شرح رسالة محمد بن عبد الوهاب في شروط الصلاة وأركانها وواجباتها

ابن باز

شرح رسالة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في شروط الصلاة وأركانها وواجباتها. لسماحة الشيخ الإمام العَلاّمة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز قدَّس الله روحه، وجزاه عنا وعن المسلمين أفضل الجزاء. اعتنى به الفقير إلى عفو ربه: أبو القاسم المحمادي سامحه الله، وغفر له، ولوالديه، ولجميع المسلمين.

مقدمة المعتني:

مقدمة المعتني: الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه, نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله, وعلى آله، وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أمَّا بعد: فهذا شرح رسالة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في شروط الصلاة وأركانها وواجباتها، لسماحة الإمام العَلاّمة، المحدِّث الفقيه، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز-رحمه الله-، وهو شرح تميز بالعناية بالدليل، فقد كان -رحمه الله- عالماً كبيراً بالحديث والفقه، وأقواله -رحمه الله- من أعدل الأقوال؛ لأنها نابعة من نصوص الكتاب والسنة. وكذلك تميز هذا الشرح المبارك بالاختصار مع الإيضاح فصار يستفيد منه كل أحد: العامي، وطالب العلم المبتدي؛ لأن ليس فيه غموض ولا استطراد، ولا استعمال للاصطلاحات البعيدة، ولا يستغني عنه من بلغ في العلم القمة؛ لأن فيه اختيارات الشيخ وتوجيهاته. ولما رأيت قلة ما نشر للشيخ من شروح فقهية سواء من قبل مؤسسة الشيخ أو طلابه، رغبت في المساهمة في إخراج بعض إرث الشيخ -رحمه الله- العلمي للأمة، فحرصت على نشر هذا الشرح والعناية به وترتيبه؛ لتعم الفائدة به وليستفيد منه من لم يتيسر له سماعه، وحتى يبقى النفع به ما شاء الله تعالى. وقد بذلت فيه وسعي، فما وجد فيه من صواب وفائدة فالفضل فيه راجع إلى الله وحده، وما وجد فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله وأتوب إليه. مصدر هذا الشرح المبارك: شريط صوتي واحد (كاسيت) من إصدار تسجيلات البردين الإسلامية - الرياض - الدائري الجنوبي - مخرج 24 - شارع الترمذي. منهجي الذي سلكته في إخراج هذا الشرح: - قابلت المتن المشروح على مطبوعة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. - وضعت عناوين للمتن، تُعرِّف بالبحث الذي يتناوله الماتن والشارح، وجعلتها بين قوسين معكوفين هكذا [ ..... ]. - كتبت الشرح، وقابلته على أصله -وهو المادة الصوتية- أكثر من مرة. - جعلت شرح الشيخ كالحاشية على المتن، تسهيلاً على القارئ الكريم في تسلسل أفكاره. - عزوت الآيات إلى أماكانها من المصحف. - ولما كان يعتري الشرح بالتقرير ما يعتريه من النقص أو الزيادة أو التكرار أو التقديم أو التأخير، اجتهدت في إخراج الشرح بألفاظ الشيخ ما أمكن ولم أغير فيه إلا ما ندر، مثل ما يكرره الشيخ من معلومات سبق أن ذكرها ويضيف أمراً جديداً لم يذكره فأحذف المكرر وأضم الجديد إلى ما سبق، ونحو ذلك وهو قليل. - كان الحضور من طلبة العلم يسألون الشيخ أسئلة مهمة، فما رأيته متصلاً بالموضوع ألحقته بالشرح وعنونت عليه بـ (مسألة)، وقد لا أفعل ذلك لصلة السؤال القوية بما قاله الشيخ في الشرح فأحذف السؤال وأضع جواب الشيخ في مكانه المناسب من الشرح وهذا قليل، وما لم يكن من الأسئلة متصلاً بالشرح جعلته في ملحق خاص في آخر هذا الشرح المبارك، وليعلم القارئ الكريم أن المنتج للشرح الصوتي كان يحذف الكثير من أسئلة الحضور حتى يصدر الشرح في شريط واحد، ذكرت هذا حتى لا يستغرب القارئ قلة هذه الأسئلة. وأرجو من كل أخ يطلع على هذا الشرح، أن ينشره بين الناس بوسائل نشر العلم المختلفة، على قدر استطاعته وحسب مقدرته، حتى ينتشر العلم ويعم الخير ويكثر، وحتى يقل الجهل والشر أو يزول، وأرجو من تكون له ملاحظة أو توجيه أن يفيدني به، وله مني الدعاء بالتوفيق والصلاح والرشاد. والله المسؤول أن يعلي منزلة الشيخ، وأن يجمعنا وإياه ووالدينا في جنات النعيم، وأن يعمم النفع بهذا الشرح، وأن يجعل السعي فيه خالصاً لوجهه الكريم، وسبباً للفوز لديه بجنات النعيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين. المعتني: أبو القاسم المحمادي [email protected]

[شروط الصلاة:]

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: (بسم الله الرحمن الرحيم، ............................................ [شروط الصلاة:] شروط الصلاة تسعة (¬1): الإسلام، والعقل، والتمييز، ورفع الحدث، وإزالة النجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية. ¬

_ قال سماحة الإمام العَلاّمة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى-: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذه رسالة كان العلماء يعلمونها الناس، والجماعة في المساجد مع الأصول الثلاثة؛ حتى يتفقهوا في أصول دينهم، وفي صفة الصلاة، وأركانها، وواجباتها؛ لأن كل مسلم محتاج إلى ذلك. والمؤلف هو: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي -رحمة الله عليه-، شيخ الإسلام في عصره، والمجدد لما اندرس من معالم الإسلام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، في هذه الجزيرة العربية، والمتوفى سنة ست ومئتين وألف من الهجرة النبوية. (1) وهذا أمر معروف لأهل العلم، والشرط هو: الذي لا يلزم من وجوده الوجود، لكن يلزم من عدمه العدم، فمتى عدم الشرط عدم المشروط، لكن لا يلزم من وجوده الوجود حتى تستكمل الشروط كلها مع الواجبات والفرائض، وهذه الشروط من أولها إلى آخرها لا بُدَّ منها في الصلاة فإذا استكملت صحت الصلاة.

الشرط الأول: الإسلام

والشرط الأول: الإسلام (¬1)، وضده الكفر، والكافر عمله مردود ولو عمل أي عمل، والدليل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة:17]، وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان: 23]. الشرط الثاني: العقل (¬2)، وضده الجنون، والمجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق، والدليل حديث: «رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ». ¬

_ (¬1) الشرط الأول: الإسلام، يعني: لا بُدَّ أن يكون حين دخوله في الصلاة إلى أن يخرج منها مسلم، فإن صلى وهو كافر فصلاته غير صحيحة؛ لقوله جل وعلا: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة:17]، وقوله جل وعلا: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 153]، وقوله سبحانه: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5]، وقوله سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان: 23]، فكل إنسان يحكم بكفره، فصلاته غير صحيحة، فلو صلى قبل الدخول في الإسلام، لم تصح حتى يدخل في الإسلام. (¬2) الشرط الثاني: العقل، بأن يكون عنده عقل، يميز بين ما يضره وما ينفعه، وبين الخير والشر، أما إن كان مجنوناً أو معتوهاً ما يميز، فلا صلاة له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ» .....

الشرط الثالث: التمييز

الشرط الثالث: التمييز (¬1)، وضده الصغر، وحده سبع سنين، ثم يؤمر بالصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع». الشرط الرابع: رفع الحدث (¬2)، وهو الوضوء المعروف، وموجبه الحدث. ¬

_ (¬1) الشرط الثالث: التمييز، وضده الصغر، وحده سبع سنين، ثم يؤمر بالصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر»، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «الصغير حتى يبلغ»، يعني: غير مكلف، ولا يكون مكلفاً بحيث يأثم إلا بعد البلوغ، ولكن يؤمر بها قبل هذا السن تمهيداً وتمريناً على الصلاة؛ حتى إذا بلغ فإذا هو قد اعتادها وتمرَّن عليها. (¬2) الشرط الرابع: رفع الحدث، أي: كونه يتطهر من الحدثين الأكبر والأصغر، فلا بُدَّ أن يكون على طهارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، فلا بُدَّ من رفع الحدث بالماء عند وجوده، أو التيمم عند عدم الماء أو العجز عنه .........

