شرح درة الغواص للشهاب الخفاجي

الشهاب الخفاجي

[شرح المقدمة]

درة الغواص قال الشيخ الأجل الرئيس أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري. رحمه الله تعالى: "أما بعد حمد لله الذي عم عباده بوظائف العوارف, وخص من شاء منهم بلطائف المعارف, والصلاة على نبيه محمد العاقب, وعلى آله وأصحابه أولي المناقب". فإني رأيت كثيراً ممن تسنموا أسنمة الرتب, وتوسموا بسمة الأدب, قد ضاهوا العامة في بعض ما يفرط عن كلامهم, وترعف به مراعف أقلامهم, مما إذا عثر ـــــــــــــــــــــــــــــ قال - رحمه الله -: أما بعد حمد لله الذي عم عباده بوظائف العوارف. العوارف: جمع عارفة, وهي كالعرف, والمعروف بمعنى الإحسان, ومن لطائف "أبي علي الباخرزي": (ملئت "زورن" من سادة ... لهم نفوس بالعلا عارفات) (ما أغتدي إلا ومن عندهم ... عارفة عندي بل عارفات) (قد بقي الفخر بهم والندى ... في الناس, والبخل مع العار فات) فإن قلت: هل يكون هذا حمداً وهو لم يحمد, وإنما ذكر أنه سبق منه الحمد؟ . قلت: نعم فإن الإخبار عن الحمد حمد, ولذا جوزوا في جملة الحمد أن تكون خبرية

عليه, وأثر عن المعزو إليه خفض قدر العلية, ووصم ذا الحلية, فدعاني ألأنف لنباهة أخطارهم, والعكف بإطابة أخبارهم إلى أن أدرأ عنهم الشبه, وأبين ما التبس عليهم ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنشائية, والخطبة قد يتأخر وضعها عن الكتاب فيجوز أن يكون المصنف حمد لله بلفظه أولاً, ثم ذكره هنا لأن خطبة الكتاب كالعنوان الذي يتأخر كتابته كما قال "الغزي" في قصيدة له: (وافي زمانك آخراً وتقدمت ... بك همة في كفها قصب الندى) (فغدوت كالعنوان يكتب آخراً ... وبه كان القراءة يبتدى) (وخص من شاء منهم بطائف المعارف, (والصلاة على نبيه محمد العاقب) أصل معنى الصلاة الانعطاف الجسماني لأنها مأخوذة من الصلوين على ما حُقق في شروح "الكشاف", ثم استعمل في الرحمة والدعاء لما فيها من التعطف المعنوي, ولذا عدي بعلي, كما يقال: تعطفت عليه, فلا ترد عليه أن تعدي الدعاء بعلى للمضرة فكيف تكون الصلاة بمعنى الدعاء؟ ولا حاجة إلى أن يقال: لا يلزم من كون لفظة بمعنى لفظة أن تتعدى تعديتها. (ومحمد) مفعل من الحمد والتكرير فيه للتكثير والمبالغة, وهو من اسم المفعول للتفاؤل. وفي السير أنه قيل لجده [عبد المطلب]: لم سميت ابنك محمداً وليس من أسماء آبائك؟ فقال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض. وفي شرح "الهادي" أخطأ من قال إنه مرتجل. وفيه نظر.

واشتبه لألتحق بمن زكا أكل غرسه, وأحب لأخيه ما يحب لنفسه, فألفت هذا الكتاب تبصرة لمن تبصر, وتذكرة لمن أراد أن يتذكر, وسميته: "درة الغواص في أوهام الخواص" وها [أنا] قد أودعته من النخب ك لبان, ومن النكت ما لا ـــــــــــــــــــــــــــــ (والعاقب) بمعني آخر الأنبياء - كما في "الصحاح" - وفي الحديث الصحيح المروي في "الشمائل" وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لي أسماء, أنا محمد, وأنا أحمد, وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي, وأنا العاقب الذي لا نبي بعدي اهـ. وفي شرح "الشفاء": العاقب الآتي عقيب الأنبياء, وليس بعده نبي. وقال "ابن الأعرابي": معناه من يخلف في الخير من كان قبله, ومنه عقب الرجل لولده, وظاهر الحديث مؤيد للأول. لكن في دلالته [عليه] بحسب اللغة خفاء, ويوجه بأن من تعقب قوماً يكون آخرهم, فلا يكون بعده أحد منهم, تفسير له يلازمه, أو هو

يوجد منتظماً في كتاب. هذا إلى لمعته به من النوادر اللائقة بمواضعها, والحكايات الواقعة في مواقعها, فإن حلي بعين الناظر فيه والدارس, وأحلاه محل القادح لدى القابس, وإلا فعلى الله تعالى أجر المجتهد, وهو حسبي وعليه أعتمد. ـــــــــــــــــــــــــــــ من التعريف العهدي. وإنما خصه المصنف بالذكر لأنه مأثور مع ما فيه من الإشارة إلى أن موضوع كتابه التعقيب على من قبله, ولو فسر به الحديث صح, ويكون معناه الناسخ لشرع من قبله والمكمل لسائر الشرائع. وكان الأولى أن يقول المصنف: الصلاة والسلام لأن إفراد أحدهما عن الآخرة مكروه عند كثير من العلماء, للأمر بذلك في آية: {صلوا عليه وسلموا}. فإن قلت: ما تصنع في حديث التشهد الوارد فيه "اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم" بدون سلام؟ قلت: أجاب عنه "النووي" في شرح "مسلم" بأنه اكتفى بذكره مقدماً في قوله: "السلام عليك أيها النبي" فتأمل. (وعلى آله وصحبه أولي المناقب) في "الحواشي": آله مرغوب عنه؛ لأن الإضمار يرد الكلم إلى أصولها كثيراً. وأصل أهل؛ بدليل قولهم في تصغيره: أهيل, فالوجه على أهله إلى أن يظهر فيقول: آل محمد. اهـ. أقول: هذا مذهب "الكسائي" و"الزبيدي", وهو مردود لأن إضافته إلى الضمير سمعت عن العرب نظماً ونثراً. قال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "عبد المطلب": وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك. وما ذكره غير مطرد؛ ألا تراك تقول: يده ودمه وهنه بغير رد؟ وقال "ابن السيد" - في شرح "أدب الكاتب": هذا المذهب لا قياس يعضده ولا سماع يؤيده, وفي "كامل المبرد" عن معاوية في قصته: فيجتمع عليك من آلك, وكذا ورد في كثير من شعر العرب, كقول "خفاف السلمي": (أنا الفارس الحامي حقيقة والدي ... وآلي كما تحمي حقيقة آلكا)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله كثير اهـ. وقال أيضاً في شرح "سقط الزند": كان "الكسائي" يقول: لا يضاف آل الذي يراد به الأهل إلى المضمرات ولا إلى البلاد, فكان لا يجيز صلى الله على محمد وآله, ولا يجيز آل البصرة وآل الكوفة ويقول في جميع ذلك أهل. وحكى "الدينوري: في شرحه "لإصلاح المنطق" أن من العرب من يضيف ألا إلى المضمرات, فأما إضافته إلى البلاد فلا أحفظه في قول غير "المعري": (ولم يك آل خيبر آل خير) وفي "سر الصناعة لابن جني": آل مخصوص بالإضافة إلى الأشرف والأخص دون الشائع الأعم حتى لا يقال آلا في نحو قولهم: آل القرآن آل الله وآل الكعبة {وقال رجل من آل فرعون} وكون أصل آل أهل قول لأهل اللغة وقيل: أصله أول كما بين في محله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكون آل لا يضاف إلا إلى مذكر عاقل شريف أكثري لا كلي, لقول "الفرزدق": (يموت ولم يمنن على طلاقه ... سوى زبد التقريب من آل أعوجا) وقول "عمر بن أبي ربيعة": (أمن آل نعم أنت غاد فمبكر) فأضافه لأعوج وهو اسم فرس ولنغم وهو علم امرأة. (والأصحاب) جمع صاحب أو صحب المخفف منه والفرق بينه وبين الآل مشهور. (فإني رأيت كثيراً ممن تسنموا أسنمة الرتب. وتوسموا بسمة الأدب قد ضاهوا العامة في بعض ما يفرط من كلامهم وترعف به مراعف أقلامهم). رعفت الأقلام تقاطر مدادها من الرعاف, وفي كتاب الكتاب "لأبي القاسم البغدادي": إذا قطر المداد من رأس القلم, قيل: رعف يرعف وهو راعف فإذا كثر مداده فقطر قيل أرعف القلم إرعافاً وهو مرعف, ويقال استمدد ولا ترعف أي لا تكثر المداد حتى يقطر اهـ, والمراعف [جمع مرعف] وهو ما يحصل منه الرعاف كأنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محل له يقال: رعف الرجل وأنفه بفتح الراء والعين في اللغة الفصيحة, وجاء بضم العين كحسن في لغة ضعيفة. وأنكرها "الأصمعي", وأما رعف بضم الراء وكسر العين فعامية ملحونة كما في "الفائق" وأصل معناه السبق يقال: فرس راعف أي سابق ويصح أن يراد به هنا ما تسبق به أقلامهم وهو المناسب لقوله (يفرط) لأن الفرط السبق ويكنى بهما عن الخطأ والزلة كما يقال فرط منه كذا وسبق قلمه. وفي "الأساس" من المجاز رعف أنفه أي سبق دمه والرعاف الدم السابق, وفلان يرعف أنفه علي غضباً إذا اشتد غضبه, وما أحسن مراعف أقلامهم ومقاطرها اهـ. فإن قلت: المعروف في الرعاف رعاف الأنف ولا يتبادر منه غيره فكيف يكون مجازاً والتبادر علامة الحقيقة؟ قلت: ما ذكرته بحسب اللغة ثم صار حقيقة في ذلك في عرف التخاطب فلا غبار عليه. (مما إذا عثر عليه) أي عرف واطلع عليه, [ولما] كان كل عاثر ينظر إلى موضع اطلعت على ما خفي منه كما قاله "المطرزي" فهو مجاز بحسب الأصل ثم اشتهر حتى صار كالحقيقة في الاطلاع. (والعلية) بزنة فتية جمع علي أشراف الناس. (لألتحق بمن زكا أكل غرسه). الأكل بضم الهمزة المأكول, وزكا بمعنى نما وزاد والمراد طابت ونمت آثاره فانتفع بها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس وهو استعارة. (وأحب لأخيه ما يجب لنفسه) من كونه على الحق والصواب. وهذا إشارة لما ورد في الحديث الصحيح: "لا يكمل إسلام المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (فإن حلي بعين الناظر والدارس) أي أعجبه واعتد به قولهم حلي فلان بعيني بالكسرة. [وفي عيني] وفي صدري يحلى بالفتح حلاوة إذا سرك وأعجبك. (وأحلاه محل القادح لدى القابس). القادح من يقدح الزند وهو معروف والقابس من يأخذ جذوة ونحوها من نار غيره, أي إن اعتقد أنه مما يستفاد منه ويستضاء بأنواره وهذا تمثيل لذلك بأخذ المقتبس الضياء من قادح الزند. وفي القادح لطف هنا لأن القدح يكون بمعنى الطعن والدخل, وأما قدح الميل في العين المعروف في كتب الكحل والطب فاصطلاح لهم وعليه قول بعض المتأخرين: (إذا انصب ماء اليأس في مقلة الرجا ... فليس لها عند اللبيب سوى القدح) وقال "ابن الحاجب": يقال أقبسته علماً وقبسته ناراً فاقتبس, وقيل اللغتان معاً, وجواب الشرط هنا مقدر نحو حمدت الله أو سررت بذلك ونحوه مما يليق بالمقام. [وإلا فعلى الله أجر المجتهد وهو حسبي وعليه أعتمد].

[1] (قولهم في سائر)

ما أحصاه المؤلف من أوهام [1] (قولهم في سائر): فمن أوهامهم الفاضحة وأغلاطهم الواضحة أنهم يقولون: قدم سائر الحاج واستوفى سائر الخراج, فيستعملون "سائر" بمعنى الجميع وهو في كلام العرب بمعنى الباقي, ومنه قيل لما يبقى في الإناء: سؤر. ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقولون قدم سائر الحاج) - الحاج هنا اسم جمع بمعنى الحجاج ولذا صح إضافة سائر إليه ويكون مفرداً. وفي "الصحاح" الحاضر الحي العظيم يقال: حاضر حي وهو جمع كما يقال سامر للسمار وحاج للحجاج اهـ (فيستعملون سائراً بمعنى الجميع وهو كلام العرب بمعنى الباقي) الكلام على سائر من ثلاثة أوجه: اشتقاقه, وإطلاقه على الجميع, وعمومه لكل باق قل أو كثر وضده. (الأول): اختلف في اشتقاقه فقيل من السؤر وهو ما بقي في الإناء فعينه همزة, وقال "أبو علي الفارسي": هو معتل العين من سار يسير ومعناه جماعة يسير فيها هذا الاسم ويطلق عليها, ورد كونه من السؤر من وجهين: أحدهما أن السؤر بمعنى البقية, والبقية تقتضي الأقل, والسائر يقتضي الأكثر. والثاني: أنهم حذفوا عينه في قوله: "فهي أدماء سارها", وإنما ذلك لكونها لما

والدليل على صحة ذلك أن النبي عليه السلام قال "لغيلان" حين أسلم وعنده عشرة نسوة "اختر أربعاً منهن وفارق سائرهن" أي من بقي بعد الأربع اللائي تختارهن, ولما وقع سائر في هذا الموطن بمعنى الباقي الأكثر منع بعضهم من ـــــــــــــــــــــــــــــ اعتلت بالقلب اعتلت بالحذف, ولو كانت عينه همزة [في الأصل] لم يجز حذفها, كذا نقله "ابن بري" عنه. وفيه أنه لا يلزم من الاشتقاق إلا الملاقاة في أصل المعنى لا المساواة من كل الوجوه ولما يلزمه على هذا من الجمع بين إعلالين. (الثاني): أنكر قوم إطلاقه على الجميع بناء على أنه من السؤر وهو البقية, وأجازه "أبو علي" ومن تبعه, إما بناء على أنه من سار يسير كما سمعته آنفاً واستدلوا عليه بأبيات منها قول "ابن الرقاع": (وحجرا وزباناً واربد ملقط ... توفي فليغفر له سائر الذنب) وقول "ابن أحمر": (فلن تعدموا من سائر الناس راعياً

استعماله بمعنى الباقي الأقل. والصحيح أنه يستعمل في كل باق أو كثر لإجماع أهل اللغة على أن معنى الحديث إذا شربتم فأسئروا أي أبقوا في الإناء بقية ماء, ـــــــــــــــــــــــــــــ في أبيات أخر لا يخلو بعضها من نظر, أو أنه لا مانع من كون الباقي جميعاً باعتبار آخر, لكونه جميع ما بقي أو ترك ونحوه, فتجوز به عن مطلق الجميع وهذا أسهل مما مر. الثالث: ظن قوم أنه مختص بالأكثر استدلالاً بما وقع في حديث "غيلان" حين أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اختر أربعاً [منهن] وفارق سائرهن وارتضاه "أبو علي"وابن دريد" وقالوا: سائر معظمه واستدلوا بقول "مضرس": (فما حسن أن يعذر المرء نفسه ... وليس له من سائر الناس عاذر) وسيأتي ما في كلام المصنف من الإشارة إلى رده. (قال لغيلان حين أسلم إلى آخره). "غيلان بن سلمة" الثقفي الصحابي وهو الذي أسلم وعنده عشر نسوة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك أربعاً ويفارق سائرهن. فقال فقهاء الحجاز: يختار أربعاً. وقال فقهاء العراق: بل يمسك التي تزوج أولاً ثم التي تليها إلى الرابعة. واحتج فقهاء الحجاز بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لم يستفصل أيتهن تزوج أولاً وترك الاستفصال دليل على أنه مخير, حتى قال أهل

لأن المراد به أن يشرب الأقل ويبقى الأكثر, وإنما ندب للتأدب بذلك لأن الإكثار من المطعم والمشرب منبأة عن النهم وملأمة عند العرب, ومنه ما جاء في حديث "أم زرع" عن التي ذمت زوجها فقالت: "إن أكل لف وإن شرب اشتف" أي تناهى في الشرب إلى أن يستأصل الشفافة وهي ما يبقى من الشراب في الإناء, ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصول: ترك الاستفصال في حكايات [وقائع]- الأحوال مع الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما في "الروض الأنف" وله تفصيل ليس هذا محله. (والصحيح أنه يستعمل في كل باق أو كثر لإجماع أهل اللغة على أن معنى الحديث إذا شربتم فأسئروا أي أبقوا في الإناء بقية ماء [لأن المراد به أن يشرب الأقل ويبقي الأكثر]. اعترض عليه "ابن هشام" وغيره بأنه كلام مختل لأنه يقتضي كون سائر من السؤر, وكون معنى أسئروا أبقوا الأقل يقتضي أن يكون سائر للأقل ولم يقل به أحد, وإنما قيل إنه للجميع أو للأكثر, فهذا لا يدل له ولا لغيره. والذي خيل له أنه قد ثبت بقوله [صلى الله عليه وسلم]: "وفارق سائرهن" أنه يستعمل للأكثر وباشتقاقه من أسئروا أنه يستعمل للأقل وهذا خلف؛ لأن ما اشتق من شيء لا يخرج عن معناه, والجواب أن المدعي أن سائرا بمعنى البقية وأنها من السؤر بمعنى البقية أيضاً وإطلاقها على الكثير لا نزاع فيه. ومحل النزاع الإطلاق على القليل. فاستشهد عليه بإطلاق السؤر على القليل ولم يتعرض لإقامة دليل على أن السؤر يستعمل بمعنى الكثير, وقد ثبت عن "أبي

ومما يدل على أن سائراً بمعنى باق ما أنشده سيبويه: (ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه ... وسائره باد إلى الشمس أجمع) ويشهد بذلك أيضاً قول "الشنفري": ـــــــــــــــــــــــــــــ علي" اختصاصه بالقليل. اهـ. وهذا غريب منه فإنه نص على أن السؤر في الحديث شامل للقليل والكثير بإجماع أهل اللغة. نعم قول "أبي علي" يبطل إجماعه ولو استند في ذلك إلى سماع كان أقوى لما في دليله مما لا يخفى, مع أن أخذه من السؤر غير متعين, واعلم أن "ابن السيد" قال في شرح "السقط" قال النحويون: سائر لا تضاف إلا إلى شيء قد تقدم ذكر بعضه كقولك رأيت فرسك وسائر الخيل [ولو قلت: رأيت حمارك وسائر الخيل] لم يجز لأنه لم يتقدم للخيل ذكر؛ ولكن إن قلت: رأيت حمارك وسائر الدواب جاز, ويخالف هنا قول "المعري": (كم جاوزن من بلد بعيد ... وسائر نطقنا هيد وهاد)

(ولا تقبروني إن قبري محرم ... عليكم ولكن أبشري أم عامر) (إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقي ثم سائري) فعني كل شاعر بلفظ سائر ما بقي من جثمانه بعد إبانة رأسه وقد اشتملت ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لم يتقدم للنطق ذكر, وإنما جاز هذا لأنه جعل سائراً بمعنى الأكثر والأعظم فكأنه قال: وأكثر نطقنا إلى آخره, وإذا كان أكثره هذا علم أن أقله بخلافه, فهذا كلام محمول على المعنى اهـ. (وإنما نذب إلى التأدب بذلك لأن الإكثار من المطعم والمشرب منبأة عن النهم) المراد بكونه منبأة أنه يدل عليه كما يقال: الولد مبخلة مجبنة, وسيأتي تحقيقه, والنهم الحرص على المطعم والمشرب, وهذا وجه وجيه, وفيه وجه آخر وهو أن قعر الإناء لا يخلو من قذى كدر فتركه أبعد من الكدر كما قيل: (العمر كالكأس تستحلى أوائله ... لكنه ربما مجت أواخره) (ما جاء في حديث "أم زرع" عن التي ذمت زوجها: فقالت إن أكل لف وإن شرب اشتف إلى آخره) يستأصلها بمعنى يفنيها, وأصله أخذ الشيء بأصله ثم كنى به عن أخذ الجميع. وحديث "أم زرع" حديث صحيح مشهور وقد ذكر بطوله في الشمائل [مروياً] عن "عائشة" رضي الله عنها. وفيه أن إحدى عشرة امرأة تعاهدن على أن لا يكتمن شيئاً من أخبار أزواجهن, فقالت كل واحدة منهن ما قالت من مدح أو ذم على ما فصل فيه, فقالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف, ولا يولج الكف ليعلم [البث]. ورمته بالشر وقلة الشفقة عليها, وأنه إذا رآها عليلة لم يدخل يده في ثوبها ليجسها فيتوجع لما بها كما جرت العادة كذا في

هذه الأبيات على ما يقتضي الكشف عنه لئلا يحتضن هذا الكتاب ما يلتبس شيء منه. أما قول الشاعر الأول: (ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه) فإنه أراد به مدخل رأسه الظل, فقلب الكلام, كما يقال: فأدخلت الخاتم في إصبعي, وحقيقته إدخال في الخاتم وقلب الكلام ـــــــــــــــــــــــــــــ "الفائق" - واللف أكل الأخلاط من الطعام, والاشتفاف شرب ما في الإناء كله, والبث الحزن. قيل [وهو] يحتمل الذم كما قلناه, وإليه ذهب المصنف, ويحتمل المدح أيضاً, بأن يراد أنه لا يمنع حق العيال ولا يدخر لغد شيئاً ولا يسأل عن حزنها ومرضها المانع له عن مضاجعتها. وهو بعيد. وفي "شرح مسلم للنووي": اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى شيئاً, والاشتفاف في الشرب أن يستوعب جميع ما في الإناء, مأخوذ من الشفافة - بضم الشين - وهو ما بقي في الإناء من الشراب, فإذا شربها قيل: اشتفها وتشافها, وقولها: لا يولج الكف إلى آخره. قال "أبو عبيدة": أحسب أنه كان بجسدها عيب بجسدها أو داء تكتئب به لأن البث الحزن. فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك فيشق عليها فوصفته بالمروءة وكرم الخلق. وقال "الهروي" قال "ابن الأعرابي": هذا ذم له, أرادت وإن اضطجع ورقد التف في

من سنن العرب المأثورة, وتصاريف لغتها المشهورة ومنه في القرآن {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} لأن تقديره ما إن العصبة لتنوء بمفاتيحه أي تنهض بها على تثاقل. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثيابه في ناحية ولم يضاجعها ليعلم ما عندها من محبته. قال: ولا بث هناك إلا محبتها الدنو من زوجها , وقال آخرون: أرادت أنه لايتفقد أموري ومصالحي. وقال "ابن الأنباري": رد "ابن قتيبة" على "أبي تأويله لهذا الحرف وقال: كيف تمدحه وقد ذمته في صدر الكلام؟ ولهذا نسب الحديث إليها وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حدثها بهذه القصة: كنت لك كأبي زرع لأم زرع, وهذا الحديث مشهور, وقد صنف القاضي "عياض" في شرح هذا الحديث تأليفاً مستقلاً, واسم أم زرع "عاتكة" والزرع: الولد: (ترى الثور فيها يدخل الظل رأسه ... سائره باد إلى الشمس جمع)

وأما قول "الشنفري": ولكن أبشري أم عامر, فقد اختلف في تفسيره فقيل إنه التفت عن خطاب قومه إلى خطاب الضبع فبشرها بالتحكيم فيه إذا قتل ولم يقبر, وأم عامر كنية الضبع, والالتفات في المخاطبة نوع من أنواع البلاغة وأسلوب من أساليب الفصاحة وقد نطق القرآن به في قوله تعالى: {يوسف أعرض عن هذا استغفري لذنبك} فحول الخطاب عن يوسف عليه السلام إلى امرأة العزيز. ـــــــــــــــــــــــــــــ حمله المصنف على القلب ولم يتركه على ظاهره ويجعل الإضافة على معنى في بدون قلب تبعاً "السيبويه", فأصله مدخل رأسه الظل, والرأس مفعول أول فقلب كما في قولهم: أدخلت الخاتم في إصبعي, وفي شرح الكتاب "للشلوبيين" إن قيل ما دعاه إلى مفعول, فكان أصل قولك مدخل رأسه دخل رأسه في الظل, ثم نقلها بهمزة فصير الفاعل مفعولا, فقيل: أدخل رأسه الظل, وقدم المفعول الثاني وذلك جائز, وصاغ من الفعل اسم فاعل وأضافه إلى الذي يليه كما في الآية. والجواب: أنه ليس مثله لأنه لا يصل إلى الظل إلا بعد إسقاط حرف الجر, [والمفعول المسقط منه حرف الجر لا] يقام مقام الفاعل مع الذي يصل إليه بنفسه, ولا يضاف إليه مع وجوده بخلاف ما في الآية, لأن الفعل يصل إليه ابتداء بنصبه وإن كان أحدهما فاعلاً معنى فهو الأولى أن يضاف إليه وأن يقام مقام الفاعل. لكن هذا العمل في العمل في الأخير جائز بخلاف ما في البيت [فلذا حمله المصنف

وقيل: بل الخطاب كله لقومه, فكأنه قال: لا تقبروني إذا قتلت, ولكن اتركوني للتي يقال لها: أبشري أم عامر, فجعل هذه الجملة لقباً لها. ـــــــــــــــــــــــــــــ على القلب اهـ]. والمراد بالثور الثور الوحشي وضمير فيها للفلاة, أو هاجر مر ذكرها والظل ظل كناسه, أي يدخل رأسه فيه لشدة الحر وبترك بقية جسمه في الشمس, وباد بمعنى ظاهر وأجمع توكيد لسائر, ثم ذكر بيتين للشنفري وهما: (فلا تقبروني إن قبري محرم ... عليكم ولكن أبشري أم عامر) (إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري) وتمامه: (هنالك لا أرجو حياة تسرني ... سجين الليالي مبسلا بالجرائر قبرت الإنسان: دفنته, وأقبرته: جعلت له موضع قبر. يريد أنه يقتل ويترك بالعراء, لا شقيق ولا حميم عنده, لأن عشيرته خذلته وأسلمته للجرائر, فخاطبهم بذلك مظهرا الاستغناء عنهم حياً وميتاً. فرفع نفسه عن الاستناد لهم. وثم بفتح الثاء المثلثة إشارة إلى المعركة, وروي بضمها على أنها عاطفة على الضمير المرفوع بدون تأكيد على ضعف فيه, أو هو معطوف على راسي, والأول أجود. وهناك إشارة إلى الوقت الذي يدنو فيه الأجل, لا لما بعد القتل, وهو ظرف لأرجو. وسجيس الليالي بمعنى امتداد, ولذا استعمل في التأبيد, فيقال: سجيس الليالي أي دائماً, وأبسلوا بمعنى أسلموا. قاله "المرزوقي".

وأوردها على وجه الحكاية, كما قيل "لثابت بن جابر الفهمي" تأبط شراً, بأخذه سيفا تحت إبطه, وإنما لقبت الضبع بذلك لأن من عادة من يروم اصطيادها من وجارها أن يقول لها حين يحتفر عنها: أبشري أم عامر, خامري أم عامر, ـــــــــــــــــــــــــــــ [وإذا احتملت رأسي ظرف لتقبروني, أو للخبر المقدر, أو لأبشري] , وسيأتي لهذا تتمة ومنه في القرآن {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} أولى القوة لأن تقديره ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه أي تنهض بها على تثاقل. قال "ابن عباس": تنوء بالعصبة أي تثقلهم, أما سمعت قول "امرئ القيس": (تمشي فتثقلها عجيزتها ... مشي الضعيف ينوء بالوسق؟ والمفاتح جمع مفتح بالكسر, اسم آله يفتح به, وقيل خزائنه, وقياس واحده لمفتح بالفتح, وكونه من القلب بناء على تفسير تنوء بتنهض كما ذهب إليه بعض أهل ناء به إذا أثقله حتى أماله, وقرى: لينوء بالياء لاكتسابه التذكير من المضاف

وهي تبتعد منه وتروغ عنه وهو لا يزال يكرر عليها ويؤنسها به إلى أن تبرز إليه وتسلم نفسها له ولأجل انخداعها بهذا القول نسبت إلى الحمق وضرب بها المثل فيه, وأما قوله: وفي الرأس أكثري فإنه عنى به أن فيه أربعاً من الحواس الخمس التي بها كملت فضيلة الإنسان وامتاز عن سائر الحيوان, وإنما اختار هذا الشاعر تسليط ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال "الزمخشري" في شرح "مقاماته": ناء به أماله, ومنه لتنوء بالعصبة أي تميلهم لثقلها فلا يقدرون على النهوض بها, ومنه قولهم: فعله على ما ينوؤه للازدواج, ويجوز أن يكون إتباعاً للتوكيد لا غير اهـ. ولا يرد عليه اعتراض مما قيل إن الإتباع لا يعطف كغيره من أنواع التوكيد لأنه وإن اشتهر لا أصل له, فقد ذكر في كتاب الإتباع أن الأكثر فيه عدم العطف وقد يعطف, ومثله لا يقرع له العصا. وأما قول الشنفري, ولكن أبشري أم عامر فقد اختلف فيه, فقيل: إنه إن التفت عن خطاب قومه إلى خطاب الضبع فبشرها بالتحكم فيه إذا قتل ولم يقبر, و"أم عامر" كنية الضبع على عادة العرب في وضع الكنى لما لا يعقل, "كأم ملدم" للحمى, و"أبو يحيى" للموت, وفي كتاب الذيل والصلة:

الضبع على أكله, وأن لا يقبر بعد قتله ليكون هذا الفعل أوجع لقلوب قومه وأدعي لهم إلى الثؤور بدمه, وقد فسر بغير ذلك إلا أنا لم نضع هذا الكتاب لهذا الفن فنستقصي فيما نشرح منه, وإنما شذرناه بما نظمنا من غير سمط فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ عامر جرو الضبع, ولم يعرف [بال] لإجرائه مجرى العلم. (والالتفات في المخاطبة نوع من أنواع البلاغة) والبيت حينئذ مبني على كلامين, كأنه قال: لا تدفنوني مخاطباً أصحابه, ثم أقبل على الضبع فقال أبشري أم عامر, فإنك تأكلين مني فهو من تحويل الكلام عن شيء إلى آخر, يقال بشرته فأبشر, وبشرته مخففاً فاستبشر, وحكي: أبشرته أيضاً ومن هنا علم أنه إذا ذكر أمر ثم ذكر بعده أمر آخر ولم يوقع في لبس فذكره بنداء آخر غير لازم كما في هذا الشعر, ففي مثله أربعة أوجه. فلو ألبس كما في نحو: اقبل يا زيد واذهب يا عمر لزم ذلك. فمن ظنه لازماً مطلقاً فقد غفل, فإن قلت: المخاطب في الثاني هو الضبع وهو غير الأول أعني القوم فكيف يكون التفاتاً؟ قلت: هذا نوع من تلوين الخطاب لغذاء العقول والأفهام كما يكون لغذاء الأشباح الطعام والأدباء تسميه التفاتاً, وليس هو الالتفات المشهور

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عند أهل المعاني كما نص عليه الواحدي بل هو الانتقال من خطاب إلى خطاب آخر غيره. والأدباء إذا أطلقوا الالتفات إنما يعنون هذا, وقد صرح به في بعض شروح "التلخيص". و"الشنفري" بالقصر لقب لهذا الشاعر ومعناه عظيم الشفه, واسمه ثابت بن جابر وهو أحد لصوص العرب وشجعانها قديماً, وشعره مشهور ومنه لامية العرب المشهورة. ولما أرادوا قتل الشنفري قالوا له أنشدنا فقال: إنما النشيد من المسرة فصارت مثلاً وقيل بل الخطاب كله لقومه فكأنه قال: "لا تقبروني إذا قتلت ولكن اتركوني للتي يقال لها أبشري أم عامر فجعل هذه الجملة لقباً لها". هذا مذهب الخليل وقد نقله عنه "سيبويه" في "الكتاب", وارتضاه "المرزوقي" و"صدر الفاضل" قال في شرح "الحماسة": أي ولكن الضبع تأكل لحمي فأبشري أم عامر جعله لقباً للضبع, فهو مبتدأ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خبره محذوف وهو تأكلني وتتولى أمري فصار "كتأبط شراً" وإنما لقبها بذلك لأن العادة في اصطيادها أن يقصدوا وجارها ويحفروا وهي تتأخر شيئاً فشيئاً فيقول لها الصائد: أبشري أم عامر خامري أم عامر، ولا يزال يكرر ذلك حتى ينتهي إلى آخره، فتخرج وتؤخذ، وهذا وجه حسن ذهب إليه حذاق أهل المعاني. وحكى سبيويه في قول "الأخطل". فأبيت لا حرج ولا محروم أنه أراد: فأبيت [بيات] الذي يقال له: لا حرج ولا محروم، فحكى ذلك الكلام وكنى به عن الضبع اهـ. وبهذا تبين وجه ما ذكره المصنف وأنه غير منافٍ لقوله: "أم عامر" كنية الضبع وأن قوله في "الحواشي" توهم في قوله أم عامر إنه لقب للضبع، كتأبط شراً ليس بشيء، لأن تأبط شراً جملة جعلت علماً له، وأما الضبع فاسمها أم عامر، ويقال لها عند إحساس الإنسان بالقتل وتحكمها فيه: أبشري أم عامر اهـ. ليس بذلك لأنك قد عرفت أنه مذهب "الخليل" و "سيبويه"، وهو لم ينف كون أم عامر لقباً وإنما جعل ما قصد حكايته بمنزلة اللقب، كما نص عليه في "الكتاب"، وتأبط شراً لقب للشاعر المشهور، لقبته به أمه لوجوه ذكرها الرواة منها أنه تأبط سيفه أي أخذه تحت إبطه فسئلت عنه فقالت ذلك، وقيل لتأبطه بحية، وقيل غير ذلك.

[2] (المتتابع والمتواتر)

[2] (المتتابع والمتواتر) [2] ويقولون للمتتابع متواتر فيوهمون فيه. لأن العرب تقول: جاءت الخيل متتابعة، إذا جاء بعضها في أثر بعض بلا فصل، وجاءت متواترة إذا تلاحقت وبينها فصل، ومنه قولهم: فعله تارات أي حالاً بعد حال وشيئاً بعد شيء، وجاء في الأثر أن الصحابة رضوان الله عليهم لما اختلفوا في الموؤدة قال لهم "علي" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للمتتابع متواتر فيوهمون فيه). يقال أوهمت الشيء تركته وأوهمت الكتاب إذا أسقطت منه شيئاً، ووهم [إلى] الشيء يهم وهماً إذا ذهب إليه وهمه، ووهم يوهم وهما بالتحريك إذا غلط قاله "ابن الأثير" و"ابن السيدة" فاحفظه، فإنه قد شاع الوهم في الوهم فسرى معناه للفظة. (لأن العرب تقول جاءت الخيل متتابعة إذا جاء بعضها في أثر بعض بلا فصل وجاءت متواترة إذا تلاحقت وبينها فصل). هذا أصل معناه ويشهد له الاشتقاق، لأن التواتر أن يؤتى بالشيء وَتْراً وَتْراً، أي منفرداً فيقتضي الفصل، والتبع يكون متبوعاً، ففيه إشعار بالاتصال، لكن ورد في استعمال العرب وضع كل منهما موضع الآخر كما حكاه "الزمخشري" في قضاء رمضان إن شئت فواتر وإن شئت ففرق وفي "الكشف" أنه محتمل لهما قال "أبو عبيد في غريب

رضي الله عنه: إنها لا تكون موؤدة حتى تأتي عليها التارات السبع، فقال له "عمر" رضي الله عنه: صدقت أطال الله بقاءك، وكان أول من نطق بهذا الدعاء. وأراد "علي" رضي الله عنه بالتارات السبع طبقات الخلق السبع المبينة في قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين* ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأنا خلقاً آخر} يعني سبحانه وتعالى ولادته حياً. فأشار "علي" رضي الله ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث": الوتيرة المداومة على الشيء وهو مأخوذ من التواتر والتتابع. هذا لفظه فسوى بينهما، ولا شاهد له في الأثر، وقصارى ما يتحصل له تسليم العدول عن المختار إلى الجائز. ثم إن التتابع هو التوالي الذي لم يتخلله فاصل يبطل حكم تواليه نسقاً فإن اليومين قد فصلت بينهما ليلة ولكن فصلها لا يبطل حكم تواليهما وتتابعهما. (ومنه قولهم: فعله تارات أي حالاً بعد حال وشيئاً بعد شيء). في الحواشي: جعل المصنف تارات من التواتر غلط بين لأن التواتر فاؤه واو والتارة عينه ياء، بدليل جمعه على ثير وقال "ابن جني" عينه واو، من الثور وهو الرسول قال: (والتور فيما بيننا يعمل ... في ضربه المائي والمرسل) والمناسبة بينهما أن الرسول ينتقل ويذهب كما أن التارة الحالة المبدلة من حالة

عنه إلى أنه إذا استهل بعد الولادة ثم دفن فقد وُئِد، وقصد بذلك أن يدفع قول من توهم أن الحامل إذا أسقطت جنينها بالتداوي فقد وأدته. ومما يؤيد ما ذكرنا من معنى التواتر قوله تعالى، {ثم أرسلنا رسلنا تترا} ومعلوم ما بين كل ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى المتنقلة منها. وادعاء القلب فيه خلاف الظاهر والمنقول عن أهل اللغة. وإن قالوا في التارات- من قولهم: يا لتارات فلان - إنها مقلوبة من الوتر. أقول: إذا كانوا قالوا في تارات الدماء إنها مقلوبة فأي مانع من القول به في التارات جمع تارة بمعنى الحالة وهذا الذي جنح إليه المصنف. نعم ورد همزة تارة وهو يأباه ولذا ذهب صاحب "القاموس" تبعاً لغيره من أهل اللغة إلى أنه مهموز العين. قال في "المصباح": التارة المرة وأصلها الهمزة لكنه خفف لكثرة الاستعمال، وربما همزت على الأصل وجمعت بالهمزة فقيل: تأرة وتآر وتئر قال "ابن السراج": وكأنه مقصور من تأر، وأما المخفف فجمعه تارات اهـ. فما في "الحواشي" أيضاً غير متفق عليه فاختر لنفسك ما يحلو. (وجاء في الأثر أن الصحابة رضي الله عنهم لما اختلفوا في الموؤودة قال لهم علي رضي الله عنه: إنها لا تكون موؤودة حتى يأتي عليها التارات السبع) أي الحالات السبع المذكورة في الآية الكريمة من ابتداء تكوينه إلى ولادته وخروجه من سجن الأصلاب والأرحام إلى فناء الفناء. يعني أن "علياً" رضي الله عنه قصد الرد على توهم أن الحامل إذا أسقطت جنينها بتداوٍ وغيره فقد وأدته. قيل وهو مخالف للمروي من أن الصحابة وقعت بينهم محاجةٌ في العزل عن النساء كما ذكره المحدثون وشراح "الهداية"

رسولين من الفترة وتراخي المدة، وروى "عبد الخير" قال: قلت "لعلي" رضي الله عنه أن عليَّ أياماً من شهر رمضان أفيجوز أن أقضيها متفرقة؟ قال: اقضها إن شئت متتبعة وإن شئت تترى. قال: فقلت إن بعضهم قال: لا تجزى عنك إلا متتابعة قال: بلى تجزى تترى لأنه عز وجل قال: {فعدة من أيامٍ أخر} ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ فكرهه بعضهم. ويروى عنه أنه قال [إنه] الوأد الخفي وعن "ابن مسعود" أنه قال: هي الموؤودة الصغرى وأجازه آخرون، ويروى عن "عبيد الله بن رفاعة" عن أبيه أنه جلس إلى "عمر" و "الزبير" و "سعد" في نفر من الصحابة فتذاكروا العزل وقالوا: لا بأس به، فقال رجل منهم: إنهم يزعمون أها الموؤودة الصغرى فقال "علي" رضي الله عنه لا تكون موؤودة حتى تمر عليها التارات. وأما ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه الوأد الخفي فقيل: إنه منسوخ، وقيل: المروي أنه قيل له عليه الصلاة والسلام: إن اليهود يقولون في العزل هي الموؤودة الصغرى فقال: كذبت اليهود والمشهور في العزل أنه يجوز في الأمة، والحرة إن رضيت وإلا لا. وما فسر به كلام المصنف غير متعين لجواز حمله على

أرادها متتابعة لبين التتابع لما قال سبحانه وتعالى: {فصيام شهرين متتابعين}. وعند أهل العربية أن أصل تترى وترى فقلبت الواو تاء كما قلبت في تُخمة وتهمة وتجاه لكون أصولها من الوخامة والوهم والوجه. ويجوز أن تُنَّون تترى كما تنون أرطى وأن لا تنون مثل سكرى، وقد قُراء ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا وقوله (يعني سبحانه إلى آخره) أي قوله خلقاً آخر، والأثر ما يؤثر أن يروى عن النبي والصحابة. وقد يخص بما يضاف إلى الصحابي موقوفاً كما في شرح مسلم وغيره. (ومعلوم ما بين كل رسولين من الفترة وتراخي المدة). هذا باعتبار الأكثر، وقد يقال: إن أحكام شرائعهم لما لم تنسخ إلا ببعثة رسول آخر كان كأنه لا فاصل بينهم وسيأتي ما يؤيده. (اقضها إن شئت متتابعة وإن شئت تترى). في "الحواشي": [إن] هذا الأثر إذا صح وسَلِم من التحريف شاهد لما دعاه، ود آن أن نصرح بالمقصود فنقول: المتتابع هو المتوالي الذي لم يتخلله فاصل يبطل حكم تواليه نسقاً، فإن كل يومين تفصل بينهما ليلة ولا يعد فصلاً مبطلاً للتتابع. قلت: أفاد وأجاد، وقد مر ما يؤيده مما رواه "الزمخشري" مخالفاً لما ذكره المصنف، فتذكر. (ويجوز أن ينون تترى كما ينون أرطى)، وألا ينون مثل سكرى، وقد قرى بهما جميعاً.

بهما جميعاً. وحكى "أبو بكر الصولي" قال: كتب أحد الأدباء إلى صديق له وقد أبطأ جوابه عنه: كتبت إليه فما أجبت وتابعت فما واترت وأضبرت فما أفردت وجمعت فما وحَّدت. فكتب إليه صديقه: الجفاء المستمر على الأزمان، أحسن من بعض الخطاب للإخوان. ـــــــــــــــــــــــــــــ إشارة إلى أن ألفه للإلحاق كألف أرطى على قولٍ منه، وهو اسم شجر، وواحده أرطاة، وإذا كانت ألفه للإلحاق فينون نكرة لا معرفة، وقيل ألفه أصلية فينون دائماً وفي شرح "الكتاب" للسيرافي في جعل بعضهم ألف تترى للتأنيث وبعضهم جعلها للإلحاق بجعفر، وقيل الألف عوض من التنوين ولا مانع منه وخطُّ المصحف بالياء يؤيد الأولين، وأصله وترى، وقيل قراءة الجمهور بغير تنوين فألفه للتأنيث كدعوى، ولا نعلم مصدراً في آخره ألف إلحاق. وقال "الشمني": إنه نادر، ونونه "ابن كثير" و "أبو عمرو". فوزن (وتر) فعل وألفه بدل من التنوين وكتبت ياء على لغة من يميل [ألف] التنوين

وهي قليلة أو هي للإلحاق وليس بمصدر وقيل وزنه تفعل، وهو غلط، إلا أن يكون على الملفوظ. والقول بأنه تتر فوزنه فعل رد بأنه لم يسمع إجراء الحركات على رأيه، وقد علم مما قالوه أن فيه اختلافاً، فقيل: هو مصدر وقيل: اسم غير مصدر وقبل جمع. (كتبت إليك فما أجبت وتابعت فما واترت وأضبرت فما أفردت). أضبرت بضاد معجمة وباء موحدة وراء مهملة من الإضبار بالكسر والفتح وهي الجزمة من الصحف كما في الصحاح وفي الحديث "ضبائر" [ضبائر] وهو كما في شرح مسلم ضبارة بالفتح والكسر والثاني أشهر. ولم يذكر "الهروي" غيره. ويقال إضباره بكسر الهمزة وروى ضبارات ضبارات أي جماعات [جماعات] متفرقة وفي "تهذيب الأزهري" ضبائر جماعات قال "ابن السكيت": يقال جاء بإضباره وإضمامه من كتب وهي الأضابير والأضاميم، وفلان [الآن] ذو ضبارة إذا كان مشدود الخلق وقال "الليث" إضبارة من صحف أو سهام حزمة وضبارة لا يجيزها غير "الليث" اهـ. يعني أنه لا يألو جهداً في المكاتبة في المصادقة لمن لا يزال يعامله بضد ذلك فيبخل بالجواب فضلاً عن الكتاب. (فكم كتاب جاءكم سائلاً ... لكنه يقنع بالرد)

[3] (معنى ازف الوقت)

[3] (معنى ازف الوقت) [3] ويقولون أزف وقت الصلاة إشارة إلى تضايقه ومشارفة تصرُّمه .. فيحرفونه عن موضعه ويعكسون حقيقة المعنى في وضعه، لأن العرب تقول: أزف الشيء بمعنى دنا واقترب. لا بمعنى حضر ووقع، يدل على ذلك أن الله سبحانه ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون أزف وقت الصلاة إشارة إلى تضايقه ومشارفة تصرمه فيحرفونه عن موضعه ويعكسون حقيقة المعنى لأن العرب يقولون: أزف الشيء بمعنى دنا واقترب)، قال "الراغب أزفت الآزفة أي دنت القيامة وأزف وأفد متقاربان. لكن أزف يقال اعتباراً لضيق الوقت، ويقال أزف الشخوص، والأزف ضيق الوقت والآزفة القيامة] لقرب وقتها، ولذلك عبر عنها بالساعة وقيل: {أتى أمر الله} فعبر عنها بالماضي تبيناً لقربها وضيق وقتها اهـ. وظاهره أنه حقيقة في الضيق كالقرب وفي "الأساس" أزف الرحيل دنا ومصدره الأُزوف ومن المجاز: في عيش آزف أي ضيقٌ، كما يقال: أمر قريب ومقارب اهـ. وظاهره أنه استعمل في الضيق مجازاً. وعلى كل حال يقتضي صحة ما ادعاه خطأ. وباب التجويز والتقدير واسع، فيجوز أن يقدر أزف خروج الوقت على أن للصلاة وقت فضيلة وغيره وإذا أريد الثاني بجعل الإضافة عهدية لا يبقى لما توهمه أثر، وفي "الحواشي" قولهم أزف وقت الصلاة إشارة إلى تضايقه ومشارفة تصرمه صحيح؛ ألا ترى أن الساعة الأولى إذا قرب من الساعة الثانية فقد أشرف زمانها على التصرم.

سمى الساعة آزفة وهي منتظرة لا حاضرة وقال عز وجل فيها: {أزفت الآزفة} أي دنا ميقاتها وقرب أوانها كما صرح جل اسمه بهذا المعنى في قوله سبحانه: {اقتربت الساعة} والمراد بذكر اقترابها التنبيه على أن ما مضى من أمد الدنيا أضعاف ما بقي منه ليتعظ أولو الألباب به. ومما يدل أيضاً على أن أزف بمعنى اقترب قول "النابغة": ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول: (أزف الشيء بمعنى دنا واقترب لا بمعنى حضر ووقع). يعني وما تضايق فقد وقع وحضر، فهذا كناية عما أراد فلا وجه لما في "الحواشي" من أن هذا نقض لما قدمه، ولم يذهب إلى هذا أحد، إنما يذهبون إلى تضايق وقت الصلاة ومشارفة تصرمه، وإذا قرب زمان الساعة الأولى من الثانية فقد أشرف على التصرم وكلما ازداد قرباً منه كان إشرافه على التصرم أزيد، أزف الترحل غير أن ركابنا هذا من قصيدة "للنابغة" يمدح بها النعمان وأولها: (من آل مية رائحٌ أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزود) (زعم البوارح أن رحلتنا غداً ... وبذاك تنعاب الغراب الأسود) (لا مرحباً بغدٍ ولا أهلاً به ... إن كان تفريق الأحبة في غد) (أزف الترحل غير أن ركابنا ... وما تزل برحالنا وكأن قد) إلى آخر القصيدة، وهي طويلة، وروي "أفد" بدله، وهو بمعناه- كما مر-.

(أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد) فتصريحه بأن الركاب مازالت يشهد بأن معنى قوله أزف أي اقترب؛ إذ لو كان قد وقع لسارت الركاب، ومعنى قوله "وكأن قد" أي وكأن قد سارت، فحذف الفعل لدلالة ما بقي على ما أُلقي، ونبه بقد على شدة التوقع وتداني الإيقاع له، والعرب تقول في كل ما يتوقع حلوله ويرصد وقوعه: كأن قد، أي كأن قد وجد كونه وأظل وقعه. ـــــــــــــــــــــــــــــ والركاب: الإبل، وحذف الفعل بعد قد ضرورةٌ أو قليل. فقوله الآتي: العرب تقول في كل متوقع: كأن قد يقتضي خلافه فالأولى تركه. (أظل وقته) أي قرب بزمانه، وهو مجاز مشهور. قال في "النهاية": قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة خطبها في آخره يوم من شعبان: "أيها الناس، قد أظلكم شهرٌ عظيم"، يعني رمضان، أي دنا منكم وقرب حتى كأنه ألقى عليكم ظله.

[4] (إضافة أفعل التفضيل)

[4] (إضافة أفعل التفضيل) [4] ويقولون زيد أفضل إخوته. فيخطئون فيه لأن أفعل الذي للتفضيل لا يضاف إلا إلى ما هو داخل فيه، ومنزل منزلة الجزء منه وزيدٌ غير داخل في جملة إخوته ألا ترى أنه لو قال لك قائل: من إخوة زيد، لعددتهم دونه، كما لا يقال: زيدٌ أفضل النساء لتميزه من جنسهن وخروجه عن أن يعد في جملتهن. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون زيد أفضل إخوته فيخطئون فيه لأن أفعل الذي للتفضيل لا يضاف إلا لما هو داخل فيه). في "الحواشي" هذه المسألة أول من منعها "الزجاج" وأجازها "ابن خالويه" رواية ودراية، فالرواية ما حكاه ابن دريد عن "حاتم" عن "الأصمعي"، أن "الفرزدق" سئل عن "نصيب"، فقال هو أشعر [أهل]

وتصحيح هذا الكلام أن يقال: زيدٌ أفضل الإخوة أو أفضل بني أبيه، لأنه حينئدٍ يدخل في الجملة التي أضيف إليها، بدلالة أنه لو قيل لك: من الإخوة أو من بنو أبيه؟ لعددته فيهم وأدخلته معهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ جلدته ومثله قولهم: "علي" أفضل أهل بيته، [وأما الدراية] فإن أفضل إخوته بمعنى أفضل الإخوة كقوله تعالى {يتلونه حق تلاوته} أي حق التلاوة، ويقويه قول الشاعر: (فقلت لعبد الله خير لداته ... ذؤاباً فلم أفخر بذاك وأجزعا) وقوله: (فلم أر قوماً مثلهم خير قومهم ... أقل به منا على قومه فخرا) وقول عبد الرحمن العتبي: (خير إخوانه وأعطفهم ... عليهم راضياً وغضباناً ا. هـ. وفيه بحث. وما ذكره المصنف قولٌ مشهور وقد خالفه فيه كثير من محققي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النحاة. وتفصيله ما في "تعليق المصابيح" وهو أن لأفعل التفضيل أربع حالات: إحداها وهي الحالة الأصلية أنه يدل على ثلاثة أمور. أحدها اتصاف من هو له بالحدث الذي اشتق منه، وبهذا المعنى كان وصفاً. والثاني مشاركة مصحوبة في تلك الصفة. والثالث مزية موصوفة على مصحوبة فيها، وبكل من هذين فارق غيره من الصفات. الحالة الثانية: أن يخلع عنه ما امتاز به عن الصفات وبتجرد للمعنى الوصفي. الحالة الثالثة: أن يبقي عليه معانيه الثلاثة ولكن يخلع قيد المعنى الثاني ويخلفه قيد آخر، وذلك أن المعنى- وهو الاشتراك- كان مقيداً بتلك الصفة التي هي المعنى الأول فيصير مقيداً بالزيادة التي هي المعنى الثالث. ألا ترى أن المعنى في قولهم العسل أحلى من الخل أن للعسل حلاوةً وأن [للخل] تلك الحلاوة ذات زيادة وأن زيادة حلاوة العسل أكثر من زيادة حموضة الخل؟ قال "ابن هشام" في حواشي "التسهيل" وهو بديع جداً. الحالة الرابعة: أن يخلع عنه المعنى الثاني وهو المشاركة وقيد المعنى الثاني وهو كون الزيادة على مصاحبة فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى زيادة مطلقة لا مقيدة وذلك نحو قولهم: يوسف أحسن إخوته. وهو تفصيل بديع ومنه علم أن ما ادعاه المصنف لا وجه له فاحفظه.

[5] (تغشرم وتغشمر)

[5] (تغشرم وتغشمر) ويقولون لمن يأخذ الشيء بقوة وغلظة: قد تغشرم وهو متغشرم. والصواب أن يقال فيه تغشمر وهو متغشمر بتقديم الميم على الراء كما قال الراجز: (إن لها لسائقاً ... إذا ونين ساعة تغشمرا) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن يأخذ الشيء بقوة وغلظة: قد تغشرم وهو يتغشرم والصوام أن يقال فيه: تغشمر بتقديم الميم). قال " [أبو العلاء] المعري": (سنججب من تغشمرها ليال ... تبارينا كواكبها سهادا) وفي شرحه لابن السيد: التغشمر ركوب الرأس في الأمر والتعسف. وفي "ديوان الأدب"، تغشمره أخذه قهراً، وفي "المجمل": الغشمرة إتيان الأمر من غير تثبت [وفي القاموس: الغشمرة إتيان الأمر من غير ثبت] والهضم والظلم والصوت، وما ذكره من التخطئة خالفه فيه بعضهم، وما في "الحواشي" من [أن] القلب معروف في كلامهم ومن هذا قولهم تحجشر وتجحشر إذا غلظ واجتمع خلقه، وجهجهت

ويروى لها لسائقاً عشوزرا، وكلاهما بمعنى الشديد، ومن كلام العرب: قد تغشمر السيل إذا أقبل بشدة وجرى بحدة. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسبع وهجهجت به أي نفرته وزحزحت الشيء وحزحزته إذا حركته لتزيله. والقلب لازمٌ لبعض الألسنة كما في الألثغ مما يتعجب منه فإن القلب غير مقيس واللثغة لا تثبت بها اللغة وضمير لها في البيت الذي أنشده للإبل [وفيه العنشتزر].

[6] (اللتيا بفتح اللام لا بضمها)

[6] (اللتيا بفتح اللام لا بضمها) ويقولون: بعد اللتيا والتي، فيضمون اللام الثانية من اللتيا، وهو لحنٌ فاحش وغلطٌ شائن، إذ الصواب فيها اللتيا بفتح اللام، لأن العرب خصصت الذي والتي عند تصغيرهما وتصغير أسماء الإشارة بإقرار أوائلها على صيغتها وبأن زادت ألفاً في آخرها عوضاً عن ضم أولها، فقالوا في تصغير الذي والتي: اللذيا ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون بعد اللتيا والتي، فيضمون اللام الثانية من اللتيا وهو لحن فاحش وغلط شائن) هذا وإن اشتهر غير صحيح لأن ضم اللتيا لغةٌ خارجةٌ عن تصغير المبهمات جاريةٌ على قياس المتمكنات، وفي "الأشباه والنظائر النحوية" قال "ابن خالويه": أجمع النحويون على فتح لام اللتيا إلا "الأخفش" فإنه أجاز ضمها، وهذا أيضاً كلام غير مهذب. وفي "التسهيل" ضم لام [اللتيا] واللتيا لغة، ومعنى قولهم: بعد اللتيا والتي بعد الخطة الصغيرة والكبيرة. وحدثت الصلة إشارةً إلى قصور العبارة عن الإحاطة بها، والمتبادر منه أن التي هي الكبيرة واللتيا هي الصغيرة، وقيل: اللتيا عبارة عن الكبيرة والتي [عبارة] عن الصغيرة فالتصغير للتعظيم كما في دويهية، وبه صرح "الزمخشري" في

واللتيا، وفي تصغر ذاك وذلك: ذياك وذيالك وعليه أنشد ثعلب: (بذيالك الوادي أهيم ولم أقل ... بذيالك الوادي وذياك من زهد) (ولكن إذا ما حب شيء تولعت ... به أحرف التصغير من شدة الوجد) ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح "مقاماته"، وعليه قوله في الكلم النوابغ: رب مستفت أعلم من المفتي واللتيا أعظم من التي، وقيل: إنهما صارا اسمين للداهية العظيمة والصغيرة ولا حذف فيه. ولو قيل بناؤه في أول الأمر على الحذف ثم لما كثر استعماله تُرك التقدير فيه كان وجهاً وجيهاً. وفي "مجمع الأمثال" "جاء بعد اللتيا والتي" يكنون بهما عن الشدة. واللتيا تصغير التي وهي عبارة عن الداهية المتناهية كما قالوا الدهيم واللهيم. وكله تصغير مراد به التكثير، ولذا قالوا: التي عبارة عن الداهية التي لم تبلغ النهاية وهما علمان عليها فلذا استغنيا عن الصلة.

أراد أن التصغير قد يقع من فرط المحبة ولطف المنزلة كما يقال يا بُني ويا أخي، وقوله إذا ما حب شيء يعني به أحب لأنه يقال: أحب الشيء وحبه بمعنى، كما جاء في المثل السائر: من حب طب" إلا أنهم اختاروا أن بنوا الفاعل من لفظة أحب وبنو المفعول من لفظة حب فقالوا: للفاعل محب وللمفعول محبوب، ليعادلوا بين اللفظتين في الاشتقاق منهما والتفريع عنهما على أنه قد سمع في المفعول محب وعليه قول عنترة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (بإقرار فتحة أوائلها على صيغتها الأصلية). وهذا فيما إذا كان مفتوحاً كما هو الأغلب فيه. فلا يرد عليه أنه إذا صُغر أولاً قيل أوليا بإبقاء ضمه وإدعاء أنه اجتلبت فيه ضمةٌ أخرى للتصغير خلاف الظاهر. وفي "الإقليد" لما علمنا أن المبهم لا يخطى صدره بالضم والألف المزيدة في آخر جعلت عوضاً عن ضم الأول ما قاله المصنف. فأي حاجة تدعو إلى نية الاختلاف فيه بالضمة بخلافها في رجل فإنا لما رأينا نحو رجيل بضم أوله لزمنا تقدير الاختلاف، ونقول إنها حدثت علماً للتصغير. وأورد على جعل الألف عوضاً قولهم: اللذيون في الجمع بدون ألف، ويلزمه حذف العوض والمعوض على تقدير العوضية فقيل:

(ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم) ـــــــــــــــــــــــــــــ إنه ضعيف وقد قيل في المثل "أضعف من حجة نحوي" وقد يقال: إنها حذفت لالتقاء الساكنين والمحذوف لعلة كالموجود: (بذيالك الوادي أهيم ولم أقل ... بذيالك الوادي وذياك من زهد) (ولكن إذا ما حب شيء تولعت ... به أحرف التصغير من شدة الوجد) لما كان في التصغير زيادة ينقص بها المعنى لأنه في الأصل للتحقير أو التقليل ولذا قال بعض الشعراء في صديق له: (صحبته ولم يكن نظيري ... نقصت إذ جعلته تكثيري) كما تزاد الياء في التصغير منع تصغير أسماء الله تعالى والأنبياء والأمور المعظمة إلا أنه قد تجوز به فاستعمل للتعظيم تارة وللتحبيب تارة، والرأفة والتقريب، كما يقول الرجل لابنه: يا بني، وعليه قول "ابن الفارض" في رباعياته: (عودت حبيبي برب الطور ... من آفة ما يجري من المقدور) (ما قلت حبيبي من التحقير ... بل يعذب اسم الشخص بالتصغير) و"للشاب الظريف": (لله نحوي له مبسم ... حلو به يعذب تعذيبي) (قد صغر الجوهر في ثغره ... لكنه تصغير تحبيب) وفي قوله تحبيب إبهام لطيف. (وفي المثل السائر (من حب طب) وقالوا أيضاً: اعمل عمل من طب لمن حب. وهو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مثل مشهور، ووقع لبعض المتأخرين في شرح"قواعد ابن هشام" أنه قال: المحب ... لا يداوي حبيبه، لأنه لشدة شغفه به لا يقدم على علاجه، فطب في المثل يتعين أنه بمعنى الفطنة والحذق، ولذا سمي السحر ومعالجة المرض طباً لاحتياجه لكمال الفطنة، فإنها أصل معناه الحقيقي، كما قال "عنترة" في معلقته: (طب بأخذ الفارس المستلئم ... [هو لابس للامة أي الدرع]) وليس بشيء، ولذا قاله "العلامة" في وصاياه المذكورة في آخر شرحه للقانون: (لأن يراك طبيبك حبيباً ... خير من أن يراك جافياً غريباً) ألم تقرأ في كتب الأدب، وما مر بك من أمثال العرب أعمل عمل من طب لمن حب؟ فلولا أن صداقته نفع عاجل وخير شامل، لم يضرب بها الأمثال، ولم يسبق فيها الأعوام والأحوال إلى آخره. وما ذكره صحيح أيضاً قال "ابن الأنباري" في "الزاهر": معناه من أحب فطب وحذق واحتال لمن يحب، وما ذكر من اختيارهم في بناء الفاعل من أحب وفي المفعول من حب ليتعادل اللفظان من محاسن العربية وحكمة الواضع لها. (ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم) هو من معلقة "عنترة" المشهورة التي أولها: (أعياك رسم الدار لم تتكلم ... حتى تكلم كالأصم الأعجم)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونزلت بكسر التاء خطابٌ لمحبوبته، والباء في قوله: بمنزلة متعلقة بمصدر محذوف لأنه لما قال نزلت دل على النزول كما في قوله تعالى {ومن يرد في بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}، وهو في موضع نصب، فالمعنى ولقد نزلت مني منزلة مثل منزلة المحب المكرم. وقوله: فلا تظني غيره، أي لا تظني غير ما أنا عليه من محبتك، وأنت عندي بمنزلة من لا أقدم عليه أحداً. وقال "الكسائي" حب الثلاثي لغة أماتوها في تصاريفه، وقال "الأصمعي": لا أعرفه إلا في يحب المبدوءة بالياء التحتية وعلى هذا فما في المثل شاذ أو للمشاكلة والحق ما قاله "أبو علي الفارسي" من أن الثلاثي مستعمل ولكنه قليل.

[7] (والصواب يستحق لا يستأهل)

[7] (والصواب يستحق لا يستأهل) ويقولون: فلانٌ يستأهل الإكرام وهو مستأهل للإنعام، ولم تسمع هاتان اللفظتان في كلام العرب ولا صوبهما أحدٌ من أعلام الأدب، ووجه الكلام أن يقال: فلان يستحق المكرمة وهو أهلٌ لإسداء المكرمة. فأما قول الشاعر: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: فلان يستأهل الإكرام وهو مستأهل للإنعام، ولم تسمع هاتان اللفظتان في كلام العرب ولا صوبهما أحدٌ من أعلام الأدب) في لسان العرب قال "الأزهري" خطأ بعضهم من قال يستأهل بمعنى يستحق، وإنما هو استفعال من الإهالة وهم الشحم المذاب. وأما أنا فلا أنكره ولا أخطى من قاله لأني سمعت أعرابيأً فصيحاً من "بني أسدة يقول لرجل شكر عنده يداً أولاها: تستأهل يا "أبا حازم" ما أوليت. بمحضر جماعة من الأعراب، وما أنكروا قوله. وأنكره "المازني" وقال: استأهل لا يدل على معنى استوجب، إنما معناه أن يطلب أن يكون من أهل كذا وليس هذا مراداً. اهـ. وهكذا قال "الزمخشري" أيضاً، ما ذكره "المازني" غير وارد لأن استفعل لا يلزمه الطلب كما في كتب الصرف، أو يقال هو طلب تقديري كاستخرجت الويد. كأن فعله الذي أوجب له ذلك طلب الإكرام وأن يكون أهلاً له كما جعل التحيل في الإخراج بمنزلة الطلب، وفي "الحواشي" ما ذكره المصنف تبع فيه "أدب الكاتب"، وهكذا أكثر ما في كتابه هذا، وقال "أبو محمد": إنهم قالوا: هو أهل لكذا وقد تأهل له فاستأهل

(لا بل كلي يا مي واستأهلي ... إن الذي أنفقت من ماليه) فإنه عني بلفظة استأهلي أي اتخذي الإهالة، وهي ما يؤتدم به من السمن والودك. وفي أمثال العرب: استأهلي إهالتي وأحسني إنالتي اي خذي صفوة طعمتي وأحسني القيام بخدمتي. ـــــــــــــــــــــــــــــ استفعل منه وأصله الهمزة فسهلت وهو جائز كثير كاستأسد الرجل واستأبر النحل واستنوق الجمل أي صار كالناقة، فإذا استعمل استأهل بمعنى صار أهلاً كان جائزاً قياساً. مع أن السماع فيه ثابت عن كثير من الثقات. فثبت أنه مسموع فصيح ومقيس صحيح فلا عبرة بإنكاره وتكثير السواد بمثله. وأما قول الشاعر: (لا بل كلي يا مي واستأهلي ... إن الذي أنفقت من ماليه) مي اسم امرأة. وروي أم بدله وقال "ابن السيد" في شرح "أدب الكاتب": هذا البيت لا أعلم قائله وروي فيها أم بفتح الميم وكسرها، والفتح على تقدير أنه أراد يا أما فحذفت الألف واكتفي عنها بالفتحة، أو أراد يا أمة وهي لغة في أم فرخم. إلا أن أمه بمعنى أم لا تستعمل غالباً إلا في النداء، وقد استعملت في غيره، وقيل: أراد يا أمته وهو خطأ لكثرة الحذف، ولأنه ليس موضع الندبة [وأنفقت روي بضم التاء وكسرها وهو ظاهر].

[8] (الفرق بين سهرنا وسرينا)

[8] (الفرق بين سهرنا وسرينا) ويقولون إذا أصبحوا: سهرنا البارحة وسرينا البارحة. والاختيار في كلام العرب. على ما حكاه "ثعلب". أن يقال: من لدن الصبح إلى أن تزول الشمس: سرينا الليلة، وفيما بعد الزوال إلى آخر النهار: سهرنا البارحة. ويتفرع على هذا أنهم يقولون مذ انتصاف الليل إلى وقت الزوال: صبحت بخيرٍ وكيف أصبحت؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (والاختيار في كلام العرب- على ما حكاه "ثعلب"- أن يقال من لدن الصبح إلى أن تزول الشمس: سرينا الليلة، وفيما بعد الزوال إلى آخر النهار: سهرنا البارحة). [البارحة مأخوذة من برح بمعنى زال، ومنه برح الخلفاء]. وما قاله "ثعلب" صحيح لأن البارحة في الليالي نظير أمس في الأيام، وأمس اليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه. والبارحة الليلة التي قبل ليلتك التي أنت فيها، فينبغي أن لا يقال حتى يكون في الليلة الثانية أو في حدها القريب منها وهو ما بعد الزوال، لأنه داخل في حد الليل والمساء.

[9] (كلمات اتفق العرب على استعمالها)

[9] (كلمات اتفق العرب على استعمالها) ويقولون إذا زالت الشمس إلى أن ينتصف الليل: مسيت بخير، وكيف أمسيت؟ وجاء في الأخبار المأثورة أن النبي عليه الصلاة والسلام. كان إذا انفتل من صلاة الصبح قال لأصحابه: هل فيكم من رأى رؤيا في ليلته؟ وقد ضرب المثل في المتشابهين، فقيل: ما أشبه الليلة بالبارحة كما قال "طرفة": (كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحة) (كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحة) ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم ما ذكر على التجوز، ومثله لا يعد غلطاً بل عدولٌ عن المختار وفي قوله الاختيار ما ينبه عليه. قلت: روينا في "صحيح البخاري" عن "أبي هريرة"- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه فيصبح يكشف ستر الله عنه". وفي "صحيح مسلم" في الرؤيا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا إلى آخره" وقال في شرح الصحيحين: إن ما ذكر يدل على صحة ما أنكره المصنف وفصاحته. [فقول المصنف وقد جاء في الآثار والأخبار] مخالفٌ للمزوي

ومعنى قوله: لا ترك الله له واضحة، أي لا أبقى الله له شيئاً، وقيل: بل أراد به المال الظاهر. قال مؤلف هذا الكتاب الشيخ الأجل الرئيس الإمام "أبو محمد" رحمه الله: وقد خالفت العرب بين ألفاظٍ متفقة المعاني لاختلاف الأزمنة، وقصرت أسماء أشياء على وقتٍ دون وقت، كما سميت شرب الغداة صبوحاً وشرب العشية غبوقاً، وشرب نصف النهار قيلاً، وشرب أول الليل فحمة، وشرب السحر جاشرية، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصحيحين. فثبت أنه مختارٌ لصدوره عن المختار أفصح الناس. فتدبر. (كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحة) هو من شعر "لطرفة بن العبد" الشاعر المشهور، قال "لعمرو بن هند" يلوم أصحابه في خذلانهم وهو بتمامه: (يا حقبة السوء بنا أسجحن ... قد كنت عن هضبتنا نازحة) (أسلمني قومي ولم يغضبوا ... لسوءةٍ حلت بهم فادحة) (كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحة) (كهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحة) و"أروغ من ثعلب": مثل يضرب لمن يكثر تقلبه فلا يثبت على حال ولا يدوم على مودة، وروغان الثعلب وهو الحيوان المعروف أن يحيد وينثني في جريه، وقوله: ما أشبه الليلة [بالبارحة] مثل آخر.

وكما قالوا: إن السراب لا يكون إلا نصف النهار، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال، والمقيل: الاستراحة وقت الهاجرة، والسمر حديث الليل خاصة، والطروق الإتيان ليلاً في قول أكثرهم، والإذلاج بإسكان الدال سير أول الليل والاذلاج بالتشديد سير آخره، والتأويب سير النهار وحده، والسرى سير الليل خاصة، والمشرقة وشرقة الشمس لا تكون إلا في الشتاء، فإن عارض معارض بقوله سبحانه: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} فالجواب عنه أن المراد بذكر الليل، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "نزهة الأنفس" يقال لكل اثنين اتفقا على خُلق واحد، لأن ظلمة إحدى الليلتين كظلمة الأخى، وأول من قاله "طرفة" وقد ضمنه "الصفي الحلي" فقال يدعو صديقاً كان زاره: (شرفني أمس بنقل الخطا ... حتى انقضت لي ليلةٌ صالحة) (فعد بها حتى يقول الورى ... ما أشبه الليلة بالبارحة) (لا ترك الله له واضحة، أي لا أبقى له شيئاً، وقيل: بل أراد به المال الظاهر) لوضوحه بكونه مشاهداً محسوساً، وهو أقرب لفظاً، والأول أبلغ معنى، والواضحة: الأسنان أيضاً، وقد جوز أن يكون مراداً هنا أيضاً على أنه دعاء كقولهم: فض الله فاه. ولما اختلف التعبير لاختلاف الزمان هنا استطرد المصنف فذكر أموراً جاءت عن العرب من هذا القبيل فقال: وقد خالفت العرب بين ألفاظ متفقة المعاني لاختلاف الأزمنة، وهو نبذ قليل مما استقصاه "الثعالبي" في كتابه "فقه اللغة وسر الأدب". ومما في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب "الفوارق" "لأبي هلال العسكري" وهو فن بديع في علم اللغة وإن وقع النزاع في أكثره كما سننبهك عليه قريباً. (قالوا: إن الظل لا يكون إلا نصف النهار والفيء لا يكون إلا بعد الزوال) في فصيح ثعلب: "الظل بالغداة والفيء بالعشي، وعليه كثير من أهل اللغة واستشهدوا بقول "حميد بن ثور الهلالي". (فلا الظل من يرد الضحا نستطعيه ... ولا الفيء من برد العشي يروق) ولأنه من فاء إذا رجع، والظل رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق، وأصل الظل مطلق الستر، فلذا أُطلق على ظلام الليل وظل الجنة، ولا حجة له في البيت لأن التفرقة فيه لئلا يتكرر لفظه لا للتخصيص، والدليل على استعمال الظل بالعشي قول "امرئ القيس": (يفي عليها الظل في عرمضها طامي)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كذا في "شرح الفصيح" فما ذكره المصنف وإن اشتهر ليس بمسلم. (الإدلاج) بإسكان الدال سير أول الليل، والادلاج بالتشديد سير آخره) لأهل اللغة في هذه اللفظة اختلاف وكلام، إجماله أن الدلجة بضم الدال وفتحها وسكون اللام وفتحها أيضاً، هل هي بمعنى أولاً؟ فقيل: هي بالضم لآخر الليل وبالفتح لأوله، وأدلج بالتخفيف سار أوله وقيل سار الليل كله، وبالتشديد سار آخر الليل وهذا هو الأكثر. وقيل: يقال فيهما بالتخفيف والتشديد، وقيل الدلج كله من أوله إلى آخره وأي ساعة سرت من الليل فقد أدلجت على مثال أخرجت، والتفرقة بين أدلجت وأدلجت قول أهل اللغة إلا "الفارسي" فإنه قال هما بمعنى، وفي "الجامع": الدلجة والدلجة لغتان بمعنى وهما سير أول الليل، وكلاهما بمعنى عند أكثر العرب كبرهة وبرهة ويقال: أدلج الرجل يدلج إدلاجاً سار من أول الليل وادلج سار من آخره وفي "المنتهى" الاسم الدلج بالتحريك، وجمع الدلجة دلج من آخره وفي "المنتهى" الاسم الدلج بالتحريك، وجمع الدلجة دلج. وغلط "ابن درستويه" "ثعلبا" في تخصيصه التشديد بآخر الليل والتخفيف بأوله. وقال: هما عندنا جميعاً سير الليل [في كل وقت من أوله وآخره ووسطه، وهو إفعال وافتعال من الدلج، والدلج سير الليل بمنزلة السرى]. وليس في واحد من هذين المثالين دليل على شيء من الأوقات. ولو كان المثال دليلاً على الوقت لكان قول القائل الاستدلاج بزنة الاستفعال دليل الوقت، ولكان الاندلاج على الانفعال دليلاً لوقت آخر. وهذا فاسد. ولكن الأمثلة كلها عند جميعهم موضوعة لاختلاف معاني الأفعال في أنفسها، لا لاختلاف أوقاتها، وأما وسط الليل وآخره وأوله وسحره وقبل النوم وبعده فمما لا يدل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [عليه] الأفعال ولا مصادرها، ووافقه على هذا كثيرٌ من أهل اللغة، واحتج المفرقون بينهما بقول "الأعشى": (وادلاج بعد المنام وتهجير وقفٌ وسبسب ورمال). وقول "زهير": (بكرن بكورا وادلجن بسحرة ... فهن لوادي الرس كاليد للفم) فلما قال "الأعشى" بعد المنام و "زهير" بسحرة ظنوا الاختصاص بما مر وهو وهم، فإن كل واحد من الشاعرين وصف ما فعله هو وخصصه دون ما فعله غيره، ولولا أن يكون بسحرة وبغيرها ما احتاج إلى ذكرها. وكذا قوله بعد المنام، ويؤيده أنهم يسمون القنفذ مدلجاً لأنه يدرج بالليل مطلقاً سواء أوله ووسطه وآخره، ورد هذا بأن كثيراً من المفرقين لم يذكروا البيتين، فيجوز أن يشبهوه بأمر [آخر] فإن أخذوه منهما فالصواب ما قاله "ابن درستوبه". وأما ما قيل من أن الأفعال تختلف لاختلاف المعاني إلى آخره، فقد قال "أبو حيان": إن "الشلوبين" وغيره خالفوا في ذلك وقالوا: الأفعال تختلف أبنيتها لاختلاف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعاني، والمعاني التي تختلف لها الأبنية ليست بمقصورة على شيء من المعاني، فما المانع من أن تدل وضعاً على بعض الأوقات كالصبوح والغبوق؟ والاعتراض بأن الدلالة على الزمان مخصوصة بصيغ الأفعال من ضيق العطن [وجدب الفطن]. قوله في الحديث: "عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى" لا دليل فيه لواحد من المسلكين كما لا يخفى. (والمشرقة وشرقة الشمس لا تكون إلا في الشتاء) هذا من الألفاظ المخصوص استعمالها بمواضع مخصوصة، والمشرقة الموضع الذي تشرق عليه الشمس، وهي مشرقة ومشراق وهو موضع القعود في الشمس ولذا خُص بالشتاء لأن الجلوس في مشارق الشمس إنما يكون فيه، ولذا قالوا: [الشمس] قطيفة المساكين فإن عارض معارض بقوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} فالجواب: أن المراد بذكر الليل الإخبار عن أن الإسراء وقع بعد توسطه لئلا بلغو ذكر الليل، إذ الإسراء والسرى يختص به كما ذكره المصنف وهذا الوجه ارتضاه الإمام "المرزوقي". ولأهل المعاني والتفسير في الآية وجه آخر، وهو أن ليلاً منصوب على الظرفية وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء، ولذلك قرى من الليل، وفي الآية نكات أخر مفصلة في محلها.

الإخبار عن أن الإسراء وقع بعد توسطه، كما يقال: جاء فلان البارحة بليل، إذا جاء بعد أن مضى قطع منه ومما ينتظم في سلك هذا السمط قولهم: ظل يفعل كذا وكذا إذا فعله نهاراً، وبات يفعل كذا وكذا إذا فعله ليلاً، وغور المسافر إذا نزل وقت ـــــــــــــــــــــــــــــ (ظل يفعل كذا وكذا إذا فعله نهاراً) هذا أصل وضعه، وقد يأتي من غير دلالة على وقت معين مجازاً، ما قالوه في قوله تعالى {فظلتم تفكهون}. (غور المسافر إذا نزل وقت القائلة) التغوير إتيان الغور والقيلولة وعن "أبي عبيدة" [يقال] للقائلة الغائرة. (نفشت السائمة في الزرع إذا رعته بالليل وتهجد المصلى إذا تنفل في ظل الليل). قال "الجوهري": نفشت الإبل والغنم تنفش نفوشاً إذا رعت ليلاً بلا راع والهمل يكون ليلاً ونهاراً وظل الليل بمعنى ظلمته استعارة، والتهجد التنفل خص بنافلة الليل، وقيل هو من الهجود أي النوم، والتفعيل فيه للسلب كالأفعال في أعجمت الكتاب على قول. (وكتسميتهم الشمس في وقت ارتفاعها الغزالة وعند غروبها الجونة حتى امتنعوا أن يقولوا: طلعت الجونة كما لم يسمع عنهم غربت الغزالة) كون الغزالة مخصوصة بما ذكر غير متفق عليه عند أهل اللغة، وفي القاموس: غزالة كسحابة: الشمس لأنها تمد حيالها كأنها تغزل، أو الشمس عند طلوعها أو عند ارتفاعها أو عين الشمس، وكذا الجونة فسرها بعض اللغويين بالشمس من غير قيد، وقال "البطليوسي" في شرح "سقط الزند": سميت الشمس غزالة لدورانها كالمغزل، قال "المعري": (الغزل والردن للغواني ... خلقان عدا من الجزالة) (والشمس غزالة ولكن ... خففت الزاي في الغزالة)

القائلة، وعرس الساري إذا نزل آخر الليل للاستراحة، ونفشت السائمة في الزرع إذا رعته بالليل، وتهجد المصلي إذا تنفل في ظل الليل. وكتسميتهم الشمس في وقت ارتفاعها: الغزالة، وعند غروبها الجونة: حتى ـــــــــــــــــــــــــــــ يشير إلى ما يرى من شعاعها كالخيوط في شدة الحر، وتسميه العرب خيط باطلٍ. ولعاب الشمس كما قال "المعري" أيضاً: (وحبل الشمس مذ خلقت ضعيف ... وكم فنيت بقوته حبال) وفي فقه اللغة "للثعالبي" لا يقال للشمس: الغزالة إلا عند ارتفاع النهار، وفي حواشي فقه اللغة "للميداني" أنه غير صحيح وما يدل على بطلانه قول العرب: ذر قرن الغزالة، لأن ذرور قرنها لا يكون إلا في أول طلوعها، وعليه قول "ذي الرمة": (توضحن في قرن الغزالة بعدما ... ترشفن دارات الرهام الركائب)

امتنعوا أن يقولوا: طلعت الجونة كما لم يسمع عنهم غربت الغزالة وأنشدت ليوسف الجوهري البغدادي: (وإذا الغزالة في السماء ترفعت ... وبدا النهار لوقته يترجل) (أبدت لقرن الشمس وجهاً مثله ... يلقى السماء بمثل ما تستقبل) ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال "ابن خالويه" يقال طلعت الغزالة ولا يقال غربت، إنما يقال غربت الجونة. وسميت جونة لأنها تسود عند المغيب، والجون الأسود وهو من الأضداد أيضاً فثبت بهذا أن الغزالة اسم للشمس في أول طلوعها، والغزالة تكون أيضاً اسماً للوقت المرتفع من النهار وذلك الوقت أول الضحى. قال الراجز: (يسوق بالقوم غزالات الضحى) وهذا سبب غلطه اهـ. وتبعه من قال: إن المصنف غلط في ذلك وفي مخالفة قوله في المقامات لما ذر قرن الغزالة طمر طمور الغزالة أقول: ما ذكره "الميداني" ومن تبعه ناشي من عدم التدبر، فإن المراد مما ذكره المصنف كغيره من أهل اللغة أن الغزالة اسم للشمس في أول النهار إلى الارتفاع بدليل ما يقابله - وإن تسمحوا في العبارة- لا أنها تختص بالارتفاع دون ما قبله وما بعده كما توهمه المعترض، ثم إن الغزالة تكون مؤنث الغزال أيضاً وهو معنى مشهور، وقد ورد في كلام العرب نظماً ونثراً قديماً وحديثاً، وأنكره "الصفدي" في شرح "لامية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العجم، وقال لم يسمع إلا بمعنى الشمس، وقد رده "الدماميني" وأورد له شواهد، ولولا خوف الإطالة ذكرناه برمته ولولا صحته لم تعقد التورية في مثل "الشهاب محمود" في العقاب: (ترى الطير والوحش في كفها ... ومنقارها ذا عظام مزاله) (ولو أمكن الشمس من خوفها ... إذا طلعت ما تسمت غزالة) (وبدا النهار لوقته يترجل) بالجيم مضارع ترجل النهار إذا ارتفع. قال: (وهاج بها لما ترجلت الضحى ... عصائب شتى من كلاب ونائل)

[10] (استعمال قط وأبدا)

[10] (استعمال قط وأبداً) ومن أوهامهم أيضاً في هذا الفن قولهم: لا أكلمه قط، وهو من أفحش الخطأ؛ لتعارض معانيه وتناقض الكلام فيه. وذلك أن العرب تستعمل لفظة "قط" فيما مضى من الزمان، كما تستعمل لفظة "أبداً" فيما يستقبل منه. فيقولون: ما كلمته قط، ولا أكلمه أبداً. والمعنى في قولهم: ما كلمته قط، أي فيما انقطع من عمري لأنه من قططت الشيء إذا قطعته، ومنه قط القلم أي قطع طرفه، ومما يؤثر عن شجاعة "علي" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن أوهامهم في هذا الفن قولهم: لا أكلمه قط. وهو من أفحش الخطأ لتعارض معانيه، وتناقض الكلام فيه، وذلك أن العرب تستعمل لفظة "قط" فيما مضى من الزمان، كما تستعمل لفظة "أبداً" فيما يستقبل). "قط" كما عليه [عامة] النحاة ظرف زمان لما مضى، مأخوذة من القط، وهو القطع، فمعنى ما رأيته قط: ما رأيته فيما انقطع من عمري. قالوا: ولا يعمل فيه إلا الماضي. وقد ورد ما يخالفه في كلام الناس. ومن كلام "الزمخشري" في تفسير قوله تعالى: {فمنهم مقتصد} أن ذلك الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط، فأعمل فيه لا يبقى وهو مضارع، وقال "أبو حيان" في الحر بعد نقله كثرة استعمال "الزمخشري" قط ظرفاً والعامل فيه غير ماض. وهو مخالف لكلام العرب وهي مبنية على الضم تشبيهاً لها بقبل، وذهب "الكسائي" إلى أن أصلها قطط فجعلت حركة الأولى على الثانية. ولا تستعمل إلا بعد النفي سواء كان ملفوظاً أو مقدراً، وقد ترد في الإثبات كما قاله

رضي الله عنه "أنه كان إذا اعتلى قد وإذا اعترض قط"، فالقد قطع الشيء طولاً والقط قطعه عرضاً. ولفظة "قط" هذه مشددة الطاء وهي اسم مبني على الضم مثل حيث ومنذ، وأما قط بتخفيف الطاء فهو اسم مبني على السكون مثل قد وكلاهما بمعنى حسب. ـــــــــــــــــــــــــــــ "ابن مالك" واستشهد له بما وقع في الحديث كما في "البخاري" في قوله "قصرنا الصلاة في السفر مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنا قط". وأما قوله: جاءوا بمذقٍ هل رأيت الذئب قط، فلا شاهد فيه لأن الاستفهام أخو النفي قال "ابن مالك": وهذا مما خفي على كثير من النحاة، وفي شرح البخاري "للكرماني" فإن قلت: شرط قط أن تستعمل بعد النفي قلت: أولاً لا نسلم ذلك فقد قال "المالكي": استعمال قط غير مسبوق بالنفي مما خفي على النحاة، وقد جاء في الحديث بدونه وله نظائر، وثانياً: أنها بمعنى أبداً على سبيل المجاز. وثالثاً: يقال إنه متعلق بمحذوف منفي، أي وما كنا أكثر من ذلك قط، ويجوز أن تكون ما نافية والجملة

وقرأت في أخبار الوزير "علي بن عيسى" رحمه الله أنه رأى كاتباً يبري قلماً بمجلسه فأنكر ذلك عليه وقال: مالك في مجلسي إلا القط فقط؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر المبتدأ أو أكثر منصوب على أنه خبر كان والتقدير: ونحن ما كنا قط أكثر منا في ذلك الوقت، وجاز إعمال ما بعدها فيما قبلها إذا كانت بمعنى ليس. اهـ. وقال "الغرناطي": الذي جوزه مراعاة لفظة ما في قوله ما كنا قط وإن كانت غير نافية، وقد تراعى الألفاظ دون المعاني. وهو كلام حسن، وقال "ابن هشام" في "القواعد": ما أفعله قط لحن، لاستعماله في غير موضعه، واعترض عليه "ابن جماعة" في شرحه بأنه غير صحيح، وقصاراه استعمال اللفظ في غير ما وضع له فيكون مجازاً لا لحناً، وجعله من اللحن عجيب، إذ لا خلل في إعرابه اهـ. وليس بشيء لأن اللحن بمعنى مطلق الخطأ، وهم كثيراً ما يستعملونه بهذا المعنى. فإن قلت: إذا استعمل العرب لفظاً في محل مخصوص [كقط بعد نفي الماضي وكانت حالاً

وقد تدخل نون العماد على قط وقد، مع ضمير المتكلم المجرور كما قال الراجز في قط: (امتلأ الحوض وقال قطني) أي قد بلغ من الامتلاء إلى الحد الذي لو كان له نطق لقال حسبي. ومما أنشدته من أبيات المعاني: (إذا نحن نلنا من ثريدة عوكل ... فقدنا، لها ما قد بقي من طعامها) لاستغنائنا عنه واكتفائنا بما نلناه. ـــــــــــــــــــــــــــــ منكرة أو في معنى مخصوص] كالغزالة للشمس في أول النهار فهل مخالفتهم في ذلك جائزة أم لا؟ وعلى تقدير الجواز هل يكون حقيقة أو مجازاً؟ وعلى الثاني ما وجهه؟ قلت: الذي يظهر من كلامهم وتخطئة من خالفهم أنه غير جائز، فإن قيل بجوازه فالظاهر أنه مجاز مرسل من استعمال المقيد في المطلق، إلا أنه لا يظهر في كافة ونحوها كالظروف التي لا تتصرف فإن معناها لم يتغير وإنما تغير إعرابها وإن وقع مثله في مكان التقصير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فالقد قطع الشيء طولاً والقط قطعه عرضاً) قال "ابن جني" في "الخصائص": القط أقل وأسرع من القد قطعاً، فلهذا جعلوه لقطع العرض لقوته وسرعته؛ لأن الدال مستطيلة فجعلت لما طال من الأثر وهو قطعه طولاً، وقط بمعنى حسب: اسم فعل. (ما لك في مجلسي إلا القط فقط) فيه تجنيسٌ، والفاء زائدة أو في جواب شرط مقدر، وهذا من "أدب الكاتب" لا يقطعون أقلامم في الديوان ونحوه لئلا توطأ برايتها بالنعال، وكذا المغنون لا يصلحون الأوتار في مجالس الملوك، وكان "الصاحب" لا يبري قلماً في مجلس "شهنشاه"، فقال ناس: إنه لا يحسن براية الأقلام، فلما بلغه ذلك قال: أي أدب فيكم ليس لي حتى تتجاسروا بمثل هذا؟ وإنما علمني أبي الوزارة ولم يعلمني النجارة، وأقل أدبي براية القلم، ولكن هل فيكم من يكتب كتاباً تاماً بقلم كسرت رأسه؟ قالوا: لا نقدر على ذلك. فأخذ قلماً وكسر رأسه ثم كتب به درجاً تاماً حسناً فتعجبوا منه. (وامتلأ الخوض وقال قطني) وتمامه: (مهلاً رويداً قد ملأت بطني) وهذا وأمثاله مما يحكى على ألسنة الحيوان والجماد، كما قالوا: قال الحائط للوتد: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني. (ومن أبيات المعاني) ... أبيات المعاني عند الأدباء فيها خفاءٌ لفظاً ومعنى كاللغز يسأل عن ذلك، و (عوكل) علم امرأة منقول، وأصل معناه الحمقاء، وأصل الخفاء في قوله "فقدنا" فإنه يوهم أنه ماضٍ من الفقد وليس بمراد، لأن فقد بمعنى فحسب ونرزؤها بمعنى نتقصها من الرزية.

[11] يقال للمريض: مصح اف ما بك لا مسح

[11] يقال للمريض: مصح اف ما بك لا مسح ويقولون للمريض: مسح الله ما بك بالسين، والصواب فيه "مصح" كما قال الراجز: (قد كان من طول البلى أن يمصحا) وكقول الشاعر. وقد أحسن فيه: (يا بدر إنك قد كسيت مشابهاً ... من وجه أم محمد ابنة صالح) (وأراك تمصح في المحاق وحسنها ... باق على الأيام ليس بما صح) ويحكى أن "النضر بن شميل المازني" مرض فدخل عليه قوم يعودونه فقال له رجل منهم يكني أبا صالح: مسح الله تعالى ما بك. فقال له: لا تقل مسح ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للمريض مسح الله ما بك والصواب فيه مصح). قال "ابن بري" الصواب مسح بالسين وقد ذكره "الهروي" في "الغريبين" فقال: يقال مسح الله ما بك أي غسله عنك وطهرك من الذنوب، وقال "الصاغاني" في "الذيل والصلة" يقال للمريض: مصح الله ما بك ومسح والصاد أعلى اهـ. فما ذكره المصنف ليس مسلماً، ثم إنه عداه بنفسه، وفي "الحواشي" أنه غلط لأن مصح لا يتعدى إلا بالباء يقال مصحت بالشيء، أي ذهبت به، فلو كان بالصاد قيل:

بالسين ولكن قل: مصح بالصاد، أي أذهبه الله وفرقه. أما سمعت قول الشاعر: (وإذا ما الخمر فيها أزبدت ... أفل الإزباد فيها ومصح) فقال له الرجل: إن السين قد تبدلت من الصاد كما يقال الصراط، والسراط وصقر وسقر فقال له "النضر": فأنت إذا أبو صالح! [ويشبه هذه النادرة ما حكي أيضاً أن بعض الأدباء جوز بحضرة الوزير "أبي الحسن ابن الفرات" أن تقام السين مقام الصاد في كل موضع، فقال له الوزير: أتقرأ {جنات عدن يدخلونها ومن ـــــــــــــــــــــــــــــ مصح الله بما بك أي أذهبه متعدية بالباء أو بالهمزة، فيقال: أمصح الله ما بك. إذا لا يقال مصحه بدون باء. اهـ. قلت ما ذكره وافقه عليه "ابن هشام" فقال في "تذكرته" مصح الشيء مصوحاً ذهب وانقطع ولم يذكروه متعدياً. وفي كثير اللغة ما يخالفه فقد ذكره "الهروي" و "ابن شميل" و "الصاغاني" متعدياً. وفي "القاموس" مصح الله مرضك أذهبه كمسحه، وقد فسر في البيت باندرس، فثبت من هذا أنه يكون متعدياً ولازماً: (قد كاد من طول البلى أن يمصحا) وتمامه: (رسم عفا من بعد ما قد انمحى ... روي: ربع عفاه الدهر طولاً فانمحى) وهو من آرجوزة "لرؤية بن العجاج" يصف منزلاً بالقدم واندراس الأثر،

صلح من آبائهم وأزواجه وذرياتهم} أم ومن صلح؟ فخجل الرجل وانقطع. ـــــــــــــــــــــــــــــ وضمير كاد يرجع للرسم في أوله، وفيه شاهد أيضاً على تشبيه كاد بعسى بدخول أن في خبرها. ((يا بدر إنك قد كسيت مشابها ... من وجه أم محمد ابنة صالح) (وأراك تمصح في المحاق وحسنها ... باق على الأيام ليس بما صح)) المحاق نقص القمر في أول الشهر وفي ... ثلاث ليال من آره ولله در القائل: (أيا شمعاً يضيء بلا انطفاء ... ويا بدراً يلوح بلا محاق) (فأنت البدر ما وجه انتقاصي ... وأنت الشمع ما سيب احتراقي؟ ) ولبعضهم: (وبمهجتي رشأ رآني مقبلاً ... فيغض عني طرفه من كبره) (ظبي ولكن للمحب نفاره ... غصن ولكن نوره في ثغره) (شمس ولكن في فؤادي حرها ... قمر ولكن المحاق بحصره) (إني لأعجب من مريض جفونه ... لا يشتكي من طول ليلة شعره)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولآخر): (يا من يحاكي البدر عن تمامه ... ارحم فتى يحكيه عند محاقه) (وللمتنبي): (وقد أخذ التمام البدر منهم ... وأعطاني من السقم المحاقا) ونظائره أكثر من أن تذكر، والماصح في البيت الذاهب مرضه فكأنه المحاق نزل منزلة المرض للبدر إذ هو بمعنى النقص من مصحت الدار بمعنى درست كما مر. (النضر بن شميل) النضر بنون مفتوحة وضاد معجمة ساكنة وراء مهملة، هو أبو الحسن [البصري] المازني إمام اللغة والحديث من تبع التابعين روى عنه البخاري، وكان "بمرو" وهو أحد الآخذين توفي سنة ثلاث أو أربع ومائتين. (وإذا ما الخمر فيه أزبدت ... أفل الإزباد فيها ومصح) هو بيت من قصيدة "للأعشى" مدح بها "إياس بن قبيصة الطائي" وأولها: (ما يعيف البوم في الطير البرح ... من غرب البين أو تيس برح) وهذا البيت منها في صفة الخمر، وروي بدل الخمر الراح وهما بمعنى. ومصح بمعنى ذهب من مصحت الدار إذا درست.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر هنا نادرة، وهي اللطيفة التي تقع في المحاورات لتدور ووعها بالنسبة لما يصدر في المجالس فقال: (حُكي أن بعض الأدباء جوز بحضرة "أبي الحسن بن الفرات" أن تقام السين مقام الصاد في كل موضع، فقال له: أتقرأ {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم} أومن سلح؟ فخجل الرجل). ملحة أدبية: وعن "الزجاج" أنه كان يذهب إلى أن الصاد تبدل سيناً مع الحروف كلها لتقارب مخرجهما، فوقع ذكر ذلك عند الوزير "علي بن عيسى" فأصر على مقالته، فالتمس منه كتاباً إلى بعض عماله، فكتب له فيه: وإنه من أخس إخواني، فلما قرأه راجعه فيه، فقال: إنما أردت أخص إلا أن الإبدال جائز، فقال له: الله الله في أمري، قد رجعت عن مقالتي هذه، وليس على إطلاقه. قال "الجوهري": كثيراً ما يقلبون الصاد سيناً إذا كان في الكلمة قاف أو طاء أو غين أو خاء. كالصدغ والصماخ والصراط والبصاق. وفي "التسهيل" تُبدل الصاد من السين جوازاً على لغة إن وقع بعدها غين [أو خاء] أو قاف أو طاء. وإن فصل حرف أو حرفان فالجواز باق اهـ. وما ذكره "الجوهري" من أصالة صاد الصراط ونحوه مذهب فيه. واختار غيره أصالة السين، وارتضاه "الجعبري" وغيره، وقالوا: إبدال السين صاداً

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لغة قريش إذا كان بعدها أحد الحروف الأربعة السابقة، فالسراط حينئذ من سرطت الطعام إذا ابتلعته، يتخيل أنه يبتلع سالكيه أو أنهم يبتلعونه، كما سموه لقماً لأنه يلتقمهم أو لأنهم يلتقمونه. كما قالوا: قتل أرضاً عالمها وقتلت أرضٌ جاهلها. قال "أبو تمام": (رعته الفيافي بعدما كان حقة ... رعاها وماء المزن ينهل ساكبه)

[12] آل حم وآل طس لا الحواميم والطواسين

[12] آل حم وآل طس لا الحواميم والطواسين ويقولون: قرأت الحواميم والطواسين. ووجه الكلام فيهما أن يقال: قرأت آل حم وآل طس. كما قال "ابن مسعود" رحمه الله: "آل حم ديباج القرآن". وكما روي عنه أنه قال: "إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن" وعلى هذا قول "الكميت بن زيد" في "الهاشميات". ـــــــــــــــــــــــــــــ (قرأت الحواميم والطواسين ووجه الكلام أن يقال قرأت آل حم وآل طس، كما قال "ابن مسعود" آل حم ديباج القرآن). قد تبع المصنف في هذا بعض من تقدمه، والصحيح خلافه فإنه ورد ما أنكره في الآثار، وسمع في فصيح الأشعار كقوله وأنشده "أبو عبيدة": (حلفت بالسبع اللواتي طولت ... وبمئين بعدها قد أمنيت) (وبمثان ثنيت وكررت ... وبالطواسين اللواتي ثلثت)

(وجدنا لكم في آل حم آية ... تأولها منا تقئ ومعرب) يعني بالآية قوله تعالى في حم عسق {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وبالحواميم اللواتي سبعت ... وبالمفصل التي قد فصلت) وهذا حجة على من أنكره، وقال "ثعلب" في "أماليه": الطواسين مثل القوابيل جمع قابيل، وحكى الطواسيم أيضاً على أن الميم بدل من النون وأنشد الرجز السابق كذلك، وقد يستعمل جمعه من غير آل، وأنشد "ابن عساكر" في "تاريخه": (هذا رسول الله في الخيرات ... جاء بين وحميمات) وروي له جمع آخر وعن "سيبويه" في نحو طس [مما كان] على وزن مفرد كقابيل يجعل اسماً فتجوز حكايته وإعرابه ومعاملته معاملة الأسماء، وقال "العبسي" في السجاد وقد قتله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (يذكرني حم والرمح شاجر ... فهلا تلا حم قبل التقدم) فأعرب حم ومنعها الصرف بخلاف ما ليس فيه إلا الحكاية نحو كهيعص، وقوله: ديباج القرآن يعني زينته لما فيها من أمور الآخرة، والروضة معروفة، ودمثات جمع دمثة أي لينة سهلة، ومعنى أتأنق فيها أنتزه بالنظر لما فيها من أنيق المعاني التي هي كالأنوار والثمار. واعلم أن آل في قوله آل حم ليس بمعنى الآل المشهورة الذي مر بيانه وهو الأهل، بل هو لفظ يذكر قبل ما لا يصح تثيته وجمعه من الأسماء المركبة ونحوها كتأبط شراً فإذا أرادوا تثنيته أو جمعه وهو جملة لا يتأتى فيها ذلك، إذا لم يعهد مثله في كلام العرب زادوا قبله لفظة آل أو ذو، فيقال: جاءني آل تأبط شراً أو ذو تأبط شراً، أي الرجلان أو الرجال المسمون بهذا الاسم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قالوا: آل حم بمعنى الحواميم فهو هنا بمعنى ذوو المراد به ما يطلق عليه، ويُستعمل فيه هذا اللفظ وهو مجاز عن الصحبة المعنوية، وفي كلام "الرضي" وغيره إشارة إلى هذا [إلا] أنهم لم يصرحوا بتفسيره. فعليك بحفظه فإنه من الفوائد التي لا توجد في غير كتابنا هذا. (وعلى هذا قوله: (وجدنا لكم في آل حم آية ... تأولها منا تقي ومعرب) هذا من قصيدة "للكميت بن زيد" في "هاشمياته" وهي قصائد في مدح أهل البيت أفردها بالتدوين لمغلاته في محبتهم، وأولها: (طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ... ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب) (ولم يلهني دلّ ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بنان مخضب) (ولا أنا ممن يزجر الطير همُّه ... أصاح غرابٌ أم تروَّغ ثعلب) (ولا السائحات البارحات عشية ... أمَرَّ صحيح القرن أم مرّ أعضب) (ولكن إلى أهل الفضائل والنهى ... وخير بني حواء والخير يطلب) (إلى النفر البيض الذين يحبهم ... إلى الله فيما نابني أتقرب) (بني هاشم رهط النبي فإنني ... بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي طويلة وفيها شواهد منها قوله: وجدنا لكم في آل حم. البيت. والمراد بالمعرب المظهر لمحبته لآل الرسول صلى الله عليه وسلم، من أعرب بحجته إذا أفصح بها ولم يخش أحداً، ويقابله التقيّ، وهو من يتقي ذلك فيخفيه، وإخفاؤه يُسمَّى تقية، والمراد بالآية قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} والمراد بتأويلها معرفة ما يؤول إليه من لزوم محبة أهل رسول الله وخاصته من بني هاشم فإنه لا ينكره مسلم، وخطاب لكم لبني "فاطمة" السابق ذكرهم.

[13] تعدية أدخل بالباء

[13] تعدية أدخل بالباء ويقولون: أدخل باللص السجن، فيغلطون فيه، والصواب أن يقال: أدخل اللص السجن، أو دُخل به السجن. لأن الفعل يُعدَّى تارة بهمزة النقل كقولك: خرج وأخرجته وتارة بالباء ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقولون: أدخل باللص السجن، فيغلطونه فيه، والصواب أن يقال: أدخل اللص السجن أو دخل به السجن). إن كانت الباء للتعدية فالأمر كما قال، وإن كانت زائدة كما في الآية فالأمر سهل. وقد قرئ قوله تعالى: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} بضم الياء التحتية على زيادة الباء الموحدة، وهو كقولهم: بعينه. (فقال الأكثرون: هما بمعنى واحد، وقال "المبرد": بينهما فرق، وهو أنك إذا قلت: أخرجت زيداً كان بمعنى حملته على الخروج، وإذا قلت: خرجت به فمعناه أنك خرجت واستصحبته). وقيل: الهمزة أعمُّ من الباء، وفي "المثل السائر": "كل من ذهب بشيء فقد أذهبه وليس كل من أذهب شيئاً ذهب به". وقد وافق "المبرد" جماعةٌ منهم "السهيلي" ورده "ابن هشام" بهذه الآية، وبأن الهمزة والباء يتعاقبان، ولهذا لم يجز

كقولك: خرج وخرجت به، فأما الجمع بينهما فممتنع في الكلام كما لا يجمع بين حرفي استفهام، وقد اختلف النحويون: هل بين حرفي التعدية فرق أم لا؟ فقال الأكثرون: هما بمعنى واحد، وقال "أبو العباس المبرد": بل بينهما فرق، وهو أنك ـــــــــــــــــــــــــــــ أقمت بزيد ولو أفادت الباء ما تفيده الهمزة مع زيادة جاز الجمع بينهما؛ لأن اجتماع حرفين في أحدهما زيادة غير مستنكر نحو لقد، وهذا غير جائز، وقيل: إن الحق الفرق بينهما لولود الباء في مواطن الأخذ والاستصحاب، وقد استعمل كل منهما في مقام الآخر فإذا تعذر المعنى الحقيقي كما في قوله تعالى: {ذهب الله بنورهم} الآية، وجب المصير إلى التجويز، ولهذا قال نجم الأئمة "الرضي": الباء في هذه الآية للتوكيد كأنه لما أذهبه ذهاباً لا يرد كان كمن استصحبه [فإن من استصحب] شيئاً لا يفارقه فأتى بالياء إشارةً إلى عدم الرد، فهو كما قيل: مجازٌ متفرع على الكناية. وإنما لم يجز جمع التعديتين لأن استعمال كل منهما في مقام غير مقام الآخر صيرهما كالمتنافيتين، وفي "الجني الداني": وأجيب عن الرد بالآية بأنه تعالى وصف نفسه بالذهاب على معنى يليق به كما وصف نفسه بالمجيء في قوله تعالى: {وجاء ربك والملك} وهو ظاهر البعد اهـ. وفي الكشاف: الفرق بين أذهب تعالى: {وجاء ربك والملك} وهو ظاهر البعد اهـ. وفي الكشاف: الفرق بين أذهب وذهب به أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهباً، ويقال: ذهب به إذا استصحبه ومضى معه، وذهب السلطان بماله: أخذه {إذاً لذهب كل إله بما خلق}. ومنه ذهبت به الخيلاء، والمعنى: أخذ الله نورهم وأمسكه {وما يمسك فلا مرسل له من بعده}، وفيه إشارة إلى الجواب عن الآية، وأنه معنى آخر لذهب مع الباء لا محذور في نسبته إليه تعالى.

