما فالحكم أن يقسم بينهما نصفين بعد أيمانهما ومن نكل منها سقط حقه للآخر ولو تعدد المختلفون واختلفت دعواهم فادعى واحد الكل والآخر النصف وهو بأيديهما ولا مرجح قال مالك: وأكثر أصحابه يقسم على العول لمدعي الجميع سهمان ولمدعي النصف سهم. وقال ابن القاسم وعبد الملك على التنازع فيقول لصاحب الكل النصف لأنه مسلم له ولمدعي النصف نصف النصف وهو الربع ويزاد للأول الربع الباقي من محل

النزاع وهو النصف والله أعلم. وقوله: (وإن أقاما بينتين) إلى آخره: ذكر فيه حكم تعارض البينتين (ع) تعارض البينتين اشتمال كل واحد منهما على ما ينافي الآخر والحكم في ذلك أن البينتين إذا تكافأتا تساقطتا ولا ترجيح إلا بالأعدلية لأن العدد لا يفيد العدالة بذاته وفي المسألة اختلاف فانظره. (وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد بزور وقاله أصحاب مالك). يعني إن رجع الشاهد عن شهادته بعد الحكم فإن الحكم لا ينتقض ويغرم ما أتلف بشهادته وسواء كان رجوعه قبل القبض أو بعده ابن حارث اتفقوا فيما إذا رجع بعد الحكم وقبل قبض المال أن المال واجب للمحكوم له وفي كتاب السرقة من المدونة: إن رجعا بعد الشهادة بدين ضمناه ظاهره ولو بعد تنفيذه وظاهره ولو رجعا لشك والذي عند الشيخ من أن الضمان مع تعمد الزور هو قول الأكثر من أصحاب مالك وقالت طائفة منهم بالغرم ولو في الوهم، وهو ظاهر المدونة ولو كان رجوعه قبل الحكم لم تنفذ شهادته ويجرح في الزوج ويؤدب وإن كان لشبهة أو لاشتباه لم تسقط شهادته ولا يؤدب إن كان عدلا مؤمنا. وإن كان على خلاف ذلك، قال ابن القاسم يؤدب وسحنون: لا يؤدب وبه العمل فإذا الأقسام ثلاثةك رجوع قبل الحكم ورجوع بعده وقبل النفوذ ورجوع بعد الحكم والنفوذ وقد ذكرت أحكامها فوقه. وقوله: (أغرم) يعني: المتقوم وأما ما لا تقويم فيه كالبضع فلا يغرمه واستشكل تقييد غرامته باعترافه بالزور لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء وإحالة الشيخ على أصحاب مالك إما أنه لا نص فيه لمالك أو تبريا من القول بذلك لضعفه. (ع) الرجوع عن الشهادة انتقال الشاهد بعد أداء شهادته بأمر إلى عدم الجزم به دون نقضه فيدخل انتقاله للشك على أحد القولين فإن الشك حاكم أو غير حاكم وقيل بعد شهادته وهو ظاهر الروايات وظار لفظ المازرى صدقه على ما قبل الأداء فانظر ذلك.

(من قال رددت إليك ما وكلتني عليه أو على بيعه أو دفعت إليك ثمنه أو وديعتك أو قراضك فالقول قوله). يريد مع يمينه مطلقا من غير تفصيل وقال عبد الملك ولا يحلف إن طال جدا وروى مطرفك لا يصدق الوكيل فيما قرب كالأيام اليسيرة ويصدق فيما بعد كالشهر بيمين ولا يمين إن بعد جدا وقال أصبغ: لا يصدق الوكيل المخصوص على بيع شيء بعينه إلا ببينة على الدفع ويصدق المفوض إليه مع يمينه ما لم يطل جدا فلا يمين فلا يصدق في الأول مع يمينه لأن جميع من ذكر مؤتمنون فلذلك كان القول قولهم مع أيمانهم نعم لو قبض أحدهم شيئا ببينة لم يبرأ ببينة. ولم يتكلم الشيخ في الوكالة إلا في هذا الموضع فلنذكر حقيقتها وحكمها وأركانها باختصار. فأما حقيقتها فقال (ع): الوكالة جعل ذي أمر عين أمره التصرف فيه لغيره الموجب لحوق حكم جاعله كأنه فعله فخرج نيابة إمام الطاعة أميرا أو قاضيا وإمام صلاة لعدم لحوق في النائب في الصلاة الجاعل والوصية للحوق حكم فاعلها عن الجاعل وأما حكمها فقال المازري جائزة بإجماع وأما أركانها فأركانها ثلاثة العاقدان وهما الوكيل الموكل عليه والصيغة فشرط الوكيل أن يكون جائز الأمر في التصرف لنفسه وشرط الموكل مع جواز تصرفه كونه قادرا على القيام بما وكل فيه وتفصيل ذلك في المطولات فانظره. (ومن قال: دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان فعلى الدافع البينة وإلا ضمن وكذلك على ولي الأيتام البينة أنه أنفق عليهم أو دفع إليهم وإن كانوا حضانته صدق في النفقة فيما يشبه). يعني من دفع إلى غير اليد التي دفعت له لم يبرأ إلا بإشهاده على الدفع لأنه أمين الذي دفع له لا الذي يدفع إليه ابن يونس: وكل من دفع إلى غير اليد الذي دفعت له فعليه البينة أصله قوله تعالى {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} [النساء:6] وذلك في الوصي يدفع للأيتام وقال ابن القاسم من بعث بمال صلة أو هبة لرجل أو صدقة مع رجل فأنكر القابض فعلى الرسول البينة وإلا غرم وكذلك ولو أمره بصدقة

على مساكين من أعيانهم فإن لم يكونوا معينين فهو مصدق يريد وإن اتهم حلف ودليل قول الشيخ فأنكر فلان أنه لو أقر بالقببض وادعى الضياع قبل قوله وبرئ الدافع وهو دليل لا يصح عن إطلاقه بل فيه تفصيل فانظره. وقوله (وإن كانوا في حضانته صدق) فيما يشبه في المدونة وقال فيها ويصدق في الإنفاق عليهم إن كانوا في حجره ما لم يأت بسرف عياض: قال مالك: وابن القاسم وأشهب بعد يمينه قال: وهذا لا يختلف فيه قال أبو عمر ولو أراد الوصي أن يحاسب بما لا بد منه ولا يشك فيه ويسقط ما زاد فلا يمين عليه عياض: لا بد من يمينه لاحتمال استغناء اليتيم عن مثل تلك النفقة التي لا شك فيها أياما متفرقة أو متوالية لمرض أو صلة من أحد ومفهوم ما هنا أنه إذا ادعى ما لا يشبه لا يقبل ونحوه عن الموازية والله أعلم. (والصلح جائز إلا ما جر إلى حرام ويجوز على الإقرار والإنكار).

أصل هذا الباب قوله عليه الصلاة والسلام " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا" أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ع) الصلح انتقال عن حق ودعوى إلى عوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه قال: وقول عياض الصلح معواضة عن دعوى يخرج عنه صلح الإقرار وأصل بابه الندب لكن قد يعرض له الوجوب والتحريم والإنكار والكراهة: ولا يجوز نقض صلح أبرما ... وإن تراضايا وجبرا ألزما عياض: الصلح معاوضة عن دعوى وهو على ثلاثة أضرب صلح على الإقرار وصلح على الإنكار وصلح على سكوت من المطلوب قال: وهو عندنا جائز بالوجوه الثلاثة. ولابن الجهم عن بعض أصحابنا منعه على الإنكار وهو مذهب الشافعي وعلى الإقرار معاوضة صحيحة فيعتبر فيها ما يعتبر في البيع يعني مما يحل ويحرم وعلى الإنكار يختلف فيه أصل مالك وأصل ابن القاسم فمالك يعتبر فيه ثلاثة أشياء ما يجوز على دعوى المدعي وإنكار المنكر وعلى ظاهر الحكم فيما اصطلحا عليه فإن صح الصلح على الوجوه الثلاثة صح الصلح. قال: وعلى هذا يأتي مذهبه في الكتاب ويفهم من قوله إذا كان مقرا المسألة فقوله وهو مقر بها دليله أنه إن لم يكن مقرا لم يجز وهو قوله في العتبية وذلك مع الإقرار يكون محسنا بتأخيره وفي الإنكار على مراعاة ما يوجبه الحكم فالمدعي يخشى قلب اليمين عليه أو يحلف الآخر فيذهب ماله فتأخيره سلف جر منفعة فيمتنع على أصل مالك في مراعاة الأصول الثلاثة كذا لا يجوز على دعوى المدعي ومنع إنكار المنكر على ظاهر الحكم وأما على أصل ابن القاسم الذي لا يعتبر ما يوجبه الحكم وإنما

يعتبر صلح كل واحد منهما على انفراده فالمنكر يقول: إنما التزمت ما التزمت لرفع النزاع والمدعي يقول: لئلا يجحدني فيظلمني فإنما أخرت لدفع مظلمة وذلك جائز لي ولم أستجر نفعا مستجلبا انتهى. فانظر التنبيهات. وقوله (إلا ما جر إلى حرام) يعني: بعقده أو عوضه أو غير ذلك كان يصالح على دنانير معجلة بمؤجلة ونحو ذلك قال علماؤنا: والحكم به في الإنكار لا يحل لمن علم أنه على الباطل منهما ما أخذه من صاحبه وهذا من صور استباحة الحرام به فاعرف ذلك. (والأمة الغارة تتزوج على أنها حرة فليسدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له). الأمة الغارة هي التي تدعو رجلا إلى أن يتزوجها مخبرة بمقالها أو شاهد حالها أنها حرة فيتزوجها على ذلك ثم يظهر خلافه ولا يخلو أمرها من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون السيد له في النكاح والاستخلاف وإنما غرت بذلك الحرية فهذه يسمح مقامه عليها بالمسمى لا دونه قال اللخمي وأرى إن اختار المقام معها أن يحط عنه من المسمى ما زاد على الحرية. الثاني: أن يتزوجها على أنها حرة ولم يكن السيد أذن له ولا في الاستخلاف وهذا يفسخ على المعروف أبدا خلافا لمن رأى صحته بإجازة السيد لأن الولي مجبر وعقد المجبر بغير إذنه يبطل النكاح. الثالث: أن يكون أذن في النكاح ولم يأذن في الاستخلاف وهو كالذي قبله في تحتم الفسخ ثم حيث يتعين فسخه فقبل البناء لا شيء لها وبعده ولا حمل ولا ولادة فواضح من باب النكاح وإن ولدت فالولد لاحق لأبيه ويلزمه للسيد قيمته. والمشهور يوم الحكم كما ذكر الشيخ وقال المغيرة يوم الولادة وثالثها يوم القيامة حكاه ابن بشير وهو قول المغيرة وأشهب فلا يسقط الضمان بموته وهل يقوم بحاله أم لا وصوب المازري الثاني وعزاه لابن القاسم وأخذ من المدونة فانظره ثم قوله (فللسيد أخذها) ظاهره وله أن يجيز وليس ذلك على المنصوص بل يجب فسخ نكاحها مطقا والله أعلم.

(ومن استحق أمة قد ولدت فله قيمتها وقيمة الولد يوم الحكم وقيل يأخذها وقيمة الولد وقيل له قيمتها فقط إلا أن يختار الثمن فيأخذه من الغاصب الذي باعها ولو كانت بيد غاصب عليه الحد وولد رقيق معها لربها). هذه المسألة من الاستحقاق (ع) والاستحقاق: رفع مالك شيء بثبوت ملك قبله أو حرية كذلك من غير عوض فيخرج العتق وغيره وحكمه الوجوب عند تيسير أسبابه في الدفع على عدم يمين مستحقة وعلى غير يمينه مباح كغير الدفع لأن الحلف مشقة وقد ذكر الشيخ في الاستحقاق الأمة بعد ولادتها من يد مشتريها بوجه صحيح ثلاثة هي واضحة في كلامه وكلها لمالك وأول أقواله هو الثاني في الرسالة ثم رجع فقال بالأول فيها وثالثها ليس له إلا قيمة الولد خاصة لثبوت حرية الولد بالأصالة وبه أفتى مالك لما استحقت أم ولده إبراهيم. نقله اللخمي وغيره. وقال هو آخر قوله وأخذ به ابن كنانة وقال ابن يونس في المجموعة: رجع مالك بعد ذلك القول إلى أخذها مع قيمة الولد ابن كنانة وعليه كان حتى مات. وقوله (إلا أن يختار الثمن) يعني فيكون كالتقرير لبيع الغاصب والله أعلم. (ومستحق الأرض بعد أن عمرت يدفع قيمة العمارة قائمة فإن أبى دفع إليه المشتري قيمة البقعة براحا فإن أبيا كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد). يعني: أن من استحق أرضا من يد مشتر أو غيره بغاصب وقد تصرف فيها بالبناء والغرس ونحو ذلك فإن المستحق يخير بين دفعه للمستحق من يده قيمة الغرس والبناء قائما أي على ما هو عليه من البناء والغرس ويأخذ الأرض بما فيها من بناء أو غرس أو يترك ذلك الذي بنى أو غرس ويأخذ قيمة أرضه براحا لا شيء فيه برضا الباني أو الغارس فإن أبى المستحق من قيمة الزينة وطلب قيمة أرضه براحا وامتنع صاحبها من ذلك لم يجبر واحد منهما ويقضي باشتراكهما بالقيمة. (س) اختلف في الباني والغارس على قولين: أحدهما: أن يكونا شريكين بقدر ما بنيا به ذلك البناء وفي صفته وهو أشهر القولين. والقول الثاني: وهو المشهور أيضا أن يكون شريك ما زادت قيمة البناء والغرس

في قيمة الأرض براحا وفي تقييد الجزولي المبيع هذا كله ما لم يسرف في البنيان فأما إن أسرف فإنما يأخذ قيمة المعتاد ويسقط الزائد وقيل له قيمة بنائه مطلقا أسرف أم لا. المازري في كون قيمة بنائه يوم البناء أو يوم المحاكمة قولان وعند الجزولي القيمة معتبرة يوم الحكم عند ابن القاسم وقال أشهب يوم البنيان فانظر ذلك. (والغاصب يؤمر بقلع بنائه وشجره وزرعه إن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض والشجر ملقى بعد قيمة أجر من يقلع ذلك ولا شيء عليه فيما لا قيمة له بعد القلع والهدم) الأصل فيما ذكر قوله عليه الصلاة والسلام " ليس لعرق ظالم حق". روي- بكسر المهملة وسكون الراء قبل القاف- وبفتحها من العرق الذي هو مظنة التعب والخدمة قال والعرق الظالم كل ما احتفر أو غرس بغير حق وقال ربيعة: العرق الظالم ظاهر وباطن فالظاهر: ما بناه في أرض غيره والباطن: ما غرس أو أحتفر في ذلك. الأبهري وإنما قلنا له قيمته منقوضا لأنه لم يبن بإذن صاحب الأرض فكان المقال لصاحب الحق لأنه اضر به ورفع الضرر واجب وهذا بخلاف من دخل بوجه جائز كما تقدم ومعنى قوله ملقى يعني مقلوعا فيعتبر الشجر حطبا والبناء أنقاضا وما لا قيمة له بعد القلع كالجبس والزواق ونحوه ولا يحسب. وقوله: 0بعد قيمة أجر من يقلع ذلك) هو المشهور. وحكى ابن رشد عن ابن

دحون أن مذهب ابن القاسم لا يحط من ذلك أجرة القلة الهدم قال وهو مذهب المدونة فانظره قال بعضهم ولم يتكمل الشيخ على امرأته وفي الأمة يحتاج إلى تفصيل وفي فصول اختلاف فانظره وبالله التوفيق. (ويرد الغاصب الغلة ولا يردها ما غير الغاصب). قد تقدم نحو هذا في باب الشفعة وفي كتاب الغصب من المقدمات تحصيل الاختلاف في الغلال أنها على ثلاثة أقسام: الأولى: غلة متولدة من الشيء المغصوب على خلقته وهيئته كالولد فإنه يرد مع الأم بلا خلاف وإن ماتت الأم كان مخيرا بين الولد وقيمة الأم. الثاني: غلة متولدة منه على غير هيئته وماهيته كاللبن والصوف والثمر وفيها قولان: أحدهما: أن ذلك للغاصب لضمانه لقوله عليه الصلاة والسلام " الخراج بالضمان". والثاني: أنه يردها إن كانت قيمة أو قيمتها إن ادعى تلفها ولم يعرف ذلك إلا من قوله مع يمين المغصوب فإن تلف الشيء المغصوب كان مخيرا بين أن يضمنه القيمة ولا شيء له في الغلة أو يأخذه بالغلة ولا شيء له في القيمة. الثالثة: الغلة التي هي غير متولدة عن الشيء المغصوب وهي الأكرية والخرابات وشيئ ذلك فاختلفوا فيها على خمسة أقوال: نذكرها ثم قال وهذا كله فيما اغتل من العين المغصوبة مع بقائها وقيامها وأما ما اغتل منها بتفويتها وتصريفها وتحويل عينها كالدنانير والدراهم بالتجارة والزرع بحرث ونحو ذلك، فهي له قولا واحدا ولو قصد غصب الغلة دون الرقة وكان ضامنا لها قال وقد تقدم في بيع الخيار أن كل من دخل بوجه جائز لا يضمن الغلة وأن الولد جزء لا غلة وفي الصوف ونحوه اختلاف بخلاف اللبن والله أعلم. (والولد في الحيوان وفي الرقيق إذا كان الولد منغير السيد يأخذه المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره).

المشهور أن الولد جزء لا غلة فيرد مع أمه إذا استحقت مطلقا ولأنها تقوم في أم الولد وقال السيوري غلة فلا يرد ومن اشترى عالما بالغصب فله حكم الغاصب لأن المباشر في ذلك كالأصلي فيه وإن اختلف إن مات الولد قبل الحكم على الغاصب فقال ابن القاسم لا يغرم شيئا من قمية الولد وقال أبو حنيفة وقال أشهب والشافعي يغرم الغاصب قيمة الولد فانظر ذلك. (ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق وعليه الحد). تكرر الكلام على هذه المسألة الجزولي إضافة الولد للغاصب يؤذن بلحوق نسبه وقال عبد الوهاب ولد الزنا لاحق بأمه قال: ويحتمل أن يكون إنما إضافة لشبهته وأنها لو كانت بنتا حرمت عليه عند ابن القاسم ولم تحرم عليه عند ابن عبد الحكم وهو صحيح مذهب الشافعية وقال سحنون هو خطأ صراح قلت وقد يكون إطلاقه بعرف التخاطب فلا تبنى عليه الأحكام وهو الظاهر والله سبحانه أعلم. (وإصلاح السفل على صاحب السفل والخشب للسقف عليه وتعليق الغرف عليه إذا وهي السفل وهدم حتى يصلح ويجبر على أن يصلح أو يبيع ممن يصلح). يعني: أنها إذا كانت دارا لرجلين علوها لأحدهما وسفلها للآخر فانهدمت وجب على صاحب السفل إصلاح سفله ليتمكن صاحب العلو من إصلاح علوه وسمع أصبغ من أشهب باب الدار على صاحب السفل ولو انهدم السفل لسقوط العلو عليه ففي المدونة يجبر رب السفل على أن يبني أو يبيع اللخمي: ولو انهدم العلو فانهدم السفل لسقوطه عليه وكان ذلك سبب الانهدام وبناء العلو وصاحب السفل حاضر عالم ساكت فلا ضمان على صاحب العلو وانظر بقية تفصيله. وأما كون الخشب للسقف عليه فلأنه ستاره وقد أضاف الله تعالى السقف للأسفل فقال تعالى {لبيوتهم سقفا} [الزخرف: 33] وسمع ابن القاسم في رجلين بينهما منزل لأحدهما علوه وللآخر سفله فانكسر السقف الأدنى سقف البيت فقال على رب البيت إصلاح خشبه وجريده ابن رشد مثله في المدونة ولا خلاف فيه والمراد بالتعليق حمله على خشب ونحوها والغرف جمع غرفة وهي ما ارتفع من بيوت المنزل

ومعنى (وهي): ضعف ضعفا شديدا فلم يبق له قوة حمل. وفي العتبية: إنما كانعليه التعليق لأن عليه أن يحمل على بناء أو تعليق قال فيها وكذلك لو كان على العلو فتعليق العلو على الثاني على الأوسط وحكى اللخمي قولا على أنه على ذي العلو ابن شعبان إلا أن يهدمه من حاجة (ع) جواز هدمه من غير حاجة وفي النوادر: ليس لرب السفل هدمه إلا من ضرورة. وقوله (أو يبيع ممن يصلح) قال سحنون: إنما يجوز البيع بشرط الإصلاح إذا كان البائع لا مال له وإلا لم يجز يريد ويجبر على الإصلاح كما نقله ابن يونس وقال ابن القصار: يجبر مطلقا إلا أن يختار صاحب العلو بناءه من ماله أو يمنع رب السفل من النفع به حتى يعطيه ما أنفق والله أعلم. (ولا ضرر ولا ضرار) هذا لفظ حديث رواه مالك وغيره وهل معناه لا تضر أحد ولا يضرك أحد أو على معنى التأكيد لا تضر ولا تضر وقاله ابن حبيب وقيل: لا يلزمك الصبر على إضار غيرك وقيل: الضرر ما لك فيه منفعة ولغيرك فيه مضرة والضرر ما لغيرك فيه مضرة ولا نفع لك فيه وقيل: الضرر من أحد الجارين والضرر منهما لهما وقيل: لا تضر ولا تتسبت في الضرر هذا هو الأصوب والله أعلم. (ولا يفعل ما يضر بحاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها أو فتح باب قبالة بابه أو حفر ما يضر بجاره في حفره وإن كان في ملكه). ما ذكر من تفاصيل دفع الضرر ووصف الكوة بالقريبة شرط فلو كانت بعيدة لا يوصل إل الكشف منها إلا بتكلف لم يؤمر بغلقها ومن نظر منها منع وأدب إن ثبت قصده لذلك. وقد كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه يوقف على سرير فإن كشف البيت منع وإلا فلا والله أعلم، وظاهر كلام الشيخ أو فتح باب قبالة بابه وإن كانت السكة نافذة وهو قول سحنون والأظهر حمله على غير النافذة ليوافق المدونة وذكر ابن رشد: في فتح الباب في السكة الغير النافذة ثلاثة أقوال: المعمول به منها المنع مطلقا إلا

أن يأذن فيه جميع أهل الزقاق وقاله ابن زرب: واقتصر عليه المتيطي وأما حفر البئر فقال ابن القاسم في المدونة: إذا غارت بئر جاره بحفر بئر في داره لزم هدم بئره وقال أشهب: لا يمنع فانظر ذلك وفي المسألة فروع كثيرة فانظرها وبالله التوفيق. (ويقضى بالحائط لمن إليه القمط والعقود). القمط: جمع قماط الجوهري: الأصل الحبل الذي يشد به قوائم الشاة عند الذبح وكذا ما يشد به الصبي في المهد وقال غيره: القمط معاقد الحيطان والعقود عبارة عن تداخل الأركان المازري وقد تحاكم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جدار فقضى بالحائط لمن إليه العقود فظاهر كلام الشيخ أنه يقضي به له بغير يمين بناء على أن العرف يقوم مقام الشاهدين وفي السألة قولان. (ولا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ). الكلأ مقصور العشب الطرية وقيل واليابسة وقد صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه النهي عما ذكر ومعناه أن من حفر بئرا بالفيافي لا يحل له منعها خوفا ممن يسقي منها أو يرعى مما حواليها والله أعلم. (وأهل آبار الماشية أحق بها حتى يسقوا ثم الناس فيها سواء). عبد الوهاب يعني الآبار المحتفرة في الفيافي وحيث لا يملكها وروى ابن القاسم في المجموعة: لا تورث بئر الماشية ولا تباع ولا توهب وسمع القرينان لا تباع مياه المواشي إنما يشرب منها أبناء السبيل ولا يصلح فيها غطاء ابن رشد والآبار والمواجن والجباب يصنعها الرجل في الفيافي للماشية وهو أحق بما يحتاج لماشيته ويدع الفضل للناس والله أعلم. (ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره وله زرع يخاف عليه فلا يمنعه فضله واختلف هل عليه في ذلك ثمن أم لا). ما ذكر في العين والبئر هو معروف المذهب (ع): الأظهر لا خلاف أن رب الماء المستخرج يحفر في أرضه هو أحق به كالماء في الآنية وذكر غيره عن يحيى بن عمر ليس له منعها إلا أن تنهدم بئر جاره حملا للحديث على عمومه ونحوه في العتبية عن يحيى بن يحيى فانظر ذلك وإنما تلزمه إعارة جاره بشروط ثلاثة أن يكون قد زرع على بئره وأن تكون قد انهدمت بنفسها وأن يأخذ في البناء فإذا انخرم شرط لم يلزمه ولكها مأخوذة

من كلام الشيخ. وقوله: (فلا يمنعه) أي: ويقضي عليه به قال مالك وقال عيسى يؤمر به ولا يقضى عليه والخلاف في الثمن قال في البيان قولان في المدونة ابن رشد إن كان يجد ثمنا وإلا فلا ثمن قولا واحدا والله أعلم. (وينبغي أن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبة في جداره ولا يقضي عليه بذلك). يعني لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن منع ذلك متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ويروى في الحديث بضم أوله على الجمع وبفتحات آخرهن تاء منونة على الإفراد وحمله مالك وجماعة من العلماء على الندب رجوعا للأصل وهو عدم التزام في التصرف في ملك ليس له من غير ضرورة فادحة والعموم لا يفيد الضرورة بل هو من حق الجواز المندوب إليه وعليه حملت رواية أبي هريرة رضي الله عنه وهل جدار المسجد كغيره يجوز ويندب وبه أفتى ابن عات أو يمنع وبه أفتى ابن العطار وابن مالك فانظر ذلك. (وما أفسدت الماشية من الزرع والحوائط بالليل فذلك على أربابها ولا شيء عليهم في فساد النهار). هذا قول مالك والشافعي وقال الليث بن سعد ويحيى بن يحيى من أصحابنا بضمانها ليلا ونهارا من أصحابها وسمع أشهب سواء كان محظرا أو غير محظر ابن القاسم: وجميع الأشياء في ذلك سواء الحمام والنخل وغيره الباجيك المواضع ثلاثة أضرب: أضرب يتداخل فيه المزارع فهذا الذي يكون فيه الليل على أصحاب المواشي والنهار على أصحاب الزرع وضرب تنفرد به المزارع والحوائط وليس بمسرح وهذا لا يجوز إرسال المواشي فيه وما أفسدت ليلا ونهارا فعلى أربهابها، وضرب جرت عادة الناس بالإرسال فيه فأحدث فيه رجل زرعا من غير إذن الإمام في الإحياء فلا ضمان على أهل المواشي ليلا أو نهارا. وفي المدونة: عن أصبغ ليس لأهل الماشية أن يخرجوها إلى قرب الزرع بغير ذواد وعليه أن يذودها من الزرع فإذا بلغوا المرعى سرحوها ما شذ منها إلى الزرع لا يضر فاعرف ذلك وانظره.

(ومن وجد سلعته في التفليس فإما حاصص وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها وهو في الموت أسوة الغرماء). ما ذكره في حديث الموطأ وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم عياض ومعنى التفليس: العدم وأصله من الفلوس أي صار صاحب الفلوس بعد إن كان صاحب الذهب والفضة ثم استعمل في كل من عدم المال وحقيقته الشرعية قال (ع): التفليس الأخص ما منع دخول دين سابق عليه على لاحق عليه بعده بحكم الحاكم بخلع كل مال من يده لغرمائه عن قضاء ما لمزمه فخرج بخلع إلى آخره خلع كل ماله باستحقاق عليه موجبه منع دخول دين سابق عليه انظر بقيته إن شئت وظاهر كلام الشيخ أنه: يحاصص كانت من بيع أو قرض وقاله الأصيلي أبو محمد قال ابن رشد هو المشهور وقاله مالك وجميع أصحابه ورواه ابن القاسم وقال به. وقوله (سلعته) يعني: بعينها وصفتها لم تتغير عن حالها ولا فاتت من يد صاحبها ومعنى حاصص دخل مع الغرماء في جملة المال حتى أخذ نصيبا على نسبة ماله منه ثم إن بقي له شيء كان فيه متبعا ذمته وإن اختار سلعته لم يتبع بشيء وكأنه رضي بفسخ بيعه هذا كله إن كانت السلعة مما تعرف بعينها كالدواب والرقيق والحيوان والثياب ونحوها من ذوات القيم فأما ذوات الأمثال كالزيت والقمح فليس فيه إلا الحصاص ما لم تشهد بينه بأنه فرغ زيته في هذه الجرة أو قمحه في هذه المطمورة كان وحده أو مع غيره فإنه يخير مع المكيلة أو الحصاص والله أعلم. (والضامن غارم لما ضمن وحميل الوجه إن لم يأت به غرم حتى يشترط أن لا يغرم). ابن الحاجب الضمان شغل ذمة أخرى بالحق وتبعه (خ) واعترض بوجوه يطول جلبها وقد قال عليه الصلاة والسلام: " الزعيم غارم" يعني الضامن فيقال: ضامن وزعيم وأدين وقبيل وحميل هذه صيغة وشرط الضمان أن يكون من أهل التبرع وظاهر كلام الشيخ أن لرب الدين مطالبة الضامن وإن كان المدين حاضرا مليا وهذا قول مالك الأول؛ وبه قال أبو حنيفة والشافعي. ثم رجع مالك فقال: ليس له الأخذ من الضامن إلا بعد تعدد الاستيفاء من الغريم وهذا الذي يجب حمل كلام الشيخ عليه فإن صرح به بعد هذا فلو غاب الغريم ففي

تعجيل غرم الحميل والتلوم له قولان لابن القاسم ابن رشد هما على قولي مالك الأول والثاني وفي حمل الغريم على الملأ وعلى العدم قولان لابن القاسم وسحنون ولوشرط أنه يأخذ بحقه من شاء منهما فأربعة مشهورها له شرطه وقوله: (وحميل الوجه) إلى آخره: قال عبد الوهاب: هذا مبني على جواز الحميل بالوجه وهو قولنا وقول أبي حنيفة خلافا للشافعي وشرطه أنه لا يغرم لعدم إحضاره بل يلزمه البحث عنه بالغاية ثم إذا عجز فلا شيء عليه ومسائل الباب كثيرة فانظرها. (ومن أحيل بدين فرضي فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا إلا أن يغره منه). الإحالة: نقل دين من ذمة إلى ذمة تبرأ به الأولى وشرطها رضى المحيل والمحال لا المحال عليه عياض: وهي عند الأكثر رخصة لأنها مبايعة مستثناة من الدين بالدين والعين بالعين غير يد بيد لأنها معروف قال وفي حمل الأمر به على الندب والإباحة قولان للأكثر وبعضهم والأمر بها في قوله صلى الله عليه وسلم: " مطل الغنى ظلم ومن أحيل على ملئ فليتبع". نكتة صوفية: قال القضاي أبو بكر بن العربي قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود:6] إحالة على الله ومن أحيل على مليء فليتبع والمشهور عدم اعتبار رضا المحال عليه إذا رضى المحيل والمحال وقد ذكروا للحوالة شروط ستة أولها: رضا المحيل والمحال لا المحال عليه وقيل: والمحال عليه وكونها بدين ثابت في الذمة أو آيل إلى الثبوت وتجانس الدينين وإلا كان فسخ دين ونحوه حضور المحال عليه وإن لم يشترط قبوله وإقراره بالدين قاله بان فتحون للخروج من خلاف شرط ما فيه خصومة إذ فيه قولان: لابن القاسم وعبد الملك. وصيغتها إذ وقع في العتبية من قول ابن القاسم في المطلوب يذهب بالطالب إلى غريم له فيأمره بالأخذ منه ويأمر الآخذ بالدفع إليه فيتقاضاه فيقضيه البعض أو لا يقضيه شيئا، إن للطالب أن يرجع على الأول لأنه يقول ليس هذا احتيالا وإنما أردت أن أكفيك التقاضي وإنما وجه الحول أن يقول: أحيلك بحقك على هذا وأبرأ إليك به.

وقوله (إن أفلس ظاهره): طرأ الفلس أو كان قديما ثم ظهر إلا أن المحيل غير عالم به وفيه خلاف. المازري: ولا أعلم نصا في جحود المحال عليه أصله الدين الذي وقعت الحوالة فيه وقاله غيره إن ذلك لا يوجب الرجوع إلى المحيل لأنه فرط إذا لم يشهد على المحال عليه قال مالك: ولا يلزم المحال الكشف عن ذمة المحال عليه هل هو غني أم لا بخلاف الدين المستقر في الذمة وفرق بأن الإحالة معروف وهذا الدين مبني على المكايسة ورفع الضرر بما أمكن. وقوله: (إلا أن يغره منه) يعني: بحيث كان عالما بعدم المحال عليه ثم أحاله عليه قصدا لذلك ولو أخبره بفلسه فرضي به منه لزمه وسمع سحنون من المغيرة. أن شرط المحال على المحيل أنه إن أفلس عليه رجع إليه فله شرط ابن رشد اتفاقا قال وهذا صحيح لا أعلم فيه اختلافا أي وفيه نظر لأنه شرط مناقض للعقد فانظر ذلك. (وإنما الحوالة على أصل دين وإلا فهي حمالة). وقد تقدم من شروط الحوالة أن تكون بدين ثابت في الذمة أو آيل إلى الثبوت فإذا لم يكن دين فهي حمالة أي ضامن يرجع به على الغريم أو حميل يتبرع به عنه فهي إذا ثلاثة الحوالة والحمالة والحمل. (ولا يغرم الحميل إلا في عدم الغريم أو غيبته). يعني: أن مما يفرق بين الحمالة والحوالة أن الحوالة يغرم على كل حال والحمالة إنما يغرم في عدم الغريم أي كان حميلا بالمال أو بغيبته إن كان حميلا بالوجه أو بالمال وقد تعذر الاستيفاء منه أو كان حميلا في جميع الأحوال والله أعلم. (ويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه ولا يحل ما كان له غيره). أما حلول ما عليه فلخراب ذمته في الفلس بوجوب المال للغرماء وفي الموت بانتقاله للورثة وما ذكر الشيخ من حلول دينه المؤجل بفلسه هو المشهور من أربعة حكاها (ع) فانظره. وإنما لا يحل الذي له على الناس لقيام ذاته مع عدم دخول الآفة على ذممهم والله

أعلم وشروطه الحجر على المفلس وما يعامل به يطول ذكرها نعم لا يحرم ماله إلا بعد الحجر عليه والحكم بذلك وفيما بين الحكم والحجر والقيام اختلاف فانظره. (ولا تباع رقبة المأذون فيما عليه ولا يتبع به سيده). العبد المأذون له في التجارة كالحر فيما بيده وسيده فيه أجنبي فلا تباع رقبته في دينه على المشهور خلافا لسحنون وسيده أسوة الغرماء فيما بيده إن عامله بشيء وليس له فعل ما لا مصلحة للمال فيه وأجازه فيه وأجاز ابن القاسم قراضه وإنما لا يتبع سيده بما عليه لأنه ظلم إذ لم يتسبب فيه بوجه والله أعلم. (ويحبس المديان ليستبرأ). ظاهر كلامه وإن كان مجهول الحال قال مالك ولا يحبس في الدين حر ولا عبد إذا لم يتبين لدده أن يكون غيب ماله ولكن يستبرأ أمره إلا أن يحبسه قدر تلومه في اختباره وكشف حاله أو يأخذ عليه حميلا بذلك يعني بالوجه: قال التونسي: فإن لم يجد شيئا ولا يغيب شيئا لم يحبسه ويحبس من اتهم أن يكون غيب مالا ومثل من يقعد من التجار بأموال الناس ويقول ذهبت مني ولا يعلم أهل موضعه أنه أجيج بسرقة أو حرق أو نحو ذلك. فإنهم يحبسون وفي حمل مجهول الحال على الملأ أو على العدم اختلاف. (ولا حبس على معدم). يعني لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] وروي أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يستحلفانه أنه لا يجد قضاء لا في عرض ولا في قرض وأنه إن وجد ليقضين قال ابن فتوح يحلف ليقضينه عاجلا خوفا من التطويل عليه والله أعلم. (وما انقسم بلا ضرر قسم من ربع أو عقار وما لم ينقسم بغير ضرر فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه). القسمة تسيير مشاع من تمليك مالكين معينا له (ع) وانظر بقيته وذكر عياض أن أقسامها أربعة وتأتي إن شاء الله ومعنى قوله: (وما انقسم) أي: ما قبل القسمة بلا ضرر أشار إلى أن ما فيه ضرر في القسمة كالرحا الواحدة وما في معناها، وصرح به أنه

لا يقسم وما في المقدمات: الذي جرى به العمل عندنا بقرطبة أن الدار لا تنقسم حتى يصير لكل واحد من الشريكين ما ينتفع به ومذهب ابن القاسم عدم مراعاة ضرر الثمن وإنما المراعى عنده ضرر الانتفاع والله سبحانه أعلم. (وقسمة القرعة لا يكون إلا في صنف واحد ولا يؤدى أحد الشركاء ثمنا وإن كان في ذلك تراجع لم يجز القسم إلا بتراض). قد تقدم تفسير عياض للقسمة وأنها أربعة أضرب: قسمة حكم وإجبار هي قسمة السهم والقرعة لا تجوز إلا بالتقويم والتعديل والتسوية في الجنس الواحد من غير المكيل والموزون ولا تجوز بتعديل السهام بزيادة دراهم أو غيرها من غير جنس المقسم من أحد الجهتين والمتقاسمين. الثانية: قسمة مراضاة وتقويم فيما اختلفت أجناسه واتفقت وهي جائزة بغير قرعة ولم يجزها ابن القاسم وغيره بالقرعة لأن القرعة تنافي التراضي وأجازه أشهب وأخذ نحوه من مسألة النخلة والزيتونة في المدونة لابن القاسم. الثالث: قسمة مراضاة بغير تعديل وحكمها كالبيع في كل وجه ولا يرجع فيها بالغبن ويرجع به في الأولين. الرابعة: قسمة مهايأة وهي قسمة المنافع بالمراضاة لا بالإجبار والقرعة وهي على وجهين مقاسمة على الزمان ومقاسمة على الأعيان قال وهي جائزة على الجملة لكن تختلف فروعها بما هو معلوم فانظر ذلك. (ووصى الوصي كالوصي). يعني إن كان الأصلي بوصية الوصي لا يوصيه القاضي. وقال الشافعي: ليس للوصي أن يوصي كان لأب أو غيره لنا أن الأب أنزله منزلته فكان له من التصرف ما له لأن يد الوكيل كيد الموكل اللخمي: والوصية بالنظر للولد تخص بالأب الرشيد والوصي والحاكم ولا تجوز وصيةالجد بولد الولد والأخ بأخيه واختلف في وصية الأم بولدها فيما يرثه منها إن كان قليلا قال في المدونة كستين دينارا بالجواز والمنع والله أعلم. (وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم). أما التجارة بأموالهم فعلى أن يكون الربح لهم والوضيعة عليهم جائزة، وله أن

يدفعه قرضا لغيره على وجه النظر، ولا يجوز أن يتجر به لنفسه، فإن فعل قيل: الربح لهم والوضيعة عليه. وقيل: له الربح وعليه الخسارة، وثالثها: إن كان مليا فالربح له وإن كان معسرا فالربح للأيتام، والله أعلم. وأما تزويج إمائهم فيريد إن كان على وجه النظر لهم لسقوط النفقة عن اليتامى بلزومها أزواجهم، وفي المدونة: له تزويج الذكور أياض، وقيل: لا، لأنه يصيره مديانا بالصداق، والولد لغيره ويشتغل بالخدمة على الزوجات ويترك الأيتام، قال بعض الشراح: وعلى هذا القول تحمل الرسالة إذ تكلم على الإماء فقط والله أعلم. (ومن أوصى إلى غير مأمون فإنه يعزل). يعني أن الأب إذا أوصى رجلا على ولده فظهر أنه لا يؤمن على ماله ونحوه أنه يعزل ولو كان الأب عالما بذلك لأن ذلك حق الولد فشرط ثبوت الوصية بقبولها كون الوصي بالغا عاقلا أمينا قادرا على التصرف بالمال بصيرا بذلك وقال مالك في المدونة لا تجوز الوصية إلى غير عدل (ع) المراد بالعدالة في هذا الفصل الستر لا الصفة المشترطة في الشهادة والمشهور عزل غير الأمين كما ذكره والشيخ وقال المخزومي: لا يعزل ولكن يقام معه غيره واستحسن أصبغ هذا إن ان الوصي مثل القريب والولي ومن يرى أنه يحسن النظر وحصل (ع) في المسألة أربعة أقوال وللخمي فيها تفصيل تفصيل فانظره. (ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث).

يعني: أن للميت في ماله بعد موته ما يجهز به لأنه كالمفلس فيبقى له ما لا بد له منه ثم يعطي الباقي أو بعضه في دين أو إن كان مما تتوجه المطالبة به وهو ثابت بوجه شرعي ثم ينفذ وصاياه على حكم ما تقدم من تبدئه أو حصاص أو غير ذلك إن فضل شيء وله ثلث تخرج منه أو يحبسه ثم بعد ذلك يرث ورثته فيما بقي على كتاب الله وقد تقدم شيء من هذا وهو في الحقيقة من باب المواريث والله أعلم. (ومن حاز دارا على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبها حاضر عالم لا يدعي شيئا فلا قيام له ولا حيازة بين الأقارب والأصهار في مثل هذه المدة). الدار ليس بشرط والمراد من حاز شيئا من الرباع ومعنى حاز وضع يده عليها وجرى بالتصرف فيها ومفهومه أن الغالب لا يتقيد بما ذكر من المدة وهو كذلك والمدة عشر سنين يعني ولو لم يكن هدم ولا بناء لأن الكلام في حيازة الأجنبي غير الشريك والمشهور أن المدة ما ذكر وقيل لا تحديد بمدة بل باجتهاد الإمام. وحيازة العروض والحيوان أقل من ذلك وكونها تنسب إليه شرط في صحة الحوز والمحوز عنه يسمع نسبتها للحائز ولا ينكر ولا مانع يمنعه من الإنكار قال ابن المكوي مذهب المدونة كالحيازة القاطعة فلا يمين على الحائز إذا تمت شروطها وصح ثبوتها.

وقول عيسى يحلف خلاف المدونة المازري تصح الحيازة للحاضر بسبعة شروط الحوز ووضع اليد على الشيء المحوز وأن ينسب إليه وأن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه وأن تطول المدة وأن لا ينازع المحاز عنه في تلك المدة وأن يكون حاضرا عالما بالغا رشيدا لم يمنعه من القيام مانع وفي أمر الأقرباء والأصهار اختلاف وتفصيل فانظر كلام ابن رشد في ذلك كله وبالله التوفيق. (ولا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو بقبضه). يعني لأن حكم الواقع في المرض كله حكم الوصية ولا وصية لوارث ومدار هذه المسائل لانتفاء التهمة وثبوتها فحيث يتهم بمحاباة يمنع ولا يصح وحيث لا فيجوز ويصح وكذا قال عبد الوهاب وغيره وفروع ذلك متسعة فانظرها فإنه يطول على أمرها مع أني محتاج إليها ولأن في تفاصيلها ضرورة يلزم بها تطويلها وبالله التوفيق. (ومن أوصى بحج أنفذ والوصية بالصدقة أحب إلينا).

يعني: أن الوصية بالحج إذا وقعت أنفذت مراعاة لقول من يقول " من لم يحج حج عنه وليه" ولا خلاف في منعها أعني النيابة في الحج للصحيح القادر في حال الحياة وأجاز ابن وهب حجه عن أبويه العاجزين فقط وكون الوصية بالصدقة أحب إلى العلماء لكونها متفق عليها والمالية المحصنة كالصدقة ونحوها لا خلاف في النيابة فيها وما كان فيه مال وبدن كالحج والجهاد فاختلف فيه الباجي ولا خلاف في منع النيابة في الأعيان وهو صحيح واضح. (وإذا مات أجير الحج قبل أن يصل فله بحساب ما سار ويرد ما بقي وما هلك بيده فهو منه إلا أن يأخذ المال على أن ينفق على البلاغ فالضمان من الذين واجروه ويرد ما فضل إن فضل شيء). أجير الحج نوعان مضمون وبلاغ فالمضمون: كسائر الإجارات في الشرط والاسيتفاء وهو الذي ذكر الشيخ أولا وصورته أن يأخذ المال على أن يحج به له غنمه وعليه غرمه فلا يطالب بما يحتاج ولا يرد ما فضل والبلاغ بخلاف ذلك وهو الذي

ذكره آخرا وتفصيل الكلام فيه مذكورة في باب الحج عند غير الشيخ فليراجعه من له به حاجة وبالله التوفيق. خاتمة: قصدنا في هذه التعليقة حصول الفائدة بالجملة فلذ ... لك اعتنينا بأبواب العبادات وأتينا في أبواب الأحكام بما تيسر على أن ما نذكر ولو فعلنا ما فعلنا لا يغني عن مراجعة كتب الشروط والوثائق وهو من شأن القضاة ومن في معناهم فليعتبر ذلك ولا يعترض علينا بتقصير فإنا محله ولا بخروج عن المقصد فإنا موضع الجهل والله الموفق بمنه وكرمه وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم.

باب في الفراض

باب في الفراض الفرائض جمع فريضة وأصل الفرض في اللغة التقدير (ع) الفرائض لقب للفقه المتعلق بالإرث وعلم ما يوصل إلى معرفة ما يجب لكل ذي حق في التركة وموضوعها التركات لا العدد خلافا للسيوري وفائدتها كالفقه مع ضرب من التخصيص وخرج أبو دواود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو بطل آية محكمة أو سنة ماضية أو فريضة عادلة الحديث. (ولا يرث من الرجال إلا عشرة الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد للأب وإن علا والأخ وابن الأخ وإن بعد والعم وابن العم وإن بعد والزوج ومولى النعمة، ولا يرث من النساء غير سبع البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والزوجة ومولاة النعمة).

ذكر في هذه الجملة أن الوارثين سبعة عشر ع شرة رجال وسبع نساء وأنهى بعضهم الرجال إلى ستة عشر ففصل الإخوة إلى ثلاثة: الشقيق وللأب وللأم وابن الأخ إلى شقيق ولأب إذ لا يرث الذي لأم وكذا العم وابنة الشقيق والذي لأب فهي خمسة زائدة والسادس مولى المولى والمولى هنا المعتق بكسر التاء والنساء إلى عشر بزيادة الأخت لأب ومولاة المولاة وقد تؤخذ كلها من كلام الشيخ إلا الأخيرة والله أعلم. وحاصل موجب الإرث نسب ونكاح وولاء فالنسب جهاته ستة أبوه وبنوه وأمومه وعمومه وجدوده، والنكاح بين زوج وزوجة والولاء بالأصالة أو بالجر وقوله: الجد للأب أخرج به الجد للأم ولو قال الأب وأبوه لكان أخص والله أعلم. (فميراث الزوج من الزوجة إن لم تترك ولدا ولا ولد ابن النصف فإن تركت ولدا أم ولد ابن منه أو من غيره فله الربع وترث هي منه الربع إن لم يكن له ولد

ولا ولد ابن فإن كان له ولد ابن منها أو من غيرها فلها الثمن).

يعني أن الزوج غير محجوب بولد ولا ولده من ذي النصف وذو النصف سواء بأربعة: البنت إذا انفردت، والأخت الشقيقة، والتي لأبن وبنت الابن، وكلهم في كتاب الله إلى الأخيرة فإنها بالإجماع ولاربع للزوج محجوبا بولد وولده وللزوجة غير محجوبة والثمن للزوجة محجوبة والواحدة كالأربع فما دونهن ليس لهن إلا الربع أو ثمن يقتسمنه بالسواء والله أعلم. (وميراث الأم من ابنها الثلث إن لم يترك ولدا أو وولد ابن أو اثنين من الإخوة ما كانوا فصاعدا). يعني للأم غير محجوبة الثلث وللاثنين من ولدها في ميراث الكلالة وللجد في بعض صوره وتنزل الأم للسدس بابن أو اثنين من الإخوة ما كانوا وهو نصيب الواحد من أولادها والجدة إذا انفردت والجدتين إذا اجتمعتا من جهتين ولبنت الابن مع الصلبية والسفلى مع العليا منهن وللأخت لأب فصاعدا مع الشقيقة وكذا الأب محجوب بالابن كالجد في بعض أحواله والله أعلم. وقوله: (ما كانوا) يعني: سواء كانوا أشقياء أو لأب أو لأم وقد أسسوا أن كل من يدلي بشخص لا يرث مع وجوده إلا الإخوة لأم فإنهم يدلون بها ويرثون مع وجودها. وقوله: (إلا في فرضتين) يعني: هما الغراوان ويقال هما أيضا الغريمتين ويقال لهما أيضا العمريتين وهما تسميتهما بالغراوين لشهرتهما كغرة الفرس في وجهه أو لأن الأم غرت فيهما بفرض وأخذت دونه إذ يفرض لها الثلث فتأخذ مرة الربع ومرة السدس. وأما بالغريمتين فلأن الزوج فيهما كالغريم لا يأخذ أحد إلا ما فضل عنه وأما بالعمريتين فلأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي استفتح الكلام فيهما. وقوله (في زوجة وأبوين فللزوجة الربع وللأم ثلث ما بقي وما بقي للأب).

يعني: هذا أحد الفريضتين وهي خارجة من أقل ما يجمع الربع والثلث وليس إلا اثنا عشر للزوجة وربعها ثلاثة تسعة للأم ثلثها وهي ربع الأصل وللأب ثلثاها وهي نصف الأصل فالأم في هذه سمي لها ثلث وأخذت الربع. وقوله: (وفي زوج وأبوين فللزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وما بقي للأب). يعني: هذه الفريضة الثانية وأصله من ست أقل ما يجتمع فيه نصف وثلث للزوج ثلاثة وللأم ثلث ما بقي وهو واحد من الثلاثة الباقية ومن الستة الأصلية فالمسمى لها ثلث وإنما تأخذ سدسا. وقوله: (ولها في غير ذلك الثلث إلا ما نقصها العول) يعنيك أن الموضعين المذكورين تأخذ فيهما أقل مما يسمى لها وما عدا ذلك فإنها تأخذ الثلث على كماله إن لم يكن حجب أو عول والعول: الزيادة في المفروض بنقص المقادير لاتساع الفرائض وقصر المال فينقض لكل واحد جزء يجتمع منه ما يقابل به ذو القرض الزائد من أهل ذوي الفروض وأجازه مالك وأكثر أهل العلم. ومثاله في مسألتنا زوج وشقيقة يستغرقان المال فيبقى نصيب الأم فيعال به وهو الثلث وأقل ما يجمع نصف وثلث ستة للزوج ثلاثة وللأخت ثلاثة ويزاد بالعول اثنان من ثلث الأصل فتصير من ثمانية فيكون للزوج ثلاثة أثمان وللأخت كذلك وللأم الربع وبالله التوفيق. تنبيه: أصل الفرائض النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما وإن شئت قلت الثمن وضعفه وضعف ضعفه والسدس وضعفه وضعف ضعفه وكل فريضة أقل من ستة فلا عول فيها والعول بحسب الفرض المضايق للفروض وهو أقلها فالزائد على نسبته والله أعلم. وقوله: (إلا أن يكون للميت ولدا أو ولد ابن أو اثنان من الإخوة ما كانا فلها السدس حينئذ) يعني: أن الأم تحجب عن الثلث إلى السدس بالولد وولده والإخوة المتعددين فلها إذا حالات ثلاث: حالة يكون لها فيها الثلث سالما وحالة يكون لها فيها ثلث ما بقي وحالة يكون لها فيها السدس بالأصالة أو بالعرض وقد تقدم كل ذلك.

واعلم أن أصل الفرائض العلم بالحجب وهو نوعانك حجب نقص وحجب إسقاط وكل ذلك مفصل فيمحله ومن حجب النقص انتقال الأم إلى السدس بالولد والأخوين فصاعدا والزوج والزوجة بالولد وسننبه على ذلك إن شاء الله في مواضعه. (وميراث الأب من ولده إذا انفرد ورث المال ويفرض له مع الولد الذكر أو ولد الابن السدس فإن لم يكن ولد ولا ولد ابن فرض للأب السدس وأعطى من شركه من أهل السهام سهامهم ثم كان له ما بقي). الوارثون ثلاثة وارثه بالفرض ووارث بالتعصب ووارث بهما معا على التعاقب والجمع وذو الفروض: كل من له سهم في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان له ذلك بإجماع ونحوه وليس في النساء عاصب إلا الأخوات مع البنات فإنهن يشبهن العاصب وبنات الابن يكون معهن أو تحتهن عاصب فإنه يعصب أخواته ومن فوقه من عماته والوارث بالفروض والتعصيب: هو الأب وأبوه ويرث مع ذوي الفروض بالفرض وإذا انفرد بالتعصيب وإذا كان مع ذوي السهام التي لا تستغرق المال أخذ فرضه مع الفروض ثم أخذ ما بقي بالتعصب مثاله أب وابنة وزوجة فللبنت النصف وهي اثنا عشر من أربعة وعشرين وللزوجة الثمن وهي ثلاثة من أربع وعشرين وللأب أربعة هي سدسها بالفرض الباقي خمسة يأخذها الأب بالتعصيب زيادة على فرضه. (وميراث الولد الذكر جميع المال إذا انفرد ويأخذ ما بقي بعد سهام من معه من زوجة وأبوين أو جد أوجدة وابن الابن بمنزلة الابن إذا لم يكن ابن).

يعني أن الولد الذكر عاصب يرث المال إذا انفرد وما فضل عن ذوي السهام

فقط فلا يرث إلا بالتعصب مع أنه لا يسقط بحال كالأب ففي زوجة وأبوين للزوجة ثلاثة من أربع وعشرين وللأبوين ثلثها وهي ثمانية من الأم والأب بالسواء الباقي ثلاثة عشر فيأخذها الولد بالتعصب. ولو كان الهالك امرأة فللزوج الربع من اثني عشر وهي ثلاثة وللأبوين الثلث وهي أربعة ويبقى خمسة يأخذها الولد بالتعصيب وكون ابن الابن كالابن في عدم الابن لم يرد نصا وإنما ثبت إجماعا والله أعلم. (وإن كان ابن وابنة فللذكر مثل حظ الأنثين وكذلك في كثرة البنات والبنين وقلتهم يرثون كذلك جميع المال أو ما فضل منه بعد من شركهم من أهل السهام وابن الابن كالابن في عدمه فيما يرث ويحجب). ما ذكر أولا ثابت بنص كتاب الله تعالى وكون ابن الابن فيما يرث ويحبج مستنده الإجماع والله أعلم. (وميراث البنت الواحدة النصف وللاثنتين الثلثان فإن كثرن لم يزدن على الثلثين شيئا). هذا لقوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كان نساءً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف} [النساء: 11] فهذه ثلاث فرائض في الأولاد وقد ذهب مالك إلى أن معنى قوله {فوق اثنتين} أنه يقسم بين اثنتين فما فوقهما وقال ابن عباس رضي الله عنه: فظاهر الآية أن الاثنتين كالواحدة ولمالك موافقة في ذلك وأدلة يطول شرحها. وجملة ما في آية الوصية اثنتا عشرة فريضة منها في الأولاد الثلاثة المتقدمة وللأبوين ثلاثة هو قوله تعالى: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس} [النساء: 11] وللزوج والزوجة أربعة النصف ونصفه للزوج والربع ونصفه للزوجة فالأول لكل واحد منها إن لم يكن ولد والآخر إن كان ثم ولد لقوله تعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} الآية: وقوله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة} [النساء: 12]، الآية تضمنت أن الأخ للأم إذا انفرد والموروث كلالة له السدس وإن

تعددوا لهم الثلث هم فيه بالسواء فهذه اثنا عشر فريضة في هذه الآية وفي آية الكلالة أربعة تذكر إن شاء الله فجملة ما في كتاب الله تعالى ستة عشر فريضة فاعرف ذلك وبالله التوفيق. (فإن كانت ابنة وابنة ابن فللابنة النصف ولابنة الابن السدس تمام الثلثين فإن كثرت بنات الابن لم يزدن على ذلك السدس شيئا إن لم يكن معهن ذكر وما بقي للعصبة). ما ذكر في البنت الواحدة مع بنت أخيها أو بناته هو الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنة وبنت ابن وأوجب أن للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين لأنه غاية فرضهن وللأخت ما بقي لأنها بمنزلة العاصب كذا رواه ابن مسعود رضي الله عنه خرجه البخاري وغيره ومتى كان مع بنات الابن عاصب في درجتهن سقط اعتبار الفرض فورثن معه بحكم التعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين. (وإن كانت البنات اثنتين فصاعدا لم يكن لبنات الابن شيء إلا أن يكون معهن أخ فيكون ما بقي بينه وبنيهن للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك إن كان ذلك الذكر تحتهن كان ذلك بينه وبينهن كذلك وكذلك لو ورث بنات الابن مع الابنة السدس وتحتهن بنات ابن معهن أو تحتهن ذكر كان ذلك بينه وبين أخواته ومن فوقه من عماته لا يدخل في ذلك من دخل في الثلثين من بنات الابن). يعني أن بنات الابن يسقطن بالصلبيتين لاستيفاء الفرض من له بالأصالة ثم إن لم يكن معهن ذكر في درجتهن أو تحتهن فهي على الإسقاط وإلا دخلت معه بحكم التعصب لما فضل من الثلثين فكانوا في ذلك للذكر مثل حظ الأنثيين ولو لم يكن في درجتهن ذكر ولكنه تحتهن كابن أخيهن كان هو العاصب فيعصبهن كما يعصب أبوه إن لو كان فيرثن معه على حكم ذلك. ولو كانت بنات ابن لا ذكر معهن والصليبة واحدة قد ورثوا معها السدس ومعهن أخ أو ابن أخ هو العاصب لم يصح له أن يصعد إلا بأخواته ومن فوقه من عماته فيرث معهن بالتعصب كما تقدم إلا أن يكون قد أدخلهن في السدس الذي هو تكملة الثلثين فلا شيء لهن معه في التعصب فلو كانت ابنة وابنة ابن مع أخواته كان

لابنة الابن السدس تكملة الثلثين ثم يأتي ابن أخيها مع أخواتها فيرث ما بقي بالتعصيب معهن ولا شيء لها ولو كانت ابنتين دخلت بنت الابن مع من تحتها والله أعلم. (وميراث الأخت الشقيقة النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان فإن كانوا إخوة وأخوات شقائق أو لأب فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قلوا أو كثروا). ما ذكر في الإخوة والأخوات هو نص آية الكلالة وقد ذكر تعالى فيها أربع فرائض هي قوله تعالى {إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 176] الآية. (والأخوات مع البنات كالعصبة لهن يرثن ما فضل عنهن ولا يربى لهن معهن). قوله: (كالعصبة): إشارة لأن دخولهن بل وجميع الإناث في التعصيب بالفرض لا بالأصالة ومعنى: (لا يربى) أي: لا يزاد لهن معهن يعني إذا استوفت الفروض كزوج وأم وبنتين وأخت للزوج الربع وللأم السدس وللبنتين الثلثان المسألة من اثني عشر: للزوج ثلاثة وللأم اثنان وللنتين ثمانية عالت بواحد فسقطت الأخت ولا يعال لها ولو كان زوج وبنتان كان له الربع ثلاثة وللبنتين ثمانية يبقى واحد تأخذه الأخت أو الأخوات ولا يكمل فرضها لأن لها حكم العاصب والله أعلم. (ولا ميراث للأخوات والإخوة مع الأب ولا مع الولد الذكر أو مع ولد الولد والإخوة للأب في عدم الشقائق كالشقائق ذكورهم وإناثهم). يعني وفي وجود الشقائق كالعدم وما ذكره الشيخ في هذه الجملة نبة به على حجب الإسقاط ومراده على أن كل من يدلي بشخص لا يرث مع وجوده إلا الإخوة للأم وقربى كل جهة تحجب ما بعدها والتعصيب على قدرهم في النصرة فمن كان أولى به في حياته فهو أحق بماله بعد مماته وهم في الإرث على قدرهم في النصرة عادة والله أعلم. (وإن كانت أخت شقيقة أو أخت أو أخوات لأب فالنصف للشقيقة ولمن بقى من الأخوات للأب السدس ولو كانتا شقيقتين لم يكن للأخوات لأب شيء إلا أن

يكون معهن ذكر فيأخذون ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين). يعني لأنهن كالبنات في عدمه البنات فرضا بفرض وحكما بحكم حسبما اقتضته النصوص والله أعلم واللواتي لأب مع الشقائق كبنات الابن مع الصبيان يأخذن تمام الفرض إن كانت واحدة ويسقطن بالأنثيين إلا أن يكون معهن ذكر يعصبهن كما تقدم. (وميراث الأخت لأم والأخ لأم سواء السدس لكل واحد وإن كثروا فالثلث بينهم الذكر الأنثى فيه سواء). قال الله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} [النساء: 12] الآية قالوا: والشركة تقتضي المساواة في النصيب كالحكم فوجب أن يكون الذكر والأنثى في ذلك سواء قالوا: واختص الإخوة لأم بخمسة أشياءك يرثون مع من يدلون به وهي الأم ويحجبونها إلى السدس إذا تعددوا ويرث ذكرهم المنفرد كإناثهم ويتساوون فيما يشتركون فيه ويعدلون بالأنثى في ميراثهم والله أعلم. (ويحجبهم عن الميراث الولد وبنوه والأب والجد). يعني أن الإخوة لأم لا يجبهم عن الميراث إلا عمود النسب الأب وإن علا والابن وإن سفل لأن إرثهم مقيد بالكلالة وهي التي لا والد فيها ولا مولود والله أعلم. (والأخ يرث المال إذا انفرد إن كان شقيقا أو لأب والشقيق يحجب الأخ للأب وإن كان أخ وأخت أو أكثر شقائق أو لأب فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان مع الأخ ذو سهم بدئ بأهل السهام وكان له ما بقي وكذلك يكون ما بقي للإخوة والأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يبق شيء فلا شيء لهم). يعني أن الأخ الشقيق وارث بالتعصيب وكذا الذي لأب في عدمه فيأخذ المال كله إذا انفرد ولا يرث معه الذي لأب شيئا مع الشقيق ولو تعدد الإخوة الوارثون وهم ذكرو كلهم كانوا على السواء ولو اختلفوا بالذكورة والأنوثة فللذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان ذو فرض معه أو مع الجماعة لم يكن له ولا لهم إلا ما فضل عنه الفرض كزوج وأخ له النصف بالفرض ويبقى النصف للتعصيب.

وكذلك الأم والزوجة وغيرهما من ذوي الفروض بالأصالة وبالعرض والله أعلم. وإن استغرقت الفروض المال كزوج وأم وأخ لأم وأخ لأب سقط من لا فرض له فالمسألة من ستة للزوج ثلاثة وللأم اثنان وللأخ لأم السدس ويبقى الأخ لأب لا شيء له ولو كان شقيقا دخل بطريق الأم كما قال. (إلا أن يكون في أهل السهام إخوة لأم قد ورثوا الثلث وقد بقي أخ شقيق وإخوة ذكور أو ذكرو وإناث شقائق معهم فيشاركون كلهم الإخوة للأم في ثلثهم فيكون بينهم بالسواء وهي الفريضة التي تسمى المشتركة). يعني ما ذكهر من أول الاستثناء إلى هنا هي المسماة بالمشتركة وتسمى أيضا الحمارية وهي في امرأة تركت زوجها وأما وأختا لأب وإخوة شقائق وإخوة لأم وأصلها من ست للزوج ثلاثة هي النصف وللأم واحد هو السدس وللإخوة لأم الثلث باثنين بقية المال فقال علي كرم الله وجهه: الأشقياء عصبة وقد نفد المال فلا شيء لهم وقضى به عمر رضي الله تعالى عنه فأسقط الأشقاء فلما ولي الخلافة التفت إليه بعض الشقائق فقال: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا ألسنا بني أم واحدة فهل زادنا الأب إلا قربا؟ فقال: صدق فأشرك بينهم في الثلث فقال رجل: إنك لم تشرك بينهم في عام كذا فقال: تلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا الآن ولا أحرمهم إذا ازدادوا قربا فسميت الحمارية لذلك. (ولو كن من بقي أختا أو أخوات لأبوين أو لأب أعيل لهن ولهن كان من قبل الأم أخ واحد أو أخت لم تكن مشتركة وكان ما بقي للإخوة إن كانوا ذكروا أو ذكروا وإناثا وإن كن إناثا للأبوين أو لأب أعيل لهن والأخ لأب كالشقيق في عدم الشقيق إلا في المشتركة). أما أن دخول الإخوة لأب لا تكون به مشتركة فقد علله الشيخ بانتفائهم من ولادة الأم التي هي علة دخول الشقائق معهم ولا خلاف في ذلك وأنهم لا يرثون إلا بالتعصب فإذا لم يكن له وجه سقطوا وأما كون الأخوات يعال لهن دون الإخوة لأب فلأن الأخوات أهل فروض والفرض لا يسقط ولا يحجب فوجب إيصال الفرض بما أمكن فلو كان زوج وأم وأخت لأم وأخوات شقائق أو لأب لكان للزوج النصف.