[شروط الوضوء:]

[شروط الوضوء:] وشروطه عشرة (1): الإسلام، والعقل، والتمييز (2)، والنية (3)، واستصحاب حكمها (4) بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة، وانقطاع موجب (5)، واستنجاء أو استجمار قبله (6)، وطهورية ماء (7)، وإباحته (8)، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة (9)، ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه (10). ¬

_ (1) يعني: لا يصح الوضوء إلا بعشرة شروط. (2) يعني: كونه يتوضأ وهو مسلم، عاقل، مميز. (3) يعني: نية الطهارة، بأن ينوي الطهارة من الحدث الذي حصل منه، من بول، أو ريح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات». (4) بأن تبقى معه النية حتى يكمل الوضوء، فلو غسل وجهه ويديه ثم رجع عن الوضوء، ثم طرأ عليه أن يكمل، فإنه يعيد الوضوء من أوله؛ لأنه قد بطل وضوءه لما قطع النية. (5) بأن يتوضأ بعد أن انقطع عنه موجب، وهو البول أو الغائط مثلاً، فلو توضأ والبول يخرج منه ما صح حتى ينقطع عنه الموجب ويستنجي. (6) لا بُدَّ أن يسبق الوضوء استنجاء أو استجمار بعد الحدث من البول أو الغائط يستنجي بالماء أو يستجمر بالحجارة ثلاث مرات فأكثر، فشرط الاستجمار أن يكون ثلاثاً فأكثر وينقي المحل. (7) يعني: كون الماء طهوراً. (8) يعني: ليس بمغصوب، ولا محرم. - مسألة: هل يصح الوضوء في آنية الذهب والفضة؟. الجواب: آنية الذهب والفضة لا يجوز استعمالها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن استعمالها، ولكن الوضوء فيها يصح مع التحريم؛ لأنه حصل به المقصود. وبعض أهل العلم منع ذلك، ومنه قول المؤلف: (وإباحته)؛ لأن استعمال أواني الذهب والفضة غير مباح، مثل المغصوب، فلا يصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، وهذا له وجهه الشرعي. ومن قال بصحته قال: المقصود الطهارة وقد حصلت بالماء، والإثم لا يمنع، مثل لو مرَّ على حوض أو بركة وتوضأ منه ولم يستأذن أهله، أو تيمم من تراب أرض لم يستأذن أهلها وما أشبه ذلك، فالمقصود الطهارة وقد حصلت، والإثم في كونه استعمل شيئاً لا يجوز له لا يمنع صحة الوضوء، ولأن المنهي عنه الغصب والظلم، وليس منهيَّاً عن الوضوء، ولكن الأحوط للمؤمن أن يعيد الوضوء ويبتعد عن مسائل الخلاف، وأن لا يتوضأ إلا من ماء مباح، ولذا جزم المؤلف بأن الإباحة شرط لصحة الصلاة؛ عملاً بالأصل: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه». (9) يعني: كون المتوضئ يزيل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، إن كان على وجهه أو يده، كعجين أو نحوه من الأشياء التي تمنع الماء من الوصول إلى البشرة. - مسألة: ما حكم البوية، هل تمنع من وصول الماء إلى البشرة؟ الجواب: البوية تختلف، فإن كان لها جرم يزيلها، وإن لم يكن لها جرم، بل هي صبغة، فلا تضر، ولا تمنع من وصول الماء إلى البشرة. (10) كالمستحاضة، وصاحب السلس، يتوضأ إذا دخل الوقت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: «توضئي لوقت كل صلاة».

[فروض الوضوء:]

[فروض الوضوء:] وأما فروضه، فستة: غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق، وحده طولاً من منابت الشعر إلى الذقن، وعرضاً إلى فروع الأذنين، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح جميع الرأس، ومنه الأذنان، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب (¬1)، والمولاة (¬2)، والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} الآية [المائدة:6]، ودليل الترتيب حديث: «ابدأوا بما بدأ الله به»، ودليل الموالاة حديث صاحب اللمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى رجلاً في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره بالإعادة. ¬

_ (¬1) لقوله جل وعلا في آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [المائدة:6]، ولأن الله سبحانه وتعالى رتبها، فوجب ترتيبها كما رتبها الله، فيبدأ بما بدأ الله، والنبي صلى الله عليه وسلم توضأ كما بين الله، فعلينا أن نتوضأ كما توضأ عليه الصلاة والسلام. (¬2) بأن يوالي بين أعضائه لا يفرق بينها، يعني: يتوضأ وضوءاً متوالياً قبل أن تنشف أعضاؤه، والدليل على هذا: أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء أمره أن يعيد الصلاة والوضوء، والحديث صحيح، رواه مسلم في الصحيح، وأخرجه أبو داود بإسناد صحيح، فدل على أنه لا بُدَّ من الموالاة، ما قال عليه الصلاة والسلام له اغسل محل اللمعة، بل أمره أن يعيد الوضوء والصلاة، فلا بُدَّ من الموالاة في الوضوء، فلو غسل أعضاءه ووجهه، وبقيت الرجل اليسرى، وطال المكث حتى نشفت الأعضاء، فإنه يعيد الوضوء؛ لأنه لم يوالي.

[حكم التسمية في الوضوء:]

[حكم التسمية في الوضوء:] وواجبه التسمية مع الذكر (¬1). ¬

_ (¬1) الجمهور على أنها سنة، وقال بعضهم: أنها تجب، والأحوط أنه يسمي، ومن نسيها فليس عليه شيء.

[نواقض الوضوء:]

[نواقض الوضوء:] ونواقضه ثمانية (¬1): الخارج من السبيلين (¬2)، والخارج الفاحش النجس من الجسد (¬3)، وزوال العقل (¬4)، ومس المرأة بشهوة (¬5)، ومس الفرج باليد قُبُلاً كان أو دُبُراً (¬6)، وأكل لحم الجزور (¬7)، وتغسيل الميت (¬8)، والردة عن الإسلام (¬9) أعاذنا الله من ذلك. ¬

_ (¬1) ثمانية عند جمع من أهل العلم وهو مذهب الحنابلة -رحمهم الله-، وقال آخرون أنها أقل من ذلك: فخروج الفاحش النجس من الجسد ليس هناك دليل واضح على نقضه، وإنما هو من باب الاحتياط، لحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ»، وهكذا مس المرأة بشهوة، وتغسيل الميت ليس عليها دليل واضح، وعلى هذا تكون خمسة، وإذا قيل: إن الردة عن الإسلام ليست بناقضة تصير أربعة. فالمقصود: أن أربعة واضحة أدلتها، وأربعة فيها خلاف بين العلماء، وهي: خروج الفاحش النجس من الجسد، ومس المرأة، وتغسيل الميت، والردة عن الإسلام، هذه محل الخلاف. (¬2) أي: البول والغائط، وما في حكمهما من الدبر والقبل. (¬3) كالصديد والقيح والقيء، إذا كان كثيراً، أما القليل فيعفى عنه. (¬4) بنوم أو سكر أو مرض، فإذا زال عقله ثم عاد عقله يتوضأ. (¬5) هذا عند جمع من أهل العلم، والمؤلف جرى على طريقة الحنابلة في هذا -رحمه الله-، وقال آخرون: لا ينقض، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والصواب الراجح من الأقوال: أنه لا ينقض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه ثم لا يتوضأ، أما قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [المائدة: 6]، فالمراد به الجماع. (¬6) مس الفرج باليد ناقض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مس فرجه بيده فليتوضأ»، وفي لفظ: «من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ»، وفي لفظ آخر: «من مس ذكره فليتوضأ»، وأما حديث «إنما هو بَضْعَةٌ منك»، فالعلماء أجابوا عنه: بأنه كان في أول الإسلام ثم نُسِخ، أو أنه شاذ ضعيف؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الكثيرة في نقض الوضوء بمس الفرج. (¬7) اللحم فقط، دون المرق واللبن، فلا ينقض الوضوء، مثلما جاء في الحديث. (¬8) عند جمع من أهل العلم؛ لأن في الغالب قد تمس يده العورة، ولأنه يحصل له من الضعف ما هو جدير بأن يتوضأ حتى ترجع إليه قوته ونشاطه. (¬9) يعني: إذا توضأ، ثم أتى بمكفر، ثم هداه الله وتاب، فإنه يعيد الوضوء.