إذا قلت: أخرجت زيداً كان بمعنى حملته على الخروج، فإذا قلت: خرجت به، بمعناه أنك خرجت واستصحبته معك. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه كلام فصلناه في كتابنا "عناية القاضي". ثم إن المصنف أورد ما يخالف مدعاه من قوله تعالى: {تنبت بالدهن} فقال: (أنبت بمعنى نبت، والهمزة فيها أصلية لا للنقل، كما قال "زهير": (رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل) هذا البيت من قصيدة "لزهير بن أبي سلمى" يمدح بها "سنان بن أبي حارثة" أولها: (صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ... وأقفر من سلمى التعانيق والنقل) وهي طويل، ومنها: (إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت ... ونال كرام المال في الحجرة الأكل) (رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل)

والقول الأول أصح، بدلالة قوله تعالى: {ذهب الله بنورهم} فإن اعترض معترض في جواز الجمع بين حرفي التعدية بقراءة من قرأ {وشجرة تخرج من طور سيناء تُنبِت بالدهن} بضم التاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ (هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن يسروا يعلوا) (وفيهم مقامات حسان وجوهها ... وأندية بنثابها القول والفعل) (على مكثريهم حق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل) (وما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل) (وهل بنيت الخطِّي إلا وشيجه ... وتُغرس إلا في منابتها النخل) الخ ... وما ذكره المصنف من أن أنبت في بيت "زهير"، إحدى روايتين فيه. قال "السرقسطي" في "أفعاله": نبت البقل نباتاً وأنبت، وأنشد بيت "زهير" نبت بدون همزة، وقال: روى أنبت، وأنكره "الأصمعي". ورأيت بفتح تاء الخطاب بتصحيح "الصاغاني" وهوظاهر. قال "الطيبي": وكثير ينشده بضم التاء، وذوو الحاجات الفقراء والمساكين. وقطين جمع قاطن بمعنى مقيم ويكون القطين بمعنى الخدم والأتباع أيضاً، يقول: ذوو الحاجات يقيمون حول بيوتهم

فقد قيل فيها عدة أقوال: أحدها أن أنبت بمعنى نبت والهمزة فيها أصلية لا للنقل كما قال زهير: (رأيت ذوي الحاجات حول بيوتنا ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل) فعلى هذا القول تكون هذه القراءة بمعنى من قرأ: (تنبت بالدهن) بفتح التاء، والمعنى أن الدهن ينبتها وقيل في القرآن: إن الباء زائدة كزيادته في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلا التهلكة} وكزيادتها في قول الراجز: (نحو بنو جعدة أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج) ـــــــــــــــــــــــــــــ لقضاء أوطارهم لأنها معاهد الكرم وموارد النعم، وكني بنبات البقل عن الخصب وزوال الجدب وحينئذ ينصرف المقلون من عندهم للانتجاع، ومعنى البيت الأخير أنه لا يلد الكريم إلا كريم ولا يترقى إلى موضع كريم إلا عظيم كما تنبت القناة إلا القناة ولا ينبت النخل في غير مغارسه فضرب ذلك مثلاً لأنهم كرماء أولاد كرماء، وهو في غاية البلاغة واللطف. والخطِّي بفتح الخاء: الرمح نسبه إلى الخط ساحل بالبحرين تنسب إليه الرماح، والوشيج بالمعجمة الأصل وعروق الشجر وسيأتي الكلام على الباء الزايدة. ثم أنشد شاهداً على زيادة الباء قول الراجز: (نحن بنو ضبة اصحاب الفلج ... نضرب بالصيف ونرجو بالفرج) وهو بيت لا يعرف قائله، ولم يُعز في شرح الشواهد، و"صبَّة" علم رجل، وهو عم أو ابن عم "التميم بن مر"، والفلج هنا بمعنى الظفر والفرح، ولم يحك فيه "الجوهري" غير سكون اللام، ولذا قال "الدماميني" في شرح "المغني" أن فتح اللام

فيكون تقدير الكلام على هذا التأويل: تنبت الدهن أي يخرج الدهن. وقيل: إن الباء متعلقة بمفعول محذوف تقديره تنبت ما تنبته وفيه دهن، كما تقول: ركب الأمير بسفيه، أي وسيفه معه، وخرج زيد بثيابه، أي وثيابه عليه. وقيل. وهو أحسن الأقوال: إنما زيدت الباء لأن إنباتها الدهن بعد إنبات الثمر الذي يخرج منه الدهن، فلما كان الفعل في المعنى قد تعلق بمفعولين يكونان في حال بعد حال، وهي الثمرة والدهن احتيج إلى تقويته في التعدي بالباء. ـــــــــــــــــــــــــــــ اتباعاً لفتح الفاء ضرورة، وهو من عدم الاطلاع؛ فإنه بفتحتين لغة أصلية فيه، وفي شرح العلامة "الزمخشري" لمقاماته الفلج، والفلج كالرشد والرشد الظفر وفلج على خصمه وفلجه بالحجة غلبة وفي المثل "من يأت الحكم وحده يفلج" وفي حديث "علي": "كالياسر الفالج" اهـ. (وقيل وهو أحسن الأقوال: إنما زيدت الباء لأن إنباتها الدهن بعد إنباتها الثمر الذي يخرج الدهن منه، فلما كان الفعل في المعنى قد تعلق بمفعولين يكونان في حال بعد حال وهما الثمرة والدهن احتيج إلى تقويته في التعدي بالباء). وقوله: الهمزة أصلية فيه تسمح. والمراد أنها في أصل بناء الكلمة لا عارضة للتعدية بقرينة قوله لا للنقل. وقوله (تكون هذه القراءة بمعنى قراءة من قرأ تنبت بالدهن بفتح التاء) هذا على ما اختاره، فأما إذا قيل أن الباء للتعدية على الفتح ومتعلقة بمحذوف، وهو حال أي تنبت ثمرتها دهنه، فلا يكونان بمعنى، وعلى الحالية هو كخرج بسلاحه أن متسلحاً، فموضع الباء وما بعدها نصب على الحال، ولو كانت الباء للتعدية كان معناه أخرج السلاح، وإن جعلت الباء زائدة في الضم تشارك المعنيان. وقوله (والمعنى إن الدهن ينبتها) [ليس بصحيح، بل المعنى أنها تنبت الدهن إذا الدهن لا ينبتها] وإنما ينبتها الماء والقلب بعيد،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (احتيج إلى تقوية في التعدي بالباء) هو بعينه كلام "الجوهري"، و [قد] قيل عليه: إنه غلط منه وممن تأوله، لأن الباء ليست للتعدية هنا عند أحد من النحويين على ضم التاء. وإنما هو على أن المفعول محذوف والجار والمجرور حال والتقدير تنبت ثمرتها ودهنها فيها فليس ها هنا مفعولان يكون التعدي إلى الثاني بالباء، وإنما هو مفعول وحال اهـ. واعلم أن صاحب "اللباب" قال: باء المصاحبة لا تكون إلا ظرفاً مستقراً ولا مانع من الإلغاء فيها عندي كما في باب الاستعانة، فإذا قلت اشترى الفرس بسرجه جاز تعلق الباء باشترى على جهة المصاحبة كما: كتبت بالقلم فإن وجوه التعلق مختلفة فحينئذ لنا أن نقول: الباء متعلقة بتنبت معدية له لأن التعلق والتعدي يكونان بمعنى. فلا يرد رد "ابن بري" على المصنف و"الجوهري"، ولا يبعد أن يتعدى أنبت بالباء لمفعول ثان وإسناد الشيء إلى ما ذكر مجاز.

[14] القول في مائدة وخوان

[14] القول في مائدة وخوان ويقولون لما يُتَّخذ لتقديم الطعام عليه: مائدة، والصحيح أن يقال له: خوان إلى أن يحضر عليه الطعام فيسمى حينئذٍ مائدة، يدل على ذلك أن الحواريين حين تحدوا "عيسى". عليه السلام. بأن يستنزل لهم طعاماً من السماء، فقالوا: {هل يستطيع ربك أن يُنَّزل علينا مائدة من السماء} ثم بينوا معنى المائدة بقولهم: {نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا}. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لما يُتَّخذ لتقديم الطعام عليه: مائدة، والصحيح أن يقال له: خوان إلى أن يحضر الطعام فيسمى: مائدة). لا مانع من أطلاقه عليه باعتبار أنه وضع عليه أو سيوضع مجازاً، والأمر في مثله سهل، ولذا منع بعضهم دلالة مقالة الحواريين على مدَّعاه، وحكاية "الأصمعي" على ما ذكره من تسمية المحضر عليه الطعام مائدة، لجواز أن تكون المائدة نفس الطعام، و"من" في قوله تعالى: {نريد أن نأكل منها} تبعيضية لا ابتدائية، وقد نقل عن "الأخفش" و"أبي حاتم" أن المائدة نفس الطعام وإن لم يكن معه خوان كما نقله في "التقريب"، فقول المصنف إثباتاً لما ادعاه: (ثم بينوا اسم المائدة بقولهم: نريد أن نأكل منها) ليس بمسلمٍ كما لا يخفى. اختلاف الأسماء باختلاف الأوصاف: ثم ذكر ألفاظاً تختلف أسماؤها باختلاف أوصافها فقال: (فمن ذلك أنهم لا يقولون للقدح: كأسٌ إلا إذا كان فيها شراب) هذا برمته من كتاب "فقه اللغة"، وأكثره مدخول، فالكأس لا تطلق على الإناء بل على الشراب وعلى مجموعهما، فيقال كأس لمملوءة شراباً. قال تعالى: {يسقون فيها كأساً} و {كأساً من معين} وإطلاقه على ما فيه مجاز بعلاقة الحلول، وإطلاقه عليها فارغة حقيقة أو مجاز في إطلاق المقيد على المطلق وقوله:

وحكى "الأصمعي" قال: غدوت ذات يوم إلى زيارة صديق لي فلقيني "أبو عمرو بن العلاء" فقال لي: إلى أين يا "أصمعي" فقلت: إلى صديق لي فقال: إن كان لفائدة أو لعائدة أو لمائدة وإلا فلا. وقد اختلف في تسميتها بذلك فقيل: سميت به لأنها تميد بما عليها، أي تتحرك مأخوذ من قوله تعالى: {وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم} وقيل: بل هو من ماد اي أعطى، ومنه قول رؤبة بن العجاج: إلى أمير المؤمنين الممتاد أي المستعطي. فك أنها تميد حواليها مما أحصر ـــــــــــــــــــــــــــــ (أصبحت ألطف من مرس النسيم سرى ... على الرياض يكاد الوهم يؤلمني) (من كل معنى لطيف أجتلي قدحاً ... وكل ناطقة في الكون تطربني) فإن سُلِّم أن القدح يختص بما ليس فيه شراب فهو مجاز أيضاً باعترا ما كان عليه أو ما يؤول إليه. وأما قوله (ولا للبئر ركية إلا إذا كان فيها ماء ولا للدلو سجل إلا وفيها ماء وإن قل. ولا يقال لهما ذنوب إلا إذا كانت ملأى). فقد قال "الجوهري".: الركية البئر من غير تفرقة بين ما فيها ماء وما ليس فيها ماء، وفي "المطالع" سوّى بين السجل والذنوب والتجويز فيه سهل ظاهر، وقوله: (ولا يقال للبستان: حديقة إلا إذا كان عليه حائط). وهو أحد قولين لأهل اللغة فيه وفي "عمدة الحفاظ" في تفسير قوله تعالى: {حدائق وأعنابا}: إن الحديقة القطعة من الأرض المستديرة ذات النخل والماء تشبيهاً بحدقة الإنسان في الهيئة. وفي "الصحاح" إنها الروضة ذات الشجر من غير تفرقة بين ما أحاط به الحائط وغيره، وإن كان أصله بحسب الاشتقاق

عليها وقد أجاز بعضهم أن يقال فيها: ميدة. واستشهد عليه بقول الراجز: (وميدة كثيرة الألوان ... تصنع للجيران والإخوان) [مطلب مفيد] وفي كلام العرب أشياء تختلف أسماؤها باختلاف أوصافها. فمن ذلك أنهم لا يقولون للقدح: كأس إلا إذا كان فيه شراب. ولا للبئر: ركيَّة إلا إذا كان فيها ماء ولا للدلو: سجل إلا وفيها ماء ولو قل، ولا يقال لها: ذنوب إلا إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتضيه لأنه من أحدق به إذا أحاط وطاف به كما قاله "ابن دريد" وأنشد. (المنعمون "بنو حرب" وقد حدقت ... بي المنية واستبطأت أنصاري) وقوله: (لا يقال للمجلس ناد وفيه أهله). فليس بمُسلَّم لجواز إلا إطلاقه على غيره مجازاً كما يطلب على أهله كما في قوله تعالى: {فليدع ناديه} وكذلك المجلس في قوله: (نبئت أن النار بعدم أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس) وقيل: إنه على تقدير مضاف اي أهل نادية وأهل المجلس.

كانت ملأى، ولا يقال أيضاً للبستان: حديقة إلا إذا كان عليه حائط، ولا للإناء: كوز إلا إذا كانت له عروة وإلا فهو كوب، ولا للمجلس: نادٍ إلا وفيه أهله، ولا للسرير: أريكة إلا إذا كانت عليه حجلة، ولا للمرأة: ظعينة إلا ما دامت راكبة في المهودج، ولا للستر: خدر إلا إذا اشتمل على امرأة، ولا للقدح: سهم إلا إذا كان فيه نصل وريش، ولا للطبق: مهدى إلا ما دامت فيه الهدية، ولا للشجاع: كمي إلا إذا كان شاكي السلاح، ولا للقناة: رمح إلا إذا ركِّب عليها السنان. وعليه قول "عبد القيس خفاف بن البرجمي": (وأصبحت أعددت للنائبات ... عِرضا بريئاً وغضباً صقيلا) (ووقع لسانٍ كحد السنان ... ورمحاً طويل القناة عسولا) ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (ولا للسرير أريكة إلا إذا كانت عليها حجلة) قال "ابن بري": قد سموا الفراش أرائك كما في قوله: (خدود خفت في الستر حتى كأنما ... تناشرن بالغراء دمس الأرائك) وقوله: (ولا للمرأة ظعينة إلا ما دامت راكبة في ال هودج ولا للستر خدراً إلا إذا اشتمل على امرأة). في "النهاية" الظعينة المرأة في الهودج ويقال للمرأة بلا هودج وللهودج بلا امرأة، وفي "الجمهرة" الخدر خدر المرأة وهو ثوب يمدر في عرض الخباء تستتر به المرأة، ثم كثر في كلامهم فصار كل ما واراك خدراً. والهودج محمل معروف [وقول "عبد القيس بن خفاف البرجمي":

ولو كان الرمح هو القناة لقال: رمحاً طويلاً لأن الشيء لا يضاف إلى ذاته. ومن هذا النمط أيضاً أنه لا يقال للصوف: عهن إلا إذا كان مصبوغاً، ولا للسرب: نفق إلا إذا كان مخروقاً، ولا للخيط: سمط إلا إذا كان فيه نظم، ولا للحطب: وقود إلا إذا اتقدت فيه النار، ولا للثوب: مطرف إلا إذا كان في طرفه علمان، ولا لماء الفم: رضاب إلا ما دام في الفم، ولا للمرأة: عانس ولا عاتق إلا ما دامت في بيت أبويها، وكذلك لا يقال للأنبوبة: قلم إذا إذا بُريت. وأنشدني أحد شيوخنا رحمهم الله "لأبي الفتح كشاجم": ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأصبحت أعددت للنائبا ... عرضاً بريئاً وعضباً صقيلا) (ووقع لسان كحد السنا ... ورمحاً طويل القناة عسولا) خُفاف كغُراب علم والبرجمي بفتح الموحدة وسكون الراء وجيم وميم نسبة للبراجم وهم قوم من تميم، وعسول بمعنى متحرك ومضطرب، ولذا قيل للرمح عسل ومعسال. وقوله: (لأن الشيء لا يضاف إلى ذاته)، أي نفسه ليس بصحيح لأنه من إضافة العام إلى الخاص كشجر الأراك، ولو كان رمح القناة صح ما توهمه. [ولا يقال للشجاع: كمي إلا إذا كان شاكي السلاح] الكمي الشجاع مطلقاً ولابس السلاح من كمي بمعنى استتر. قال "السهلي": سمي به لأن من شأنه أن يخفي شجاعته فلا يظهرها إلا في محلها، وشاكي السلاك بمعنى تام السلاح، وقيل السلاح مشبه بالشوك، ويقال: شاك بكسر الكاف وضمها فمن كسره جعله منقوصاً مثل قاضي وفيه قولان، قيل: أصله شائك فقلب كهار واشتقاقه من الشوك. وقيل [أصله] شاكك من الشكة مشددة وهي السلاح أبدل ثاني مثليه حرف علة للتخفيف وأعل إعلال قاض. وضمُّه على وجهين: أحدهما أن

(لا أحب الدواة تحشى يراعا ... تلك عندي من الدوى معيبه) (قلمٌ واحدٌ وجودة خط ... فإذا شئت فاستزد أنبوبه) (هذه قعدة الشجاع عليها ... سيره دائباً وتلك جنيبه) ـــــــــــــــــــــــــــــ أصله شوك فانقلبت واوه ألفاً، وقيل: هو محذوف من شائك كما قيل هارٌ بضم الراء، وفيه لغة ثالثة شاكّ بتشديد الكاف من الشكة لا غير كما في شرح "أدب الكاتب" "لابن السيد". "لأبي الفتح كشاجم": (لا أحب الدواة تحشى يراعاً ... تلك عندي من الدويّ معيبه) الخ الأبيات. و"كشاجم" شاعر مشهور في "توضيح ابن هشام" أنه بفتح الكاف، وفي "القاموس" أنه بضمها كعلابط علم مرتجل. قالوا: إنه مأخوذ من صفاته وصناعاته فالكاف من كاتب والشين من شاعر والألف من أديب والجيم من جميل والميم من منجم، ومعنى الشعر ظاهر، أي لا أحب كثرة الأقلام في الدواة، وتحشى من الحشو المعروف، ودوي بضم الدال وكسرها للاتباع وكسر الواو وتشديد الياء جمع دواة، بل يلقى قلمان لها يكون أحدهما كالفرس يركب للسير عليه والآخر يجنب للحاجة إذا اقتضته. ووجه كونه لا يسمى قلماً حقيقة ما لم يبر ويقطع لأنه مأخوذ من القلم وهو القطع، وقيل لأعرابي: ما القلم؟ فقال لا أدري فقيل له: توهمه، فقال: عود قلم من جانبيه كتقليم الظفر فسمى قلماً. ثم عقب هذا بما يناسبه فقال:

[15] في النسب إلى دواة

[15] في النسب إلى دواة ويقولون لمن يحمل الدواة: دواتي بإثبات التاء. وهو من اللحن القبيح والخطأ الصريح. ووجه القول أن يقال فيه: دووي لأن تاء التأنيث تحذف في النسب كما يثال في النسب إلى فاطمة فاطمي وإلى مكة مكي، وإنما حذفت لمشابهتها ياء النسب من عدة وجوه. أحدهما أن كلتيهما تقع طارفة فتصير هي حرف الإعراب ويجعل ما دخلت عليه حشواً في الكلمة. والوجه الثاني أن كل واحدة منهما قد جعل ثبوتها علامة للواحد وحذفها علامة للجمع، فقالوا في تاء التأنيث: تمرة وتمر، كما قالوا في ياء النسب: زنجية وزنج. والوجه الثالث أن كل واحدة منهما إذا التحقت بالجمع الذي لا ينصرف صيَّرته منصرفاً نحو: صيارف وصيارفة، ومدائن ومدائني، فلما اشتبها من هذه الأوجه الثلاثة لم يجز أن يجمع بينهما كما لا يجمع بين حرفي معنى في كلمة واحدة. ولما حذفت التاء بقي الاسم على "دوا" الموازن للثلاثي المقصور، فقلبت ألفه واواً كما تقلب في الثلاثي المقصور، فقيل: دووي، كما قالوا في النسب إلى فتى: فتوي، ولا فرق في هذا الموطن بين الألف التي أصلها الواو كألف "قفا" المشتق من قفوت، والألف التي أصلها الياء كألف 5 "حمى" المشتق من حميت، وحكمها فيه بخلاف حكمها في التثنية التي ترد فيها الألف إلا أصلها، كقولك في تثنية "قفا": قفوان، وفي تثنية "حمى": حميان. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: داوتي لمن يحمل الدواة بإثبات التاء وهو من اللحن القبيح والخطأ الصريح ووجه القول فيه: دووي). هذا من اللحن الذي لا يصدر عن كثير من العوام فضلاً عن الخواص، ولا خلاف في أنه خطأ وإنما الخلاف في علته. فقال المصنف: لأن التاء تشبه ياء النسب لما ذكره، فلو جمع بينهما كان كالجمع بين المثلين. وقال "ابن بري" إن الاسم لما نقل عن مسماه إلى

والفرق بين الموضعين أن علامة التثنية خفيفة وما قبلها يكون أبداً مفتوحاً، فلا يجتمع في الكلمة المثناة ما يثقل، وعلامة النسب ياء مشددة تقولم مقام يائين، وما قبلها لا يكون إلا مكسوراً، فلو قلبت الألف في النسب ياء لتوالى في الكلمة من الكسر والياءات ما استثقل التلفظ بها لأجله. ـــــــــــــــــــــــــــــ المنسوب دخل في حيّز الصفات التي تذكَّر وتؤنث فأسقطت لئلا يجتمع علامتا تأنيث فيما إذا نسب المؤنث إلى مؤنث آخر كما لو قيل فاطميته، وهو قبيح ثقيل، وأيضاً [يلزم] وقوع تاء التأنيث حشواً وهي لا تكون كذلك.

[16] قولهم: بعثت به وأرسلت إليه

[16] قولهم: بعثت به وأرسلت إليه ويقولون بعثت إليه بغلام وأسلت إليه هدية، فيخطئون فيهما لأن العرب تقول فيما يتصرف بنفسه بعثته وأرسلته كما قال تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا} وتقول فيما يحمل بعثت به وأرسلت به كما قال سبحانه وتعالى عن "بلقيس" {وإني مرسلة إليهم بهدية} وقد عيب على "أبي الطيب" قوله: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: بعثت إليه بغلام وأرسلت إليه هدية، فيخطئون فيهما؛ لأن العرب تقول: فيما يتصرف بنفسه: بعثته وأرسلته. كما قال الله تعالى: {ثم أرسنا رسلنا}. (ويقولون فيما يحمل: بعثت به وأرسلت به). ما زعمه ممنوعاً صرح "ابن جني" بجوازه في شرح "ديوان المتنبي"، وليس الفرق ما ذكره كما سنذكره. وقال "ابن بري": بعثت يقتضي مبعوثاً متصرفاً كان أو لا. تقول بعثت زيداً بغلام وبكتاب، فلهذا لزمته الباء وكذا أرسلت يقتضي مرسلاً ومرسلاً به متصرفاً كان أو غير متصرف، فلا إنكار لما أنكره المصنف، وليه قول "النابغة الجعدي": (فإن يكن ابن عفان أميناً ... فلم يبعث بك البر الأمينا) وقد عيب على "أبي الطيب" قوله:

(فآجرك الإله على عليل ... بعثت إلى المسيح به طبيبا) ومن تأوَّل فيه قال: أراد به أن العليل لاستحواذ العلة على جسمه وحسه قد ـــــــــــــــــــــــــــــ (فآجرك الإله على عليل ... بعثت إلى المسيح به طبيبا) وهو من قصيدة له يمدح بها "علي بن سيَّار" وكان له وكيل يتعرض للنظم فأرسله إلى "أبي الطيب" بقصيدة مدحه بها فلما أتاه قال هذه القصيدة وأولها: (ضروب الناس عشاق ضروبا ... فأعذرهم أشفهم حبيبا) [ومنها فآجرك الإله البيت وبعده]. (ولست بمنكر منك الهدايا ... ولكن زدتني فيها أديبا) وقد حمل ما قاله "المتنبي" على أنه جعله من جملة الظرف والتحف المهداة له، ويشهد له ما بعده من قول: "ولست بمنكر" البيت، وما ذكره من تنزيله منزلة ما لا يعقل لا يناسب المقام كما يشهد له الذوق، ومثله قول "الخوارزمي" في قصيدة له: (وما كنت في تركيك إلا كتارك ... طهوراً وأرضى بعده بالتيمم)

التحق بحيِّز ما لا يتصرف بنفسه. فلهذا عُدِّي الفعل إليه بحرف الجر كما يعدي إلى ما لا حس له ولا عقل. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وذي علة يأتي طبيباً ليشتفى ... به وهو جار للمسيح بن مريم) (ولم أر قبلي من يحارب بخته ... ويشكو إلى البؤس افتقاد التنعم) (ولا أحد يحوي مفاتيح جنة ... ويقرع بالتطفيل باب جهنم)

[17] قولهم المشورة بوزن مفعلة خطا

[17] قولهم المشورة بوزن مفعلة خطا ويقولون: المشورة مباركة فيبنونها على مفعلة. والصواب أن يقال فيها مشورة على وزن مثوبة ومعونة كما قال "بشار": (إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي لبيب أو فصاحة حازم) (ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي رافدات القوادم) وكان الأصل في مشورة مضورة على وزن مفعلة مثل مكرمة فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها وسكنت هي فقيل مشورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: المشورة مباركة فيبنونها على مفعلة) بفتحات لغير ثانية الساكن وآخره المعرب. (والصواب أن يقال: مشورة على وزن مثوبة ومعونة). ما ذكره ليس بصواب قال "ابن بري": أصل مثوبة مثوبة على وزن مفعلة بضم العين وقد قرأ بها "مجاهد". وضم الشين والثاء فيهما هو القياس، وقد حكى أهل اللغة فيهما الإسكان أيضاً تنبيهاً على أصله وإن شذَّ، وبهما نطقت العرب وقد قرى به ووردت المشورة على أصلها في حديث البخاري. فالمشورة بالفتح وردت في فصيح الكلام على أنها من بابين، أو الفتح للتخفيف، أو

واختلف في اشتقاق اسمها فقيل: إنه من قولك: شرت العسل أشوره إذا جنيته فكأن المستشير يجتني الرأي من المشير، وقيل: بل أخذ من قولك: شرت الدابة إذا أجريتها مقبلة ومدبرة لتسبر حضرها وتخبر جوهرها، فكأن المستشير يستخرج الرأي الذي عند المشير، وكلا الاشتقاقين يتقارب معناه من الآخر ويلتحم به. ـــــــــــــــــــــــــــــ الفرار من ثقل الضمة على الواو، وفي "المصباح" المشورة فيها لغتان سكون الشين وفتح الواو وضم الشين وسكون الواو كمعوتة اهـ وكذا في "طلبة الطلبة" "للنسفي" وفي "الدر المصون" المثوبة فيها قولان: أحدهما: أن وزنها مفعولة وأصلها مثووبة نقلت ضمة الواو لما قبلها وحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وهو من المصادر التي جاءت على وزن مفعول كمعفول كما قاله "الوا حدي". والثاني: أنها مفعلة بضم الواو نقلت ضمتها لما قبلها، ويقول مثوبة بسكون الثاء وفتح الواو، وكان من حقها الإعلال، وأن يقال: مثابة كمقامة، إلا أنهم صححوها كما صححوا في الأعلام، وبذلك قرأ "أبو السماك" مثوبة كما قيل مشورة. اهـ. فكيف يتجه تصويبه؟ وقد قرى بهما في القرآن المجيد ولو شذوذاً، فما هذا إلا من التربع في قصور القصور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال "الميداني" - في المثل: "أول الحزم المشورة" - إنه روي بالوجهين وهما لغتان. والمشورة من شرت العسل واشترته، إذا اجتنيته من خلاياه؛ لأن المشاور يجتني شهد الصواب. (قال "بشار" (إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم) هذا البيت من نتفة له كما طالعته في ديوانه وهي برمتها: (إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي لبيب أو نصيحة حازم) (ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي رافدات القوادم) (وخل الهوينا للضعيف ولا تكن ... نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم) (وما خير كفٍّ أمسك الغل أختها ... وما نفع سيف لم يؤيد بقائم) (وحارب إذا لم تعط إلا ظلامة ... شبا الحرب خير من قبول المظالم) (وأدن إلى القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرءاً غير كاتم) (فإنك لم تستطرد الهم كالمنى ... ولم تبلغ العليا بغير المكارم) (وما قارع الأقوام مثل مشيع ... أريب ولا جلى العمى مثل عالم)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقوادم والقدامى - كحباري - أربع أو عشر ريشات في مقدم الجناح، واحدته قادمة. والخوافي ريش إذا إذا ضم الطائر جناحية خفيت، أو الأربع اللواتي بعد المناكب، أو سبع ريشات بعد السبع المقدمات. وروي: مسعدات بدل رافدات. [وحضر الفرس بالحاء المهملة المضمومة والضاد المعجمة الساكنة، يليها راء مهملة ارتفاع عدوه وشدة جريه]. [وليس فيما ذكره شاهد لما ادعاه لما عرف فيه].

[18] قولهم في التحذير بإياك

[18] قولهم في التحذير بإياك ويقولون في التحذير: إياك الأسد إياك الحسد. ووجه الكلام إدخال الواو على الأسد والحسد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إياك ومصاحبة الكذاب فإنه يقرب عليك البعيد ويبعد عنك القريب" وكما قال الشاعر: (فإياك والأمر الذي إذا توسعت ... موارده ضاقت عليك المصادر) والعلة في وجوب إثبات الواو في هذا الكلام أن لفظة إياك منصوبة بإضمار فعل تقديره اتق أو باعد، واستغنى عن إظهار هذا الفعل لما تضمن هذا الكلام من ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في التحذير: إياك الأسد وإياك الحسد ووجه الكلام إدخال الواو على الأسد والحسد). هذا من جملة هناته قال "ابن مالك" في "التسهيل": لا يحذف العاطف بعد إياك والمحذور منصوب بإضمار ناصب آخر أو مجرور بمن وفي شرحه "للمرادي" مثال المنصوب إياك الشر، ولا يجوز أن يكون الشر منصوباً بما انتصب به إياك بل بفعل آخر تقديره دع الشر، وهذا مذهب الجمهور ومن ذلك قوله: (فإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالب)

معنى التحذير، وهذا الفعل إنما يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا كان قد استوفى عمله ونطق بعده باسم آخر لزم إدخال حرف العطف في معموله عليه، كما لو قلت: اتق الشر والأسد، اللهم إلا أن يكون المفعول الثاني حرف جر كقولك إياك من الأسد، أي باعد نفسك من الأسد. ـــــــــــــــــــــــــــــ فأضمر بعد إياك ناصباً تقديره اتق. قال "ابن عصفور": إن حذفت الواو لم يلزم إضمار الفعل نحو قوله: فإياك إياك المراء البيت. ولو كان في الكلام لجاز إضمار هذا الفعل، وقال "ابن يعيش": المراد في البيت والمراء فحذف حرف العطف، أو من المراء فحذف حرف الجر، وقال "أبو البقاء": المختار عندي أن يقدر له فعل يتعدى إلى مفعولين نحو جنب نفسك الشر، فإياك في موضع نفسك اهـ. وفي "كتاب سيبيويه" لو قلت إياك الأسد تريد من الأسد لم يجز كما جاز في أن، إلا أنهم زعموا أن "ابا إسحاق" أجاز هذا البيت: فإياك إياك المراء فإنه. كأنه قال: إياك ثم أضمر بعد إياك فعلاً آخر فقال: اتق المراء، وقال "الخليل" لو أن رجلاً قال: إياك نفسك لم أعنفه اهـ. وبما قرع سمعك من كلام هؤلاء الفحول تعلم

فإن قيل: فكيف يجوز أن يقال إياك والأسد فيأتي بالواو التي معناها الجمع بين الشيئين، وأنت إنما أمرته أن يباعد نفسه ولم تامره أن يباعد الأسد، فالجواب عنه أنه إذا باعد نفسه من الأسد كان بمنزلة تبعيده الأسد، وقد جوز إلغاء الواو عند تكرير لفظة إياك كما استغنى عن إظهار الفعل مع تكرير الاسم في مثل قولن: الطريق الطريق وأشباهه، وعليه قول الشاعر: (فإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالب) فإن قلت: إياك أن تقرب الأسد فالأجود أن تلحق به الواو لأن أن مع الفعل بمنزلة المصدر فأشبهه قولك إياك ومقاربة الأسد، ويجوز إلغاء الواو فيه، على أنه ـــــــــــــــــــــــــــــ أن ما منعه المصنف أجازه (الخليل) وغيره من أئمة العربية على تقدير عامل آخر، أو فعل يتعدى لمفعولين، وإنما يمتنع على تقدير عامل واحد لئلا يحذف الجار أو العاطف، ولا يمتنع مطلقاً، وإن أوهمه كلام "ابن الحاجب" وغيره، وهذا تحقيق المقام بما يميط عنه لثام الشبه والأوهام، ومن الناس من قال: الكلام هنا على ما ذكره المصنف من وجوده: الأول: أنا لا نسلم امتناع إياك الأسد، وإن سلم امتناعه على تقدير ناصب لكلا الجزئين فقد قال "ابن مالك": يقال إياك الأسد على تقدير أحذرك الأسد قائلاً بأنه مما وجب حذف فعله، وامتناع الشيء على تقدير لا ينافي صحته على تقدير آخر. الثاني: أن دعواه حذف الواو في البيت غير متعينة لأن فيه احتمالين آخرين أحدهما ما نقله "الحديثي" عن "سيبويه" من أن إياك إياك مشتغل بالتحذير، وقد تم بفعله الواجب تقديره، ثم شرع في كلام آخر غير متعلق به فقال المراء أي احذر المراء، وهو مما جاز حذف عامله لأنه محذر منه مفرد، وثانيهما أن يكون المراء بدلاً كما فعل

تكون أن وما بعدها من الفعل للتعليل وتبيين سبب التحذير فكأنك قلت: أحذرك لأجل أن تقرب الأسد وعليه قول الشاعر: (قبح بالسرائر في أهلها ... وإياك في غيرهم أن تبوحا) فائدة: ومما ينخرط في سلك هذا الفن أنهم ربما أجابوا المستخبر عن الشيء بلا النافية ثم عقبوها بالدعاء له فيستحيل الكلام إلى الدعاء عليه كما روي أن "أبا بكر الصديق" رضي الله عنه رأى رجلاً بيده ثوب فقال له: أتبيه هذا الثوب؟ فقال: لا وعافاك الله فقال: لقد عُلِّمتم لو تتعلمون هلا قلت: لا وعافاك الله؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم أن تحذف بدلاً من إياي في إياي أن يحذف لا مسبوقاً بمن المقدرة، وبهذين الاحتمالين بطل استدلال من استدل بالبيت المذكور على جواز: "إياك الأسد" بحذف "من"، أو "الواو" لأنه إذا كان بدلاً لم يكن "من" ولا "الواو" مقدرة، كما لو كان منقطعاً عما قبله، على أن حذف الجار داخلاً على الاسم الظاهر في مثل هذا التركيب على غير قياس استعمال الفصحاء إياه. لكن لم يصدر هذا البيت من فصيح، ومثله يرد فلا يثبت به أصل من أصول العربية. كذا في بعض شروح "الكافيه". وفي "شرح الشواهد" إن هذا البيت من أبيت "الكتاب" مع تسليم صحة الاستشهاد به، فهو مما صدر عن الصفحاء إلا أن يثبت أنه استشهد به على لغة غير فصيحة، وهو أمر لم يثبت بعد. وقال "ابن بري": إنه "للفضل بن عبد الرحمن القرشي" يخاطب به ابنه، وقلبه: (ومن ذا الذي يرجو الأباعد نفعه ... إذا لم تصلح عليه الأقارب)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا كله خبط وخلط. وما ذكره المصنف غير وارد كما سمعته. وقوله: (وهذا الفعل إنما يتعدى ... الخ) قد عرفت أنه يقدر له عامل آخر أو فعل يتعدى إلى اثنين. وقوله: (وقد يجوز إلغاء الواو ... الخ) قد قدمنا لك أنه يجوز مع عدم التكرار أيضاً، وإنما التكرار سبب لوجوب الحذف، وهذه الواو إما عاطفة أو بمعنى مع. فائدة: (ومما ينخرط في سلك هذا الفن أنهم أجابوا المستخبر عن الشيء بلا النافية، ثم عقبوها بالدعاء له فيستحيل الكلام إلى الدعاء عليه، كما روي أن "أبا بكر الصديق" - رضي الله عنه - رأى رجلاً بيده ثوب، فقال له: أتبيع هذا الثوب؟ فقال: لا عافاك الله. فقال: لقد عُلِّمت لو تتعلمون، هلا قلت: لا، وعافاك الله) .. هذا من الآداب المأثورة عن الصحابة - رضي الله عنهم -، وقال القاضي "عياض" في شرح "مسلم" [في] فضائل "سليمان" - رضي الله عنه - في قوله: يا إخوتاه:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أغضبتكم؟ قالوا: لا. يغفر الله لك يا أخي. روي عن "أبي بكر" - رضي الله عنه - أنه نهى عن مثل هذه العبارة. وقال لقائل قال له: لا. عافاك الله: قل: عافاك الله لا تزد. لا تقل: لا قبل الدعاء فيصير الدعاء له في صورة نفيه وهو دعاء عليه. وروي أنه قال له: قل: لا وعافاك الله. وفي كتب المعاني في "الفصل والوصل" ما يؤيده. فإن قلت: إن تقديره "لا يكون" ونحوه، وهو خبر، و"أيدك الله" في قولهم: لا وأيدك الله جملة دعائية إنشائية، والإنشائية لا يعطف على الخبر مطلقاً، أو في ما لا محل له من الإعراب، ومنه ذلك، فكيف جوزوه واستحسنوه فيما ذكر؟ قلت: إما أن يكون إطلاقهم مقيداً بما لا يكون لدفع الإيهام كما هو ظاهر كلام أهل المعاني، أو يقال: الواو زائدة لدفع الإيهام، أو استئنافية أو اعتراضية، وهم لم يتعرضوا لتفصيله، وقد جاء في الحديث أيضاً أن "هوزة" الحنفي كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يسأله أن يجعل الأمر له من بعده على أن يسلم ويصير إليه لينصره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ولا كرامة، اللهم اكفنيه" فمات بعد قليل. اهـ. فقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وبه اقتدى "الصديق" - رضي الله عنه-. واعلم أن المصنف استعمل الانخراط بمعنى النظم، وهو مضهور في كلام المولدين، إلا أني لم أجده في كتب اللغة بهذا المعنى ولا ما يقرب منه، فليحرر. و"السلك" ما ينظم فيه الدرر ونحوها.

قال الشيخ الأجل الرئيس "أبو محمد": والمستحسن في مثل هذا قول "يحيى بن أكثم" "للمأمون". وقد ساله عن أمر، فقال: لا وأيد الله أمير المؤمنين. وحكي أن "الصاحب أبا القاسم بن عبّاد" حين سمع هذه الحكاية قال: والله لهذه الواو أحسن من واوات الأصداغ على خدد المرد الملاح. ومن خصائص لغة العرب إلحاق الواو في الثامن من العدد، كما جاء في القرآن: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} وكما قال. سبحانه: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم}. ـــــــــــــــــــــــــــــ (والمستحسن في مثل هذا قول "يحيى بن أكثم" للمأمون - وقد سأله عن أمر - فقال: لا وأيدك الله). وفي "الحواشي" قول "يحيى" هو قول "أبي بكر" - رضي الله عنه - فما معنى استحسانه؟ وقوله: (قول الصاحب: إن هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ في خدود المرد الملاح) سوءة له تستر منقبة تؤثر، ولو قال: في خدود الملاح سلم مما ذكر. لكن المصنف آثره لاشتهار "ابن أكثم" بمحبة الغلمان.

و"أكثم" اسم أبيه. وقد صبوه بالتاء المثناة وبالتاء المثلثة، وقالوا: إنهما لغتان فيه، ومعناه عظيم البطن. وهو قاضي "المأمون" و"الرشيد"، وله مآثر في صحبة الخلفاء مشهورة. و"الصاحب" الوزير، وإذا أطلق -[في كتب الأدب]- فالمراد به "ابن عبَّاد"، والأصداغ تشبه بالواو والهمزة وغير ذلك مما هو معروف في كتب الأدب كما قيل: (أهواه مهفهفاً ثقيل الردف ... كالبدر يجلُّ حسنه عن وصف) (ما أحسن واو صدغه حين بدت ... يا رب عسى تكون واو العطف) (ومن خصائص لغات العرب إلحاق الواو في الثامن، كما جاء في "القرآن العظيم" {التائبون ... } الآية، وتسمى واو الثمانية). وفي "المغني" واو الثمانية ذكرها جماعة من الأدباء كـ "الحريري" ومن النحويين الضعفاء كـ "ابن خالويه" ومن المفسرين كـ"الثعلبي". وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا: ستة، سبعة، وثمانية إيذاناً بأن السبعة عدد تام وأن ما بعده عدد مستأنف، وقد جاء في القرآن: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر}. والظاهر أن العطف في هذا الوصف بخصوصه إنما كان من جهة أن الأمر والنهي من حيث هما أمر ونهي متقابلان، بخلاف بقية الصفات، أو لأن الآمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر وهو ترك المعروف، والناهي عن المنكر آمر بالمعروف، فأشير إلى الاعتدال بكل من الوصفين وأنه لا يكفي فيه ما حصل في ضمن الآخر، وفيه كلام آخر مفصل في "حواشي القاضي". (ومن ذلك أنه جل اسمه لما ذكر أبواب جهنم ذكرها بغير واو، لأنها سبعة فقال: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} ولما ذكر أبواب الجنة بها الواو لكونها ثمانية فقال سبحانه: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها}.

ومن ذلك أنه جل اسمه لما ذكر أبواب جهنم ذكرها بغير واو لأنها سبعة فقال: {حتى إذا جاءها فتحت أبوابها} ولما ذكر أبواب الجنة بها الواو لكونها ثمانية، فقال سبحانه: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} وتسمى هذه الواو واو الثمانية. ومما ينتظم أيضاً في إقحام الواو ما حكاه "أبو إسحاق الزجاج" قال: سألت "ابا العباس المبرد" عن العلة في ظهور الواو في قولنا: سبحانك اللهم وبحمدك، فقال: إني لقد سألت "أبا عثمان المازني" عما سألتني عنه فقال: المعنى سبحانك اللهم وبحمدك سبَّحتك. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال "ابن هشام": لو كان لواو الثمانية حقيقة لم تكن الآية منها؛ إذ ليس فيها ذكر عدد البتة وإنما فيها ذكر الأبواب، وهو جمع لا يدل على عدد خاص، ثم الواو ليست داخلة عليه بل على جملة هو فيها، وقد مر أن الواو في قوله: وفتحت مفخمة عند قوم وعاطفة عند آخرين، وقيل: هي واو الحال، أي جاؤها [حال كونها] مفتحة قيل: وإنما فتحت لهم قبل مجيئهم إكراماً لهم عن أن يقفوا حتى تفتح لهم، وفيه كلام وفي "درة التأويل" فإن قيل: هل يختلف المعنيان إذا حذفت الواو أو أثبتت؟ قلنا: يختلفان بأن الفتح يقع عند مجيء أهل النار لأن قوله "فتحت" جزاء الشرط وحقه إذا كان فعلاً أن لا يدخله واو لا فاء ويكون عقيب الشرط، وإذا حذف الجزاء وعطف عليه فعل فقيل: حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها كان التقدير حتى إذا جاءوها وأبوابها مفتوحة، وهذا حكم اللفظ. وأما حكم المعنى فإن جهنم لما كانت أشد المحابس، ومن عادة الناس إذا شددوا أمرها أن لا يفتحوا أبوابها إلا لداخل وخارج، وكانت جهنم أهولها أمراً وأبلغها عقاباً أخبر عنها الإخبار عما شوهد من أهوال الحبوس التي يضيَّق على محبوسها، فوقع الفتح يتشوق للقاء أهلها، ومن رسم المنازل إذا بشر من فيها بإتيان أهلها أن تفتح أبوابها استبشاراً بهم وتطلعاً إليهم، فيكون ذلك قبل مجيئهم، فأخبر عن المؤمن وحالهم على ما جرت به عادة الدنيا في أمثالهم، فيكون حذف الجزاء وإدخال الواو على الفعل المعطوف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لذلك فاعرفه، وهذا من بديع اللطائف القرآنية وفقنا الله لفهمها. (قال سألت "أبا العباس المبرد" عن العلة في ظهور الواو في قولنا: سبحانك اللهم وبحمدك فقال: لقد سألت "أبا عثمان المازني" عما سألتني عنه فقال: المعنى سبحانك اللهم وبحمدك سبَّحتك). هذا مروي في صحيح البخاري وغيره عنه عليه السلام والمعنى وبحمدك وسبحتك، وحمدك بمعنى توفيقك وهدايتك لا بحولي ولا بقوتي، ففيه شكر لله على هذه النعمة والاعتراف بها والتفويض إلى الله. والواو في قوله "وبحمدك" إما للحال ولا يلزم فيه تقدير قد لتقدم معموله عليه، أو لعطف الجملة سواء قلنا إضافة الحمد إلى الفاعل والمراد لازمه مجازاً وهو ما يوجب الحمد من التوفيق والهداية أو إلى المفعول ومعناه سبحت متلبساً بحمدي لك. كذا قاله "الكرماني" في شرح "البخاري" وفي "المغني" في حرف الباء اختلف في قوله سبحانك الخ .. فقيل: هو جملة واحدة على أن الواو زائدة، وقيل جملتان على أنها عاطفة ومتعلق الباء محذوف أي وبحمدك سبحتك اهـ. وقد تقدم في الواو وجه ثالث وهو الحالية، والباء إما للمصاحبة أو للاستعانة. ومن هنا ظهر لك أن ما ذكره من السؤال والجواب مخالف لأن الاقحام معناه الزيادة، وعلى ما نقله "المبرد" ليس هي بزائدة لأن من يقول بالزيادة لا يقدر ففي كلامه خلل ظاهر لمن تأمله.

[19] قولهم ذهبت إلى عنده

[19] قولهم ذهبت إلى عنده ويقولون ذهبت إلى عنده. فيخطئون فيه لأن عند لا يدخل عليه من أدوات الجر إلا من وحدها، ولا يقع في تصاريف الكلام مجروراً إلا بها، كما قال سبحانه: {قل كل من عند الله} وإنما خصت من بذلك لأنها أم حروف الجحر، ولأم كل باب اختصاص تمتاز به وتنفرد بمزيته، كما خصت إن المكسورة بدخول اللام في خبرها، وخصت كان بجواز إيقاع الفعل الماضي خبراً عنها، وخصت باء المقسم باستعمالها مع ظهور فعل القسم، وبدخولها على الاسم المضمر. فأما قول الشاعر: (كل عند لك عندي ... لا يساوي نصف عند) فمن ضرورات الشعر، كما أجرى بعضهم ليت وسوف وهما حرفان مجرى ـــــــــــــــــــــــــــــ (وخصت كان بجواز إيقاع الفعل الماضي خبراً عنها) وهو خلاف القياسح إذ مقتضاه أن لا يذكر معها الماضي لدلالتها على المضي، لكنه سمع كثيارً في كلام العرب لكونها أم الباب كقوله تعالى: {إن كان قميصه قد من دبر} الآية فتأمل. (وأما قول الشاعر: (كل عند لك عندي ... لا يساوي نصف عند) فإنه من ضوررالت الشعر كما أجرى بعضهم ليت وسوف وهما حرفان مجرى الأسماء المتمكنة في قوله: (ليت شعري وأين مني ليت ... إن ليتاً وإن سوفاً عناء) هذا لعدم تدربه في العربية، وما ذكره ليس من الضرورة في شيء؛ فإن كان كلمة أريد بلها لفظها تعرب وتحكى، ويجوز فيها الصرف وعدمه باعتبار اللفظ أو الكلمة قياساً

الأسماء المتمكنة فأعربهما في قوله: (ليت شعري وأين مني ليت ... إن ليتاً وإن سوفاً عناء) ـــــــــــــــــــــــــــــ مطِّرداً، وهل هي اسم حينئذ أو لا؟ فيه خلاف مفصل في محله. وفي "كافية ابن مالك": (وإن نسبت لأداة حكماً ... فابن أو أعرب واجعلنها اسماً) وفي الحديث "أن الله ينهاكم عن قيل وقال": روي بالإعراب والحكاية وقد قال المتنبي في عند: (ويمنعني ممن سوى ابن محمد ... أياد له عندي يضيق بها عند) قال الإمام الواحدي عند اسم مبهم لا يستعمل إلا ظرفاً فجعله المتنبي اسماً خالصاً كأنه قال يضيق بها المكان كما قال الطائي: (وما زال منشوراً على نواله ... وعندي الندى حتى بقيت بلا عند)

وقد تستعمل عند بعدة معان، فتكون بمعنى الحضرة كقولك: عندي زيد، وبمعنى المَلَكَة كقولك: عندي مال، وبمعنى الحكم كقولك: زيد عندي أفضل من عمرو أي في حكمي، وبمعنى الفضل والإحسان كما قال سبحانه وتعالى إخباراً عن خطاب شعيب لموسى عليهما السلام: {فإن أتممت عشراً فمن عندك} أي من فضلك وإحسانك. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا هو الذي جر المصنف لإبقائه "عند" على معناها الأصلي، ثم تأويلها بالمكان وهو وجه آخر لكنه لا ينبغي ارتكابه، لأنه لو أريد به لفظه لم يكن فيه تكلف ولا ضرورة، وذلك في البيت الذي ذكره أظهر، وأما في بيت "أبي الطيب" فالمعنى أن اللفظ والعبارة لا تفي بها وهو أشبه بمواقع أنظاره. وقال "الأزهري" في "تهذيبه": قال "الليث": "عند" حرف صفة يكون موضعاً لغيره وهو في التقريب شبه اللزق ولا يكاد يجيء في الكلام إلا منصوباً لأنه لا يكون إلا صفة معمولاً فيها أو مضمراً فيها فعل، إلا في حرف واحد وذلك أن يقول القائل لشيء بلا علم: هذا عندي كذا وكذا فيقال: أو لك عند؟ فيرفع، وزعموا أنه في هذا الموضع يراد به القلب وما فيه من معقول اللب، قلت: وأرجو أن يكون ما قاله "الليث" قريباً مما قاله النحويون اهـ، فتأمله فإنه جدير بالتأمل لخفائه.

[20] قولهم لمن تغير وجهه غضبا: تمغر

[20] قولهم لمن تغير وجهه غضباً: تمغَّر ويقولونه لمن تغير وجهه من الغضب. قد تمغَّر وجهه بالغين المعجمة. والصواب فيه تمعر بالعين المغفلة ذكر ذلك "ثعلب" واستشهد عليه بما روي عن "ابن عباس" رضي الله عنه أن الله عز وجل أمر "جبريل" عليه السلام بأن يقلب بعض المدائن فقال: يا رب إن فيها عبدك الصالح، فقال: يا جبريل ابدأ به إنه لم يتمعَّر ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن تغير وجهه من الغضب قد تمغر وجهه بالغين المعجمة والصواب تمعر بالعين المغفلة ذكر ذلك ثعلب). في "الحواشي" الرواية في الحديث على ما ذكر، ثم إن من استعمل هذه اللفظة بإعجام الغين قد تشبيه الوجه المحمر غضباً بالمطلي بالمغرة. وله وجه صحيح كما يقال تحمم وجهه إذا اسود حتى كأنه سُوِّد بالحمم، أقول: ضعف الطالب والمطلوب إذ لم يصيبا في إنكار الإعجام وقد ورد ذلك في الحديث وأثبته الثقات قال في "النهاية الأثيرية" في الحديث هو الأمغر، أي الأحمر مأخوذ من المغرة، وهو هذا المدر الأ؛ مر الذي تصبغ به الثياب، وقيل: أراد الأبيض لأنهم يسمون الأبيض الأحمر، ومنه حديث الملاعنة إن جاءت به أميغر، وفي حديث يأجوج ومأجوج: فخرت عليهم متمغرةً دماً أي محمرة اهـ. وفي "التهذيب" تمغر لونه تغير وعلته صفرة، وقال "ابن الأعرابي" المغمور: المقطب غضباً، فإن قلت فيما ذكروه مجيء التفعيل للتشبيه لأن معنى تمغر صار كالمغرة، وهذا مما قال بعض أهل المعاني أنه لا نظير له في العربية حتى بنوا عليه

لي وجهه قط، أي لم يغضب لأجلي فرواه بالعين المهملة، ثم قيد الرواية بأن غلَّط من رواه بالغين المعجمة ونسبه إلى التصحيف في الكلمة. ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم صحة تخريج "سرج" على معنى أشرق كالسراج، وأهل الصرف لم يثبتوه في معاني الأبنية، قلت: هو كثير في كلام العرب نحو "قوَّس الشيخ" صار كالقوس انحناء "وهلل البعير" استقوس من الهزال، أي صار كالهلال، "ودَنَّر وجهه" صار كالدينار، وفي "المجمل": "ثوب مبرَّج" عليه صور كالبروج "وفرس مدمَّى" اشقَرَّ لونه كلون الدم "وقدم مُلَسَّن" فيه طولٌ ودقة اللسان، إلى غير ذلك مما لا يحصى، ولولا خوف السأم أوردت لك منه ما يملأ المسامع فلا يغرنك من أنكره فإنه ضيق العطن أو عدم الفطن.

[21] استعمال اصفر واحمر واصفار واحمار

[21] استعمال اصفرَّ واحمرَّ واصفارَّ واحمارَّ ويقولون من هذا النوع أيضاً: قد اصفرَّ لونه من المرض واحمرَّ خدُّه من الخجل. وعند المحققين أنه إنما يقال: اصفر واحمر ونظائرهما فلي اللون الخالص الذي قد تمكن واستقر وثبت واستمر، فأما إذا كان اللون عرض لسبب يزول ومعنى يحول ـــــــــــــــــــــــــــــ (إنما يقال أصفرّ واحمرّ ونظائرهما في اللون الخالص الذي قد تمكن واستقر وثبت واستمر، فأما إذا كان اللون عرض بسبب يزول ومعنى يحول فيقال فيه: أصفارَّ واحمارَّ). قال "ابن بري": هذا غير معروف عند أحد من البصريينز الا ترى أن "الخليل" و"سيبويه" وجميع أصحابه يرون أن احمرَّ مقصور من احمار، وادهمَّ من ادهامَّ، كما أن مفعلاً مقصور من مفعال كمقول من مقوال؟ ، وهما عندهم بمعنى، وكذا احمر واحمارَّ لا فرق بينهما، وقد سوى بينهما "ابن عصفور"، وقيل افعالَّ أبلغ من أفعلَّ، والفرق الذي ذكره من قال به صرح بأنه أكثري. ومن اللزوم في الألف "مدهامتان". ومن العروض مع عدمهما نحو اصفرَّ وجهه خجلاً. وإذا كان لازماً عنده ففلم قال في المقامة "الكوفية". (حتى انثنى محقوقفاً مصفراً) وقال في "الحرامية": فازورت مقلتاهن واحمرت وجنتاه .. وقال اسودَّ العيش الأبيض.

فيقال فيه: اصفارَّ واحمارَّ ليفرق بين اللون الثابت والمتلون العارض، وعلى هذا جاء في الحديث "فجعل يحمارَّ مرة ويصفارُّ أخرى". ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم أن افعلّ وافعالّ بابهما الألوان والعاهات والألوان أكثر مثل أحمر واعورَّ. وقد يجيء في غير ذلك كقولهم. انهارَّ الليل إذا انتصف واقطارَّ النبت إذا طال.

[22] اجتمع فلان وفلان لا مع فلان

[22] اجتمع فلان وفلان لا مع فلان ويقولون: اجتمع فلان مع فلان، فيؤهمون فيه. والصواب أن يقال: اجتمع فلانٌ وفلان، لأن لفظة اجتمع على وزن افتعل وهذا النوع من وجوه افتعل، مثل اختصم واقتتل، وما كان أيضاً على وزن تفاعل مثل تخاصم وتتجادل وتقتضي وقوع الفعل من أكثر من واحد، فمتى أُسند الفعل منه إلى أحد الفاعلين لزم أن يعطف عليه الآخر بالواو لا غير، وإنما اختصت الواو بالدخول في هذا الموطن لأن صيغة هذا الفعل تقتضي وقوع الفعل من اثنين فصاعداً، ومعنى الواو يدل على الاشتراك ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: اجتمع فلان مع فلان فيوهمون فيه؛ إذ الصواب أن يقال اجتمع فلان وفلان؛ لأن فلظ اجتمع على وزن افتعل، وهذا النوع من وجوه افتعل مثل اختصم واقتتل وما كان أيضاً على وزن تفاعل مثل تخاصم وتجادل يقتضي وقوع الفعل من أكثر من واحد. في "الحواشي" لا يمتنع في قياس العربية أن يقال: اجتمع زيد مع عمرو، واختصم جعفر مع بكر، بدليل جواز اختصم زيدٌ وعمراً، واستوى الماء والخشبة، وواو المفعول معه بمعنى مع ومقدرة بها، فكما يجوز استوى الماء والخشبة كذلك يجوز استوى الماء مع الخشبة، واستوى في هذا مثل اختصم فإن المساواة تكون بين اثنين فصاعداً كالاختصام، فإذا في جاز هذه الأفعال دخول [واو المفعول معه جاز دخول] مع، كقولهم: استوى الحر والعبد في هذا الأمر. وقال "ابن مالك" في "التسهيل": تختص الواو بعطف ما لا يستغني. قال "ابن عقيل" في شرحه: نحو هذا زيدٌ وعمروٌ وبكرٌ نجباء، وسواء عبد الله وبشر. وأجاز "الكسائي" في ظننت عبد الله وزيداً مختصمين، ثم والفاء وأو، وأوجب البصريون و"الفرَّاء" الواو، وقال "الفراءُ": رأيت أنه دخل عليه أن يقول: اختصم عبد الله فزيد اهـ وهذا مؤيد لما ذكره المحشي. وأُورد على قوله: تنفرد به الواو أم

في الفعل أيضاً. فلما تجانسا من هذا الوجه وتناسب معناهما فيه استعملت الواو خاصةً في هذا الموضع، ولم يجز استعمال لفظة مع فيه لأن معناها المصاحبة، وخاصيتها أن تقع في الموطن الذي يجوز أن يقع الفعل فيه من واحد، والمراد بذكرها الإبانة عن المصاحبة التي لو لم تذكر لما عرفت؛ وقد مثل النحويون في الفرق بينها وبين الواو، فقالوا: إذا قال القائل: جاء زيدٌ وعمرو كان إخباراً من المشاركة في المجيء، على احتمال أن يكونا جاءا في وقت واحد أو سبق أحدهما، فإن قال: جاء زيدٌ مع عمروٍ كان إخباراً عن مجيئهما متصاحبين وبطل تجويز الاحتمالين الآخرين، فذكر لفظة مع ها هنا أفاد إعلام المصاحبة. وقد استعملت حيث يجوز أن يقع الفعل فيه من واحد، فأما في الموطن الذي يقتضي أن يكون الفعل فيه لأكثر من واحد، فذكرها فيه خلف من القول وضرب من اللغو، ولذلك لم يجز أن يقال: اجتمع زيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ المتصلة في: سواء عليّ أقمت أم قعدت فتدبر. (ونظيره أيضاً امتناعهم من أن يقولوا: اختصم الرجلان كلاهما) قال في "التسهيل": كلا وكلتا قد يؤكدان ما لا يصح في موضعه واحدٌ خلافاً "للأخفش" فيمتنع مثل: اختصم الرجلان كلاهما لعدم الفائدة؛ إذ لا يحتمل الموضع الإفراد، وكذا قولك: المال بين الزيدين كليهما، ووافق الأخفش على المنع الفراد و"ابن هشام" و"أبو علي"، ومذهب الجمهور الجواز. فرد المصنف مردودٌ عليه. ثم ذكر تسكين عين مع. وقد نطق بإسكانها كما قال: (فريشي منكم رهوى معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما) هذا البيت لجرير من قصيدة مدح بها هشام بن عبد الملك، والريش بالكسر الغنى واللباس الجميل وإصلاح الحال، من رشته أريشه إذا أصلحت حاله، وهو استعارة من

مع عمرو، كما لم يجز أن يقال: اصطحب زيد وعمروٌ معاً؛ للاستغناء عن لفظة مع بما دلت عليه صيغة الفعل، ونظيره امتناعهم أن يقال: اختصم الرجلان كلاهما؛ للاستغناء بلفظة اختصم التي تقتضي الاشتراك في الخصومة عن التوكيد، لأن وضع كلا وكلتا أن تؤكدا المثنى في الموضع الذي يجوز فيه انفراد أحدهما بالفعل ليتحقق معنى المشاركة، وذلك في مثل قولك: جاء الرجلان كلاهما، لجواز أن يقال: جاء الرجل. فأما فيما لا يكون فيه الفعل لواحد فتوكيد المثنى بهما لغو، ومثل ذلك أنهم لا يؤكدون بلفظة كل إلا ما يمكن فيه التبعيض، فلهذا أجازوا أن يقال: ذهب المال كله، كلون المال مما يتبعضن ومنعوا أن يقال: ذهب زيد كله، لأنه ما لا يتجزأ. وفي "مع" لغتان، أفصحهما فتح العين منها، وقد نطق بإسكانها، قال "جرير": (وريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما) ـــــــــــــــــــــــــــــ ريش الطائر؛ لأنه يقوى بتمام ريشه، ولذا قال الشاعر: (أراشوا جناحي ثم بلُّوه بالندى ... فلم أستطع من أرضهم طيرانا) أو من أراش السهم لأنه ينهض بريشه أيضاً، ولهذا قالوا: فلان يريش ويبرى، بمعنى يضر وبنفع، ويفتق ويرتق، ويصدر ويورد. واللمام: الزيارة أحياناً كالغِب، وفي الحديث "زر غباً تزدد حباً" وعليه قولي في الحمى: (وحمى قد أتت مثواي غباً ... ولكن لا تزيد بذاك حباً) وتسكين عين "مع" لغة عند بعض، وقال "سيبويه": إنه ضرورة وليس بلغة، وفي "التسهيل" إنه لغة "ربيعة"، وق 5 يل: إنه لغة "بني تميم"، وهي اسم دائماً، وذهب بعض النحاة إلى أنها إذا سكنت حرف جر، والصحيح الأول.

[23] قل لقيتها وحدهما، ولا تقل: لقيتهما اثنيهما

[23] قل لقيتها وحدهما، ولا تقل: لقيتهما اثنيهما ويقولون: لقيتهما اثنيهما، مقايسة على قولهم: لقيتم ثلاثيتهم، فيوهمون في الكلام والمقايسة وهمين، ويختل عليهم الفرق بين الكلامين، وذلك أن العرب تقول في الاثنين: لقيتهما من غير أن تفسر الضمير، فإن أرادت إن تخبر عن إفرادهما باللقاء قالت: لقيتهما وحدهما، وتقول في الجميع: لقيتم ثلاثتهم ورايتهم خمستهم، وما أشبه ذلك، فتفسر الضمير. والفرق بين الموضعين أن الضمير في قولك: "لقيتهما" ضمير مثنى، والمثنى لا تختلف عدته ولا تلتبس حقيقته، فاستغنى عن تفسير يبينه، والضمير في قولك "لقيتهم" ضمير جمع، والجمع مبهم غير محصور العدة لاشتماله على الثلاثة وعلى ما لا يحصى كثرة، فلو لم يفره المخبر عنه بما يبين عدته ويزيل الإبهام عنه لما عرف السامع حقيقته ولما علم كميته. وحكى "أبو علي الفارسي" أي "مروان بن سعيد المهلبي" سأل "أبا الحسن الأخفش" عن قوله. عز وجل: {فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك}. ما الفائدة في هذا الخبر؟ فقال: أفاد العدد المجرد من الصفة. واراد مروان بسؤال أن الألف في كانتا تفيد الاثنين، فلأي معنى فسر ضمير المثنى بالاثنتين، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يقال: فإن كانتا ثلاثاً ولا أن يقال: فإن كانتا خمساً؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حكي "أبو علي الفارسي": إن "مروان بن سعيد المهلبي" سأل "أبا الحسن الأخفش" عن قوله - تعالى - {فإن كانتا ... } الخ: ما الفائدة في هذا الخبر؟ فقال: أفاد العدد المجرد من الصفة. فأراد "مروان" بسؤاله أن الألف في كانتا تفيد الاثنين فلأي معنى فسر ضمير المثنى بالاثنين، ونحن نعلم أنه لا يقال: فإن كانتا ثلاثاً ولا أن يقال: فإن كانتا خمساً؟

وأراد "الأخفش" بقوله إن الخبر أفاد العدد المجرد من الصفة: اي قد كان يجوز أن يقال: فإن كانتا صغيرتين فلهما كذا، أو كبيرتين فلهما كذا، أو صالحتين فلهما كذا، أو طالحتين فلهما كذا. فلما قال: فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان افاد الخبر أن فرض الثلثين للأختين تعلق بمجرد كونهما اثنتين على أية صفة كانتا عليها من كبر أو صغر أو صلاح أو طلاح أو غنى أو فقر، فقد تحصل من الخبر فائدة لم تحصل من ضمير المثنى. ولعمري لقد أبدع "مروان" في استنباط سؤاله، وأحسن "أبو الحسن" في كشف إشكاله. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأراد "الأخفش" بقوله: إن الخبر أفاد العدد من الصفة أي قد كان يجوز أن يقال: فإن كانتا صغيرتين فلهما كذا، أو كبيرتين فلهما كذا، أو صالحتين فلهما كذا، فلما قال: فإن كانتا اثنتين ... الخ أفاد الخبر أن فرض الثلثين للأختين معلق بمجرد كونهما اثنتين على أي صفة كانتا من صغر أو كبر أو صلاح أو غنى أو فقر، فقد تحصل من الخبر فائدة لم تحصل من ضمير المثنى). وحاصل السؤال أن من شأن الخبر أن يفيد غير ما أفاد المبتدأ، وهذا عينه، ولذا منع "الفارسي": سيد الجارية مالكها. فأجاب "الأخفش" بأن الإخبار بالاثنينية يفيد أن الحكم متعلق بمجرد التعدد لا يغيره من الأوصاف، وهذا غير ما أفاده المبتدأ، ورده "أبو حيان" بأن ضمير التثنية دل على ذلك من غير قيد أيضاً فلا يندفع السؤال. وأجيب عنه بأن الضمير قائم مقام معرف بأل، وتقديره: فإن كانت الأختان. والمعرف يوهم التعيين فالخبر مزيل لذلك الإيهام، وهذا ما عناه "الأخفش"، لا سيما وقد قيل: إن الآية نزلت في معين، وإن كان خصوص السبب لا يخصص الأحكام، لكنه لا يدفع الإيهام. وقال "الزمخشري": الأصل فإن كان من يرث بالأخوة ذكوراً أو إناثاً، وإنما قيل كانتا كما قيل: من كانت أمك فأنت ضمير من لتأنيث الخبر، ولذلك ثنى وجمع ضمير من يرث في كانتا وكانوا لمكان تثنيته وجمعه. ورده في "البحر" بأنه ليس نظير من كانت أمك. ومدلول الخبر في هذا مخالف لمدلول الاسم، بخلاف الآية فإن المدلولين فيهما واحد، ولم يؤنث في من كانت أمك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لتأنيث الخبر؛ إنما أنث مراعاة لمعنى من إذا أريد به مؤنث؛ ألا ترى أنك تقول: من كانت فتؤنث مراعاة للمعنى إذا كان السؤال عن مؤنث؟ ولا خبر هنا، و"اثنتين" خبرٌ مقيد بصفة محذوفة، أي: فإن كانت الوارثتان اثنتين من الإخوة، وهذا مقيد، وحذف الصفة لفهم المعنى كثيرز وفي "الحواشي" خير من هذا أن يصرف إلى كونهما شقيقتين أو لأبٍ أو كانت إحداهما شقية والأخرى لأب، فإن هذه الأحوال يتغير فيها حكم الميراث، ولكن الرجل لم يعن بالفقه. ولنا هنا مباحث فيما قالوه يضيق عنها المقام، وستراها إذا أفضت إليها النوبة إن شاء الله تعالى.

[24] في الإخبار عن لعل بالفعل الماضي

[24] في الإخبار عن لعل بالفعل الماضي ويقولون: لعله ندم ولعله قدم. فيلفظون بما يشتمل على المناقضة، وينبى عن المعارضة ووجه الكلام أن يقال: لعله يفعل، أو لعله لا يفعل لأن معنى "لعل" التوقع لمرجو او لمخوف، والتوقع إنما ـــــــــــــــــــــــــــــ "ويقولون: لعله ندم ولعله قدم، فيلفظون بما يشتمل على المناقضة وينبى عن المعارضة، ووجه الكلام أن يقال: لعله يفعل أو لا يفعل؛ لأن معنى "لعل" التوقع لمرجو أو مخوف، والتوقع إنما يكون لما يتجدد). [وهذا مما سبقه إليه بعض النحاة، فتوهم أن لعل لا تدخل على الماضي] لأن التوقع - وهو ترقب الوقوع - إنما يكون لما يستقبل وينتظر، فهذا فاسدٌ لما فيه من الجمع بين الضب والنون. وهو مردود، فإن "لعل" وإن كان معناها ما ذكر، لكن المترقب لما كان وقوعه غير محقق، بل مشكوك فيه ومظنون. وهذا مما يلزمها فتجوَّز بها عن لازمها وهو الشك والظن، وذلك يكون في الماضي والمستقبل على حد سواء، وهذا هو المصحح له بحسب الرواية كما قاله "ابن بري" وتبعه "ابن هشام" وغيره، وأما بحسب الرواية فإنه ورد في الكلام الفصيح كثيراً، كقول "الفرزدق": (لعلك في حدراء لمت على الذي ... تخيرت المعزى على كل حالب) وقول "امرئ القيس":

يكون لما يتجدد ويتولد، لا لما يتقضى ويتصرم، فإذا قلت: خرج فقد أخبرت عما قُضي الأمر فيه واستحال معنى التوقع له، فلهذا لم يجز دخول "لعل" عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وبدلت قرحاً دامياً بعد صحة ... لعل منايانا تحولن أبؤسا) وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، كما رواه "البخاري" وغيره. ومثله في النثر والنظم أكثر من أن يحصر. وقال "ابن هشام": إن الماضي يصح وقوعه بعدها سواء كانت عاملة أو مكفوفة، كما في قوله: (أعد نظراً يا عبد قيس لعلما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا) لأن شبهة المانع أن "لعل" للاستقبال، وأن ذلك يلزمها بحسب المعنى، فلا تدخل على الماضي، فلا فرق بين كون الماضي معمولاً لها أو لا. ومما يدل على بطلان قوله ثبوت ذلك في خبر ليت، وهي مثل "لعل" في الإنشاء واستلزام الاستقبال. ولكونها منبئة عن الشك لم يصح نسبتها إلى الله تعالى، وصرف ما ورد منه "إلى المخاطبين، وأول بما هو معروف في أمثاله.

[25] في التعجب من الألوان والعاهات

[25] في التعجب من الألوان والعاهات ويقولون في التعجب من الألوان والعاهات: ما أبيض هذا الثوب وما أعور هذا الفرس! ، كما يقولون في الترجيح بين اللونين والعوين: زيد أبيض من عمرو، وهذا أعور من ذاك. وكل ذلك لحنٌ مجمعٌ عليه وغلطٌ مقطوع به، لأن العرب لم تبن فعل التعجب إلا من الفعل الثلاثي الذي خصته بذلك لخفته، والغالب على أفعال الألوان والعيوب التي يدركها العيان أن تتجاوز الثلاثي، نحو أبيض واسودَّ واعورَّ واحولَّ، ولهذا لم يجز أن ينبنى منها فعل التعجل من فعل ثلاثي يطابق من المدح والذم، ثم أتى بما يريد أن يتعجب منه كقولهم: ما أحسن بياض هذا الثوب وما أقبح عور هذا الفرس! وحكم أفعل الذي للتفضيل حكم فعل التعجب في ما يجوز فيه ويمتنع منه فكما لا يقال: ما أبيض هذا الثوب ولا ما أعور هذا الفرس لا يجوز أن يقال أيضاً: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في التعجب من الألوان والعاهات: ما أبيض هذا الثوب وما أعور هذا الفرس .. ). هذا مما اختلفوا فيه، فأجاز الكوفيون التعجب من البياض والسواد لأنهما أصول الألوان، كما ورد في حديث الحوض الذي قال أهل الحديث: إنه متواتر، ماؤه أبيض من الورق بكسر الراء وهو الفضة، وفي بعض شروحه: إنه لغة قليلة وأنشدوا عليه: (إذا الرجال شتوا واستد أكلهم ... فأنت أبيضهم سربال طباخ) وقوله: (جارية في درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني بياض) فلما جاء منهما أفعل التفضيل جاز بناء صيغتي التعجب منه لاستوائهما في أكثر

هذه أبيض من تلك ولا هذا أعور من ذلك، وأما قوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً} (الإسراء: 72) فهو ها هنا من عمى القلب الذي تترك الضلالة منه، لا بد من عمى البصر الذي تحجب المرئيات عنه وقد صدع بتبيان هذا العمى قوله تعالى: {فإنها لا تعمي الأبصار ولمن تعمي القلوب التي في الصدور} [الحج: 46]. وقد عيب على "أبي الطيب قوله في صفة الشيب: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحكام. فقول المصنف أنه لحن مجمع عليه ليس بصحيح، وقد توزعوا في الدليل فإنه مع إنه ليس بمقيس فأبيض في الأول محتمل للوصفية. وفي الثاني محتمل لأن يكون من البيض، وهو كناية عن أن أولادها لغير رشدهم كالبيض الذي لا يدرى مم حصل كما في "كشف المشكل". (والغالب على أفعال الألوان والعيوب التي يدركها العيان أن نتجاوز الثلاثي نحو ابيض واحول). وهذا ليس بمرضي لتوجيه ما ادعاه، وإنما المرض عندهم أن الوصف منه جاء على زنة أفعل، فلو صيغ منه اسم تفضيل التبس في بعض الأحوال. (فأما قوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى} [الإسراء: 72] الآية. فهو ههنا من عمى القلب الذي تتولد الضلالة منه لا من عمى البصر).

(أبعد بعدت بياضا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم) ومن تأول له فيه جعل أسود ها هنا من قبيل الوصف المحض الذي تأنيثه سوداء، أو أخرجه عن حيز أفعل الذي للتفضيل والترجيح بين الأشياء، ويكون على هذا التأويل قد تم الكلام وكملت الحجة في قوله: "لأنت أسود في عيني"، وتكون "من" التي في قوله: "من الظلم" لتبين جنس السواد لا أنها صلة أسود ومعنى قوله: "بياضا لا بياض له" أي ما له نور ولا عليه طلاوة ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب عن سؤال يرد على ما قالوه من أنه لا يبنى من الألوان ولا من العيوب المحسوسة بالبصر. كما في "الحواشي" لا وجه لقوله من عمى القلب؛ لأن الفعل - وإن كان ثلاثيا منهما - إلا أنه يقال: عمي وعمه قلبه، والأول للبصر وهو في القلب استعارة. وقد قال "أبو عبيدة" - في قوله تعالى: {فهو في الآخرة أعمى} [الإسراء: 72]: معناه أشد عمى، لأنه كقوله: وأضل سبيلا. قلت: هو على ما فيه من الخلل غير مسلم؛ فإنه سمع عمى قلبه من العرب. وفي "تهذيب الأزهري" العمه: التحير، وقال بعضهم: العمه في الرأي والعمي في البصر. قلت: ويكون العمى في القلب، فيقال: رجل عم إذا كان لا يبصر بقلبه. اهـ. فإذا سمع قديما وكان غير مرئي بحاسة البصر سواء كان حقيقة أو مجازا فالاعتراض من العمى أو التعامي. وفي "أصول ابن السراج" - بعدما أورد السؤال بالآية - أجيب عنه بجوابين: أحدهما، أنه من عمى القلب وإليه ينسب أكثر أهل الضلال فيقال: ما أعماه، كما يقال: ما أحمقه! والآخر، أن يكون من عمى العين، ولا يراد به أعمى من كذا، بل إنه أعمى كما

وذكر شيخنا "أبو القاسم الفضل بن محمد النحوي" رحمه الله أنط إذا قلت: ما أسود زيدا وما أسمر عمرا وما أصفر هذا الطائر وما أبيض هذه الحمامة وما أحمر هذا الفرس فسدت كل مسألة منها من وجه وصحت من وجه. فتفسد جميعها إذا أردت بها التعجب من الألوان وتصح كلها إذا أردت بها التعجب من سؤدد زيد ومن سمر عمرو ومن صفير الطائر ومن كثرة بيض الحمامة ومن حمر الفرس وهو أن ينتن فوه من البشم ـــــــــــــــــــــــــــــ كان في الدنيا أعمى، وهو في الآخرة أضل سبيلا. اهـ. فإن قلت: كيف يكون في الآخرة أعمى وقد تظاهرت الأخبار بأن الخلق يحشرون كما بدءوا، كما قال تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده}؟ [الأنبياء: 104] قلت: قد أورد هذا "السيد المرتضى" قدس الله روحه في "الدرر والعزر" وأجاب عنه بأجوبة منها: أنه إذا كان من عمى البصر فهو كناية عن كونهم لا يهتدون إلى محجة الصواب وسواء الطريق، وإلا فهو ظاهر مع كلام آخر لا يخلو من نظر لمن له بصر. وقد جاءت ألفاظا من هذا الباب تجوز على وجه وتمتنع على وجه آخر، فمنها أنك تقول زيد أسمر من عمر فإن كان من اللون لم يجز، وإن كان من السمر جاز وهذه الدجاجة أبيض من تلك فإن كان من البياض لم يجز وإن كان من البيض جاز، وهذا أسود من هذا فمن السواد لا يجوز ومن السيادة يجوز وله نظائر كثيرو. وقد عيب على أبي الطيب قوله في الشيب: (أبعد بعدت بياضا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم) هو من قصيدة أولها: (ضيف ألم برأس غير محتشم ... والسيف أحسن فعلا منه باللمم)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في شرح "شواهد المغني": امتناع هذا مذهب البصريين. وذهب "الكسائي" و"ابن هشام" إلى جواز بناء اسم التفضيل من الألوان مطلقا، وتقدم المذهب الثالث قبيل هذا، وأنه مذهب الكوفيين، و"المتنبي" كوفي فلا اعتراض عليه وقوله: أبعد بفتح العين، أمر من بعد بكسر العين يبعد بفتحها، إذا هلك. وبياضا تمييز محول عن الفاعل، والعرب تكني بالبياض عن الحسن، ومنه لفلان اليد البيضاء، أي أهلكك الله من بياض لا يسر، والظلم جمع ظلمة وتكون اسما لثلاث ليال من آخر الشهر، وقد قيل: إنه المراد هنا. والمحتشم: المستحيي، وفيه كلام في "شرح أدب الكاتب"، والمعنى أن شبيه ظهر دفعة بغير تراخ كما قاله "الواحدي". ومعنى المطلع من [قول] "البحتري": (رددت بياض السيف يوم لقيتني ... مكان بياض الشيب حل بمفرقي) وقد أجاد "صاحب البردة" في تضمينه بقوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا أعدت من الفعل الجميل قرى ... ضيف ألم برأسي غير محتشم وقد غير إعرابه، ومثله جائز في التضمين، وهو في الاقتباس أحسن.

[26] وجوب تذكير كلمتي بطن وأنف

[26] وجوب تذكير كلمتي بطن وأنف ويقولون: امتلأت بطنه، فيؤنثون البطن، وهو مذكر في كلام العرب بدليل قول الشاعر: (فإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا) وأما قول الشاعر: (فإن كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر) فإنه عنى بالبطن القبيلة فأنثه على معنى تأنيثه، كما ورد في القرآن: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160]. فأنت المثل وهو مذكر لما كان بمعنى الحسنة، ونظير تأنيثهم البطن وهو مذكر تأنيثهم الألف أيضا في العدد، فيقولون: قبضت ألفا تامة، والصواب أن يذكر فيقال: ألف تام كما قالت العرب في معناه: ألف صتم وألف أقرع ـــــــــــــــــــــــــــــ (فيؤنثون البطن وهو مذكر في كلام العرب بدليل قول الشاعر: (فإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا) ما ذكره ليس بمتفق عليه، فقد حكى "الأصمعي" و"أبو عبيدة" أنه يجوز تأنيثه وتذكيره، كما في "الصحاح". وهذا البيت من شعر لبعض الطائيين - ويروى "لحاتم" وهو: (أبيت هضيم الكشح مضطمر الحشا ... من الجوع أخشى الذم أن أتضلعا)

والدليل على تذكير الألف في قوله تعالى {يمددكم ربكم بخمسة آلاف} (آل عمران: 125) والهاء في باب العدد تلحق بالمذكر وتحذف من المؤنث. وأما قولهم: هذه ألف درهم فلا يشهد ذلك بتأنيث الألف؛ لأن الإشارة وقعت على الدراهم وهي مؤنثة، فكان تقدير الكلام: هذه الدراهم ألف. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإني لأستحيي حياء يرني ... إذا اللوم من بعض الرجال تطلعا) (إذا كان أصحاب الإناء ثلاثة ... حييا ومستحي وكلبا مشجعا) (وإني لأستحيي أكيل أن يرى ... مكان يدي من طيب الزاد بلقعا) (أكف يدي عن أن تمس أكفهم ... إذا نحن أهوينا لحاجاتنا معا) (فإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا) ويروى: وإنك مهما تعط. (عني بالقبيلة البطن فأنثه على تأنيثها) فإن قلت: هذا مخالف لكلام أهل اللغة، ففي "الصحاح" البطن دون القبيلة، ومثله في "نهاية ابن الأثير" وزاد فيها وفوق الفخذ، وهي تذكر وتؤنث باعتبارين كأسماء القبائل. قلت: تفسيره بالقبيلة قول بعضهم. ورجحه المصنف لأنه يفيد قوله هنا "وأنت يرى من قبائلها العشر". وبما سمعته من كلام "ابن الأثير" علمت أن ما ذكره المصنف غير متفق عليه، مع أن باب التأويل واسع. وسمت العرب القبيلة بطنا كما قالت فخذا لأنها جعلت الناس كجسم واحد والطوائف كأعضائه، كما قال الشاعر:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس جسم وإمام الهدى ... رأس وأنت العين في الرأس ويقولون: قبضت ألفا تامة، والصواب أن يذكر فيقال: ألفا تاما). هذا ليس بمتعين، فإن صاحب "القاموس" جوز تأنيثه باعتبار الدراهم، وقد قيل: أمر التأنيث سهل. (ألف صتم أقرع) صتم، بصاد مهملة مفتوحة ومثناة فوقية ساكنة، وصتم بمعنى تام، ويقال: سقت إليه ألفا أقرع من الخيل وغيرها أي تاما، وهو نعت لكل ألف، كهنيدة اسم لكل مائة. (وأما قولهم: هذه الألف درهم فلا يشهد ذلك بتأنيث الألف لأن الإشارة وقعت على الدراهم). هذا كلام ناشى من قلة التدبر، فإنه عين ما منعه، لأن تأنيثه بتأويله بالدراهم؛ لأن الإشارة وإن كانت إليها، لكن من حيث إنها مدلول هذا اللفظ. ونظير هذا ما قالوه في تذكير الإشارة في قوله تعالى: {هذا ربي} [الأنعام: 78]: إنه إشارة إل الجزم، ولذا ذكره، وقد قالوا فيه ما قالوا. فإن أردته فانظر إلى "حواشينا على القاضي".

[27] حيازة لا إجازة

[27] حيازة لا إجازة ويقولون فعلته لإجازة الأجر. والصواب أن يقال: لحيازة الأجر بدليل أن الفعل المشتق منه حاز، ولو كانت الهمزة أصلا في المصدر لالتحقت بالفعل المشتق منه كما تلتحق بأراد المشتق من الإرادة وبأصاب المتفرع من الإصابة، فلما قيل في الفعل: حاز علم أن مصدره الحيازة مثل: خاط الثوب خياطة وصاغ الخاتم صياغة وحاد عن الحرب حيادة. وحكى "الأصمعي" قال: سألت بعض الأعراب عن ناقته فأنشد: ـــــــــــــــــــــــــــــ (سألت بعض الأعراب) وهو "المؤمل بن أميل المحاربي" كما قاله "الشريف المرتضى" في "الدرر والغرر" (عن ناقته فأنشد: (كانت تقيد حين تنزل منزلا ... فاليوم صار لها الكلال قيودا) (لا تستطيع عن القضاء حيادة ... وعن المنية لا تصيب محيدا) (القوم كالعيدان يفضل بعضهم ... بعضا كذاك يفوق عود عودا) في البيت الأول معنى لطيف، قال "علم الهدى": هو كثير في شعر المتقدمين والمحدثين كقول "جرير": (إذا بلغوا المنازل لم تقيد ... وفي طول الكلال لها قيود) و"لأبي نخيلة": قيدها الجهد ولم تقيد

(كانت تقيد حين تنزل منزلا ... فاليوم صار لها الكلال قيودا) (من تستطيع عن القضاء حيادة ... وعن المنية لا تصيب محيدا) (القوم كالعيدان يفضل بعضهم ... بعضا كذاك يفوق عود عودا) ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد "أبو العباس ثعلب": (إذا بلغوا المنازل لم تقيد ... ركابهم ولم تشدد بعقل) (فهن مقيدات مطلقات ... تقضب ما تشدب في المحل) والأصل في هذا قول "امرى القيس": (وقد اغتدى والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل) وقوله: (سطوت بهم حتى تكل مطيهم ... وحتى الجياد ما يقدن بأرسان) ومنه أخذ "مروان بن أبي حفيصة" قوله: (فما بلغت حتى حماها كلالها ... إذا عريت أصلابها أن تقيدا) مع أبيات أخر أنشدها "الشريف المرتضى" وقد تطفل على ذلك المحدثون، قال "أبو بكر البكري": (على يعملات كالحنايا ضوامر ... إذا ما أنيخت فالكلال عقالها) وقوله أيضا: (يقر بعيني الركب من نحو أرضكم ... يزجون عيسا قيدت بكلال)

فأما قولهم في المثل: "أساء سمعا فأساء جابة"، فالجابة هنا هي الاسم والمصدر الإجابة وهذا المصل يضرب لمن يخطى سمعا فيسيء الإجابة، وأصله أنه كان "لسهيل بن عمرو" ابن مضعوف، فرآه إنسان مارا فقال له: أين أمك يريد أين قصدك؟ فظن أنه يسأل عن أمه فقال: ذهبت تطحن فقال: أساء سمعا فأساء جابة، ونظير الجابة في كلامهم الطاقة والطاعة والغارة ومصادر أفعالها الإطاقة والإطاعة والإغارة. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما يقضي منه العجب [أن هذا المعنى] مع اشتهاره وسياحته في الدفاتر يقول "العماد" الكاتب في "خريدته" فيه: سمعت "أبا نصر الخطيبي" يقول: "للشريف أبي بكر" بيت ما قيل في معانه أحسن منه، وهو قوله: (على يعملات كالحنايا ضوامر ... إذا ما أنيخت فالكلال عقالها) ولفظ "حيادة" في المتن بحاء ودال مهملتين مصدر حاد بمعنى عدل وانثنى بزنة الحيازة والبطالة. (في المثل: أساء سمعا فأساء جابة). قد شرحه المصنف بما لا يزيد عليه، والجابة اسم مصدر بمعنى الإجابة، ولم يسمع في غير هذا المثل، وقوله: مضعوف بمعنى أحمق ضعيف الرأي والعقل، وفي "القاموس" أضعفه جعله ضعيفا فهو مضعوف، والقياس فيه مضعف.

[28] الفرق بين الذاعر والداعر

[28] الفرق بين الذاعر والداعر ويقولون للخبيث الداخلة: ذاعر بالذال المعجمة، فيحرفون المعنى فيه لأن الذاعر هو المفزع لاشتقاقه من الذعر، فأما الخبيث الدخلة فهو الداعر بالدال المهملة لاشتقاقه من الدعارة وهي الخبث ومنه قول "زميل بن أبير" "لخارجة بن ضرار": (أخارج هلا إذا سفهت عشيرة ... كففت لسان السوء أن تيدعرا) أي هلا حين سفهت عشيرتك كففت ألسنتهم عن التفوه بالسفه والتفلظ بخبائث القذع. ويقال للعود الكثير الدخان: عود داعر ودعر وهو يرجع إلى المعنى الأول ومنه ما أنشده "ابن الأعرابي" في أبيات المعاني: ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقولون للخبيث: ذاعر بالذال المعجمة فيحرفون المعنى فيه لأن الذاعر هو المفزع لاشتقاقه من الذعر، فأما الخبيث الدخلة فهو الداعر بالدال المهملة. وفي نسخة المبهمة - وهما بمعنى). وما ذكره غير مسلم عند أهل اللغة، قال "ابن بري": ما المانع من كون الخبيث ذاعرا بالذال المرسومة المعجمة لأنه يذعر الناس أي يخيفهم؟ فإذا قصدوا هذا صح، وقد سبقه إلى هذا غيره [والحق يتبع وفيه نظر] و (زميل) مضغر بزاي معجمة وميم مخففة ولام، وقوله (أبير) بهمزة مضمومة موحدة وراء مهملة مصغر أيضا، وأصله "وبير" قلبت الواو المضمومة همزة على القياس، وبه سمي أيضا قاتل "ابن دارة" [وهو القائل:

(ولكل غرة معشر من قومه ... دعر يهجن سعيه ويعيب) (لولا سواه لجررت أوصاله ... عرج الضباع وصد عنه الذيب) وفسر قوله "لولا سواه" أي إنما يكرم لغيره الذي لولاه لقتل حتى يصير طعمة للضباع التي هي أضعف السباع. ونبه بقوله "وصد عنه الذيب" على أن الذئب يعاف فريسة غيره ولا يأكل إلا ما يفترسه بنفسه، ونظير هذا التحريف تحريفهم قول الشاعر: (حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم) (كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسد وبغيا إنه لذميم) فيتشدونه ذميم بالذال المعجمة لتوهمهم أن اشتقاقه من الذم، وهو بالدال ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنا زميل قاتل ابن دارة ... والكاشف السبة عن فزارة] والدعر بالمهملة الخبث وأصله الدخان، لأنه مؤذ مكدر، وقد يراد به الخبث والنقص كقوله: (تريد مهذبا لا عيب فيه ... وهل عود يفوح بلا دخان) (كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغضا إنه لدميم) وبالدال المهملة يعنى قبيح، وذميم بالدال المعجمة بمعنى مذموم. وهذا من قصيدة مشهورة "لأبي الأسود الدؤلي" ومنها:

المهملة لاشتقاقه من الدمامة وهي القبح، وإلى هذا نحا الشاعر، إذ بقباحة الوجه تتعايب الضرائر. ونقيض هذا التصحيف أنهم يلفظون بالذال المغفلة في الزمرد والجرذ والنواجذ والجرذ وهو داء يعترض في قوائم الدابة، وهذه الكلمات الأربع هن بالذال المعجمة لا المهملة وقد ألحق بها "أبو محمد بن قتيبة" اسم "سذوم" المضروب به المثل في جور الحكم. ـــــــــــــــــــــــــــــ (أجسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه ... فالكل أعداء له وخصوم) (كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغضا إنه لدميم) (فالوجه يشرق في الظلام كأنه ... قمر منير والعيون نجوم) (يلقى الخبيث مشتما لم يحترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم) (فاترك مجاراة السفيه فإنها ... ندم وعيب بعد ذاك وخيم) (وإذا عتبت على السفيه ولمته ... في مثل ما يأتي فأنت ظلوم) (لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم) (وابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم) (قهناك تقبل إن وعظت وبقتدى ... بالعلم من وينفع التعليم) وما ذكره هو المشهور، لكنه لو قيل للقبيح ذميم بالمعجمة لأنه من شأنه أن يذم لم يبعد، وفي الشعر أمور ومعان ليس هنا محل تفصيلها. (يلفظون بالدال المغفلة في الزمرد). إهمال داله لغة حكاها صاحب القاموس، وبعد ميمه راء مهملة مضمومة مشددة، وحكي فتحها. (والجرذ داء يعترض في قوائم الإبل). الجرذ بفتح الجيم والراء يليها ذال معجمة كل ورد في عرقوب الدابة، ولم يخصوه بالإبل، وبضم الجيم كصرد ضرب من الفئران، وجمعه جرذان.

من الكنايات المستحسنة

من الكنايات المستحسنة: ومن الكنايات المستحسنة والمعاريض المستلحمة ما حكى أن عجوزا وقفت على "قيس بن سعد" فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان، فقال لها: ما أحسن هذه الكناية، والله لأكثرن جرذان بيتك، وأمر لها لها بأحمال من تمر ودقيق وأقط وزبيب. ـــــــــــــــــــــــــــــ [ونظيره ما ذكره من ملح العجائز، وقولها: أشكو إليك قلة الجرذان ما كتبت إلى بعض الإخوان وقد أرملت داري: (شكوت إلى مولاي ضيما أصابني ... وعفة فقر صيرتني كالخصي) (فلا الهر يخشى الكلب في باب منزلي ... وجرذان داري ماشيات على العصي) (اسم سدوم المضروب به المثل في جور الحكم). المثل المشار إليه هو قولهم: أجور من قاضي سدوم، قال "ابن بري": المشهور عند أهل اللغة سدوم بدال غير معجمة، وهي قرية قوم "لوط" ويمكن أن يكون بالذال المعجمة قبل التعريب، فلما عرب أبدلت ذاله دالا، فيتوجه قول "ابن قتيبة" إنه بالذال يريد أن أصله الذال ثم غيرته العرب، وفيه بعد، وذكر أهل الأخبار أن "سدوم" ملك سميت باسمه القرية، ومثله كبير. قال "عمرو بن دراك العيدي": (لهو في الفجر فوق أبي رغال ... وأجور في الحكومة من سدوم) وقيل: إن "سدوم" هنا اسم القرية والتقدير من أهل سدوم.

مطلب مفيد

مطلب مفيد وقد نطقت العرب في عدة ألفاظ بالدال فقالوا لمدينة السلام: بغداد وبغداد، وللرجل المجرب: منجذ ومنجد، واللدواهي: القناذع والقنادع، وللضئيل الحقير الشخص: مذل ومدل، وللعنكبوت: الخذرنق والخدرنق، وللقنفذ: ابن انقذ وابن انقد، وللحمى: أم ملدم وملذم، فمن أعجمها فاشتقاقها من لذم به إذا اعتلق ـــــــــــــــــــــــــــــ والمضروب بهم المثل من القضاة: قاضي "منا" وقاضي "كسكر" وقاضي "أيدج" وقاضي "سكينة" وقاضي "جبول". ثم ذكر عدة ألفاظ وردت بالدال والذال فقال: (قالوا لمدينة السلام بغداد وبغداذ) فيجوز فيه الإعجام والإهمال، وقد ذكر بعضهم التسمية به لأن "بغ" اسم صنم، و"داد" بمعنى عطية، وسميت به لأن خصيا أهدي لكسرى فأقطعه إياها، فقال الخصي: أعطانيها صنمي، ثم صار اسما لها فهو بمهملتين في الأصل. ولما ذكرناه غير المنصور اسمها وسماها مدينة السلام ودار السلام، لأن ما حوالي دجلة يسمى وادي السلام، أو تشبيها لها بالجنة أو تفاؤلا بسلامة أهلها، وقيل: إنه لم يمت داخلها خليفة مع أنها كانت مقرا للخلفاء. ومن اللطائف في حسن التعليل قول "ابن سميعة البغدادي" فيها: (ود أهل الزوراء زورا ... فلا يسكن ذو خبرة إلى ساكنيها) (هي دار السلام لفظا فلا يبد ... رجاء في غير ما قيل فيها)

به، ومن لم يعجمها فاشتقاقه من اللدم وهو ضرب الوجه حتى يحمار، ولما يجذف به الملاح: المحذاف والمجداف، ولضرب من مشي الخيل: الهيذبي والهيدبي، ولأيام الحر المعروفة بوقدات سهيل: المعتذلات والمعتدلات. وذكر "المفضل بن سلمة الضبي، في كتاب "الطيب" أن من أسماء الزعفران: الجاذي والحادي. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقلت أنا: (إن بغداد جنة الأرض لكن ... ساكنوها أخس قوم لئام) (ليس فيها غير السلام لراج ... ولذا سميت بدار السلام) (وللرجل المجرب: منجد ومنجذ) المنجذ بالإعجام من نواجذ الفم وهي أسنانه فهي في معنى قولهم: حنكته التجارب، وأما بالمهملة فمن النجدة. (والقناذع): في الأصل العنكبوت استعيرت للدواهي. (ومذل) كخذر له معان معروفة في اللغة، وهو من يضجر ومن لا يكتم سره. ولهذا الباب نظائر كثيرة. (والخلق) بفتحتين معروف، و (الجديد) نعته أو خبر بعد خبر. وما ذكره من (اذرى وادرى) ليس من هذا الباب لأن لكل منهما معنى على حدة،

وقالوا من الأفعال: ذففت على الجريح ودففت، أي أجهزن [عليه]، وخرذلت اللحم خردلته، أي قطعته وفرقته. واقذحر الرجل واقدحر إذا غضب وتهيأ للشر، وامذقر القوم وامدقروا إذا تفرقوا، واذرعفت الإبل وادرعفت إذا ندت، وجذف الطائر وجدف الطائر وجذف إذا أسرع تحريك جناحيه في طيرانه، وما دقت عذوقا ولا عدوقا إي ما ذقت شيئا، وقد قيل فيهما عذافا وعدافا، وقد استذف الشيء واستدف بمعنى اطرد واستتب. إلا أن "عبد الرحمن بن عيسى الهمداني" نص في ألفاظه على أنه بالذال لمعجمة لاشتقاقه من الذفيف وهو السريع الحركة. وحكى "أبو القاسم بن الحسن بن بشر الآمدي" مصنف كتاب "الموازنة بين الطائيين" قال: سألت "أبا بكر بن دريد" عن الكاغذ. فقال: يقال بالدال والذال والظاء المعجمة، وطابق "ثعلب" عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ كما في "الحواشي"، وقد يقال: إن مما يلتحم بهذا الفصل أي يتصل به، من اللحمة إشارة إلى ذلك

ويقال أيضا: جذ الحبل وجده أي قطعه، ومنه قوله تعالى: {عطاء غير مجذوذ} [هود: 108] ويقال: شيء جديد وجذيذ، ومن أبيات المعاني: (أبى حبي سليمى أن يبيدا ... وأمسى حبلها خلقا جديدا) أي مقطوعا، ومما يلتحم بهذا الفصل قول الراجز: (كيف تراني أذرى وأدرى) فالأول بذال معجمة لأنه "افتعل" من ذريت تراب المعدن، والثاني بدال مهملة لأنه "افتعل" من دراه أي خلته. فيقول: كيف تراني أذري التراب وأختل مع ذلك هذه امرأة بالنظر إليها إذا غفلت؟ يقال: ذرته تذروه وتذريه.

[29] هوش لا شوش

[29] هوش لا شوش ويقولون: شوشت الأمر وهو مشوش. والصواب أن يقال فيه: هوشت وهو مهوش؛ لأنه من الهوش وهو اختلاط الشيء ومنه الحديث "إياكم وهوشات الأسواق". وجاء في خبر آخر "من أصاب مالا من مهاوش أذهبه الله في نهابر" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: شوشت الأمر، وهو مشوش، والصواب أن يقال: هوشته فهو مهوش لأنه من الهوش وهو اختلاط الشيء. ومنه الحديث "إياكم وهو شاب الأسواق". وجاء في حديث آخر "من أصاب مالا من مهاوش أذهبه الله في نهابر" يعني بالهاوش التخليط وبالنهابر المهالك، وقد روي من أصاب مالا من نهاوش وهو بمعناه). وفسره السلف بمن جمع مالا من جهات مختلطة لا يعل حلها وحرمتها قطعه الله عليه من الهوش والهر، وإن لم يسمع نهوش ونهبر لأن من الجموع ما لم يسمع له مفرد، وقد روي الحديث على وجوه متقاربة المعاني، فروي مهاوش بالميم وهو المشهور عن أهل اللغة، ويروى تهاوش بالمثناة وضم الواو، وروي بالنون وكسر الواو، وأنكره بعض أهل اللغة، وقالوا: إنها من غلط الرواة، وكلها ترجع إلى الهوش أي الاختلاط، وأما أن نهابر من الهبر بمعنى القطع فليس بمعروف في اللغة وإنما هو مستعار من النهابر والنهابير وهي تلال الرمل للمهالك ومنه قول "ابن العاص" "لعثمان" إنك بمنزلة من كلفهم ركوب تلال الرمل لأن

يعني بالمهاوش التخاليط وبالنهابر المهالك، وقد روي "من أصاب مالا من نهاوش" وهو في معناه. ـــــــــــــــــــــــــــــ المشي يشق عليها، والصحيح أن لها واحدن، وهو نهبور. وما ذكره من التشويش، وإن كان تبع فيه بعض أهل اللغة فقد أشتهر ووقع في كلام "الزمخشري" وأهل المعاني كقولهم لف ونشر مشوش، وقد شاع من غير نكير وفي شعر الطغرائي: (بالله يا يح إن مكنت ثانية ... من صدغه فأقيمي فيه واستتري) (وإن قدرت على تشويش طرته ... فشوشيها ولا تبقي ولا تذري) والعامة تقول لذؤابة الرأس: شوشة، وهي عامية قبيحة، وما أنكروه أثبته "الجوهري" فقال: التشويش التخليط وقد تشوش عليه الأمر. وكذا قال "الليث"، وقال صاحب "القاموس": إنه وهم. وقال "ابن بري": إنه من كلام المولدين ولا أصل له في العربية، إلا أن "الليث" أثبتها وهو ثقة، وهي لفظة مشوشة، سرى معناها إلى لفظها، كما قاله بعض مشايخنا، في "جزاف" وتثليث جيم جزاف.

[30] الدعاء بقولهم: بلغك اف المأثور

[30] الدعاء بقولهم: بلغك اف المأثور ويقولون في ضمن أذعيتهم لمن يخاطب أو يكاتب: بلغك الله المأثور، ويعنون به ما يؤثره المدعو له، فيوهمون فيه؛ إذ ليس هو في معنى المؤثر ولا اشتقاق لفظه منه، لأن المأثور هو ما يأثره اللسان لا ما يؤثره الإنسان. واشتقاق لفظه من أثرت الحديث أي رويته، لا من آثرت الشيء أي اخترته، وعلى معنى الرواية فسر قوله تعالى: {إن هذا إلا سحر يؤثر} [المدثر: 24] أي يرويه واحد بعد واحد وينقله مخبر إلى مخبر. ـــــــــــــــــــــــــــــ (بلغك الله المأثور) لا وجه لإنكاره كما لا يخفي، وقد أنطقه الله بالحق في آخر كلامه. ثم إنه أنكر قولهم: [ومن أوهامهم أيضا قولهم: قلب متعوب] ورجل مبغوض. وقال: ووجه القول: مبغض، أي لكونه من "أبغض" المزيد. قال "الجوهري": ما أبغضه شاذ، وفي حواشيه "لابن بري": إنما جعله شاذا لا يقاس عليه لأنه جعله من أبغض، والتعجب لا يكون من أفعل إلا بأشد ونحوه، وليس كما ظن، بل هو من بغض فلان إلي، وقد حكاه النحاة واللغويون وقالوا: يقال ما أبغضني له إذا كانت أنت المبغض له، وما أبغضني إليه إذا كان هو المبغض لك. اهـ. فعلم أنه له ثلاثيا إلا أن مبغوضا لم يسمع ولو سمع كان كان في الحذف والإيصال كمشترك، وفي "الأفعال للسرقسطي": بغض الشيء بغاضة صار بغيضا.