وللأم السدس تكلمة الثلثين وللأخت لأم الثلث تتمة المال فيعال للأخت بالنصف والمسألة من ستة فتنتهي إلى تسعة للزوج ثلاثة نصف الأصل وللأم واحد وللإخوة لأم اثنان والثلاثة الزائدة تأخذها الأخت ولو كانتا أختان أعيل لهما بالثلثين وهي أربعة فتنتهي إلى عشرة والله أعلم. وأما إن انفرد بالفرض الأخ الذي للأم فإنه لا يدخل في السدس لضيقه والأخ لأب وحكمهما التعصيب فيأخذان ما بقي وبالله التوفيق والإناث في ذلك على فروضهن فلذلك يعال لهن عند ضيق الفرض عنهن وأما كون الذي للأب في عدم الشقيق كالشقيق يعني يرث بالعتصيب لا غير والله أعلم. (وابن الأخ كالأخ في عدم الأخ كان شقيقا أو لأب). يعني أنه بالتعصيب فقط وإلا فهو يفارق الأخ في خمسة أشياء: لا يعصب أخته ولا يحجب الأم عن ثلثها إذا تعدد ولا يرث مع الجد ولا يتنزل منزلة أبيه في المشتركة ولا يرث بحال والله أعلم. (ولا يرث ابن الأخ لأم والأخ لأبوين يحجب الأخ لأب والأخ لأب أولى من ابن أخ شقيق وابن أخ شقيق أولى من ابن أخ وابن أخ لأب يحجب عما لأبوين وعم لأبوين يحجب عما لأب وعم لأب يحجب ابن عم لأبوين وابن عم لأبوين يحجب ابن عم لأب وهكذا يكون الأقرب أولى). هذا كله من باب الإسقاط ومداره على أن الأقرب يحجب الأبعد من جهته ومن يدلى بشخص لا يرث مع وجوده ومن أدلى بجهتين أولى ممن أدلى بجهة واحدة ومن أدلى بجهة الأم غير أولادها لا إرث له ثم لا يتعداهم الإرث إلى بينهم ذكورا كانوا أو إناثا والله أعلم. (ولا يرث بنو الإخوة ما كانوا ولا بنو البنات ولا بنات الأخ ما كن ولا بنات العم ولا جد لأم ولا عم أخو أبيك لأمه). يعني لأن هوؤلاء كلهم يدلون بالإناث فهم ذووا أرحام مذهب مالك أن ذوي الأرحام ليس لهم ميراث ويقال: إنما سمي الخال خالا لأنه خلا من الميراث والله أعلم. (ولا يرث عبد ولا من فيه بقية رق ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم

ولا ابن أخ لأم ولا جد لأم ولا أم أب الأم). يعين أن شروط الإرث الإسلام والحرية وثبوت الفرض وتحقق التعصيب أو ما في حكمه، فالحرية والإسلام مفقودان من العبد والكافر والمعنى الآخر مفقود ممن ذكر من ابن الأخ لأم فما بعده لأنهم ذووا الأرحام لا العصبة ولا فيهم معنى من التعصيب. (ولا ترث أم أب الأب مع ولدها أبي الميت ولا يرث إخوة لأم مع الجد لأب ولا مع الولد أو ولد الولد ذكرا كان الولد أو أنثى ولا ميراث للإخوة مع الأب ما كانوا ولا يرث عم مع الجد ولا ابن الأخ مع الجد). هذا كله من باب حجب الإسقاط وقد مر أن كل من يدلي بشخص لا يرث مع وجوده إل الإخوة لأم وحجب الإخوة لأم بالجد لأنه من عمودي النسب النافي للكلالة وهم لا يرثون إلا فيها. وكذا الولد وولد الولد لأن الكلالة ما فقد فيه عمودا النسب وأحدهما موجود فيما ذكر فلا مدخل لهم في الإرث والإخوة يدلون بلأب فلا يرثنون معه والعم يدلي بالجد فلا يرث معه وابن الأخ كذلك وأم الأم لأب تدلي بالأب فلا ترث مع وجوده والله أعلم. (ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية ولا يرث قاتل الخطأ منالدية ويرث من المال). موانع الإرث: رق وكفر وقتل عمد مطلقا، وقتل الخطأ من الدية فقط فكان حق الشيخ أن يجمعهما كلها في محل واحد بلا فاصل فلا أدري ما عذره عند ذلك نعم. وكرر الكلام في القتل هنا بعد ذكره في باب الدماء والحدود لأنها تصلح لكل باب منهما كما ذكر اللباس في أول باب جامع الصلاة وقد قدمها في باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة فتأمل ذلك. (وكل من لا يرث بحال فلا يحجب وارثا). يعني كذوي الأرحام ومن منعه كفر أو رق أو قتل عمد ونحوه بخلا من يرث بوجه ما فإنه يحجب في الوجه الذي يرث فيه وقد يحجب ولا يرث كالإخوة لأب مع الأشقاء فإنهم يحجبون الجد عما فوق الثلث ولا يأخذون من ذلك وكذا الإخوة للأم مع

وجود الأب يحبجون الأم عن الثلث ولا يرثون معها شيئا في هذه الصورة والله أعلم. (والمطلقة ثلاثا في المرض ترث زوجها إن مات من مرضه ذلك ولا يرثها وكذلك إن كان الطلاق واحدة وقد مات في مرضه ذلك بعد العدة وإن طلق الصحيح امرأته طلقة واحدة فإنهما يتوارثان ما كانت في العدة فإذا انقطت فلا ميارث بينهما بعدها ومن تزوج امرأة في مرضه لم ترثه ولا يرثها). لما كان المريض مهتما بإخراج وارث بطلاق وبإدخال وارث بنكاحه لم يمنع طلاقه من الميراث عن الجهة التي اهتم بإخراجها وكان هو ممنوعا عنها تفرثه ولو تداولتها الأزواج إن مات من مرضه ذلك لا من غيره ولم يكن نكاحا أيضا مثبتا للتوارث من أجل ذلك فينتفي جملة وتفصيلا وحكم العدة في ذلك حكم العصمة لأنها تابعة لها وقد استوفى الكلام على هذه المسألة في باب النكاح وكررت هنا ليعلم أنها من البابين والله أعلم. (وترث الجدة لأم السدس وكذلك التي لأب فإن اجتمعتا فالسدس بينهما إلا أن تكون التي لأم أقرب بدرجة فتكون أولى به لأنها التي فيها النص وإن كانت التي لأب أقربهما فالسدس بينهما نصفين. في الموطأ أن الجدة لأم جاءت إلى أبي بكر رضي الله عنه تسأله الميراث؟ فقال: لا أرى لك في كتاب الله شيئا ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حتى أسأل الناس فسأل الناس فشهد المغيرة بن شعبة أنه حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدسن فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقال: محمد بن مسلمة الأنصاري فأتى ثم قال مثل مقالة المغيرة فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه. ثم جات الأخرى- يعني التي للأم- إلى عمر رضي الله عنه تسأله ميراثها؟ فقال لها: ما أرى لك في كتاب الله شيئا وما كان القضاء الذي قضبى به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا قال في الموطأ: فقال رجل من الأنصار: يا أمير المؤمنين إن تسقط التي لو تركت الأرض وما عليها لكان ابن ابنها وارثها وتترك التي لو تركت الأرض وما عليها اجتمعتما لم يرثها ابن ابنتها فقال عمر رضي الله تعالى عنه هو السدس فإن اجتمعنا هو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها.

وقوله: (هو السدس) إلى آخره: ثابت في الموطأ وإلى هذه الحكاية أشار بقوله: (لأنها التي فيها النص) يعني: نص الحديث المتقدم والأخرى بالحمل عليه والله أعلم. (وأقرب بدرجة) يعني: بحيث تكون هذه أم الأم مباشرة وتكون أم أب الأب فإن أم الأم تسقطها لأنها تدلي بها من جهة أن أخذ الحكم منها فلا ترث مع وجودها وإن كانت التي للأب أقرب لما يصح الحجب به والله أعلم. (وال يرث عند مالك أكثر من جدتين: أم الأب وأم الأم وأمهاتهما ويذكر عن زيد بن ثابت أنه ورث ثلاث جدات واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب أم أم الأب وأم أب ألأب ولم يحفظ عن الخلفاء توريث أكثر من جدتين). أما أنه لا يرث أكثر من جدتين فهو مذهب مالك وقال الشافعي كل جدة أدلت بوارث فهي وارثة والله أعلم. (وميراث الجد إذا انفرد فله المال كله وله مع الولد الذكر ومع ولد الولد السدس فإنه شركه أحد من أهل السهام غير الإخوة والأخوات فليقض له بالسدس فإن بقى شيء من المال كان له فإن كان من أهل السهام إخوة فالجد مخير في ثلاثة أوجه: يأخذ أي ذلك أفضل إما مقاسمة الإخوة أو السدس من رأس المال أو ثلث ما بقي فأما إن لم يكن معه غير الإخوة والأخوات فهو يقاسم أخا وأخوين أو عدلهما أربع أخوات فإن زادا فله الثلث فهو يرث الثلث مع الإخوة إلا أن تكون المقاسمة أفضل له. والإخوة لأب معه كالشقائق في عدم الشقائق فإن اجتمعوا عاده الشقائق الذي لأب فمنعوه بهم كثرة الميراث ثم كانوا أحق منه بذلك إلا أن يكون مع الجد أخت شقيقة ولها أخ وأخت لأب فتأخذ نصفها مما حصل ويسلم ما بقى إليهم). الجد لا ميراث له في الكتاب ولا في السنة وإنما هو الإجماع قال الفرضيون: والذين يرثون بالإجماع ثلاثة: الجد وبنو البنين والعم وبنوه. قالوا: وللجد سبع حالات وقد ذكرها الشيخ كلها فأولها: أن ينفرد فيرث المال كله بالتعصب.

الثانية: أن يكون معه ابن أو ولد ابن فيفرض له السدس. الثالثة: أن يكون معه من أهل السهام من ليس بأخ ذكر ولا أنثى فليلفظ له بالسدس ويأخذ ما فضل من المال بعد الفروض وإن كان أكثر من السدس. الرابعة: أن يكون من أهل السهام إخوة فيخير في ثلث الباقي والسدس من رأس المال أو مقاسمة الإخوة كأحدهم لأن الذي يدلي به هو الذي يدلون به وهو الأب فهو يقول أنا أبو أبيه وهم يقولون نحن بنوا ابنه. الخامسة: أن لا يكون معه إلا الإخوة الأخوات فلا ينقص من أعلى فرضه وهو الثلث ولا يزاد عليه ما أمكن فيكون له مع الأخوين الثلث ومع الأربع من الأخوات كذلك وإن لم يكن غير أخ فالمقاسمة خير له وكذا أخت وأختين. السادسة: أن يكون مع الإخوة الأشقياء إخوة لأب فيعادونه بهم لئلا يتعدى فرضه وينقص من أعلاه إلى أدناه ثم يأخذون هم نصيب أخواتهم مثاله: أخ شقيق وأخت لأب وجد يفرض لكل واحد ثلث ثم يأخذ الشقيق نصيبه ونصيب أخيه لأبيه لأنه محجوب به والجد قد استوفى غاية فرضه. السابعة: أن تكون معه أخت شقيقة ولها أخ وأخت لأب فتأخذ الأخت نصفها لأنها من ذوات الفروض ويبقى الباقي بينه وبين الذين لأب لأنه كأحدهم والله أعلم. هذا تقرير من كلامه وقد كان السلف يبرءوه من مسألة الجد ويفرون من الكلام فيها حتى قال عمر رضي الله عنه: من خاض في مسألة الجد فقد تقحم النار فكن على بصيرة من كلام العلماء. (ولا يربى للأخوات مع الجد إلا في الغراء وحدها وسنذكرها بعد هذا إن شاء الله). معنى (فلا يربي): لا يعال إلا في الغراء ولها اسمان أحدهما: ما ذكرها به وهو الغراء قيل: لشهرتها وقيل: لأنها غرت الجد على الأخت وتسمى أيضا: الأكدرية قيل: لأنها كدرت على زيد بن ثابت مذهبه في ميراث الأخت مع الجد إذ يمنع ميراثها معه وقيل: لأن أول من ورث بها امرأة من بني الأكدر وقيل: لأن عبد الملك بن مرواه ألقاها على رجل من بني الأكدر كان عارفا بالفرائض فأخطأ فيها وذكرها بعد قوله:

(ولا يعال للأخت مع الجد إلا في الغراء) ونذكرها إن شاء الله. (ويرث المولى الأعلى إذا انفرد جميع المال كان رجلا أو امرأة فإن كان معه ذو سهم كان للمولى ما بقي بعد أهل السهام ولا يرث المولى مع العصبة وهو أحق من ذوي الأرحام الذين لا سهم لهم في كتاب الله). المولى الأعلى هو المعتق بكسر التاء والأسفل بالفتح ولا حظ للمفتوح من الميراث كالمكسور مع وجود وارثه أو عاصب ماكان فهو إذا آخر وارث وليس بعده إلا بيت المال الذي هو مرجع بعض الوارثين. وذوي الأرحام الذين لا سهم لهم في كتاب الله ثلاثة عشر ست رجال وسبع نسوة أما الرجال فابن البنت وابن الأخت وابن الأخ لأم والعم لأم والخال والجد لأم وأما النساء: فبنت البنت وبنت الأخت وبنت الأخ لأم والعمة لأم والخالة والجدة أم أب الأم فهؤلاء لا يرثون باتفاق مالك والشافعي إلا أم الجد فإن الشافعي يورثها في قوله الصيحيح إذ كل جدة أدلت بوارث ورثت والله أعلم. (ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو جره من أعتق إليهن بولاد أو عتق). شرط الإرث بالولاء التعصيب ولا نصيب للنساء فيه إلا مباشرته فإنها ترث به وكذا ما جره إليها ولادة كأن تعتق حاملا فتحمله من ذلك فيكون ولاء ما ولدت كولائها لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها (أو ما جره إليه ولاؤها): كأن تعتق معتقها ثم تنقرض مادة العليا فإنه ينتقل إليها ما دامت مطلقا لأن حكمه حكم ما باشرت عتقه وقدم حكم ذلك في آخر باب الوصايا فانظره. واعلم أن إرث النساء كله بالفرائض إلا أربع فإنه لم يدخلن معنى التعصيب: البنت مع الابن والأخت مع الأخ في درجتها والأخت مع الجد والأخت مع البنت فهن في ذلك كالعصبة لا أنهن عصبة فلا يرثون من الولاء شيئا وإن حكم تعصيبهن والله أعلم. (وإذا اجتمع من له سهم في كتاب الله فكان ذلك أكثر من المال أدخل عليهم كلهم الضرر وقسمت الفريضة على مبلغ سهامهم). أدخل الضرر على الجميع لحق الواحد عد ضيق المال عن الفروض وهو العول

وقد أثبته مالك فينقص من كل نصيب على نسبة ما يجتمع من مجموعه نصيب الباقي بعد الفروض والله أعلم. (ولا يعال للأخت مع الجد إلا في الغراء وحدها، وهي امرأة تركت زوجها وأمها وأختها لأبوين أو لأب وجدها فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس فلما فرغ المال أعيل للأخت بالنصف ثلاثة أسهم ثم جمع إليها سهم الجد فقسم جميع ذلك بينهما على الثلث لها والثلثين له فتبلغ سبعة وعشرين سهما). الفرائض على أقل أنصبائها وهو السدس هنا فالمسألة من ستة وقد أشار إليها بقوله: (أعيل للأخت بالنصف ثلاثة) فتكون تسعة أضربها في عدد المقسوم عليهم وهي ثلاثة تكون سبعة وعشرين فمن له شيء في أصل الفريضة أخذه مضروبا فيما ضربت فيه الفريضة للزوج النصف وهو ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللأم الثلث وهو اثنان في ثلاثة بستة وللجد السدس وهو واحد في ثلاثة بثلاثة وللأخت النصف وهو ثلاثة في ثلاثة بتسعة للأخت ثلثها وهي ثلاثة مع ما لها في نصيب الجد وهو واحد تكون أربعة وللجد ثلثها مع نصيبه من فرضه وهو اثنان فتكون له ثمانية والله سبحانه وتعالى أعلم. خاتمة: هذا الذي ذكرنا في الفرائض على حسب الوقت والحال مع أنه علم وحده ونحن ضعفاء فيه وقصدنا من الكتاب تفكيك ألفاظه وإفاده أهل الخير والدين والمبتدئين بعمله ولا حديث لنا مع فضلاء السادة العلماء ولا مع من لا همة له ولا مع من فيه حسد وإذاية. والله المسئول أن يكفينا شر جاهل يتحامل أو عارف يعرف الحق ويتجاهل ويصرف عنا داء الحاسدين وغيرهم وينفعا به وكل من وقف عليه آمين بمنه وكرمه وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وسلم.

باب جمل من الفرائض ومن السنن الواجبة والرغائب

باب جمل من الفرائض ومن السنن الواجبة والرغائب جمل: جماعات والفرائض جمع فرض هو: ما طلب شرعا بوجه جازم في الطلب وأصله في اللغة التقدير وله ألقاب ستة يقال: فرض وواجب ومكتوب ومحتوم ومستحق ولازم كل ذلك بمعنى واحد والسنن: جمع سنة وهي لغة: الطريق وشرعا: طريقة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا أصل لها في الوجوب والرغائب: جمع رغيبة وهي: ما جاء الترغيب فيه بقول أو فعل. وهذا الباب وما بعده كالجامع للكتاب وضعه الشيخ ليقرب به ما تفرق في الأبواب فينتفع به قاصر الهمة عن الاتساع في العلم لعبادة أو غيرها وبذلك أجاب الشيخ حين سئل عن مراده بها. (الوضوء للصلاة فريضة). لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6] الآية وأخذ بعضهم من هذه الآية وجوهب النية فيه إذا جاء الأمر به لقصد الصلاة فلا تصح بكونه مقصودا لغيرها واختلف في اختصاصه بهذه الأمة فقال ابن العربي: الوضوء أصل في الدين وطهارة للمؤمنين وخاصة الأمة بين العالمين ورد الحديث" هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبل" فأجيب بأن الكلام في أممهم فأجيب بحديث جريح وإن توطأ في بعض روايات البخاري ولا خلاف في تخصيصها بالإثبتات عليه بالغرة والتحجيل والله أعلم. (وهو مشتقق من الوضاءة).

يعني الحسن والنظافة وذلك في الطهر بإزالة الأوساخ والأدران وفي الباطن بتكفيره للذنوب كما صح قالوا: وذلك في الصغائر فأما الكبائر فلا يكفر إلا التوبة قال ابن العربي إجماعا فمن تاب عند كل عضو مما يتعلق به من الكبائر لم يبق له ذنب كبير ولا صغير وبالله التوفيق. (إلا المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين فإن ذلك منه سنة)

يعني: أن كل أفعاله فرض إلا ما استثنى ولم يذكر غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء مع أنه ذكره في باب الوضوء لينبه على وجود الخلاف فيه هل هو مغسول سنة أو للنظافة وكذا فعل في غير موضع يقتصر على كل قول في ناحية ألا ترى كيف قال في مس الذكر أنه ناقض مطلقا في باب ما يجب منه الوضوء وذكره في باب الغسل مطلقا بباطن الكف وذكر في النكاح أن صداق المنكوحة في المرض مبدأ وفي باب العتق أن المدبرة في الصحة مبدأ فتأمل ذلك وقد تقدمت صفة الوضوء أحكامه في بابه. (والسواك مستحب مرغب فيه). يعني في مواضعه الأربعة أي عند كل وضوء وإن لم يصل وعند كل صلاة وإن لم يتوضأ وعند القيام من نوم وعند الفراغ من الطعام وفي كل حال يتغير فيه الفم والذي يستاك به قال ابن العربي: قضبان الأشجار اقتداء بالنبي المختار وأصحابه الأخيار قال وأفضلها الأراك وضعف كراهة بعضهم بذي صبغ لتشبيهه بالنساء بجواز الاكتحال وفيه التشبيه. قيل: وقد كرهه مالك أيضا لذلك وفي إجراء غاسول يمضمض به عنه قولان وكرهه ابن وهب بعود الرمان والريحان وسمع ابن القاسم من لم يجد سواكا فأصبغ يجزء اللخمي والأظهر للمفطر أن يستعمل الأخضر فهو أولى وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه: " السواء مطهرة للفم مرضاة للرب" الحديث وهو آخر فعله فعله السلام من الدنيا كما في الصحيح وقد قال عليه السلام: " لولا أن أشق على أمتي لأمترهم بالسواك عند كل وضوء" رواه النسائي ومالك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواية غيرهما من حديث أبي أيوب " عند كل صلاة" فمن ثم قال بعضهم إنه سنة وقواه (ع) والله أعلم. (والمسح على الخفين رخصة وتخفيف).

يعني: في أي محل كان بشروطه المذكورة في بابه وحكى ابن الطلاع رخصة وهو المشهور وقيل سنة وقيل فرض قال والأحسن أن نفس المسح فرض والانتقال إليه

رخصة ونقل ابن وهب قولا بكراهته عن مالك ورجع لإثباته بعد إنكاره وقال الحسن: رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعون من الصحابة ابن القصار إنكار المسح على الخفين فسق وقال ابن حبيب: لا ينكره إلا مخذول ونقل ابن دقيق العيد عن بعض الصحابة أنه قال قد علمنا أنه عليه الصلاة والسلام مسح عليهما غير أنا لا ندري قبل نزول المائدة أم بعدها. (والغسل من الجنابة ودم الحيض والنفاس فريضة). يعني: إجماعا غير ما يذكر عن البخاري وداود من نفي الغسل من مغيب الحشفة قال ابن العربي: أما دواود فلا حديث لديه وأما البخاري فهو الداء العضاال غير أنه قال الغسل أحوط وهو الذي ذكرنا إنما بينا به اختلافهم فكان كالرجوع للجماعة وإن خالفهم في الدلالة وأحكام ذلك مذكورة في بابه. (وغسل الجمعة سنة). يعني واجبة لقوله عليه السلام: " غسل الجمعة واجب على كل محتلم". رواه الأئمة من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وهو ظاهر في الوجوب لولا حديث سمرة بن جنبد رضي الله عنه: " من توضأ يوم الجمعة ونعمة ومن اغتسل فالغسل أفضل له" رواه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وله شاهد في الصحيح واختلف هل هو للصلاة فيلزم اتصاله بالرواح وهو المشهور أو لليوم فيجوز فعله في كل أجزائه؟ قولان وأحكامه مذكورة في بابه. (وغسل العيدين مستحب). يعني وليس كالجمعة وقيل سنة وفي المدونة: غسل اليدين مستحب حسن وليس كوجوبه في الجمعة ابن يونس: لأن الجمعة فريضة والعيدين سنة وما كان للفريضة آكد مما كان للسنة وقد تقدم في بابه والله أعلم.

(والغسل على من أسلم فريضة لأنه جنب). هذا هو المشهور ورواية ابن القاسم والحائض ونحوها لما تقدم لها من ذلك وقيل: مستحب تعبدا وإليه ذهب القاضي إسماعيل فلو لم يتقدم موجب سقط على المشهور واستحب على الشاذ ويتيمم مع عدم الماء على المنصوص إلى أن يجد كالجنب ولو اغتسل قبل إسلامه مجمعا على الإسلام صح على المشهور وقيل: لا يصح كالإسلام قبل الشهادة إلا لعجز ولا يصح الغسل قبل العزم باتفاق وأصل المسألة حديث ثمامة بن أثال وهو في البخاري وغيره وروى ابن شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك والله أعلم. (وغسل الميت سنة). هذا هو الذي شهره المغاربة وصرح به ابن بزيزة وعبد الوهاب وابن محرز وصحح وقيل: فرض وهو معتمد العراقيين وقاله ابن عبد الحكم يعني فرض الكفاية وذلك في غير شهيد المعترك ومن لم يستهل صارخا من الأطفال والكافر لا حديث عليه غير أنها تجب مواراته فقط لقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70] الآية. (والصلوات الخمس فريضة). يعني إجماعا فيكفر جاحدها ويعاقب تراكها مع الإقرار بها بقتله على المذهب وقال ابن حبيب: يكفر كأكثر المحدثين والإمام أحمد وقال أبو حنيفة: يبالغ في عقوبته فقط وقد صح" بين الكفر والإسلام الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر" قيل: حقيقة وقيل: يعني عمل بأعمال الكفار. (وتكبيرة الإحرام فريضة).

قال ابن رشد باتفاق المذهب وعن مالك يحملها الإمام عن المأموم وأنكر والقيام لها واجب بقدرها وروى: " إلا المسبوق" وفي الصحيح:" مفتاح الصلاة الطهر وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" وفي محله مذاهب. (وباقي التكبير سنة). يحتمل كل تكبيرة في ذاتها وكلها سنة واحدة وهما قولان حكاهما ابن رشد وأخذ من قول ابن القاسم أن كثره واجب وقليله سنة لقوله: لا يسجد للواحدة ولا يعيد للانثتين ويعيد لثلاثة إن لم يسجد حتى سلم وطال وقيل هو فضيلة. (والدخول في الصلاة نية الفرض فريضة). وكذا تعيين الصلاة في النية وكونها مع الإحرام لا بعده إجماعا ولا قبله بكثير كذلك وفي تقديمها بيسير خلاف مبني على أنها ركن وشرط ونية اقتداء المأموم فرض كاتفاق نيتهما لا متنفلا خلف مفترض ولا يلزم نية الإمامة على المشهور إلا في الجمع والجمعة والاستخلاف وصلاة الخوف. (ورفع اليدين سنة). يعني عند الإحرام كذا ذكره ابن رشد ولا شيء في تركه والمشهور فضيلة وثالثها مخير فيه ورابعها مكروه وخامسها يمنع وحكاه اللخمي وسادسها برفع الرجل دون المرأة وفي الرفع عند الركوع مع الإحرام روايتان وقاله ابن وهب وزاد عند القيام

من اثنتين قد تقدم. (والقراء بأم القرآن في الصلاة فريضة). يعني على الفذ والإمام فقط قيل وعلى المأموم في السر وقيل في كل ركعة وقاله مالك وابن القاسم والعراقيون وشهره عياض أو في جل الصلاة رواه ابن رشد وشهر أيضا وثالثها رواية أبي عمر في النصف ورابعها قول المغيرة إنما تجب في ركعة فقط وخامسها لابن شبلون هي سنة ونحوه رواية ابن زياد وأحب إلي إعادة من لم يقرأ في صلاته ورواه الواقدي والظاهري صحة صلاة من لم يقرأ بها وعلى الوجوب يجب تعلمها وتعليمها وإلا وجب ائتمامه فإن لم يمكن فهل تسقط وهو المشهور أو فرضه ذكر أو يفي قدرها؟ أقوال ولا خلاف في عدم وجوبها على الأخرس كجميع الواجبات القولية والله أعلم. (وما زاد عليها سنة). يعني في الثنائية وأولى الرباعية وظاهر ما هنا أن السنة الزئادة فقط وفي الصلاة خلافه وقد مر الخلاف فيه وقيل فضيلة وذكر حكمها في النافلة وقيل فريضة والله أعلم. (والقيام والركوع والسجود فريضة).

أما القيام ففرض على القادر في الفرض فلا يجب في النفل على قادر ولا عاجز ابتداء ولا دواما على المشهور والعاجز عن الاستقلال يستند ثم إن لم يقدر جلس مستقبلا ثم إن لم يقدر استند لغير حائض وجنب ثم يضطجع وفي اضطجاعه هيئات كلها مستحب وهل القيام واجب لذاته أو لما يكون فيه من إحرام أو قراءة وهو المشهور قولان والرفع من الركوع والسجود واجب على المشهور وهل لذاته أو لكمالها قولان ولا خلاف في وجوب الفصل بين السجدتين. (والجلسة الأولى سنة والثانية فرض).

إن أراد بالثانية قد إيقاع السلام فقط فهو المشهور وإن أراد مع قدر التشهد فهو جار على قول أبي مصعب وروايته أن التشهد الأول فريضة. (والسلام فريضة). يعني: باتفاق عند ابن رشد من قول ابن القاسم فيمن أحدث في آخر صلاته بعد سلام إمامه أنها تجزئة عدم وجوبه وتكلم فيه المازري وغيره. (والتيامن به قليلا سنة). وقيل فضيلة وقال ابن شعبان إن سلم على يساره بطلت وقد تقدم ما فيها وقد قالوا تدخل الصلاة بفرضين وسنتين وتخرج بفرضين وسنتين فتدخل بالنية والإحرام وبالإقامة ورفع اليدين وتخرج بجلوس والسلام وبالتشهد والتيامن. (وترك الكلام في الصلاة فريضة). يعني إلا إذا كان لإصلاحها فمن تكلم عامدا بطلت وهل إشارة الأخرس ككلامه ثالثها إن قصده كان وإلا فلا. (والتشهدان سنة).

يعني: أن كل واحد بعضه سنة وهو المشهور وقيل فضيلتان وروى أبو مصعب وجوب الثاني قيل والجلوس الأول كذلك. (والقنوت في الصبح حسن وليس بسنة). يعني على المشهور وقيل سنة وقال يحيى بن يحيى غير مشروع وأخذ من قول ابن زياد تفسد صلاة تاركه وجبا. (واستقبال القبلة فريضة). يعني في كل فرض ونفل مع الذكر والقدرة إلا النافلة في القصر فله أن يصليها.

حيث ما توجهت به دابته كما تقدم في باب جامع الصلاة واعلم أن أركان الصلاة ثمانية وشروطها النية والإحرام والقراءة والقيام والركوع والسجود والجلوس والسلام ومدارها على أقوال وأفعال فالأقوال كلها سنة إلا ثلاثة تكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن والسلام والأفعال كلها فرض إلا ثلاثة رفع اليدين عند الإحرام والجلسة الوسطى والتيامن من السلام وهذا الاختصار ذكره ابن رشد وبالله التوفيق. (وصلاة الجمعة والسعي إليها فريضة). وذلك على كل حر ذكر بالغ مقيم حيث توفرت شروطها وانتفعت موانعه وهي بدل من الظهر في الفعل وقيل فرض يومها وعليهما من لم يدرك إلا آخر جزء منها هل يبني على إحرامه ويكمل أربعا أو يعيد احتياطا أقوال والسعي المشي إليها وقد تقدم حد وجوبه. (والوتر سنة واجبة وكذلك صلاة العيدين والخسوف والاستقساء). باتفاق المذهب في الكل إلا الوتر فقيل بوجوبه لقول سحنون يجرح تاركه وأصبغ يؤدب ورد بأن ذلك للتهاون بالسنن وصلاة العيدين فقيل فرض كفاية والمشهور خلافه وآكد السنن الوتر ثم العيدان ثم الكسوف ثم الاستقصاء. (وصلاة الخوف واحبة أمر الله سبحانه بها وهو فعل يستدركون به فضل الجماعة).

يعني صلاة الخوف التي على الكيفية المذكورة في بابها لا غيرها وكأنه يقول وجوبها وجوب السنن وهو الصلاة في الجماعة والله أعلم. (والغسل لدخول مكة مستحب). المشهور سنة ويستحب بذي طوى إن أمكن الباجي وهو للطواف ولولا ذلك ما سقطت عن الحائض ونحوها. (ولجمع ليلة المطر تخفيف وقد فعله الخلفاء الراشدون). ابن يونس فعله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وقال ابن قسط الجمع ليلة المطر سنة ماضية أي دليله السنة أوكيفيته والمشهور رخصه وعليه فله راجحة أو مرجوحة أو مساوية؟ فاللخمي مع الأكثر راجحة ولابن رشد مرجوعحة أخذ من تعليله قول مالك من صلى في بيته من طين أو أذى بطريقه أرجو أنه في سعة فإن فضل الوقت أفضل من صلاة الجماعة وفي المسألة ست أقوال تقدمت. (والجمع بعرفة ومزدلفة سنة واجبة) الأول عند النزول مع الإمام بعد خطبته فإن لم يكن فوحده فإن ترك فعليه دم وبمزدلفة بعد مغيب الشفق بعد حط رحله فلو صلى قبل ذلك أعاد العشاء وقد تقدم في الحج وكل جمع للصلاتين فهو رخصة إلا لهذين فإنهما سنة والله أعلم.

(وجمع المسافر في جد السير رخصة). يعني بتقديم العصر إن كان في المنهل أول الوقت وتأخير الظهر إذا كان على طهر وكذا المغرب والعشاء والمشهور أنه لا يتشرط جد السير ولا سفر القصر ولا كراهة على المشهور قاله في المقدمات. (وجمع المريض يخاف إن يغل على عقله تخفيف). يعني: في إجزائها إذا لم يصبه شيء أو أفاق في جزء من الوقت وإلا فسقوطها بخروج الوقت قبل إفاقته أو إصابتها في خناق منه والله أعلم. (وكذلك جمعه لعلة به فيكون ذلك أرفق به). وكذلك الجمع الصوري ونحوه بتأخير الأولى لأول الثانية واختلف في إجازته لا لسبب وذكر الباجي جوازه فانظره فيما تقدم. (والفطر في السفر رخصة والإقصار فيه واجب). يعني وجوب السنن بشرطه وهو المسافة والإباحة وغيرها وفيه أقوال مشهورها ما ذكر والمذكور أن الإفطار رخصة مرجوحة قالوا والفرق بينهما وبين الصلاة أن الصوم مخروج فيه إلى عدم والصلاة مبدلة بكيفية هي مقصودة من الشارع وفي الحديث: " خيار أمتي الذين إذا أساءوا استغفروا وإذا سافروا قصروا وأفطروا" وراه بعض أصحاب السنن والله أعلم. (وركعتا الفجر من الرغائب وقيل من السنن).

يعني: غير مؤكدة إذ قال في المدونة وليس كتأكيد الوتر في الإرشاد نافلة وقد مر ما فيها في باب صفة الصلاة.

(وصلاة الضحى نافلة). يريد مما فعله عليه السلام ودوام عليه ولم يظهره في جماعة أو أظهره ولم يداوم عليه وقد رواها ثلاثة عشر إنسانا من الصحابة عياض واختلفت الروايات فيها من اثنتين إلى اثنتي عشرة ومنتهاها عند أهل المذهب ثمان وأقلها ركعتان وأوسطها ستة ووقتها حل النافلة. (وكذلك قيام رمضان نافلة وفيه فضل كبير ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). يعني نافلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أظهره مرة ثم ترك خشية أن يفرض عليهم ورغب فيه بالحديث المذكور ويعني إيمانا بما جاء فيه من الثواب واحتسابا يعده عند الله لا لغرض دنيوي وقد تقدم في باب الصيام وحديثه رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه. (والقيام من الليل في رمضان وغيره من النوافل المرغب فيها). يعني بالقول والفعل فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك صلاة الليل في حضر ولا سفر ولا يقال لأجل وجوبها عليه فقط بل ولتقدتي به أمته ولأن الدوام عليه يحصل ليلة القدر ضرورة وقد صح فيه أحاديث كثيرة فانظرها فيما تقدم. (والصلاة على موتى المسلمين فريضة عامة يحملها من قام بها وكذا موراراتهم في الدفن وغسلهم سنة واجبة). يعني كلاهما فرض كفاية وشهر وعن أصبغ الصلاة سنة كفاية ونقل ابن زرقون عن تلقين الشارقي مستحب وعلى المشهور يصليها بعد الكفاية معين في فرض الكفاية وقيل مستحب فانظر ذلك والدفن فرض كفاية بلا خلاف والله أعلم وقد تقدم ما جاء في الغسل قريبا وهذا موافق له فهو تكرار لا شك فيه. (وكذلك طلب العلم فريضة عامة يحملها من قام بها إلا ما يلزم الرجل في خاصة نفسه). يعني بالعلم: العلم بالله وبما جاء به أمر الله وما يرجع إلى ذلك من مقدماته ومتمماته التي لا بد منها وفرض العين منه ما لا يؤمن الهلاك مع جهله دينا ودنيا وفرض الكفاية ما لا تلق له به في الحال مع تعلق الغير به أو توقعه في المآل وقد أجمعوا

على أنه لا يجوز لأحد أن يقوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه ولا يلزمه التوسع إلا قدر ما تعلق به فقط. (وفريضة الجهاد عامة يحملها من قام بها إلا أن يغشى العدو محلة قوم فيجب فرضا عليها قتالهم إذا كانوا مثلي عددهم).

ولا خلاف في ذلك ويجب النصر على من وراءهم على التوالي إلى منتهى

الإسلام بقدر الطاقة كما تقدم في باب الجهاد فانظر هناك. (والرباط في ثغور المسلمين وسيدها حياطتها واجب يحمله من قام به). وقد صح: " من رابط في سبيل الله فواق ناقة حرمه الله على النار" وروى: " كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت من خشية الله وعين سهرت في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله" جلعنا الله منهم بمنه وكرمه وقد تقدم. (وصوم شهر رمضان فريضة). يعني مجمع عليها لأنها من القواعد الخمسة ويسقط في الحال عن المريض والمسافر والحائض ثم يقضون وهل بالأمر الأول فيكون واجبا في ذلك منعه مانع أو إباحته رخصة أو بأمر جديد في الحال وثالثها يجب على المسافر دونها والخلاف لفظي وجاحد وجوبه كافر وتاركه إهمالا المشهور لا يكفر ولا يؤمر به المطيق الذي لم يبلغ على المشهور وقيل يؤمر وهل وجوبا أو استحبابا قولان: (والاعتكاف نافلة). وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى مات واعتكف أزواجه من بعده ثم ترك قال مالك وما أراهم تركوه إلا لشدته وما ذلك إلا لأن نهاره وليله سواء وقد تقدم في بابه. (والتنفل بالصوم مرغب فيه). يعني في عموم الأوقات التي لا نهي فيها فقد قال صلى الله عليه وسلم " يقول الله تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" فقيل معنى قوله: (فإنه لي) أي: لا يطلع عليه غيري وقيل: هو تشبه بوصفه قيل والصائم صابر {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] وأجاز مالك صيام الدهر ورأى النهي فيمن لا يطيق أو من لا يفطر الأيام المنهي عن صومها لحديث حمزة بن عمر والأسلمي رضي الله عنه وغيره. (وكذلك صوم يوم عاشوراء ورجب وشعبان ويوم عرفة والتروية لغير الحاج أحسن منه للحاج). أما عاشوراء فكان واجبا ثم نسخ وفي الإكمال قول بأن وجوبه باق وخرج البخاري فيه: " يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده" وذلك لأن يوم عرفة يجمع فضيلة العشر إلى فضيلة اليوم لقوله عليه الصلاة

والسلام: " ما من أيام العمل أحب إلى الله من أيام العشر" الحديث. ويوم عاشوراء ليس له إلا فضيلة اليوم ويتفقان في كونهما في شهر الحرم والله أعلم وهل هو التاسع أو العاشر وهو المشهور أو الحادلي عشر أقوال واستحب ابن حبيب فيه التوسعة في الإنفاق ولما جاء من أنه يوسع على فاعله بقية سنته. وأحاديث الغسل فيه والكحل والعشر ركعات كل ذلك لا يصح منه شيء خلاف الترغيب في الصلاة والصدقة ونحو ذلك إنما كان الفطر أفضل للحاج بعرفة يوم عرفة للتقوي على الوقوف وكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والأجر على قدر الاتباع لا على قدر المشقة وحديث صوم شعبان رواه مسلم وروى غير واحد قيام ليلة النصف منه. وقال ابن العربي في صلاتها ليس يها حديث يساوي سماع ورد قول من قال: إنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم قائلا هذا قول من تعدى على كتاب الله وانظر العارضة ولم يرد في رجب شيء يعتد به غير أنه من الحرم وقد قال عليه الصلاة والسلام: " صم من الحرم ودع وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" على أنه يحتمل الخصوص والمذهب ما ذكر والله أعلم. (وزكاة العين والحرث والماشية فريضة). من الأصول المجمع عليها التي من جحد وجوبها كفر ومن تركها مع الإقرار بوجوبها اختلف في إيمانه وشروطها وتفاصيلها في بابها. (وزكاة الفطر سنة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم). قيل يعني هي فرض بالسنة لا بالقرآن وقيل حكمها السنية وفرضها بمعنى قدرها والمشهور الأول وقيل هي داخلة في عموم قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] وقيل مأخوذة من قوله تعالى: {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14] أي: أعطى زكاة الفطر: {وذكر اسم ربه} [الأعلى: 15] في الخروج للعيد {فصلى} [الأعلى: 15] صلاة العيد وعزي هذا القول لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

بشرط الاستطاعة ويصح دنها من مكلف بالغ عاقل حر ويجزئ ويصح ممن سواه غير المجنون ولا يجزئ عن الفرض إذا استطاع وقد تقدم تفسير ذلك وتفصيله في بابه وأنه من القواعد الخمس التي يكفر جاحدها ويختلف في إيمان تاركها مع توفير شروطها من غير جحد والله أعلم. (والعمرة سنة واجبة). يعني مؤكدة على المشهور وقال ابن الجهم فريضة وهي نصف أفعال الحج ولها حكمه فيما يتعلق بها من أفعاله وهي الإحرام والطواف والسعي والحلاق وقد تقدم.

(والنية بالحج فريضة). يعني وكذا بالإحرام وهل هي الإحرام وهو قول القاضي وابن يونس وقول المازري ينعنقد بالنية وابن بشير لا ينعقد بها وقول اللخمي يجزئ على الخلاف في انعقاد اليمين بالنية والمشهور بالنية مع قول أو فعل يناسب الحج كالتلبية والأخذ في المشي والاستواء على الراحلة أو استوائها به والتلبية سنة يجب الدم بتركها جملة ويرجع لها فيما قرب وقال ابن حبيب فرض كتكبيرة الإحرام للصلاة لا ينعقد الإحرام إلا بها وهو ظاهر ما تقدم للشيخ في باب الحج. (والطواف للإفاضة فريضة والسعي بين الصفا والمروة فريضة). يعني وكلاهما ركن إذ أركان الحج أربعة الإحرام وطواف الإفاضة والسعي والوقوف بعرفة وقوله: (وكذا الطواف المتصل به). يعني: بالسعي واجب ثم قال وطواف الإفاضة آكد منه والطواف للوداع سنة يعني أن طواف القدوم أطلق عليه الوجوب من جهة اشتراطه في واجب وهو السعي وطواف الإفاضة واجب لذاته لأنه طواف الركن ويسمى طواف الزيارة وطواف الوداع ليس بواجب لذاتته ولا لغيره وإلا فالأصل في طواف القدوم أنه سنة والله أعلم. (والمبيت بمنى يوم عرفة سنة). يعني ولا دم على تاركه على المشهور وهو قول الشافعي وغيره حتى أنه يتركه من يخاف على نفسه من يبيت به ليلة أو من غده وقد قال ابن العربي وعلى تاركه الدم. (والجمع بمعرفة واجب). يعني وجوب السنن أبو عمر سنة إجماعا من فاته مع الإمام جمع وحده فإن لم يفعل فهل عليه دم أم لا؟ اختلف في ذلك. (والوقوف بعرفة فريضة). يعني جزأ من ليلة يوم النحر والنهار سنة ولو قل ويتمادى بالوقوف على أي جهة كان ولو بأدنى لبث وفي تأديته بالمرور اختلاف إذا نوى ويجب الارتفاع من بطن عرنة وقال ابن المواز: كتب إلي أصبغ المسجد من بطن عرنة فمن وقف في المسجد فلا حج له وحكى ابن المواز عن مالك حجه تام ويلزمه دم.

(ومبيت المزدلفة سنة واجبة). يعني: ويكفي من أدنى شيء فلو لم ينزل بها لزمه دم ولو نزل ثم ارتحل قبل الفجر فلا دم عليه أبو عمر إن ترك النزول بها لعذر فلا شيء عليه وإن ترك النزول بها وبالمشعر فعليه الدم ولو كان لعذر. (ووقوف المشعر الحرام مأمور به). يعني: في كتاب الله ومحمله عند مالك على الندب وقال الشافعي ركن واختلف فيه قول عبد الملك والمشهور لا دم لتركه وقيل فيه الدم ابن رشد وفعله آكد من نزول المزدلفة وقال بعض المتأخرين بوجوبه. (ورمي الجمار سنة واجبة). وقال عبد الوهاب: جمرة العقبة ركن وهي التحليل، وكذا الحلاق سنة للتخليل أيضا فيحل به كل شيء إلا الطيب والنساء والصيد واختلف في الحلاق في العمرة فقيل سنة للتحليل وقيل ركن والله أعلم. (وتقبيل الركن سنة). يعني الحجر الأسود على الوجه المذكور في بابه والمشهور سنة أو لا مستحب في كل شوط من الطواف عند الوصول إليه كاستلام اليماني. (والغسل للإحرام سنة والركوع عند الإحرام سنة وغسل عرفة سنة والغسل لدخول مكة مستحب). وقيل بالعكس وقد تقدم أن غسولات الحج سبعة للإحرام ولدخول مكة وللسعي وللوقوف بعرفة وللوقوف بمزدلفة ولرمي الجمار ولطواف الإفاضة على ما أخذه القرافي في قول الجلاب يغتسل لكل أركان الحج. (وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة). يعني كانت الجماعة كبيرة أو صغيرة على المشهور وقال ابن حبيب تتفاضل بالكثرة يريد فيما وراء الخمس العشرين كذا نص عليه بعض الشافعية والله أعلم. وأحاديثها صحيحة والكلام فيها معلوم فلا نطول به. (والصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فذا أفضل من سائر المساجد

واختلف في مقدار التضعيف بذلك بين المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يختلف أن صلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه وسوى المسجد الحرام وأهل المدينة يقولون: إن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون الألف هذا كله في الفرائض وأما النوافل ففي البيوت أفضل). حاصل هذا الكلام أن الصلاة في مسجدي الحرمين أفضل من الصلاة في كل مسجد دونهما حتى بيت المقدس وبيت المقدس أفضل مما دونه وهذا مما لا خلاف فيه وإنما اختلف فيما بين المسجدين الكريمين فالمشهور أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل لأنه الذي اختار الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. وقال ابن وهب وابن حبيب بالعكس بعد إجماعهم على أن موضع قبره عليه الصلاة والسلام أفضل بقاع الأرض قلت وينبغي أن يكون موضع البيت بعده كذلك ولكن لم أقف عليه لأحد من العلماء فانظره. وقد قال عليه الصلاة والسلام: " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" متفق عليه من حديث ابن الزبير رضي الله عنه. واختلف في قوله: " إلا المسجد الحرام" هل المراد فهو مثله أو يفضله بهذا المقدار بل بدونه وهو الذي حكاه الشيخ عن أهل المدينة والمسجد الحرام أفضل منه وهو نص رواية ابن حنبل في حديثه قال فيه: " وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة" وصححه ابن حبان إلا أن تصحيحه معلوم بالتساهيل فلا يكون حجة والله أعلم. وكون النوافل في البيوت أفضل عموما هو الصحيح وظاهر نص الحديث الصحيح. (والتنفل بالركوع لأهل مكة أحب إلينا من الطواف والطواف للغرباء أحب إلينا من الركوع لقلة وجود ذلك لهم). هذا هو المشهور والمعمول والمجاور الذي طالت مدته من أهل مكة وللشيوخ في ذلك كلام لا أستحضره الآن وبالله التوفيق، ولما انتهى ذكر الشرائع أراد الشيخ الكلام على أحكام الودائع وهي الجوارح فقال: (من الفرائض غض البصر عن المحارم)

لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} [النور: 30] الآية. أمر في طي نهي يتبعه تحضيض ويلحقه تهديد نص الشافعي علىتحريم الخلوة مع الشاب الجميل وإن أمنت فتنته وقال ابن الفاكهاني: مقتضى المذهب أن ذلك لا تحريم إلا بما يتضمنه فإن غلبت السلامة ولم يكن للقبيح مدخل فلا تحريم هذا معنى كلامه ومذهب الشافعي أمس بسد الذرائع وأقرب للاحتياط لا سيما في هذا الزمان الذي اتسع فيه البلاء واتسع الخرق على الراقع والله أعلم. (وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج). قال ابن عطية الظاهر في قوله تعالى {من أبصارهم} أن {من} للتبعيض لأن أول نظرة لا يملكها الإنسان إنما يغضون فيما بعد ذلك فقد وقع التبعيض بخلاف الفروج. وفي الحديث" لا تتبع النظر النظرة فإن الأولى لك وليست لك الثانية" قال ذلك لعلي كرم الله وجهه ولما سأل جرير رضي الله عنه وحكى ابن القطان أنها لا تتعلق بها كبيرة ولكنها أعظم الجوارح آفة على القلب وأسرع الأمور في خراب الدين والدنيا وأفاد قول الشيخ بغير تعمد أن تعمد الأولى مساو لثانية الفجأة في الحكم وهو صحيح والله أعلم. (ولا في النظر إلى المتجالة ولا في النظر إلى الشابة لعذر من شهادة عليها وشبهه). المراد بالمتجالة العجوز التي سقطت حاجة الرجال منها فحكمها في النظر حكم الرجال لقوله تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيبابهن غير متبرجات بزينة} [النور: 60] الآية والشهادة تبيح النظر إلى الشهود عليها وتأمل صفاتها للتثبيت في الشهادة وليتق الله ما استطاع ولا يحل له النظر بالشهوة ولا التمادي عن تحريك النفس لها وشبه الشهادة في ذلك الطب وما يجري مجراه مما تدعو الضرورة إليه ولا يصح بدون الرؤية.

(وقد أرخص في ذلك للخاطب). يعني أن من أراد نكاح امرأة جاز له النظر إليها لقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات وصححه الحاكم ومشهور المذهب أن ذلك لا يجوز إلا بعد إعلامها به لا غفلة وروي: " لا بأس به وعليها ثيابها" وقال ابن القصار ومال إلى نظر ما سوى السوأتين وظاهر كلام الشيخ أن ذلك مباح فقط ومشهور المذهب أن ذلك مستحب وقال ابن القصار وقد نظر عمر رضي الله عنه إلى أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه. (ومن الفرائض صون اللسان عن الكذب والزور والفحشاء والغيبة والنميمة والباطل كله). الصون: الحفظ، والكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه والزور: الشهادة على ما لا يتحقق علمه والفحش الكلام القبيح الذي تنفر النفوس منه لقبحه والغيبة: ذكر الإنسان بما فيه مما يكره أن لو سمعه واختلف في ذكر ذلك بحضرته وقال عليه السلام: " أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا الله ورسوله أعلم قال: " ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته". أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والنميمة نقل الحديث على جهة الإفساد والباطل ضد الحق وهو أكثر من أن يحصى لكن قال علماؤنا- رحمهم الله- لما علم تعالى أن آفات اللسان لا تحصى ولا يحاط بها حصر ذلك بقوله العزيز {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء:114] الآية. ولا خلاف في قبح الكذب وتحريمه في الجملة إلا أنه قد يباح لدفع الضرر في مواضع وربما وجب فيها ولا يجوز لجلب منفعة بحال ومما يجب فيه دفع الظلم عن نفسه وماله وستر عرضه فإذا سئل عن معصية فعلها فلا يجز له الإقرار بها وكذا في حق غيره.

إلا في موجب حكم بشرطه والتعريض أولى ويباح للزوجة والولد استئلافا لدفع مفسدة نفورهما ونحوه. وفي الجهاد وتغيير المنكر بشرطه وفي الإصلاح بين الناس ومراتب الكذب والترهيب منه ومواضعه كثيرة وقد استوفى الإمام الغزالي جلها في " الأحياء" فمن أراد ذلك فعلهي به. وفي الحديث:" من شهد شهادة زور علق من لسانه يوم القيامة" وعدها عليه السلام في السبع الموبقات ولا خلاف في أنها كبيرة وقال عليه السلام: " تعرف الشمس؟ " قال: نعم. قال: " على مثلها فاشهد وإلا فدع إن الله يبغض الفاحش والمتفحش البذيء" يعني لا يتقي فحش ما تكلم به وقال عليه السلام: " الغيبة أشد من ثلاثن زنية في الإسلام وإن ردهما في الربا كأن ينكح أمه وإن أبى الربا عرض المرء المسلم" وتباح الغيبة في مواضع تذكر بعد إن شاء الله. وقال الشيخ تقي الدين السبكي: هي من الصغائر لعموم البلوى بها يريد إن وقعت فلتة لأن ذلك لا يخلو عنه الصالحون إلا فالتمادي علهيا كبيرة كسائر الصغائر وللقرطبي هي من الكبائر ويكفي في قبح الغيبة وذمها تشبيه الله إياها بأكل المغتاب لحم ميتة من اغتابه إذ قال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتمون} [الحجرات: 12] وقد ذكر سبحانه في أول الآية أصل الغيبة في الغالب وأصل أصلها فأما أصلها فالتجسس وأصل أصلها الظن فمن لم يظن لم يتجسس ومن لم يتجسس لم يصل للأمور الجلية غالبا ومتعلق الغيبة في الغالب الأمور الخفية ومن أراد أن لا يفوته خير لم يفته شر فاحذر من الظن والتجسس نتج من الغيبة في الغالب وبالله التوفيق. ولا خلاف أن النميمة من الكبائر وصاحبها ممقوت عند الله وعند الناس سواء من نقل له أو من سمع بذلك ويقال من نقل لك نقل عنك ومن قال لك قال فيك وقد سمى الله تعالى النمام فاسقا فقال عز من قائل: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} [الحجرات: 6] وقرئ: فتثبتوا، وقال عليه السلام: " لا يدخل الجنة قتات".

يعني نماما متفق عليه من حديث حذيفة رضي الله عنه وفي البخاري وغيره أنه عليه السلام مر بقبرين فقال: " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" الحديث وإنما اتفقا في العذاب لاتفقاهما في الخساسة والتلويث وأكبر النميمة السعاية وهي الإدلاء بالناس للظلمة. قال بعض الأئمة: وقد بحث عن فاعلها فلم يوجد قط إلا ولد زنا وأخذ من قوله تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين (10) هماز مشاء بنميم (11) مناع للخير معتد أثيم (12) عتل بعد ذلك زنيم} [القلم: 10 - 13] إن النمام لا يكون إلا ولد زنا ولا يصح ويحكى أن رجلا كتب إلى ابن عباد الصاحب: إن ههنا مال يتيم مهمل فأنت أولى به فأجابه: المال ثمرة الله والولد أصلحه الله والنمام لعنه الله ومراده بالباطل ما لا يهدي إلى حق ولا يعين على خير ولا يهدي إليه وأنواعه لا تنتحصر ولا تحصى لكن الله عز وجل حصرها بقوله العزيز: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء: 114] وقال صلى الله عليه وسلم: " كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر وذكر الله". وقد استوفى الإمام أبو حامد الغزالي وأبو طالب المكي كثيرا من آفات اللسان واستقصوا الكلام على ذلك فمن أراد ذلك فعليه بمطالعتهما ناويا العمل بما يعلم وإلا فهو حجة عليه نعم والجهل به أعظم من تركه مع علمه وبالله التوفيق. (قال الرسول عليه الصلاة والسلام " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" وقال عليه السلام: " من حسن إسلم المرء تركه ما لا يعنيه". أما الحديث الأول فمتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ومعناه أن من مقتضيات الإيمان حفظ اللسان إلا عن الخير وفي مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه قالت: يا رسول الله أي المسلمين أفضل قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده" وقال صلى الله عليه وسلم " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة". رواه البخاري من

حدث رضي الله عنه ومعنى الخير هنا ما فيه سلامة ومنفعة من الكلام قال العلماء رضي الله عنهم ومتى استوى الكلام والصمت في المنفعة فالصمت مقدم لأنه أسلم. ومتى ترجح أحدهما كان لازم الوقت وقد قال الشيخ أبو علي الدقاق رضي الله عنه من سكت عن الحق في محله فهو شيطان أخرس. ويروى عن مالك أنه قال: من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وبالله التوفيق وحديث: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" عام في كل شيء يأتي الكلام عليه بعد إن شاء الله تعالى وهو أعم موقعا من الذي قبله إذ يجري في الأقوال والأفعال وغيرها ومدار ذلك على أن الأمور أربعة: ضرورية لا بد منها وحاجية يتأكد وجودها وتكميلية يحسن تحصيلها وخارجة عن ذلك فكل ما كان من الثلاثة الأول فهو مما يعني وما كان من الرابع فهو مما لا يعني والغالب عليه الضرر وإيثار السلامة في كل شيء يوجب اقتصار المرء على ما يعنيه دون غيره كما قيل: وقائله ما لي أراك مجانبا ... أمورا وفيها للتجارة مربح فقلت لها ما لي بربحك حاجة ... فنحن أناس بالسلامة نفرح وفي رسائل الشيخ سيدي أبي عبد الله محمد بن عباد رحمه الله من فعل في هذا الزمان بغير ما أوجب الله عليه فقد اشتغل بما لا يعنيه يشير إلى الأمر العامة والله أعلم. (وحرم الله سبحانه دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم إلا بحقها ولا يحل دم امرئ مسلم إلا أن يكفر بعد إيمانه أو يزني بعد إحصانه أو يقتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض أو يمرق من الدين). مدار هذه الجملة على حديثين أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه مسلم وهو بيان لقوله في الذي

قبله إلا بحقا فهذا حقها الذي تستباح به وقد ذكر عليه السلام أصوله وهي ثلاثة: الحد والقود والارتداد. ومعنى المروق من الدين الخروج منه كما يمرق السهم من الرمية إذ يخرج منها ثم لا يعود إليها والله أعلم. (ولتكف يدك عما لا يحل لك من مال أو جسد أو دم ولا تسع بقدميك فيما لا يحل لك ولا تباشر بفرجك أو بشيء من جسدك ما لا يحل لك قال الله سبحانه وتعالى {والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون: 5] إلى قوله: {فأولئك هم العادون}. هذا واضح والذي يحل لك تناوله من المال هو ما لك ملك فيه أو إذن من مالكه أو من الشارع صلوات الله عليه وسلامه وقد قال عليه السلام: " أحل ما أكل الإنسان من كسبه وإن ولده من كسبه" الحديث وأم الجسد فالعورة من كل إنسان لا يجوز لمسها كما لا يجوز النظر إليها إلا لضرورة مبيحة كالزوج والزوجة والأمة المباحة لسيدها فإنه يجوز لكل من الزوجين وإن بغير ضرورة وإن كره ومن ذلك لمس ما لا يحل له لمسه من امرأة أو صبي بشهوة ونحو ذلك ومباشرة الفرج يكون بثلاثة الزنا واللواط والاستمناء فالأولان محرمان إجماعا والاستمناء مختلف فيه فمذهب الجمهور إلى المنع وقال أحمد هو كالفصادة وعن الحسن إنما هو ماؤك فأرقه وعن مجاهد كانوا يعلمونه صبيانهم ليستعفوا به عن الزنا وعن ابن عباس الخضخضة خير من الزنا ودليل المنع قوله تعالى: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 6] وليس هذا بواحد منهما ولا يدخل الملوك في الاستثناء بدليل القرآن بالأزواج. وحكى بعض المقيدين جوازه عن الشافعي وهو باطل بل هو عن الشيعة الخارجين عن الحق وإما تكلم ابن العربي في أحكام القرآن على هذه الآيات ذكر مذهب الإمام أ؛ مد ثم قال وهذا من الخلاف الذي لا يجوز العمل به وليت شعري لو كان فيه نص صريح بالجواز أكان ذو همة يرضاه لنفسه وما يذكر فيه من الأحاديث ليس فيها ما يساوي سماعا وقد عده البلالي في اختصار الإحياء من الصغائر يعني من صغائر الخسة والله أعلم. (وحرم الله سبحانه الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن يقرب النساء في دم حيضهن ودم نفاسهن وحرم من النساء ما تقدم ذكرنا إلياه وأمر بأكل الطيب

وهو الحلال). الفواحش: جمع فاحشة وهو ما تزايد قبحه من فعل أو قول وقيل ما ظهر كالزنا واللواط وما بطن الاستمناء وما في معناه وقيل الزنا وما يتصل به وقيل ما ظهر على الجوارح وما بطن في الضمائر قال الله تعالى: {قل إنما رحم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم البغي بغير الحق} [الأعراف:33] الآية والإثم من اسماء الخمر قيل: فهي المراد هنا وبهذا تكون الآية نصا في تحريمها ويحرم الفحش في الأقوال والأفعال وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبغض الفاحش البذيء" أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي الدراء وصححه والبذيء بالمعجمة الذي يصرح بما يكنى عنه من القبيح والله أعلم. فأما إتيان النساء في الحيض والنفاس فلقوله تعالى: {ويسئلونك عن الميحض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة: 222] الآية ففرج الحائض والنفساء حرام إجماعا إلى انقطاع دمها وفيها بين طهرها وغسلها اختلاف مشهوره المنع وأنه لا يبيحها إلا الغسل بالماء خلافا لابن بكير وفي الصحيح لتشد مئزرها وشأنك بأعلاهها وبحسبه منع ما دون ذلك الفرج مما تحت الإزار وخففه ابن حبيب وأصبغ بقولهما إنه ذريعة فلا يضر لمن تحفظ. ومذهب مالك كفارة على من أتى أهله في ذلك وليستغفر الله ويتوب إليه فإنه أعظم من أن يكفر وفي الحديث: " إن كان في أول الحيض تصدق بدينار وإن كان في آخره فنصف دينار وقال به الشافعي ابن رشد ولو عمل به عامل ما كان مخطئا والله أعلم. وأما ما حرم الله من النساء فتقدم ذكرهن في النكاح عند قوله: وحرم الله سبحانه من النساء سبعا بالقرابة إلخ وقوله وقال صلى الله عليه وسلم: " يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب". وقوله وحرم الله سبحانه وطء الكوافر إلى آخره وقد أنهى عبد الوهاب المحرمات من النساء إلى أربعين ونوعهن أنواعا تقدم كل ذلك في باب النكاح وبالله التوفيق. وأما أمره تعالى بأكل الطيب ففي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من

طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: 172] وأمر بأكل الحلال والشكر عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين" فذكر هذه الأية مع قوله: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] وتفسير الطيب بالحلال هو قول مالك وجماعة من العلماء في قوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات} [الأعراف: 157] ولعلها المستلذات وكل صحيح لأن المستلذ لا يكون طيبا إلا مزوجا حلالا وإذا كان من وجه حرام فهو خبيث. (فلا يحل لك أن تأكل إلا طيبا ولا تركب إلا طيبا ولا تسكن إلا طيبا وتستعمل جميع ما تنتفع به طيبا ومن وراء ذلك أمور ومتشابهات من تركها سلم ومن أخذها كان كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه). يعني أن الطيب الذي هو الحلال مطلوب في كل مستعمل فلا يحل كسب المال من غير حله ولا استعماله في وجه من وجوه الانتفاع عند القدرة على الحلال ويلزمه أشبه ما يقدر عليه لكفافه عند التعذر وقد قال ابن عبدوس عماد الدين وقوامه طيب المطعم فمن طاب كسبه زكا عمله ومن لم يطب كسبه خيف عليه أن لا تقبل صلاته وصيامه وحجه وجهاده وجميع عمله لأن الله سبحانه قال {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27] ثم ذكر حديثا عن سحنون عن ابن القاسم عن عبد الله بن عبد العزيز الزاهد يرفع الحديث إلى عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام قال: " المؤمن الذي إذا أصبح نظر من أين قرصاه وإذا أمسى سأل أين قرصاه" قلت: يا رسول الله لو علم الناس لتكلفوا فقال: " قد علموا ولكنهم غشموا المعيشة غشما" قال الشيخ: أي: تكلفوا وتعسفوا تعسفا. وروي عنه صلى الله عليه وسلم: " من أمسى وانيا من طلب الحلال أصبح مغفورا له" ثم الحلال ما انحلت عنه التبعات فلم يتعلق به حق لله ولا حق لغيره وهل هو ما جهل أصله أو ما علم أصله وأصل اصليه أقوال أرجحها الأول؛ لأنه أشبه بيسر الدين قال

بعض العلماء وقد خلق الله المال حلالا كما خلق الماء طهورا فكما لا ينجس الماء إلا ما غيره كذلك لا يحرم المال إلا ما غيره إلا أن الشارع لما رأى حرص النفوس على التحفظ في الطهارة تساهل فيها ولما رأى تساهلها في الأمولا تحفظ فيها فاستعمل الورع في هذه دون تلك حتى قال ابن عمر رضي الله عنه إني لأجعل بيني وبين الحرام سدة من الحلال ولا أحرمها وأشار الشيخ بقوله ومن وراء ذلك أمور متشابهات لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه " الحلال بين والحرام بين وبينهما متشابهات لا يعملها كثير من الناس ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن أخذها كان كالراتع حو الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل مالك حمى ألا وإن حمى الله محارمه" الحديث وهو أحد الأحاديث التي يدور عليها أمر الدين البلالي رحمها لله في اختصار الإحياء وكشف الشبهة مهم فمحض الحلال كماء مطر أخذ قبل وقوعه وضده كخمر وزنا ونحوهما قال: وحد الشبهة تعارض احتمالين ومثاراتها كثيرة شكه في تسبب حله وتحريمه. ثم ذكر تفصيله إلى ذكر شبهة الاختلاط وأن أموال زماننا من اختلاط غير محصور بغير محصور فلا يحرم التناول قال: وتحريم بقرينة كأموال الظلمة وفيه نظر قال وما جهل من هدية ومبيع غيرهما فرخصة ويحرم بحثه عنه لإيذاء مالكه ويده دليل ملكه ويجب بحثه عما علم غالبا محرما فقط وإلا فورع قال: ولو اشتبه بماله حرام رد مثله ومن غيره أو لا وتركه أعلى ثم قال: ومن بأحد ماليه شبهة فما تيقن حله فلقوته وكسوته والشبهة لمنافع منفصلة وإن اختلط فاشترى على ذمته ونقد ما اشتبه ثمنا قال: وشك بلا علامة وسوسة فانظر ذلك وإنما آثرته للاختصار والتخفيف وقد رايت بخط شيخنا القوري رحمه الله أن الشيخ العالم سيدي أحمد بن علي الغلالي سأل بعض المشارقة هل للمالكية تأليف مستقل في الحلال والحرام قال لا إلا ما للفقيه راشد وأكثر مسائله مخرجة من كلام الغزالي في الإحياء أو أكثرها لا يسلم له ولا يسلم له وبالله التوفيق. (وحرم الله سبحانه أكل المال بالباطل ومن الباطل الغصب والتعدي والخيانة والربا والسحت والقمار والغش والخديعة والخلابة). معنى الباطل هنا: ما لا يباح شرعا وإن جر فائدة ونفعا وقد تقدم أن الغصب

أخذ المال قهرا بغير قتال ولا حرابة والتعدي التصرف بما لا يؤذن فيه مما تحت يدك وتناولته بوجه الأمانة والخيانة: جحد الأمانة وما يؤدي إلى ذلك والربا الزيادة في الأجل أو في الثمن على غير وجه سائغ والسحت ما أخذ من أموال الناس بغير سبب معتبر كالرشوة والسؤال للتكثر لأنه عليه السلام سمى الرشوة سحتا وقال لقبيصة بن أبي المخارق رضي الله عنه: " أن المسألة لا تحل إلا لثلاث لرجل تحمل حمالة حتى يؤديها ولرجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجي من قومه قد أصبات فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يجد قواما من عيش أو سدادا من عيش أو يسأل الرجل ذا سلطان قال فما سوى ذلك يا قبيصة قال سحت يأكلها صاحبها سحتا" الحديث. والقمار: هو إلقاء شيء في مقابلة شيء أو لشيء معلقا بشيء إن صح أو بطل أخذه مقابل من تعلق به ذلك الشيء وقد جعل صلى الله عليه وسلم كفارة الهم به الصدقة إذ قال عليه الصلاة والسلام: " من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق ومن حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله" رواه البخاري وغيره. فأما الغش والغرر والخديعة والخلابة فمن عوارض البيوع وقد تقدم تفسيرها عند قوله: ولا يجوز في البيوع التدليس ولا الخديعة إلى آخره فانظره هناك وبالله التوفيق. (وحرم الله سبحانه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وما ذبح لغير الله وما أعان على موته ترد من جبل أو وقذة بعصا أو غيرها والمنخنقة بحبل وغيره إلا أن يضطر إلى ذلك كالميتة وذلك إذا صارت بذلك إلى حال لا حياة بعده فلا ذكاة فيها). الميتة ما ماتت لا بذكاة وهي حرام إجاعا إلا في صيد البحر وطافيه خلافا لأبي حنيفة في الطافي وهو الذي ألقاه البحر ميتا وحجه الجمهور في إجازته حديث جيش الخبط إذ وجدوا حوتا ألقاه البحر يقال له العنبر فأكلوا منه وأدهنوا أياما وكانوا يحملون الدهن من أعينه بالقلال ودخل في إحدى عينيه سبع رجال لم ير أحدهم الآخر وجلس في إحدى عينيه ثلاثة عشر رجلا وأقام أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه ورحل ظعينة فلم تمس الضلع وأنهم حملوا منه إلى المدينة فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن العربي وهو

مستثنى من عموم قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3] والجراد عند جماعة من العلماء لقوله عليه السلام: " أحلت لنا ميتتان ودمان" فالميتان الجراد والحوت وأما الدم فالكبد والطحال أخرجه أحمد وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنه وفيه ضعف فلذلك لم يقل به مالك. وقال به ابن عبد الحكم من أهل المذهب كالشافعي وأما الجراد فلا يفتقر إلى ذكة وإطلاق الدمين على الكبد والطحال مجاز أو قريب منه وإلا فهما لحم وأما الدم فلا خلاف في تحريم المسفوح أي الجاري وبذلك جاء نص القرآن وأما الباقي في العروق ففي أكله قولان حكاهما اللخمي قال وأما شاة شويت قبل قطعها فلا خلاف أن ما فيها لايضر لعدم بروزه والله أعلم. وقوله: (ولحم الخنزير) هو نص القرآن ولا مفهوم له بل كل شيء من الخنزير حرام أكله إجماعا وقد توقف مالك في خنزير الماء من جهة تسميته وقال أنتم سميتموه خنزيرا وقوله: {وما أهل لغير الله به} وما ذبح لغير الله قال بعض الشيوخ الجملة الثانية تفسير الأولى أي أن ما أهل لغير الله به هو عين ما ذبح لغير الله. قال ابن حارث ما ذبحوه على النصب والأزلام حرام اتفاقا التونسي الظاهر أنه ما ذبح للصليب كذلك إلا أن يكون ما ذبح للأصنام لا تقصد به ذكاة وقال ابن القاسم بكراهة ما ذكروا عليه اسم المسيح رواه أشهب وقال يباح أكله لأن الله قد أباح ذبائحهم لنا وقد علم ما يفعلون وفيما ذبحوه لكنائسهم ثلاثة الكراهة للمدونة والتحريم والإباحة والمشهرو كراهة ما ذبحوه لأعيادهم وكذا العوامر الجن ما لم يكن قصد الذكاة لها فيحرم فانظر ذلك فأما المنخنقة وأخواتها فالمشهور تحرم إذا أنفذت مقاتلها وقيل لا. ومنشأ الخلاف: قوله تعالى: {إلا ما ذكيتم} هل المراد مها فلا تحرم ما لم تفت بنفسها أو إلا ما ذكيتم من غيرها فتكون حراما بوصفها وقد تقدم الكلام علهيا في باب الضحايا فانظره. (ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها

طرحها

يعني: المضطر الذي بلغ منه الجوع مبلغا يخاف به على نفسه ولا يلزمه التأخير إلى أن يشرف لأنه إذ ذاك لا ينفعه الطعام وما ذكره من شبعه وتزوده نحوه في الموطأ قال الباجي يريد أنه إذا استباحها لذلك لا يقتصر على سد الرمق بل يشبع الشبع التام ويتزود لأنها مباحة له كما يشبع من الطعام المباح ابن حبيب إنما يأكل ما يرد رمقه ثم لا يأكل بعد حتى يناله من الضرورة مثل الحال الأولى وثالثها يشبع ويتزود في زمن المسبغة لا في غيرها وإن وجد طعام الغير بالصدقة لم تحل له وله أن يقاتلهم عليه إن قدر وكذا سرقته إن لم يخف القطع ونحوه وقال مالك وإذا أخذ من طعام للغير فإنما يأخذ سد رمقه ورد جوعه ولا يتزود لأنه حقوق الآدميين لا تتجاوز الضرورة في إباحتها قال الباجي وفي لزوم غرمه قولان للجلاب وغيره حكاهما الباجي والمشهور الأخير ولا يأخذ. قال المغيرة: إلا بعد استعطائه وطلب الشراء منهم بذمته لا أولا وكذا نص عليه الباجي وبالله التوفيق والمشهور عدم أكل ميتة الآدمي وصحح الجواز أيضا وفي تعارض صيد المحرم والميتة المشهور تقديم الميتة وقال ابن عبد الحكم لو نابني لأكلت الصيد والله أعلم. (وكل شيء من الخنزير حرام).