[بقية شروط الصلاة:]

[بقية شروط الصلاة:] الشرط الخامس: إزالة النجاسة من ثلاث: من البدن والثوب والبقعة (¬1)، والدليل قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}. الشرط السادس: ستر العورة (¬2)، أجمع أهل العلم على فساد صلاة من صلى عرياناً وهو يقدر، وحد عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والأمة كذلك، والحرة كلها عورة إلا وجهها، والدليل قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، أي: عند كل صلاة. الشرط السابع: دخول الوقت (¬3)، والدليل من السنة حديث جبريل عليه السلام أنه أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وفي آخره، فقال: «يا محمد الصلاة بين هذين الوقتين»، وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:103]، أي: مفروضاً في الأوقات، ودليل الأوقات قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. الشرط الثامن: استقبال القبلة (¬4)، والدليل قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]. الشرط التاسع: النية (¬5)، ومحلها القلب والتلفظ بها بدعة، والدليل حديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى». ¬

_ (¬1) تقدم أن شروط الصلاة تسعة، وقد تقدم منها أربعة، وهي: الإسلام والعقل والتمييز والطهارة، وتقدم الكلام عليها، وما يتعلق بالطهارة. الشرط الخامس: إزالة النجاسة من ثلاث: من الثوب والبدن والبقعة: لا بُدَّ أن يكون المصلي طاهراً في ثوبه أي: سترته، وفي بدنه أي: جسده، وفي البقعة أي: محل صلاته، فإن صلى في ثوب نجس أو في بدن نجس أو في بقعة نجسة لم تصح صلاته إذا كان ذاكراً عالماً، أما إذا كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة على الصحيح؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه وبها خبث فلما أطلعه جبرائيل خلعهما ولم يعد أول الصلاة، مع عموم قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، والنجاسة المراد التخلص منها ليس مثل الطهارة؛ لأن الطهارة عبادة مطلوبة لذاتها، أما النجاسة فالمطلوب التخلص منها من ثوبه أو بدنه أو بقعته فإذا نسيها أو جهلها فصلاته صحيحة، فلو صلى في ثوب نجس ناسياً أو جاهلاً أو أصاب بدنه نجاسة ولم يذكر ذلك ولم يعلمه، أو في البقعة ظنها طاهرة فبانت غير طاهرة، فصلاته صحيحة على الصحيح. - مسألة: هل تصح الصلاة في أرض نجسة مع وضع المصلي حائل كسجادة أو بساط وما أشبه ذلك؟. الجواب: إذا وضع حائلاً فلا بأس، ولو كانت النجاسة رطبة مادام الساتر ثخيناً يمنع الرطوبة. - مسألة: ما حكم الدم القليل على الثوب؟. الجواب: الدم القليل يعفى عنه، إذا لم يكن من القبل أو الدبر، مثل: دم الجراح، ودم الضروس، ودم العين، فيعفى عنه. (¬2) الشرط السادس: ستر العورة: لا بُدَّ أن يصلي وهو ساتر عورته، وعورة الرجل: من السرة إلى الركبة، يسترها على الصحيح، والحرة: كلها عورة إلا وجهها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة»، إلا وجهها تكشفه في الصلاة إذا لم يكن عندها أجانب؛ لأن السنة كشفه، واختلف العلماء في الكفين فأجاز بعضهم كشفهما، وأوجب بعضهم سترهما في الصلاة، والأحوط سترهما كما قال المؤلف، أما بقية البدن فإنها تستر قدميها وبقية بدنها في الصلاة إلا إن كان عندها أجنبي فإنها تستر وجهها أيضاً، أما الأمة: ففيها خلاف، فبعض أهل العلم: ألحقها بالرجل؛ لأنها مبتذلة تباع وتشترى فعورتها مثل عورة الرجل، وقال آخرون: بل مثلها مثل المرأة الحرة؛ لعموم الأدلة، والأحوط لها أن تستتر كالحرة خروجاً من الخلاف؛ لعموم الأدلة في ستر العورة، وأن المرأة عورة، وكون المشتري ينظر إليها ويستامها لا يخرجها عن كونها تستتر في الصلاة وتستتر عن الأجانب لئلا يفتن بها، لا سيما إذا كانت جميلة، فتحرص على الستر والبعد عن أسباب الشر، ومعلوم أن مسائل الخلاف من مسائل الاشتباه عند خفاء الدليل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، وقوله: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»، فهي محل شبهة فالأحوط لها أن تستر العورة وجميع بدنها كالحرة في الصلاة. - مسألة: ما المراد بالزينة في قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]؟. الجواب: العلماء فسروا الزينة هنا بالستر، يعني: ستر العورة. - مسألة: الحديث الذي فيه يسأل الصحابة بعضهم بعضاً عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها، هل هي إحدى أمهات المؤمنين، أو ما ملكت يمينه؟، فأجاب بعضهم: (إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه)، رواه البخاري في صحيحه، هل يدل ذلك على أن عورة الأمة غير عورة الحرة؟. الجواب: يظهر أنها لا تحجب، لكن لا يلزم أن تسفر؛ لأن الله قال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، لكن الحجاب عن كونها لها حجاب يسترها كأمهات المؤمنين هذا ستر خاص، فهو محتمل؛ لأنها تباع وتشترى، ولكن ذكر العلماء لو أن فيها شيء من الجمال وجب التستر؛ حذراً من الفتنة. (¬3) الشرط السابع: دخول الوقت: لا بُدَّ أن تكون الصلاة في الوقت؛ لأن الله تعالى قد فرض الصلاة في أوقاتها، فإن صلاها قبل الوقت لم تصح، وإن صلاها بعد الوقت صحت مع الإثم إذا أخرها عمداً، إلا أن يجوز له التأخير في السفر أو المرض، فيؤخر الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء فلا بأس، أما إذا أخرها من غير عذر، أو قدمها على الوقت فلا يجوز، لكن متى قدمها على الوقت بطلت، إلا إذا كانت تجمع إلى ما بعدها فأخرها لسفر أو مرض فلا بأس. (¬4) الشرط الثامن: استقبال القبلة -الكعبة-: لا بُدَّ أن يستقبلها في الفرض والنفل، فعليه استقبال القبلة؛ للآية الكريمة حيث يقول جل وعلا: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]، إلا إذا كان هناك عذر، كالمسافر يصلي النافلة لجهة سيره، فلا بأس للعذر الشرعي، أو مريض ليس عنده من يعدله لجهة القبلة وخاف فوات الوقت فإنه يصلي على حسب حاله، أو سجين مربوط مصلوب ليس له القدرة على استقبال القبلة، فالله جل وعلا يقول: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ? [التغابن: 16]، ويقول: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، [البقرة: 286]، أما مع القدرة فيجب أن يستقبل القبلة في الفرض والنفل، إلا في السفر فإنه لا بأس أن يصلي إلى جهة سيره في النافلة. (¬5) الشرط التاسع: النية: العبادة كلها لا بُدَّ لها من نية، كالصلاة والصوم والصدقة وغير ذلك، فلا بُدَّ من النية في جميع العبادات، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى»، والنية محلها القلب، في الصلاة والصوم وسائر العبادات، إلا في الحج فإنه يظهرها فيلبي بالنسك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا ذلك فإنها في القلب، والتلفظ بها بدعة، كأن يقول: (نويت أن أصلي) هذا بدعة، (نويت أن أصوم) كذلك، (نويت أن أتصدق) كذلك، إنما في الحج جاء الشرع بإعلانها في الإحرام فيقول: (لبيك عمرة)، أو (لبيك حجة)، أو (لبيك عمرة وحجة)، فيعلن ويصرح بما نواه في قلبه، هذه السنة وهذا شيء خاص بالحج والعمرة.