وقد يشتمل الخبر على المفروح به والمحزون منه. فلا يدل معنى المأثور على إخلاص الدعاء لمن دعا له به لتجويز أن تؤثر المذمات والمساءات عنه. اللهم إلا أن يجعل صفة لدعاء محبوب فيقال: أولاك الله اللطف المأثور وما أشبه ذلك، فتصير حينئذ الدعوة دعوتين، والمدعو له بصدد حسنتين. فائدة: ومن أوهامهم أيضا في تغيير صيغة المفاعيل. وهو من مفاضح اللحن الشنيع. قولهم: قلب متعوب وعمل مفسود ورجل مبغوض، ووجه القول أن يقال: قلب متعب، وعمل مفسد، ورجل مبغض، لأن أصول أفعالها رباعية، ومفعول الرباعي يبني على مفعل، فكما يقال: أكرم فهو مكرم، وأضرم فهو مضرم، كذلك يقال: أتعب فهو متعب، وأفسد فهو مفسد، وأبغض فهو مبغض، وأخرج فهو مخرج. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقولون: بغض جدك في الشتم كعثر جدك. اهـ .. وكما لم يسمع مبغوض لم يسمع باغض. كما قاله "الصفدي" في "أعوان النصر"، وخطأ [فيه] من قال: (وبه يقول المسلمون وهل ترى ... عين لآل محمد من باغض؟ )

[31] أضيف لا انضاف، وفسد لا انفسد

[31] أضيف لا انضاف، وفسد لا انفسد ويقولون: انضاف الشيء إليه وانفسد الأمر عليه. وكلا اللفظين معرة لكاتبه والمتلقط به؛ إذ لا ماغ له في كلام العرب ولا في مقاييس التصريف. ووجه القول أن يقال: أضيف الشيء إليه وفسد الأمر عليه، والعلة في امتناع "انفعل" منهما أن مبنى على فعل المصوغ على "انفعل" أن يأتي مطاوع الثلاثية المتعدية كقولك سكبته فانسكب وجذبته فانجذب وقدته فانقاد وسقته فانساق ونظائر ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: انضاف الشيء إليه وانفسد الأمر عليه، وكلا اللفظين معرة لكاتبه والمتلفظ به). قد تقرر في التصريف أن مطاوع فعل انفعل وافتعل نحو شويته فانشوى واشتوى، ومطاوع أفعل فعل نحو أدخلته فدخل [فلا وجه لقول المصنف لا ماغ] له في كلام العرب ولا في مقاييس التصريف، وما ورد منه فهو شاذ. وقول "ابن بري" في "الحواشي" ردا على المصنف: انشلى وانشال واندمق واندخل هي مطاوعة لقولك أشليته وأشلته وأدمقته وأدخلته وكذا أجلته فانجال كما قال: (ولا يدي في حميت القوم تندخل)

وضاف وفسد إذا عديا بهمزة الثقل فقيل: أضاف وأفسد صارا رباعيين فلهذا امتنع بناء "انفعل" منهما فإن قيل: نقل عن العرب ألفاظ من أفعال المطاوعة بنوها من "انفعل" فقالوا انزعج وانطلق وانقحم وانحجر وأصولها أزعج وأطلق وأقحم وأحجر. فالجواب عنه أن هذه شذت عن القياس المطرد والأصل المنعقد كما شذ قولهم: انسرب الشيء المبني من سرب وهو لازم. والشواذ تقصر على السماع ولا يقاس عليها بالإجماع. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الفرزديق: (وأبي الذي ورد الكلاب مسؤما ... بالخيل تحت عجاجها المنجال اهـ) مع أنه يلزم من ورودها لازمة أن تكون مطاوعة، ولذلك رد "الزمخشري" على من قال: أطب مطاوع كب فصله في سورة "تبارك". (ومن الشاذ انسرب) بالسين المهملة. قال "ابن بري": لا يجوز أن يأتي انفعل لفعل لازم، فأما انسرب الوحش وسرب فيه إذا دخل، فهو مطاوع لأسريه، كما أن انطلق مطاوع لأطلقه اهـ. وما ذكره المصنف هو مذهب "أبي علي الفارسي"، والصحيح ما اختاره غيره وهو المذكور في "الحواشي" واختاره "ابن عصفور" وقال ردا على غيره: وأما ما جاء من منهوى ومنغوى من هوى (سقط) وغوى (ضل) فيجوز أن يكونا مطاوعين لأهويته وأغويته كأدخلته فاندخل، وليس ذلك بشاذ فهو عنده مقيس. وهذا مخالف لما ذكره المصنف، ولكل وجهة هو موليها.

[32] صحة ضبط الأمر من بر وشم

[32] صحة ضبط الأمر من بر وشم ويقولون للمأمور بالبر والشم: بر والدك بكسر الباء وشم يدك بضم الشين، والصواب أن يفتحا جميعا، لأنهما مفتوحان في قولك: يبر ويشم، وعقد هذا الباب أن حركة أول فعل الأمر من جنس حركة ثاني الفعل المضارع إذا كان متحركا، منفتح الباء في قولك: بر أباك لانفتاحها في قولك يبر، وتضح الميم في قولك مد الحبل لانضمامها في قولك: يمد، وتكسر الخاء في قولك خف في العمل لانكسارها في قولك: يخف. وإنما اعتبر بحركة ثانية دون أوله، لأن أوله زائد والزائد لا اعتبار به. اللهم إلا أن يسكن ثاني الفعل المضارع كالضاد من يضرب والسين من يستخرج فتجتلب همزة الوصل لفعل الأمر المصوغ منه ليمكن افتتاح النطق به كقولك: اضرب، استخرج، وهذا الحكم مطرد في جميع أمثلة الأمر المصوغة من الأفعال المضارعة، وإنما صيغ مثال الأمر من الفعل المضارع دون الماضي لتماثلهما في الدلالة على الزمان المستقبل. وأما جنس حركة آخر الفعل المضعف من الأمر والجزم كبيت جرير: فغص (الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا) فقد جوز كسر الضاد من "غض" لالتقاء الساكنين، وفتحها، لخفة وضمها على إتباع الضمة قبلها، وهو أضعفها.

[33] يقال، شر ولا يقال: أشر

[33] يقال، شر ولا يقال: أشر ويقولون فلان أشر من فلان، والصواب أن يقال: [هو] شر من فلان بغير ألف كما قال تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم} [الأنفال: 22] وعليه قول الراجز: (إن بني ليس فيهم بر ... وأمهم مثلهم أو شر) (إذا رأوها نبحتني هروا) وفي البيت الأخير شاهد على أن المسموع: نبحته الكلاب لا كما تقول العامة: نبحت عليه. وكذلك يقال: فلان خير من فلان بحذف الهمزة لأن هاتين اللفظتين كثر استعمالهما في الكلام، فحذفت همزتاهما للتخفيف، ولم يلفظوا بهما إلا في فعل التعجب خاصة، كما صححوا فيه المعتل فقالوا: ما أخير زيدا وما أشر عمرا، كما قالوا: ما أقول زيدا، وكذلك أثبتوا الهمزة في لفظ الأمر فقالوا: أخير ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون أشر من فلان والصواب أن يقال شر من فلان بغير ألف كما قال تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم} هذا أيضا من الطراز الأول: (ولكن عين السخط تبدي المساويا) فإن ورد في الكلام الفصيح كثيرا أشر، وإن كان شر بدونها أكثر، وقد قرى قزله تعالى: {سيعلمون غدا من الكذاب الأشر} [القمر: 26] بالأول، فقول المصنف: إنه لحن مما أخطأ فيه وكذلك ورد في خير أخير وعليه قول "رؤية": (بلال خير الناس وابن الأخير) وقال "الجوهري": إنها لغة قليلة وهو الحق، وقد صح وروده نثرا في أحاديث وقع بعضها في "صحيح البخاري" وقال "الكرماني": إنها تدل على أنه فصيح صحيح، خلافا لما أنكره:

بزيد وأشرز بعمرو، كما قالوا: أقول به، والعلة في إثباتها في فعلي التعجب والأمر أن استعمال هاتين اللفظتين اسما أكثر من استعمالها فعلا، فحذفت في موضع الكثرة وبقيت في موضع القلة، فأما قراءة "أبي قلابة": "سيعلمون غدا من الكذاب الأشر" فقد لحن فيها ولم يطابقه أحد عليها. ـــــــــــــــــــــــــــــ "فحسبك من غنى شبع وري" (على أن المسموع نبحته الكلاب لا كما تقول العامة: نبحت عليه الكلاب) ادعى أن نبح لم يسمع إلا متعديا بنفسه، واستشهد عليه بقوله: "إذا رأوها نبحتني هروا" وقوله: "ركلب ينبح الأضياف عندي .. " والحق أنه ورد لازما ومصدره النبوح، ومتعديا، وفي "تهذيب الأزهري" و"لسان العرب" عن "شمر" يقال: نبحه ونبح عليه، واختاره "علم الهدى" في "الدرر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والغرر" واستشهد له بقول "هلال بن جعشم": (وإني لعف عن زيارة جارتي ... وإني لمشنوء إلى اعتبابها) (إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زءورا ولم ينبح على كلابها) فقد عرفت ورود كل منهما في الكلام الفصيح وأن تحت اللبن الصريح فلا حاجة إلى أن يقال: إنه ضمن معنى "صاح" أو حمل عليه. وقوله (فحذفت همزنها) يعني به أن التعجب والتفضيل من باب واحد، لكنه خالفه لكثره استعماله، وما اعترض به المحشي عليه من أنه يقتضي أن الهمزة في قولهم: ما أشره هي الهمزة التي كان يجب أن تظهر في قولك: هو أشر منه، لو نطق بها، فليس كذلك؛ لأن الهمزة في "ما أشره" همزة التقل للتعدية اللازمة لكل [فعل] متعجب منه. وأما الهمزة في "أشر منه" فليست همزة نقل، وتركه خير منه كما لا يخفى.

[34] جمع ريح أرواح لا أرياح

[34] جمع ريح أرواح لا أرياح ويقولون: هبت الأرياح مقايسة على قولهم: رياح، وهو خطأ بين ووهم مستهجن. والصواب أن يقال: هبت الأرواح كما قال" ذو الرمة": (إذا هبت الأرواح من نحو جانب ... به أهل "مي" هاج قلبي هبوبها) (هوى تذرف العينان منه وإنما ... هوى كل نفس حيث كان حبيبها) والعلة في ذلك أن أصل ريح "روح" لاشتقاقها من الروح، وإنما أبدلت الواو ياء في ريح للكسرة التي قبلها، فإذا جمعت على أرواح فقد سكن ما قبل الواو ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: هبت الأرياح مقايسة على قولهم رياح، وهو خطأ بين ووهم مستهجن، والصواب أن يقال: هبت الأرواح). في شرح "بانت سعاد" "لابن هشام": من العرب من يقول: أرياح كراهة الاشتباه بجمع روح. كما قالوا في جمع عيد: أعياد كراهة الاشتباه بجمع عود. فقول المصنف: الأرياح في جمع ريح لحن مردود، وحكي قول "الجوهري"

وزالت العلة التي توجب قلبها ياء، فلهذا وجب أن تعاد إلى أصلها كما أعيدت لهذا السبب في التصغير فقيل: رويحة. ونظير قولهم ريح وأرواح قولهم في جمع ثوب وحوض: ثياب وحياض، فإذا جمعوها على أفعال قالوا: أثواب وأحواض، فإن قيل: فلم جمع عيد على أعياد وأصله الواو بدلالة اشتقاقه من عاد يعود؟ فالجواب عنه أن يقال: إنهم فعلوا ذلك لئلا يلتبس جمع عيد بجمع عود، كما قالوا: هو أليط بقلبي منك، وأصله الواو ليفرقوا بينه وبين قولهم: هو ألوط من فلان، وكما قالوا: هو نشيان للخبر ليفرقوا بينه وبين قولهم: هو ألوط من فلان، وكما قالوا: هو نشيان للخبر ليفرقوا بينه وبين نشوان من السكر. ومما يقصد أن جمع ريح على أرواح ما روي أن "ميسون بنت بحدل" لما اتصلت بمعاوية. رحمه الله. ونقلها من البدو إلى الشام، وكانت تكثر الحنين إلى ناسها والتذكر لمسقط رأسها فاستمع عليها ذات يوم وهي تنشد: ـــــــــــــــــــــــــــــ الريح واحدة الرياح والأرباح وقد يجمع على أروح، وقال: إنه يقتضي أن الأرباح هو الكثير، وليس كذلك، وإنما الكثير أرواح. وقال "ابن بري": لم يحك الأرياح أحد من أهل اللغة غير "الليحاني" ووردت في شعر "عمارة بن عقيل" اهـ .. [وفي "النهاية الأثيرية" جمع نار نيران ويجمع على أنيار وأصله أنوار لأنه واوي كما جاء في ريح وعيد أرياح وأعياد. اهـ]. إذا عرفت هذا عرفت أن ما قاله المصنف لا أصل له، ثم إنه بقي في كله شيء. فقوله (وإنما أبدلت الواو [ياء] في ريح) إلخ. قيل عليه: إن الوجه في قلبها في المفرد سكونها بعد كسرة كما في ميزان، وفي الجمع الكسرة قبلها والألف بعدها واعتلالها في

(لبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف) (وليس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف) (وأكل كسيرة في كسر بيتي ... أحب إلي من أكل الرغيف) (وأصوات الرياح بكل فج ... أحب إلي من نقر الدفوف) (وكلب ينبح الطراق عني ... أحب إلي من قط ألوف) (وبكر يتبع الأظعان صعب ... أحب إلي من بغل زفوف) (وخرق من بني عمي نحيف ... أحب إلي من علج عليف) ـــــــــــــــــــــــــــــ المفرد، ومن ثمة صحت في أرواح لانتفاء الشرط الأول، وفي كورة وجمعها كور لانتفاء الثاني، وفي طوال لانتفاء الثالث. قيل: وإنما قلبت في سياط للأولين وسكونها في مفرده القائم مقام إعلالها، بخلاف ديار المعل مفرده وهو دار. وأما قوله: (وإن أعزاء الرجال طيالها .. فشاذ) وقوله (إنهم فعلوا ذلك لئلا يلتبس جمع عيد بجمع عود) فرق بما هو مشترك بينهما فإن أرياح أيضا قلبت لئلا يلتبس بجمع روح. وقوله: (كما قالوا: هو أليط بقلبي) إلخ .. [الذي] في كتب اللغة مخالف [لما] قاله، وإن كان ما قال أظهر، وقال "الكسائي": لاط الشيء بقلبه يلوط ويليط، ويقال: هو ألوط وأليط أي ألصق بقلبي حبا. وفي "القاموس" رجل نشوان ونشيان سكران بين النشوة بالفتح ونشيان بالأخبار بين النشوة بالكسر، أي يتخبر الأخبار أول ورودها، وهو مخالف لما هنا.

فلما سمع "معاوية" هذه الأبيات قال لها: ما رضيت ابنه "بحدل" حتى جعلتني علجا عليفا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله "قيل" بفتح القاف وسكون الياء الملك أو مخصوص بملوك "حمير" سمي به لنفوذ قوله، وجمع على أقيال على اللفظ، وعلى أقوال على الأصل. وقيل: له اشتقاقان، فمن قال أقوال أخذه من القول لما مر، ومن قال أقيال فهو عنده من تقيل أباه إذا اتبعه، فهو بمعنى تبع، ولو كان من القول لم يجز فيه إلا أقوال كميت وأموات. وقال "ابن الشجري": هو على اللفظ ورده "الدماميني" على ما فصل في شرح "المغني" واختار "السهيلي" أنه من القول، وقال: لم يجمع على أقوال لئلا يلتبس بجمع قول، فهو مما نحن فيه، وقال: إن ريحا وأرباحا لغة لبني أسد. وقوله (منسون) بالميم والسين المهملة بزنة "جيحون" علم لميسون بنت بحدل زوجة معاوية، وميسون وبحدل - كجعر - علمان مرتجلان، ميسون يحتمل اشتقاقه من مسنه إذا ضربه بالسوط، كما قاله "ابن السيد" في كتاب "الحلل" أو من ماس بمعنى تبختر. و(يخفق) بكسر الفاء، من خففت الريح إذا تحركت وهبت. و(المنيف) العالي، و (الشفوف) جمع شف بالفتح وهو الثوب الرقيق. و(كسر البيت) والحباء بكسر الكاف ما يلي الأرض منه. و(الفج) الطريق الواسع، و (الدفوف) جمع دف بالفتح والضم. و(البكر) بفتح الياء فتي الإبل، و (الخرق) بكسر الخاء الكريم، وتقابل في هذه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبيات ما تألفه الحاضرة وأهل البادية، و (البغل الزفوف) المسرع. و(عليف) روي باللام بمعنى معلوف، وبالنون من العنف. وهذا من حنين أهل البادية إليها وتبرئة من الحضر. ومثله ما ذكره "الراغب" [من] أن امرأة ضبية تسمى أم حسابه قعدت على بركة في روضة بين الرياحين والأزهار في ألطف زمان، فقيل لها: كيف حالك هنا؟ أليس هذا أطيب مما كنت فيه بالبادية؟ فأطرقت ساعة ثم تنفست، وقالت: (أقول لأدنى صاحبي أبوه ... اللعين دمع يحدر الكحل ساكبه) (لعمري لنهر باللوى نازح القذى ... بعيد النواحي غير طرق مشاربه) (أحب إلينا من صهاريج ملئت ... للعب ولم تملح لدى ملاعبه) (فيا حبذا نجد إذا ما تنسمت ... ضحى أو سرت جنح الظلام خبائبه) (فأقسم لا أنساه ما دمت حية ... وما دام ليل من نهار يعاقبه) (فلا زال هذا القطر يسفر لوعة ... بذكراه حتى يترك الماء شاربه) ثم ذكر كلمات بنى منها اسم المفعول من الفعل اللازم على خلاف الصواب عنده فقال:

[35]- صحة النطق في مدود ومسوس ومكرج

[35]- صحة النطق في مدود ومسوس ومكرج ويقولون: باقلي مدود وطعام موس وخبز مكرج ومتاع مقارب، ورجل موسوس، فيفتحون ما قبل الحرف الأخير من كل كلمة، والصواب كسرة، فيقال: طعام موس ورجل موسوس ونظائرهما. ويقال في الفعل من المدود: داد واداد ودود وديد، ومن هذا النوع قولهم للبسرة إذا بدا الإرطاب في أسفلها مذنبة بفتح النون، والصواب أن يقال فيها: مذنبة بكسر النون. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: باقلاء مدود وطعام مسوس وخبز مكرج ومتاع مقارب ورجل موسوس، فيفتحون ما قبل الآخر من كل كلمة، والصواب كسره). مدود ومسوس من الدود والسوس ظاهر المعنى. ومكرج - بكاف وراء مهملة يليها جيم - من كرج الخبز كفرح. وأكرج وكرج وتكرج فسد فعلته خضرة - والمقارب - بقاف وراء مهملة وموحدة ما بين الجيد والردى. وما ذكره كله ظاهر للزوم أفعالها، والقياس ألا يبنى منه اسم مفعول، إلا أنه لما ذكر مقارب وفسره بما مر وضبطه بالكسر قال: ومتاع مقارب بالفتح. وقول المصنف: (ويقال في الفعل من المدود ... ) بتقدير مضاف أي من مادة المدود، فلا يرد قول "المحشي": الصواب أن يقال في الفعل من المدود: دود، ومن الدائد: داد يداد، ولو قال: من الدرد لم يكن عليه انتقاد، وفي أفعال "السرقسطي": داد الطعام يداد ويدود، وديد الطعام أيضا، وطعام داد، وأداد يديد إدادة إذا وقع فيه الدود. اهـ. وفي "الكشاف" رجل مسوس بكسر الواو، ولا يقال: موسوس بالفتح، ولكن موسوس له وإليه. اهـ.

من مناظرات العلماء. ويحكى أن "الرشيد". رحمه الله. لما جمع بين "أبي الحسن الكسائي" و"أبي محمد اليزيدي" لتناظرا عنده، علم "اليزيدي" أنه يقصر عنه في النحو، فابتدره فقال: كيف تقول تمرة مذنبة أو مذنبة؟ فلم يأبه "الكسائي" لقوله تمرة، بل ظن أنه قال بسرة، فقال: أقول مذنبة. فقال له: إذا كان ماذا؟ قال: إذا بدا الإرطاب من أسفلها. فضرب "اليزيدي" بقلنسوته الأرض وقال: أنا "أبو محمد اليزيدي" وقد أخطأت ياشيخ، التمرة لا تذنب وإنما البسرة تذنب. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويخالفه قول "الكرماني" في شرح "البخاري" الموسوس بفتح الواو وكسرها من وسوست إليه نفسه، فإن ظاهره أنه مروي فيه، لا أنه على الحذف والإيصال فإنه سماعي، فعلى هذا ما ادعاه المصنف غير مسلم له. (ويحكى أن الرشيد لما جمع بين "أبي الحسن الكسائي" و"أبي محمد اليزيدي" إلى آخر ما حكاه قال "أبو محمد البلخي": المجلس الذي جرى بينهما إنما كان في بيت شعر، سأل "اليزيدي" عن إعرابه وهو: (ما رأينا خربا تفر ... عنه البيض صقر) (لا يكون العبر مهرا ... لا يكون المهر مهر) فقال "الكسائي": يجب أن يكون المهر منصوبا على أنه خبر كان، ففي البيت على هذا إقواء قال "اليزيدي": الشعر صواب؛ لأن الكلام تم عند قوله لا يكون، ثم

فغضب عليه الرشيد، وقال: أتكتني بمجلسي وتسفه على الشيخ؟ والله إن خطأ "الكسائي" مع حسن أدبه لأحب إلي من صوابك مع قبح أدبك. فقال: يا أمير المؤمنين، إن حلاوة الظفر أذهبت عني التحفظ، فأمر بإخراجه. قال الشيخ الأجل الرئيس: وليس سهو "الكسائي" فيما أزلقه فيه "اليزيدي" مما يقدح في فضله، أو يبني عن قصور علمه إذ لا خفاء باشتمال علمه على أن البسرة إذا أرطبت من قبل ذنبها قيل لها: مذنبة، فإذا بلغ الإرطاب نصفها قيل لها: مجزعة، فإذا بلغ ثلثيها قيل لها: حلقانة ومحلقنة، وإذا أرطبت جميعها قيل لها: معوة. ـــــــــــــــــــــــــــــ استأنف فقال: المهر مهر. وضرب الأرض بقلنسوته، إلى آخر ما ذكره المصنف ووقع في عبارته هنا. فائدة: هل يتأخر اسم الاستفهام؟ (فقال له: إذا كان ماذا؟ ) فإن قلت: كيف قدم الفعل على اسم الاستفهام مع أن له صدر الكلام؟ قلت: ها أنا أبين لك ذلك بما لا مزيد عليه، فإنه من الفوائد النفيسة وقد خفي على كثير من فحول السلف المصنفين. قال سيبويه زمانه "أبو حيان" - أفاض الله على مثواه شابيب الرحمة والغفران: مذهب البصريين أن المفعول إذا كان اسم استفهام يجب تقديمه، وحكى غيرهم أن العرب قد تقدم العامل على اسم الاستفهام شذوذا نحو: أضرب من؟ وما؟ وإذا كان استفهاما عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء جرى ذكره نحو قولك في ضربت رجلا: ضربت من؟ جاز، وقد خص بمن وما، وحكي في أين في الاستثبات أيضا، وهذا لا يعرفه البصريون، وقد سمع من العرب: كان ماذا؟ ووقع في شعر "لابن المرحل" شيخ "أبي حيان" فأنكره ابن "أبي الربيع"، فلما بلغه ذلك صنف في الرد عليه مصنفا أنشد فيه لنفسه: (عاب قوم كان ماذا ... ليت شعري لم هذا) (وإذا عابوه جهلا ... دون علم كان ماذا؟ ) كذلك نقلته من خط ابن "أبي سبع" تلميذ "أبي حيان" - رحمه الله تعالى، وقد رأيته مصرحا به في كثير من كتب العربية، وقالوا: إنه سمع في "ماذا" كثيرا، ووقع في عبارة "للزمخشري" في كشافه من سورة "آل عمران" فيقولون ماذا؟ وكذا في "المفتاح" في قوله: يشبه ماذا؟ . ومن الشراح من لم يقف على ما قدمناه لك فقال: ما في كلام الثقات من قولهم: يكون ماذا؟ وصنع ماذا؟ وفعل ماذا؟ الوجه فيه أن يكون "ماذا" معمولا لمحذوف مدلول عليه بالعامل المذكور، أي ماذا يكون على طريقة التفسير بعد الإبهام. وهو تكليف لا حاجة إليه، لأن تقدم المفر لا نظير له في العربية، والمعروف تأخره، كما في نحو {وإن أحد من المشركين استجارك} [التوبة: 6] وقد صرحوا بأنه إذا خرج عن حقيقته من الاستفهام جاز تقدم العامل عليه، كما في قولهم: انظر إلى كيف يصنع، أي إلى صتعه، فاحفظه فإنه من أمور المعالي.

36 - غير لا تعرف بال

36 - غير لا تعرف بال ويقولون: فعل الغير ذلك، فيدخلون على غير آلة التعريف والمحققون من النحويين يمنعون إدخال الألف واللام عليه، لأن المقصود في إدخاله آلة التعريف على الاسم النكرة أن تخصيصه بشخص بعينه، فإذا قيل: الغير اشتملت هذه اللفظة على ما يحصى كثرة، ولم تتعرف بآلة التعريف، كما أنه لا يتعرف بالإضافة، فلم يكن لإدخال الألف واللام عليه فائدة، ولهذا السبب لم تدخل الألف واللام على المشاهير من المعارف مثل "دجلة" و"عرفة" و"ذكاء" ونحوه لوضوح اشتهارها والاكتفاء عن تعريفها بعرفان ذاتها. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: فعل الغير ذلك، فيدخلون على غير آلة التعريف، والمحققون من النحويين يمنعون من إدخال الألف واللام عليه). ما ادعاه من عدم دخول أل على غير - وإن اشتهر - فلا مانع منه قياسا، وإنما المهم فيه إثبات سماعه من العرب، وفي "تهذيب الأزهري" قال "ابن أبي الحسن" في "شامله": منع قوم دخول الألف واللام على غير وكل بعض، لأنها لا تتعرف بالإضافة فلا تتعرف باللام، قال: وعندي لا مانع من ذلك لأن اللام ليست فيها للتعريف، ولكنها اللام المعاقبة للإضافة، نحو قوله: "كان بين كفها والفك" أي وفكها، وقوله تعالى: {فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41] أي مأواه، على أن غير قد تتعرف بالإضافة في بعض المواضع، وقد يحمل الغير على الضد والكل على الجملة والبعض على الجزء، فيصح دخول اللام بهذا المعنى. اهـ. فبصح بطريق الحمل على النظير وهو شائع في كلامهم، وقال صاحب

ولا تدخل أل على كافة أيضا ونظير هذا الوهم قولهم: حضرت الكافة، فيوهمون فيه أيضا على ما حكاه "ثعلب" فيما فسره من معاني القرآن، كما وهم القاضي "أبو بكر بن فريعة" حين استثبت عن شيء حكاه، فقال: هذا ترويه الكافة عن الكافة والحافة عن الحافة والصافة عن الصافة، والصواب فيه أن يقال: حضر الناس كافة، كما قال سبحانه وتعالى: {ادخلوا في السلم كافة} [البقرة: 208] لأن العرب لم تلحق لام التعريف بكافة، كما لم تلحقها بلفظة "معا" ولا [لفظة] "طرا". ومن حكم لفظة كافة أنها تأتي متعقبة، فأما تصديرها في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} [سبأ: 28] فقيل: إنه مما قدم لفظه وأخر معناه، وإن تقدير ـــــــــــــــــــــــــــــ "الهادي": لا يجوز إدخال اللام عليه لأنه لا بد له من الإضافة، والمضاف إليه إما مذكور أو منوي، ولا يجوز تثبيته ولا جمعه كما ذكره "سيبويه"، وفي بعض الحواشي صرحوا بأن غيرا وإن لم يتعرف لا يجوز إدخال اللام عليه لرعاية صورة الإضافة المعنوية، إلا أن المصنفين كثيرا ما يدخلونها عليه فكأنهم جعلوه بمعنى المغاير، لكنه لم يوجد في كلام العرب، وفي "ضرام السقط" أن لغير ثلاثة مواضع: أحدها: أن تقع موقعا لا تكون فيه إلا نكرة، وذلك إذا أريد بها النفي الساذج، كما في مررت برجل غير زيد.

الكلام: وما أرسلناك إلا جامعا بالإنذار والبشارة للناس كافة، كما حمل عليه قوله تعالى: {وغرايب سود} [فاطر: 27] على التقديم والتأخير، لأن العرب تقدم في هذا النوع لفظ الأشهر على الأغرب، كقولهم: أبيض يقق وأصفر فقاع وأسود حلكوك. وقيل: إن كافة في الآية بمعنى كاف، وإلحاق الهاء به للمبالغة كالهاء علامة ونسابة. ومن أوهامهم مما يدخلون عليه لام التعريف والوجه تنكيره قولهم: فعل ذلك من الرأس، لأن العرب تقول: فعله من رأس من غير أن تلحق الألف واللام به. ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أن تقع موقعا لا تكون فيه إلا معرفة، وذلك إذا أريد بها شيء قد عرف بمضادة المضاف إليه في معنى لا يضاده فيه إلا هو، كما إذا قلت: مررت بغيرك، أي المعروف بمضادتك، إلا أنها في هذه لا تجري صفة فتذكر غير جارية على الموصوف. الثالث: أن تقع موقعا تكون فيه نكرة تارة ومعرفة أخرى، كما إذا قلت: مررت برجل كريم غير لئيم. اهـ. وقد قيل: إنه إذا جاز أن تتعرف بالإضافة فلا مانع من تعريفها باللام أيضا. وكما لا يدخل عليه الألف واللام لا يثنى ولا يجمع، فلا يقال: غيران وأغيار إلا في كلام المولدين، كما صرح به "ابن هشام". (ولهذا السبب لم تدخل الألف واللام على المشاهير من المعارف مثل دجلة وعرفة وذكاء ونحوه، لوضوح اشتهارها والاكتفاء عن تعريفها بعرفان ذواتها). لا يخفي ما فيه، فإنه قياس مع الفارق، لأن ما ذكره أعلام، والأعلام جنسية أو شخصية لا تدخلها اللام، فما ذكره ليس مما نحن فيه. وأما إدخال اللام على كل فنقل "المعري" في "رسالة الغفران" أن "أبا علي الفارسي" كما يجيزه وينقله عن "سيبويه"، وليس بشائع في قديم كلام العرب، وأنشد "لسحيم" شاهدا عليه وهو قوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (رأيت الغني والفقير كليهما ... إلى الموت يأتي للكل معمدا) وأما لإدخالها على بعض فأجازه في شرح "الهادي" وأنشد غليه لمجنون بني عامر: (لا تنكر البعض من ديني فتجحده ... ولا تحدثني أن سوف تقضيني) (ونظير هذا الوهم قولهم: حضرت الكافة، فيوهمون فيه أيضا على ما حكاه "ثعلب" فيما فسره من معاني القرآن). يعني أنه لا بد من تنكيره ونصبه على الحال، وذو الحال من العقلاء، وهذا مما اشتهر وإن لم يصف من الكدر. وتحريره بعد ذكر كلام النحاة وأهل اللغة فيه أنه قال في شرح "اللباب": من الأسماء ما يلزم النصب على الحال استعمالا نحو: طرا وكافة وقاطبة، واستهجنوا إضافتها في كلام "الزمخشري" و"الحريري" كقوله في خطبة "المفصل": محيطا بكافة الأبواب، وهو مما خطى فيه، ومخطئه هو المخطى، لأنا إذا علمنا وضع لفظ لمعنى عام بنقل من السلف وتتبع لموارد استعماله في كلام من يعتد به ويستشهد بكلامه، ورأيناهم استعملوع على حالة مخصوصة من الإعراب والتعريف [والتنكير] ونحوه، فهل يمتنع استعماله على خلاف ما ورد به مع صدق معناه الوضعي عليه أم لا؟ وعلى تقديره جوازه فهل نقول: إنه حقيق أو مجاز؟ ومثاله ما نحن فيه، فإن كافة ورد عن العرب بمعنى الجميع، لكنهم استعملوه منكرا منصوبا وفي الناس خاصة، ومقتضى لوضع ألا يلزمه ما ذكر فيستعمل كما استعمل "جميعا" معرفا ومنكرا بوجوه الإعراب في الناس وغيرهم، والظاهر الجواز. لأنا لو اقتصرنا في الألفاظ على ما استعملته العرب العاربة والمستعربة حجرنا الواسع وعسر التكلم بالعربية على من بعدهم، ولما لم يخرج عما وضع له فهو حقيقة، والذي يشهد له العقل السليم أنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا محيد عما قلناه إلا لمكابر ومعاند. على أنه قد ورد في كلام البلغاء على خلاف ما ادعوه، كما في كتاب "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - "لآل بني كاكلة" فإن فيه: قد جعلت هكذا "لآل بني كاكلة" على كافة بيت مال المسلمين لكل عام مائتي مثقال عينا ذهب إبريزا. كتبه "عمر بن الخطاب" وختمه: كفى بالموت واعظا يا عمر. قال الفاضل المحقق سعد الملة والدين في شرح "المقاصد": وهذا مما صح عنده والخط في آل "بني كاكلة" إلى الآن. ولما آلت الخلافة إلى أمير المؤمنين "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه، عرض عليه الكتاب فنفذ ما فيه لهم، وكتب عليه بخطه: لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون، أنا أول من اتبع أمر من أعز الإسلام ونصر الدين والأحكام "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، ورسمت بمثل ما رسم لآل بني كاكلة في كل عام مائتي دينار ذهبا إبريزا واتبعت أثره، وجعلت لهم مثل ما رسم "عمر" إذ وجب علي وعلى جميع المسلمين اتباع ذلك. كتبه "علي بن أبي طالب". اهـ. وهذا مع ما قبله موجود إلى الآن بديار العراق، فقد استعملها معرفة غير منصوبة لغير العقلاء، وهو من الفصحاة بمكان، وقد سمعه مثل "علي" ولم ينكره وهو واحد الأحدين، فأي إنكاؤ واستهجان؟ فقوله في "المغني": كافة مختص بمن يعقل، ووهم "الزمخشري" في تفسير قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} [سبأ: 28] إذ قدر كافة نعتا لمصدر محذوف أي إرسالة كافة؛ لأنه إضافة إلى استعماله فيما لا يعقل وأخرجه عما التزم فيه من الحالية كوهمه في خطبة "المفصل" الذي مر ذكره مما لا يلتفت إليه. وإذا جاز تعريفه بالإضافة جاز بالألف واللام أيضا، ولا عبرة بمن خطأهم فيه كصاحب "القاموس" و"ابن الخشاب" في قوله: أخطأ "الحريري" في قوله في مقاماته: بقاطبة الكتاب، فإن قاطبة وطرا ومعا مثل كافة عندهم، وادعاء الغلط والشذوذ هنا غير مسموع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي "المصباح المنير" جاء الناس كافة، قيل: إنها منصوب على الحال نصبا لازما ولا يستعمل إلا كذلك، وعليه قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} [سبأ: 28] أي إلا للناس جميعا، وقال "الفراء" في كتاب "معاني القرآن": نصبت لأنها في مذهب المصدر، ولذلك لا تدخل العرب فيها الألف واللام كقاموا معا وجميعا. وقال "الأزهري": كافة منصوب على الحال وهو مصدر على "فاعلة" كالعاقبة والعافية ولا يثنى ولا يجمع، كما لو قلت: قاتلوا المشركين عامة أو خاصة، لا يثنى ذلك ولا يجمع. اهـ. وقال "الجوهري": والكافة الجميع من الناس، يقال: لقيتهم كافة أي كلهم، وقيل: كافة اسم فاعل والتاء فيه للمبالغة، وإليه ذهب الإمام "الراغب" فقال في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للعالمين} [سبأ: 28] أي كافا لهم عن المعاصي والهاء فيه للمبالغة كراوية وعلامة، وقوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة} [التوبة: 36] قيل: معناه كافين لهم كما يقاتلونكم كافين لكم، وقيل: معناه جماعة، وذلك أن الجماعة يقال لهم: الوزعة لقوتهم باجتماعهم. اهـ. والحاصل أنهم رواية ودراية لم يصيبوا فيما التزموه من تنكيره ونصبه واختصاصه بالعقلاء، وأنهم اختلفوا في أصله: هل هو مصدر أو اسم فاعل من الكف؟ وأن تاءه هل هي للمبالغة أو للتأنيث كتاء جماعة؟ ثم إنهم تصرفوا فيه واستعملوه للتعميم بمعنى جميعا؟ فلا يغرنك القيل والقال، فماذا بعد الحق إلا الضلال. (كما وهم القاضي "أبو بكر بن قربعة" حين استثبت عن شيء حكاه فقال: هذا يرويه الكافة عن الكافة والحافة عن الحافة والصافة عن الصافة). قريعة مصغر قرعة قاض مشهور، ذكره "الثعالبي" في "اليتيمة"، وصاحب "نثر الدرر" وحكوا عنه في المجون وسرعة البديهة أمورا كثيرة شهيرة بين الأدباء، واستثبت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى طلب منه ثبوت وتخقيق شيء ذكره، والظاهر أن الحافة والصافة اتباع للكافة والاتباع قد يعطف كما سيأتي بيانه. (مما يدخل عليه التعريف والوجه تنكيره قولهم: فعل ذلك من الرأس، لأن العرب تقول: فعله من رأس، من غير أن يلحق الألف واللام فيه) وفي نسخة "به" بدل "فيه" ومعناه أوله. وما ذكره ليس بمسلم. قال "ابن بري" عن "أبي الحسن كراع" يقال: أعد على كلامك من رأس ومن الرأس، فقد علمت أنهم جوزوا فيه إلحاق الألف واللام وعدمه، وقد نقل مثله عن "أبي حاتم" إمام اللغة، فهو في جواز التعريف مثل بتة في قولهم: لا أفعله بتة والبتة، لكل أمر لا رجعة فيه، كما قاله "الجوهري"، فإن قلت: ألف البتة أهي ألف وصل أم قطع؟ قلت: هي ألف وصل قطعا، وقيل: ألف قطع، وبه جزم "الكرماني" في شرح "البخاري" فقال: همزتها قطع على خلاف القياس، وقال "ابن حجر": لم أر ما قاله في كلام أحد من أهل اللغة، وفي شرح "توضيح ابن هشام": أل في البتة لازمة الذكر فلا يجوز تنكيره سماعا، وفي حواشيه "لعبد القادر المكي" يقال: لا أفعله بتة والبتة، أي أبته بتة والبتة، وفي "اللباب": لم يسمع في البتة إلا قطع الهمزة، والقياس وصلها، ومن هنا عرفت أن ما قاله "ابن حجر" غفلة عما ذكرناه.

[37] قولهم في كبرى وصغرى

[37] قولهم في كبرى وصغرى ويقولون: هذه كبرى وتلك صغرى، فيستعملونها نكرتين، وهما من قبيل ما لم تنكره العرب بحال، ولا نطقت به إلا معروفا حيثما وقع في الكلام، والصواب أن يقال فيهما: هذه الكبرى وتلك الصغرى، أو هذه كبرى اللآلي وتلك صغرى الجواري، كما ورد في الأثر: "إذا اجتمعت الحرمتان طرحت الصغرى للكبرى". ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: هذه كبرى وصغرى فيستعملونها نكرتين وهما من قبيل ما لم تنكره العرب بحال). ما أنكره صحيح فصحيح لأنه مخرج عن استعمال أفعل التفضيل مجردا عن المفاضلة، فيكون مطابقا مع تجرده عن أل والإضافة، كما جوزه علماء العربية، وما توهمه إنما هو إذا بقي على أصل معناه، وعليه خرج بيت "أبي نواس" وقول العروضيين: فاصلة صغرى وكبرى، وعليه قول "الفرزدق":

أي إذا اجتمع أمران في أحدهما مصلحة تخص وفي الآخر مصلحة تعم قدم الذي تعم مصلحته على ما تخص منفعته، وذكر شيخنا "أبو القاسم بن الفضل" النحوي. رحمه الله. أن فعلى بضم الفاء تنقسم إلى خمسة أقسام: أحدها أن تأتي اسما علما نحو حزوى .. والثاني، أن تأتي مصدرا نحو رجعى. والثالث، أن تأتي اسم جنس مثل بهمى. وهو نبت .. والرابع، أن تأتي تأنيث "أفعل" نحو الكبرى والصغرى. ـــــــــــــــــــــــــــــ (إذا غاب عنكم أسود العين كنتم ... كراما وأنتم ما أقام ألائم) أي لئام والكثير ألا يطابق كقوله: (إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول) على وجه فيه، والوجه الآخر أنه على أصله، والمراد أعز وأطول من دعائم غيره، ومقابلة الألاثم بالكرام تدل على أنه لم يرد المفاضلة. (ومن هذا القسم قوله تعالى: {قسمة ضيزى} [النجم: 22] لأن الأصل فيها ضوزى) وفي نسخة ضيزى بالضم والياء، وقال "ابن بري" على النسخة الأولى: صوابه ضيزى فلهذا كسرت الضاد. يقال: ضازه يضيره إذا نقصه، ومن قال: ضازه فإنه يقول: ضوزى بضم الضاد لا غير. اهـ. وفي مفردات "الراغب" ضيزى ناقصة، وأصله فعلى فكسرت الضاد للياء، قيل: وليس في كلامهم فعلى [يعني] بكسر الفاء صفة، فإنه من أبنية الأسماء كشعرى وذكرى، وقرى ضئزى بالهمز، على أنه مصدر ضأزه يضأزه ضئزى كذكرى، وأجاز بعضهم فيه أن يكون فعلى كبشرى، وعوملت الهمزة معاملة الحرف الذي تؤول إليه في

والخامس، أن تأتي صفة محضة ليست بتأنيث أفعل نحو حبلى، ومن هذا القسم قوله تعالى: {قسمة ضيزى} [النجم: 22] لأن الأصل فيها ضوزي، وإذا كانت لتأنيث أفعل تعاقب عليها لام التعريف والإضافة، ولم يجز أن تعرى من أحدهما، وذلك نحو قولك: الكبرى والصغرى وطولى القصائد وقصرى الأراجيز. قال: ولم يشذ من ذلك إلا دنيا وأخرى، فإنهما لكثرة مجالهما في الكلام ومدارهما فيه استعملتا نكرتين، كما قالت "الحرقة بنت النعمان": ([فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف]) (فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تنقل تارات بنا وتصرف) والغاية معروفة وأما طوبى في قولهم: طوبى لك، وجلى في قول "النهشلي": ـــــــــــــــــــــــــــــ التخفيف، ويحتمل هذا أيضا أن يكون من ضازه يضوزه ثم همز كما قالوا في موضى مؤسى لتحقيق حرف العلة، ومعناه قسمة ذات ظلم. ووجه الياء عند "أبي عبيدة" أنه صفة على فعلى بالضم من ضازه يضيزه إذا نقصه، أي قسمه جائزة، وكسرت الفاء لتسلم العين كبيض على قياس عين، فعلى هذا ليست فعلى بالكسر إذا لم تأت صفة، وإنما جاءت مفتوحة أو ما حكى "ثعلب" من مشية

وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ... يوما سراة كرام الناس فادعينا) فإنهما مصدران كالرجعى، وفعلى المصدرية لا يلزم تعريفها، وأما طوبى في قوله تعالى: {طوبى لهم وحسن مآب} [الرعد: 29] فقيل: إنها من أسماء الجنة، وقيل: بل هي شجرة تظل الجنان كلها وقيل: بل هي مصدر مشتق من الطيب، وعلى اختلاف هذا التفسير لا يحتاج إلى التعريف، وقد عيب على "أبي نواس" قوله: (كأن كبرى وصغرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب) ومن تأول له فيه قال: جعل من في البيت زائدة على ما أجازه "أبو الحسن ـــــــــــــــــــــــــــــ حيكى وغيرها من امرأة عزمى وسعلى وكيصى، والحمل على الأكثر أولى، وقال "أبو علي": قياسه ضوزى ليبعدها عن الطرف بالرابع بخلاف عين، لكنه عدل عنه تخفيفا مع أمن اللبس، وحكى "أبو عبيد" أيضا" ضازه يضوزه فيحتمل التخفيف السابق، ويجوز أن يكون مخففا من المهموز، وقال "الجعبري": فيه لغات: ضئزى، وضيزى، وضوزى، وضازى. وقوله: (تأنيث أفعل) يريد مؤنث هذا البناء مطلقا مع قطع النظر عن تغريفه

الأخفش" من زيادتها في الجواب. وأول عليه قوله تعالى: {من جبال فيها من برد} [النور: 43] وقال: تقديره: فيها برد. طرفة أدبية وقد اتفق بحضرة "المأمون" تحقيق هذا التشبيه المودع بيت "أبي نواس" على وجه المجاز، وذلك أنه حين بنى على "بوران بنت الحسن بن سهل" فرش له حصير منسوج بالذهب، ثم نثر عى قدميه لآلى كثيرة، فلما رأى تساقط اللآلى المختلفة على الحصير النسيج قال: قاتل الله "أبا نواس" كأنه شاهد هذا الحال حتى ـــــــــــــــــــــــــــــ وتنكيره، فلا يرد قول المحشي: الصواب الأفعل. (ولم يشذ من ذلك شيء إلا دنيا وأخرى فإنهما لكثرة مجالهما في الكلام، ومدارهما فيه استعملا نكرتين). قال "ابن بري": إنما لزمت الألف واللام في الأفضل والفضلى لتكون عوضا من لزوم منك في النكرة إذا قلت: أفضل منك، ولما كانت منك غير لازمة في أخر إذا قلت مررت برجل آخر لم تلزم الألف واللام في قولك أخرى وأما دنيا فإنها استعملت استعمال الأسماء فلذلك جاز تنكيرها. اهـ. [و (حرقة) بحاء وراء مهملتين وقاف، بزنة همزة، وسيأتي هذا الشعر بتمامه.] و(قول "نهشل":

شبه بها حباب كأسه، وأنشد البيت المستطرد به. ويضاهى هذه الحكاية في طرفة اتفاقها وملحة مساقها ما حكي أن "عبد الله بن مروان" حين أزمع النهود إلى محاربة "مصعب بن الزبير" ناشدته "عاتكة بنت يزيد بن معاوية" ألا يخرج بنفسه وأن يستنيب غيره في حربه، ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ... يوما سراة كرام الناس فادعينا) هذا من قصيدة لبعض بني "قيس بن ثعلبة"، وقيل: إنها "لبشامة بن حرب" وقيل "للمرقش" وأولها: (إنا محيوك يا سلمى فحيينا ... وإن سقيت كرام الناس فاسقينا) وإن دعوت ... البيت. وقد عيب على "أبي نواس" قوله: (كأن كبرى وصغرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب) ومن تأول فيه قال: جعل من في البيت زائدة على ما أجازه "أبو الحسن الأخفش") في "المغني" قال بعضهم إن "من" زائدة [في الموضعين] وأنهما مصافان على حد قوله: "بين ذراعي وجبهة الأسدة

ولم تزل تلح عليه في المسألة وهو يمتنع من الإجابة، فلما يئست منه أخذت في بكائها حتى أغول حشمها لإعوالها، فقال "عبد الملك": قاتل الله "ابن أبي جمعة" يعني كثيرا، كأنه رأى موقفنا حين قال: (إذا ما أراد الغزو لم يئن عزمه ... خصان عليها نظم در يزينها) (نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكني مما شجاها قطينها) ثم عزم عليها أن تقصر وخرج. ـــــــــــــــــــــــــــــ يرده أن من لا تقحم في الإيجاب ولا مع تعريف المجرور. والبيت من قصيدة "لأبي نواس" أولها: (ساع بكأس إلى ناس على طرب ... كلاهما عجب من منظر عجب) (قامت تريني وذيل الليل منسدل ... صبحا تولد بين الماء والعنب) (كأن كبرى وصغرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب) والقصيدة طويلة وهي من غرره. وقوله (ثم عزم عليها) أي أقسم فقال: عزمت عليك إلا فعلت كذا، أي أقسمت.

[38]- القول في تيامن وتشاءم

[38]- القول في تيامن وتشاءم ويقولون لمن أخذ يمينا في سعيه: قد تيامن، ولمن أخذ شمالا: قد تشاءم، والصواب أن يقال فيهما: تيمن وتشأم، وأن يقال للمسترشد: يا من يا هذا وتشأم، أي أخذ يمينا وشمالا، فأما معنى تيامن وتشاءم فأن يأخذ نحو اليمين والشأم، وإذا أتاهما قيل: أيمن وأشأم، كما يقال: أنجد وأتهم إذا أتى نجدا وتهامة، وقد يقال في معنى آخر: تيمن الرجل إذا توسد يمينه، ويكنى به أيضا عمن مات لأنه إذا مات أضجع على يمينه، ومنه ما أنشده "ثعلب" في معانيه: (إذا المرء علبي ثم أصبح جلده ... كرخص فالتيمن أروح) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن أخذ يمينا في سعيه: قد تيامن، ولمن أخذ شمالا: قد تشاءم، والصواب أن يقال فيهما: يا من وشاءم). قال "ابن بري" لا ينكر أن يقال: تيامن إذا أخذ من ناحية اليمن أو اليمين لأن الأصل فيهما واحد، وقال ابن الكلبي": وإنما سميت اليمين بهذا الاسم لتيامنهم إليها، وقال "ابن عباس": لما انتشرت الناس تيامنت العرب إلى اليمين فسميت بذلك، وفي الحديث "أمرهم أن يتيامنوا عن الغميم" أي يأخذوا يمينا، كذا فسره في غريب الحديث، ولهذا السبب جاز أن يقال: أيمن الرجل وتيمن ويمن إذا أخذ في جهة اليمين

ومعنى "علبى" تشنجت علباؤه وهي العصبة في العنق، وأراد هذا الشاعر أنه إذا انتهى في الهرم إلى هذا الحد فالموت أروح له. ـــــــــــــــــــــــــــــ أو جهة اليمن، وقال "الزجاجي": قال أهل الأثر: وإنما سميت الشام بهذا الاسم لأن قوما من "كنعان" خرجوا عند التفرق فتشاءموا إليها أي أخذوا ذات الشمال فسميت بذلك، وقال "محمد": المانع من دخول التفاعل في هذا يمنع أن يكون التيامن مكنيا به عند الموت، بل هو دليل على جواز استعماله، وكذا قال "ابن بري". وقيل: سمي اليمن لأنه عن يمين الكعبة أو يمين مطلع الشمس، أو توالد "الهميسع" من يمن. والشام سميت بها لسكنى "سام بن نوح" فعربت بإعجام، عكس "دست ودشت"، وفي "المصباح": يمنه الله بيمنه من باب قتل إذا جعله مباركا، وتيمنت به مثل تبركت وزنا ومعنى، ويا من فلان وباسر أخذ ذات اليمين وذات الشمال كما قاله "الأزهري" وغيره. والأمر منه يا من بزنة قاتل، أي أخذ بهم يمنة كما قاله "ابن السكيت"، ولا يقال: تيامن بهم، وقال "الفارابي": تياسر وتيامن بمعنى ياسر ويامن، وبعضهم يرد هذين بقول "ابن الأنباري": العامة تغلط في معنى تيامن، فتظن أنه بمعنى أخذ عن يمينه وليس كذلك عن العرب، وإنما تيامن عندهم إذا أتى ناحية اليمن. اهـ.

[39]- مشئوم لا مشوم

[39]- مشئوم لا مشوم ويقولون: هو مشوم، والصواب أن يقال: مشئوم بالهمز، وقد شئم إذا صار مشئوما، وشأم أصحابه إذا مسهم شؤم من قبله، كما يقال في نقيضه: يمن، إذا صار ميمونا، ويمن أصحابه إذا أصابهم يمنه، واشتقاق الشؤم من الشأمة وهي الشمال، وذاك أن العرب تنسب الخير إلى اليمين والشر إلى الشمال، ولهذا تختار أن تعطي بيمينها وتمنع بشمالها، وعليه فسر قوله تعالى: {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} [الصافات: 28]، أي تصدوننا عن فعل الخير وتحولون بيننا وبينه، ومن كلام العرب فلان عندي باليمين، أي بالمنزلة الحسنة، وفلان عندي بالشمال، أي بالمنزلة الدنية، وإلى هذا المعنى أشار الشاعر بقوله: (أبيني أفي يمنى يديك جعلتني ... فأفرح أم صيرتني في شمالك) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: مشوم) بميم مفتوحة ثم شين مضمومة ثم واو ساكنة تليها الميم بزنة مقول. (والصواب مشئوم بالهمز بعد الشين الساكنة على وزن مضروب، وقوله الصواب ليس بصواب؛ فإن ما قالوله ليس بخطأ، وإن كان خلاف الأفصح، لأن نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ثم حذفها مقيس، وقد سمع هذه الكلمة كما ورد في قول "العباس بن الأحنف": "جسدي مبتلى بقلب مشوم" وفي الشعر القديم المشهور عند أهل العربية:

وقيل: إنه أراد أجعلتني مقدما عندك أم مؤخرا؟ لأن عادة العرب أن تبدأ باليمين فإذا أكملت عدة الخمسة وثنت عليها الخمس من اليمين، نقلت العدد إلى الشمال. ومما يكنى عنه بالشمال قولهم للمنهزم: نظر عن شماله، ومنه قول الحطيئة: (وفتيان صدق من عدي كأنهم ... صفائح بصرى علقت بالعوائق) (إذا فزعوا لم ينظروا عن شمالهم ... ولم يمسكوا فوق القلوب الخوافق) (وقاموا إلى الجراد الجياد فألجموا ... وشدوا على أوساطهم بالمناطق) ـــــــــــــــــــــــــــــ (إن من صاد عقعقا لمشوم ... كيف من صاد عقعقان وبوم) فالأصل مشئوم على وزن مفعول، ومشوم مخفف منه، والعامة تقول: ميشوم بياء بعد الميم وهو لحن قبيح. وقوله (وشأم أصحابه إذا مسهم شؤم من قبله) وهذا يقتضى أن "مشئوم" قد يكون مفعولا بمعنى قاعل، كحجابا مستورا بمعنى ساتر، عكس ماء دافق بمعنى مدفوق، لأنه

واختلف المفسرون في تأويل {أصحاب الميمنة} و {أصحاب المشأمة} [البلد: 18، 19] فقيل: كني بالفريقين عن أهل السعادة وأهل الشقاوة، وقيل: بل المراد بأصحاب الميمنة المسلوك بهم يمنة إلى الجنة، وأصحاب المشأمة المسلوك بهم شأمة إلى النار، وقيل: إن أصحاب الميمنة هم الميامين على أنفسهم، وأصحاب المشأمة هم المشائيم عليها، والمشائيم جمع مشئوم، ومنه قول الشاعر: ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: شأمهم وشأم عليهم إذا لحقهم الشؤم من قبله، وقد قال "الشريف المرتضى" في "الدرر والغرر": إنه مطعون فإن العرب لا تعرفه وإنما هو من كلام أهل الأمصار، وإنما تسمي العرب من حفه الشؤم مشئوما كما في قول "علقمة بن عبدة": (ومن تعرض للغربان يزجرها ... على سلامته لا بد مشئوم) (ومنه قول الشاعر: (مشانيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا ببين غرابها) وللنحويين كلام في جر ناعب. هذا الذي سماه النحاة عطف التوهم، ومعناه أن يجري في موضع إعرابان فيعرب بأحدهما ويعطف عليه باعتبار الآخر كما هنا؛ فإن ليس يجر خبرها بالباء الزائدة كثيرا، فإذا نصب فقد يعطف عليه مجرور نظرا لحالته الأخرى، وأما عطف المنصوب على المجرور فهو المعطوف على الموضع، ومن قصيدة لي: (مررت على ربع الأحبة دارسا ... ففاح به عرف الحديث المنمنم)

(مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا ببين غرابها) وللنحويين كلام في جر ناعب، وخلاصته أن الشاعر توهم دخول الباء في مصلحين ثم عطف عليه كما أخذ "زهير" بمثل ذلك في قوله: (بدا لي أني لست ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جانيا) فجر لفظة سابق لتوهمه دخول الباء في مدرك المعطوف عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ (وذكرنا عهد الصبابة والصبا ... هديل حمام في الربا مترنم) (فقلت لخلي: عج بنا ساعة عسى ... يحدثنا رسم الهوى المتقدم) (فعجنا له عطفا على موضع به ... هوانا، فكان العطف عطف التوهم) والبيت المذكور "للأحوص الرياحي" وهو من شواهد "الكتاب"، وقبله: (أليس بيربوع إلى العقل فاقة ... ولا دنس تسود منه ثيابها) (فكيف بنوكي مالك إن عقرتم ... لهم هذه أم كيف بعد سبابها؟ ) (فإن أنتم لم تقتلوا بأخيكم ... فكونوا بغايا بالأكف غيابها) (ستخبر ما أحدثتموا في أخيكم ... رفاق من الآفاق شتى إيابها) مشائيم ... البيت. وقد قيل في حرب وقعت بين بني "يربوع" وبني "دارم"، فقتل من بني "غدانة" رجل يقال له "أبو بدر" فقالت "بنو يربوع": لا نبرح حتى نأخذ بثأرنا، ولم يعلم القاتل، فأقبلوا يتفاوضون في أمر الدية، فقال "الأحوض" هذه القصيدة في ذلك. والإياب: الرجوع، والمآب: المرجع. يقول: سيأتي حديثكم الموسم وفيه يجتمع الرفاق من كل ناحية، فإذا رجعوا تفرقوا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو معنى قوله شتى إيابها، أي إذا رجعت تفرقت في كل وجه فتنقل ما تسمعه من قبيح صنعكم إلى من لم يسمعه. وقوله: "ولا ناعب إلا بشؤم غرابها" مثل كما يقال: هو مشئوم الطائر لمن هو مشئوم في نفسه. وقوله: (بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا) هو من شعر "زهير" في ديوانه، إلا أنه روي فيه: ولا سابقي بإضافته إلى ياء المتكلم ورفع شيء، فعليه لا شاهد فيه، وقوله: (كأني وقد خلفت سبعين حجة ... خلعت بها عن منكبي ردائيا)

40 - سرداب بكسر السين لا بفتحها

40 - سرداب بكسر السين لا بفتحها ويقولون؛ اتخذت سردابا بعشر درج، فيفتحون السين من سرداب، وهي مكسورة في كلام العرب، كما يقال: شمراخ وسربال وقنطار وشملال، وما أشبه ذلك مما جاء على فعلال بكسر الفاء، ثم إن العرب فرقت بين ما يرتقى فيه وما ينحدر فيه إلى السفل فسموا ما يرتقى فيه إلى العلو درجا وما ينحدر فيه إلى السفل دركا، ومنه قوله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: 145] وجاء في الآثار "أن الجنة درجات والنار دركات". ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: اتخذت سردابا بغير درج فيفتحون السين من سرداب، وهي مكسورة في كلامهم). في "المصباح": السرداب المكان الضيق يدخل فيه، والجمع سراديب، وقد قيل: إنه معرب "سرداب" أي الماء البارد لأنه يعد لتبريد الماء، وأوله قبل التعريب مفتوح، ولذا قيل: إن فتحه على العجمية ليس بخطأ ولا وجه له. وقوله (مثل شملال) لأن الغالب في المعرب إجراؤه على قياس الأوزان العربية، وليس المراد أن فعلالا بالفتح معدوم في كلامهم لأنه كثير فيه، وإنما المراد أنه نادر فيما نحن فيه، وهو ما لم يضاعف كصلصال ووسواس. قال "ابن قتيبة": ليس في الكلام فعلال بفتح الفاء [غير المضاعف إلا حرف واحد، يقال: ناقة خزعال أي بها ظلع وقال الجوهري: ليس في الكلام فعلال] غير "خزعال وقهقار" يعني من غير ذوات التضعيف، وإلا فهو فيها كثير كما مر. والمضاعف إذا فتح فهو اسم، وإذا كسر فهو مصدر، وقال "ابن مالك": الحق أن المفتوح صفة، ورد على الزمخشري أنه مصدر.

[41]- تمييز كم الاستفهامية وكم الخبرية

[41]- تمييز كم الاستفهامية وكم الخبرية ويقولون في الاستخبار: كم عبيدا لك؟ مقايسة على ما يقال في الخبر: كم عبيد لك. فيوهمون فيه؛ إذ الصواب أن يوحد المستخبر عنه بكم فيقال: كم عبدا لك لأن كم لما وضعت للعدد المبهم أعطيت حكم نوعي العدد، فجر الاسم بعدها في الخبر تشبيها بالعدد المجرور في الإضافة، ونصب في الاستفهام تشبيها بالعدد المنصوب على التمييز، فلهذه العلة جاز أن يقع بعد كم الخبرية الواحد والجمع، كما يقال: ثلاثة عبيد وألف عبد، ولزم بعد الاستفهامية أن يقع بعدها الواحد كما يقع بعد أحد عشر إلى تسعة وتسعين، وامتنع أن يقع بعدها الجمع لأن العدد بعدها منصوب على التمييز، والمميز بعد المقادير لا يكون جمعا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في الاستخبار: كم عبيدا لك؟ مقايسة على ما يقال في الخبر: كم عبيد لك. فيوهمون فيه؛ إذ الصواب أنه يوحد المستخب عنه). هذا لا وجه له، لأن ما منعه جوزه الكوفيون، واعترف بوروده البصريون، إلا أنهم قالوا: إنه مؤول، وفي "التسهيل": كم اسم لعدد مبهم، فيفتقر إلى مميز لا يحذف إلا بدليل، ثم قرر جواز جره، وقال: ولا يكون مميزها جمعا خلافا للكوفيين، وما أوهم ذلك فحال والمميز محذوف. وقال شراحه: مثاله "كم لك غلمانا؟ " وتقديره كم نفسا استقروا لك غلمانا؟ فحذف المميز، والجمع المنصوب حال من ضمير الظرف المستقر، والعامل فيه الظرف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو عامله المحذوف، فلو قلت: كم غلمانا لك؟ لم يتمش [هذا] التخريج إلا على رأي "الأخفش" في تجويز تقديم الحال على عامله المعنوي في مثل ذلك وقياس من جوز في "اثنا عشر أسباطا" أن يكون أسباطا تمييزا، ومنهم "الزمخشري" فإنه جوزه هنا.

[42]- القول في أرض جمع

[42]- القول في أرض جمع ويقولون في جمع أرض: أراض، فيخطئون فيه لأن الأرض ثلاثية والثلاثي لا يجمع على أفاعل، والصواب أن يقال في جمعها: أرضون بفتح الراء، وذلك أن الهاء مقجرة في أرض فكان أصلها أرضة وإن لم ينطق بها، ولأجل تقدير هذه الهاء جمعت بالواو والنون على وجه التعويض لها عما حذفت منها، كما قيل في جمع عضة عضون وفي جمع عزة عزون، وفتحت الراء في الجمع لتؤذن الفتحة بأن أصل جمعها أرضات، كما يقال: نخلة ونخلات، وقيل: بل فتحت ليدخلها ضرب من التغيير، كما كسرت السين في جمع سنة فقيل: سنون. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في جمع أرض: أراض، فيخطئون فيه؛ لأن الأرض ثلاثية، والثلاثي لا يجمع على أفاعل، والصواب أن يقال في جمعها: أرضون بفتح الراء). قال "أبو سعيد السيرافي": يقال: أرض وأراض كأهل وأهال، كما قالوا: ليلة وليال كأن الواحدة ليلاة وأرضاة، وقال: إنه كذا في "كتاب سيبويه" في أصح الروايتين، وإنما قال في أصح الروايتين؛ لأنه روى في الكتاب: آهال وآراض على وزن أفعال، يعني أنه جمع لمفرد مقدر غير ثلاثي، كما قالوا في ليال، وبه علم الجواب عن قول المصنف أن الثلاثي لا يجمع على أفاعل. وفي "القاموس": والجمع أرضات وأرضون وأروض وأراض والأراضي على غير قياس، وأرضون بفتح الراء على خلاف القياس أيضا، لأنه مع تغيير مفرده لا يعقل، ومثله لا يجمع هذا الجمع. (ولأجل تقدير هذه الهاء جمعت بالواو والنون على جمعه التعويض لها عما حذف منها. كما قالوا في جمع عضة: عضون، وفي جمع عزة: عزون، وفتحت الراء في الجمع لتؤذن الفتحة بأن أصل جمعها أرضات، كما قيل: نخلة ونخلات، وقيل: بل فتحت ليدخلها ضرب التغيير كما كسرت السين في جمع سنة فقيل: سنون). هذا إشارة إلى ما حقق في العربية وشروح "الكتاب" من أن هذا الجمع للمذكر

[وهذا الجمع الذي بالواو والنون وضع في الأصل لمن يعقل من الذكور، إلا أنه قد جمع عليه عدة من الأسماء المحذوف منها على وجه جبرها والتعويض لها، فقالوا: سنة وسنون، وعشرة وعشرون وثبة وثبون وكرة وكرون وعضة وعضون، وفي القرآن {الذين جعلوا القرآن عضين} [الحجر: 91]. وقد اختلف في المحذوف، فقيل: إنه الهاء لاشتقاقه من العضيهة وهو البهتان، وقيل: بل الواو لاشتقاقه من التعضية التي بمعنى التجزئة، أي عضئوا القرآن أعضاء فآمنوا منه ببعض وكفروا ببعض، ونسبوا بعضه إلى سحر وبعضه إلى شعر]. ـــــــــــــــــــــــــــــ وسمع في غيره شذوذا، إلا أنه شاع في أسماء الدواهي لتهويلها وتنزيلها منزلة من يعقل، وفيما حذف من حرف "كعضة" تعويضا عما حذف وجبرا له، إلا أن المذكور في كتب العربية أنه فيما حذف أحد حروفه الأصول المعتد بها على كلام فيه في شروح "التسهيل" وتاء التأنيث ليست كذلك. ففي كلامه خلل ظاهر. وقوله: (وفتحت .. ) إلى آخره، يعني لما كان مؤنثا والتاء مقدرة فيه جعلوها كالموجودة، وما فيه التاء يفتح في جمع المؤنث كجفنة وجفنات فحملوا عليه جمع المذكر إشارة إلى أنه هو الأصل في شرح الكتاب. وقوله: (وقيل .. ) كلام لا محصل له، وتركه خير من ذكره.

[43]- الصواب حدث لا حدث

[43]- الصواب حدث لا حدث ويقولون: قد حدث أمر، فيضمون الدال من "حدث" مقايسة على ضمنها في قولهم: أخذه ما حدث وما قدم، فيحرفون بنية الكلام المقولة، ويخطئون في المقايسة المعقولة، لأن أصل بنية هذه الكلمة حدث على وزن فعل بفتح العين، كما أنشدني بعض أدباء "خراسان"، "لأبي الفتح البستي": (جزعت من أمر فظيع قد حدث ... أبو تميم وهو شيخ لا حدث) (قد حبس الأصلع في بيت الحدث) وإنما ضمت الدال من حدث حين قرن بقدم لأجل المجاورة والمحافظة على ـــــــــــــــــــــــــــــ (إنما ضمت الدال من حدث حين قرن بقدم لأجل المجاورة والمحافظة على الموازنة) حدث بمعنى تجدد بعدما كان معدوما، وهو من باب "قعد" فضم داله خطأ إلا إذا كان للإزدواج، وهو باب واسع، وفيه بحث لأنه ضرب من المشاكلة وهي من أقسام المجاز. فهل هذا أيضا مجاز أو حقيقة؟ والظاهر أنه حقيقة، والفرق بينه وبين المشاكلة المشهورة أن التصرف والنقل فيها في الصيغة، وفيه في مجرد الهيئة وإن لم يجز استعماله بغير قرينة قريبة، وقد قيل: إنه مقصور على السماع، فيكون موضوعا له بشرط، فتأمله: (جزعت من أمر فظيع قد حدث ... أبو تميم وهو شيخ لا حدث) (قد حبس الأصلع في بيت الحدث)

الموازنة، فإذا أفردت لفظة حدث زال السبب الذي أوجب ضم دالها [في الازدواج] وجب أن ترد إلى أصل حركتها وأولية صيغتها. مطلب مفيد وقد نطقت العرب بعدة ألفاظ غيرت مبانيها لأجل الازدواج، وأعادتها إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه كناية بديعة ونكاية فظيعة ترميه بالداء العضال، والحدث الحالة المناقضة للطهارة شرعا، والجمع أحداث، ويقال للفتى حديث السن [وإن حذفت السن] قلت: حدث بفتحتين وجمعه على أحداث، وفيه تجنيس لطيف. ثم استطرد وذكر ألفاظا استعملوها في الازدواج خاصة، فقال: [فقالوا] (الغدايا والعشايا إذا قرنوا بينهما، فإذا أفردوا الغدايا ردوها إلى أصلها وقالوا: الغدوات). قال "ابن بري": حكى "ابن الأعرابي" أنه يقال: غدية وغدايا، وأنشد شعرا: (ألا ليت شعري من زياد أمية ... غديات قيظ أو عشيات أندية)

أصولها عند الانفراد، فقالوا: الغدايا والعشايا إذا قرنوا بينهما، فإذا أفردوا الغدايا ردوها إلى أصلها فقالوا: الغدوات. وقالوا: هنأني الشيء ومرأني، فإن أفرداو مرأني قالوا: أمرأني. وقالوا: فعلت به ما ساءه وتاءه، فإن أفردوا قالوا: أناءه. وقالوا أيضا: هو رجس نجس، فإن أفردوا لفظة نجس، ردوها إلى أصلها فقالو: نجس، كما قال. سبحانه وتعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28]. وكذلك قالوا للشجاع الذي لا يزال مكانه: أهيس أليس، والأصل في ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا سمع في مفدرة غدية كان جمعه على غدايا قياسا من غير احتياج إلى الازدواج، وقوله في "القاموس" - بعدما حكى في مفرده غداة وغدية-: ولا يقال: غدايا إلا مع عشايا فيه خلل" بل زلل. وفي شرح "بانت سعاد" "لابن هشام" غداة وزنها فعلة بالتحريك ولامها واو لقولهم في جمعه غدوات كصلاة وصلوات، ولأنها من غدوت، ولقولهم: غدوة وقولهم يأتينا بالغدايا والعشايا. قال "الجرجاني" و"ابن سيده": إنما جاءت الياء فيها لتناسب عشايا.

الأهيس الأهوس لاشتقاقه من هاس يهوس، إذا دق، فعدلوا به إلى الياء ليوافق لفظة أليس. وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ راعى فيها حكم الموازنة وتعديل المقارنة، فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء المتبرزات في العيد: "ارجعن مأزورات غير مأجورات" وقال في عوذته "للحسن والحسين". كرم الله وجهيهما. "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة". ـــــــــــــــــــــــــــــ والصواب أن الذي فعل للازدواج إنما هو جمع غداة على غدايا فإنها لا تستحق هذا الجمع بخلاف عشية فإنها كقضية ووصية وأما الياء فتستحقها بعد أن جمعت هذا الجمع، وهي مبدلة من همزة فعائل لا من لام غداة التي هي الواو. وبيانه أن أصل عشايا "عشاو" بواو متطرفة هي لامها، وتلك الواو بعد همزة منقلبة عن الياء الزائدة في عشية، كما في صحيفة وصحائف، ثم قلبوا الكسرة فتحة للتخفيف، كما فعلوا في صحازى وعذارى، إلا أنهم التزموا التخفيف في الجمع الذي أعلت لامه وقبلها همزة لأنه أثقل، ثم انقلبت اللام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم أبدلت الهمزة تخفيفا لاجتماع الأشباه، إذ الهمزة تشبه الألف وقد وقعت بين ألفني، ثم لما جمعت غداة على فعائل للمناسبة، وكان كل شيء جمع على فعائل ولامه همزة أو ياء أو واو لم تسلم في الواحد مستحقا لأن تبدل من همزته ياء كخطايا ووصايا فعلوا ذلك في غدايا لأن واو غداة لم تسلم فإن قلت: قدروا الغدايا جمعا لغدرة وقد صح كلاهما لأن الواو قد سلمت في الواحد فكان القياس غداوى كما يقال: هراوة وهراوى، قلت: يأباه أمران: أحدهما: أنهما إنما قالا جمع غداة فكيف يحمل كلامهم على خلاف ما صرحوا به؟

والأصل في مأزورات موزورات لاشتقاقها من الوزر، كما أن الأصل في لامة ملمة لأنها فاعل من ألمت، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قصد أن يعادل بلفظ مأزورات لفظ مأجورات، وأن يوازن بلفظ لامة لفظتي تامة وهامة [ومثله قوله. عليه السلام "من حفنا أو رفنا فليقتصد" أي من خدمنا أو أطعمنا، وكان الأصل أتحفنا فأتبع حفنا رفتا]. ويروى في قضايا "علي" عليه السلام أنه قضى في القارصة والقامصة والواقصة بالدية أثلاثا، وتفسيره أن ثلاث جوار ركبت إحداهن الأخرى فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة ووقصت، فقضى للتي وقصت أي اندق عنقها ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أنه إذا دار الأمر بين إسناد الحكم إلى المناسبة وإسناده إلى أمر مقتض الكلمة نفسها تعين الثاني. وزعم "ابن الأعرابي" أن الغدايا لم تقل للمناسبة، وإنما هي جمع غدية، واستدل لثبوته بقوله: "ألا ليت شعري ... " البيت السابق، ولا دليل فيه لجواز أن يكون إنما جاز غديات لمناسبة عشيات، لا لأنه يقال: غدية. اهـ. وما قاله "ابن الأعرابي" إن لم يكن له دليل غبر ما أنشده - ورد عليه "ابن هشام" ما قاله - فلا يتم كلام المحشي الذي قدمناه والظاهر خلافه. (وقالوا: هنأني الشيء ومرأني، فإن أفردوا قالوا: أمرأني) قال "ابن بري": حكى أهل اللغة مرأني وأنرأني لغتين. أقول: ما ذكره المصنف بغينه من "أدب الكاتب" كما هو شأنه في كتابه هذا، وعبارته عليه بأن حكى في باب فعلت وأفعلت بلا اشتراط ازدواج، وكذا قال "الزجاج" وأجاب بأن الحكم أن يقال: أنه إذا انفرد جاز فيه اللغتان، فإذا ذكر مع هنأ قيل: مرأ بلا ألف لا غير على الاتباع.

بثلثي الدية على صاحبتها، وأسقط الثلث باشتراك فعلها فيما أفضى إلى وقصها، والواقصة هنا بمعنى الموقوصة، وأنشد "الفراء" في هذا النوع: هناك أخبية ولاج أبوبة ... يخلط بالجد منه البر واللينا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولعمري إن هذا الصلح ليس بخير، فالأحسن أن يقال - كما في "النهاية الأثيرية"-: لإن فيه قولين لأهل اللغة: [أحدهما] قول "للفراء" وهو ما ذكره المصنف وصاحب "أدب الكاتب" في أحد البابين. والآخر: قول "الزجاج" وعليه مشى في باب آخر، وعلى كل حال فما هنا غير متفق عليه. (وقالوا: فعل به ما ساءه وناءه) أي أثقله، وقال "الزمخشري" في شرح مقاماته: ناء به أماله، ومنه {لتنوء بالمعصبة} [القصص: 77] أي تميلهم لثقلها فلا يقدرون على النهوض، ومنه قولهم: أفعل كذا على ما يسؤوه وينوؤه. قال "الفراء": أراد ينيئه، ولكن قال ينوؤه للازدواج، ويجوز أن يكون اتباعا للتأكيد لا غير. أقول: هذا بناء على ما اختاره من جواز العطف في الاتباع وبعضهم يمنعه، ففيه اختلاف كما قال "ابن فارس" في فقه اللغة: حياك الله وبيلك، معنى بياك أضحكك، وقيل: هو اتباع، وقول "العباس": زمزم لشاربها حل وبل بمعنى مباح وشفاء، وقيل: هو اتباع. وقال في "المزهر": عندي أنه ليس باتباع لأنه لا يكاد يكون بالواو، مع أنه لما سرد أمثلته أتى فيها بأمور كثيرة معطوفة، ثم إن الاتباع على قسمين: - ما لا معنى له أصلا غير التقوية كحسن بن.

فجمع الباب على أبوبة ليزاوج لفظ أخبية. ـــــــــــــــــــــــــــــ - وما له معنى ظاهر كقسيم وسيم، أو غير ظاهر كشيطان ليطان، أي لاصق بالشر، وهو كما قال "ابن فارس": إما معرب بإعرابه كسحن بسن، أو مركب معه كحيص بيص فإنه اتباع، كما صرح به "ابن فارس". - وقد يكون بأكثر من لفظ وفي غير الأسماء نحو: لا بارك الله فيك ولا تارك ولا دارك. قال "ابن الدهان" في "الغرة": وهو عند الأكثرين قسم من التأكيد، وبعضهم، وهو الأكثر، جعله قسما من التوابع على حدة، لجريانه على المعرفة والنكرة. قلت: إذا كان تأكيدا يحتمل أن يكون معنويا ولفظيا على أنه أبدل منه حرف لدفع صورة التكرار كما أشار إليه "الرضي". (وقالوا: هو رجس نجس، فإذا أفردوا لفظ نجس ردوه إلى أصله، كما قال تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28]. يعني أن نجس بكسر أوله وسكون ثانيه إنما يكون لأجل مقارنته للرجس، فإنه موضوع على هذه الزنة ابتداء، وقد سبق المصنف إلى هذا غيره، وفي "طلبة الطلبة": النجس بالكسر والسكون اتباع للرجس على نظمه، فإذا أفردوا قالوا: نجس بفتح النون والجيم إذا أرادوا الاسم فإذا أريد النعت [به] فهو بفتح النون وكسر الجيم. اهـ. وهو مردود لثبوت ما يخالفه، وقد قال "ابن هشام": إنه لا يثبت ما ذكروه من الازدواج، وإنما يتم لو كانوا في حال المقارنة لم يقولوا نجس بفتحة وكسرة، وحينئذ يكون الازدواج والمشاكلة، فإنما هو في التزام ذلك، وإلا فكل اسم على وزن [فعل] يجوز فيه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جوازا مطردا فتح أوله وكسر ثانيه على الأصل نحو كتف، ويجوز تسكين عينه مع فتح، فإنه يقال: كتف بوزن ضرب، يجوز كسر أوله مع سكون ثانيه فيقال كتف بوزن علم، فإن كانت عينه حرف حلق كفخذ ففيه لغة رابعة وهي اتباع الحرف لحركة العين لقوتها) فإذا جاز هذا فيه فالازدواج بالتزامه لا بأصله، وفيه حينئذ مسامحة ما. (وكذلك قالوا للشجاع الذي لا يزايل مكانه: أهيس أليس، والأصل في الأهيس الأهوس لا شتقاقه من هاس يهوس إذا دق، فعدلوا به إلى الياء ليوافق أليس). في "الصحاح" قال "الأصمعي": يقال: حمل فلان على عسكرهم فهاسهم مثل حاسهم أي داسهم، والأهيس: الشجاع مثل الأهوس، وكذا في "القاموس"، ولذا ذكره في الياني والواوي، فما قاله المصنف ليس بمسلم عند أهل اللغة. ثم ذكر من الازدواج ما ورد في الحديث من قوله - عليه الصلاة والسلام-: "ارجعن مأزورات غير مأجورات" - مأزورات من الوزر فقياسه موزورات، وإنما همز ليشاكل مأجورات من الأجر، إلا أن "أبا علي" قال في "التذكرة": لا يصح أن يكون هذا القلب هنا للإتباع، لأنه إنما يتأتى إذا جاء الأول على القياس والإتباع في الثاني، وإنما قال مأزورات على حد قولهم يأجر، ويعني أبدلت همزة كما في يأجر من غير اتباع، والظاهر أنه لا يلزم على حد قولهم يأجر، ويعني أبدلت همزة كما في يأجر من غير اتباع، والظاهر أنه لا يلزم تقدم الجاري على القياس فيما نحن فيه، وقد صرح بهذا علماء البيان في المشاكلة، واستشهدوا له بقوله: (أوما إلى الكوماء: هذا طارق ... تنحرني الأعداء إن لم تنحري)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا من حديث قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء في نهيهن عن زيارة القبور، ثم أذن فيها بعد، فالحديث منسوخ. (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن شر كل عين لامة). الشاهد في قوله لامة، فإنه كان قياسه ملمة لكنه غير للازدواج، وليس بمسلم أيضا. قال "ابن بري": عين لامة أي ذات لمم واللمم الجنون، وأصابه من الجن لمة، وقد تكون لامة من لم به إذا زاره لغة في ألم به. وفي "القاموس": العين اللامة المصيبة بسوء وكل ما يخاف من فزع أوشر. وعلى هذا فلا ازدواج، والكلمات التامة فسرت بالقرآن. ومثله قول امرأة من العرب: من حفنا أو رفنا فلينزل، أي من خدمنا ومدحنا أو أطعمنا فلينزل عندنا فإننا نكرمه، وكان الأصل رفانا. وفي "القاموس": من حفنا أو رفنا فليقصد، أي من طاف بنا واعتنى بأمرنا أو خدمنا ومدحنا فلا يغلون، ومنه قولهم: ما له حاف ولا راف، وذهب من كان يحفه ويرفه. وفي "الصحاح" أيضا - بعدما ذكر هذا المثل - قال: أي من خدمنا أو تعطف علينا وحاطنا، وذكر في مادة (ر ف ف): وقد رففت أرف بالضم، وفلان يرفنا أي يحوطنا. (وفي المثل الخ ... ) وظاهره أنه ليس من الازدواج، وفي "المجمل" يقال: ما لفلان حاف ولا راف، فالحاف الذي يضمه والراف الذي يطعمه، ورف فلان بفلان أكرمه.

[44] هل تقع كلمة "نفر" تمييزا لعشرين وثلاثين؟

[44] هل تقع كلمة "نفر" تمييزا لعشرين وثلاثين؟ ويقولون: هم عشرون نفرا وثلاثون نفرا فيوهمون فيه؛ لأن النفر إنما يقع على الثلاثة من الرجال إلى العشرة، فيقال: هم ثلاثة نفر وهؤلاء عشرة نفر، ولم يسمع عن العرب استعمال النفر فيما جاوز العشرة بحال، ومن كلامهم في الدعاء الذي لا يراد وقوعه بمن قصد به: لا عد من نفره. كما قال "امرؤ القيس": (فهو لا تنمي دميته ... ماله لا عد من نفره) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: هم عشرون نفرا وثلاثون نفرا فيوهمون فيه؛ لأن النفر إنما يقع على الثلاثة من الرجال إلى العشرة). ما ذكره وإن كان مشهورا ففي كلام البلغاء وأهل اللغة ما يخالفه، ولهذا قال بعضهم: النفر يطلق على ما فوق الثلاثة، كما في "القاموس" وغيره. وفي كلام "الشعبي": حدثني بضعة عشر نفرا. ولا يختص بالرجال بل ولا بالإنسان لقوله تعالى: {قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن} [الجن: 1]. وفي "المجمل": النفر والرهط يستعمل إلى الأربعين، والفرق بينهما أن الرهط يرجعون إلى أب واحد بخلاف النفر. وبيت "امرئ القيس" المذكور شاهد على غير ما قاله المصنف لا له، فهو كما قيل في المثل "كالحافر على حتفه بظلفه" لأنه فسر النفر فيه

فظاهر كلامه أنه دعاء عليه بالموت الذي به يخرج عن أن يعد من قومه، وأخرج هذا القول مخرج المد له والإعجاب بما بدا منه لأنه وصفه بسداد الرماية وإصماء الرمية وهو معنى قوله: لا تنمي رميته، لأنهم قالوا في الصيد: رماه فأصماه إذا قتله مكانه ورماه فأنماه إذا غاب عن عينيه ثم وجده ميتا، وفي الحديث: أن رجلا أتاه. عليه السلام. فقال: إني أرمي الصيد فأصمي وأنمي، فقال له: "ما أصميت فكل، وما أنميت فلا تأكل" وإنما نهاه عن أكل ما أنماه لجواز أن يكون مات من غير مرماه. ونظير قولهم: لا عد من نفره قولهم للشاعر المغلق: قاتله الله، وللفارس المحرب: لا أب له، وعلى هذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم لمن استشاره في النكاح: ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقوم، وهو المتبادل من قوله تعالى: {وأعز نفرا} [الكهف: 34]، كما يشهد له مقام الافتخار، ومن الغريب ما وقع في الحديث من استعماله بمعنى رجل وبه صرح الإمام "الكرماني" فقال: للنفر معنى آخر في العرف وهو الرجل، والمراد بالعرف عرف اللغة لأنه فسر به الحديث الصحيح، وقد غفل عن هذا بعض أهل العصر فقال في بعض تآليفه: فإن قلت: قال صاحب "التقريب" في تفسير قول من قال: لو ههنا أحد من أنفارنا أي رجالنا مقتضاه وقوع النفر على الرجل الواحد فليكن قولهم عشرون نفرا على معنى "عشرون

"عليك بذات الدين تربت يداك" وإلى هذا المعنى أشار القائل بقوله: (أسب إذا أجدت القول ظلما ... كذاك يقال للرجل المجيد) يعني أنه يقال له عند إجادته واستحسان براعته: قاتله الله فما أشعره! ولا أب له فما أمهره! . وعند أكثر أهل اللغة أن الرهط بمعنى النفر في أنه لا يتجاوز العشرة، كما جاء في القرآن [الكريم]: {وكان في المدينة تسع رهط} [النمل: 48] إلا أن الرهط يرجعون إلى أب واحد بخلاف النفر، وإنما أضيف العدد إلى النفر والرهط لأنهما اسمان ـــــــــــــــــــــــــــــ رجلا" قلت: قد قال هذا صاحب "مطالع اللغة" وهو "ابن قرقول" في هذا التفسير، إلا أنه قال في "المطالع": لم يرد أن النفر بمعنى الرجل والأنفار بمعنى الرجال، وإنما هو بيان لحاصل المعنى. وقد علمت مما قدمناه لك ما في كلامه فتنبه له. كما قال "امرؤ القيس": (فهو لا تنمي رميته ... ما له لا عد من نفره) هو من قصيدة في ديوانه أولها: (رب رام من بني ثعل ... مخرج كفيه من ستره) وهي من غرر قصائده لعذوبة لفظها وخفة وزنها، ولهذا عارضه كثيرون من الشعراء المتقدمين "كعلي بن جبلة" في قوله يمدح "أبا دلف": (يا دواء الأرض إن فسدت ... وبديل الير من عسره)

للجماعة، فكان تقديره قوله تعالى: {تسعة رهط} [النمل: 48] أي تسعة رجال، ولو كان بمعنى الواحد لما جازت الإضافة إليه كما يقال: تسعة رجل، وذكر "ابن فارس" في كتاب "المجمل" أن الرهط يقال إلى الأربعين كالعصبة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (كل من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره) (مستعير منك منقبة ... يكتسبها يوم مفتخره) وقول "أبي نواس": (أيها المنتاب عن عفره ... لست من ليلى ولا سمره) [ومنها]: [لا أذود الطير عن شجر ... قد بلوت المر من ثمره] وفي شرح دبوان "امرى القيس" أنمى بمعنى: توارى عن الرامي مات أو لم يمت، والضمير للرامي، وقال "ابن بري": النفر هنا بمعنى القوم فلا يناسب مدعاه فإن قومه "بنو ثعل" وهم خلق كثير، وورد في الحديث "ثلاثة أرهط" فسمى الواحد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رهطا، وهو كالذود الذي يراد به الواحد، وهو في أصلخ جمع كما في النفر. وقوله (تربت يداه) دعا عليه بالفقر كأنه ليس عنده غير التراب، ومثله أرمل المأخوذ من الرمل، وقال في "الكشاف": قولهم: قاتله الله ونحوه كأنه بلغ مبلغا يحسد فيه ويدعو عليه حاسدوه، وهو استعارة كما حققه أهل المعاني. (ثم إن الرهط يقال إلى الأرعين كالعصبة) ولم يبين ابتداء ذلك في العصبة، وظاهر تسويته بالرهط أنه يطلق على ما دون العشرة، والمصرح به في كتب اللغة أن العصبة من العشرة إلى الأربعين، وفي التفاسير: العصبة والعصابة العشرة فصاعدا لأنهم تعصب بهم الأمور وتستكفي النوائب، وقيل: ذلك مردود بما في مصحف "حفصة" {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} [النور: 11]، وأجيب: [عنه بأنه من ذكر البعض بعد الكل لنكتة أو هو مجاز وما قاله ابن فارس قول آخر مخالف للمشهور].

[45] صحة جمع "حاجة"

[45] صحة جمع "حاجة" ويقولون في جمع حاجة: حوائج، فيوهمون فيه كما وهم بعض المحدثين في قوله: (إذا ما دخلت الدار يوما ورفعت ... ستورك لي فانظر بما أنا خارج) (فسيان بيت العنكبوت وجوسق ... رفيع إذا لم تقص فيه الحوائج) والصواب أن يجمع في أقل العدد على حاجات، كقول الشاعر: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في جمع حاجة: حوائج، فيوهمون فيه، كما وهم بعض المحدثين في قوله: (إذا ما دخلت الدار يوما ورفعت ... ستورك لي فانظر بما أنا خارج) (فسيان بيت العنكبوت وجوسق ... رفيع إذا لم تقض فيه الحوائج) رد ما ذكره، وصحة ما ادعى الوهم فيه أشهر من "قفا نبط"، وحاجة عند "الخليل" كما في "العين" أصلها حائجة، فلهذا جمعت على حوائج، وكذا قاله "ابن دريد" و"أبو عمرو بن العلاء" وقالوا: حائجة مسموعة من العرب كحاجة كما حكاه "الأصمعي" إلا أن المشهور حاجة، واستعمال حائجة نادر جدا، ولهذا قال "ابن جني": إنه لم يسمع، وحوائج جمع لمفرد مقدر، وذهب بعض اللغويين إلى أن حوائج جمع "حوجاء" بمعنى حاجة، وهو مفرد مستعمل أيضا. قال "قيس بن رفاعة": من كان في نفسه حوجاء يطلبها. والقياس فيه أن يجمع حوجاء على حواجي، مثل صحراء وصحاري، فقدمت الياء فيه على الجيم قلبا فصارت حوائج. والقلب في كلام العرب كثير، ففيه ثلاثة أقوال:

(وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم من رب بهن ضنين) (وأن يجمع في أكثر العدد على "حاج" مثل هامة وهام، وعليه قول "الراعي": (ومرسل ورسول غير متهم ... وحاجة غير مزجاة من الحاج) وأنشدت "لأبي الحسين بن فارس اللغوي": ـــــــــــــــــــــــــــــ أولها: أنه جمع حائجة المقدر. وثانيها: أنه سمع مفرده. وثالثها: أنه جمع حوجاء. ثم إن حوائج كثر استعماله في الكلام الفصيح كقول النبي - صلى الله عليه وسلم: "استعينوا على أنجاح الحوائج بالكتمان [لها] ".

(وقالوا: كيف أنت فقلت: خير ... تقضى حاجة وتفوت حاج) (إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا: ... عسى يوما يكون لها انفراج) (نديمي هرتي وسرور قلبي ... دفاتر لي ومعشوقي السراج) ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى "سيبويه" أنه يقال: تنجز فلان حوائجه واستنجزها، وفي الحديث: "اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه". وما أحسن قول "الصرصري" في بعض قصائده النبوية: (ألا يا رسول الإله الذي ... هدانا به الله غي كل تيه) (سمعنا حديثا من المسندات ... يسر فؤاد النبيل النبيه) (بأنك قلت فيه اطلبوا الحوائج ... عند حان الوجوه) (ولم أر أحسن من وجهك ... الكريم فجد لي بما أرتجيه) ومما استشهدوا به لصحة جمع الحوائج من كلام العرب قول "الأعشى": (الناس حول فنائه ... أهل الحوائج والمسائل) وقول "الشماخ": (تقطع بيننا الحاجات إلا ... حوائج تعتسفن مع الجرير) وقول "الفرزدق": (ولي ببلاد السند عند أميرها ... حوائج جمات وعندي ثوابها) إلى غير ذلك مما لا يحصى نثرا ونظما، ولو أورد كله لمكان كتابا ضخما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصنف كما في مسائل "ابن بري" تبع فينا ذكره "الأصمعي" وهو مما عد من سقطاته وغلطاته، وحكى عنه "الرقاشي" و"السجستاني" أنه رجع عن هذا القول، ولو أن "الحريري" سلك مسالك النظر السديد، وحاد عن مذهب التسليم والتقليد، كان الحق إليه أقرب من حبل الوريد. والشعر الذي أورده نسب "لابن عنين" ووقع في بعض نسخ ديوانه، وهو من الهفوات وأوهام الرواة "وما آفة الأخبار إلا رواتها". وهو "لأبي سعد بن هبة الله بن الوزير المطلب" وهو كما قال "العماد" في "الجريدة" من بيت السؤود والفضل وله خط رائق وأدب فائقـ وكان يلقب بالجرذ، وإلى ذلك يشير بقوله: (فديت من في وجهها سنة ... أشهى إلى قلبي من الفرض) (تنسى عهودا سلفت بيننا ... كأنها قد أكلت قرضي) وأنشد قوله: (تنانيركم للنمل فيها مدارج ... وفي قدركم للعنكبوت مناسج) (وعندكم للضيف يوم يزوركم ... حوالات سوء كلها وسفاتج) (إذا سهل الإذن العسير ورفعت ... ستورك فانظر لي بما أنا خارج) (فسيان بيت العنكبوت وجوسق ... رفيع إذا لم تقض فيه الحوائج) وقضاء الحاجة غني عن البيان، إلا إذا كني به في العرف عن دخول بيت الخلاء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للبراز. ومن ملح "الشهاب الحجازي" قوله فيما يكتب على باب بيت الخلاء، كما جرت به عادة الملوك والرؤساء: (لذ ببابي استطابة ... عند ضيق المناهج) (فهو باب مجرب ... لقضاء الحوائج) وبهذا يظهر لك حسن قولي في هذا المعنى: (إذا القصر لم تقض المنى في جنابه ... ولم تنفتح عند المضيق المناهج) (ففبيت الخلا منه أحب لناظري ... فكم قضيت للنفس فيه حوائج)

[46]- شيء ثمين لا مثمن

[46]- شيء ثمين لا مثمن ويقولون لما يكثر ثمنه: مثمن، فيوهمون فيه لأن المثمن على قياس كلام العرب هو الذي صار له ثمن ولو قل، كما يقال: غض مورق إذا بدا فيه الورق، وشجر مثمر إذا أخرج الثمرة، والمراد به غير هذا المعنى، ووجه الكلام أن يقال فيه: ثمين، كما يقال: رجل لحيم إذا كثر لحمه، وكبش شحيم إذا كثر شحمه، وفي كلام بعض البلغاء: قدر الأمين ثمين وقد فرق أهل اللغة بين القيمة والثمن فقالوا: القيمة ما يوافق مقدار الشيء ويعادله، والثمن ما يقع به التراضي مما يكون وفقا له أو أزيد عليه أو أنقص منه، فأما قول الشاعر: (وألقيت سهمي وسطهم حين أوخشوا ... فما صار لي في القسم إلا ثمينها) فإنه أراد به الثمن، كما يقال في النصف نصيف وفي العشر عشير. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لما يكثر ثمنه: مثمن، فيوهمون، لأن المثمن على قياس كلام العرب هو الذي له ثمن ولو قل، كما يقال: غصن مورق إذا بدا فيه الورق وشجر مثمر إذا أخرج الثمر، والمراد به غير هذا المعنى، ووجه الكلام فيه أنه يقال: ثمين). قال "ابن بري": وقياسه ثمين على لحيم وشحيم يقضي بأن فعله ثمن كشحم ولحم، ولم أر أحدا من أهل اللغة ذكره، فإن صح ثمن فهو على ما قاله، وإن لم يصح حمل على أثمنته في متاعه إذا غاليت ورفعت السوم فيه، فيكون على هذا مثمن بمعنى مغالى فيه ومرفوع سومه، ويكون ثمين ومثمن مثل عتيد ومعتد وحبيس ومحبس وبهيم ومبهم. اهـ يعني يكونان بمعنى. ولا يصح ما قاله "الحريري" من الفرق بينهما، ولكن أول كلامه غير ظاهر؛ لأن مثمنا في كلامه بكسر الميم كمورق ومثمر، فكيف يصح أن يكون من ثمن فإنه من أثمن؟ . وتمثيل "المحشي" بشحيم ولحيم إنما هو لمجرد كون فعيل للمبالغة، وفي "القاموس" أثمن له وأثمنه أعطاه الثمن، لازم ومتعد، فمثمن بكسر الميم بمعني ذي ثمن غاليا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [كان] أو رخيصا، ومثمن أيضا بفتحها كذلك لأنه ورد متعديا. نعم، استعماله في أحد أفراده وهو الغالي الثمن بقرينة لا بدع فيه، وعليه قوله "ابن النبيه": (ولم أر قبل مبسمه ... صغير الجوهر المثمن) وهو معنى بديع كرره فقال في بعض قصائده: (وما كنت أدري قبل جوهر ثغرها ... بأن نفيسات اللآلى صغارها) وكون أثمن بمعنى غالى في الثمن كما في "عمدة الحفاظ" وأهمله غيره، وقال "السرقسطي" في "أفعاله": أثمنت له متاعه وأثمنته غاليت، فيصح أن يقال: مثمن بالفتح لما كثر ثمنه، والشخص مثمن بالكسر والمتاع أيضا على النسبة أو المجاز، فمثمن في كلامهم جار على ذلك من غير تأويل، ويكون بمعنى شيء له ثمن كما في "المعرب". وثمين بالمعنى الذي ذكره أثبته في "الروض الأنف" وقال: ثمين ككريم وثمان ككرام، وأما قول من قال: ثمين من ثمن لكنهم أماتوا فعله فتكلف، ومنه علم جواب ما مر. بقي هنا بحث وهو أن المصنف ذكر أن فعيلا بمعنى مفعول يفيد المبالغة كثمين بمعنى كثير الثمن، وقد ذكره غيره من النحاة إلا أن "بدر الدين بن مالك" قال: إنهم قالوا: صيغة فعيل للمبالغة سواء كانت بمعنى فاعل أو مفعول، وليس كذلك، فإنها تفيد المبالغة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كانت بمعنى فاعل، فإذا كانت بمعنى مفعول لا تدل عليها، ألا ترى أن قتيلا بمعنى مقتول بلا تفاوت بينهما بوجه من الوجوه؟ فالصواب ألا يطلق هذا الحكم. أقول: لك أن تقول: إنه بمعنى مفعول يفيد المبالغة أيضا، والمبالغة تكون كما وكيفا، بالقوة والكثرة، والقتل لما كان إزهاق الروح بفعل الغير وذلك غير متفاوت، وتفاوت الوسائل ليس ذاتيا، ولك أن تقول: المبالغة لأنه أمر عظيم مهول عند كل أحد ولا يلزم تفاوت أفراده فتدبر. وقوله (شجر مثمر إذا أخرج الثمر) استعمل فيه أثمر متعديا، وقد اتفق أهل اللغة على أنه لازم بمعنى صار ذا ثمر، قال تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر} [الأنعام: 141] وقد استعمله بعض الفصحاء والثقات متعديا، إلا أنه لا يحتج بكلامه كقول "ابن المعتز" (وغرس من الأحباب غيبت في الثرى ... فأسقيه أجفاني بسح وقاطر) (فأثمر هما لا يبيد وحسرة ... بقلبي بجنيها بأيدي الخواطر) وقال "مهيار": (لنا في كفالات الأمير غرائس ... ستثمر خيرا والكريم كريم) وقول "ابن نباتة السعدي":

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (وتثمر حاجة الإنسان نجحا ... إذا ما كان فيها ذا احتيال) وفي "الدمية" "لمحمد بن الأشرس": (كأنما الأغصان لما علا ... فروعها تطر الندى ثرا) (ولاحت الشمس عليها ضحا ... زبرجد قد أثمر الدرا) وقال "أبو سعد": قوله: أثمر الدر لا يستقيم في النحو، لأنه لا يقال: أثمرت النخلة المثمرة، إنما أثمرت ثمرا بغير ألف ولام، بمعنى أثمرت بالثمر. اهـ. قلت: هو عجيب من مثله، فإنه إذا لم تعد [الفعل] بنفسه لم ينصب مفعولا سواء كان معرفة أو نكرة، وكذا إذا نصب بنزع الخافض، ففرقه بينهما على هذا لا وجه له. وقد يقال: إنه متعد ترك مفعوله فظن لازما، أو أنه ترك لعدم الحاجة إليه، فإذا احتيج إليه بأنه كان مفعولا مجازيا، كما في الأبيات المذكورة يذكر، وقد استعمله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ "عبد القاهر" و"السكاكي" متعديا، وفي شروح "المفتاح" استعمل المصنف الإثمار متعديا بنفسه في مواضع من هذا الكتاب، فلعله ضمنه بمعنى الإفادة، أو جعله متعديا بنفسه، وفيه نظر. (قد فرق أهل اللغة بين القيمة والثمن، فقالوا: القيمة ما يوافق مقدار الشيء ويعادله، والثمن ما يقع به التراضي مما يكون وفقا له أو أزيد عليه أو أنقص منه). هذا الفرق موافق لاستعمال العرف ولأصل وضع اللفظ، لأن القيمة مأخوذة من المقاومة، وفي "المصباح": القيمة الثمن الذي يقاوم المتاع أي يقوم مقامه، والجمع قيم، كسدرة وسدر، ووقوعهما بمعنى لا يضر؛ لأن التجوز والتسمح باب واسع، وقول بعض الفقهاء: مثمون بمعنى مثمن غلط كما في "المغرب". (فأما قول الشاعر: (فألقيت سهمي وسطهم حين أوحشوا ... فما صار لي في القسم إلا ثمينها) هذا من شعر "لابن الطثرية" وأوحشوا بمعنى ردوا سهان الميير في خريطتها، والقسم بالفتح بمعنى المقاسمة، كما قاله "ابن بري".