يعني: أكله سواء دمه أو لحمه أو عظمه أو شحمه أو جلده وكذا الانتفاع به والمشهور جواز الخرز بشعره خلافا لأصبغ وهو ظاهر ما هنا وقال سحنون يطهر جلده بالدباغ ابن شاس كل يحوان غير الخنزير يطهر بذكاته كل أجزائه من لحم وعظم وجلد وقال ابن حبيب لا يطهر بها بل يصير ميتة واختلف في علة تحريم الخنزير وذكر ابن جزلة أن لحمه يشبه لحم الآدمى في قوامه ولونه وطعمه وغير ذلك وعليه فيكون تحريمه سدا للذريعة عن أكل لحم الآدمي فتأمل ذلك وذكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب له في أصول الفقه في تكفير آكل لحمه اختلافا لأنه شعار الكفار ثم قال والصحيح أنه عاص غير كافر والله أعلم. (وحرم الله سبحانه شرب الخمر قليلها وكثيرها وشراب العرب يومئذ فضيخ التمر وبين الرسول عليه السلام أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام فكل ما خامر العقل فأسكره من كل شراب فهو خمر وقال عليه السلام إن الذي حرم شربها حرم بيعها).

حفظ العقول أحد الكليات الخمس التي اجتمعت الملل على وجوبها فالسكر حرام ي كل ملة وانفردت هذه الملة بتحريم القليل من السكر وإن كان لا يسكر حسما للذريعة وإنما ذكر أن الشرب كان عند تحريم الخمر فضيخ التمر ردا على من يرى أن لا خمرا إلا من عنب والفضيخ بالفاء والمعجمتين بينهما تحتية ساكنة قال الجوهري وهو شراء كانت العرب تصنعه من البردون أن تمسه نار. وفي حديث أنس رضي الله عنه لقد أنزل تحريم الخمر وما في المدينة شراب يشرب إلا من تمر أخرجه مسلم وعن أبي عمر رضي الله عنه: " نزل تحريم الخمر وهي من خمسة العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل" متفق عليه وفي حديث جابر رضي الله عنه: " ما أسكر كثيره فقليله حرام" وأخرج أحمد بن حنبل وأصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان ومعنى خامر العقل: أي خالطه وقول الشيخ من الأشربة يدل على أن التحريم تعلق في ذلك بالمشروب دون المأكول لأنه لا يوجد مسكر في غيرها وعلى هذا فالحشيشة ليست بمسكرة وقد اختلف فيها سيدي

عبد الله الموفي وسيدي أبو عبد الله بن الحاج شيخا الشيخ خليل فكان المنوفي لعدم تمالك أهلها عنها وإنفاق الأموال فيها. وقال ابن الحاج إنما هي مفسدة وذكر القرافي أن فائدة الخلاف تحريم القليل ونجاسة العين ولزوم الحد إن كانت مسكرة وإلا فلا وقال الفقيه أبو عبد الله المغربي في قواعده إنما الخلاف فيها بعد قليها وتكييفها للأكل وإلا فهي كالعنب للخمر لا يحرم عينه ولا زرعه إجماعا وقوله عليه السلام " إن الذي حرم شربها حرم بيعها" نص صريح في تحريم بيعها. وحديث الهجرة عن جابر رضي الله عنه أنه سمع عليه السلام يقول عام الفتح: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والأصنام" متفق عليه فهي حرام البيع كما أنها حرام العين وقال عليه الصلاة والسلام: " من أخر العنب حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار بصيرة" ولعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمبر عاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها ومن ابتيعت له وشاهدها وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له مما وقع في ذلك للقاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله أيام قضائه أن رجلا اجتاز عليه وفي يده خمر وهو ممن لا يقدر عليه فقال ما هذا الذي بيدك قال الخمر حملتها لأمي لأنها نصرانية وقد كلفتني حملها ورأيت برها واجبا قال القاضي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملها ثم أمر الحاضرين بلعنه ثم اتسع الأمر حتى شاع لعنه في المدينة وعرف به فخرج منها ويحكى عن سحنون إجازة شرائها لتدفع في فداء أسير للضروة قائلا: وأي ضرورة بعد هذا أو كما قال فانظره. (ونهى عن الخليطين من الأشربة وذلك أن يخلطا عند الانتباذ وعن الشرب ونهى عند الانتباذ في الدباء والمزفت). فاعل النهي هو النبي صلى الله عليه وسلم والحديث رواه في الموطأ وغيره وفيه نهى أن يشرب التمر

وبالزبيب جميعا وفي رواية عطاء نهى عليه السلام أن ينتبذ البسر والتمر والرطب جميعا فإن يسرع الغليان فيؤدي ذلك إلى الشدة المحرمة وكذا الانتباذ في الدباء أي في القرعة اليابسة. و (المزفت): هو الذي عليه زفت من الأواني وحديثه متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه وفد عبد القيس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشربة؟ فنهاهم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير وربما قال المزفت الحديث. والحنتم هو المزجج من أواني الفخار والنقير خشبة ينقرونها ثم ينبذون فيها والمقير هو الذي عليه القار وهو المزفت وقد اختلف العلماء في هذا الحديث والذي قبله هل حكمه باق وهو مذهب مالك وجعله أصلا في سد الذرائع وقال غيره هو منسوخ بقوله عليه السلام: " انتبذوا وكل مسكر حرام" وأظنه مذهب الشافعي والله أعلم. ثم في حمل النهي على التحريم أو على الكراهة قولان وفي كون النهي عن الخليطين تعبدا أو لعلة قولان لابن رشد وظاهر المذهب التعبد وكراهة النضوج للمرأة من الخليطين روايتا ابن رشد ولا خلاف في كراهته من حيث إنه طعم وفي جواز خلط التمر والزبيب للخل وكراهته قولان لرواية أشهب ورواية ابن عبد الحكم ونقل ابن زرقون عن اللخمي عن بعض شيوخه منع خلط الشاربين للمريض. وحكى ابن يونس عن بعض إجازته ولابن حبيب عن مالك النهي عن الخليطين وإن كانا من جنس واحد كزبيب وعنب إلا الفقاع أصبغ تستخف تحليته بالعسل الباجي وهذا يجب منعه لأن كل واحد منهما نبيذ منفرد واختلف قول مالك في العسل يطرح فيه عجين أو حريرة فروى ابن القاسم في العتبية لا بأس به وهو أحب إلي. وفي المبسوط عن مالك منع شراب الفقاع وأجازه ابن وهب وهو المشهور وقاله أشهب وسحنون وقال ابن القاسم في العتبية لا بأس بالعسل باللبن لأنه خلط مشوبين فلم يره كالانتباذ كشراب الورد وشراب النيلوفر وغيرهما. وفي المدونة لا يعجبني أن ينتبذ البسر المذنب والتمر جميعا والمذنب هو الذي قد أرطب بعضه. (ونهى عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل لحوم الحمر الأهلية ودخل مدخلها لحوم الخيل والبغال لقوله تعالى: {لتركبوها وزينة}

[النحل: 8]). أما النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وقال فأكله حرام وهذا زيادة من أبي هريرة على حسب فهمه لا يلزمه اتباعها عبد الوهاب الني عندنا عن أكل كل ذي ناب محمول على الكراهة وفي الجواهر السباع كلها مكروهة من غير تمييز ولا تفصيل في رواية العراقيين وظاهر الكتاب يعني المدونة موافق لها وأما الموطأ فظاهره أنه حرام وقال ابن حبيب لم يختلف المدنيون في تحريم السباع العادية الأسد والفهد والكلب فأما غير العادية كالذئب والثعلب والضبع والهر والوحش والإنسي يكره أكلها من غير تحريم. وروى عبد الرحمن بن دينار عنا بن كنانة أن كل ما يفترس ويأكل اللحم فلا يؤكل وما كان مما سوى ذلك مما يعيش بنبات الأرض ونحوه فلم يرد فيه نهي قال وأما الإنسي من ذوات الحافر فالخيل مكروهة دون كراهة السباع وقيل محرمة وحكى ابن بشير قولا بالإباحة والحمير مغلظة الكراه وقيل محرمة. والمشهور في الكل التحريم قال الشيخ لقوله تعالى: {لتركبوها وزينة} يعني أن الله عز وجل لما ذكر الأنعام قال: {لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} [النحل: 5] ولما ذكر هؤلاء لم يذكر غير الركوب والزينة فدل أنه لا يجوز فيها إلا ذلك. وقد أمر صلى الله عليه وسلم عام خيبر أبا طلحة أن ينادي في الناس: إن الله ورسوله ينهياكنم عن الحوم الحمر الأهلية فإنها رجس متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه وفي حديث جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ورخص في الخيل وأخذ به الشافعي ولا خلاف في جواز أكل حمار الوحش ولو دجن كان له حكم الإنسي على المشهور خلافا لعبد الملك والله أعلم. (ولا ذكاة في شيء منها إلا في الحمر الوحشية). يعني فإنها تؤكل بما يؤكل به الوحش ما دامت متوحشة على المشهور. ابن شاس: الذكاة توجب طهارة ما ذكي مطلقا سواء قلنا يؤكل أو لا يؤكل إلا الخنزير فتطهر كل أجزائه من لحم أو عظم أو جلد وقال ابن حبيب: لا يطهر بها بل هو ميتة واستشكل ما في المدونة من طهارة جلد السباع بالذكاة دون جلد الحمار وتوقف.

مالك في الكيمخت وهو جلد الفرس وأجيب بأن ذلك سد للذريعة من أكلها لأنه سهل التناول وفيها لا يصلى على جلد حمار وإن زكي وذكر بعض العلماء أن تحريم لحم الحمار لأنه يرث قلة الفهم والملة مبنية على الفهم والبغل من نسبته والخيل يورث الكبر وهو بعيد والله أعلم. (ولا بأس بأكل سباع الطير وكل ذي مخلب منها). يعني أن الطير كلها مباح بلا كراهة هذا هو مشهور المذهب حتى في الخطاف على المشهور وقيل يكره لقلة نفعه مع أنه يتحرم بالبيوت وروى ابن أبي أويس لا يؤكل كل ذي مخلبمن الطير وقال به الشافعي ولم يقل به مالك اعتمادا على حديث أبي هريرة رضي الله عنه إذ لم يذكر ذا المخلب ولهذه المسألة وجه في الأصول وحاصل ما في المسألة الجواز والتحريم والكراهة والمشهور الأول والله أعلم. (ومن الفرائض بر الوالدين وإن كانا فاسقين وإن كان مشركين فليقل لهما قولا لينا ولعاشرهما بالمعروف ولا يطعمها في معصية كما قال الله تعالى وعلى المؤمن أن يستغفر لأبويه المؤمنين وعليه موالاة المؤمنين والنصيحة لهم ولا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه كذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

جملة ما ذكر في هذه الجملة راجع للنصيحة لخاصة المسلمين وعامتهم وقد قال صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة" قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين ولخاصتهم". رواه مسلم من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه فمن

النصيحة لخاصة المسلمين بر الوالدين وصلة الرحم وتعظيم حرمات المسلمين والموالاة لهم وقد قال تعالى في حق الوالدين: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لما قولا كريما (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء: 23 - 24] الآية. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة عندهم بآبائهم لكفرهم أن يستوصوا بهم خيرا وقال صلى الله عليه وسلم: " رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين". أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وصححه الحاكم وقوله: " ولا يطعهما في معصية" مأخوذ من قوله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي} [لقمان: 15] فأمر بمحاسنة الأبوين ومصابحتهما بالمعروف واتباع أهل الإنابة وصدق الإجابة وقد قال علماؤنا إذا لم يجد سبيلا إلى علم ما يجب عليه إلا بالسفر عنهما لزمه ولا عبرة برضاهما ولا عدمه في ذلك وقوله كما قال سبحانه يحتمل أن يعود لأصل المسألة فيكون إشارة لقوله تعالى: {وقضى ربك} الآية ويحتمل أن يعود لعدم طاعتهما بمعصية فيكون إشارة لقوله تعالى: {وإن جاهداك} الآية فتأمل ذلك. وقال ابن عطية رحمه الله في تحريم ما يجب على الولد لأمه وأبيه ما معناه لا يعصيهما في مباح ولا يطيعهما في معصية ويترك لهما المندوبات والمستحبات وانظر بقية كلامه وفي الصحيح: " لا يجزئ والد عن ولده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" قال ابن العربي فيخلصه من أسر الرق كما خلصه من أسر الصغر وقيل غير ذلك ولا خلاف أنهما على السواء في تحريم العقوق ووجوب البر غير أن الأم أرجح في الإبرار المندوب لضعفها ورقتها وشدة ما لقيت من الحمل والتربية فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: " أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك" وقد توكل بعض الناس لأمه على أبيه فقيل له في ذلك فقال: سترت وجه أمي وقمت بحق ضعفها وصنت أبي عمن يتوكل عليه من الجهال ولعل الله أن يصلح بينهما كذا ذكره في القبس وبالله التوفيق.

وأشار بالاستغفار لأبويه المؤمنين إلى أن الكافرين لا يستغفر لهما لقوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113] الآية وقد روى عبد الوهاب أن رجلا قال يا رسول الله إن لي أبوين هلكا فهل بقي علي من برهما شيء قال: " نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وانقاذ عهودهما وصلة رحمهما" زاد ابن العربي" وإكرام صديقهما" يعني: لقوله عليه السلام: " إن من أبر البر إكرام الرجل أهل ود أبيه" ومعنى الاستغفار الدعاء بالمغفرة ولا خلاف أن الدعاء يصل الميت كالصدقة واختلف في القراءة وقد قال بعض متأخري الشافعية تضافرت مرائي الصالحين على وصولها وأخذ انتفاع الميت بالذكر من حديث الجريدتين إذ قال عليه السلام: " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" قال ابن الحاج في المدخل ومن أراد وصول قراءته بلا خلاف فليجعل ذلك دعاء بأن يقول اللهم أوصل ثواب ما أقرؤه إلى فلان وكذا الشيخ الصالح الفقيه (ع) يصلي على أمه قال بعض شيوخنا وهذا يدل على أنه كان مجتهدا فيما يخصه لنفسه والكلام في المسألة طويل عريض فانظره. (وموالاة المؤمنين) الألفة معهم وإعانتهم على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم (والنصيحة لهم) الإرشاد والتحذير مما يضر أو يكاد وأصل النصيحة في اللغة: الخلوص والصفاء فمصافاة المؤمنين والخلوص لهم من واجبات الدين ولا يصح له ذلك إلا بأن يقيمهم مقام نفسه في كل ما يجب أن يعاملهم به بل يعاملهم بما يجب أن يعاملوه به أو أوفي وذلك لا ينشأ إلا بمباشرة الإيمان حقيقة قلبه فيكون معهم كالنفس الواحدة وسيأتي معنى الحديث بعد إن شاء الله. وقوله: (كذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه تقصير في السياق لأن (روي) من صيغة التمريض والصواب الجزم فقال لأن الحديث متفق عليه وبالله التوفيق وأما صلة الرحم فواجبة إجماعا قال القرافي: في كل قرابة قريبة تنشر الحرمة بحيث لو كان أحدهما ذكر والأخرى أنثى حرم كل منهما على الآخر كالعم والخال والأخ وابن الأخ والأخت وابن الأخت وما سوى ذلك فهي مستحب وفي الحديث " من أراد أن يبسط له في

رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه" وفي الصحيح" الرحم شجنة وصل الله من وصلها وقطع الله من قطعها" وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة قاطع رحم" متفق عليه وفي الخير" صحبة يوم صحبة وصحبة شهر قربة وصحبة سنة رحم ماسة وصل الله من وصلها وقطع الله من قطعها" فاعرف ذلك. (ومن حق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض ويشمته إذا عطس ويشهد جنازته إذا مات ويحفظه إذا غاب في السر والعلانية). يعني: أن هذه الخمس لا يجوز للمسلم تركها في حق أخيه المسلم لغير ضرورة فأما السلام فهو للتأمين أو الإبرار وستأتي أحكامه إن شاء الله وأما عيادة المريض فلجبر قلبه واختبار حاله للقيام بما يقدر عليه من شأنه ولها أحكام تخصها أهما ثلاث أن يعتبر ما يؤمر بإعادته شرعا أن يأتي بوجه العيادة فلا يطون على المريض ولا أهل البيت ولا يخل بحقه في تأنيسه ونحوه ولا يأتي في وقت يكون له أو لهم شغل. وأما التشميت فيأتي الكلام عليه إن شاء الله وأما حفظه في السر فبأن لا يسيء الظن به ولا يتعدى على أمانته ولا غيرها من مال أو حرمة أو عرض أو غير ذلك وفي الحديث " من رد عن عرض أخيه في الغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة". (ولا يهجر أخاه فوق ثلاث ليلال والسلام يخرجه من الهجران ولا ينبغي أن يترك كلامه بعد السلام). خرج الشيخان ومسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" ورواه أيضا في الموطأ وحديث أنس رضي الله عنه وقوله: (ولا ينبغي له) يعني: لا يصلح للمسلم عليه أن يترك كلام المسلم بعد سلامه عليه يريد إذا لم يكن هجره واجبا ولا ضرر لاحق به. الباجي: إنما يخرج السلام من الهجران إذا كان متماديا على إذايته والسبب الذي هجره لأجله وأما إذا أقلع عن ذلك بالكلية فلا يخرج من العهدة حتى تجوز شهادته عليه

بأن يعود معه إلى ما كان عليه قبل ذلك قال وهذا معنى قول مالك رضي الله عنه. (والهجران الجائز هجران ذي البدعة أو متجاهر بالكبائر لا يصل إلى عقوبته ولا يقدر على موعظته أو لا يقبلها ولا غيبة في هذين في ذكر حالهما ولا فيما يشاور فيه لنكاح أو مخالطة ونحوه ولا في تجريح شاهد ونحوه). أما هجران المبتدع فمن باب النصيحة لله ولرسوله ويتأكد الأمر فيه إذا كانت بدعته في الأصول أو في الفروع المهمة بالابتداع الصريح وما يقرب منه لا سيما إن كان داعية لمذهبه. وقد يرى بعض العلماء الهجران فيما هو دون ذلك هجر أحمد بن حنبل ذا النون المصري لما تكلم في الخواطر قائلا أحدث في الدين علما لم يكن فيه وهجرانه المحاسبي لما ألف كتابا في الرد على أهل الأهواء قائلا هذا يسر لهم الحجة وكان له أسوة في سلف الأمة إذ لم يتكلموا في ذلك، ولم يزل هاجرا له سنتين حتى مات رحمه الله عليهما وقد مر الكلام في البدعة وحكمها في العقيدة. والتحقيق أنها إحداث أمر في الدين يشبه أن يكون منه وليس به لقوله عليه السلام:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ومفهومه أن الإحداث إذا كان في العوائد والأسباب المجردة عن أمر الدين لا يكون بدعة على هذا جرى المحققون وأن العوائد لا تدخلها البدع وإلا أد لتجريح الأمة كلها وهو مذهب لايصح. وقد قال عليه السلام: " كل بدعة ضلالة" وهذا لا يقتضي أن يكون منها حسن أبدا وإنما هي محرمة أو مكروهة وقد حقق ذلك الشيخ أو إسحاق الشاطبي في كتابه في الحوادث والبدعة وأجاب عن تقسيم عز الدين إياها إلى أحكام الشريعة الخمسة فإنه اعتبر مطلق الإحداث وهو الجواب عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه. وقد أشعبنا الكلام في كتاب لنا في البدع احتوى على مائة فصل واختلف في مراد الشيخ هنا فقيل البدعة المحرمة وقيل المكروهة قلت ولا يختلف في الصريحة وهي التي تقابل ما ثبت شرعا فترفعه أو تغيره والله أعلم.

وأما الجواهر بالكبائر فالهجران له واجب لما يلحقه من الإثم بالسكوت عليها والموالاة عليها والإعانة عليها واجتراء الجاهل على استباحتها إذ يقول الجاهل فلان عامل بكذا وسيدي فلان عارف بما هو عليه فإما أن ذلك مباح أو أنه لا خير فيه كصاحبه ووقاية العرض والدين واجبة إجماعا والكبيرة تقوم أنها كل ذنب يؤذن بعدم اكتراث صاحبه بالدين ورقة الديانة على المختار وتعديدها يطول وفيها اختلاف كثير فانظره في العقيدة وأصول الفقه وبالله التوفيق. وقوله: (لا يصل إلى عقوبته) يعني: بالوجه الشرعي من الأدب ونحوه والظاهر لمن قدر على ذلك يلزمه وليس ذلك إلا لمن بسطت يداه في الأرض أو كان بمحل لا يلحقه به غيره من الأمراء ولا يلحقهم منه غير وإلا فالله أولى بالعذر وهل يبلغ بالعقوبة الحد ويتجاوزه إن رآه زجرا وهو المشهور أو لا يتجاوز عشرة أسواط لحديث: " لا يتجاوز عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" وقال ابن أشهب في جماعة من العلماء والله أعلم. وقوله: (ولا غيبة في هذين) إلى آخره: تعرض فيه لمبيحات الغيبة فذكر منها ما يوجب الهجران وهو المجاهرة بالكبائر وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من ألقى جلباب الحياء عن وجه فلا غيبة فيه". والابتداع في الدين لأنه رآه دينا قيما مع ما فيه من تحذير المسلمين لئلا يغتروا به قالوا وكذلك علماء السوء وظلمة الجور يجوز ذكر حالهم لا غيره مما يستترون به قالوا يجوز أيضا في التظلم والاستفتاء بقدر الحاجة وكذا في التعريف الذي لا يمكن المعرفة إلا به أو تكون الشهرة جارية به كالأعمش والأعرج والأعور وذي اليدين وذي الشمالين ومن يلقب جملة ونحوه فإن هذا كله جائز وإن كره صاحبه. وأما ما يوجب مخالطة كالنكاح والبيع إلى أجل أو الشركة ونحوها فالمشهورة فيه تبيح القدر المتعلق بما شوور فقد شاورت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح أبي الجهم ومعاوية وأسامة بن زيد فقال عليه السلام: "أما أبو الجهم فضراب وأما معاوية فصعلوك أنكحي أسامة" وقالت هند بنت الحارث يا رسول الله إن أبا سفيان رجل

شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي فقال: " خذي ما يكفيك وولدك" ولم ينهها عما ذكرت من شحه لأنها جاءت مستفتية شاكية متظلمة فأخذ منه العلماء جواز ذلك بقدره. وقال عليه السلام: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" ولا خلاف في جواز ذكر ما يقع به التجريح في الشهادة والرواية حتى كان بعض العلماء يقول: تعال نغتاب في الله ساعة بذكر من يقبل حديثه ممن يرد وبم يرد وذكر بعض العلماء جوا غيبة المغتاب لأنه غياب لئلا يغتر به. قلت: والنمام آكد أمرا منه. وقد حصر القاضي ابن حجر الشافعي رحمه الله أسباب إباحة الغيبة وجمعها وأظنها خمسة عشر في بيت واحد لا أستحضره آلان وقاعدة كل ما يبيح من ذلك أن لا يباح منه إلا القدر المتعلق به وذكر القرافي الخلاف في ذكر حال رجل اطلع عليه رجلان بينهما هل يكون ذلك غيبة أم لا فانظر ذلك وبالل التوفيق. (ومن مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك). سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه ولما نزل قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرضعن الجاهلين} [الأعراف: 199] قال عليه السلام: " أمرني ربي أن أصل من قطعني وأعطي من حرمني وأعفو عمن ظلمني" وقال عليه السلام: " من ظلم فغفر وظلم فاستغفر وأعطى فشكر وابتلي فصبر" ثم سكت قالوا: ماذا له يا رسول الله؟ قال: " أولئك لهم الأمن وهم مهتدون". قال أبو العباس المرسي رضي الله عنه ونفع به: أولئك لهم الأمن في الآخرة وهم مهتدون في الدنيا انتهى وهذا باب واسع نقله كثير خيره فانظره.

(وجماع آداب الخير وأزمته تتفرع من أربعة أحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" وقوله عليه السلام: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وقوله للذي اختصر له في الوصية: " لا تغضب" وقوله: " المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه"). هذه الأحاديث الأربعة عليها مدار التقوى والاستقامة في الدين فأما الأول فخرجه مسلم بزيادة: " ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". وحاصله الحض على الصمت عما لا يعني وعدم السكوت فيما يعني وقد قال الشيخ الأستاذ القشيري والصمت سلامة وهو الأصل والسكوت في وقته صفة الرجال كما أن النطق في وقته أشرف الخلال قال: وسمعت أبا علي الدقاق يقول من سكت على الحق فهو شيطان أخرس انتهى. قال علماؤنا: وإذا اتسوى الكلام والصمت في المنفعة فالصمت أولى وما ترجح منها فحكم الوقت له وقد قال مالك رحمه الله تعالى من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه. وأما حديث " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" فرواه مالك في الموطأ مرسلا وصله الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال حديث حسن وما لا يعنيه هو ما لا تدعو الضرورة والحاجة إليه وهو الفضول أيضا ويعم الأقوال والأفعال والعوارض القلبية. وأما الحديث الثالث فخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أوصنين قال: " لا تغضب" فكرر مرارا: لا تغضب، وأما الحديث الرابع ففي المتفق عليه: " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه" وقد تقدم بعض الكلام عليه وهذه الأربع أحاديث قيل مار الدين عليها وقيل غيرها. ويحكى أن أبا داود السجستاني صاحب السنن كتب إلى أهل مكة كتبت بأناملي هاتين من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة ألف حديث الصحيح منها أربعة

آلاف تجزئ عنها أربعة أحاديث حديث: " الأعمال بالنيات" وحديث: " الحلال بين والحرام بين" وحديث: " ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس" وحديث: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وقد جمعها الفقيه أبو الحسن طاهر بن سفور بنظم فقال: عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع من كلام خير البرية اتق الشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنيه وجمع النواوي من الأحاديث التي قيل إنها أصل الدين نحوا من ثلاثين فاعرف ذلك وبالله التوفيق. (ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله ولا تتلذذ بسماع كلام امرأة لا تحل لك ولا سماع شيء من الملاهي والغناء ولا قراءة القرآن باللحون المرجعة كترجيع الغناء وليجل كتاب الله العزيز أن يتلى إلا بسكينة ووقار وما يوقن أن الله يرضى به ويقرب منه مع إحضاره الفهم لذلك). أما سماع الباطل فلا خلاف في تحريمه وهو كل ما لا يفيد أمرا دينيا ولا دنيويا ضروريا ولا حاجيا ولا تكميليا يرجع إلى المعروف كالترهات والأباطيل والأضحوكات التي تحتها محرم وكذب يتوهم أنه حق وصدق والموضوعات الصناعية وما لا فائدة فيه نعم وكل ما لا يجوز النطق به لا يجوز سماعه وما يمنع من اللسان يمنع منه اليدان من كسبه والأذن من سمعه. وأهل الحق إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه والمستمع شريك القائل أن أصغى إليه اختيار وقد قال عليه السلام " ويل للذي يحلف ويكذب ليضحك الناس ويل له ثم ويل له" أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه ويرحم الله القائل: تحر من الطرق أوسطها ... وعد من الجانب المشتبه وسمعك صن عن كلام القبيـ ... ـح كصون اللسان عن النطق به فإنك عند سماع القبيـ ... ـح شريك لقائله فانتبه وأما صوت المرأة فإن قصد التلذذ به منع وإلا فلا وكذا كل ما يستلذ بصوته في

الجملة وأما سماع الملاهي والغناء فممنوع أيضا إذا تضمن صرفا عن الحق أو صوتا من الباطل لقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله} [لقمان: 6] الآية وقد اختلف في سماع المتصوفة إذا كان بشروطه الثلاثة التي هي سلامة الوقت من المعارض الشرعي كاجتماع من لا ترضى حاله ولا يحل الاجتماع معه من النساء والصبيان وجهال الطريق وكون المسموع مما يقع به تنبيه أو إرشاد وزيادة يقين أو علم أو اختبار حال أو استراحة من الجد والجهد وليس فيه ذكر شيء ينكر لا من طريق اللفظ ولا من طريق المعنى وكونه خليا عن الآلة والكلف والحق أنه لا نص فيه بمنع ولا غيره وحكى القشيري عن مالك إجازته وأخذه عياض من كراهة الأجرة عليه في المدونة وذكر ابن ليون في الإنالة أنا أبا مصعب سأل مالكا فقال لا أدري إلا أن أهل بلدنا لا ينكرون ذلك ولا يقعدون عنه. وحكي أن صالح بن أحمد بن حنبل أخبر عن أبيه أنه كان يتسمع من رواء الحائط لجيران كان عندهم سماع وحكى بعضهم عن الشافعي إجازة الطار والشبابة وأنكره المزني وقال فيه: حاشا الإمام الشافعي النبيه ... أن يتبع غير معاني نبيه أو يتخذ طارا أو شبابة ... لناسك في دينه يقتديه إلى آخر الأبيات وقد ذكر ذلك ابن الحاج في مدخله ومما وصف ابن البناء السرقسطي رحمه الله في سماع القوم قال ما نصه: ولم يكن فيه مواسنون ... ولا طنابير ومسمعون وليس كان أيضا فيه طار ... ولا مزاهر لها نقار الشمع والفرش والتكالف ... أقسم ما كانت يمين حالف وليس للقائل ما يقول ... في الصوت إذ سمعه الرسول وقد اشار بقوله إذا سمعه الرسول لحديث أنجشة وعامر بن الأكوع وابن رواحة وارتجاز الصحابة يوم الخندق وغير ذلك مما لا يمكن إنكاره لصحته وحكى السهروردي في آداب المريدين أن السماع من رخص التصوف وقال الشيخ أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله ليس من التصوف بالأصالة ولا بالعرض وإنما أدخل فيه من الفلسفة.

وأكثر من يعتد به من مشايخ المتأخرين على منعه لفساد الزمان حتى قال الحاتمي السماع في هذا الزمان لا يقول به مسلم ولا يتقدي بشيخ يعمل السماع ولا يقول به. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه سألت أستاذي عن السماع فأجابني بقوله تعالى: {إنهم ألفوا ءاباءهم ضالين (69) فهم على آثارهم يهرعون} [الصافات: 69 - 70] وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه من كان من فقراء هذا الزمان أكولا لأموال الظلمة مؤثرا للسماع ففيه نزغه يهودية قال الله تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت} [المائدة: 42] قالقول يذكر الحب وما هو مبحب ويذكر العشق وما هو بعاشق. والآخر سماع لقوله فتأمل ذلك ولأصحاب الحقائق في أصل المساع اختلاف كالفقاء وهو شبهة في الأحكام والحقائق فلا حاجة به إلا لذي حال غالب بشرطه وحظ الفقيه والعامي من هذه الجملة مجانبته مطلقا وكذا المتصوف إلا لوج واضح وحالة غالبة والتسليم أصل كل خير وبالله التوفيق وأما سماع القرآن بالحون المرجعة كترجيع الغناء فمن أقبح ما يسمع وأبشع ما يسمع لا سيما إذا كان يؤدي لتغيير نظم القرآن أو تضييع حروفه وإبدال بعضها أو إسقاطه أو يكون على هيئة تنفي الخشوع أو تدعو لنقيصة فإن ذلك كله ممنوع قال ابن رشد فالجواجب أن ينزه القرآن عن ذلك ولا يقرأ إلا على الوجه الذي يخشع القلب ويزيد في الإيمان ويشوق فيما عند الله وقد اختلف في معنى قوله عليه السلام: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن" فيل من لم يحسن صوته به وقيل: من لم يستغن به عن الغناء وقيل: من لم يستغن به عن الناس وقيل غير ذلك، وما يروى عن حديث معاوية أنه عليه السلام رجع يوم فتح مكة وهو يقرأ سورة الفتح حمل على قراءته بطريق الأداء من المد ونحوه. وقال أبو موسى رضي الله عنه لما قال عليه السلام: " لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا" وبالجملة فتحسين الصوت بالقرآن مطلوب والخوج إلى حد يشبه الغناء مذموم وما يؤدي إلى الخشوع من غير إخلال مندوب إليه ثم قوله عليه السلام: " ليس منا" أي ليس على طريقتنا

وسنتنا والله أعلم. وسيأتي الكلام على التفهم إن شاء الله تعالى وقد ألف النواوي في آداب حملة القرآن تأليفا حسنا ذكر فيه مما يتعلق بالتلاوة وجوها حسنة وذكر الغزالي في آداب التلاوة من الإحياء ما لا مزيد عليه ونحوه لأبي طالب المكي في كتابه فلينظر ذلك وبالله التوفيق. (ومن الفرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من بسطت يده في الأرض وعلى كل من تصل يده إلى ذلك فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فقلبه). يعني أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على من له قدرة بإمارة أو قضاء ونحوه وقد يخص ذلك ويعم وقد قال عليه السلام: " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم البلاء من عنده" قال ابن رشد ويجب على كل مسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون عارفا بالمعروف والمنكر لأنه إن لم يكن عارفا بهما لم يصح منه أمر ولا نهي. والثاني: أن يأمن أن يؤدي إنكاره إلى منكر أعظم كنهيه عن شرب الخمر فيؤدي إلى قتل النفس لأنه إن لم يأمن على نفسه لم يصح له أمر ولا نهي. الثالث: أن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره مؤثر نافع وإلا لم يجب عليه ولكن يستحب له برفق لقوله تعالى {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} [طه: 44] فالأولان شرط في الجواز والثالث شرط في الوجوب انتهى. وقوله على كل من بسطت يده في الأرض قال عبد الوهاب لأنه إذا لم تبسط يده لم يقدر على ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها قال وكذلك إذا خاف الهلاك أو شديد الأذى لم يكن عليه ذلك لقوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195] وإهلاك نفسه منكر وكان بعض شيوخنا يقول ليكن أمرك بالمعروف معروفا ونهيك عن المنكر لا يؤدي إلى منكر واختلف في الإنكار هل إنما يجب في المجمع عليه أو حتى في المتفق عليه في مذهب الفاعل قولان وهل يجب تعليم الجاهل قبل سؤاله أو إنما يجب

تنبيهه ثم إن سأل علم وإلا ترك. والأول اختيار الطرطوشي والآخر: هو المعنى لأنه عليه السلام قال للأعرابي: " إنك لم تصل" ولم يعلمه حتى قال لا أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله" الحديث وفي الحديث " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " الحديث ومن وجوه الإنكار باللسان أن يوقل اللهم هذا منكر فلا أقدر على تغييره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك" قتل هذا زمان ذلك فلا يجوز لأحد اليوم أن يعترض للأمور العامة بل يقتصر بالإنكار على عياله وخاصته بقدر ما يقتضيه العرف وينكر في العموم ما لا يتوهم فيه بأمر يغير قلوب الأمراء فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المؤمن لا يذل نفسه" قيل لابن عباس رضي الله عنه فما معنى ذلك قال يتعرض للسلطان وليس له منه النصف ثم إن كان قادرا على ذلك لم يتمكن منه إلا بفساد النظام وذلك محرم إجماعا وبالله التوفيق. (وفرض على كل مؤمن أن يريد بكل قول وعمل من أعماله البر وجه الله الكريم ومن أراد بذلك غير الله لم يقبل عمله والرياء الشرك الأصغر) إرادة وجه الله بالعمل الصالح فرض لقوله تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5] الآية والإخلاص في الجملة تفريد المعبود بالعبادة هذا أصله الذي ينفي به الرياء الذي هو رؤية الخلق في معالمة الحق وكمال الإخلاص واجب فالرياء حرام وما ذكره الشيخ من أنه الشرك الأصغر هو لفظ حديث رواه أحمد بسند حسن عن محمود بن لبيد رضي الله عنه. وقد قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه العمل لأجل الناس رياء وترك العمل لأجل الناس شرك والإخلاص يعافيك الله منهما ويروي العمل لأجل الناس شرك وترك العمل لأجل الناس رياء وكل صحيح.

وقد قال بعض المشايخ: صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبري من الحول والقوة في حكم ابن عطاء الله الأعمال صور قائمة وأوواحها وجود سر الإخلاص فيها وكان بعض المتصوفة ممن قرب زمانه ببلادنا يقول كثيرا يا مرائي قلب من ترائي بيد من تعصيه يعني إنك بالرياء عاص لله طالبا بريائك قلب من ترائي له وقلبه بيدا لله فأنت تعمل في أمر لا يعود عليك إلا شر منه في دنياك وآخرتك لغير فائدة بل قد قال الجنيد رحمه الله من أشار إلى الحق وتعلق بالخلق أحوجه الله إليهم ونزع الرحمة من قلوبهم عليه. وفي الصحيح: " يقول الله تعالى: (أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشريكه) " الحديث. قال ابن عطاء الله في الحكم: كا لا يحب العمل المشترك كذلك لا يحب القلب المشترك العمل المشترك لا يقبله والقلب المشترك لا يقبل علي انتهى وبابه واسع وبالله التوفيق. (والتوبة فريضة من كل ذنب من غير إصرار والإصرار المقام على الذنب واعتقاد العود إليه).

التوبة الرجوع على ما لا يرضى الله تعالى إلى ما يرضيه قصدا لما عنده وإرادة لوجهه وعرفها الغزالي بأنها ترك اختيار الذنب ثم لا خلاف في وجوبها على الفور فمن أخرها عن وقوع الذنب لزمته التوبة من تأخير التوبة كما لزمته التوبة من فعل الذنب وقوله (من كل ذنب): يشمل الصغيرة والكبيرة ودليل ذلك قوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون} [المؤمنون: 31] وقال الإمام أبو حامد الغزالي في تعريف التوبة النصوح إنها ترك اختيار ذنب سبق مثله عنه منزلة لا صورة تعظيما لله وحذرا من سخطه ثم فسر ذلك وبينه ثم بيان فانظر المنهاج. وشروط التوبة التي لا تصح إلا بها ثلاثة: الندم على ما فات والإقلاع في الحال والنية أن لا يعود وسواء كانت عامة أو من ذنب من المقام على غيره. وقوله (من غير إصرار): زائد لأن التوبة لا تصح إلا برفع الإصرار وتفسيره الإصرار بالمقام على الذنب مع نية العود إليه هو المعول عليه وقيل اعتقاد العود إليه فقط ذكرهما القرافي في قواعده واختلف في مسائل منها إذا تمت الشروط هل يقطع بقبولها أم لا قولان للأشعري والقاضي وتجديد التوبة عند ذكر الدين قولان للقاضي وإمام الحرمين. (ومن التوبة رد المظالم واجتناب المحارم والنية أن لا يعود). فأما رد المظالم ففرض ليس بشرط وكذا اجتناب المحارم ومثلها تعميم القصد فهي ثلاثة فروض تاركها عاص ولا تنتقض التوبة بتركها وأما النية أن لا يعود فركن من أركانها لا تصح بدون والمظالم خمسة مالية وبدنية وعرضية ودينية وحرمية فأما

المالية فلا خلاف في وجوب ردها إن أمكن قال ابن العربي: فإن مات صاحب الحق انتقل الحق لورثته فإن أدى برئ وبقي حق المطل يعني إن كان غنيا. واختلف إذا لم يؤد في الدنيا حتى اجتمع مع الوارث والأصلي في الآخرة لمن يكن الحق هل للورثة أو للموروث قولان واخلتف فيمن لم يجد ما يؤدي به حتى مات هل يسقط عنه أو يطالب به في الآخرة وحكى بعض شيوخنا عن أبي عمران أنه قال بيت المال آخر وارث والحق ينتقل للوارث أباد فمآله إلى أنه حق لله وهذا ما أخذه بوجه صحيح أو باطل وقد عزم على الخروج من عهدته واختلف في التحليل من الظلامات وغيرها فمنع ابن المسيب وأجازه غيره وثالثها لمالك يطلب التحليل من الديون ونحوها لا من الظلمات حكاها ابن رشد آخر البيان والمشهور جواز التحليل من العرض. وقال الحسن يكفي الاستغفار يعني للمغتاب وفي منهاج العابدين تمكين نفسه من القود والقصاص في النفس وظاهر الأحايث بخلافه وإليه مال ابن رشد وقال ينبغي أن يعتق ويحمل نفسه على الجهاد ونحوه ليكون كفارة له وقال في الدينية كأن يكفره أو يبدعه أو يفسقه أنه يكذب نفسه عند من قال ذلك ويستحل منه يريد إن أمن من شر أعظم وإلا فالله أولى بالعذر واختلف في الزنا هل هو حق الله أو حق الآدمي وثالثها: الفرج المملوك لمالكه كالزوجة والسرية وما عداه حق لله ولا يمكن الاستحلال منه لخوف الفتنة قال الإمام أبو حامد إن أمكن وجب قلت ومع إمكانه يتضمن معصية هي قذف المرأة والرجل وتريض صاحب الحق بما يكون له من الرفث وكل معصية وقبيح فانظر ذلك. (وليتسغفر الله ربه ويرجو رحمته ويخاف عذابه ويتذكر نعمته لديه ويشكر فضله عليه بالأعامل بفرائضه وترك ما يكره فعله ويتقرب إليه بما تيسر له من نوافل الخير وكل ما ضيع من فرائضه فليعله الآن وليرغب إلى الله في تقبله ويتوب إليه من تضييعه). أما الاستغفار فحيقته طلب الستر على الذنوب وعدم المؤاخذة بها وهو شأن التائبين وقد ورد فيه فضل كثير منه قوله صلى الله عليه وسلم " من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب" الحديث. ثم

الاستغفار أي طلب المغفرة إن كان مقرونا بالتوبة فهو كمال الاستغفار وإن لم يكن مقرونا بها ولكنه مع الندم والانكسار فهو استغفار حقيقة وإن لم يكن معه واحد منهما فهو استغفار الكذابين وهو الذي قالت رابعة العدوية رضي الله عنها أنه يحتاج إلى استغفار كثير والله أعلم. وأم الرجاء والخوف وتذكار النعمة فبواعث على العمل وثمرات اليقين ثم كل راج طالب وكل خائف هارب وكل ذاكر للنعمة شاكر إلا كل من عمر الله قلبه فهي إذا بواعث على العمل وأفضل الأعمال الفرائض بل هي التي لا يصح قبول شيء قبلها لأن رب الدين لا يقبل الهدية ولا يجوز عتق من أحاط الدين بماله. وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى: " ما تقرب المتقربون إلي بمثل أداء ما افترضته عليهم ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه". الحديث فأما الاستدارك الفائت ففي الواجب واجب وفي المدونة مندوب ومتى لم يحصر ما عليه من صلاة أو زكاة أو غيرهما فإن التحري يكفيه ويحتاط لدينه بلا وسوسة وهو العمل على الشك بلا علامة مما يفعله كثير من التائبين من صلاة العمر مع كونهم لم يتركوها أو انوا يفعلونها مرة ومرة لايصلح كذا سمعته من شيخنا أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي كبير تلمسان علما وديانته ينقله عنا لقرافي في مجلسه وكنت أستحسنه قبل ذلك ففرحت به وما روي عن مالك من أن تارك الصلاة عمدا لا يقضيها أنكره عياض وأنكر مالك ما قيل: إن النوافل سد مسد الفرائض وهو في جامع العتبية فانظره وبالله التوفيق. ص: (وليلجأ إلى الله فيما عسر عليه من قياد نفسه ومحاولة أمره موقنا أنه المالك لصلاح شأنه وتوفيقه وتسديده لا يدع ذلك على ما كان عليه من حسن أو قبيح ولا ييأس من رحمة الله). يعني أن العبد يتعين عليه أن يقف بباب الله على كل حال من أحواله ولا يستبعد صلاحه مع قبيح ما هو عليه منتصف به من قبائح المعاصي والشهوات ونحوها ومن أحسن ما يذكر هنا قول ابن عطاء الله رحمه الله: من استغرب أن ينقذه الله من شهوته وأن يخرجه

من وجود غفلته فقد استعجز قدرة إلهه وكان الله على كل شيء مقتدرا انتهى. وكلام الشيخ هنا واضح وهو لكل مؤمن صالحا كان أو طالحا نفعنا الله به آمين. (والفكرة في أمر الله مفتاح العبادة واستعن بذكر الموت والفركة فيما بعده وفي نعمة ربك عليك وإمهاله لك وأخذه لغيرك بذنوبه وفي سالف ذنبك وعاقبة أمرك ومبادرة ما عسى أن يكون قد اقترب من أجلك). يعني أن من فكر في قبيح المعصية آثر تركها ومن فكر في حسن الطاعة آثر فعلها ومن فكر في عظمة الله آثر رضاه إلى غير ذلك ومقدمات ذلك كأعيانه وقد أتى الشيخ في هذا الفصل بجوامع التصوف وفي حكم ابن عطاء الله الفكرة سراج القلب فإذا ذهبت فلا أضاءت له انتهى فتأمله وبالله التوفيق. خاتمة: أول هذا الباب فقه وتعليم وأوسطه إرشاد وتنبيه وآخره وعظ وتذكير قالوا وما وضع الشيخ أولا غير العقيدة وهذا الباب فما بعده حتى بين له السائل أنه يريد جملا من أصول الفقه وفنون فأجابه لذلك وجعل هذه الخاتمة وقال وضعتها لينتفع بها من لا اعتناء له بالعلم وقد انتفع بذلك كثي من أهل الخير إذ أعلموا بما يلزمهم وعلموه من ينتفع به فانتفع وللشيخ أبي محمد صالح في ذلك حكاية ذكرها أصحاب التقييد وغيرهم وربك الفتاح العليم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما.

باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك (الفطرة) لغة: الخلقة والمراد هنا الخصال المتعلقة بها والمستعملة فيها شرعا وقد ذكر الشيخ في هذه الجملة ستة أشياء وقدم فيها وأخر وربما كرر فيها بعض ما تقدم ذكره كالختان إذ ذكره في باب العقيقة والذي يتصل بذلك ذكر التماثيل والصور ونحوه وبالله التوفيق. (ومن الفطرة خمس قص الشارب وهو الإطار وهو طرف الشعر المستدير على الشفة لا إحفاؤه والله أعلم وقص الأظافر ونتف الجناحين وحلق العانة ولا بأس بحلاق غيرها من شعر الجسد والختان للرجال سنة والخفاض للنساء مكرمة). قوله: (من الفطرة خمس): هو نص حديث متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: " قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان" فقول الشيخ: (وهو الإطار) ليس في الحديث وكذا ما بعده من تفسيره بالشعر المستدير على الشفة وبنه بذلك على أن استئصاله بالكلية ليس من السنة وذكر أن سنته القص لا الإحفاء. وقد جاء حديث بهذا فلذلك قال والله أعلم لأنه الراجح من دليلين لا يصح إسقاط أحدهما بالآخر وإن كان أظهر منه وقد جرت عادة المغاربة بالجمع بينهما وما يفعله المشارقة من لقط شعره بالملقاط بعد استئصاله لم أقف على منعه ولا جوازه وأظنني سمعت أنه منهي عنه لأنه من فعل الأعاجم وفيه نظر وسر مشروعيته الإعانة على الشرب وتحسين الخلقة. وأما تقليم الأظفار فللزينة والسلامة من الخدش عند الحك وقذارة ما يجتمع تحتها من الأوساخ الذي ربما منع كمال الطهارة أو قدح في صحتها ويستحب التيامن في قصها وهي كالحلقة يعني اليدين معا فيبدأ بأفضلهما فيقلم مسبحة يمينه ثم يمر مستديرا إلى إبهامه.

البلالي وربما رجح التثنية بإبهامها وشاهده حديث:" كبر كبر" فناولت السواك الأكبر رواه البخاري قال ويبدأ بخنصر رجله اليمنى ويختم بخنصر اليسرى وقال وروى صاحب المغني من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينيه رمدا واختاره ابن الرفعة وغيره وفي زيادة العباد يفرقوها فرق الله همومكم قال فيقلم خنصار وسطى إبهاما بنصرا ويختم بمسبحتها ويعكس ذلك في يسرى يده ثم رجله ويغسل محل التقليم قال وتقليمه يوم الخميس أتم لما روي في زايدة العبادي مرفوعا انتهى كلامه. وهو مما لا يتقيد بالمذهب ولا ينكره فلذلك نقتله عن الشافعية والله الموفق وأما نتف الجناحين فهو السنة لا حلقه ورأى بعضهم الشافي يحلقه فقال قد علمت أن السنة النتف ولكن لا أطيقه وحكمته استئصال أصل الشعر حتى لا ينبت وإن بنت لم يتقو ويبقى محله منفسا لما تحت الجلد قال مالك ويغسل رائحته من يده استحبابا والله أعلم. وأما حلق العانة فسنة قالوا ونتفها يورث الجذام ويرخي العصب ويضر الإنعاظ وقد ذم قوة التنورة بالنور وأثنى عليها الغزالي وجوزها آخرون ويذكر في السنة ما يؤذن بجوازها فانظره. والختان قد تقدم آخر باب الضحايا وما ذكر من سنيته هو المذهب وقال الشافعي واجب والخفاض قطع جلدة فرج المرأة بصفة معلومة وهو مكرمة للمرأة بالنظافة وللرجل بذلك وبالإعانة على النكاح ونساء المغر لا يعرفن ذلك إذ لم يخلق لهن موجبه والله أعلم. قوله: (ولا بأس بحلاق غيرها): يريد غير اللحية ويدخل فيه ما تحت الحلق والمنقول عن مالك كراهته لأنه من أفعال المجوس وكذلك روي عن عمر رضي الله عنه وقد استخف أهل المغرب حلقه مخالفة لقوم من أهل الأهواء جعلوه شعارهم وفي استجازته بذلك نظر وحكى ابن الفاكهاني في حلق شعر حلقة الدبر قولين واستخف بعضهم قص شعر الأنف لا نتفه إذ في إبقائه أمان من الجذام لحديث فيه وروى عكسه ورجحه ابن الرفعة من الشافعية لما رواه ابن دقيق العيد في كتابه المسمى " بالإلهام" وهو مجلداتكثيرة ولفظه ونقوا الشعر الذي على الأنافي قال البلالي والأول أظهر لأن هذا الحديث يفهم ما على ظهر الأنف لا باطنه والله أعلم.

(وأمر أن تعفى اللحية وتوفر لا تنقص قال مالك ولا باس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين). فاعل أمر هو الني لحديث: أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى" أي أتركوها موفورة وذكر النواوي في همزة " أعفوا" وإسقاطها قولي ومعنى توفر: تترك على حالها دون نقص لأنه وجه الإنسان وزينته ويمنع حلقها وحلق الشيب منها ونتفه وتبقيته ووصل شعرها البلالي ويحرم عقدها وضفرها يعني للمثلة في ذلك ويستحب تسريحها لأنها جمال وقيل لا يكره ولا يستحب وقال مالك ولا بأس بالأخذ من طولها. قال الباجي: يأخذ منها ما زاد على القبضة والزناتي وعن مالك أنه كره حلق ما تحت الذقن من الشعر وقال هو من فعل المجوس وكره أيضا حلق الحاجب والقفا وقال لا أراه حراما ولم أقف على شيء بدائر اللحية وما يحصرها مما يلي الوجه لكنه من الجمال ويعارضه الأمر بالإعفاء فانظره. (ويكره صباغ الشعر بالسواء من غير تحريم ولا بأس به بالحناء والكتم). ظاهر كلامه كراهة تسويد اللحية مطلقا وفصل بعضهم فقال إن كان للتغرير منع وإن كان للجهاد ندب وإن كان للتشابب كره وإن كان مطلقا فالقولان بالجواز والكراهة فالجواز من قوله عليه السلام: " غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود" رواه النسائي وأما الكراهة فقوله عليه السلام حين رأى أبا قحافة كأنه ثغامة من الشيب: " غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد" رواه مسلم. وظاهر كلام الشيخ أن الصبغ بالحناء والكتم مباح فقط وفيه قولان بذلك وبالاستحباب لأنه من شعار الصالحين وقد صبغ الخلافاء كلهم إلا علي كرم الله وجهه وقيل حتى علي لأنه رئيت لحيته حمراء مرة قالوا فيشبه أن يكون خضب ثم ترك ذكر ذلك في صفوة الصفوة لابن الجوزي فانظره فإنه كتاب حسن ولا حديث على من بخر لحيته بالكبريث لتبيض وغسلها بالصابون والليمون ونحوه للمشايخ وكذلك من بخر بتبن الشعير لذلك وليصفر لونه فيعد من الصالحين وقد ذكر ذلك الغزالي وغيره مقبحا له فانظره.