[أركان الصلاة:]

[أركان الصلاة:] وأركان الصلاة أربعة عشر (¬1): القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والرفع منه، والسجود على الأعضاء السبعة، والاعتدال منه، والجلسة بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأركان، والترتيب، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمتان. الركن الأول: القيام مع القدرة (¬2)، والدليل قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]. ¬

_ (¬1) يبين المؤلف -رحمه الله- هنا أركان الصلاة، وهي: أربعة عشر على إدخال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الأركان، وبَيَّنَها -رحمه الله-: القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والرفع منه، يعني: الاعتدال بعد الركوع، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأركان، والترتيب بين الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمتان، فهذه الأربعة عشر ركناً سيأتي الكلام فيها مفصلاً، كما ذكرها المؤلف -رحمه الله-. ومعنى الركن: الذي لا بُدَّ منه، فلا يسقط لا عمداً ولا سهواً، بخلاف الواجبات فتسقط بالسهو والجهل، وأما الأركان فلا تسقط لا سهواً ولا جهلاً ولا عمداً، بل لا بُدَّ منها، ويدل على ذلك: حديث المسيء في صلاته الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لما أساء في صلاته قال له: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» إلى آخره. (2) لقول الله تعالى: {وَقُومُواْ لِلّهِِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمران بن حصين رضي الله عنه: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب»، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه كان يصلي قائماً ويقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ولم يصل جالساً إلا عند العجز، فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء أن يصلوا قياماً مع القدرة في الفريضة، أما مع العجز لمرض أو كبر سن فلا بأس أن يصلي قاعداً، ولا نعلم في هذا خلاف بين أهل العلم.

الثاني: تكبيرة الإحرام

الثاني: تكبيرة الإحرام (¬1)، والدليل حديث: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»، وبعدها الاستفتاح (¬2)، وهو سنة، قول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك». ¬

_ (¬1) كونه يكبر، فلا دخول في الصلاة إلا بالتكبير، فلو قام بالنية -نية الصلاة- ما دخل فيها حتى يكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر»، هكذا جاء في الصحيحين في قصة المسيء في صلاته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»، وهو حديث حسن رواه أحمد وأهل السنن بإسناد حسن عن علي رضي الله عنه؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يدخلها بالتكبير، يبدؤها بقوله: «الله أكبر»، ويقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فلا بُدَّ من التكبير في جميع الصلوات، لا دخول فيها إلا بالتكبير «الله أكبر»، ومعناه: الله أجلُ من كل شيء وأعظم من كل شيء سبحانه وتعالى. (¬2) يبدأ الصلاة بالاستفتاح، فيستفتح إذا كبر، فيقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك»، وهذا أخصر الاستفتاحات، وكله توحيد خالص، ويسهل على العامة وغير العامة، وهو من أصح الأحاديث، جاء من عدة طرق عن عائشة وعن أبي سعيد وعن عمر وعن غيرهم رضي الله عنهم، وتوجد استفتاحات أخرى إذا أتى بواحد منها أجزأه، منها: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد»، فكان يستفتح بهذا أيضاً صلى الله عليه وسلم في الفريضة كما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. - مسألة: ما حكم الجمع بين استفتاحين في الصلاة الواحدة؟. الجواب: السنة استفتاح واحد يكفي، ما بلغنا أنه كان يجمع استفتاحين عليه الصلاة والسلام. - مسألة: ما الأفضل الاقتصار على استفتاح واحد في جميع الصلوات أم التنويع بينها؟. الجواب: إذا تيسر التنويع أحسن.

[شرح ألفاظ الاستفتاح:]

[شرح ألفاظ الاستفتاح:] ومعنى «سبحانك اللهم»: أي: أنزهك التنزيه اللائق بجلالك، «وبحمدك»: أي: ثناء عليك. «وتبارك اسمك»: أي: البركة تنال بذكرك. «وتعالى جدك»: أي: جلت عظمتك. «ولا إله غيرك»: أي: لا معبود في الأرض ولا في السماء بحق سواك يا الله (¬1). «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» (¬2): معنى «أعوذ»: ألوذ وألتجىء وأعتصم بك يا الله من الشيطان الرجيم، المطرود، المبعد عن رحمة الله؛ لا يضرني في ديني، ولا في دنياي. ¬

_ (¬1) ومعنى «سبحانك اللهم» أي: أنزهك التنزيه اللائق بجلالك، فالتسبيح معناه التنزيه، «سبح الله» أي: نزه الله، «وبحمدك» أي: ثناء عليك، يعني: أثني عليك مع التسبيح، «وتبارك اسمك» أي: البركة تنال بذكرك، أي: بلغ الاسم من البركة النهاية، فكل بركة تنال باسم الله جل وعلا وبفضله وإحسانه سبحانه وتعالى، «وتعالى جدك» أي: عظمتك وكبرياؤك، فجد الله: عظمته؛ لأنه لم يلد ولم يولد سبحانه وتعالى، «ولا إله غيرك» أي: لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء سواك يا ربنا، فهو المعبود بحق، كما قال جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62]. (¬2) وبعد الاستفتاح: يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» قبل أن يقرأ، ومعنى «أعوذ»: ألوذ وألتجئ وأعتصم بك يا الله من الشيطان عدو الله، «الرجيم» يعني: المطرود المبعد عن رحمة الله لا يضرني في ديني ولا في دنياي. - مسألة: ما حكم تكرار الاستعاذة في الركعة الثانية؟. الجواب: غير لازم؛ لأن الصلاة شيء واحد، وإن كررها فلا بأس.

[تفسير سورة الفاتحة:]

وقراءة الفاتحة ركن في كل ركعة (¬1)، كما في حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وهي أم القرآن. [تفسير سورة الفاتحة:] {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (¬2): ¬

_ (¬1) هذا الركن الثالث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج غير تمام»، سواء كانت فريضة أو نافلة، فهذا عام، وهذا في حق الإمام والمنفرد، أما في حق المأموم فهي واجبة في حقه، تسقط مع السهو والجهل، وإذا سبقه الإمام، فجاء والإمام راكع وفاتته القراءة، فإنها تسقط عنه على الصحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أدرك أبو بكرة رضي الله عنه الركوع مع الإمام لم يأمره بقضاء الركعة، فالمأموم في حقه واجبة تسقط مع الجهل والنسيان وبفوات القيام، فإذا فاته القيام مع الإمام وأدرك الركوع أجزأه ذلك، أما إذا أمكنه فيقرأ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرؤن خلف إمامكم»، قلنا: (نعم)، قال: «لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها»، وهذا للعموم، فقراءة الفاتحة مثل ما تقدم ركن. (¬2) ثم يسمي الله بعد أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيقول: «بسم الله الرحمن الرحيم» استعانة بالله، فالباء هذه للاستعانة، و «الله» معناه: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين سبحانه وتعالى، و «الرحمن» معناه: ذو الرحمة الواسعة، و «الرحيم» معناه: ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين كما قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، ويقول: {إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة:143]. - مسألة: هل لقراءة البسملة في الفاتحة ركنية الفاتحة؟. الجواب: قراءة البسملة سنة، وليست من الفاتحة، ولا من جميع السور، إلا أنها بعض آية من سور النمل.

بركة واستعانة، {الْحَمْدُ للهِ}: الحمد ثناء (¬1)، والألف واللام لاستغراق جميع المحامد، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه مثل الجمال ونحوه فالثناء به يسمى مدحاً لا حمداً، {رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬2) الرب: هو المعبود، الخالق، الرازق، المالك، المتصرف، مربي جميع الخلق بالنعم. {الْعَالَمِينَ}: كل ما سوى الله عالم، وهو رب الجميع، {الرَّحْمنِ} (¬3): رحمة عامة جميع المخلوقات، {الرَّحِيمِ} (¬4): رحمة خاصة بالمؤمنين، والدليل قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (¬5): يوم الجزاء والحساب، يوم كل يجازى بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر، والدليل قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19]، والحديث عنه صلى الله عليه وسلم «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني»، ¬

_ (¬1) معنى {الْحَمْدُ للهِ}: الثناء لله كما تقدم. (¬2) ومعنى {رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: رب المخلوقات كلها. (¬3) {الرَّحْمنِ}: ذو الرحمة الواسعة. (¬4) {الرَّحِيمِ}: ذو رحمة خاصة بالمؤمنين. (¬5) {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}: يوم الجزاء والحساب، فالدين هو الجزاء والحساب، فهو مالك اليوم الذي فيه الجزاء والحساب، كما قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19]، ومنه الحديث: «الكيس من دان نفسه -يعني: حاسبها- وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني»، فالكيس الحازم هو الذي يحاسب نفسه، ويعمل لما بعد الموت ويجتهد، والعاجز الكسول من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والحديث مشهور في سنده بعض اللين.