[47] يقولون: هو قرابته والصواب ذو قرابته

[47] يقولون: هو قرابته والصواب ذو قرابته ويقولون هو قرابتي، والصواب أن يقال: هو ذو قرابتي كما قال الشاعر: (يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور) حكاية عجيبة وأورد "أبو بكر محمد بن أبي القاسم الأنباري" هذا البيت في مساق حكاية هي من طرف الأعاجيب وعير التجاريب، فروى بإسناده إلى "هشام ابن الكلبي" قال: عاش "عبيد بن سرية الجرهمي" ثلاثمائة سنة، وأدرك الإسلام فأسلم، ودخل على "معاوية" بالشام وهو خليفة، فقال له: حدثني بأعجب ما رأيت. قال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتا لهم، فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع، فتمثلت بقول الشاعر: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: هو قرابتي، والصواب ذو قرابتي). ما أنكره صحيح فصيح وشائع نظما [ونثرا] ووقع في كلام أفصح من نطق بالضاد في حديث صحيح قال فيه: "هل بقي أحد من قرابتها" قال في "النهاية": أي أقاربها، فسموا بالمصدر كالصحابة، والوصف بالمصدر مقيس مطرد، وفيه من الحسن والبلاغة ما هو أشهر من أن يذكر، وفي الكتاب المجيد {ولكن البر من اتقى} [البقرة: 189] وعلى هذا يستوي فيه الواحد وغيره. قال في "الأساس": هو قريبي وقرابتي [وهم أقربائي وقرابتي] وفي "تسهيل ابن مالك": قرابة يكون اسم جمع لقريب، وفعالة يكون اسم جمع لنحو صاحب أو

(يا قلب إنك من أسماء مغرور ... فاذكر، وهل ينفعك اليوم تذكير) (قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد ... حتى جرت لك إطلاق محاضير) (لست تدري، وما تدري أعاجلها ... أدنى لرشدك أم ما فيه تأخير) (فاستقدر الله خيرا وارضين به ... فبينما العسر إذا دارت مياسير) (وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير) (يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحب مسرور) قال: فقال لي رجل: أتعرف من يقول هذا الشعر؟ قلت: لا، قال: إن قائله هذا الذي دفناه الساعة، وأنت الغريب الذي تبكي عليه ولست تعرفه، وهذا الذي سار عن قبره هو أمس الناس رحما به وأسرهم بموته، فقال له معاوية: لقد رأيت عجبا، فمن الميت؟ قال: "عثير بن لبيد العذري"، وقيل: "عثمان بن لبيد العذري" وفي كتاب "المعمرين" إن الميت "حريث بن جبلة". ـــــــــــــــــــــــــــــ قريب، وظاهره أنه معنى حقيقي وضعي، وما قبله مجازي ولك أن توفق بينهما. (كما قال الشاعر) هو كما في "الإصابة" "عثمان لن لبيد العذري" كما رواه "عبيد الجرهمي بن سرية" أحد المعمرين بوزن عطية. روى "أبو موسى" أنه عاش مائتين وأربعين سنة، وقيل: ثلاثمائة سنة، وأسلم روفد على "معاوية" فقال له: أخبرني بأعجب ما رأيت، فأخبره بهذه القصة، وفي رواية: "عمير" بدل "عبيد"، والمشهور خلافه وكأنه تصحيف و"عبيد" هذا عاش إلى خلافة "عبد الملك" وهو معدود في الصحابة، وقد أنشد المصنف الشعر بتمامه، وأتى بالقصة بحذافيرها، والبيت المذكور فيه من شواهد "الكتاب". وفي شرحه: المحاضير: جمع محضر بمعنى شديد الجري سريعه، والأطلاق جمع طلق وهي التي لا تعقل، وفيه أن الشاعر من "بني عذرة" واسمه "حريث بن جبلة"، واستقدر الله بمعنى اطلب أن يقدر لك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه القصة من غريب الاتفاق وهي مما يدخل تحت قوله "البلاء موكل بالمنطق" ومثلها ما حكاه بعض الأدباء فقال: إنه اجتاز بدار "الشريف الرضي" ببغداد وهو لا يعرفها، فرأى دارا ذهبت بهجتها، وأخلقت ديباجتها، وفيها رسوم تشهد لها بالنضارة وحسن الثنا والشارة فوقف عليها متعجبا من ظروف الزمان وطوارق الحدثان وتمثل بشعر خطر على خاطره، [في هذا الأمر ونظائره] وهو: (ولقد وقفت على ربوعهم ... وطلولها يد البلى نهب) (فبكيت حتى ضج من لغب ... ضوي ولج بعذلي الركب) (وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب) فسمعه رجل صادفه، فقال له: أتعرف هذه لمن؟ فقال: لا. قال هذه الدار لصاحب هذه الأبيات. وهو "الشريف الرضي" فتعجبا من حسن هذا الاتفاق، وفي معنى الشعر الذي ذكره المصنف قول "الشريف الرضي" أيضا: (غيري أضلكم فلم أنا ناشد؟ ... وسواي أفقدكم فلم أنا واحد؟ ) (عجبا لكم يأبى البكاء أقاربي ... منكم وتشرق بالدموع أباعد)

[48]- صحة جمع رحى وقفا

[48]- صحة جمع رحى وقفا ويقولون في جمع رحى وقفا: أرحية وأقفية، والصواب فيهما أرحاء وأقفاء، كما روى "الأصمعي" أن أعرابيا ذم قوما فقال: أولك قوم سلخت أقفاؤهم بالهجو، ودبغت جلودهم باللؤم [وأنشد "ابن حبيب": (دعتني النساء الهاملات عيونها ... وما لي من بعد النساء بقاء) (على حالة لا يعرف الكلب أهله ... لهن أنين تارة وعواء) (فقلت لهم: خلوا سبيل نسائنا ... فقالوا: وأنى للذليل نساء؟ ) (فقلت: أبينا ما يقولون إننا ... بنو الحرب فينا للإباء إباء) (إذا الحجفات السمر كن وقاءكم ... فليس لنا إلا الصدور وقاء) (فولوا بأقفاء الإماء كأنهم ... لدى الروع معزى ما لهن رعاء) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في جمع رحا وقفا: أرحية وأقفية، والصواب فيهما أرحاء وأقفاء). قال "ابن بري": ما أنكره ورد السماع به، فقالوا: أرحاء وأرحية، وأقفاء وأقفية كندى وأنجية وسدى وأسدية ولوى وألوية وشرى وأشرية، وهذا مما حملوا فيه المقصور على الممدود، كما عكسوا فقالوا: هباء وأهباء وأحياء وفناء وأفناء ودواء وأدواه. وأيضا رحا وقفا سمع فيهما المد، فيكون هذا على لغة من مدهما، وعلى كل حال "فإذا جاء نهر الله يطل نهر معقل" وما بعد السماع إلا ما يصم الأسماع ويعني الطباع.

وإنما جمع رحى وقفا على أرحاء وأقفاء لأنهما ثلاثيان، والثلاثية على اختلاف صيغها تجمع على أفعال لا على أفعلة، وإنما فعال على اختلاف فائه يجمع على أفعلة نحو قباء وأقبية وغراب وأغربة وكساء وأكسية، وعلى معادل هذا الأصل لا يجمع ندى على أندية، فأما قول "ابن محكان": (في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا) فقد حمله بعضهم على الشذوذ، وبعضهم على وجه ضرورة الشعر، وقال آخرون: بل هو جمع الجمع، فكأنه جمع ندى على نداء مثل جمل وجمال، ثم جمع نداء على أندية مثل: رشاء وأرشية. وجوز "أبو علي القارسي" أن يكون جمع ندى على أند ـــــــــــــــــــــــــــــ (روى "الأصمعي" أن أعرابيا ذم قوما فقال: أولئك قوم سلخت أقفاؤهم بالهجاء ودبغت جلودهم باللؤم) وتتمته: فلباسهم في الدنيا الملامة وفي الآخرة الندامة، وهو من بديع الاستعارة. ومن فصول رسائلي في بعض الناس: لحومهم لست تلاك بفم الغيبة، ولا أعراضهم تهجم عليها الظنون المريبة، لا حسب ولا نسب؛ فباهلة عندهم قريش العرب. (ماذا يفيد الذم من معشر ... ذكرهم في كل حلق شجا) (جلودهم باللؤم مدبوغة ... من بعدما قد سلخت بالهجا) فأما قول "ابن محكان": (في ليلة من جمادي ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا) فهو "مرة بن محكان التميمي" من شعراء "الحماسة" وهذا البيت من قصيدة له، وقبله:

كما يجمع فعل على أفعل نحو زمن وأزمن، ثم ألحقه علامة التأنيث التي تلحق الجمع في مثل قولك ذكورة وجمالة، فصار حينئذ أندية. وكان "أبو العباس المبرد" يرى أنه جمع "ندي" وهو المجلس لا جمع ندى، واحتج في ذلك بأن عادة العرب عند اختلاف الأنواء وإمحال السنة الشهباء أن تبرز أماثل كل قبيلة إلى ناديهم، فيواسوا بفضلات الزاد ويصرفوا ما يقمر في الميسر إلى محاويج الحي، وهذا هو نفع الميسر المقرون بنفع الخمر في قوله تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما} [البقرة: 219]. ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... أمي إليك رجال القوم والقربا) والمراد بجمادي زمن جمود الماء، وخص الكلب لأنه أبصر الحيوانات ولأنه يربض عند الخباء، وما ذكره من أن أندية جمع الندى قول، وقد وجه بأنه لما كان بمعنى الرذاذ والرشاش الذي يجمع هذا الجمع حمل على نظيره الذي هو بمعناه، وكان "المبرد" يقول: هو جمع ندي - فعيل - بمعنى مجلس، لأنهم كانوا في الشتاء والقحط يجلسون للنظر في أحوال الضعفاء، فلا وجه لما قيل من أنه غير مناسب لمعنى هذا الشعر. وقيل: إنه جمع ندى على نداء بزنة كساء، ثم جمع هذا على أندية، ورده "السهيلي" بأن فعالا جمع كثرة فلا يجمع هذا الجمع الذي هو للقلة، وقيل: هو أفعل بالضم كزمن وأزمن فكسر لاعتلال آخره، ثم لحقته تاء المبالغة، قاله "المرزوقي". وقال آخرون: هو جمع الجمع، وقد سمعت آنفا ما يرد به "السهيلي" فتذكر، فإن الذكرى تنفع.

[49]- جمع أوقية

[49]- جمع أوقية ويقولون في جمع أوقية أواق على وزن أفعال، فيغلطون فيه لأن ذلك جمع أزق وهو الثقل، فأما أوقية فتجمع على أواقي بتشديد الياء، كما تجمع أمنية على أماني وقد خفف بعضهم فيها التشديد، فقال أواق كما قيل في تخفيف صحاري: صحار. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في جمع أوقية: أواق، فيغلطون فيه لأن ذلك جمع أوق وهو الثقل، فأما أوقية فالجمع على أواقي). أوقية وزن معروف وأصله أوقوية أفعولة كأعجوبة، وإعلالها ظاهر، وقيل: فعليه من الأوق وهو الثقل .. وحكى "اللحياني" فيها وفيه بفتح الواو، وحكى "الصغاني" ضمها، والتخفيف والتشديد يجوز قياسا مطردا في مثل هذا الجمع كأثفية وأثاف.

[50]- اسم المفعول من صان

[50]- اسم المفعول من صان ويقولون لما يصان: هو مصان، والصواب فيه مصون، كما قال الشاعر: (بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين) (يبيحك منه عرضا لم يصنه ... يرتع منك في عرض مصون) والأصل في مصون مصوون على وزن مضروب، فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها، فاجتمعت واوان ساكنتان فحذفت إحداهما، وعند "سيبويه" أن المحذوفة الواو الثانية التي هي واو المفعول الزائدة، وأن الباقية هي الواو الأصلية المجتلبة من الصون. وعند "أبي الحسن الأخفش" أن المحذوفة هي الأولى، وأن الباقية هي واو المفعول التي تدل على المعنى، فإن قيل: لأي معنى فعلوا ذلك؟ فالجواب أنهم قصدوا إعلال المفعول كما أعل الفعلان والفاعل، وذلك أن الأصل في صان ـــــــــــــــــــــــــــــ (بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين) (يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون) هذا الشعر "لعلي بن الجهم" قاله في "أبي السمط مروان" لما هجاه بقوله: (لعمرك ما الجهم بن بدر بشاعر ... وهذا علي بعده يصنع الشعرا) (ولكن أبي قد كان جارا لأمه ... فلما تعاطة الشعر أوهمني أمرا) (الخليل بن أحمد عاد تلميذا له، فقال له تلميذه: إن زرتنا فيفضلك، وإن زرناك فلفضلك فلك الفضل زائرا ومزورا).

صون بفتح العين، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها كما فعل في قال الذي أصله قول، والدليل على أن الأصل فيه فعل بفتح العين أنك تقول: صنت الثوب، فتعديته إلى المفعول تدل على أنه فعلت، لأن فعلت بضم العين لا يتعدى إلى المفعول بحال؛ إذ لا يقال: كرمت زيدا، ثم إنهم قالوا في مضارعه يصون، والأصل على وزن يحزن، فنقلوا حركة الواو إلى ما قبلها، ثم إنهم أعلوا الفاعل منه فقالوا: صائن والأصل فيه صاون، فلما أعلوا الفعلين والفاعل أعلوا المفعول به أيضا ليلحق في الإعلال بحيزه. ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى أيضا أن "يحيى بن معاذ" زار علويا ببلخ، فقال العلوي: ما تقول فينا أهل البيت؟ فقال: ما أقول في طين عجن بماء الوحي، وغرست فيه شجرة النبوة، وسقي بماء الرسالة، فهل يفوح منه إلا مسك الهدى وعنبر التقى؟ . فقال له العلوي: إن زرتنا فبفضلك وإن زرناك فلفضلك فلك الفضل زائرا ومزورا. وحكي أن مثله وقع بين "الشافعي" و"أحمد بن حنبل" وقد نظم هذا بعض العصريين فقال:

ومن هذا الباب قولهم: رجل مأووف العقل فيلفظون به على الأصل، ووجه القول أن يقال: مئوف العقل على وزن مخوف، وكذلك يقال: زرع مئوف، وكلاهما مأخوذ من الآفة، ونقلت الكلمة في مخوف على ما بيناه في مصون. وشذ من هذا الباب قولهم: مسك مدؤوف وثوب مصوون فلفظوا به على الأصل، وهو مما لا يعبأ به ولا يقاس عليه. ومن شجون هذا النوع قولهم: فرس مقاد وشعر مقال وخاتم مصاغ وبيت مزار، والصواب أن يقال فيها: مقود ومقول ومصوغ ومزور. كما حكي أن "الخليل بن أحمد" عاد تلميذا له فقال تلميذه: إن زرتنا فبفضلك أو زرناك فلفضلك فلك الفضل زائرا ومزورا. ومثله قول "جميل": ـــــــــــــــــــــــــــــ (حيثما زرتنا وزرناك يا من ... لم نزره زورا ولا زار زورا) (فلفضل هذا وذاك بفضل ... فلك الفضل زائرا ومزورا) وللإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وكانت بينهما مودة رحمهما الله تعالى: (قالوا: يزورك أحمد وتزوره ... قلت: الفضائل لا تفارق منزله) (إن زراني فبفضله أو زرته ... فلفضله، فالفضل في الحالين له) (ومن هذا النمط قولهم: مبيوع ومعيوب، والصواب أن يقال فيهما: مبيع ومعيب على الحذف). هذا أيضا مما جاء على طرازه وليس كما قال؛ فإنه سمع عن العرب مبيوع ومعيوب على خلاف القياس، وفي "القاموس" هو معيب ومعيوب، وفيه أيضا مبيع، وكل هذا على الأصل، فما ذكره إلا من ضيق العطن [ويقال لمن أصابته العين: معين ومعيون، قال الشاعر:

(زوروا بئينة والحبيب مزور ... إن الزيارة للحبيب يسير) أراد بالزيارة المزار، فلهذا ذكر الخبر على المعنى، كما ذكر آخر الحوادث حين أراد بها الحدثان فقال: (فإن تسأليني عن لمتي ... فإن الحوداث أزرى بها) ومن هذا النمط قولهم: مبيوع وعيوب، والصواب أن يقال فيهما: مبيع ومعيب على الحذف، كما جاء في القرآن [الكريم] في نظائرهما: {وقصر مشيد} [الحج: 45] {وكانت الجبال كثيبا مهيلا} [المزمل: 14] فقال: مشيد ومهيل على الحذف، والأصل فيهما مشيود ومهيول. ـــــــــــــــــــــــــــــ (نبئت قومك يزعمونك سيدا ... وإخال أنك سيد معيون]) وقال "ابن الشجري" في أماليه: اختلف العرب في اسم المفعول من ذوات الياء، فتممه بنو تميم وقالوا: معيوب ومخيوط ومكيول ومزيوت، وقال أهل الحجاز: معيب ومخيط ومكيل ومزيت. وأجمع الفريقان على نقص ما كان من ذوات الواو، إلا ما جاء على جهة الشذوذ، وهو قولهم: ثوب مصوون ومسك مدووف وفرس مقوود ولفظ مقوول. والأشهر مصون ومدوف ومقود ومقول. وقال "أبو العباس محمد بن يزيد": يجوز تمام ما كان من ذوات الياء في الشعر،

وعند "سيبويه" أن المحذوف هو الواو، ثم كسر ما قبل الياء للتجانس، وقد شذ من ذلك قولهم: رجل مدين ومديون، ومعين ومعيون، أي أصابته العين، ومنه قول الشاعر: (نبئت قومك يزعمونك سيدا ... وإخال أنك سيد معيون) [وجميع ذلك مما يهجن استعماله إلا في ضرورة الشعر التي يجوز فيها ما حظر لإقامة الوزن]. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد في ذلك قول علقمة: ... (يوم الرذاذ عليه الدجن مغيوم* (رجل مدين ومديون) ... إلخ. في "أدب الكاتب": رجل دائن إذا كثر ما عليه من الدين، ولا يقال من الدين" دين فهو مدين ولا مديون إذا كثر عليه الدين، ولكن يقال: دين الملك فهو مدين إذا دان له الناس، وفي شرحه "لابن السيد": أن "الخليل" حكى أنه يقال: رجل مدين ومديون ومدان، ودادن وادان واستدان إذا أخذ الدين. وفي "المصباح" بعد ما ذكر ما يقرب منه قال جماعة: إنه يستعمل لازما ومتعديا، فيقال: دنته إذا أقرضته فهو مدين ومديون، واسم الفاعل دائن، فيكون الدائن من يأخذ الدين على اللزوم، ومن يعطيه على التعدي. وقال "ابن القطاع": ذنته: أقرضته، ودنته: استقرضت منه. اهـ .. فعلى هذا يتمشى المشهور

[51]- بين لا تضاف إلى مفرد

[51]- بين لا تضاف إلى مفرد ويقولون: المال بين زيد وبين عمرو بتكرير لفظة بين فيوهمون فيه، والصواب أن يقال: بين زيد وعمرو، كما قال. سبحانه: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ}، والعلة فيه أن لفظة (بين) تقتضي الاشتراك فلا تدخل إلا على مثنى أو مجموع، كقولك: المال بينهما والدار بين الإخوة، فأما قوله. تعالى: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} فإن لفظة ذلك تؤدي عن شيئين وتنوب مناب لفظتين، وإن كانت مفردة، ألا ترى أنك تقول: ظننت ذلك، فتقيم لفظة ذلك مقام مفعولي ظننت، وكأن ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: المال بين زيد وبين عمرو بتكرير لفظة بين فيوهمون، والصواب أن يقال: بين زيد وعمرو). هذا أيضا من النمط السابق. وقال «ابن بري»: إعادة بين هنا جائزة على جهة التأكيد وهو كثير في كلام العرب، كقول «الأعشى»: (بين الأشج وبين قيس باذخ ... بخ لوالده وللمولود) وقال «عدي بن زيد»: (بين النهار وبين الليل قد فصلا) (فبين النهار وبين الليل من عقد ... على جوانبه الأوساط والهدب) في أبيات كثيرة تشهد لذلك فعلم من هذا أن إعادة بين لا تفسد النظم ولا المعنى كما توهمه المصنف.

تقدير الكلام في الآية مذبذبين بين الفريقين، وقد كشف. سبحانه. هذا التأويل بقوله: {لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ}، ونظيره لفظ «أحد» في قوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}، وذلك أن لفظة «أحد» تستغرق الجنس الواقع على المثنى والجمع، وليست بمعنى واحد، بدليل قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ} وكذلك إذا قلت: ما جاءني أحد، فقد اشتمل هذا النفي على استغراق الجنس من المذكر والمؤنث والمثنى والمجموع، فإن اعترض معترض بقول «امرئ القيس»: ( ..... بين الدخول فحومل) فالجواب: «أن الدخول اسم واقع على عدة أمكنة، فلهذا جاز أن يعقب بالفاء، كما يقال: المال بين الإخوة فزيد. ومثله قوله تعالى: {يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ}، وإنما ذكر السحاب وهو جمع لأنه من قبيل الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء، وهذا النوع من الجمع مثل الشجر والسحاب والنخل والنبات يجوز تذكيره وتأنيثه. كما قال سبحانه في ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأما قوله تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} فإن لفظة ذلك تؤدي عن شيئين، وإن كانت مفردة تنوب مناب لفظتين، ألا ترى أنك تقول: ظننت ذلك، فتقيم ذلك مقام مفعولي ظننت). وفي «إيضاح ابن الحاجب» سمع من العرب ظننت ذلك، وقد اعترض عليه بأن فيه اقتصاراً على أحد مفعولي هذا الباب، وهو ممتنع، وأجيب بأنه إشارة إلى الظن المدلول عليه

سورة القمر: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} وقال. تبارك وتعالى. في سورة الحاقة: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}. قال الشيخ الرئيس «أبو محمد» رضي الله عنه: وأظن أن الذي وهمهم لزوم تكرير لفظه بين مع الظاهر ما رأوه من تكريرها مع المضمر في مثل قوله عز وجل: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} وقد وهموا في المماثلة بين الموطنين، وخفي عليهم الفرق الواضح بين الموضعين، وهو أن المعطوف في الآية قد عطف على المضمر المجرور الذي من شرط جواز العطف عليه عند النحويين من أهل البصرة تكرير الجار فيه كقولك: مررت بك وبزيد، ولهذا لحنوا «حمزة» في قراءته {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} حتى قال «أبو العباس المبرد»: لو أني ـــــــــــــــــــــــــــــ لظننت والمفعولان محذوفان؛ لأن ذلك إنما يقال بعد تقدم ما يصح أن يكون مفعولين كقول قائل: ظننت زيداً قائماً فتقول: ظننت ذلك -أي ظننت ذلك الظن أي ظناً مثله، ولما أشير إلى ظن مخصوص وجب أن يكون مفعولاه مثلهما في المعنى، فيحذفان للعلم بهما، ومن ثم وهم بعضهم في قوله: إن ذلك إشارة إلى المفعولين جميعاً. اهـ. فما عده وهما مردوداً هو ما اختاره المصنف، فعلم ما فيه. (ونظير ذلك لفظة أحد في قوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} وذلك أن لفظة أحد تستغرق الجنس الواقع على المثنى والمجموع، وليست بمعنى واحد). يشير إلى ما تقرر في العربية من أن لأحد معنيين واستعمالين: أحدهما، أن يختص بالنفي وشبهه كالنهي والاستفهام، وهمزته فيه أصلية، وتفيد استغراق الجنس قليلاً كان أو كثيراً مجتمعين أو مفترقين، نحو لا أحد في الدار، ويختص بالعقلاء، وقد يشمل غيرهم بطريق التبعية وهو الذي يصح إضافة بين إليه.

صليت خلف إمام فقرأ لقطعت صلاتي. ومن تأول فيها «لحمزة» جعل الواو الداخلة على لفظة الأرحام واو القسم لا واو العطف. وإنما لم يجز البصريون تجريد العطف على المضمر المجرور لأنه لشدة اتصاله بما جره يتنزل منزلة أحد حروفه أو التنوين منه، فلهذا لم يجز العطف عليه، كما لا يجوز العطف على التنوين ولا على أحد حروف الكلمة، فإن قيل: كيف كيف جاز العطف على المضمرين المرفوع والمنصوب بغير تكرير، وامتنع العطف على المضمر المجرور إلا بالتكرير؟ فالجواب عنه أنه لما جاز أن يعطف ذانك الضميران على الاسم الظاهر في مثل قولك: قام زيد وهو، وزرت عمراً وإياك، جاز أن يعطف الظاهر عليهما فيقال: قام هو وزيد، وزرتك وعمرا، ولما لم يجز أن يعطف المضمر المجرور على الظاهر إلا بتكرير الجار في مثل قولك: مررت بزيد وبك لم يجز أن يعطف الظاهر على المضمر إلا بتكريره أيضا، نحو مررت بك وبزيد، وهو من لطائف العربية ومحاسن الفروق النحوية. والثاني، بمعنى واحد، ولا يختص بالنفي ولا يضاف إليه بين، وهمزته يدل من الواو لدلالته على معنى الوحدة، وهو الواقع في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وله تفصيل في العربية، وفيه مباحث سنية ليس هذا محلها. (فإن اعترض معترض بقول «امرئ القيس» ... بين الدخول فحومل. فالجواب أن الدخول اسم واقع على عدة أمكنة، فلهذا جاز أن يعقب بالفاء). يعني أن قول «امرئ القيس» في معلقته: (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل) وارد على ما مر لإضافة بين فيه لغير متعدد، وهو سؤال مشهور، وقد أجيب عنه بأجوبة كثيرة. منها، ما ذكره المصنف وهو أن الدخول اسم مكان واسع -مشتمل على أمكنة باعتبارها وقع مضافا إليه هنا، ومنها، أن الفاء بمعنى الواو. وكان «الأصمعي» لا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول بهذه الرواية ويرويه: بين الدخول وحومل بالواو، وعليه يستغنى عن الجواب، واختاره المحققون من أهل العربية -كما بيناه في حواشي الرضي- أن العرب تقول: سرت ما بين «زبالة فالثعلبية» بمعنى إلى الثعلبية، فالفاء بمعنى إلى، وهو معنى آخر غير المعنى المقصود بقولهم: ما بين كذا أو كذا. وفي «الروض الأنف» قولهم (مطرنا بين مكة فالمدينة): الفاء فيه تعطي الاتصال بخلاف الواو، إذ لا يصل المطر من هذه إلى هذه. اهـ. وهو معنى دقيق قل من يتنبه له. والسقط: ما تساقط من الرمل [واللوى: منقطع الرمل]، والدخول بفتح الدال اسم موضع، وحومل: اسم موضع أو رملة. (ومثل قوله تعالى {ويزجي سحاباً ثم يؤلف بينه} ... ). يعني أضيف فيه بين إلى مفردٍ لفظاً متعدد معنى، كما في البيت، و [في] قوله (من قبيل الجمع): أراد به الجمع اللغوي، أو سماه جمعاً مسامحه، وقال «ابن بري»: إنما ذكر السحاب لأنه اسم جنس، واسم الجنس مفرد مذكر، ومن أنثه فلأنه جمع سحابة، فأشبه جمع التكسير فتدبر. (ولهذا لحظ «حمزة» في قراءته: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}، حتى قال «أبو العباس المبرد»: لو أني صليت خلف إمام يقرؤها لقطعت صلاتي، ومن تأول فيها «لحمزة» جعل الواو الداخلة على الأرحام واو القسم). هذا من جملة سقطاته وعظيم هفواته، فإن هذه القراءة من السبعة المتواترة، وقد وقع في ورطة وقع مثلها بعض النحاة بناء على أن القراءات السبع عندهم غير متواترة، وأنه يجوز أن يقرأ بالرأي وهو مذهب باطل وخيال فارغ؛ فإنه لا يشك عاقل في تواترها فيما ليس من قبيل الأداء عند «ابن الحاجب» على ما فيه، وقد أساء صاحب «الكشاف»،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال صاحب «الكشف»: قراءة صحيحة، وإنما يؤخذ منها صحة العطف والإضمار، والثاني أقرب عند أكثر البصريين لثبوته في نحو: الله لأفعلن، وقول «رؤية» خير. وفي نحو: ما مثل عبد الله وأخيه يقولان ذلك، ومطرداً في نحو: إلا علالة أو بداهة سابح نهد الجزارة. وفي نحو: {أنى لك هذا}، والحمل على ما ثبت هو الوجه. وقال بعضهم: إن الواو للقسم على نحو [قوله]: اتق الله فوالله إنه مطلع عليك. وترك الفاء لأن الاستئناف أقوى الوصلين وهو وجه حسن. اهـ. وفيه بحث، لأن البيت الذي ذكره من حذف المجرور لا من حذف الجار فليس مما نحن فيه، وكذا قوله: أني لك هذا لا حذف فيه إلا على وجه غير مرضي عندهم. (وهذا من لطائف علم العربية ومحاسن الفروق النحوية). هذا نحيل لا أصل له لأن المرفوع والمنصوب يكون متصلا ومنفصلا، فلذا جاز عطف المنفصل، وأما المجرور فلا يكون منفصلا، فلذا لم يصح عطف بدون العامل، وأما ما ذكره فلا وجه له.

[52]- قل: بين بين، ولا تقل بين البينين

[52]- قل: بين بين، ولا تقل بين البينين ويقولون للمتوسط الصفة: هو بين البينين، والصواب أن يقال: هو بين بين كما قال» عبيد بن الأبرص»: (إنا إذ عض الثقاف برأس صعدتنا لوينا ... نحمي حقيقتنا وبعض القوم يسقط بين نينا) أي بين العالي والمنخفض، وقد كان الأصل في هذا الكلام أن يضاف «بين»، فلما قطع عن الإضافة وضم أحد الاسمين إلى الآخر وحذفت واو العطف المعترضة بينهما بنياً كما بني العدد المركب، نحو: أحد عشر ونظائره، واختيرت له الفتحة عند بنائه؛ لأنها أخف الحركات، وليست هذه الفتحة التي في قولك بين بين من ـــــــــــــــــــــــــــــ (والصواب أن يقال: هو بين بين كما قال «عبيد بن الأبرص»: (إنا إذا عض الثقاف برأس صعدتنا لوينا ... تحمي حقيقتنا وبعض القوم بسقط بين بينا) [ما ذكره ظاهر ومنه تسمية الهمزة المسهلة بين بين، أي بين الهمزة المخففة وبين حرف المد الذي يجانس حركتها، كما قاله «الجوهري»]. وقوله (يسقط بين بينا) بمعنى يتساقط ضعيفا غير معتد به كما قاله «الجوهري» أيضا، بناء على أن من كان ضعيفاً لا يقدر على حماية حقيقته وهي ما يحق ويجب على الرجل أن يحميه. وقد يفسر قولهم بين بضعفه أيضاً.

جنس الفتحة التي في لفظ بين عند الإضافة؛ لأن هذه فتحة إعراب، بدلالة اعتقاب الجر عليها في مثل قوله تعالى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ}. ومن خصائص بين الظرفية أن الضم لا يدخل عليها بحال. فأما من قرأ {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بالرفع، فإنه عنى بالبين الوصل، كما عنى الشاعر به البعد في قوله: (لقد فرق الواشون بيني وبينها ... فقرت بذاك الوصل عيني وعينها) والثقاف بالمثلثة تقويم الرماح، وهو تمثيل، يريد: إذا خاف غيرنا خوفاً برتدع به عن جهله فإنا نزيد قوة بحيث نتعاصى عن ذلك. وفي شرح «الحماسة» «للمرزوقي»: العرب تذكر القناة وصلابتها واعوجاجها وأنها لا تلين ولا تقبل التثقيف ضاربة بها المثل في الخلاف والإباء والامتناع والتعسر على من يريد إكراههم والتعصب على بغض منهم، والمعنى قناتنا لا تستقيم لمقوم وحاملها لا ينقاد لمجتذب كما قال: (كانت قناتي لا تلين لغامز ... ألانها الإصباح والإمساء) (من خصائص بين الظرفية أن الضم لا يدخلها بحال، فأما قراءة من قرأ: «لقد تقطع بينكم» بالرفع فإنه عنى بالبين الوصل.)]. هذا مما خالف فيه المحققين من أهل العربية، فقد قال «ابن مالك» وغيره: إن بين من الظروف المتصرفة فيصح رفعها على كل حال. وقال «ابن بري»: الرفع في بين جائز على أي معنى أردت، قال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فيشرق بين الليت منها إلى الصقل) رفعه كما يرفع إذا كان مصدر بان يبين بينا، وحكي «ابن السراج» الرفع والنصب في بين في قولهم: هذه امرأة أحمر ما بين عينيها، برفع بين بأحمر وما زائدة، والنصب على أن يكون ما بمعنى الذي والبين من الأضداد فيكون بمعنى الوصل والفراق، وهو في البيت الذي أنشده المصنف بمعنى الوصل.

[53]- حكم مجيء إذ بعد بينا

[53]- حكم مجيء إذ بعد بينا ويقولون: بينا زيد قام إذ جاء عمرو. فيتلقون بينا بإذ، والمسموع عن العرب بينا زيد قام جاء عمرو بلا «إذ» لأن المعنى فيه: بين أثناء الزمان جاء عمرو، وعليه قول «أبي ذؤيب» (بينا تعانقه الكماة وروغه ... يوماً أتيح له جريء سلقع) فقال: أتيح ولم يقل: إذا أتيح. وهذا البيت ينشد بجر تعانقه ورفعه، فمن جره جعل الألف في بينا ملتحقة لإشباع الفتحة [كالألف في قول الشاعر: (فأنت من الغواية حين تدعى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح)] لأن الأصل فيها بين. وجر تعانقه على الإضافة، ومن رفع رفعه على الابتداء وجعل الألف زيادة ألحقت ببين ليوقع بعدها الجملة. كما زيدت ما في بينما لهذه العلة، وذكر «أبو محمد بن قتيبة» قال: سألت «الرياشي» عن هذه المسألة فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون بينا زيد قائم إذ جاء عمرو فيتلقون بينا بإذ، والمسموع عن العرب بينا زيد قام جاء عمرو يلا إذ، لأن المعنى فيه بين أثناء الزمان جاء عمرو). هذا أيضاً غير مسلم. قال «نجم الأئمة الرضي»: قد تقع إذا وإذ جواب بينا وبينما وكلتاهما إذن للمفاجأة والأغلب مجيء إذ في جواب بينا قال:

إذا ولى لفظة بين الاسم العلم رفعت فقلت: بينا زيد قام جاء عمرو، وإن وليها المصدر فالأجود الجر كهذه المسألة. وحكي «أبو القاسم الآمدي» في أماليه عن «أبي عثمان المازني» قال: حضرت أنا و «يعقوب بن السكيت» مجلس «محمد بن عبد الملك الزيات» فأفضنا في شجون الحديث إلى أن قلت: كان «الأصمعي» يقول: بينا أنا جالس إذ جاء عمرو محال، فقال «ابن السكيت»: أخطأ. هذا كلام الناس قال: فأخذت في مناظرته عليه وإيضاح المعنى له فقال لي «محمد بن عبد الملك» دعني حتى أبين له ما اشتبه عليه، ثم التفت إليه وقال له: ما معنى بينا؟ فقال: حين. قال: أفيجوز أن يقال حين جلس زيد إذا جاء عمرو؟ فسكت. فهذا حكم بينا، وأما بينما فأصلها أيضا بين فزيدت عليها ما ليؤذن بأنها خرجت عن بابها بإضافة ما إليها، وقد جاءت في الكلام تارة غير متلقاة بإذ مثل بينا، واستعملت تارة متلقاة بإذ وإذا اللذين للمفاجأة كما قال الشاعر: (فبينما العسر إذ دارت مياسير) ـــــــــــــــــــــــــــــ (فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتكفف) ولا يجيء بعد إذ إلا الماضي وبعد إذا إلا الاسمية. والأصل تركهما في جواب بينا وبينما لكثرة مجيء جوابهما بدونهما، والكثرة لا تدل على أن المكثور غير فصيح، بل تدل على أن الأكثر أفصح وفي الحديث: «بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ أتانا رجل» وفي كلام أمير المؤمنين «علي» رضي الله عنه «بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته». والعجب من المصنف أنه قال في مقاماته «فبينا أنا أطوف وتحتي فرس قطوف إذ رأيت» وقال أيضا «فبينا أنا عند حاكم الإسكندرية إذ دخل شيخ

وكقوله في هذه القطعة: (وبينما المرء في الأياء مغتبط ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير) فتلقى هذا الشاعر بينما في البيت الأول بإذ وفي الثاني بإذا. وليس ببدع أن يتغير حكم بين بضم «ما» إليه لأن التركيب يزيل الأشياء عن أصولها ويحيلها عن أوضاعها ورسومها، ألا ترى أن رب لا يليها إلا الاسم فإذا اتصلت بها ما غيرت حكمها وأولتها الفعل كما جاء في القرآن: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} وكذلك حرف لم فإذا زيدت عليها ما. وهي أيضا حرف. صارت لما اسماً في بعض المواطن بمعنى حين ووليها الفعل الماضي نحو قوله تعالى: {ولما جاءت رسلنا لوطا}. وهكذا قل وطال لا يجوز أن يليهما الفعل إلا إذا دخلت ما عليهما كقولك: طالما زرتك وقلما هجرتك .. ـــــــــــــــــــــــــــــ إلخ» وقال أيضا «فبينا أنا أسعى وأقعد وأهب وأركد إذ قابلني شيخ يتأوه» فكأنه نسي ما قاله هنا وفي المثل «من غير ابتلي». (بينا تعانقه الكماة وروغه ... يوماً أتيح له جريء سلقع) وهو من قصيدة «أبي ذؤيب الهذلي» المرثية التي أولها: (أمن المنون وريبه تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجرع؟ ) وفي شرح ديوانه «للمرزوقي» روى «الأصمعي» بينا تعنقه مجروراً بغير ألف وكان يقول: بينا تضاف إلى المصادر خاصة، وهو تفاعل من المعانقة بعين مهملة وهي معروفة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروغه بغين معجمة من المراوغة والمعنى: كان هذا بين تعنقه الكماة وروغانه حتى قدر له ما قدر، وأتيح بالحاء المهملة بمعنى قدر، والنحويون يخالفون «الأصمعي» ويقولون: بينا وبينما عبارتان للحين، وهما مبهمتان لا تضافان إلا إلى الجمل التي بينهما، وذكر «سيبويه» أن إذ تقع بعدهما للمفاجأة وغيره ينكر ويقول: لا حاجة إلى إذ لأن بينما بمنزلة حين وهي لا تحتاج إليها معها ويشهد «لسيبويه» قوله: (بينما نحن بالكثيب ضحى ... إذ أتى راكباً على جمله) ولإبهامها تحتاج إلى الجمل، ويرويه النحويون تعانقه بالرفع بالابتداء وخبره مقدر، أي حاصل معهود ومعتمد مألوف، أتيح له يوماً رجل جريء المقدم ثابت القدم، والمعنى أن هذا اللابس الدرع حزماً وقت معانقته للأبطال ومراوغته للشجعان قدر له رجل هكذا. والسلفع الجريء، وأكثر ما يوصف به ويستعمل لاشتهاره بغير هاء، وقد جاء في حديث «أبي الدرداء» بالهاء وهو «وشركم السلفعة البلقعة الذي يسمع لأضراسها قعقعة ولا تزال جارتها مفزعة» والبلقعة مثل السلفعة في أنه لحقته الهاء، والأكثر عدمه وروي: تعانقه. اهـ. وقول «ابن بري» في حواشيه»: الصواب تعنقه لأن التعانق لا يتعدى وهم منه؛ لصحة روايته، وأما ما ذكره من أمر التعدي ففيه كلام في كتب النحو. (وجعل الألف زائدة ألحقت ببين ليوقع بعدها الجملة كما زيدت «ما» في بينما لهذه العلة). اختلف النحاة في ألف بيتا، فقيل: إنها كافة، وهي مثل «ما» وقيل: إشباع، وهي مضافة إلى الجملة، ويؤيده أنها أضيفت إلى المفرد في قوله: بينا تعنقه الكماة

وروغه ... كما مر. وقال «الرضي»: لما قصدوا إضافة اللازم .. إضافته إلى مفرد. إلى جملة، والإضافة إلى جملة كلا إضافة، زادوا عليها ما الكافة لأنها تكف المقتضي عن الاقتضاء، وأشبعوا الفتحة فتولدت ألف لتكون الألف دليل عدم اقتضائه المضاف إليه لأنه كأنه وقف عليه. وما ذكره «ابن الزيات» في المناظزة يدفعه أنه لا يلزم كون لفظ بمعنى لفظ آخر أن يعطى جميع أحكامه. وفي «صحيح البخاري»: «بينا أنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال ... » إلى آخره. فقرن جوابها بالفاء. قال «الكرماني»: أقامها مقام إذا والجواب مقدر. وهذا تفسيره. (لم حرف فإذا زيدت عليها «ما» وهي أيضاً حرف صارت لما اسماً في بعض المواطن بمعنى حين). لما الحينية حرف عند بعض النحاة، وعند بغضهم اسم كما فصله النحاة، وأما تركيبها من لم وما وصيرورتها بسبب التركيب اسماً فتكلف ضعيف.

[54]- تفل وثفل

[54]- تفل وثفل ويقولون: ثفل في عينه بثاء معجمة بثلاث. فيصحفون فيه لأن المنقول عن العرب تفل بإعجام اثنتين من فوق. وحكي «الفراء» عن «الكسائي» أن العرب تقول: تفل في عيني. ونفث. فالتفل ما صحبه شيء من الريق، والنفث النفخ بلا ريق، ومنه قوله (صلى الله عليه وسلم): «إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» ونظير هذا التصحيف قولهم في الفرصاد توث بالثاء المعجمة بثلاث كما قال بعضهم: (لروضة من رياض الحزن أو طرف ... من القرية حزن غير محروث) ـــــــــــــــــــــــــــــ (فالتفل ما صحبه شيء من الريق، والنفث والنفخ بلا ريق) هنا قول لبعض اللغويين، وخالفهم آخرون، وفي تفسير «البيضاوي» في قوله {من شر النفاثات} النفث النفخ مع ريق. (ونظير هذا التصحيف قولهم في الفرصاد: توث بالثاء المعجمة بثلاث). جعل المثلثة تصحيفا وصحح أنه بالمثناة، قال «ابن بري»: حكي «أبو حنيفة الدينوري» أنه بالتاء والثاء، والثاء من كلام الفرس، والمثناة من كلام العرب، وفي

(أحلى وأشهى لعيني إن مررت به ... من كرخ بغداد ذي الرمان والتوت) والصحيح بالتاء المعجمة باثنتين من فوق. وعند بعض أهل اللغة أن الفرصاد اسم للثمرة والتوت اسم للشجرة. ونقيض هذين التصحيفين قولهم: يتفل ما يعصر: تجيء بإعجام اثنتين من فوق، وهو بالثاء المعجمة بثلاث، وقولهم أيضا للوعل المسن تيتل بتائين تكتنفان الياء كلتاهما معجمة باثنتين من فوق، وهو في كلام العرب [الثيتل] بإعجام الأول منهما بثلاث. فأما قول الشاعر: (وعدت فكان الخلق منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب) فأكثر الرواة يروونه بيثرب ويعنون به المدينة. وأنكر ابن الكلبي ذلك وحقق أن الرواية بيترب بالتاء المعجمة باثنتين من فوق وهو موضع يقرب من اليمامة ويتاخم منازل العمالقة واحتج في ذلك بأن «عرقوبا» كان من العمالقة الذين لم ينزلوا المدينة. ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح «أدب الكتاب» أنهما لغتان وفي كتاب «المعربات» أن «أبا حنيفة» قال: لم أسمع أحداً بقوله بالمثناة، وأنشد الشعر المذكور وهو «لمحبوب النهشلي» كما صححه الرواة وتمامه هكذا: (لروضة من رياض الحزن أو طرف ... من القرية حزن غير محروث) (للنور فيه إذا حج الندى أرج ... يشفي الصداع ويشفي داء ممغوث)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (أحلى وأشهى لعيني إن مررت به ... من كرخ بغداد ذي الرمان والتوث) (والليل نصفان نصف للهموم فما ... أقصى الرقاد ونصف للبراغيث) (أبيت حيث تساميني أوائلها ... أنزو وأخلط تسبيحا بتغويث) (سود مدالج في الظلماء مؤذنة ... وليس ملتمس منها بمبثوث) وروى بدل قوله لعيني: لقلبي. والحزن بفتح الحاء المهملة ضد السهل، والكرخ محلة معروفة بغداد و «المؤذنة» بضم الميم يليها همزة ساكنة قال «ابن المكرم» هو القصير، وبغير همز الذي يولد ضاويا نحيفاً. فأما قول الشاعر: (وعدت وكان الخلف منك سجية ... مواعيد «عرقوب» أخاه بيثرب) فأكثر الرواة يروونه بيثرب ويعنون بها المدينة وأنكر «ابن الكلبي» ذلك وحقق أن الرواية بيترب بتاء معجمة باثنتين من فوق وهو موضع بقرب اليمامة يتاخم منازل العمالقة واحتج لذلك بأن «عرقوباً» كان من العمالقة الذين لم ينزلوا المدينة). «عرقوب» يضرب به المثل في خلف المواعيد وقصته مشهورة وهو رجل من العمالقة وهو «عرقوب بن زهير» أحد بني عبد شمس بن ثعلبة، أو «عرقوب بن صخر» المكنى «بأبي مرجب» على اختلاف فيه. قال الحافظ «أبو الخطاب» سميت المدينة يثرب باسم الذي نزلها من العماليق وهو «يثرب بن عبيد» ويروى البيت «لعلقمة الأشجعي» وروي «وكان» بالواو والفاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال «ابن دريد»: اختلفوا في «عرقوب» فقيل: إنه من الأوس، فيصح على هذا أن يكون «يثرب» في الشعر بالمثلثة والراء مكسورة، وقيل: من العماليق فيكون «يترب» بالمثناة والراء؛ لأن العماليق كانت ديارهم من اليمامة إلى «وبار» و «يترب» هناك. قال: وكانت العماليق أيضاً بالمدينة. ففي البيت روايتان. أقول: قد ثبت أن الأنصار من العمالقة وأصلهم من اليمن بغير شك، فلا وجه للتردد بما ذكر، وإنما الكلام في قصة «عرقوب» هل كانت باليمن أم لا؟ فالذي ينبغي أن يصحح هو هذا. وكره النبي (صلى الله عليه وسلم) تسمية المدينة بيثرب لأنه من التثريب وهو التقريع والتبكيت، قال تعالى: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}، وأما قوله {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} فحكاية عمن قاله من المنافقين، كما نبه عليه «ابن هشام» فلا يقدح في الكراهة. وقيل كره لأنه اسم رجل جاهل، وقوله: يتاخم مضارع تاخم بتاء مثناة فوقية وخاء معجمة، بمعنى يلاصقها ويقرب من حدودها.

[55]- قولهم: أزمعت المسير

[55]- قولهم: أزمعت المسير ويقولون: أزمعت على المسير، ووجه الكلام: أزمعت المسير كما قال «عنترة»: (إن كنت أزمعت المسير فإنما ... زمت ركابكم بليل مظلم) وفي معنى أزمعت لفظة أجمعت، إلا أنه يجوز في أجمعت خاصة تعديتها بنفسها وبلفظة على، فيقال: أجمعت الأمر وأجمعت عليه، وفي «القرآن»: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ}، وسئل عن وجه انتصاب لفظة وشركاءكم إذ العطف ممتنع هنا، لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وأجيب عنه بجوابين: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: أزمعت على المسير، ووجه الكلام: أزمعت السير) في «تهذيب الأزهري» يقال: هو الشجاع إذا أزمع الأمر لم ينثن عنه والمصدر الزماع، وأثبت أبو عبيد. عن «الكسائي»: أزمعت الأمر وأنكر أزمعت عليه [و «شمر» وغيره يجيز أزمعت عليه. اهـ]. وقال «ابن بري»: أجاز «الفراء» أزمعت الأمر وعلى الأمر، وأما «الكسائي» فلم يجز إلا أزمعت الأمر، والحجة «للفراء» أن الأفعال قد يحمل بعضها على بعض إذا تقاربت معانيها، كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فتنة} فعدى خالف بعن من جهة أن المخالفة خروج عن الطاعة، وكذا الإزماع هو المضي في الأمر والعزم عليه. وقد قال بعض أهل اللغة: أزمع الأمر وعليه وبه بمعنى، وكذا قال «الفراء» وكذا عزمت الأمر وعزمت عليه عنده [كما قال عنترة

أحدهما: إذا انتصب انتصاب المفعول معه فتكون الواو بمعنى «مع» لا أنها واو العطف ويكون تقدير الكلام اجتمعوا مع شركائكم على تدبير أمركم. والجواب الثاني: أنه انتصب على إضمار فعل حذف لدلالة الحال عليه، وتقديره. لو ظهر. وادعوا شركاءكم فتكون الواو على هذا القول قد عطفت فعلا مضمراً على فعل مظهر، كما قال الشاعر: (ورأيت زوجك في الوغا ... متقلداً سيفاً ورمحاً) والرمح لا يتقلد به، وإنما تقديره وحاملاً رمحاً. ويضاهي لفظة أجمعت في تعديتها بنفسها تارة وبحرف الجر أخرى لفظة عزمت فيقال عزمت على الأمر وعزمته كما قال عز وجل: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ (إن كنت أزمعت المسير فإنما ... زمت ركابكم بليل مظلم) هو لعنترة من معلقته المشهورة، وروي بدل المسير الفراق، والرحيل، وزمت بمعنى شدت بالأزمة، والركاب يختص بالإبل. وقال «ابن كيسان»: يقال هذا أمر أسري عليه بليل إذا أحكم، وإنما خص الليل لأنه وقت صفاء الأذهان. (ويسأل عن وجه انتصاب لفظة وشركاءكم، إذ العطف يمتنع هنا لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وقد أجيب عنه بجوابين: أحدهما، أنه انتصب انتصاب المفعول معه فتكون الواو بمعنى مع لأنها واو العطف، ويكون تقدير الكلام اجتمعوا مع شركائكم على تدبير أمركم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب الثاني، أنه انتصب على إضمار فعل حذف لدلالة الحال عليه وتقديره لو ظهر: وادعوا شركاءكم). هذا كله على تقدير قطع همزة أجمعوا، وقد قرى بوصلها أيضاً من جمع وهو مشترك بين المعاني والذوات بخلاف أجمع فإنه مختص بالمعاني حتى وجه «ابن هشام» الآية على قراءة القطع بتقدير مضاف أي وأمر شركائكم أو فعل، أي واجمعوا شركاءكم بالوصل إلى أن قال: وموجب التقدير أن أجمع لا يتعلق بالذوات بل بالمعاني، بخلاف جمع فإنه مشترك بينها وفي «عمدة الحفاظ» حكاية القول بأن أجمع أكثر ما يقال في المعاني وجمع في الأعيان. فيقال أجمعت أمري وجمعت قومي. وقد يقال بالعكس فعلى هذا لا تحتاج الآية إلى تقدير. وفي «المحكم» أنه يقال: جمع الشيء عن تفرق يجمعه جمعاً وأجمعه، فإذا ثبت أن أجمع بمعنى جمع صح العطف وخرجت الآية عن أن تكون مثالا لهذه المسألة، إذ تالي الواو فيها وهو «شركاءكم» يليق به الفعل المذكور وهو أجمع، فيكون همزته همزة وصل، لكن هذا مبني على استعمال المشترك في معنييه جميعاً؛ إذ أجمع مشترك بين العزم وضم المتفرق، فباعتبار تسليطه على الأمر يكون مراداً به المعنى [الأول وباعتبار تسليطه على الشركاء يكون مراداً به المعنى] الثاني، وفيه نظر. ووقع في الحديث «فأجمعهم على قتالنا» قال «حواشي السيرة» يقال: جمع في الأجرام جمعاً، نحو جمع ماله. وفي المعاني نحو جمع كيده، وأجمع في المعاني خاصة، نحو «فأجمعوا أمركم» هكذا يقول أهل اللغة، وعلى هذا يشكل قوله «فأجمعهم على قتالنا» فإن صح لفظ الحديث كذا وجب تأويله على حذف مضاف أي فأجمع رأيهم. اهـ. ويعلم ما فيه مما مر. وفي «تهذيب الأزهري» قال «الفراء»: الإجماع: الإعداد والعزيمة على الأمر، ونصب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشركاء في الآية بفعل مضمر أي وادعوا شركاءكم. قال: وكذلك هي قراءة «عبد الله» وأنشد: (ياليت شعري والمنى لا تنفع ... هل أغدون يوماً وأمري مجمع) قال القراء: إذا أردت جمع المتفرق قلت: جمعت القوم فهم مجموعون كما قال تعالى: {يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} وإذا أردت جمع المال قلت جمعت ويجوز تخفيفه، وقال «أبو إسحاق»: الذي قاله «الفراء»: غلط في إضماره «وادعوا شركاءكم» لأن الكلام لا فائدة فيه لأنهم كانوا يدعون شركاءهم لأن يجمعوا أمرهم قال: والمعنى فأجمعوا أمركم مع شركائكم وإذا كان الدعاء لغير شيء فلا فائدة فيه. قال: والواو بمعنى مع، كقولك: تركت الناقة وفصيلها لترضعه، أي مع فصيلها. قال: ومن قرأ «فأجمعوا أمركم» بألف موصولة، فإنه يعطف شركاءكم على أمركم، ويجوز: فاجمعوا مع شركائكم أمركم. قال «الأصمعي»: جمعت الشيء إذا جئت به من هنا ومن هنا، وأجمعته إذا صيرته جميعاً. قال «أبو ذؤيب»: وأولات ذي العوجاء نهب مجمع. وقال «الفراء» في قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ}: الإجماع الإحكام والعزيمة على الشيء. تقول: أجمعت الخروج وأجمعت على الخروج. ومن قرأ فاجمعوا فمعناه: لا تدعوا من كيدكم شيئاً إلا جئتم به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن «أبي الهيثم» أنه قال: أجمع أمره جعله جمعياً بعدما كان متفرقاً، وتفرقته أنه يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا، فلما عزم على أمر محكم أجمع على جعله جميعا. قال: كذلك قال بعضهم. قال: ويقول: جمعت. أمري، والجمع أن يجمع شيئاً إلى شيء، والإجماع أن يجعل الشيء المتفرق جميعا كالرأي المعزوم عليه. اهـ. (فيكون الواو على هذا القول قد عطفت فعلاً مضمراً على فعل مظهر كما قال الشاعر: (ورأيت زوجك في الوغى ... متقلداً سيفاً ورمحا) هذا أصل من أصول العربية، وفيه طرق: إحداها التقدير، وهو الطريق الذي ذكره المصنف، والثانية أن يضمن العامل المذكور معنى عامل آخر كحامل هنا، أو يتجوز به [عنه، والثالثة أن لا يقدر ولا يؤول ويدعي أنه من المشاكلة] وهذا ذكره «الثعالبي» في بعض كتبه، وله تفصيل. وفيه فوائد ذكرناها في كتابنا «طراز المجالس».

56 - قولهم في أخدر، وحدر

56 - قولهم في أخدر، وحدر ويقولون: أحدرت السفينة وقد آن إحدارها. ووجه الكلام أن يقال: حدرتها وقد آن حدرها، وهي في غد محدورة. وكذلك يقولون: أعلفت الدابة، والصواب فيه علفت كما قال الشاعر: (إذا كنت في قوم عدا لست منهم ... فكل ما علفت من خبيث وطيب) [يغلطون فيه ويحرفونه على حكمه. إنهم يوهمون].

[57]- جمع فم أفواه

[57]- جمع فم أفواه ويقولون في جمع فم أفمام. وهو من أوضح الأوهام. والصواب أن يقال أفواه كما قال سبحانه وتعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} وذلك أن الأصل في فم فوه على وزن سوط، فحذفت الهاء تخفيفاً لشبهها بحروف اللين فبقى الاسم على حرفين الثاني منهما حرف لين، فلم يروا إيقاع الإعراب عليه لئلا تثقل اللفظة، ولم يروا حذفه لئلا يجحفوا به فأبدلوا من الواو ميماً فقالوا فم؛ لأن مخرجها من الشفة. والدليل على ذلك أن الأصل في فم الواو وقولهم تفوهت بكذا، ورجل أفوه [ولم يقولوا: تفممت ولا رجل أفم، وأكثر ما يستعمل بالميم عند الأفراد فأما قول العجاج (خالط من سلمى خياشيم وفا) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في جمع فم: أفمام، وهو من أوضح الأوهام، والصواب أن يقال: أفواه كما قال تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ... } وذلك أن الأصل في فم فوه على وزن سوط). ما زعمه غلطاً مما غلط فيه وإن كان على خلاف القياس، ولهذا قالوا: إن جمعه أفواه وأفمام؛ وقال للواحد لهما وأراد لا واحد لهما ملفوظ به على وفق القياس، إذ لا ثلاثي منه حتى يجمع، وقياس واحد أفمام أن يكون فمم بميمين أدغمت إحداهما في الأخرى، وهذا غير صحيح، ولو تركه كان أحسن كما سيجيء بيانه. (كما قال علي رضي الله عنه: (هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه). هذا بيت يضرب به المثل في كل من يؤثر في غير وقت الإيثار، وهو «العمرو بن

فقيل: إنه أراد وفاها، فحذف المضاف إليه، وقيل عنى وفما] وقولهم في تصغيره: فويه لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها كما يقال في تصغير حر: حريح لأن أصله حرح، ويقال في تصغير الست من العدد: سديسة لأن أصلها سدس لاشتقاقها من التسديس كما أن اشتقاق خمسة من التخميس، وألحقت الهاء بها عند التصغير لأنها من المؤنث الثلاثي. ثم إن العرب قصرت استعمال فم عند إفراده واختارت رده إلى أصله عند إضافته. فقالوا عند الإضافة: نطق فوه وقبل فاه وأدخل إصبعه في فيه. كما قال علي كرم الله وجهه: (هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه) إلا أنه قد سمع عنهم الإضافة إلى الميم كقول الراجز: (يصبح عطشان وفي البحر فمه) وأما قول الفرزدق: (هما نفثا في في من فمويهما ... على النابح العاري أشد رجام) فإنه جمع للضرورة بين العوض والمعوض كما فعل الراجز في قوله: (إني إذا ما حدث ألما ... أقول يا اللهم يا اللهم) ـــــــــــــــــــــــــــــ عدي» ابن أخت «جذيمة الأبرش» الملك المشهور، وله حكاية مشهورة، وأصله أن «جذيمة» كان يحب الكمأة وكان يخرج إلى الصحراء ويضرب خيامه بها إذا خرجت. وكان «عمرو» صبياً، فكان يروح إلى المرجع مع غلمان «جذيمة» ليجتنوا له

فجمع بين ياء الندا والميم المشددة التي عند «الخليل» بدل من ياء المناداة. ـــــــــــــــــــــــــــــ الكمأة ويجيئوه بها، فرأى الغلمان يأكلون جيد الجني ويأتون ببقيته «لجذيمة» وهو لا يتعاطى منه شيئاً ويأتي به جميعه له، فإذا وضعه بين يديه قال هذا له، يعني به محبته له وإيثاره له على نفسه وأن غلمانه ليسوا كذلك، يريد أنه يبذل جهده في نصحه، ولا يألو جهداً فيه. فقول المصنف: (قال «علي» سهو منه، لأنه ليس «لعلي» كما عرفته، وما قيل في الاعتذار عنه من أن النساخ حرفوا «عديا» «بعلي» وسقطت من أقلامهم لفظة «ابن» لا يجدي، فإنه ضغث على إبالة. نعم «علي» تمثل به فتوهمه المصنف له، وهذا منشأ وعمه. وفي «كتاب الزهد لأحمد» -رحمة الله- أن «ابن النساج» أتى «عليا» -رضي الله عنه- في خلافته وقال له: يا أمير المؤمنين قد امتلأ بيت المال من الصفراء والبيضاء، فقام متوكئاً عليه، حتى قام على بيت المال، فلما رآه قال: يا بن النساج، علي بإسباغ الوضوء، فتوضأ ثم قال: ادع أهل الكوفة فنودي بالناس، فلما اجتمعوا أعطاهم جميع ما فيه وهو يقول: (هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه) يا صفراء يا بيضاء غري غيري، وجعل يقول: ها وها، حتى لم يبق درهم، فأمر بنضحه، وصلى فيه ركعتين. قال «الواقدي»: وإنما فعل ذلك ليشهد له يوم القيامة أنه لم يحبس فيه شيئاً مما كان فيه عن المسلمين. (يصبح عطشان وفي البحر فمه) أوله: (كالحوت لا يلهيه شيء يلهمه)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروي بدل عطشان ظمآن. ويلهمه بمعنى يبتلعه. وهذا كما في «حياة الحيوان» مثل يضرب لمن عاش بخيلا شرها. وقوله: (الإضافة إلى الميم) تسمح، أو إلى فيه بمعنى مع. (وأما قول «الفرزدق»: (هما نفثا في فيٌ من فمومهما ... على النابح العاوي أشد رجام) هو من قصيدته الميمية المشهورة. وفي «شرح التسهيل» يجوز أن يقال: كلمته من فمي إلى فمه، وفم زيد أحسن من فم عمرو. وفي الحديث الصحيح «لخلوف فم الصائم». وهذا يدل على قلة علم من زعم أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثبوت الميم لا يجوز مع الإضافة إلا في ضرورة الشعر كقوله: (وطعن كفم الزق ... غدا والزق ملآن) وقد عاب بعض أصحاب الرأي على «الحريري» قوله في مقاماته: (أدخله في فمه وقرنه بتوءمه) ولا عيب فيه كما ذكرته ولك أن تقول: إنما عيب عليه ما عابه على غيره «فكل شاة معلقة بعرقوبها» وفي سر الصناعة لابن جني: الميم في فم بدل من الواو بعد حذف لامه، وهو مفتوح الفاء وأما ما حكاه «أبو زيد» وغيره من كسر الفاء وضمها فضرب من التغيير، وأما قوله: «يا ليتها قد خرجت من فمه» ويروى بضم الفاء وفتحها وتشديد الميم فليس لغة لأنها لم تتصرف وإنما [هو] عارض لأنهم لما أبدلوها ميماً نقلوها في الوقف ثم أجروا الوصل مجرى الوقف فهذا حكم تشديدها عندي. اهـ. وإذا سمعت ما ذكرناه وعرفت ما في كلام المصنف وعرفت أن [قول] صاحب «القاموس» لا واحد له مما لا وجه له أصلاً. وهذا ما وعدناك به فاعرفه.

[58]- صحة تصغير عقرب

[58]- صحة تصغير عقرب ويقولون في تصغير عقرب: عقيربة. فيوهمون فيه وهم من لم يستقر كلام العرب، ولا عشا إلى جذوة الأدب. لأن العرب تصغرها على عقيرب كما تصغر زينب على زيينب، وذلك أن الهاء إنما ألحقت في تصغير الثلاثي نحو قدر وقديرة وشمس وشمسية، فأما الرباعي فإنه لما ثقل بكثرة حروفه نزل الحرف الأخير منه منزلة هاء التأنيث والدليل عليه منع «سعاد» من الصرف كما منع ما فيه الهاء. فلما حل الحرف الأخير من الرباعي المؤنث محل الهاء من الثلاثي لم يجز أن تدخل عليها الهاء كما لا يدخل على هاء التأنيث هاء أخرى. تصغير ذا وذي ومن أوهامهم في التصغير قولهم في تصغير ذي الموضوعة للإشارة إلى المؤنث: ذيا فيخطئون فيه؛ لأن العرب جعلت تصغير ذيا لذا الموضوعة للإشارة إلى المذكر، ولم تصغر ذي الموضوعية للإشارة إلى المؤنث على لفظها لئلا يلتبس بتصغير ذا، بل عدلت في تصغير الاسم الموضوع للإشارة إلى المؤنث عن ذي إلى تا. فصغرته على تيا قال «الأعشي»: (أتشفيك تيا أم تركت بدائكا ... وكانت قتولا للرجال كذلكا) ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقولون في تصغير عقرب: عقيربة فيوهمون فيه). هذا بناء منه على أن العرب لم تقل: عقربة. والواهم فيه ابن أخت خالته، فإنها مسموعة، وتصغيرها حينئذ جار على القياس. وفي «القاموس» أنثى العقارب عقرباء بالمد وهي غير مصروفة كالعقربة. اهـ. وقوله: كالعقربة تمثيل للأنثى لا لعدم الصرف وإن أوهمه كلامه. (العرب جعلت تصغير ذيا «لذا» الموضوع للإشارة إلى المذكر ولم تصغر «ذي» الموضوعة للإشارة إلى المؤنث). لئلا يلتبس تصغير المذكر، فاستغنوا عنه بقولهم لمصغره: تيا، وهم كثيرا يفعلون مثله.

[59]- النسب إلى دنيا

[59]- النسب إلى دنيا ويقولون: رجل دنيائي. بهمزة قبل ياء النسب فيلحنون فيه، لأن المسموع عن العرب في النسب إلى دنيا دنيي ودنيوي، وفيهم من شبه ألفها بألف بيضاء لكونهما علامتي تأنيث فقال دنياوي كما قيل في بيضاء بيضاوي، فأما إلحاق الهمزة بها فلا وجه له لأنه اسم مقصور غير مصروف، والهمزة إنما ألحقت بالمنسوب إلى الممدود المنصرف كما يقال في النسب إلى سماء وحرباء: سمائي وحربائي على أنه قد يجوز فيهما سماوي وحرباوي. ومن أوهامهم في لفظة دنيا أيضاً تنوينهم إياها فيقولون: هذه دنيا متعبة وهو من مشاين الوهم ومقابح اللحن، لأن دنيا وما هو على وزنها مما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، لا يدخله التنوين بوجه، وإنما لم ينصرف ما أنث بالألف في معرفة ولا نكرة، وانصرف مما أنث بالهاء في النكرة وكلتاهما علامة للتأنيث لأن التأنيث بالألف أقوى من التأنيث بالهاء بدليل أن الكلمة المؤنثة بالألف نحو حبلى ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن أوهامهم في لفظ دنيا أيضا تنوينهم إياها، فيقولون: هذه دنيا متعبة) أي بتنوين دنيا، ولذا أتي بها موصوفة بقوله متعبة ليظهر التنوين، فلا يذهب في حالة الوقف، والدنيا نقيض الآخرة، وقد ذكر أهل اللغة أن العرب قد تنونها فجعله وهماً وهم منه، والذي غره أن آخره ألف تأنيث فلا يتأتى صرفه بوجه من الوجوه، وسيأتي توجيهه. وقد روي منوناً في «البخاري»، فقال بعض شراحه: إنه غلط من الرواة، ورده بعضهم بأن «ابن الأعرابي» حكاه عن العرب سماعاً.

وسكري وحمراء وخضراء صيغت في بدئها وأول وضعها على التأنيث فقوى تخصصها بالأنوثة، ونابت هذه العلة مناب علتين فمنعت الصرف بالواحدة. والتأنيث بالهاء ملتحق بالكلمة بعد استعمالها في المذكر نحو قولك: عائش وعائشة وخديج وخديجة فلهذا حط من درجة ما أنث بالألف وصرف في النكرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي شرح «المقصورة» «لابن هشام اللخمي» سمع دنيا بالصرف، وهو كما قاله «ابن جني»: نادر وغريب، ولا نعلم شيئاً مما آخره ألف تأنيث مصروفاً غير هذا الحرف، فهو شاذ إن لم يقل بأنه ملحق. وقد سمع في قوله: (في سعي دنيا طالما قد مدت) وليس بضرورة لعدم اختلاف الوزن في الحالتين. وقال «أبو الفتح»: يجوز أن تكون الألف فيه للإلحاق بجحدب، ولما غلب على دنيا وأمثالها أن تكون ألفها للتأنيث أبقوا قلب الواو ياء، وأجروها على المعتاد فيها، ليس وزنها فعلى بل فعلل وجوز فيه أن يكون فعيل كقليب، وقد استضعفوا الوجهين. وقال «ابن هشام»: لا يسوغان عندي لأن فعللا لم يثبت عندنا خلافاً «لأبي الحسن». فأما «بهماة» فألفه للتكثير إلا أنها لم ترد في مثله للتكثير إلا مع تاء التأنيث، كما أن الواو لم ترد في «عرقوة» إلا معها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا فعيل بناء معدوم عند «سيبويه» وشاذ عند غيره، فلا ينبغي أن يحمل عليه، وأيضا المعنى شاهد بخلافه لوقوعه في مقابلة الأخرى. وحكي بعض اللغويين تنوين «خنثى» فإن صح ثبت أن ألف فعلى تكون لغير التأنيث كالتكثير، فيتضح أمر «دنيا» على قول «ابن الأعرابي»: (ولعمري أن ذي الدنيا لقد ... حيرت باللفظ والمعنى الورى) وما ذكره المصنف قبل هذا في النسبة إليها مفصل في علم التصريف؛ فلهذا أعرضنا عن بيانه لشهرته فاعرفه.

[60]- الفرق بين آليت والوت

[60]- الفرق بين آليت والوت ويقولون: ما آليت جهداً في حاجتك، فيخطئون الكلام فيه لأن معنى ما آليت ما حلفت، وتصحيح الكلام فيه أن يقال: ما ألوت أي ما قصرت [لأن العرب تقول: ألا الرجل يألو إذا قصر وفتر]. وحكي «الأصمعي» قال: إذا قيل لك ما ألوت في حاجتك فقل: بلى أشد الألو. وقد أجاز بعضم أن يقال: ما أليت في حاجتك بتشديد اللام، واستشهد عليه بقول «زهير بن جناب»: (وإن كنائني لمكرمات ... وما ألي بني ولا أساؤا) ولفظة «ألوت» لا تستعمل في الواجب البتة. مثل لفظة أحد وقط وصافر وديار، كمثل لا جرم ولا بد ونظائره، وكذلك لفظة الرجاء الذي بمعنى الخوف ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ما آليت جهداً في حاجتك) بمد الهمزة كغاليت (فيخطئون فيه، لأن معنى ما آليت ما حلفت، وتصحيح الكلام فيه أن يقال: ما ألوت أي ما قصرت لأن العرب تقول: ألا الرجل يألو إذا قصر). ألا بالقصر بمعنى قصر، كما في قوله في «المقامات»: سرنا لا نألو جهداً ولا نستفيق جهدا.

كما جاء في القرآن: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} أي لا تخافون وكما قال «أبو ذؤيب»: (إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عوامل) يعني لم يخف لسعها، وأراد بالنوب التي قد شابهت بسوادها النوبة، وقيل: بل أراد به جمع نائب. ومما لا يستعمل أيضا إلا في الجحد قولهم: ما زال وما برح وما فتئ وما انفك ومادام بمعنى ما برح في أكثر الأحوال وعليه قول «الأعشى»: (أيا ابتا لا ترم عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم) حكاية لطيفة وبهذا البيت استعطف «أبو عثمان المازني» «الواثق» بالله حين أشخصه من ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو لازم، وجهدا بضم الجيم بمعنى الاجتهاد منصوب معه تمييزاً وبنزع الخافض، وهو «عن» لما في «الأساس» ما ألوت عن الجهد، أو «في» لقولهم: قصر في كذا أو لكون الألو بمعنى الترك مجازاً أو تضميناً، فينصب ما بعده مفعولاً واحداً له، وقد قالوا: إنه جاء متعدياً لمفعولين كقوله: (فديت بنفسه نفسي ومالي ... وما آلوك إلا ما أطيق) فعلى هذا أحد مفعوليه محذوف، وأصله: ما أوتك جهداً، أي لم أمنعكه، وهذا أيضا إما مجاز أو تضمين، ويحتمل الحقيقة. وفي «شرح المقامات» «للمطرزي» يقال: ألا

البصرة إلى حضرته حتى اهتز لإحسان صلته وعجل تسريحه إلى ابنته. وخبره يشهد بفضيلة الأدب ومزيته، ويرغب الراغب عنه في اقتباسه ودراسته. ومساقه ما رواه «أبو العباس المبرد» قال: قصد بعض أهل الذمة «أبا عثمان المازني» ليقرأ عليه «كتاب سيبويه» وبذل له مائة دينار على تدريسه إياه، فامتنع «أبو عثمان» من قبول بذله، وأصر على رده قال: فقلت له جعلت فداءك. أترد هذه النفقة مع فاقتك وشدة إضاقتك؟ فقال: إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة وكذا آية من كتاب الله عز وجل، ولست أرى أن أمكن منها ذمياً غيرة على كتاب الله تعالى وحمية له. قال: فاتفق أن غنت جارية بحضرة «الواثق» بقول «العرجي»: ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأمر يألو ألواً وألياً وألوا إذا قصر فيه. ثم استعمل معدى إلى مفعولين في قولهم: لا آلوك نصحا ولا آلوك جهداً بمعنى لا أمنعك نصحاً ولا انقصكه. اهـ. فله مصادر: ألو كضرب، وألو كقعود، وألى كحلي. فلا وجه لما قيل: من [أن] الظاهر أن مصدر ألا بمعنى قصر: الألو بضم الهمزة واللام وتشديد الواو على وزن فعول لأنه الغالب في مصدر فعل اللازم، وقوله: أشد الألو كما في «الأساس» ضبط بضمتين وتشديد الواو، وفي بعض النسخ بفتح فسكون «كدلو» لأن مصدر اللازم قد يجيء على فعل. وقد قال «الفراء»: إن مصدر ما لم يسم مصدره عند أهل الحجاز على فعل كضرب متعدياً كان أو لازماً: (وإن كنائني لمكرمات ... وما آلى بني ولا أساءوا)

(أظلوم إن مصابكم رجلا ... أهدى السلام إليكم ظلم) فاختلف من بالحضرة في إعراب «رجل»، فمنهم من نصبه وجعله اسم إن، ومنهم من رفعه على أنه خبرها، والجارية مصرة على أن شيخها «أبا عثمان المازني» لقنها إياه بالنصب، فأمر «الواثق» بإشخاصه. قال «أبو عثمان» فلما مثلت بين يديه، قال ممن الرجل؟ قلت من بني مازن. قال: أي الموازن مازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة؟ قلت: من مازن ربيعة. فكلمني بكلام قومي قال لي: با اسمك؟ لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما إذا كان في أول الأسماء. قال: فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر. فقلت: بكر يا أمير المؤمنين. ففطن لما قصدته وأعجب به، ثم قال: ما تقول في قول الشاعر: (أظلوم إن مصابكم رجلا ... ) أترفع رجلا أم تنصبه؟ فقلت: بل الوجه النصب يا أمير المؤمنين. قال: ولم ذلك؟ فقلت: إن مصابكم مصدر بمعنى إصابتكم، فأخذ «اليزيدي» في معارضتي فقلت: هو بمنزلة قولك إن ضربك زيداً ظلم، فرجلا مفعول مصابكم، ومنصوب به، والدليل عليه أن الكلام معلق إلى أن تقول ظلم فيتم الكلام. فاستحسنه «الواثق» وقال: هل لك من ولد؟ قلت: نعم بنية يا أمير المؤمنين قال: ما قالت لك عند مسيرك؟ قلت: [أنشدت] قول «الأعشى»: ـــــــــــــــــــــــــــــ هو من شعر «الزهير بن جناب» وقبل: «للربيع بن ضبع الفزاري». والكنائن جمع كنانة بمعنى العشيرة مستعار من كنانة السهم.

(أيا أبتا لا ترم عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم) (أرانا إذا أضمرتك البلا ... قد نجفى وتقطع منا الرحم) قال فما قلت لها؟ [قال] قلت [لها] قول «جرير»: (ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح) قال: علي النجاح إن شاء الله، ثم أمر لي بألف دينار وردني مكرماً، قال «أبو العباس» فلما عاد إلى البصرة قال لي: كيف رأيت يا أبا العباس رددنا لله مائة فعوضنا ألفاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وبني بتشديد الياء جمع ابن مضاف إلى ياء المتكلم. ألفاظ لا تستعمل إلا في النفي ثم إنه ذكر ألفاظاً خصت العرب استعمالها بالنفي. والكلام عليها مفصل في علم اللغة والنحو وقد مر الكلام على قط والصافر بالصاد المهملة والفاء المصوت يقال: ما في (الدار صافر أي أحد ولا جرم ... تفصيله في النحو مشهور) وذكر مما يختص بالنفي. (الرجاء) بمعنى الخوف، وأنشد شاهداً عليه قوله: (إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وحالفها في بيت نوب عواسل) هو من قصيدة «لأبي ذؤيب الهذلي» أولها: (أسألت رسم الدار أم لم تسائل ... عن السكر أم عن عهده بالأوائل)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمير لسعته لمجتني عسل النحل المذكور قبله، وفي شرح ديوان «أبي ذؤيب» للإمام «المرزوقي» إذا لسعته الدبر، والدبر النحل وجمعه دبور. يقول: إذا لسعت النحل هذا المشتار لم يرج لم يخف كما في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً} وكما وضعوا الرجاء موضع الخوف وضعوا الخوف موضع الرجاء كما قال: (ولو خفت أني إن كففت تحيتي ... تنكب عني رمت أن يتنكبا) أي لو رجوت. وقوله: وحالفها بالحاء المهملة والفاء قال «الأصمعي» أي صار حليفها في بيتها وهي نوب، ولم يرد حالفها في بيت غيرها. ورواه «أبو عمرو» وخالفها بخاء معجمة وفسره «ابن دريد» بقوله: جاء إلى معسلها من ورائها لما سرحت في المراعي. والنوب: النحل ولا واحد له. وقال «ابن الأعرابي» واحده نوبي. سموها بذلك لسوادها، وقال «الأصمعي»: جمع نائب كما يقال: عائذ: وعوذ: يريد أنها تختلف بأن تجيء وتذهب وتنتاب المراعي ثم تعود. وعواسل: أي تعمل العسل، وروي نوب بفتح النون يجعله مصدر نابه، أو يجعله كالسفر والبحر. وما ذكره المصنف من أن الرجاء بمعنى الخوف يختص بالنفي قول «الفراء» وخالفه غيره مستدلا بقوله تعالى: {وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ} قيل: والآية المذكورة هنا لا دليل فيها لاحتمال أن يكون معناها: افعلوا ما ترجون حسن عاقبته، فأقيم السبب مقام المسبب. وقد قالوا في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أنه محتمل للوجهين أي يؤمل لقاء ربه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو يخافه، وقال «ابن القواس» في شرح «الألفية»: إنه مجاز في الخوف حقيقة في الأمل، وفسر الأمل بطلب الحصول مع خوف الفوت، فإذا أريد به الخوف وحده كان إطلاقا له على جزء معناه، وليس حقيقة فيها، لأن الأصل عدم الاشتراك، والمجاز أولى منه. وقد قيل: إنه صحيح إن ساعده النقل. وأما الرجاء بمعنى الأمل فلا خلاف في استعماله في الإثبات والنفي. (يقول «العرجي»: (أظلوم إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام تحية ظلم) «العرجي» بعين مهملة مفتوحة وراء مهملة ساكنة وجيم تليها ياء النسب نسبة إلى «العرج» موضع بمكة، أو بين مكة والمدينة. واسمه «عبد الله بن عمرو» وهو ابن عم أمير المؤمنين «عثمان بن عفان» رضي الله عنه. وإنما عرف «بالعرجي» لأنه كان يسكن ذلك الموضع [إذ كان] ماله به. وقد أخطأ المصنف في نسبة هذا الشعر له، فإنه كما صححه الثقات «للحارث بن خالد المخزومي» لما قاله صاحب الأغاني، وناهيك به وتبعه غيره من الأدباء وقد قال شراح الشواهد: إنه الصواب والشعر هو قوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (أقوى من آل ظليمة الحرم ... فالعيرتان وأوحش الحطم) (فيما أرى شخصاً بها حسنا ... في الدار ان تحتلها نعم) (إذ ودها صاف ورؤيتها ... أمنية وكلامها سقم) (خمصانة قلق موشحها ... رود الشباب علابها عظم) (هيفاء ممكور مخدمها ... عجزاء ليس لعظمها حجم) (وكأن غالية تباشرها ... دون الثياب إذا صفا النجم) (أظليم إن مصابكم رجلا ... أهدى السلام تحية ظلم) (أقصيته داراً وأسلمكم ... إذ جاءكم فليهنه السلم) (تخطو بخلخالين حشوهما ... ساقان نار عليهما اللحم) الرواية فيه «أظليم» والذي في الكتاب «أظلوم» واسمها «ظليمة» وهي «أم عمران» زوجة «عبد الله بن مطيع» وكان «الحارث» يشبب بها، ولما مات عبد الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تزوجها، ويجوز ضم ميمه وفتحها لأنه منادى مرخم. وروي بدل أهدى السلام رد السلام. وكان الذي سأله: لم نصب رجلاً؟ «يعقوب بن السكيت» قاله له في مجلس «الواثق» فقال «المازني»: نصب بمابكم. فما فهم عنه «ابن السكيت» حتى قال له: هو مثل قولك: إن ضربكم رجلاً من أمره كذا وكذا ظلم. فلما سمع ذلك «الواثق» وعلم قصور «يعقوب» قال المازني: ألق عليه شيئا. فقال له «المازني»: ما وزن نكتل في قوله تعالى: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} قال له «ابن السكيت»: نفعل. قال له «المازني»: أخطأت، إنما وزنه نفتعل، لأن أصله نكتيل أعلت الياء فسكنت، ولما سكنت سقطت لالتقاء الساكنين، فقال له «الواثق»: أقم عندنا، فاعتذر فعذره. فلما خرج من عنده قال له «يعقوب» ما دعاك إلى تخطئتي بين يدي «الواثق»؟ قال: ما سألتك عن شيء أظن بأحد جهله، كذا في «الحواشي» وفي شرح «الجامع للعلوي» وما حكوه من أن المعارض «للمازني» هو «اليزيدي» فيه نظر لأن «اليزيدي الإمام أبا محمد» كان يؤدب «المأمون للرشيد» وتوفي سنة اثنتين وستين ومائة و «الواثق» توفي بعد موت أبيه «المعتصم» سنة سبع وعشرين ومائتين. وقال «الصفدي» بعد أن ذكر هذا: ولعل هذا «اليزيدي» المذكور في هذه القصة أحد أولاده فإنهم كانوا خمسة كلهم علماء أدباء شعراء رواة أخبار. والذي ذكر «أبو حيان»،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في كتاب «البصائر» أن المعارض «للمازني» في ذلك هو «يعقوب بن السكيت» وهذا هو الأقرب كما مرت الإشارة إليه. وقال بعض الأدباء: إن القصة الأولى مع «المبرد» وأنه الذي أرسل إليه بريداً لإشخاصه وأنه أجاز الرفع على أنه خبر وظلم خبر مبتدأ محذوف. وفي «المغني» رفع رجل يفسد المعنى وفي شرحه: بل له معنى صحيح وذلك أن يجعل المصاب اسم مفعول لا مصدراً ميمياً وهو اسم إن ورجلاً خبرها، وجملة أهدى السلام صفة رجل وظلم خبر مبتدأ محذوف أي هذا ظلم، والمعنى: أن الذي أصبتموه بما فعلتم هو رجل أهدى إليكم سلامه تحية وتودداً، فحقه أن لا يكون مصاباً لأن من حيى وتودد جدير بأن يكرم، لا أن يصاب بمصيبة. فهذا الذي فعلتموه ظلم. ويمكن جعل «ظلم» صفة أخرى لرجل على حد رجل عدل، وهو معنى تبرق من أساريره أشعة الصحة. نعم تعيين «اليزيدي» الرفع لا وجه له إلا أن الرواية مع أن كانت فهو «حذام». وذكر «ابن خلكان» أن قصة نكتل بين «المازني وابن السكيت» جرت في مجلس «ابن الزيات».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن المصدر غير الميمي يعمل عمل الفعل وأما الميمي فإعماله قليل، ومن أجازه استشهد بهذا الشعر، وسماه بعض النحاة اسم مصدر. (قول «الأعشى»: (أيا أبتا لا ترم عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم) هو من قصيدة له مدح بها «قيس بن معدي كرب» وأولها: (أتهجر غانية أم تلم ... أم الحبل واه بها منجذم) (وصهباء طاف يهوديها ... وأبرزها وعليها ختم) (وقابلها الريح في دنها ... فصلى على دنها وارتسم) وسيأتي هذا البيت في هذا الكتاب ومنها: (تقول ابنتي حين جد الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم) (فيا أبتا لم تزل عندنا ... فإنا نخاف بأن نخترم) (ويا أبتا لا ترم عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم) ويروى لا تزال ومعنى لا ترم لا تبرح.

[61]- الضبع لا الضبعة

[61]- الضبع لا الضبعة ويقولون: الضبعة العرجاء، ووجه الكلام أن يقال: (الضبع العرجاء لأن الضبع يختص بأنثى الضباع والذكر ضبعان، ومن أصول العرية أن كل اسم يختص بجنس المؤنث مثل حجر وأتان وضبع وعناق لا تدخل عليه هاء التأنيث بحال، وعلى هذا جميع ما يستقري من كلام العررب. وحكي «ثعلب» قال: أنشدني «ابن الأعرابي» في «أماليه»: (تفرقت غنمي يوماً فقلت لها ... يارب سلط عليها الذئب والضبعا) فسألته حين أنشدنيه: أدعا لها أم عليها؟ فقال: إن أراد أن يسلطا في وقت واحد فقد دعا لها لأن الذئب يمنع الضبع والضبع تدفع الذئب فتنجو هي، وإن أراد أن يسلط عليها الذئب في وقت والضبع في وقت فقد دعا عليها. مسألة لطيفة وفي مسائل الضبع مسألة لطيفة قل من طلع على خبئها، وانكشف له قناع سرها، وهي من أصول العربية التي يطرد حكمها ولا ينحل نظمها، أنه متى اجتمع المذكر والمؤنث غلب حكم المذكر على المؤنث، لأنه الأصل والمؤنث فرع ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: الضبعة العرجاء، ووجه القول: الضبع العرجاء؛ لأن الضبع اسم يختص بأنثى الضباع والذكر منه ضبعان) بزنة سندان والضبع بفتح الضاد وضم الباء أو سكونها مختص بالمؤنث عند بعض أهل اللغة.

عليه إلا في موضعين: أحدهما: أنك متى أردت تثنية الذكر والأنثى من الضباع قلت: ضبعان فأجريت التثنية على لفظ المؤنث الذي هو ضبع، لا على لفظ المذكر الذي هو ضبعان، وإنما فعل ذلك فرارا مما كان يجتمع من الزوائد أن لو ثني على لفظ المذكر، والموضع الثاني: أفهم في باب التاريخ أرخوا بالليالي [التي هي مؤنثة دون الأيام التي هي مذكورة]، وإنما فعلوا ذلك مراعاة للأسبق، والأسبق من الشهر ليلته ومن كلامهم: سرنا عشرا من بين يوم وليلة. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي «عين الحياة» عن «ابن الأنباري»: الضبع يطلق على الذكر والأنثى، وكذا حكاه «ابن هشام الخضراوي» عن «المبرد» وكونه لا يقال ضبعة مشهور، وفي «القاموس»: ضبعان بكسر الضاد وسكون الباء، والأنثى ضبعانة وضبعة عن «ابن عباد». (ومن أصول العربية أن كل اسم يختص بالمؤنث مثل حجر وأتان وضبع وعناق لا تدخل عليه هاء التأنيث). هذا لا أصل له إن كان ذلك في أسماء الأجناس الجامدة ورد عليه ناقة ورمكة لأنثى البراذين، وإن أراد أنه في الصفات فلا يناسبه ما مثل به، وهو ليس كذلك، وإن نقل عن الكوفيين في نحو حائض وطامث فإن مذهب «سيبويه» والبصريين خلافه. وردوا مذهبهم بإثبات التاء في الأوصاف المختصة بالإناث كامرأة مصبية وكلية مجرية، ومنهم من قال: إن هذا الأمر عندهم مجوز لا موجب. فإن قلنا بمثله في كلام المصنف لا يتم مدعاه. والعرجاء يوصف بها الضبع وليست عرجاء وإنما يتخيل ذلك للناظر لتمايلها إذا مشت لسمنها ولين مفاصلها، والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم أنثى الخيل والهاء فيها لحن كما في «القاموس» و «حياة الحيوان». إلا أنه يرد عليه ما قاله بعض فضلاء عصرنا من أنه روي في «الكامل» «لابن عدي» عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «ليس في حجرة ولا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بغلة زكاة» قال: وهو يدل على أنه يقال: حجرة بالهاء، قلت: الاستدلال بالحديث هنا إنما يتم بعد تسليمه، إذا لم يكن هنا أتى به لمشاكلة بغلة في التأنيث، والأتان الحمارة وفي «القاموس» أنه يقال أتانة في لغة قليلة، فلا يصح ما قاله المصنف. والعناق بفتح العين أنثى المعز وبكسرها مصدر عانقة إذا ضمه ولهذا خطيء القاتل: (أضافني بالجذي قلت اتئد ... ما القصد يا مولاي إلا العناق) إذ لم تتم له التورية التي قصدها والإبهام من تحريف الكلام. (ومن أصول العربية التي يطرد حكمها ولا ينحل نظمها أنه متى اجتمع المؤنث والمذكر غلب المذكر على المؤنث لأنه الأصل). التغليب باب واسع من المجاز قد حققه أهل المعاني بما ليس في إعادته إفادة، وليس الكلام فيه إلا فيما ذكره المصنف وهو أنه إذا اجتمع مذكر ومؤنث وأريد فيه التغليب فإنه يغلب المذكر، كما إذا اجتمع العقلاء وغيرهم وأريد التغليب [فإنه] يغلب العقلاء، وقد استثنى من الأول أمور ذكر المصنف منها موضعين: (أحدهما أنه متى أريد تثنية الذكر والأنثى من الضياع قلت ضبعان فأجريت التثنية على لفظ المؤنث الذي هو ضبع لا على لفظ المذكر الذي هو ضبعان وإنما فعل ذلك فراراً مما كان يجتمع من الزوائد لو ثني على لفظ المذكر). فيثقل، وكذا جمعه قيل فيه ضباع ولم يقل ضباعين، وهذا بناء على أن ضبع مخصوص بالمؤنث وضبعان بالمذكر وقد عرفت ما فيه. (الثاني أنهم في باب التاريخ أرخوا بالليالي دون الأيام وإنما فعلوا ذلك مراعاة للأسبق، والأسبق من الشهر ليله ومن كلامهم: سرنا عشر من بين يوم وليلة). قال «ابن هشام»: إن هذا ذكره «الزجاجي» وجماعة من النحاة، وهو سهو، فإن حقيقة التغليب أن يجتمع شيئان فيجري حكم أحدهما على الآخر، ولا يجتمع الليل والنهار،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس هنا تعبير عن شيء بلفظ أحدهما. وإنما أرخت العرب بالليالي لسبقها؛ إذ كانت أشهرهم قمرية، والقمر إنما يطلع ليلاً، وإنما المسألة الصحيحة قولك: كتبت لثلاث بين يوم وليلة. وضابطها أن يكون معنا عدد مميز بمذكر ومؤنث، وكلاهما مما لا يعقل وقد فصلا من العدد بكلمة بين كقوله: فطافت ثلاثاً بين يوم وليلة. وفيما قاله نظر لا يخفى؛ فإن قوله: لا يجتمع الليل والنهار. إن أراد في الوجود فمسلم، لكنه لا يفيد؛ لأن المراد بالاجتماع في التغليب الاجتماع في الحكم، وإرادة المتكلم لدلالة اللفظ الواقع فيه التغليب عليهما. والضابطة التي ذكرها أيضا غير تامة لأن التغليب وقع فيما لا يشمله كما قرره في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} إذ المراد عشرة أيام بلياليهن، لكن أنث لتغليب الليالي. وأجيب عنه بأن هذه الضابطة إنما هي لتغليب الليالي على الأيام [في التاريخ لا لتغليب الليالي على الأيام] مطلقاً، نعم مقتضى التغليب في هذه الآية أنه لا اختصاص لتغليب المؤنث على المذكر بالمسألتين، وهذا كلام واه جدا، لأن ما مثل به ليس من قبيل التاريخ، والمقصود بالضابطة خلاف ما ذكره، فكيف الصلح بما لا يريده الخصم؟ فالظاهر أن يقول في العدد وإن رجع على كلامه بالنقض، وعلى كل حال فالضابطة المذكورة غير مستقيمة وإن تبع فيها «الجوهري». وقال «ابن بري»: ليس باب التاريخ مما غلب فيه المؤنث كالضبع، بل هو محمول على الليالي فقط، كقولك: كتبت لخمس خلون، فإن قلت: سرت خمسة عشر ما بين يوم وليلة فقد غلب المؤنث على المذكر. اهـ. ومنه أخذ «ابن هشام» يعني أنه من قبيل الاكتفاء لا من قبيل التغليب، وبقى هنا أمور: منها أنه قال في «الكشاف»: وقيل عشراً ذهابا إلى الليالي، ولا تراهم قط

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام، فيقول أحدهم: صمت عشرا، ولو ذكر خرج عن كلامهم. ومن البين فيه قوله تعالى: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا} و {إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا}. وحاصله أنه في باب العدد سواء في التاريخ وغيره يعتبر الليالي لأنه يسقط فيه التاء ويشبه تغليب المذكر، فإذا اعتبرا معا فإما أن يكون عد أحدهما لسبقه واكتفى به عن عد الآخر، فلا تغليب كما مر. وإما أن يغلب الليالي لما يبق من النكتة، ويكون من تغليب المؤنث على المذكر كما فصل في شرح «الكشاف». ومنها أنه لا يختص تغليب المؤنث بهاتين الصورتين وإن أوهمه كلامهم فقد غلب في مواضع أخر، منها قولهم: المروتان في «الصفا» و «المروة» كما صرح به في «المغني» وغيره. قال «ابن دريد»: (ثمت طاف وانثنى مستلما ... ثمت جاء المروتين وسعى) قال «ابن هشام اللخمي» في شرحه: المروتان هنا الصفا والمروة تغليباً كالعمرين والقمرين. فمن قال: الظاهر أن يقال بدل المروتين: الصفوان لم يصب لأنه سمع كذلك من العرب. وأما قول «أبي طالب»: أشواط بين المروتين إلى الصفا فليس مما نحن فيه، لأن المراد -كما في «الروض الأنف -بالمروتين المروة وحدها، وثنيت باعتبار أجزائها، كما قالوا في الرقمة: الرقمتان لقوله إلى الصفا. ومنها ما أضيف من الأبناء والبنات لغير الإناس من الحيوان وغيره فإنه يجمع مذكره ومؤنثه على بنات فيقال في ابن لبون وابن آوى وابن عرس بنات لبون وبنات آوى وبنات

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عرس، ولا يجمع على بنين إلا شذوذاً كبني نعش في بنات نعش وبني برج في بنات برج وهي الداهية كما في كتاب «المرصع»، وهذا أحد ما غلب فيه المؤنث على المذكر وفرقوا فيه بين المؤنث والمذكر فيما يؤلف كابن مخاض وبنت مخاض واقتصروا على المذكر في غيره كابن عرس لأنه أخف. ومنها: أماك للأم والأب وفي «القاموس» هما أماك أي أبواك أو أمك وخالتك. ومنها: باب العطف نحو تقوم هند وزيد كما في شرح «الكشاف» وأما ما في «المزهر» من أن النفس مؤنثة وتقول ثلاثة أنفس على لفظ الرجال ولا يقال ثلاث إلا إذا قصد النساء ففيه نظر، وإن عده فيه من تغليب المؤنث ومنها: الثيبان للرجل والمرأة بناء على أن الثيب لا يطلق على الرجل كما في «القاموس» وأنت إذا استقرأت مواقعه علمت أن ما ذكروه اغلبني. ألا تراهم يقولون في قوله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} النازل في حق الإمام أنه شامل للعبيد فإنه بطريق التغليب لا بدلالة النص أو إشارته كما لا يخفى، وقال بعض فضلاء السلف: هذا خلاف المعهود لأن المعهود أن يدخل النساء تحت حكم الرجال بالتبعية وكأنه بناء على أن أسباب السفاح فيهن ودعوتهن غالبة كما قد مر في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} وفي النص المحمدي من قوله (صلى الله عليه وسلم): «حبب إلى من دنياكم ثلاث ... الحديث» أنه غلب فيه التأنيث على التذكير لأنه قصد التهمم بالنساء دون الطيب، وإن كان في ذكر الثلاث كلام مشهور، وفيه بحث لأن هذا فيه مؤنث عاقل ومذكر غير عاقل وفي مثله هل يرجح العقل أو التذكير لتعارضهما؟ وهذا لم يصرحوا به ولم يحرره أهل المعاني، ولعل الأمر يفضي إلى أن أبسط المقال فيه إن شاء الله تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن اللطائف الأدبية هنا قول "الأصفهاني" في رباعياته: (هاتيك جبيبتي ازدهتني طيبا ... أوسعت بها "ابن هاني" تكذيبا) (لو أمعنت النحاة فيها - نظرا ... لم تدع للمذكر التغليبا) وقلت: (لحا الله [الزمان] فقد تعدى ... وأخطأ فعله خفضا ورفعا) (يغلب غير ذي عقل على من ... زكا عقلا إذا مات زاد جمعا)

[62]- أوهامهم في التاريخ

[62]- أوهامهم في التاريخ ويقولون لأول يوم من الشهر: مستهل الشهر فيغلطون فيه على ما ذكره "أبو علي الفارسي" في تذكرته، واحتج فيه [على ذلك] بأن الهلال إنما يرى بالليل، فلا يصلح أن يقال [مستهل] إلا في تلك الليلة، ولا أن يؤرخ بمستهل الشهر إلا ما يكتب فيها، ومنع أن يؤرخ ما يكتب فيها بليلة خلت لأن الليلة ما انقضت بعد، كما منع أن يؤرخ ما يكتب في صبيحتها بمستهل الشهر، لأن الاستهلال قد انقضى. ونص على أن يؤرخ بأول الشهر أو بغرته أو بليلة خلت منه. ومن أوهامهم في التاريخ أنهم يؤرخون لعشرين ليلة خلت ولخمس وعشرين خلون. والاختيار أن يقال من أول الشهر إلى منتصفه خلت وخلون، وفي النصف الثاني بقيت وبقين، على أن العرب تختار أن تجعل النون للقليل والتاء للكثير، فيقولون: لأربع خلون ولإحدى عشرة خلت، نعم ولهم اختيار آخر أيضًا وهو أن يجعل ضمير الجمع الكثير الهاء والألف، وضمير الجمع القليل الهاء والنون المشددة. كما نطق القرآن في قوله تعالى: » إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم «فجعل ضمير الأشهر الحرم الهاء والنون لقلتهن وضمير ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لأول يوم من الشهر: مستهل الشهر، فيغلطون فيه على ما ذكره "أبو علي الفارسي" في "تذكرته"، واحتج على ذلك بأن الهلال إنما يرى بالليل فلا يصح أن يقال مستهل إلا في تلك الليلة، ولا أن يؤرخ بمستهل إلا ما يكتب فيها، ومنه أن يؤرخ ما يكتب فيها بليلة خلت، لأن الليلة ما انقضت بعد، كما منع أن يكتب في صبيحتها بمستهل الشهر لأن الاستهلال قد انقضى، ونص على أن يؤرخ بأول الشهر أو بغرته أو بليلة خلت منه). قال أهل اللغة: القمر يسمى هلالاً لليلتين من الشهر وقيل لثلاث وقيل إلى السابعة

شهور السنة الهاء والألف لكثرتها. وكذلك اختاروا أيضًا أن ألحقوا بصفة الجمع الكثير الهاء فقالوا: أعطيته دراهم كثيرة وأقمت أيامًا معدودة. وألحقوا بصفة الجمع القليل الألف والتاء، فقالوا: أقمت أيامًا معدودات وكسوته أثوابًا رفيعات وأعطيته دراهم يسيرات. وعلى هذا جاء في التنزيل في سورة البقرة: » وقالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة «وفي سورة آل عمران: » إلا أيامًا معدودات «كأنهم قالوا أولا بطول المدة التي تمسهم فيها النار ثم تراجعوا عنه فقصروا تلك المدة. ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى ينتهي ضوؤه. وقد نقل هذه الأقوال "الأنصاري"، ووافقوه في بعضه فلا يختص [المستهل] بأوله، وفي بعض شروخ "التسهيل" أنه يقال غرة من يوم إلى ثلاثة فأما المفتتح فيختص بأوله ويصح عند بعضهم أن يقال: مستهل في أول يوم وثانيه وثالثه كما يقال: غرة، ومنعه بعضهم فقد علمت مما قصصناه عليك أنه مختلف فيه، وعلى فرض اختصاصه بما ذكر يصح إطلاقه على اليوم لمجاورته لليلة وكلامهم يقتضي صحته. وفي "تذكرة ابن هشام" من تأمل أقيسة كلام العرب علم أن الواضع لم يحجر في ما منعه "أبو علي" من أنه لا يقال مستهل في أول يوم من الشهر، وذلك لأن استهلال الهلال إنما يكون في الليلة، وتبعه "الحريري". وقد أجاز النحاة أن يقال في أول يوم من الشهر: مفتتح وهلال. قالوا: فإن [خفي] الهلال أول يوم منه قيل في الثاني: هلال. واختلفوا: هل يصح استعمال هلال في الثاني ولو أنه ظهر أول يوم؟ وهل يستعمل أيضًا في الثالث؟ فالمحققون منعوه، وظاهر كلامهم أن الغرة تستعمل أول يوم والثاني والثالث بلا خلاف، كما في "شرح الجمل لابن عصفور" وتحريره أنك تؤرخ تارة تفصيلاً وتارة إجمالاً.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ففي الإجمال يستعمل في الأول والثاني والثالث غرة وهلال عند بعضهم، والتفصيل أن يقال في الأول: مفتتح، وفي الثاني: ثاني، وهلم جرًا. وإن إطلاق المستهل على اليوم الأول جائز لأنه تابع لليلته وهي محل الاستهلال، وهو كذلك هلال. اهـ. ثم إن مهل ومستهل بفتح الهاء على صيغة المفعول، فالأول من قولهم: أهل الهلال بالبناء للمفعول، والثاني من قولهم: استهل الهلال بالبناء للمفعول أيضًا، والمراد حينئذ بقولك: كتبت لمهل شهر كذا أو مستهله لوقت هلال الشهر أو استهلاله. وقد أولع المتأخرون بكسر هائهما، حتى قال "ابن عبد الظاهر": (لا تسلني عن أول للعشق إني ... أنا فيه قديم هجر وهجرة) (أنا من أدمعي ووجهم أرخـ ... ـت غرامي بمستهل وغرة) وقال "الدماميني": يمكن أن يكون المستهل بكسر الهاء اسم فاعل من قولهم: استهل الهلال، بمعنى تبين كما في "صحاح الجوهري" والمستهل حينئذ الهلال، وفي الكلام مضاف مقدر أي لوقت المستهل. (ومن أوهامهم أنهم يؤرخون لعشرين ليلة خلت ولخمس وعشرين خلون، والاختيار أن يقال - من أول الشهر إلى منتصفه - خلت وخلون، وأن يستعمل في النصف الثاني: بقيت وبقين، على أن العرب تختار أن تجعل النون للقليل والتاء للكثير، فيقولون: لأربع خلون ولإحدى عشرة خلت). هذا هو الأفصح وليس وهمًا كما زعمه، وفي تعبيره بالاختيار ما ينافي مدعاه، وحاصل هذا الباب ما قاله "ابن مالك" في "كافيته":

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (وراع في التاريخ ذي الليالي ... لسبقها بليلة الهلال) (فقل: خلون وخلت وخلتا ... من بعد لام خافض ما أثبتا) (وفوق عشر فضلوا خلت على ... خلون واعكس في الذي قد سفلا) (وغرة الشهر ومستهله ... أوله وهكذا مهلة) (فواحد منها انصبن بعد كتب ... أو قل لأولى ليلة من تصب) (وفي انقضا الأكثر قالوا: بقيت ... ثم بقين كخلون وخلت) (وسلخه قبل انسلاخه إذا ... ما آخرا عنيت - وقيت الأذي) والتاريخ بالليالي لسبقها كما عرفت، فإنها كذلك عند الناس وفي حكم الشرع لا في عرفه. ومن ملح "صردر" الشاعر قوله في جارية سوداء: (علقتها سوداء مصقولة ... سواد عيني صفة فيها) (ما انكسف البدر على تمه ... ونوره إلا ليحكيها) (من أجل ذا الأزمان أوقاتها ... مؤرخات بلياليها) وقلت أنا في العذار: (ليلة ذا العارض لما بدت ... زاد على عشاقه تيها) (وأقبلت أيام حن له ... مؤرخات بلياليها) بدء التاريخ الهجري هذا التاريخ الذي تعارفه الناس اليوم من الهجرة حدث أيام "عمر بن الخطاب"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه، وكانت قريش تؤرخ بموت "هشام بن المغيرة" لفخامة قدره عندهم، ويؤرخون أيضًا بعام الفيل، ولم يكن ابتداء السنة "المحرم" وفي "شرح البخاري" أن أول السنة كان أول "الربيعين" وبسبب هذا التبست بعض الأمور على الناس. ولفظه قيل: إنه عربي مأخوذ من الأرخ وهو ولد البقرة الوحشية بفتح الهمزة وكسرها، كأنه شيء حدث، وقيل: هو الوقت، وقيل: إنه معرب. وفي "نهاية الإدراك" أنه في اللغة تعريف الوقت، وأما في الاصطلاح فقيل: إنه تعيين وقت لينسب إليه زمان يأتي عليه، وقيل: هو يوم معلوم ينسب إليه زمان يأتي عليه. وقيل: تعريف الوقت بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع كظهور ثلمة في الأمر أو دولة أو وقوع حادثة، ولكل وجه. ولفظة التاريخ معربة مأخوذة من "ماه روز". أصل التاريخ الهجري والأصل فيه أن "أبا موسى الأشعري" كتب إلى "عمر بن الخطاب" -رضي الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه: إنه تأتينا من أمير المؤمنين كتب لا ندري أيها نعمل بها، فقد قرأنا صكًا محله "شعبان" فلم ندر أي الشعبانين الماضي أم الآتي؟ وقيل: رفع إلى "عمر" صك محله "شعبان" فقال: أي "شعبان" هو؟ ثم قال: إن الأموال قد كثرت فينا وما قسمناه غير مؤقت، فكيف التوصل إلى ضبطه؟ فقال له ملك "الأهواز" - وكان أسر في فتح فارس وأسلم على يد "عمر": إن للعجم حسابًا يسمونه "ماه روز" يسندونه إلى من غلب من الأكاسرة، فعربوا لفظ "ماه روز" بمؤرخ، وجعلوا مصدر التاريخ وصرفوه، ثم شرحه له وبين كيفيته. فقال "عمر": ضعوا للناس تاريخًا يتعاملون عليه ويضبط أوقاتهم. فذكر له تاريخ اليهود فما ارتضاه، ثم تاريخ الفرس فما ارتضاه، فقال: نؤرخ من لدن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يختلف فيها، بخلاف مبعثه وولادته. وأما وقت وفاته - وإن تعين - يلا يحسن جعله أصلا. ووقت الهجرة وقت استقامة الإسلام وتوالي الفتوح وغلبة المسلمين، وكانوا يعينون قبل ذلك كل سنة باسم ما وقع فيها كسنة الإذن بالرحيل من مكة إلى المدينة وسنة الأمر بالقتال. اهـ. وفي "النبراس" كانوا [على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يؤرخون بسنة المقدم وبأول شهر] منها وهو "ربيع الأول" على الأصح. وقوله: (على أن العرب ... إلخ) في "شرح الهادي" إذا كان الجمع لغير ذي العلم جاز إلحاق العلامة وتركها، تقول: ذهبت الأيام وذهب الأيام، ويجوز في مضمره التاء والنون فتقول: الأيام ذهبت وذهبن، لكن الأولى النون مع جمع القلة كقولك: الأجذاع انكسرن، والتاء مع جمع الكثرة، كالجذوع انكسرت، لأن جمع القلة لا يميز إلا بالجمع، فجيء بالنون للدلالة على الجمع، وجمع الكثرة يجري مجرى العدد الكثير، وذلك لا يميز إلا بالمفرد، فجيء بالتاء التي تكون للمفرد، فاتضح ما ذكره المصنف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (وكذلك اختاروا أن ألحقوا بصفة الجمع الكثير الهاء فقالوا: أعطيته دراهم كثيرة وأقمت أيامًا معدودة، وألحقوا بصفة الجمع القليل الألف والتاء فقالوا: أقمت أيامًا معدودات وكسوته أثوابًا رفيعات). لأن جمع المؤنث السالم بدون الألف واللام للقلة عند الأكثر، فلهذا وصف به جمع القلة، ووصف جمع الكثرة بالمفرد فرقا بينهما، ولا يتوهم أن الإفراد لا يناسب الكثرة. وأما قول "المحشي" أن ما جمع بالألف والتاء قد يراد به الكثير كالمسلمين والمسلمات، وقد يراد به القليل كما في قول "أبي ذؤيب": خرت على ثفنات مخربلات ولذا يكون أيامًا معدودات للقليل والكثير. ليس بشاء، لأن هذا هو الأفصح. وتمثيله بالجمع المعرف أيضًا لا ينبغي. فإن قلت: أيام أفعال وهو جمع قلة فكيف مثل به للكثرة والقلة معا؟ قلت: إذا لم يكن للمفرد إلا جمع واحد استوت فيه القلة والكثرة، واستعمل لكل منهما كما صرحوا به. وقلت بديهة: (وإن لوم الناس في مثلهم ... يكثر ما قل وما يكره) (ونادر الجمع للفظ به ... فيه يساوي قلة كثرة) وقوله: رفيعات بمعنى رقيقات، والناس يقولون: ثوب رفيع بمعنى رقيق. كذا في "أدب الكاتب" وهو مجاز، ولذا أهملوه في كتب اللغة.