(ونهى الرسول عليه السلام الذكور عن لباس الحرير والتختم بالذهب وعنا لتختم بالحديد ولا بأس بالفضة في حلية الخاتم والسيف والمصحف ولا يجعل ذلك في لجام ولا سرج ولا سكين ولا في غير ذلك ويتختم النساء بالذهب ونهى عن التختم بالحديد والاختيار مما روي في التختم التختم في اليسار لأن تناول الشيء باليمين فهو يأخذه بيمينه ويجعله في يساره اختلف في لباس الخز فأجيز وكره وكذلك العلم في الثوب إلا الخط الرقيق). أما النهي عن لباس الحرير والذهب للرجال ففي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: " أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورهم" رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه وفي المتفق أنه عليه السلام قال في الحرير " إنما يلبس هذا من لا خلاق له" ولبس خاتما من ذهب ثم نزعه نزعا شديدا وقال لا ينبغي هذا للمتقين فخالص الحرير والذهب محرم على ذكور الأمة. واختلف فيما قل من الذهب في الخاتم والمشهور المنع وفي إباحة الحرير لعلة فأجازه ابن حبيب للحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في قميص الحرير لعبد الرحمن بن عوف والزبيير بن العوام من حكة كانت بهما متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه. وروى عبد الملك إباحاته في الحرب للإرهاب وقال به وعنه إجازة افتراشه والاتكاء عليه والمشهور المنع لحديث حذيفة رضي الله عنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه رواه البخاري وأجاز ابن حبيب تعليقه سترا وأجاز ابن القاسم الراية وأما غير الخالص وهو الخز- بالمعجمتين - فقد أخر الشيخ الكلام عليه وكان حقه أن يقدم لأنه من تفاصيل حكم الحرير فقد حصل فيه ابن رشد أربعة أقوال للسلف والخلف فأجازه ابن عباس رضي الله عنه مع جماعة وتأولوا النهي بالخالص وقال مالك غير جائز ولم يجزم تحريمه وقال ابن عمر واستشكله ابن الفاكهاني لأن غير الجائز مانع تناوله وهو الحرام وإلا فهو مكروه والمكروه من قبيل الجائز. قلت قد يجاب بأن عدم الجواز لقوة الشبهة والجزم بالتحريم في الشبهة عظيم وقد كان مالك وأمثاله يتورعون على إطلاق الحلال والحرام في الفروع الظنية فلا يجزمون بها إلا في قطع أو ما يقرب من القطع خوفا منالوقوع في قوله تعالى: {ولا تقولوا لما

تصف ألسنتكم الكذب} [النحل: 116] كذا روي عنه وفيه نظر لربط الآية بقوله الكريم {لتفتروا على الله الكذب} فنتأمل ذلك. وثالثها: يكره ابن رشد وهو أقرب الأقوال للصواب لأن ما اختلف العلماء فيه لتكافؤ الأدلة كان من المتشابه ورابعها المنع فيما عدا الخز وإنما الخلاف في الخز للباس السلف له وهو قول ابن حبيب وفي حديث أبي عامر الأشعري رضي الله عنه: " سيكون ناس من أمتي يستحلون الخز والحرير" رواه أبو داود وأصله في البخاري والرواية بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء أي الفرج وقرنه بالحر ليبين أن الحرير في التحريم مثل الفرج فهو تشبيه محتمل بقطعي ليرتفع الإشكال من حكمه وفي رواية الخز بالمعجمتين والفتح والتشديد فيكون دليلا في التحريم والله سبحانه أعلم. وأما العلم في الثوب ففي حديث عمر رضي الله عنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع متفق عليه وهذا لفظ مسلم وقال به الشافعي وقيل به المذهب وبالكراهة. وقوله: (إلا الخط الرقيق) مستثنى من الخلاف فيجوز باتفاق وجوز بعض أصحاب المازري منه الطوق واللبة ومنع ابن حبيب ذلك وقال: لا يجوز منه طوق ولا زر ولا خلاف في جواز الخياطة به والله أعلم. فأما حلية الفضة في الخاتم والسيف والمصحب فلا خلاف فيه عند قوم وإنما الخلاف في الأخير من الذهب والمشهور الجواز في ذلك في السنن والأنف يعوضان به أو يربطان وفي الحديث النهي عن اتخاذ الخاتم إلا ذي سلطان قال ابن رشد: فمن ثم قال بعض العلماء بكراهته والمشهور في تحلية ألة الحرب المنع وثالثها الجواز فيما يطاعن به ويضار دون ما يتقي به ويتحرز. وروي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وفي ديه خاتم من ذهب فقال: " انزع عنك حلية أهل الجنة" فجاء وفي يده خاتم من حديد فقال: " انزع عنك حلية أهل النار" ثم جاء وفي يده خاتم من صفر فقال:" ما لي أجد منكم ريح الأصنام" قال: يا رسول الله مما أتخذه؟ قال: "اتخذه من فضة ولا تتمه مثقالا إلا كذا" ذكره عز الدين بن

جماعة في سيرته وما كان التختم في اليسار فهو مختار مالك لما ذكره الشيخ ووجه الدلالة أنه إلا من الأيسر وقد جاء في الحديث: " التختم في اليمين وفي اليسار والخلاف في الأولوية وقد ألف في الخاتم ونقشه وغير ذلك والله أعلم. (ولا يلبس النساء من الثياب ما يصفهن إذا خرجن ولا يجر الرجل إزاره بطرا ولا ثوبه من الخيلاء وليكن إلى الكعبين فهو أنظف لثوبه وأتقى لربه وينهى عن اشتمال الصماء وهي على غير ثوب يرفع ذلك من جهة واحدة ويسدل الأخرى وذلك إذا لم يكل تحت اشتماله ثوب واختلف فيه على ثوب). أما ليس النساء ما يصفهن إذا خرجن فمن التبرج بالزينة وهو حرام وقد قال صلى الله عليه وسلم: " كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها" الحديث وقال عليه السلام: " رب كاسيات في الدنيا عاريات يوم القيامة" فالواجب على المرأة أن لا تخرج فيما ينظر فيه الرجال بل في ثياب مهنتها ومرط من المروط وقد صار حالهن اليوم إلى أن صارت لا تخرج إلا بحسن ثيابها وتستعير من جيرانها وتستعمل الروائح في خروجها وتتغنج في مشيها وعليها ما لو وضع على عود لعشق فهن بذلك متعرضات إلى مقت الله وغضبه وكذا من يوافقها عليه أو يعينها فيه من زوج أو غيره وبالله التوفيق. وأما جر الثوب خيلاء فقال صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه خيلاء" متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه والخيلاء والبطر متقاربان وهما من أوصاف الكبر ولوازمه في الصحيحين: " بينما رجل يتبختر في مشيه قد أعجبه برداه خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة" الحديث فانظر لفظه وقال طال عهدي به وخرج النسائي " أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين كعبيه فما زاد على ذلك ففي النار".

قيل: يعني محله أي ما ستر به وقيل صاحبه وأما اشتمال الصماء على غير ثوب فإنها على الوجه الذي فسرها به الشيخ كشف عورة وكان شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله يقول لباس البرنس على غير ثوب من ذلك لجامع كشف العورة به من ناحية وإنما تكره على الساتر لأنها من فعل الأعجام وقد صح نهيه عليه السلام عن لبستين وعن بيعتين وعن اشتمال الصماء والاحتباء في الثوب الواحد وعن المنابذة والملامسة ذكره الشيخان وغيرهما من الأئمة وقد فسر بعضهم الصماء بخلاف ما ذكره الشيخ فانظر اللغة في ذلك والمذهب ما ذكر هنا. (ويؤمر بستر العورة وأزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه والفخذ عورة وليس كالعورة نفسها). لا خلاف أن ستر العورة عن أعين الآدمين فرض إسلامي يتعين على كل مسلم وهل الحيوان غير العاقل كالآدمي في ذلك أو يكره أو يجوز لم أقف على شيء في ذلك وفي الترمذي من حديث علي كرم الله وجهه: " ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول أحدهم عند الخلاء: " باسم الله " وفيه دليل أن ستر العورة عنهم مطلوب في الجملة. واختلف في ستر الإنسان عورته في الخلوة فقيل: واجب وقيل مستحب واختاره اللخمي لحديث نهى عليه السلام عن التعري وقال: " إن معكم من لا يفارقكم" يعني الملكين والله أعلم وحكى ابن القطان في نظر الإنسان في عورته من غير ضرورة قولين بالكراهة التحريم.

وقال الترمذي: الحيكم ومن داوم على ذلك ابتبي بالزنا ولا خلاف في جواز رؤية السرية سيدها وهو إياها وكذا الزوج قالوا ويكره للطب لأنه يؤذي البصر ويورث قلة الحياء في الولد والله أعلم. ولا خلاف أن السوءتين عورة يجب سترها ويحرم النظر إليهما وما فوقهما وما تحتهما حريم لهما إلى السرة والركبة وقيل السرة داخلة وقد تقدم ذلك في الصلاة واختلف في عورة المسلمة مع الكتابية فالمشهور كعورتها مع المسلمة وقيل كل الجسد عورة معها لقوله تعالى: {ولا نسائهن} [الأحزاب: 55] فجعل الرخصة لنساء المؤمنات) دون غيرهن والله أعلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على قف بئر وفخذه مكشوف فدخل عثمان رضي الله عنه فسترها فقيل له في ذلك فقال ألا أستحي ممن استحيت منه ملائكة السماء فدل ذلك على أن الفخذ ليس كالعورة ولا كسائر الجسد والله أعلم. (ولا يدخل الرجل الحمام إلا بمئزره ولا تدخله المرأة إلى من علة). لما كان الحمام مظنة كشف العورة وقع التنبيه عليه بما ذكر ولا يخلوا الأمر فيه من أربعة أوجه: أحدها: أن يكون خاليا فيجوز للرجال والنساء على الصحيح. الثاني: أن يكون فيه مشكوف العورة أو داخلها مكشوفها فيحرم على الجميع. الثالث: أن يكون مستورا مع مستورين فيجوز دخولهم قال ابن القاسم: وتركه أحسن وعن مالك والله ما دخول الحمام بصواب لاحتمال الانكشاف. الرابع: أن يكون هو مستورا متحفظا من العورات ولا يأمن كشفها وهو أحرى في الترك. ويحكى أن أبا حنيفة دخل الحمام فغمض عينيه وجعل من يقوده فقال له رجل متى ذهب بصرك يا أبا حنيفة؟ فقال: مذ هتك الله سترك وفي البخاري من قول بعض التابعين: إن كان عليهم أزر فسلم وإلا فلا تسلم وهذا يدل للجواز مع إمكان كونهم مكشوفين ومنصوص المذهب خلافه ابن رشد في المقدمات من دخله بغير ستر له أو

لغيره فهو جرحة فيه. والنساء في ذلك بمنزلة الرجال قال وهذا الذي يوجبه النظر لأن المرأة يجوز لها أن تنظر من المرأة ما ينظر الرجل من الرجل وقال ابن أبي زيد لا تدخله المرأة إلا من علة عبد الوهاب في شرحه هذا لما روي أن الحمام محرم على النساء فلا يجوز لهن دخوله إلا من عذر. وقال ابن رشد أما ما قال من أن الحمام يحرم على النساء فلا أعلمه نصا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر في جامع المعونة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحمام بيت لا تستتر فيه لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدخله إلا بمئزره ولا مرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدخله إلا من علة" وقال معناه في دخولهن على ما جرت به عادتهن من دخولهن غير مستترات ثم ذكر كلاما قال إثره وإنما قال ابن أبي زيد: لا تدخل الحمام إلا من علة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية ابن عمرو بن العاص أنه قال: " ستفتح عليكم بلاد بالعجم ويتخذ فيها بيوت يقال لها الحمامات فلا يدخل الرجل إلا بمئزر وامنعوا منها النساء إلا مريضة أو نفساء". قال: لأن إباحة ذلك ذريعة إلى أن يدخلنه غير مؤتزرات لا من أجل أن عليهن إثما في دخولهن مؤتزرات فدخول الحمام للنساء مكروه وغير محرم عليهن وعلى هذا يتأول ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وانظر تمام كلامه في جامع المقدمات وبالله التوفيق. وبالجملة ففرائض الحمام خمسة: غض البصر وستر العورة وتغيير ما أمكن من مناكره وأخذ المعتاد من الماء وإعطاء الواجب من الأجرة على الوجه السائع شرعا ومن واجب ستر العورة منع الدلاك من مسها بما أمكن وكذا غيره لأن مس العورة كالنظر إليها. البلالي وينفع غسل قدميه بماء بارد نعم يضر إن تمحض برده وينفع نوم عقبه وقلة مكث ليجف وكثرة صب لدى يبس مع قلة مكث وطول مكث مع قلة صب لاستفراغ رطوبة زائدة مع تذكر نعيم وجحيم وسبحان الله وبحمده مائة مارة فأكثر لما يكفر ذنوب يومه انتهى وإنما ذكرته حرصا على الإفادة وبالله الوفيق.

(ولا يتلاصق رجلان ولا امرأتان في لحاف واحد). نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلاصق الرجلان في ثوب واحد ليس بينهما حائل فإن الله يمقت على ذلك وفي سنن أبي داوود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا المرأة إلى المرأة في ثوب واحدة" الحديث. وقد تقدم تفريق الولدان في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين من قول ابن القاسم: وإذا بلغوا عشرا من قول ابن وهب وابن حبيب وذلك لأن لمس العورة كالنظر إليها ولما يدعو إليه الحال من الاستلذاذ بالمباشرة وخوف داعية الفاحشة قالوا: ويمنع ذلك حتى في حق الوالد مع ولده وتلاصق الزوجين سنة كذا ذكره ابن الحاج وأنكر حال من ينام مع زوجته وكل بثوبه وقال: إن السنة خلافه والله أعلم. (ولا تخرج امرأة إلا مستترة فيما لا بد لها من شهود موت أبويها أو ذي قرابتها ونحو ذلك مما يباح لها ولا تحضر في ذلك ما فيه نوح نائحة أو لهو من مزمار أو عود أو نحو ذلك من الملاهي الملهية إلا الدف في النكاح واختلف في الكبر). أما أن المرأة لا تخرج إلا مستترة فواجب لأنها كلها عورة ولو شعرة إلا الوجه والكفين لضرورة التصرف في ضرورياتها وأخذ عياض بمسامحة نساء البادية في أطراف الساقين من حديث عائشة رضي الله عنها: كان النساء يوم أحد ينقولن القرب على متونهن حتى تبدو خلاخل سوقهن وفيه نظر. واختلف في وجوب التنقب على المرأة عند خروجها وظاهر كلام الشيخ وجوبه لتخصيصه النساء في الستر وقد قال بعضهم: لا تخرج المرأة إلا بشروط خمسة أن يكون خروجها طرفي النهار لا في وسطه إلا من ضرورة فادحة وأن تلبس أدنى ثيابها وأن تمشي في حافة الطريق دون وسطه لئلا تزاحم الرجال ولا تخالطهم وأن تجتنب ما يظهر عليها من الطيب ونحوه وأن تستر ما يحرم نظره منها وهو ما عدا الوجه والكفين. عبد الوهاب إلى أن يكون ذلك منها فتنة فيجب ستره والأحوط المقام ببيتها وترك الخروج إلا من عذر يعني كشهود موت أبويها وما ذكر الشيخ معه قلت وقد

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة " ما خير ما للمرأة يا بنية؟ " قالت: أن لا ترى ولا ترى فقال عليه السلام: "بأبي ذرية بعضها من بعض" يشير لشبهها خديجة رضي الله عنها. ومما يباح لها الخروج للمسجد لقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" فلها الخروج للمسجد ما لم تكن مفتنة أو يكون الزمان فاسدا بحيث لا تأمن ولا تؤمن قاله القاضي أبو بكر بن العربي مثل نساءنا باللبس وذكر من شأنهن من التحفظ والصيانة ما يحسن قال وليس على زوجها أن يأمرها ولكن لا يمنعها فقط وأما حضور النوح فإن كان مع المساعدة والرضا به فهو حرام وإن كان على غير ذلك فلا ينتهي حضوره إلى التحريم ويكره خروجهن للجنائز ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور وقال: " ارجعن مأزورات غير مأجورات" الحديث. وأما الملاهي فكل ما يشغل النفس عما يعنيها مما تستلذه النفس من الغنءا وشبهه وظاهر كلام الشيخ أن الممنوع منها الملهي لا الذي لهو فيه فهي إذا نوعان ما يلهي وغيره مله فالملهي كالعود والطنبور والجناح والضبية وجميع ذوات الأوتار التي العمل فيها يلهي وغير الملهية ما كان مزعجا كالبوق والدف والزمارة ونحو ذلك والكل ممنوع إلا ما استثني لوليمة العرس ونحو ذلك. ابن رشد: اتفق أهل العلم على إجازة الدف وهو الغربال في العرس قلت: وهو المسمى عندنا بالبندير ورأيت أهل الدين ببلادنا يتكلمون في أوتاره ولم أقف في ذلك على شيء وفي المزهر والكبر ثلاثة أقوال الجواز لابن حبيب والمنع لسماع أصبغ وهو الآتي على ما في سماع سحنون من ابن القاسم أن بيع الكبر يفسخ ويؤدب فاعله فالمزهر أحرى والثالث: جواز الكبر دون المزهر لابن القاسم. والكبر بفتحات طبل صغير مجلد من ناحية والمزهر بكسر الميم المجلد من جهتين والإباحة في ذلك على المشهور للرجال والنساء إلا لذي هيئة. وقال أصبغ للنساء فقط وعلى الإجارة فمذهب المدونة يكره وهو المشهور وأجاز ابن كنانة البوق والزمارة لأنها

مزعجة والله أعلم. (ولا يخلو رجل بامرأة ليست منه بذي محرم ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليها وإذا نحو ذلك أو خطبها وأما المتجالة فله أن يرى وجهها على كل حال). يعني أن الخلوة بغير ذي محرم حرام لما تدعو له من المكروه أو التهمة به وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا يخلون رجل بامرأة ليس بذي محرم فإن الشيطان ثالثهما" ومفهوم الكلام أن الخلوة بذات المحرم جائزة وهو كذلك بلا خلاف ولا كراهة في قريب القرابة كالأخت والأم من النسب ونحوهما وكرهها بعض العلماء مع الأباعد عن المخالطة كالخالة من الرضاع والأخت منه ونحو ذلك. وذكر النووي عن الشافعي تحريم الخلوة مع الشاب الجميل وإن أمنت فتنته والمذهب عدم اعتبار ذلك إلا لريبة حكاه ابن الفاكهاني وأصل المذهب في سد الذرائع وأما نظرها لعذر الشهادة ونحوها فجائز اتفاقا. وقال ابن محرز: يجوز النظر إلى الأجنبية من غير ضرورة إن لم يقصد اللذة قال والنظر إلى وجهها وكفيها جائز اتفاقا وعلله بعضهم بضرورة التصرف فإن كانت مفتنة وجب عليها الستر والمتجالة هي التي لا إرب للرجال فيها لكبرها. وقد قال تعالى {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابنهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم} [النور: 60] والمشهور في الخاطب أن نظره في المخطوبة مندوب لقوله عليه السلام: " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" رواه أحمد وأبو داود من حديث جابر رضي الله عنه ورجاله ثقات وصححه الحاكم وقيل: مباح فقط ثم على المشهور إنما ينظر وجهها وكفيها فقط. وأجاز ابن القصار النظر إلى ما سوى السوأتين منها والمشهور لا ينظر إليها غفلة بل بعد إعلامها لتستعد لما دعوه إلى نكاحها وقال ابن وهب يجوز استغفالها وهي من مسائل أبواب النكاح وبالله التوفيق.

(وينهي النساء عن وصل الشعر وعن الوشم). وصل شعر المرأة لتظهر كثرته وطوله حرام وكذا الوشم بالمعجمة وهو جرح العضو بما يخرج دمه على وضع يقصده الواشم ثم جعل سواد عليه يغير لونه إلى الخضرة فلا يحل منه قليل ولا كثير لحديث ابن عمر رضي الله عنه: " لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة" متفق عليه. وفي بعض رواياته: " والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" فالنامصة: التي ترقق الحاجب بحف أو نتف والواشرة هي التي تنشر الأسنان بسكين لتبيض وتصغر وتتفلج وقد علل ذلك في الحديث بتغيير خلق الله. وعلله بعضهم بما فيه من الغرر وفيه نظر وقد أجاز مالك تطريف الأصابع بالحناء وروى عمر رضي الله عنه أنه نهى صلى الله عليه وسلم عن غير الخضاب وجعله إلى محل السوار مباحا وقال: " يا معشر النساء إذا اختضتن فإياكن والنقش والتطريف" وقال ابن الحاج: في المدخل من اشتهى امرأة بالوشام كمن اشتهى شخصا مضروبا بالسياط وليس من الوشام ما يكون من الحرقوص بالحديد ونحوها. وتكلم العلماء من جهة أنه حائل في الطهارة فقط وذكر بعض الشافعية أن محل الوشم نجس لأنه دم عقد فأصبغ ولم أقف لأهل المذهب في ذلك على شيء ومما عمت البلوى به ثقب الأذنين للأخرص وقد بالغ الغزالي وغيره في إنكاره وقارب أن يدعي في تحريمه الإجماع ونقله ابن الحاج في مدخله غير أن الإمام أحمد قال بجوازه على ما حكاه ابن فرحون في جزء له في البدع فقال بعض من لفيناه من أئمة المدينة المشرفة في سنة خمس وسبعين وثمانمائة هذا الذي ينبغي أن يقلد لأن غيره يؤدي إلى تجريح الأمة كلها والله أعلم ولا حديث على الرجال والصبيان في ذلك لقبح أمرهم عادة ومنعه شرعا وما يحكى عن الزناتي إباحة الوشام فهو في بعض الوجوه مصادم للنص فهو صريح الخطأ وهكذا قال الشيوخ وبالله التوفيق. (ومن لبس خفا أو نعلا بدأ بيمينه وإذا نزع بدأ بشماله ولا بأس بالانتعال قائما ويكره المشي في نعل واحد). أما ما ذكر من صفة الانتعال والخلع فلحديث علي كرم الله وجهه قال صلى الله عليه وسلم: " إذا

انتعل أحدكم فليبدأ باليمين فإذا نزع بدأ بالشمال ولتكن اليمنى أولهما تنعلا وآخرهما تنزعا" وعنه أيضا صلى الله عليه وسلم: " لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ولينعلهما جميعا أو يخلعهما جميعا" متفق عليهما وفي حديث عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن ما استطاع في شأنه كله متفق عليه. قال النواوي وهذه قاعدة شرعية أن ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس السراويل والخف ودخول المسجد والسواك الانتعال وتقليم الأظفار وترجيل الشعر أي مشطه ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك مما في معناه يستحب التيامن فيه وما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك فلا يستحب التيامن فيه وذلك من كرامة اليمين وشرفها انتهى. وأما الانتعال قائما فقد ورد النهي فيه وكان مالكا رآه معللا بكشف العورة فلا يكون مكروها لذاته وحيث يؤدي إلى كشف العورة فممنوع وإنما هي عن المشي في نعل واحد لأنه مثلة ويؤدي إلى الضرر للرجل الأخرى بالحفاء ونحوه كما جرب فصح واتفقوا على أن من انقطع شسع نعله لا يجوز له إصلاح الواحدة وهو يمشي في الأخرى وأجاز ابن القاسم قيامه في واحدة لإصلاح الأخرى وقال غيره لابد من نزع الأخرى حتى يصلح ابن يونس ولا بأس بالمشي في النعل الواحدة لمقطوع الرججل الأخرى ونحوه وفي العتبية وهو ظاهر الوجه من ضرورة المشي به والله سبحانه أعلم. (وتكره التماثيل في الأسرة والقباب والجدران وفي الخاتم وليس الرقم في الثوب من ذلك وتركه أحسن). التماثيل أي الصور على ثلاثة أقسام: قسم يحرم باتفاق وهو ماله ظل قائم من مشبه الحيوان العاقل وغيره وقسم مباح باتفاق إلا ما حكي عن مجاهد من كراهته وهو ما لا يشبه الحيوان كالشجر والثمار ونحو ذلك.

وقسم مختلف فيه وهو ما ليس له ظل قائم من مشبه الحيوان كما يكون في البيوت والستور والرقوم في الثياب ونحوها. وقد حكى ابن رشد فيها أربعة أولها: التحريم مطلقا. والثاني: إباحتها مطلقا. وثالثها: إباحة غير ما في الجدران والحيطان. ورابعها: مثله بزيادتها في الستور. قال والذي يباح من ذلك للصبيان ما كان غير تام الخلقة وقال أصبغ يباح من ذلك للعبه ما يسرع فساده فقط انتهى وإنما أبيح ذلك للصبيان تأليفا لهم وتعليما للحرب في حق الذكور والإقامة في حق النساء والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

باب في الطعام والشراب

باب في الطعام والشراب يعني: في ذكر آدابها المستعملة أولا وآخرا أوحال التناول. (إذا أكلت أو شربت فواجب عليك أن تقول باسم الله وتتناول بيمينك وإذا فرغت فتقل الحمد لله وحسن أن تلعق يدك قبل مسحها). يعني: أنك إذا أردت الشروع في الأكل يتعين عليك التسمية وجوبا يعني: وجوب السنن لا وجوب الفرائض وهي أن تقول باسم الله لا تزيد على ذلك لأن الأكل استهلاك لا يصح معه ذكر الرحمة، وذكر الغزالي والنووي إكمالها وهل هو على الأعيان وهو ظاهر المذهب ومن السنن الكفائية يحمله الواحد عن الجماعة وهو الذي حكاه النووي عن الشافعي قائلا هو كرد السلام وتشميت العاطس ونحوه. قال ابن الحاج ومن سنة التسمية الجهر لأنه إغراء للحاضرين على الأكل البلالي وتسميته بكل لقمة وحمده عقبها أزكى قال فباسم الله أوله وآخره درياقة وتزكية طعامه وفي الحديث أن من نسي التسمية أوله يقول إذا ذكر باسم الله أوله وآخره وفي حديث عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كانت تطيش يده في القصعة فقال له عليه الصلاة والسلام: " قل باسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" روه مسلم وفي مسلم أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنه: " إذا أكل أحدك فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله" الحديث. وأما الحمد عند الفراغ ففي حديث أنس رضي الله عنه: " أن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم أيضا قال علماؤنا: وسنة الحمد الإسرار لأنه كالأمر بالانفكاك لمن سمعه من الآكلين وأنكر ابن الحاج البسملة عند أكل لقمة والحمد على بلعها وقال هذا وإن كان حسنا فالسنة أحسن منه والتسمية أولا والحمد لله آخرا وذكرت ذلك لبعض الصالحين فقال لا معارضة فيه للسنة فقلت هو مخالف لما ورد من السنة التحدث على الطعام فقال يفعل

ذلك إذا كان وحده وفي نظر وأما لعق الأصابع ففي حديث ابن عباس رضي الله عنه: " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها" متفق عليه زاد النسائي: " فإنه لا يدري البركة في أوله أو آخره". وفي روايةكان عليه السلام لا ترفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها فإن آخر الطعام فيه البركة وروى أنه عليه السلام كان يلعق أصابعه حتى تحمر وظاهر ما هنا أن اللعق أولا ثم المسح ثم الغسل وهو أنظف وأطيب للنفس وحكى لي بعض الأصحاب أن الزناتي ذكر آخرا من السنة والله أعلم. (ومن آداب الأكل أن تجعل بطن ثلثا للطعام وثلثا للماء وثلثا للنفس). هذا حديث أصله قوله عليه الصلاة والسلام: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه حسب المؤمن لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فثلث للطعام وثلث للماء وثلث للنفس" أخرج الترمذي وصححه فالشبع إلى حد التخمة وإفساد المعدة بإفساد الطعام حرام وما دون ذلك ما يؤدي إلى الثقل مختلف فيه بالكراهة والإباحة وعليهما اختلفا في الجشاءة هل يقول الحمد لله أو يستغفر الله؟ وجمع بينهما وهو أحسن فيحمد اعتبارا بالنعمة ويتسغفر لسوء أدبه في أكله وما لا يحسن معه بالثقل مما لا يخل بغذائه وهو المطلوب. وقال في سراج المريدين ينبغي أن يكون طعام المريد أربعا وعشرين أوقية بين الليل والنهار ويجزئ ذلك على ثلاثين سواء أكله في مرة أو مرات قلت: والميزان الحق في ذلك ثلاث تغير الطعام في الفم فإنه لا يكون إلا بعد أخذ الطبيعة ما تحتاج إليه والإحساس بالثقل الذي يخشى منه التثبط والتخمة أو ما يقرب منهما وطلب الشرب لفدع ما يؤكل لا للاحتراق في الطبيعة وعلامته قلة لذة الماء في فيه. وقد قال سفيان رضي الله عنه كل ما شئت ولا تشرب وأقوال الناس تختلف والمقصود حفظ القوة مع خفة الأعضاء للعبادة بلا علاج والله أعلم. (وإذا أكلت مع غيرك أكلت مما يليك ولا تأخذ لقمة حتى تفرغ الأخرى).

أما أكله ما يليه فقد تقدم الحديث في الأمر به عموما ويتأكد مع الغير ابن رشد وكذلك إذا كان الطعام واحدا كالثريد واللحم وشبه ذلك فأما الأصناف المختلفة كأصناف الفاكهة في طبق مما تختلف فيه أغراض الآكلين فلا باس للرجل أن يتناول ما بين يدي غيره وذلك منصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا بأس إذا أكل الرجل مع أهله وبنيه أن يتناول ما بين يدي وغيره منهم إذ لا يلزمه أن يتأدب معهم ويلزمهم أن يتأدبوا معه في الأكل فإن لم يفعلوا أمرهم بذلك ما فعل عليه الصلاة والسلام مع عمر بن أبي سلمة حين طاشت يجه في الصحفة والله أعلم. وقد صح أنه عليه السلام كان يتتبع الدباء من حوالي القصعة فحكى أبو محمد صالح في المنهاج عن ابن رشد أن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم وذكرت كلامه للشيخ الفقيه الصالح سيدي سليمان بن يوسف البجاوي فقال الأصل التأسي حتى يثبت خلافه ووجه الخصوص أن كل البيوت بيته عليه السلام وجولان يده في الطعام ترجي بركته بل تتحقق فجولانه تطيب لقلب صاحبه البلالي ويأكل متأنيا ناظرا بين يديه منزها لمائدته عما يلقيه ثم قال نعم ويكسر الخبز لقلته أو إيناس آكله وإلا فأرغفة. والأكل من جوانبها يعني القصعة أفضل انتهى واختلف في البداءة باللحم وتأخيره ثالثها يبدأ به الجائع لا غيره وفي جعل الإدام على الخبز ثالثها إن كان يأكله جاز وإلا كره كان صلى الله عليه وسلم لا يذم ذواقا إن اشتهى أكل وإلا ترك وكان لا يحب الطعام السخن جدا وإذا أتى به قال: " أبردوه إن الله لم يطعمنا نارا" وينبغي إذا حضر القوم ذو هيئة أن ينظر إليه فلا يمد أحد يده إلا بعده ولا يرفع أحد إلا بعد رفعه كما قيل قالوا ولا يرفع يدا ما داموا في الأكل وليقم متى قاموا وفي المناولة من القصعة اللحم وغيره تفصيل كتقليم بعض الناس لبعض. وقوله: (لا تأخذ اللقمة) إلى آخره: من باب التأني في الأكل خلاف حال النهم والشره والحديث على الطعام من السنة قالوا وليكن الكلام بين فترات التناول لا حالة امتلاء الفم بالطعام لأنه مثلة وقد يخرج من فيه ما يكره مع أنه لا يفهم أو لا يكاد يفهم وآداب الأكل كثيرة غيزيرة فنقتصر وبالله التوفيق. (ولا تتنفس في الإناء عن شربك ولتبن القدح عن فيك ثم تعاوده إن شئت

ولا تعب الماء عبا ولتمصه مصا وتلوك طعامك وتنعمه مضغا قبل بلعه). قد صح نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التنفس في الإناء من حديث سلمان رضي الله عنه وغيره وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال رجل يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد قال: " فلتبن القدح عن فيك" قال فإني أرى القذارة فيه قال: " فأهرقها" رواه مسلم وقد أتى الشيخ بمعناه وفي النسائي ما يدل لاستحباب الشرب في ثلاثة أنفاس يمسي عند كل مرة ويحمد عليها وفي هذه الحديث جواز الشرب في نفس واحد وكراهة التنفس في الإناء والشرب في القدح وهو السنة. وقد جاء النهي عن عب الماء عبا قيل لأنه يورث الكباد ولا يروي معه ولا يطفئ الحرارة الغريزية فيتضرر ولأنه من الشره ومن المعلوم أن السنة شرب الماء بالمص واللحم وبالنهش والخبز بالقرص إلا لعذر فيجوز غير ذلك واللوك تحريك الطعام وإدارته في الفم لتطييبه وقوة إنعامه ليأتي المعدة وقد تهيأ للهضم ومن المعلوم أن ذلك لا يكون إلا مع تصغير اللقمة يعني صغرا لا يؤدي إلى المقت وفي كلام ابن العربي أن اللقمة ينبغي أن تكون أوقية إلا ربعا ونحوها لأنه قال رطل ونصف في ثلاثين لقمة وقال بعض السلف الأكل بأصبع واحد مقت وباثنين ظرافة وكبرا وبثلاثة سنة وبأربعة جواز والله أعلم. وذكر ابن العربي كراهة الشرب من ناحية العروة ومن الكسر يكون في الإناء وبالله التوفيق. (وتنظيف فاك بعد طعامك وإن غسلت يدك من الغمر واللبن فحسن وتخلل ما تعلق بأسنانك من الطعام ونهى الرسول عليه السلام عن الأكل والشرب بالشمال وتناول إذاشربت من على يمينك). أما تنظيف الفم من الطعام بالسواك والمضمضة ونحوهما فهي السنة وفائدته دفع ما يتقي من تغيير طعم الفم ورائحة بذلك مع أنه يجلب العطش وربما دخل في ضرس مسوسة فيتغير فيها كرائحة العذرة وطعمها فتحرم وتنجس وقد نص على ذلك العلماء.

وقد تمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللبن وقال " إن له دسما". وقال عليه السلام: " من بات وبيده غمر لم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه" رواه أبو داود وغيره والغمر بفتح المعجمة والميم الودك وأما تخليل الأسنان فخرج أبو نعيم مرفوعا: " نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجالس الملائكة" وليس شيء أضر على الملائكة من بقايا الطعام بين الأسنان وأما الأكل بالشمال فقد تقدم قريبا وف الشفاء أنه عليه السلام رأى رجلا يأكله بشماله فقال له: " كل بيمينك" فقال لا أستطيع، فقال عليه السلام" لا استطعت" فما رفعها إلى فيه بعد ولا خلاف أنه مكروه غير محرم إلا من ضرورة أو عذر. وقد رئي علي كرم الله وجهه وفي يده خبز وبالأخرى شواء وهو يأكل من هذه ومن هذه وأما مناولة الأيمن ففي حديث أنس رضي الله عنه: " إذا شرب أحدكم فليتناول للأيمن" وقال عليه السلام " الأيمنون الأيمنون ألا فيموا". متفق على رواية معناه وقصته عليه السلام في ذلك مع الشاب الذي قال لا أوثر بنصيي منك أحدا شهيرة في الصحيحين وغيرهما والله أعلم. (ونهى عن النفخ في الطعام والشراب والكتاب وعن الشرب في آنية الذهب والفضة). أما الثلاث الأول فروى حديث النهي عنها البزار وغيره وهو في الأولين لما يتقي من القذر والاحتقار وأما الثالث فلحرمته وخوف أن يفهم عنه وجود ازدرائه وسواء في ذلك ما قل وجل وحار الطعام وبارده وأجاب بعض الشافعية بأن تقبيل الخبز وحمله على الرأس تعظيما لم يرد به شيء واحتقار بلقائه في القاذورات ونحوها ممنوع وحكى لنا بعض الطلبة أن الشيخ ابن مرزوق – رحمه الله – كان يقول: إذا اختلط الطعام بالتراب ونحوه بحيث لا يمكن النفع به سقطت حرمته. وحكى لنا شيخنا أبو عبد القوري – رحمه الله – في أكل الخبز المحترق الذي صار كالتراب قولين قال وذكرهما في المعين في شرح التلقين وأما الشرب في آنية الذهب والفضة ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها: " الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر

في بطنه نار جهنم" متفق عليه قال علماؤنا بنبه في هذا الحديث بالأدنى على الأعلى فإذا كان هذا في آنية الفضة فالذهب أحرى لقوة السرف والرفاهية فيه وإذا كان هذا في الشرب فالأكل أحرى. وفي حديث حذيفة رضي الله عنه صريح النهي عنهما متفق عليه ولا خلاف في تحريم استعمال أواني الذهب والفضة وإنما اختلف في جواز اقتنائها فأخذ الباجي من جواز بيعها جواز اقتنائها ورد بأن عينها تملك إجماعا فعلى المشهور لا يجوز الاستئجار على صوغها ولا شيء على من أتلفه وعلى الثاني يجوز الاستئجار ويلزم الغرم وفرض ابن بزيزة في شرح التلقين ذلك في اتخاذها لتزيين البيوت بتعليقها وعد عياض في مكروهات الوضوء كونه منها وهو مشكل م وفي إناء الجوهر قولان ولو غشي ذهب أو نحوه برصاص ونحوه وموه رصاص ونحوه بذهب ونحوه فقولان: قال الباجي ولا يتعدى التحريم إلى الياقوت والفيروزج وشبه ذلك من الجواهر النفيسة لمجرد نفاستها وقال الأبهري ما يصنع من الياقوت واللؤلؤ والمرجان أولى بالتحريم من الذهب والفضة ولابن سابق يكره عياض في المغشي والمموه على اعتبار السرف يجوز الأول ويمنع الثاني وقيل عكسه لاستهلاك عينها واعتبار العين يمنعها وفي المضبب بهما أو بأحدهما ثالثها يكره ومثله ذو الحلقة والمنع للباجي وابن العربي وعياض مع رواية العتبي عن مالك لا يعجبني الشرب فيها يعني الآنية لا ما ينظر فيها يعني المرآة من ذهب أو فضة وقد أتى الحسن بطيب في من فضة فقلبه في يده واستعمله وفي حديث أنس رضي الله عنه انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة متفق عليه وهو خلاف ما قالوا في المضبب وذي الحلقة فانظر أبوابه وبالله التوفيق. (ولا ينبغي لمن أكل الكراث أو الثوم أوالبصل نيأ أن يدخل المسجد). يعني أنه يكره ذلك له لأنه يؤذي الناس بريحه وقال عليه الصلاة والسلام في الثوم: " من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مساجدنا يؤذينا بريح الثوم" متفق عليه مع اختلاف ألفاظه وقد أخذ به جمهور العلماء وأرباب الفتيا قالوا بكراهتها لدخول المسجد من غير تحريم خلافا لأهل الظاهر وقال بعض العلماء النهي خاص بمسجد المدينة والصحيح عمومه قال بعضهم ومصلى العيد والجنائز وغير ذلك مما يجتمع.

فيه الناس كالمسجد في ذلك. وقال ابن المرابط من به داء البخر كآكل الثوم في النهي وما ذكر من أن البصل والكراث لم يرد فيه حديث بخصوصه فهو مقيس على الثوم وهل يحرم إخراج الريح فيه أو يكره قولان وقد ذكروا أكل الثوم في مبيحات التخلف عن الجمعة وكذا ما كان في معناه فانظر ذلك وسيأتي تعظيم المساجد وما يجوز فعله فيها ودخولها به بعد إن شاء الله. (ويكره أن يأكل متكئا ويكره الأكل من رأس الثريد ونهى عن القرن في التمر وقيل إن ذلك مع الأصحاب الشركاء فيه ولا بأس بذلك مع أهلك أو مع قوم تكون أنت أطمعتهم ولا بأس في التمر وشبهه أن تجول يدك في الإناء لتأكل ما تريد منه). أما كراهة الأكل متكئا فلأنه صفة المتكبرين أعني الميل على شق حال الأكل وفسر عياض الاتكاء بالتمكن للأكل على وجه يتهيأ معه الإكثار قائلا: وليس الاتكاء هنا الميل على شق عند المحققين وانظر الشفاء عند قوله عليه السلام: " أما أنا فلا أكل متكئا إنما أنا عبد أكل كما يأكل العبد" أخرجه البخاري من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه. وأما الأكل من رأس الثريد ففي السنن الأربعة من رواية ابن عباس رضي الله عنه قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة من ثريد فقال: " كلوا من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها فإن البركة تنزل على وسطها" قال ابن حجر هذا لفظ النسائي وسنده صحيح. وأما القران في التمر بمعنى قرن إحدى التمرتين بالأخرى عند الأكل ففي المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القران في التمر إلا أن يستأذن أصحابه فظاهره أن ذلك لمكان الشركة ويحتمل أن يكون للأدب معهم وعليهما القولان المذكوران في النص والله أعلم. ويحكى أن أبا هريرة رضي الله عنه أكل تمرا مع أعرابي فرآه يقرن فقال أوتر يا أعرابي فجعل يأكل ثلاثا ثلاثا وأما الجولان في التمر فهو السنة ولكن ينبغي أن يكون بأدب وحشمة وحديثه متفق عليه وقد تقدم كلام ابن رشد فيه ثم هل هذا خاص بالتمر أو لا ظاهر الحديث في قوله أنه أنواع يدل على عدم اختصاصه بالتمر ولا

بالفاكهة فانظر ذلك وبالله التوفيق. (وليس غسل اليد قبل الطعام من السنة إلا أن يكون بها أذى وليغسل يده وفاه بعد الطعام وليمضمض فاه من اللبن ويكره غسل اليد بالطعام أو بشيء من القطاني وكذلك بالنخالة وقد اختلف في ذلك). ما ذكر أن غسل اليد قبل الطعام ليس من السنة هو قول مالك ورده أبو عمر بن عبد البر في جامع الكافي بحديث سلمان رضي الله عنه غسل اليد قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم وقال: إنه صحيح وهذا فيما هو مائع من الطعام وأما غيره فلا وجه له نعم قيل هو شكر لنعمة التناول قبل التلبس بالنعمة والأذى عبارة عن نجس أو قذر إن كان طاهرا. وقد ثبت غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الغمر وتمضمضه من اللبن وأمره بذلك وثبت أن الصلاة أقيمت وهو يجتز من كتف شاة فمسح يده بالحصباء وصلى وقد تقدم بعض الكلام في ذلك وأما غسل اليد بالطعام كالدقيق والعسل والقطاني التي هي منها الترمس وقد عمت البلوى به وفيه اختلاف قال سحنون يمنع كالنخالة لحرمة الطعامية. وحكى ابن يونس عن مالك الجواز بالنخالة وغيرها قائلا أن الصحابة كانوا يتمندلون بأقدامهم وكانوا يأكلون الطعام الدسم ولابن وهب في المختصر سمعت مالكا يقول في الجلبان والفول وما أشبهه من الطعام لا بأس أن يتوضأ منه ويتدلك في الحمام. وقال مالك: إن الرجل ليدهن بعض جسده بالسمن أو الزيت من الشقاق قال وسئل عن الدقيق يغسل في اليد فقال غيره أحب إلي ولو فعل لم أر به بأسا ثم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمندل ببعض رجله وفي النخالة ثلاثة المنع لسحنون والكراهة لمالك والجواز لابن نافع والله أعلم. (ولتجب إذا دعيت إلى وليمة العرس إن لم يكن هناك لهو مشهور ولا منكر بين وأنت في الأكل بالخيار وقد أرخص مالك في التخلف لكثرة زحام الناس فيها). يعني أن إجابة دعوة وليمة العرس أي النكاح مطلوب وهل واجب أو مندوب قولان عياض لم يختلف العلماء في وجوب إجابة دعوة الوليمة الباجي: وروى ابن

حبيب ليس ذلك حتما ولا فرضا وأحب له أن يأتيه فجعله ندبا ونحوه في الجواهر عن ابن القصار. وقال اللخمي: إن كان المدعو جارا أو قريبا أو صديقا أو ممن يتجدد بتخلفه عداوة أو مقاطعة وجبت إجابته وغيره إن لم يأت من الناس ما تقع به شهرة النكاح ندبته وإلا أبيتحت قال وروي لمحمد لا بأس أن يقول الرجل للرجل ادع لي من لقيت وليس على المدعو كذا إن لم يجب عيب يريد لأن تخلف من يعرف ولا يقطع به شنآن. ووليمة العرس شرط فلا يتأكد الأمر في غيرها وقد قال صلى الله عليه وسلم: " شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعي إليها من يأباها ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: وفي المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه: " إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها" ولمسلم: " فليجب عرسا كان أو غيره". وقد قسم ابن رشد الدعوة إلى الأطعمة خمسة أقسام فجعل دعوة وليمة العرس واجبة الإجابة إلا لعذر ودعوة المأدبة مستحب إجابتها وهي طعام الولد والإخاء والمعاشرة ودعوة تجوز إجابتها ولا حرج على التخلف عنها وهي كل ما كان دون دعوة الوليمة من الدعوات العادية كالعقيقة والعتيرة والخرس لإذلال ومنها ما تكره إجابته وهو ما قصد به مباهاة أو مفاخرة ونحو ذلك فتكره لا سيما لأهل الفضل والهيئات لأن إجابتهم لذلك إضاعة للتصاون وسبب لإذلال أنفسهم وتحرم لمن يحرم عليه قبول هديتهم كالمديان والخصمين للقاضي ونحو ذلك انتهى باختصار بعض ألفاظه وانظر المقدمات. تنبيه: المأدبة بفتح الدال وضمها ما يصنع للتودد ونحوه والوضيمة طعام المصيبة والنقيعة طعام قدوم المسافر والعتيرة طعام الختان والوكيرة كمال البناء والخرس طعام الولادة والعقيقة طعام سابع المولود والوليمة قال الخطابي طعام الأملاك وقال صاحب العين طعام النكاح وقيل طعام العرس والأملاك معا قال القاضي وروى ابن القاسم في المدونة إنما تجب الإجابة في طعام العرس وليس طعام الأملاك مثله. عياض هذا على رواية محمد أنها بعد البناء وهو المسمى عندنا وليمة وعرسا

والمذهب استحباب الوليمة ابن سهل والمذهب القضاء بها على الزوج للعمل بها عند الخاصة والعامة ولحديث فيها، الباجي: المختار منها يوم احد عياض حكى ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند البناء عياض لا خلاف أنه لا حد لها وهي بقدر حال الرجل وما يجد استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعا قيل إذا دعي في اليوم الثاني من لم يدع في الأول ثم كذلك وتكره المباهاة والسمعتة (ع) وهو مقتضى نقل الباجي عن ابن حبيب وفيه إن دعا في الثالث من لم يكن دعاه مرة فهو سائع. وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: " طعام أول يوم حق وطعام اليوم الثاني سنة وطعام اليوم الثالث سمعة". رواه الترمذي واستغربه ابن حجر ورجاله رجال الصحيح. وقوله: (إن لم يكن هناك لهو مشهور) يعني: لما في سماع يحيى من رواية ابن القاسم لا يدخل الرجل يدعى لصنيع فيجد فيه اللعب إلا أن يخف كالدفء والكبر الذي يلعب به النساء فلا بأس (ع) معروف المذهب منع حضورها للعب المنكر أو للأكثر في اللعب المباح الحضور إلا لأهل الفضل والهيئات والمنكر البين كاجتماع النساء والرجال (ع) تخلفه لعذر فرش للاستناد إليه والجلوس عليه. وقوله: (وأنت في الأكل بالخيار) الباجي لا نص لأصحابنا في وجوب الأكل للمجيب وفي المذهب ما يقتضي القولين روى محمد عليه أن يجيب وإن لم يأكل أو كان صائما ففي الحديث: " إن كان صائما فليصل لهم" أي يدعو بخير وقال أصبغ ليس الأكل بتأكيد وهو بعيد وقول مالك على هذا أن الأكل ليس بواجب وقول أصبغ وعلى وجوبه اللخمي وقول مالك يأكل خلاف الحديث: " فإن كان مفطرا أكل وإن كان صائما فليصل لهم" الحديث قال ولو جعل على صفة المدعو لكان حسنا فالرجل الجليل لا بأس أن يطعم لأن المراد التشرف بمجيئه وإن لم يكن كذلك وهو ممن يرغب في أكله ويحدث وحشة بتركه فاتباع الحديث أولى وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر ذكر في هذه الترجمة سبعة أشياء كلها مهمة فالسلام من السلامة وهو من أسماء الله أيضا والاستئذان طلب الإذن في الدخول والتناجي: المسارة في الحديث والمراد ذكر أحكام ذلك وما بعده. (ورد السلام واجب والابتداء به سنة). أما كون رد السلام واجبا فلقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86] فالرد من حق المبتدئ به فلذلك كان واجبا لا لذاته والابتداء به سنة لأنه إبرار للمسلمين ومعروف بينهم وقد تقدم أن من حق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه. وفي البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قلت يا رسول الله أي الإسلام خير؟: " أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" وقال عمر رضي الله عنه ثلاث من جمعهن فقد حاز الخير كله الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار انتهى. (والسلام أن يقول الرجل: السلام عليكم ويقول الراد وعليكم السلام أو يقول سلام عليكم كما قيل له وأكثر ما ينتهي السلام إلى البركة أن تقول في ردك وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ولا تقل في ردك سلام الله عليك). هذه كيفية السلام وما يتعلق بها وقد ذكر فيه السلام بالتعريف في الابتداء والتنكير في الرد وقد قالوا إن المنكر تحية أهل الجنة والمعرف تحية أهل الدنيا وهل المقصود اسم الله فالمراد الله شاهد عليكم أو حفيظ ونحوه وهو مقتضى التأمين وطلب الأمان به الذي يشرع من أجله والمراد السلامة منا عليكم فهو تأمين دون طلب وقد ورد في الشرع تارة للتأمين وتارة للإبرار. وفي كون السلام ينتهي إلى البركة يحتمل أن يكون المراد هذا منتهاه في عرف الشرع وما وراء ذلك بدعة ويحتمل أنه المراد في عرف الاستعمال. وما رواءه زيادة تكلف وهذا هو الظاهر لأن الزيادة قد وردت عن بعض السلف والله أعلم.

قال بعض الشراح وإنما قال لا تقل سلام الله عليك لأنها تحية أهل القبور قلت وفيه نظرلأن عليه السلام إنما حيا أهل القبور بقوله:" سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" والظاهر أنه إنما نهى عنه لإيهامه الإخبار عن تحقق السلام من الله أو طلب السلام من الله عليه وهي تحية النبوة وقد قال: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} [النور: 63] بعضا الآية. (وإذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم وكذلك إن رد واحد منهم). ذكر هنا الابتداء بالسلام من سنن الكفاية والرد من فروض الكفاية وهو المذهب لأن مقصود السلام التأمين ويجوز أمان بعض المسلمين عن بقيتم وحيث الإبرار فالواحد كاف في تحصيل مصلحته خلافا لأبي يوسف من الحنفية وفي حديث علي كرم الله وجهه: " يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجماعة أن يرد أحدهم" رواه أحمد والبيهقي وعليه الجمهور والله أعلم. (وليسلم الراكب على الماشي والماشي على الجالس). أما تسليم الراكب على الماشي فللتأمين من جهة أنه قدر عليه فالأمان مطلوب منه غالبا لا من الماشي وأما الإبرار فإنه في عز وكبر والآخر في محل مكابدة وضعة فالعطف من الراكب أولى وأمس بالتواضع وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " ليسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير" متفق عليه وفي رواية لمسلم: " والراكب على الماشي" انتهى. ومقتضاه أن مقصود السلام الإبرار فتأمله وقد قال علماؤنا إنما المذهب الترتيب مع الأمن فأما مع الخوف فلا يسلم إلا على الوجه الذي يأمن به قالوا ويجوز له تركه سلام من يستقل سلامه وذكره ابن فرحون وغيره فانظره. (والمصافحة حسنة). يعني مليحة جميلة لأنها تزيل الوغر من القلب وتشعر بالتناصر والتعاضد وكيفيتها وضع الرجل يده في يد صاحبه يشد كل واحد يده قدرا يفهم بوجود القبضة بصاحبه والمشهور ما ذكر من استحبابها وهو مذهب الموطأ خلافا لمن يرى كراهتها أو منعها فقد قال ابن فرحون في نسكه الثلاثة الأقوال عن المذهب وعن ابن رشد الكراهة لرواية

أشهب وقال هي أخف من المعانقة. وقد جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: " ما من مسلم يلتقي مع أخيه المسلم فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا" رواه الترمذي والأحاديث في الباب كثيرة قال علماؤنا وجوازها مقيد بما إذا لم يؤد لمكروه فقد قال بعض السلف يكون في هذه الأمة لوطيون ثلاثة قوم بالفعل وقوم المصافحة وقوم بالنظر وأخذ القول بالكراهة مبني على سد الذريعة في ذلك وبالله التوفيق. (وكره مالك المعانقة وأجازها ابن عيينة). أما كراهة المعانقة فحسما لذريعة المنكر وأما إجازتها لابن عيينة فلحديث فيها ابن رشد وروي أن ابن عيينة دخل على مالك فصافحه وقال يا أبا محمد لولا بدعة لعانقتك قال عانق من هو خير منك ومني النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك جعفر قال نعم قال ذاك حديث خاص يا أبا محمد لي بعام فقال ابن عيينة ما يخص جعفرا يخصنا وما يعمه يعمنا إذا كانا صالحين ثم قال أفتأذن لي أن أحدثك في مجلسك قال نعم يا أبا محمد فحدث بحديث قدوم جعفر من الحبشة ومعانقة النبي صلى الله عليه وسلم له وتقبليه بين عينيه ابن رشد لما لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله مع غير جعفر رأى مالك خصوصه وكراهته لسائر الناس إذ لم يصحبه عمل وبالله التوفيق. (وكره مالك تقبيل اليد وأنكر ما روي فيه). إنما كرهه لما يدعو إليه من الكبر والنخوة ورؤية النفس ومساعدتها في حظها وربما كان ذريعة للمكروه وقد رويت فيها أحاديث كثيرة منها أن وفد عبد القيس لما قدموا عليه صلى الله عليه وسلم ابتدروا يديه ورجليه وهو صحيح وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في سعد بن مالك أن أباه استشهد في أحد فخرج مع الناس يلقي النبي صلى الله عليه وسلم حين الدفع إلى المدينة قال: " قبلت يده" فقال سعد قلت نعم قال: " آجرك الله في أبيك " صحيح. وحديث الأعرابي الذي سأله آية فقال: " ادع تلك الشجرة" فجاءت حتى وقفت بين يديه فقا ائذن لي فلأسجد لك فأبى فقال: " لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة تسجد لزوجها" فقال الرجل ائذن لي فلأقبل يديك ورجليك

فأذن له إلى غير ذلك وإنكار مالك لمن روى في تقبيل اليد إن كان من جهة الروايةفمالك حجة فيه لأنه إمام حديث وإن كان من جهة الفقه فلما تقدم وعمل الناس على الجواز لمن يجوز التواضع منه ويطلب إبراره وبالله التوفيق. (ولا تبتدئ اليهود والنصارى بالسلام فمن سلم على ذمي فلا يستقبله وإن سلم على يهودي أو نصارني فليقل عليك ومن قال عليك السلام بكسر السين وهي الحجار فقد قيل ذلك). ش: إنما لا يبتدءون بالسلام لأن السلم تحية وإكرام، وإكرام الكافر وتحتيه لم يرد في الشرع وفي حديث علي كرم الله وجهه: " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقة" رواه مسلم والاستقالة أن يقول رد لي سلامي الذي سلمت عليك وقد كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ. ابن رشد وقد روى أشهب عن مالك في جامع العتبية لا يسلم على أهل الذمة ولا يرد عليهم ومعناه أنه لا يرد عليهم مثل ما يرد على المسلم ويقتصر في الرد عليهم بأن يقول وعليكم. كما جاء في الحديث الذي ينبغي في هذا أن يقال عليكم يغيروا وإن تحققت أنه قال في سلامه السلام عليكم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم السلام عليكم فقولوا وعليكم" رواه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه وكون السلام بكسر السين هي الحجارة مذكورة في اللغة والرد بمثل ذلك وإن أبيح مع احتمال ما قالوه فوجب التوقف وإ كان حكم الظن وجوده فالأولى المقابلة قلت وقد رأتيهم يسوؤهم الرد عليهم ويستحبون السكوت عن إجابتهم فلا ينبغي أن يهملوا في ذلك لما يحصل لهم من النكاية والله أعلم. (والاستئذان واجب فلا تدخل بيتا فيه أحد حتى تستأذن ثلاثا فإن أذن لك وإلا رجعت). أما وجوب الاستئذان فلقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} [النور:27] الآية ابن رشد تستأنسوا يعني تستأذنوا وقد اختلف في تقديم الاستئذان على السلام وعكسه وصورته على الأول

أن يقول سلام عليكم ثم يدخل ثم يهمل قليلا ثم يعيد لانتهاء الثلاث فالأولى تنبيه والثانية تثبيت والثالثة استبراء وإعذار وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن استتأذن ثلاثا وإذا سلم سلم ثلاثا وفي الحديث: " لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام". وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته يحك رأسه بمدرى ورجل ينظر إليه من صائر الباب فقال: " لو علمت أنك تنظر إلي لطعنت به في عينك إنما جعل الإذن من أجل البصر" قالوا وينبغي للإنسان أن يبنه في دخوله وخروجه لبيته بالتنحنح ونحوه خوف أن يطلع على ما يكره فيه وكان السلف يفعلون ذلك. وقال ابن حبيب مشى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرأى نارا فأتاها فإذا بقوم يشربون ومعهم شيخ فاقتحم عليهم فقال يا أعداء الله قد أسكن الله منكم فقال الشيخ ما نحن بأعظم منك إنما تعديت ودخلت بغير إذن فالله تعالى يقول: {حتى تستأنسوا} فاستحشم عمر رضي الله عنه وقال ذروا هذه لهذه ويكتفى في الإذن بالصبي والعبد والصغير ونحوه لضرورة الناس إلى ذلك ذكره القرافي في آخر شرح التنقيح فانظره وما يفعله بعض الناس وقوله سبحان الله في الاستئذان بدعة صريحة وإساءة أدب مع الله وقد بينا ذلك في كتاب البدع وبالله التوفيق. (ويرغب في عيادة المرضى). قد صح الترغيب في ذلك ففي مسلم:" حق المسلم على المسلم ستة إذا لقيته فسلم عليه وإذا عاك فأجبه وإذا مرض فعده وإذا استنصحك فانصحه وإذا عطس فشمته وإذا مات فاتبعه" نعم وإنما العيادة في المرض المعتبر لقوله عليه السلام: " ثلاثة لا يعاد منها الضرس والرمد والدماميل" رواه أبو داود وفي الموطأ: " من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" قيل وما خرفة الجنة قال:" جنانها". وآداب عيادة المريض كثيرة أمها ثلاثة الإتيان في وقت لا يضر بأهل البيت ولا بالمريض والإيناس بما أمكن مع التذكير بالله والإفساح له في الأجل والتخفيف في الجلوس نده قدر ما يؤنس ولا يضر وفي الترمذي: " من عاد مريضا لم يحضر أجله

فقال عنده أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبعا فإن الله يشفيه" قال حسن صحيح. وقال ابن خليل السكوني إن من خطأ العامة قولهم للمريض ذهب الشر فهو ممنوع وأفتى به أبو القاسم الغبريني وأفتى (ع) بالجواز محتجا بقوله تعالى: {وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} [فصلت: 51] الآية إذ جاء في التفسير أنه المريض والله أعلم. (ولا يتناج اثنان دون واحد وكذلك جماعة إذا أبقوا واحد منهم وقد قيل لا يبنغي ذلك إلا بإذنه). قد صح النهي عن تناجي اثنين دون واحد رواه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه" وهو متفق عليه وقال تعالى {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا} [المجادلة: 10] الآية ودخول الحزن عليه في ذلك من جهة التقية منهم أو موجبه الاحتقار والمجانبة فلا يختص بالخوف خلافا لمن رأى ذلك وفي الجلاب لا بأس بتناجي جماعة دون جماعة وكذلك الجماعة إذا أبقت اثنين بخلاف الواحد كما هنا والله أعلم. (وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قال عمر وأفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه). إنما لم يكن أنجى للعبد من الذكر لأنه تعلق بالله بلا واسطة بل قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ " قالوا ما ذاك يا رسول الله قال: " ذكر الله". وأحاديث هذا الباب كثيرة. ثم الذكر ثلاثة أنواع ذكر بالقلب ومرجعه للتعظيم والإجلال وذكر بالجوارح ومرجعه الامتثال للأمر والنهي وذكر باللسان فالأول أعلى وعنه ينشأ الآخران والثاني:

يليه لأنه قيام بحق العبودية والقيام بحق العبودية هو المقصود. والثالث مقدمة لهما ونتيجة عنهما فقد قال عبد الوهاب إذا أكثر العبد من ذكر الله تعالى تجدد خشوعه وازداد يقينه وبعدت عن قلبه الغفلة وكان إلى التقوى أقرب وعن المعاصي أبعد. وقال ابن عطاء الله في الحكم لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر من وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز انتهى. وباب الذكر واسع وفضله كثير لأنه باب الولاية ومفتاح العناية وكل عبادة دونه محدودة قالوا وهو منشور الولاية أي مرسومها ونصيرها فمن أعطى الذكر أعطى المنشور وربك الفتاح العليم. (ومن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أصبح وأمسى اللهم بك نصبح وبك نمسي إلخ ومن دعائه عليه السلام عند النوم أنه كان يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ويده اليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول اللهم باسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه إلخ). أما الحديث الأول فلم أقف على تخريجه وهو من أوضح الأدعية وأحسنها وقد حكى ابن العربي في سراج المريدين عن بعض من وصله بإسنناده من الأئمة أن كل شيء يشترط فيه الصحة وإلا من قال كذا فله كذا يريد إذا كان واضح المعاني والموضع الذي يطلب فيه الذكر والدعاء عموما عند الصباح وقد تقدم منه في باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وعند المساء وقد ذكره مع الصباح هنا. وأول الصبح طلوع الفجر لكن المرغب فيه ما بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس والرغب فيه مساء عند اصفرار الشمس وأقربه يسيرا أو بعده إلى النوم والسحر وقت المناجاة وكذا عند النوم والانتباه في الليل ومن الاستيقاظ للفجر.

ومن أصح ما روي في ذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " إذا أويت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل باسمك اللهم وضعت جنبي" إلخ قال البراء فجعلت أرددهن فقلت ورسولك الذي أرسلت فقالن النبي صلى الله عليه وسلم " لا ونبيك الذي أرسلت" قال وهو خلاف ما ذكره الشيخ هنا إذ إنما أتى بما رده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل هي غلطة قلم وقيل لما كان الحديث مما لا يخفي على أحد. وقد جرى في الكتب تركها لأن ذلك من الخطأ الذي لا يخفي على أحد وهذا بعيد وقيل بل تبع في ذلك رواية ابن ماجه إذ لم يذكر رده عليه السلام على البراء وكأنه لم يحفظ غيره وإلا فزيادة العدل مقبولة قالوا وإنما غير بين الأول والثاني لينبه على أن كل رسول نبي فيقر للرسول بالوصفين النبوة العامة لنوع والرسالة الخاصة لنوع منه والله أعلم. قال: " واجعلهن آخر ما تتكم به فإن مت من ليلتك مت على الفطرة" وفي الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:" من قال عند النوم أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب غليه ثلاث مرات غفرته له ذنوبه وإن كانت مثل عدد ورق الأشجار وإن كانت كرمل عالجج وعدد أيما الدنيا" قال حسن صحيح. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند نومه المعوذتين وينفث فيه كفيه ثم يمسح بهما على وجهه وما استطاع من جسده رواه البخاري وغيره. وفيه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: " من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن دعا استجيب له وإن استغفر غفر له وإن صلى قبلت صلاته"وفيه أن فاطمة رضي الله عنها شكت إليه طحن الرحا فوعدها بخادم إن جاء سبي فلما جاء السبي جاءت هي وعلي كرم الله وجهه فقال صلى الله عليه وسلم " ألا أدلكما على ما خير لكما من خادم إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فذلك ما خير

لكما من خادم" قال بعض العلماء في ذلك إشارة إلى أن العمل بذلك يذهب بالعتب ويعين على الأعمال الشاقة والله أعلم. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " آية الكرسي عند النوم حفظ إلى الصباح" قال البلالي رحمه الله نعم ويقرأ آخر سورة الكهف يسأل إيقاظه بعد وضوء وخفة معدة وتوبة وسلامة صدر ثم قال قلت ويقرأ: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} [الزمر: 42] إلى قوله: {إلى أجل مسمى} يسأل إيقاظه كيف شاء وهو سر عجيب انتهى. وذكر الغزالي وأبو طالب المكي أظنه عن علي كرم الله وجهه إن من قرأ عند نومه {وإلهكم إله واحد لا إله هو الرحمن الرحيم} [البقرة: 163] إلى قوله يعقلون لم يفلت القرآن من صدره فهذه جملة فوائد محلقة بما ذكر الشيخ وبالله التوفيق. (ومما روي في الدعاء عند الخروج من المنزل اللهم إني إعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي). ش: هذا الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي حديث أنس رضي الله عنه: " إذا خرج الرجل من بيته احتوشته الشياطين فإذا قال باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال الملك كفيت وهديت ووقيت فتفرق عنه الشياطين ويقولون ما تصنعون عند رجل كفي وهدي ووقي". رواه أبو داود من حديث أنس رضي الله عنه وهو صحيح وفي رواية " يقول ذلك ثلاثا" ومما صح أنه يقال عند القيام من النوم: " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشورن أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله رب العالمين، اللهم إني أسألك خير هذه اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه وأعوذ بك من شره وشر ما بعده " أظنه من رواية النسائي مفرقا ومعه ألفاظ مختلفة فانظر ذلك وبالله التوفيق. (وروي في دبر كل صلاة أن يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويكبر الله ثلاثا

وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بالا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وعند الخلاء يقول الحمد لله الذي رزقني لذته وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوته). أما الذكر في أدبار الصلوات فقد تقدم في باب صفة العمل في الصلاة المفروضة وحديثها متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره وأن من قاله غفرت له من ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وروي " عشرا عشرا" وروي " أحد عشر أحد عشر" وهو مقتضى قوله " حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون" قال شيخنا أبو عمر وعثمان الديمي حافظ عصره كان الله له وهي رواية الاكثر على أنه يحتمل الجمع في العدد المذكور بأن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين فيكون في العدد التفصيلي تسع وتسعون وفي الإجمالي ما ذكره وهي اختبار جماعة من الأئمة منهم (ع) وكذا ذكر الآبي عنه وهو الأقرب والله أعلم. وما ذكر في الخروج من الخلاء هو من آداب الإحداث وقد صح أنه عليه السلام كان إذا دخل الخلاء قال " باسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث" متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه غير البسملة فإنها في الترمذي من رواية علي كرم الله وجهه بسند ضعيف الخطابي والخبث بالمعجمة أولا وآخرا بينهما موحدة مضمومة جمع خبيث وهم ذكور الجن والخبائث إناثهم وفي حديث عائشة رضي الله عنها " كان إذا خرج من الخلاء قال غفرانك" وصححه أبو حاتم والحاكم وقال الترمذي وليس في الباب أصح منه. وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه عليه السلام " كان يقول الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" أخرجه أبو داود فيما أظن والله أعلم والحديث الذي ذكره الشيخ أنه في المراسيل والله أعلم. (وتتعوذ من كل شيء تخافه وعندما تحل بموضع أو تجلس بمكان أو تنام

فيه أعوذ الله التامات من شر ما خلق من التعوذ أن تقول أعوذ بوجه الله الكريم وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ إلى قوله إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ويقال في ذلك أيضا: ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إني ربي على صراط مستقيم. التعوذ لغة: التحصن والتزرب والتمنع والاعتصام وهو شأن المؤمنين والموحدين بل الأنبياء والمرسلين فقد قال موسى عليه الصلاة والسلام: " إني عذت بربي وربكم من كل متكبر جبار ومن كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب" وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التعويذ ما لا يحصى كثرة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق من قال ذلك لم تصبه حمة تلك الليلة" أخرجه أصحاب السنن والحمة بضمة المهملة وتخفيف الميم ذات السم كالحية والعقرب ونحوهما. وفي مسلم قال رجل يا رسول الله ماذا لقيت البارجة من عقرب لدغتني قال" لو أنك قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا لم تضرك" وذكر ابن الجزري إنها تقال في الليل ثلاثا والنهار مرة بناء على عدم الذكر الثلاث في الأمر بها نهارا أو يحتمل أن يكون اكتفاء. وفي الترمذي وغيره: " إن قالها مسافر عند نزوله ثلاثا لم يزل محفوظا حتى يرتحل من منزله ذلك" قال ابن العربي جربتها أكثر من عشرين سنة قال بعض شيوخنا وأنا كذلك قلت وأنا كذلك حتى إني مرة ذكرتها فلم تتم على لساني فأصابني في ليلتي بلية وكذلك نهار فيما أظن والله أعلم. واختلف في معنى كلمات الله التامات فقيل التي لا نقص فيه ولا عيب قال الترمذي الحكيم وهي قوله كن فيكون لأنها وإن كانت على حرفين لم يلحقها نقص في المعنى ولا غض في التركيب لحسنها ونفوذها عياض وقيل التامات النافعة الشافية الباقية وقيل الفاضلة وقيل المراد بها القرآن الترمذي الحكيم وقد جاء في القرآن والسنة الاستعاذة بالذات من الذات وبالصفات من الصفات والكل استعاذة به تعالى فيقال أعوذ بالله من الشيطان وأعوذ بكلمات الله من شر الشيطان فانظر ذلك.