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (¬1): أي لا نعبد غيرك، عهد بين العبد وبين ربه ألا يعبد إلا إياه. {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: عهد بين العبد وبين ربه ألا يستعين بأحد غير الله، {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (¬2): معنى {اهدِنَا}: دلنا وأرشدنا وثبتنا، و {الصِّرَاطَ}: الإسلام، وقيل: الرسول، وقيل: القرآن، والكل حق، و {المُستَقِيمَ}: الذي لا عوج فيه، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} (¬3): طريق المنعم عليهم، والدليل قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]، ¬

_ (¬1) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} معناه: {إِيَّاكَ} يعني: وحدك يا رب نعبد ونخصك بالعبادة، وهي: طاعاته التي أمر بها من صلاة وصوم وغير ذلك، وواجب العبد أن يخص الله بالعبادة كما قال جل وعلا {فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]، و {إِيَّاكَ} يعني: نقصدك وحدك ونستعين بك يا ربنا في كل شيء، في أمورنا كلها، في الدين والدنيا، وهذا يدل على أن العبد يجب عليه أن يخص ربه بالعبادة والاستعانة. (¬2) {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}: أي: دلنا وأرشدنا وثبتنا على الصراط، فالهداية بمعنى: الدلالة والإرشاد والتثبيت، و {الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} هو: طريق الله الذي نصبه لعباده وجعله موصلاً إليه، وهو: دينه القويم الذي بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام، و {المُستَقِيمَ}: الذي لا عوج فيه، وهو اتباع الكتاب والسنة. (¬3) {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}: طريق المنعم عليهم، وهم: الرسل وأتباعهم أهل العلم والعمل، يعني: الصراط المستقيم هو طريقهم، طريق المنعم عليهم، وهم: أهل العلم والعمل، الذين قال فيهم سبحانه: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]، هؤلاء هم المنعم عليهم، وهم: الرسل وأتباعهم.

{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ}: وهم: اليهود معهم علم ولم يعملوا به، نسأل الله أن يجنبك طريقهم، {وَلاَ الضَّالِّينَ} (¬1): وهم: النصارى؛ يعبدون الله على جهل وضلال، نسأل الله أن يجنبك طريقهم، ودليل الضالين قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104]، والحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قالوا: (يا رسول الله اليهود والنصارى؟)، قال: «فمن» أخرجاه، والحديث الثاني: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، قلنا: (من هي يا رسول الله؟)، قال: «من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي». ¬

_ (¬1) {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ}: وهم: اليهود قاتلهم الله، غضب الله عليهم لكفرهم وحسدهم وبغيهم، {وَلاَ الضَّالِّينَ}: وهم: النصارى تعبدوا على جهل، اليهود داؤهم العناد مع العلم، والنصارى داؤهم الجهل هذا هو الغالب عليهم، قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104]، هذا وصف النصارى نسأل الله العافية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قالوا: (يا رسول الله اليهود والنصارى؟)، قال: «فمن»، هم أهل الغضب والضلالة، أكثر الخلق سار في سبيلهم من ترك الحق واتباع الهوى، تارة عن عمد، وتارة عن جهل، قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، وهكذا اليهود إحدى وسبعون كلها في النار إلا واحدة، والواحدة هم: أتباع موسى عليه السلام في عهده وبعده، والبقية هالكون، والنصارى ثنتان وسبعون كلها في النار إلا واحدة، والواحدة هم: أتباع عيسى عليه السلام في عهده وبعده، والبقية هالكون، وفي أمة محمد صلى الله عليه وسلم الناجون هم: أتباع محمد صلى الله عليه وسلم في عهده وبعده، والذين خالفوه هم الهالكون.

بقية الأركان

والركوع والرفع منه، والسجود على الأعضاء السبعة، والاعتدال منه، والجلسة بين السجدتين، والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77]، والحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم»، والطمأنينة في جميع الأفعال، والترتيب بين الأركان (¬1)، والدليل حديث المسيء صلاته عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل» فعلها ثلاثاً، ثم قال: والذي بعثك بالحق نبياً، لا أحسن غير هذا، فعلمني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها». ¬

_ (¬1) هذه بقية الأركان، والدليل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77] فأمر سبحانه بالركوع والسجود، هذا أمر افتراض كما في قوله: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 77]، أيضاً كلها أمر افتراض، وقال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم»، وهو أمر افتراض ونحن مأمورون بأن نقتدي به صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وفي حديث المسيء الذي أساء صلاته عندما دخل المسجد وصلى والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهده فلما جاء وسلم عليه فقال له: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فرجع فصلى كما صلى ينقرها ثلاث مرات، ثم قال: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر»، وفي لفظ آخر: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر»، فعلمه الأشياء التي قد تخفى عليه، فالواجب أولاً الوضوء وأن يكون متطهراً، ثم يستقبل القبلة، ثم يكبر تكبيرة الإحرام، وهي ركن عند الجميع، «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن»، وفي رواية أخرى: «ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله»، وحديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، يفسر ذلك وأن «ما تيسر من القرآن»، يعني: الفاتحة، ثم يقرأ ما تيسر معها، والركن الفاتحة وما زاد عن ذلك فهو مستحب وسنة، «ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»، فدل على أن هذه الأمور التي علمها للمسيء في صلاته لا تسقط عن أحد، وأنه لا بُدَّ منها في صلاته، مع أدلة أخرى منها قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وأدلة القرآن في هذا المعنى، وهكذا كونه صلى الله عليه وسلم رتبها، يعني: يؤتى بها مرتبة قيام ثم قراءة ثم ركوع ثم رفع ثم سجود هكذا مرتبة والتشهد إلى آخره ... ، فلا بُدَّ من هذا الترتيب، فعلينا أن نصلي كما صلى، وعلينا التأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لأنه هو المفسر لما أبهم في القرآن فالله تعالى قال: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [البقرة: 43]، وقال: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238]، وأطلق، والنبي صلى الله عليه وسلم فسرها لنا بأفعاله وأقواله عليه الصلاة والسلام. - مسألة: ما حكم الطمأنينة في الصلاة؟. الجواب: ركن، ولذا أمر صلى الله عليه وسلم بها المسيء في صلاته، قال: «اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً». - مسألة: ما حكم الخشوع في الصلاة؟. الجواب: الخشوع خشوعان: الطمأنينة ركن، وأما الخشوع الذي هو كمال الطمأنينة من حضور قلبه وأن لا تكون حركة لا قليلها ولا كثيرها، من كمالها وتمامها، قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون} [المؤمنون:2]، هذا الطمأنينة، وكمالها تمام السكون. - مسألة: ما حكم من سجد ورفع رجليه حال السجود ناسياً؟. الجواب: في السجود لا بُدَّ أن يضعها على الأرض في أول السجود أو آخره، ولا بُدَّ أن يكون سجد عليها سواء أوله أو آخره، فإن سجد عليها في أول السجود ثم رفعها في آخره يكون قد سجد عليها، فإذا سجد واطمئن حصل المطلوب. - مسألة: ما حكم من يسجد على الجبهة دون الأنف؟. الجواب: الصواب أنه لا بُدَّ من السجود على الأنف، ما يجزأ السجود على الجبهة فقط؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين»، فتكون صلاته غير صحيحة؛ لإخلاله بالركن، ويعيد الركعة فقط إذا تذكر قريباً، وإن طال الفصل يعيد الصلاة كلها إذا كانت فريضة، مثل بقية الأركان.