[63]- خرمش صوابها خربش

[63]- خرمش صوابها خربش ويقولون: خرمش الكتاب: بالميم أي أفسده، والصواب أن يقال خربش بالباء، وجاء في بعض الحديث "وكان كتاب فلان [مخربشا]

[64]- قولهم: ما رأيته من أمس ومنذ أمس

[64]- قولهم: ما رأيته من أمس ومنذ أمس ويقولون ما رأيته من أمس، والصواب أن يقال مذ أمس ومنذ أمس. لأن من تختص بالمكان ومذ ومنذ يختصان بالزمان، وأما قوله عز وجل: » إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة «فإن "من" ها هنا بمعنى "في" الدالة على الظرفية بدليل أن النداء للصلاة المشار إليها يوقع وسط يوم الجمعة، ولو كانت "من" ها هنا هي التي تختص بابتداء الغاية لكان مقتضى الكلام أن يوقع النداء في أول يوم الجمعة. وأما قوله: » لمسجد أسس على التقوى من أول يوم «فهو على إضمار ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ما رأيته من أمس، والصواب أن يقال: منذ أمس أو مذ أمس؛ لأن من يختص بالمكان ومذ ومنذ يختصان بالزمان). هذا هو المشهور من مذهب البصريين. وأهل الكوفة يخالفونهم فيه. ومن البصريين من ذهب إلى أن [من] يكون لابتداء الغاية في الزمان والمكان والأحداث والأشخاص. تقول: أخذت من زيد وسرت من البصرة ورأيته من غدوة قال تعالى: » ومن آناء [الليل] فسبح «» ومن الليل فتهجد به «. وقال "الحصين": (من الصبح حتى تغرب الشمس لا ترى ... من القوم إلا خارجيا مسمومًا)

مصدر حذف لدلالة الكلام عليه. وتقديره: من تأسيس أول يوم، وعلى هذا قول "زهير": (لمن الديار بقنة الحجر ... أقوين من حجج ومن دهر) أي من مر حجج ومن [مر] دهر. وقيل: إن من في هذا البيت زائدة على ما يراه "الاخفش" من زيادتها في الكلام الواجب فكأنه قال: "أقوين حججا ودهرًا". وأما قولهم: ما رأيته مذ خلق ومذ كان ففي الكلام حذف تقديره: مذ يوم خلق ومذ يوم كان. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر: (من غدوة حتى كأن الشمسا ... بالأفق الغربي تكسي الورسا) وقد أولوه بما هو خلاف الظاهر، وألحق أحق أن يتبع، فأما قوله تعالى: » لمسجد أسس على التقوي من أول يوم «فهو على أضمار مصدر حذف لدلالة الكلام عليه وتقديره من تأسيس أول يوم كذا، أوله البصريون. وقال "أبو البقاء": إنه ضعيف لأن التأسيس المقدر ليس بمكان حتى تكون من هنا لابتداء الغاية ويدل على جوازه قوله تعالى: » لله الأمر من قبل ومن بعد «ورده في "الدر المصون" بأنهم إنما فروا من كون من لابتداء الغاية في الزمان وليس في كلامهم ما يدل على أنها لا تكون لابتداء الغاية إلا في المكان حتى رد عليه ما ذكر. قلت: فعلى هذا ظهر تعبير المصنف بالتخصيص من القصور كما سيأتي، وقول "ابن عطية": الأحسن الاستغناء عن التقدير وأن من أول بمعنى من مبدأ الأيام لا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حاصل له، وقال "نجم الأئمة": لا أدري معنى الابتداء في قوله تعالى» من أول يوم «إذ المقصود من معنى الابتداء أن يكون الفعل المتعدي بمن الابتدائية شيئًا ممتدًا كالسير والمشي، ويكون المجرور هو الشيء الذي ابتدأ من ذلك الفعل، نحو سرت من البصرة، أو يكون الفعل المتعدي بها أصلا للشيء الممتد، نحو تبرأت من فلان إلى فلان، وكذا خرجت من الدار لأن الخروج ليس شيئًا ممتدًا؛ إذ يقال: خرجت من الدار إذا انفصلت عنها ولو بأقل من خطوة، وليس التأسيس حدثًا ممتدًا ولا أصلاً للمعنى الممتد، بل هو حدث واقع فيما بعده، وهذا معنى في. فمن في الآية بمعنى في وهو كثير، وفي "المبسوطات" هنا كلام طويل بغير طائل، وتحقيقه أنه لما أرادوا بما ذكروه هنا أن من الابتدائية لا تدخل إلا على المكان، ومذ ومنذ لا تدخل إلا على الزمان كما فهمه "أبو البقاء" وهو ظاهر كلام المصنف وبعض النحاة. فما ذكروه من التأويلات لا يلاقيه. وإن أرادوا أن من لا تدخل على الزمان وإن دخلت على غيره من الأحداث والأشخاص، ومذ ومنذ لا تدخل على المكان كذلك فلا سؤال يحتاج للجواب. والظاهر أن هذا هو المراد كما في "الدر المصون". وما ذكره "الرضي" من أن الابتداء يقتضي أمرًا ممتدًا أو مبدأ له كلام حسن، لكن ما بناه عليه من أن التأسيس ليس كذلك لا وجه له، فإن التأسيس وهو وضع الأساس ممتد ومبدأ الأمر ممتد يقع في المؤسس كالعبارة هنا. وقوله: ما رأيته مذ خلق ومذ كان ظاهره أن مذ هنا حرفية جارة، وليس كذلك لأنها حينئذ تكون مضافة إلى الجمل كما في "المغني" وغيره. وعلى هذا قول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "زهير" [في قصيدة له يمدح بها "هرم بن سنان" وهي]: (لمن الدياء بقنة الحجر ... أفوين مذ حجج ومذ شهر) (لعب الزمان بها وغيرها ... بعدي سوافي المور والقطر) (فقر بمندفع النجائب من ... ضفوى أولات الضال والسدر) (دع ذا وعد القول في هرم ... خير البداة وسيد الحضر) (تالله قد علمت سراة بني ... ذبيان عام الجيش والأسر) (أثني عليك بما علمت وما ... أسلفت في النجدات والذكر) (لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنور ليلة القدر) وهي طويلة. والقنة بضم القاف وتشديد النون أعلى الجبل، والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم يليها راء مهملة ويجوز فتح أوله. قال "ابن السيد": إنه المروي هنا، وأقوين صرن قواء أي خالية غير معمورة، والحجج بكسر الحاء جمع حجة وهي السنة، وقوله: لمن بكسر اللام الجارة لمن الاستفهامية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الاستفهام مشهور في أشعار الجاهلية، وهو تعجب من شدة خرابها حتى كأنها لا تعرف ولا يعرف أصحابها وسكانها. والعجب أن هذا مع ظهوره خفي على بعض المصنفين فظنها من الجارة، وقال إن في الأبيات شاهدًا لدخول من الجارة على المكان وهو غريب في خلله.

[65]- الفرق بين "تتابعت" وتتابعت

[65]- الفرق بين "تتابعت" وتتابعت ويقولون: تتابعت النوائب على فلان، ووجه الكلام أن يقال: تتابعت بالياء المعجمة باثنتين من تحت، لأن التتابع يكون في الصلاح والخير، والتتابع يختص بالمنكر والشر كما جاء في الخبر (ما يحملكم على أن تتايعوا في الكذب كما تتابع الفراش في النار)، وكما روي أنه لما كثر شرب الخمر في عهد "عمر" رضي الله عنه جمع الصحابة رحمة الله عليهم وقال: إني أرى الناس قد تتابعوا في شرب الخمر واستهانوا بحدها، فماذا ترون؟ فقال له "علي" رضي الله عنه: أرى أن أحده ثمانين، لأني أراه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فأحده حد المفتري فاستصوب "عمر" رأيه وأخذ به. فوائد نفسية وقد جاءت في لغة العرب ألفاظ خصت بالاستعمال في الشر دون الخير. كلفظة "تهافت" التي لا تستعمل إلا في المكروه والحزن وكلفظة "أشفى" التي لا تقال إلا لمن أشرف على الهلكة، و"كالأرق" الذي لا يكون إلا في المكروه، لأن السهر يكون في المكروه والمحبوب، وكقولهم في مدح الميت "التأبين"، ولكلما يثور ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقال: تتابعت النوائب على فلان، ووجه الكلام أن يقال: تتابعت بالياء المعجمة باثنتين من تحت، لأن التتابع يكون في الصلاح والخير والتتابع يختص بالمنكر والشر). إن أراد اختصاص التتابع - بالموحدة - بالخير فغير صحيح. ألا ترى قوله تعالى» فأتبعنا بعضهم بعضا «. وقال "ابن بري": كل عام لا مانع من استعمال في بعض أفراده بقرينة كما في هذه الآية، وقد فسره أهل اللغة بالتوالي مطلقًا، والتتابع بالياء التحتية: التهافت في الشر والنكر، واستعمله "الزمخشري" في سورة "هود" في الطاعة، وقال في

للضرر "هاج" ولأخبار السوء: "صاروا أحاديث" وللمذموم ممن يخلف "خلف" وللمتساويين في الشر " سواس وسواسية" كما جاء في المثل: سواسية كأسنان الحمار". وكما قال الشاعر: (سود سواسية كأن أنوفهم ... بعر ينظمه الصبي بملعب) (لا يخطبون إلى الكرام بناتهم ... وتشيب أيمهم ولما تخطب) وقد اختلف في سواسية، فقيل: هو جمع سواء، وقيل: بل وضعت موضع سواء. ومما ينتظم في هذا السلك استعمالهم لفظه أزننته بمعنى اتهمته في المقابح دون المحاسن. "الفائق": إنه من تاع إذا عجل، ولا يبعد أن يكون من تاع بمعنى إذا سال، كأن المتتابع يسرع إسراع السيول، وخص بالشر لأن التؤدة والرفق صفة كمال، ولهذا ذم بالعجلة وقيل: العجلة من الشيطان، وفي "الأساس": تتابع في الأمر رمى نفسه فيه بغير تثبت وتتابع في الشر تهافت، وفي "التهذيب" قال "أبو عبيد" التتابع التهافت في الشر والمتابعة عليه، ولم يسمع التتابع في الخير، وإنما سمعناه في الشر كما في "فقه اللغة" للصاحبي،

واستعمالهم الهنات، والهنوات في الكنايات عن المنكرات كقول الشاعر: (فنعم الحي كلب غير أنا ... وجدنا في جوارهم هنات) وكقول الآخر: (يزيد هنات من هنين فتلتوي ... علينا وتأتي من هنين هنات) قال الشيخ الإمام: وأنشدني والدي رحمه الله قال: أنشدني" أبو الحسين بن زنجي" اللغوي قال: أنشدني "أبو عبد الله النمري" لنفسه يرثي "أبا عبد الله الأزدي" وكانت بينهما ملاحاة في عهد الحياة: (مضى الأزدي والنمري يمضي ... وبعض الشكل مقرون ببعض) (أخي والمجتني ثمرات ودي ... وإن لم يجزني قرضي وفرضي) (وكانت بيننا أبدًا هنات ... توفر عرضه فيها وعرضي) (وما هانت رجال الأزد عندي ... وإن لم تدن أرضهم من أرضي) ـــــــــــــــــــــــــــــ والنوائب لا تختص بالشر وإن كثر استعمالها فيه. وفي حديث "مسلم" "تعين على نوائب الحق قال النووي: النائبة الحادثة وتكون في الخير والشر قال "لبيد": (نوائب من خير وشر كلاهما ... فلا الخير ممدود ولا الشر لازب) ثم إن المصنف ذكر ألفاظًا اختصت بالشر في الاستعجال كلفظة: تهافت. ليس هذا

[وحكي أن "أبا الحسن بن وهب" كتب إلى أخ له يداعبه: (ظبيك هذا حسن وجهه ... وما سوى ذاك جميعًا يعاب) (فافهم كلامي يا أبا عامر ... ما يشبه العنوان ما في الكتاب) فأجابه: (وراء ما راقك من حسنه ... منافع مخبرها مستطاب) (من طيب مسموع إذا ما شدا ... يجلو به العيش ويصفو الشراب) (وعشرة محمودة حفها ... مساعدات وهنات عذاب) قال الشيخ السعيد رحمه الله: وليس وصفه الهنات بالعذوبة يخرجها عن وصفها بالذم كما أوهم بعضهم، بل كما تسمى الخمر اللذة مع كونها إحدى الكبائر وأم الخبائث]. ومما لا يستعمل إلا في الشر قولهم: ندد به وسمع به، وقولهم: قبض له كذا وكذا، ومثله» وباؤوا بغضب من الله «أي رجعوا، وذكر أهل التفسير أنه لم يأت في القرآن [قط] لفظة الإمطار ولا لفظة الريح إلا في الشر وكما لم يأت لفظ ـــــــــــــــــــــــــــــ بلازم كما ادعاه قال في "النهاية": التهافت من الهفت وهو السقوط وأكثر ما يستعمل في الشر. اهـ. (ولكل ما يثور به الضرر هاج) هذا أكثري أيضًا. يقال: هاج البحر والفحل والشوق إذا تحرك تحركًا شديدًا، ولم يخصه "الجوهري" وغيره بالشر. (وللمذموم ممن يخلف خلف بسكون اللام" هذا قول لبعضهم. وفيه أقوال أخر، قال "البغوي": قال "أبو حاتم": الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع فيه سواء لأنه

الرياح إلا في الخير. قال سبحانه وتعالى في الإمطار: » وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل «وقال عز اسمه في الريح: » وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم «وقال في الرياح» ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات «وهذا هو معنى دعائه عليه السلام عند عصوف الريح: "اللهم اجعلنا رياحًا ولا تجعلها ريحًا" وأخبرني "أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن أحمد بن المعدل" قراءة عليه قال حدثنا القاضي الشريف "أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي" قال حدثنا "أبو العباس محمد بن أحمد الأثرم" قال حدثنا "أحمد بن يحيي وهو "السوسي" قال: حدثنا "علي بن عاصم" قال: أخبرني "أبو علي الرجي" قال: حدثنا "عكرمة" ـــــــــــــــــــــــــــــ مصدر في الأصل نعت به فيعم، وقيل: إنه جمع لغوي أسم جمع فلا يطلق على الواحد، فلا يرد عليه أنه ليس من أبنية الجمع كما توهم. والخلف بفتح اللام البدل، ولذا كان أولاً وقال "ابن الأعرابي" الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح، وقال "ابن شميل": الخلف بفتح اللام وسكونها يذكر في القرن السوء، وأما في القرن الصالح فبتحريك اللام لا غير.

عن "ابن عباس" رحمه الله قال: هاجت ريح أشفق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبلها، وجثا على ركبتيه ومد يديه إلى السماء ثم قال: » اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ... «وذكر "ابن عمر" رضي الله عنه أن الرياح المذكورة في القرآن ثمان، أربع رحمة وأربع عذاب، فأما التي للرحمة فالمبشرات والمرسلات والذاريات والناشرات، وأما التي للعذاب فالصرصر والعقيم وهما في البر، والعاصف والقاصفات وهما في البحر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال "محمد بن جرير": أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام وبالذم بسكونها، وقد يحرك في الذم ويسكن في المدح. اهـ. والحاصل أنه بالفتح والسكون. فهل هما بمعنى واحد شامل للصالح والطالح؟ أو بينهما فرق فيختص الأول بالصالح والثاني بالطالح دائمًا أو أكثريًا؟ أو الخلف بالفتح الصالح والطالح وبالسكون الطالح لا غير؟ أقوال، واشتقاقه هل هو من الخلافة أو من الخلوف وهو الفساد والتغير؟ قولان أيضًا، وعليه مبنى الخلاف. وخلف الله عليك، أي كان خليفة أبيك عليك أو من فقدته ممن لا يتعوض كالعم، وأخلف عليك رد عيلك مثل ما ذهب عنك، هكذا فرق بينهما بعض اللغويين على خلاف فيه. [وللمتساويين في الشر سواس وسواسية كما جاء في المثل [سواسية كأسنان الحمار، وكما قال الشاعر] (شبابهم وشيبهم سواء ... سواسية كأسنان الحمار) سواس وسواسية بمعنى متساوين وهو مأخوذ من التساوي والاستواء، ويقال: قوم سواء، ولا يثنى ولا يجمع، لأنه في الأصل مصدر، ووزن سواسية عند "الأخفش" فعافلة جمع لسواء على غير قياس، ووزن سوا فعا، ووزن سية فعة أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فله رفعة لأن أكثر ما يلغون موضع اللام. وأصل سية سوية فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها صارت الواو ياء، ثم حذفت إحدى اليائين تخفيفًا فصار سية، وكونه جمعًا هو المشهور وقيل: إنه اسم مفرد مثل كراهية، وضع موضع سواء وورد في المثل: "سواسية كأسنان الحمار". وقال "الخنساء": (اليوم نحن ومن سوا ... نا مثل أسنان القوارح) واختصاصه بالتساوي في الشر والذم ليس بمسلم. وكذا ادعاء أكثريته لتوقفه على الاستقراء، وفيه ما فيه، وقد ورد في الحديث ما يخالفه كقوله صلى الله عليه وسلم: "سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي ولا عجمي وإنما الفضل بالتقوي". ولم يخصه الجوهري بالشر. (ومما ينتظم في هذا السلك استعمالهم لفظ أزننته بمعنى اتهمته في المفاضح) لا يخفي أنه لما كان بمعنى التهمة لم يتصور استعماله في الخير بناء على تفسيره بما ذكر، لكنه ليس كذلك قال "السرقسطي" في أفعاله زننت الرجل زنا وأزننته ظننت به خيرًا أو شرًا أو نسبتهما إليه. اهـ، وفي "الكامل" للمبرد في قول الشاعر: (إن كنت أزننتني بها كذبًا ... جزء، فلاقيت مثلها عجلاً) يقال: فلان يزن بكذا أي يسمى به وينسب إليه. اهـ. وفي "القاموس" زن فلانًا بخير أو شر ظنه به كأزنه وأزننته بكذا اتهمته. اهـ. فإذا كان بمعنى الظن أو النسية لم يختص بالشر ومن هنا ظهر وجه الاختلاف فيه. [وأستعمالهم الهنات والهنوات في الكناية عن المنكرات). قال "ابن بري": في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقال لسلمة بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأكوع: "ألا تنزل فتقول من هناتك" فهي يكنى بها عما يعسر التصريح به ولا يمكن تعيينه من معروف أو منكر. والتفرقة بين الهنات والهنوات تحكم محض لأن الهنات جمع هنة وهي منقوصة وأصلها هنوة. والهنوات جمع على أصله. اهـ. والحق أن الهنات لا تختص بما ذكره فإنها قد يكنى بها عن معين وفي "النهاية": ستكون هنات أي شر وفساد .. ويقال: في فلان هنات أي خصال شر، ولا يقال في الخير، وواحدها هنة وقد يجمع على هنوات، وقيل: واحدها هنة تأنيث هن، وهو كناية عن كل اسم جنس وفي حديث "عمر": "وفي البيت هنات من قوظ"، أي قطع متفرقة وفي حديث "ابن الأكوع": ألا تسمعنا من هناتك أي من كلماتك أو من أراجيزك. وفي رواية من هنياتك وفي أخرى من هنيهاتك على قلب الياء هاء. (وذكر بعض أهل التفسير أنه لم يأت في القرآن لفظ الإمطار) بكسر الهمزة مصدر أمطر (ولا لفظ الريح إلا في الشر، كما لم يأت لفظ الرياح إلا في الخير). أمطر في الخير جاء في الكتاب المجيد كقوله» هذا عارض ممطرنا «لأنهم لم يريدوا به إلا الرحمة. وفي "الكشاف" الفرق بين مطر وأمطر أنه يقال: مطرتهم السماء إذا أصابتهم بمطر كفايتهم، وأمطرت عليهم أرسلته إرسال المطر، قال تعالى: » وأمطرنا عليهم حجارة «.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمقصود كما في "الانتصاف" الرد على من قال: مطر في الخير وأمطر في الشر، وتوهم أنه تفرقة وضعية لورود ما يخالفه كقول "رؤبة": (أمسى "بلال" كالربيع المدجن ... أمطر في أكتاف غيم معين) فبين أن معنى أمطرت أرسلت شيئًا على نحو المطر وإن لم يكن إياه، حتى لو أرسل الله من السماء أنواعًا من الخيرات والأرزاق كالمن جاز أن يقال فيه أمطرت السماء خيرات أي أرسلتها إرسال المطر، فليس للشر خصوصية بالمزيد، لكن اتفق أن السماء لم ترسل شيئًا سوى المطر إلا وكان عذابًا فظن أن الواقع اتفاقًا مقصود في الوضع. فنبه العلامة على تحقيقه وأحسن وأجمل. اهـ. فما نقل عن "أبي عبيدة" وأهل اللغة من الفرق مؤول بما ذكر وهو الذي غر المصنف فلا وجه لرده بقوله: "عارض ممطرنا" لأنهم عنوا به الرحمة ولا إلى انتقاده بأن الكلام في الفعل، فإنه كله من ضيق العطن وقلة الفطن. وأما كلامه في الريح والرياح فهو مما ذهب أدراج الرياح، وفي "الإتقان" عن "أبي بن كعب": كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة، وكل شيء من الريح فهو عذاب. وورد في الحديث أنه كان يدعو عند عصوف الريح بقوله: » اللهم اجعلنا رياحًا ولا تجعلها ريحًا «. ووجه بأن رياح الرحمة مختلفة الصفات والماهيات، فإذا هاجت ريح منها أثير في مقابلتها ما يعدلها ويكسر سورتها فتلطف وتنفع الحيوانات وتنمي النباتات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما في العذاب فتأتي من وجه بلا معارض ومدافع. وقد خرج عن هذا قوله تعالى في سورة "يونس": » وجرين بهم بريح طيبة «لوجهين: - لأنه وقع في مقابلة قوله جاءتها ريح عاصف فأفرد للمشاركة. - ولأن الرحمة تقتضي هنا وحدة الريح، فإن السفينة إنما تسير بريح واحدة، ولو اختلفت الرياح عليه هلكت، ولهذا أكده بوصف الطيبة، ومثله قوله تعالى: » إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره «. ففي سكونها الضرر كاختلافها وأورد عليه قوله تعالى: » ولسليمان الريح «وهي كما ورد في الحديث: الصبا وهي ريح الأنبياء. إذا لم تكن عقوبة بل رحمة، وجاء في الحديث: "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور". وجوابه ظاهر فإن تسخير الرياح "لسليمان" ليحمل كرسيه لمقصده، فهي كريح السفن يضر اختلافها، فالاعتراض ناشئ من عدم التدبر، وأما إيراد قوله: » إنا أرسلنا عليهم حاصباً «. فوهم لأن الكلام في لفظ الريح لا في معناه.

[66]- القسم بقولهم: وحق الملح

[66]- القسم بقولهم: وحق الملح ويقولون في ضمن أقسامهم: وحق الملح. إشارة إلى ما يؤتدم به فيحرفون المكنى عنه لأن الإشارة إلى الملح فيما تقسم به العرب هو الرضاع لا غير، والدليل عليه قول وفد "هوازن" للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنا ملحنا للحارث أو للنعمان لحفظ ذلك فينا" أي لو أرضعنا له، وعليه قول "أبي الطمحان" في قوم أضافهم فلما أجنهم الليل اشتاقوا نعمة: (وأني لأرجو ملحها في بطونكم ... وما بسطت من جلد أشعث أغبر) والقطعة مجرورة وأولها: (ألا حنت المرقال واشتقاق ربها ... تذكر أزمانا واذكر معشري) يريد إني لأرجو أن تؤاخذوا بغدركم في مقابلة ما شربتهم من لبنها الذي أسمنكم وحسن بدنكم. وأما قولهم ملحه على ركبته، فقيل: المراد به أنه من يضيع حق الرضاع كما يضيع الملح ممن يضعه على ركبته. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في ضمن أقسامهم: وحق الملح، إشارة إلى ما يؤتدم به فيحرفون المكني عنه، لأن الإشارة إلى الملح فيما يقسم به العرب هو الرضاع لا غير). الملح [مشترك] بين المعروف والرضاع، والوارد في كلام العرب بالمعنى الثاني، وأما قصد العامة الأول كناية عن حقوق العشرة والمودة، وقسمهم بذلك لتنظيمه، فلا ضير فيه، كما في بعض النتف فيمن يخون.

وقيل: المعنى به السييء الخلق الذي تطيشه أقل كلمة كما أن الملح الموضوع فوق الركبة يتبدد بأدنى حركة. وأما قول "مسكين الدارمي": (لا تلمها إنها من معشر ... ملحها موضوعة فوق الركب) ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت في الإخوان: (لا يعرف الخبز ولا الملح إذا ... يأكل في غيبته لحم أخيه) (وإني لأرجو ملحها في بطونكم ... وما بسطت من جلد أشعث أغبرا) هو من قصيدة "لأبي الطمحان" أولها: (ألا حنت المرقال واشتاق ربها ... يذكر أزمانًا وأذكر معشرًا) (والدليل على ذلك قول وقد "هوازن" للنبي صلى الله عليه وسلم: لو كنا ملحنا "للحارث" أو "للنعمان لحفظ ذلك فينا. أي لو أرضعنا له). أي الدليل على أن ملح بمعنى أرضع، وهو ظاهر، وسبب هذت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سبى "هوازن" في غزوة "حنين" على ما هو معروف في السير فذكروه حرمة رضاعة فيهم من لبن "حليمة فإنها كانت من "هوازن".

فقيل: عنى بها أنها من قوم هم في الغدر وسوء العهد كمن ملحه فوق ركبته، وقيل: أشار به إلى أنها سوداء زنجية كقولهم: ملح الزنجي على ركبته. والملح مؤنثة في أكثر الكلام فلهذا قال ملحها موضوعة وقد نطق في بعض اللغات بتذكيرها. ـــــــــــــــــــــــــــــ قصة هوازن: حكى "ابن إسحاق" أن "هوازن" لما سببت وغنمت أموالهم "بحنين" قدمت وفودهم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين وهو "بالجعرانة" فقالوا: يا رسول الله، إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامنن علينا من الله عليك، ثم قال منهم "أبو صبرة زهير بن صرد". فقال: يا رسول الله إن في الخظائر عماتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ولو أنا ملحنا "للحارث بن شمر" أو "النعمان بن المنذر" ثم نزلا بمثل المنزل الذي نزل رجونا عطفه وعائدته، أونت خير الكفيلين. ثم أنشد شعرًا قاله وهو: (امنن علينا رسوله الله من مكرن ... فإنك المرؤ نرجوهوندخر) إلخ ... [فأطلق - عليه السلام - جميع أسراهم، كما فصل في السير .. و"الحارث" و] "النعمان" ملكان من ملوك العرب، يعني إذا صدر هذا منهما فأنت أحق وأعظم وأكرم. (ملحه على ركبته) هو مثل في شرعة الغضب، كما في شرح "الفصيح" ويروى: فوق ركبته. ويضرب للغادر، وما ذكره "المصنف"معنى آخر، ووقال"الميداني":

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصل فيه أن العرب تسمي الشحم ملحًا، فتقول: أملحت القدر إذا جعلت في هـ الشحم، وعليه قول "ملكين الدارمي": (لا تلمها إنها من نسوة ... ملحها موضوعة فوق الركب) يعني من نسوة همها السمن والشحم، فمعنى المثل: شر الناس من لا يكون عنده من العقل ما يأمره بما فيه محمدة، وإنما يأمره بما فيه طيش وخفة وميل إلى أخلاق - النساء وهو حب السمن. والملح يذكر ويؤنث. قال "الزمخشري": معناه أنه كثير الخصومة. ومصاكتة الركب قرح ركبتيه فهو يضع الملح عليهما ليداويهما به، ويؤيده شعر "مسكين" فإنه في امرأته كثيرة الصخب والخصام وهو: (أصبحت عاذلتي مقلقة ... قرمت، بل هي وخمى للصخب) (لا تلمها إنها من نسوة ... ملحها موضوعة فوق الركب) (كشموس الخيل يبدو شرها ... كلما قيل لها: هاب وهب) قال "الشريف الرضي": في "الدرر والغرر": يقول: إنها تكثر لومي فكأنها قرمة إلى اللوم، والقرم: الميل إلى اللحم، وهي وحمى تشتهي الصخب، والوحم شهوة الطعام عند الحمل، وشحم الذرى: الأسنمة. و"مسكين الدارمي" اسمه "ربيعة" ولقب "مسكينا" لقوله: (وسميت مسكينًا وكانت لحاجة ... وإني لمسكين إلى الله راغب)

[67]- ها هو ذا لا هوذا

[67]- ها هو ذا لا هوذا ويقولون: هوذا يفعل وهوذا يصنع. وهو خطأ فأحش ولحن شنيع والصواب فيه أن يقال: ها هوذا يفعل، وكأن أصل القول هو هذا يفعل، فنزع حرف التنبيه الذي هو ها من اسم الإشارة الذي هوذا، وصدر في الكلام وأقحم بينهما الضمير، ويسمى هذا التقريب، إلا أنه إذا قيل: ها هوذا كتب حرف التنبيه بإثبات الألف لئلا يبقى على حرف واحد. والعرب تكثر الإشارة والتنبيه فيما يقصد به التفخيم، وفيما رواه النحويون أن غلامًا مر "بصفية بنت عبد المطلب"، فقال لها أين "الزبير"؟ قالت: وما ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: هوذا يفعل، وهوذا يصنع، وهو خطأ فاحش ولحن شنيع، والصواب أن يقال فيه: ها هوذا يفعل، وكان أصل القول هو هذا). هو مما تبع فيه "ابن الأنباري" في كتابه "الزاهر" وهو سفساف القول وضرب من الهذيان والفضول؛ فإن هو مبتدأ وذا مبتدأ ثان خبره الجملة بعده، ويصح أن يكون ذا اسمًا موصولاً وإعرابه ظاهر وصحته كذلك، ونحوه قول "العجاج": (فهوذا فقد رجا الناس الغير ... من أمرهم على يديك والثؤر) وفي الحديث الشريف "هوذاكم" وفي شرح "التسهيل": إذا اجتمع اسم الإشارة وغيره يجعل اسم الإشارة مبتدأ وغيره خبرًا، فيقال: هذا القائم وهذا زيد؛ لأن العرب اعتنت بمكان التنبيه والإشارة فقدمته، ولا يجوز أن يجعل خبرًا إلا مع المضمر؛ فإن الأفصح فيه أن يقدم فيقال: ها أناذا، ويجوز أيضًا: هذا أنا. وفي كتاب "الزاهر": إنما يجعلون

تريد منه؟ قال: أريد أن أباظشه، فقالت له: ها هو ذاك، فصار إليه فباطشه فغلبه "الزبير"، فرجع الغلام مفلولاً، فلما مر "بصفية" قالت له: (كيف رأيت "زبيرًا"؟ أأقطًا ... أو تمرًا أم قرشيًا صقرًا؟ ) أرادت أوجدته طعامًا تأكله أم صقرًا يأكلك؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ المكنى بين ها وذا إذا قربوا الخبر فيقولون: ها أنا ذا ألقى فلانًا، أي قد قرب لقائي إياه، وقد سماه الكوفيون تقريبًا. وفي أصول "ابن السراج" لا يجوز هذا هو وهذا أنت وهذا أنا، لأنك لا تشير لإنسان غيرك ولا إلى نفسك إلا إذا قصد التمثيل، أي هذا يقوم مقامك ويغني غناءك، فعلى هذا يجوز هذا أنت وهذا أنا، أي هذا مثلك وهذا مثلي، فإن هذا هو بمنزلة قولك: هذا عبد الله وما أشبهه؛ لأنك قد تكون في حديث إنسان فيسألك المخاطب عن صاحب القصة من هو؟ فتقول: هذا هو، وقال قوم: إن كلام العرب أن يجعلوا هذه الأسماء المكنية بين ها وذا، وينصبون أخبارهم فيقولون: ها هوذا] قائمًا وها أناذا جالسا. (وهذا يسمى التقريب) وهذا هو منشأ ما قال "ابن الأنباري"، والمصنف لم يقف على المراد منه فليحرر، فإن ما قاله ليس بشيء ينبغي أن يذكر.

68 - تاعس لا متعوس

68 - تاعس لا متعوس ويقولون: رجل متعوس. ووجه الكلام أن يقال: تاعس، وقد تعس كما يقال: عاثر وقد عثر، والتعس الدعاء على العاثر بأن لا ينتعش من صرعته، وعليه فسر قوله تعالى: » فتعسًا لهم «، والعرب تقول في الدعاء على العاثر: [تعسًا له]، وفي الدعاء له: لعًا. كما قال "الأغشى": (بذات لوث عفرناة إذا عثرت ... فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا) يعنى أنها تستحق أن يدعى عليها لا لها. واختار "الفراء" أن يقال للغائب: تعس بكسر العين وللمخاطب تعست بفتح العين، فأما في التعدية فيقال: أتعسه الله وعليه قول مجمع بن هلال: (تقول وقد أفردتها عن خليلها ... تعست كما أتعستني يا مجمع) من نوادر الأعراب وعلى ذكر التعس فإني رويت في أخبار "أبي أحمد العسكري" عن "أبي علي ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: رجل متعوس، ووجه الكلام أن يقال: تاعس وقد تعس، كما يقال: عاثر وقد عثر). هذا مبني على غير أساس، فإنه إنما يمتنع إذا كان تعس لازمًا لم يتعد، فلم يبن منه اسم المفعول، وقد قال "الأزهري": في "تهذيبه" عن "أبي عبيدة": تعسه الله وأتعسه، من باب فعلت وأفعلت بمعنى واحد. وقال "شمر" - فيما أخبرني عنه "أبو بكر الإيادي"-: لا أعرف تعسه الله ولكن يقال: تعس نفسه وأتعسه الله، وقال "الفراء":

الأعرابي" قال حدثني بعض الأدباء قال: وقف علينا أعرابي في طريق الحج، وقد عن لنا سرب ظباء، فقال بكم تشترون واحدة منهن؟ فقلنا بأربعة دراهم، قال فتركنا وسعى نحوهن فما كذب أن جاء وعلى عاتقه ظبية وهو يقول: [وهي على البعد تلوي خدها] (تعيش شدي وأقيس شذها ... كيف ترى عدو غلام ردها) فقلت: (أراه قد أتعبها وكدها ... وأتعس الله لديه جدها) فأنت أشد الناس عدوًا بعدها قال: فتركها وانصرف، فقلت له: خذ حقك. فقال: سبحان الله أتمدحني وآخذ منك؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: تعست إذا خاطبت الرجل فإذا صرت إلى أن تقول: فعل، قلت: تعس بكسر العين. قال "شمر": هكذا سمعته، والتعس: الهلاك، وقال "الزجاج": التعس في اللغة الانحطاط والعثور. إذا أصخت لما ذكرناه علمت أن ما قاله المصنف ناشيء عن قلة الاطلاع وقصور الباع. (والعرب تقول في الدعاء على العاثر: تعسًا له، وفي الدعاء له: لعًا). قد عرفت معنى تعسًا وهو ظاهر في الدعاء عليه، وأما لعًا فقال "ابن سيده": لعًا كلمة يدعى بها للعاثر معناها الارتفاع، وهي اسم فعل [مبني] وتنوينه للتنكير كصه، فيقال للذي عثر ووقع: لعًا، بمعنى رفعك الله وجبرك، وقال "أبو عثمان القزاز": يقال: لعًا لك أي نعشك الله ورفعك، فهي اسم فعل لنعش كهيهات لبعد، ولا لعًا نفي للدعاء فيكون دعاء عليه، ويكتب بالألف لأن لامه منقلبة عن واو كما قاله "الخليل"، وفي أمثال "أبي عبيد" من دعائهم: لا لعًا لفلان، أي لا أقامه الله فجعلها اسمًا لأقامه الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو قريب مما قدمناه، وقد قيل عليه: إنه لم يقله أحد قبله، وإنما قالوا: إنها كلمة تقال للعاثر بمعنى اسلم، وكذلك دعدع، وقد روي في حديث مرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم كره قول العرب للعاثر: دعدع، وقال: لتقل له: اللهم ارفع وانفع. اهـ فلعًا ضد تعسًا. (واللوث) في البيت القوة. و (العفرناة) بعين مهملة وفاء ونون: الناقة القوية. (واختار "الفراء" أن يقال: تعس بكسر العين) في الماضي المسند لضمير الغائب، (وتعست بفتح العين) في الماضي المسند لضمير المخاطب، وقد نقلناه لك عن "التهذيب" ومر تفسيره وبيان معناه، وعلى تعس بكسر العين اقتصر في "عمدة الحفاظ" وفسره بالسقوط والعثار كما مر، وأورد قول "الفراء" المذكور واستغربه بأنه لا يختلف بناء الفعل لاختلاف الفاعل المسند إليه إلا في عسى فقط، لأنها يجوز كسر سينها إذا أسندت للمتكلم أو المخاطب أو نون الإناث. وبه قرأ "نافع". فإن لم تسند إلى هذه الضمائر فتحت سينها نحو» فعسى الله أن يأتي بالفتح «. وأما (عثر) فبالفتح لا غير، واستغرابه في محله إلا أنه يوجه بأنه جاء من بابين كما في كثير من الأفعال، إلا أنه اقتصر على استعمال كل منها في محل، ولا بعد فيه. (فما كذب أن جاء) كذب بالتخفيف أي ما لبث وأبطأ، وكأنه مجاز من الكذب المعروف، ويقال: حمل فلان فما كذب، أي صدق الحملة، وصدق هنا مشدد.

[69]- شعر ولا شعر

[69]- شعر ولا شعر ويقولون: ما شعرت بالخير بضم العين، فيحيلون المعنى فيه، لأن معنى ما شعرت بضم العين: ما صرت شاعرًا، فأما الفعل الذي بمعنى علمت فهو شعرت بفتح العين، ومنه قولهم: ليت شعري أي ليت علمي. وعند "الفراء" أن لفظة شعري مصدر مثل علمي، وفي الكلام محذوف ترك إظهاره لكثرة أستعمال هذه اللفظة، وتقدير الكلام: ليت علمي، بلغة خبر فلان. وقال "ثعلب": بل المصدر من شعرت هو شعرة مثل فطنة فحذفت الهاء منه للإضافة، كما حذفت في قولهم للزوج الأول: هو أبو عذرها والأصل أبو عذرتها، ومثله قوله تعالى: » لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة «لأن الأصل إقامة فحذفت منه الهاء [للإضافة]. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ما شعرت بالخير بضم العين، فيحيلون فيه لأن معنى ما شعرت ما صرت شاعرًا، فأما الفعل الذي بمعنى علمت فهو شعرت بفتح العين). هذا أيضًا من تحجير الواسع، فإن ما منعه قد صرح به أهل اللغة، وفي "القاموس" شعر به كنصر وكرم وعلم، فيصح في ماضيه ما أنكره، وقس عليه المضارع، وعلى هذا تتم التورية في قول بعضهم: (يا شعراء العصر لا تمدحوا ... شخصًا ولو أنكم معسرون) (فالله رب العرش سبحانه ... يرزقكم من حيث لا تشعرون) وقال بعضهم يعتذر عن اشتغاله بالشعر: ولعمري ما أنصفني من أساء بي الظن، وقال: كيف رضي مع درجة العلم والفتوى بهذا الفن؟ والصحابة كانوا ينظمون وينثرون، ونعوذ بالله من قوم لا يشعرون.

[70]- من أخطاء النسب

[70]- من أخطاء النسب ويقولون في المنسوب إلى الفاكهة والباقلاء والسمسم: فاكهاني وباقلاني وسمسماني. فيخطئون فيه لأن العرب لم تلحق الألف والنون في النسب إلا بأسماء محصورة زبدتا فيها للمبالغة كقولهم للعظيم الرقبة: رقباني وللكثيف اللحية: لحياني وللوافر الجمة: جماني، وللمنسوب إلى الروح: روحاني وإلى من يرب العلم: رباني وإلى بائع الصيدل والصيدن [وهما في الأصل حجارة الفضة ثم جعلا اسمين للعقاقير]: صيدلاني وصيدناني. ووجه الكلام في الأول أن يقال للمنسوب إلى السمسم: سمسمي، كما يقال في المنسوب إلى ترمذ: ترمذي وأن يقال في المنسوب ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقولون في النسبة إلى الفاكهة والباقلى والسمسم: فاكهاني وباقلاني وسمساني فيخطئون فيه). في "ذيل الدرة" لبعض علماء العصر: في كتب اللغة الفاكهاني الذي يبيع الفاكهة كما قاله "الأنصاري" وأما الباقلاني فهو وإن كان شاذًا كالصنعاني إذ القياس فيه صنعاوي، سمع أيضًا في "النبراس": الباقلي إذا شددت قصرت وأتيت بالنون قبل ياء النسب، وإذا مددت خففته وقلت: الباقلائي بهمزة يليها ياء مثناة تحتية بعد لام ألف. اهـ. ومثله الحلواني لشمس الأئمة. وقال "ابن حجر": إنه بهمزة بدل النون [وفي "القاموس": ونسب إلى الحلاوة شمس الأئمة "عبد العزيز بن أحمد الحلواني" بهمزة بدل النون] وهو غلط لأنه لو كان كذلك لقيل: حلاووي لاغير، فالصواب إلى الحلواء فاعرفه.

إلى الفاكهة: فاكهي، كما ينسب إلى السامرة سامري، فأما المنسوب إلى الباقلا فمن قصره قال في النسب إليه: باقلي، لأن المقصور إذا تجاوز الرباعي حذفت ألفه في النسب، كما يقال في النسب إلى حبارى حباري وإلى قبعثرى قبعثري، ومن مد الباقلاء جاز في النسب إليه باقلاوي وباقلائي، كما ينسب إلى حرباء وعلباء حرباوي وحربائي وعلباوي وعلبائي. وأما قولهم في النسب إلى صنعاء وبهراء ودستواء: صنعاني وبهراني ودستواني فهو من شواذ النسب والشاذ لا يعالج إليه ولا تحمل نظائره عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وللمنسوب إلى الروح روحاني) الروحاني بالضم لما فيه الروح (وإلى من يرب العلم رباني) نسبة إلى رب (وصيدنائي وصيدلاني) في شرح "الفصيح": الصيدنائي والصيدلاني بائع العقاقير كالعشاب والعطار، سمي بالصيدلاني وهو ضرب من الهوام يجمع حشيشًا ووريقات فيبني بها بيتًا له، شبه به جامع العقاقير، وعن "ابن درستوية" الصيدن والصيدل الفضة شبه بها حجارة العقاقير فنسب إليها، وزيدت الألف والنون للمبالغة. وقيل: هو بائع السقط. (وقبعثري) بغير تنوين علم، (وباقلاء) همزته للتأنيث فلا بد من قلبها واوًا، وأما همزة (علباء) فزائدة للإلحاق، إن شئت قلبتها وإن شئت تركتها همزة، كذا قاله "ابن بري" وكلامه ظاهر غني عن البيان.

[71]- من أسماء الذهب

[71]- من أسماء الذهب ويقولون للذهب: خلاص بفتح الخاء، والاختيار فيه أن يقال: خلاص بالكسر، واشتقاقه من أخلصته النار بالسبك، وكنت سمعت في روق الشبيبة ولدونة الحداثة القشيبة أدبيًا من أهل بست يعجب بقول "أبي الفتح البستي": إذا اقترن الولاء بالإخلاص صار كالذهب الخلاص، فارتحلت على البديهة وقلت: من طلب جانب الخلاص جانب طلب الخلاص فثناه عن استنانه وأغرق في استحسانه.

[72]- إدغام الحرف المضعف

[72]- إدغام الحرف المضعف ويقولون: سارر فلان فلانًا وقاصصه وحاججه وشاققه، فيبرزون التضعيف كما يظهرونه في مصادر هذه الأفعال أيضًا، فيقولون: المساررة والمقاصصة، والمحاججة والمشاققة، ويغلطون في جميع ذلك لأن العرب استعملت الإدغام في هذه الأفعال لاستخفاف اللفظ، واستثقالاً للنطق بالحرفين المتماثلين، ورأيت أن إبراز الإدغام بمنزلة اللفظ المكرر، والحديث المعاد، ثم لم يفرقوا بين ماضي هذه الأفعال ومستقبلها وتصاريف مصادرها فقالوا: سارره يساره مسارة وحاجه يحاجه محاجة. وقالوا في نوع آخر منه: تصام عن الأمر، أي أرى أنه أصم، وتضام القوم أي انضموا، وتراص المصلون أي تلاصقوا، وعلى هذا حمل مثل هذا الكلام، كما جاء في القرآن: «وحاجه قومه» وورد فيه «لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: سارر فلان فلانًا وقاصصه وحاججه وشاققه، فيبرزون التضعيف كما يبرزونه في مصادر هذه الأفعال) إلى آخر ما ذكره وهو ظاهر. وفي "الحواشي": مما رويناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليت شعري أيتكن صاحبه الجمل [الأدبب] تخرج - أو قال: تسير - حتى تنبحها كلاب الحوءب" والأدبب هو الأدب. أقول: إن أراد المصنف الاعتراض بهذا فليس بشيء، فقد قال في "التسهيل": إنما جاز فك الإدغام لموازنة الحوءب ومشاكلته، والمشاكلة تسوغ في الكلمات غير مالها، والأدب بدال مهملة وباء موحدة مشددة - وفكه لما ذكرناه - الجمل الكثير وبر الرأس، ووقع في بعض النسخ الأزب بالزاي المعجمة وهو الكثير الشعر.

الآخر يوادون من حاد الله ورسوله» فاشتملت هذه الآية على الإدغام في الفعلين الماضي والمستقبل. وهذا الحكم مطرد في كل ما جاء من الأفعال المضاعفة على وزن فعل وأفعل وفاعل وافتعل وتفاعل واستفعل، نحو مد الحبل وأمد وماد وامتد وتماد واستمد، اللهم إلا أن يتصل به ضمير المرفوع، أو يؤمر فيه جماعة المؤنث، فيلزم حينئذ فك الإدغام في هذين الموطنين، لسكون آخر الحرفين المتماثلين، كقولك، زددت ورددنا ونظائره، وكقولك في الأمر لجماعة المؤنث: ارددن وامددن، وقد جوز الإدغام والإظهار في الأمر للواحد كقولك: رد واردد، وقاص وقاصص واقتص واقتصص، وكذلك جوز الأمران في المجزوم كما قال تعالى في سورة المائدة: «من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه» وفي سورة أخرى «ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر» كما قال سبحانه «ومن يشاق الله» وفي موطن آخر «ومن يشاقق الله» فأما فيما عدا هذه المواطن المذكورة فلا يجوز إبراز التضعيف إلا في ضرورة الشعر كما قال راجز في الاسم: (إن بنى للئام زهده ... مالي في صدورهم من موددة) فأظهر التضعيف في مودة لإقامة الوزن وتصحيح البيت ومثله قوله "قعنب بن أم صاحب" في الأفعال:

(مهلاً أعاذل قد جربت من خلقي ... إني أجود لأقوام وإن ظننوا) أراد ظنوا ففك الإدغام للضرورة. وقد شذ منه قولهم قطط شعره من القطط ومششت الدابة من المشش، ولججت عينه أي التصقت، وألل السقاء إذا تغيرت رائحته، وضبب البلد إذا كثر ضبابه، وصككت الدابة من الصكك في القوائم. وكل ذلك مما لا يعتد به ولا يقاس عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ

[73]- قولهم للاثنين: ازددا

[73]- قولهم للاثنين: ازددا ومن أوهامهم في هذا الفن قولهم للاثنين: ارددا. وهو من مفاحش اللحن. ووجه الكلام أن يقال لهما: ردا كما يقال للجمع: ردوا، والعلة فيه أن الألف التي هي ضمير المثنى والواو التي هي ضمير الجمع تقتضيان لسكونهما تحريك آخر ما قبلهما، ومتى تحرك آخر الفعل حركة صحيحة وجب الإدغام، وهذه العلة مرتفعة في قولك للواحد: اردد، فلهذا امتنع القياس عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن أوهامهم في هذا الفن قولهم للاثنين: أرددا، وهو من مفاحش اللحن. ووجه الكلام أن يقال لهما: ردًا). ومثله قوله في البردة: (ما لعينيك إن قلت اكففا همتا ... وما لقلبك إن قلت استفق يهم) والضرورة تهله، ويحسنه عندي أنه لو قال: كفا، لتوهم أنه من كف البصر وهو العمى، وتفصيله أن هذا الحكم مطرد في كل ما جاء من الأفعال المضاعفة ووزن فعل وأفعل وفاعل وافتعل وتفاعل واستفعل. نحو مد الحبل وأمده وماده وامتد واستمد، إلا أن يتصل به ضمير مرفوع، أو يؤمر به جماعة مؤنثة كرددت وارددن، ويجوز الإدغام والإظهار في أمر الواحد نحو: رد، واردد، وما عداه يقع شذوذًا أو مزورة، [وأنشد "لقعنب بن أم صاحب" في أناس ناصبوه من قومه: (مهلا "أعاذل" قد جربت من خلقي ... في أجود لأقوام وإن ضننوا) (ولن يراجع قلبي ودهم أبدا ... وكنت منهم على مثل الذي ركنوا) (كل يداجي على البغضاء صاحبه ... ولن أعالنهم إلا كما علنوا) (صم إذا سمعوا خيرًا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا)

[74]- معنى نقل فلان رحله

[74]- معنى نقل فلان رحله ويقولون: نقل فلان رحله. إشارة إلى أثاثه وآلاته، وهو وهم ينافي الصواب، ويباين المقصود به في لغة العرب، إذ ليس في أجناس الآلات ما يسمونه رحلاً إلا سرج البعير [الذي عناه الشاعر بقوله: (مهما نسيت فما أنسى مقالتها ... يوم الرحيل لأتراب لها عرب) (سكن قلبي بأيديكن إن له ... هجًا يفوق ضرام النار واللهب) (ليت الفراق نعى روحي إلى بدني ... قبل التألف بين الرحل والقتب) وإنما رحل الرجل منزله، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال" أي صلوا في منزلكم عند ابتلال أحذيتكم من المطر، وقيل: إن النعال هنا جمع نعل وهو ما يصلب من الأرض. ومن كلام العرب للعشب: الربع، وللخصيب الرحل: هو أخضر النعل. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: نقل فلان رحله، إشارة إلى أثاثه وآلاته، وهو وهم ينافي الصواب، ويباين المقصود في لغة العرب؛ إذ ليس في أجناس الآلات ما يسمونه رحلاً إلا سرج البعير). هذا ما وهم فيه ابن أخت خالته أيضًا، فإن الرجل المنزل ومتاع الرجل وما يستصحبه من الأثاث كما في "الصحاح" وعليه قول "متمم بن نويرة":

ومما أنشده "ابن السكيت" في أبيات معانيه: (تلقاهم وهم خضر النعال كأن ... قد نشرت كتفيها فيهم الضبع) (لو صاب واديهم رسل فأثرعه ... ما كان للضيف في تغميره طمع) أراد أنهم لو أخصبت أرضهم حتي سال واديهم لبنًا لما سقوا الضيف مذقة منه، والتغمير أقل الشرب لاشتقاقه من الغمر وهو أصغر الأقداح. ـــــــــــــــــــــــــــــ (كريم الثنا حلو الشمائل ماجد ... صبور على الضراء مشترك الرحل) وقوله في بخيل: (سبط اليدين بما في رحل صاحبه ... جعد اليدين بما في رحله قطط) ومن شعر "عبد المطلب": (لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رجالك) قال "ابن هشام" في "تذكرته"- ومن خطه نقلت: رحله متاعه، وبعضهم يلحن العامة في قولهم: أخذت رحلي، يريدون به المتاع، وإنما الرحل للبعير كالسراج للفرس، والظاهر عندي خلافه لأجل هذا البيت، إذ لا وجه لتخصيص رحل البعير بالمنع في بيت عبد المطلب. اهـ. وقد فسر الرحل في قوله تعالى: » من وجد في رحله «بالأثاث، بدليل قوله» ثم استخرجها من وعاء أخيه «وهو في الاستعمال وفي كتب اللغة أكثر من أن يحصر وأشهر من أن ينكر.

[75] الفرق بين سائل وسأل

[75] الفرق بين سائل وسأل ويقولون لمن يكثر السؤال من الرجال: سائل ومن النساء: سائلة، والصواب أن يقال لهما: سأل وسألة، كما أنشد بعضهم في الخمر: (سأالة للفتى ما ليس في يده ... ذهابة بعقول القوم والمال) (أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتى تفرق ترب الأرض أوصالي) يعني أقسمت بالله لا أسقيها فأضمر لها كما أضمرت في قوله تعالى: «تالله تفتأ تذكر يوسف» أي لا تفتأ، وأكثر ما تضمر في الأقسام قالت الخنساء (فآليت آسي على هالك ... وأسأل نائحة مالها) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن يكثر السؤال من الرجال: سائل، ومن النساء: سائلة، والصواب أن يقال: سأل وسألة). [قال "ابن بري": إنكار] إطلاق السائل على كثير السؤال ليس بصحيح، لأن باب "فاعل" كضارب وقاتل عام لكل من صدر منه الفعل قليلاً كان أو كثيرًا، فلا يمتنع أن يقع فاعل موقع فعال المختص بالكثير لعمومه؛ ألا ترى أن قوله تعالى: » وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم «لا يقتضي أن يكون السائل هنا من قل سؤاله؟ ومثله من صفات الباري والخلاق والرازق والرزاق، والمراد بأحدهما ما يراد بالآخر، يعني أن

أي لا آسى ولا أسأل، وقد تضمر في غير القسم لقول الراجز لابنه: (أوصيك أن يحمدك الأقارب ... ويرجع المسكين وهو خائب) أي ولا يرجع، وكما أنهم أضمروا "لا" فقد استعملوها زائدة على وجه الفصاحة وتحسين الكلام، كما قال سبحانه: » ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك «[والمراد به ما منعك أن تسجد] بدليل قوله تعالى في السورة الأخرى: » ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي «ومنه قول الراجز: (وما ألوم البيض أن لا تسخرا ... إذا رأين الشمط المنورا) أي لا ألوم البيض أن تسخر إذا رأين الشيب، والأصل في مباني الأفاعيل ملاحظة حفظ المعاني التي تتميز باختلاف وضع الأمثلة، فبنى مثال من فعل الشيء مرة على فاعل، نحو قاتل وفاتك، وبني مثال من كرر الفعل على فعال مثل قتال ـــــــــــــــــــــــــــــ فاعلاً لو اختص بالقليل لم يصح إطلاقه عليه - تعالى - في مثل قوله: » الله خالق كل شيء «والكثرة في مثله باعتبار التعلقات. فإن قلت: كيف أدرج النحويون العالم والخالق ونحوهما من صفاته في اسم الفاعل، والمعتبر فيه عندهم كونه لمن قام به الفعل على معنى الحدوث؟ قلت: مرادهم أن يكون على معناه وضعا، لكنه قد يستعمل لخلافه إذا قام دليل شرعي أو عقلي على خلافه، أو هو باعتبار [حدوث متعلقة]. وقد تضمر في غير القسم كقول الراجز: (أوصيك أن يحمدك الأقارب ... ويرجع المسكين وهو خائب) أي ولا يرجع، وكما أنهم أضمروا "لا" فقد استعملوها زائدة على وجه الفصاحة

وفتاك، وبني مثال من بالغ في الفعل وكان قويًا عليه على فعول مثل صبور وشكور، وبني مثال من اعتاد الفعل على مفعال مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور، ومثنات إذا كان من عادتها أن تلد الإناث، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكرًا ونوبة أنثي، وبني مثال من كان آلة للفعل وعدة له على مفعل نحو محرب ومرجم وحكى "ابن الأعرابي" قال: دفع رجل رجلاً من العرب، فقال المدفوع: لتجدني ذا منكب مزحم وركن مدعم ورأي مصدم ولسان مرجم ووطء ميثم، أي مكسر. وسئل بعض أهل اللغة عن قوله تعالى: » وما ربك بظلام للعبيد «لم ورد ـــــــــــــــــــــــــــــ وتحسين الكلام، كما قال - سبحانه: » وما منعك ألا تسجد إذ أمرتك «والمراد به: » ما منعك أن تسجد «بدليل قوله تعالى - في السورة الأخري: » ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي «. هذا كله مما صرحوا بخلافه، وإن كانوا قائلين بزيادة لا، وما ذكر في البيت بناء على نصب يرجع، وقد قيل: إن المروى فيه الرفع على الاستئناف، أو على أن الواو حالية شذوذًا، أو بتقدير مبتدأ، ولا فساد فيه من جهة المعنى كما توهمه؛ فإنه على هذا [يكون] أوصاه بتخصيص نفعه بأقاربه دون الأجانب ولا محذور فيه، على أنه لو سلم فلا بأس به، فإن خطأ العربي في المعني لا يضر، وإنما الممتنع منهم الخطأ في الألفاظ، والكلام على الآية المذكورة مفصل في "الكشاف" وشرحه. (وما ألوم البيض ألا تسخروا ... إذا رأين الشمط المنورا)

على وزن "فعال" الذي صيغ للتكثير وهو سبحانه منزه عن الظلم اليسير؟ فأجاب عنه: إن أقل القليل من الظلم لو ورد منه وقد جل سبحانه عنه لكان كثيرًا لاستغنائه عن فعله وتنزهه عن قبحه، ولهذا يقال: زلة العالم كبيرة وإلي هذا أشار المخزومي الشاعر في قوله: (العيب في الجاهل المغمور مغمور ... وعيب ذي الشرف المذكور مذكور) (كفوفة الظفر تخفى من حقارتها ... ومثلها في سواد العين مشهور) ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي رواه "أبو عبيدة": "الشمط القفندر) وهو القبيح ونونه زائدة، فأصله قفدر وهو العظيم الهامة، وفسره- في أمال "ثعلب"- بشيب القفا، وفي "فقه اللغة" أنه الرجل الضخم، وقد يعقب فيه، والعوام تزعم أنه اسم نجم، ولا أصل له. (وبني مثال من كرر الفعل على فعال) [إن] قيل: إن ما ذكره من التفرقة لا تعرفه النحاة فإن صبور وصبار ومضراب وضراب عندهم بمعنى، قلت: ما ذكره هو المشهور، إلا أني رأيت في كتاب "بغية الأمل في شرح الجمل" "لأبي بكر بن طلحة" أن أمثلة المبالغة متفاوتة، ففعول لمن كثر منه الفعل وفعال لمن صار له صناعة، ومفعال لمن صار له كالآلة، وفعيل لمن صار له كالطبيعة، وفعل لمن صار له كالعادة. اهـ. وقد تعقب بأنه لم يقله أحد من النحويين، وأنه تلفيق حمله عليه ما رآه من كثرة "فعال" من الصنائع كخياط، ومفعال في الآلة، وفعيل في أفعال الطبيعة كبخيل وكريم، وفعل في العادات كصليف. وهذا اعتراض من تلقن الجواب كقوله - تعالى: » ما غرك بربك الكريم «. ومن صيغ المبالغة ما جاء على وزن اسم الآلة كمنحار ومسعر [حرب]، وفي شرح مقامات "الزمخشري" له: المعطاء الكثير العطاء كالمهداء من الهدية، ويستوي فيه الرجل والمرأة، وهو على وزن الآلة كالمفتاح والميزان. (وسئل بعض أهل اللغة عن قوله - تعالى: : » وما ربك بظلام للعبيد «: لم ورد على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزن فعال الذي صيغ للتكثير، وهو سبحانه منزه عن الظلم اليسير؟ فأجاب بأن أقل القليل من الظلم لو ورد منه - وقد جل سبحانه عنه - لكان كثيرًا لاستغنائه عن فعله وتنزهه عن قبحه، وهذا كما يقال: زلة العالم كبيرة). في هذه الآية وجوه: منها، هذا وهو كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. ومنها: أن العدول إلى صيغة المبالغة للتنبيه على أن شأنه تعالى، يقتضي أن كل وصف يثبت له يبلغ حد الكمال، واختاره بعض المتأخرين قيل ولا يرد عليه أن هذا في صفات الكمال، وأما صفات النقص السلبية التي تتنزه عنها ساحة جلاله فلا يلزم فيها ما ذكر لأن كل صفة تثبت له تعالى ولو فرضًا تصير [كمالية]، فتأمل. وأجاب "القاضي" بأن كثرة العبيد تستلزم كثرة الظلم، والمبالغة راجعة إلى الكم، وأورد عليه أن نفي مبالغة الظلم لا يستلزم نفي أصله، بل ربما يدل على خلافه بدليل الخطاب، وبرجوع النفي إلى القيد، ورفع الإيجاب الكلي لا ينافي الإيجاب الجزئي، وأجيب عنه بأنه قصد به نفي الظلم لجنس العبيد، وهو يستلزم أن لا يظلم واحد منهم فيفيد عموم النفي، قيل: إلا أن يقصد بنفي المبالغة المبالغة في النفي، وفيه أن المبالغة الأولى في الكم والثانية في الكيف وبينهما مباينة ظاهرة، وأيضًا نفي القيد الذي لم يعبر عنه بلفظ مستقل، وإن صرح به بعض المحققين في "حواشي الكشاف" لا يصفو من الكدر. وقيل: فعال هنا للنسبة كعطار وبقال، ولذا قيل: إنه لم يقصد به المبالغة، وقيل: نفي الظلام لازم لنفي الظالم، لأنه إذا انتفى أصل الظلم انتفى كماله، فنفي المبالغة كناية عن نفي الأصل، وقيل: إذا انتفى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل؛ لأن الذي يظلم إنما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الكثير مع زيادة نفعه فالقليل بالطريق الأولى. (وإلى هذا أشار "المخزومي" الشاعر بقوله: (العيب في الخامل المغمور مغمور ... وعيب ذي الشرف المذكور مذكور) (كفوفة الظفر تخفي من حقارتها ... ومثلها في سواد العين مشهور) هذا الشعر كما في "اليتيمة" "لأبي محمد طاهر بن الحسين بن يحيى المخزومي" وهو بصري المولد والمنشأ رازي الموطن، حسن التصرف في فنون الشعر، موف على أكثر شعراء العصر، يعادل من أهل العراق "ابن نباته" أورد له غررًا من نظمه الذي هو روح الشعر وذوب التبر كهذه القطعة التي أنشدها له المصنف، وفي معناها قول الآخر: (لا تحقر الرجل الرفيع دقيقة ... في السهو فيها للوضيع معاذر) (فكبائر الرجل الصغير صغائر ... وصغائر الرجل الكبير كبائر) وقلت: (كما من عيوب لفتى عدها ... سواه [زينا] حسن الصنع) ([فنكتة] الياقوت مذمومة ... وهي التي تحمد في الجذع)

[76]- يوشك بكسر الشين لا بفتحها

[76]- يوشك بكسر الشين لا بفتحها ويقولون يوشك أن يكون كذا بفتح الشين. والصواب فيه كسرها لأن الماضي منه أوشك، فكان مضارعه يوشك [كما قال أودع يودع وأورد يورد، ومعنى يوشك] يسرع، لاشتقاقه من الوشيك وهو المشرع إلى الشيء، وقد تستعمل هذه اللفظة باتصال أن بها وحذفها عنها، فيقال: يوشك يفعل كما قال الشاعر: (يوشك من فر من منيته ... في بعض غرابه يوافقها) ويقال: يوشك أن يفعل، كما قرأت على ذي الرتبتين "أبي الحسن محمد بن أحمد الجوهري" الكاتب [رحمه الله] قال: أنشدني القاضي "أبو عبد الله الضبي" لعمران بن حطان: (أفي كل عام مرضة ثم نهضة ... وتنعى ولا تنعى متى ذا إلى متى؟ ) ـــــــــــــــــــــــــــــ (إيقاع أن بعد عسى وإلغاؤها بعد كاد) لأن المقاربة تقتضي ترك أن الموضوعة للاستقبال وهو في غاية الظهور، وقد ذكره "المرزوقي" وغيره في "الحواشي" قال: أفصح الفصحاء صلى الله عليه وسلم: : » كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر «وهذا معروف في كلام العرب كقول "ذي الرمة":

(فيوشك يوم أن يوافق ليلة ... يسوقان حتفاً راح نحوك أو غداً) وتضاهي لفظة يوشك لفظى عسي وكاد في جواز إيراد أن بعدهما وإلغائها معهما. إلا أن المنطوق به في القرآن والمنقول عن فصحاء أولي البيان إيقاع أن بعد عسي وإلغاؤها بعد كاد، والعلة فيه أن كاد وضعت لمقاربة الفعل ولهذا قالوا: كاد النعام يطير لوجود جزء من الطيران منه، وأن وضعت لتدل على تراخي الفعل ووقوعه في الزمان المستقبل فإذا وقعت بعد كاد نافت معناها الدال على اقتراب الفعل وحصل في هذا الكلام ضرب من التناقض، وليس كذلك عسي لأنها وضعت للتوقع الذي يدل وضع أن على مثله، فوقوع أن بعدها يفيد تأكيد المعني ويزيده فضل تحقيق وقوة، وقد نطقت العرب بعدة أمثال في كاد ألغيت إن في جميعها، فقالوا كاد العروس يكون ملكاً، وكاد المتنقل يكون راكباً، وكاد الحريص يكون عبداً، وكاد النعام يكون طيراً، وكاد الفقر يكون كفراً، وكاد البيان يكون سحراً ـــــــــــــــــــــــــــــ (وجدت فؤادي كاد أن يستخفه ... خليع الهوي من أجل ما يتذكر) وهو وإن سبقه (الأصمعي) إلي هذا فإنه كان يقول: ليس بعربي كاد أن، ولكن حجة (لأبي محمد) في اتباع (الأصمعي) وغيره في هذا، وقد أنشد في صدر هذا الكتاب: ... قد كاد من طول البلى أن يمصحا وهذا تعنت منه فإن كلام المصنف صريح في جوازه، لكنه ليس بفصيح. (وخزعبلات) بالخاء المعجمة والزاى والعين جمع خزعبلة، وهى الحديث المستطرف والأضحوكة، وفي (القاموس): الخزعبل كشمردل الأحاديث المستطرفة، وكقذعمل: الباطل كالخزعبيل، والخزعبلة العجب، والخزعبيلة الأضحوكة.

وكاد البخيل يكون كلباً، [وكاد السيئ الخلق يكون سبعاً]. وفيما يري من خزعبلات العرب أن امرأة من الجن قصدت لمحاجاة العرب فكانت تقف على كل محجة وتحاجج كل من تلقاه، فلا يثبت لمحاجاتها أحد، إلي أن تعرض لها أحد فتيان العرب، فقال لها: حاجيتك فقالت: قل، فقال لها: كاد قالت كاد العروس يكون ملكاً. فقال لها: كاد قالت: كاد المتنقل يكون راكباً. فقال لها: كاد، قالت: كاد النعام يكون طيراً، ثم أمسك، فقالت له: حاجيتك، قال لها قولي. قالت: عجبت. قال: عجبت للسبخة كيف لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها، فقالت: عجبت ... قال: عجبت للحصي كيف لا يكبر صغاره ولا يهرم كباره. قالت: عجبت. قال: عجبت لحفرة بين فخذيك كيف لا يدرك قعرها ولا يمل حفرها. قال: فخجلت من جوابه وتولت عنه، ولم تعد إلي ما كانت.

[77]- خطأ كل من ثلجم وشلجم

[77]- خطأ كل من ثلجم وشلجم ويقولون لهذا النوع من الخضروات المأكولة: ثلجم وبعضهم يقول شلجم بالشين المعجمة، وكلاهما غلط على ما حكاه (أبو عمر الزاهد) عن (ثعلب) ونص على أن الصواب فيه إن يقال: سلجم بالسين المغفلة، واستشهد عليه بقول الراجز: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لهذا النوع من الخضروات المأكولة: ثلجم وبعضهم يقول شلجم بالشين المعجمة، وكلاهما غلط على ما حكاه (أبو عمر الزاهد) عن (ثعلب) ونص على أن الصواب فيه إن يقال: سلجم بالسين المغفلة). في (الحواشي) هكذا قال (أبو عمرو)، لكن نص غيره، على أن ترك الإعجام غلط وتصحيف، والصحيح أنه أعجمي أصله الشين المعجمة، فعرب بالسين المغفلة فللناطق به ما نوي. وقال بعض فضلاء العصر: إنما فارسيته بالشين والغين المعجمتين كما وقع في شعر ((للفردوسي)) وغيره مما يستدل بكلامه في لغتهم لا سلجم بالسين، وما ذكره المنصف نقله ((الميداني)) عن الأزهري: (تسألني برامتين سلجما ... إنك لو سألت شيئاً أمما)

(تسألني برامتين سلجما ... إنك لو سألت شيئاً أمما) قد جاء به البكري أو تجشماً يعني: إنك لو سألت شيئاً موجوداً بالبادية لأتيك به. ولكنك طلبت ما يعوز وجدانه فيها، والأمم من حروف الأضداد فيستعمل تارة بمعني عظيم، وأخري بمعني يسير [وبمعني القصد بين الحقير والعظيم، ومنه قول الشاعر: (يا لهف نفسي على الشباب ولم ... أفقد به إذ فقدته أمما) ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه الميداني: (لو أنها تطلب شيئاً أمما ... تكلف البكري أو تجشماً) والمصراع الأول مثل يضرب لمن يطلب شيئاً في غير محله، ورامة: هضبة أو جبل لبني دارم، أو موضع ثمة، وثني تغليباً على ما يجاوره، وليس فيه ينبت السلجم لأنه ينبت في بساتين البلدان، وكانت امرأة سألت زوجها بتلك البادية سلجماً تطعمه، فقال ذلك الشعر لها، يعني كيف يكون السلجم هنا؟ ثم صار مثلاً فيما ذكرناه.

[78]- الفيء والظل.

[78]- الفيء والظل. ويقولون: جلست في فيء الشجرة. والصواب أن يقال في ظل الشجرة كما جاء في الأثر مما أخبرنا به (أبو الحسين محمد بن علي السيرافي) الحافظ فيما قرأته عليه حدثنا القاضي (أبو محمد على بن أحمد بن بشر) قال: حدثنا (محمد بن يوسف البيع) قال [حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر الثقفي] قال حدثنا (سعيد بن عامر الضبعي) قال حدثنا (محمد بن عمرو) عن (أبي سلمة) عن (أبي هريرة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرؤا إن شئتم {وظل ممدود} ". والعلة فيما ذكرنا أن الفئ سمي بذلك لأن فاء عند زوال الشمس من جانب إلي جانب، أي رجع، ومعنى ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: جلست في فئ الشجرة، الصواب أن يقال: في ظل الشجرة). الفرق بين الظل والفئ، وإن ذهب إليه بعض اللغويين، فهما يستعملان بمعنى. إما لترادفهما كما هو مذهب في اللغة، أو على التوسع والتسمح، ولهذا قال في (الحواشي): إن الفئ- وإن كان على ما ذكره المصنف- لا يمتنع أن يقع موقع الظل حيث كان ظلاً يستظل به، فيقال: فعدت في فئ الشجرة أي ظلها، وعليه قول (الجعدي) في أهل الجنة: (فسلام الإله يغدو عليهم ... وفيوء الفردوس ذات الظلال) فأوقع الفئ موقع الظل، وإن كان الفئ أخص منه. ألا ترى أن الجنة لا شمس فيها حتى يكون فيها فئ؟

الظل الستر. ومنه اشتقاق المظلة لأنها تستر من الشمس، وبه أيضاً سمي سواد الليل ظلاً لأنه يستر كل شئ. فكان اسم الظل يقع على ما يستر من الشمس وعلى ما لا تطلع عليه، وذرى الشجرة ينتظم هذين الوصفين، فانتظمه اسم الظل واشتمل نطاقه عليه، فأما قوله عليه الصلاة والسلام: (والسلطان ظل الله في أرضه) فالمراد به ستره السابغ على عباده، المنسدل على بلاده، ومن سنة العرب أن تضيف كل عظيم إليه جلت قدرته، كقولهم للكعبة: بيت الله وللحاج: وفد الله، فأما قول الراجز: كأنما وجهك ظل من حجر .. فقيل: الرماد به سواد الوجه، وقيل: بل كنى به عن الوقاحة وقد فصل بعضهم أنواع الاستظلال، فقال: استظل من الحر، واستذري من البرد، واستكن من المطر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي فصيح (ثعلب): الظل بالغداة والفئ بالعشي. قال (حميد بن ثور): (فلا الظل من برد الضحى نستطيعه ... ولا الفئ من برد العشي يروق) لأنه من فاء إذا رجع، فهو الظل الراجح من جانب المغرب غلي جانب المشرق، وأصل الظل مطلق الستر فلهذا أطلق على ظلام الليل وظل الجنة، وفي كتاب (الظاء)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (للقزويني): ظل الليل سواده، يقال: أتاني في ظل الليل، وهو استعارة، وقد اعترض على استشهاده بالبيت السابق بأن تفرقته ليس لما ذكره بل للتعين والهرب من ظاهر التكرار، والدليل على أن الظل يكون بالعشي قول (امري القيس): .. يفيض عليها الظل عرمضها الطامي وأما حديث (السلطان ظل الله في أرضه) فقد قيل في تفسيره: إن الظل هو النعمة، وقيل: الحفظ، وقيل: الهيبة، وقيل: استعارة، ووجه التشبيه أن ظل الشئ يحكيه ويناسبه في الجملة، والسلطان كذلك فإنه ينتظم بوجوده مملكته كما ينتظم بالحق- جل عن الشبيه والنظير- سلسلة الممكنات، ولأن الظل يتنعم به ويلتجأ إليه عند اضطرام شرر الشر، ويناسبه قوله في الحديث: يأوي إليه كل مظلوم. وقوله: (أستذرى) بالذال المعجمة من الذرى وهو كناية عن الكن

[79]- تعريف العدد

[79]- تعريف العدد ويقولون: ما فعلت الثلاثة الأثواب؟ فيعرفون الاسمين ويضيفون الأول منهما إلي الثاني، والاختيار أن يعرف الأخير من كل عدد مضاف. فيقال: ما فعلت ثلاثة الأثواب؟ وفيم انصرفت ثلاثمائة الدرهم؟ وعليه قول (ذي الرمة): (وهل يرجع التسليم أو يكشف العنا ... ثلاث الأثافي والديار البلاقع) قال الشيخ الإمام رحمه الله: وقد بين شيخنا (أبو القاسم) رحمه الله العلة في وجوب تعريف الثاني، فقال: لما لم يكن بد من دخول آله التعريف في هذا العدد رأوا أنهم لو عرفوهما جميعاً فقالوا: الثلاثة الأثواب لتعرف الاسم الأول بلام التعريف وبالإضافة الحقيقية، ولا يجوز أن يتعرف الاسم من وجهين، ولم أنهم عرفوا الاسم الأول وحده لتناقض الكلام، لأن إدخال الألف واللام على الاسم الأول يعرفه، وإضافته إلى النكرة تنكره، فلم يبق إلا أن يعرف الثاني ليتعرف هو بلام التعريف، ويتعرف الأول بإضافته إليه، فيحصل لكل منهما التعريف من طريق غير طريق صاحبه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ما فعلت الثلاثة الأثواب؟ فيعرفون الاسمين ويضيفون الأول منهما إلي الثاني، والاختيار أن يعرف الأخير من كل عدد مضاف) هذا ليس بممنوع، يدل عليه قوله: والاختيار: قال في (التسهيل): إذا قصد تعريف العدد أدخل حرفه على الآخر إن كان مضافاً أو عليهما شذوذاً لا قياساً خلافاً للكوفيين. وهل يصح أن يقال: الألف درهم بتعريف المضاف فقط؟ حكى (ابن عصفور) جوازه، وهو قبيح لإضافة المعرفة فيه غلى النكرة، ومن ثم امتنع (الحسن وجه) ولكن ورد الخمسة أثواب. ووقع في (صحيح البخاري) وأتي بالألف دينار. والمانع لما ذكره المصنف قياسه على (الحسن وجه) والفرق واضح.

فإن اعترض معترض وقال: كيف عرف الاسم الأول في العدد المركب كقولهم: ما فعل الأحد عشر ثوباً؟ فالجواب عنه أن الاسمين إذا ركبا تنزلا منزلة الاسم الواحد، والاسم الواحد تلحق لام التعريف بأوله، فكما يقال: ما فعلت التسعة؟ قيل ما فعلت التسعة عشر؟ . وقد ذهب بعض الكتاب إلي تعريف الاسمين المركبين والمعدود والمميز، فقالوا: الحد عشر الثوب وهو مما لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه، لأن المميز لا يكون متعرفاً بالألف واللام، ولا نقل: غلينا في شجون الكلام. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويجوز أن يتعرف الاسم من وجهين) هذا وإن اشتهر ليس بمسلم رواية ودراية، ألا ترى أن أياً الموصولة تتعرف بالصلة والإضافة في قولهم: أيهم فعل كذا. وقال (الرضي): لا مانع من اجتماع تعريفين مختلفين. نحو: زيدنا، ويا زيد اجتمع تعريف العلمية والإضافة، وتعريف العلمية والنداء، ولا حاجة إلى ادعاء تجريده من أحد التعريفين كما قيل. وقوله: إن تعريف الاسم الأول وحده مناف لإضافته إلى النكرة المنكرة له ليس بشئ، إذ إضافته إلى النكرة تخصصه لا تنكره، وقد سمع ما أنكره كما مر. (عرف الاسم الأول في العدد المركب) إن قلت: العدد المركب مبني وأل لا تدخل على المبنيات قلت: قد نص النحاة على جوازه هنا خاصة لعروض البناء فيه، وقوله: إن المميز لا يكون معرفاً بالآلف واللام ليس بشئ، لن الكوفيين جوزواً تعريف التمييز كما صرح به النحاة، فلا حاجة إلى تكثير السواد بالمسائل المشهورة.

[80]- صحة ضبط المنسوب إلي ملك

[80]- صحة ضبط المنسوب إلي ملك ويقولون في الثياب المنسوبة إلى ملك الروم: ثياب ملكية بكسر اللام. والصواب ملكية بفتح اللام، كما يقال في النسب إلى النمر نمري، والعلة فيه أنهم لو أفردوا الكسرة في ثاني هذه الكلمة غلبت عليها الكسرات والياءات ولم يسلم من ذلك إلا الحرف الأول والتلفظ بما هذه صيغته يستثقل، فلذلك عدل إلى إبدال الكسرة فتحة لتخف الكلمة ويحسن النطق بها، وإنما لم يفعل ذلك في المنسوب إلى الرباعي نحو مالكي وعامري لأن الكسرات، لم تغلب عليه مع فصل اللف بين أوله وثالثه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في الثياب المنسوبة إلى ملك الروم: ثياب ملكية بكسر اللام والصواب ملكية بفتح اللام، كما يقال في النسب إلى النمر نمري). [وبين المصنف عليه وهي التخفيف]، ولكنه غير متعين كما زعمه. قال في (التسهيل): يفتح غالباً عين الثلاثي المكسورة، وقد يفعل ذلك بنحو تغلب، وفي القياس عليه خلاف، وفي شرحه: الفتح عند (المبرد) مطرد، وعند (الخليل) و (سيبويه) مقصور على السماع، إلى آخر ما فصله. فقد علمت ما في كلامه من القصور.

[81]- ساغ ولا انساغ

[81]- ساغ ولا انساغ ويقولون: انساغ إلى الشراب فهو منساغ. والاختيار [فيه] ساغ فهو سائغ كما قال الشاعر: (وساغ إلي الشراب وكنت قبلاً ... كاد أغص بالماء الحميم) وفي القرآن {لبناً خالصاً سائغاً للشاربين} وجاء في تفسيره: أنه لم يغص به أحد قط، ومن حكى أنه سمع في بعض اللغات انساغ لي الشئ، أى جاز فإنه مما لا يعتد به، ولا يعذر من يستعمله في ألفاظه وكتبه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: انساغ إلى الشراب فهو منساغ. والاختيار ساغ فهو سائغ) قال (ابن بري) هذا حكم بغير بينة، ولا مانع مما منعه، كما قالوا: انحسم الداء وإن كان محسوماً، وانفرج القباء وغن كان مفروجاً. ووجه امتناعه عنده أن باب انفعل حقه أن يكون مطاوعاً لفعل ثلاثي متعد، نحو كسرته فانكسر، وساغ عنده لازم، لكنه غير مسلم لأنه جاء متعدياً كما قاله (ابن السكيت) في باب ما يقال بالياء والواو، حيث قال ساغ الطعام يسوغه ويسيغه، فعلى هذا يصح انساغ وعليه قول (ابن دريد): (ومنه ما تقحم العين فإن ... ذقت جناه انساغ عذباً في اللهي) (وابن دريد) أمام ثقة يجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه، فلا يتوهم أنه ليس ممن يحتج بكلامه، ولا يرد عليه أن يقال: أساغه أيضاً كما في (الأساس) وعنده أن انفعل يجوز أن يكون مطاوعاً للمزيد كما مر لأنه خلاف المتبادر المعروف. قلت: هذا كله تعسف وعدول عن الجادة دعاه غليه عدم وجود ما يثبته صريحاً ونحن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحمد الله في غنية عنه، فغن كلام الإمام (الصاغاني) حكى ساغه فانساغ وتبعه صاحب (الطلبة) فقال: أساغ فلان طعامه وساغه لغة فيه. وفي (النبراس) يقال: ساغ الشراب يسوغ سوغاً اي سهل مدخله في الحلق وسغته أنا أسوغه واسيغه، يتعدي ولا يتعدي، والأجود أسغته إساغة.

[82]- مثلوث لا مثلث

[82]- مثلوث لا مثلث ويقولون للند المتخذ من ثلاثة أنواع من الطيب: مثلث. والصواب أن يقال فيه مثلوث، كما قالت العرب جبل مثلوث إذا أبرم على ثلاث قوى، وكساء مثلوث إذا نسج من صوف ووبر وشعر، ومزادة مثلوثة إذا اتخذت من ثلاثة جلود. وأصل هذا الكلام مأخوذ من قولك: ثلثت القوم فأنا ثالث وهم مثلوثون. نادرة قال الشيخ الإمام رحمه الله .. وقرأت في بعض النوادر: إن (إبراهيم بن المهدي) وصف لنديم له طيب ند اتخذه وأتاه بقطعة منه فألقاها في مجمرة، ووضعها تحته فخرجت منه ريح أثناء تجمره فقال: ما أجد هذه المثلثة طيبة. فقال له [أي] فديتك، قد كانت طيبة حين كانت مثلثة فلما ربعتها خبثت. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للند المتخذ من ثلاثة أنواع من الطيب: مثلث والصواب أن يقال فيه مثلوث، كما قالت العرب جبل مثلوث إذا أبرم على ثلاث قوى). الذي صرح به أئمة اللغة مخالف لما ادعاه، فإنه يقال: ثلث مشدداً ومخففاً بمعني أخذ الثلث ونقصه من أصله، وبمعني صيره أثلاثاً .. وفي (القاموس) مثلث بهذين المعنيين، حيث قال: والمثلث شراب طبخ حتى ذهب ثلثاه وشئ ذو ثلاثة أركان. اهـ. وفي غيره: شئ مثلث موضوع على ثلاث طاقات، قاله (الأنصاري) وزاد: والمثلث الشارب الذي طبخ حتى ثلثاه، ومثلث الند من الأول لأنه مركب من ثلاثة أجزاء. وقال (ابن بري): الفصيح أن يستعمل فعلت مخففاً في المصنوعات عند عدم إفهام المبالغة

قال الشيخ الأجل الرئيس أبو محمد. رحمه الله. وإنما قلت مثلثة لأن النادرة تحكى على الأصل ولا يغير ما فيها من اللحن ولا من سخافة اللفظ، ولهذا قال بعضهم: إن ملحة النادرة في لحنها، وحرارتها في حلاوة مقطعها. ونظير وهمهم في هذه اللفظة قولهم: صبي مجدر والصواب فيه مجدور، لأنه داء يصيب الإنسان مره في عمره من غير أن يتكرر عليه، فلزم إن يبني المثال منه على مفعول فيقال مجدور كما يقال مقتول، ولا وجه لبنائه على مفعل الموضوع للتكرير. كما يقال لمن يجرح جرحاً على جرح: مجرح [ولما يضرب نوبة بعد نوبة: مضرب] والأفصح أن يقال: جدري بضم الجيم، واشتقاقه م الجدر وهو آثار الكدم في عنق الحمار ـــــــــــــــــــــــــــــ أو التأكيد، حتى إذا صرت غلي تكثير الأعداد قلت: ثلثت القوم وربعتهم إلي العشرة مشدداً. فيصح مثلث لورود ثلث وخمس إلخ. وقد قال المصنف في مقاماته: فتربع صاحب ميمنته في نظمه، وتسبع صاحب ميسرته [على رغمه] وقال: أيجب الغسل على من أمنى؟ قال: لا ولو ثنى. فاستعمل فعل من العدد وخالف نفسه. (في بعض النوادر أن (إبراهيم بن المهدي) وصف لنديم له طيب ند اتخذه من ثلاث، ثم أتاه بقطعة منه، فألقاها على مجمرة، ووضعها تحته، فخرجت منه ريح في أثناء تجمره، فقال: ما أجد هذه المثلثة طيبة. فقال له أي فديتك، قد كانت طيبة حين كانت مثلثة، فلما ربعتها خبثت). ويضاهي هذه النادرة: ما حكي من إن (البديع) دخل على (الصاحب بن عباد)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأراد أن يجلس فضرط، فقال: صرير التخت، فقال (الصاحب) بل صفير التخت فخجل (البديع) وانقطع بعد ذلك فكتب إليه (الصاحب): (قل للصفيري لا تذهب على خجل ... من ضرطة أشبهت نايا على عود) (فإنها الريح لا تستطيع تدفعها ... إذ لست أنت سليمان بن داود) ونام عند (المعتمد) بعض الندماء فخرج منه ريح، فلما شعر به قال معتذراً: هذا النوم سلطان. فقال رجل: نعم وقد ضربت طبوله. ثم قال: إني رأيت أن الأمير حملني على فرس. فقال: نعم وقد سمعنا صهيلة. ولولا حب الظرفاء المداعبة لم يكن مثل هذا من مكارم الأخلاق، وأين هو من قصة (حاتم) إذ كلمته امرأة في حاجة لها فضرطت، فقال لها: ارفعي صوتك فإني أصم، فسري عنها، وكان هذا سببه تلقيبه بالأصم. [وللخليل بن أحمد السجزي) شعر:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (إذا نامت العينان من مستيقظ ... تراخت بلا شك تشايخ فقحته) (فمن كان ذا عقل سيعذر ضارطاً ... ومن كان ذا جهل ففي وسط لحيته) (قولهم: صبي يجدد والصواب مجدود لأنه داء يصيب الإنسان مره في العمر من غير أن يتكرر عليه، فلزم أن يبني منه المثال على مفعول). في (الصحاح) الجدري بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما لغتان، يقال منه: جدر الرجل فهو مجدر. وفي (الأساس) ذكر مجدراً ومجدوراً فلا وجه لإنكاره. وليس كل فعل للتكرير والتكثير، فقد يجيئ بمنع فعل، مع أن التكرير والتكثير محقق هنا باعتبار أفراد حباته، وهو في غاية الظهور.

[83]- قمو لا قمى

[83]- قمو لا قمى ويقولون: قمئ الرجل ودفي اليوم: والصواب أن يقال فيهما: قمؤ ودفؤ لينتظما في مسلك حيزهما من أفعال الطبائع التي تأتي على فعل بضم العين مثل بدن وسخن وضخم وعظم، ومثله وضؤ وجهه إذا صار وضيئاً، ووطؤ مركبه إذا صار وطيئاً، ومرء الطعام إذا صار مريئاً، و [مرؤ] الإنسان إذا صار ذا مروءة [ودنو عرض فلان إذا صار دنيئاً وردؤ الطعام إذا صار رديئاً]. ومن أوهامهم في هذا الباب قولهم: تبريت من فلان بمعني برئت منه فيخطئون فيه لأن معني تبريت تعرضت مثل انبريت ومنه قول الشاعر: (وأهله ود قد تبريت ودهم ... وأبليتهم في الحمد جهدي ونائلي) ـــــــــــــــــــــــــــــ (قمئ الرجل ودفي اليوم: والصواب أن يقال فيهما: قمؤ ودفؤ لينتظما في مسلك حيزهما من أفعال الطبائع). قمي بالقاف والميم والهمزة بمعنى صار قميئاً، أى حقيراً، ودفى بدال مهملة وفاء وهمزة بمعنى صار في كن من البرد يسخنه، وقال (ابن بري): حكى (ابن القطاع) قمؤ الرجل قماء وقمي قما بالقصر. اهـ. وفي (القاموس) دفى كفرح وكرم. اهـ .. إذا عرفت ما في كلامه من الخطأ، فإن ما ذكره غير مطرد، وكون قمي ودفي من أفعال الطبيعة وهم على وهم. (ومن أوهامهم في هذا الباب قولهم: تبريت من فلان بمعني برئت منه فيخطئون فيه لأن معني تبريت تعرضت مثل انبريت) ما أنكره معروف عند أهل العربية، ومسموع من العرب كثيراً حتى ظنه بعضهم

[يقال أهلة وأهل] أى تعرضت لودهم، فأما ما هو بمعني البراءة فيقال فيه: قد تبرأت كما جاء في التنزيل {تبرأنا إليك} [ونظير هذا قولهم: هديت من غضب أى سكنت، والصواب إن يقال قد هديت لاشتقاقه من الهدوء، فأما هديت فمشتقه من الهداية والهدى]. ومن أوهامهم في هذا النوع قولهم: التباطي والتوضى والتبرى والتهزى والصواب أن يقال: التباطؤ والتوضؤ والتبرؤ والتهزؤ، وعقد هذا الباب أن كل ما كان على وزن تفعل أو تفاعل مما آخره مهموز كان مصدره على التفعل والتفاعل وهمز آخره، ولهذا قيل: التوضؤ والتبرؤ، لأن تصريف الفعل منهما توضأ وتبوأ، وقيل: التباطؤ والتطأطؤ والتمالؤ والتكافؤ لأن أصل الفعل منها تباطأ وتطأطأ وتمالأ وتكافأ، وهذا الأصل مطرد حكمه غير منحل من هذا السمط نظمه. ـــــــــــــــــــــــــــــ مقيساً مطرداً مطلقاً وقال (المبرد) [في (المقتضب)]: أعلم أن قوما من النحويين يرون إبدال الهمزة من غير علة جائزاً، فيجيزون: قريت واجتريت في معنى قرأت واجترأت، وهذا القول لا وجه له عند أحد ممن تصح معرفته فلا رسم له عند العرب. اهـ. والذي أنكره نقله بعضهم لغة لبعض العرب، ولو لم يكن مطرداً عندهم لم يكن لغة، فإن صح القول بهذا لم يرد عليه ما قاله (المبرد) وفي شرح (الفصيح) أنهم قالوا في أومأت وتوضأت: أو ميت وتوضيت، ووقع مثله في كثير من الأحاديث أيضاً، وقرى به في بعض الشواذ، كقوله- تعالى- {ترجى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من تشاء} وفي الحديث (كان إذا مشي تكفا تكفياً) أي تمايل إلى قدام. روي مهموزاً وغير مهموز. فقول زين العرب: إنه مهموز لكنه ينقل من الصحيح كتقدم تقدماً، ولو خفف ألحق بالمعتل- هو كذلك في بعض النسخ كتسمي تسمياً، وخفف المصدر دون الفعل لاستثقال الضمه غير موجه، لما عرفت من أنه غير مخصوص بالمصدر ولا بالضم، وكذا ما في (كشف البزدوري في بحث الأهلية) من قوله: إن التجزي أصله التجزؤ بالهمز، لكن الفقهاء لينوا الهمزة تخفيفاً كما هو مذهب العرب في المهموزات، فصار تجزو بالواو لوقوعها ساكنة في الطرف مضموماً ما قبلها، فقالوا: التجزي ومثله التوضي من الوضوء. ومن هنا عرفت أن كلام المصنف من أصله غير صحيح، إذ إطلاقه في محل التقييد لما في هذه المسألة من الاختلاف الذي عرفته.

[84]- رخل وليس رخلة

[84]- رخل وليس رخلة ويقولون للأنثى من ولد الضأن: رخلة، وهى في اللغة الفصحى رخل بفتح الراء وكسر الخاء، وقد قيل فيها: رخل بكسر الراء وإسكان الخاء، وعلى كلتا اللغتين لا يجوز إلحاق الهاء بها، لأن الذكر لا يشركها في هذا الاسم وإنما يقال له: حمل، فجرت مجرى عجوز. واتان وعنز وناب، في منه إلحاق الهاء بها، لاختصاصها بالمؤنث. وقد جمع رخل على رخال بضم الراء وهو مما جمع على غير القياس كما قالوا في المرضع: ظئر وظؤار، وفى ولد البقرة الوحشية: فرير وفرار، وللشاة الحديثة العهد بالنتاج ربي ورباب، وللعظم الذي عليه بقية من اللحم: عرق وعراق، وللمولود مع قرينه توأم وتؤام، وعليه قول الراجز: (قالت لها ودمعها تؤام ... كالدر إذ أسلمه النظام) على الذين ارتحلوا السلام فأراد بقوله: ودمعها تؤام أى ينزل قطرتين قطرتين قال الشيخ الإمام. رضي الله عنه .. وقرأت على (أبي الحسن بن على بن غسان) قال: قرأت على (أبي الحسين محمد بن [الحسين الزنجي] (اللغوي قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للأنثى من ولد الضأن: رخلة، وهى في اللغة الفصحى رخل بفتح الراء وكسر الخاء، وقد قيل فيها: رخل بكسر الراء وإسكان الخاء، وعلى كلتا اللغتين لا يجوز إلحاق الهاء بها، لأن الذكر لا يشركها في هذا الاسم) في كلامه خلل من وجوه: الأول لأن قوله في اللغة (الفصحي) مع عدة من الأوهام جمع بين الضب والنون، وفي (القاموس) رخل بالكسر وبهاء، وككتف: الأنثي من أولاد الضأن. وما ذكره من القاعدة مخالف لما في كتب العربية، وتغصيله إن الصفة إما أن يصلح

قرأت على (أبي عبد الله النمري) في كتابه الذي سماه (الاختراع) أن (أبا زيد) حكى أن العرب تقول في ملحها: قيل للضأن ما أعددت للشتاء؟ قالت: اجر جفالاً وأنتج رخالاً، وأحلب كثباً ثقالاً، ولن ترى مثلي مالاً، وفسر أن الجفال الكثير، والرخال جمع رخل والكثب جمع كثبة وهو ما انصب ومار، ومنه سمي الكثيب من الرمل. ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظها ومعناها للمذكر والمؤنث كحسن وقبيح فيذكر مع المذكر ويؤنث مع المؤنث. والثاني: أن يكون معني الصفة ولفظها مختصاً بالمذكر أو المؤنث، فالأول كـ (أكمر) في الكبير الكمرة وهى رأس الذكر، فإن أفعل لا يوصف به إلا المذكر ومعناه مختص به، ومثال الثاني (عذراء) فلفظ فعلاء لا يوصف به إلا المؤنث وكذا معناه هو البكارة. والثالث: أن يكون معنى الصفة مختصاً بأحدهما، ولفظها باعتبار زنته غير مختص (كحائض) فإن معناه مختص بالنساء، وفاعل لا اختصاص له بأحدهما. و (خصي) فإنه يختص بالذكور وفعيل غير مختص. والرابع: ألا يكون المعنى مختصاً واللفظ مختص بأحدهما، ككبر العجز الموجود في الإناث والذكور، فإن العرب وصفت به المذكر فقالت: رجل [أليي من الإلية بمعنى العجز على وزن] أفعل، ولم تقل: امرأة ألياء، ولكن تقول: (عجزاء)، ولا تقول: رجل أعجز، فالمعنى مشترك واللفظ مختص فيهما، وهذا مما ينبغي حفظه. وإذا عرفته فاعلم أنه لا خلاف بين أهل العربية في مطابقة الأول لموصوفه تذكيراً أو تأنيثاً ما لم يؤول، كما لا خلاف فيما اختص بقبيل أنه يلزمه حكمه أيضاً، فإن اختص بالمذكر لزم تذكيره وإن اختص بالمؤنث لزم تأنيثه، وإنما الخلاف بين البصريين والكوفيين فيما اختص معناه بالمؤنث دون لفظ كحائض، هل يلزم تذكيره وعدم إلحاق التاء له لعدم الحاجة إليه أم لا؟ فذهب إلى كل من المذهبين فريق كما فعل النحاة. فما ذكر المصنف أحد قولين. (وقد جمع رخل على رخال بضم الراء وهو مما جمع على غير القياس كما قالوا في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المرضع: ظئر وظؤار، وفى ولد البقرة الوحشية: فرير وفرار، وللشاة الحديثة العهد بالنتاج ربي ورباب، وللعظم الذي عليه بقية من اللحم: عرق وعراق، وللمولود مع قرينه توأم وتؤام) كون المولود مع قرينه توأم لا توأمان، فلا يقال للواحد توأم مذهب (الخليل)، وكثير من أهل اللغة وغيرهم يقول: توأم للواحد وهما توأمان والأنثي توأمة، والمرأة [متئم] ومتئمة ومتئام، وتاؤه بدل من واو، وقيل: إنها أصلية كما في شرح (الفصيح). والمعروف في صيغ الجمع فعال بكسر الفاء، وأما بضمها فعلى خلاف القياس- كما ذكره- لأنه من أبنية المصادر والمفردات كنباح وصراخ. وإذا استعمل بمعني الجمع اختلف فيه، فقيل: هو اسم جمع لا جمع، وقيل: إنه جمع أصلي ولكن الأصل فيه الكسر، والضم فيه بدل من الكسر، كما أنه بدل من الفتح في نحو (سكارى) وهذا اختاره (الزمخشري) في كشافه. ورده (أبو حيان) وشنع عليه فيه بما فصله في (البحر). والوارد منه في كلام العرب ألفاظ محصورة اختلف في عددها، فقيل: ثمانية، ونظمها (صدر الأفاضل) فقال: (ما سمعنا كلما غير ثمان ... هى جمع وهي في الوزن فعال) (فرباب وفرار وتؤام ... وعرام وعراق ورخال) (وظؤار جمع ظئر وبساط ... جمع بسط هكذا فيما يقال) ونسبت هذه الأبيات (للزمخشري)، والأصح ما ذكرناه. وهذا اقتصار على المشهور منها كما في (الفصيح) وشروحه، وقد زادوا عليها ألفاظاً أخر ستراها مبينة هنا بعد شرح هذه، وهى كلها مشروحة في المتن، غير (عرام) بعين وراء مهملتين وهو بمعنى (عراق).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد فسره المصنف أيضا، وبساط جمع بسط وهى الناقة تخلى مع ولدها، مما زيد على هذه أناس بمعني الناس، وظهار جمع ظهر وهو سهم مخصوص، وهو ما جعل من ظهر عسيب الريش وهو الشق الأقصر منه وهو أجودها، كما قاله (القزاز)، وبراء جمع براة، وهى قتيرة الصائد، وأما جمع برئ فقال (السهيلي) أصله براء ككرماء حذفت منه إحدى الهمزتين للتخفيف فوزنه فعا، وانصرف أشبه فعالا، وقيل: إنه كفرار ووزنه فعال، قال (السهيلي): وليس بشئ. وقال (ابن النحاس): البصريون لا يعرفون ضم الباء فيه، وإنما هى مكسورة ككرام، وأما براء بالفتح فمصدر كسلام. وطوال جمع طويل، وثناء جمع ثنى، ورذال جمع رذل، وندال جمع ندل، وهما بمعنى خسيس .. ذكرهما (ابن خالويه) وظباء جمع ظبية بالضم وهى منعرج الوادي، وكباب وهى الكثير المتراكم من الإبل كما في (الجمهرة)، وملاء جمع لملاء بالكسر كما في (الجمهرة) أيضاً وقماش للمجتمع من كل ردئ كما في (المحكم) وسحاح سحاح بمعني [سأة] كما ذكره (القزاز) ورعاء في جمع راع كما في (البحر)، ولهاث باللام والهاء والمثلثة في آخره نقط الخوص كما في (الذيل والصلة) عن (الفراء) وقياسه الكسر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كغيره من هذا الباب. وقوله (كالدر أسلمه النظام) أي انقطع سلكه فتبدد وهو من بليغ الكلام الذي يعرفه من ذاق لطائف العربية.

[85]- الرؤيا والرؤية

[85]- الرؤيا والرؤية ويقولون: سررت برؤيا فلان. إشارة إلي مرآه فيوهمون فيه كما وهم (أبو الطيب) في قوله (لبدر بن عمار) وقد سامره ذات ليلة إلي قطع من الليل: (مضى الليل والفضل الذي لك لا يمضي ... ورؤياك أحلى في الجفون من الغمض) والصحيح أن يقال: سررت برؤيتك لأن العرب تجعل الرؤية لما يري في اليقظة. والرؤيا لما يري في المنام. كما قال سبحانه إخباراً عن (يوسف) عليه السلام {هذا تأويل رؤياي من قبل}. ويجانس هذا الوهم قولهم: أبصرت هذا الأمر قبل حدوثه. والصواب فيه أن يقال: بصرت بهذا الأمر، لأن العرب تقول أبصرت بالعين وبصرت من البصيرة. ومنه قوله تعالى {بصرت بما لم يبصروا به} وعليه فسر قوله تعالى {فبصرك اليوم حديد} أي علمك بما أنت فيه اليوم نافذ. وإلي هذا المعنى يشار بقولهم: هو بصير بالعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: سررت برؤيا فلان. إشارة إلي مرآه فيوهمون فيه كما وهم (أبو الطيب)). هذا بناء على أن رأي مشترك ففرقوا بين المصدرين فيه، فيقولون لما يري في اليقظة: رآه رؤية، ولما يري في النوم والحلم: رآه رؤيا، وفية ثلاثة أقوال لأهل اللغة: أحدهما: ما ذكره المصنف. والثاني: أنهما بمعني فيكونان يقظة ومناماً.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: أن الرؤية عامة، والرؤيا تختص بما يكون في الليل ولو يقظة، فقول (المتنبي) (لبدر بن عمار) وقد سامره في بعض الليالي: (مضي الليل والفضل الذي لك لا يمضي ... ورؤياك أحلى في العيون من الغمض) على أحد الأقوال محتاج إلي التأويل، ولهذا قيل: حقه أن يقول: ولقياك بدل رؤياك. فهو على هذا استعارة، شبه الحلم لاستقرابه كأنه لا يتيسر لمثله حقيقة مسامرته، أو هو مجاز مرسل لوقوع الرؤيا غالباً ليلاً، وقال (ابن بري) الرؤيا- وإن كانت في المنام- فالعرب استعملتها في اليقظة كثيراً، فهو مجاز مشهور كقول (الراعي): (ومستنبح تهوي مساقط رأسه ... على الرحل في طخياء طمس نجومها) (رفعت له مشبوبة عصفت لها ... صبا تزدهيها مرة وتقيمها) (فكبر للرؤيا وهش فؤاده ... وبشر نفساً كان قبل يلومها) وعليه أكثر المفسرين في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} يعني ما رآه ليلة المعراج يقظة على الصحيح. وقيل إن (المتنبي) أراد أنه رآه يقظة مع أن رؤياه في النوم ألذ من الغمض والنوم وهو بعيد من السياق. وفي (الروض الأنف) الرؤيا تكون بمعنى الرؤية، كما في قول (الراعى)، والغمض تطبيق الجفن على العين، ويكني به عن النوم، وقوله: اليقظة بفتحات وتسكين القاف. قالوا: إنه ضرورة كقول (التهامي):

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فالعيش نوم والمنية يقظة ... والمرء بينهما خيال ساري) (ويجانس هذا الوهم قولهم: أبصرت هذا الأمر قبل حدوثه. والصواب فيه أن يقال: بصرت بهذا الأمر، لأن العرب تقول أبصرت بالعين وبصرت من البصيرة) ليس هذا كما زعم لاستعمال كل منهما بمعني [الآخر]. وقال (ابن بري): قوله تعالى: {فبصرت به عن جنب} بمعني أبصرته، وفي المثل: (لأرينك لمحاً باصراً) فسر باصراً فيه بمبصر كطائع ومطيع، ونائل وناصب بمعني منيل ومنصب، وقال (أبو عبيدة) في كتاب (المجاز): بصرت به وأبصرته بمعنى، وفي الحديث (فبصر بحماره) أي أبصره. والتبصر يكون بمعني التأمل. قال (الزمخشري) في شرح مقاماته: التبصر التأمل وطلب الإبصار، وقال (زهير): تبصر خليلي هل ترى من ظعائن ........