ومعنى (وجه الله) وجوده وذاته عند التأويل والكريم الجليل الرفيع القدر ومنه قول نسوة يوسف عليه السلام {إن هذا إلا ملك كريم} [يوسف: 31] ومعنى (التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر) أي الكل يتصرفون دفعا وجلبا ونحوه (وكل أسماء الله حسنى) أي حسنة جميلة ومعنى (ذرا) فرق في الأرض و (برأ) خلق من البرأ التراب ويقال براهيا فهو الخالق البارئ المصور ويؤخذ من ذلك أن أسماء الله ما لا تعلم وأصل الطارق ما يأتي بالليل فاستعمل في النهار توسعا. والدابة ما يدب على الأرض أي يمشي عليها (وأخذه بناصيتها) تصريفها بأمره دون توقف ولا تردد (إن ربي على صراط مستقيم) أي تصرفه لا نقص فيه ولا قصور وكذلك أفعاله وصفاته كلها لا اعوجاج ولا نقص وقد ورد فيما يقال مساء وصباحا من قال: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاثا صباحا ومساء لم تصبه فجأة بلاء" رواه أبو داود وغيره. وفي حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: " من قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثلاثا وقرأ ثلاث أيات من آخر سورة الحشر بعث الله له سبعين ألف ملك يحفظونه حتى يصبح وإن قالها نهارا فكذلك حتى يمسي" قال النووي وإسناده صحيح وأذكار هذا الباب كثيرة وقد انتفينا منها جملة في غير هذا الكتاب وبالله التوفيق. (ويستحب لمن دخل منزله أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله). والأصل فيما ذكر قوله تعالى: {ولولا إذا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} [الكهف: 39] له قال القاضي أبو بكر بن العربي الذكر مشروع في كل حال العبد على الندب ومن جملة الأوقات التي يستحب فيها ذكر الله تعالى إذا دخل أحدنا منزله أو مسجده أن يقول كما قال الله تعالى: {ولولا إذا دخلت جنتك} الآية وقال أشهب عن مالك ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول هذا. وقال ابن وهب لابن ميسرة رأيت على باب وهب بن منبه مكتوبا ما شاء الله لا قوة إلا بالله وعنه أنه قال أربع أمان من قال هذا أمن من هذا من قال حسبنا الله ونعم الوكيل أمن من كيد الناس كما قال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن

الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} [آل عمران: 173] الآية ومن قال أفوض أمري إلى الله أمنه الله تعالى من المكر لقوله تعالى: {فوقاه الله سيئات ما مكروا} [غافر: 45] الآية ومن قال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أمن من الغم وما من أحد يقول ما شاء الله لا قوة إلا فأصابه شيء إلا رضي به انتهى. (ويكره العمل في المساجد من خياطة ونحوها ولا يغسل فيه يديه ولا يأكل إلا مثل الشيء الخفيف كالسويق ونحوه ولا يقص فيه شاربه ولا يقلم أظافره وإن أخذه في ثوبه). قد أمر الله تعالى بتعظيم المساجد ونظافتها وتكريمها وتنزيهها عن غير ما بنيت له وبين الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي بال في المسجد ذلك بقوله " إن المساجد لم تبن لهذا وإنما بنيت لذكر الله والصلاة وتلاوة القرآن" وقد قال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع} [النور: 36] الآية فالأمور ثلاثة أمر متمحض للآخرة وله بنيت المساجد وأمر بتمحض الدنيا فلم تبن له فلا يعمل فيها كإنشاد الضالة والبيع وإلا بتياع والأمر يكون تارة لله وتارة للدنيا كذكر أخبار الجاهلية وأكل الشيء الخفيف للضرورة ونحو ذلك وهذا بعد التحفظ مما يكون إهانة لها كالبصاق إذ قا عليه السلام: " البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" يعني بأن يحفر لها بالحصباء ثم يرده عليها وسمع ابن القاسم لا بأس بالتخم تحت حصيرة إذا كان محصرا وكرهه في نعليه إلا أن يعجز عنه تحت حصيرة وكره مالك قتل القملة أو دفنها فيه قال الشيخ وقتل البرغوث أخف عنده اللخمي البرغوث من دواب الأرض ولا بأس بطرحه بها واستخف مرة قتل ما خف من قمل وبراغيث. قال ويقتل العقرب والفارة وسمع ابن القاسم والقرينان كراهة الترويح فيه التراويح وسمع ابن القاسم كراهة تفقيع الأصابع به وبغيره وخصه ابن القاسم به ابن رشد كرهه به في الصلاة فقط وسكت عن غيرها قال ولا بأس بتشبيك الأصابع به في غير صلاة وثبت في حديث ذي اليدين فأما عمل الصنائع فيه كالخياط والخرز ونحوه فالمشهور الكراهة مطلقا وثالثها إن كان بغير أجرة جاز وإلا فلا والأمر في النسخ

كالخياطة إن كان بغير أجرة وقيل جاز وإلا كره واستحب كتب الوثيقة إن خف وسمع ابن القاسم خفة وذكر الحق وجواز قضاء الحق فيه على غير وجه التجر والصرف وسمع أيضا لا بأس بوضوء الطاهر بعجز المسجد وتركه أحب إلي. ابن رشد قول سحنون لا يجوز لما يسقط من غسالة الأعضاء وكره مالك الوضوء بالمسجد وإن جمعه في طست وذكر أن هاشما فعله فأنكره عليه الناس وقال سحنون لا يعلم فيه الصبيان ولا يخاط فيه وفي المدونة لا يأخذ المعتكف به من شعره وأظافره ولا يدخل إليه حجاما لذلك وإن جمعه وألقاه خارجه لحرمة المسجد. قلت وهو معنى ما ذكر الشيخ هنا بزيادة كراهة ما سوى الخفيف من الأكل وهو سماع ابن القاسم كراهة الطعام به كفعل الناس في رمضان وخفة أكل الضيف في بيت فيه ابن رشد والتمر وشبهه من باب الطعام وسمع أرجو خفة اليسير ولا تعجبني ألوان اللحم ولا برحابه وسمع تعليق الاقناء في مسجده عليه السلام لضيافة من أتى يريد الإسلام وجواز أكل الرطب بالمسجد يجعل فيه صدقة. وفي المجموعة روى ابن نافع أرجو خفة فطورهم على كعك أو تمر منزوع النوى وقد كثر حتى إن الصلاة تقام وهو في أفواههم ما هذا بحسن وقال عنه علي: يشرب فيه الماء لا الطعام إلا المعتكف أو المضطر أو مجتازا وقال ابن شعبان في امرئ رأى في ثوبه دما كثيرا في المسجد يخرج به ولو كان في الصلاة وقال غيره ينزعه ويتركه بني يديه ويستره بطرف منه قال بعضهم وعليه الخلاف في إدخال النعل للمسجد هل يجوز مكشوفا أو لا بد من ستره بخرقة ونحوها. قلت وقد يبحث فيه بأن هذا غير محقق النجاسة والآخر محقق وإن كان الغالب في محل وطئه النجاسة مع وجود الضرورة فتأمل ذلك وقد خرج مسلم من حديث أبي هريرية رضي الله عنه: " من سمع رجلا ينشد ضالة في المسحد فليقل لا رد الله عليك ضالتك فإن المساجد لم تبن لهذا" وللترمذي والنسائي عنه: " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فيه فقولوا لا أربع الله تجارتك" وقد تقدم تعريف الضالة فيه وإنشادها في باب اللقطة. وروى ابن القاسم النهي عن السؤال فيه ابن عبد الحكيم ولا يعطى من سأل في المسجد روى الشيخ لا ينبغي رفع الصوت في المسجد ولا بالعلم كان الناس ينهون عنه

عياض أجازه ابن مسلمة بالعلم ولا ينادي به بجنازة ابن حبيب ولا يذكر فيه شعر الهجو والغناء ولا بأس بغيره من الشعر وقال ابن الماجشون ينشد فيه ويذكر أيام العرب ابن رشد لا ينشد فيه شعر ولا ضالة ولا تسل به السيوف ولا يحدث فيه حدث الريح. (وأرخص في مبيت الغرباء في مساجد البادية). يعني للضرورة ابن رشد لأنها مقصودة في ذلك في أصلها بنائها وقال عليه السلام: " المسجد بيت الغريب" قال ابن العربي إن لم يكن بيته فأين يذهب وأفتي ابن رشد بسعة إدخال ما لا غناء به عن المبيت في المسجد من سدنته لحراسته من اضطر للمبيت من شيخ ضعيف زمن مريض ورجل لا يستطيع الخروج ليلا للمطر والريح والظلمة له أن يتخذ ظروفا بها للبول. (ع) وفيه نظر لأن ما يحرم بها اتخاذه غير واجب وصونها عن ظروف البول واجب منه ولا يدخل في نفل بمعصية وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصحح إرساله وحمل على القرى لا على دور السكنى ولا يبعد عمومه. وقال اللخمي يجب على كل قرية بناء مسجد لإقامة الجماعة ويندب إليه في محلة بعيدة عن جامع بلدها ومنع سحنون صعود مؤذن منارا يرى منه الدور ولو كان بينه وبينها فضاء واسع ابن رشد العبد كالقرب إلا مالا يتبين فيه الأشخاص والهيئات والذكر من الأنثى ولا باس أن يتخذ بيته محرابا. ابن رشد ويحترمه بحرمة المسجد وسمع ابن القاسم كره الناس تزويق المساجد إلاما خف والنقش في قبلتها ما لم يكن يشغل المصلين. وكذا نقشه بالذهب في حديث ابن عباس رضي الله عنه: " ما أمرت بتشييد المساجد" رواه أبو داود وصححه ابن حبان وفي حديث أنس رضي الله عنه: " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان. ابن رشد ولابن وهب وابن نافع جواز نقشها بالذهب وقال ابن القاسم الصدقة بما يبخر به المسجد أحب غلي وقال ابن هشام صاحب مفيد الحكام خالف أهل الأندلس مذهب مالك بإجازة غرس الأشجار في المسجد أخذا منهم بمذهب الأوزاعي قلت وذلك.

منهم استصحاب الأصل تقليدهم إذ كان مقلدهم قبل مالك الأوزاعي والله أعلم. (ولا ينبغي أني قرأ في الحمام إلا الآيات اليسيرة ولا يكثر ويقرأ الراكب والمضطجع والماشي من قرية إلى قرية ويكره ذلك للماشي إلى السوق وقد قيل إن ذلك لمتعلم واسع). الحمام بيت الشيطان فيتعوذ فيه بما أمكن من الآيات القرآنية وهو أيضا محل النجاسة فلا يقرأ فيه القرآن إلا للتعوذ ونحوه وذلك بالآيات اليسيرة والزيادة مكروهة كما أن الجنب لا يقرأ إلا كذلك وإلا فقد فعل حراما وقراءة الراكب وما بعده لقوله تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} [آل عمران: 191]. والفرق بين الماشي من قرية إلى قرية والماشي إلى السوق أن طرق القرى الغالب عليه الطهارة وطرق الأسواق الغالب عليها النجاسة وأيضا الماشي إلى السواق طالب دنيا والآخر صاحب حاجة وخص بعضهم الكراهة بالمشي لسوق الحاضرة لأنها مظنة النجاسة بخلاف سوق البادية وظاهر كلام الشيخ العموم ومن خصص الجواز بالمتعلم فلضرورة الاستذكار فأما القراءة مع الجنائز في الطرق فبدعة والله أعلم. (ومن قرأ القرآن في سبع فذلك حسن والتفهم مع قلة القراءة أفضل وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأه في أقل من ثلاث). يعني أن الختم في كل أسبوع حسن وعلى ذلك كان السلف فمنهم من يجعلها بين الليل والنهار ومنهم من يجعل ختمة بالليل وختمة بالنهار فيختمون الليلية ليلة الجمعة والنهارية يوم الاثنين ويكون ذلك أول الليل وأول النهار ليستغفر له الملائكة في بقية يومه. وقد اختلف طرقهم في التجزئة وأحسنها في اليوم الأول ثلاث سور وفي الثاني خمس وفي الثالث سبع وفي الرابع تسع وفي الخامس إحدى عشر وفي السادس ثلاثة عشر وفي السابع يختم بقيته فيقف على سورة العقود في أول يوم وفي ثانيه على سورة يونس وفي الثالث على سورة بني إسرائيل وفي الرابع على سورة الشعراء وفي الخامس على سورة والصافات وفي السادس على أول المفصل وهي الحجرات على المشهور وفي السابع يختم ومنهم من يجزئ بالأحزاب وبالآي ونحو ذلك وكل واسع وفعل السلف أحسن.

وقال الإمام أبو حامد ينبغي أن يكون الختم ما بين الشهر إلى الجمعة فيكون إذا أبطأ ختم في الشهر مرة وإذا عجل لم ينقص من الجمعة وفي النسائي من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأه في ستين" ثم لم يزل ينقصه حتى قال" اقرأه في سبع" فقال أطيق افضل من ذلك فقال: " لا أقل من ذلك ومن قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقه أو لم يفهم ما يقول" وقد كان جملة من السلف يختمون في كل يوم وذلك بحسب قوة حالهم وهو كرامة لهم كما حكي عن منصور بن زياد أنه كان يختمه بين المغرب والعشاء واتفق أهل بلدنا على أن الشيخ أبا عبد الله محمد بن عمير العكرمي كان يختم كذلك. وقال لي سيدي أبو عبد الله محمد بن زمام رحمه الله وكان خديما له وفعل ذلك بحضرته مرارا قال ونسمع قراءة مبينة وربما تعجبه الآية فيرددها استطابة أو للتفهم وهذه الكرامة من نسبه معجزة داود عليه السلام إذ قال عليه السلام: " يسر على داود عليه السلام القرآن فكان يختم الزبور بين أن تسرج له الدابة". وكان شيخنا أبو عبدا لله القوري رحمه الله يختم بذلك لما حكى عن موسى الصدائي صاحب الشيخ أبي مدين أنه كان يختم بين اليوم والليلة أربعة وعشرين ألف ختمة قال السهروردي ولقد لقيته في المطاف يوما فسلم علي ثم مشيت معه من الباب إلى طرف الحجر وهو يقرأ القرآن فختم في هذه المدة كذا كذا ختمة قلت وهذا شيء يكاد ينفر العقل عن تصديثه وقدرة الله أوسع وبالله التوفيق وقد ألف النووي مختصرا ومطولا في آداب حملة القرآن وهو القدوة والمرجع فلينظر كلامه في ذلك. (ويستحب للمسافر أن يقول عند الركوب باسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل إلى قوله وإنا إلى ربنا لمنقلبون). شرع الشيخ هنا في القول في السفر وقد ألف الناس في آداب السفر وأكثروا وطولوا واقتصروا ومدار ذلك على أن المسافر تتعين عليه خمسة أشياء: أولها: النظر في حكم سفره بأن كان مباحا أو مندوبا أو واجبا قدم عليه وإلا فلا. الثاني: أن يستخير الله تعالى ويستشير فيه أهل المعرفة به ما لم يكن واجبا عينا في الحال فلا استخارة ولا استشارة.

الثالث: أن يتعلم ما يلزمه في سفره من أحكام التيمم والقبلة والجمع والقصر ونحو ذلك. الرابع: أن يتخير صديقا صالحا لرفقته إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه ويعزم على إسعافه واتباعه إلا فيما بأن غية. والخامس: أن يستعمل الآداب المروية فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة وأول ذلك أن لا يخرج من بيته حتى لا يبقى عليه حق يمكنه أداؤه من دين أو نفقة أو رد مظلمة أو غير ذلك إذ لعله لا يرجع ويوصي فيما بلا بد له منه ويترك لأهله كفايتهم قدر وسعة وإلا فلهم من لا تضيع ودائعه فيستودع الله صغيرهم وكبيرهم بعزم صحيح وقلب صادق عالما أنه راحم بهم مه كما وقع للشيخ أبي الفضل بن النحوي رحمة الله عليه حين عزم على الحج إذ كتاب رقعة ودفعها إلى أهله وقال الذي كتب له هذه الورقة يقولم بأمركم فلما خرج جاءهم رجل فقرأها وكان يقوم لهم بما يحتاجونه حتى كان يوم دخول الشيخ قطع ذلك عنهم ولا علم لهم به. فدخل الشيخ فسألهم عن حالهم فذكروا له الحكاية فقال هاتوا الورقة فأتوا بها فإذا فيه مكتوب له: إن الذي وجهت وجهي له ... هو الذي خلفت في أهلي لم يخف عنه حالهم سعة ... وفضله أوسع من فضلي فإذا تخلق بهذا وتحققه صلى ركعتين عند خروجه ليحفظ في أهله حتى يرجع إليهم كما ورد في الحديث ثم يقرأ آية الكرسي فإنها أمان لهم حتى يرجع إليهم ثم يقول اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت. ويختار لسفره يوم الخميس فهو السنة وإلا فيوم الاثنين وإلا فالأيام كلها لله فإذا أراد الخروج ودع أهله وودعوه وكذا أقاربه وأصحابه ويقال لهم في ذلك إن الله إذا استودع شيئا حفظه استودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك الخير أينما توجهت. فإذا أراد الركوب قال باسم الله لأنها السنة ثم استوى على دابته كبر ثلاثا ثم قال اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل إلى آخره ويعمل على مقتضى ذلك بأن

يراقب الله في سفره ويرجوه ويخافه كحال الصاحب أي الملازم مع ملازمه فإ الصحبة هي الملازمة بنوع من المداخلة ولولا ورود هذا اللفظ من الشارع ما جاز لنا إطلاقه. والخليفة القائم بالأمر بدلا ممن هو واجب عليه أو مطلوب منه ووعثاء السفر بالمعجمة بعد المهملة والمد نصبه ومشتقه والكآبة سوء الحال والانكسار من الحزن قاله الجوهري والمنقلب بفتح اللام المرجع. فأما قوله: (ويقول الراكب) يعني مسافرا كان أو غيره لقوله تعالى: {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون (12) لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (13) وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: 12 - 14] ومنه قولهم فلان قرن فلان إذا كان مثله في الشدة ويذكر نفسه برجوعه إلى الله تعالى التواضع ويتقي. فإن الركوب محل انتفائها والله أعلم. وأنكر ابن الحاج الأذان خلف المسافر عند وداعه وكذا الإقامة وقال أنه بدعة وليلازم في سفره {لإيلاف قريش} [قريش: 1] مساء وصباحا فإنها أمان من وحشة السفر وخوفه {قل يا أيها الكافرون} و {إذا جاء نصر الله} والإخلاص والمعوذات ثلاثا صباحا وثلاثا مساء فإنها بركة عظيمة مجربة في السعة والوجاهة والتجمل وإذا أتي بلدا أو قرية كبر ثلاثا ثم قال اللهم بارك لنا فيها اللهم حببنا إلى أهلها وحبب صاليح أهلها إلينا وإن وضع يده على سورها عند دخولها وقرأ لإيلاف قريش يكرر آخرها ثلاثا لم يزل بها آمنا طاعما بفضل الله وإذا ارتقى على رحله لئلا يدور به وهو يقرأ {إنا أنزلناه في ليلة القدر} حتى يأتي موضعه فإنه أمان له. وذكر لي بعض العلماء حفيظة لمن أراد نجاته تكتب وتجعل في الرحل ونصها حسبي الله من كل شيء الله يغلب كل شيء ولا يقف لأمر الله شيء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم انتهى والكلام في هذه الباب واسع فانظره وبالله التوفيق. (وتكره التجارة إلى أرض العدو وبلد السودان). أما كراهة التجارة إلى أرض الحرب فللدخول تحت أحكامهم وفي المدون شدد مالك الكراهة في التجارة إلى أرض الحرب لجري أحكام المشركين عليهم عياض إن تحقق ذلك حرم ويختلف إذا لم يتحقق وتؤولت المدونة بالكراهة والتحريم وأجرى أبو

مهدي الغبريني الركوب في مراكبهم على ذلك. وأما بلاد السودان فقيل المراد بها بلد الكفر منها لأنها كبلاد الحرب قلت والذي يظهر أن ذلك لما فيها من الخاطرة بالنفس والمال من أجل العطش والخوف ونحو ذلك فإنه شديد حسبما أخبرنا والله به أعلم. (وقال النبي صلى الله عليه وسلم السفر قطعة من العذاب). هذا الحديث ثابت من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وقد فسر صلى الله عليه وسلم وجه العذاب بقوله: " يدع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى نهمته أي حاجته فليعجل إلى أهله ولا يطرق أهله ليلا لعله يجد في بيته ما يكره". قال ابن عباس فتقحم النهي رجلان فوجدا في بيتهما رجلين وقد روى في الموطأ هذا الحديث دون قول ابن عباس رضي الله عنه وقد أخذ منه استبحاب تعجيل الأوبة بعد قضاء الحاجة وأنه ينبغي القدوم نهارا فإن قدم ليلا أمهل حتى يدخل ضحى وفي الصحيح أنهم قدموا فقال صلى الله عليه وسلم " أمهلوا حتى تتمشط الشعثة وتستحد المغيبة". قال العلماء وينبغي أن يقدم بين يديه من يعلم بقدومه لأجل ذلك وإن كان سفره بعيدا فليأت أهله بهدية ويبدأ بالمسجد عند دخوله لأنه أقرب لتوصل الناس غليه ولأن الضيف إنما يأتي لبيت الضيافة والمسجد لابيت ضيافة ربنا سبحانه فيصلي فيه ركعتين خفيفتين ويحمد الله على قوومه سالما ويهمل قليلا حتى يبلغ خبره فليأتي إليه من يريده ولا يطيل جدا لئلا يلح بأهل البيت ثم إذا دخل عندهم فليس لأحد عليه حق قد سئل مالك عن مطالبته أمه بالمبيت عندها يوم قدومه وطلبته زوجته بذلك فقال يبيت عند زوجته لأن حقها في مقابلة أمر بخلاف أمه وهي ملحق بإرضائها والله أعلم. ويحكى أن عائشة رضي الله عنها قالت لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " السفر قطعة من العذاب" لقلت إن العذاب قطعة من السفر وإنما سمي سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال أي يظهرها ويبديها وفي هذا الحديث أنه ينبغي في السفر المساحة في العجز

والنسيان والحرج ونحوه لأن من كان في العذاب كيف يطالب بهذه الأمور وبالله التوفيق. (ولا ينبغي أن تسافر المرأة مع غير ذي محرم منها سفر يوم وليلة فأكثر إلا في حج الفريضة خاصة في قول مالك في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها ذو محرم فذلك لها). معنى لا ينبغي لا يصح فهو يتناول المحرم كما يتناول المكروه ومحمله هنا على التحريم كما حمل قوله في الصيام وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه على الوجوب وقد قال صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة يوم وليلة إلا ومعها ذي محرم". وفي بعض الروايات: " ثلاثة أيام" وفي رواية: " فوق ثلاثة" وحمل ذلك على اختلاف السائلين باختلاف المواطن وأن ذلك معلق بأقل ما يقع عليه اسم السفر وقال ابن رشد اليوم والليلة مظنة تهيؤ المكروه من الأجنبي لها ومطاوعتها له فلذلك منع وتهيؤ ذلك فيما دون ذلك مع الناس بعيد ولما أجمع العلماء على أن وجوب الحج على المرأة كالرجل كانت استطاعتها بحسب إمكانها والإمكان مع الولي والزوج حاصل فإذا لم يكن ولي ولا زوج فالجمهور على أن الرفقة المأمونة تتنزل منزلة أحدهما. وممن قال به مالك رحمه الله وقال ابن عبد الحكم لا بد من زوج أو محرم في ذلك كغيره لأنه لا يزل عورتها غير أحدهما اللخمي وقوله آمن من قول مالك قال فتخرج مع نساء أو رجال لا بأس بهم في قول مالك وفي سفرها بحرا لحج الفريضة إن كانت المركب واسعة وأهلها مأمونوت وأفردت بموضع جاز على المشهور وإن كان هناك نساء وقيل لا يشترط وروى ابن حبيب لا يشترط إذن الزوج ولا وجود المحرم في حج الفريضة إن كانت الرفقة المأمونة وهو الذي حكاه الشيخ هنا. وفي المدونة من ليس لها ولي تخرج مع من تثق به من الرجال والنساء ابن رشد جماعة النساء كالمحرم وسمع القرينان لا تخرج مع حنتها دون جماعة النساء ابن رشد هو كسماع ابن القاسم كراهة سفرها مع ربيبها عداوة الربيب وقلة شفقته عليها. قلت: ولما تيقن من السنة الناس في شأنها وقد عوين ذلك مرارا وبالله التوفيق وصلى الله سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصبحه وسلم تسليما.

باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم وذكر الكلاب والرفق بالمملوك

باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم وذكر الكلاب والرفق بالمملوك ذكر في هذه الترجمة ثمانية أشياء كلها مهم أولها التعالج وهو محاولة الداء بدوائه والرقى وهو ما يعالج به المرض بالآيات والأذكار ونحوهما من واضح وغير واضح من القول والطيرة العمل على سماع ما يكره أو رؤيته في الانصراف عند المقصد أصلا أو بقية والنجوم ذكر ما يحل تعلمه من علمها والنظر فيه وما لا والخصاء غزالة المذاكير ومافي معناه مما يبطل بقاء النسل من فعل به والوسم بالسين المهملة العلامة بالكي في الحيوان كله وذكر الكلاب أي حكم اتخاذها والرفق بالمملوك يعني من الآدميين إذ لا يسمى بذلك عرفا غيره والله أعلم. (ولا بأس بالاسترقاء من العين وغيرها والتعوذ والتعالج بشرب الداء والفصد والكي). أما (الاسترقاء من العين) والنزلة فقد وردت إباحته شرعا غير أنه مرجوح بحديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنهة بغير حساب وأنهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون وحمل على فعلهم ذلك في الصحة وإلا فقد تداوى صلى الله عليه وسلم وأمر به وكوى غيره وما اكتوى ورقى غيره وما استرقى ورقاه جبريل عليه السلام بقوله أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما باسم الله أرقيك والله يشفيك من كل عين وحاسد يؤذيك وكان عليه الصلاة والسلام في مرضه يقرأ بالمعوذات وينفث في كفيه ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده قالت عائشة رضي الله عنها فلما ثقل جعلت آخذ كفيه فاصنع فيهما مثل ما كان يصنع رجاء بركة يده المباركة صلى الله عليه وسلم وكان يعلمهم رقية التربة ونحوها " باسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى بها سقيمنا بإذن ربنا" يجعل أصبعه في التربة ثم يقول ذلك وينفث معه وأمر بعض نساء المؤمنات يعلمن بعض أزواجه رقية النملة وكل ذلك في الصحيح فدل على الجواز. وأما التعوذ فهو التحصن من الآفات بأذكار تقال وتكتب وتعلق فقد كان ابن عمر رضي الله عنه يعلم من عقل من أولاده تعوذا مرويا لدفع الفزع بالليل ونحوه ومن

لم يعقل منه كتبه وعلقه في عنقه أخرجه الأئمة إلا أني لا أستحضره الآن فانظره. وأما شرب الدواب المسهل وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء فتداووا عباد الله" رواه مسلم وغيره البلالي رحمه الله وإذا كان التوكل اعتماد القلب عليه تعالى فقط فلا يقدح فيه تسببه ولو موهوما ككي في مرض لا قبله ثم قال: تزود صلى الله عليه وسلم واستأجر دليلا وتداوى وأمر به وذكر القاضي أبو بكر بن العربي اختلافا في التطبب لحفظ الصحة وإبراء المرض أيهما يكره فقيل الأول لأنه تعمق في الأسباب وتعلق بالإبهام والثاني لأنه عمل في دفع الأقدار. قال: والصحيح الأول لأن طلب البرء من دفع المؤلمات والآخر تكلف وشواهد في السنة كثيرة وذكر ذكل في القبس وأما الفصد والكي فلا خلاف في جوازهما بشرط معرفة الفاعل وللضرورة إليهما وقد قال عليه السلام " شفاء أمتي في ثلاثة: لعقة عسل أو شرطة محجمة أو لذعة بنار ولا أحب أن أكتوي" قيل المراد بشرطة محجم الفصد وإنما كره الكي لأنه من القوادح في التوكل إذ لا يحمل عليه إلا قلة الصبر من جهة أنه مؤلم والمسارعة للمؤلم في العلاج دليل التبرم والضجر وهو من الشفقة على النفس وقلة الاستسلام أيضا فالأدواء كلها من ثلاثة: زيادة الخلط واستفراغه بالفصد ونحوه واهتياج المزاج ودواؤه بالعسل على اختلاف تدبيره وانفتاح المجاري أو استدادها وعلاجه بالكي لكنه إن صادف انقضاء الانحذار لم يتحرك ذلك المرض بعد على صاحبه وإن كان منه بقية لم يكن برؤه أبدا فلذلك كره ومن ثم كان آخر الطب الكي. وقد قال بعض الناس ببلادنا لبعض مهرة الأطباء ببلاد ناقل لي في الطب قولا جامعا فقال: ما دمت صحيحا فكل ما شئت فإن الطبيعة تدفع عن نفسها فإذا مرضت فتحفظ من غير لائق بك فإن الطبيعة مغلوبة وأصل الأشربة والمعاجن العسل وأصل الأدهان كلها الزيت يعني ولكل كيفية تزيد في وقته أو تنقص منها لأجلها يدخل عليهما يغيرهما فتأمل ذلك وبالله التوفيق. (والحجامة حسنة والكحل للتداوي للرجال جائز وهو من زينة النساء). أما الحجامة فقد تداوى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها وقال إنها معينة على العبادة.

قال الأطباء وهي أسلم من الفصادة بل قالوا الفصادة مخطرة فلا يوثق بها إلا من ماهر بخلاف الحجامة فإن فيها وجوها تكون من كل من يعرف فعلما وقد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحو سبعة مواضع في اليافوخ والأخدعين والكاهل والورك والساق وظهر القدم وسمى كل واحد باسم فانظر ذلك وقال الشيخ أبو عبد الله القوري رحمه الله إن حجامة الكاهل يخرج بها كل خلط زائد لكن لمن يحكمها وتتقى الأيام التي يذكر فيها شيء إلا لقوة إيمان أو خوفا من ضلال جاهل كما فعل مالك. ويحكى أن بعض العلماء احتجم في يوم أربعاء أو سبت فتبرص فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فشكا إليه ما به فقال: " أما سمعت الحديث من احتجم يوم السبت أو من احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص فلا يلومن إلا نفسه". قال نعم ولكنه لم يصح فقال: " أما يكفيك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الغزالي فينبغي أن يعمل بمثل هذا ولا ينظر للصحة إلا في باب الأحكام ونحوها نعم وعند الضرورة لا توقف وقد ورد الأمر بمراعاة يوم الثلاثاء أو عكسه وهذا كله مع السعة وعدم اعتقاد التأثير والاعتماد والله أعلم. وأما الكحل فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به يعني بالأثمد وقال: " إنه يجلو البصر وينبت الشعر" فدل على أن فعله وأمره إنما هو للتداوري وهو قول مالك وقال الشافعية هو سنة لذاته وذكر عياض نحوه في آخر الشفاء مجملا في الأمور الخلقية كالسواك وقال ابن العربي وأنكر بعضهم الاستياك بما يصفر أو يحمر ثم قاس جوازه على الكحل بجامع التداوي ورده غيره فانظره وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل كل ليلة عند النوم ثلاثا في كل عين وكان يستاك عرضا ويترجل غبا والترجل مشط الشعر بالدهن أو الماء والله أعلم. وقول الشيخ (من زينة النساء): تنبيه على أنه رخصة للضرورة لأن زينة النساء والتشبه بهن فيها حرام كالعكس إلا لضرورة إجماعا وبالله التوفيق. (ولا يتعالج بالخمر ولا بالنجاسة ولا بما فيه ميتة ولا بشيء مما حرم الله سبحانه). لم يكتف بذكر النجس عن الخمر في نجاستها فإن ابن لبابة وابن الحداد يقولان

الخمر طاهر لأن تحريمه لعلة غير خبثه والمشهرو نجاسته ولا يجوز التداوي به ولا بغيره فيما يسري للباطن كدهن الجائفة ونحوها اتفاقا وفي التداوي به حيث يؤمن السريان قال بعض شيوخنا كالبول على العثرة وشبهه ففيه اختلاف وقال الباجي المشهور منع التدواي بالخمر وفي نجس غيره بظاهر الجسد قولان لابن سحنون ومالك وفي حديث وائل الحضرمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لطارق بن سويد وقد سأله عن الخمر يصنعها للدوا " إنها ليست بدواء ولكنها داء" أخرجه مسلم وأبو داود وغيرها. وقال بعض العلماء إن كل ما يذكر من منافع الخمر ارتفع بتحريمها فلا يكاد يوجد منه شيء اليوم وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها". أخرج البيهقي من حديث أم سلمة رضي الله عنها وصححه ابن حبان ومن المتفق على تحريمه الاكتحال بالعذرة للرمد وهل يحرم التداوي بتحريم السبب الذي هوكشف العورة ونحوه وظاهر نصوص الأئمة جوازه وقد عمت البلوى في هذه البلاد بالاحتقان ولم نقف في ذلك على شيء إلا في التوضيح من قوله فائدة. قال ابن حبيب في كتاب له في الطب كان علي وابن عباس ومجاهد والشعبي والزهري وعطاء والنخعي والحكم بن عتبة وربيعة وابن هرمز يكرهون الحقنة إلا من ضرورة غالبة وكانوا يقولوان لا تعرفها العرب وهي من فعل العجم وهي ضرب من فعل قوم لوط قال ابن حبيب وأخبرني مطرف عن مالك أنه كرهها وذكر أن عمر بن الخطاب كرهها وقال هي شعبة من عمل قوم لوط قال عبد الملك وسمعت ابن الماجشون يكرهها ويقول كان علماؤنا يكرهونها. وقال ابن حبيب وكان من مضى من السلف وأهل العلم يكرهون التعالج بالحقن إلا من ضرورة غالبة لا يوجد عن التعالج بها مندوحة انتهى ثم قال (خ): وسئل مالك في مختصر ابن عبد الحكم عن الحقنة فقال: ليس بها بأس ألا ترى أنه إنما قال ذلك لأنه ضرب من الدواء فيها منفعة للناس وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم التداوي وأذن فيه فقال: " ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله فتداووا عباد الله"

انتهى. (خ) وظاهر معارضة النقل الأول يمكن تأويله على حال الاضطرار فيتفق النقلان انتهى ما نقل من التوضيح بنصه وحروفه وذكره في كتاب الصيام وذكرته هنا لإفادته وبالله التوفيق. (ولا بأس بالاكتواء ولا بأس بالرقي بكتاب الله والكلام الطيب ولا بأس بالمعاذاة تعلق وفيها القرآن). قد تقدم الكلام في الاكتواء وأما الرقى بكتاب الله فلقوله تعالى {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82] وحديث أبي سعيد رضي الله عنه إذا نزلوا على قوم فلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فسعوا له بكل شيء فلم ينفعه شيء فقالوا لو أتينا هؤلاء الرهط فلعل فيهم راقيا فأتوهم فقال أبو سعيد قد أتيناكم فلم تضيفونا فوالله ما أنا براق لكمن حتى تجعلوا لنا جعلا فشارطهم على قطيع من الغنم فإذا أو سعيد رضي الله عنه يقرأ عليه بفاتحة الكتاب ويتفل حتى قام وما به من قلبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لئن أكل غيركم برقية باطل فقد أكلتم برقية حق وما يدريك أنها رقية" الحديث متفق عليه. وأما الكلام الطيب فهو العربي المفهوم المحتوي على ذكر الله ورسوله والصالحين من عباده لا الموهمات والمبهمات إذ حكى المازري أن مالكا سئل عن الأسماء المعجمة فقال ما يدريك لعلها كفر وعلى هذا فالأصل المنع حتى يأتي المبيح وقال بعضهم الأصل خلاف ذلك حتى يتبين الباطل لأنه عليه السلام حين قال" اعرضوا علي رقياكم" فعرضوا فقال: " لا أربى بأسا" الحديث وقد توسع البزلي في آخر كتابه فانظره. والمعاذة: هي الحروز وقد حصل ابن رشد في جوازها ومنعها أربعة مشهورها سماع أشهب جوازها مطلقا وتعلق على المريض والصحيح والجنب والحائض والنفساء والبهائم بعد جعلها فيما يكنها وثالثها الجواز للإنسان المريض فقط ورابعها جوازها له وإن لم يكن مريضا فانظر ذلك. (وإذا وقع الوباء بأرض قوم فلا يقدم عليه ومن كان بها فلا يخرج فرارا منه).

الوباء لغة كثرة الموتى والمراد به هنا الطاعون وقد يفهم بما هو أعم وإنما لم يقدم عليه لئلا يصيبه شيء فيقول لولا أني قدمت عليه لنجوت ولا يخرج فرارا منه لئلا يرى نجاته بفراره فيتزلزل يقينه في الجانبين والمشهور في المسألة ما ذكر وهو على الكراهة في الوجهين لا على التحريم وقد حصل ابن رشد في ذلك أربعة أقوال وأصل ما ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام وجد بها الوباء فشاور الصحابة في الرجوع بمن معه من المسلمين فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أفرارا من قدر الله؟ قال: نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله أرايت لو كانت لك إبل فأتيت بها واديين أحدهما مجدب والآخر مخصب أكنت ترعاها في المجدب أم في المخصب، قال بل في المخصب قال إن رعيت المجدب رعيته بقدر الله وإن رعيت المخصب رعيته بقدر الله. فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأخبر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه" انتهى ونقلت حكايته بالمعنى. وفي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه " الطاعون شهادة لهذه الأمة ليس أحد يقع الطاعون ببلده فيقعد صابرا محتسبا يعلم أنه ما يصيبه إلا ما قدر الله له لكان له مثل أجر شهيد" رواه البخاري ثم هو مرض من الأمراض في حكم المداواة وغيرها فمما يدفع به تحكمه في الأجساد مركب يقال له روفش أخلاط جزء من صبر وجزء مر ونصف جزء زعفران يسحق كل ناعما ويضاف بشراب ريحاني ويشرب على الريق منه قدر يسير فإن كل جسم خالطه لا يتمكن منه الطاعون بقدرة الله كذا رأيته بخط من يعتمد عليه من الأطباء وصحت تجربته في متعددين. وذكر بعض الأطباء أن شرب الماء بالقوة تدفعه لأنها تطفئ الحرارة الغريزية وقد جربناه إلا أنه يحدث عللا أخر وأما شرب الخل عند الإحساس به فله أثر كبير في حله وهذه كلها أسباب والقدر من وراء ذلك وقد ينفع الله بالخاصية رجلا ويضر بها آخر وبالله التوفيق. وقد جاء في الحديث أنه سئل عليه السلام عن حقيقته فقال: " غدة كغدة البعير

تصيب في المراق" وفي الحديث الآخر: " هو وخز أعدائكم من الجن" وقال الأطباء هو غليان في الدم يحدث عن فساد في الهواء قلت وقد يجمع ذلك بأن يقال هو فساد في الهواء تأخذه الجهن فتخز به الأجسام أي تطعنها به فيحدث بذلك غليان في الدم لتنشأ عنه غدة كغدة البعير والله أعلم. (وقال الرسول عليه السلام في الشؤم إن كان ففي المسكن والمرأة والفرس). الشؤم: ارتباط الضر وعدم الإفادة ببعض الموجودات وقد أثبته الشارع في هذه الثلاث ونفاه عما سواها قيل حقيقة فيتقى من ذلك ما جرب اقترانه بذلك أو عرف بعلامة وهو الصحيح وقيل بل شؤم المرأة سوء خلقها وشؤم الفرس شماستها وشؤم الدار ضيق مدخلها وقبح مساكنها وهذا واضح فر به صاحبه من إثبات معنى الطيرة في النفس وبالله التوفيق. (وكان الرسول عليه السلام يكره سيء الأسماء ويعجبه الفأل الحسن). سيء الأسماء كمرة وحنظلة وحرب وكلب وجذام قال عليه السلام: " خير الأسماء أحمد وعبد واصدقها الحارث وهمام" لأن كل أحد حارث لدنياه أو لآخرته وهمام لهما. وقال ابن الحاج في مدخله ما معناه أن إبليس أتى أهل المشرق فوجدهم أهل نفخة وكبر فأحدث لهم فلان الدين شمس الدين شهاب الدين برهان الدين فتركوا بها الأسماء المعظمة من محمد وأحمد وإبراهيم وغير ذلك من الأسماء التي لها شرف شرعا وجاء أن من تسمى بها شفع له النبي المسمى بها وصاروا يتبرءون حتى إن أحدهم لو دعوته باسمه كانت مصيبة لا انتعاش لها وهذا أمر عظيم أعاذنا الله منه قال وجاء إلى المغاربة فوجدهم أهل مسكنة فأبدلهم من أسمائهم ما يناسب حالهم فقالوا لمحمد حمو ولأحمد حدو ولعبد الله عبو ولعبد الرحمن رحو ولعبد الصمد عصو ولعبد الكريم عكو إلى غير ذلك مما يكره لفظا ومعنى وربما حرم بعضه نسأل الله العافية بمنه وكرمه وأما الفأل فهو الكلمة الطيبة يسمعها المؤمن من غير قصد موافقة لما هو به أو متوجه له فتسره، والطيرة فعل أو قول ينبني على خلاف ذلك قال بعض العلماء وإنما أبيح الفأل

وكرهت الطيرة لأنه مؤد إلى حسن الظن بالله وهي إلى إساءة الظن به تعالى قال في تقريب الدلالة أظنه لابن الخطيب وقصد سماع الفأل ليعمل على ما يسمع من خير أو شر لا يجوز وكذا أخذ الفال من المصحف قلت بل عده أهل المذهب من الاستقسام بالأزلام وفي المدارك عمل بعض العلماء به وكان يريد السفر في البحر فخرج له {واتر البحر رهوا إنهم جند مغرقون} [الدخان: 24] فلم يسافر فيه فغرق أصحابه ونجا والله أعلم. (والغسل للعين أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب على المعين). هذه الصفة التي في الموطأ من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه وذكر ابن حبيب عن ابن شهاب صفة مثلها بزيادة كيفية وأن عمل أهل المدينة عليها وذكر التلمساني في آخر شرح الجلاب قال مالك وداخله الإزار الذي يلي الجسد وقال ابن نافع لا يغسل موضع الحجز من داخل الإزار إنما يغسل الطرف المتدلي وقيل داخلة إزاره فرجه فيغسله بعد غسل الأذى منه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العين حق وإذا استغسلتم فاغسلوا" الحديث فانظره. (ولا ينظر في النجوم إلا ما يستدل به على القبلة وأجزاء الليل ويترك ما سوى ذلك). النظر في النجوم على وجوه خمسة أولها ما يهتدي به للطرق ويتعرف منه المواضع والأماكن وهذا أحسن لقوله تعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} [الأنعام:97]. الثاني: النظر فيها على وجه العبرة بسرها وسيرها ونحوهما وهذا أكبر وجه أعدت له وفعله مستحب. الثالث: النظر فيها ليعرف الحوادث من المواليد والحدثان فإن كان يعتقد تأثيرها فكفر وإن كان يرى أنها أمارة ومعرفة لا متصرفة فقال الشارمساحي إن كان يخفي ذلك فقولان بالكراهة والإباحة وإن كان يتظاهر به فقولان بالتحريم والكراهة.

الرابع: ما يتعلق بالنظر فيه أمر عادي كمعرفة السنين والحساب وهذا مباح لا حرج فيه على صاحبه وقد يستحب ويجب لما يؤدي إليه. الخامس: ما يتعلق به حق شرعي وهي ثلاثة ما يؤدي لمعرفة القبلة كالجدي والفردقين ومطالع المنازل وما يؤدي لمعرفة أجزاء الليل وهو مندوب إليه كالذي قبله وما يؤدي لمعرفة أوقات الصلاة وهو واجب على من لا يمكنه معرفة الوقت إلا به بل واجب الجملة وهذا القدر يحتصل في شهر أو جمعة أو يوم والله أعلم. (ولا يتخذ كلب في الدور والحضر ولا في دور البادية إلا الزرع أو الماشية يصحبها في الصحراء ثم يروح معها أو لصيد يصطاده لعيشه لا للهو). يعني أن اتخاذ الكلب محرم إلا للثلاثة المذكورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو زرع أو صيد نقص كل يوم من أجره قيراط" متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي الصحيح أيضا" إن الملائكة لا تدخل فيه بيتا فيه صورة أو كلب" يعني ملائكة التكريم لا ملائكة التصرف والتصريف فإنه لا يدفعهم شيء. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل بيت رجل من الأنصار ولا يدخل بيت آخر فقيل له في ذلك فقال: " بيت فلان فيه كلب" فقيل له بيت فلان فيه هر فقال: "الهر سبع ذو ناب". قال ابن العربي لأنه يحفظ الأثاث ويهلك المؤذيات يعني ولا يروع أحدا من الناس قال ابن العربي فإن احتيج إلى الكلب في البادية تنزل منزلة الهر في حكمه وظاهر كلام الشيخ أنه لا يجوز اتخاذه لحراسة البيوت والأمتعة وأجازه عروة بن الزبير من الفقهاء السبعة وولده هشام بن عروة واختلف فيه الشافعية واختلف أهل المذهب هل يتقيد كلب الزرع بزمانه فإذا فرغ يصرف أو لا قولان. والمازري على لزوم صرفه وخالفه غيره ويحكى أن الشيخ انهدم حائط بيته وكان يخاف من الشيعة فربط في موضعه كلبا فقيل له في ذلك فقال لو أدرك مالك زمانك

لاتخذ أسدا ضاريا كذا سمعته من شيخنا أبي عبد الله القوري رحمه الله عياض ذهب كثير من العلماء إلى جواز قتل الكلب إلا ما استثني في الحديث من كلب الزرع ونحوه. وإلى الجواز ذهب مالك وأصحابه وذهب جماعة من العلماء إلى أن النهي عن اتخاذ الكلاب والأمر بقتلها منسوخ والنسخ يحتاج إلى إثبات بتاريخه ولعله لا يوجد ثم حكم الصيد قد تقدم وأنه لقوته وقوت عياله واجب وللتوسعة عليهم مندوب وللهو مكروه وللعبث حرام ولغير ذلك مباح على المشهور في ذلك خلافا لمن يرى إباحته مطلقا وقد تقدم في باب الضحايا فانظره وبالله التوفيق. (ولا بأس بخصاء الغنم لما فيه من صلاح لحومها وينهى عن خصاء الخيل). لا خلاف في تحريم خصاء بني آدم وفي الجواهر هو عيب يرد به العبد وهو جائز في مأكول اللحم بلا خلاف الغنم وغيرها وفي التلقين خصاء الخيل مكروه لأن نسلها مراد ولحمها غير مأكول والظاهر أن البغل ليس مثلها لعدم قصد نسله وقد يكره لضعف قوته ولم أقف على نص في ذلك فانظره. (ويكره الوسم في الوجه ولا بأس به في غير الوجه) الوسم: بالمهملة العلامة بالنار يجعل في البهيمة لتعرف به فيتقى أخذها ويستعان به في طلبها عند تلفها ونحوه وإنما كره في الوجه لأنه بغير وجه الحيوان ويذهب بحسنه وقد جاء النبي عن تغيير خلق الله وذكر ابن الفاكهاني أن الرواية هنا الوشم بالمعجمة وتفسير عبد الوهاب يدل على المهملة وقد تقدم أمر الوشم بالمعجمة وهو لا يتأتى في غير الآدمي والله سبحانه أعلم. (ويترفق بالمملوك ولا يكلف من العمل ما لا يطيق). كذا ورد في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم " للملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" أبو عمر ويكلف الرجل بأن يعلف دابته أو يرعاها إن كان في مرعاها وما يكفيها أو يبيعها أو يذبح ما يجوز ذبحه ولا يترك يعذبها بالجوع (ع) لازم هذا القضاء عليه لأنه منكر وتغيير المنكر والقضاء به واجب قال وهو أصوب من نقل ابن رشد أنه يؤمر بتقوى الله في ترك إجاعتها ولا يقضى عليه بعلفها قال:

وعن أبي يوسف يقضى عليه كنفقة العبد ثم إنه فرق بين العبد والدابة أن العبد مكلف تجب عليه الحقوق من الجنايات وغيرها فكما يقضى عليه يقضى له. والدابة كما لا يقضى عليها لا يقضى لها (ع) تعذر شكوى الدابة موجب أحروية القضاء بعلفها انتهى. وفي البخاري وغيره من حديث أبي ذر رضي الله عنه:" إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفهوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم" الحديث ومحمله في الأمر بالتساوي على الندب قال (س) لحديث:" إذا أتى أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه فيناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه" رواه البخاري وغيره وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك ذكر في هذه الترجمة ثمانية أشياء عين منها ستة وأبهم اثنين وهي اللعب بالشطرنج وما أتى به من الوعظ ونحوه في الخاتمة. (وقال الرسول عليه السلام " الرؤيا الحسنة من الرجل الصالج جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ومن رأى منكم ما يكره في منامه فإذا استيقظ فليتفل عن يساره ثلاث وليقل اللهم إني أعوذ بك من شر ما رأيت في منامي أن يضرني في ديني ودنياي"). هذا صحيح متفق على روايةأصله والرؤيا مثال يلقيه الله تعالى لعبده في منامه بواسطة ملك أو غيره وقد قسمها الكرماني إلى ثمانية أقسام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله والحلم من الشيطان ورؤيا يحدث البرئ بها نفسه" الحديث ومعنى الحسنة الجميلة يعني في صورتها وصدقها وقوتها وفي البخاري متصلا بهذا الحديث وما كان من النبوة لا يكذب. وفي البخخاري متصلا وغيره من حديث عائشة رضي الله عنه أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح يعني في الصدق والظهور. وقوله: (من الرجل الصالح) شرط فلا تكون من النبوة إلا بذلك لأنها حينئذ كرامة والكرامة من المعجزة لأن مددها منها وهي شاهدة بصحتها وهي من تمام برهانها كما قيل خرق العادة كرامة للمتبع واستدراج للمبتدع يفرق بينهما التوفيق في سلوك الطريق. المازري قال بعض الناس أنه صلى الله عليه وسلم أقام يوحى إليه ثلاثا وعشرين سنة ععشر ثلاث عشرة بالمدينة وثلاثة عشر بمكة وكان قبل ذلك ستة أشهر يرى في منامه ما يلقي إليه الملك وذلك نصف سنة ونصف سنة من ثلاثة وعشرين جزءا من ستة وأربعين جزءا.

وقد قيل: إنه صلى الله عليه وسلم قد خص دون الخليقة بضروب وفنون وجعل له إلى العلم طرقا لم تجعل لغيره فيكون المراد بالمنامات قسمتها بما حصلت له وميزته جزء من ستة وأربعين جزءا قال فلا يبقى على هذا أن يقول بينوا هذه الأجزاء ولا يلزم العالم أن يبين كل شيء جملة وتفصيلا وقد جعل الله سبحانه للعالم حدا يقف عنده فمن ما لا يعمله أصلا ومنها ما يعلمه جملة وتفصيلا ومنها طريق السمع ولا مدخل للعقل فيه فإنما يعرف منه قدر ما يعرف به السمع. قال: وقد مال بعض شيوخنا إلى هذا الجواب الثاني وقدح في الأول بأنه لم يثبت أن أمد رؤيا صلى الله عليه وسلم قبل النبوة كان ستة أشهر قال ويحتمل عندي أن يراد بالحديث وجه آخر وهو أن ثمرة المنامات الإخبار بالغيب لا أكثر وإن كان يتبع ذلك إنذار وتنبيه. والإخبار بالغيب أحد ثمارت النبوة وفوائدها وهي في جنب النبوة وفوائدها يسير لأنه يصح أن يبعث بشرع الشرائع، وتبيين الأحكام ولا يخبر بغيب أبدا ولا يكون ذلك قادحا في نبوته ولا مبطلا للمقصود منها. وهذا الجزء من النبوة والإخبار بالغيب إذا وقع فلا يكون إلا صدقا ولا يقع إلا حقا والرؤيا إذا دلت على شيء ولم يقع ما دلت عليه إما لكونها من الشيطان أو حديث النفس أو غير ذلك مما يقصد للعائن في أصل العبارة إلى غير ذلك من الضروب الكثيرة التي توجب عدم الثقة بدلالة المنام فقد صار اخلبر بالغيب أحد ثمرات النبوة وهو غير مقصود بها لكنه لا يقع إلا حقا وثمرة المنام الإخبار بالغيب ولكنه قد لا يقع صدقا فتقدر النسبة بهذه بقدر ما قدره الشارع بهذا العدد بحسب ما أطلعه الله عليه ولأنه يعلم من حقائق نبوته ما لا نعلم وانظر بقية كلامه. وقوله: (إذا رأى أحدكم ما يكره) يعني في صورة منامه ويحتمل في معناه وكل صحيح " فليتفل" وفي رواية " فلينفث" وفي رواية " فليبصق" والبصاق إلقاء الريق من الفم بكثرة والتفل دون والنفث مثله مع ريح والنفخ لا ريح فيه وقيل غير ذلك وفي رواية إنه: "يتحول عن جنبه الذي رأى ذلك عليه ولا يتحدث بها فإنها لا تضره وإذا رأى ما يجب" فلا يحدث به إلا من يجب الحديث. (ومن تثاوب فليضع يده على فيه).

يعني يده اليسرى مقلوبا ظهرها لفيه وبطنها لخارجه ليلاقي بها الشيطان ويكظم ما استطاع وقد قال عليه السلام " إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثائب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل هاه" يعني يفتح فاه مسترسلا فإن ذلك من الشيطان. قال ابن العربي وقد فعل ذلك بعض الناس فانفكت أحناكه وبقي فمه مفتوحا كذلك قال علماؤنا وإنما يضحك منه لأنه تشويه لخلقته ولأنه يمكنه من دخوله في جوفه وهل حقيقة أو أن ذلك يزيد في كسله ولما كان إنما ينشأ عن الكسل ويثمره عصم الله منه أنبياءه عليهم الصلاة والسلام وقال ابن عباس رضي الله عنه ما تثاءب نبي قط ولا احتلم نبي قط ولا زنت امرأة نبي قط ذكره الزركشي في شرح البخاري. (ومن عطس فليقل الحمد لله وعلى من سمعه يحمد الله أن يقول له يرحمك الله ويرد العاطس عليه يغفر الله لنا ولكم أو يقول يهديكم الله ويصلح بالكم). قد تقدم في الحديث قبل أن العطاس من الله ومعناه أنه من حيز الخير قالوا لأنه يخفف الدماغ ويسهل بعض العبادات في الحديث أنه يقطع عرق الفالج والسعار يقطع عرق البرص والزكام يقطع عرق الجذام والرمد يقطع عرق العمى وما ذكره الشيخ يسمى تشميت العاطس ويقال بالشين المعجمة قبلها تاء بعدها ميم بياء ساكنة وتاء فوقية ويروى بالمهملة أيضا. قال القاضي أبو بكر بن العربي والشمائت الأعضاء وإنها تتزلزل بالعطاس وإذا رجعت إلى مقرها حمد الله عليها فيرجى له بالرحمة على ذلك ويقابل هو من دعا له بدعاء آخر وقيل بل لما كان حال العطاس محل شهوة الخلقة حمدا لله على زوال ما يشمت به من أجله وأما بالمهملة فهو من السمت لأن العطاس يزول سمته الذي حسن هيئته ثم يعود إليه فيحمد الله على ذلك. وفي حديث علي كرم الله وجهه: " إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه يرحمك الله فإذا قالي رحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم" أخرجه

البخاري والنسائي: "فليقل يغفر الله لنا ولكم" وفي الحديث الأمر بتخمير وجهه وكظم صوته عند العطاس وأنه لا يلزم التشيمت فيما فوق الثلاث وقيل فوق الاثنين وليقل إنك مزكوم أبو عمر يعذر له بذلك على تشميته فيما بعد. وقال الباجي ظاهر المدونة أن التشميت من سنن الكفاية يجزئ الواحد عن الجماعة وقيل لا لأن الدعاء مطلوب تعدده من كل أحد فليس كالسلام في ذلك وثالثها استحبابه من الأعيان وقيل مالك وربما كانت الحلقة كثيرة الأهل فلا تسمع تحميد العاطس فقال إذا سمعت الذين يلونه يشمتونه فشمته. ويروى أن من سمع عاطسا فسبقه بالحمد كان أمانا من الشوصة ورأيت في جدار زمزم حجرا أخضر مكتوب فيه بخط ضعيف جدا من قرأ الفاتحة عند عطاسه أمن من قلع أضراسه فذكر لي بعض سكان مكة المدنيين أنه وجد في بئر زمزم كذلك. وفي الحديث: " أن الدعاء عند العطاس مستجاب" والحديث صادق وقد شرد عني محل نقله فابحث عنه. (ولا يجوز اللعب بالنرد ولا بالشطرنج ولا بأس بالسلام على من يلعب بها ويكره الجلوس إلى من يلعب بها والنظر إليهم). النرد والنردشير لعب بأعواد ونحوها على كيفية مخصوصة يقع بها القهر في القلب والتضييع للعبادات بالاسترسال غالبا وغالب الأمر لعبها بالقمار وكان ذلك حراما فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه" رواه مسلم. وفي الموطأ: " من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله" وقاس مالك علهي الشطرنج بطريق الأحروية إذا قال الشرطنج ألهي وألهي منه وجه القياس كونهما شاغلين عما يفيد في الدين والدنيا وداعيين للتشاجر الحادث فيهما عند التغالب مع كونهما غير مفيدين في الدين ولا في الدنيا قال المازري وينهى عن القليل والكثير منهما لأن القليل يوقع في الكثير واللاعب وإن كان قد ترك القمار قد يقع في القمار ولا خلاف في تحريم الشطرنج بالقمار إن أدى إلى الفواحش أو ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها المختار

وإنما الخلاف مع السلامة من ذلك والمذهب رد الشهادة بعلبه. وفيه اختلاف وتفصيل يطول ذكره وقد بالغ الطرطوشي في ذمه والرد على من يلعب به في كتاب له في البدع وإنما يسلم على من يلعب به لاختلاف العلماء فيه ولا ينظر إليهم ولا يجلس لهم لئلا يدعوه إلى مثل فعلهم والله أعلم. (ولا بأس بالسبق بالخيل والإبل وبالسهام بالرمي وإن أخرجا شيئا جعل بينهما محللا يأخذ ذلك المحلل إن سبق هو وإن سبق غيره لم يكن عليه شيء هذا قوله ابن المسيب وقال مالك إنما يجوز أن يخرج الرجل سبقا فإن سبق غيره أخذه وإن سبق هوكان للذي يليه من المتسابقين وإن لم يكن غير جاعل السبق وآخر فسبق جاعل السبق أكله من حضر ذلك). أما أن السبق جائز بما ذكر فهو المذهب وسواء في ذلك بجعل أو بغير جعل ويجوز أيضا بالرجل لكن بغير جعل وقول الشيخ (وإن أخرجا شيئا) يفهم منه أنه يجوز بشيء وبلا شيء وقد ذكر الشيخ صورا ثلاثا وأنهاها غيره إلى خمسة. أولها: مسألة المحلل وأضافها إلى ابن المسيب وحكي عن مالك مثل قول عياض ومشهور المذهب فيها المنع. الثانية: أن يخرج سبقا فإن سبق غيره أخذه وإلا كان للذي يليه من السابقين. الثالثة: إذا لم يكن غير جاعل السبق وآخر يسبق الجاعل يأكله من حضر ذلك وهما اللذان في قول مالك. الرابع: أن يكون المخرج للسبق غير المتسابقين وهذه لا خلاف في جوازها. الخامس: أن يخرج أحد المتسابقين على أنه إن سبق غيره أخذه وإن سبق هوكان له وهذه منعها ابن القاسم في روايته وهو أحد قولي مالك وأجازها في أحد قوليه مع أصبغ وابن وهب وثالثها الكراهة لأصبغ. السادسة: ممنوعة باتفاق فيما حكى ابن رشد وهي أن يخرج كل واحد شيئا على أن سبقه أخذ الجميع وأحكام هذا الباب كثيرة ومحله آخر الجهاد في غير هذا الكتاب وانظر الجواهر وبالله التوفيق. (وجاء فيما ظهر من الحيات بالمدينة أن تؤذن ثلاثا وإن فعل ذلك في غيرها

فذلك حسن ولا تؤذن في الصحراء ويقتل ما ظهر منها). المراد بالمدينة طيبة المشرفة وأشار بذلك لما في الصحيح من أن شابا تزوج امرأة فخرج لبعض حاجته يوم إعراسه فلما رجع وجد زوجته بالب فانتهرها فقالت ادخل لترى فدخل فوجد حية عظيمة فقتلها فلم يدر أيهما أسبق روحه أم روح الحية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن المدينة جنا قد أسلموا فإن رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثا أيام فإن بدأ لكم فاقتلوه فإنما هو شيطان" روه مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وإنما يستحسن ذلك في غير المدينة لاحتمال عزم الأمر فيه ولا تؤذن في الصحراء لئلا تعاجل بالضرر وقال مالك يكفي في الاستئذان أن يقول أحرج عليكن بالله واليوم الآخر أن لا تبدو لنا ولا تؤذونا عياض ولعل مالكا أخذ التحريج مما وقع في صحيح مسلم: " ما حرجوا عليها ثلاثا". وروى ابن حبي أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكن سليمان بن داود عليه السلام أ، لا تؤذونا أو تظهروا لنا وفي كون الثلاث معتبرة بالوقت أو بالأيام أو بالخرجات أقوال والصحيح ثلاثة أيام لأنه نص الحديث والله أعلم. (ويكره قتل القمل والبراغيث بالنار ولا بأس إن شاء الله بقتل النمل إذا آذت ولم يقدر على تركها ولو لم تقتل كان أحب إلينا إن كان يقدر على تركها). قتل القمل والبراغيث بالعقص والفرك جائز وإنما المكروه قتلها بالنار وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأسحنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" ولمسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه ويحكى أن بعض الصالحين خرج للفحص مع أصحاب له فرجع من الطريق وقال إن في المرقعة قملا أخشى إن تركتهم أن يموتوا جوعا فيكون مخالفا لقوله عليه الصلاة والسلام:" إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" فأنا آتيها لأفليها أو ألبسها فيأكلوا مني قلت وغايته الشفقة على خلق الله والامتثال لأمر الله وأما النمل فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها قال الخطابي والنهي خاص بالنمل المجنح الكبير الأرجل لأنه لا يضر.