والتشهد الأخير ركن مفروض (¬1)، كما في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: (السلام على الله من عباده، السلام على جبريل وميكائيل)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا: السلام على الله من عباده، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله». ¬

_ (¬1) لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله، وأمر به بقوله: «قولوا: التحيات»، وهذا أمر للوجوب، وابن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا نقول قبل أن يفرض التشهد»، فدل على أن التشهد مفروض عليهم، والتشهد هو: «التحيات لله والصلوات والطيبات» إلى آخره، علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وأمرهم به، فدل على افتراضه، وهو تشهدان: أول وآخر، فالتشهد الأول معدود من الواجبات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قام عنه ساهياً جبره بالسجود وصحت صلاته، فدل على أنه ليس بفرض متحتم، بل واجب يسقط مع السهو والجهل، أما التشهد الأخير فهو ركن لا بُدَّ منه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حافظ عليه في جميع صلواته عليه الصلاة والسلام، وهكذا الجلوس له فلا بُدَّ أن يؤديه وهو جالس لا واقف، والتسليمتان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسلم في كل صلواته عن يمينه وعن شماله وهما ركن لفعله، وقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، عليه الصلاة والسلام. - مسألة: هل التشهد الأخير كله ركن مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟. الجواب: التشهد الأخير مع الصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركن على الراجح، وقيل: الصلاة واجبة، وقيل: سنة، ومن لا يحسنه لا بُدَّ أن يتعلمه، فإذا ضاق الوقت ولم يتعلمه {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، فيأتي بما عليه حتى يتعلم. - مسألة: ما حكم من قرأ التشهد الأخير في التشهد الأول؟. الجواب: يقتصر في الأول على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أما الدعاء بالتعوذ من نار جهنم يكون في الأخير، وإذا أكمله في الأول ما عليه شيء. - مسألة: ما رأيكم في من فرق بين التسليمتين، وقال: الأولى ركن، والثانية سنة؟. الجواب: الأمر وجيه، فالجمهور يرون أن الركن التسليمة الأولى، لكن الأرجح مثل ما قال المؤلف أنها تسليمتان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين ويقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي».

[شرح ألفاظ التشهد]:

[شرح ألفاظ التشهد]: ومعنى «التحيات» (¬1): جميع التعظيمات لله ملكاً واستحقاقاً، مثل: الانحناء والركوع، والسجود، والبقاء والدوام، وجميع ما يعظم به رب العالمين فهو لله، فمن صرف منه شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر، و «الصلوات» (2) معناها: جميع الدعوات، وقيل: الصلوات الخمس، و «الطيبات لله» (¬3): الله طيب، ولا يقبل من الأقوال والأعمال إلا طيبها، «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» (¬4): تدعو للنبي صلى الله عليه وسلم بالسلامة والرحمة والبركة، والذي يدعى له ما يدعى مع الله، «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» (¬5)، تسلم على نفسك، وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض، والسلام دعاء، والصالحون يدعى لهم ولا يدعون مع الله، «أشهد أن لا إله إلا الله» (¬6) وحده لا شريك له، تشهد شهادة اليقين أن لا يعبد في الأرض ولا في السماء بحق إلا الله، وشهادة «أن محمداً رسول الله» (¬7): بأنه عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، شرفه الله بالعبودية، والدليل قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]. ¬

_ (¬1) ومعنى «التحيات»: يعني: التعظيمات لله ملكاً واستحقاقاً، مثل: الانحناء راكعاً، والبقاء والدوام، والركوع والسجود، كل هذه عبادة، فمن يركع لغير الله أو يسجد لغير الله تعبداً هذا الشرك الأكبر نسأل الله العافية، أو يعتقد أن غير الله يدوم، وهناك خلق يدومون، يعني: ليس لهم أول ولا آخر، فالدوام لله سبحانه وتعالى، هو الأول والآخر جل وعلا وله صفة البقاء، وأما أهل الجنة فقد خلقوا، ثم يكون لهم الدوام بعد ذلك، وهكذا أهل النار بعد ما خلقوا، كانوا عدماً، ثم أدخلوا النار بأعمالهم، وأدخلوا الجنة بأعمالهم، فداموا دواماً جديداً دواماً بإذن الله سبحانه وتعالى، من فضله على أهل الجنة، ومن عدله بأهل النار، نسأل الله العافية. (¬2) ومعنى «الصلوات»: جميع الصلوات الخمس، والدعوات، كلها داخلة نفلها وفرضها، كلها لله. (¬3) و «الطيبات» لله، من قول وعمل، كلها لله وحده. (¬4) و «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» يعني: الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالسلامة والرحمة والبركة، قال الشيخ: (والذي يدعى له ما يدعى مع الله)، هذا استنباط عظيم، فالذي يدعى له محتاج، فكيف يدعى مع الله؟!. (¬5) و «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، يدل كذلك على أن الصالحين لا يدعون مع الله، هم محتاجون للدعاء لهم، بأن الله يغفر لهم، ويسلمهم، ويرحمهم، فكيف يدعون مع الله؟!. (¬6) «أشهد أن لا إله إلا الله»: تشهد شهادة حق، أنه لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله وحده، وهذا هو الحق، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62]. (¬7) «وأشهد أن محمداً رسول الله» تشهد شهادة حق، أن محمداً رسول الله، وخاتم الأنبياء، وأنه رسول من عند الله صلى الله عليه وسلم، فمن أنكر رسالته، أو أنه خاتم النبيين فقد كفر.

«اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد» (¬1): الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، كما حكى البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: (صلاة الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى)، وقيل: الرحمة، والصواب الأول. ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدعاء، «وبارك» وما بعدها: سنن أقوال وأفعال. ¬

_ (¬1) ثم تصلي عليه صلى الله عليه وسلم، والصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، وقيل: الرحمة، والصواب الأول، فعند الإطلاق هي الثناء على الله، ويدخل فيها الرحمة، وعند الاقتران الصلاة الثناء، والرحمة الإحسان إلى العباد، كما في قوله سبحانه: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]، يعني: ثناء من الله عليهم ورحمة منه لهم، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب:43]، يعني: يثني عليكم ويرحمكم سبحانه، فعند الإطلاق يدخل فيها الرحمة، وعند القرن تكون الثناء من الله كما قال أبو العالية: (ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى)، ومن الملائكة الاستغفار، تصلي عليهم الملائكة، تستغفر لهم تقول: (اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم)، ومن الآدميين الدعاء، صلى فلان على فلان، يعني: دعا له، مثل صلاة الجنازة دعاء للميت، وترحم عليه. والآل هم: أهل بيته، وأتباعه على دينه، أهل بيته المؤمنون كعلي والعباس رضي الله عنهما وغيرهم ممن آمن به، وهكذا غيرهم من أتباعه من المؤمنين، كل داخل في آله، وعطف الأصحاب على الآل من عطف الخاص على العام إذا فسر الآل بالأتباع، وإذا فسر الآل بأهل البيت فهو من عطف العام على الخاص؛ لأن أهل البيت أخص من الأصحاب، وأما إذا فسر الآل بالأتباع فالأصحاب أخص من الأتباع، ويكون من عطف الخاص على العام. - مسألة: ما رأيكم بمن فسر الآل بما جاء في الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه فقط، ونص الحديث: أنهم قالوا: (يا رسول الله كيف نصلي عليك؟)، فقال: «قولوا اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه، وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى أزواجه، وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد»؟. الجواب: جاء هذا وهذا، جاء أزواجه من آل البيت، وجاء مطلقاً آل محمد، قال الله جلَّ وعلا: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، يعني: أتباعه.