[86]- قولهم: قال فلان كيت وكيت.

[86]- قولهم: قال فلان كيت وكيت. ويقولون: قال فلان كيت وكيت. فيوهمون فيه لأن العرب تقول: كان من الأمر كيت وكيت، وقال فلان ذيت وذيت، فيجعلون كيت وكيت كناية [عن الأفعال وذيت وذيت كناية] عن المقال، كما أنهم يكنون عن مقدار الشئ وعدته بلفظة (كذا وكذا) فيقولون: قال فلان من الشعر كذا وكذا بيتاً، واشتري الأمير كذا وكذا عبداً. والأصل في هذه اللفظة (ذا) فأدخل عليها كاف التشبيه، إلا أنه قد انخلع من ذا معنى الإشارة ومن الكاف معني التشبيه، بدلالة أنك لست تشير إلي شئ ولا تشبه شيئاً بشئ، وإنما تكني بها عن عدد ما فتنزلت الكاف في هذا الموطن منزلة الزائدة اللازمة. وصارت كقولهم افعله آثرا ما [يقال افعله آثراً ما وآثراً بغير ما ويقال ابدأ بهذا آثراً أي أول. معناه آثرتك بهذا فخذه] ولفظة ذا مجرورة بها إلا أن الكاف لما امتزجت بذا وصارت معه كالجزء الواحد ناسبت لفظتها لفظة حبذا التي لا يجوز أن تلحقها علامة التأنيث. فتقول: عنده كذا وكذا جارية ولا يجوز أن تقول كذه، كما لا يقال حبذه هند، وعند الفقهاء أنه إذا قال من له معرفة بكلام العرب: لفلان على كذا وكذا درهماً، ألزم له أحد عشر درهماً، لأنه أقل ـــــــــــــــــــــــــــــ (كيت وكيت كناية عن الأفعال وذيت وذيت كناية عن المقال) قال (ابن بري): هذا الفرق مذهب (ثعلب) ومن تبعه، وأما (الخليل) و (سيبويه) ومن تابعهم فلا يفرقون بينهما، وقد نسي المصنف ما قاله هنا، فقال في مقاماته: (فقهقهوا من كيت وكيت وإنما أضحكهم خبر ذيت وذيت). (كما أنهم يكنون عن الشئ وعدته بلفظة كذا وكذا). قال (ابن هشام) في رسالته التي صنفها في معني هذه الكلمة: كذا وكذا يكنى بها

الأعداد المركبة، وإن قال له على كذا وكذا درهماً ألزم له واحداً وعشرين درهماً، لكونه أول مراتب العدد المعطوفة. وذاك أن المقر بالشئ المبهم لا يلزم إلا أقل ما يحتمله إقراره ويشتمل عليه اعترافه. كما إذا قال علي دراهم لزمة ثلاثة لأنها أدنى الجمع. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن غير العدد، وفيها (ح) الإفراد والعطف نحو مررت بمكان كذا وكذا ويكنى بها عن العدد وليس فيها إلا العطف، وكذا مثل بها (سيبويه) و (الأخفش) قال كذا وكذا لطفاً به: نسى الجهد، وصرح به النحاة. وقال (ابن مالك): سمع فيها العطف وعدمه كالأولى، لكنه قليل، فهى لا تختص بالعدد كما توهمه المصنف، وكذا ورد في الحديث. [(وعند الفقهاء أنه إذا قال من له معرفة بكلام العرب: لفلان على كذا وكذا درهماً لزمه أحد عشر لأنه أقل الأعداد المركبة، وإن قال: له علي كذا وكذا درهماً لزمه أحد وعشرون درهماً لكونه أول مراتب العدد المعطوف). فيلزم بأقل ما يحتمله كلامه كما قال المصنف، وقال (ابن هشام) في رسالته: اختلفوا في هذا وقالوا: لو أفرد كذا أو كررها بلا عطف وكان المميز مرفوعاً أو منصوباً

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لزمه ردهم، فإن عطف ونصب أو رفع فكذلك عند (أبي حامد) وقيل: درهمان وقيل: درهم. وبعض آخر، وقيل درهم مع الرفع ودرهمان مع النصب، وإن قال ذلك كله بالخفض قيل تفسيره بدون الدرهم، وهذا كله إن كان يعرف العربية، فإن لم يعرفها لزمه درهم في الجميع، واختلف الأئمة فيه مفصل في الفروع فلا حاجة إلى الإطالة بذكره، فإن مثله هنا من الفضول]. ثم ذكر دخول كاف التشبيه [وأنه انسلخ عنها معني التشبيه] وصارت كناية له فقال: (إنما يكنى بها عن عدد ما فنزلت الكاف في هذا الموطن منزلة الزائدة اللازمة وصارت كقولهم: آثروا ما. الآثر ممدود بزنة فاعل من الأثرة بالثاء والراء المهملة، وفى (القاموس) فعل آثرا ما، وآثر ذي أثير وأول ذي أثير وذي أثر، أى أول شئ فليست زيادة فيه لازمة كما زعمه المصنف. قال (عروة بن الورد). (وقالوا ما تشاء؟ فقلت: الهو ... إلي الإصباح آثر ذي ذي أثير) وهو من قولهم: فلان أثيري أي خالص لي، أي أوثر اللهو أول كل شئ، وقال (الميدانى): معناه أفعل كل شئ أفعله مؤثراً له، وقال (الأصمعي): أفعل ذلك عازماً عليه، وما تأكيد، ويقال أيضاً: أفعله آثر ذي أثير، أى أول شئ، وفيه كلام في (كشف الكشاف).

[87]- صحة ضبط مضارع ذخر

[87]- صحة ضبط مضارع ذخر ويقولون في مضارع ذخر: يذخر بضم الخاء. والصواب فتحها كما يقال فخر يفخر وزخر البحر يزخر. ومن أصول العربية أنه إذا كانت عين الفعل أحد حروف الحلق التي هى الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء كان الأغلب فتحها في المضارع، نحو سأل يسأل، وذهب يذهب، ونعب ينعب وسحر يسحر، وفغر فاه يفغر، وفخر يفخر، فإن نطق في بعضها بالكسر أو بالضم فهو مما شذ عن أصله وندر عن رسمه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في مضارع ذخر: يذخر بضم الخاء. والصواب فتحها) هذا هو المشهور في كتب اللغة، فإنهم قالوا ذخرته ذخراً من باب نفع والاسم من الذخر بالضم بمعني أعددته لوقت الحاجة، والادخار افتعال منه، وقال (ابن بري): الأصل في مضارع فعل [المفتوح العين أن يجئ على يفعل بالكسر أو الضم ليفترق عن مضارع فعل فعل] المكسور، وما فتح منه فإنما يفتح لأجل حرف الحلق لقرب الفتحة من الألف، يعني أن الضم فيه على القياس المطرد في أمثاله، فلا وجه لتخطئة المصنف لمن قاله، وفيما قاله نظر لا يخفى.

[88]- صحة تصغير مختار

[88]- صحة تصغير مختار ويقولون في تصغير مختار: مخيتير. والصواب مخير، لأن الأصل في مختار مختير فالتاء فيه تاء مفتعل التي لا تكون إلا زائدة، ويدل على زيادتها في هذا الاسم اشتقاقه من الخير، ومن حكم التصغير حذف هذه التاء، فلهذا قيل: مخير، ومن عوض من المحذوف قال مخيير. وقد غلط الأصمعي في تصغير هذا الاسم غلطاً أودع بطون الأوراق، وتناقلته الرواة في الآفاق، وذلك أن (أبا عمر الجرمي) حين شخص غلى بغداد ثقل موضعه على (الأصمعي) إشفاقاً من أن يصرف وجوه أهلها عنه، ويصير السوق له. فأعمل الفكر فيما يغض منه، فلما ير إلا أن يرهقه فيما يسأله عنه. فأتاه في حلقته وقال له: كيف تنشد قول الشاعر: (قد كن يخبأن الوجوه تستراً ... فاليوم حين بدان للنظار) أو حين بدين؟ فقال له: بدأن. قال: أخطأت. فقال: بدين، قال: غلطت إنما هو حين بدون، أي ظهرن، فأسرها (أبو عمر) في نفسه، وفطن لما قصده، واستأني به إلى أن تصدر [الأصمعي] في خلقته واحتف الجمع به، فوقف به، وقال له: كيف تقول في تصغير مختار؟ . فقال: مخيتير. قال: أنفت لك من هذا القول. أما تعلم أن اشتقاقه من الخير وأن التاء فيه زائدة، ولم يزل يندد بغلطه ويشنع بع إلي أن انفض الناس من حوله.

[89]- قولهم في دستور بفتح الدال

[89]- قولهم في دستور بفتح الدال ويقولون دستور بفتح الدال. وقياس كلام العرب فيه أن يقال بضم الدال كما يقال بهلول وعرقوب وخرطوم وجمهور ونظائرها، مما جاء على فعلول. إذ لم يجئ في كلامهم فعلول بفتح الفاء إلا صعفوق وهو اسم قبيلة باليمامة قال فيهم (العجاج): من آل صعفوق وأتباع أخر .... ويشاكل هذا الوهم قولهم: أطروش بفتح الهمزة والصواب ضمها. كما يقال: اسكوب وأسلوب، على أن الطرش لم يسمع في كلام العرب العرباء، ولا تضمنته أشعار فحول الشعراء [الأدباء]. ونقيض هذه الأوهام قولهم لما يلعق: لعوق ولما يستف: سفوف ولما يمص: مصوص، فيضمون أوائل هذه ألسماء وهي مفتوحة في كلام العرب كما يقال برود وسعوط وغسول. ومما يشاكل هذا قولهم: تلميذ وطنجير وبرطيل وجرجير بفتح أوائلها وهي على قياس كلام العرب بالكسر إذ لم تنطق في هذا المثال إلا بفعليل بكسر الفاء كما قالوا: صنديد وقطمير وغطريف ومنديل. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون دستور بفتح الدال. وقياس كلام العرب فيه أن يقال بضم الدال كما يقال بهلول وعرقوب وخرطوم) الدستور كما في (القاموس) دفتر يكتب فيه أسماء الجند والمرتزقة، ويستعمل بمعنى الاستئذان وقيل: إنه أصل معناه في الفارسية، وفي (الطلبة) للنسفي: الإذن فارسيته (دستوري وادن).

ذكر (ثعلب) في بعض أماليه إن قول الكتاب لكيس الحساب: تليسة بفتح التاء مما وهموا فيه، وأن الصواب كسرها، كما يقال سكينة وعريسة. وعلى مقاد هذه القضية يجب أن يقال في اسم المرأة (بلقيس) بكسر الباء كما قالوا في تعريف (برجيس) وهو اسم النجم المعروف بالمشتري (برجيس) بكسر الباء لأن كل ما يعرب يلحق بنظائره في أمثلة العرب وأوزان اللغة. وعلى ذكر (بلقيس) فإني قرأت في أخبار (سيف الدولة ابن حمدان) أنه لما امتدحه الخالديان بعث إليهما وصيفاً ووصيفة ومع كل منهما بذرة وتخت من ثياب مصر والشام فكتبا إليه في الجواب: (لم يغد شكرك في الخلائق مطلقا ... إلا ومالك في النوال حبيس) (خولتنا بدراً وشمساً أشرقت ... بهما لدينا الظلمة الحنديس) (رشأ أتانا وهو حسناً يوسف .. وغزالة هي بهجة بلقيس) (هذا ولم تقنع بذاك وهذه ... حتى بعثت المال وهو نفيس) (أتت الوصيفة وهي تحمل بدرة ... وأتى على ظهر الوصيف الكيس) ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي حواشي (المطالع الشريفية): الدستور بضم الدال فارسي معرب ومعناه الوزير الكبير الذي يرجع إليه في الأمور، وأصله الدفتر الذي يجمع فيه قوانين المالك وضوابطه، فسمي به الوزير، لأن ما فيه معلوم له، أو لأنه مثله في الرجوع إليه، أو لأنه في يده، أو لأنه لا يفتح إلا عنده.

(وكوتنا مما أجادت حوكه ... مصر وزادت حسنه بتيس) (فغدا لنا من جودك المأكول ... والمشروب والمنكوح والملبوس) فلما قرأها (سيف الدولة) قال: لقد أحسنا إلا في لفظة المنكوح إذ ليست مما يخاطب بها الملوك وهذا من بدائع نقده المليح وشواهد ذكائه الصريح: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد قيل: إنه في الأصل مفتوح وضم لما عرب، فعلى هذا لا يكون الفتح خطأ نظراً لأصله، لأن العرب لم تعربه قديماً حتى ينسخ أصله بالكلية لاندراجه باستعمالهم في عداد الأسماء العربية، وقد قال (ابن بري): ظاهر كلامه يقتضي أن جميع ما عربته العرب من كلام العجم لا بد من إلحاقه بكلامهم، وليس كذلك، وسيأتي تفصيله- إن شاء الله تعالى-. (لم يجئ في كلامهم فعلول بفتح الفاء إلا قولهم: صعفوق وهو اسم قبيلة باليمامة). هذا مما تبع فيه (الجوهري) وليس بصحيح عندهم. قال في شرح (الفصيح): ليس لنا فعلول بالفتح إلا صعفوق قوم باليمامة، وزنوق وهو ما يبني على البئر، وبرشوم لنخلة، وصندوق في لغة، وحكي ضمه أيضاً، وزيد قربوس السرج بسكون الراء، فإنه لغة فيه ضرورة كما قيل، وعصفور في لغة حكاها (ابن رشيق) والمشهور فيه الضم و (سحنون) علم مشهور، وإن احتمل فعلول أيضاً إلا أن الأول اختاره (القاموس)، واعترض على المصنف بأن كلامه يقتضي أن صعفوقاً عربي وليس كذلك. وقد صرح (الجوهري) بأنه غير منصرف للعلمية والعجمة، وقول (الجوهري) لم يجئ على فعلول شئ غيره، أراد في الكلام مطلقاً ولو معرباً من العجمية، وفيه ما مر، وأما خرنوب فالفصيح فيه الضم أو التشديد مع حذف النون، وإنما يفتحه العامة. وقول (ابن الحاجب) في (الشافية): لندور فعلول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نوقش، وأغرب منه قول الشارح، لو قال: لعدم فعلول كان أولى، وبقي فيه أسئلة وأجوبة في شرح (الشافية) تركناها خوف الملل. قال: ( ............. من آل صعفوق وأتباع أخر ............. ) هو من أرجوزة (للعجاج)، وقبله: (فهو ذا فقد رجا الناس الغير ... من أمرهم على يديل والتنؤر) من آل صعفوق وأتباع أخر يخاطب (عمر بن عبيد الله بن معمر) أى الأمر هذا الذي ذكرته من مدحي لعمر، والغير: [تغير] الأمور، ولهذا أطلقت على نوائب الدهر وحوادثه، أى تغيرت الأمور بإمارتك من الفساد إلى الصلاح، والثؤر بضم ففتح: جمع ثؤرة وهي الثأر والانتقام من الجاني، أي قد الم الناس إن تثار بمن قتلت الخوارج من المسلمين. (أطروش بفتح الهمزة والصواب ضمها. كما يقال: أسكوب وأسلوب، على أن الطرش لم يسمع في كلام العرب العرباء). قال أهل اللغة: الطرش بزنة الصمم وبمعناه مولد، وليس بعربي محض، ولم يرد في كلام فصيح، وقيل: إنه أصل الصمم، وقيل أقدم. وتصريف الصيغ منه لكنه عامية قبيحة، وقيل: إنه معرب، ونقل (الأنصاري) عن بعض أهل اللغة أنه عربي محض، وفي (المعرب): الطرش الصمم، وقد طرش من باب لبس، ورجل أطروش به وقر ورجال طرش. اهـ. وأسكوب بمعنى مسكوب أو منسكب، والأسلوب بالضم طريق ممتد، وأساليب الكلام طرقه استعاره منه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (ونقيض هذه الأوهام قولهم لما يلعق: لعوق ولما يستف: سفوف ولما يمص: مصوص، فيضمون أوائل هذه ألسماء وهي مفتوحة) إشارة إلى ما قاله "الثعلبى" وغيره من أئمة اللغة: إن أسماء الأشياء التي يعالج بها ويتداوى قد بنتها العرب على فعلول بالفتح، والضم فيها خطأ. والرود بفتح الباء وضم الراء وآخره دال مهملة: الكحل وتمثيله لفعليل بمنديل بناء على أصالة الميم فيه والصحيح خلافه. (وقول الكتاب لكيس الحساب: تليسة بفتح التاء مما وهموا فيه، وأن الصواب كسرها، كما يقال سكينة وعريسة). تليسة بكسر الياء المثناة من فوق واللام المشددة المكسور تليها سين مهملة الكيس الذي يوضع فية الدفاتر، وظاهر قول الكتاب أنه لم يسمع من العرب إلا أن صاحب "القاموس" ذكره من غير تردد فيه، والعاملة تستعمله بمعنى الغرارة، وسكينة بالتاء لغة من سكين، وهى الآلة المعروفة، والعريسة بمهملات مأوى الأسد ومحله. والخالديان أخوان معروفان، وما ذكره من القصيدة مذكور في "اليتيمة". ("وتنيس" بكسر التاء بلدة قريبة من "دمياط").

90 - الإخبار عن كلا وكلتا

90 - الإخبار عن كلا وكلتا وقولون: كلا الرجلين خرجا وكلتا المرأتين حضرتا، والاختيار أن يوجد الخبر فيهما، فيقال: كلا الرجلين خرج وكلتا المرأتين حضرت، لأن كلا وكلتا اسمان مفردان وضعا لتأكيد الاثنين والاثنتين وليسا في ذاتهما مثنيين، ولهذا وقع الإخبار عنهما كما يخبر عن المفرد ولهذا نطق القرآن في قوله تعالى: (كلتا الجنتين آتت أكلها) ولم يقل: آتتا وعليه قول الشاعر: (كلانا ينادى يا نزار وبيننا ... قناً من قنا الخطى أو من قنا الهند) ومثله قول الآخر: (كلانا غنى عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا) فقال الأول: كلانا (ينادى) ولم يقل يناديان، وقال الآخر: كلانا غنى ولم ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر خبر كلا وكلتا فقال: (الاختيار أن يوحد الخبر فيها فيقال: كلا الرجلين خرج، وكلتا المرأتين حضرت، لأن كلا وكلتا اسمان مفردان). في "المغنى" وغيره يجوز في كلا وكلتا مراعاة لفظهما في الإفراد نحو (كلتا الجنتين آتت أكلها) ومراعاة معناهما، وهو قليل، وقد اجتمعا في قوله: (كلاهما حين جد الجرى بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابى)

يقل غنيان، فإن وجد في بعض الأخبار تثنية الخبر عن كلا وكلتا، فهو مما حمل على المعنى أو لضرورة الشعر. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يقل أحد: إنه ضرورة، فلا معنى لما ذكر المصنف، (ولا لقول المحشى) إنه ضرورة، ومثله قول الآخر: (كلانا غنى عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا) قال المحشى: إنه "للمغيرة التيميمى"، والصحيح - كما في "كامل المبرد" و " زهر الآداب للحصرى" أنه "لعبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبى طالب" وقبله: (رأيت "فضيلاً كلن شيئاً ملففا ... فكشفه التمحيص حتى بدا ليا) (أأنت أخى ما لم تكن لى حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا) (فلا زاد ما بينى وبينك بعدما ... بلوتك في الحاجات إلا تماديا) (فلست براء عيب ذى الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضياً) (فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدى المساويا) (كلانا غنى عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا)

91 - أنت تكرم على لا تكرم على

91 - أنت تكرم على لا تكرم على ويقولون: أنت تكرم على بضم التاء وفتح الراء. والصواب تكرم بفتح التاء وضم الراء لأن فعله الماضى كرم، ومن أصول العربية أن كل ما جاء من الأفعال الماضية على مثال فعل بضم العين كان مضارعه يفعل، نحو حسن يحسن وظرف يظرف، وإنما ضمت عين المستقبل من هذا النوع ولم يخال به بناء الماضى للمحافظة على المعنى الموضوع له على هذا المثال، وذلك أن ضمة العين جعلت دليلاً على فعل الطبيعة فلو كسرت أو فتحت لذهب ذلك المعنى.

92 - شغب بسكون العين لا بفتحها

92 - شغب بسكون العين لا بفتحها ويقولون فيه شغب بفتح العين فيوهمون فيه كما وهم بعض المحدثين في قوله: (يا ظالما يتجنى جئت بالعجب ... شغبت كما تغطى الذنب بالشغب) (ظلمت سراً وتستعدي علانية ... أضرمت ناراً وتستعفى من اللهب) والصواب شغب باسكان الغين كما قال الشاغر: (رأيتك لما نلت مالاً وعضنا ... زمان يرى في حد أنيابه شغبا) (جعلت لنا ذنباً لتمنع نائلاً ... فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا) ونظير هذا الوهم قولهم للداء المعترض في البطن: المغص بفتح الغين فيغلطون فيه لأن المغص بفتح العين هو خيار الإبل يدل عليه قول الراجز: (أنت وهبت هجمة جرجورا ... أذماً وحراً مغصاً خبوراً) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: فيه شغب، بفتح العين، فيوهمون فيه كما وهم بعض المحدثين في قوله: (يا ظالما يتجنى جئت بالعجب ... شغبت كيما تغطى الذنب بالشغب) (ظلمت سرا وتستعفى علانية ... أضرمت نارا وتستعفى من اللهب) والصواب فيه شغب بسكون العين المعجمة). ليس الأمر كما ذكره، فإن فتح الغين فيه وتسكينها جائز سماعاً وقياساً، وفى "الأساس" شغبت على القوم: هيجت عليهم للشر، وفلان طويل الشغب والشغب قال:

الجرجور: العظام من الإبل والخبور: الغزيرات الدر. فأما اسم الداء فهو المغص بإسكان الغين، وقد يقال بالسين. وأما المعص بفتح العين المغفلة فهو وجع يصيب الإنسان في عصبه من الشئ. وفى الحديث أن " عمرو بن معدى كرب" شكا إلى "عمر" رضى الله عنه المعص فقال كذب عليك العسل، أى عليك بسرعة المشى إشارة إلى اشتقاقه من عسلان الذئب. ـــــــــــــــــــــــــــــ (فولا بغتانة سبهللة ... غانية في كلامها شغب) وقال آخر: (أغص أخا الشغب الألد بريقه ... فينطق بعدى والكلام غصيص) فأجازهما وحكى سماعهما، وكذا قاله "ابن دريد" وتبعه صاحب "القاموس" و "ابن برى" وفعله شغب بكسر العين وفتحها، ويقال: شغب وجغب بالشين والجيم، وفسروه بتهييج الشر، وهذا وجه السماع فيه، وأما وجه القياس فقال "ابن جنى" في "المحتسب": قرأ سهل شعيب السهمى" جهرة وزهرة في كل موضوع محركاً. ومذهب أصحابنا في كل حرف ساكن بعد فتح لا يحرك إلا على أنه لغة كالنهر والنهر والشعر والشعر وكالحلب والحلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومذهب الكوفيين أنه يجوز تحريك الثانى لكونه حرفا حلقياً قياساً مطرداً كالبحر والبحر، وما أرى الحق إلا معهم، وكذا سمعته من عامه "عقيل"، وسمعت "الشجرى" يقول: هو محموم بفتح الحاء، وليس في الكلام مفعول بفتح الفاء، وقالوا: اللحم يريدون: اللحم، وقالوا: سار نحوه بفتح الحاء، ولو كانت الحركة أصلية ما صحت اللام أصلا. اهـ. (وقال الشاعر) هو "زيد بن جنيا" يخاطب أخاه، وقبله: (لحة الله أكيانا زنادا وشرنا ... وأيسرنا عن عرض والده ذبا) (رأيتك لما نلت مالا وعضنا ... زمان ترى في حد أنيابه شغبا) قد عرفت أن الفتح والسكون فيه مسموعان فصيحان، وأن ما ذكره المصنف - وإن تبع فيه "الجوهرى" - مردور وراية ودراية. وعض الزمان بأنيابة تضييقه بنوائبه، ويقال: عض وعظ، بضاد وظاء مشالة، وفى معنى الشعر المذكور ما قلته: (أراك ابتدعت الذنب للناس فاتحا ... بذلك باب الذنب من بعد قطله) (غناك غدا ذنبا لدهر مقصر ... عذرك اسداء النوال لأهله) (ونظير هذا الوهم قولهم للداء المعترض في البطن: مغص، بفتح الغين فيغلطون فيه، لأنه المغص بفتح الغين هو خيار الإبل). قال " ابن برى" إنكاره المغص بفتح الغين المعجمة في الداء المعترض في البطن والجوف هو قول "ابن السكيت" فإنه لا يرى فيه إسكان الغين، وغيره من أهل اللغة يخالفه فيه. وقال "ابن القوطية" في "أفعاله": يقال ": مغص ومغس كعلم، بالصاد والسين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مغصاً ومغساً بالفتح والإسكان فيهما، وهى لغات فصيحة، فلا يغرنك ما قاله المصنف، فإن الحق خلافه كما عرفته. (وأما المعص بفتح العين المغفلة فهو وجع يصيب الإنسان في عصبه من الشئ. وفى الحديث أن " عمرو بن معدى كرب" شكا إلى "عمر" رضى الله عنه المعص فقال كذب عليك العسل، أى عليك بسرعة المشى إشارة إلى اشتقاقه من عسلان الذئب) كذب في الحديث اسم فعل بمعنى إلزم، ويجوز فيه الرفع والنصب، والعسل بمعنى العسلان وهو سرعة المشي، ويكون بمعنى الشهد كما هو مشهور وهذا التركيب من غرائب العربية، وتحقيقه- كما قاله (أبو على الفارسي) - أن الكذب ضرب من القول والنطق، فإذا جاز في القول الذي الكذب ضرب منه أن يتسع فيه، فيجعل غير نطق في نحو قوله: قد قالت الأنساع. للبطن الحق ونحو قوله- في صفة الثور-: بكر ثم قال في التبكير جاز في الكذب أن يجعل غير نطق في نحو قوله: كذب القراطف والقروف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون ذلك انتفاء لها، كما أنه إذ أخبر عن الشئ بخلاف ما هو به كان ذلك انتفاء للصدق فيه، فمعني قوله: كذبت عليكم، أو عدوني لست لكم وإذا لم أكن لكم ولم أعنكم كنت منابذاً لكم ومنتفياً نصرتي عنكم ففي ذلك إغراء منه لهم به. وقوله: كذب العتيق أي لا وجود للعتيق وهذا التمر فاطلبه، وقال بعضهم: قول الأعرابي- وقد نظر إلي جمل نضو له-: كذب عليك القت النوى. وروى: البزر والنوى، ومعناه أن القت والنوى ذكراً أنك لا تسمن بهما فقد كذبا عليك، فعليك بهما فإنك تسمن بهما. وقال (أبو على): فأما من نصب البزر فإن عليك فيه لا يتعلق بكذب، ولكنه يكون اسم فعل، وفيه ضمير المخاطب، وأما كذب ففيه ضمير الفاعل، وكأنه قال: كذب السمن أي انتفى من تغيرك فأوجده بالبرز والنوى، فهما مفعولان وأضمر لدلالة الحال عليه في مشاهدة عدمه. وفي (القصريات) قال (أبو بكر) في قول من نصب الحج، فقال: كذب عليك الحج. إنه كلامان كأنه قال: كذب، يعني رجلاً ذم إليه الحج، ثم هيج المخاطب على الحج فقال: عليك الحج. هذا وعندي قوله هو القول، وهو أنها كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم، ولذلك لم تتصرف ولزمت طريقة واحدة في كونها فعلاً ماضياً معلقاً بالمخاطب ليس إلا، وهى في معنى الأمر كقولهم في الدعاء: رحمك الله. والمراد بالكذب الترغيب والبعث من قول العرب: كذبته نفسه إذا منته الأماني وخيلت [له] من الآمال ما لا يكاد يكون، وذلك مما يرغب الرجل في الأمور ويبعثه على التعرض لها، ويقولون- في عكس ذلك-: صدقته نفسه إذا ثبطته وخيلت إليه المعجزة والنكد في الطلب، ومن ثم قالوا للنفس: الكذوب. قال (أبو عمرو بن العلاء): يقال للرجل يهدد الرجل ثم يكذب ويكع: صدقته الكذوب، وأنشد:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأقبل نحوي على قدره ... فلما وفى صدقته الكذوب) وأنشد (الفراء): حتى إذا ما صدقته كذب أي نفوسه، جعل للواحد نفوساً لتفرق الرأي وانتشاره، فمعنى قوله: كذبك الحج أى ليكذبك أى لينشطك ويبعثك على فعله. وأما كذب عليك الحج فله وجهان: أحدهما: أن يضمن معنى فعل يتعدى بحرف الاستعلاء، أو يكون على كلامين كأنه قال: كذب الحج. عليك الحج، أي ليرغبك: الحج هو واجب عليك وأضمر عليه. ومن نصب الحج فقد جعل عليك اسم فعل، وفي كذب ضمير الحج، كما في (الفائق).

[93]- سداد بالكسر لا بالفتح

[93]- سداد بالكسر لا بالفتح ويقولون: هو سداد من عوز: فيلحنون في فتح السين كما لحن (هشيم) المحدث فيها والصواب أن يقال بالكسر. نادرة لطيفة وجاء في أخبار النحويين: أن (النضر بن شميل المازني) استفاد بإفادة هذا الحرف ثمانين ألف درهم، ومساق خبره ما أخبرنا به (أبو علي ابن أحمد التستري) عن حمية القاضي (أبي القاسم عبد العزيز بن محمد العسكري) عن (أبي أحمد بن الحسن بن سعيد العسكري) اللغوي عن أبيه عن (إبراهيم بن حامد) عن (محمد بن ناصح الأهوازي) قال حدثني (النضر بن شميل) قال: كنت أدخل على ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: هو سداد من عوز: فيلحنون في فتح السين كما لحن (هشيم) المحدث فيها والصواب أن يقال بالكسر) قال (ابن بري): هذا وهم من وجهتين لأنه خطأ ما عدا الكسر، وهذا (يعقوب بن السكيت) سوي بينهما في (إصلاح المنطق) في باب فعال وفعال بمعني واحد، فقال: يقال: سداد من عوز وسداد من عوز، كل يقال. وكذا حكاه (ابن قتيبة) في (أدب الكاتب) وكذا في (الصحاح) إلا أنه زاد والكسر أفصح، والعوز هو الحاجة، وسداد: البلغة ومقدار ما يدفع به الحاجة. وقوله في الحديث: (لدينها وجمالها) صوابه لمالها وجمالها.

المأمون في سمره فدخلت عليه ذات ليلى وعلى قميص مرقوع، فقال: يا نضر ما هذا التقشف؟ حتى تدخل على أمير المؤمنين في الخلقان؟ قلت: يا أمير المؤمنين أنا شيخ ضعيف، وحر مرو شديد فأتبرد بهذه الخلقان، قال: لا ولكنك قشف. ثم أجرينا الحديث فأجرى هو ذكر النساء. فقال: حدثنا (هشيم) عن (مجالد) عن (الشعبي) عن (ابن عباس) رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد من عوز" حدثنا (عوف ابن أبي جميلة) عن (الحسن) عن (علي بن ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: الذي رواه (ابن عساكر) مسنداً، ونقله (السيوطي) من غير نكير: إنما هو لدينها وجمالها. وفي هذه القصة أنه قال: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب، قال: قول ابن (حيص بيص) في (الحكم بن مروان):

أبي طالب) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد من عوز" قال: وكان (المأمون) متكئاً فاستوى جالساً، وقال: يا نضر، كيف قلت سداد؟ قلت: لأن السداد هنا لحن. قال: أو تلحنني؟ قلت: إنما لحن (هشيم) وكان لحانة فتبع أمير المؤمنين لفظه، قال: فما الفرق بينهما؟ قلت: السداد بفتح السين القصد في الدين، والسبيل، والسداد بالكسر البلغة وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد. قال: أو تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي يقول: (أضاعوني وأى فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر؟ ) فقال المأمون: قبح الله من لا أدب له، وأطرق ملياً، ثم قال له: ما مالك يا ـــــــــــــــــــــــــــــ (تقول لي والعيون هاجعة: ... أقم علينا يوماً فلم أقم) (أى الوجوه انتجعت؟ قلت لها: ... لأي وجه إلا إلى الحكم؟ ) (متى يقل حاجباً سرادقه: ... هذا (ابن بيص) بالباب يبتسم) (قد كنت أسلمت فيك مقتبلاً ... هيهات إذا حل أعطنى سلمى) أسلمت: أسلفت، ومقتبلاً: آخذا قبيلاً أى كفيلاً قال: أنشدني أنصف بيت قالته العرب. قال: قول (ابن عروبة المديني): (إنى وإن كان ابن عمى عاتبا ... لمراجم من خلفه ووارثه) (ومفيده نصري وإن كان امرءا ... متزحزحاً في أرضه وسمائه) (وأكون إلي سره وأصونه ... حتى يحن إلى وقت أدائه) (وإذا الحوادث أجحفت بسوامه ... قرنت صحيحتنا إلى جربائه) (وإذا دعى باسمى ليركب مركباً ... صعباً قعدت له على سيسائه) (وإذا أتى من وجهه بطريفة ... لم أطلع فيما وراء خبائه)

نضر؟ قال: أريضة لي بمرو أتصابها وأتمززها، أى أشرب صبابتها. قال: افلا نفيدك مالاً معها؟ قلت: إنى إلي ذلك لمحتاج. قال فأخذ القرطاس وأنا لا أدري ما يكتب، ثم قال: كيف تقول إذا أمرت أن يترب الكتاب؟ قلت أتربه قال: فهو ماذا؟ قلت: مترب. قال: فمن الطين؟ قلت: طنه. قال: فهو ماذا؟ قلت: مطين. قال: هذه أحسن من الأولي. ثم قال: يا غلام أتربه وطنه. ثم صلى بنا العشاء، وقال لخادمه: تبلغ معه إلى (الفضل بن سهل)، قال: فلما قرأ (الفضل) الكتاب ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإذا ارتدي ثوباً جميلاً لم اقل ... يا لين إن على حسن ردائه) قال: أحسنت يا نضر. وذكر المصنف قول (العرجي)، وقد مر أنه بسكون الراء نسبة غلي العرج، مكان بأرض الحجاز، واسمه (عبد الله بن عمرو) ابن عم أمير المؤمنين (عثمان ابن عفان) والشعر المذكور هو قوله: (أضاعوني وأى فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر؟ ) (وصبر عند معترك المنايا ... وقد شرعت أسنتها لنحري) (أجرر في الجوامع كل يوم ... فيالله مظلمتي وقهري) (كأني لم أكن فيهم وسيطاً ... ولم تك نسبتي في آل عمرو)

قال يا نضر إن أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين ألف درهم فما السبب فيه؟ فأخبرته ولم أكذبه، فقال ألحنت أمير المؤمنين. فقلت كلا إنما لحن "هُشيم" وكان لحانة فتبع أمير المؤمنين لفظه وقد تتبع ألفاظ الفقهاء ورواة الآثار. ثم أمر لي "الفضل" من خاصته بثلاثين ألف درهم فأخذت ثمانين ألف درهم بحرف استفيد مني. (لي صديق عندي عوز ... من سداد لا سداد من عوز) (وجهه يذكرني دار البلى ... كلما أقبل نحوي وضمز) (وإذا جالسني جرعني ... غصص الموت بكرب وعلز) (يصف الود إذا شاهدني ... فإذا غاب وشي بي وهمز) (كحمار السوء يبدي مرحاً ... إذا سيق إلي الحمل غمز) (ليتني أعطيت منه بدلا ... بنصيبي شر أولاد المعز) (قد رضينا بيضة فاسدة ... عوضاً منه إذا البيع نجز) ـــــــــــــــــــــــــــــ (عسى الملك المجيب لمن دعاه ... سينجيني فيعلم كيف شكري) (فأجزي بالكرامة أهل ودي ... وأجزي بالضغائن أهل وتري) وسببه أنه كان يشبب «بجعداء» أو «محمد بن هشام» فضربه وحبسه حتى مات،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال هذا الشعر وهو محبوس. وقوله: (أتربه) فهو مترب هو الأفصح، ويقال: تربه فهو مترب بالتشديد، وكذا يقال من الطين: طأنه وطينة فهو مطين كأمير. وقوله: (أتصابها وأتمززها) هو تفاعل من الصب وتفعل من المزة بالزاي المعجمة، بمعنى المص والمراد: أقنع بقليلها للتعيش، وضمز في الأبيات بضاد معجمة وميم مفتوحة وزاي معجمة بمعنى: سكت، وعلز بعين مهملة ولام وزاي معجمة ضجر.

[94]- الفرق بين رق ورك

[94]- الفرق بين رق ورك ويقولون: اقطعه من حيث رق. وكلام العرب اقطعه من حيث رك، أي من حيث ضعف، ومنه قيل للضعيف الرأي ركيك وفي الحديث «إن الله تعالى ليبغض السلطان الركاكة [أو الرككة]. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: قطعة من حيث رق، وكلام العرب: اقطعه من حيث رك أي ضعف). هذا على تقدير السماع فيه أمر سهل، فإنه يلزم من رقة الثوب عدم قوته، فلا مانع من إردة لازمه، وباب المجاز واسع، ولهذا فسر أهل اللغة رق برك، ولا حاجة إلي أن يقال: إن الكاف تبدل قافاً لقرب مخرجها، ومن ملح «ابن نباتة» قوله: (كانت للفظي رقة ... إن الزمان بما استحقت) (فصرفتها عن خاطري ... وقطعتها من حيث رقت) وقلت: (قد كان لي خل على ... نهج النفاق لقد سلك) ركت ملابس وده ... فقطعته من حيث رك)

[95]- هو معي لا عيان

[95]- هو معي لا عيان ويقولون لمن تعب هو عيان. والصواب أن يقال هو معي لأن الفعل منه أعيا، فكان الفاعل منه على وزن مفعل، كما يقال أرخى الستر فهو مرخ وأغلى الماء فهو مغل، وعند أهل اللغة أن كل ما كان من حركة وسعي قيل فيه أعيا، وما كان من قول ورأي قيل فيه عيي. والاسم منها عيي على وزن سخى، وقيل فيه عي على وزن شج وعم، ونظير هاتين اللفظتين في قولهم عيي وعي قولهم حيي وحي، وقرى بهمل قوله تعالى: {ويحي من حيي عن بينة} ومن حي. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن تعب: هو عيان، والصواب هو معي؛ لأن الفعل منه أعيي، فالفاعل على وزن مفعل). الفرق بين أعيا وعيي قاله «الكسائي» وغيره، وإنكاره عيان تبع فيه «الجوهري» وفي «القاموس» إثبات عيان بمعنى العاجز عن الأمر، وهما متقاربان معنى، إلا أن أحدهما حسي، والآخر معنوي، فيجوز إيقاع أحدهما موقع الآخر.

[96]- أفراد الفعل مع الفاعل المثني والجمع

[96]- أفراد الفعل مع الفاعل المثني والجمع ويقولون: قاما الرجلان وقاموا الرجال. فيلحقون الفعل علامة التثنية والجمع وما سمع ذلك إلا في لغة ضعيفة ولم ينطق بها القرآن ولا أخبار الرسول عليه السلام ولا نقل أيضاً عن الفصحاء، ووجه الكلام توحيد الفعل كما قال سبحانه في المنى {قال رجلان} وفي الجمع: {إذا جاءك المنافقون} فأما قوله تعالى {وأسروا النجوى الذي ظلموا} فالذين بدل من الضمير الذي في لفظة أسروا، وقيل: بل موضعه نصب على الذم أي أعني الذين كفروا وكذلك قوله تعالى: {م عموا وصموا كثير منهم} فكثير بدل من الضمير الذي في لفظة عموا وصموا، فغن تأخر الفعل ألحق علامة التثنية والجمع فقيل: الرجلان قاما ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: قاما الرجلان وقاموا الرجال، فيلحقون الفعل علامة التثنية والجمع، وما سمع ذلك إلا في لغة ضعيفة لم ينطق بها القرآن ولا أخبار الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا نقل أيضاً عن الفصحاء، ووجه الكلام توحيد الفعل). ليس الأمر كما ذكره، فإن هذه لغة قوم من العرب يجعلون الألف والواو حرفي علامة للتثنية والجمع، والاسم الظاهر فاعلاً، وتعرف بين النحاة بلغة أكلوني البراغيث لأنه مثالها الذي اشتهرت به، وهي لغة (طي) كما قاله «الزمخشري»، وقد وقع منها في الآيات والأحاديث وكلام الفصحاء ما لا يحصى، كقوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} وقوله تعالى: {ثم عموا وصموا كثير منهم} وكقوله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» كما في «البخاري». وخرجه «ابن مالك» على هذه اللغة وإن نوزع فيه، فيقال في مله: إنه وارد على هذه اللغة، أو مبتدأ والجملة قبله خبره، أو بدل من الضمير، أو خبر مبتدأ محذوف، أو غير ذلك.

والرجال قاموا، وتكون الألف في قاما والواو في قاموا اسمين مضمرين، والفرق بين الموضعين أنك إذا قدمت الفعل كانت علامة تثنية الفاعل وجمعه تغني عن إلحاق علامة في الفعل، وإذا أخرت الفعل صار الفاعل يتقدمه مبتدأ فلو أفرد الفعل وقيل: الناس خرج لجاز أن يتوهم أنك تريد جزءاً منهم لجواز أن يقال: الناس خرج سيدهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ فقول المصنف: لم ينطق بها القرآن ولا الأخبار خلاف الواقع، والتأويل الجاري هناك يجري في كلام الناس أيضاً. وقوله تعالى: {كثير} بدل من الضمير في لفظتي عموا وصموا، وفيه البدل من معمولي عاملين مختلفين، ولا يصح كونه من التنازع كما في «توضيح ابن هشام».

[97]- قولهم أحد حمي

[97]- قولهم أحد حمي ويقولون: أجد حمى، والصواب أن يقال: أجد حمياً أو حموا، لأن العرب تقول لكل ما سخن: حمي يحمي حمياً فهو حام، ومنه قوله تعالى: {في عين حامية}. ويقولون أيضاً: اشتد حمي الشمس وحموها إذا عظم وهجها ومنه ما أنشده «المفضل»: (تجيش علينا قدرهم فنديمها ... ونفثؤها عنا إذا حميها غلا) يعني أنه متى جاشت قدرهم للشرب سكنوها، وهو معنى نديمها، وأ، هـ متى غلت فثؤها، أي كسروا غليانها، وكني بالقدر عن تهيج الحرب، كما يكني بفور المرجل عنه. قال الشيخ الإمام أبو محمد القاسم بن علي الحريري رحمة الله: نديمها: تسكينها من دام أي سكن، وأدمته: سكدنته. ومنه الماء الدائم، وقيل: نديمها: نتركها على النار فلا ننزلها ولا نوقد تحتها. وهذا معنى الإدامة في القدر.

وحكى «بو الفتح عبدوس بن محمد الهمذاني. حين قدم البصرة علينا حاجا سنة نيف وستين وأربعمائة: أن «الصاحب أبا القاسم بن عباد» رأى أحد ندمائه متغير السحنة، فقال له: ما الذي بك؟ قال: حما. فقال «الصاحب»: قه. فقال النديم: وه. فاستحسن الصاحب ذلك منه وخلع عليه. قال الرئيس «أبو محمد» رحمه الله: ولعمري لقد أحسن «الصاحب» في تعقيب لفظ حما بما صارت به حماقة، ولطف النديم في صلة تعقيبه بما جعله قهوة، وكذا فلتكن مداعبة الفضلاء ومفاكهة الأدباء الأذكياء.

[98]- قولهم: إلاه وإلاك

[98]- قولهم: إلاه وإلاك ويقولون: جاءني القوم إلاك وإلاه. فيوقعون الضمير المتصل بعد إلا كما يوقع بعد غير في مثل قولك: جاء قولك: جاء القوم غيرك فيوهمون كما وهم «أبو الطيب» في قوله: (ليس إلاك يا علي همام ... سيفه دون عرضه مسلول) والصواب أن لا يوقع بعد إلا إلا الضمير المنفصل كما قال تعالى: {أمر ألا تعبدوا إلا إياه}، والفرق ها هنا بين إلا وغير أن الاسم الواقع بعد غير لا ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: جاءني القوم إلاك وإلاه، فيوقعون الضمير المتصل بعد إلا كما يوقع بعد غير، فيوهمون نفيه). هذا مذهب كثير من النحاة، وفي شرح «التسهيل» أن «ابن الأنباري) قال: إن مثله مسموع من العرب مقيس عليه، فيقال عنده قياساً: إلاك وحتاك، فلا يرد ما ذكره، وقياس قول من قال إن لا عاملة في المستثني أن يتصل بها الضمير، لكنه عدل عنه في الأكثر. وأما قوله: (وما نيالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلاك ديار) وقوله: (أعوذ برب العر من فئة بغت ... علي فمالي عوض إلاه ناصر).

يقع أبداً إلا مجروراً بالإضافة، وضمير المجرور لا يكون إلا متصلاً ولهذا امتنع أن يفصل بينهما، وليس كذلك الاسم الواقع بعد إلا لأنه يقع إما منصوباً وإما مرفوعاً، وكلاهما يجوز أن يفصل بينه وبين العامل فيه، ولهذا جعل له ضميران: متصل ومنفصل، إلا أنه لما اعترضت إلا في الكلام وفصلت بين العامل والمعمول، أوقع بعدها الضمير المنفصل كما قال سبحانه وتعالى في ضمير المنصوب: {ضل من تدعون إلا إياه} وكما قال «عمرو بن معدي كرب» في ضمير المرفوع: (قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطر الفارس إلا أنا) فأما قول القائل: (فما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلاك ديار) فلم يأت في أشعار المتقدمين سواه والنادر لا يعتد به ولا يقاس عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ فادعى «ابن مالك» أنه ليس بضرورة لتمكنه من أن يقول: (ألا يجاورنا خل ولا جار) وأن يقول: (فما من غيره عوض ناصر) واعتراض «المرادي» بأنه نص في موضع آخر على أ، هـ شاذ لا يقاس عليه، وأنه ما من ضرورة إلا ويمكن أن يغير لفظها. ومنه يعلم أن قوله: لم يأت في أشعار المتقدمين سواه غير صحيح.

[99]- قولهم: هب أني فعلت

[99]- قولهم: هب أني فعلت ويقولون: هب أني فعلت وهب أنه فعل. والصواب إلحاق الضمير المتصل به فيقال هبني فعلت وهبه فعل، كما قال أبو دهبل الجمحي»: (هبوني امرءا منكم أضل بعيره ... له ذمة إن الذمام كثير) ومثله قول «عروة بن أدية» وهو تصغير أداة: (إذا وجدت أوار الحب في كبدي ... أقبلت نحو سقاء أبترد) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: هب أني فعلت وهب أنه فعل، والصواب إلحاق الضمير المتصل به، فيقال: هبني فعلت، وهبه فعل). قال «ابن بري»: إذا جعل هبني بمعنى احسبني وعدني فلا يمتنع أن تقول: هب أ، ي فعلت؛ لأنها بمعنى احسب، يريد أنه إذا كان هب بمعنى احسب مما يتعدى إلي مفعولين كعلمت زيداً فاضلاً، جاز أن تسد أن ومعمولاها مسدهما، وقد سمع أيضاً فلا مانع منه قياساً واستعمالاً، وفي «المغني» هب بمعنى ظن الغالب تعديه إلي صريح المفعولين كقوله: (فقلت أجرني أباً خالد ... وإلا فهيئي امرءاً هالكاً) ووقوعه على أن وصلتها نادر حتى زعم «الحريري» أن قول الخواص: هب أن

(هبني بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لنار على الأحشاء تتقد؟ ) وكان «عروة» هذا مع تغزله نقي الدخلة ظاهر العفة، وروي أن «سكينة بنت الحسين» رضي الله عنها وقفت عليه ذات يوم فقالت له: أنت القائل [وأنشدت]: (قالت وأبثثتها وجدي فبحت به ... قد كنت عندي تحب الستر فاستتر) (ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطى هواك وما ألقى على بصري). قال: نعم، فقالت: وأنت القائل: (إذا وجدت أوار الحب في كبدي ... ) ـــــــــــــــــــــــــــــ زيداً قائم لحن، وذهل عن قول القائل: «هب أن أبانا كان حمارا» وهب فعل غير متصرف بمعنى عد واحسب، لا ماضي له ولا مستقبل. (عروة بن أدية) هو تصغير أداة بدال مهملة بزنة قناة، وفي نسخة «أذينة» بذال معجمة تصغير أذن، وهو الصواب. ونقل «ابن بري» عن «ابن قتيبة» و «ابن النحاس» و «ليزيدي» أن «ابن أذينة» تصغير أذن، وهو الذي ورد على «هشام بن عبد الملك» وأنشده:

وأنشدته البيتين المتقدم ذكرهما. قال: نعم فالتفتت إلي جوار كن حولها، وقالت: هن حرائر إن كان خرج هذا من قلب سليم. ومعنى هبني أي عدني واحسبني فكان فيه معنى الأمر من وهب. ـــــــــــــــــــــــــــــ (لقد علمت وما الإسراف من خلقي ......... ) وكذا ذكره في «مرآة الزمان»، وكان قدومه على «هشام» في السنة الثامنة بعد المائة، و «أذينة» لقب أبيه، وهو معدود في الشعر والفقهاء والمحدين، ومن توهمه «أدية» تصغير أداة فقد وهم وخالف الرواية الصحيحة، وتصغيره ليس بعد التسمية، وفي «الصحاح» الأذن تخفف وتثقل وهي مؤنثة، وتصغيرها أذينة، ولو سميت به رجلاً ثم صغرته قلت: أذين، فلم تؤنثه لزوال التأنيث عنه بالنقل إلي المذكر. وفي «تبصرة المتنبه» سموا «أبا أذين» كقول «ابن هاني»: (اسقني يا بن أذين ..... ) و«أذينة تسمى به جماعة، وبدال مهملة مفتوحة تليها ياء تحتية مشددة والد «مرداس الخارجي» وأخيه «عروة» كما ذكره «ابن ماكولا». وفي «كامل المبرد»: «عروة بن أدية» من الخوارج، و «أدية» جدة له في الجاهلية، وهو «عروة بن جذيم» أحد «بني ربيعة بن حنظلة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي كتاب «الشعر» «لابن قتيبة»: «عروة بن أدية» هو من بني ليث، وكان شريفاً ثبتاً في رواية الحديث، وهو القائل: (قالت وأبثثتها وجدي فبحت به ... قد كنت عندي تحت الستر فاستتري) (ألست تبصر من حولي؟ فقلت لها: ... غطى هواك وما ألقي على بصري) ووقفت عليه امرأة فقالت له: أنت الذي يقال له الرجل الصالح وأنت تقول: (إذا وجدت أوار الحب في كبدي ... عمدت نحو سقاء القوم أبترد) (هبني بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لنار على الأحشاء تتقد) [والله ما قال هذا صالح قط]. ومما أنشدناه له أولا أخذ «الباخرزي» قوله: (قالت وقد ساءلت عنها كل من ... لاقيته من حاضر أو بادي) (أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه ... ترني، فقلت لها: وأين فؤادي؟ )

[100]- امرأة شكور وصبور

[100]- امرأة شكور وصبور ويقولون: امرأة شكورة ولجوجة وصبورة وخئونة، فيلحقون هاء التأني بها فيوهمون فيه، لأن هذه التاء إنما تدخل على فعول إذا كان بمعنى مفعول، كقولك: ناقة ركوبة وشاة حلوبة لأنهما بمعنى مركوبة ومحلوبة، فأما إذا كانت فعول بمعنى فاعل، نحو صبور الذي بمعنى صابر ونظائره فممتنع من التحاق التاء به، وتكون صفة مؤنثة على لفظ مذكورة كما قال الشاعر: (ولن يمنع النفس الدجوج عن الهوى ... من الناس إلا واحد الفضل كامله) وقد ذكر النحويون في امتناع الهاء من هذه الصفات عللا أجودها أن الصفات الموضوعة للمبالغة نقلت عن بابها لتدل على معنى الذي تخصصت به، فأسقطت هاء التأنيث في قولهم: امرأة صبور وشكور وقتيل، وفي قولهم: فتاة معطار ونظائره، كما ألحقت بصفة المذكر في قولهم: رجل علامة ونسابة ليدل ما فعلوه على تحقيق المبالغة ويؤذن بحدوث معنى زائد في الصفة. وامتناع الهاء من فعول بمعنى فاعل أصل مطرد لم يشذ منه إلا قولهم: عدوة الله، فإنهم ألحقوا بها الهاء فقالوا: عدو وعدوة، ليماثل قولهم: صديق وصديقة، لأن الشيء في العربية قد يحمل على ضده ونقيضه كما يحمل على نظيره ورسيله. وفي أخبار النحويين أن «أبا عثمان المازني» سئل بحضرة «المتوكل» عن قوله تعالى: {وما كانت أمك بغيا} فقيل له: كيف حذفت الهاء من بغي، وفعيل إذا كان بمعني فاعل لحقته الهاء، نحو فتي وفتية، وغني وغنية؟ فقال: إن لفظة بغي ليست بفعيل، وإنما هي فعول التي بمعنى فاعلة، لأن الأصل فيها بغوي، ومن أصول التصريف أنه متى اجتمعت الواو والياء في كلمة وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. كما قالوا: شويت اللحم شياً، وكويت الدابة كياً، والأصل فيهما شويا وكويا، وكما قيل: يوم وأيام والأصل: أيرام. فعلى هذه القضية قيل: بغي، ووجب حذف الهاء منها لأنها بمعنى باغية كما تحذف من صبور التي بمعنى صابرة.

وهذا العقد الذي ذكرناه في قلب الواو ياء إذا اجتمعتا وكان السابق منهما ساكناً أصل مطرد لم يشذ منه إلا «حيوة» اسم رجل، و «ضيون» وهو اسم للهر، وحكي (الفراء) أنهم قالوا: عوي الكلب عوية، وليس الشاذ مما يلتفت إليه ولا يعاج عليه.

[101]- متى يستعمل الفعل «أخطأ»؟

[101]- متى يستعمل الفعل «أخطأ»؟ ويقولون لمن يأتي الذنب متعمداً: أخطأ، فيحرفون اللفظ والمعنى، لأنه لا يقال: أخطأ إلا لمن لم يتعمد الفعل، أو لمن اجتهد فلم يوافق الصواب، وإياه عني (صلى الله عليه وسلم) بقوله: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر»، وإنما وجب له الأجر عن اجتهاده في إصابة الحق الذي هو نوع من أنواع العبادة، لا عن الخطأ الذي يكفي صاحبة أن يعذر فيه ويرفع مأثمه عنه، والفاعل من هذا النوع مخطي، والاسم منه الخطأ، ومنه قوله تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن يأتي الذنب معتمداً: وقد أخطأ فيحرقون اللفظ والمعنى، لأنه لا يقال أخطأ إلا لمن لم يتعمد الفعل أو لمن اجتهد فلم يوافق الصواب). حاصل الفرق أنه يقال لمن لا يتعمد الخطأ: أخطأ فهو مخطى والاسم منه الخطأ، ولمن تعمد: خطي فهو خاطي والمصدر الخطء بكسر الخاء وسكون الطاء قبل الهمزة. وقال «ابن بري»: روي هذا «ابن قتيبة» ثم عقبة برواية اتفاق خطي وأخطأ في المعنى، وكذلك جمهور الرواة المفرقين بينهما عقبوا التفرقة برواية التسوية، وفي «الإصلاح» قال «أبو عبيدة» خطي وأخطأ لغتان، وأنشد «لامري القيس»: (يا لهف هند إذ خطئن كاهلاً ... ) [قال: أي أخطأن]، وفي المثل: «مع الخواطي سهم صائب» وقال «الأزهري»:

فأما المتعمد الشيء فيقال فيه: خطي فهو خاطي، والاسم منه الخطيئة والمصدر الخطء بكسر الخاء وإسكان الطاء، كما قال تعالى: {إن قتلهم كان خطئاً كبيرا}. قال الرئيس أبو محمد رحمة الله: ولي فيما انتظم هاتين اللفظتين واحتضن معنييهما المتنافيين: (لا تخطون إلي خطء ولا خطأ ... من بعد ما الشيب في فوديك قد وخطا) (فأي عذر لمن شابت مفارقة ... إذا جرى في ميادين الهوى وخطا؟ ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطيئة والخطأ الإثم، وفرق «ابن عرفة) بين خطي وأخطأ ولكن لا بالتعمد وعدمه، وذلك .. أنه قال: يقال خطي في دينه إذا أثم، وأخطأ إذا سلك سبيل خطأ عامداً أو غير عامد، ويقال: خطي بمعنى أخطأ، وأنشد قول «امريء القيس» السابق، وروي فيه: يا لهف هند ويا لهف نفسي. وإلي هذا الفرق نظر «الجوهري» حيث قال: الخطأ نقيض الصواب، يقال منه أخطأ، والخطء الذنب في قوله تعالى: {إن قتلهم كان خطئا كبيرا} أي إنما يقال: خطي، والاسم الخطيئة على وزن فعيلة، وإذا كانت الخطيئة الإثم فالعطف في قوله تعالى: {ومن يكسب خطيئة أو إثما} تفسيري. لكن المشهور فيه أنه يختص بالواو، كما في قوله تعالى: {إنما أشكو بي وحزني إلي الله} والمصحح لهذا النوع اختلاف اللفظ كما أنه مصحح لإضافة في مثل: جلمود صخر. وقال «ابن مالك» أو أنيبت عن الواو في هذه الآية، ورده «ابن هشام» في شرح «بانت سعادة» وقال: يمكن أن يراد بالخطيئة ما وقع عمداً، وبه صرح في «عمدة الحفاظ» وأنشد المصنف له:

والخطيئة تقع على الصغيرة كما قال سبحانه إخبارا عن «إبراهيم» عليه السلام: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}، وتقع على الكبيرة كما قال تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا تخطون إلي خطء ولا خطأ ... من بعد ما الشيب في فوديك قد وخطا) (فأي عذر لمن ابت مفارقه ... إذا جرى في ميادين الهوى وخطا) (وعلى هذا المنوال قول «بن الفارض» في رباعيته: [نفعنا الله ببركاته]: (لما نزل الشيب برأسي وخطا ... العمر مع الشباب ولى وخطا) (أصبحت بمر «سمرقند» وخطا ... لا أفرق بين صواب وخطا) [والخطيئة تقع على الصغيرة، كما قال سبحانه وتعالى عن إبراهيم (عليه الصلاة والسلام): {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} وتقع على الكبيرة كما قال سبحانه وتعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}].

[102]- الفرق بين نشب ونشم

[102]- الفرق بين نشب ونشم ويقولون لمن بدأ في إثارة أو فساد أمر: قد نشب فيه، ووجه الكلام أن يقال: قد نشم بالميم لاشتقاقه من قولك: نشم اللحم إذا بدأ التغير والإرواح فيه، وعلى هذا جاء في حديث مقتل «عثمان» رضي الله عنه «فلما نشم الناس في الأمر» أي ابتدأوا في الوثوب على «عثمان» والنيل منه. وكان «الأصمعي» يرى أن لفظة نشم مما لا يستعمل إلا في الشر، وأن منها اشتقاق قولهم: دقوا بينهم عطر منشم» لا أن هناك عطر يدق حقيقة. وقال غيره: بل «منشم» عطارة، ما تطيب بعطرها أحد فبرز لقتال إلا وقتل أو جرح. ـــــــــــــــــــــــــــــ [ويقولون لمن بدأ في إثارة شر أو فساد أمر: إنه قد نشب فيه، ووجه الكلام أن يقال: قد نشم بالميم؛ لاشتقاقه من قولهم: نشم اللحم إذا ابتدأ التغير والإرواح فيه]. ليس ما ادعاه بصحيح، وفي «القاموس»: نشب في الشيء نشم، وفي «البخاري»: لم ينشب أن مات. وقد فسروه بلم يلبث، وهذه اللفظة عند العرب عبارة عن السرعة، فمعناه: فجاءه الموت قبل أن ينشب في فعل شيء، وأصل النشوب التعلق، وفي الحديث «قد نشبوا في قتل عثمان» أي وقعوا فيه. فقد علمت أن نشب

وقيل: بل الإشارة في المثل إلي عطارة أغار عليها قوم، وأخذوا عطراً كان معها فأقبل قومها إليها، فمن شموا منه رائحة العطر قتلوه، ومن أوله على هذا قال: هو عطر من شم. فجعله مركبا من كلمتين. وقيل: الكتابة فيه عن قرون السنبل الذي يقال: إنه سم ساعة. وذكر «ابن الكلبي» أنها امرأة من «خزاعة» كانت تبيع العطر، فتطيب بعطرها قوم، وتحالفوا على الموت فتفانوا. وقال غيره: بل هي صاحبة «يسار الكواعب» وكان «يسار» هذا عبداً أسود يرعى الإبل إذا رأته النساء ضحكن منه فيتوهم أنهن يضحكن من حسنه، فقال يوماً لرفيق له: أنا «يسار الكواعب» ما رأتني حرة إلا عشقتني، فقال له رفيقة: يا «يسار) اشرب لبن العشار وكل لحم الحوار وإياك وبنات الأحرار، فأبى، ورواد مولاته عن نفسها، فقالت له: مكانك حتى آتيك بطيب أشمك إياه، فأتته بموسى، فلما أدنى أنفه إليها لتشمه الطيب جدعته. وفي الشين من «منشم» روايتان: الكسر والفتح، وإن كان الكسر أكثر وأشهر. ونظير وهمهم في هذه اللفظة قولهم: ما عتب أن فعل كذا، ووجه الكلام: ما عتم، أي أبطأ ومنه اشتقاق صلاة العتمة لتأخير الصلاة فيها، ومدح بعض الأعراب رجلا فقال: «والله ما ماء وجهك بقاتم ولا زادك بعاتم». ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى نشم ثابت لغة واستعمالا فلا وجه لما ذكره المصنف. (ونظير وهمهم في هذه اللفظة قولهم: ما عتب أن فعل كذا ووجه الكلام أن يقال: ما عتم). أي ما أبطأ ولبث، ومنه (العيتوم) للجمل البطي، وهذا مما غفل عنه أو تغافل، ففي «تهذيب الأزهري» يقال: ضرب فلاناً فما عتم ولا عتب ولا كذب، أي لم يمكث ولم يتباطأ في ضربه إياه. اهـ ... والميم والباء يتعاقبان فتبدل إحداهما من الأخرى كثيراً، فيقولون: لازب ولازم، وعجب الذنب وعجم الذنب. وظاهر كلامهم أنه مقيس مطرد.

[103]- وقولهم للأمر الغائب: يعتمد ذلك

[103]- وقولهم للأمر الغائب: يعتمد ذلك ويقولون في الأمر للغائب والتوقيع إليه: يعتمد ذلك، بحذف لام الأمر من الفعل والصواب إثباتها فيه وجزمه بها، لئلا تلتبس الكلمة بصيغة الخبر وتخرج عن حيز الأمر، وعلى ذلك جاءت الأوامر في القرآن وفصيح الكلام والأشعار. فأما قول الشاعر: (محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا) فهو عند البصريين من ضرورت الشعر الملجئة إلي تصحيح النظم وإقامة الوزن، وأما قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}، فإنما جزم يقيموا لوقوعه موقع جواب الأمر المحذوف الذي تقديره لو ظهر: قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة يقيموا. وجواب الأمر مجزوم لتلمح معنى الجزاء فيه، كما قال سبحانه: {فادع لنا ربك يخرج لنا}. وأصل هذه اللام الكسرة كما كسرت لام الجر مع الظاهر، فإن دخلت عليها الواو أو الفاء أو ثم جاز كسرها على الأصل وإسكانها للتخفيف، إلا أن الاختيار أن تسكن مع الفاء والواو لكونهما على حرف واحد لا يمكن السكوت عليه، وأن تسكن مع الفاء والواو لكونهما على حرف واحد لا يمكن السكوت عليه، وأن تكسر مع «ثم» لأنها كلمة بذاتها، وبهذا أخذ «أبو عمرو بن العلاء» فقرأ {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً} بإسكان اللام مع الفاء والواو. وقرأ {ثم ليقطع} بكسر اللام مع ثم. ـــــــــــــــــــــــــــــ [وما ذكره في لام الأمر من المسائل المشهورة في العربية فلا حاجة إلي تكثير السواد به].

[104]- المأصر بالكسر لا بالفتح.

[104]- المأصر بالكسر لا بالفتح. ويقولون لمركز الضرائب: المأصر بفتح الصاد، والصواب كسرها، لأن معناه الموضع الحابس للمار عليه، العاطف للمجتاز به، ومن ذلك اشتقاق أواصر القرابة والعهد لأنها تعطف على ما يجب رعايته من الرحم والمودة. وحكي (عبيد الله بن عبد الله بن طاهر» قال: اجتمع عندنا «أبو نصر أحمد بن حاتم» و «ابن الأعرابي» فتجاذبا الحديث إلي أن حكي «أبو نصر» أن «أبا الأسود الدؤلي» دخل على «عبيد الله بن زياد» وعليه ثياب رثة، فكساه ثياباً جدداً من غير أن عرض له بسؤال أو ألجأه إلي استكساء، فخرج وهو يقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمركز الضرائب: المأصر بفتح الصاد والصواب كسرها). الضرائب جمع ضريبة وهي التي تؤخذ في الدية ونحوها، والمأصر المحبس الذي يحبس فيه، وفي «الصحاح» و «القاموس»: المأصر والمأصر بفتح الصاد المهملة وكسرها، فلا وجه لإنكاره، وما ذكره من أمر الكسوة قيل: الذي كساه هو «المنذر بن الجارود»،

(كساك ولم تستكسه فحمدته ... أخ لك يعطيك الجزيل ويأصر) (وإن أحق الناس إن كنت مادحا ... بمدحك من أعطاك والعرض وافر) فأنشد «أبو نصر» قافية البيت ويأصر يريد به «ويعطف» فقال «ابن الأعرابي»: بل هو: «وناصر». فقال له «أبو نصر»: دعني يا هذا ويأصري، وعليك بناصرك. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان يعجب بحديث «أبي الأسود» ويغشى كل منهما صاحبه، فقال له يوما -وقد رأي عليه مقطعة من برود كان يلازم لبسها-: يا أبا الأسود قد لزمت هذه القطعة، فقال: رب مملول لا يستطاع فراقه. فأرسلها مثلا، فعلم «المنذر» أنه يحتاج إلي كسوة فكساه.

[105]- الوارد والصادر لا العكس

[105]- الوارد والصادر لا العكس ويقولون: هذا أمر يعرفه الصادر والوارد، ووجه الكلام أن يقال: الوارد والصادر؛ لأنه مأخوذ من الورد والصدر، ومنه قيل للخادع: يورد ولا يصدر، ولما كان الورد يقدم الصدر وجب أن يقدم لفظة الوارد على الصادر، ويمثل قولهم الوارد والصادر قولهم: القارب والهارب. فالقارب الذي يطلب الماء والهارب الذي يصدر عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (هذا أمر يعرفه الصادر والوارد، ووجه الكلام أن يقال: الوارد والصادر) هذا مما يقضي منه العجب؛ فإن الواو لا تقتضي الترتيب، وكم ورد بعد صدر وصدر بعد ورد، وقد استعمله العرب كثيراً على خلاف ما زعمه، قال الراجز: (والناس بين صادر ووارد ... مثل حجيج البيت نحو خالد) وقال «جرير»: (بكل أسمر خطي ويعجمه ... في حومة الموت إصدار وإيراد) وليس لنا حاجة لأبيات مثله.

[106]- همزة الوصل لا تدخل على متحرك

[106]- همزة الوصل لا تدخل على متحرك ويقولون: ابنت بكسر الباء مع همزة الوصل، وهو من أقبح أوهامهم وأفحشن لحن في كلامهم، لأن همزة الوصل لا تدخل على متحرك، وإنما اجتلبت للساكن ليتوصل بإدخالها عليه إلي افتتاح النطق به، والصواب أن يقال فيها: ابنة أو بنت، لأن العرب نطقت فيها بهاتين الصيغتين فمن قال ابنة صاغها على لفظة ابن، ثم ألحق بها هاء التأنيث التي تسمى الهاء الفارقة، وتصير في الوصل تاء، ومن قال فيها بنت أنشأها نشأة مؤتنقة، وصاغها صيغة مفردة وبناها على وزن جذع المتحرك أوله، فاستغنى بحركة بائها عن اجتلاب الهمزة لها وإدخالها عليها، وهذه التاء المتطرفة في بنت وفي أخت أيضاً هي تاء أصلية، تثبت في الوصل والوقف التاء المتطرفة في بنت وفي أخت أيضاً هي تاء أصلية، تثبت في الوصل والوقف وليست للتأنيث على الحقيقة؛ لأن تاء التأنيث يكون ما قبلها مفتوحاً كالميم في فاطمة والراء في شجرة، إلا أ، تكون ألفاً كالألف في قطاة وقناة. ولما كان ما قبل التاء في بنت وأخت ساكناً وليس بألف دل على أن التاء فيهما أصلية، وأكثر اللغتين فيهما استعمالا ابنة، وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى: {ومريم ابنة عمران} وفي قوله سبحانه إخباراً عن خطاب «شعيب» «لموسى» عليهما السلام: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} وعليه قول «أبي العميثل»: (لقيت ابنة السهمي زينب عن عفر ... ونحن حرام مسي عاشرة العشر) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ابنة بكسر الباء مع همزة الوصل، وهو من أقبح أوهامهم). الأولى ترك مثل هذا فإنه لا يصدر عن عاقل، وقوله: (هي تاء أصلية) اعترض

(فكلمتها [ثنتين] كالماء منهما ... وأخرى على لوح أحر من الجمر) أراد بالكلمة الأولى تحية القدوم، وبالأخرى سلام الوداع. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه بأن التاء زائدة لا أصلية، فلا وجه لما ذكره، ويدفع بأن مراده بأصالتها أنها عوض عن حرف أصلي، وهو لام الكلمة، أو كالأصلية لأنها للإلحاق بنحو جذع، لكنه تسمح في العبارة اعتماداً على ظهور المراد منه.

[107]- تقول: استقبلت قافلة الحجاج لا ودعتها

[107]- تقول: استقبلت قافلة الحجاج لا ودعتها ويقولون: ودعت قافلة الحاج، فينطقون بما يتضاد الكلام فيه، لأن التوديع إنما يكون لمن يخرج إلي السفر، والقافلة اسم للرفقة الراجعة إلي الوطن، فكيف يقرن بين اللفظتين مع تنافي المعنيين؟ ووجه الكلام أن يقال: تلقيت قافلة الحاج أو استقبلت قافلة الحاج. ويشاكل هذا التناقض قولهم: رب مال كثير أنفقته، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ودعت قافلة الحاج، فينطقون بما يتضاد الكلام فيه؛ لأن التوديع إنما يكون لمن يخرج إلي السفر). تبع في هذا «ابن قتيبة» وليس بشيء لأن الرفقة سميت قافلة قبل قفولها تفاؤلا، وقال «الصاغاني» في كتاب «الذيل والصلة»: من قال القافلة للراجعة من السفر فقد غلط بل ذلك للمبتدئة في السفر تفاؤلا لها بالرجوع، كما قاله «الأزهري» اهـ. وهذا في كلامهم كثير كقولهم للدمل: دمل قبل اندماله، وللديغ: سليم قبل سلامته، وللبيداء: مفازة، والقياس فيها أن يقال مهلكة في قول، وقال «الأصمعي»: سميت مفازة لأن من قطعها ونجا منها فاز. وحكى اللغويون أيضاً أنه يقال: فاز الرجل فوزاً إذا هلك، وهذا من محاسن العربية فهذا كما قال «البحتري»: (إذا محاسني اللاتي أدل بها ... كانت ذنوبي فقل لي: كيف أعتذر؟ ) ومن لطائف «زيد الدين بن العجمي»:

فينقضون أول كلامهم بآخره، ويجمعون بين المعنى وضده، لأن رب للتقليل فكيف يخبر بها عن المال الكثير؟ . ـــــــــــــــــــــــــــــ (سرى قلبي المضني خلال ركابهم ... ونجم سروري بعد بعدهم أفل) (وقد فتح التسهيد أجفان مقلتي ... وسار منامي خلف قلبي وما قفل) وما ذكره في (رب) مردود لأنها ترد للتكثير كثيراً، حتى ادعى بعض أهل العربية أنه أصل معناها، وأبته بقول «الأعشى»: (رب وفد فارقته ذلك اليوم ... وأسرى من معشر أقيال)

[108]- تقول: هو أحسن إنصاف وليس أنصف منه

[108]- تقول: هو أحسن إنصافً وليس أنصف منه ويقولون: فلان أنصف من فلان، إشارة إلي أ، هـ يفضل في النصفة عليه، فيحيلون المعنى فيه؛ لأن معنى هو أنصف منه، أي أقوم منه بالنصافة التي هي الخدمة، لكونه مصدر نصفت القوم أي خدمتهم، فأما إذا أريد به التفضيل في الإنصاف، فلا يقال إلا هو أسحن إنصافاً منه أو أكثر إنصافاً، وما أشبه ذلك، والعلة فيه أن الفعل من الإنصاف: أنصف. وأفعل الذي للتفضيل لا يبني إلا من الفعل الثلاثي لتنظيم حروفه فيه، إذا لو بني مما جاوز الثلاثي لاحتيج إلي حذف جزء منه، ولو فعل ذلك لاستحال البناء هدماً والزيادة المجتلبة له لما. فأما قول «حسان بن ثابت»: (كلتاهما حلب العصير فعطاني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل) فإنما قال أرخهما، والقياس أن يقال: أشدهما إرخاء، لأن أصل هذا الفعل رخو، فبناه منه، كما قالوا: ما أحوجه إلي كذا فبنوه من حوج، وإن كان قياسه أن يقال: ما أشد حاجته. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: فلان أنصف من فلان إشارة إلي أنه يفضل في النصفة عليه، فيحرفون القول ويحيلون المعنى فيه، لأن معنى هو أنصف منه بالنصافة التي هي الخدمة لكونها مصدر نصفت القوم أي خدمتهم، فإذا أريد التفضيل في الإنصاف فلا يقال إلا هو أحسن إنصافاً منه أو أكثر إنصافاً). إنكاره لأنصف ليس من الإنصاف كما قال ابن بري)، والذي أداه إلي ارتكاب مثله ما اشتهر من أن «أفعل» لا يصاغ إلا من الثلاثي، لكن إذا جاء النص هرب القياس، وقد ورد سماعه كما ورد: هو أيسر منه، وأمثاله. وحكى «أبو القاسم الزجاجي» أن «حسان بن ثابت» -رضي الله تعالى عنه- لما أنشد النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله:

حكاية أدبية ولهذا البيت حكاية يحسن أن نعقب بروايتها، ويضوع نشره بنشر ملحتها، وهي ما رواه «أبو بكر محمد بن أبي القاسم الأنباري» عن أبيه، قال: حدثنا «الحسن بن عبد الرحمن الربعي» قال: حدثنا «أحمد بن عبد الملك بن أبي الشمال السعدي» قال: حدثنا «أبو ظبيان الحماني» قال: اجتمع قوم على شراب لهم فغناهم مغنيهم بشعر «حسان»: (إن التي ناولتني فرددتها ... قتلت. قتلت. فهأتهأ لم تقتل) (كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل) فقال بعضهم: امرأته طالق إن لم أسأل الليلة «عبيد الله بن الحسن القاضي» عن علة هذا الشعر- لم قال: إن التي فوحد ثم قال: كلتاهما فثنى؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أتهجوه ولست له بكف ... فشركما لخير كما الفداء) قالت الصحابة: يا رسول الله، هذا أنصف بيت قالته العرب، فتكلموا بأنصف، وعليه أيضا قول الشاعر: (وأنصف الناس في كل المواطن من ... يسقي المعادين بالكأس الذي شربا) ومما اتفق هنا أنهم قالوا: يتوصل إلى تفضيل المزيد بلفظ أشد مع أن أشد أيضا مخالف للقياس، لكنه لما سمع اتخذوه سلما لما خالف القياس.

فأشفقوا على صاحبهم، وتركوا ما كانوا عليه، ومضوا يتخطون القبائل حتى انتهوا إلى «بني شفرة» و «عبيد الله بن الحسن» يصلي عندهم، فلما فرغ من صلاته قالوا: قد جئناك في أمر دعتنا إليه ضرورة وشرحوا له خبرهم، وسألوه الجواب، فقال: إن التي ناولتني فرددتها، عنى بها الخمر الممزوجة بالماء، ثم قال من بعد: كلتاهما حلب العصير، يريد الخمر المتحلبة من العنب والماء المتحلب من السحاب المكنى عنه «بالمعصرات» في قوله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا}. قال الشيخ الأوحد العالم الرئيس «أبو محمد» هذا ما فسره «عبيد الله بن الحسن القاضي»، وكان ممن يرمق بالمهابة ولا يسمح بالدعابة. وقد بقي في الشعر ما يحتاج إلى كشف سره وتبيان نكته. أما قوله: «إن التي ناولتني فرددتها قتلت. قتلت» فإنه خاطب به الساقي، الذي كان ناوله كأسا ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما قول «حسان بن ثابت»: (كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل) هو من قصيدة مدح بها «آل جفنة» ملوك الشام قبل الإسلام، وأكثر مدائحه فيهم، وأولها: (أسألت رسم الدار أم لم تسأل ... بين الجوابي فالنصيح فحومل) ومنها: (لله در عصابة نادمتهم ... يوما «بجلق» في الزمان الأول) (أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر «ابن مارية» الجواد المفضل) (يسقون من ورد البريض عليهم ... بردي يصفق بالرحيق السلسل) (يسقون درياق المدام ولم يكن ... يغدو ولائدهم بنقف الحنظل) (بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول) (يغشون حتى ما نهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل)

ممزوجة، لأنه يقال: قتلت الخمر إذا مزجتها، فكأنه أراد أن يعلمه أنه قد فطن لما فعله، ثم ما اقتنع بذلك حتى دعا عليه بالقتل في مقابلة المزج، وقد أحسن كل الإحسان في تجنيس اللفظ أنه أعقب الدعاء عليه بأن استعطى منه ما لم يقتل، يعني الصرف التي لم تمزج. وقوله: أرخاهما للمفضل، يعني به اللسان، وسمي مفصلا بكسر الميم، لأنه يفصل بين الحق والباطل، وليس ما اعتمده «عبيد الله بن الحسن» من الإسماح وخفض الجناح مما يقدح في نزاهته أو يغض من نبله ونباهته. ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلبثت أزمانا طوالا فيهم ... ثم اذكرت كأنني لم أفعل) (أو ما ترى رأسي تغير لونه ... شمطا فأصبح كالثغام الممحل) (ولقد شربت الخمر في حانوتها ... صهباء صافية كطعم الفلفل) (يسعى إلي بكأسها متنطق ... فيعلني منها وإن لم أنهل) (إن التي ناولتني فرددتها ... قتلت- قتلت- فهاتها لم تقتل) (كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل) ثم إن قوله: إن التي ناولتني إلخ عنى بها الخمر الممزوجة بالماء، ثم قال: كلتاهما حلب العصير يريد الخمر المتحلبة من العنب والماء المتحلب من السماء المكنى عنه بالمعصرات في قوله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا}. قال «أبو محمد»: هذا ما فسره «عبد الله بن الحسن القاضي»، وقد بقي في الشعر ما يحتاج إلى كشف سره وتبيان نكته. أما قوله: إن التي إلخ فإنه خاطب به الساقي الذي كان ناوله كأسا ممزوجة (لأنه يقال: قتلت الخمر إذا مزجتها) قال «الراغب»: أصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت، لكن إذا اعتبر بفعل المتولي لذلك يقال: قتل، وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال: موت، واستعير على سبيل المبالغة فقيل: قتلت الخمر بالماء إذا مزجته، ووجه الاستعارة فيه أنه يزيل شدتها وسورتها، فجعلت نشأتها كروحها، أو جعلت بسكرها عدوا يستحق أن يقتل كما قلت:

حكاية أخرى: ويضارع هذه الحكاية في وطاءة القضاة المتقشفين للمستفتين وتلاينهم في مواطن اللين، ما حكي أن «حامد بن العباس» سأل «علي بن عيسى» في ديوان الوزارة عن دواء الخمار، وقد علق به، فأعرض عن كلامه وقال: ما أنا وهذه المسألة؟ فخجل «حامد» منه، ثم التفت إلى قاضي القضاة «أبي عمر» فسأله، فتنحنح القاضي لإصلاح صوته، ثم قال: قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «استعينوا في الصناعات بأهلها» و «الأعشى» هو المشهور بهذه الصناعة في الجاهلية، وقد قال: (وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها) ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت للندمان لما ... مزقوا برد الدياجي) (قتلتنا الراح صرفا ... فاقتلوها بالمزاج) (فكأنه أراد أن يعلمه أنه قد فطن لما فعله، ثم ما اقتنع بذلك حتى دعا عليه بالقتل

ثم تلاه «أبو نواس» في الإسلام فقال: (دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء) فأسفر وجه «حامد» وقال «لعلي بن عيسى»: ما ضرك يا بارد أن تجيب ببعض ما أجاب به قاضي القضاة، وقد استظهر في جواب المسألة بقول الله تعالى أولا، ثم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ثانيا، وبين الفتيا وأدى المعنى، وتفصى من العهدة؟ . فكان خجل «علي بن عيسى» من «حامد» بهذا الكلام أكثر من خجل «حامد» منه لما ابتدأه بالمسألة. ـــــــــــــــــــــــــــــ في مقابلة المزج، وقد أحسن كل الإحسان في تجنيس اللفظ، ثم إنه عقب الدعاء عليه بأن استعطى منه ما لم تقتل، يعني الصرف التي لم تمزج، وقوله: أرخاهما للمفصل يعني به اللسان، ويسمى مفصلا بكسر الميم، لأنه يفصل بين الحق والباطل). فيما نقله خلل من وجوه، منها أن معنى أرخاهما أشدهما إرخاء لا رخاوة، فقوله: أصل هذا الفعل رخو لا يجدي نفعا، لأن كون أصله كذلك مع أنه غير مراد لا يصححه. ومنها أن «ابن الشجري» قال في «أماليه» بعدما نقل هذا الكلام: إن فيه فساداً من رجوه ثلاثة: الأول: أن «كلتاهما» حينئذ عبارة حد عن مؤنثين، والماء ليس بمؤنث وليس له اسم مؤنث، حتى يعتبر كما في قولهم: أتته كتابي أي صحيفتي، والتغليب إنما يكون للمذكر على المؤنث. الثاني: أن أرخاهما اسم تفضيل فيقتضي أن يكون في الماء إرخاء للمفصل والخمر أزيد منه وهو باطل؛ إذ ليس فيه إرخاء أصلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: أنه قال في الحكاية: فالحلب عصير العنب، وفي بيت «حسان» حلب العصير، فيلزم إضافة الشيء إلى نفسه. وعندي أنه أراد: كلتا الخمرتين أو الكأسين: الصرف والممزوجة حلب العنب، فناولني أشدهما إرخاء للمفصل يعني الصرف، وقد أسلفنا لك ما في تغليب المؤنث على المذكر فتذكر. وقوله: إن الماء لا إرخاء فيه فيه ما لا يخفى، والإضافة المذكورة من إضافة الأعم للأخص، وقال «ابن بري» تسمية ماء السحاب أو السحاب عصيراً ليس بمعروف، وهي معصرات من الإعصار وهو الإلجاء من المكروه، وقد روى المفصل هنا بفتح الميم وكسر الصاد على أنه واحد مفاصل الأعضاء. وقوله: (وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها) هو من قصيدة «للأعشى» وبعده: (كي يعلم الناس أني امرؤ ... أتيت اللذاذة من بابها) وقوله: (دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء) مطلع قصيدة «لأبي نواس» مشهورة، ومنها: (صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء) ومن العجب هنا ما في «الحواشي الحسنية» للمطول من أنه لما ذكر هذا البيت قال: هو في وصف الذهب، وقيل: هي الخمر.

[109]- الفرق بين جنب واجنب

[109]- الفرق بين جنب واجنب ويقولون لمن أصابته الجنابة: قد جنب، فيوهمون فيه لأن معنى جنب أصابته ريح الجنوب، فأما من الجنابة فيقال فيه: أجنب، وجوز «أبو حاتم السجستاني» فيه جنب، واشتقاقه من الجنابة وهي البعد، فكأنه سمي بذلك لتباعده عن المساجد إلى أن يغتسل. فأما قول «ابن عباس». رضي الله عنه: الإنسان لا يجنب والثوب لا يجنب فأراد به أن الإنسان لا يجنب بمماسة الجنب، وكذلك الثوب إذا لبسة الجنب. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: لمن أصابته جناية: قد جنب فيوهمون فيه). يقال: أجنب وجنب كما في «الفائق» وغيره، وقد حكاه عن «السجستاني» فلا معنى لعده من الأوهام إلا فضول الكلام.

[110]- حذف ياء ثمان

[110]- حذف ياء ثمان ويقولون: عندي ثمان نسوة وثمان عشرة جارية وثمانمائة درهم، فيحذفون الياء من ثمان في هذه المواطن الثلاثة، والصواب إثباتها فيها فيقال: ثماني نسوة وثماني عشرة جارية وثماني مائة درهم، لأن الياء في ثمان ياء المنقوص، وياء المنقوص تثبت في حال الإضافة وحالة النصب كالياء في قاض، فأما قول «الأعشى»: (ولقد شربت ثمانياً ... وثمان عشرة واثنتين وأربعا) فإن حذف الياء لضرورة الشعر كما حذفت من المنقوص المعرف في قول الشاعر: (وطرت بمنصلي في يعملات ... دوامي الأيد يخبطن السريحا) يريد الأيدي، وقد جوز في ضرورات الشعر حذف الياءات من أواخر الكلم والاجتزاء عنها بالكسرة الدالة عليها كقول الراجز: (كفاك كف ما تليق درهما ... جوداً وأخرى تعط بالسيف الدما) ـــــــــــــــــــــــــــــ (يحذفون الياء من ثمان والصواب إثباتها). قال «ابن بري»: الكوفيون يجيزون حذف هذه الياء في الشعر وأنشد عليه «ثعلب»: (لها ثنايا أربع حسان ... وأربع فثغرها ثمان) وفيه نظر. وقوله (يخبطن السريحا) السريح قطعة من قد وجلد، وقوله: (قد جوز في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرورات الشعر حذف الياء) إلخ، فيه أنه وقع في القرآن في قوله تعالى: {والليل إذا يسر} فكيف يعد من الضرورة؟

[111]- قولهم: ابتعت عبدا وجارية أخرى

[111]- قولهم: ابتعت عبداً وجارية أخرى ويقولون: ابتعت عبداً وجارية أخرى فيوهمون، لأن العرب لم تصف بلفظتي آخر وأخرى إلا ما يجانس المذكور قبله، كما قال سبحانه: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى}، وكما قال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}، فوصف. جل اسمه. مناة بالأخرى لما جانست العزى واللات، ووصف الأيام بالأخر لكونها من جنس الشهر، والأمة ليست من جنس العبد لكونها مؤنثة وهو مذكر، فلم يجز لذلك أن تتصف بلفظة أخرى، كما لا يقال: جاءت هند ورجل آخر، والأصل في ذلك أن آخر من قبيل أفعل الذي تصحبه من، ويجانس المذكور بعده. يدل على ذلك أنك إذا قلت: قال «الفند الزماني» وقال أخر، كان تقدير الكلام وقال آخر من الشعراء، وإنما حذفت لفظة من لدلالة الكلام عليها وكثرة استعمال آخر في النطق وأما قول الشاعر: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ابتعت عبداً وجارية أخرى، فيوهمون فيه لأن العرب لم تصف بلفظتي آخر وأخرى وجمعهما إلا ما يجانس المذكور قبله، كما قال تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى}. هذا ما قاله كثير من النحاة وأهل اللغة، وقال نجم الأثمة «الرضي»: آخر لا يستعمل إلا فيما كان من جنس ما تقدم، فلا يقال: زيد وامرأة أخرى، ولا عبرة بقول بعض النجاة: إنه يجوز أفرس وحمار آخر، لأنهما من جنس المركوب، وقال «أبو حيان»: اختار «الزمخشري» و «ابن عطية» في قوله تعالى: {ويأت بآخرين} أن يكونوا من غير جنس الناس، وهذا خطأ، وكونه من قبيل المجاز، كما قيل: لا يتم به المراد لمخالفته لاستعمال العرب، فإن غير تقع على المغاير في جنس أو وصف، وآخر لا تقع إلا على المغايرة في أبعاض جنس واحد.

صلي على «عزة» الرحمن وابنتها ليلى وصلي على جاراتها الأخر فمحمول على أنه جعل ابنتها جارة لها لتكون الأخر من جنسها، ولولا هذا التقدير لما جاز أن يعقب ذكر البنت بالجارات، بل كان يقول: وصلى على بناتها الأخر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي «الدر المصون» أن هذا غير متفق عليه، إلا أنه يرد على «الزمخشري» أن آخرين صفة لموصوف محذوف، والصفة لا تقوم مقام موصوفها إلا إذا كانت خاصة نحو مررت بكاتب، أو إذا دل الدليل على تعيين الموصوف، وهنا ليست بخاصة فلا بد أن يكون من جنس الأول لتدل على المحذوف. وقال «ابن يسعون» و «الصقلي» وجماعة: إن العرب لا تقول مررت برجلين وآخر؛ لأنه يقابل آخر ما كان من جنسه تثنية وجمعاً وإفراداً، وقال «ابن هشام» في تذكرته- ومن خطه نقلت هذا-: غير صحيح لقول «ربيعة بن مكدم»: (ولقد شفعتهما بآخر ثالث ... وأبى الفرار إلى الغداة تكرمي) وقال «أبو حية النميري»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (وكنت أمشي على ثنتين معتدلا ... فصرت أمشي على أخرى من الشجر) وإنما يعنون بكونه من جنس ما قبله أن يكون اسم الموصوف بآخر في اللفظ أو التقدير يصح وقوعه على المتقدم الذي قوبل بآخر جهة التواطؤ، ولذلك لو قلت: جاءني زيد وآخر كان سائغا لأن التقدير ورجل آخر، وكذا جاءني زيد وأخرى تريد نسمة آخرى، وكذا اشتريت فرساً ومركوباً آخر سائغ وإن كان المركوب الآخر جملاً، لوقوع المركوب عليهما بالتواطؤ، فإن كان وقوع الاسم عليهما على جهة الاشتراك المحض فإن كانت حقيقتهما واحدة جازت المسألة، نحو قام أحد الزيدين وقعد الآخر، وإن لم تكن حقيقتهما واحدة لم يجز لأنه لم يقابل به ما هو من جنسه نحو رأيت المشتري والمشتري الآخر، تريد بأحدهما الكوكب وبالآخر مقابل البائع. وهل يشترط في التواطؤ اتفاقهما في التذكير؟ فيه خلاف، فذهب «المبرد» إلى عدم اشتراطه فيجوز: جاءتني جاريتك وآخر، واشترطه «ابن جني»، والصحيح ما ذهب إليه «المبرد» بدليل قول «عنترة»: (والخيل تقتحم الغبار عوابسا ... من بين شيظمة وآخر شيظم) وما ذكره من أن آخر يقابل به ما تقدمه من جنسه هو المختار، وإلا فقد يستعملونه من غير أن يتقدمه شيء من جنسه، وزعم «أبو الحسن» أن ذلك لا يجوز إلا في الشعر، فلو قلت: جاءني آخر من غير أن تتكلم قبله بشيء من صنفه لم يجز، ولو قلت: أكلت رغيفاً، وهذا قميص آخر لم يحسن، وأما قول الشاعر: (صلى على «عزة» الرحمن وابنتها ... «ليلى» وصلى على جاراتها الأخر فمحمول على أنه جعل ابنتها جارة لها) وقابلت أخر وهو جمع بابنتها وهو مفرد، وزعم «السهيلي» أن أخرى في قوله تعالى: {ومناة الثالثة الأخرى} استعملت من غير أن يتقدمها شيء من صنفها، لأنه عنى بها «مناة» الطاغية التي كانوا يهلون إليها بقديد، فجعلها ثالثة للات والعزى وأخرى لمناة التي كان يعبدها «عمرو بن الجموح» وغيره من قومه، مع أنه لم يتقدم لها ذكر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصواب عندي أنه جعلها أخرى بالنظر إلى اللات والعزى، وساغ ذلك لأن الموصوف بالأخرى وهو الثالثة يصح وقوعه على اللات والعزى، ألا ترى أن كل واحدة منهن ثالثة بالنظر إلى صاحبتها؟ وإنما اتجه عندي هذا لما ذكره «أبو الحسن» من أن استعمال آخر وأخرى من غير أن يتقدمهما صنفهما لا يجوز إلا في الشعر. اهـ. ومن «المسائل الصغرى» «للأخفش» لا تستعمل العرب لفظ آخر إلا فيما هو من صنف ما قبله، فلو قلت: أتاني صديق لك وعدو لك آخر لم يحسن لأنه لغو من الكلام، وهو يشبه سائر وبقية وبعض في أنه لا يستعمل إلا في جنسه، فلو قلت: ضربت رجلاً وتركت سائر النساء لم يكن كلاماً. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم «وجد خفة في مرضه فقال: انظروا من أتكى عليه، فجاءت «بريرة» ورجل آخر فاتكأ عليهما». وليس المراد بالجنس [الجنس] المنطقي بل ما يشمل النوع والصنف والحاصل أنه لا يشترط على الأصح اتفاقهما في الإفراد والتذكير وما يقابلهما، وإنما يشترط أن يكون بينه وبين ما قبله اشتراك في معنى قصد اشتراكهما فيه لئلا يلغو الوصف. وقوله قال (الفند الزماني) هو شاعر من شعراء الحماسة، والفند بفاء مكسورة ونون ساكنة ودال مهملة ومعناه في الأصل قطعة الحبل العظيمة، لقب به لعظم خلقه، أو لأنه قال لأصحابه يوم حرب: استندوا إلي فإنى لكم فند، قاله «المرزوقي». والزمانى بكسر الزاي المعجمة وتشديد الميم، نسبة إلى «زمان» أبو حي من بكر، كما في «الصحاح».

[112] صحة جمع بيضاء وسوداء

[112] صحة جمع بيضاء وسوداء ويقولون في جمع بيضاء وسوداء وخضراء: بيضاوات وسوداوات وخضراوات، وهو لحن فاحش، لأن العرب لم تجمع فعلاء التي هي مؤنث أفعل بالألف والتاء بل جمعته على فعل نحو: خضر وسود وصفر، كما جاء في القرآن الكريم: {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود} والعلة فيه أنه لما كان هذا النوع من المؤنث على غير لفظ المذكر ومبنياً على صيغة أخرى قل تمكنه وامتنع من الجمع بالألف والتاء، كما امتنع مذكره من الجمع بالواو والنون، فأما قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس في الخضراوت صدقة» فالخضراء هنا ليست بصفة بل هي اسم جنس للبقلة، وفعلاء في الأجناس تجمع بالألف والتاء نحو بيداء وبيداوات وصحراء وصحراوات وكذلك إذا كانت صفة خارجة عن مؤنث أفعل نحو نفساء ونفساوات. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في جمع بيضاء وسوداء وخضراء: بيضاوات وسوداوات وخضراوات، وهو لحن فاحش، لأن العرب لم تجمع فعلاء الذي هو مؤنث أفعل بالألف والتاء، بل جمعته على فعل نحو خضر) [هذا مشروط بأن لا ينقل إلى الاسمية حقيقة أو حكماً كسوداء إذا جعل علما، وكخضراء في الحديث: «ليس في الخضراوات صدقة» لأنه غلب على البقول، حتى شمل الأخضر وغيره، وقد صرح بصحته كما ورد في الحديث، قاله «المبرد» في كتاب «المقتضب». وأما خضروات بضم الخاء الجاري على ألسنة الناس فقال في «الطلبة»: لا وجه له، وقال بعضهم: الصحيح فيه خضروات جمع خضرة. اهـ]. (والعلة فيه أنه لما كان هذا النوع من المؤنث على غير لفظ المذكر، ومبنياً على صيغة أخرى قل تمكنه وامتنع من الجمع بالألف والتاء، كما امتنع مذكره من الجمع بالواو والنون) [هذا منقوض بأفعل التفضيل فإنه يجمع بالواو والنون، فيقال: أفضلون قياساً مطرداً مع أن مؤنثه على صيغة أخرى وهي فضلى، فتدبر].

[113]- الطول والطوال

[113]- الطول والطوال ويقولون: السبع الطول بكسر الطاء، فيلحنون فيه، لأن الطول هو الحبل، ووجه الكلام أن يقال: السبع الطول بضم الطاء لأنها جمع الطولى، وكل ما كان على وزن فعلى التي هي مؤنث أفعل جمع على وزن فعل، كما جاء في القرآن الكريم: {إنها لإحدى الكبر} وهي جمع كبرى.

[114]- قولهم في نداء الأبوين

[114]- قولهم في نداء الأبوين ويقولون عند نداء الأبوين: يا أبتي ويا أمتي، فيثبتون ياء الإضافة فيهما مع إدخال تاء التأنيث عليهما، قياسا على قولهم: يا عمتي، وهو وهم يشين وخطأ مستبين، ووجه الكلام أن يقال: يا أبت ويا أمت بحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة، كما قال تعالى: {يا أبت لا تعبد الشيطان} {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا}، أو يقال: يا أبتا ويا أمتا بإثبات الألف، والاختيار أن يوقف عليهما بالهاء، فيقال: يا أبه ويا أمه، فإن قيل: فكيف دخلت تاء التأنيث على الأب وهو مذكر؟ فالجواب: أنه لا غرو في ذلك، ألا ترى أنهم قالوا: رجل ربعة ورجل فروقة، فوصفوا المذكر بالمؤنث، وقالوا: امرأة حائض فوصفوا المؤنث بالمذكر، وإنما يستعمل ما ذكرناه في النداء خاصة، فأما قولهم: عمتي وخالتي فإن التاء فيهما تثبت في غير موطن النداء. ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا أبتي ويا أمتي فيثبتون ياء الإضافة فيهما مع إدخال ياء التأنيث عليهما قياساً على قولهم: عمتي وهو خطأ). إذا كان المنادى المضاف إلى ياء المتكلم أباً أو أماً ففيه لكثرة استعماله لغات بفتح وبكسر وبضم أو يؤتى بألف مع التاء كما قال: يا أبتا علك أو عساكا ... اختلفوا في هذه التاء فقال الكوفيون: هي لتأنيث الكلمة وياء المتكلم مقدرة بعدها، ورد لجواز قلبها هاء في الوقف، ولو كان بعدها ياء لم يجز. وذهب البصريون إلى أنها عوض من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما فلا يقال: يا أبتي ويا أمتي إلا ضرورة، والصحيح أنه ليس بضرورة إلا أنه شاذ، لأنه قرى في قوله تعالى {يا حسرة على ما فرطت}. يا حسرتي كما في «الكشاف».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقول المصنف: إنه خطأ خطأ، ومن غريب هذه الكلمة قولهم فيها: يا أبات، كما قال الشاعر: (تقول ابنتي لما رأتني شاحباً ... كأنك فينا يا أبات غريب) [فيا أبات غريب غريب]، وخرج على أن أبا مقصور والتاء عوض عن ياء المتكلم، فكان الأصل يا أباي، وقيل الألف فيه إشباع.

[115]- عيرته كذا لا بكذا

[115]- عيرته كذا لا بكذا ويقولون: عيرته بالكذب، والأفصح أن يقال: عيرته الكذب بحذف الباء، كما قال «أبو ذؤيب»: (وعيرتي الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها) عبد الله بن الزبير يتمثل بعجز هذا البيت وتمثل بعجز هذا البيت «عبد الله بن الزبير» حين ناداه أهل الشام لما حصر في المسجد الحرام: يابن ذات النطاقين. فقال: إيه والله، وتلك شكاة ظاهر عنك عارها. أي زائل عنك، والعرب تقول: اللؤم ظاهر عنك والنعمة ظاهرة عليك، أي ملازمة لك. وجاء في تفسير قوله تعالى: {أم تنبئونه بمالا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول} أي بباطل من القول، ولم يسمع في كلام بليغ ولا شعر فصيح ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: عيرته بالكذب، والأفصح أن يقال: عيرته الكذب بحذف الباء) قال «ابن بري»: قد جاء تعدية عيرته بالياء في كلام فصحاء من العرب كقول «عدي بن زيد» (أيها الشامت المعير بالشيب ... أأنت المبرأ الموفور)

تعدية عيرته بالباء. فأما من روى بيت «المقنع الكندي»: (يعيرني بالدين قومي وإنما ... تدينت في أشياء تكسبهم حمدا) فهو تحريف من الراوي في الرواية، والرواية الصحيحة: يعاتبني في الدين قومي. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أيضاً: (أيها الشامت المعير بالشيب ... أقلن بالشباب افتخارا) وقال «الصلتان» «لجرير»: (أعيرتنا بالنخل إن كان مالنا ... لود أبوك الكلب لو كان ذا نخل) ثم إنه لا شاهد له فيما أنشده على تعديه بنفسه لاطراد حذف الجار مع أن وإن، والشاهد قول «حميد بن ثور» (أعيرتنا ألبانها ولحومها ... وذلك عار «يابن ريطة» ظاهر)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول «ليلى» [الأخيلية]» أعيرتني داء بأمك مثله ... مع أبيات أنشدها، ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد، وإذا اتسع الخاتم سقط. ثم إن قوله: (الأفصح) ينافي قوله: (لم يسمع في كلام بليغ ولا شعر فصيح)، وذكر الإمام «المرزوقي» أنهما جائزان، وكذا في شرح «البخارى»: غيرته نسبته إلى العار وعيبته، يقال: عيرته كذا وبكذا. وقوله: (عيرتني ... البيت) هو من قصيدة «لأبي ذؤيب الهذلي» يرثي بها بعض قومه أولها: (هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... إلا طلوع الشمس ثم غيارها) (أبى القلب إلا أم عمرو فأصبحت ... تحرق ناري بالشكاة ونارها) (وعيرها الواشون أنى أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها) يعني كما قال «المرزوقي» في شرح ديوانه: أنه يريد تشجيعها، ويقول [إن التعيير زائل عنك لأن مثلي لا يستنكف من صحبته، ويقال]: ظهرت لحاجتي وجعلتها بظهر أي لم تنظر فيها ولم تقضها، ويقال: أظهرت بها، وقوله (ظاهر) من هذا فهو بمعنى زائل لا بمعناه المشهور، وهو ظاهر لأخذه من جعلته بظهر، فهو في الأصل كناية عن تركه وزواله لا من الظهور، وهذا يتعدى بعن، وذاك باللام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفاد المصنف أنه يكون بمعنى ملازم فيعدى بعلى، كما تقول العرب: اللؤم ظاهر عنك والنعمة ظاهرة عليك أي ملازمة، وهذا أيضاً من الكناية، ويجيء هذا بمعنى الغلبة، فيقال: ظهر على العدو وأظهره الله عليه، وبمعنى أطلع، ويكون بمعنى باطل كما فسر به قوله تعالى: {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول} والظاهر أنه من المعنى الأول. وروى: تلك وعنك وفتح الكاف فالخطاب لنفسه، أي تلك شكاة زائل من ناحيتك عارها، أي عيب هذه المقالة لا يلزم إذا كانت من جهتك، ويبعد أن يكون يريد تسلية نفسه بقوله: ظاهر عنك، لقوله: وعيرها دون عيرني. وإذا كسرت الكاف فهو ظاهر وفيه التفات، ويجوز أن يكون المعنى: أن اشتهارها بهذا الأمر محا عاره عنها لأن الأسماع قد ألفته والنفوس قد أنست به، فصار على تقرره وتكرره في القلوب، وقيام الناس وقعودهم بما يستعمله من العفاف فيه كالحلال والمباح، ويدل على [هذا] المعنى قوله فيما بعد: (فإن أعتذر منها فإني مكذب ... وإن تعتذر يردد عليك اعتذارها) (وقد تمثل بعجز هذا البيت «عبد الله بن الزبير» حيث نودي في المسجد الحرام في وقعته المشهورة: يابن ذات النطاقين، فقال: إيه وأبيه: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها). أي ما عد من معايبه هو عنده من المآثر والمناقب لأنه من السعادة، كما قال «أبو عبادة»: (إذا محاسني اللاتي أدل بها ... كانت ذنوبي فقل لي: كيف أعتذر) لأن أمه لقبت بذلك لما شقت نطاقها ليلة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار فجعلت شقة منه لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى عصابة لقربته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي «ربيع الأبرار» أن «عبد الله بن أبي بكر» أتى إلى الغار ليلاً بالسفرة ومعه «أسماء» وما كان للسفرة شناق [فشقت] من نطاقها شقة وجعلتها شناقاً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: قد أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة. وقيل: كان لها نطاقان تحمل في أحدهما الزاد إلى الغار، وقيل: كانت تظاهر بين نطاقين [لشدة التستر فسميت- رضي الله عنها- ذات النطاقين].