وفي الصحيح: " أن نبيا من الأنبياء قرصته نملة فحرق قرية النمل فأوحى الله إليه أفي إن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح هلا نملة واحدة" فأخذ منه العلماء جواز حرق النمل إذا آذت وأن تركها أحسن وسئل مالك عن قتل النمل فقال إن قدرتم على أن تمسكوا عنها فافعلوا وإن أضرتكم أرجو أن تكونوا من قتلها في سعة. وذكر الشيخ أبو طالب المكي في كتابه أن طرح القمل حيا يورث النسيان وذكر غيره أنه تصير عقربا بمخالطة التراب فلا تلدغ أحدا إلا مات أو كاد وعلى هذه فيحرم ما يفعله عامة مصر من فلي الثوب بالأسنان خساسة وربما حرم لما يجري من دم القمل ونحوه في أفواههم والله أعلم. (ويقتل الوزغ ويكره قتل الضفادع). أما الوزغ فقد جاء الحديث بالتغريب في قتله حتى قال عليه السلام: " من قتلها بضربة فله مائة حسنة ومن قتلها بضربتين فله بدون ذلك". رواه مسلم وفي رواية " في الثانية بخمسين" ثم كذلك وفي الحديث أيضا " إنها كانت تنفخ النار على إبراهميم عليه السلام" قالوا والوزغ أنواع منه سام أبرص وغيره. وأما الضفادع فقد سأل طبيب النبي صلى الله عليه وسلم عن جعلها في دواء فنهى عن قتلها أخرجه أحمد من حديث عبد الرحمن بن عثمان القرشي وكذا النسائي وصححه الحاكم وفي أبي داود نهى عليه السلام عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد وقال عليه السلام " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والعقرب والفارة والكلب العقور" واختلف في قتل من لم يبلغ حد الأذى من الحيات والعقارب قال ابن العربي والصحيح الجواز لأن مالها إلى الأذى قطعا والله أعلم. (وقال عليه السلام إن الله أذهب عنكم الغيبة الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي أو فاجر شقي أنتم بنو آدم من التراب وقال عليه السلام في رجل تعلم أنساب الدين علم لا ينفع وجهالة لا تضر وقال عمر رضي الله عنه عنه تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم قال مالك ويكره أن يرفع في النسبة فيما فوق

الإسلام من الآباء). كل ما ذكر في هذه الجمل واضح لا يحتاج إلى تقرير وحاصله النهي عن المفاخرة والكبر بالأنساب ونوع من النهي عن الاشتغال بالفضول ومنه عبية الجاهلية يروي بالمعجمة والمهملة مع الضم أو الكسر وتشديد الموحدة وهي بالمعجمة من الغباوة أي الجهل البالغ وبالمهملة نخوة النفس وكبرها وفي الحديث: " نسب المرء دينه وحسبه خلقه وكرمه تقواه" ولا خلاف أن الكبر حرام ومن افتخر بشرف آبائه كمن ادعى الشبع بأكلهم ويحكى أن الحسن البصري رضي الله عنه مر به المهلب بن أبي ضفرة فلم يلتفت إليه فقال له المهلب أما تعرفني قال نعم أنا أعرف بك منك قال وكيف قال أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بينهما تحمل العذرة ويرحم الله من قال: كيف يزهو من رجيعه ... أبد الدهر ضجيعه فهو منه وإليه ... وأخوه ورضيعه وإنما يكون علم الأنساب علما لا ينفع وجهالة لا تضر إذا كان تقيا وإلا فعلمه يضر وجهالته تنفع ومما ينسب لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الناس من جهة التمثيل أكفاء ... أبوهم آدم والأم حواء فإن أتيت بفخر من ذوي حسب ... فإن حسبهما الطين والماء ووزن كل امرئ ماكان يحسنه ... والجاهلون لأهل العلم أعداء ووقع لبعض الفقراء أنه نظر إلى التراب فقال لبعض من حضره من كان وجوده من هذا ومصيره لهذا وقوامه من هذا تكبره بماذا انتهى وهو موعظة عجيبة وبالله التوفيق. (والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ومن رأى في منامه ما يكره فليتفل عن يساره وليتعوذ من شر ما رأى ولا ينبغي أن يفسر الرؤيا من لا علم له بها ولا يعبرها علىالخير وهي عنده على المكروه). إنما كرر الحديث في الرؤيا ليركب عليه المسألتين وفي البخاري بعد ذكر الحديث متصلا به وما من النبوة لا يكذب عبد الوهاب في تعبير من لا علم له بها لأنه

يكون كذبا وإفتاء بغير علم قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]. قال غيره وشرط معبر الرؤيا أن يكون عارفا بمواد التعبير ومحله وله قدرة زائدة وإدراك صحيح وإذا فسرها من لا علم له بها فهو كذلك وكذلك إذا عبرها على الخير وهي عنده على المكروه وإذا قال للسائل خير فلا شيء عليه قال لمالك أيعبر الرؤيا من لا علم له بها فقال أبا لنبوة يعلب يشير بذلك كله للحديث المذكور أولا وبالله التوفيق. (ولا بأس بإنشاد الشعر وما خف من الشعر أحسن ولا ينبغي أن يكثر منه ومن الشغل به). أجمع ما قيل في ذلك الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وكان جدتي رحمة الله عليها من الصالحات ولها نصيب من العلم فكانت تقول لي وأنا صغير يا ولدي لا تؤثر الشعر على العلم فإنه كمن يبدل القمح بالشعير والكلام فيه طويل فلنقتصر دون وبالله التوفيق. (وأولى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله تعالى علم دينه وشرائعه مما أمر به ونهى عنه ودعا إليه وحض عليه في كتابه وعلى لسان نبيه والفقيه في ذلك والفهم فيه والتهمم برعايته والعمل به). أولى أي الحق العلوم بالتهمم والتقديم علم دين الله الذي هو أحكام الإسلام والإيمان والإحسان وهي الأصول والفقه ومعاملات التصوف لقوله في حديث جبريل عليه السلام لما فرغ من ذكر الإيمان والإسلام: " هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" قال البخاري جعل كل ذلك من الدين وقال بعضهم علم لا عمل وسيلة بلا غاية وعمل بلا علم جناية وهما بلا إخلاص كلفة بلا أجر وقد يريد بعلم دينه العقائدالتي بها يثبت الدين وبالشرائع ما وراء ذلك من العبادات والأحكام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده وإنما أنا قاسم والله يعطي" وسئل الجنيد رحمه الله عن العلم النافع فقال هو أن تعرف ربك ولا تعدو قدرك وذكر ابن عطاء الله في لطائف المنن حديثا نصه إن الله لا يسأل الخلق عن ذاته وصفاته وعن قضائه وقدره وإنما يسألهم عن أمره ونهيه فاطلب ربك من حيث يطلبك والنقل

وفي هذا الباب أكثر من أن يحصى وأوسع من أن يحاط به. ومرجع ذلك إلى أن العلوم ثلاثة علم كالغذاء لا يستغنى عنه بحال وهو فرض العين قال الغزالي وهو ما لا يؤمن الهلاك مع جهله وعلم كالدواء يستغنى عنه في حال دون حال وهو ما وراء ذلكم ن فروض الكفاية وما ندب إلى تعلمه وتلعيمه كالتوسع في الأحكام ونحوه وعلم كالداء وهوما يؤدي إلى ضرر في الدنيا والدين وتختلف أحوال الناس فيه وتفترق أحوالهم عليه وعن جماعة منه علم الجدل والكلام والمنطق والتحقيق أن في ذلك تفصيلا يطول ذكره فانظر وبالله التوفيق. (والعلم أفضل الأعمال وأقرب العلماء إلى الله أكثرهم له خشية وفيما عنده رغبة). لما كان الشيء يشرف بشرف متعلقه كان متعلق العلم أشرف المتعلقات وهو العلم بالله والعلم بما به أمر اله كان العلم أفضل الأعمال وقد جاء في فضل العلم ما لا مزيد عليه وفي البخاري: " من سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة " وفي الحديث: " العلماء ورثة الأنبياء وأمناء الرسل ما لم يميلوا إلى الدنيا ويداخلوا السلاطين فإذا مالوا إلى الدنيا وداخلوا السلاطين فاخشوهم في دينكم" وكون أقرب العلماء إلى الله أكثرهم خشية هو الذي شهدت به شواهد السنة قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}. وقال ابن عطاء الله في الحكم خير العلم ما كانت الخشية معه العلم إن قارنته الخشية فلك وإلا فعليك. قال في لطائف المنن فشاهد العلم الذي هو مطلوب لله تعالى الخشية لله وشاهد الخشية موافقة الأمر أما علم تكون معه الرغبة في الدنيا والتملق لأربابها والجمع والادخار والمباهاة والاستكثار وإيثار الدنيا ونسيان الآخرة فما أبعد من هذا علمه أن يكون من ورثة الأنبياء. وهل ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث إلا بالصفة التي كان عليها عند الموروث عنه قال ومثل من هذه الأوصاف أوصافه من العلماء كمثل الشمعة تضيء على غيرها وتحرق نفسها جعل الله الذي علمه من هذا وصفه حجة عليه وسببا في تكثير العقوبات.

لديه قال ولا يغرنك أن يكون به انتفاع للبادي والحاضر. فقد قال عليه السلام: " إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" قال ومثل من تعلم العلم لاكتساب الدنيا والرفعة كمثل من يرفع العذرة بالملعقة من الياقوت فما أشرف الوسيلة وما أخس التمتوسل إلهي ومثل من قطع الأوقات في طلب العلم فمكث أربعين أو خمسين سنة يتعلم العلم ويعلمه ولا يعمل به كمثل من قطع هذه المدة يتطهر ولا يصلي صلاة واحدة إذ مقصود العلم العمل كما أن مقصود الطهارة الصلاة انتهى على شك في بعض ألفاظه نفعنا الله بمنه وكرمه. (والعلم دليل إلى الخيرات وقائد إليها). قال الرسول عليه السلام" العلم إمام العمل والعمل تابعه" وق قالوا طلبنا العلم لغيرا لله فأبى أن يكون إلا لله قيل يعني امتنع حصوله إلا أن يطلب لله وقييل بل طلبه لغير الله لا يصيره لغيره لأنه لا يمكن أن يكون لغيره حتى إن الشيطان يحض العبد على طلب العلم لتقوم عليه الحجة ويقع في ذنوب الطلبة والعلماء خرج له بذلك بيان الحلال والحرام الذي يصرفه عن تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فعند ذلك بود أن يرده عنه لما يرى من مصلحته فيجيبه بقوله طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا الله فتأمل ذلك فإنه مليح وبالله التوفيق. (واللجأ إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واتباع سبيل المؤمنين وخبر القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة ففي المفزع إلى ذلك العصمة). ذكر في هذه الجملة أصول الأحكام التي هي الكتاب والسنة يعني متواترها وآحداها والسنة هنا ما جاء من فعل عليه السلام وقوله وتقريره وسبيل المؤمنين هو الإجماع واتباعه واجب قال الله تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم} [النساء: 115]. وقوله: (وخير القرون) يحتمل الخبرية فيكون تكرارا مع ما في العقيدة ويحتمل عطفة على اتباع السلف أي واتباع خير القرون من خير أمة وخير الكل نجاة وكأنه يشير بذلك إلى الاقتداء بالقرون الثلاثة الأول بعد الكتاب والسنة والإجماع وبيان ذلك أنه لا مقلد إلا المعصوم لامتناع الخطأ عليه أو من شهد له المعصوم حيث يتعذر الاقتداء

به لأن مزكي العدل عدل وقد شهد عليه السلام لقرنه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فوجب اعتبارهم في الاقتداء على مراتبهم. لكن القرن الأول حفظوا عن الشارع ولم يجمعو ولم يعرف عام من خاص ولا ناسخ من منسوخ وذلك يتحصل بالجمع فجاء القرن الثاني فحفظوا ما جمعوا وذلك لا يكفي دون التفقه فيه وقد تفقهوا فيه ولكنهم لم يستوبعوه فجاء القرن الثالث فحفظ ما جمع على جمع واستوفى ما جمعه بفقه فكمل علم الدين في القول الثالث حفظا وجمعا وتفقها في كل فن شرعي فأخذ ذلك عن علمائه الذين صح ورعهم وهم اثنا عشر رجلا فكان لكل منهم اتباع ثم لم تزل اتباعهم تنقرض وينقرض علمها بها حتى لم يبق إلا جملة الأئمة الأربعة مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد فاقتصر الناس عليهم واتبعوا مذاهبهم مع أنه لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة لقوله عليه السلام " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق". ففي كل عصر سادة وفي كل قطر قادة لكن القرون الثلاثة الأصل فيهم الخير والشر عارض وما بعدهم من القرون ليس كذلك فهم معتبرون بأوصافهم وبالله التوفيق. (وفي اتباع السلف الصالح النجاة وهم القدوة في تأويل ما تأولوه واستخراج ما استنبطوه). السلف هو السابق والصالح هو الذي جرت أقواله وأفعاله على وفق الحق والصواب في الغالب والمراد بهم هنا أهل القرون الثلاثة الأول من العلماء العاملين ومن اتصف بأوصافهم من المتأخرين القدوة الذي يتبعون ويقتدى بهم. والتأويل إخراج اللفظ عن ظاهره بدليل يعضدة والاستنباط استخراج الحكم من أصله الذي يحتوي عليه وإنما كان السلف قدوة فيما ذكر لأنهم جمعوا ثلاثة أشياء العلم الكامل والورع الحاصل والنظر السديد وغلبت عليهم الأمانة ولولا هذه الشروط ما صح الاقتداء بهم وقد قال ابن المبارك إن هذا لحديث دين فانظروا عن من تأخذون دينكم وبالله التوفيق. (وإذا اختلفوا في الفروع والحوادث لم يخرج عن جماعتهم).

بل يتعين أن يقتدى بهم على مراتبهم فإن العلماء كلهم طرق إلى الجنة البلالي ويجب مذهب معين وله رجوع عنه وعن بعض مسائله لا تتبع الرخص قلت أما تتبع الرخص فحرام إجماعا لأنه تلاعب بالدين وأما تقليد الرخصة يوما ما للضرورة أو الأخذ بالاحتياط والورع فلا عتب على صاحبه هكذا نصوا عليه واختلفوا في جواز الانتقال على أقوال محلها أصول الفقه وبالله التوفيق. (والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). ش: هذا اعتراف بمنة الله وشكر له على ما هداه من التعليم والإلقاء بعد تحصيل العلم والتقى وعلى مثل هذا يتعين الشكر ثم هذا الحمد هو حمد أهل الجنة في الجنة وهو من نسبة قول الصحابة رضي الله عنهم والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فشهود المنة من تعظيم المنعم وهو أصل كل بر وخير وبالله التوفيق. (قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد قد أتينا على ما شرطنا أن نأتي به في كتابنا هذا مما ينتفع به إن شاء الله من رغب في تعليمه ذلك من الصغار ومن احتاج إليه من الكبار وفيه ما يؤدي الجاهل إلى علم ما يعتقده من دينه ويعمل به من فروضه ويفهم كثيرا من أصول الفقه وفنونه ومن السنن والرغائب والآداب). قوله (قال أبو محمد) إلى آخره ثابت في هذا الموضع باتفاق واختلف فيه أن وهو هنا على بابه من القول بلا نية وأبو محمد هو كنية عبد الله وإنما كنى نفسه لأن معرفته بذلك وإلا فهو أشد تواضعا وتأدبا من ذلك وكان رضي الله عنه من أورع أهل زمانه وأعظمهم ديانة حسبما ذكره عياض وغيره في التعريف. وسمعنا عن شيخ أبي عبد الله القوري رحمه الله قال ألف هذا الكتاب وهو ابن سبع وعشرين سنة وبذلك بينه وبين كلامه في النوادر كثير وسمعته يقول كتب الفقه من النوادر مثل الحوض تجري منه من السواقي. وكان مولد الشيخ رحمه الله سنة عشر وثلاثمائة وتوفي سنة ست وثمانين من المائة المذكورة فعمره سعبون سنة وكان يعرف بمالك الصغير وقيل كان ينكر الكرامات ثم رجع عن ذلك لسر اتفق له وقيل لم ينكر منكرا ولكن حسما للذريعة وهو الظاهر والله أعلم.

وما ذكر في ترجمة كتابه لأنه هو الذي شرطه أول الكتاب وقد مدح الناس الرسالة واعتنوا بشرحها حتى أنه ليقال منذ وضعت ما خلت سنة عن ظهرو شرح جديد لها وقد ظهرت بركتها على العامل بها والملتزم لها. وسمعت عن الشيخ الصالح سيدي أبي عبد الله بن عباد رحمه الله أنه قال طلبوا الفقه في غير الرسالة فأضلوه وطلبوا التصوف في غير الحكم فأضلوه وقد جرب بالمشاهدة أن من قرأ كتب الفقه دونها لم ينتفع بنفسه غالبا ما ذاك إلا لصدق صاحبها وطالبها ونيتهما فالأعمال بالنيات والخواتم وبالله التوفيق. (وأن أسأل الله أن ينفعنا وإياك بما علمنا ويعيننا وإياك على القيام بحقه فيما كلفنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما). هذا سؤال موافق لما قال أول الكتاب أما بعد أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه وحفظ ما أودعنا من شرائعه ومدارهما على الاهتمام بأمر الدين واللجأ إليه تعالى في قيام ذلك والقيام به ومعنى (لا حول ولا قوة) لا حركة ولا ثبوت إلا بالله وروى لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بإعانة الله. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الكتاب جاء به حديث ضعيف النهي عنه ذكره أبو نعيم في ترجمة عمر بن عبد العزيز من الحلية ولم يعده العلماء في المواضع المنهي عن الصلاة فيها وهي سبعة عند العثرة وعند البيع وعند الذبح وفي الحمام وفي الخلاء وعند الجماع وفي المواضع القذرة ونحوها فاعرف ذلك وبالله التوفيق. قال مؤلف هذه العجالة العبد الفقير إلى الله سبحانه أقل عبيده وأفقرهم إلى رحمته أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنوسي ثم الفاسي عرف بزروق أصلح الله حاله وبلغ فيما لديه آماله وعافاه من بليته وشافه من علته ورزقه في كل حال شرك نعمته قد كتبت هذا الكتاب وجمعته من أصول معتمدة جلها كتب المتأخرين والعمدة مختصر الشيخ الفقيه الصالح سيدي أبي عبد الله بن عرفة التونسي وربما لفقت كلامه أو بسطته أو أتيت به على وجهه فليراجعه من أشكل عليه شيء من نقله وليقف على حد الإنصاف متقيا الله سبحانه

والله أسأل أن يجعله رحمة لعباده وبركة في أرضه وبلاده وأن ينفع به الخاص والعام ويجعله تذكرة وتبصرة لا مخملا ولا مخمرا ولا مخمدا ولا ملموسا بيد إذاية من جاهل يتحامل أو حاسد يعرف الحق ويتجاهل فإنه ولي ذلك والقادري عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل وكان الفراغ منه في أوائل سنة ست وتسعين وثمانمائة عرفنا الله خبيره وخير ما بعده إلا الأبد بمنه وفضله وكرمه وكتب مؤلفه بخط يده الفانية مبيضة غير مصححة ولا مهذبة والله المسئول في ذلك بمنه وكرمه.

متن الرسالة للإمام أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المتوفى سنة 386هـ

صفحة خالية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه وأرضاه: الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته وصوروه في الأرحام بحكمته وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما ونبهه بآثار صنعته وأعذر إليه على ألنسة المرسلين الخيرة من خلقه فهدى من وفقه بفضهل وأضل من خذله بعدله ويسر المؤمنين لليسرى وشرح صدورهم للذكرى فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين وبقلوبهم مخلصين وبما أتتهم به رسله وكتبه عالمين، وتعملوا ما علمهم ووقفوا عند ما حد لهم واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم. أما بعد: أعاننا الله وإياك على رعياية ودائعه وحفظ ما أودعنا من شرائعه فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصر من واجب أمور الديانات مما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب، وتعمله الجوارح وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبا وشيء من الآداب منها وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى وطريقته مع ما سهل سبي ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرأن ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه، ما ترجى لهم بركته وتحمد لهم عاقبته فأجبتك إلى ذلك لما رجوته لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه. واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه وأولى ما عني به الناصحون ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها وتنبيههم على معالى الديانة وحدود الشريعة ليراضوا عليها وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم وتعمل به جوارحهم. فإنه روى أن تعليم الصغر لكتاب الله يطفئ غضب الله وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش على الحجر وقد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون إن شاء الله بحفظه ويشرفون بعلمه ويسعدون باعتقاده والعمل به.

باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

وقد جاء أن يؤمروا بالصلاة لسبع سنين ويضربوا عليها لعشر ويفرق بينهم في المضاجع فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم ليأتي عليهم البلوغ، وقد تمكن ذلك من قلوبهم وسكنت إليهم أنفسهم وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم. وقد فرض الله سبحانه على القلب عملا من الاعتقادات وعلى الجوارح الظاهرة عملا من الطاعات وسأفصل لك ما شرطت لك ذكره بابا بابا ليقرب من فهم متعلميه إن شاء الله تعالى وإياه نستخير وبه نستيعن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له ولا صابحة له ولا شريك له ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء لا يبلغ كنه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في ماهية ذاته، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم العالم الخبير المدبر القدير السيمع البصير العلي الكبير. وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين على العرش استوى وعلى الملك احتوى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسمائه محدثة. كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته لا خلق من خلقه وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله، وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة لمخلوق فينفد، والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه علم لك شيء قبل كونه فجرى على قدره لا يكون من

عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. يضل من يشاء فيخذله بعدله ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد أو يكون لأحد عنه غنى أو يكون خالق لشيء إلا هو رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم الباعث الرسل غليهم لإقامة الحجة عليهم ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم، فجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وأنزل عليه كتابه الحكيم وشرح به دينه القويم وهدى به الصراط المستقيم. وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من يموت كما بدأهم يعودون، وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا إلى مشيئته إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ومن عاقبه بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ويخرج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم م نشفع له من أهل الكبائر من أمته. وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم. وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه. وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألخد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها، وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ويؤتون صحائفهم بأعمالهم فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا، ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولئك يصلون سعيرا، وأن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أو بقتهم فيها أعمالهم. والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه أبدا ويذاد عنه من بدل وغير وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها فيكون فيها النقص وفيها الزيادة.

باب ما يجب منه الوضوء والغسل

ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ولا قوة ولا عمل إلا بالنية ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون وأرواح أهل الشقاء معذبة إلى يوم الدين. وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم ولا يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم وأن ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه وأن خير القرون القرن الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون الهادون المهديون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم، واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم والاستغفار لهم وترك المراء والجدال في الدين وترك كل ما أحدثه المحدثون. وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليما كثيرا. باب ما يجب منه الوضوء والغسل الوضوء يجب لما يخرج من أحد المخرجين من بول أو غائط أو ريح أو لما يخرج من الذكر من مذي مع غسل الذكر كله منه وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالإنعاظ عند الملاعبة أو التذكار. وأما الودي فهو ماء أبيض خاثر يخرج بإثر البول يجب منه ما يجب من البول. وأما المني فهو الماء الدافق الذي يخرج عند اللذة الكبرى بالجماع رائحته كرائحة الطلع وماء المرأة ماء رقيق أصفير يجب منه الطهر فيجب من هذا طهر جميع الجسد كما يجب من طهر الحيضة. وأما دم الاستحاضة فيجب منه الوضوء ويستحب لها والسلس البول أن يتوضأ لكل صلاة ويجب الوضوء من زوال العقل بنوم متسثقل أو إماء أو سكر أو

باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

تخبط أو جنون. ويجب الوضوء من الملامسة للذة والمباشرة للجسد للذة والقبلة للذة ومن مس الذكر واختلف في مس المرأة فرجها في إيجاب الوضوء بذلك. ويجب الطهر مما ذكرنا من خروج الماء الدافق للذة في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة، أوانقطاع دم الحيضة أو الاستحاضة أو النفاس أو بمغيب الشحفة في الفرج، وإن لم ينزل ومغيب الحشفة في الفرج يوجب الغسل، ويوجب الحد ويوجب الصداق، ويحصن الزوحين ويحل المطلقة ثلاثا للذي طلقها ويفسد الحاج ويفسد الصوم. وإذا رأت المرأة القصة البيضاء تطهرت وكذلك إذا رأت الجفوف تطهرت مكانها رأته بعد يوم أو يومين أو ساعة، ثم إن عاود هادم أو رأت صفرة أو كدرت تركت الصلاة ثم إذا انقطع عنها اغتسلت وصلت ولكن ذلك كله كدم واحد في العدة والاستبراء حتى يبعد ما بين الدمين ثمانية أيام أو عشرة فيكون حيضا مؤتنفا ومن تمادى بها الدم بلغت خمسة عشر يوما ثم هي مستحاضة تتطهر وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها. وإذا انقطع دم النفساء وإن كان قرب الولادة اغتسلت وصلت وإن تمادى بها الدم جلست ستين ليلة ثم اغتسلت وكانت مستحاضة تصلي وتصوم وتوطأ. باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة والمصلي يناجي ربه فعليه أن يتأهب لذلك بالوضوء أو بالطهر إن وجب عليه الطهر ويكون ذلك بماء طاهر غير مشوب بنجاسة ولا بماء قد تغير لونه لشيء خالطه من شيء نجس أوطاهر إلا ما غيرت لونه الأرض التي هو بها من سبحة أو حمأة أونحوهما وماء السماء وماء العيون وماء الآبار وماء البحار طيب طاهر مطهر للنجاسات، وما غير لونه بشيء طاهر حل فيها فذلك الماء طاهر غير مطهر في وضوء أو طهر أو زوال نجاسة وما غيرته النجاسة فليس بطاهر ولا مطهر وقيل الماء ينجسه قليل النجاسة وإن لم تغيره. وقلة الماء مع إحكام الغسل سنة والسرف منه غلو وبدعة وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم

باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

بمد وهو وزن رطل وثلث وتطهر بصاع وهو أربعة أمداد بمده عليه الصلاة والسلام وطهارة البقعة للصلاة واجبة. وكذلك طهارة الثوب فقيل أن ذلك فيهما واجب وجوب الفرائض وقيل وجوب السنن المؤكدة، وينهى عن الصلاة في معاطن الإبل ومحجة الطريق وظهر بيت الله الحرام والحمام حيث لا يوقن منه بطهارة والمزبلة والمجزرة ومقبرة المشركين وكنائسهم. وأقل ما يصلي فيه الرجل من اللباس ثوب ساتر من درع أو دراء والدرع القميص ويكره أن يصلي بثوب ليس على أكتافه منه شيء فإن فعل لم يعد وأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف السابغ الذي يستره ظهور قدميها وخمار تتقنع به وتباشر بكفيها الأرض في السجود مثل الرجل. باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار وليس الاستنجاء مما يجب أن يوصل به الوضوء لا في سنن الوضوء ولا في فرائضه وهو من باب إيجاب زوال النجاسة به أو بالاستجمار لئلا يصلي بها في جسده ويجزئ فعله بغير نية وكذلك غسل الثوب النجس وصفة الاستنجاء أن يبدأ بغد غسل يديه فيغسل مخرج البول ثم يمسح ما في المخرج من الأذى بمدر أو غيره أو بيده ثم يحكها بالأرض ويغسلها ثم يستنجي بالماء ويواصل صبه ويسترخي قليلا ويجيد عرك ذلك بيده حتى يتنظف وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين ولا يستنجي من ريح ومن استجمر بثلاثة أحجار يخرج آخرهن نقيا أجزأه والماء أطهر وأطيب وأحب إلى العلماء ومن لم يخرج منه بول ولا غائط وتوضأ لحدث أو نوم أو لغير ذلك مما يوجب الوضوء فلا بد من غسل يديه قبل دخولهما في الإناء ومن سنة الوضوء غسل اليدين قبل دخولهما في الإناء والمضمضمة والاستنئشاق والاستنثار ومسح الأذنين سنة وباقية فريضة. فمن قام إلى وضوء من نوم أو غيره فقد قال بعض العلماء: يبدأ فيسمي الله ولم يره بعضهم من الأمر المعروف وكون الإناء على يمينه أمكن له في تناوله ويبدأ فيغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثة فإن كان قد بال أو تغوط غسل ذلك منه ثم توضأ

ثم يدخل يده في الإناء فيأخذ الماء فيمضمض فاه ثلاثا من غرفة واحدة إن شاء أو من ثلاث غرفات وإن استاك بأصبعه فحسن ثم يستنشق بأنفه الماء ويستنثره ثلاثا يجعل يده على أنفه كامتخاطه ويجزئه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق وله جمع ذلك في غرفة واحدة والنهاية أحسن ثم يأخذ الماء إن شاء بيديه جميعا وإن شاء بيده اليمنى فيجعله في يديه جميعا ثم ينقله إلى وجهه فيفرغه عليه غاسلا له بيديه من أعلى جبهته وحده ومنابت شعر رأسه إلى طرف ذقنه ودور وجهه كله من حد عظمى لحييه إلى صدغيه ويمر يديه على ما غرا من ظاهر أجفانه وأسارير جبهته وما تحت مارنه من ظاهر أنفه يغسل وجهه هكذا ثلاثا. ينقل الماء غليه ويحرك لحيته في غسل وجهه بكفيه ليداخلها الماء لدفع الشعر لما يلاقيه من الما وليس عليه تخليلها في الوضوء في قول مالك ويجري عليها يديه إلى آخرها ثم يغسل يده اليمنى ثلاثا أو اثنتين يفيض عليها الماء ويعكرها بيده اليسرى ويخلل أصابع يديه بعضها ببعض ثم يغسل اليسرى كذلك ويبلغ فيهما بالغسل إلى المرفقين يدخلهما في غسله وقد قيل إليهما حد الغسل فليس بواجب إدخالهما فيه وإدخالهما فيه أحوط لزوال تكلف التحديد ثم يأخذ الماء بيده اليمنى فيفرغه على باطن يده اليسرى ثم يمسح بهما رأسه يبدأ من مقدمه من أول مناب شعر رأسه وقد قرن أطراف أصابع يديه بعضها ببعض على رأسه وجعل إبهاميه على صدغيه ثم يذهب بيديه ماسحا إلى طرف شعر راسه مما يلي قفاه ثم يردهما إلى حيث بدا ويأخذ بإبهاميه خلف أذنيه إلى صدغيه وكيفما مسح أجزأه إذا أوعب رأسه والأول أحسن ولو أدخل يديه في الإناء ثم رفعهما مبلولتين ومسح بهما رأسه أجزأه ثم يفرغ الماء على سبابتيه وإبهاميه وإن شاء غمس ذلك في الماء ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما وتمسح المرأة كما ذكرنا وتمسح على دلاليها ولا تمسح على الوقاية وتدخل يديها من تحت عقاص شعرها في رجوع يديها في المسح ثم يغسل رجليه يصب الماء بيده اليمنى على رجله اليمنى ويعركها بيده اليسرى قليلا قليلا يوعبها بذلك ثلاثا. وإن شاء خلل أصابعه في ذلك وإن ترك فلا حرج والتخليل أطيب للنفس ويعرك عقبيه وعرقوبيه ومالا يكاد يداخله الماء بسرعة من جساوة أو شقوق فليبالغ بالعرك مع صب الماء بيديه. فإنه جاء الأثر: " ويل للأعقاب من النار" وعقب الشيء طرفه وآخره ثم يفعل

باب في الغسل

باليسرى مثل ذلك وليس تحديد غسل أعضائه ثلاثا ثلاثا بأمر لا يجزئ دونه ولكنه أكثر ما يفعل ومن كان يوعب بأقل من ذلك أجزأه إذا أحكم ذلك وليس كل الناس في أحكام ذلك سواء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". وقد استحب بعض العلماء أن يقول بإثر الوضو: اللهم اجعلني من المتطهرين ويجب عليه أن يعمل عمل الوضوء احتسابا لله تعالى لما أمره به يرجو تقبله وثوابه وتطهيره من الذنوب به ويشعر نفسه أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه والوقوف بين يديه لأداء فرائضه والخضوع له بالركوع والسجود فيعمل على يقين بذلك وتحفظ فيه فإن تمام كل عمل بحسن النية فيه. باب في الغسل أما الطهر فهو في الجنابة ومن الحيضة والنفاس سواء فإن اقتصر المتطهر على الغسل دون الوضوء أجزأه وأفضل له أن يتوضأ بعد أن يبدأ بغسل ما بفرجه أو جسده من الأذى ثم يتوضأ وضوء الصلاة فإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخرهما إلى آخر غسله ثم يغمس يديه في الإناء ويرفعهما غير قابض بهما شيء فيخلل بهما أصول شعر رأسه ثم يغرف بهما على رأسه ثلاث غرفات غاسلا له بهن وتفعل ذلك المرأة وتضغث شعر رأسها وليس عليها حل عقاصها ثم يفيض الماء على شقه الأيمن ثم على شقه الأيسر ويتدلك بيديه بإثر صب الماء حتى يوعب جميع جسده وما شك أن يكون الماء أخذه من جسده عاوده بالماء ودلكه بيده حتى يوعب جميع جسده ويتابع عمق سرته ويحت حلقه ويخلل شعر لحيته وتحت جناحيه وبين أليتيه ورفغيه وتحت ركبتيه وأسافل رجليه ويخلل أصابع يديه ويغسل رجليه آخر ذلك يجمع ذلك فيهما لتمام غسله ولتمام وضوئه إن كان آخر غسلهما ويحذر أن يمس ذكره في تدلكه بباطن كفه فإن فعل ذلك وقد أوعب طهره أعاد الوضوء وإن مسه في ابتداء غسله وبعد أن غسل مواضع الوضوء منه فليمر بعد ذلك بيديه على مواضع الوضوء بالماء على ما ينبغي من ذلك وينويه.

باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم التيمم يجب لعدم الماء في السفر إذا يئس أن يجده في الوقت، وقد يجب مع وجوده إذا لم يقدر على مسه في سفر أو حضر لمرض مانع أو مريض يقدر على مسه لا يجد من يناوله إياه. وكذلك مسافر يقرب منه الماء ويمنعه منه خوف لصوص أو سباع وإذا أيقن المسافر بوجود الماء في الوقت أخر إلى آخره وإن يئس منه تيمم في أوله وإن لم يكن عنده منه علم تيمم في وسطه وكذلك إن خاف أن يدرك الماء في الوقت ورجا أن يدركه فيه ومن تيمم من هؤلاء ثم أصاب الماء في الوقت بعد أن صلى. فأما المريض الذي لم يجد من يناوله إياه فليعد وكذلك الخائف من سباع ونحوها، وكذلك المسافر الذي يخاف أن لا يدرك الماء في الوقت ويرجو أن يدركه فيه. ولا يعيد غير هؤلاء ولا يصلي صلاتين بتيمم واحد من هؤلاء إلا مريض لا يقدر على مس الماء لضرر بجسمه مقيم وقد قيل يتيمم لكل صلاة وقد روي عن مالك فيمن ذكر صلوات أن يصليها بتيمم واحد. والتيمم بالصعيد الطاهر وهو ما ظهر على وجه الأرض منها من تراب أو رمل أو حجارة أو سخة يضرب بيديه الأرض فإن تعلق بهما شيء نفضهما نفضا خفيفا ثم يمسح بهما وجهه كله مسحا ثم يضرب بيديه الأرض فيمسح يمناه بيسراه يجعل أصابع يده اليسرى على أطراف أصابع يده اليمنى ثم يمر أصابعه على ظاهر يده وذراعيه وقد حنى عليه أصابعه حتى يبلغ المرفقين ثم يجعل كفه على باطن ذراعه من طي مرفقه قابضا عليه حتى يبلغ الكوع من يده اليمنى ثم يجري باطن بهمه على ظاهر بهم يدهه اليمنى ثم يمسح اليسرى باليمنى هكذا فإذا بلغ الكوع مسح كفه اليمنى بكفه اليسرى إلى آخر أطرافه ولو مسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى كيف شاء وتيسر عليه وأوعب المسح لأجزأه. وإذا لم يجد الجنب أو الحائض الماء للطهر تيمما وصليا فإذا وجد الماء تطهرا ولم يعيدا ما صليا. ولا يطأ الرجل امرأته التي انقطع عنها دم حيض أو نفاس بالتطهر بالتيمم حتى يجد من الماء ما تتطهر به المرأة ثم ما يتطهران به جميعا وفي باب جامع الصلاة شيء من مسائل التيمم.

باب في المسح على الخفين

باب في المسح على الخفين وله أن يمسح على الخفين في الحضر والسفر ما لم ينزعهما وذلك إذا أدخل فيهما رجليه بعد أن غسلهما في وضوء تحل به الصلاة فهذا الذي إذا أحدث وتوضأ مسح عليهما وإلا فلا. وصفة المسح أن يجعل يده اليمنى من فوق الخف من طرف الأصابع ويده اليسرى من تحت ذلك، ثم يذهب بيديه إلى حد الكعبين وكذلك يفعل باليسرى ويجعل يده اليسرى من فوقها واليمنى من أسفلها. ولا يمسح على طين في أسفل خفه أو ورث دابه حتى يزيله بمسح أو غسل وقيل يبدأ في مسح أسلفه من الكعبين إلى أطراف الأصابع لئلا يصل إلى عقب خفه شيء من رطوبة ما مسح من خفيه من القشب وإن كان في أسفله طين فلا يمسح عليه حتى يزليه. باب في أوقات الصلاة وأسمائها أما صلاة الصحبح ففي الصلاة الوسطى عند أهل المدينة وهي صلاة الفجر فأول وقتها انصداع الفجر المعترض بالضياء في أقصى المشرق ذاهبا من القبلة إلى دبر القبلة حتى يرتفع فيعم الأفق، وآخر الوقت الإسفار البين الذي إذا سلم منها بدأ حاجب الشمس وما بين هذين وقت واسع. وأفضل ذلك أوله ووقت الظهر إذا زالت الشمس عن كبد السماء وأخذ الظل في الزيادة ويستحب أن تؤخر في الصيف إلى أن يزيد ظل كل شيء ربعه بعد الظل الذي زالت عليه الشمس. وقيل إنما يتسحب ذلك في المساجد ليدرك الناس الصلاة وأما الرجل في خاصة نفسه فأول الوقت أفضل له وقيل أما في شدة الحر فالأفضل له أن يبرد بها وإن ان وحده لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم" وآخر الوقت أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل نصف النهار. وأول وقت العصر آخر وقت الظهر، وآخره أن يصير ظل كل شيء مثليه بعد ظل نصف النهار وقيل إذا استقبلت الشمس بوجهك وأنت قائم غير منكس رأسك ولا مطأطئ له فإن نظرت إلى الشمس ببصرك فقد دخل الوقت وإن لم ترها ببصرك.

باب الأذان والإقامة

فلم يدخل الوقت وإن نزلت عن بصرك فقد تمكن دخول الوقت والذي وصف مالك رحمه الله أن الوقت فيها ما لم تصفر الشمس. ووقت المغرب وهي صلاة الشاهد يعني الحاضر يعني أن المسافر لا يقصرها ويصليها كصلاة الحاضر فوقتها غروب الشمس فإذا توارت بالحجاب وجبت الصلاة لا تؤخر وليس لها إلا وقت واحد لا تؤخر عنه. ووقت صلاة العتمة وهي صلاة العشاء وهذا الاسم أولى بها غيبوة الشفق، والشفق: الحمرة الباقية في المغرب من بقايا شعاع الشمس فإذا لم يبق في المغرب صفرة ولا حمرة فقد وجب الوقت ولا ينظر إلى البياض في المغرب فذلك لها وقت إلى ثلث الليل لمن يريد تأخيرها لشغل أو عذر والمبادرة بها أولى ولا بأس أن يؤخرها أهل المساجد قليلا لاجتماع الناس ويكره النوم قبلها والحديث لغير شغل بعدها. باب الأذان والإقامة الأذان واجب في المساجد والجماعات الراتبعة فأما الرجل في خاصة نفسه فإن أذن فحسن ولا بد له من الإقامة وأما المرأة فإن أقامت فحسن وإلا فلا حرح ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح فلا بأس أن يؤذن لها في السدس الأخير من الليل. والأذان: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم ترجع بأرفع من صوتك أول مرة فتكرر التشهد فتقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمد رسول الله حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح. فإن كنت في نداء الصبح زدت ههنا الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم لا تقل ذلك في غير نداء الصبح الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله مرة واحدة. والإقامة وتر: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.

باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن والإحرام في الصلاة أن تقول: الله أكبر لا يجزئ غير هذه الكلمة وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك ثم تقرأ فإن كنت في الصبح قرأت جهرا بأم القرآن لا تستفتح بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أمر القرآن ولا في السورة التي بعدها. فإذا قلت: {ولا الضالين} فقل آمين إن كنت وحدك أو خلف إمام وتخفيها ولا يقولها الإمام فيما جهر فيه ويقولها فيها أسر فيه وفي قوله إياها في الجهر اختلاف ثم تقرأ سورة من طوال المفصل وإن كنت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس وتجهر بقراءتها. فإذا تمت السورة كبرت في انحطاطك للركوع فتمكن يديك من ركبتيك وتسوي ظهرك مستويا ولا ترفع رأساك ولا تطأطئه وتجافي بضبعيك عن جنبيك وتعتقد الخضوع بذلك في ركوعك وسجودك ولا تدع في ركوعك وقل إن شئت سبحان ربي العظيم وبحمده وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في اللبث ثم ترفع رأسك وأنت قائل سمع الله لمن حمده ثم تقول اللهم ربنا ولك الحمد إن كنت وحدك ولا يقولها الإمام ولا يقول المأموم سمع الله لمن حمده ويقول اللهم ربنا ولك الحمد. وتستوي قائما مطمئنا مترسلا ثم تهوي ساجدا لا تجلس ثم تسجد وتكبر في انحطاطك للسجود فتمكن جبهتك وأنفك من الأرض وتباشر بكفيك الأرض باسطا يديك مستويتين إلى القبلة تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك وكل ذلك واسع غير أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض ولا تضم عضديك إلى جنبيك ولكن تجنح بهما تجنيحا وسطا وتكون رجلاك في سجودك قائمتين وبطون إباهميها إلى الأرض. وتقول إن شئت في سجودك: سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي أو غير ذلك إن شئت وتدعو في السجود إن شئت وليس لطول ذلك وقت وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكنا ثم ترفع راسك بالتكبير فتجلس فتثني رجلك اليسرى في جلوسك بين السجدتين وتنصب اليمنى وبطون أصباعها إلى الأرض وترفع يديك عن الأرض على ركبتيك ثم تسجد الثانية كما فعلت أولا.

ثم تقولم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس ولكن كما ذكرت لك وتكبر في حال قيامك ثم تقرأ كما قرأت في الأولى أو دون ذلك وتفعل مثل ذلك سواء غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قنت قبل الركوع بعد تمام القراءة. والقنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك الله إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك باللكافرين ملحق. ثم تفعل في السجود ولاجلوس كما تقدم من الوصف فإذا جلست بعد السجدتين نصبت رجلك اليمى وبطون أصابعها إلى الأرض وثنيت اليسرى وأفضيت بأليتك إلى الأرض ولا تقعد على رجلك اليسرى وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها إلى الأرض فواسع ثم تتشهد. والشهد: التحيا لله الزاكيات لله الطيباب الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فإن سلمت بعد هذا أجزأك ومما تزيده إن شئت وأشهد أن الذي جاء به محمد حق وأن الجنة حق وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. اللهم صل على ملائكتك والمقربين وعلى أنبيائك والمرسلين وعلى أهل طاعتك أجمعين اللهم اغفر لي ولوالدي ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزما. اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك وأعوذ بك من كل شر استعاذك منه محمد نبيك الله اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأعوذ بك

من فتنة المحيا والممات ومن فتنة القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب النار وسوء المصير السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ثم تقول: السلام عليكم تسليمة واحدة عن يمينك تقصد بها قبالة وجهك وتتيامن برأسك قليلا هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فيسلم واحدة يتيامن بها قليلا ويرد أخرى على الإمام قبالته يشير بها إليه ويرد على من كان سلم عليه على يساره فإن لم يكن سلم عليه أحد لم يرد على يساره شيا ويجعل يديه في تشهده على فخذيه ويقبض أصابع يده اليمنى ويبسط السبابة يشير بها وقد نصب حرفها إلى وجهه. واختلف في تحريكها فقيل: يعتقد بالإشارة بها أن الله إله واحد ويتأول من تحركها أنها مقمعة للشيطان وأحسب تأويل ذلك أن يذكر بذلك من أمر الصلاة ما يمنعه إن شاء الله عن السهو فيها والشغل عنها ويبسط يده اليسرى على فخذه الأيسر ولا يحركها ولا يشير بها ويستحب الذكر بإثر الصلوات يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين، ويكبر الله ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها وليس بواجب ويركع ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح بعد الفجر يقرأ في كل ركعة بأم القرآن يسرها. والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطوال أو دون ذلك قليلا ولا يجهر فيها بشيء من القراءة ويقرأ في الأولى والثانية في كل ركعة بأم القرآن وسورة سرا وفي الأخيرتين بأم القرآن وحدها سرا ويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله ثم يقولم فلا يكبر حتى يستوى قائما هكذا يفعل الإمام والرجل وحده. وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام يقوم المأموم أيضا فإذا استوى قائما كبر ويفعل في بقية صلاة الظهر من صفة الركوع والسجود والجلوس نحو ما تقدم ذكره في الصبح ويتنفل بعدها ويتسحب له أن يتنفل بأربع ركعات يسلم من كل ركعتين ويستحب له.

مثل ذلك قبل صلاة العصر ويفعل من صلاة العصر كما وصفنا في الظهر سواء إلا أنه يقرأ في الركعتين الأوليين مع أمر القرآن بالقصار من السور مثل والضحى وإنا أنزلناه ونحوهما. وأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعيتن الأوليين منها ويقرأ في كل ركعة منهما بأم القرآن وسورة من السور القصار وفي الثالثة بأم القرآن فقط ويتشهد ويسلم ويستحب أن يتنفل بعدها بركعتين وما زاد فهو خير وإن تنفل بست ركعات فحسن والتنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه. وأما غير ذلك من شأنها فكما تقدم ذكره في غيرها وأما العشاء الأخيرة وهي العتمة واسم العشاء أخص بها وأولى فيجهر في الأوليين بأم القرآن وسورة في كل ركعة وقراءتها أطول قليلا من قراءة العصر وفي الآخيرتين بأم القرآن في كل ركعة سرا ثم يفعل في سائرها كما تقدم من الوصف ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لغير ضرورة. والقراءة التي يسر بها في الصلوات كلها هي بتحريك اللسان بالتكلم بالقرآن وأما الجهر فأن يسمع نفسه ومن يليه إنكان وحده والمرأة دون الرجل في الجهر وهي في هيئة الصلاة مثله غير أنها تنضم ولا تفرج فخذيها ولا عضديها وتكون منضمة متروية في جلوسها وسجودها وأمرها كله. ثم يصلي الشفع والوتر جهرا وكذلك يستحب في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار، وإن جهر في النهار في تنفله فذلك واسع وأقل الشفع ركعتان ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون ويتشهد ويسلم ثم يصلي الوتر ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين. وإن زاد من الإشفاع جعل آخر ذلك الوتر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل اثنتي عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدة، وأفضل الليل آخره في القيام فمن أخر تنفله ووتره إلى آخره فذلك أفضل إلا من الغالب عليه أن لا يتنبه فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل ثم إن شاء إذا استيقظ في آخره تنفل ما شاء منها مثنى مثنى ولا يعيد الوتر ومن غلبته عيناه عن حزبه فله أن يصليه ما بينه.

باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

وبين طلوع الفجر وأول الإسفار ثم يوتر ويصلي الصبح ولا يقضي الوتر من ذكره بعد أن صلى الصبح. ومن دخل المسجد على وضوء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين إن كان وقت يجوز فيه الركوع. ومن دخل المسجد ولم يركع الفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر وإن ركع الفجر في بيته ثم أتى المسجد فاختلف فيه فقيل يركع وقيل لا يركع ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر إلى طلوع الشمس. باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم ويؤم الناس أفضلهم وأفقههم ولا تؤم المرأة في فريضة ولا نافلة لا رجالا ولا نساء. ويقرأ مع الإمام فيما يسر فيه ولا يقرأ معه فيما يجهر فيه ومن أدرك ركعة فأكثر فقد أدرك الجماعة فليقض بعد سلام الإمام ما فاته على نحو ما فعل الإمام في القراءة وأما في القيام والجلوس ففعله كفعل الباني المصلي وحده، ومن صلى وحده فله أن يعيد في الجماعة للفضل في ذلك إلا المغرب وحدها. ومن أدرك ركعة فأكثر من صلاة الجماعة فلا يعيدها في جماعة ومن لم يدرك إلا التشهد أو السجود فله أن يعيد في جماعة والرجل الواحد مع الإمام يقوم عن يمينه ويقوم الرجلان فأكثر خلفه، فإن كانت امرأة معهما قامت خلفهما وإن كان معهما رجل صلى على يمين المرأة خلفهما ومن صلى بزوجته قامت خلفه والصبي إن صلى على يمين الإمام والمرأة خلفهما ومن صلى بزوجته قامت خلفه والصبي إن صلى مع رجل واحد خلف الإمام قاما خلفه إن ان الصبي يعقل لا يذهب ويدع من يقف معه والإمام الراتب إن صلى وحده قام مقام الجماعة. ويكره في كل مسجد له إمام راتب أن تجمع فيه الصلاة مرتين ومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحد وإذا سها الإمام وسجد لسهوه فليتبعه من لم يسه معه ممن خلفه ولا يرفع أحد رأسه قبل الإمام ولا يفعل إلا بعد فعله. ويفتح بعده ويقوم من اثنتين بعد قيامه ويسلم بعد سلامه وما سوى ذلك فواسع أن يفعله معه وبعده أحسن وكل سهو سهاه المأموم فالإمام يحمله عنه إلا ركعة أو سجدة أو تكبيرة الإحرام أو السلام أو اعتقاد نية الفريضة. وإذا سلم الإمام فلا يثبت بعد سلامه ولينصرف إلا أن يكون في محله فذلك واسع.

باب جامع في الصلاة

باب جامع في الصلاة وأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف السابغ الذي يتسر ظهور قدميها وهو القميص والخمار الخصيف ويجزئ الرجل في الصلاة ثوب واحد ولا يغطي أنفه أو وجهه في الصلاة أو يضم ثيابه أو يكفت شعره وكل سهو في الصلاة بزيادة فليسجد له سجدتين بعد السلام يتشهد لهما ويسلم منهما. وكل سهو بنقص فليسجد له قبل السلام إذا تم تشهده ثم يتشهد ويسلم وقيل لا يعيد التشهد ومن نقص وزاد سجد قبل السلام ومن نسي أن يسجد بعد السلام فليسجد متى ما ذكره وإن طال ذلك وإن كان قبل السلام سجد إن كان قريبا وإن بعد ابتدا صلاته إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة مع أم القرآن أو تكبيرتين أو التشهدين وشبه ذلك فلا شيء عليه. ولا يجزئ سجود السهو لنقص ركعة ولا سجدة ولا لترك القراءة في الصلاة كلها أو في ركعتين منها وكذلك في ترك القراءة في ركعة من الصبح واختلف في السهو عن القراءة ي ركعة من غيرها فقيل يجزئ فيه سجود السهو قبل السلام وقيل يلغيها ويأتي بركعة، وقيل يسجد قبل السلام ولا يأتي بركعة ويعيد الصلاة احتياطا وهذا أحسن ذلك إن شاء الله تعالى. ومن سها عن تكبيرة أو عن سمع الله لمن حمده مرة والقنوت فلا سجود عليه ومن انصرف من الصلاة ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها فليرجع إن كان بقرب ذلك فيكبر تكبيرة يحرم بها ثم يصلي ما بقي عليه وإن تباعد ذلك أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته وكذلك من نسي السلام. ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا بنى على اليقين وصلى ما شك فيه وأتى برابعة وسجد بعد سلامه ومن تكلم ساهيا سجد بعد السلام. ومن لم يدر أسلم أم لم؟ يسلم سلم ولا سجود عليه ومن استنكحه الشك في السهو فليله عنه ولا إصلاح عليه ولكن عليه أن يسجد بعد السلام والذي يكثر ذلك منه يشك كثيرا أن يكون سها زاد أو نقص ولا يوقن فليسجد بعد السلام فقط، وإذا أيقن بالسهو سجد بعد إصلاح صلاته فإن كثر ذلك منه فهو يعتريه كثيرا أصلح صلاته ولم يسجد لسهوه ومن قام من اثنتين رجع

ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه فإذا فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام. ومن ذكر صلاة صلاها متى ما ذكرها على نحو ما فاتته ثم أعاد ما كان في وقته مما صلى بعدها ومن عليه صلوات كثيرة صلاها في كل وقت من ليل أو نهار وعند طلوع الشمس وعند غروبها وكيفما تسير له وإن كانت يسيرة أقل من صلاة يوم وليلة بدأ بهن وإن فات وقت ما هو في وقته وإن كثرت بدأ بما يخاف فوات وقته ومن ذلك صلاة في صلاة فسدت هذه عليه. ومن ضحك في الصلاة أعاده ولم يعد الوضوء وإن كان مع إمام تمادى وأعاد ولا شيء عليه في التبسم، والنفخ في الصلاة كالكلام والعامد لذلك مفسد لصلاته، ومن أخطأ القبلة أعاد في الوقت وكذلك من صلى بثوب نجس أو على مكان نجس، وكذلك من توضأ بماء نجس مختلف في نجاسته. وأما من توضأ بماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه أعاد صلاته أبدا ووضوءه ورخص في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر، وكذلك في الطين وظلمة يؤذن للمغرب أول الوقت خارج المسجد ثم يؤخر قليلا في قول مالك ثم يقيم في داخل المسجد ويصليها ثم يؤذن للعشاء في داخل المسحد ويقيم ثم يصليها ثم ينصرفون وعليم إسفار قبل مغيب الشفق. والجمع بعرفة بين الظهر والعصر عند الزول السنة واجبة بأذان وإقامة لكل صلاة وكذلك فيجمع المغرب والعشاء بالزدلفة إذا وصل إليها. وإذ جد السير بالمسافر فله أن يجمع بين الصلاتين في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وكذلك المغرب والعشاء وإذا ارتحل في أول وقت الصلاة الأولى جمع حينئذ. وللمريض أن يجمع إذا خاف أن يغلب على عقله عند الزوال وعند الغروب. وإن كان الجمع أرفق به لبطن به ونحوه جمع وسط وقت الظهر وعند غيبوبة الشفق والمغمى عليه لا يقضي ما خرج قوته في إمائه ويقضي ما أفاق في وقته مما يدرك منه ركعة فأكثر من الصلوات. وكذلك الحائض تطهر فإذا بقي من النهار بعد طهرها بغير توان خمس ركعات.

صلت الظهر والعصر وإن كان بقي من الليل أربع ركعات صلت المغرب والعشاء وإن كان من النهار أو من الليل أقل من ذلك صلت الصلاة الأخيرة وإن حاضت لهذا التقدير لم تقض ما حاضت في وقته وإن حاضت لاربع ركعات من النهار فأقل إلى ركعة أو لثلاث ركعات من الليل إلى ركعة قضت الصلاة الأولى فقط، واختلف في حيضها لأربع ركعات من الليل فقيل مثل ذلك وقيل إنها حاضت في وقتهما فلا تقضيهما. ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء ومن ذكر من وضوئه شيئا مما هو فريضة منه فإن كان بالقرب أعاد ذلك وما يليه وإن تطاول ذلك أعاده فقط وإن تعمد ذلك ابتدأ الوضوء إن طال ذلك، وإن كان قد صلى في جميع ذلك أعاد صلاته أبدا ووضوءه. وإن ذلك مثل المضمضمة والاستنشاق ومسح الأذنين فإن كان قريبا فعل ذلك ولم يعد ما بعده وإن تطاول فعل ذلك لما يستقبل ولم يعد ما صلى قبل أن يفعل ذلك ومن صلى على موضع طاهر من حصير وبموضع آخر من نجاسة فلا شيء عليه والمريض إذا كان على فراش نجس فلا بأس أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا ويصلي عليه. وصلاة المريض إن لم يقدر على القيام جالسا إن قدر على التربع وإلا فبقدر طاقته وإن لم يقدر على السجود فليومئ بالركوع السجود، ويكون سجوده أخفض من ركوعه وإن لم يقدر صلى على جنبه الأيمن إيماء وإن لم يقدر إلا على ظهره فعل ذلك ولا يؤخر الصلاة إذا كان في عقله وليصلها بقدر ما يطيق. وإن لم يقدر على مس الماء لضرر به أو لأنه لا يجد من يناوله إياه فإن لم يجد من يناوله ترابا تيمم بالحائط إلى جانبه إن كان طينا أو عليه طين فإن كان عليه جص أو جير فلا يتيمم به والمسافر يأخذه الوقت في طين خضخاض لا يجد أين يصلي فلينزل عن دابته ويصلي فيه قائما يومئ بالسجود أخفض من الركوع فإن لم يقدر أن ينزل فيه صلى على دابته إلى القبلة. وللمسافر أن يتنفل على دابته في سفره حيثما توجهت به إن كان سفرا تقصر في الصلاة وليوتر على دابه إن شاء ولا يصلي الفريضة وإن كان مريضا إلا بالأرض.

باب في سجود القرآن

إلا أن يكون إن نزل صلى جالسا إيماء لمرضه فليصل على الدابة بعد أن توقف له ويستقبل بها القبلة ومن رعف مع الإمام خرج فغسل الدم ثم بنى ما لم يتكمل أو يمش على نجاسة، ولا يبني على ركعة لم تتم بسجدتيها وليلغها ولا ينصرف لدم خفيف وليفلته بأصابعه إلا أن يسيل أو يقطر. ولا يبني في قيئ ولا حدث ومن رعف بعد سلام الإمام سلم وانصرف وإن رعف قبل سلامه انصرف وغسل الدم ثم رجع فلجس وسلم وللراعف أن يبني في منزله إذا يئس أن يدرك بقية صلاة الإمام إلا في الجمعة فلا يبني إلا في الجامع. ويغسل قليل الدم من الثوب ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره وقليل كل نجاسة غيره وكثيرها سواء ودم البرغيث ليس عليه غسله إلا أن يتفاحش. باب في سجود القرآن وسجود القرآن إحدى عشرة سجدة وهي العزائم ليس في المفصل منها شيء في: المص عند قوله: ويسبحونه وله يسجدون وهو آخرها فمن كان في صلاة فإذا سجدها فقام فقرأ من الأنفال أو من غيرها ما تيسر عليه ثم ركع وسجد، وفي الرعد عند قوله: وظلالهم بالغدو والأصال، وفي النحل يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون، وفي بني إسرائيل: ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا، وفي مريم: إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا، وفي الحج ألولها {ومن يهين الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء} [الحج: 18] وفي الفرقان: أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا، وفي الهدهد: الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم، وفي ألم تنزيل: وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون، وفي ص: فاستغفروا ربه وربه راكعا وأناب، وقيل عند قوله: لزلفى وحسن مآب وفي حم تنزيل: واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون. ولا يسجد السجدة في التلاوة إلا على وضوء ويكبر لها ولا يسلم منها وفي التكبير في الرفع منها سعة وإنكبر فهو أحب إلينا. ويسجدها من قرأها في الفريضة والنافلة ويسجدها من قرأها بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس.

باب في صلاة السفر

باب في صلاة السفر ومن سافر مسافة أربعة برد وهي ثمانية وأربعون ميلا فعليه أن يقصر الصلاة فيصليها ركعتين إلا المغرب فلا يقصرها ولا يقصر حتى يجاوز بيوت المصر وتصير خلفه ليس بين يديه ولا بحذائه منها شيء ثم لا يتم حتى رجع إليها أو يقاربها بأقل من الميلن وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع أو ما يصلي فيه عشرين صلاة أتم الصلاة حتى يظعن من مكانه ذلك ومن خرج ولم يصل الظهر والعصر وقد بقي من النهار قدر ثلاث ركعات صلاهما سفريتين فإن بقي قدر ما يصلي فيه ركعتين أو ركعة صلى الظهر حضرية والعصر سفرية. ولو دخل لخمس ركعات ناسيا لهما صلاهما حضريتين فإن كان بقدر أربع ركعات فأقل إلى ركعة صلى الظهر سفرية والعصر حضرية وإن قدم في ليل وقد بقي للفجر ركعة فأكثر ولم يكن صلى المغرب والعشاء صلى المغرب ثلاثا والعشاء حضرية ولو خرج وقد بقي من الليل ركعة فأكثر صلى المغرب ثم صلى العشاء سفرية. باب في صلاة الجمعة والسعي إلى الجمعة فريضة وذلك عند جلوس الإمام على المنر وأخذ المؤذنون في الآذان والسنة المتقدمة أن يصعدوا حينئذ على المنار فيذنون. ويحرم حينئذ البيع وكل ما يشغل عن السعي إليها وهذا الأذان الثاني أحدثه بنو أمية والجمعة تجب بالمصر والجماعة والخطبة فيها واجبة قبل الصلاة ويتوكأ الإمام على قوس أو عصا ويجلس في أولها وفي وسطها وتقام الصلاة عند فراغها ويصلي الإمام ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ في الأول بالجمعة ونحوها في الثانية: بـ هل أتاك حديث الغاشية ونحوها. ويجب السعي إليها على من في المصر ومن على ثلاثة أميال منه فأقل ولا تجب على مسافر ولا على أهل منى ولا على عبد ولا امرأة ولا صبي وإن حضرها عبد أو امرأة فليصلها وتكون النساء خلف صفوف الرجال ولا تخرج إليها الشابة. وينصت للإمام في خطبته ويستقبله الناس والغسل لها واجب والتهجير حسن وليس ذلك في أول النهار وليتطيب لها ويلبس أحسن ثيابه وأحب إلينا أن ينصرف بعد

باب في صلاة الخوف

فراغها ولا يتنفل في المسجد بعدها وليتنفل إن شاء قبلها ولا يفعل ذلك الإمام وليرق المنبر كما يدخل. باب في صلاة الخوف وصلاة الخوف في السفر إذا خافوا العدو أن يتقدم الإمام بطائفة ويدع طائفة مواجهة العدو فيصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يثبت قائما ويصلون لأنفهسم ركعة ثم يسمون فيقفون مكان أصحابهم ثم يأتي أصحابهم فيحرمون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يتشهد ويسلم ثم يقضون الركعة التي فاتتهم وينصرفون هكذا يفعل الإمام في صلاة الفرائض كلها إلا المغرب فإنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة. وإن صلى بهم في الحضر لشدة خوف صلى في الظهر والعصر والعشاء بكل طائفة ركعتين ولكل صلاة أذان وإقامة وإذا اشتد الخوف عن ذلك صلوا وحدانا بقدر طاقتهم مشاة وركبانا ماشين أو ساعين مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى وصلاة العيدين سنة واجبة يخرج لها الإمام والناس ضحوة بقدر ما إذا وصل حانت الصلاة وليس فيها أذان ولا إقامة فيصلى بهم ركعتين يقرأ فيهما جهرا بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى ووالشمس وضحاها ونحوهما ويكبر في الأولى سبعا قبل القراءة يعد فيها تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات لا يعد فيها تكبيرة القيام وفي كل ركعة سجدتان ثم يتشهد ويسلم، ثم يرقى المنبر فيخطب ويجلس في أول خطبته ووسطها ثم ينصرف. ويستحب أن يرجع من طريق غير الطريق التي أتى منها والناس كذلك وإن كان في الأضحى خرج بأضحيته إلى المصلى فذبحها أو نحرها ليعلم ذلك الناس فيذبحون بعده وليذكر الله في خروجه من بيته في الفطر والأضحى جهرا حتى يأتي المصلى الإمام والناس. كذلك فإذا دخل الإمام للصلاة قطعوا ذلك ويكبرون بتكبير الإمام في خطبته وينصتون له فيما سوى ذلك فإن كانت أيام النحر فليكب الناس دبر الصلوات من

باب في صلاة الخسوف

صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع منه وهو آخر أيام منى يكبر إذا صلى الصبح ثم يقطع. والتكبير دبر الصلوات الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر وإن جمع مع التكبير تهليلا وتحميدا فحسن يقول إن شاء ذلك الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر والله الحمد. وقد روي عن مالك هذا والأول والكل واسع والأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة والأيام المعدودات: أيام منى وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر والغسل للعيدين حسن وليس بلازم ويستحب فيهما الطيب والحسن من الثياب. باب في صلاة الخسوف وصلاة الخسوف سنة واجبة خسفت الشمس خرج الإمام إلى المسجد فافتتح الصلاة بالناس بغير أذان ولا إقامة ثم قرأ قراءة طويلة سرا بنحو سورة البقرة ثم يركع ركوعا طويلا نحو ذلك ثم يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده ثم يقرأ دون قراءته الأولى ثم يركع نحو قراءته الثانية، ثم يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده ثم يسجد سجدتين تامتين ثم يقوم فيقرأ دون قراءته التي تلي ذلك، ثم يركع نحو قراءته ثم يرفع كما ذكرنا ثم يقرأ دون قراءته هذه ثم يركع نحو ذلك، ثم يرفع كما ذكرنا ثم يسجد كما ذكرنا ثم يتشهد ويسلم. ولمن شاء أن يصلي في بيته مثل ذلك أن يفعل وليس في صلاة خسوف القمر جماعة وليصل الناس عند ذلك أفذاذا والقراءة فيها جهرا كسائر ركوع النوافل وليس في إثر صلاة خسوف الشمس خطبة مرتبة ولا بأس أن يعظ الناس ويذكرهم. باب في صلاة الاستسقاء وصلاة الاستقساء سنة تقام يخرج لها الإمام كما يخرج للعيدين ضحوة فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ بـ سبح اسم ربك الأعلى ووالشمس وضحاها وفي كل ركعة سجدتان وركعة واحدة ويتشهد ويسلم ثم يستقبل الناس بوجهه فيجلس فإذا اطمأن الناس قامو متوكئا على قوس أو عصا فخطب ثم جلس ثم قام فخطب.

باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

فإذا فرغ استقبل القبلة فحول رداءه يحعل ما على منكبه الأيمن على الأيسر وما على الأيسر على الأيم ولا يقلب ذلك وليفعل الناس مثله وهو قائم وهم قعود ثم يدعو كذلك ثم ينصرف وينصرفون ولا يكبر فيها ولا في الخسوف غير تكبيرة الإحرام والخفض والرفع ولا أذان فيها ولا إقامة. باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه ويستحب استقبال القبلة بالمحتضر وإغماضه إذا قضى ويلقن لا إله إلا الله عند الموت وإن قدر على أن يكون طاهرا وما عليه طاهر فهو أحسن ويستحب أن لا يقر به حائض ولا جنب وأرخص بعض العلماء في القراءة عند رأسه بسورة يس ولم يكن ذلك عند مالك أمرا معمولا به ولا بأس بالبكاء بالدموع حينئذ وحسن التعزي والتصبر أجمل لمن استطاع وينهى عن الصراخ والنياحة. وليس في غسل الميت حد ولكن ينقى ويغسل وتراا بماء وسدر ويجعل في الأخيرة كافور وتتسر عورته ولا تقلم أظافره ولا يحلق شعره ويعصر بطنه عصرا رفيقا وإن وضئ وضوء الصلاة فحسن وليس بواجب ويقلب لجنبه في الغسل أحسن وإن أجلس فذلك واسع ولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه من غير ضرورة. والمرأة تموت في السفر لا نساء معها ولا ذو محرم من الرجال فلييمم رجل وجهها وكفيها ولو كان الميت رجلا يمم النساء وجهه ويديه إلى المرفقين إن لم يكن معهن رجل يغسله ولا امرأة من محارمه، فإن كانت امرأة من محارمه غسلته وسترت عورته وإن كان مع الميتة ذو محرم غسلها من فوق ثوب يستر جميع جسدها. ويستحب أن يكفن الميت في وتر ثلاثة أثواب أو خمسة أو سبعة، وما جعل له من أذرة وقميص وعمامة فذلك محسوب في عدد الأثواب الوتر وقد كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية أدرج فيها إدراجا صلى الله عليه وسلم ولا بأس أن يقمص الميت ويعمم وينبغي أن يحنط ويجعل الحنوط بين أكفانه وفي جسده ومواضع السجود منه ولا يغسل الشهيد في المعترك ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه ويصلى على قاتل نفسه ويصلى على من قتله الإمام في حد أو قود ولا يصلي عليه الإمام.

باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

ولا يتبع الميت بمجمر والمشي أمام الجنازة أفضل ويجعل الميت في قبره على شقه الأيمن وينصب عليه اللبن ويقول حينئذ اللهم إن صاحبنا قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره وافتقر إلى ما عندك اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ويكره النباء على القبور وتجصيصها ولا يغسل المسلم أباه الكافر ولا يدخله قبره إلا أن يخاف أن يضيع فليواره واللحد أحب إلى أهل العلم من الشق وهو أن يحفر للميت تحت الجرف في حائط قبلة القبر وذلك إذا كانت تربة صلبة لا تتهيل ولا تنقطع وكذلك فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم. باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت والتكبير على الجنازة أربع تكبيرات يرفع يديه في أولاهن وإن رفع في كل تكبيرة فلا بأس وإن شاء دعا بعد الأربع ثم يسلم وإن شاء سلم بعد الرابعة مكانه ويقف الإمام في الرجل عند وسطه وفي المرأة عند منكبيها والسلام من الصلاة على الجنائز تسليمة واحدة خفية للإمام والمأموم. وفي الصلاة على الميت قيراط من الأجر وقيراط في حضور دفنه وذلك في التمثيل مثل جبل أحد ثوابا ويقال في الدعاء على الميت غير شيء محدود وذلك كله واسع من مستحسن ما قيل في ذلك أن يكبر ثم يقول: الحمد لله الذي أمات وأحيا والحمد لله الذي يحيي الموتى له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والثناء وهو على كل شيء قدير. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه وأنت أعلم بسره وعلانيته جئناك شفعاء له فشفعنا فيه. اللهم إنانستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة اللهم قه من فتنة القبر، ومن عذاب جهنم اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج برد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه.

باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم إنه قد نزل بك وأنت خير منزول به فقير إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبلته في قبره بما لا طاقة له به اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. تقول هذا بإثر كل تكبيرة وتقول بعد الرابعة اللهم اغفر لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم متقلبنا ومثوانا ولوادلينا ولمن سبقنا بالإيمان وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام وأسعدنا بلقائك وطيبنا للموت وطيبه له واجعل فيه راحتنا ومسرتنا ثم تسلم وإن كانت امرأة قلت: اللهم إنها أمتك ثم تتمادى بذكرها على الرقيق التأنيث غير أنك لا تقول وأبدلها زوجا خيرا من زوجها لأنها قد تكون زوجا في الجنة لزوجها في الدنيا ونساء الجنة مقصورات على أزواجهن لا يبغين بهم بدلا والرجل قد يكون له زوجات كثيرة في الجنة ولا يكون للمرأة أزواج. ولا بأس أن تجمع الجنائز في صلاة واحدة ويلي الإمام الرجال إن كان فيهم نساء وإن كانوا رجالا جعل أفضلهم مما يلي الإمام وجعل من دونه النساء والصبيان من وراء ذلك إلى القبلة. ولا بأس أن يجعلوا صفا واحدا ويقرب إلى الإمام أفضلهم وأما دفن الجماعة في قبر واحد فيجعل أفضلهم مما يلي القبلة ومن فدن ولم يصل عليه وووري فإنه يصلى على قبره ولا يصلى على من قد صلي عليه ويصلى على أكثر الجسد واختلف في الصلاة على مثل اليد والرجل. باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله تثني على الله تبارك وتعالى ونصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم تقول اللهم إنه بعدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه اللهم فاجعله لوالديه سلفا وذخرا وفرطا وأجرا وثل به مكوزاينهم وأعظم به أجورهم ولا تحرمنا وإياهم أجره ولا تفتنا وإياهم بعده اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وعافه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم.

باب في الصيام

تقول ذلك في كل تكبيرة وتقل بعد الرابعة اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ولمن سبقنا بالإيمان اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ثم تسلم ولا يصلى على من لم يستهل صارخا ولا يرث ولا يورث. ويكره أن يدفن السقط في الدور ولا بأس أن يغسل النساء الصبي الصغير وابن ست سنين ولا يغسل الرجال الصبية واختلف فيها إن كانت لم تبلغ أن تشتهي والأول أحب إلينا. باب في الصيام وصوم شهر رمضان فريضة يصام لرؤية الهلال ويفطر لرؤيته كان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما فإن غم الهلال فيعد ثلاثين يوما من غرة الشهر الذي قبله ثم يصام وكذلك في الفطر، ويبيت الصيام في أوله وليس عليه البيات في بقيته ويتم الصيام إلى الليل ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور. وإن شك في الفجر فلا يأكل ولا يصام يوم الشك ليحتاط به من رمضان ومن صامه كذلك لم يجزأه وإن وافقه من رمضان ولم نشاء صومه تطوعا أن يفعل، ومن أصبح فلم يأكل ولم يشرب ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان لم يجزأه وليمسك عن الأكل في بقيته ويقضيه وإذا قدم المسافر مفطرا أو طهرت الحائض نهارا فلهما الأكل في بقية يومهما. ومن أفطر في تطوعه عامدا أو سافر فاأفطر لسفره فعليه القضاء وإن أفطر ساهيا فلا قضاء عليه بخلاف الفريضة ولا بأس بالسواك للصائم في جميع نهاره ولا تكره له الحجامة إلا خشية التغرير ومن ذرعه القيء في رمضان فلا قضاء عليه وإن استقاء فقاء فعليه القضاء. وإذا خافت الحامل على ما في بطنها أفطرت ولم تطعم وقد قيل تطعم وللمرضع إن خافت على ولدها ولم تجد من تستأجر له أو لم يقبل غيرها أن تفطر وتطعم ويستحب للشيخ الكبير إذا أفطر أن يطعم والإطعام في هذا كله مد عن كل يوم يقضيه وكذلك يطعم من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر ولا صيام على

الصبيان حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية. وبالبوغ لزمتهم أعمال الأبدان فريضة قال الله سبحانه وتتعالى: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فيستأذنوا ومن أصبح جنبا ولم يتطهر أو امرأة حائض طهرت قبل الفجر فلم يغتسلا إلا بعد الفحر أجزأهما صوم ذلك اليوم ولا يجوز صيام يوم الفطر ولا يوم النحر ولا يصوم اليومان اللذان بعد يومن النحر إلا المتمتع الذي لا يجد هديا واليوم الرابع لا يصومه متطوع ويصومه من نذره أو من كان في صيام متتابع قبل ذلك ومن أفطر في نهار رمضان ناسيا فعلهي القضاء فقط. وكذلك من أفطر فيه لضرورة من مرض ومن سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فله أن يفطر وإن لم تنله ضرورة وعليه القضاء والصوم أحب إلينا. ومن سافر أقل من أربعة برد فظن أن الفطر مباح له فأفطر فلا كفارة عليه وعليه القضاء وكل من أفطر متأولا فلا كفارة عليه وإنما الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أو جماع مع القضاء والكفارة في ذلك إطعام ستين مسكينا لكل مسيكن مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك أحب إلينا وله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين. وليس على من أفطر في قضاء رضمان متعمدا كفارة ومن أغمى عليه ليلا فأفاق بعد طلوع الفجر فعلهي قضاء الصوم ولا يقضي من الصلوات إلا ما أفاق في وقتها وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه ويعظم من شهر رمضان ما عظم الله سبحانه وتعالى ولا يقرب الصائم النساء بوطء ولا مباشرة ولا قبلة للذة في نهار رمضان ولا يحرم ذلك عليه في ليله ولا بأس أن يصبح جنبا من الوطء، ومن التذ في نهار رمضان بماشرة أو قبلة فأمذى لذلك عليه القضاء وإن تعمد ذلك حتى أمنى فعليه الكفارة. ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وإن قمت فيه بما تيسر فذلك مرجو فضله وتكفير الذنوب به والقيام فيه في مساجد الجماعات بإمام ومن شاء قام في بيته وهوأحسن لم قويت نيته وحده وكان السلف الصالح يقومون فيه في المساجد بعشرين ركعة ثم يوترون بثلاث ويفصلون بين الشفع والوتر بسلام ثم صلوا بعد ذلك ستا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر وكل ذلك واسع ويسلم من كل ركعتين وقالت عائشة رضي الله عنه ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على اثنتي عشرة ركعة بعدها الوتر.

باب في الاعتكاف

باب في الاعتكاف والاعتكاف من نوافل الخير والعكوف الملازمة ولا اعتكاف إلا بصيام ولا يكون إلا متتابعا ولا يكون إلا في المساجد كما قال الله سبحانه وتعالى: وأنت عاكفون في المساجد فإن كان بلد فيه الجمعة فلا يكون إلا في الجامع إلا أن ينذر أيام لا تأخذه فيها الجمعة. وأقل ما هو أحب إلينا من الاعتكاف عشرة أيام ومن نذر اعتكاف يوم فأكثر لزمه إن نذر ليلة لزمه يوم وليلة ومن أفطر فيه متعمدا فليبتدئ اعتكافه وكذلك من جامع فيه ليلا أو نهارا ناسيا أو متعمدا. وإن مرض خرج إلى بيته فإذا صح بنى على ما تقدم وكذلك إن حاضت المعتكفة وحرمة الاعتكاف عليهما في المرض وعلى الحائض في الحيض فإذا طهرت الحائض أو أفاق المريض في ليل أونهار رجعا ساعتئذ إلى المسجد ولا يخرج المعتكف من معتكفه إلا لحاجة الإنسان. وليدخل معتكفه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يبتدئ فيها اعتكافه ولا يعود مريضا ولا يصلي على جنازة ولا يخرج لتجارة ولا شرط في الاعتكاف. ولا بأس أن يكون إمام المسجد وله أن يتزوج ويعقد نكاح غيره ومن اعتكف أول الشهر أو وسطه خرج من اعتكافه بعد غروب الشمس من آخره وإن اعتكف بما يتصل فيه اعتكافه بيوم الفطر فلبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى. باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين وزكاة العين والحرث والماشية فريضة فأما زكاة الحرث فيوم حصاده والعين والماشية ففي كل حول مرة ولا زكاة من الحب والتمر في أقل من خمسة أوسق وذلك ستة أقفزة وربع قفيز والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعة أمداد بمده عليه الصلاة والسلام ويجمع القمح والشعير والسلت في الزكاة فإذا اجتمع من جميعها خمسة أوسق فليزك ذلك.

وكذلك تجمع أصناف القطنية وكذلك تجمع أصناف التمر وكذلك أصناف الزبيب والارز والدخن والذرة كل واحد منها صنف لا يضم إلى الآخر في الزكاة وإذا كان في الحائط أصناف من التمر أدى الزكاة عن الجميع من وسطه ويزكى الزيتون إذا بلغ حبه خمسة أوسق أخرج من زيته ويخرج من الجلجلان وحب الفجل من زيته. فإن باع ذلك أجزأه أن يخرج من ثمنه إن شاء الله ولا زكاة في الفواكه والخضر ولا زكاة من الذهب في أقل من عشرين دينارا فإذا بلغت عشرين دينارا ففيها نصف دينار ربع العشر فما زاد فبحساب ذلك وإن قل ولا زكاة من الفضة في أقل من مائتي درهم وذلك خمس أواق. والأوقية أربعون درهما من وزن سبعة أعني أن السبعة دنانير وزنها عشرة دراهم فإذا بلغت هذه الدراهم مائتي درهم ففيها ربع عشرها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك ويجمع الذهب والفضة في الزكاة فمن كان له مائة درهم وعشرة دنانير فليخرج من كل مال ربع عشره. ولا زكاة في العروض حتى تكون للتجارة فإذا بعتها بعد حول فأكثر من يوم أخذت ثمنها أو زكيته ففي ثمنها الزكاة لحول واحد، أقامت قبل البيع حولا أو أكثر إلا أن تكون مديرا لا يستقر بيدك عين ولا عرض فإنك تقوم عروضك كل عام وتزكي ذلك مع ما بيدك من العين. وحول ربح المال حول أصله وكذلك حول نسل الأنعام حول الأمهات ومن له مال تجب فيه الزكاة وعليه دين مثله أو ينقصه عن مقدار مال الزكاة فلا زكاة عليه إلا أن يكون عنده مما لا يزكي من عروض مقتناة أو رقيق أو حيوانات مقتناة أو عقار أو ربع ما فيه وفاء لدينه فليزك ما بيده من المال، فإن لم تف عروضه بدينه حسب بقية دينه فيما بيده فإن بقي بعد ما فيه الزكاة زكاه ولا يسقط الدين زكاة حب ولا تمر ولا ماشية ولا زكاة عليه في دين حتى يقبضه وإن أقام أعواما فإنما يزكيه لعام واحد بعد قبضه. وكذلك العرض حتى يبيعه وإن كان الدين أو العرض من ميراث فليستقبل حولا بما يقبض منه وعلى الأصاغر الزكاة في أموالهم في العين والحرث والماشية وزكاة الفطر ولا زكاة على عبد ولا على من فيه بقية رق في ذلك كله فإذا أعتق فليأتنف حولا من

باب في زكاة الماشية

يومئذ بما يملك من ماله. ولا زكاة على أحد في عبده وخادمه وفرسه وداره ولا فيما يتخذ للقنية من الرباع والعروضن ولا فيما يتخذ للباس من الحلي ومن ورث عرضا أو وهب له أو رفع من أرضه زرعا فزكاه فلا زكاة عليه في شيء من ذلك حتى يباع ويستقبل به حولا من يوم يقبض ثمنه. وفيما يخرج من المعدن من ذهب أو فضة الزكاة إذا بلغ وزن عشرين دينارا أو خمس أواق فضة ففي ذلك ربع العشر يوم خروجه، وكذلك فيما يخرج بعد ذلك متصلا به وإن قل فإن انقطع نيله بيلده وابتدأ غيره لم يخرج شيئا حتى يبلغ ما فيه الزكاة. وتؤخذ الجزية من رجال أهل الذمة الأحرار البالغين ولا تؤخذ من نسائهم وصبيانهم وعبيدهم وتؤخذ من المجوس ومن نصارى العرب، والجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعون درهما ويخفف عن الفقير ويؤخذ ممن تجر منهم من أفق إلى أفق عشر ثمن ما يبيعونه وإن اختلفوا في السنة مرارا. وإن حملوا الطعام خاصة إلى مكة والمدينة خاصة أخذ منهم نصف العشر من ثمنه ويؤخذ من تجار الجربيين العشر إلا أن ينزلوا على أكثر من ذلك وفي الركاز وهو دفن الجاهلية الخمس على من أصابه. باب في زكاة الماشية وزكاة الإبل والبقر والغنم فريضة ولا زكاة من الإبل في أقل من خمس ذود وهي خمس من الإبل ففيها شاة جذعة أو ثنية من جل غنم أهل ذلك البلد من ضأن أو معز إلىتسع ثم في العشر شاتان إلى أربعة عشر ثم في خمسة عشر ثلاث شياه إلى تسعة عشر فإذا كانت عشرين فأرع شياه إلى أربع وعشرين، ثم في خمش وعشرين بنت مخاض وهي بنت سنتين فإن لم تكن فيها فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين ثم في ست وثلاثين ينت لبون وهي بنت ثلاث سنين إلى خمس وأربعين ثم في ست واربعين حقة وهي التي يلح على ظهرها الحمل ويطرقها الفحلن وهي بنت أربع سنين إلى ستين ثم في إحدى وستين جذعة وهي بنت خمس وسبعين ثم في ست وسبعين بنتا لبون إلى تسعين ثم في إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة.

باب في زكاة الفطر

فما زاد على ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ولا زكاة من البقر في أقل من ثلاثين فإذا بلغتها ففيها تبيع عجل جذع قد أوفى سنتين ثم كذلك حتى تبلغ أربعين فيكون فيها مسنة ولا تؤخذ إلى أنثى وهي بنت أربع سنين وهي ثنية فما زاد ففي كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين تبيع. ولا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغتها ففيها شاة جذعة أو ثنية إلى عشرين ومائة فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان إلى مائتي شاة فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فما زاد ففي كل مائة شاة ولا زكاة في الأوقاص وهي ما بين الفريضتين من كل الأنعام ويجمع الضأن والمعز في الزكاة والجواميس والبقر والبخت والعراب. وكل خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية ولا زكاة على من لم تبلغ حصته عدد الزكاة ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة وذلك إذا قرب الحول فإذا كان ينقص أداؤهما بافتراقهما أو باجتماعهما أخذا بما كانا عليه قبل ذلك. ولا تؤخذ في الصدقة السخلة وتعد على رب الغنم ولا تؤخذ العجاجيل في البقر ولا الفصلان في الإبل وتعد عليهم ولا يؤخذ تيس ولا هرمة ولا الماخض ولا فحل الغنم ولا شاة العلف ولا التي تربي والدها. ولا خيار أموال الناس ولا يؤخذ في ذلك عرض ولا ثمن فإن أجبره المصدق على أخذ الثمن في الأنعام وغيرها أجزأه إن شاء الله ولا يسقط الدين زكاة حب ولا تمر ولا ماشية. باب في زكاة الفطر وزكاة الفطر سنة واجبة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل كبير أو صغير ذلك أو أنثى حر أو عبد من المسلمين صاعا عن كل نفس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وتؤدي من جل عيش أهل ذلك البلد من بر أو شعير أو سلت أو تمر أو أقط أو زبيب أو دخن أو ذرة أو أرز. وقيل إن العلس قوت قوم أخرجت منه وهو حب صغير يقرب من خلقة البر. ويخرج عن العبد سيده والصغير لا مال له يخرج عنه والده ويخرج الرجل زكاة الفطر عن كل مسلم تلزمه نفقته وعن مكاتبه وإن كان لا ينفق عليه لأنه عبد له بعد

باب في الحج والعمرة

ويستحب إخراجها إذا طلع الفجر من يوم الفطر ويستحب الفطر فيه قبل الغدو إلى المصلى وليس ذلك في الأضحى. ويستحب في العيدين أن يمضي من طريق ويرجع من أخرى. باب في الحج والعمرة وحج بيت الله الحرام الذي بمكة فريضة على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا من المسلمين الأحرار البالغين مرة في عمره والسبيل الطريق السابلة والزاد المبلغ إلى مكة والقوة على الوصول إلى مكة إما راجلا أو راكبا مع صحة البدن وإنما يؤمر أن يحرم من الميقات. وميقات أهل الشام ومصر والمغرب الجحفة فإن مروا بالمدينة فالأفضل لهم أن يحرموا من ميقات أهلها من ذي الحليفة وميقات أهل العراق ذات عرق وأهل اليمن يلملم، وأهل نجد م نقرن ومن مر من هؤلاء بالمدينة فواجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة إذ لا يتعداه إلى ميقات له. ويحرم الحاج أو المعتمر بإثر لصلاة فريضة أو نافلة يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وينوي ما أراد من حج أو عمرة ويؤمر أن يغتسل عند الإحرام قبل أن يحرم ويتجرد من مخيط الثياب ويستحب له أن يغتسل لدخول مكة ولا يزال يلبي دبر الصلوات وعند كل شرف وعند ملاقاة الرفاق وليس عليه كثرة الإلحاح بذلك. فإذا دخل مكة أمسك عن التلبية حتى يطوف ويسعى ثم يعاودها حتى نزول الشمس من يوم عرفة وبروح إلى مصلاها ويستحب أن يدخل مكة من كداء الثنية التي بأعلى مكة وإذا خرج خرج من كدي وإن لم يفعل في الوجهين فلا حرج. قال فإذا دخل مكة فليدخل المسجد الحرام ومستحسن أن يدخل من باب بني شيبة فيستلم الحجر الأسود بفيه إن قدر وإلا وضع يده عليه ثم وضعها على فيه من غير تقبيل ثم يطوف والبيت على يساره سبعة أطواف ثلاثة خببا ثم أربعة مشيا ويستلم الركن كلما مر به كما ذكرنا ويكبر. ولا يستلم الركن اليماني بفيه ولكن بيده ثم يضعها على فيه من غير تقبيل فإذا تم

طوافه ركع عند المقام ركعتين ثم استلم الحجر إن قدر ثم يخرج إلى الصفا فيقف عليه للدعاء ثم يسعى إلى المروة ويخب في بطن المسيل فإذا أتى المروة وقف عليها للدعاء ثم يسعى إلى الصفا يفعل ذلك سبع مرات فيقف بذلك أربع وقفات على الصفا وأربعا على المروة. ثم يخرج يوم التريوة إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم يمضي إلى عرفات ولا يدع التلبية في هذه كله حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها وليتطهر قبل رواحه فيجمع بين الظهر والعصر مع الإمام ثم يروح معه إلى موقف عرفة فيقف معه إلى غروب الشمس ثم يدفع بدفعه إلى المزدلفة فيصلي معه بالزدلفة المغرب والعشاء والصبح ثم يقف معه بالمشعر الحرام يومئذ بها. ثم يدفع بقرب طلوع الشمس إلى منى ويحرك دابته ببطن محسر فإذا وصل إلى منى رمى جرمة العقبة بسبع حصيات مثل حصى الخذف ويكبر مع كل حصاة ثم ينحر إن كان معه هدي ثم يحلق ثم يأتي البيت فيفضي يطوف سبعا ويركع ثم يقيم بمنى ثلاثة أيام فإذا زالت الشمس من كل يوم منها رمى الجمرة التي تلي منى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يرمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة ويقف للدعاء بإثر الرمي في الجمرة الأولى والثانية. ولا يقف عند جمرة العقبة ولينصرف فإذا رمى في اليوم الثالث وهو رابع يوم النحر انصرف إلى مكة وقد تم حجه وإن شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف فإذا خرج من مكة طاف للوداع وركع وانصرف والعمرة يفعل فيها كما ذكرنا أولا إلى تمام السعي بين الصفا والمرة ثم يحلق رأسه وقد تمت عمرته. والحلاق أفضل ف الحج والعمرة والتقصير يجزئ وليقصر من جميع شعره وسنة المرأة التقصير ولا بأس أن يقتل المحرم الفأرة أو الحية أو العقرب وشبهها والكلب العقور وما يعدو من الذئاب والسباع ونحوها ويقتل من الطير ما يتقى أذاه من الغربان والأحدية فقط. ويحتنب في حجه وعمرته النساء والطيب ومخيط الثياب والصيد وقتل الدواب وإلقاء النفث، ولا يغطى رأسه في الإحرام ولا يحلقه إلا من ضرورة ثم يفتدي بصيام.

باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو نيسك بشاة يذبحها حيث شاء من البلاد. ولبس المرأة الخفين والثياب في إحرامها وتجتنب ما سوى ذلك مما يتجتنبه الرجل وإحرام المرأة في وجهها وكفيها وإحرام الرجل في وجهه ورأسه ولا يلبس الرجل الخفين في الإحرام إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين. والإفراد بالحج أفضل عندنا من التمتع ومن القران فمن قرن أو تمتع من غير أهل مكة فعليه هدي يذبحه أو ينحره بمنى إن أو قفه بعرفة فلينحره بمكة بالمروة بعد أن يدخل به من الحل فإن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج يعني من وقت يحرم إلى يوم عرفة فإن فاته ذلك صام أيامم منى وسبعة إذا رجع وصفة التمتع أن يحرم بعمرة ثم يحل منها في أشهر الحج ثم يحج من عامه قبل الرجوع إلى أفقه أو إلى مثل أفقه في البعد. ولهذا أن يحرم من مكة إن كان بها ولا يحرم منها من أراد أن يعتمر حتى يخرج إلى الحل وصفة القران أيحرم بحجة وعمرها معا ويبدأ بالعمرة في نيته وإذا أردف الحج على العمرة قبل أن يطوف ويركع فهو قارن وليس على أهل مكة هدي في تمتع ولا قران. ومن حل من عمرته قبل أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بتمتع ومن أصاب صيدا فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من فقهاء المسلمين ومحله منى وإن وقف به بعرفة وإلا فمكة ويدخل به من الحل وله أن يختار ذلك وكفارة إطعام مساكين أن ينظر إلى قيمة الصيد طعاما فيتصدق به أو عدل ذلك صياما أن يصوم عن كل مد يوما ولكسر المد يوما كاملا. والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر ويستحب لمن انصرف من مكة من حج أو عمرة أن يقول آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة والأضحية سنة واجبة على من استطاعها وأقل ما يجزئ فيها من الأسنان الجذع من الضآن وهو ابن سنة وقيل ابن ثمانية أشهر وقيل ابن عشرة أشهر والثني من المعز

وهو ما أوفى سنة ودخل في الثانية ولا يجزئ في الضحايا من المعز والبقر والإبل إلا الثني والثني من البقر ما دخل في السنة الرابعة والثني من الإبل ابن ست سنين وفحول الضأن في الضحايا أفضل من خصيانها وخصاينها أفضل من إناثها وإناثها أفضل من ذكور المعز ومن إناثها وفحول المعز أفضل من إناثها وإناث المعز أفضل من الإبل والبقر في الضحايا. وأما في الهدايا فالإبل أفضل من البقر ثم الضأن ثم المعز ولا يجوز في شيء من ذلك عوراء ولا مريضة ولا العرجاء البين طلعها ولا العجفاء التي لا شحم فيه ويتقى فيها العيب كله ولا المشقوقة الأذن إلا أن يكون يسيرا وكذلك القطع ومكسورة القرن إن كان يدمي فلا يجوز وإن لم يدم ذلك جائز وليل الرجل ذبح اضحيته بيده بعد ذبح الإمام أو نحره يوم النحر ضحوة. ومن ذبح قبل أن يذبح الإمام أو ينحر أعاد أضحيته ومن لا إمام لهم فليتحروا صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه ومن ضحى بليل أو أهدى لم يجزئه. وأيام النحر ثلاثة يذبح فيها أو ينحر إلى غروب الشمس من آخرها وأفضل أيام النحر أولها ومن فاته الذبح في اليوم الأول إلى الزوال فقد قال بعض أهل العلم: يستحب له أن يصبر إلى ضحى اليوم الثاني. ولا يباع شيء من الأضحية جلد ولا غيره وتوجه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة وليقل الذابح: باسم الله والله أكبر وإن زاد في الأضحية ربنا تقبل منا فلا بأس بذلك ومن نسي التسمية في ذبح أضحية أو غيرها فإنها تؤكل وإن تعمد ترك التسمية لم تؤكل وكذلك عند إرسال الجوارح على الصيد. ولا يباع من الأضحية والعقيقة والنسك لحم ولا جلد ولا ودك ولا عصب ولا غير ذلك ويأكل الرجل من أضحيته ويتصدق منها أفضل له وليس بواجب عليه ولا يأكل من فدية الأذى وجزاء الصيد ونذر المساكين وما عطب من هدي التطوع قبل محله ويأكل مما سوى ذلك إن شاء. والذكاة قطع الحلقوم والأوداج ولا يجزئ أقل من ذلك وإن رفع يده بعد قطع بعض ذلك ثم أعاد يده فأجهز فلا تؤكل وإن تمادى حتى قطع الرأس فقد أساء ولتؤكل

ومن ذبح من القفا لم تؤكل، والبقر تذبح فإن نحرت أكلت والإبل تنحر فإن ذبحت لم تؤكل وقد اختلف في أكلها والغنم تذبح فإن نحرت لم تؤكل وقد اختلف أيضا في ذلك وذكاة ما في البطن ذكاة أمه إذا تم خلقه ونبت شعره. والمنخنقة بحبل ونحوه والموقوة بعصا وشبهها والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إن بلغ ذلك منها في هذه الوجوه مبلغا لا تعيش معه لم تؤكل بذكاة، ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها طرحها ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ ولا يصلى عليه ولا يباع ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في حال الحياة. وأحب إلينا أن يغسل ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها وكره الانتفاع بأنياب الفيل وقد اختلف في ذلك وما ماتت فيه فأرة من سمن أو زيت أو عسل ذائب طرح ولم يؤكل ولا بأس أن يستصبح بالزيت وشبهه في غير المساجد ولتحفظ منه وإن كان جامدا طرحت وما حولها وأكل ما بقي. قال سحنون: إلا أن يطول مقامها فيه فإنه يطرح كله ولا بأس بطعام أهل الكتاب وذبائحهم وكره أكل شحوم اليهود منهم من غير تحريم ولا يؤكل ما ذكاه المجوسي وما كان مما ليس فيه ذكاة من طعامهم فليس بحرام والصيد للهو مكروه والصيد لغير اللهو مباح وكل ما قتله كلبك المعلم أو بازك المعلم فجائز أكله إذا ارسلته عليه وكذلك ما أنفذت الجوارح مقاتله قبل قدرتك على ذكاته وما أدركته قبل إنفاذها لمقاتله لم يؤكل إلا بذكاة، وكل ما صدته بسهمك أو رمحك فكله فإن أدركت ذكاته فذكه وإن فات بنفسه فكله إذا قتله سهمك ما لم يبت عنك وقيل إنما ذلك فيما بات عنك مما قتلته الجوارح وأما السهم يوجد في مقاتله فلا بأس بأكله. ولا تؤكل إلا نسية بما يؤكل به الصيد والعقيقة سنة مستحبة. ويعق عن المولود يوم سابعه بشاة مثل ما ذكرنا من سن الأضحية وصفتها ولا يحسب في السبعة الأيام اليوم الذي ولد فيه وتذبح ضحوة ولا يمس الصبي بشيء من دمها ويؤكل منها ويتصدق وتكسر عظامها وإن حلق شعر رأس المولود وتصدق بوزنه من ذهب أو فضة فذلك مستحب حسن.

باب في الجهاد

وإن خلق رأسه بخلوق بدلا من الدم الذي كانت تفعله الجاهلية فلا بأس بذلك والختان سنة في الذكور واجبة والخفاض في النساء مكرمة. باب في الجهاد والجهاد فريضة يحمله بعض الناس عن بعض وأحب إلينا أن لا يقاتل العدو حتى يدعو إلى دين الله إلا أن يعاجلونا فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية وإلا قوتلوا وإنما تقبل منهم الجزية إذاكانوا حيث تنالهم أحكامنا فأما إن بعدوا منا فلا تقبل منهم الجزية إلا أن يرتحلوا إلى بلادنا وإلا قوتلوا والفرار من العدو من الكبائر إذا كانوا مثلي عدد المسلمين فأقل فإن كانوا أكثر من ذلك فلا بأس بذلك. ويقاتل العدو مع كل بر وفاجر من الولاة ولا بأس بقتل من أسر من الأعلاج ولا يقتل أحد بعد أمان ولا يخفر لهم بعهد ولا يقتل النساء والصبيان ويجتنب قتل الرهبان والأحبار إلا أن يقاتلوا، وكذلك المرأة تقتل إذا قاتلت ويجوز أمان أدنى المسلمين على بقيتهم وكذلك المرأة والصبي إذا عقل بالأمان وقيل إن أجاز ذلك الإمام جاز وما غنم المسلمون بإيجاف فليأخذ الإمام خمسة ويقسم الأربعة الأخماس بين أهل الجيش وقسم ذلك ببلد الحرب أولى. وإنما يخمس ويقسم ما أوجف عليه بالخيل والركاب وما غنم بقتال ولا بأس أن يؤكل من الغنيمة قبل أن يقسم الطعام والعلف لمن احتاج إلى ذلك، وإنما يسهم لمن حضر القتال أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم ويسهم للمريض وللفرس الرهيص ويسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه ولا يسهم لعبد ولا لامرأة ولا لصبي إلا أن يطيق الصبي الذي لم يحتلم القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له ولا يسهم للأجير إلا أن يقاتل. ومن أسلم من العدو على شيء في يده من أموال المسلمين فهو له حلال ومن اشترى شيئا منها من العدو لم يأخذه ربه إلا بالثمن وما وقع في المقاسم منها فربه أحق به بالثمن وما لم يقع في المقاسم فربه أحق به بلا ثمن. ولا نفل إلا من الخمس على الاجتهاد من الإمام ولا يكون ذلك قبل القسم والسلب من النفل والرباط فيه فضل كبير وذلك بقدر كثيرة خوف أهل ذلك الثغير

باب في الأيمان والنذور

وكثرة تحرزهم من عدوهم ولا يغزى بغير إذن الأبوين إلا أن يفجأ العدو مدينة قوم يغيرون عليهم ففرض عليهم دفعهم ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا. باب في الأيمان والنذور ومن كان حالفا فليحف بالله أو ليصمت ويؤدب من حلف بطلاق أو عتاق ويلزم ولا ثنيا ولا كفارة إلا في اليمين بالله عز وجل أو بشيء من أسمائه وصفاته. ومن استثنى فلا كفارة عليه إذا قصد الاستثناء وقال إن شاء الله ووصلها بيمينه قبل أن يصمت وإلا لم ينفعه ذلك والأيمان بالله أربعة فيمينان تكفران وهو أن يحلف بالله إن فعلت أو يحلف ليفعلن ويمينان لا تكفران إحداهما لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء يظنه كذلك في يقينه ثم يتبين له خلافه فلا كفار عليه ولا إثم والأخرى الحالف متعمدا للكذب أو شاكا فهو آثم ولا تكفر ذلك الكفارة وليت من ذلك إلى الله سبحانه وتعالى. والكفارة إطعام عشرة مساكين من المسلمين الأحرار مدا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وأحب إلينا أن زاد على المد مثل ثلث مد أو نصف مد وذلك بقدر ما يكون من وسط عيشهم في غلاء أو رخص ومن أخرج مدا على كل حال أجزأه وإن كساهم كساهم للرجل قميص وللمرأة قميص وخمار أو عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد ذلك ولا إطعاما فليصم ثلاثة اسام يتابعهن فإن فرقهن أجزأه. وله أن يكفر قبل الحنث أو بعد وبعد الحنث أحب إلينا. ومن نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ولا شيء عليه، ومن نذر صدقة مال غيره أو عتق عبد غيره لم يلزمه شيء ومن قال إن فعلت كذا فعلي نذر كذا وكذا الشيء يذكره من فعل البر من صلاة أو صوم، أو حج، أو عمرة أو صدقة شيء سماه فذلك يلزمه إن حنث كما يلزمه لو نذره مجردا من غير يمين وإن لم يسم لنذره مخرجا من الأعمال فعليه كفارة يمين. ومن نذر معصية من قتل نفس أو شرب خمر أو شبهه أو ما ليس بطاعة ولا معصية فلا شيء عليه وليستغفر الله وإن حلف بالله ليفعلن معصية فليكفر عن يمينه ولا يفعل ذلك وإن تجرأ وفعله أثم ولا كفارة عليه ليمينه.

باب في النكاح والطلاق الرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

ومن قال علي عهد الله وميثاقه فحنيث فعليه كفارتان وليس على من وكد اليمين فكررها في شيء واحد غير كفارة واحدة، ومن قال أشركت بالله أو هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا يلزمه غير الاستغفار. ومن حرم على نفسه شيئا مما أحل الله له فلا شيء عليه إلا في زوجته فإنها تحرم عليه إلا بعد زوج ومن جعل ماله صدقة أو هديا أجزأه ثلثه. ومن حلف بنحر ولده فإن ذكر مقام إبراهيم أهدى هديا يذبح بمكة وتجزئه شاة وإن لم يذكر المقام فلا شيء عليه ومن حلف بالمشي إلى مكة فحنث فعليه المشي من موضع حلفه فليمش إن شاء في حج أو عمرة فإن عجز عن المشي ركب ثم يرجع ثانية إن قدر فيمشي أماكن ركوبه فإن علم أنه لا يقدر قعد وأهدى وقال عطاء لا مرجع ثانية وإن قدر ويجزئه الهدي. وإذا كان ضرورة جعل ذلك في عمرة فإذا طاف وسعي قصرا وأحرم من مكة بفريضة وكان متمتعا والحلاق في غير هذا أفضل وإنما يستحب له التقصير في هذا استبقاء للشعث في الحج ومن نذر مشيا إلى المدينة إو إلى بيت المقدس أتاهما راكبا إن نوى الصلاة بمسجديهما وإلا فلا شيء عليه وأما غير هذه الثلاثة مساجد فلا يأتيها ماشيا ولا راكبا لصلاة نذرها وليصل بموضعه. ومن نذر باطلا بموضع من الثغور فذلك عليه أن يأتيه. باب في النكاح والطلاق الرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع ولا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل فإن لم يشهدا في العقد فلا يبني بها حتى يشهدا وأقل الصداق ربع دينار وللأب إنكاح ابنته البكر بغير إذنها وإن بلغت وإن شاء شاورها وأما غير الأب في البكر وصي أو غيره فلا يزوجها حتى تبلغ وتأذن وإذنها صماتها ولا يزوج الثيب أب ولا غيره إلا برضاها وتأذن بالقول ولا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها كالرجل من عشيرتها أو السلطان وقد اختلف الدنية أن تولي أجنبيا. والابن أولى من الأب والأب أولى من الأخ ومن أقرب من العصبة أحق وإن زوجها البعيد مضى ذلك. وللوصي أن يزوج الطفل في ولايته ولا يزوج الصغيرة إلا أن يأمره الأب

بإنكاحها وليس ذوو الأرحام من الأولياء والأولياء من العصبة ولا يخطب أحد على خطبة أخيه ولا يسوم وذلك إذا ركنا وتقاربا ولا يجوز نكاح الشغر وهو البضع بالبضع، ولا نكاح بغير صداق ولانكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل. ولا النكاح في العدة ولا ما جر إلى غرر في عقد أو صداق ولا بما لا يجوز بيعه وما فسد من النكاح لصجاقه فسخ قبل البناء فإن دخل بها مضى وكان فيه صداق المثل وما فسد من النكاح لعقده وفسخ بعد البناء ففيه المسمى وتقع به الحرمة كما تقع بالنكاح الصحيح ولكن لا تحل به المطلقة ثلاثا ولا يحصن به الزوجان. وحرم الله سبحانه سبعا بالقرابة وسبعا بالرضاع والصهر فقال عز وجل: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} [النساء: 23]. فهؤلاء من القرابة واللواتي من الرضاع والصهر قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} [النساء: 23]. وقال تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء} [النساء: 22] وحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرضاع ما يحرم من النسب ونهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها فمن نكح امرأة حرمت بالعقد دون أن تمس على آبائه وأبنائه وحرمت عليه أمهاتها ولا تحرم عليه بناتها حتى يدخل بالأم أو يتلذذ بها بنكاح أو ملك يمين أو بشبهة من نكاح أو ملك. ولا يحرم بالزنا حلال وحرم الله سبحانه وطء الكوافر ممن ليس من أهل الكتاب بملك أو نكاح ويحل وطء الكتابيات بالملك ويحل وطء حرائرهن بالنكاح ولا يحل وطء إمائهن بالنكاح لحر ولا لعبد ولا تتزوج المرأة عبدها ولا عبد ولدها ولا الرجل أمته ولا أمة ولده وله أن يتزوج أمة والده وأمة أمه وله أن يتزوج بنت امرأة أبيه من رجل غيره وتتزوج المرأة ابن زوجة أبيها من رجل غيره. ويجوز للحر والعبد نكاح أربع حرائر مسلمات أو كتابيات وللعبد نكاح أربع

إماء مسلمات وللحر ذلك إن خشي العنت ولم يجد للحرائر طولا وليعدل بين نسائه وعليه النفقة والسكنى بقدر وجده. ولا قسم في المبيت لأمته ولا لأم ولده ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها. ونكاح التفويض جائز وهو أن يعقداه ولا يذكران صداقا ثم لا يدخل بها حتى يفرض لها فإن فرض لها صداق المثل لزمها وإن كان أقل فهي مخيرة فإن كرهت فرق بينهما إلا أن يرضيها أو يفرض لها صداق مثلها فيلزمها. وإذا ارتد الزوجين انفسخ أحد النكاح بطلاق وقد قيل بغير طلاق وإذا أسلم الكافران ثبتا على نكاحهما، وإن أسلم أحدهما فذلك فسخ بغير طلاق فإن أسلمت هي كان أحق بها إن أسلم في العدة وإن أسلم هو وكانت كتابية ثبت عليها فإن كانت مجوسية فأسملت بعده مكانها كانا زوجين وإن تأخر ذلك فقد بانت منه وإذا أسلم مشرك وعنده أكثر منأربع فليختر أربعا ويفارق باقيهن ومن لاعن زوجته لم تحل له أبدا. وكذلك الذي يتزوج المرأة في عدتها ويطؤها في عدتها ولا نكاح لعبد ولا لأمة إلا بغذن السيد ولا تعقد امرأة ولا عبد ولا من على غير دين الإسلام نكاح امرأة ولا يجوز أن يتزوج الرجل امرأة ليحلها لمن طلقها ثلاثا ولا يحلها ذلك ولا يجوز نكاح المحرم لنفسه ولا يقعد نكاحا لغيره. ولا يجوز نكاح المريض ويفسخ وإن بنى بها فلها الصداق في الثلث مبدأ ولا ميراث لها ولو طلق المريض امرأته لزمه ذلك وكان لها الميراث منه إن مات في مرضه ذلك ومن طلق امرأته ثلاثا لم تحل له بملك ولا نكاح حتى تنكح زوجا غيره. وطلاق الثلاث في كلمة واحدة بدعة ويلزم إن وقع. وطلاق السنة مباح وهو أن يطلقها في طهر لم يقربا فيه طلقة ثم لا يتبعها طلاق حتى تنتقضي العدة. وله الرجعة في التي تحيض ما لم تدخل في الحيضة الثالثة في الحرة أو الثانية في الأمة، فإن كانت ممن لم تحض أو ممن قد يئست من المحيض طلقها متى شاء وكذلك الحامل وترتجع الحامل ما لم تضع والمعتدة بالشهور ما لم تنقض العدة. والأقراء هي الطهارة، وينهى أن يطلق في الحيض فإن طلق لزمه ويجبر على

الرجعة ما لم تنقض العدة والتي لم يدخل بها يطلقها متى شاء والواحدة تبينها والثلاث تحرمها إلا بعد زوج ومن قال لزوجته: أنت طالق فهي واحدة حتى ينوي أكثر من ذلك. والخلع طلقة لا رجعة فيها وإن لم يسم طلاقا إذا أعطته شيئا فخلعها به من نفسه، ومن قال لزوجته أنت طالق ألبته فهي ثلاث دخل بها أو لم يدخل وإن قال برية أو خلية أو حرام أو حبلك على غاربك فهي ثلاث في التي دخل بها وينوي في التي لم يدخل بها والمطلقة قبل البناء لها نصف الصداق إلا أن تعفو عنه هي إن كان ثيبا وإن كانت بكرا فذلك إلى أبيها وكذلك السيد في أمته ومن طلق فينبغي له أن يمتع ولا يجبر والتي لم يدخل بها وقد فرض لها فلا متعة لها ولا للمختلعة وإن مات عن التي لم يفرض لها ولم يبن بها فلها الميراث ولا صداق لها ولو دخل بها كان لها صداق المثل إن لم تكن رضيت بشيء معلوم. وترد المرأة من الجنون والجذام والبرص وداء الفرج فإن دخل بها ولم يعلم أدى صداقها ورجع به على أبيها وكذلك إن زوجها أخوها وإن زوجها ولي ليس بقريب القرابة فلا شيء عليه ولا يكون لها إلا ربع دينار ويؤجل المعترض سنة فإن وطئ وإلا فرق بينهما إن شاءت. والمفقود يضرب له أجل أربع سنين من يوم ترفع ذلك وينتهي الكشف عنه ثم تعتد كعدة الميت ثم تتزوج إن شاءت، ولا يورث ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش إلى مثله ولا تخطب المرأة في عدتها ولا بأس بالتعريض بالقول المعروف ومن نكح بكرا فله أن يقيم عندها سبعا دون سائر نسائه وفي الثيب ثلاثة أيام. ولا يجمع بين الأختين في ملك اليمين في الوطء فإن شاء وطء الأخرى فليحرم عليه فروج الأولى ببيع أو كتابة أو عتق وشبهه مما تحرم به ومن وطئ أمة بملك لم تحل لها أمها ولا ابنتها وتحرم على آبائه وأبنائه كترحيم النكاح والطلاق بيد العبد دون السيد، ولا طلقا لصبي والمملكة والمخيرة لهما أن يقضيا ما دامتا في المجلس، وله أن يناكر المملكة خاصة فيما فوق الواحدة وليس لها في التخيير أن تقضي إلا بثلاث ثم لا نكرة له فيها. وكل حالف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر فهو مول ولا يقع عليه.

الطلاق إلا بعد أجل الإيلاء وهو أربعة أشهر للحر وشهران للعبد حتى يوقفه السلطان ومن تظاهر من امرأته فلا يطؤها حتى يكفر بعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ليس فيها شرك ولا طرف من حرية. فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدين لكل مسكين ولا يطؤها في ليل أو نهار حتى تنقضي الكفارة فإن فعل ذلك فليتب إلى الله عز وجل فإن كان وطؤه بعد أن فعل بعض الكفارة بإطعام أو صوم فليبتدئها، ولا باس بعتق الأعور في الظهار وولد الزنا ويجزئ الصغير ومن صلى وصام أحب إلينا. واللعان بين كل زوجين في نفي حمل يدعى قلبه الاستبراء أو رؤية الزنا كالمردود في لمكحلة واختف في اللعان في القذف وإذا افترقا باللعان لم يتناكحا أبدا ويبدأ الزوج فيلتعن أربع شهادات بالله ثم يخمس باللعنة ثم تلتعن هي أربعا أيضا وتخمس بالغضب كما ذكر الله سبحانه وتعالى، وإن نكلت هي رجمت إن كانت حرة محصنة بوطء تقدم من هذا الزوج أو زوج غيره وإلا جلدت مائة جلدة وإن نكل الزوج جلد حد القذف ثمانين ولحق به الولد. وللمرأة أن تفتدي من زوجها بصداقها أو أقل أو أكثر إذا لم يكن عن ضرر بها فإن كان عن ضرر بها رجعت بما أعطته ولزمه الخلع والخلع طلقة لا رجعة فيها إلا بنكاح حديد برضاها، والمعتقة تحت العبد لها الخيار أن تقيم معه أو تفارقه. ومن اشترى زوجته انفسخ نكاحه وطلاق العبد طلقتان وعدة الأمة حيضتان وكفارات العبد كلاحر بخلاف معاني الحدود والطلاق وكل ما وصل إلى جوف الرضيع في الحولين من اللبن فإنه يحرم وإن مصة واحدة. ولا يحرم ما أرضع بعد الحولين إلا ما قرب منهما كالشهر ونحوه وقيل والشهرين ولو فصل قبل الحولين فصالا استغنى فيه بالطعام لم يحرم ما أرضع بعد ذلك ويحرم بالوجور والسعوط ومن أرضعت صبيا فبانت تلك المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر إخوة له ولأخيه نكاح بناتها.

باب في العدة والنفقة والاسبتراء

باب في العدة والنفقة والاسبتراء وعدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء كانت مسلمة أو كتابية والأمة ومن فيها بقية رق قرءان كان الزوج في جميعنن حرا أو عبدا والأقراء هي الأطهار التي بين الدمين فإن كانت ممن لم تحض أو ممن قد يئست من المحيض ف ثلاثة أشهر في الحرة والأمة وعدة الحرة المستحاضة أوا لأمة في الطلاق سنةوعدة الحامل في وفاة أو طلاق وضع حملها كانت حرة أو أمة أو كتابية والمطلقة التي لم يدخل بها لا عدة عليها. وعدة الحرة م الوفاة أربعة أشهر وعشرا كانت صغيرة أو كبيرة دخل بها أو لم يدخل مسلمة كانت أو كتابية وفي الأمة ومن فيها بقية رق شهران وخمس ليال مالم ترتب الكبيرة ذات الحيض بتأخيره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة. وأما التي لا تحيض لصغر أو كبر وقد بني بها فلا تنكح في الوفاة إلا بعد ثلاثة أشهر والإحاد أن لا تقرب المعتدة من الوفاة شيئا من الزينة بحلي أو كحل أو غيره وتجتنب الصباغ كله إلا الأسود وتجتنب الطيب كله ولا تختضب بحناء ولا تقرب دهنا مطيبا ولا تتمشط بما يختمر في رأسها. وعلى الأمة والحرة الصغيرة والكبيرة الإحداد واختلف في الكتابية وليس على المطلقة إحداد وتجبر الحرة الكتابية على العدة من المسلم في الوفاة والطلاق وعدة أم الولد من وفاة سيدها حيضة وكذلك إذا أعتقها فإن قعدت عن الحيض فثلاثة أشهر واستبراء الأمة في انتقال الملك حيضة انتقل الملك ببيع أو هبة أو سبي أوغير ذلك. ومن هي في حيازته قد حاضت عنده ثم إنه اشتراها فلا استبراء عليها إن لم تكن تخرج واستبراء الصغيرة في البيع إن كانت توطأ ثلاثة أشهر واليائسة من المحيض ثلاثة أشهر والتي لا توطأ فلا استبراء فيها، ومن ابتاع حاملا من غيره أو ملكها بغير البيع فلا يقربها ولا يتلذذ منها بشيء حتى تضع والسكنى لكل مطلقة مدخول بها ولا نفقة إلا للتي طلقت دون الثلاث وللحامل كانت مطلقة واحدة أو ثلاثا ولا نفقة للمختلعة إلا الحمل ولا نفقة للملاعنة وإن كانت حاملا ولا نفقة لكل معتدة من وفاة ولها السكنى إن كانت الدار للميت أو قد نقد كراءها. ولا تخرج من بيتها في طلاق أو وفاة حتى تتم العدة إلا أن يخرجها رب الدار ولم

باب في البيوع وما شاكل البيوع

يقبل من الكراء ما يشبه فلتخرج وتقيم بالموضع الذي تنتقل إليه حتى تنقضي العدة. والمرأة ترضع ولدها في العصمة إلا أن يكون مثلها لا يرضع وللمطلقة رضاع ولدها على أبيه ولها أن تأخذه أجرة رضاعها إن شاءت، والحضانة للأم بعد الطلاق إلى احتلام الذكر ونكاح الأنثى ودخولها، وذلك بعد الأم إن ماتت أو نكحت للجدة ثم للخالة فإن لم يكن من ذوي رحم الأم أحد فالأخوات والعمات فإن لم يكن فالعصبة. ولا يلزم الرجل النفقة إلا على زوجته كانت غنية أو فقيرة وعلى أبويه الفقيرين وعلى صغار ولده الذين لا مال لهم على الذكور حتى يحتلموا ولا زمانة بهم وعلى الإناث حتى ينكحن، ويدخل بهن أزواجهن ولا نفقة لمن سوى هؤلاء من الأقارب وإن اتسع فعليه إخدام زوجتهن وعليه أن ينفق على عبيده ويكفنهم إذا ماتوا. واختلف في كفن الزوجة، فقال ابن القاسم في مالها، وقال عبد الملك في مال الزوج، وقال سحنون: إن كانت ملية ففي مالها، وإن كانت فقيرة ففي مال الزوج. باب في البيوع وما شاكل البيوع وأحل الله البيع وحرم الربا وكان ربا الجاهلية في الديون إما أن يقضيه وإما أن يربي له فيه ومن الربا في غير النسيئة بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا وكذلك الذهب بالذهب، ولا يجوز فضة بفضة ولا ذهب بذهب إلا مثل بمثل يدا بيد والفضة بالذهب ربا لا يدا بيد. والطعام من الحبوب والقطنية وشبهها مما يدخر من قوت أو إدام لا يجوز الجنس منه بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد ولا يجوز فيه تأخير ولا يجوز طعام بطعام إلى أجل كان من جنسه أو من خلافه كان مما يدخر أو لا يدخر. ولا بأس بالفواكه والبقول وما لا يدخر متفاضلا وإن كان من جنس واحد يدا بيد ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد فيما يدخر من الفواكه اليابسة وسائر الإدام والطعام والشراب إلا الماء وحده وما اختلفت أجناسه من ذلك، ومن سائر الحبوب والثمار والطعام فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه إلا في الخضر والفواكه. والقمح والشعير والسلت كجنس واحد فيما يحل منه ويحرم والزبيب كله صنف.

والتمر كله صنف والقطنية أصناف في البيوع واختلف فيها قول مالك ولم يختلف قوله في الزكاة أنها صنف واحد ولحوم ذوات الأربع من الأنعام والوحش صنف ولحوم الطير كله صنف ولحوم دواب الماء كلها صنف وما تولد من لحوم الجنس الواحد من شحم فهو كلحمه، وألبان ذلك الصنف وجبنه وسمنه صنف ومن ابتاع طعاما فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه إذا كان شراؤه ذلك على وزن أو كيل أو عدد بخلاف الجزاف. وكذلك كل طعام أو إدام أو شراب إلا الماء وحده وما يكون من الأدوية والزراريع التي لا يعتصر منها زيت فلا يدخل ذلك فيما يحرم من بيع الطعام قبل قبضه أو التفاضل في الجنس الواحد منه ولا بأس ببيع الطعام القرض قبل أن يستوفيه، ولا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل قبل قبضه. وكل عقد بيع أو إجارة أو كراء بخطر وغرر في ثمن أو مثمون أو أجل فلا يجوز ولا يجوز بيع الغرر ولا بيع شيء مجهول ولا إلى أجل مجهول، ولا يجوز في البيوع التدليس ولا الغش ولا الخلابة ولا الخديعة ولا كتمان العيوب ولا خلط دنئ بجيد ولا أن يكتم من أمر سلعته ما إذا ذكره كرهه المبتاع أو كان ذكره أبخس له في الثمن. ومن ابتاع عبدا فوجد به عيبا فله أن يحبسه ولا شيء له أو يرده ويأخذ ثمنه إلا أن يدخله عنده عيب مفسد فله أن يرجع بقيمة العيب القديم من الثمن أو يرده ويرد ما نقصه العيب عنده وإن رد عبدا وقد استغله فله غلته. والبيع على الخيار جائز إذا ضربا لذلك أجلا قريبا إلى ما نختبر فيه تلك السلعة أو ما تكون فيه المشورة ولا يجوز النقد في الخيار ولا في عهدة الثلاث ولا في المواضعة بشرط والنفقة في ذلك والضمان علىالبائع وإنما يتواضع لاستبراء الجارية التي للفراش في الأغلب أو التي أقر البائع بوطئها وإن كانت وخشا ولا تجوز البراءة م الحمل إلا حملا ظاهرا. والبراءة في الرقيق جائزة مما لم يعلم البائع ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع حق يثغر وكل بيع فاسد فضمانه من البائع فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه، فإن حال سوقه أو تغير في بدنه فعلهي قيمته يوم قبضه ولا يرده وإن كان مما يوزن أو يكال فليرد مثله ولا يفيت الرباع حوالة الأسواق ولا يجوز سلف يجر منفعة،

ولا يجوز بيع وسلف وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء. والسلف جائز في كل شيء إلا في الجواري وكذلك تراب الفضة ولا تجوز الوضيعة من الدين على تعجيله ولا التأخير به على الزيادة يه ولا تعجيل عرض على الزيادة فيه إذا كان من بيع ولا بأس بتعجيله ذلك من قرض إذا كانت الزيادة في الصف ومن رد في القرض أكثر عددا في مجلس القضاء فقد اختلف ولم يجزه، ومن عليه دنانير أو دراهم من بيع أو قرض لا من بيع ولا يجوز بيع ثمر أو بيع ثمر أو حب لم يبد صلاحه، ويجوز بيعه إذا بدا صلاح بعضه وإن نخلة من نخيل كثيرة. ولا يجوز بيع ما في الأنهار والبرك من الحيتان ولا بيع الجنين في بطن أمه ولا بيع ما في بطون سائر الحيوانات ولا بيع نتاج ما تنتج الناقة ولا بيع ما في ظهور الإبل ولا بيع الآبق والبعير الشارد. ونهى عن بيع الكلاب واختلف في بيع ما أذن في اتخاذه منها، وأما من قتله فعليه قيمته ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه ولا بيعتان في بيعة وذلك أن يشتري سلعة إما بخمسة قند أو عشرة إلى أجل قد لزمته بأحد الثمنين ولا يجوز بيع الثمر بالرطب ولا الزبيب بالعنب لامتفاضلا ولا مثلا بمثل ولا رطب بيابس من جنسه من سائر الثمار والفواكه وهو مما نهي عنه من المزابنة. ولا يباع جزاف بمكيل من صنفه ولا جزاف بجزاف من صنفه إلا أن يتبين الفضل بينهما إن كان مما يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه ولا بأس ببيع الشيء الغائب على الصفة ولا ينقد فيه بشرط إلا أن يقرب مكانه أو يكون مما يؤمن تغيره من دار أو أرض أو شجر فيجوز النقد فيه والعهدة جائزة في الرقيق إن اشترطت أو كانت جارية بالبلد فعهدة الثلاث الضمان فيها من البائع من كل شيء وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص، ولا بأس بالسم في العروض والرقيق والحيوان والطعام والإدام بصفة معلومة وأجل معلوم ويعجل رأس المال أو يؤخره إلى مثل يومين أو ثلاثة وإن

وأجل السلم أحب إلينا أن يكون خمسة عشر يوما أو على أن يقبض ببلد آخر وإن كانت مسافته يومين أو ثلاثة ومن أسلم إلى ثلاثة أيام يقبضه ببلد أسلم فيه فقد أجازه غير واحد من العلماء وكرهه آخرون. ولا يجوز أن يكون رأس المال من جنس ما أسلم فيه ولا يسلم شيء في جنسه أو فيما يقرب منه إلا أن يقرضه شيئا في مثله صفقة ومقدارا والنفع للمتسلف. ولا يجوز دين بدين وتأخير رأس المال بشرط إلى محل السلم أو ما بعد من العقدة من ذلك ولا يجوز فسخ دين في دين وهو أن يكون لك شيء في ذمته فتفسخه في شيء آخر لا تتعجله. ولا يجوز بيع ما ليس عندك على أن يكون عليك حالا وإذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأقل منه نقدا أو إلى أجل دون الأجل الأول ولا بأكثر منه إلى أبعد من أجله وأما إلى الأجل نفسه فذلك فذلك كله جائز وتكون مقاصة ولا باس بشراء الجزاف فيما يكال أو يوزن سوى الدنانير والدراهم ما كان مسكوكا وأما نقار الذهب والفضة فذلك فيهما جائز ولا يجوز شراء الرقيق والثياب جزافا ولا ما يمكن عدده بلا مشقة جزافا. ومن باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وكذلك غيرها من الثمار والإبار التذكير وإبار الزرع خروجه من الأرض. ومن باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ولا بأس بشراء ما في العدل على البرنامج بصفة معلومة ولا يجوز شراء ثوب لا ينشر ولا يوصف أو في ليل مظلم لا يتأملانه ولا يعرفان ما فيه وكذلك الدابة في ليل مظلم. ولا يسوم أحد على سوم أخيه وذلك إذا ركنا وتقاربا لا في أول التساوم والبيع ينعقد بالكلام وإن لم يفترق المتبايعان والإجارة جائزة إذا ضربا لها أجلا وسميا الثمن ولا يضرب في الجعل أجل في رد آبق أو بعير شارد أو حفر بئر أو بيع ثوب ونحوه ولا شيء له إلا بتمام العمل. والأجير على البيع إذا تم الأجل ولم يبع وجب له جميع الأجر وإن باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة والكراء كالبيع فيم يحل ويحرم ومن اكترى دابة بعينها إلى بلد

فماتت انفسخ الكراء فيما بقي وكذل الأجير يموت والدار تنهدم قبل تمام مدة الكراء. ولا بأس بتعليم المعلم القرآن على الحذاق ومشاركة الطيب على البرء ولاينتقض الكراء بموت الراكب أو الساكن ولا بموت غنم الرعاية وليأت بمثلها ومن اكترى كراء مضمونا فماتت الدابة فليأت بغيرها وإن مات الراكب لم ينفسخ الكراء وليكتروا مكانه غيره. ومن اكترى ماعونا أو غيره فلا ضمان عليه في هلاكه بيده وهو مصدق إلا أن يتبين كذبه، والصناع ضامنون لما غابوا عليه بأجر أو بغير أجر ولا ضمان على صاحب الحمام، ولا ضمان على صاحب السفينة ولا كراء له إلا على البلاغ. ولا بأس بالشركة بالأبدان إذا عملا في موضع واحد عملا واحدا أو متقاربا وتجوز الشركة بالأموال على أن يكونا لربح بينهما بقدر ما أخرج كل واحد منهما والعمل عليهما بقدر ما شرطا من الربح لكل واحد ولا يجوز أن يختلف رأس المال ويستويا في الربح. والقراض جائز بالدنانير والدراهم وقد أرخص فيه بنقار الذهب والفضة ولا يجوز بالعروض ويكون إن نزل أجيرا في بيعها وعلى قراض مثله في الثمن وللعامل كسوته وطعامه إذا سافر في المال الذي له بال وإنما يكتسي في السفر البعيد ولا يقتسمان الربح حتى ينض رأس المال. والمساقاة جائزة في الأصول على ما تراضيا عليه من الإجزاء والعمل كله على المساقي ولا يشترط عليه عملا غير عمل المساقاة ولا عمل شيء ينشئه في الحائط إلا ما لا بال له من شد الحظيرة وإصلاح الضفيرة وهي مجتمع الماء من غير أن ينشئ بناءها والتذكير على العامل وتنقية مناقع الشجر وإصلاح مسقط الماء من الغرب وتنقية العين وشبه ذلك جائز أن يشترط على العامل. ولا تجوز المساقاة على إخراج ما في الحائط من الدواب وما مات منها فعلى ربه خلفه ونفقة الدواب والأجراء على العامل وعليه زريعة البياض اليسير ولا بأس أن يلغي ذلك للعامل وهو أحله وإن كانا لبياض كثيرا لم يجز أن يدخل في مساقاة النخل إلا أن يكون قدر الثلث من الجميع فأقل.

باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

والشركة في الزرع جائزة إذا كانت الزريعة منها جميعا والربح بينهما كانت الأرض لأحدهما والعمل على الآخر أو العمل بينهما واكتريا الارض أو كانت بينهما أما إن كان البذر من عند أحدهما ومن عند الآخر الأرض والعمل عليه أوعليهما والربح بينهما لم يجز ولو كانا اكتريا الأرض والبذور من عند واحد وعلى الآخر العلم جاز إذا تقاربت قيمة ذلك. ولا ينقد في كراء أرض غير مأمونة قبل أن ترى ومن ابتاع ثمرة في رءوس الشجر فأجيح ببرد أو جراد أو جليد أو غيره فإن أجيح قدر الثلث فأكثر وضع عن المشتري قدر ذلك من الثمن وما نقص عن الثلث فمن المبتاع ولا جائحة في الزروع ولا فيما اشترى بعد أن يبس من الثمار وتوضع جائحة البقول وإن قلت وقيل لا يوضع إلا قدر الثلث. ومن أعرى ثمر نخلات لرجل من جنانه فلا بأس ان يشتريها منه إذا أزهت بخرصها ثمرها يعطيه ذلك عند الجذاذ إن كان فيها خمسة أوسق فأقل ولا يجوز شراء أكثر من خمسة أوسق إلا بالعين أو العرض. باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء ويحق على من له ما يوصي فيه أن يعد وصيته ولا وصية لوارث والوصايا خارجة من الثلث ويرد ما زاد عليه إلا أن يجيزه الورثة والعتق بعينه مبدأ عليها والمدبر في الصحة مبدأ على ما في المرض من عتق وغيره وعلى ما فرط فيه من الزكاة فأوصى به فإن ذلك في ثلثه مبدأ على الوصايا ومدبر الصحة مبدأ عليه وإذا ضاق الثلث تحاص أهل الوصايا التي لا تبدئة فيها. وللرجل الرجوع عن وصيته من عتق وغيره والتدبير أن يقول الرجل لعبده أنت مدبر أو أنت حر عن دبر مني ثم لا يجوز له بيعه ولا خدمته وله انتزاع ماله ما لم يمرض وله وطؤها إن كانت أمة ولا يطأ المعتقة إلى أجل ولا يبيعها وله أن يستخدمها، وله أن ينتزع مالها ما لم يقرب الأجل وإذا مات فالمدبر من ثلثه والمعتق إلى أجل من رأسه ماله والمكاتب عبد ما بقي عليه شيء والكتابة جائزة على ما رضيه العبد والسيد من المال

منجما قلت النجوم أو كثرت، فإن عجز رجع رقيقا وحل له ما أخذ منه ولا يعجزه إلا السلطان بعد التلوم إذا امتنع من التعجيز. وكل ذات رحم فولدها بمنزلتها من مكاتبة أو مدبرة أو معتقة إلى أجل أو مرهونة وولد أم الولد من غير السيد بمنزلتها ومال العبد له إلا أن ينتزعه السيد فإن أعتقه أو كابته ولم يستثن ماله فلي له أن ينزعه وليس له وطء مكاتبته وما حدث للمكاتب والمكاتبة من ولد دخل معهما في الكتابة وعتق بعتقهما. وتجوز كتابة الجماعة ولا يعتقون إلا بأداء الجميع وليس للمكاتب عتق ولا إتلاف ماله حتى يعتق ولا يتزوج ولا يسافر السفر البعيد بغير إذن سيده، وإذا مات وله ولد قام مقامه وأدى من ماله ما بقي عليه حالا وورث من معه من ولده ما بقي وإن لم يكن في الماء وفاء فإن ولده يسعون فيه ويؤدن نجوما إن كانوا كبارا وإن كانوا صغار. وليس في المال قدر النجوم إلى بلوغهم السعي رقوا وإن لم يكن له ولد معه في كتابته ورثه سيده ومن أولد أمة فله أن يستمتع منها في حياته وتعتق من رأس ماله بعد مماته، ولا يجوز له بيعها ولا له عليها خدمة ولا غفلة وله ذلك في ولدها من غيره وهو بمنزلة أمه في العتق يعتق بعتقها. وكل ما أسقطته مما يلعم أنه ولد فهي به أم ولد ولا ينفعه العزل إذا أنكر ولدها وأقر بالوطء، فإن ادعى استبراء لم يطأ بعده لم يلحق به ما جاء من ولد. ولا يجوز عتق من أحاط الدين بماله ومن أعتق بعض عبده استتم عليه وإن كان لغيره معه فيه شركة قوم عليه نصيب شريكة بقيمته يوم يقام عليه وعتق فإن لم يوجد له مال بقي سهم الشريك رقيقا ومن مثل بعبده مثلة بينة من قطع جارحة ونحوه عتق عليه. ومن ملك أبويه أو أحد من ولده أو ولد ولده أو ولد بناته أو جده أو جدته أو أخاه لأم أو لأب أو لهما جميعا عتق عليه، ومن أعتق حاملا كان جنينها حرا معها ولا يعتق في الرقاب الواجبة من فيه معنى من عتق بتدبير أو كتابة أو غيرهما ولا أعمى ولا أقطع اليد وشبه ولا من على غير الإسلام ولا يجوز عتق الصبي ولا المولى عليه والولاء لمن أعتق ولا يجوز بيعه ولا هبته.

باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

ومن أعتق عبدا عن رجل فالولاء للرجل ولا يكون الولاء لمن أسلم على يديه وهو للمسلمين وولاء ما أعتقت المرأة لها وولاء من يجر من ولد أو عبد أعتقه ولا ترث ما أعتق غيرها من أب أو ابن أو زوج أو غيره وميراث السائبة لجماعة المسلمين. والولاء للأقعد من عصبة الميت الأول فإن ترك ابنين فورثا ولاء مولى لأبيهما ثم مات أحدهما وترك بنين رجع الولاء إلى أخيه دون بنيه وإن مات واحد وترك ولدا ومات أخوه وترك ولدين فالولاء بين الثلاثة أثلاثا. باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب وإنما الشفعة في المشاع ولا شفعة فيما قد قسم ولا لجار ولا في طريق ولا عرصة دار قد قسمت بيوتها ولا في فحل نخل أو بئر إذا قسمت النخل أو الأرض. ولا شفعة إلا في الأرض وما يتصل بها من البناء والشجر ولا شفعة للحاضر بعد السنة. والغائب على شفعته وإن طالت غيبته وعهدة الشفيع على المشتري ويوقف الشفيع فإما أخذ أو ترك ولا توهب الشفعة ولا تباع وتقسم بين الشركاء بقدر الأنصباء ولا تتهم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة فإن مات قبل أن تحاز عنه فهي ميراث إلا أن يكون ذلك في المرض فذلك نافذ من الثلث إن كان لغير وارث والهبة لصلة الرحم أو لفقير كالصدقة لا رجوع فيه ومن تصدق على ولده فلا رجوع له وله أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير ما لم ينكح لذلك أو يداين أو يحدث في الهبة حدثا. والأم تعتصر ما دام الأب حيا فإذا مات لم تعتصر ولا يعتصر من يتيم واليتيم من قبل الأب وما وهبه لأبنه الصغير فيحازته له جائزة إذا لم يسكن ذلك أو يلبسه إن كان ثوبا وإنما يحوز له ما يعرف بعينه وأما الكبير فلا تجوز حيازته له ولايرجع الرجل في صدقته ولا ترجع إليه إلا باليراث. ولا بأس أن يشرب من لبن ما تصدق به ولا يشتري ما تصدق به والموهوب للعوض إما أثاب القيمة أو ردا لهبة فإن فاتت فعليه قيمتها وذلك إذا كان يرى أنه أراد الثواب من الموهوب له ويكره أن يهب لبعض ولده ماله كله وأما الشيء منه فذلك سائغ ولا بأس أن يتصدق على الفقراء بماله كله لله.

ومن وهب هبة فلم يحزها الموهوب له حتى مرض الواهب أو أفلس فليس له حينئذ قبضها ولو مات الموهوب له كان لورثته القيام فيها على الواهب الصحيح ومن حبس دارا فهي على ما جعلها عليه إن حيزت قبل موته، ولو كانت حبسا على ولده الصغير جازت حيازته له إلى ما جعلها عليه إن حيزت قبل موته، ولو كانت حبسا على ولده الصغير جازت حيازته له إلى أن يبلغ وليكرها له ولا يسكنها فإن لم يدع سكناها حتى مات بطلت وإن انقرض من حبست عليه رجعت حبسا على أقرب الناس بالمحبس يوم المرجع ومن أعمر رجلا حياته دارا رجعت بعد موت الساكن ملكا لربها وكذلك إن أعمر عقبه فانقضروا بخلاف الحبس فإن مات المعمر يومئذ كانت لورثته يوم موته ملكا، ومن مات من أهل الحبس فتصيبه على من بقي ويؤثر في الحبس أهل الحاجة بالسكنى والغلة ومن سكن فلا يخرج لغيره إلا أن يكون في أصل الحبس شرط فيمضي. ولا يباع الحبس وإن خرب ويباع الفرس الحبس يكلب ويجعل ثمنه في مثله أو يعان به فيه واختلف في المعاوضة بالربع الخرب بربع غير خرب والرهن جائز ولا يتم إلا بالحيازة ولا نتفع الشهادة في حيازته إلا بمعاينة البينة وضمان الرهن من المرتهن فيما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه وثمرة النخل الرهن للراهن، وكذلك غلة الدور والولد رهن مع الأمة الرهن تلده بعد الرهن. ولا يكون مال العبد معه رهنا إلا بشرط وما هلك بيد أمين فهو من الراهن والعارية مؤداة يضمن ما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه من عبد أو دابة إلا أن يتعدى والمودع إن قال: رددت الوديعة إليك صدق إلا أن يكون قبضها بإشهاد وإن قال ذهبت فهو مصدق بكل حال والعارية لا يصدق في هلاكها فيما يغاب عليه ومن تعدى على وديعة ضمنها، وإن كانت دنانير فردها في صرتها ثم هلكت فقد اختلف في تضمينه ومن اتجر بوديعة فذلك مكروه والربح له إن كانت عينا وإن باع الوديعة وهي عرض فربها مخير بين أخذ الثمن أو القيمة يوم التعدي. ومن وجد لقطة فليعرفها سنة بموضع يرجو التعريف بها فإن تمت سنة ولم يأت لها أحد فإن شاء حبسها وإن شاء تصدق بها وضمنها لربها إن جاء وإن انتفع بها ضمنها وإن هلكت قبل السنة أو بعدها بغير تحريك لم يضمنها وإذا عرف طالبها العفاص والوكاء أخذها ولا يأخذ الرجل ضالة الإبل من الصحراء، وله أخذ الشاة

باب في أحكام الدماء والحدود

وأكلها إن كانت بفيفاء لا عمارة فيها ومن استهلك عرضا فعليه قيمته. وإن كان مما يوزن أو يكال فعليه مثله والغصب ضامن لما غصب فإن رد ذلك بحاله فلا شيء عليه وإن تغير في يده فربه مخير بين أخذه بنقصه أو تضمينه القيمةولو كان النقص بتعديه خير أيضا في أخذه وأخذ ما نقصه وقد اختلف في ذلك ولا غلة للغاصب ويرد ما أكل من غلة أو انتفع ولعيه الحد إن وطئ وولده رقيق للرب الأمة ولا يطيب الغاصب المال حتى يرد رأس المال على ربه. ولو تصدق بالربح كان أحب إلى بعض أصحاب مالك وفي باب الأقضية شيء من هذا المعنى. باب في أحكام الدماء والحدود ولا تقتل نفس بنفس إلا بينة عادلة أو باعتراف أو بالقسامة إذا وجبت يقسم الولاة خمسين يمينا ويستحقون الدم ولا يحلف في العمد أقل من رجلين ولاي قتل بالقسامة أكثر من رجل واحد وإنما تجب القسامة بقول الميت دمي عند فلان أو بشاهد على القتل أو بشاهدين على الجرح ثم يعيش بعد ذلك ويأكل ويشرب وإذا نكل مدعوا الدم حلف المدعى عليهم خمسين يمينا فإن لم يجد من ولاته معه غير المدعى عليه وحده حلف الخمسين يمينا. ولو ادعى القتل على جماعة حلف كل واحد خمسين يمينا ويحلف من الولاة في طلب الدم خمسون رجلا خمسين يمينا وإن كانوا أقل قسمت عليهم الأيمان ولا تحلف امرأة في العمد وتحلف الورثة في الخطأ بقدر ما يرثون من الدية من رجل أو امرأة وإن انكسرت يمين عليهم حلفها أكثرهم نصيبا منها. وإذا حضر بعض ورثة دية الخطأ لم يكن له بد أنه يحلف جميع الأيمان ثم يحلف من يأتي بعده بقد نصيبه من الميراث ويحلفون في القسامة قياما ويجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس أهل أعمالها للقسامة ولا يجلب في غيرها إلا من الأميال اليسيرة ولا قسماة في جرح ولا في عبد ولا بين أهل الكتاب لا في قتيل بين الصفين أو وجد في محلة قوم. وقتل الغيلة لا عفو فيه وللرجل العفو عن دمه العمد إن لم يكن قتل غيلة وعفوه

عن الخطأ في ثلثه وإن عفا أحد البنين فلا قتل ولمن بقي نصيبهم من الدية ولا عفو للبنات مع البنين، ومن عفي عنه في العمد ضرب مائة وحبس عاما. والدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم ودية العمد إذا قبلت خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون نبت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض ودية الخطأ فخمسة وعشرون من كل ما ذكرنا وعشرون ابن لبون ذكروا وإنما تغلظ الدية في الأب يرمي ابنه بحديدة فيقتله فلا يقتل به ويكون عليه ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون خلفة في بطونها أولادها وقيل ذلك على عاقلته وقيل ذلك في ماله ودية المرأة على النصف من دية الرجل وكذلك دية الكتابيين ونساؤهم على النصف من ذلك. والمجوسي ديته ثمانمائة درهم ونساؤهم على النصف من ذلك ودية جراحهم كذلك في اليدين الدية وكذلك في الرجلين والعينين وفي كل واحدة منهما نصفها وفي الأنف يقطع ما رنة الدية وفي المسع الدية وفي العقل الدية وفي الصلب ينكسر الدية وفي اأنثيين الدية وفي الشحفة الدية. وفي اللسان الدية وفيما منع منه الكلام الدية وفي ثدي المرأة الدية وفي عين الأعور الدية وفي الموضحة خمس من الإبل وفي السن خمس وفي كل أصبغ عشر وفي الأنملة ثلاث وثلث وفي كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل وفي المنقلة عشر ونصف عشر والموضحة ما أوضح العظم والمنقلة ما طار فراشها من العظم ولم يصل إلى الدماغ وما وصل إليه فهي المأمومة ففيها ثلث الدية. وكذلك الجائفعة وليس فيما دون الموضحة إلا الاجتهاد وكذلك في جراح الجسد ولا يعقل جرح إلى بعد البرء وما برئ على غير شين مما دون الموضحة فلا شيء فيه وفي الجراح القصاص في العمد إلا في المتألف مثل الأمومة والجائفة والمنقلة والفخذ والأنثيين والصلب ونحوه ففي كل ذلك الدية. ولا تحمل العاقلة قتل عمر ولا اعترافا به وتحمل من جراح الخطأ ما كان قدر الثلث فأكثر وما كان دون الثلث ففي مال الجاني وأما المأمومة والجائفة عمدا فقال مالك: ذلك على العاقلة وقال أيضا إن ذلك في ماله إلا أن يكون عديما فتحمله العاقلة

لأنهما لا يقاد من عمدهما وكذلك ما بلغ ثلث الدية مما لا يقاد منه لأنه متلف ولا تعقل العاقلة من قتل نفسه عمدا أو خطأ وتعاقل المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل فإذا بلغتها ورجعت إلى عقلها والنفر يقتلون رجلا فإنهم يقتلون به والسكران إن قتل قتل وإن قتل مجنون رجلا فالدية على عاقلته وعمد الصبي كالخطأ وذلك على عاقلته إن كان ثلث الدية فأكثر وإلا ففي ماله. وتقتل المرأة بالرجل والرجل بها ويقتص لبعضهم من بعض في الجراح ولا يقتل حر بعبد ويقتل به العبد ولا يقتل مسلم بكافر ويقتل به الكافر ولا قصاص بين حر وعبد في جرح ولا بين مسلم وكافر والسائق والقائد والراكب ضامنون لماوطئت الدابة وما كان منها من غير فعلهم أو وهي واقفة لغير شيء فعل بها فذلك هدر وما مات في بئر أو معدن من غير فعل أحد فهو هدر. وتنجم الدية على العاقلة في ثلاث سنين وثلثها في سنة ونصفها في سنتين والدية موروثة على الفرائض وفي جنين الحرة غرة عبد أو ليدة تقوم بخمسين دينارا أو ستمائمة درهم وتورث على كتاب الله ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية ويرث قاتل الخطأ من المال دون الدية وفي جنين الأمة من سيدها ما في جنين الحرة وإن كان من غيره ففيه عشر قيمتها ومن قتل عبدا فعليه قيمته وتقتل الجماعة بالواحد في احلرابة والغيلة وإن ولي القتل بعضهم. وكفارة القتل في الخطأ واجبة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ويؤمر بذلك إن عفي عنه في العمد فهو خير له ويقتل الزنديق ولا تقبل توبته وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام وكذلك الساحر ولا تقبل توبته ويقتل من ارتد إلا أن يتوب ويؤخر للتوبة ثلاثا وكذلك المرأة ومن لم يترد وأقر بالصلاة وقال لا أصلي أخر حتى يمضي وقت صلاة واحدة فإن لم يصلها قتل. ومن امتنع من الزكاة أخذت منه كرها ومن ترك الحج فالله حسيبه ومن ترك الصلاة جحدا لها فهو كالمرتد يستتاب ثلاثا فإن لم يتب قتل ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ولا تقبل توبته ومن سبه من أهل الذمة بغير ما به كفر أو سب الله عز وجل بغيرما به كفر قتل إلا أن يسلم.

وميراث المرتد لجماعة المسلمين والمحارب لا عفو فيه إذا ظفر به فإن قتل أحدا فلا بد من قتله وإن لم يقتل فيسع الإمام فيه اجتهاده بقدر جرمه وكثرة مقامه في فساده فأما قتله أو صلبه ثم قتله أو يقطعه من خلاف أو ينفيه إلى بلد يسجن بها حتى يتوب فإن لم يقدر عليه حتى جاء تائبا وضع عنه كل حق هو لله من ذلك وأخذ بحقوق الناس من مال أو دم وكل واحد من اللصوص ضامن لجميع ما سلبوه من الأموال وتقتل الجماعة بالواحد في الحرابة والغيلة. وإن ولي القتل واحد منهم ويقتل المسلم بقتل الذمي قتل غيلة أو حرابة ومن زنا من حر محصن رجم حتى يموت والإحصان أن يتزوج امرأة نكاحا صحيحا ويطأطا وطأ صحيحا فإن لم يصحن جلد مائة جلدة وغربه الإمام إلى بلد آخر وحبس فيه عاما. وعلى العبد في الزنا خمسون جلدة وكذلك الأمة وإن كانا متزوجين ولا تغريب عليهما ولا على امرأة ولا يجد الزاني إلا باعتراف أو بحمل يظهر أو بشاهدة أربعة رجال أحرار بالغين عدول يرونه كالمردود في المكحلة ويشهدون في وقت واحد، وإن لم يتم أحدهم الصفة حد الثلاثة الذي أتموها ولا حد على من لم يحتلم ويحد واطئ أمة والده. ولا يحد واطئ أمة ولده وتقوم عليه وإن لم تحمل ويؤدب الشريك في الأمة يطؤها ويضمن قيمتها إن كان له مال فإن لم تحمل فالشريك بالخيار بين أن يتماسك أو تقوم عليه وإن قالت امرأة بها حمل استكرهت لم تصدق وحدت إلا أن تعرف بينة أنها احتملت حتى غاب عليها أو جاءت مستغيثة عند النازلة أو جاءت تدمي. والنصراني إذا غصب المسلمة في الزنا قتل، وإن رجع المقر بالزنا أقيل وترك ويقيم الرجلعلى عبده وأمته حد الزنا إذا ظهر حمل أو قامت بينة غيره أربعة شهداء أو كان إقرار ولكن إن كان للأمة زوج حر أو عبد لغيره فلا يقيم الحد عليها إلا السلطان ومن عمل عمل قوم لوط بذكر بالغ أطاعه رجما أحصنا أو لم يحصنا وعلى القاذف الحر الحد ثمانون، وعلى العبد أربعون في القذف وخمسون في الزنا والكافر يحد في القذف ثمانين ولا حد على قاذف عبد أو كافر ويحد قاذف الصبية بالزنا إن كان مثلها ويوطأ ولا يحد قاذف الصبي ولا حد على من لم يبلغ في قذف ولا وطء ومن

باب في الأقضية والشهادات

نفى رجلا من نسبه فعليه الحد. وفي التعريض الحد ومن قال لرجل يا لوطي حد ومن قذف جماعة فحد واحد يلزمه لمن قام به منهم ثم لا شيء عليه ومن كرر شرب الخمر أو الزنا فحد واحد في ذلك كله. وكذلك من قذف جماعة من لزمته حدود وقتل فالقتل يجزئ عن ذلك إلا في القذف فليحد قبل أن قتل ومن شرب خمرا أو نبيذا مسكرا حد ثمانين سكر أو لم يسكر ولا سجن عليه. ويجرد المحدود ولا تجرد المرأة إلا مما يقيها الضرب يلجدان قاعدين ولا تحد حامل حتى تضع ولا مريض مثقل حتى يبرأ ولا يقتل واطئ البهيمة وليعاقب ومن سرق ربع دينار ذهبا أو ما قيمته يوم السرقة ثلاثة رداهم منالعروض أو وزن ثلاثة دراهم فضة قطع إذا سرق من حرز، ولا قطع في الخلسة ويقطع في ذلك يد الرجل والمرأة والعبد، ثم إن سرق قطعت رجله من خلاف ثم إن سرق فيده ثم إن سرق فرجله ثم إن سرق جلد وسجن. ومن أقر بسرقة قطع وإن رجع أقيل وغرم السرقة إن كانت معه وإلا اتبع ومن أخذ في الحرز لمي قطع حتى يخرج السرقة من الحرز وكذلك الكفن من القبر ومن سرق من بيت أذن له في دخوله لم يقطع، ولا يقطع المختلس وإقار العبد فيما يلزمه من بدنه من حد أو قطع يلزمه وما كان ي رقته فلا غقرار له ولا قطع في ثمر معلق ولا في الجمار في النخل ولا في الغنم الراعية حتى تسرق من مراحها وكذلك التمر من الأندر. ولا يشفع لمن بلغ الإمام في السرقة الوزنا واختلف في ذلك في القذف ومن سرق من الكم قطع ومن سرقمن الهرى أو بيت المال أو المغنم فليقطع وقيل إن سرق فرق حقه من المغنم بثلاثة دراهم قطع ويتبع السارق إذا قطع بقمية ما فات من السرقة في ملائه ولا يتبع به في عدمه بما لا يقطع فيه من السرقة. باب في الأقضية والشهادات والبينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة كذلك قضى حكام أهل المدينة، وقد قال عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور وإذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف فيما يدعي

فيه معرفة واليمين بالله الذي لا إله إلا هو ويحلف قائما وعند منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر وفي غير المدينة يحلف في ذلك في الجاماع وحيث يعظم منه. ويحلف الكافر بالله حيث يعظم وإذا وجد الطالب بينة بعد يمين المطلوب لم يكن علم بها قضى له بها وإن كان علم بها فلا تقبل منه وقد قيل تقبل منه ويقضي بشاهد ويمين في الأموال ولا يقضي بذلك في نكاح أو طلاق أو حد ولا في دم عمد أو نفس إلا مع القسامة في النفس وقد قيل يقضى بذلك في الجراح ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأموال ومائة امرأة كامرأتين. وذلك كرجل واحد يقضي بذلك مع رجل أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والاستهلال وشبه جائزة ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا يقبل إلا العدول ولا تجوز شهادة المحدود ولا شهادة عبد ولا صبي ولا كافر وإذا تاب المحدود في الزنا قبلت شهادته إلا في الزنا ولا تجوز شهادة الابن للأبوين ولا هما له ولا الزوج لزوجة ولا هي له وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه ولا تجوز شهادة مجرب في كذب أو مظهر لكبيرة ولا جار لنفسه ولا دافع عنها ولا وصي ليتيمة وتجوز شهادته عليه ولا يجو تعديل النساء ولا تجريحهن ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضا ولا يقبل في ذلك ولا في التجريح واحد وتقبل شهادة الصبيان في الجراح قبل أن يتفرقوا أو يدخل بينهم كبير. وإذا اختلف المتابيعان استحلف البائع ثم يأخذ المبتاع أو يحلف ويبرأ وإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما حلفا وقسم بينهما وإن أقاما بينتين قضى بأعدلهما فإن استويا حلفا وكان بينهما، وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشاهدته إن اعترف أنه شهد بزوج قاله أصحاب مالك ومن قال رددت إليك ما وكلتني عليه أو على بيعة أو دفعت إليك ثمنه أو وديتعك أو قراضك فالقول قوله. ومن قال دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان فعلى الدافع البينة وإلا ضمن وكذلكعلى وليالأيتام البينة أنه أنفق عليهم أو دفع إليهم وإن كانوا في حضنانته صدق في النفقة فيما يشبه والصلح جائز إلا ما جر إلى حرام ويجوز على الإقار والإنكار.

والأمة الغارة تتزوج على أنها حرة فلسيدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له ومن استحق أمة قد ولدت فله قيمتها وقيمة الولد يوم الحكم وقيل يأخذها وقيمة الولد وقيل له قيمتها فقط إلا أن يختار الثمن فيأخذه من الغاصب الذي باعها ول كانت بيد غاصب فعليه الحد ولولده رقيق معها لربها ومستحق الأرض بعد أن عمرت يدعف قيمة العمارة قائمة فإن أبى دفع إليه المشتري قيمة البقعة براحا، فإن أبى كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد والغاصب يؤمر بقلع بنائه وزرعه وشجره وإن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض والشجر ملقى بعد قيمة أجر من يقلع ذلك. ولا شيء عليه فيما لا قيمة له بعد القلع والهدم ويرد الغاصب الغلة ولا يردها غير الغاصب والولد في الحيوان وفي الرقيق إذا كان الولد من غير السيد يأخذه المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق عليه الحد وإصلاح السفل على صاحب السفل والخشب للسقف عليه وتعليق الغرف عليه إذا وهي السفل وهدم حتى يصلح ويجبر على أن يصلح أو يبيع ممن يصلح ولا ضرر ولا ضرار فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها أو فتح باب قبالة بابه أو حفر ما يضر بجاره فيحفره وإن كان في ملكه ويقضي بالحائط لمن إليه القمط والعقود ولا يمنع فضل الماء يمنع به الكلائا وأهل آبار الماشية أحق بها حتى يسقوا ثم الناس فيها سواء ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم برئر جاره وله زرع يخاف عليه فلا يمنع فضله واختلف هل عليه في ذلك ثمن أم لا وينبغي أن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبة في جداره ولا يقضي عليه. وما أفسدت الماشية من الزرع والحوائط بالليل فذلك على أرباب الماشية ولا شيء عليهم في إفساد النهار ومن وجد سلعته في التفليس فأما حاصص وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها وهو في الموت أسوة الغرماء والضامن غارم لماضمن وحميل اولجه إن لم تأت به غرم حتى يشترط أن لايغرم ومن أحيل بدين فرضى فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا إلا أن يغره منه وإنما الحوالة على أصل دين وإلا فهي حمالة ولا يغرم الحيمل إلا في عدم الغريم أو عيبته. ويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه ولا يحل ما كان له على غيره ولا

باب في الفرائض

تباع رقبة المأذون فيما عليه ولا يتبع به سيده، ويحسب المديان ليستبرأ ولا حبس على معدم وما انقسم بلا ضرر قسم من ربع وعقار وما لم ينقسم بغير ضرر فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه وقسم القرعة لا يكون إلا في صنف واحد ولا يؤدي أحد الشركاء ثمنا وإن كان في ذلك تراجع لم يجز القسم إلا بتراض. ووصي الوصي كالوصي وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم ومن أوصى إلى غير مأمون فإنه يعزل ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث ومن حاز دارا على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبها حاضر عالم لا يدعي شيئا فلا قيام له، ولا حيازة بين الأقارب والأصهار في مثل هذه المدة. ولا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو بقبضه ومن أوصى بحج أنفذ والوصية بالصدقة أحب إلينا وإذا مات أجير الحج قبل أن يصل فله بحساب ما سار وبرد ما بقي وما هلك بيده فهومنه إلا أن يأخذ المال على أن ينفق على البلاغ فالضمان من الذين واجروه وبرد ما فضل إن فضل شيء. باب في الفرائض ولا يرث من الرجال إلا عشرة: الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد للأب وإن علا والأخ وابن الأخ وإن بعد والعم وابن العم وإن بعد والزوج ومولى النعمة. ولا يرث من النساء غير سبع: البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والزوجة ومولاة النعمة. فميراث الزوج من الزوجة إن لم تترك ولدا ولا ولد ابن النصف فإن تركت ولدا أو ولد ابن منه أو من غيره فله الربع وترث هي منه الربع إن لم يكن له ولد ولا ولد ابن فإن كان له ولد أو ولد ابن منها أو من غيرها فلها الثمن. وميراث الأم من ابنها الثلث إن لم يترك ولدا أو ولد ابن أو اثنين من الإخوة ما كانوا فصاعدا إلا في فريضتين في زوجة وأبوين فللزوجة الربع وللأم ثلث ما بقي وما بقي للأب وفي زوج وأبوين فللزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وما بقي للأب، ولها في غير ذلك الثلث إلا ما نقصها العول إلا أن يكون للميت ولد أو ولد ابن أو اثنان من الإخوة ما كانا فلها السدس حينئذ.

وميراث الأب من ولده إذا انفرد ورث المال كله ويفرض له مع الولد الذكر أو ولد الابن السدس فإن لم يكن له ولد ولا ولد ابن فرض للأب السدس وأعطى من شركه من اهل السهام سهماهم ثم كان له ما بقي. وميراث الولد الذكر جميع المال إن كان وحده أو يأخذ ما بقي بعد سهام من معه من زوجة وأبوين أو جد أو جدة وابن الابن بمنزلة الابن إذا لم يكن ابن فإن كان ابن وابنة فللذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك في كثرة البنين والبنات وقلتهم يرثنون كذلك جميع المال أو ما فضل منه بعد من شركهم من أهل السهام. وابن الابن كالابن في عدمه فيما يرث ويحجب وميراث البنت الواحدة النصف والاثنتين فإن كثرن لم يزدن على الثلثين شيئا وابنة الابن كالبنت إذا لم تكن بنت وكذلك بناته كالبنات في عدم البنات فإن كانتا بنة وابنة ابن فللابنة النصف ولابنة الابن السدس تمام الثلثين وإن كثرت بنات الابن لم يزدن على ذلك السدس شيئا إن لم يكن معهن ذكر وما بقي للعصبة وإن كانت البنات اثنتين فصاعدا لم يكن لنبات البان شيئ إلا أن يكون معنن أخ فيكون ما بقي بينهن وبينه للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك إذا كان ذلك الذكر تحتهن بنات ابن معهن أو تحتهن ذكر كان ذلك بينه وبين أخواته أو من ففوقه من عمامته ولا يدخل في ذلك من دخل في الثلثين من بنات الابن. وميراث الأخت الشقيقة النصف والاثنتين فصاعدا الثلثان، فإن كانوا إخوة وأخوات شقائق أو لأب فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قلوا أو كثروا والأخوات مع البنات كالعصبة لهن يرثن ما فضل عنهن ولا يربى لهن معهن ولا ميراث للإخوة والأخوات مع الأب ولا مع الولد الذكر أو مع ولد الولد والإخوة لأب في عدم الشقائق كالشقائق ذكروهم وإناثهم فإن كانت أخت شقيقة وأخت أو أخوات لأب فالنصف للشقيقة ولمن بقى من الأخوات لأب السدس ولو كانتا شقيقتين لم يكن للأخوات لأب شيء إلا أن يكون معنن ذكر فيأخذن ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين. وميراث الأخت للأم والأخ للأم سواء السدس لكل واحد وإن كثروا فالثلث بينهم الذكر والأنثى فيه سواء ويحجبهم عن الميراث الولد وبنوه والأب والجد لأب

والأخ يرث المال إذا انفرد كان شقيقا أو لأب والشقيق يحبج الأخ لأب وإن كان أخ وأخت فأكثر شقائق أو لأب فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان مع الأخ ذو سهم بدئ بأهل السهام وكان له ما بقي وكذلك يكون ما بقي للإخوة والاخوات للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يبق شيء فلا شيء لهم إلا أن يكون في أهل السهام إخوة لأم قد ورثوا الثلث وقد بقي أخ شيق أو إخوة ذكور أو ذكرو وإناث شقائق معهم فيشاركون كلهم الإخوة لأم في ثلثهم فيكون بينهم بالسواء وهي الفريضة التي تسمى المشتركة ولو كان من بقي إخوة لأب لم يشاركوا الإخوة لأم لخروجهم عن ولادة الأم. وإن كان من بقي أختا أو أخوات لأبوين أو لأب أعيل لهن وإن كان من قبل الأم أخ واحد أو أخت لم تكن مشتركة وكان ما بقي للإخو إن كانوا ذكروا أو ذكروا وإناثا وإنكن إناثا لأبوين أولأب أعيل لهن والأخ للأب كالشقيق في عدم الشقيق إلا في المشتركة وابن الأخ كالأخ في عدم الأخ كان شقيقا ألأب ولا يرث ابن الأخ للأم والأخ لأبوين يحجب الأخ لأب والأخ لأب أولى من ابن أخ شقيق وابن أخ شقيق أولى من ابن أخ لأب وابن أخ لأب يحجب عما لأبوين وعم لأبوين يحجب عما لأب وعم لأب يحجب ابن عم لأبوين وابن عم لأبوين يحجب ابن عم لأب. وهكذا يكون الأقرب أولى ولا يرث بنو الأخوات ما كن ولا بنو البنات ولا بنات الأخ ما كان ولا بنات العم ولا جد لأم ولا عم أخو أبيك لأمه ولا يرث عبد ولا من فيه بقية رق ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولا ابن أخ لأم ولا جد لأم ولا أم أبي الأم ولا ترث أم أبي الأب مع ولدها أبي الميت ولا يرث إخوة لأم مع الجد لأب ولا مع الولد وولد الولد ذكرا كان الولد أو أنثى ولا ميراث لإخوة مع الأب ما كانوا ولا يرث عم مع الجد ولا ابن أخ مع الجد ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية ولا يرث قاتل الخطأ من الدية ويرث من المال وكل من لا يرث بحال فلا يجب وارثا. والمطلقة ثلاثا في المرض ترث زوجها إن مات من مرضه ذلك ولا يرثها وكذلك إن كان الطلاق واحدة وقد مات من مرضه ذلك بعد العدة وإن طلق الصحيح امرأته

طلقة واحدة فإنهما يتوارثان ما كانت في العدة فإن انقضت فلا ميراث بينهما بعدها ومن تزوج امرأة في مرضه لم ترثه ولا يرثها وترث الجدة لأم السدس وكذلك التي لأب فإن اجتمعتا فالسدس بينهما إلا أن تكون التي لأم أقرب بدرجة فتكون أولى بها لأنها التي فيها لانص وإن كانت التي لأب أقربهما فالسدس بينهما نصفين ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين أم الأب وأم الأم وأمهاتهما. ويذكر عن زيد بن ثابت أنه ورث ثلاث جدات واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب أم الأب وأم أبي الأب ولم يحفظ عنالخفاء توريث أكثر من جدتين. وميراث الجد إذا انفرد فله المال وله مع الولد الذكر أومع ولد الولد الذكر السدس فإن شركه أحد من أهل السهام غير الإخوة والأخوات فليقض له بالسدس فإن بقي شيء من المال كان له فإن كان مع أهل السهام أخوة فالجد مخير في ثلاثة أوجه يأخذ أي ذلك أفضل له إما مقاسمة الإخوة أوا لسدس من رأس المال أو ثلث ما بقي فإن لم يكن معه غير الإخوة فهو يقاسم أخا وأخوين أو عدلهما أربع أخوات. فإن زادوا فله الثلث فهو يرث الثلث مع الإخوة إلا أن تكون المقاسمة أفضل له والأخوة لأب معه في عدم الشقائق كالشقائق فإناجتمعوا عاده الشقائق بالذين لأب فمنعوه بهم كثرةالميراث ثم كانوا أحق منهم بذلك إلا أن يكون مع الجد أخت شقيقة ولها أخ لأب أو أخت لأن أو أخ وأخت لأب فتأخذ نصفها مما حصل وتسلم ما بقي إليهم ولا يربى للأخوات معالجد إلا في الغراء وحدها وسنذكرها بعد هذا ويرث المولى الأعلى إذا انفرد جميع المال كان رجلا أو امرأة فإن كان معه أهل سهم كان للمولي ما بقي بعد أهل السهام. ولا يرث المولي مع العصبة وهو أحق من ذوي الأرحام الذي لا سهم لهم في كتاب الله عز جل ولا يرث من ذوي الأرحام إلا من له سهم في كتاب الله ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو جر ممن أعتق إليهن بولادة أوعتق وإذا اجتمع من له سهم معلوم في تاب الله وكان ذلك أكثر من المال أدخل عليهم كلهم الضرر وقسمت الفريضة على مبلغ سهامهم ولا يعال لأخت مع الجد إلا في الغراء وحدها وهي امرأة تركت زوجها وأمها وأختها لأبوين أو لأب وجدها فللزوج النصف واللأم

باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

الثلث وللجد السدس فلما فرغ المال أعيل للأخت بالنصف ثلاثة ثم جمع إليها سهم الجد فيقسم جميع ذلك بينهما على الثلث لها والثلثين له فتبلغ سبعة وعشرين سهما. باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب الوضوء للصلاة فريضة وهو مشتق من الوضاءة إلا المضمضمة والاستنشاق ومسح الأذنين منه فإن ذلك سنة والسواك مستحب مرغب فيه والمسح على الخفين رخصة وتخفيف والغسل من الجنابة ودم الحيض والنفس فريضة وغسل الجمعة سنة وغسل العيدين مستحب والغسل على من أسلم فريضة لأنه جنب وغسل الميت سنة والصلوات الخمس فريضة وتكبيرة الإحرام فريضة وباقي الكتبير سنة والدخول في الصلاة بنية الفرض فريضة ورفع اليدين سنة والقراءة بأم القرآن في الصلاة فريضة. وما زاد عليها سنة واجبة والقيام والركوع والسجود فريضة والجلسة الأولى سنة والثانية فريضة والسلام فريضة والتيامن به قليلا سنة وترك الكلام في الصلاة فريضة والتشهدان سنة والقنوت في الصبح حسن وليس بسنة واستقبال القبلة فريضة وصلاة الجمعة والسعي إليها فريضة والوتر سنة واجبة. وكذلك صلاة العيدين والخسوف والاستسقاء وصلاة الخوف واجبة أمر الله سبحانه وتعالى بها وهو فعل يستدركون به فضل الجماعة والغسل لدخول مكة مستحب والجمع ليلة المطر تخفيف وقد فعله الخلفاء الراشدون والجمع بعرفة والمزدلفة سنة واجبة. وجمع المسافر في جد السير رخصة وجمع المريض يخاف أن يغلب على عقله تخفيف وكذلك جمع لعلة فيكون ذلك أرفق به والفطر في السفر رخصة والإقصار فيه واجب وركعتا الفجر من الرغائب وقيل من السنن. وصلاة الضحى نافلة وكذلك قيام رمضان نافلة وفيه فضل كبير ومن قمه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه والقيام من الليل في رمضان وغيره من النوافل المرغب فيها والصلاة عل موتى المسلمين فريضة يحملها من قام بها وكذلك مواراتهم بالدفن وغسلهم سنة واجبة وكذلك طلب العلم فريضة عامة يحملها من قام بها إلا ما يلزم الرجل في خاصة نفسه وفريضة الجهاد عامة يحملها من قام بها إل أن يغشى العدو محلة قوم فيجب فرضا عليهم قتاهلم إذا كانوا مثلي عددهم.

والرباط في ثغور المسلمين وسدها وحياطتها واجب يحمله من قام به وصوم شهر رمضان فريضة والاعتكاف نافلة والتنفل بالصوم مرغب فيه. وكذلك صوم يوم عاشوراء ورجب وشعبان ويوم عرفة والتروية وصوم يوم عرفة لغير الحاج أفضل منه للحاج وزكاة الفطر سنة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحج اليبت فريضة والعمرة سنةواجبةوالتلبية سنة واجبة والنية بالحج فريضة والطواف للإفاضة فريضة والسعي بين الصفا والمروة فريضة والطواف المتصل به واجب والطواف للإفاضة فريضة ولاسعي بين الصفا والمروة فريضة والطواف المتصل به واجب وطواف الإفاضة آكد منه والطواف للوداع سنة والمبيت بمنى ليلة يوم عرفة سنة والجمع بعرفة واجب والوقوف بعرفة فريضة ومبيت المزدلفة سنة واجبة ووقوف المشعرة الحرام مأمور به ورمي الجمار سنة واجبة. وكذلك الحلاق وتقبيل الركن سنة واجبة والغسل للإحرام سنةو الركوع عند الإحرام سنة وغسل عرفة سنة والغسل لدخول مكة مستحب والصلاة في الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة والصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فذا أفضل من الصلاة في سائر المساجد واختلف في مقدار التضعيف بذلك بين المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يختلف أن الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه وسوى المسجد الحرام من المساجد وأهل المدينة يقولون إن الصلاة فيه أفضل منالصلاة في المسجد الحرام بدون الألف، وهذا كله في الفرائض وأما النوافل ففي البيوت أفضل والتتنفل بالركوع لأهل مكة أحب إلينا من الطواف، والطواف للغرباء أحب إلينا من الركوع لقلة وجود ذلك لهم ومن الفرائض غض البصر عن المحارم وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج ولا في النظرة إلى المتجالة ولا في النظر إلى الشابة لعذر من شهادة عليها وشبهه وقد أرخص في ذلك للخاطب. ومن الفرائض صون اللسان عن الكذب والزور والفحشاء والغيبة والنميمة والباطل كله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " وقال عليه السلام " من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه". وحرم الله سبحانه دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم إلا بحقها ولا يحل دم امرئ

مسلم إلا أن يكفر بعد إيمانه أو يزني بعد إحصانه أو يقتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض أو يمرق من الدين ولتكف يدك عما لا يحل لك من مال أو جسد أو دم ولا تسع بقدميك فيما لا يحل لك ولا تباشر فرجك أو بشيء من جسدك ما لا يحل لك قال الله سبحانه: {والذين هم لفروجهم حافظون} إلى قوله: {فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 5 - 7]. وحرم الله سبحانه الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن يقرب النساء في دم حيضهن أو نفاسهن وحرم من النساء ما تقدم ذكرنا إياه وأمر بأكل الطيب وهو الحلال فلا يحل لك أن تأكل إلا طيبا ولا تركب إلا طيبا ولا تسكن إلا طيبا وتسعمل سائر ما تنتفع به طيبا ومن رواء ذلك مشتبهات من تركها سلم ومن أخذها كان كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وحرم الله سبحانه أكل المال بالباطل ومن الباطل الغصب والتعدي والخيانة والربا والسحت والقمار والغرر والغش والخديعة والخلابة. وحرم الله سبحانه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وما ذبح لغير الله وما أعان على موته ترد من جبل أو وقذة بعصا أو غيرها والمنخنقة بحبل أو غيره إلا أن يضطر إلى ذلك كالميتة. وذلك إذا صارت بذلك إلى حال لا حياة بعده فلا ذكاة فيها ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها طرحها ولا بأس بالانتفع بجلدها إذا دبغ ولا يصلى عليه ولا يباع ولا بأس بالصلا على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في الحياة وأحب إلينا أن يغسل ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها وكره الانتفاع بأنياب الفيل وكل شيء من الخنزير حرام وقد أرخص في الانتفاع بشعره. وحرم الله سبحانه شرب الخمر قليلها وكثيرا وشراب العرب يومئذ فضيخ التمر وبين الرسول عليه السلام أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام وكل ما خامر العقل وأسكره من كل شراب فهو خمر وقال الرسول عليه السلام: " إن الذي حرم شربها حرم بيعها".

ونهى عن الخليطين من الأشربة وذلك أن يخلطا عند الانتباذ وعند الشرب ونهى عن الانتباذ في الدباء ولمزفت ونهى عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل لحوم الحمر الأهلية ودخل مدخلها لحوم الخيل والبغال لقول الله تبارك وتعالى: لتركبوها وزينة، ولا ذكاة في شيء منها إلا في الحمر الوحشية ولا بأس بأكل سباع الطير وكل ذي مخلب منها. ومن الفرائض بر الوالدين وإن كانا فاسقين وإن كانا مشركين فليقل لهما قولا لينا وليعاشرهما بالمعروف ولا يطعهما في معصية كما قال الله سبحانه وتعالى. وعلى المؤمن أن يستغفر لأبويه وعليه موالاة المؤمنين والنصيحة لهم ولا يبلغ أحد حقيقة الإيمامن حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه كذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أن يصل رحمه ومن حق المؤمن على المؤمن أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض ويشمته إذا عطس ويشهد جنازته إذا مات ويحفظه إذا غاب في السر والعلانية، ولا يهجر أخاه فوق ثلاث ليال والسلام يخرجه من الهجران ولا ينبغي له أن يترك كلامه بعد السلام. والهجران الجائز هجران ذي البدعة أو متجاهر بالكبائر لا يصل إلى عقوبته ولا يقدر على موعظته أو لا يقبلها ولا غيبة في هذين في ذكر حالهما ولا فيما يشاور لنكاح أو مخالطة ونحوه ولا في ترجيح شاهد ونحوه. ومن مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك وجماع آداب الخير وأزمته تتفرع عن أربعة أحاديث قول النبي عليه السلام: " من كان يومن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" وقوله عليه السلام" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وقوله عليه السلام للذي اختصر له في الوصية " لا تغضب" وقوله عليه السلام: " المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه" ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله ولا أن تتلذذ بسماع كلام امرأة لا تحل لك ولا سماع شيء من الملاهي والغناء، ولا قراءة القرآن باللحون المرجعة كترجيح الغناء وليجل كتاب الله العزيز أن يتلى إلا بسكينة ووقار وما يوقن أ، الله يرضى به ويقرب منه مع إحضار الفهم لذلك

باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

ومن الفرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من بسطت يده في الأرض وعلى كل ما تصل يده إلى ذلك فإن لم يقدر بلسانه فإن لم يقدر فبقلبه. وفرض على كل مؤمن أن يريد بكل قول وعمل من البر وجه الله الكريم ومن أراد بذلك غير الله لم يقبل عمله والرياء الشرك الأصغر والتوبة فريضة من كل ذنب من غير إصرار والإصرارا المقام على الذنب واعتقاد العود إليه. ومن التوبة رد المظالم واجتناب المحارم والنية أن لا يعود وليستغفر الله ربه ويرجو رحمته ويخاف عذابه ويتذكر نعمته لديه ويشكر فضله عليه بالأعمال بفرائضه وترك ما يكره لعله ويتقرب إليه بما تيسر له من نوافل الخير وكل ما ضيع من فرائضه فليفعه الآن. وليرغب إلى الله في تقلبه ويتوب إليه من تضييعه وليلجأ إلى الله فيما عسر عليه من قياد نفسه ومحاولة أمره موقنا أنه المالك لصلاح شأنه وتوفيقه وتسديده لا يفارق ذلك على ما فيه من حسن أو قبيح ولاييأس من رحمة الله والفكرة في أمر الله مفتاح العبادة فاستعن بذكر الموت والفكرة فيما بعده وفي نعمة ربك عليك وإمهاله لك وأخذه لغيرك بذنبه وفي سالف ذنبك وعاقبة أمرك ومبادرة ما عسى أن يكون قد اقترب من أجلك. باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك ومن الفطرة خمس قص الشارب وهو الإطار وهو طرف الشعر المستدير على الشفة لا إحفاؤه والله أعلم وقص الأظافر ونتف الجناحين وحلق العانة ولا بأس بحلاق غيرها من شعر الجسد والختان للرجال سنة والخفاض للنساء مكرمة. وأمر النبي أن تعفى اللحى وتوفر ولا تقص قال مالك: ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين ويكره صباغ الشعر بالسواد من غير تحريم ولا بأس به بالحناء والكتم. ونهى الرسول عليه السلام الذكور عن لباس الحرير وتختم الذهب وعن التختم بالحديد ولا بأس بالفضة في حلية الخاتم والسيف والمصحف ولا يجعل ذلك في لجام ولا سرج ولا سكين ولا في غير ذلك.

باب في الطعام والشراب

ويتختم النساء بالذهب ونهى عن التختم بالحديد والاختيار مما رويى في التختم، التختم في اليسار لأن تناول الشيء باليمين فهو يأخذه باليمين ويجعل في يساره واختلف في لباس الخز فأجيز وكره وكذلك العلم في الثوب من الحرير إزاره بطرا ولا ثوبه من الخيلاء وليكن إلى الكعبين فهو أنظف لثوبه وأتقى لربه. وينهى عن اشتمال الصماء وهي على غير ثوب يرفع ذلك من جهة واحدة ويسدل الأخرى وذلك إذا لم يكن تحت اشتمالك ثوب واختلف فيه على ثوب ويؤمر بستر العورة وأزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه والفخذ عورة وليس كالعورة نفسها ولا يدخل الرجل الحمام إلا بمئزر ولا تدخله المرأة إلا من علة، ولا يتلاصق رجلان ولا امرأتان في لحاف واحد. ولا تخرج المرأة إلا مستترة فيما بلا بد لها منه من شهود موت أبويها أو ذي قرابتها أو نحو ذلك مما يباح لها ولا تحضر من ذلك ما فيه نوح نائحة أو لهو من مزمار أو عود أو شبهة من الملايه الملهية إلا الدف في النكاح وقد اختلف في الكبر ولا يخرو رجل بامرأة ليست منه بمحرم ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليها أو نحو ذلك أو إذا خطبها، وأما المتجالة فله أن يرى وجهها على كل حال. وينهى النساء عن وصل الشعر وعن الوشم ومن لبس خفا أو نعلا بدأ بيمينه وإذا نزع بدأ بشماله ولا بأس بالانتعال قائما ويكره المشي في نعل واحد وتكره التماثيل في الأسرة والقباب والجدران والخاتم ولبس الرقم في الثوب من ذلك وتركه أحسن. باب في الطعام والشراب وإذا أكلت أو شربت فواجب عليك أن تقول باسم الله وتتناول بيمينك فإذا فرغت فتقل الحمد لله. وحسن أن تلعق يدك قبل مسحها ومن آداب الأكل أن تجعل لبطنك ثلثا للطعام وثلثا للماء وثلثا للنفس، وإذا أكلت مع غيرك أكلت مما يليك ولا تأخذ لقمة حتى تفرغ الأخرى ولا تتنفس في الإناء عند شربك ولتبن القدح عن فيك ثم تعاوده إن شئت ولا تعب الماء عبا ولتمصه مصا وتلوك طعامك وتنعمه مضغا قبل بلعه وتنظف فاك بعد طعامك وإن غسلت يديك من الغمر واللبن فحسن وتخلل ما تعلق

باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

بأسنانك من الطعام ونهى الرسول عليه السلام عن الأكل والشرب بالشمال وتناول إذا شربت م نعلى يمينك. ونهى عن النفخ في الطعام والشراب والكتاب وعن الشرب في آنية الذهب والفضة ولا بأس بالشرب قائما ولا ينبغي لمن أكل الكراث أو الثوم أو البصل نيا أو يدخل المسجد، ويكره أن يأكل متكئا ويكره الأكل من رأس الثريد نهى عن القران في التمر وقيل إن ذلك مع الأصحاب الشركاء فيه ولا بأس بذلك مع أهلك أو مع قوم تكون أنت أطعمتهم ولا بأس في التمر وشبهه أن تجول يدك في الإناء لتأكل ما تريد منه وليس غسل اليد قبل الطعام من السنة إلا أن يكون بها أذى وليغسل يده وفاه بعد الطعام من الغمر وليمضمض فاه من اللبن. وكره غسل اليد بالطعام أو بشيء من القطاني وكذلك بالنخالة وقد اختلف في ذلك ولتجب إذا دعيت إلى وليمة العرس إن لم يكن هناك لهو مشهور ولا منكر بين وأنت في الأكل بالخيار وقد أرخص مالك في التخلف لكثرة زحام الناس فيها. باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر ورد السلام واجب والابتداء به سنة ومرغب فيها والسلام أن يقول الرجل السلام عليكم ويقول الراد وعليكم السلام أو يقول سلام عليكم كما قيل له وأكثر ما ينتهي السلام إلى البركة أن تقول في ردك وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ولا تقل في ردك سلام الله عليك. وإذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم وكذلك إن رد واحد منهم وليسلم الراكب على الماشي والماشي على الجالس والمصافحة حسنة وكره مالك المعانقة وأجازها ابن عيينة، وكره مالك تقبيل اليد وأنكر ما روى فيه ولا تبتدئ اليهود النصارى بالسلام فمن سلم على ذمي فلا يستقيله وإن سلم على اليهودي أو النصراني فليقل عليك ومن قال عليك السلام بكسر السين وهي الحجارة فقد قيل ذلك. والاستئذان واجب فلا تدخل بيتا في أحد حتى تستأذن ثلاثا فإن أذن لك وإلا رجعت ويرغب في عيادة المرضى ولا يتناجى اثنان دون واحد وكذلك جماعة إذا أبقوا.

واحدا منهم وقد قيل لا ينبغي ذلك إلا بإذنه وذكر الهجرة قد تدقم في باب قبل هذا قال معاذ بن جبل ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. وقال عمر أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهييه، ومن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أصبح وأمسى" اللهم بك نصبح وبك نمسي وبك نحيا وبك نموت" ويقول في الصباح " وإليك النشور" وفي المساء" وإليك المصير" ورويى مع ذلك " اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا في كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من ور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضرح تكشفه أو ذنب تغفره أو شدة تدفعها أو فتنة تصرفها او معافاة تمن بها برحمتك إنك على كل شيء قدير". ومن دعائه عليه السلام عند النوم أنه كان يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن واليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول: " اللهم باسمك وضعت جنبي وبك أرفعه اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك رهبة منك ورغبة إليك لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك أستغفرك وأتوب إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فاغفر لي ما قدمت ما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت رب قني عذابك يوم تبعث عبادك. ومما روي في الدعاء عند الخروج من المنزل " اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أذل أو أذل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو أجهل أو يجهل علي" وروي في دبر كل صلاة أن يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويكبر الله ثلاثا وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وعند الخلاء تقول الحمد لله الذي رزقني لذته وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوته. وتتعوذ من كل شيء تخافه وعند ما تحل بموضع أو تجلس بمكان أو تنام فيه تقول أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ومن التوذ أن تقول أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم

باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالملوك

من شر ما خلق وذرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيه ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن فتنة الليل والنهار. ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ويقال في ذلك أيضا ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ويستحب لمن دخل منزله أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله ويكره العمل في المسجاد من خياطة ونحوها ولا يغسل يديه فيه ولا يأكل فيه إلا مثل الشيء الخفيف كالسويق ونحوه ولا يقص فيه شاربه ولا يقلم فيه أظفاره وإن أخذه في ثوبه ولا يقتل فيه قملة ولا برغوثا وأرخص في مبيت الغرباء في مساجد البادية ولا ينبغي أن يقرأ في الحمام إلا الآيات اليسيرة ولا يكثر ويقرأ الراكب والمضطجع والماشي من قرية إلى قرية، ويكره ذلك للماشي إلى السوق وقد قيل إن ذلك للمتعلم واسع. ومن قرأ القرآن في سبع فذلك حسن والتفهم من قلة القراءة أفضل وروى أن النبي عليه السلام لم يقرأه في أقل من ثلاث ويتسحب للمسافر أن يقول عند ركوبه باسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقل وسوء المنظر في الأهل والمال ويقول الراكب إذا استوى على الدابة سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون. وتكره التجارة إلى أرض العدو وبلد السودان وقال النبي عليه السلام قطعة من العذاب ولا ينبغي أن تسافر المرأة مع غير ذي محرم منها سفر يوم وليلة فأكثر إلا في حج الفريضة خاصة في قول مالك في رفقة مأمومنة وإن لم يكن معها ذو محرم فذلك لها. باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالملوك ولا بأس بالاسترقاق من العين وغيرها والتعوذ والتعالج وشرب الدواء والقصد والكي والحجامة حسنة والكحل للتداوي للرجال جائز وهو من زينة النساء ولا يتعالج بالخمر ولا بالنجاسة ولا بما فيه ميتة ولا بشء مما حرم الله سبحانه وتعالى ولا بأس بالاكتواء ولا بأس بالرقي بكتاب الله وبالكلام الطيب ولا بأس بالمعاذة تعلق وفيها القرآن وإذا وقع الوباء بأرض قوم فلا يقدم عليه ومن كان بها فلا يخرج فرارا منه. وقال الرسول عليه السلام في الشؤم إن كان ففي المسكن والمرأة والفرس وكان

باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي ويغير ذلك

عليه السلام يكره سيء الأسماء ويحب الفأل الحسن والغسل للعين أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب على المعين، ولا ينظر في النجوم إلا ما يستدل به على القبلة وأجزاء الليل ويترك ما سوى ذلك ولا يتخذ كلب في الدور في الحضر ولا في دور البادية إلا لزرع أو ماشية يصحهبا في الصحراء ثم يروح معها أو لصيد يصطاده لعيشه لا للهو. ولا بأس بخصاء الغنم لما فيه من صلاح لحومها ونهى عن خصاء الخيل ويكره الوسم في الوجه ولا بأس به في غير ذلك ويترفق بالمملوك ولا يكلف من العمل ما لا يطيق. باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي ويغير ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرؤيا الحسنة من الرجل الصالج جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ومن رأى منكم ما يكره في منامه فإذا استيقظ فليتفل عن يساره ثلاثا وليقل اللهم إني أعوذ بك من شر ما رأيت في منامي أن يضرني في ديني ودنياي" ومن تثاءت فليضع يده على فيه ومن عطس فليقل الحمد لله وعلى من سمعه يحمد الله أن يقول له يرحمك الله ويردالعاطس عليه يغفر الله لنا ولكم أو يقول يهديكم الله ويصلح بالكم ولايجوز اللعب بالنرد ولا بالشطرنج ولا بأس أن يسلم على من يلعب بها ويكره الجلوس إلى من يلعب بها والنظر إليهم ولا بأس بالسبق بالخيل والإبل وبالسهام بالرمي وإن أخرجا شيئا جعلا بينهما محللا يأخذ ذلك المحلل إن سبق هو وإن سبق غيره لم يكن عليه شيء هذا قول ابن المسيب. وقال مالك إنما يجوز أن يخرج الرجل سبقا فإن سبق غيره أخذه وإن سبق هو كان للذي يليه من المتسابقين وإن لم يكن غير جاعل السبق وآخر فسبق جاعل السبق أكله من حضر ذلك وجاء يفما ظهر من الحيات بالمدينة أن تؤذن ثلاثاوإن فعل ذلك في غيرها فهو حسن ولا تؤذن في الصحراء ويقتل ما يظهر منها ويكره قتل القمل والبراغيث بالنار ولا بأس إن شاء الله بقتل النمل إذا آذت ولم يقدر على تركها ولو لم تقتل كان أحب إلنا إن كان يقدر على تركها.

ويقتل الوزغ ويكره قتل الضفادع وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله أذهب عنكم غييبة الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي أو فاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب". وقال النبي عليه السلام في رجل تعلم أنساب الناس: " علم لا ينفع وجهالة لا تضر". وقال عمر: تعملوا من أنسابكم ما تصلون به أرحكامكم وقال مالك: وأكره أن يرفع في النسبة فيما بقل الإسلام من الآباء. والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ومن رأى في منامه ما يكره فليتفل عن يساره ثلاث وليتعوذ من شر ما رأى ولا ينبغي أن يفسر الرؤيا من لا علم له بها ولا يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه ولا بأس بإنشاد الشعر وما خف من الشعر أحسن ولا ينبغي أن يكثر منه ومن الشغل به. وأولى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله علم دينه وشرائعه مما أمر به ونهى عنه ودعا إليه وحض عليه في كتابه وعلى لسان نبيه والفقه في ذلك والفهم فيه والتهمم برعايته والعمل به. والعمل أفضل الأعمال وأقر العلماء إلى الله تعالى وأولاهم به أكثرهم له خشية وفيما عنده رغبة والعلم دليل إلى الخيرات وقائد إليها والملجأ إلى كتاب الله عز جل وسنة نبيه واتباع سبيل المؤمنين وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة ففي المفزع إلى ذلك العصمة وفي اتباع السلف الصالح النجاة وهم القدوة في تأويل ما تأولوه واستخراج ما استنبطوه وإذا اختلفوا في الفروع والحوادث لم يخرج عن جماعتهم والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: قد أتينا على ما شرطنا أن نأتي به في كتابنا هذا مما ينتفع به إن شاء الله من رغب في تعليم ذلك من الصغار ومن احتاج إليه من الكبار وفيه ما يؤدي الجاهل إلى علم ما يعتقده من دينه ويعمل به من فرائضه ويفهم كثيرا من أصول الفقه وفنونه ومن السنن والرغائب والآداب وأنا أسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياك بما علمنا ويعيننا وإياك على القيام بحقه فيما كلفنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آهل وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

§1/1