[واجبات الصلاة:]

[واجبات الصلاة:] والواجبات ثمانية (¬1): جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام (¬2)، وقول: «سبحان ربي العظيم» في الركوع، وقول: «سمع الله لمن حمده» للإمام والمنفرد، وقول: «ربنا ولك الحمد» للكل، وقول: «سبحان ربي الأعلى» في السجود، وقول: «رب اغفر لي» بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له (3). ¬

_ (¬1) بعد ما ذكر المؤلف -رحمه الله- الشروط، وذكر الأركان، ذكر واجبات الصلاة، وهي: ثمانية في أصح قولي العلماء. (¬2) الأول من واجبات الصلاة: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، أما تكبيرة الإحرام فهي: ركن لا بُدَّ منها، لا تصح الصلاة إلا بها، لا تسقط عمداً ولا سهواً، فلو صلى ولم يكبر تكبيرة الإحرام لا صلاة له، فلا بُدَّ من التكبيرة الأولى، ويقال: لها تكبيرة الإحرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»، فهذه التكبيرة فريضة عند الجميع، ولفظها «الله أكبر»، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، ولا يجزئ غيرها، لا يجزئ عنها (الله أعظم) ولا (الله أسمع)، فلا تجزئ إلا بهذا اللفظ «الله أكبر»، كما جاءت به النصوص، والمعنى: أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، أما تكبير الركوع، والسجود، والرفع من السجود، وبقية التكبيرات، هذه واجبة عند بعض أهل العلم وهو الأصح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حافظ عليها وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ولما ترك التشهد الأول سهواً سجد له سجدتي السهو، فدل ذلك على وجوبه، وقال الأكثرون: إنها سنة، ما سقط منها لا تبطل به الصلاة عمداً ولا سهواً، والأقرب والأظهر: أنها تجب مع الذُكْر، أما ما سقط نسياناً أو جهلاً فلا بأس، فلو لم يكبر عند الركوع، أو لم يقل «سمع الله لمن حمده» عند الرفع جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة، لكن لا يجوز تعمد تركها، وإذا تركه ساهياً سجد للسهو سجدتين. (¬3) هذه ثمانية، كلها واجبة مع الذُكْر والعلم، ومع الجهل والنسيان تسقط، وإذا تركها نسياناً أو شيئا منها سجد للسهو إن كان إماماً أو منفرداً، أما المأموم فهو تبع لإمامه، لكن الإمام يسجد للسهو والمنفرد كذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ولأنه صلى الله عليه وسلم لما ترك سهواً التشهد الأول سجد له سجدتي السهو قبل أن يسلم.

ما سقط من الأركان والواجبات

فالأركان: ما سقط منها سهواً أو عمداً بطلت الصلاة بتركه (¬1)، والواجبات: ما سقط منها عمداً بطلت الصلاة بتركه، وسهواً جبره السجود للسهو (¬2)، والله أعلم). ¬

_ (¬1) الأركان ما ترك منها عمداً أو سهواً تبطل الصلاة بتركه، إلا أن يستدرك السهو فيكمل فلا بأس، أما لو تركها بالكلية وطال الفصل فإنه يعيد، فلو أنه صلى ولم يركع في بعض الركعات، أو لم يسجد، أو صلى بدون تكبيرة الإحرام، فلا صلاة له، أو لم يجلس بين السجدتين بل سجد سجدة مستمرة، أو رفع رأسه ولم يجلس بين السجدتين، فلا بُدَّ من الجلسة، وهكذا الركوع فلو رفع رأسه ولم يستقم ويطمئن بعد الركوع، أو لم يتشهد التشهد الأخير، إن كان عمداً بطلت الصلاة، وإن كان سهواً وطال الفصل كذلك، أما إذا ذكر يأتي بالركن ويسجد للسهو، فلو ترك الركوع في الركعة الأخيرة مثلاً ثم نبه يعود قائماً ثم يركع ثم يكمل صلاته ثم يسجد للسهو، أو ترك سجدة من السجدات ونبه قبل أن يستتم قائماً أو بعد أن الاستتمام يرجع وإن لم يكن إلا بعد ذلك، يأتي بركعة بدلاً عنها ويسجد للسهو. (¬2) الواجبات ما سقط منها سهواً أو جهلاً سقط ولا حرج ولا شيء فيه، وما كان سهواً فيجبر بسجود السهو، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول جبره بسجود السهو، كذلك لو نسي التسبيح في الركوع، أو في السجود، أو قول «رب اغفر لي» بين السجدتين، أو نسي التشهد الأول وقام، يسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم، وهذا هو الواجب، وهذا هو المعتمد، وقال الأكثرون: أنها مستحبة، ولكن قول من قال بالوجوب أظهر وأحوط جميعاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وفق الله الجميع.

ملحق المسائل التي أجاب عليها الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-:

ملحق المسائل التي أجاب عليها الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-: - مسألة (1): شخص نوى قطع الوضوء بالنوم ثم لم ينم، هل يعيد الوضوء؟. الجواب: النوم لا يرتبط بالنية، وإنما يرتبط بالحدث، فلو نوى النوم ثم لم ينم فهو على طهارته ولا ينتقض وضوءه، ولم تتغير طهارته حتى يستأنف النوم، وكذا لو نوى أن يحدث ثم لم يحدث لا ينتقض وضوءه. - مسألة (2): طفل عمره سبع سنين يفهم ولا يؤذي ويرغب في الذهاب إلى المسجد، فهل يمنع؟. الجواب: إن كان لا يؤذي فلا بأس الحمد لله؛ لأن المقصود العقل، وسبع سنين هي وقت العقل غالباً، وإن كان قد يوجد من يبلغ السبع وما يعقل بعد، المهم العقل وعدم إيذاء الناس. - مسألة (3): من بدأ بيده اليسرى قبل اليمنى في الوضوء، فهل يصح وضوءه؟. الجواب: فيه خلاف بين العلماء، والأحوط والخروج من الخلاف أنه يعيد غسل اليسرى بعد اليمنى إذا بدأ بها من اليدين أو الرجلين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم»، وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ باليمين، وحتى يسلم وضوءه من الخلاف. - مسألة (4): الأثر عن علي رضي الله عنه أنه بدأ في الوضوء بغسل يسراه قبل اليمنى، هل يصح؟. الجواب: ما أعرف صحته، ولا أعلمه. - مسألة (5): ما حكم المسح على الجوارب، وخاصة وقت البرد؟. الجواب: يمسح عليه ولا بأس، سواء كان جورباً أو خفاً، وسواء في الشتاء أو الصيف، إذا لبسها على طهارة، وإذا كان ساتراً، يمسح عليه المدة المعينة يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. - مسألة (6): ما حكم ستر أعلى الجسم كالصدر والعاتقين؟. الجواب: لا بُدَّ، كما دل عليه الحديث: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء»، فيجعل الرداء على كتفيه، أو يصلي في قميص، إلا إذا لم يجد -الحمد لله- يصلي على حاله. - مسألة (7): تأخير الصلاة عن وقتها، هل حكمها حكم الترك؟. الجواب: لا، فيه تفصيل: إن كان عن نوم أو نسيان فلا، أما إن تعمد فحكمه حكم الترك على الصحيح، فيكفر بذلك إن تعمد تركها حتى يخرج وقتها وهي لا تجمع إلى ما قبلها وما بعدها، فإن كانت تجمع ففيه شبهة، والجمهور يرون ليس حكمه حكم الترك، لكن يأثم.

- مسألة (8): ما حكم تغيير النية في الصلاة النافلة، كأن يصلي تحية المسجد فيغير النية وينوي أنها سنة قبلية؟. الجواب: لا يغير النية، وعلى الإنسان أن يتم ما نوى، إلا إذا أراد أن يصلي نافلة وأقيمت الصلاة قبل أن ينتهي من الركعة الثانية وقبل الركوع الثاني فإنه يقطعها ويبطلها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة»، أما أنه يغير فينوي تحية المسجد ثم ينويها الراتبة وهو في أثناء الصلاة فلا، أما ابتداء النية بأن نوى من أول الصلاة بالتحية الراتبة سدت عن التحية، أما أنه ما نواها من أول الصلاة ودخل فيها بنية التحية ما ينفعه التجديد في أثناء الصلاة، إلا إذا قطعها ونواها من جديد. - مسألة (9): قول من يقول: (ثلاث حركات تبطل الصلاة)، هل عليه دليل؟، وهل يستدل لذلك بحديث أمامة، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم بالناس، وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها؟. الجواب: ما عليه دليل، والمسلم مستفتى فإذا توالت الحركات الكثيرة واستفحشها الإنسان في نفسه تبطل صلاته، وأما حديث أمامة فهذه حركات متباعدة ومتفرقة وليست متتابعة، فحملها ووضعها شيء متباعد. - مسألة (10): هل المقصود بالصلاة الوسطى في قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]، صلاة العصر، وهل هي أفضل الصلوات؟. الجواب: الأصح فيها أنها صلاة العصر، وهي أفضل الصلوات. - مسألة (11): هل يجوز شرب البيرة التي كتب عليها خالية من الكحول؟. الجواب: نعم، إذا سلمت فلا بأس، وهذا المشهور المعروف، أما إن علم أنها تسكر فلا يشربها.