[116]- قولهم: ابدأ به أولا

[116]- قولهم: ابدأ به أولا ويقولون: ابدأ به أولا، والصواب أن يقال: ابدأ به أول بالضم، كما قال «معن بن أوس»: (لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول) وإنما بنى أول هنا لأن الإضافة مرادة فيه؛ إذ تقدير الكلام ابدأ به أول الناس، فلما اقتطع عن الإضافة بني كأسماء الغايات التي هي قبل وبعد ونظائرهما. ومعنى تسمية هذه الأسماء بالغايات أي قد جعلت غاية للنطق بعدما كانت مضافة، ولهذه العلة استوجبت أن تبنى لأن آخرها حين قطع عن الإضافة صار كوسط الكلمة، ووسط الكلمة لا يكون إلا مبنياً، وإنما بنيت على الضم لأنها في حالة الإضافة تعرب تارة بالنصب وأخرى بالجر، فخصت عند البناء بالضم الذي خالف حركتي إعرابها ليعلم به أنها مبنية لا معربة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ابدأ به أولاُ، والصواب: ابدأ به أول بالضم، كما قال «معن بن أوس»: (لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول) وإنما بنى أول هنا لأن الإضافة مرادة فيه؛ إذ تقدير الكلام: ابدأ به أول الناس، فلما قطع عن الإضافة بني كأسماء الغايات). لأول ثلاثة استعمالات: [الأول- أن يكون صفة بمعنى أسبق]، فيكون أفعل تفضيل وتجري عليه أحكامه، من جر المفضل عليه بمن، فيقال: أول من أمس، ويضاف ويعرف بأل ويثنى ويجمع إلا أنه اختص بحكم ليس لغيره من أسماء التفضيل، وهو جواز حذف المضاف إليه، وبناؤه على الضم حملا له على قبل وبعد، لأنه بمعنى قبل فأعطي حكم رديفه، فيقال: ابدأ بهذا أول بالضم، أي أول الأشياء، ولا يجوز هذا في غيره من أسماء التفضيل، ويجوز فتحه

على أن «أول» إذا أعرب لا يصرف لأنه على وزن أفعل وهو صفة، ولهذا قالوا: كان ذلك عاماً أول، وما رأيته مذ أول من أمس. ولم يسمع صرفه إلا في قولهم: ما تركت له أولاً ولا آخرا، فجعلوه في هذا الكلام اسم جنس، وأخرجوه عن حكم الصفة وأجروا هذا الكلام بمعنى ما تركت له قديماً ولا حديثاً. [ومن مفاحش ألحان العامة إلحاقهم هاء التأنيث بأول فيقولون: الأولة كناية عن الأولى، ولم يسمع في لغات العرب إدخالها على أفعل الذي هو صفة مثل أحمر وأبيض، ولا على الذي هو للتفضيل نحو أفضل وأول. ـــــــــــــــــــــــــــــ بلا تنوين لأنه ممنوع من الصرف للوزن والصفة، ويجوز جره بغير تنوين في: أول، على تقدير الإضافة إلى مقدر الثبوت. والثاني: أن يدخله معنى الظرفية، فينصب على الظرفية كغيره من الصفات المشربة معنى الظرفية كأسفل في قوله تعالى: {والركب أسفل منكم} لأنه صفة الظرف أو في حكمه، فتقول: ما رأيته مذ عام أول، أي ما رأيته عاماً قبل عامنا هذا. الثالث: أن يكون مجرداً عن الوصفية كسائر الأسماء الجامدة، فينصرف وينون كإفكل اسم للرعدة فيقال: ماله من أول ولا آخر [قال «أبو حيان]: وفي محفوظي أن مؤنث هذا أولة، فإن سميت به امتنع صرفه كأول الذي هو علم اليوم الأحد قديماً، وأسماء أيام الأسبوع هي هذه: (أؤمل أن أعيش وأن يومي ... بأول أو بأهون أو جبار) (أو التالي دبار أو فيومي ... بمؤنس أو عروبة أو شبار)

والعجب أنهم في حال صغرهم ومبدأ تعلمهم في مكاتبهم يقولون: جمادي الأولى فيلفظون بالصحيح، فإذا نبلوا ونبهوا أتوا باللحن القبيح]. ونظير «أول» في المبنيات على الضم أنك تقول: انحدر من فوق وأتاه من قدام واستردفه من وراء وأخذه من تحت، فتبنى هذه الأسماء على الضم، وإن كانت ظروف أمكنة لاقتطاعها عن الإضافة، وعلى ذلك قول الشاعر: (ألبان أبل تعلة بن مساور ... ما دام يملكها علي حرام) (لعن الإله تعلة بن مساور ... نا يصب عليه من قدام) أراد من قدامه، فلما حذف الضمير منه واقتطعه عن الإضافة بناه على الضم. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولهم: ابدأ به أول بتقدير أول من كذا، فحذف المفضل عليه، وهو جائز إلا أنه في أول الذي هو صفة لازم لكثرة استعمالهم إياه. هذا محصل ما في كتاب «سيبويه» وشروحه». (على أن أول إذا أعرب لا يصرف لأنه على وزن أفعل وهو صفة) هذا مما وهم فيه لأنه إذا اعرب يكون اسماً وصفة كما بيناه لك، وإعرابه وتنويه لا يختص بما ذكره من المثال، بل هو حيث كان اسماً أعرب كذلك. (ومن مفاحش ألحان العامة إلحاقهم هاء التأنيث بأول فيقولون: الأولة كتابة عن الأولى، ولم يسمع في لغات العرب إذحال الهاء على أفعل الذي هو صفة) إلخ. في شرح «الفصيح» «للمرزوقي» كان ذلك عاماً أول لا ينون أول لأنه لا ينصرف في المعرفة والنكرة جميعاً لكونه أفعل صفة، ولذلك كان مؤنثه أولى، فأما إجازتهم الأولة فلأنهم يستعملونها مع الآخرة كثيراً وهي فاعلة نحو قوله تعالى: {له الحمد في الأولى والآخرة}. وقال أيضاً: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى}، وإنما قلت استعمل معه كثيراً لأنه قد جاء: {وقالت أولاهم لأخراهم}. وقال: ان سوف تلحق أولانا بأخرانا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحكم على الأول بأنه أفعل قول البصريين، وفاؤه وعينه واو، وهو نادر مثل وون، والهمزة من الأولى بدل لازم من الواو فيه لاجتماع واوين الولى مضمومة، وأصله وولي، وقال «الدريدي»: أول فوعل وليس بأفعل، فقلبت الواو الأولى همزة وأدغمت واو فوعل في عين الفعل. اهـ. ومن هنا يعرف أن من قال أولة خطأ [أخطأ]، لإثبات الثقات لها «كالمرزوقي» وإمام أهل العربية «أبو حيان»، وفي «منتهى الأرب» يقال: أولى وأولة، وفي «الأساس» يقال: جمل أول وناقة أولة إذا تقدما الإبل، وما علل به المنع من أنه صفة لا تلحقه التاء وهم منه، لأنه اسم جامد كأفكل، وهذا من الفوائد النفيسة. وقول «المرزوقي» أن الأولى تقابلها العرب بأخرى تارة وبالآخرة أخرى، وبه جاء السماع مما ينبغي التنبه له، كما قاله «ابن هشام» في تذكرته. وفي قول «ابن دريد» وزن أول فوعل نظر يعلم مما قدمناه أولا [وما أنشده المصنف «لمعن بن أوس» المزني من قصيدة له مذكورة في الحماسة وشروحها، وأوجل في البيت مضارع وجل بمعنى خاف، أو صفة بمعنى وجل كأخشن وخشن، والمنية الموت].

[117]- سؤسن لا سوسن

[117]- سؤسن لا سوسن ويقولون لنوع من المشموم: «سوسن» بضم السين، فيوهمون فيه، كما أن بعض المحدثين ضمها فتطير من اسمه حين أهدي إليه وكتب إلى من أهداه له: (لم يكفك الهجر فأهديت لي ... تفاؤلاً بالسوء لي سوسنة) (أولها سوء وباقي اسمها ... يخبر أن السوء يبقى سنة) والصواب أن يقال فيه: سوسن بفتح السين، وكذلك يقال: روشن، بفتح الراء ليلحقها بما جاء على وزن «فوعل» بفتح الفاء نحو جوهر وجورب وكوثر وتولب؛ إذ ما سمع في أمثلة «فوعل» إلا جؤذر في لغة بعضهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لهذا النوع من المشموم: سوسن بضم السين فيوهمون فيه، كما أن بعض المحدثين ضمها فتطير من اسمه وكتب إلى من أهدي إليه: (لم يكفك الهجر فأهديت لي ... تفاؤلا بالسوء لي سوسنة) (أولها سوء وباقي اسمها ... يخبر أن السوء يبقى سنة) والصواب أن يقال فيه: سوسن بفتح السين، وكذلك يقال: روشن بفتح الراء ليلحقا بما جاء على فوعل نحو جوهر وجورب وكوثر وتولب، إذ ما سمع في أمثلة العرب فوعل بالضم إلا جؤذر في قول بعضهم) هذا مع أنه غير صحيح يرد عليه فيه أمور: منها: أنه أنكر الضم في سوسن وقد حكاه «ابن المغربي» عن «ثعلب» كما حكاه صاحب «القاموس». ومنها: أن تخصيصه التطير بالضم لا وجه له؛ لأن التطير كما يكون في الضم يكون في الفتح لأن السوء والسوء بالضم والفتح متقاربان، وبهما قرى في القرآن الكريم. ومنها: أن قوله: لم يأت على فوعل بالضم إلا جؤذر خطأ من وجهين: لأن جؤذر وزنه فعلل ولو خففت همزته بإبدالها واوآ لم يخرج عن وزنه. ولأنه حكى عن «ثعلب» أنه قال: لم يأت على فوعل إلا سوسن وصوبج، وهو ما يبسط الخباز عليه الرقاق، والعامة تقول له: سوبق، وجؤذر، وهو ولد البقرة الوحشية- وقيل إنه معرب- وتولب وهو جحش الحمار.

[قال الشيخ. رحمه الله: وقد أذكرني السوسن أبياتاً أنشدنيها «علي بن عبد العزيز» الأديب المعري «لأبي بكر بن القوطية» الأندلسي، يصف فيها السوسن، مما أبدع فيه وأحسن، فأوردتها على وجه التشذير لسمط هذا الفصل والتأبين لمن درج من أولي الفضل، وهي: (قم واسقنيها على الورد الذي نعما ... وبادر السوسن الغض الذي نجما) (كأنما ارتضعا خلفي سمائهما ... فأرضعت لبناً هذا وذاك دما) (جسمان قد كفر الكافور ذاك وقد ... عق العقيق احمراراً ذا وما ظلما) (كأن ذا طبة نصت لمعترض ... وذاك خد غداة البين قد لطما) (أولا فذاك أنابيب اللجين وذا ... جمر الغضا حركته الريح فاضطرما) ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي شرح «المفصل لابن يعيش»: إذا ثبتت زيادة حرف في كلمة في لغة ثبتت زيادتها في لغة أخرى نحو جؤذر، حكي فيه الفتح والضم، فالهمزة فيه زائدة لزيادتها في لغة من ضم؛ إذ ليس في الأصول مثل جعفر بضم الجيم وفتح الفاء، وإذا ثبتت زيادتها في هذه اللغة كانت زائدة في اللغة الخرى لأنها لا تكون زائدة في لغة أصلاً في لغة أخرى، هذا محال، وفيه نظر يعلم كما مر. (لأبي بكر بن القوطية الأندلسي) هو محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم المعروف بابن القوطية القرطبي النحوي مولى «عمر بن عبد العزيز» والقوطية أم إبراهيم، وأصله من «أشبيلية» والقوطية بالقاف المضمومة يليها واو ساكنة ثم طاء مهملة نسبة إل «قوط بن حام بن نوح» واسمها «ميادة بنت المنذر» و «قوط» أبو السودان والسند والهند، فمعناه أنها جارية سوداء في الأصل، وهو إمام معمر لغوي محدث فقيه له تآليف منها «شرح أدب الكاتب» وكتاب «الأفعال» وهو كتاب جليل القدر، وكانت وفاته سنة سبع وستين وثلاثمائة يوم الثلاثاء لسبع بقين من ربيع الأول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال «الفتح بن خاقان» في «مطمح الأنفس»: هو أحد المجدين في الطلب المشهورين بالعلم والأدب المنتدبين للتعليم والتصنيف، المقر لهم بحسن الترتيب والتأليف، له شعر نبيه أكثره أوصاف وتشبيه كقوله في الربيع: (ضحك الثرى وبدا لك استبشاره ... واخضر شاربه وطر عذاره) (وزهت حدائقه وآزر نبته ... وتعطرت أنواره وثماره) (واهتز ذابل كل ماء قرارة ... لما أتى متطلعا آذره) (وتعممت صلع الربى بنباتها ... وترنمت من عجبه أطياره) أقول: هو شعر بليغ فيه من الاستعارة ما يعرفه من له خبرة بعلم البلاغة، وليس فيه شيء يحتاج إلى البيان غير قوله: واهتز ... إلخ، فإنه شبه أنهاره برماح تهتز إذا مرت بها الرياح، وآذار، شهر من شهور الخريف بلسان الفرس القديم، وهو في لغتهم آذر بمدة واحدة، ووقع نادراً في آذار فعربوه. [وبقي هنا أن في السوسن لغة مشهورة في لسان المولدين وهي سوسان بضم أوله وزيادة ألف قبل النون كقول «ابن النبيه»: في ملتقى ورده وسوسانه وقول بعض المغاربة: (ونزهت طرفي في حدائق أزهرت ... ها زهرة السوسان والآس والورد)

[118]- مثل ... جرى الوادي فطم على القليب

[118]- مثل ... جرى الوادي فطم على القليب ويقولون: جرى الوادي فطم على القليب، والمسموع في هذا المثل فطم على القري، وهو مجرى الماء إلى الروضة، ومعنى طم: علا وقهر، ومنه سميت القيامة طامة، وهذا المثل يضرب في هجوم الخطب الهائل المصغر ما عداه من النوازل. ونظيره في التصحيف: يا حامل اذكر حلا، وإنما هو: يا حابل، أي يا من شد الحبل اذكر وقت حله، ويحكى أن «اللحياني» أول من صحف هذا المثل. ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا حابل اذكر حلا) مثل يضرب لتدارك الأمر بإبقاء ما يلزم، والعامة تقول فيه: حامل بالميم، وإنما هو حابل بالباء الموحدة من حبل إذا ربط بالحبل، وتتمته: وباحانت اذكر حلا.

[119]- قولهم: طر شاربه

[119]- قولهم: طر شاربه ويقولون لمن نبت شاربه: قد طر شاربه بضم الطاء، والصواب أن يقال: طر بفتح الطاء، كما يقال: طر وبر الناقة إذا بدا صغاره وناعمه، ومنه يقال: شارب طرير، وعليه قول الشاعر: (وما زلت من ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم أبدي إحنة وأداجن) (وأضمر في ليلى لقوم ضعينة ... وتضمر في ليلى علي الضغائن) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن نبت شاربه: طر بضم الطاء، والصواب أن يقال: طر بفتحها، كما يقال: طر وبر الناقة إذا بدا صغاره وناعمه، ومنه قولهم: شارب طرير) بالطاء، وترير بالتاء، يقال: طر جسمه وتر، فهو بين الطرارة والترارة، وهي لحم الشباب وطراوته، وأما كون طر بضم الطاء معناه قطع وبالفتح معناه نبت فهو اللغة الفصيحة الشائعة في الاستعمال، وقال «الصاغاني» في «العباب» " طر بالضم في طر الشارب لغة أيضاً، فعد المصنف لها خطأ غير مسلم. ومن الملح فيه قول «الشهاب المنصوري»: (قد فتن العاشقين حين بدا ... بطلعة كالهلال أبرزها) (طر له شارب على شفة ... كالآس في الورد حين طرزها) (ونقيض هذا الوهم قولهم في النادم المتحير: سقط في يده بفتح السين، والصواب الأولى أفصح لقوله تعالى: {ولما سقط في أيديهم}.

فأما طر بضم الطاء فمعناه قطع، ومنه اشتقاق الطرار، وبه سميت الطرة لأنها تقطع، وأما قولهم: جاء القوم طرا فهو بمعنى جاء القوم جميعا وانتصابه على الحال، ونقيض هذا الوهم قولهم في النادم المتحير: سقط في يده بفتح السين، والصواب أن يقال فيه: سقط في يده، وقد سمع عنهم: أسقط إلا أن الأولى أفصح لقوله تعالى: {ولما سقط في أيديهم}. ـــــــــــــــــــــــــــــ في «منتهى الأرب» قال «الفراء»: يجوز أسقط، وسقط هو الأكثر والجود، وسقط بالفتح والبناء للفاعل قليلة، قال «الأخفش»: وقد قرى بها في الشواذ كأنه أضمر الندم، أي سقط الندم في أيديهم. وقال بعض أهل اللغة: بالهمزة والبناء لما لم يسم فاعله، وبهذا علم ما في كلام المصنف وأن ما أنكره ليس بمنكر، وقد ناقض هو نفسه ووقع فيما فر منه حيث قال في مقاماته: سقط الفتى في يده. قال «المطرزي» في شرحه: سقط في يده مثل يضرب للنادم المتحير، ومعناه ندم لأن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده فتصير يده مسقوطا فيها كأن فاه سقط فيها، وسقط مسند إلى يده، وهو من باب الكناية. وفي «مجمع الأمثال» قال «الزجاج»: سقط في أيديهم نظم لم يسمع قبل القرآن ولا تعرفه العرب في النظم والنثر جاهلية وإسلاماً، فلما سمعوه خفي عليهم وجه استعماله لكونه لم يقرع أسماعهم فقال «أبو نواس»: (ونشوة قد سقطت منها يدي ... ) وهو العالم النحرير فأخطأ في استعماله، وذكر «أبو حاتم» سقط فلان في يده، وهذا مثل قول «أبي نواس» وكل ذلك شاذ إن صح. وكأن «الحريري» بنى قوله على ما ذكرت، وقال «الواحدي»: قرى سقط معلوماً ومجهولاً، ومعناه على ما حققه المفسرون وأهل اللغة ندم، ووجهه كما قال «الزجاج» بعدما ذكر ما نقله «المطرزي» بعينه أن اليد إنما ذكرت لتأويلها بالعضو، لأنه يقال لما يحصل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم يحس: وقع في يده، كما يقال: حصل في يده مكروه بتشبيه ما يقع في النفس في القلب بما يرى بالعين، وإنما خصت اليد لأنها يباشر بها الأمور كما قال تعالى: {بما قدمت يداك} أو لأن الندم يظهر أثره بعدما حصل في اليد كعضها وضرب إحدى اليدين على الأخرى، فلهذا أضيف إليها كما يظهر السرور بالضحك والاهتزاز ونحوه. وقيل: لأن النادم عادته أن يطأطى رأسه ويضع ذقنه على يده حتى لو أزالها سقط لوجهه، فاليد مسقوط عليها، وفي بمعنى على. قيل: هو من السقاط وهو كثرة الخطأ قال: (كيف يرجون سقاطي بعدما ... لفع الرأس بياض وصلع) وقيل: إنه مأخوذ من سقيط الجليد والندى لعدم ثباته، فهو مثل لمن لم يحصل من سعيه على فائدة غير الندم، وجعله «الزمخشري» كناية لعدم المانع من إرادة الحقيقة، وفاعله على البناء للمعلوم العض لا الفم، لأنه أقرب إلى المقصود، ولأن كونه كناية عن الندم إنما هو حيث يكون سقوط الفم على وجه العض ثم اليد على هذا حقيقة. وعلى تفسير «الزجاج» استعارة بالكناية، وأما كونه كناية إيمائية كما قاله «الطيبي» فلا دلالة فيه عليه إلا أن يقال: سقوط الندم في القلب أو النفس كناية عن ثبوته للشخص، وإنما اعتبر التشبيه فيما يحصل لا في اليد ليكون استعارة تصريحية، لأنه لا معنى لتشبيه اليد بالقلب إلا بهذا الاعتبار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال «القطب»: إنه على تفسير «الزجاج» استعارة تمثيلية، لأنه شبه حال الندم في القلب بحال الشيء في اليد في التحقق والظهور، ثم عبر عنه بالسقوط في اليد. وسقط [هنا] عده بعضهم من الأفعال التي لا تتصرف كنعم، وقراءة «ابن أبي [السميقع] سقط معلوما فاعله الندم كما قاله «الزجاج»، أو العض كما قاله «الزمخشري»، أو الخسران كما قاله «ابن عطية» وكله تمثيل. وقرأ «أبن أبي عيلة» أسقط مزيداً مجهولاً وهي [لغة] نقلها «الفراء» ز «الزجاج». وبهذا اتضح لك ما في هذا المقام من الصواب والأوهام والحور المقصورات في الخيام.

[120]- قولهم: ركض الفرس

[120]- قولهم: ركض الفرس ويقولون: ركض الفرس بفتح الراء، وقد أقبلت الفرس تركض بفتح التاء، والصواب أن يقال: ركض بضم الراء، وأقبلت تركض بضم التاء، وأصل الركض في اللغة تحريك القوائم، ومنه قوله تعالى: {اركض برجلك} ولهذا قيل للجنين إذا اضطرب في بطن أمه: قد ارتكض، ومن أبيات المعاني المشكلة: (قد سبق الجياد وهو رابض ... وكيف لا يسبق وهو راكض) والمراد به أن امه سبقت الجياد حين أجريت وهي حامل به، وأضاف السبق إليه لاتصاله بأمه، وأشار بركضه إلى تحريك قوائمه في مربضه ومقره. وقد توهم بعضهم أن الركض لا يستعمل إلا في الخيل، وليس كذلك، بل يقال: ركض البعير برجله أي رمح، وركض الطائر إذا حرك جناحيه ثم ردهما ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ركض الفرس بفتح الراء، وقد أقبلت الفرس تركض والصواب أن يقال: ركض بضم الراء وأقبلت تركض بضم التاء) والبناء للمجهول فيهما، وهذا هو المشهور، لأن معنى الركض ضرب الراكب الدابة برجله لتسرع أو تسير، فلا يسند الركض لها بل له، إلا أن «أبن القوطية» قال: إنه يقال: ركضت إذا سقتها وحثثتها، وركض الطائر والفرس إذا أسرعا، فيكون ركض لازماً ومتعدياً كرجع ورجعته، ولو سلم أنه لا يكون إلا متعدياً فما المانع من أن يقال: ركض الفرس بمعنى ضرب برجله الأرض. وقال «الراغب»: الركض الضرب بالرجل، فمتى نسب إلى الراكب فهو إعداء مركوبه نحو ركضت الفرس، ومتى نسب إلى الماضي فهو بمعنى وطي الأرض كقوله تعالى: {اركض برجلك} وقوله: {لا تركضوا وارجعوا} نهى عن الانهزام. وقال «ابن هشام» في شرح «بانت سعاد»: يركض يدفع، ومنه ركض الدابة يركضها ركضاً، لأن معناه دفعها في جنبيها برجليه لتسير، ثم كثر حتى صار بمعنى السير مطلقاً، وقولهم: ركضت الدابة بفتح الراء والضاد بمعنى عدت عد من الخطأ، على أن الصواب ركضت بالبناء لما لم يسم فاعله.

على جسده في الطيران [كما قال «سلامة بن جندل»: (أودى الشباب حميداً ذو التعاجيب ... أودى وذلك شأن غير مطلوب) (ولى حثيثاً وهذا الشيب يطلبه ... لو كان يدركه ركض اليعاقيب) يعني باليعاقيب ذكر الحجل، وهو جمع يعقوب. ويروى: ركض اليعاقيب بالضم والفتح، فمن رفعه جعله فاعل يدرك، وأراد به أن هذا الطائر على سرعة طيرانه لا يدرك الشباب إذا ولى، فكيف يدركه غيره؟ . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال «ابن سيده» في المحكم: ركض الدابة وركضت هي، وأباها بعضهم، والصواب عندي الجواز لقولهم: ركض الطائر إذا أسرع في طيرانه. قال: (كأن تحتي بازياً راكضا ... ) وفي «الأساس» ركضت الخيل ضربت الأرض بحوافرها. وبهذا عرفت ما في كلام المصنف على أن كلامه لا يخلو من الخلل.

ومن رواه بالنصب نصبه بفعل مضمر تقديره ولى يركض ركض اليعاقيب، وجعله من صلة صفة الشباب، وجعل فاعل يدركه ضمير الشيب المستتر فيه، ويصير في البيت تقديم وتأخير، وتصحيحه: ولى الشباب حثيثاً يركض ركض اليعاقيب، وهذا الشيب يطلبه لو كان يدركه]. [قال الشيخ الإمام «أبو محمد الحريري»]: وللعامة وبعض الخاصة عدة أوهام في إسناد الفعل إلى من فعل به يماثل وهمهم في قولهم: ركضت الدابة، وقولهم: قد حلبت ناقته رسلا كثيراً، ولم تحلب شاته إلا لبناً يسيرا، فيسندون الحلب إلى المحلوبة وهو موقع بها، ووجه القول: كم حلبت ناقتك وكم تحلب حلوبتك. [وما أشبه ذلك].

[121]- قولهم حكني جسدي

[121]- قولهم حكني جسدي ويقولون أيضاً: حكني جسدي، فيجعلون الجسد هو الحاك، وعلى التحقيق هو المحكوك، والصحيح أن يقال: أحكني جسدي، أي ألجأني إلى الحك. وكذلك يقولون: اشتكت عين فلان، والصواب أن يقال: اشتكى فلان عينه لأنه هو المشتكي لا هي. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: حكني جسدي فيجعلون الجسد هو الحاك، وعلى التحقيق هو المحوك، والصواب أن يقال: أحكني جسدي، أي ألجأني إلى الحك، وكذلك يقولون: اشتكت عين فلان، والصواب أن يقال: اشتكى فلان عينه لأنه هو المشتكي لا هي). في «القاموس» الحك إمرار جرم على جرم واحتك رأسي وحكني وأحكني واستحكني دعاني إلى حكه، فعلم أن ما قاله المصنف لا وجه له، ولو سلم فلا يحكم في الحجر في المجاز إلا بالسفه، ومثل هذا حلبت ناقته رسلا، ووقع في الحديث: «أن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفأكحلها؟ » روي بنصب عينها ورفعها، وقد سموا المرض شكاة توسعاً فقالوا: كيف فلان في شكاته أي مرضه، فعليه يجوز أن يقال: اشتكت بمعنى مرضت، ويجعل الفعل للعين، ومثل هذه التوسعات كثير في كلام العرب، فلا وجه لعده من الأوهام.

[122] قولهم: سار ركاب السلطان

[122] قولهم: سار ركاب السلطان ويقولون: سار ركاب السلطان إشارة إلى موكبه المشتمل على الخيل والرجل وأجناس الدواب، وهو وهم ظاهر؛ لأن الركاب اسم يختص بالإبل وجمعها ركائب، والراكب هو راكب البعير خاصة وجمعه ركبان، فأما الركب والأركوب فقد جوز «الخليل» أن يطلق اسمهما على راكبي كل دابة، إلا أن الأركوب أكثر من الركب عدة وأوفى جماعة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: سار ركاب السلطان إشارة إلى موكبه المشتمل على الخيل والرجل وأجناس الدواب، وهو وهم ظاهر لأن الركاب اسم يختص بالإبل). الركاب مشترك بين ما ذكره وبين ما يعلق في السرج آلة للركوب، وهو المراد هنا؛ إلا أنه كني به عن سير السلطان تأدباً، فالمخطى فيه مخطى. قال «الأنصاري»: إنا معاشر الكتاب لا نعني بالركاب إلا ركاب السرج السلطاني تأدباً مع الملوك لأنا لا نقول: سار السلطان، وإنما نقول: سار الركاب الشريف كناية عن ذلك، فلا حاجة إلى أن يقال: إنه من ذكر الخاص وإرادة العام تجوزاً. وقوله: (والراكب هو راكب البعير خاصة) هو أحد قولين حكاهما في القاموس.

[123]- قولهم شطرنج بفتح الشين

[123]- قولهم شطرنج بفتح الشين ويقولون للعبة الهندية: الشطرنج بفتح الشين، وقياس كلام العرب أن تكسر لأن من مذهبهم أنه إذا عرب الاسم العجمي رد إلى ما يستعمل من نظائره في لغتهم وزناً وصيغة، وليس في كلامهم فعلل بفتح الفاء، وإنما المنقول عنهم في هذا الوزن فعلل بكسر الفاء، فلهذا وجب كسر الشين من الشطرنج ليلحق بوزن جردحل وهو الضخم من الإبل وقد يجوز في الشطرنج أن يقال بالشين المعجمة لجواز اشتقاقه من المشاطرة، وأن يقال بالسين المهملة لجواز أن يكون اشتق من التسطير عند التعبية، ومثله تسمية الدعاء للعاطس بالتسميت والتشميت، إشارة بالسين المهملة أن يرزق السمت الحسن، وبالشين المعجمة إلى جمع الشمل، لأن العرب تقول: تشمتت الإبل إذا اجتمعت في المرعى، وقيل: إن معناه بالشين المعجمة الدعاء لشوامته، وهي اسم الأطراف. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للعبة الهندية) وهي معروفة، وضعها حكيم يسمى «صصة» لملك الهند يسمى «هيت» في مقابلة «النرد» الذي وضعه الفرس إشارة إلى القضاء والقدر، إشارة إلى أن للعقل دخلاً في نيل المراتب العلية. (الشطرنج، وقياس كلام العرب أن يكسر لأن من مذهبهم إذا عرب الاسم الأعجمي أن يرد إلى ما يستعمل من نظائره في لغتهم وزناً وصيغة، وليس في كلامهم «فعلل» بفتح الفاء، وإنما المنقول عنهم في هذا الوزن فعلل، فلهذا وجب كسر الشين من شطرنج ليلحق بوزن جردحل). الشطرنج يقال بالشين والسين وإعجامه أشهر، وهو عند بعضهم عربي، والصحيح خلافه، وهو معرب وقد اختلف في أصله فقيل: معرب «صدرنك» أي مائة حيلة

فائدة

فائدة ولهذا نظائر في كلام العرب كقولهم لنوع من التمر: سهريز وشهريز، ولما يختم بهك الروسم والروشم، وكقولهم: انتشف لونه وانتسف إذا تغير وانتقع، وحِمس الرجل وحُمِش إذا اشتد غضبه. وقالوا: تنسمت منه علمًا وتنشمت، فمن قاله بالسين المهملة جعل اشتقاقه من النسيم، ومن قاله بالشين المعجمة أخذه من قولهم: نَشَّم في الأمر أي ابتدأ به، إلا أن "الأصمعي" يرى أن هذه اللفظة لا تستعمل إلا في الشر على ما تقدم ذكره عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد التكثير لا خصوص العدد، وقيل: معرب "شدرنك" أي زال العناء، أي من اشتغل به زال عناؤه، وقيل: معرب "شش رنك" أي ستة ألوان، وهي أنواع قطعه، وفتح أوله وكسره جائز. وقال "الواحدي": الأحسن فيه الكسر ليكون على زنه "قرطعب"، ولم يذكر فيه "ابن السكيت" إلا الفتح، ولهذا قال "ابن بري": إن أئمة اللغة لم يذكروا فيه إلا فتح الشين، وكذا قال في "إصلاح المنطق". إذا عرفت هذا علمت أن في كلام المصنف خللا من وجوه: الأول: أنه أنكر الفتح وهو المعروف عند أئمة اللغة. الثاني: أنه زعم أن المعرب لابد أن يرد إلى نظائره من أوزان العربية، والذي صرح به النحاة خلافه، وفي كتاب "سيبويه" الاسم المعرب من كلام العجم ربما ألحقوه بأبنية كلامهم وربما لم يلحقوه، فمما ألحقوه بأبنيتهم درهم ويهرج، ومما لم يلحقوه بها الآجر والإفرند إلى آخر ما فصله، ومن أراد ذلك فليرجع إلى كتاب "المعرب لأبي منصور".

وقد جاء أيضًا في الآثار والأشعار ألفاظ رويت بهذين الحرفين على اختلاف المعنيين، فروى في صفته. عليه السلام. أنه كان منهوش القدمين أي معروفهما، [وذكر "ابن الأعرابي" في نوادره أنه يقال: هوس الناس وهوشوا إذا وقعوا في الفساد]. والنهش بإعجام الشين ما كان بالأضراس، والنهس بإهمالها ما كان بأطراف الأسنان، وروى محاش النساء حرام بإعجام الشين وإهمالها، والمراد به [مع إعجام الشين وإهمالها] الدبر، وواحد المحاش محشه. وفي بعض الروايات "أن الشهر قد تشعشع فلو صمنا بقيته" روي بإعجام السين وإهمالها. فمن رواه بالمعجمة ذهب ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: أنه قال: مشتق من المشاطرة أو التشطير وهو بعيد عن نهج السداد؛ لأن الاشتقاق لا يجري في الأعجمي، وما نقل من ذلك غير مقبول، حتى شنعوا على من قال: آدم مأخوذ من أديم الأرض لأنه مخلوق من التراب، وإن كان دفع بالعناية مع أنه يقتضي زيادة الجيم وليست من أحرف الزيادة. ثم إنه ذكر ألفاظًا وردت بالسين والشين وهي كثيرة، وقد أفردها صاحب "القاموس" بتأليف سماه: "تحيير الموشين فيما يقال بالسين والشين" [فمن أراد استقصاء ذلك فعليه به]. (تسمية الدعاء للعاطس بالتسميت والتشميت) وهو أن يقال لمن عطس: يرحمك الله، والمشهور فيه الإعجام، ومعناه التثبيت، ولهذا تظرف القائل: (قلت له والدجى مول ... ونحن في الأنس والتلاقي) (قد عطس الصبح يا حبيبي ... فلا تشمته بالفراق) والعرب تقول: عطس الصبح إذا طلع كما يعرفه من له إلمام باللغة.

إلى دقة الهلال وقلة ما بقي من الشهر، كما يقال: شعشعت الشراب بالماء إذا رققته بهن ومن رواه بالسين المهملة وهو أشهر الروايتين فالمراد به أن الشهر قد أدبر وفني إلا أقله. وجاء في حديث عمر. رضي الله عنه. "أنه كان ينس الناس بعد العشاء الآخرة بالدرة ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم" فمن رواه بالسين المهملة عني به يسوقهم، ومنه سميت العصا منسأة للسوق بها، ومن رواه بالمعجمة فمعناه بتناولهم مأخوذ من قوله تعالى: {وأنى لهم التناوش}. وورد في الآثار أن "عليا". كرم الله وجهه. خطب الناس على منبر الكوفة وهو غير مشكوك، فمن رواه بالشين المعجمة معناه أنه غير مشدود [وأصله من الشك وهو لصوق العضد ـــــــــــــــــــــــــــــ (إن الشهر قد تشعشع فلو صمنا بقيته، روي بإعجام الشين وإهمالها) قالوا: المراد بالشهر هنا الهلال ومعناه على الإعجام استدق من شعشعت الشراب بالماء شعشعة إذا مزجته فرققته، وهذا هو معنى الشعشعة في كلام العرب، وأما قول الناس: شعشة الأنوار بمعنى إشراقها وتلألئها فليس من كلام العرب كما في حواشي "شرح المطالع" وعلى الإهمال معناه أدبر وزال، ونقل "ابن يري" فيه لغة ثالثة وهي: تشعسع، وهي بمعجمة مقدمة ثم مهملة من الشسوع وهو البعد. (كان ينس الناس بعد العشاء الآخرة بالدرة) النس بمعنى السوق صحيح، وأما كون المنسأة منه فغلط، لأنها لو كانت منه قيل بغير ألف: منسة، وإنما هي من نسأ المهموز بمعنى ساق، وهي مادة أخرى، وكون الإعجام بمعنى التناول ومنه التناوش في الآية مما غلط فيه أيضًا لأنه من النوش الأجوف، وهذا من النش، وبينهما بون بعيد.

بالجنب] ومعناه بالسين المهملة: مسمور، من السك وهو تضبيب الباب. ونقل عن "عائشة". رضي الله عنها. أنها قالت: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري" فمن رواه بالسين المهملة عني الرئة، ومن رواه بالشين المعجمة مع الجيم فقال: شجري فالمعنى: مجمع اللحيين، ويروي بيت "النابغة": (فإن يك عامر قد جاء جهلا ... فإن مطية الجهل الشباب) فمن رواه بالشين المعجمة فالمراد به الشبيبة، ومن رواه السباب بكسر السين المهملة فالمعنى به السبب، كما قد روي في هذا البيت: فإن مظنة الجهل أي موضعه، [وروي: مطية الجهل أي مركبه]. ـــــــــــــــــــــــــــــ (نفى الذم عن آل المحرق جفنه ... كجابية الشيخ العراقي تفهق) هو من قصيدة "للأعشى" يمدح بها "المحلق" في قصة له مشهورة، وأولها: (أرقت وما هذا السهاد المؤرق ... وما بي من سقم وما بي تعشق) وفيها شواهد منها ما سيأتي، وروي: تروح على آل المحلق ... وقد روي السيح فيه بسين وحاء مهملتين، وهو الجاري على وجه الأرض، وتفهق بمعنى تمثل وتفيض، والفراتي نسبة إلى الفرات النهر المشهور، وروي الشيخ بمعجمتين، والعراقي نسبة للعراق، فقيل: لأن الماء كثير بالعراق، والشيخ: المسن يحكم أموره لكثرة تجاربه فيملؤها إلى الغاية لكثرة الماء وإحكامه لأمره، أو لأن الشيخ يتعذر عليه المشي إلى الاستقساء، فيملأ الحوض احترازًا عن ذلك، وقيل: أراد به "كسرى" لأنه صابح دجلة [وما ذكره المصنف ظاهر].

وقد روي أيضًا من شعر "الأعشى" بيتان بهذين الحرفين أحدهما قوله: (نفي الذم عن آل المحلق جفنه ... كجابية الشيخ العراقي تفهق) فمن روي: كجابية السيح بالسين المهملة، عن بالجابية "دجلة" وبالسيخ الماء السائح، ومن رواه بالشين المعجمة، جعل الإشارة فيه إلى "كسرى" لأنه صاحب "دجلة" وأراد "الأعشى" بهذا التشبيه أن جفنة "آل المحلق" تمد بالطعام بعد الطعام، كما تمد "دجلة" بالماء بعد الماء. والبيت الآخر قوله في صفة الخمر والخمار: ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقابلها الريح في دنها ... وصلى على دنها وارتشم) قد مر أول القصيدة ونبذ منها، وفي "المعربات": ارتشم معجمًا ومهملاً بمعنى ختم من الروشم وهو الختم بالإعجام والإهمال أيضًا كما بينا ذلك. (الصراري وهو الملاح) ظاهره أن الصراري بمعنى الملاح مفرد، وإليه ذهب بعض أهل اللغة، وجمعه صراريين. قال جذب الصراريين [بالكرور]. وفي "الصحاح" و"الجمهرة": الصاري وجمعه صراري، فهو عنده جمع لا مفرد، وبما سمعته علمت أن الصاري الملأح، وأهل مصر يتعملونه بمعنى عود القلع الذي في السفينة. (أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني) هو "لمعن بن أوس" المزني وأولها: (فلا وأبي حنيفة ما نفاه ... من أرض بني ربيعة من هوان)

(وأقبلها الريح في دفها ... وصلى على دنها وارتشم) فمن رواه بإعجام الشين، عنى به أنه دعا للدن ثم ختم عليه، ومن رواه بالسين المهملة قال أراد أنه دعا لها وعوذ عليها كما قال "القطامي" يصف فلكًا: (في ذي جلول يقضي الموت صاحبه ... إذ الصراري من أوهواله ارتسما) يعني أن الصراري وهو الملاح عوذ وكبر حين شاهد عظم الأهوال، وعاين تلاطم الأمواج، والجلول جمع جل وهو شراع السفينة، ويروي بيت "أوس بن حجر": (مخلفون ويقضي الناس أمرهم ... غس الأمانة صنبور فصنبور) ـــــــــــــــــــــــــــــ (وكان هو الغني إلى غناء ... وكان من العشيرة في مكان) (تكنفه الوشاة فأزعجوه ... ورسوا من قضاعة غيروان) (فلولا أن أم أبيه أمي ... وأن من قد هجاه فقد هجاني) (إذن لأصابه مني هجاء ... يمر به الروي على لساني) أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني) وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني) وقال "ابن دريد": لمالك بن فهيم الأزدي" في ابنه، وكان قد رماه بسهم فقتله،

فمن رواه بالسين الهملة عن أنهم ضعفاء الأمانة، ومن رواه بالشين المعجمة فاشتقاقه من الغش. وحكى "الأصمعي" قال: أنشدنا "أبو عمرو بن العلاء": (فما جبنوا أنا نشد عليهم ... ولكن رأوا نارا تحش وتسفع) [قال: فذكرت ذلك "لشعبة" فقال: ويلك إنما هو تحس وتسفع]، أي تحرق وتسود. قال "الأصمعي": وقد أصاب "أبو عمرو" لأن معنى تحش توقد، وأصاب "شعبة" أيضًا، ولم أر بالشعر أعلم منه. ـــــــــــــــــــــــــــــ واستد بالمهملة، من سددت رميته إذا استقامت. وفي كتاب "الاشتقاق" أنه روي بالمعجمة من الشدة، فمن قال: إنه تصحيف فقد أخطأ، وقد ضرب هذا مثلا في المسي لمن أحسن إليه، وقد أنشده "الميداني" في أمثاله هكذا: (فيا عجبًا لمن ربيت طفلاً ... ألقمه بأطراف البنان) (أعلمه الرماية كل وقت ... فلما اشتد ساعده رماني)

وحكى "خلف الأحمر" قال: أخذت على "المفضل الضبي" وقد أنشد "لأمرئ القيس": (تمس بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مصهب) فقلت: إنما هـ نعش؛ لأن المش مسح اليد بالشيء الخشن، وبه سمي "منديل الغمر" مشوشا، وأما قول الشاعر: (أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني) ـــــــــــــــــــــــــــــ (أعلمه الرواية كل يوم ... فلما قال قافية هجاني) (أعلمه الفتوة كل يوم ... فلما طر شاربه جفاني) ومثله قول "أبي بكر الخوارزمي" لتلميذ له عقه: (هذا أبو زيد صقلت حسامه ... فغدا به صلتا علي وأقدما) (أمسى يجهلني بما علمته ... وبريش من ريشي لبرمي أسهما) يا منبضا قوسي يكفي احكمت ... ومسددًا رمحًا بكفي قوما) (أرقيت بي في سلم حتى إذا ... نلت الذي تهوى كسرت السلما) ثم أنشد على ذكر الإسراف والإشراف بالمهملة والمعجمة قول "عروة بن أدية"، وقد مر أن صوابه "أذينة" وبقية قصته ظاهرة. (لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني) (أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني)

فالرواية الصحيحة فيه استد بالسين المهملة، ويكون المراد به السداد في الرمي، وقد رواه بعضهم بالشين المعجمة التي بمعنى القوة، ومثله في اختلاف الرواية قول "عروة بن أذينة": (لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني) فروى أكثرهم لفظة الإسراف بالسين المهملة ورواها بعضهم بالشين المعجمة ليكون معناها التطلع إلى الشيء والاستشراق له [وهو اختيار المرتضى "أبي القاسم الموسوي". رحمه الله]. حكاية فيها اعتبار ولهذا البيت حكاية تحت على استشعار اليقين وإعلان الأمل بالخالق دون المخلوقين فجنحته بها تحلية لعاطله، ومنبهة على صدق قائله، وهي ما رويته من عدة طرق أن "عروة" هذا وفد على "هشام بن عبد الملك" في جماعة من الشعراء، فلما ـــــــــــــــــــــــــــــ (كم قد أفدت وكم أتلفت من نشب ... ومن معاريض رزق غير ممنون) (فما أشرت على يسر وما ضرعت ... نفسي لخلة عسر جاء يبلوني) (خيمي كريم ونفسي لا تحدثني ... أن الإله بلا رزق يخليني) (ولا اشتريت بمالي قط مكرمة ... إلا تيقنت أني غير مغبون) (ولا دعيت إلى مجد ومحمدة ... إلا أجبت إليه من يناديني) (لا أبتغي وصل من يبغي مفارقتي ... ولا ألين إلى من يبتغي ليني) (إن سيعرفني من لست أعرفه ... ولو كرهت وأبدو حين يخفيني) (فغطني جاهدًا واجهد علي إذا ... لاقيت قومك فانظر هل تغطيني) (لا يبعد الله حسادي وزادهم ... حتى يموتوا بداء غير مكنون) (إني رايتهم في كل منزلة ... عندي أجل من اللائي يحبوني)

دخلوا عليه عرف "عروة" فقال له: ألست أنت القائل: (لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني) (أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو أقمت أتاني لا يعنيني؟ ) وأراك قد جئت تضرب من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق، فقال له: ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي معنى ذلك قوله بعضهم: (مثل الرزق الذي تطلبه ... مثل الظل الذي يمشي معك) (أنت لا تدركه متبعًا ... وإذا وليت عنه تبعك) ومثل هذا ما حكاه "ابن أبي الدنيا" من أنه قدم البصرة رجلان يسترفدان "عبيد الله بن عامر" خال "عثمان بن عفان" وكان جوادًا ممدحًا، أحدهما ابن "جابر بن عبد الله الأنصاري" والآخر ثقفي، فلما قربا من البصرة نزلا، فصلى "ابن

لقد وعظت يا أمير المؤمنين فبالغت في الموعظة، وأذكرت ما أنسانيه الدهر، وخرج من فوره إلى راحلته فركبها ثم نصها راجعًا نحو الحجاز. فمكث "هشام" يومه غافلًا عنه، فلما كان في الليل تعار على فراشه فذكره، وقال في نفسه: رجل من قريش قال حكمة ووفد إلى فجبهته ورددته عن حاجته وهو مع هذا شاعر لا آمن ما يقول؟ فلما أصبح سأل عنه فأخبر بانصرافه، فقال: لا جرم ليعلمن أن الرزق سيأتيه، ثم دعا بمولى له وأعطاه ألفي دينار، وقال له: الحق بهذه "ابن أذينة" فأعطه إياها. ـــــــــــــــــــــــــــــ جابر" ركعتين وقال للثقفي: ما رأيك في الرجوع؟ فقال: أتعبت نفسي وأكللت مطيتي وأرجع بغير شيء؟ فقال "ابن جابر": [إني] قد ندمت على قصده واستحييت من ربي أن يراني طالبًا رزقًا من غيره، ثم قال: اللهم يا رازق "ابن عامر" ارزقني من فضلك، ثم قفل راجعًا إلى المدينة. وكان "ابن عامر" قد أخبر بمسيرتها، فلما دخل الثقفي على "ابن عامر" قال له: أين صاحبك؟ فأخبره بحاله فبكى وقال: والله ما قالها أشرًا ولا بطرًا، ولكن قالها حقًا، فلا جرم لأضعفن جائزته، فأمر للثقفي بأربعة آلاف درهم وكسوة، وبعث "لابن جابر" بضعفها فخرج الثقفي وهو يقول: (أمامه ما حرص الحريص بزائد ... فتيلا ولا زهد المقيم بضائر) (خرجنا جميعًا من مساقط رؤسنا ... على ثقة منا بجود ابن عامر) (فلما أنخنا الماعجات ببابه ... تخلف عني الخزرجي ابن جابر) (وقال ستكفيني عطية قادر ... [على ما أراد اليون لليأس قاهر) (وقال: الذي أعطى العراق ابن عامر] ... لربي الذي أرجو لسد مفاقري) (فقلت: خلا لي وجهه ولعله ... يوجه لي حظ الفتى المتآخر)

[قال] فلم أدركه إلا وقد دخل بيته، فقرع الباب عليه فخرج فأعطيته المال، فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيت قولي؟ سعيت فأكديت ورجعت إلى بيتي فآتاني فيه الرزق. ومما يروى أيضًا بهذين الحرفين قول "أبي بكر بن دريد" في مقصورته: (أرمق العيش على برض فإن ... رمت ارتشافًا رمت صعب المنتشا) فمن رواه بالسين المغفلة فمعناه المبتعد، واشتقاقه من أنسأ الله أجله أي باعده، ومن رواه بالشين المعجمة فمعناه استقصاء الشرب بالمشافر. ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلما رآني سأل عنه صبابة ... وحن كما حنت طراب الأباعر) (وأضعف من حظ له في عطائه ... على حظ لهفان من الحرص فاغر) (فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعي ... ولا ضائري شيء خلاف المقادر) وحكي عن "هدية بن خالد" أنه حضر مائدة "المأمون"، فلما رفعت جعل يلتقط ما في الأرض، فقال له "المأمون": أما شبعت يا شيخ؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين، ولكن حدثني "حماد بن سلمة" عن "ثابت" عن "أنس" قال: "سمعت رسول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أكل ما تحت مائدته أمن من الفقر" فأشار "المأمون" إلى غلام فأتاه بمنديل فيه ألف دينار، فقال: يا أمير المؤمنين، وهذا من ذاك. قلت: ومما يضاهي هذه القضية أن شاعرًا يمسى "القشلي" بقاف مفتوحة وشين معجمة، نسبة لقشل، وهي قرية باليمن، وهو شاعر مجيد اسمه "سرور" مدح المنتخب بقصيدة أعجبته، إلا أنه لم يعجل بجائزته [فتركه وارتحل عنه] ثم إن المنتخب تذكره فقيل له إنه ذهب، فأرسل خلفه الجائزة، فكتب إليه: (هذا هو الجود لا ما قيل في القدم ... عن "ابن سعد" وعن "كعب" وعن "هرم") (جود سرى يقطع البيداء مقتحمًا ... هول السرى من نواحي البيت والحرم) (حتى أناخ بأكناف الحصيب وقد ... نام البخيل على عجز ولم ينم) (وافى إلي ولم تسع له قدمي ... كلا ولا ناب عن سعيي له قلمي) (ولا امتطيت إليه ظهر ناجيه ... تأتي وأخفافها منعولة بدم) (أحبب به زائرًا قرت بزورته ... عين المديح وقامت حجة الكرم) (فأي عذر إذا لم أجز همته ... شكرًا يقوم بالغالي من القيم)

[124]- قولهم: سأل عنك الخير

[124]- قولهم: سأل عنك الخير ويقولون في جواب من قال سألت عنك: سأل عنك الخير، فيستحيل المعنى بإسناد الفعل إليه، لأن الخير إذا سأل عنه فكأنه جاهل به أو متناه عنه، وصواب القول: سئل عنك الخير، أي كان من الملازمة لك والاقتران بك بحيث يسأل عنك. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في جواب من يقول سألت عنك: سأل عنك الخير، فيستعمل المعنى بإسناد الفعل إليه لأن الخير إذا سأل عنه فكأنه جاهل به). هذا مما لا ينبغي أن يسود به وجوه الصحف فإنه لا خطأ فيه من جهة العربية والتركيب وهو ظاهر، ولا من جهة المعنى كما توهمه، فإن لكل امرى ما نوى، ولو جعل كناية عن توجه الخير الآتي إليه، وقصده كان الكلام صحيحًا فصيحًا، لأن عادة القادم لبلد أن يسأل عمن يريده فيها، وهذا أظهر من أن يخفى، فلا حاجة للكلام فيه.

[125]- قولهم: مطرمذ أو طرمذار

[125]- قولهم: مطرمذ أو طرمذار ويقولون للمتشبع بما ليس عنده: مطرمذ، وبعضهم يقول: طرمذاذ، كما قال بعض المحدثين: (ليس للحاجات إلا ... من له وجه وقاح) (ولسان طرمذاذ ... وغدو ورواح) (إن يكن أبطأت ... الحاجة عني والسراح) (فعلي السعي فيها ... وعلى الله النجاح) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للمتشبع بما ليس عنده: مطرمذ، وبعضهم يقول: طرمذار، والصواب فيه طرماذ). في "القاموس": الطرمذار كزعفران: الصلف، ورجل طرمذة بالكسر ومطرمذ يقول ما لا يفعل، وطرمذ عليه فهو طرماذ، وكذا قال "ابن بري"، وفي "الذيل والصلة" للصاغاني: الطرمذار بالفتح الصلف كالطرماذ، فلا عبرة بما قاله المصنف. والمتشيع أصل معناه المتكلف الشبع، ثم تجوز به عن كل مظهر لما يخالف الواقع، وفي الحديث "المتشبع بما ليس فيه كلابس ثوبي زور".

والصواب فيه طرماذ على ما حكاه "أبو عمر الزاهد" في كتاب "اليواقيت" وأنشد عليه لبعض الرجاز: (سلمت في يومي على معاذ ... سلام طرماذ على طرماذ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله في الشعر المذكور فيه: (فصلى السعي فيها ... وعلى الله النجاح) كقول الآخر: (على المرء أن يسعى لما فيه نفعه ... وليس عليه أن يساعده الدهر)

[126]- قولهم: هاتا بمعنى أعطيا

[126]- قولهم: هاتا بمعنى أعطيا ويقولون للاثنين: هاتا بمعنى أعطيا، فيخطئون فيه لأن هاتا اسم للإشارة إلى المؤنثة الحاضرة، وعليه قول "عمران بن حطان": (وليس لعيشنا هذا مهاة ... وليست دارنا هاتا بدار) (وإن قلنا لعل بها قرارًا ... فما فيها لحي من قرار) والصواب أن يقال لهما: هاتيا بكسر التاء، لأن العرب تقول للواحد المذكور: هات بكسر التاء، وللجمع: هاتوا. كما تقول العامة: هاتم، والدليل عليه قوله تعالى: {قل هاتوا برهانكم}. وتقول للمؤنثة: هاتي، ولجماعة الإناث: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ملح العرب أن رجلًا قال لأعرابي: هات، فقال: والله ما أهاتيك أي ما أعطيك). قالوا: لم يسمع من هذا إلا الأمر، وقال "الفراء": ليس في كلامهم هاتيت، وإنما هو في كلام أهل الحيرة، ولا يقال: لا تهات ولا مهاتاة ولا غير ذلك، وقد لحنوا أيضًا ففتحوا تاءه ووقع هذا في شعر أرسله بعض الأدباء إلى "ابن نباتة" فقال في جوابه معترضًا: (هات قل لي إذا لحنت من السكـ ... ـر ولا تلحني إذا قلت هاته) (وليس لمشينا هذا مهاه ... وليت دارنا هاتا بدار) المهاه: خفض العيش، يقال: مههت، ومه الإبل رفق بها وسير مهه ومهاه، والمهاه أيضًا الطراوة والحسن، ومهاه بهاءين رواه "ثعلب"، وأكثر العلماء و"المبرد" يثبتون الهاء وصلًا فيقولون: مهاه، ووزنه فعال ومعناه اللمعان والصفاء.

هاتين، وتقول للاثنين من المذكر والمؤنث: هاتيا من غير أن يفرقوا في الأمر لهما، كما لم يفرقوا بينهما في ضمير المثنى في مثل قولك: غلامهما وضربهما، ولا في علامة التثنية التي في قولك: الزيدان والهندان، وكان الأصل في هات آت المأخوذ من أتى أي أعط، قلبت الهمزة هاء كما قلبت في أرقت الماء وفي إياك، فقيل: هرقت وهياك. وفي ملح العرب أن رجلا قال لأعرابي: هات، فقال: والله ما أهاتيك أي ما أعطيك ... ـــــــــــــــــــــــــــــ و"الأصمعي" يقول: مهاة كحصاة، وتقديرها فعلة عنده، [وأصلها مهوة أي صفاء ورونق، ولامها واو] وهي مقلوب الماء بحسب الأصل، على أنهم قد استعملوا فعل الماء على هذا القلب، ويقال: أمهاه على حجره أي حدده وسقاه ماء، والأصل أماهه فقلب، ووزنه فعلة، ومنه موهت عليه أي جعلت للحديث لديه رونقًا. ويقال: حفر البئر حتى أمهاه في لغة، وفي الأخرى حتى أمامه فمعنى البيت: أن هذا الدار ليس لها بقاء ولا لعيشها رونق وصفاء، وعلى المعنى الآخر يقول: إنها ليست دار قرار ولا لعيشها خفض مع ما يشوبه من الأكدار، ويروي: (وليست دارنا الدنيا بدار) ومن رواة مهاة بالتاء ففي ليس ضمير الشأن، وذكر أو مهاة اسم ليس، للفصل أو لأنه غير مؤنث حقيقي، وأيضًا فتذكير ليس مع الاسم المؤنث أسهل من تذكير سواها في الأفعال، إذ لم تتصل اتصال غيرها من الأفعال بما أسندت إليه من المؤنث من جهة أنك لو حدفتها استقل ما بعدها بخلاف نحو: ضرب هند زيدًا، ومن روى مهاة لا يتكلف ذلك كما قاله "ابن هشام" في تذكرته.

[127]- قولهم: رأيت الأمير وذويه

[127]- قولهم: رأيت الأمير وذويه ويقولون: رأيت الأمير وذويه فيوهمون فيه، لأن العرب لم تنطق بذي الذي بمعنى صاحب إلا مضافًا إلى اسم جنس، كقولك: ذو مال وذو نوال، فأما إضافته إلى الأعلام وإلى أسماء الصفات المشتقة من الأفعال فلم يسمع في كلامهم بحال، ولهذا لحن م قال: صلى الله على نبيه محمد وذويه، فكما [لم يقولوا: ذو عالم ولا ذو ظريف] لم يقولوا: ذوو نبي ولا ذوو أمير، وقصروا ذا على إضافته إلى الجنس، ولهذا لم يرفع السبب لأنه ليس بمشتق من فعل فيرفع كما ترفع الأفعال، فلا يجوز أن يقال: مررت برجل ذي مال أبوه، فإن أردت تصحيح هذا الكلام جعلت الجملة مبتدأ به فقلت: مررت برجل ذو مال أبوه، فيصح حينئذ الكلام لأن النكرة تختص بأن توصف بالجملة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: رأيت الأمير وذويه فيوهمون فيه، لأن العرب لم تنطق بذي الذي بمعنى صاحب إلا مضافًا إلى اسم جنس). ليس هذا يلازم وإن كان هو الأكثر في الاستعمال لأنها وضعت ليتوصل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس، والمشتقات تقع صفة فهي غير محتاجة إلى التوصل، والضمائر لا يوصف بها، وما أنكره مسموع كقول "كعب": (صبحنا الخزرجية مرهفات ... أباد ذوي أرومتها ذووها) وفي أثر "لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه"، وإذا سمع فلا بدع في استعماله مرة أخرى، وليس مثله من قبيل القياس لأنه مسموع بعينه ولا فرق بين ضمير وضمير. وفي شرح "التسهيل" ذهب "الفراء" إلى أن إضافة ذو إلى العلم قياسية، وكلامهم يقتضيه لقولهم في الأعلام المحكية إذا ثنيت أو جمعت قلت: ذو أو ذوو شاب قرناها، وفي "البسيط" أكثر النحويين على منع إضافة ذي إلى المضمر أو العلم، وأجاز "ابن بري" أن يضاف إلى ما يضاف إليه صاحب لأنها بمعناه. قال: وإنما منعه النحاة إذا كان وصلة للوصف فإن لم يكن كذلك لم يمتنع نحو: رأيت الأمير وذويه، ورأيت ذا زيد فعلم ما في كلامه.

[128]- قولهم: الحوامل تطلقن

[128]- قولهم: الحوامل تطلقن ويقولون: الحوامل تطلقن والحوادث تطرقن، فيغلطون فيه لأنه لا يجمع في هذا القبيل بين تاء المضارعة والنون التي هي ضمير الفاعل، ووجه الكلام أن يلفظ فيه بياء المضارعة المعجمة باثنتين من تحت، كما قال. تعال: {تكاد السموات يتفطرن منه} وعلى هذا يقال: الغواني يمزحن والنوق يسرحن، وفيما يحكى أن "مطيع بن إياس" و"يحيى بن زياد" و"حمادا الرواية" كانوا يشربون ذات يوم ومعهم نديم لهم قندرت منه فلتة فخجل ونهض ولم يعد إليهم، فكتب إليه "مطيع بن إياس": (أمن قلوص غدت لم يؤذها أحد ... إلا تذكرها بالرمل أوطانا) (خان العقال لها فانبت إذ نفرت ... وإنما الذنب فيها للذي خانا) (أوليتنا منك هجرانا ومقلية ... ولم تزرنا كما قد كنت تغشانا) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: الحوامل تطلقن والحوادث تطرقن فيغلطون فيه، لأنه لا يجمع في هذا القبيل بين تاء المضارعة والنون التي هي ضمير الفاعلات، ووجه الكلام فيه أن يلفظ بباء المضارعة المعجمة باثنتين من تحت، كما قال تعالى: {تكاد السموات يتفطرن}). قال "الزمخشري": في هذه الآية قراءة غريبة وهي تتفطرن بتاءين مع النون، ونظيرها حرف روي من نوادر "ابن الأعرابي" وهي تشممن. اهـ.

(خفض عليك فما في الناس ذو إيل ... إلا وأينقه يشردن أحيانا) ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا قرى به وورد في كلام فصحاء العرب قديمًا، فكيف يتأتى ما ذكره المصنف؟ فهو من قصور الباع وقلة الاطلاع.

[129]- قولهم: شلت الشيء

[129]- قولهم: شلت الشيء ويقولون: شلت الشيء، فيعدون اللازم بغير حرف التعدية، ووجه الكلام أن يقال: أشلت الشيء أو شلت به فيتعدى بهمزة النقل أو بالياء، كما تقول العرب: شالت الناقة بذنبها وأشالت ذنبها، والشائل عندهم هو المرتفع، ومنه قول الشاعر: (يا قوم من يعذر في عجرد ... القاتل المرء على الدانق) (لما رأى ميزانه شائلا ... جاه بين الأذن والعاتق) وحكى "ثعلب" عن "ابن الأعرابي" قال: حضرت "أبا عبيدة" في بعض الأيام، فأخطأ في موضعين. فقال: شلت الحجر، وإنما هو شلت بضم الشين، ثم أنشد: شلت يدا فارية قرتها ... ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: شلت الشيء فيعذون اللازم بغير حرف التعدية) هذا مما قرره أهل اللغة، إلا أن الأمر فيه سهل لأن باب التعدية واسع والمر فيه سهل، ويجوز أن يتجوز عن الرفع أو الحمل، أو يضمن أو يحمل عليه، على أن في كلامهم ما يقتضي صحته وسماعه من العرب كما في مسائل "ابن السيد" وقد قيل: إن قول "النمر بن تولب"

فضم الشين وإنما هو بالفتح. وذكر بعض [مشايخ] أهل اللغة أن من أفحش ما تلحن فيه العامة قولهم: شال الطير ذنبه؛ لأنهم يلحنون فيه ثلاث لحنات؛ إذ وجه القول: أشال الطائر ذناباه. وذكر "أبو عمر الزاهد" أن أصحاب الحديث يخطئون في لفظه ثلاثية في ثلاثة مواضع. فيقولون في "حراء" اسم الجبل: حرى، فيفتحون الحاء وهي مكسورة ويكسرون الراء وهي مفتوحة، ويقصرون الألف وهي ممدودة. وحراء مما صرفته العرف ولم تصرفه. ـــــــــــــــــــــــــــــ جموم الشد شائلة الذنابي يحتمل أن مضاف للفاعل فيؤنس التعدي، وقوله: (وجاه) بمعنى طعنه، وأصله وجأه فخفف، وقوله: (شلت بضم الشين، وإنما هو شلت بالفتح) في شرح "الشواهد" قوله: شلت يمينك إن قتلت لمسلمًا قال في "العباب": شلت بالبناء للفاعل والمجهول لغة رديئة، فما أنكره مسموع على رداءته، وكفى به سندًا لمن استعمله [والذنابي الذنب، وهو في الطائر أكثر من الذنب والذنب في الفرس أكثر من الذنابي كما في كتب اللغة]. واستعمال الطائر والطير في محل غير محذور، ويؤيده أنه قرى بها في قوله تعالى: {فيكون طيرًا بإذن الله} فلا كن فيه. وقوله: (ويقصرون الألف وهي ممدودة) فيه نظر، لأنه مع كسر الراء كيف يكون ألفًا، إلا أن يريد بالكسر الإمالة، فتدبر.

[130]- القول في ها وهاء

[130]- القول في ها وهاء ويقولون لمن يتناول شيئًا: ها بقصر الألف، فيلحنون فيه، لأن الألف ممدودة كما جاء في الحديث "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء"، ويجوز فيه فتح الهمزة وكسرها مع مد الألف في كلتيهما، ولا تقصر هذه الألف إلا إذا اتصلت بها كاف الخطاب فيقال: هاك، كما يروى أن "عليا" - رضي الله عنه - آب إلى "فاطمة" من بعض مواطن الحرب وسيفه يقطر من الدم فقال: (أفاطم هاك السيف غير مذمم) وعند النحويين أن المدة في قولك: هاء جعلت بدلا من كاف الخطاب لأن أصل وضعها أن تقرن كاف الخطاب بها. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن تناول شيئًا: ها بقصر الألف فيلحنون فيه لأن ألفه ممدودة). محصل ما قاله المحققون في كتب العربية أن "ها" بمعنى خذ، وفيه ثلاث لغات: والأولى: تجريده من كاف الخطاب فتقول: ها زيدًا للمفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث. والثانية: لغة "بني زبير" فتأتي بكاف الخطاب بحسب التثنية والجمع والمذكر والمؤنث، فتقول: هاك وهاك وهكما وهاكم وهاكن. والثالثة: أن يؤتث بهمزة موضع الكاف فتتصرف تصرفها بحسب المخاطب في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فتقول: - إذا خاطبت مذكرًا -: هاء بفتح الهمزة، أو مؤنثًا: هاء بكسرها، وللإثنين: هاؤما بضم الهمزة كما تقول هاكما، ولجمع المؤنث: هاؤن، كما تقول هاكنن ولجمع المذكر: هاؤم كما تقول هاكم، وهي أفصح اللغات، وبها جاء القرآن الكريم كقوله تعالى: {هاؤم اقرءوا كتابيه} ويجوز أن تقول:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هاء يا رجال في موضع هاؤم، كما جاز ذلك مع الكاف في قوله تعالى: {ذلك خير لكم} في موضع ذلكم. قالوا: وليس في العربية همزة تقع موقع كاف الخطاب إلا في هذه اللغة، ثم إنها قد تخرج عن أن تكون اسم فعل فتأتي فعلاً صريحًا وتلحقه الضمائر البارزة. وذلك على ثلاث لغات: الأولى: أن يصرف كتصريف "عاط" أمر من عاطي يعاطي، فيقال للواحد المذكر: هاء كعاط، وللواحدة: هائي كعاطي، وللإثنين: هائيًا كعاطيا، وللذكور: هاءوا كعاطوا، وللإناث: هائين كعاطين. الثانية: أن يصرف تصرف "خف" فيقال: هأكخف، وللمؤنث: هائي كخافي، وللإثنين: هاءًا كخافًا، وللذكور: هاءوا كخافوا، وللإناث: هأن كخفن. فهذه اللغة توافق التي قبلها في لفظ المفرد المؤنث وفي لفظ جماعة الذكور، ويختلفان في الباقي. الثالثة: أن [تصرف] تصريف "هب" من وهب، فتقول للمذكر: هأ كهب، وللمؤنث: هئي كهبي، وللذكور: هئوا كهبوا، وللإناث: هأن كهبن. فهذه اللغة توافق التي قبلها في الواحد المذكر وفي جماعة الإناث ويختلفان في الباقي. منها في هذه فعل لبروز الضمائر فيها. هذا محصل ما قالوه، وفي شرح "الكتاب" "للسيرافي" وفي "سر الصناعة" "لابن جني" أنه يمد ويقصر فإنكار المصنف للقصر قصور. (أفاطم هاك السيف غير مذمم) هذا ما نسب "لعلي بن أبي طالب" - كرم الله وجهه ورضي الله عنه_ على كلام فيه، فإن ما صح عنه من الشعر قليل وتمامه. (فلست برعديد ولا بحبان) وفي الديوان المنسوب "لعلي" - كرم الله وجهه - بديار العجم تمامه:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلست برعديد ولا بمليم) وبعده: (لعمري لقد أعززت في نصر أحمد ... وطاعة رب بالعباد عليم) في شعر طويل أورده جامعه. والرعديد: المرتعد لشدة خوفه، والمليم: الموقع فيما يلام به ويذم، والجبان معروف.

[131]- قولهم: حسد حاسدك

[131]- قولهم: حسد حاسدك ويقولون: حسد حاسدك بضم لحاء، فيعكسون المراد به ويجعلون المدعو عليه مدعوًا له، والصواب أن يقال: حسد حاسدك بفتح الحاء، أي: لا انفك حسودا، ولا زلت محسودًا وإلى هذا أشار الشاعر بقوله: (إن يحدوني فإني غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا) (فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظًا بما يجد) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: حسد حاسدك بضم الحاء فيمسكون المراد به، ويجعلون المدعو له مدعوًا عليه، والصواب أن يقال: حسد حاسدك بفتح الحاء، أي لا انفك حسودًا ولازلت محسودًا). ما ذكره هو المتبادر، فإن كان ما ذكر صدر عن عامي فخطؤه لا يعتد به، وإلا فهو موجه بأن حسد الأشراف إنما يكون من أضرا بهم، إذ الفقير لا يحسد ملكًا عظيمًا، فكون حاسد المرء محسودًا كناية عن شرفه، كما ينعت لذاته. وقيل: حسد هنا بمعنى عوقب على الحسد وعبر به للمشاكلة كما في الحديث: "إن الله لا يمل حتى تملوا" وفي "القاموس": حسدني الله إن كنت حاسدك، أي عاقبني (إن يحسدوني فإني غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا) (فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظًا بما يجد) هو من قصيدة "لبشار بن برد" وقبله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنا الذي يجدوني في صدورهم ... لا أرتقي صدرًا عنها ولا أرد) (لا ينقص الله حسادي فإنهم ... أسر عندي من اللائي له الودد) وهذا من قول "عردة بن أذينة" السابق: (لا يبعد الله حادي وزادهم ... حتى يموتوا بداء غير مكنون) (إني رأيتهم في كل منزلة ... أجل عندي من اللائي يحبوني) ومن هذا أخذ "أبو حيان" قوله: (عداي لهم فضل علي ومنة ... فلا قطع الرحمن عني الأعاديا) (هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فا فاكسبت المعاليا) وأمثاله كثيرة.

132 - قولهم: أعطاه البشارة

132 - قولهم: أعطاه البشارة ويقولون: أعطاه البشارة، والصواب فيه ضم الباء؛ لأن البشارة بكسر الباء ما بشرت به، وبضمها حق ما يعطي عليها، فأما البشارة بفتح الباء فإنها الجمال، ومنه قولهم: فلان بشير الوجه أي حسنة، وعند أكثرهم أن لفظة بشرته لا تستعمل إلا في الإخبار بالخير وليس كذلك، بل قد تستعمل في الإخبار بالشر كما قال سبحانه. {فبشرهم بعذاب أليم}. والعلة فيه أن البشارة إنما سميت بذلك لاستبانة تأثير خبرها في بشرة من بشر بها، وقد تتغير البشرة للمساءة بالمكروه كما تتغير عند المسرة بالمحبوب، إلا أنه إذا أطلق لفظها وقع على الخير، كما أن النذارة تكون عند إطلاق لفظها في الشر، وعلى ذلك [قوله تعالى]: {الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: أعطاه البشارة، والصواب فيه ضم الباء، لأن البشارة بالكسر ما بشرت به، وبضمها ما يعطي عليها، فأما البشارة بفتح الباء فإنها الجمال) ومنه سمي بشير بمعنى حسن، والحق ما في "القاموس" من أن ما يعطاه المبشر بالكسر والضم، وهو ما ارتضاه "الكسائي" وتبعه "ابن السكيت" وكثير من أهل اللغة، وما ذكره المصنف مذهب فيه فلا وجه للتخطئة به. وما ذكره من استعمال البشارة في الشر كما في قوله تعالى {فبشرهم بعذاب أليم} غير مرضى عند المحققين من أهل العربية وأصحاب المعاني، والآية عندهم من قبيل الاستعارة التهكمية، أو من باب: تحية بينهم ضر وجيع. وفيها مذهبان آخران، فقيل: إنها تعم الخير والشر، وقيل: إذا أطلق فهو مخصوص بالخير كما إذا قيد به، فإن

ونظيرها لفظة وعد تستعمل في الخير، كما قال. عز اسمه: {وعد لله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} وتستعمل أيضًا في الشر كما قال - تعالى -: {النار وعدها الله الذين كفروا}. فإن أطلق لفظة [الوعد] أو لفظ وعد انصرف إلى الخير، كما تقول العرب في الشجر المورق: شجر واعد، تومى إلى أنه وعد بالإثمار، وكقولهم في المثل: أنجز حر ما وعد. فأما الوعيد والإبعاد فلا يستعملان إلا في الشر كقول الشاعر: (وإني إن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي) ـــــــــــــــــــــــــــــ قيد بمعمول جاز استعماله في الشر أيضًا. وكذا اختلفوا في الوعد والإيعاد كما ذكره، ثم أنشدوا عليه: (ولا يهرب ابن العم ما عشت صولتي ... ولا أختشي من صولة المتهدد) (وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إبعادي ومنجز موعدي) قالوا: يجوز الخلف في الوعيد دون الوعد، كما في [هذا] الشعر وغيره، ويشهد له قوله تعالى {إن الله لا يخلف الميعاد} وكما قال الشاعر: (إذا وعد الراء أنجز وعده ... وإن أوعد الضراء فالمجد مانعه) وهو الذي اختاره كثير من أهل السنة، وقال "الجبائي": لا يخلف الوعيد أيضًا

ونقيض لفظة البشارة لفظة المأتم، يتوهم أكثر الخاصة أنها مجمع المناحة، وهي عند العرب النساء يجتمعن في الخير والشر بدلالة قول الشاعر: (رمته أناة من ربيعة عامر ... نؤوم الضحا في مأتم أي مأتم) أي في نساء أي نساء، ويروي: أي مأتم بالرفع على حذف الخبر، ويكون تقدير لكلام: أي مأتم هو؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلا لزم الكذب في كلام أصدق القائلين، وأجيب عنه بأنه قاس الوعد على الوعيد وبينهما فرق، لأن الوعد حق عليه تعالى، والوعيد حق له، ومن أسقط حق نفسه فقد جاد وتكرم، فظهر الفرق وبطل القياس. وفيه أنه لم يدع القياس وإنما رده بلزوم المحال في صدور الكذب من ذي الجلال، ولهذا قيل: إنه إنما يتم لو كان الوعيد ثابتًا من غير شرط وهو مشروط بعد [العفو]، ولما رآه بعضهم غير تام لأن التقدير مع أنه خلاف الظاهر يجري فيهما. قال إنهما من قبيل الإنشاء فلا يجري فيه الكذب والصدق، وفيه كلام ليس هذا محله. (ونقيص لفظ البشارة لفظة المأتم، يتوهم أكثر الخاصة أنها مجمع المناحة، وهي عند العرب النساء يجتمعن في الخير والشر). وهذا ليس بشيء لأنه قد ورد المأتم في كلام العرب بمعنى مجمع المناحة والحزن، كما قال "زيد الخيل": (أفي كل عام مأتم تبعثونه؟ ) وقال "التميمي" في "منصور بن زياد" (فالناس مأتمهم عليه واحد ... في كل دار رنة وعويل)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر: (أضحى بنات النبي إذ قتلوا ... في مأتم والوحوشن في عرس) وهذا مما ذهب إليه كثير من أهل اللغة، وارتضاه "ابن بري" على أنه لو كان عامًا فاستعماله من بعض أفراده بقرينة لا يعد خطأ، حتى ذهب بعض أهل الأصول إلى أنه ليس بمجاز أيضًا. وفي "الأساس" تقول: ما حضرت المأتم وإنما حضرت المأتم وهو جماعة النساء من الأتم وهو القطع والفتق، وقد غلب على جماعتهن في المصائب. ومن المنحول ما ذكره "السيوطي" من أنه أول ما سمي به رجل كان في زمن "داوود" يعمل الخصوص فسأله قوم من بني إسرائيل أن يعمل لهم خصًا يجتمعون فيه للصلاة، وكانوا يأتونه كل يوم، فيقول لهم: ما تم، [فبينما هم كذلك مات الرجل فاجتمعوا يبكون يأتونه كل يوم، فيقول لهم: ما تم، [فبينما هم كذلك مات الرجل فاجتموعا يبكون عليه ويقولون: ماتم]، فسمي بذلك. وكونه الجماعة من النساء. هو الأكثر، وقد يكون رجالا، كما قال الراجز: ما ترى حول الأمير المأتما كما قاله "ابن السيد" في شرح "سقط الزند".

[133]- قولهم: تفرقت الأهواء

[133]- قولهم: تفرقت الأهواء ويقولون: تفرقت الأهواء والآراء، والاختيار في كلام العرب أن يقال في مثله: افترقت كما جاء في الخبر "تفترق أمتي كذا وكذا فرقة"، أي تختلف. فأما لفظة التفرق فتستعمل في الأشخاص والأجسام، فإذا قيل: إن لزيد ثلاثة إخوة متفرقين كان المعنى أن كل واحد منهم ببقعة، إن قيل في وصفهم: مفترقين، كان المعنى أن أحدهم لأبيه وأمه والآخر لأبيه والثالث لأمه ... وكذلك يقال: فرق بتشديد الراء فيما كان من قبيل الجمع، وفرق بالتخفيف فيما يراد به التمييز كقولك: فرق بين الحق والباطل والحالي والعاطل. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: تفرقت الآراء والأهواء، والاختيار في كلام العرب أن يقال في مثله: افترقت كما جاء في الخبر: "تفترق أمتي كذا وكذا فرقة" أي تختلف). يعني أنه بين افتعل من هذه المادة كافترق وتفعل كتفرق فرق، لأن الأول يستعمل في المعاني والصفات فيقال: افترق اعتقادهم وإخوة مفترقون أي في النسب، بكونهم من بين الأعيان أو الأخياف أو العلات. والثاني في الأجسام فيقال: تفرقوا في المقام، كذا فرق بالتشديد يراد به ضد الجمع، وبالتخفيف يراد به ميز. فإنه أراد به أنه حسن أكثري - كما ينبى عنه (والاختيار) - فلا ينبغي أن ينظم في سلك الأغلاط مع أنه غير مسلم، وإن ادعى لزومه فهو خطأ منه، ومما يدل على ذلك قوله - تعالى - {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} وقوله {ولا تتفرقوا فيه} وقوله {وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءتهم البينة} مما هو نص فيه، فإنه تفرق اعتقاد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأديان لا تفرق أجسام وأبدان، وقد صرح "الجوهري" بأنهما مستويان، وفي الحديث: "البيعان بالخيار مالم يتفرقا" وروى "يفترقا" أي بالأقوال كما ذهب إليه "مالك" و"أبو حنيفة" أو بالأبدان كما ذهب إليه "الشافعي" و"أحمد" فرأوا التفرق والافتراق في الحديث بمعنى، وكذا فرق المخفف بمعنى التمييز يكون بين المعاني والأجسام كما في "عمدة الحفاظ".

[134]- قولهم تذكار بكسر التاء

[134]- قولهم تذكار بكسر التاء ويقولون في مصدر ذكر الشيء: تذكار بكسر التاء، والصواب فتحها، كما تفتح في تسآل وتسيار وتهيام، وعليه قول "كثير": (وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت) (لكالمرتجي ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في مصدر ذكر الشيء: تذكارًا بكسر التاء والصواب فتحها كما تفتح في تسآل وتسكاب وتهيام). هذا ما ذكره أهل اللغة [ومثلة التجفاف شيء يجعل على الخيل كأنه درع لها، وفي "المغرب" أنه تفعال من جف لما فيه من الصلابة، وقد ذكر هذا ف شرح "الكتاب" وفسر التمساح والتعشار باسم موضع، وقال: لم يجي بالكسر إلا حرف وهو تبيان مصدر بين. وقال غيره: إنه لم يجي [مكسورًا] على أنه مصدر، وإنما وافق معنى المصدر فاستعمل في موضعه كما وقع كثير من الأسماء موقع المصادر، كما وقع الطعام وهو للمأكول موقع الإطعام. وفي "الصحاح" لم يجي مصدر بكسر التاء إلا تبيان وتلقاء، وزادوا عليه تشرابًا في قولهم: شرب الخبر تشرابا فإنه سمع فيه الفتح والكسر، وإن اقتصر "الجوهري" وغيره، على الفتح وزاد "الرعيني" في شر "ألفية ابن معطي" تفراج للجبان، وتكلام للكثير الكلام، وتفضال من المفاضلة.

وذكر أهل العربية أن جميع المصادر التي جاءت على تفعال هي بفتح التاء إلا مصدرين تبيان وتلقاء، وقال بعضهم: وتنصال أيضًا. فأما أسماء الأجناس والصفات فقد جاءت منها عدة أسماء على تفعال بكسر التاء: تجفاف وتمثال وتمساح وتقصار. وهي المختفة القصيرة. وتمراد، وهو بيت صغير يتخذ للحمام، ورجل تيتاء وهو العذيوط، وتبراك وتعشار وتربعا، وهي أسماء أمكنة، وقالوا: مر ثهواء من الليل بمعنى هوي، ورجل تنبال أي قصير، وتلعاب أي كثير اللعب، وتلقام أي سريع اللقم، وقالوا أيضًا: ناقة تضراب إذا ضربها الفحل وثوب تلفاق أي لفقان. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وتتفاق الهلال بتاءين أولاهما مكسورة وهو ميقاته) يقال: جئت لتتفاق الهلال أي حيث أهل، وتسخان لواحد التساخين، و (تتبال) (وتنبالة) للقصير على راي، ووزنه عند "سيبويه" فعلال فالتاء عنده أصلية]. [ثم أنشد المصنف بيت "كثير عزة" وهو من شعر أوله: (وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرة نذرًا وفت وأحلت) (فقلت لها: يا عز كل مصيبة ... إذا وطنت يومًا لها النفس ذلت) (ولم يلق إنسان من الحب متعة ... تغم ولا عمياء إلا تجلت) (أباحت حمى لم يرعها الناس قبلها ... وحلت تلاعًا لم تكن قبل حلت)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (هنيئًا مريئًا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت) (أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلت) (ووالله ما قاربت إلا تباعدت ... بهجر ولا استكثرت إلا أقلت) (وما مر من يوم على كيومها ... وإن عظمت أيام أخرى وجلت) (فواعجبًا للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطنت كيف ذلت) (وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت) (لكالمرتجي ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقبل اضمحلت))]

[135]- الفرق بين أجلس واقعد

[135]- الفرق بين أجلس واقعد ويقولون للقائمك أجلس، والاختيار على ما حكاه "الخليل بن أحمد" أن يقال لمن كان قائمًا: اقعد ولمن كان نائمًا أو ساجدًا: اجلس، وعلل بعضهم لهذا الاختيار بأن القعود هو الانتقال من علو إلى سفل، ولهذا قيل لمن أصيب برجله: مقعد، وإن الجلوس هو الانتقال من سفل إلى علو، ومنه سميت "نجد" جلسًا لارتفاعها، وقيل لمن أتاها: جالس وقد جلس، ومنه قول "عمر بن عبد العزيز" للفرزدق: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للقائم: اجلس، والاختيار على ما حكاه "الخليل بن أحمد" أن يقال لمن كان قائمًا: اقعد، ولمن كان نائمًا أو ساجًدا: اجلس، وعلل بعضهم هذا الاختيار بأن القعود هو الانتقال من علو إلى سفل، ولهذا قيل لمن أصيب برجله: مقعد، وأن الجلوس هو الانتقال من سفل إلى علو). هذا وإن ذكره بعض اللغويين فقد ورد في الأحاديث الشريفة وفي كلام الفصحاء ما يخالفه، كما روى "عروة بن الزبير" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه، إلى أن قال: فجلس عليه السلام، و"عروة" أرسخ في لغة العرب من أن يخفى عليه مثله. وفي حديث القبر الصحيح "أتاه ملكان فأقعداه" قال "الكرماني": أي أجلساه وهما مترادفان، وهذا يبطل قول من فرق بينهما، فلا عبرة بقول "التوربشتي": وقع في رواية "البراء" فيجلسانه وهو

قل للفرزدق والسفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس) أي اقصد "نجدا". وموجب هذا البيت أن "عمر بن عبد العزيز" لما كان واليًا على المدينة قال "للفرزدق": إن كنت تلزم العفاف وإلا فاخرج إلى "نجد" فإن المدينة ليست بدار مقامة لك. وحكى "أبو عبد الله بن خالويه" قال: دخلت يومًا على "سيف الدولة بن حمدان" فلما مثلت بين يديه قال لي: اقعد، ولم يقل: اجلس، فتبينت بذلك اعتلاقه بأهداب الأدب واطلاعه على أسرار كلام العرب. ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى، وكأن الأول رواه بالمعنى لظنه أنهما مترادفان، مع أن الفرق لو سلم فإنما هو بحسب الأصل ومقتضى [الاشتقاق]، ولتقارب معنييهما وقع كل منهما موقع الآخر وشاع حتى صار حقيقة عرفية. وكان بعض مشايخنا يقول: كل لفظين تقارب معناهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وهو من بديع المعاني، وقد سوى بينهما في "عمدة الحفاظ" و"القاموس"، وعليه تمثيل النحاة بقعدت جلوسًا في المفعول المطلق. والقعود يكون مصدرًا وجمع قاعد كالجلوس، وأما الخروج فلم يرد إلا مصدرًا، وقيل: إنه يكون جمع خارج أيضًا كما في قولهم: هم خروج [وفيه نظر]. وفرق بعضهم بين القعود والجلوس بفرق آخر كما في "الإتقان" فقال: القعود ما تعقبه لبث بخلاف الجلوس، ولهذا يقال: قواعد البيت دون جوالسه للزومها، وهو جليس الملك دون قعيده لأنه يحمد منه التخليف، ولذا قيل: {مقعد صدق} لأنه لا زاول له، وقيل [في قوله - تعالى -: {تفسحوا في المجالس}] أنه يجلس يسيرًا. (ومنه قول "عمر بن عبد العزيز" للفرزدق:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (قل للفرزدق والسفاهة كاسهما ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس) هذا خطأ من "الحريري" في الرواية، فإن "جريرًا" كان هجا "الفرزدق" بقصيدة ميمية فأجابه "الفرزدق" بقصيدة أتى فيها بما يوجب الحد عليه، فشكاه أهل المدينة إلى "مروان بن الحكم" الأموي، وكان يومئذ والي المدينة من قبل "معاوية"، فكتب "مروان" إلى عامله يأمره بحده وسبحنه وأعطاه الكتاب ليوصله إليه وأوهمه أنه أمر له بجائزة فيه، ثم كتب يشير إلى ذلك بقوله: (قل للفرزدق والسفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس) وإذا خشيت من الأمور عظيمة ... فخذن لنفسك بالزماع الأكيس) (ودع المدينة إنها مذمومة واقصد لمكة أو لبيت المقدس) فلما فطن "الفرزدق" أجابه بقصيدة منها: (مروان إن مطيتي محبوسة ... ترجو الحياة وربها لم ييأس) (ألق الصحيفة يا فرزدق لا تكن ... نكداء مثل صحيفة المتلمس) كذا نقله "ابن خلكان" عن ثقات المؤرخين، وقوله: مذمومة، يعني ذات ذمة وحرمة، وقيل: من الذم لما عرض له فيها.

136 - قولهم: نعم من مدحت

136 - قولهم: نعم من مدحت ويقولون في جواب من مدح رجلاً أو ذمه: نعم من مدحت وبئس من ذممت، والصواب أن يقال: نعم الرجل [من] مدحت، وبئس الشخص من ذممت، كما قال "عمرو بن معدي كرب" وقد سئل عن قومه: نعم القوم قومي عند السيف المسلول والمال المسئول. ويكون تقدير الكلام في قولك نعم الرجل زيد أي الممدوح من الرجال زيد، وقد يجوز أن يقتصر على ذكر الجنس، ويضمر المقصود بالمدح والذم اكتفاء بتقدم ذكره، فيقال: نعم الرجل وبئس العبد، كما جاء في التنزيل: {ووهبنا لدود سليمان نعم العبد}، أي نعم العبد سليمان، فحذف اسمه لتقدم ذكره وعلم المخاطبين به. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في جواب من مدح رجلا أو ذمة: نعم من ممدحت وبئس من ذممت، والصواب أن يقال: نعم الرجل من مدحت وبئس الرجل من ذممت). هذا من تكثير السواد بتكدير موارد السداد بما لا طائل تحته. قال في شرح "التسهيل": لا يمتنع عند "المبرد" و"الفارسي" إسناد نعم وبئس إلى الذي الجنسية، نحو نعمالذي يأمر بالمعروف زيد، أي الآمر بالمعروف على قصد الجنس، ومنع كون الذي فاعل نعم وبئس مطلقا الكوفيون وجماعة من البصريين منهم "ابن السراج" و"الجرمي" وأجاز قوم من النحويين ذلك في "من وما" الموصولين مقصودًا بهما الجنس وعليه "ابن مالك" واستشهدوا لجوازه وجواز المضاف إليه بقول الشاعر: (فنعم مذكاء الإسناد من ضاقت مذاهبه ... ونعم من هو في سر وإعلان)

والأصل في ذلك أن نعم وبئس فعلان وضعا للمدح والذم بعدما نقلا عن أصليهما وهما النعم والبؤس، وفاعلهما لا يكون أبدًا إلا معرفًا بالألف واللام اللتين هما للجنس، أو ما أضيف إلى ما هما فيه كقولك: نعم الرجل زيد، ونعم صاحب العشيرة عمرو، أو يضمر هذا الاسم على أن تفسيره نكرة من جنسه فينصب على التمييز، كقوله تعال: {بئس للظالمين بدلا} أي بئس البدل بدلا، فأضمره وفسره بالنكرة المنصوبة من جنسه. ومنع أهل العربية أن يكون فاعل هذين الفعلين مخصوصًا، ولهذا لم يجيزوا أن يقال: نعم زيد ولا نعم أبو علي [حتى يقال: نعم الرجل زيد ونعم الرجل أبو علي، ويكون تقدير الكلام: الممدوح في الرجال زيد، وإنما جوز نعم ما صنعت لدلالة الفعل الموجود على الاسم المحذوف، إذ تقدير الكلام نعم الفعل ما فعلت، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو لم يصح الإسناد لم يصح ما أضيف إليه. وقوله: (ينصب على التمييز) ليس بصحيح لأن التمييز لا يكون إلا بنكرة صالحة لقبول أل. والمراد بأهل العربية أهل البصرة. وبما قررناه لك أولاً عرف ما في كلام المصنف من القصور، ثم إنه قال: نعم للمبالغة في المدح كبئس للمبالغة في الذم، ورد على من قال: إنهما للاقتصاد في ذلك، وتخطئة من قال في حق "علي": نعم الرجل، وقد قال - جل من قائل -: {نعم المولى ونعم النصير}. وعندي أنها بحسب الوضع تفيد المبالغة إلا أنها بحسب العرف ليست كذلك حتى لو قال أحد لآخر: نعم أنت وبخه على ذلك، فلم يتوارد كلام الأموي و"شريك" على محل واحد، وكذا كلام المصنف لم يصب محزه - فتدبر.

فكأن المضمر المحذوف بمنزلة المتلفظ به. ومنع "علي بن عيسى الربعي" من جواز ذلك، وقال: تصحيح الكلام نعم ما فعلت، لتكون (ما) الأولى بمعنى شيء كما أنها في التعجب بمعناه، ويصير تقدير الكلام نعم شيء شيئًا صنعت، فيناسب قولهم: نعم رجلاً زيد].

وكذلك امتنعوا أن يقولوا: نعم هذا الرجل، لأن الرجل ههنا صفة لهذا واللام فيه لتعريف الإشارة والخصوص، ومن شرطية لام التعريف الداخلة على فاعل نعم وبئس أن تكون للجنس المحيط بالعموم، فيكون إفراد لفظها في معنى الجمع كاللام التي في قوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر} أي إن الناس، بدليل أنه - تعالى - استثنى منهم الذين آمنوا، ولا يجوز استثناء الجمع من المفرد. وعند قوم أن وضع نعم وبئس للاقتصار في المدح والذم، وليس كذلك بل وضعهما للمبالغة، ألا ترى إلى قوله. تعالى. في تمجيد ذاته وتعظيم صفاته: {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}، وإلى قوله. سبحانه. في صفة النار التي توعد بها الكفار: {ومأواهم جهنم وبئس المهاد}

وحكى "أبو القاسم بن برهان النحوي" أنه كان "لشريك بن عبد الله النخعي" جليس من بني أمية، فذكر "شريك" في بعض الأيام فضائل "علي" رضوان الله عليه، فقال ذلك الأموي: نعم الرجل علي، فأغضبه ذلك، وقال له: ألعلي يقال: نعم الرجل؟ فأمسك حتى سكن غضبه، ثم قال له: يا أبا عبد الله، ألم يقل الله تعالى في الإخبار عن نفسه: {فقدرنا فنعم القادرون} وقال في "أيوب" عليه السلام: {إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنهه أواب} وقال في "سليمان" عليه السلام: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب} أفلا ترضى لعلي بما رضي به الله تعالى لنفسه ولأنبيائه؟ فتنبه "شريك" عند ذلك لوهمه وزادت مكانة الأموي في قلبه.

[137]- قولهم: النسيان

[137]- قولهم: النسيان ويقولون ضد الذكر: النسيان بفتح النون والسين، فيوهمون فيه، لأن النسيان تثنية النسا وهو العرق الذي في الفخد، فأما المصدر من نسي فهو النسيان على وزن فعلان مثل العرفان والكتمان، فإن جاءت مصادر في كلام العرب على فعلان بفتح الفاء والعين فهي مما يختص بالحركة والاضطراب كالوجدان [والذملان] واللمعان والضربان، ومن غريب ما جاء على فعلان قولهم في جمع كروان: كروان، كما قال "ذو الرمة": (من آل أبي موسى ترى القوم حوله ... كأنهم الكروان أبصرون بازيا) وذكر بعضهم أنه يجمع صفوان على صفوان، وهو من الشاذ. ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإن جاءت مصادر في كلام العرب على فعلان بفتح الفاء والعين فهي مما يختص بالحركة والاضطراب). هذا ما ذكره "ابن جني" وعده من بدائع العربية لدلالة الهيئة على معانيها الوضعية، إلا أنهم أوردوا على ما ذكره شنآن بمعنى البغض، وأجاب عنه صاحب "الكشف": بأن في اضطرابا وحركة نفسية تنزل منزلة الحسية، و"لأبي علي الفارسي" في "الحجة" كلام نفيس ليس هذا محله. (ومن غريب ما جاء على وزن فعلان قولهم في جمع كروان: كروان). يعني أنه جمع فعلان بفتح الفاء وسكون العين على فعلان بكسر الفاء وسكر العين، وهو من النوادر في الأوزان. وقال "ابن بري": إنه ورد منه ألفاظ أخر غير ما ذكره المصنف، وهي ورشان لطائر وجمعه ورشان، وقلتان للفرس النشيط وقلتان في جمعه، وصلتان للماضي في الأمور،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصميان وشقدان للحرباء، فهي على ما ذكره المصنف من كروان وصفوان ثمانية، وصفوان اسم للحجر. والكروان طائر يشبه البط لا ينام بالليل فسمي بضده، وفي المثل "أجبن من كروان" لأنه إذا قيل له: (أطرق كرا أطرق كرا ... إن النعامة في القرى) لصق بالأرض فيلقى عليه ثوب فيصاد، وهذا مثل يضرب للمعجب بنفسه. وفي شرح "التسهيل" "لابن عقيل" قال "سيبويه": قالوا كروان والجمع كروان، وإنما كسر على كرى كالإخوان، وهو وهم، فإنهم إنما قالوه في المثل وهو ترخيم، وقياس جمه كراوين، وما نقل عن "سيبويه" ارتضاه في "المحكم" وتبعه صاحب "القاموس". وما زعمه من وهم "سيبويه" لأنه ولو سلم أنه في المثل ترخيم لا يضره، لأن مراده أنه جمع لمفرد مقدر جار على القياس، وبه صرح "المبرد" فقال - في الكامل -: الكروان جمعه كروان طائر معروف، وليس هذا الجمع لهذا الاسم بكماله، ولكنه على حذف الزوائد [والتقدير كرى وكروان] كما تقول: أخ وإخوان وورل وورلان، فجمعه على حذف الزوائد، وقد استعمل في المفرد كذلك فتقول العرب في مثل لها: أطرق كرا. اهـ. وعلى ما ذكره "سيبويه" وارتضاه "المبرد" لا يكون هذا غريبًا نادرًا كما قاله المصنف [كما قال "ذو الرمة"]: (من آل أبي موسى ترى القوم حوله ... كأنهم الكروان أبصرن بازيا) هو من قصيدة مدح بها "بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري" وأولها: (تقول عجوز مد رأتني رائحا ... على بيتها من عند أهلي وغاديا) (أذو زوجة في الحضر أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقلت لها: لا، إن أهلي جيرة ... لأكثبة الدهنا جميعًا وماليا) (وما كنت مذ أبصرتني في خصومة ... أراجع فيها يابنة الخير قاضيا) (ولكنني أقبلت من جانبي حسا ... أزور فتى نجدًا كريمًا يمانيا) من آل أبي موسى .... إلخ] قال "المبرد" قوله: ترى القوم أي الثقات من الرواة.

[138]- قولهم: بين ظهرانيهم

[138]- قولهم: بين ظهرانيهم ويقولون: هو بين ظهرانيهم بكسر النون. والصواب أن يقال: بين ظهرانيهم بفتح النون، وأجاز "أبو حاتم" أن يقال: ظهريهم، وحكى "الفراء" قال: قال أعرابي. ونحن في حلقة "يونس بن حبيب" بالبصرة: أين مسكنك؟ فقلت: الكوفة. فقال لي: يا سبحان الله، هذه "بنو أسد" بين ظهرانيكم وأنت تطلب اللغة بالبصرة؟ قال: فاستفدت من كلامه فائدتين: إحداهما أنه قال: هذه ولم يقل: هؤلاء لأنه أشار إلى القبيلة فأنث، والثانية أنه قال: ظهرانيكم بفتح النون ولم يقل بكسرها. ويحكى أن "المغربي" وقف على "الجنيد" فساله عن قوله تعالى: {سنقرئك ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: هو بين ظهرانيكم بكسر النون والصواب أن يقال: بين ظهرانيهم بفتح النون). في "الفائق" يقال: أقام فلان بين أظهر قومه وبين ظهرانيهم، أي بينهم، وإقحام لفظ الظهر ليدل على أن إقامته فيهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهمن ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا، وكأن معنى التثنية فيه أن ظهرا منهم قدامه وآخر وراءه، فهو مكنوف من جانبيه، ثم غلب على المقيم فيهم وإن لم يكن مكنوفا، وأما زيادة الألف والنون بعد التثنية فإنما هي للتأكيد كنفساني بالنسبة لنفس. اهـ. [وقوله (حرجت) من الحرج وهو الإثم، وهذا تعظيم له وهو ظاهر].

فلا تنسى} فقال: سنقرئك التلاوة فلا تنس العمل به، ثم سأله عن قوله - عز وجل -: {ودرسوا ما فيه} فقال: تركوا العمل به، فقال: حرجت أمة أنت بين ظهرانيها لا تفوض أمرها إليك.

[139]- قولهم: دخلت الشام

[139]- قولهم: دخلت الشام ويقولون: دخلت الشام، وهو غلط قبيح وخطأ صريح، لأن اسم البلد الشام ولفظه مذكر، والدليل على هذين الأمرين قول الشاعر: (يقولون: إن الشام يقتل أهله ... فمن لي إن لم آته بخلود) ويجوز في المنسوب إليه ثلاثة أوجه: شامي وهو القياس [وشأامي] بياء مخففة مثل ياء المنقوص، وشأآمي وهو شاذ، لأنه يصير بمنزلة المنسوب إلى المنسوب. وكذلك جوز في المنسوب إلى اليمن هذه الأوجه الثلاثة. وعلى الشاذ منها قول "عمر بن أبي ربيعة" [المخزومي]: (إني أتيحت لي يمانية ... إحدى بني الحارث من ومذحج) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: دخلت الشآم بالمد على وزن فعال وهو غلط قبيح). قال "ابن بري": قد جاء الشآم بالمدلغة في الشام قال "مجنون بني عامر": (شفى الله مرضى بالشآم فإنني ... على كل شاك بالشآم شفيق) ثم أنشد أبياتًا أخر مشهورة، وفيه ثلاث لغات فسحاهن الشأم بالهمزة السكانة، ثم الشام بإبدالها ألفا، ثم الشآم بالمد وكلها مسموعة، ويجوز تأنيثه وتذكيره باعتبار البلدة والمكان كما في سائر البقاع والبلدان [والألف واللام في النسبة عوض من إحدى ياءيه فلهذا يخفف. والتشديد فيه شاد كما في البيت الذي أنشده].

[140]- قولهم: قدم الحاج واحدا واحدا ...