- مسألة (12): إذا دخلت جماعة المسجد، وقد فاتتهم صلاة الجماعة، ووجدوا رجلاً يصلي منفرداً، فهل يجوز لهم أن يأتموا به؟. الجواب: الأظهر أنهم يصلون وحدهم، ويقدمون أقرأهم؛ لأنهم أكثر منه، وهو بالخيار إن شاء قطع الصلاة وصلى معهم، وإن شاء أتم صلاته، ويكفي أن يتصدق عليه واحد، وإن أتموا بالمنفرد فلا بأس وصحت صلاتهم، ولو لم يكن نوى الإمامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من يتصدق على هذا فيصلي معه»، لما دخل الرجل وقد فاتته الصلاة. - مسألة (13): هل يجوز لمن أفرد بالحج أن يفسخ إلى عمرة، وذلك بعد مغادرته الميقات؟. الجواب: نعم، إذا أحرم بالحج السنة أن يجعلها عمرة، إذا لم يكن معه هدي، أما إن كان معه هدي إبل أو بقر أو غنم يستمر. - مسألة (14): ما حكم الانحناء بما يشبه الركوع في بعض الألعاب للمدرب أو الخصم كلعبة الكاراتيه، وذلك قبل البدء في اللعبة يستقبله ويقف مستوياً ثم ينحني تحية له؟. الجواب: ما يجوز ذلك، هذا منكر عظيم -أعوذ بالله- يتقرب إليه بهذا تعظيماً له هذا شرك أكبر، يُعَلَّم، نسأل الله العافية. - مسألة (15): هل ثبت أن الشيطان يقول إذا سجد ابن آدم: (يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)؟. الجواب: هذا ورد، ولكن ما اتذكر الآن حال إسناده، يراجع، الشيطان يدعو بالويل والثبور بأن ابن آدم سجد وله الجنة، وأنا أبيت فلي النار، إشارة إلى سجود الملائكة لآدم وكونه امتنع. - مسألة (16): ما حكم شخص قال لأهله: (لا توقظوني للصلاة)، وهو يعلم أنه سوف يؤذن للصلاة بعد قليل، وتعمد هذا الشيء؟. الجواب: الواجب عصيانه، يوقظونه وينصحونه ويوجهونه إلى الخير، (اتقي الله، قم إلى الصلاة)، ما يطيعونه في المعصية، لو قال لك أبوك أو أمك: (لا تذكر الله)، تطيعه؟!. وإذا ترك الصلاة تعمداً حتى خرج الوقت كفر على الراجح، مثلما قال صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة»، أما عند الجمهور فلا يكفر إذا كان يعتقد الوجوب، ولكنه يتكاسل.

- مسألة (17): هل ثبت حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74]، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم»؟. الجواب: لا بأس بإسناده، حسن. مسألة (18): حديث: «لا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة»، أليس نصاً في مسألة تارك الصلاة أنه لا يكفر؟. الجواب: هذا صرح به أهل السنة، ينشئ لها أقواماً فيدخلهم الجنة فضلاً منه ورحمة، أي: بفضل رحمته، كما ذكر شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية. وقد غلط بعض الرواة فقال: (ويبقى في النار فضلٌ عمن دخلها، فينشئ الله لها أقواماً فيدخلهم النار)، وهذا غلط، وإنما الصواب: يبقى في الجنة فضلٌ -يعني: سعة-، فينشئ الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة سبحانه وتعالى، فضلاً منه لم يعملوا خيراً قط. وليس الحديث نصاً في المسألة، لأن هذا شيء وهذا شيء، ينشئ أقواماً ما عملوا شيئاً أبداً، هذا فضل منه، ما كلفوا. - مسألة (19): ما رأيكم في قول الفقهاء في عدد التسبيحات: (الواجب واحد)، وما الحد الأعلى للتسبيح؟. الجواب: أقل الواجب واحد هذا هو الأصل؛ لأنه إن أتى بواحد قد امتثل التسبيح، وما له حد أعلى، ولكن أنس رضي الله عنه كان يعد للنبي صلى الله عليه وسلم عشر تسبيحات، فإذا سبح خمساً، أو سبعاً فالأمر واسع، والأفضل ألا ينقص عن ثلاث. - مسألة (20): ما حال حديث: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»؟. الجواب: لا بأس به، جاء من حديث معاذ رضي الله عنه. - مسألة (21): ما حكم تكبيرات الجنازة؟. الجواب: ركن فيها، فلو صلى بدون تكبير ما صحت صلاة الجنازة. - مسألة (22): ما حكم تكبيرات العيد؟. الجواب: مستحبة إلا الأولى.

- مسألة (23): بعض الناس ينام عن الصلاة متعمداً، ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: «النائم حتى يستيقظ»، ما توجيهكم؟. الجواب: هذا إذا ما فرط، أما إن فرط لا يضبط الساعة ولا يُعلَّم أهله ليوقظونه يأثم؛ لأنه فرط في أداء ما أوجب الله عليه. - مسألة (24): ما حكم جلسة الاستراحة؟. الجواب: مستحبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها، وبعض أهل العلم قالوا: أنها لا تستحب؛ لأنها محتملة لأجل ثقله أو تعبه، ولكن الأرجح والأقرب أنها مستحبة، ولكنها غير واجبة؛ لأنه قد يتركها عليه الصلاة والسلام. - مسألة (25): جلسة الاستراحة إذا لم يجلسها الإمام، هل يجلسها المأموم؟. الجواب: المأموم يجلسها إذا لم يجلسها إمامه، مثلما يرفع يديه لو لم يرفع الإمام يديه في الإحرام أو الركوع أو القيام من التشهد الأول. - مسألة (26): ما معنى حديث: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله»؟. الجواب: رواه البخاري في الصحيح، هذا يدل على كفره؛ لأن الأعمال تحبط بالكفر، لقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88]، وهذا من أدلة من قال بتكفير تارك الصلاة، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم فيما صح في صحيح مسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»، هذه من أدلة تكفيره الكفر الأكبر. - مسألة (27): ما معنى حديث: «من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله»؟. الجواب: «من فاتته العصر» أي: ما أداها في الوقت، شُغِلَ عنها، أو نام عنها وما أشبه ذلك، «فكأنما وتر أهله وماله» يعني: سُلِبَ أهله وماله، يعني: مصيبة عظيمة إذا فاتته في وقتها وما تعمد تركها. - مسألة (28): ما الحالات التي يكون فيها سجود السهو قبل السلام وبعده؟. الجواب: سجود السهو قبل السلام في جميع الأحوال إلا في حالتين: 1) إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر، فالأفضل بعد السلام؛ لحديث ذي اليدين رضي الله عنه. 2) إذا بنى على غالب ظنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عمله، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين»، فجعل السجود بعد السلام، هذا هو الأفضل، وما عداها قبل السلام. - مسألة (29): عند الانحطاط للسجود أيهما يقدم اليدين أم الرجلين؟. الجواب: المقدَّمَة الرجلين والركبتين هذا الأفضل، وهذه السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير»، والبعير يقدم يديه، إلا إذا كان عاجزاً -مثلي وأشباهي- فيقدم اليدين، والله جل وعلا يقول: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. - مسألة (30): إذا ترك المأموم شيئاً من الواجبات سهواً، فما الحكم؟. الجواب: إذا كان مع الإمام من أول الصلاة فهو تبع لإمامه ما عليه شيء، وإذا سهى مع إمامه إذا كان مسبوقاً، أو سهى في قضاءه يسجد للسهو إذا قضى ما عليه.

§1/1