[140]- قولهم: قدم الحاج واحدًا واحدًا ... ويقولون: قدم الحاج واحدًا واحدًا واثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، والصواب أن يقال في مثله: جاءوا أحاد وثناء وثلاث ورباع، أو يقال: جاءوا موحد ومثنى ومثلث ومربع، لأن العرب عدلت بهذه الألفاظ إلى هذه الصيغ لتستغني بها عن تكرير الاسم، ويدل معناها على ما يدل مجموع الاسمين عليه، ولهذا امتنعوا أن يقولوا للواحد: هذا أحاد وللاثنين هما مثنى، ولم يمتنعوا من ذلك إلا لزيادة معنى في أحاد على واحد، وفي ثناء على اثنين، وفسر قوله - تعالى -: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} أي فيهم من له جناحان ومن له ثلاثة أجنحة ومن له أربعة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: قدم الحاج واحدًا واحدًا واثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، والصواب أن يقال في مثله: جاءوا أحاد وثناء وثلاث ورباع). تخطئتهم في استعمال واحدًا إلى آخر ما ذكره للدلالة على التكرير خطأ لأنه مقيس [عليه] في كلام العرب، كما قال الشاعر: (إذا شرينا أربعًا أربعا ... فقد لبسنا الفرو من داخل) ولم يكن أصلًا شائعًا لما كان أحاد معودلاً عنه، وكان العدل فيه تقديريًا ولا قائل به، وفي شرح "الكافية" "للحديثي" أسماء العدد المستعملة للتكرير المعنوي بلقظها مطردة، وإنما عدل عنه ليكون نصًا فيما قصد بهن فإن ثلاثة [ثلاثة] مثلا يحتمل التأكيد بخلاف صيغ أحاد وموحد، وزاد بعضهم وحدان بالضم واستلد له بقوله:

وقد اختلف أهل العربية فيما نطقت به العرب من هذا البناء، فقال الأكثرون: إنهم لم يتجاوزوا ربعا إلا إلى صيغة عشار لا غير كما جاء في شعر "الكميت": (فلم يستريثوك حتى رميت ... فوق النصال خصالاً عشارا) وروى "خلف الأحمر" أنهم صاغوا هذا البناء منسقًا إلى عشار، وأنشد عليه ما عزي إلى أنه موضوع منه: ـــــــــــــــــــــــــــــ (قاموا إليه زرافات ووحدانا) والحق أنه جمع واحد كشاب وشبان، ولهذا كان منصرفًا. (إنهم لم يتجاوزوا رباع إلا إلى صيغة عشار لا غير كما جاء في شعر "الكميت" من قوله: (فلم يتريثوك حتى ربيت فـ ... ـوق الرجال خصالا عشارا) معنى يستريئوك: يجودنك رائثًا أي بطيئًا من الريث بمعنى البطء، وربيت كأربيت بالياء [بمعنى زدت، ] يقول: لما نشأت الرجال أسرعت في بلوغ الغاية التي لم يبلغها طلاب المعالي، ولم يقنعك ذلك حتى زدت عليهم بعشر خصال فقت بها السابقين وأيأست الذين راموا أن يكونوا لاحقين. (قل لعمرو: يا بن هند ... لو رأيت اليوم شنا) هذه الأبيات موضوعة ورائحة الوضع تفوح منها، وكان "خلف الأحمر" متهمًا بالوضع، وشن بفتح الشين قبيلة، وتمنى أصله تتمنى، وفيلق كصيقل بمعنى الجيش وأنثه

(قل لعمرو: يا بن هند ... لو رأيت اليوم شنا) (لرأت عيناك منهم ... كل ما كنت تمنى) (إذ أتتنا فيلق ... شهباء من هنا وهنا) (وأتت دوسر والملجأ ... سيرًا مطمئنا) (ومشى القوم إلى ... القوم أحادا وأثنا) (وثلاثًا ورباعًا ... وخماسًا فاطعنا) (وسادسًا وسباعًا ... وثمانًا فاجتلدنا) (وتساعًا وعشارًا ... فأصبنا وأصبنا) (لا ترى إلا كميا ... اتلاً منهم ومنا) وقد عيب على "أبي الطيب": أحاد أم سداد في أحاد ليبلتنا المنوطة بالتناد ـــــــــــــــــــــــــــــ باعتبار الكتيبة، وشهباء مؤنث أشهب أي فيها بياض، وهنا بفتح الهاء والتشديد بمعنى هنا المخففة، ودوسر والملحاء قبيلتان أو كتيبتان، وسيرًا أي سير سيرًا، واجتلدنا من الجلاد وهو المضاربة. (أحاد أم سداس في أحاد لييلتنا المنوطة بالتناد) (ونسب إلى أنه وهم فيه في أربعة مواضع). [هذا مطلع قصيدة "للمتنبي"، والمواضع الأربعة أولها أنه أقام أحاد مقام واحدة وسداس مقام ست، لأنه أراد أليلتنا هذه واحدة أم واحدة في ست، ] وفي شرح "المغني": قد يقال إنه قصد التقسيم، فالمعنى الإخبار عن ليلة فراقة أنها منقسمة إلى واحدة واحدة، أي أن كل جزء من أجزائها بمثابة ليلة واحدة، ثم رأى أنها أطول من ذلك فأضرب واستفهم: هل هي باعتابر الأجزاء منقسمة إلى ست ست في كل واحد واحد من أجزاء

ونسب إلى أنه وهم في أربعة مواضع في هذا البيت: أحدها: أنه أقام أحاد مقام واحدة، وسداس مقام ست؛ لأنه أراد أليلتنا هذه واحدة أم واحدة في ست. والموضع الثاني: أنه عدل بلفظه ست إلى سداس وهو مردود عند أكثر أهل اللغة. والموضع الثالث: أنه صغر ليلة على لييلة والمسموع في تصغيرها لييلية. والرابع: أنه ناقض كلامه لأنه كنى بتصغير الليلة عن قصرها، ثم عقب تصغيرها بأن وصفها في الامتداد إلى التناد. ـــــــــــــــــــــــــــــ الليلة؟ هذا إن جعلت متصلة أم منقطعة، فإن جعلت متصلة فالمعنى: أطلب التعيين لأحد هذين الأمرين، فلم يخرج العدد عن استعماله في معناه، وقد قال "ابن بري": إن أحاد ورد في كلام العرب بمعنى واحد كقوله: (هنت لك أن تلاقينا المنايا ... آحاد أحاد في الشهر الحلال) (الموضع الثاني: أنه عدل بلفظ ست إلى سداس وهو مردود عن أكثر أهل اللغة العربية). وقد علمت أن من النحاة من أثبته مع أن "المتنبي" أيضًا يجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. (والموضع الثالث: أنه صغر ليلة على لييلة، والمسموع في تصغيرها لييلية). وما نطق به هو القياس، ومثله ما رآه بعض النحاة جائز، على أن منهم من ذهب إلى أن هذا التصغير صحيح وجمعه على ليال بناء على أن له مفردًا مقدرًا وهو ليلاه. (والرابع أنه ناقض نفسه في كلامه حيث وصف الليلة بالامتداد إلى يوم التناد ثم صغرها تصغيرًا يدل على قلتها). [هذا أيضًا ليس بشيء لأن التصغير قد جاء للتكثير والتعظيم].

[141]- قولهم لما يتعجل من الزروع، هرف

[141]- قولهم لما يتعجل من الزروع، هرف ويقولون لما يتعجل من الزروع والثمار: هرف، وهي من ألفاظ الأنباط ومفاضح الأغلاط، والصواب أن يقال فيه: بكر؛ لأن العرب تقول لكل ما يتقدم على وقته: بكر، فيقولون: بكر الحر وبكر البرد وبكرت النخلة، إذا أثمرت أول ما تثمر النخل فهي بكور، والثمرة المتعجلة باكورة. ويقولون أيضًا في كل شيء يخف فيه فاعله ويعجل إليه: قد بكر إليه ولو أنه فعل ذلك آخر النهار أو في أثناء الليل، والصواب أن يقال: عجل، وقد يستعمل بكر بمعنى عجل، يدل عليه قول "ضمرة بن ضمرة النهشلي": (بكرت تلومك بعد وهن في الدجى ... يسل عليك ملامتي وعتابي) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لما يتعجل من الزرع والثمار هرف، وهي من ألفاظ الأنباط ومفاضح الأغلاط، والصواب أن يقال فيه: بكر). أراد بالأنباط العوام، وأصلهم قوم مخصوصون بأرض بابل تسموا نبطا نسبة إلى "نبط بن كنعان بن كوش بن حام" وقيل: "ابن ماش بن آدم بن سام"، ومنهم الحكماء الكلدانيون والجرامقة، ولقربهم من عراق العرب اختلطت لغتهم بلغة العرب ووقع بسبب ذلك غلط في العربية، وهرف بتشديد الراء المهملة، قال في "الأساس": هرفت النخلة عجلت ثمرتها تهريفًا وهرفته الريح استخفته، ومنه قال أهل بغداد للبواكير: الهرف، وفي "القاموس" هرف يهرف أطرأ في المدح إعجابًا به أو مدح بلا خبرة. اهـ. ويقال: لا تهرف بما لا تعرف، وأهرف نما ماله، والنخلة عجلت أتاءها كهرفت تهريفًا، والباكورة كالبكور بفتح الموحدة [ما سبق من الثمار]. فعلى ما عرفت ما أنكره المصنف غير منكر، وإنما اللوم على من قصر.

أراد بقوله بكرت تلومك أي عجلت لا أنه أراد به وقت البكرة، لإفصاحه بأنها لامته في الليل، ونظير استعمالهم لفظة بكر بمعنى عجل استعمالهم لفظة راح بمعنى سارع وخف، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة" أي من خف إليها؛ إذ لا يجوز إتيانها آخر النهار. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون أيضًا في كل شيء يخف فيه فاعله ويعجل إليه: قد بكر، ولو أنه فعل ذلك آخر النهار أو أثناء الليل). بكر بالتخفيف والتشديد [إلى كذا أسرع]، وهذا مما يتعجب منه، فإنه ذكر هنا أنه يستعمل بمعنى عجل وهو عين ما أنكره. (ويدل عليه قول "ضمرة بن ضمري النهشلي": (بكرت تلومك بعد وهن في الدجى ... بسل عليك ملامتي وعتابي) وقد صرح به كثير من أهل اللغة، وقوله: بسل، يدل من [من] تلومك، أو بتقدير قولها: بسل، أي ملامي وعتابي مقصور عليك، وهو بالباء الموحدة المفتوحة والسين المهملة الساكنة واللام. (ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، أي من خف إليها؛ إذ لا يجوز إتيانها آخر النهار). وفي "البخاري": "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح [إلى المسجد في الساعة الأولى] فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة". قال "الكرماني" فيه: إن مراتب الناس في الثواب بحسب أعمالهم، فالمسارع إلى طاعة الله أعظم أجرًا، وفيه أن اسم القربات كالصدقة يطلق على القليل والكثير، وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقر. وقال "الخطابي": الجمعة لا يمتد وقتها من أول حيث الرواح، وهو ما بعد الزوال إلى خمس ساعات، فقوله: في الساعة الرابعة والخامسة مشكل، وقد يؤول بوجهين:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن هذه الساعات كلها ساعة واحدة، يعني أنه لم يرد به تحديد الساعات التي يدور عليها الليل والنهار، بل سمى أجزاء تلك المدة التي بعد الزوال ساعات كقول القائل: بقيت في المسجد ساعة. والثاني: أن المراد بالرواح إنما هو بعد طلوع الشمس، فسمى القاصد لها قبل وقتها رائحًا، كما يقال للمقبلين على مكة حجاجا. اهـ. أقول: الإشكال باق على الوجهين، أما على الأول فلأن من جاء بعد الزوال ليس له أجر التكبير والمسارعة، بل له أجر إدراك الصلاة فقط، وأما على الثاني فلأن اليوم عن أهل الشرع من الفجر لا من طلوع الشمس، ولئن سلمناه بناء على العرف العام من أن اليوم من طلوع الشمس فالساعات منه إلى الزوال ست لا خمس، فتبقى الساعة السادسة، ولأن خروج الإمام وطي الصحف إنما هو في السابعة لا في السادسة. وروى "النسائي" في سننه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنه ثم كالمهدى بقرة ثم كالمهدي شاة ثم كالمهدي بطة ثم كالمهدي دجاجة ثم كالمهدي بيضة". وقال "النووي": في هذه المسألة خلاف مشهور، فذهب "مالك" وبعض الشافعية إلى أن لمراد بالساعات لحظات لطيفة بعد الزوال، قالوا: والرواح الذهاب بعد الزوال. وذهب الجمهور إلى استحباب التبكير إليها أول النهار، والساعات عندهم من أول النهار، والرواح - كما قال "الأزهري" - الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل وهو الصواب، لأنه لا فضيلة لمن أتى بعد الزوال؛ لأن التخلف بعد النداء حرام، فذكر الساعات إنما هو للحث على التبكير إليها والترغيب في فضلية السبق وانتظارها والاشتغال بالتنقل والذكر ونحوه ومولا يحصل بالذهاب بعد الزوال. واعلم أن الساعة في اللغة وعرف الشرع غير محدودة بما قدره أهل التعديل سواء كانت مستوية أو معوجة كما سمعته [وصرح به "ابن بري"، لكن قال في] "رشف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزلال": الساعة على قسمين: مستوية ومعوجة، فالمستوية هي التي ينقلب فيها "البنكام" قبلة واحدة وبها تزيد ساعات الليل والنهار وتنقص، والمعوجة هي ما ينقسم به النهار إلى اثنتي عشرة ساعة، وكذا الليل طالا أم قصرا، وفي الحديث عن "أبي ذر الغفاري": "إن الله خلق الليل والنهار اثني عشر ساعة فأعد لكل ساعة ركعتين تدرآن عنك ذنب تلك الساعة" رواه في مسند "الفردوس". فعلى هذا تكون الساعة بالمعنى المتعارف واردة في اللغة.

[142]- قولهم: أخ

[142]- قولهم: أخ ويقولون عن الحرقة ولذع الحرارة الممضة: أخ، بالخاء المعجمة من فوق، والعرب تنطق بهذه اللفظة بالحاء المغفلة، وعليه فسر قول "عبد الشارق الجهني": (فباتوا بالصعيد لهم أحاح ... ولو خفت لنا الكلمى سرينا) أي بات الكلمي يقول: أخ مما وجدوا من حرق الجراحات وحر الكلوم. وحكي أن "الحجاج" لما نازله "شبيب الخارجي" أبرز إليه في بعض أيام محاربته غلامًا له فألبسه سلاحه المعروف به وأركبه فرسه الذي لم يكن يقاتل إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون عند الحرقة ولذع الحرارة الممضة: أخ بالخاء المعجمة من فوق، والعرب تنطق بهذه اللفظة بالحاء المعجمة). قال "الأنصاري" أخ بالخاء كلمة توجع وتأوه من غيظ أو حزن، وقال "ابن دريد": أحسبها محدثة، وذكرها في "القاموس" بالمعجمة، وقال "الغرناطي": أخ وكخ بالخاء المعجمة المشددة، وضبط "ابن كثير" كاف كخ بالكسر والفتح والخاء ساكنة وتنون، ومثله أخ، ومعناه أتكره عنده. وقوله: (لهم أحاح) بزنة سعال بحاءين مهملتين فسره بقوله [أح أح]، وفسره "الجوهري" بالعطش والغيظ وحرارة الفم.

عليه، فلما رآه "شبيب" غمس نفسه في الحرب إلى أن خلص إليه فضربه بعمود كان في يده. وهو يظنه "الحجاج". فلما أحس الغلام حرارة الضربة قال: أخ بالخاء المعجمة، فعلم "شبيب" بهذه اللفظة منه أنه عبد فانثنى عنه، وقال: قبحك الله يابن أم "الحجاج" أتتقي الموت بالعبيد؟ قال الشيخ الرئيس: "أبو محمد" - رحمه الله -: ومن العرب من يقول في هذا المعنى: حس. كما جاء في بعض الأخبار أن "طلحة" - رضي الله عنه - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن العرب من يقول في هذا المعنى: حس، كما جاء في الأخبار أن "طلحة" - رضي الله عنه - لما أصيبت إصبعه يوم أحد، قال: حس). في "الروض الأنف": حس بمهملتين كلمة تقولها العرب عند الألم، وفي الحديث "أصيبت يد "طلحة" يوم أحد فقال: حس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنه قال: بسم الله أي بدل قوله: حس لدخل الجنة والناس ينظرون". وليست حس بفتح فسكون اسم فعل إنما هو صوت كآه. اهـ. و"طلحة" هو ابن "عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب" من كبار الصحابة وأحد العشرة، وكان شهد أحد فثبت حين ولى بعض الناس. ولم رمى "مالك بن زهير" رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاه "طلحةط بيده ودفع عن وجهه [الشريف]، فأصابت الرمية أصابع يده، فقال: حس إلى آخر ما مر وهو حديث صحيح. (ضرب فلان فما قال حس ولا بس). بكسر السين المهملين المشددة مع التنوني وعدمه كما ذكره اللغويون، وقال

لولا أن "طلحة" قال: حس لطار مع الملائكة. ومن كلامهم: ضرب فلان فما قال: حس ولابس، ومنهم من ينونهما، فأما قولهم: "جيء به من حسك وبسك"، فالمراد به من رفقك وصعوبتك لأن الحس الاستقصاء، والبس الرفق فيالحلب. ـــــــــــــــــــــــــــــ "الأزهري": العرب تقول عند لدغة النار: حس حس، وبلغنا أن بعض الصالحين كان يمد إصبعه إلى شعلة نار فإذا لدغته قال: حس حس، كيف صبرك [يا فلان] على نار جهنم وأنت تجزع من هذه؟ وهو من الحس بالكسر من الإجساس أو هو بمعنى الوجع كما في قول "العجاج": وما أراهم جزعا من حس (فأما قولهم: جيء به من حسك ويسك، فالمراد به: جيء من رفقك وصعوبتك). قال "الأصمعي": يقال جيء به من حسك وبسك أي من حيث كان أو لم يكن. وقال "الزجاج": تأويله من حيث تدركه حاسة من حواسك أو تصرف من تصرفك. وقال "أبوزيد": جاء من حسه وبسه، أي من حيث شاء، وعن "ابن الأعرابي": الحس الحيلة. كذا في "التهذيب".

[143]- قولهم في التأوه: أوه

[143]- قولهم في التأوه: أوه ويقولون في التأوه: أوه، والأفصح أن يقال: أوه بكسر الهاء وضمها وفتحها، والكسر أغلبن وعليه قول الشاعر: (فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء) وقد قلب بعضهم الواو ألفا، فقال: آه، وشد بعضهم الواو وأسكن الهاء فقال: أوه، وفيهم من حذف الهاء وكسر الواو فقال: أو، وقال آخرون: أواه بالمد وغيره، وتصريف الفعل منها أوه وتأوه، والمصدر الآهة والأهة ومنه قول "المثقب العبدي": (إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوه آهة الرجل الحزين) وفسر بعضهم "الأواه" بأنه الذي يتأوه من الذنوب، وقيل: هو المتضرع في الدعاء، وقيل: إنه المؤمن الموقن. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون من التأوه أوه، والأفصح أن يقال: أوه بكسر الهاء وضمها وفتحها والكسر أغلب). [كيف يعد هذا من الأغلاط وقد صرح بأنه لغة؟ ].

[144]- قولهم: لقيته لقاة واحدة

[144]- قولهم: لقيته لقاة واحدة ويقولون: لقيته لقاة واحدة فيخطئون فيه لأن العرب تقول: لقيته لقية ولقاءة ولقيانه إذا أرادوا به المرة الواحدة، فإن أرادوا المصدر قالوا: لقيته لقاء ولقيًا ولقيانا ولقى على وزن هدى، وعليه أنشد "الكسائي": (وإن لقاها في المنام وغيره ... وإن لم تجد بالبذل عندي لرابح) وأنشدني بعض شيوخنا رحمهم الله لبعض العرب في الشيب: (ولولا اتقاء الله ما قلت مرحبًا ... لأول شيبات طلعن ولا أهلاً) (وقد زعموا حلمًا لقاك ولم أرد ... بحمد الذي أعطاك حلما ولا عقلا) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: لقيته لقاءة واحدة فيخطئون فيه). ليس الخطأ فيه من جهة التصريح بالواحدة فإنه للتأكيد كما في قوله تعالى: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة}، وإنما هو من جهة فتح اللام، كما قال "ابن السكيت": تقول العرب: لقيته لقاء ولقيانًا ولقيا ولقي ولقيانة واحدة ولقية ولقاءة، ولا تقل: لقأة، فإنها مولدة ليست من كلام العرب. اهـ. إلا أنه لا يحتاج لضم واحدة، ثم إنه لم يجي من المصادر على وزن فعل بضم ففتح غير سري وهدى وتقى وبكى مقصورا، وزاد بعضهم لقى، وأنشد عليه شاهدًا ما ذكره المصنف. (لبعض العرب في الشيب: (ولولا اتقاء الله ما قلت مرحبا ... لأول شيبات طلعن ولا أهلا) (وقد زعموا حلمًا لقاك ولم أزد ... بحمد الذي أعطاك حلمًا ولا عقلًا)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا معنى حسن، ويعجبني فيما يضاهيه قول "التهامي": (وما كان حزني للشباب وإن هوى ... به الشيب عن طود من الأنس شامخ) (ولكن لقول الناس شيخ وليس لي ... إلى نائبات الدهر صبر المشايخ) وهذا من شعر العراق، ولما قال "أبو العباس السرقسطي" من المغاربة في هذا المعنى وظن أنه مما ابتدعه: (وقالوا لي: خضبت الشيب كي ما ... تراك الغانيات من الشباب) (فقلت لهم: مرادي غير هذا ... ولم يك ما حسبت في حسابي) (حسبت يراد مني عقل شيخ ... ولا يلغى، فملت إلى الخضاب) ذهب إلى بعض المجالس فأنشده بعض شعراء المغرب لنفسه: (ولست أرى شبابًا بأن عني ... يرد علي بهجته الخضاب) (ولكني خشيت يراد مني ... عقول ذوي الشباب فما تصاب) فعجب من حسن الاتفاق.

[145]- قولهم: فلان يكدف

[145]- قولهم: فلان يكدف ويقولون: فلان يكدف بمعنى يستقل ما أعطي، والصواب فيه: يجدف بالجيم، لأن التجديف في اللغة استقلال النعمة وسترها، وبه فسر (لا تجدفوا بنعم الله تعالى). ويماثل هذه اللفظة في إبدال جيمها كافًا قولهم لمن يكثر السؤال: مكد وأصله مجد لاشتقاقه من الاجتداء، وكان الأصل في المجدي المجتدي فأدغمت التاء في الدال، ثم ألقيت حركة الحرف المدغم على ما قبله كما فعل ذلك من قرأ {أمن لا يهدي إلا أن يهدي} والأصل فيه يهتدي. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قولهم لمن يكثر السؤال: مكد وأصله مجد لاشتقاقه من الاجتداء). قد تبع في هذا "ابن الأنباري" حيث قال في كتابه "الزاهر": كدا يكدي ليست بعربية وإنما يقال: جدا يجدي. قال الشاعر: (يا ظالمًا متعدي ... من المجدي يجدي) فيقال: مجد ولا يقال: مكد. اهـ. وقال "المعري": إن لغة قوم من العرب إبدال كل جيم كافًا إلا أنها غير فصيحة، ولذا قيل: ما ذكر على هذه اللغة وليس بخطأ كما زعمه "الحريري"، ولذا استعمله "الزمخشري" ونقل عنه: أن المكدي هو السائل ووقع في كلامهم كثيرًا، وهذا مما لا حاجة إليه؛ فإن الإمام "الراغب" قال في "مفرداته": الكدية صلابة في الأرض، يقال: حفر فأكدي، فاستعير ذلك للطالب المخفق والمعطي المقل، قال تعالى: {وأعطى قليلًا وأكدي}. اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما يتعجب منه قول بعض علماء العصر: إنه معرب وأصله "كدي كردن" وهو اصطلاح للفقهاء. (وكأن الأصل في المجدي المجتدي فأدعمت التاء في الدال، ثم ألقيت حركة الحرف المدغم على ما قبله كما فعل ذلك من قرأ: {أمن لا يهدي إلا أن يهدي} والأصل فيه يهتدي". قال "أبو علي الفارسي" في كتابه "الحجة": قرأ "ابن كثير" و"ابن عامر" يهدي مفتوحة الياء والهاء مشددة الدال، وقرأ "نافع" و"أبو عمرو" بإسكان الهاء وتشديد الدال، غير أن "أبا عمرو" كان يشم الهاء الفتح، وروى "ورش" عن "نافع" فتح الهاء كابن كثير، وسكنها "حمزة" و"الكسائي" إلا أنه خفف الدال، وعن "عاصم" بكسر الياء والهاء مشددة الدال، وعنه أيضًا كسر الهاء وفتح الياء، فمن قرأ "أم من لا يهدي" نسبهم إلى الزيغ عن الحق في معادلتهم الآلهة بالقديم. لسبحانه - والمعنى: أفمن يهدي غيره إلى طرق التوحيد والحق أحق أن يتبع أم من لا يهتدي هو إلا أن يهدي؟ أي أفمن يهدي غيره؟ فحذف المفعول، والكلام ينزل على أن هديت بمعنى اهتديت وإن لم يكن كذلك، لأنهم لما اتخذوها آلهة عبر عنها بما يعبر عن المعبود. فأما من قرأ يهدي ويهدي في يهتدي فيقال: أدغم التاء في الدال لتقاربهما،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف في تحريكه، فمن قال: يهدي ألقى حركة الحرف المدغم وهي الفتحة على الهاء كما ألقاها على ما قبل المدغم في معد وممد فحرك الفاء بحركة العين. ومن قال: يهدي حرك الفاء بالكسر لأن الكلمة عنده تشبه المنفصلة، نحو ضرب بكر، بدليل الأظهار في نحو: اقتتلوا، كما لم يلق في نحو: اسم موسى، فلو لم يجز إلقاء الحركة تركت الهاء على سكونها فالتقى ساكنان فحرك أولهما بالكسر، وأما عبشمس فشاذ لا نظير له، لأن الأعلام يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها. وأما من قال: يهدي بسكون الهاء وجمع الساكنين فقد تقدم توجيهه. ومن كسر الهاء أتبعها لما بعدها، فإن قلت [ياء] المضارعة لا تكسر، ومن قال: تعلم لم يقل: يعلم، قلت: لم تكسر لذلك بل لمعنى آخر، وهو الإتباع كما كسرت في يبجل لتقلب الواو ياء هذا محصلة فتأمل.

[146]- قولهم: بالرجل عنة

[146]- قولهم: بالرجل عنة ويقولون: بالرجل عنة، ولا وجه لذلك؛ لأن [العنة] الحظيرة من الخشب، والصواب أن يقال: به عنينة أو تعنين، وأصله من عن أي اعتراض، فكأنه يتعرض للنكاح ولا يقدر عليه، والعرب تسمى العنين السريس كما قال الشاعر: ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقولون بالرجل عنة، ولا وجه لذلك؛ لأن العنة الحظيرة من الخشب، والصواب أن يقال: به عنينة أو تعنن). ما أنكره حكاه "الجوهري" وصاحب "القاموس" فقالا: والاسم العنة، وقد قيل: إنها لغة ضعيفة، ولذا قال "أبو حيان التوحيدي" في كتاب "البصائر": فلان عنين بين التعنن ولا تقل بين العنة كما يقول الفقهاء فإنه كلام مردود. ونقل في شرح "الفصيح" استعماله، وقيل: إنه مستعار من الحظيرة فعيلة بمعنى فاعلة، على فرض عدم وروده. وفي "الصحاح" رجل عنين لا يريد النساء بين العنة فعيل بمعنى مفعول وعننه القاضي حكم عليه بها. وفي "المغرب" العنة على زعمهم اسم من العنين، وهو الذي لا يقدر على إتيان النساء، أو من العنة وهي الحظيرة، أو من عن إذا اعترض لأنه يعترض يمنيًا وشمالاً، ولم أعثر عليها إلا في "الصحاح" وأما العناء فنقلت عن "الزمخشري".

(ألا حييت عنا يا لميس ... علانية فقد بلغ النسيس) (رغبت إليك كيما تنكحيني ... فقلت بأنه رجل سريس) (ولو جربتني في ذاك يومًا ... رضيت وقلت: أنت الدردبيس) ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد تبين لك توجيه ما نفاه وقامت البينة على خلاف مدعاه.

[147]- قولهم: صحفي

[147]- قولهم: صحفي ويقولون لمن يقتبس من الصحف: صحفي مقايسة على قولهم في النسب إلى الأنصار: أنصاري وإلى الأعراب أعرابي، والصواب عند النحويين البصريين أن يوقع النسب إلى واحدة الصحف وهي صحيفة، فيقال: صحفي، كما يقال في النسب إلى الفرائض فرضي وإلى المقاريض مقراضي، اللهم إلا أن يجعل الجمع اسماً علماً للمنسوب إليه، فيوقع حينئذ النسب إلى صيغته كقولهم في النسب إلى قبيلة "هوزان" هوزاني، وإلى حي "كلاب": كلابي، وإلى مدينة "الأنبار": أنباري، وإلى بلدة "المدائن": مدائني. فأما قولهم في النسب إلى الأنصار: أنصاري فإنه شذ عن أصله، والشاذ لا يقاس عليه ولا يعتد به، وأما قولهم في النسب إلى الأعراب: أعرابي فإنهم فعلوا ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا يرون النسب إلا إلى واحد الجموع كما يقال في النسب إلى الفرائض: فرضي، وإلى المقاريض: مقراضي، اللهم إلا أن يجعل الجمع اسماً على المنسوب إليه). قال "ابن بري": كونه لا ينسب إلى الجمع قول البصريين وهو المشهور، وخالفهم الكوفيون فجوزوا النسب إلى الجمع مطلقاً، فلا وجه لما قاله المصنف، على أن المانعين له استثنوا منه صورا. منها: أن يكون علماً كأنبار- علم بلدة- وفرائض- علم للعلم المشهور. ومنها: أن لا يغلب على شيء حتى يلحق بالعلم عليه كأنصار لغلبته على أنصار النبي صلى الله عليه وسلم وهو إما جمع نصير أو ناصر على خلاف فيه، وقوله في "جامع الأصول" لا واحد له، يريد أنه هجر مفرده وترك مفرده بعد الغلبة فلذلك لم ينسب إليه أهـ. ومنه يعلم أن الجمع إذا غلب في طائفة ومفرده باق على عمومه وهو ملحق بالعلم يصح أن يعد مما لا واحد له؛ لأن واحده أعم منه، ولهذا يجعل واحده بياء النسبة بعد العلمية، كالأعراب لما اختص بسكان البادية والعرب عام فقيل: إن الأعرابي

ذلك لإزالة اللبس ونفي الشبهة، إذ لو قالوا فيه: عربي لاشتبه بالمنسوب إلى العرب، وبين المنسوبين فرق ظاهر؛ لأن العربي هو المنسوب إلى العرب وإن تكلم بلغة العجم، والأعرابي هو النازل بالبادية وإن كان عجمي النسب. ـــــــــــــــــــــــــــــ منسوب إلى الجمع لأنه صار كالعلم وفي حكم المفرد، كما في "المغرب" وغيره، ولا ينافيه قول "الجوهري": ليس الأعراب جمع لأنه يريد أنه بعد العلمية ليس جمعاً له؛ لأن واحده بعدها أعرابي؛ لأن مفرده الأول هجر. ولهذا يقال: واحد الأنصار أنصاري لا ناصر ولا نصير، ومن هذا القبيل: فضولي وليس قسماً آخر كما توهم. ومنها: أن لا يكون له واحد، واختلف فيما له واحد على خلاف القياس. ومنها: أن يكون وزن الجمع له نظير في كثير من المفردات نحو كلاب وكلابي. ومنها: أن تقصد النسبة إلى اللفظ كشعوبي فإنه نسبة للفظ شعوب في قوله تعالى: {وجعلناكم شعوباً وقبائل} [الحجرات: 13]. وفي قوله: (الأعرابي هو النازل بالبادية وإن كان أعجمي النسب) نظر لا يخفى.

[148]- النسب إلى المركب

[148]- النسب إلى المركب ويقولون في النسب أيضاً إلى "رامهرمز": رامهزمزي، فينسبونه إلى مجموع الاسمين المركبين ووجه الكلام أن ينسب إلى الصدر منهما فيقال: رامي؛ لأن الاسم الثاني من الاسمين المركبين يتنزل منزلة تاء التأنيث التي تقع طارئة وتلتحق بعد تمام الكلام، فوجب لذلك أن تسقط في النسب كما تسقط تاء التأنيث فيه، وعلى هذه القضية قيل في النسب إلى "أذربيجان" آذري، كما جاء في حديث "أبي بكر" رضي الله عنه. قال: "لتألمن النوم على الصوف الآذري كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان" وقد رواه بعضهم: الأذربي والصحيح الأول. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون- أيضاً- في النسب إلى رامهرمز": رامهرمزي، فينسبون إلى مجموع الاسمين المركبين، ووجه الكلام أن ينسب إلى الصدر منهما فيقال (رامي) [إلى آخر ما فصله وأطال فيه بغير طائل لتصريحهم بخلافه، ففي شرح "التسهيل" أجازوا في المركب أن ينسب إلى صدره، كما أجاز "الجرمي" في الجملة أن ينسب إلى جزئها الأول وإلى الثاني، فتقول: تأبطي وشري، واستأنس له بقوله: تزوجتها رامية هرمزية ... وقال: إنه تجوز النسبة إليهما معاً كما سيأتي في البعلي والبكي، ولم يرد السماع على ما ذكره "الجرمي" من التخيير وإن اقتضاه ظاهر كلام "الأخفش"، وأما المركب الزجي فينسب إليهما مزالاً تركيبهما كما في البيت وغير مزال، وفي "التسهيل" أيضاً يحذف لياء النسب عجز المركب غير المضاف وصدر المضاف إن تعرف بالثاني تحقيقاً وإلا فعجزه، وقد يفعل ذلك ببعلبك ونحوه. اهـ.

وأجاز "أبو حاتم السجستاني" أن ينسب إلى الاسمين جميعاً، واحتج فيه بقول الشاعر: (تزوجتها رامية هزمزية ... بفضل الذي أعطى الأمير من الورق) ولم يطابقه على هذا القول غيره، بل منع سائر النحويين منه، لئلا تجتمع علامتا النسب في الاسم المنسوب، وحملوا البيت الذي احتج به على الشذوذ، واعتراض الشاذ لا ينقض مباني الأصول. نعم، وعندهم أنه متى وقع لبس في النسب إلى الاسم المركب لم ينسب إليه، ولهذه العلة منعوا من النسب إلى أحد عشر ونظائره، إذ لا يجوز النسب إلى مجموع الاسمين أحد عشري، كما تقول العامة في النسب إلى الثوب الذي طوله أحد عشر شبراً. فعند "ابن مالك" يجوز أن ينسب إلى صدره وإلى عجزه قياساً على الجملة إذا سمي بها، فإنه ينسب إلى كل من جزءيها، فيقال في "تأبط شراً": تأبطي وشري كما مر، ومنهم من أجاز النسب إلى الجموع. وفي "الصحاح" رامهرمز بلد والنسب إليها رامي، وإن شئت هرمزي، فخير فيه دون شذوذ. (وعلى هذه القضية قيل في النسب إلى "أذربيجان": آذري، كما جاء في حديث "أبي بكر" رضي الله عنه أنه قال: لتألمن النوم على الصوف الآذري كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان)]. كلام أبي بكر في مرض موته: قال "المبرد" في "كامله": مما يؤثر من حكم الأخيار وبارع الآداب عن "عبد الرحمن بن عوف" قال: دخلت على "أبي بكر الصديق" -رضي الله عنه- في علته

ولا يجوز أن ينسب إلى أوله لاشتباهه بالنسب إلى أحد، ولا إلى الثاني لاشتباهه بالنسب إلى عشر، فامتنع النسب إليه من كل وجه. ونظير هذا الوهم منهم أنهم ينسبون إلى مجموع الاسمين المضافين فيقولون في النسب إلى "تاج الملك" ونظائره: التاجملكي، وقياس كلام العرب أن ينسب إلى الأول منهما فيقال: التاجي. كما قالوا في النسب إلى "تيم اللات": تيمي، وإلى "سعد العشيرة": سعدي، اللهم إلا أن يعترض لبس في المنسوب فينسب إلى الثاني، كما قالوا في النسبة إلى "عبد مناف": منافي، ولم يقولوا: عبدي لئلا يلتبس بالمنسوب إلى "عبد القيس"، وقالوا في المنسوب إلى "أبي بكر": بكري؛ لأنهم لو قالوا: أبوي لاستبهم المنسوب إليه. وقد سلكوا في هذا النوع أسلوباً آخر فركبوا من حروف الاسمين أسماً على وزن جعفر ونسبوا إليه، وأكثر ما استعملوا ذلك فيما أوله عبد، فقالوا في النسب ـــــــــــــــــــــــــــــ التي مات فيها يوماً فقلت: أراك بارئاً يا خليفة رسول الله. فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد علي من وجعي، إني وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج ولتألمن النوم على الصوف الآذري كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان، والذي نفسي بيده، لأن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض بنفسه غمرات الدنيا، يا هادي الطريق حرت، إنما والله هو الفجر أو البحر، فقلت: خفض عليك يا خليفة رسول الله فإن هذا يهيضك إلى ما بك، فوالله ما زلت صالحاً مصلحاً لا تأسى على شيء فاتك من الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيرا. اهـ. وأشرح بعض ما فيه فإنه من كنوز المعاني. قوله: بارئا من برى من مرضه [إذا صح منه]. [والنضائد: الوسائد المنضودة من المتاع]. وقوله: ورم أنفه بمعنى امتلأ غضباً، بخلاف شمخ بأنفه فمعناه رفع رأسه كبراً فلا

إلى "عبد شمس" عبشمي، وإلى "عبد الدار": عبدري، وإلى "عبد القيس": عبقسي، وكل ذلك مما يقصر على السماع، ولم يقصد به إلا الرياضة في تصرف الكلام. ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون في الغضب. والسعدان: نبت كثير الشوك تأكله الإبل، وفي المثل: "مرعى ولا كالسعدان". وقوله: إنما والله هو الفجر أو البحر، ضرب مثلاً لتحيير الدنيا لأهلها، أي إن انتظرت حتى يضيء لك الفجر الطريق أبصرت قصدك، وإن هجمت وخبطت خبط عشواء هجم عليك المكروه. وقوله: يهيضك من هاض العظم إذا جبره ثم أصابه ما يؤذيه أو يكسره، وأكثر ما يستعمل في الكسر، يقال: عظم وجناح مهيض. اهـ. ما أورده "المبرد" هنا. وقوله: (وقالوا في النسب ... الخ) الذي ذكره "ابن مالك" وغيره أن المضاف إذا تعرف بالمضاف إليه تحقيقاً أو تقديراً نسب إلى الثاني ألبس أم لا، وما ذكره المصنف طريق آخر، ولكل وجهة هو موليها.

[149]- قولهم: غسلة بفتح الغين

[149]- قولهم: غسلة بفتح الغين ويقولون لما يغسل به الرأس: غسلة بفتح الغين، فيخطئون؛ لأن الغسلة بالفتح كناية عن المرة الواحدة من الغسل، فأما الغسول فهو الغسلة بكسر الغين، وعليه قول "علقمة بن عبيدة": (كأن غسله خطمي بمشفرها ... في الخد منها وفي اللخيين تلغيم) وأما الغسل فمصدر غسلت، والاسم منه الغسل بضم الغين، وأما الغسلين، فهو ما يسيل من صديد أهل النار. وذكر "ابن عباس" رضي الله عنهما أنه قال: "كل ما كان في القرآن قد علمته إلا أربعة أحرف: لا أدري ما الأواه والحنان مخففة والغسلين والرقيم". وقد فسرها غير فقال: الحنان [الكثير] الرحمة، ومنه قولهم: حنانيك، أي رحمة منك بعد رحمة، وقالوا الأواه الكثير التأوه من الذنوب، وقيل: أنه المتضرع في الدعاء، وقيل فيه: إنه المؤمن الموقن، وفسر الغسلين على ما بيناه، وقيل في الرقيم: إنه القرية التي خرج منها أهل الكهف وقيل: بل هو الوادي الذي فيه الكهف وقيل بل هو اسم الكلب. وذكر "الفراء" أنه لوح من رصاص كتب فيه أسماؤهم وأنسابهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لما يغسل به الرأس: غسله بفتح الغين، فيخطئون فيه). المذكور في كتب العربية أن كل ما يفعل به الشيء فاسمه فعول بفتح الفاء، وأن فعلة بالكسر كجلسة للهيئة، وهذا مما اتفقوا عليه، فإن ثبت ما قاله المصنف فهو مجاز أو على خلاف القياس. وأما الغسلة بالفتح فللمرة، وإطلاقها على ما يغسل به أيضاً بنوع من التجوز غير بعيد. وبالجملة فما ذكره المصنف غير خالٍ من الخلل.

[150]- قولهم: دابة لا تردف

[150]- قولهم: دابة لا تردف ويقولون: دابة لا تردف، ووجه القول: لا ترادف، أي لا تقبل المرادفة، لأن مبنى المفاعلة على الاشتراك في الفعل، فهو بهذا الكلام أليق وبالمعنى المراد أعمق، والعرب تقول: ترادفت الأشياء إذا تتابعت، وأهل المعرفة بالقوافي يسمون الشعر الذي تتوالى الحركة في قافيته المترادف، ويقال: ردفت زيداً أي ركبت خلفه، وأردفته أي أركبته ورائي، وإنما سمي الردف ردفا لمجاورته الردف وهو العجز، ويقال أيضاً: جمل مرادف أي عليه رديف، وقرى في التنزيل {بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9] بكسر الدال وفتحها، فمن كسر أراد به متتالين في العدد، ومن فتحها أراد أنهم أردفوا بغيرهم من المدد. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: دابة لا تردف، ووجه الكلام: لا ترادف، أي لا تقبل المرادفة، لأن مبني المفاعلة على الاشتراك في الفعل، فهو بهذا الكلام أليق وبالمعنى المراد أعلق). هذا أيضاً مما أساء فيه؛ لأن ما أنكره أثبته غيره وسمع، ففي شرح "الفصيح": هذه دابة لا تردف ولا ترادف، وأنكر بعضهم تردف، وقد رد عليه بأنه مسموع، وحكاه "ابن القطاع" أيضاً وقال: الأعم ترادف. اهـ. وفي "القاموس": هذه دابة لا ترادف [ولا تردف قليلة أو مولدة، وقال "الراغب": دابة لا تردف ولا ترادف، وفي "الأساس" مثله] واقتصر في "الصحاح" على ذكر ترادف دون تردف، ثم إن معنى المفاعلة غير موجود؛ لأنهم فسروه بحمل الرديف والردف وهذا المعنى غير مشترك بين الدابة وراكبها، فقوله في تعليل ما ادعاه: لأن مبنى المفاعلة على الاشتراك لا وجه له، فكان عليه أن يحيل على السماع كما سمعته. والإرداف الإركاب لأحد وراءك، وقال "الزجاج": أردفت الرجل إذا جئت بعده، ومنه {تتبعها الردافة} [النازعات: 7]، ويقال: ردف وأردف وهما بمعنى عند "ابن الأعرابي" وقوم من أهل اللغة. قال "أبو عبيد": يقال: ردفت الرجل وأردفته إذا ركبت خلفه، وقيل: بينهما فرق، فردفت الرجل بمعنى ركبت خلفه، وأردفته بمعنى أركبته خلفي، وفي كتاب "لحن العوام" "للزبيدي" يقولون" أردفته إذا جعلته خلفك راكباً، والصواب ارتدفته أي جعلته

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ردفي، فإن ركبت خلف رجل قلت: ردفته وأردفته أي صرت ردفاً له، قال الشاعر: (إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا) والجوزاء تتلو الثريا، ويقال: دابة لا ترادف أي لا تحمل رديفاً، وقولهم لا تردف خطأ. والردفان: الغداة والعشي لأن كل واحد منهما ردف صاحبه. اهـ. وهذا مذهب المصنف والحف خلافه.

[151]- اسم الآلة بكسر الميم لا بفتحها

[151]- اسم الآلة بكسر الميم لا بفتحها ويقولون: مطرد ومبرد ومبضع ومنجل، كما يقولون: مقرعة ومقنعة ومنطقة ومطرقة، فيفتحون الميم من جميع هذه الأسماء، وهو من أقبح الأوهام وأشنع معايب الكلام، لأن كل ما جاء على مفعل ومفعلة من الآلات المستعملة المتدولة فهو بكسر الميم، كالأسماء المذكورة ونظائرها، وعليه قول "الفرزدق": في مرئية سايس: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ليبك أبا الخنساء بغل وبغلة ... ومخلاة سوء قد أضيع شعيرها) (وجرفة مطروحة ومحسةٌ ... ومقرعة صفراء بالٍ سيورها) وإنما كسر الميم من محسة لأن الأصل فيها محسسة، فأدغم أحد الحرفين المتماثلين في الآخر وشدده، والمشدود يقوم مقام حرفين كما فعل في نظائرها مثل: محفة ومخدة ومظلة ومسلة. ومن وهمهم أيضاً في هذا النوع قولهم لما يروح به: مروحة بفتح الميم، والصواب كسرها، وأخبرني "أبو القاسم الحسين بن محمد التميمي" المعروف بالباقلاوي قراءة عليه، قال: أخبرنا "أبو عمرو الهمذاني" عن عمه "أبي روق" عن "الرياشي" عن "الأصمعي" قال: قال "أبو عمرو بن العلاء": بلغنا أن "عمر". رضي الله عنه. كان ينشد في طريق مكة: ـــــــــــــــــــــــــــــ (وهذا الذي أصله أهل اللغة من كسر الميم في أوائل أسماء الآلات المتناقلة المصوغة

(كأن راكبها غضن بمزوجة ... إذا تدلت به أو شارب ثمل) ثم قال لنا "أبو عمرو": المزوحة بفتح الميم الموضع الكثير الريح، والمروحة بالكسر ما يتروح به، وهذا الذي أصله أهل اللغة من كسر الميم في أوائل أسماء الآلات المتناقلة المصوغة على مفعل ومفعلة. هو عندهم كالقضية الملتزمة والسنة المحكمة، إلا أنهم أشذوا أحرفاً يسيرة منه، ففتحوا الميم من منقبة البيطار، وضموها من مدهن ومسعط ومنخل ومنصل ومكحل ومدق، وقيل في مدق الكسر على الأصل، ونطقوا في مسقاة ومرقاة ومطهرة بالكسر قياساً على الأصل، وبالفتح لكونها مما لا يتناقل باليد. ـــــــــــــــــــــــــــــ على مفعل ومفعلة وهو عندهم كالقضية الملتزمة والسنة المحكمة). هذا تحقيق بديع لما فيه من الفرق بين اسم الآلة التي تتناول باليد وغيرها، فيتعين كسر أول الأول إلا شذوذاً، ويفتح بعض من الثاني كمرقاة ومنارة لأنه من وجه آلة، ومن وجهٍ مكان، وهو فرق لطيف قل من نبه عليه أو تنبه له، والمدهن آلة الدهن وقارورته ومستنقع الماء، ومن الثاني قوله في الحديث: "نشف المدهن" ومنقبة البيطار ومكسر: الحديدة التي ينقب بها ويثقب.

[152]- قولهم: أعمل بحسب ذلك

[152]- قولهم: أعمل بحسب ذلك ويقولن اعمل بحسب ذلك بإسكان السين، والصواب فتحها لتطابق معنى الكلام، لأن الحسب بفتح السين هو الشيء المحسوب المماثل معنى المثل والقدر، وهو المقصود في هذا الكلام، فأما الحسب بإسكان السين فهو الكفاية ومنه قوله تعالى: {عطاء حسابا} [النبأ: 36] أي كافياً، وليس المقصود به هذا المعنى، وإنما المراد اعمل على قدر ذلك. ويناسب هاتين اللفظتين في اختلاف معنييهما باختلاف هيئة أوسطهما قولهم: الغبن والغبن، والميل والميل، والوسط والوسط، والقبض والقبض، والخلف والخلف، وبين كل لفظتين من هذه الألفاظ المتجانسة فرق يمتاز معناهما فيه بحسب إسكان وسطهما وفتحه. فالغبن بإسكان الباء يكون في المال وبالفتح يقع في العقل والرأي، والميل ـــــــــــــــــــــــــــــ (الحسب بفتح السين هو الشيء المحسوب المماثل معنى المثل والمقدار وهو المقصود في هذا الكلام). فأما الحسب بإسكان السين فهو الكفاية ومنه قوله تعالى: {عطاء حساباً} أي كافياً. في "الصحاح" ليكن عملك بحسب ذلك أي على قدره من قولهم للمعدود: حسب، وهو فعل بمعنى مفعول كنقض بمعنى منقوض، وربما سكن في ضرورة، ولم يخصه غيره بالضرورة، وفي "الدرر والغرر" "للشريف المرتضى" ما يشهد بأن في الحساب معنى المكافأة، لقوله -عز وجل-: {عطاء حسابا} أي عطاء كافيا، ويقال: احسبني الطعام ويحسبني إحساباً إذا كفاني، قال الشاعر: (وإذ لا ترى في الناس حسنا يفوتها ... وفي الناس حسنٌ لو تأملت محسب) [أي كاف].

بإسكان الياء من القلب واللسان وبفتحها يقع فيما يدركه العيان، والوسط بالإسكان ظرف مكان يحل محل لفظة بين، وبه يعتبر، والوسط بالفتح اسم يتعاقب عليه الإعراب [لكل واسطة من جميع الأشياء]، ولهذا مثل النحويين فقالوا: يقال وسط رأسه دهن ووسط رأسه صلب، والقبض بإسكان الباء مصدر قبض وبفتحها اسم الشيء المقبوض، وأما الخلف والخلف فعند أكثر أهل اللغة أن الخلف بإسكان اللام من الطالحين وبفتحها من الصالحين، وأنشدت "لأبي القاسم الآمدي" في مرثية "غرة خلف عرة": (خلفت خلفا ولم تدع خلفاً ... ليت بهم كان لابك التلف) وقيل فيهما: إنهما يتداخلان في المعنى ويشتركان في صفة المدح والذم، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فالغبن بإسكان الباء يكون في المال، وبالفتح يقع في العقل والرأي). هذا مما ذهب إليه بعض اللغويين، وأنشد "ابن الشجري" في أماليه قول "عدي بن زيد": (لم أر مثل الأقوام في غبـ ... ـن الأيام ينسون ما عواقبها) وقال: فيه دليل على أن الغبن بفتح الباء يكون في البيع، والأغلب أن يستعمل في الرأي ويسكن في البيع. اهـ. وفي "القاموس": غبنه في البيع يغبنه غبناً ويحرك، أو بالتسكين في البيع وبالتحريك في الرأي أي خدعه. فما ذكره المصنف ليس بمتعين. (والميل بإسكان الياء في القلب واللسان وبفتحها فيما يدركه العيان). قال "ابن بري": الميل يكون في القلب واللسان وفي غيرهما، يقال: مال عن

فيقال: خلف صدق وخلف سوء، والشاهد عليه قول "المغيرة بن حبناء التميمي": (فنعم الخلف كان أبوك فينا ... وبئس الخلف خلف أبيك فينا) وقال بعضهم: إن الخلف بفتح اللام من غلف في إثر من مضى، والخلف بإسكان اللام اسم لكل قرن مستخلف، وعليه فسر قوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} [مريم: 59]، وعليه يؤول قول "لبيد" ([ذهب الذين يعاش في أكنافهم] ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب ... ) يعني به القرن الذي عاصره آخر عمره. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحق وعن الطريق ميلاً، وكذلك مال عليه في الظلم، ومال الشيء أيضاً ميلاً، وأما الميل بالتحريك فهو مصدر مال الشيء إذا اعوج خلقه، فالميل بالسكون عام في المحسوس وغيره، وبالتحريك خاص بالخلقي وقيل: يشمل كل مشاهد ثابت كميل البناء، ففي كلام المصنف ميل عن سنن الصواب، إلا أن يقال: إن قوله في القلب واللسان كناية عن الأمور المعنوية، وما يدركه العيان كناية عن الخلقية، وفي "القاموس" الميل محركة ما كان خلقة وقد يكون في البناء. (والوسط بالإسكان ظرف مكان يحل محل لفظة بين وبه يعتبر، والوسط بالفتح اسم

وحكى "أبو بكر بن دريد" قال: سمعت "الرياشي" يفصل بين قولهم: أصابهم سهم غرب بفتح الراء وسهم غرب بإسكان الراء، وقال: المعنى في الفتح أنه لم يذر من رماه، وفي الإسكان أنه رمي غيره فأصابه، ولم يميز بين اللفظتين سواه. ـــــــــــــــــــــــــــــ يتعاقب عليه الإعراب ولهذا مثل النحويون له فقالوا: يقال وسط رأسه دهن ووسطه صلب). في شرح "الفصيح" للإمام "المرزوقي": النحويون يفصلون بينهما فيقولون: وسط بالتسكين لما أحاط به جوانب من جنسه، تقول: في وسط رأسه دهن ووسط رأسه صلب، وربما قالوا: إذا كان أجزاء الكلام أولاً فاجعله وسطاً بالتحريك وإلا فسكنه. وحكى "الأخفش" أن وسطاً قد ورد مبتدأ خارجاً عن الظرفية في شعر أنشده، والمصنف راعى أن وسطاً إن كان بعض ما أضيف إليه تحرك السين وإن كان غيره يسكن؛ ألا ترى أن وسط الرأس والدار بعضها ووسط القوم غيرهم؟ وأما تفسيره ببين فبين لشيئين متباينين ووسط لشيئين يتصل أحدهما بالآخر، تقول: وسط الحصير قلم ولا تقول: بين الحصير قلم. اهـ. والفرق بينهما على ما ذكره المصنف من وجهين: أحدهما: أن ذا السكون ظرف مكان غير متصرف فلا يأتي إلا منصوباً على الظرفية، وذا الفتح متصرف يتعاقب عليه حركات الإعراب، وهذا في المطر دون النادر، لما في "الارتشاف" من أنه يتصرف نادراً، وكذا في "عمدة الحفاظ". وثانيهما: أن ذا السكون يحل محل بين بخلاف ذي الفتح كما أشار إليه بقوله: "وبه يعتبر" أي بهذا الحلول يعتبر الإسكان فإن كان كان وإلا فلا. وهذا أكثري أيضاً، كما في "الصحاح" حيث قال: وكل موضع صلح فيه بين فهو وسط وإن لم يصلح فيه فهو وسط بالتحريك، وربما سكن. اهـ. وليس بالوجه، وعن الكوفيين كما نقله "أبو حيان" أنه لا فرق بينهما ويحيلونهما ظرفين، وعن بعضهم كما في "التقريب" أنه سوى بينهما فقال: هما ظرفان واسمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن "الراغب" أن وسط الشيء بالفتح ما له طرفان مستويا القدر، ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد، نحو وسطه صلب، ووسط بالسكون يقال في الكمية المنفصلة كشيء يفصل بين جسمين نحو وسط القوم كذا. وعن "ثعلب" أن ما كان ذا أجزاء تنفصل قلت فيه: وسط بالسكون، وما كان مصمتاً بلا أجزاء تتفرق قلت فيه: وسط بالفتح، وسط بالفتح، فمن الأول على ما نقل عنه: اجعل هذه الياقوتة وسط العقد وهذه الخرزة وسط السبحة ولا تقعد وسط القوم، ومن الثاني: احتجم وسط الرأس وصال وسط الصف، وعلى هذا القول يكون الوسط الساكن الوسط مستعملاً تارة حيث يحل محل بين نحو لا تقعد وسط القوم، وأخرى حيث لا يحل محلها نحو: اجعل هذه الياقوتة وسط العقد وهذه الخرزة وسط السبحة بخلافه على قول المصنف. وقوله: (ولهذا مثل النحويون إلى آخره) إشارة إلى أن الإسكان في المثال الأول والفتح في الثاني لظرفية ذي السكون، ومن ثم نصب على الظرفية، واسمية ذي الفتح، ومن ثم رفع بالابتداء، وإلى أن تمثيل النحويين بذلك لذلك، ولم يرد أن تمثيلهم به لذلك لحلول ذي السكون محل بين في الأول دون الثاني أيضاً، وإن كان ذلك على وفق ما له من وجهي الفرق كليهما لعدم حلوله محله فيهما جميعاً. "تتمة" في "الكشاف" قيل للخيار: وسط؛ لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محوطة محمية، كما قال "الطائي": (كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبحت طرفا)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي "الروض الأنف": الوسط وصف مدح في مقامين في النسب؛ لأن أوسط القبيلة صميمها وأعرقها فهو أجدر أن لا يضاف إليه الدعوى في الشهادة كقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: 143] وهذا غاية العدالة كأنه ميز أن لا يميل مع أحد. وظن قوم أن الأوسط الأفضل على الإطلاق ففسروا الصلاة الوسطى بالفضلى، وليس كذلك، فإنه ليس بمدح ولا ذم كما يقتضيه لفظ التوسط، غير أنهم قالوا في المثل: "أثقل من مغن وسط" على الذم؛ لأنه كما قال "الجاحظ": يجثم على القلب ويأخذ بالأنفاس؛ لأنه ليس بجيد فيطرب ولا بردى فيضحك، وهو تحقيق حقيق بالقبول ولا ينافيه قولهم: خير الأمور الوسط، حب التناهي غلط. ثم إن المصنف ذكر ما يختلف معناه بالفتح والسكون كالخلف والخلف، وقد تقدم تحقيقه مفصلا. [و (غرة) بالغين المعجمة الخيار وبالمهملة الأشرار وهو ظاهر].

[153]- قولهم: كثرت عيلة فلان

[153]- قولهم: كثرت عيلة فلان ويقولن: قد كثرت عيلة فلان، إشارة إلى عياله فيخطئون فيه؛ لأن العيلة هي الفقر بدليل قوله تعالى: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} [التوبة: 28]. وتصريف الفعل منها عال يعيل فهو عائل، والجمع عالة، وجاء في التنزيل {ووجدك عائلاً فأغنى} [الضحى: 8] وفي الحديث "لأن تدع ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". فأما الذين يعالون فهم عيال واحدهم عيل، كما أن واحد جياد جيد، وقد جمع عيال على عياييل، كما قيل: ركاب وركائب، ويقال لمن كثر عياله: أعال ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: قد كثرت عيلة فلان إشارة إلى عياله، فيخطئون فيه؛ لأن العيلة هي الفقر لا العيال كما توهموه). والمخطى هو المخطى؛ لأنه ورد بهذا المعنى في الكلام الفصيح فهو عربي صحيح، ففي الحديث: "أتخافين العيلة وأنا وليهم" كذا رواه "ابن الأثير" وفسره بالعيال، فإما أن يكون جمع عائل كالعيل كما رواه "الأزهري" أو هو تجوز من قولهم: عالة عيلة إذا قام يرزقه. ففي "التهذيب": طالت عيلتي أي طالما علتك، أو أطلق عليهم الفقر لأنهم سببه، كما يقال: قلة العيال أحد اليسارين. (وفي الحديث "لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"). هذا حديث صحيح رواه "البخاري" قاله صلى الله عليه وسلم "لسعد بن أبي وقاص"، لما دعاه

فهو معيل [ولمن يمونهم] [وقد عالهم: يعولهم]، ومنه الخبر: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول". وفي كلام بعض العرب "والله لقد علت حتى علت" أي منت عيالي حتى افتقرت، وقد يقال: عال يعول إذا جار، فأما قوله تعالى: {ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء: 3] فمعناه: [ذلك أدنى] ألا تجوروا، ومنه قول بعض العرب لحاكم حكم عليه بما لم يوافقه: "والله لقد علت علي في الحكم". ومن ذهب في تفسير الآية إلى أن معنى تعولوا يكثر من تعولون فقد وهم فيه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن من القول عيالا" فمعناه أن من الحديث ما يستثقل السامع أن يعرض عليه، ويستشق الإنصات إليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: يا رسول الله، بلغ بي ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ فقال له: لا، قال: فبشطره؟ قال: لا، الثلث والثلث كثير؛ إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبغي بها وجه الله إلا أجرت [عليها] حتى ما تجعل في امرأتك".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى قوله: يتكففون، يسألون الناس فيمدون الأكف أو يسألون من الكفاف. (ومنه الخبر: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول). هو بعض حديث روته "الطبراني" وفسر من تعول بمن تلزم نفقته من العيال كالزوجة والعبد. (ومنه قوله تعالى: {ذلك أدنى ألا تعولوا} معناه: ذلك أدنى أن لا تجوروا، ومنه قول بعض العرب لحاكم حكم عليه بما لم يوافقه: والله لقد علت علي في الحكم، ومن ذهب في تفسير الآية إلى أن معنى تعولوا يكثر من تعولون فقد وهم). فيه سوء أدب؛ فإن القائل هو "الإمام الشافعي" رضي الله تعالى عنه- وهو أعلم باللغة منه ومن أضرابه، وليس ممن يجترى على تفسير القرآن العظيم بما لا يعلمه. وفي "تهذيب الأزهري": أكثر أهل التفسير على أن معناه أقرب أن لا تجوروا وتميلوا، وعن "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم" أنه فسره بلا تكثر عيالكم. قلت: وإلى هذا القول ذهب "الشافعي" فيما أخبرني "عبد الملك" عن "الربيع" عنه. قلت: والمعروف في كلام العرب: عال الرجل إذا كثر عياله. ومن العرب الفصحاء من يقول: عال يعول إذا كثر عياله] وهذا يقوي قول "الشافعي" -رضي الله عنه- لأن "الكسائي" لا يحكي عن العرب إلا ما حفظه وضبطه. وقول "الشافعي" نفسه حجة لأنه عربي فصيح اللسان، والذي اعترض عليه وخطأه عجل ولم يتثبت، ولا ينبغي للحضري أن يعجل إلى إنكار ما لم يحفظ من لغات العرب. اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن هذا كما قاله "البيهقي" في كتاب "الانتصار" للشافعي أنه لما فسر قوله تعالى: {ذلك أدنى ألا تعولوا} بأن لا يكثر من تعولون، اعترض عليه بأنه مخالف لكلام المفسرين والأدباء، لأنهم فسروه بألا تجوروا، من عال الرجل إذا جار ومال، أو عال إذا افتقر، أو عال عياله أنفق عليهم، أو عال إذا كثر عياله، فلم يفرق بين عال وأعال. قال "البيهقي": قلت: ليس كذلك؛ لأن "زيد بن أسلم" من علماء هذه الأمة، وقد فسره بما قاله "الشافعي" كما رويناه عنه مسنداً. وفي "مختصر العين" أن "الشافعي" ذهب في ذلك إلى أن أصل العول الميل، لكنه ليس بمطلق؛ لأنه لا يقال للجدار إذا مال: عال، وإنما هو مختص بالنسم، لأن أصل العول قوت العيال ومنه يتسبب الميل، ومنه القسم بين الضرائر والإنفاق وغيره، فسمى هذا العول ميلاً، فذهب "الشافعي" إلى أصل المعنى، والمفسرون إلى ما تسبب عنه، وهم كثيراً ما يقولونه. وقال "الجامي": من عرف توسع كلام العرب لم يضق عليه مثله، وقد رد "الأزهري" اعتراض "أبي داود" على "الشافعي"، وروى عن كل من "الفراء" و"الكسائي" أنه قال: سمعت كثيراً من العرب يقولون: عال الرجل إذا كثر عياله، إلا أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعال أكثر من عال، فمن هذا يعلم أن "الشافعي" لم يقل ما قاله إلا وقد حفظه، ثم قال "الأزهري": إن ما قاله "الشافعي" وجيه؛ فإنه -تعالى- لما بدأ بذكر مثنى وثلاث ورباع قال: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء: 3] بجماعة تعجزون عن كفايتهم. اهـ]. [وقد قال بعض أهل اللغة: إنها لغة "حمير"، ويؤيده أنه قرى في الشواذ تعيلوا بضم التاء. (وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من القول عيالا" فمعناه أن من القول ما يستثقل السامع أن يعرض عليه ويستنشق الإنصات إليه)]. هو حديث أوله: "إن من البيان لسحراً وإن من العلم جهلاً وإن من القول عيالاً" وفسروه بعرض الكلام على من ليس من شأنه ولا يهمه، وهو قريب مما ذكره المصنف. والذي رأيناه في كتب اللغة أن من القول عيالا. قال "ابن طاهر" في "فوائد الخرائد": يقال: علت الضالة وأعيل عيلا وعيالاً إذ لم تدر في أي جهة تبغيها، والمعنى أن من القول ما يعرض على من لا يريده وليس ذلك من شأنه، كأن القائل لم يهتد لمن يطلب كلامه فيعرضه على من لا يريده.

[154]- قولهم: فلان في رفهة

[154]- قولهم: فلان في رفهة ويقولون: فلان في رفهة، والمسموع عند العرب رفاهةٍ ورفاهية، كما قالوا: طماعة وطماعية وكراهة وكراهية، وقد قيل فيها: رفهنية، كما قالوا: بلهنية. واشتقاق لفظ الرفاهية من الرفه، وهي أن تورد الإبل كل ما شاءت كل يوم، فكأنهم قصدوا بها التوسع، فأما الرفهة فهي أصل لفظة الرفة التي هي دقاق التبن في لغة من قالها بتخفيف الفاء فهي تجري مجرى شفة التي أصلها شفهة، وقد حذفت ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: فلان أغنى عن فلان من التفة عن الرفة، والمراد بالتفة عناق الأرض التي تقتات اللحم وتستغني عن دقاق التبن، وقد شدده بعضهم وجعل أصلها التفة). قال: "ابن بري": يقال التفة والرفة مثل الثبة للجماعة والتاء فيها للتأنيث، وكذا قال "ابن جني" و"ابن دريد"، وفي "الصحاح" أغني من التفه عن الرفه بالهاء الأصلية فيهما، وكذا قال "أبو حنيفة" في أنوائه، وحكى تشديد الفاء وتخفيفها. وقوله: إن أصلها تفقة ثم أدغم غلط منه لأن باب فعلة وفعل لا يدغم؛ ألا تراهم قالوا: رجل سببة فلم يدغموا؟ وذكرها "ابن السكيت" في أمثاله على أن هاء التفة والرفة أصلية والكلمة بالتخفيف، وفي مثل آخر: (أخفى من الماء تحت الرفه) قال "الميداني": يعني التنبه. قلت: وفي الأمثال العامية لمن يخفي الضرر وهو ساع في إيصاله هو كالماء تحت التبن. كما قلت:

إحدى الهائين منها بدليل تصغيرها على شفهية، ويقال في المثل: فلان أغنى [من فلان] من التفة عن الرفة. والمراد بالتفة عناق الأرض لأنها تقتات اللحم وتستغني عن دقاق التبن، وقد شدد بعضهم الفاء من التفة، وجعل أصلها التفقة، ثم أدغم إحدى الفائين في الأخرى كما يفعل ذلك في الحرفين المتماثلين الواقعين في الأسماء المضعفة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (توق صداقة كل امرى ... ثقيل بمذق خفيف الشفه) (فذلك أعدى العدا باطناً ... وأخفى من الماء تحت الرفه) وهذا الحرف من "الجمهرة"، بتشديد الفاء وبالهاء، وكذلك أورده "الجوهري"، والصحيح أنه من الأسماء المنقوصة وجمعه رفات كثبة وثبات، كما ارتضاه "المحشي"، وفي "القاموس" عناق الأرض: سياه كوش". ثم إن ما ذكره المصنف من كون الرفة بمعنى الرفاهية خطأ معروف، نعم الرفه محركة الرحمة وسعة العيش رحمة من الله، فإذا تجوز بها عن ذلك لم يكن من الخطأ في شيء لمن له بصيرة نقادة.

[155]- قولهم: ارتضع بلبنه

[155]- قولهم: ارتضع بلبنه ويقولون لرضيع الإنسان؛ قد ارتضع بلبنه، وصوابه ارتضع بلبانه، لأن اللبن هو المشروب، واللبان هو مصدر لابنه أي شاركه في شرب اللبن، وهذا هو معنى كلامهم الذي نحوا إليه ولفظوا به، وإليه أشار "الأعشى" في قوله: (تشب لمقرورين يصطليانها ... وبأت على النار الندى و"المحلق") رضيعي لبان ثدي أم تقاسما ... بأسحم داجٍ عوض لا تتفرق) يعني أن "المحلق" الممدوح والندى إرتضعا ثدي أم، وتحالفا على أنهما لا ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لرضيع الإنسان: قد ارتضع بلبنه، وصوابه ارتضع بلبانه؛ لأن اللبن هو المشروب، واللبان مصدر لابنه أي شاركه في شرب اللبن، وهذا معنى كلامهم الذي نحوا إليه ولفظوا به، وإليه أشار "الأعشى" في قوله: (تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى و"المحلق") (رضيعي لبان ثدي أم تقاسما ... بأسحم داج عوض لا نتفرق) قد تبع في هذا "ابن قتيبة" في "أدب الكاتب"، وهو مما نسب فيه إلى السهو لاشتهار ما أنكره في كلام الفصحاء، وفي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال "لسهلة بنت سهيل" في شأن "سالم" مولى "أبي حذيفة": "أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها" وهو نص في أن اللبن لبنات آدم، وأما اللبان فمصدر لابنه إذا راضعه.

يتفرقان أبدا، لأن عوض من أسماء الدهر، وهما مما بني على الضم والفتح، وعنى بالأسحم الداجي ظلمة الرحم المشار إليها في قوله تعالى: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث} [الزمر: 6]. وقيل: بل عنى به الليل، وعلى كلا هذين التفسيرين فمعنى تقاسما فيهما أي تحالفا، وقد قيل: إن المراد بلفظة تقاسما اقتسما، وأن المراد بالإسحم الداجي: الدم، وقيل: بل المراد بالأسحم اللبن لاعتراض السمرة فيه، وبالداجي: الدائم. وحكى "ابن نصر" الكاتب في كتاب "المفاوضة" قال: دخل على "أبي العباس بن ماسرجس" رجل نصراني ومعه فتى من أهل ملته حسن الوجه، فقال له "أبو العباس": من هذا الفتى؟ قال: بعض إخواني، فأنشد "أبو العباس": ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعضهم: إنه اسم بمعنى اللبن إلا أنه مخصوص، واللبن عام في الآدمي وغيره، وقال آخرون: اللبان جمع لبن، ومما جاء في اللبان للمشاركة في اللبن قولهم: هو أخوه بلبان أمه. وفسره "يعقوب" بأخيه المشارك له في الرضاع، وقال "أبو سهل الهروي": لبان جمع لبن. وقيل: إنه لغة في اللبن وفي شرح مقامات الزمخشري أن اللبان بالفتح مصدر وبالكسر جمع لبن، وقيل: هو الملابنة أي المراضعة في قولهم: هو أخوه بلبان أمه. وقال "ابن السيد": روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن لبن الفحل محرم" كما اتفق عليه

(دعتني أخاها "أم عمرو" ولم أكن ... خاها ولم أرضع لها بلبان) (دعتني أخاها بعدما كان بيننا ... من الأمر ما لا يصنع الأخوان) ـــــــــــــــــــــــــــــ الفقهاء، وفسروه بأن الرجل يكون له امرأة ترضع بلبنه فكل من أرضعته حرمته عليه وعلى ولده، والصحيح أن يقال: اللبان للمرأة خاصة، واللبن عام. اهـ. وقد تقدم الكلام على الشعر الذي ذكره، وبقي أن المراد بالمقرورين فيه الندى و"المحلق" و"المحلق" بكسر اللام وهو اسم رجل مشهور، وعطفه على الندى بجعله كرجل ألف آخر وآخاه، وهو في غاية البلاغة، ورضيعي مثنى حال منهما، وثدي منصوب به، ولا حاجة إلى تقدير من كما قيل؛ لأن رضع متعد بنفسه، أو هو مجرور بدل من لبان، والأسحم قد فسره المصنف، وقيل: المراد به رماد النار أو الليل أو الزق لأنهم كانوا يتحالفون إلى الشراب. وله قصة مشهورة. ورضيع الإنسان مراضعه، وفسر في اللغة بالأخ من الرضاعة، يعنون هذا ومن لم يعرفه فسره بالراضع، وقال: الإضافة لأدنى ملابسة فوقع في حيص بيص. وفي شرح ديوان "أبي تمام" "للتبريزي": إذا كانت المفاعلة بين اثنين جاء كل واحد منهما على فعيل كما جاء على مفاعل، كقعيد للذي يقاعدك وتقاعده، ونديم بمعنى منادم، ورضيع وجليس بمعنى مراضع ومجالس. ثم أنشد: (دعتني أخاها أم عمرو ولم أكن ... أخاها ولم أرضع لها بلبان) (دعتني أخاها بعدما كان بيننا ... من الأمر ما لا يصنع الأخوان) هذا شعر "لعبد الرحمن بن الحكم" وأوله: (وكأس ترى بين الأنام وبينها ... قذى العين قد نازعت أم أبان) (ترى شاربيها حين يعتورانها ... يميلان أحيانا ويعتدلان) (فما ظن واشينا بأبيض ماجد ... وبيضاء خود حين يلتقيان) (دعتني أخاها ........ إلى آخر البيتين) وهذا القائل تمثل به كما في المثل الآخر: "رب أخ لك لم تلده أمك" وله قصة معروفة.

[156]- الفرق بين لدغ ولسع ونهش.

[156]- الفرق بين لدغ ولسع ونهش. ويقولون: لدغته العقرب، والاختيار أن يقال لكل ما يضرب بمؤخره كالزنبور والعقرب: لسع، ولما يقبض بأسنانه كالكلب والسباع: نهش، ولما يضرب بفيه كالحية: لدغ، ومنه قول بعض الرجاز: (إن العجوز حين شاب صدغها ... كالحية الصماء طال لدغها) ـــــــــــــــــــــــــــــ (الاختيار أن يقال لكل ما يضرب بمؤخره كالزنبور والعقرب: لسع، ولما يعض بأسنانه كالكلب: نهش، ولما يضرب بفيه كالحية: لدغ). ما ذكره مما ذهب إليه بعض أهل اللغة، إلا أنهم قالوا: لدغته العقرب ولسعته ولسبته، كلهن سواء، ومن الدليل على ذلك قوله في المثل: تلدغ وتصي، ولا يسمى صوت الحية صياء ولكن صوت العقرب، وقد استعمله المصنف في مقاماته، وفي "المعرب" نهسه الكلب بالمهملة عضه، بأن قبض على لحمه ويده بالفم، ونهشته الحية بالشين المعجمة، وفي "التقريب" نهسه الكلب ونهشه.

[157]- قولهم: الحمد لله الذي كان كذا وكذا

[157]- قولهم: الحمد لله الذي كان كذا وكذا ويقولون: الحمد لله الذي كان كذا وكذا فيحذفون الضمير العائد إلى اسم الله تعالى الذي به يتم الكلام وتنعقد الجملة وتنتظم الفائدة، والصواب أن يقال: [الحمد لله إذ كان كذا وكذا منه، أو يقال]: الحمد لله الذي كان كذا وكذا بلطفه أو بعونه أو من فضله وما أشبه ذلك مما يتم الكلام المبتور ويربط الصلة بالموصول. وفي نوادر النحويين: أن رجلا قرع الباب على نحوي، فقال له من أنت؟ قال: الذي اشتريتم الآجر. فقال: أمنه؟ قال: لا، قال: أله؟ قال: لا، قال: اذهب فما لك في صلة الذي شيء. وقد شبه "الصاحب أبو القاسم بن عباد" الرقيب والمحبوب بالذي وصلته، فقال فيهما وأبدع: (ومهفهف ذي وجنة كالجنبذ ... وسهام لحظ كالسهام النفذ) (قد نلت منه مراد نفسي في الهوى ... وملكته لو لم يكن صلة الذي) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: الحمد لله الذي كان كذا وكذا، فيحذفون الضمير العائد إلى اسم الله الذي به يتم الكلام) إلى آخر ما ذكره، وكأنه لم يسمع قول النحاة في المتون: إن العائد يحذف باطراد كثيراً، وتفصيله لشهرته غني عن الإعادة. (وقد شبه "الصاحب" أبو القاسم بن عباد) الرقيب والمحبوب بالذي وصلته فقال فيهما وأبدع: (ومهفهف ذي وجنة كالجنبذ ... وسهام لحظ كالسهام النفذ) (قد نلت منه مراد نفسي في الهوى ... وملكته لو لم يكن صلة الذي) وإنما كني عنه بالصلة لعدم انفكاكه، وقريب منه قولهم: واو عمرو.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما يضاهي ذلك أن "ابن عنين" كتب إلى الملك المعظم وهو مريض: (انظر إلى بعين مولى لم يزل ... يولي الندى وتلاف قبل تلافي) (أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه ... فاغنم دعائي والثناء الوافي) فعاد ومعه دينار، وقال: أنا العائد وهذه الصلة. والجنبذ بضم الجيم والنون والذال المعجمة ورد أحمر.

[158]- قولهم: فلان شحاث

[158]- قولهم: فلان شحاث ويقولون: فلان شحاث بالثاء المعجمة بثلاث من فوق، والصواب فيه: شحاذ بالذال المعجمة لاشتقاق هذا الاسم من قولك: شحذت السيف إذا بالغت في إحداده فكأن الشحاذ هو الملح في المسألة والمبالغ في طلب الصدقة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: فلان شحات بالتاء المعجمة باثنتين، والصواب فيه شحاذ، لاشتقاق هذا الاسم من قولك: شحذت السيف إذا بالغت في إحداده، فكأن الشحاذ هو الملح في المسألة والمبالغ في طلب الصدقة). الشحاذ بمعنى السائل الملح مما شاع حتى سموا الآن شحاتة بزنة قيامة، إلا أن الواقع في كتب اللغة وفي كلام من يعتمد عليه شحاذ، بذال معجمة، فمن ثمة اختلفوا فيه. فمن ذاهب إلى أنه خطأ محض وتحريف سخيف، ومنهم من ذهب إلى أنه لغة فيه. قال في "الأساس": رجل شحات وشحاذ هو الملح وهو تجوز من شحذ السكين ونحوها إذا سنها، كقولك: هذا الكلام مشحذة للذهن، وفي [بعض] شروح "الشافية" في قوله- يجمع الحروف المهموسة "ستشحثك خصفة"-: الشحت الإلحاح في المسألة، ومنه يقال للمكدي: شحات ومنهم من قال: إنه من باب الإبدال، وإليه ذهب "ابن بري"، وقال: هو من المبدل كما قالوا في جثا جذا، وقثمت الشيء وقذمته- إذا أخذت منه بكثرة-، وقالوا لما يخرج من الجرح: غثيثة وغذيذة. اهـ. قلت: ذهب "ابن جني" في كتابه "سر الصناعة" إلى أن الثاء لا تبدل من الذال، وأما قولهم: جثوت وجذوت إذا قمت على أطراف أصابعك، وتلعثم وتلعذم، وجثجاث وجذجاذ بمعنى سريع، فليس أحد الحرفين بدلاً من الآخر، بل هما لغتان. اهـ. وهو مخالف لما قاله "ابن بري" في حواشيه، فيكون في الإبدال قولان.

[159]- الفرق بين الفرث والسرجين

[159]- الفرق بين الفرث والسرجين ويقولون لما خرج من الكرش: الفرث. فيوهمون فيه؛ لأنه يسمى فرثاً ما دام في الكرش، بدليل قوله تعالى: {من بين فرث ودم} [النحل: 66]. فإذا لفظ منها سمي: السرجين، ومن أمثال العرب فيمن يحفظ ويضيع الجليل "فلان يحفظ الفرث ويفسد الحرث". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (إن الفرث لا يسمى فرثاً إلا وهو في الكرش). جوابه ظاهر؛ لأنه باعتبار ما كان عليه كما يسمى الخمر عصيراً، ومثله كثير مطرد.

[160]- قولهم: جبة خلقة

[160]- قولهم: جبة خلقة ويقولون: جبة خلقة، فيوهمون فيه، لأن العرب ساوت فيه بين نعت المذكر والمؤنث فقالت: ملحفة خلق كما قالت: ثوب خلق، وبين بعضهم العلة فيه فقال: كان أصل الكلام أعطني خلق جبتك، فلما أفرد من الإضافة بقي على ما كان عليه، وكذلك يقال: جبتان خلقان ولا يقال: خلقتان، وأنشد "ثعلب" شاهداً عليه "لأبي العالية": (كفى حزناً أني تطاللت كي أرى ... ذرى قلتي "دمخ" فما يريان) يقال: تطاول إذا مد قامته، وتطالل إذا مد عنقه، مأخوذ من الطلل وهو الشخص. (كأنهما والآل يجري عليهما ... من البعد عينا برقع خلقان) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: جبة خلقة فيوهمون فيه لأن العرب ساوت فيه بين نعت المذكر والمؤنث، فقالت: ملحفة خلق كما قالت: ثوب خلق) بفتح الخاء واللام قال في "المصباح": خلق الثوب بالضم إذا بلي فهو خلق بفتحتين وجمعه خلقان. اهـ. وهذا هو الذي ذكره المصنف، وأما خلق كحذر بكسر اللام فصفة وقعت كثيراً صفة للمنازل والأطلال، وإنما لم يؤنث لأنه في الأصل مصدر يلزم حالة واحدة، وفي شرح "أدب الكاتب": الخلق المبتذل يقع للواحد وللاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد؛ لأنه يجري مجرى المصادر، وقد يثنى وقد يجمع، فيقال: ثياب أخلاق وقالوا: ثوب أخلاق فوصفوا به الواحد كبرمة أعشار، وقال "الكسائي": أرادوا نواحيه أخلاق. (وبين بعضهم العلة فيه- أي في عدم تأنيثه- فقال: كان أصل الكلام أعطنى خلق جبتك، فلما أفرد عن الإضافة بقى مع ما كان عليه) وقائل هذا هو "الفراء" والعلة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحة ما قدمناه. قال ابن هشام في تذكرته: ثوب جديد وثوب خلق لاتلحقهما التاء في المؤنث؛ لأن جديداً أصل مفعول، فهو كقولهم كف خضيب، وكذا جديدة بمعنى ممدودة أي مقطوعة من منوال الناسج. هذا أصله، وأما الخلق فمصدر يقع للمؤنث والمذكر بلفظ واحد كرجل عدل وامرأة عدل، فأما قول "الفراء": إنما قيل خلق بغير هاء لأنه كان يستعمل في الأصل مضافاً، فيقال: أعطني خلق جبتك وخلق عمامتك فاستعمل في الإفراد بغيرها، فليس بشيء لأنه يقال له: فلم وجب سقوط الهاء في الإضافة حتى يحمل الإفراد عليه؟ اهـ. ثم أنشد قوله: (كفى حزناً أني تطاللت كي أرى ... ذرى قلتي دمخ فما تريان) يقال: تطاول إذا مد قامته وتطالل إذا مد عنقه، مأخوذ من الطلل وهو الشخص). وفي "الصحاح" تطالل إذا مد عنقه ينظر إلى شيء بعيد عنه، وقال في مادة "طول": تطاولت مثل تطاللت. ودمخ بدال مهملة وخاء معجمة اسم جبل.

[161]- قولهم: ثلاثة شهور وسبعة بحور

[161]- قولهم: ثلاثة شهور وسبعة بحور ويقولون: ثلاثة شهور وسبعة بحور، والاختيار أن يقال: ثلاثة أشهر وسبعة أبحر ليتناسب نظم الكلام ويتطابق العدد والمعدود، كما جاء في القرآن الكريم: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} [التوبة: 2] وكما نطق به التنزيل {من بعده سبعة أبحر} [لقمان: 27]. والعلة في هذا الاختيار أن العدد من الثلاثة إلى العشرة وضع للعلة، فكان إضافته إلى مثال الجمع القليل المشاكل له أليق به وأشبه بالملاءمة له. وأمثلة الجمع القليل أربعة: أفعال كما قال سبحانه: {فصيام ثلاثة أيام} [البقرة: 196]، وأفعل كما جاء في التنزيل أيضاً "سبعة أبحر" وأفعلة كقولك: تسعة أحرمة، وفعلة كقلولك: عشرة غلمة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ثلاثة شهور وسبعة بحور إلى آخره، والاختيار أن العدد من الثلاثة إلى العشرة وضع للقلة، فكانت العلة في إضافته إلى مثال الجمع قليل). إضافة العدد من الثلاثة إلى العشرة إلى جمع القلة إن كان له جمع قلة فإن لم يكن أضيف إلى جمع الكثرة وقدرت فيه من التبعيضية عند المصنف، والتحقيق خلافه لوجوه: منها: أن جمع الكثرة يستعمل فيما دون العشرة حقيقة، وإنما ينفرد بالإطلاق على ما فوقها، كما اختاره المحققون النحاة والأصوليون. ومنها: أنه ينسلخ عنه قيد الكثرة فيعم كما اختاره "الرضي"، فلا يقدر فيه ما ذكر، على أن كون الإضافة تأتي على معنى من التبعيضية رأى "السيرافي" وتابعه "الزمخشري" في سورة "لقمان"، وفيه كلام طويل في شروح "الكشاف" كما بيناه في كتابنا "عناية القاضي". ثم إنه ذكر في توجيه قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] وإضافة الثلاثة فيها إلى جمع الكثرة أن المعنى فيها (ليتربص كل واحدة من المطلقات ثلاثة أقراء، فلما أسند إلى جماعتهن ثلاثة، والواجب على كل واحدة منهن ثلاثة أتى بلفظة قروء لتدل على الكثرة المرادة).

وهذا الاختيار في إضافة العدد إلى جمع القلة مطرد في هذا الباب، اللهم لا أن يكون المعدود مما لم يبن له جمع قلة فيضاف إلى ما صيغ له من الجمع على تقدير إضمار في البعضية فيه، كقولك: عندي ثلاثة دراهم، وصليت في عشرة مساجد، أي ثلاثة من دراهم وعشرة من مساجد. ولسائل أن يعترض بقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فيقول: كيف أضاف الثلاثة إلى قروء وهي جمع للكثرة ولم يضفها إلى الأقراء التي هي جمع القلة؟ . والجواب عنه أن المعنى في قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} أي ليتربصن كل واحدة من المطلقات ثلاثة أقراء، فلما أسند إلى جماعتهن ـــــــــــــــــــــــــــــ في "الدر المصون" في هذه الآية أربعة أوجه: أحدها: أنه لما جمع المطلقات جمع القروء؛ لأن كل مطلقة تتربص ثلاثة أقراء فصارت كثرة بهذا الاعتبار. والثاني: أنه من باب الاتساع ووضع أحد الجمعين موضع الآخر. والثالث: أن قروءا جمع قرء بفتح القاف فلو جاء على أقراء جاء على غير قياس؛ لأن أفعالاً لا يطرد في فعل بفتح الفاء. والرابع: - وهو مذهب "المبرد"- أن التقدير ثلاثة من قروء فحذف من، وأجاز ثلاثة حمير وثلاثة كلاب أي من حمير ومن كلاب اهـ. وقوله (اللهم) يستعمل لتقوية الجواب وتأكيده، ووقع في كتاب "العلم" من "البخاري" في قول "ضمام" للنبي صلى الله عليه وسلم: "ألله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: اللهم نعم".

ثلاثة. والواجب على كل واحدة منهن ثلاثة أتى بلفظة قروء لتدل على الكثرة المرادة والمعنى الملموح. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ال الشراح: اللهم تستعمل على ثلاثة أنحاء: الأول: النداء المحض وهو الظاهر. الثاني: الإيذان بندرة المستثنى كما تقول: اللهم إلا أن يكون كذا. الثالث: الدلالة على تيقن المجيب في الجواب المقترن به.

[162]- قولهم: معلول

[162]- قولهم: معلول ويقولون للعليل: هو معلول، فيخطئون فيه لأن المعلول هو الذي سقى العلل، وهو الشرب الثاني، والفعل منه عللته، فأما المفعول من العلة فهو معل، وقد أعله الله تعالى، ونظيره قولهم: أعطني على المقلول كذا وكذا، يعنون بالمقلول القل أو القلة، ولا وجه لهذا الكلام البتة، لأن المقلول في اللغة هو الذي ضربت قلته وهي أعلاه، كما يكني في المعاريض عمن ضربت ركبته بالمركوب، وعمن قطع سرره بالمسرور، وعمن قطع ذكره بالمذكور. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للعليل: معلول، فيخطئون فيه لأن المعلول هو الذي يسقي العلل وهو الشرب الثاني والفعل منه عللته، فأما المعلول من العلة فهو معل وقد أعله الله). هذا هو المعروف في اللغة، لكن ما أنكره وقع في كلام كثير ممن يوثق به من العلماء كالمحدثين والعروضيين والأصوليين، وقال في "المحكم": استعمل "أبو إسحاق" لفظ المعلول في المتقارب من بحور العروض [واستعمله] المتكلمون. اهـ. ولست منه على ثقة وثلج صدر، إنما هو أعله الله فهو معل، اللهم إلا أن يكون هذا على مذهب "سيبويه" في قولهم: مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته، ولم يستعملا في الكلام لأنهم استغنوا عنهما بأفعلت. أهـ. ووقع في كلام المحدثين أيضاً فقال "ابن الصلاح": إن ذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم- في باب القياس-: العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة، وقال "النووي": إنه لحن، وقال "ابن سيد الناس" في سيرته: إنه يستعمل معلول من الإعلال أيضاً كما يقول "الخليل" في العروض، وقد حكاه "ابن القوطية" ولم يعرفه "ابن

ومن الأحاجي بأبيات المعاني: (نسرهم إن هم أقبلوا ... وإن أدبروا فهم من نسب) أي نطعنهم إذا أقبلوا في السرة، وإذا أدبروا في السبة وهي الاست، ومن هذا النوع قول الشاعر: (ذكرت أبا عمرو فمات مكانه ... فيا عجبا هل يهلك المرء من ذكر) (وزرت عليا بعده فرأيته ... ففارق دنياه ومات على صبر) عنى بذكرت قطعت ذكره، وبقوله: رأيته قطعت رئته. ـــــــــــــــــــــــــــــ سيده"، وفي "المصباح المنير": قد شذ من أسماء المفعول ألفاظ نحو أجنه فهو مجنون وأحمه فهو محموم وأزكمه فهو مزكوم وأنبته فهو منبوت وأسله فهو مسلول. وقال "ابن فارس": وجهه أنهم يقولونه في ذلك كله بغير ألف فبنى عليه وإلا فلا وجه له، وقال "أبو زيد": يقولون مزكوم ومجنون ومحزون وملذوذ ومقرور؛ لأنهم يقولون زكم وجن وحزن [ولذذ] وقر، وحكى "السرقسطي": أبرزته بمعنى أظهرته فهو مبروز ولا يقال. برزته، وأعله الله فهو عليل، وربما جاء معلول ومسقوم قليلاً. اهـ.

[163]- قولهم: ما لي فيه منفوع ولا منفعة

[163]- قولهم: ما لي فيه منفوع ولا منفعة ويقولون في مثله: مالي فيه منفوع ولا منفعة فيغلطون فيه؛ لأن المنفوع من أوصل إليه النفع، والصواب أن يقال: ما لي فيه نفع ولا منفعة، فإن توهم متوهم أنه مما جاء على المصدر فقد وهم فيه؛ لأنه لم يجي من المصادر على وزن مفعول إلا أسماء قليلة وهي الميسور والمعسور بمعنى اليسر والعسر، وقولهم: ما له معقول ولا مجلود، أي ليس له عقل ولا جلد، وقولهم: حلف محلوفاً، وقد ألحق به قوم المفتون، واحتجوا بقوله تعالى: {بأييكم المفتون} [القلم: 6] أي الفتون وقيل؛ بل هو مفعول، والباء زائدة وتقديره: أيكم المفتون. ـــــــــــــــــــــــــــــ (لم يجي من المصادر على وزن مفعول إلا أسماء قليلة وهي الميسور والمعسور بمعنى اليسر والعسر، وقولهم: ماله معفول ولا مجلود أي ليس له عقل ولا جلد، وقولهم: حلف محلوفاً وقد ألحق به قوم المفتون). ومما جاء منه أيضاً [المرفوع والموضوع لضربين من السير كما في "الإقليد" ومنه] أيضاً مرجوع ومردود ومحصول، وقد يجيء بالتاء كمكروهة ومصدوقة، وكما جاء المصدر على مفعول ومفعولة جاء أيضاً على فاعل وفاعلة، ولم يثبت "سيبويه" المصدر على مفعول، وتأول قولهم: دعه إلى ميسوره أو معسوره، وقال: كأنه قال دعه إلى أمر يوسر فيه أو يعسر فيه، ويتأول المعقول أيضاً كما قاله "الجوهري". وأما تخطئة المصنف للناس في قولهم ماله منفوع بمعنى منفعة بأن مجيء المصادر على مفعول سماعي ولم يسمع هذا، اللهم إلا أن يدعي فيه أنه مؤول كما قال "سيبويه" في أمثاله، إلا أنه قال في كتاب "الدر اللقيط" "لابن أم مكتوم" قال "أبو حيان" في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح "الدر" "للرماني" في النحو، وهو تأليف رجل يقال له "الأهوازي" [وليس "بأبي علي الأهوازي] المقري: إنه لا يقال من نفع ينفع اسم مفعول، والقياس النحوي يقتضيه، وقال "ابن أم مكتوم": قال "ابن القطاع": نفعك الله نفعا أحسن إليك. اهـ. فصار نفع مثل ضرب في ضرب ومضروب فكذلك يقال في مفعول: نفع وما ذكره في شرح الموجز ليس بظاهر. اهـ. وفيه نظر.

[164]- قولهم للمريض: به سل

[164]- قولهم للمريض: به سل ويقولون للمريض: به سل، ووجه القول أن يقال: به سلال بضم السين، لأن معظم الأدواء جاء على فعال، نحو الزكام والصداع والفواق والسعال. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للمريض: به سل، ووجه القول أن يقال: به سلال بضم السين، لأن معظم الأدواء جاء على فعال نحو الزكام والصداع). [هذا مأخوذ من فقه اللغة "للثعالبي" فإنه قال في باب الأدواء منه: أكثر ما جاء من أسماء الأدواء على فعال كالهلاس والسلال، اهـ، إلا أنه قال بعد فصول منه: والسل أن ينتقص لحم الإنسان بعد سعال ومرض، وإذا انتهى الإنسان إلى ضنى وذبول فهو السل والسلال والدق والزق والإجل بكسر الهمزة وهو وجع العنق. اهـ. وكذا أفاده "ابن دريد" فقد علمت أن أسماء الأمراض كما تجي على فعال بالضم تجي على فعل بالكسر، وإن كان الأول أكثر من الثاني، فإن [لفظ] السل مما أثبته أهل اللغة وشاع في الاستعمال وجاء به السماع أيضاً كقول "عروة بن حزام" فيما أنشده "ابن قتيبة": (أبي السل أو داء الهيام أصابني ... وإياك عني لا يكن بك ما بيا) وقال "رؤبة": كأن بي سلا وما لي ظبظاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال "جران العود": (تشفي من السل والبرسام ريقتها ... رشف لمن أسقمت داء عقابيل) وقال أيضاً: (وبرية لا يشتكي السل أهلها ... بها العيش مثل السابري رقيق) وقال "سيبويه" في "الكتاب": إذا قالوا جن وسل فإنما يقولون حصل فيه الجنون والسل، قال "المحشي": فأثبت لفظة السل. أع هـ. وإنما قال أثبتها لجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه كما عرف في أمثاله. فتدبر.

[165]- قولهم: حلا الشيء في صدري وبعيني

[165]- قولهم: حلا الشيء في صدري وبعيني ويقولون: حلا الشيء في صدري وبعيني، فيخطئون فيه، لأن العرب تقول: حلا في فمي وحلا في عيني، وليس الثاني من نوع الأول، بل هو من الحلي الملبوس فكان المعنى حسن في عيني كحسن الحلي الملبوس فهو من ذوات الياء، والأول من ذوات الواو، إلا أن المصدر منهما جميعاً الحلاوة، والاسم منهما حلو، ولا يجوز أن يقال: حالٍ؛ لأن الحالي هو الذي عليه الحلي وهو ضد العاطل. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: حلا لي الشيء في صدري وبعيني فيخطئون فيه؛ لأن العرب تقول: حلا في فمي وحلى في عيني، وليس الثاني من نوع الأول، بل من الحلى الملبوس فكأن المعنى حسن في عيني كحسن الحلى). إلى آخر ما فصله، وحاصله أنهم لا يفرقون بين حلا في فمي وحلا في صدري وبعيني في اللفظ، مع أن الأول كدعا يدعو، والثاني كرضي يرضى فلفظهما مختلف كأصل اشتقاقهما؛ لأن الأولى واوي والثاني يائي، وفي "المحكم": حلى بفمي وعيني يحلى وحلا يحلو حلاوة وحلواناً، وفصل بينهما بعضهم فقال: حلا الشيء في فمي وحلا بعيني، إلا أنهم قالوا: هو حلو في المعنيين، وقال قوم من أهل اللغة، ليس حلى من حلا في شيء، وهذه لغة على حدتها كأنها مشتقة من الحلى الملبوس لأنه حسن في عينيك لحسن الحلى، وليس بقوي ولا مرضي. اهـ. وإذا عرفت هذا ففي كلامه أمور: الأول: أن التفرقة بينهما رواية "الأصمعي"، ومن الناس من سوى بينهما، وجعلهما كدعا يدعو، كما في "الصحاح" وغيره. الثاني: قوله: أن الثاني يأبى الأول ليس بمسلم لثبوت خلافه؛ قال "ابن بري": حلا في فمي وحلى بعيني مأخوذان من الحلاوة، وإنما غير بناؤهما للفرق بينهما، وما ذكره من أنه لا يقال حالي بمعنى حلو مما غفل عنه بعضهم فاستعمله في شعره وبنى عليه التورية "كابن حجة" وأضرابه.

[166]- قولهم: مرايا في جمع مرآة

[166]- قولهم: مرايا في جمع مرآة ويقولون في جمع مرآة: مرايا، فيوهمون فيه كما وهم بعض المحدثين حين قال: (قلت لما سترت ... لحيته بعض البلايا) (فتن زالت ولكن ... بقيت منها بقايا) (فهب اللحية غطت ... منه خدا كالمرايا) (من لعينيه التي ... تقسم في الناس المنايا؟ ) والصواب أن يقال فيها: مراءٍ على وزن مراعٍ، فأما مرايا فهي جمع ناقة مري، وهي التي تدر إذا مري ضرعها، وقد جمعت على أصلها الذي هو مرية، وإنما حذفت الهاء منها عند إفرادها لكونها صفة لا يشاركها المذكر فيها. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: في جمع مرآة: مرايا فيوهمون فيه، والصواب أن يقال: مراءٍ على وزن مراع، وأما مرايا فهو جمع ناقة مري وهي التي تدر إذا مري ضرعها) أي مسح ثديها وأمر عليه اليد، كما يفعل ذلك في حالة الحلب. وما ذكره غير صحيح رواية ودراية؛ قال "ابن بري": حكى "ثعلب" في "الفصيح" أنه يقال: هذه ثلاث مراء فإذا كثرت فهي المرايا، وذكر ذلك جماعة من أهل اللغة "كابن السكيت" و"ابن قتيبة" وكفى بذلك سنداً، إلا أن قول "ثعلب" مرائي للقلة ووزنه مفاعل لم يظهر لي وجهه، والداعي للمصنف إلى ما قاله أن مفاعل ونحوه قد تفتح فيه الهمزة العارضة فتنقلب الياء ألفاً وتقع الهمزة مفتوحة بين ألفين وهي تشبه الألف مخرجاً، فيشبه ما توالى فيه ثلاثة أمثال فتبدل ياء. وهذا قياس في الهمزة العارضة. وأما الأصلية فلا يجري فيها ذلك على المشهور، إلا أنه قال في "التسهيل": وقد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعامل الأصلية معاملة العارضة. قال شراحه: وذلك كقولهم في جمع مرآة مرايا، ومرآة مفعلة من الرؤية وهي آلتها كمطرقة، فالهمزة فيها أصلية وليست عارضة للجمع، والأصل مرأية، وقالوا في جمعها: مرائي وهو القياس ومرايا معاملة للهمزة الأصلية معاملة العارضة. فقد عرفت صحة مرايا نقلاً وعقلاً وسماعاً وقياساً لمن جليت مرآة بصيرته وما أنشده من الشعر الذي فيه: (فهب اللحية غطت ... منه خدا كالمرايا) لا وهم فيه كما توهم. وتشبيه الخد بالمرآة مطبوع مشهور، ومن أحسنه ما سمعت لبعض المغاربة قوله: (قالوا التحى وانكسفت شمسه ... وما دروا عذر عذاريه) (مرآة خديه جلاها الصبا ... فبات فيها فيء صدغيه)

[167]- قولهم لفم المزادة: عزلة

[167]- قولهم لفم المزادة: عزلة ويقولون لفم المزادة: عزلة، وهي في كلام العرب عزلاء وجمعها عزالى، ومنه قوله الشاعر: (سقاها من الوسمي كل مجلجلٍ ... سكوب العزالي صادق البرق والرعد) فأما قول "ابن الأعرابي" في خبر الاستسقاء: (دقاق العزائل جم البعـ ... ـاق أغاث به الله عليا مضر) فإنه جاء على القلب كما جاء في التنزيل: {على شفا جرف هار} [التوبة: 109] أي هائر، فأخر القلب. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لفم المزادة: عزلة وهي في كلام العرب عزلاء وجمعها عزالى). هذا مما لا شبهة فيه، إلا أن أحداً لم يقله سواه، فلذا قصد إظهار سعة عمله. قال العلامة "الزخشري": كأنها في الأصل صفة وهي تأنيث الأعزل، شبهت بالذنب الأعزل وهو المائل في شق كما قال "امرؤ القيس": بضاف فويق الأرض ليس بأعزل والجمع عزالى بكسر اللام وفتحها، وبه تشبه مخارج الودق من السحاب فيستعار لها كما في قول بعض الأعراب: (فأسقاها فرواها بودق ... مخارجه كأفواه المزاد) فجاء هذا بتفسير العزالى، ومنه علم معنى الشعر الذي أنشده المصنف. وأشار إليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله (ومنه قول الشاعر: سقاها من الوسمي .... ). ثم قال: (فأما قول الأعرابي في خبر الاستسقاء: (دقاق العزائل جم البعاق ... أغاث به الله عليا مضر) الخبر المذكور هو ما رواه "البيهقي" في "أعلام النبوة" عن "هشام بن عروة" عن أبيه عن "عائشة" -رضي الله عنها- أنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يشكو القحط-: أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا جمل يئط ولا صبي يصيح، ثم أنشد: (أتيناك والعذراء تدمى لثاتها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل) في أبيات أخر معه. فقام صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى رقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم رفع نحوه السماء يديه، فقال: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً سحا سجالا غدقاً طبقا ديما درراً عاجلاً غير رائث نافعاً غير ضار ينبت به الزرع ويملأ به الضرع وتحيى به الأرض بعد موتها".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالت "عائشة": فوالله ما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه نحو نحره حتى ألقت السماء بأرواقها، وجاءه أهل البطنان يصيحون إليه: يا رسول الله، الغرق الغرق، فأومأ بطرفه إلى السماء وضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل، ثم قام رجل من "كنانة" فأنشده: (لك الحمد والحمد ممن شكر ... سقينا بوجه النبي المطر) (دعا الله خالقه دعوة ... إليه وأشخص منه البصر) (فما كان إلا كما ساعة ... وأسرع حتى رأينا الدرر) (دقاق العزائل جم البعاق ... أغاث به الله عليا مضر) (به يسر الله صوب الغمام ... فهذا العيان كذاك الأثر) (فمن يشكر الله يلق المزيد ... ومن يكفر الله يلق الغير) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس فإن يك شاعر أحسن فقد أحسنت اهـ. وفي "النهاية لابن الأثير" العزائل أصله العزالي مثل الشائك والشاكي، والعزالي جمع عزلاء، وهي فم المزادة الأسفل، شبه اتساع المطر واندفاعه بالذي يخرج من فم المزادة، ومنه الحديث "فأرسلت السماء عزاليها".اهـ. [والبعاق كغراب بموحدة وعين مهملة وألف وقاف: المطر واندفاعه]. والجم: الكثير، ومضر: قريش معروفة، وعليا بالضم والقصر أعلاها.

[168]- قولهم: جاء القوم بأجمعهم

[168]- قولهم: جاء القوم بأجمعهم ويقولون: جاء القوم بأجمعهم، لتوهمهم أنه أجمع الذي يوكد به في مثل قولهم: هو لك أجمع، والاختيار أن يقال: جاء القوم بأجمعهم بضم الميم، لأنه مجموع جمع فكان عل أفعل، كما يقال: فرخ وأفرخ وعبد وأعبد، ويدل على ذلك أيضاً إضافته إلى الضمير وإدخال حرف الجار عليه، وأجمع الموضوع للتوكيد لا يضاف ولا يدخل عليه الجار بحال، ونظير أجمع قولهم في المثل المضروب لمن كان في خصب ثم صار إلى أمرع منه: وقع الربيع إلى أربع يعني بأربع جمع ربيع. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: جاء القوم بأجمعهم لتوهمه أنه أجمع الذي يؤكد به في قولهم: هو لك أجمع والاختيار أن يقال: جاء القوم بأجمعهم بضم الميم لأنه مجموع جمع، فكان على أفعل، كما يقال: فرخ وأفرخ، ويدل على ذلك إضافته للضمير وإدخال الحرف الجار عليه). ما منعه جوزه النحاة واللغويون وجرى به الاستعمال، وعلى الأصح فهو أجمع المؤكدة زيدت فيها الباء لا لفظ آخر، كما قال "الرضي": قد يضاف أجمع إضافة ظاهرة فيؤكد به لكن بباء زائدة، نحو جاءني القوم بأجمعهم؛ فقول "ابن بري": حكى "ابن السكيت" في باب "ما يضم ويفتح" بمعنى جاء القوم بأجمعهم [وأجمعهم]، وكذا حكاه "الجوهري" وغيره، وقال "أبو علي": ليست أجمع هي التي يؤكد بها وإنما هي لفظ آخر بمعنى الجماعة، ويدلك على أنه ليس هو أجمع الذي للتأكيد إضافته للضمير، وهذا بعينه ما قاله المصنف. ومنشا الاختلاف فيه أنه لما امتنع صرفه ذهب بعضهم أنه للوزن والتعريف، وتعريفه بنية إضافته، وقيل: هو نوع آخر من التعريف مستقل، فمن أجاز إضافته بناء على الأول، ومن منعه بناه على الثاني لأنه كالعلم فلا يضاف. وأما كونه لا يدخله الجار لأن دخوله يخرجه عن التبعية ولا يخفى ضعفه، وقد اضمحل هذا كله بالسماع وأن الباء تزاد في بعض ألفاظ التوكيد كما في نحو جاءني زيد بنفسه وبعينه، وقول "ابن هشام": لو كان توكيداً لكانت فيه زائدة مثلها في قوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا لجدكم الصغار بعينه لكان يصح إسقاطها فراراً مما ذكرناه وفيه نظر، وعلى ذكر قول بعينه يحسن أن نورد هنا ما تظرف به بعضهم حيث قال: (بدا وقد كان اختفى ... وخاف من مراقبه) (فقلت: هذا قاتلي ... بعينه وحاجبه)

[169]- قولهم لمن انقطعت حجته: مقطع

[169]- قولهم لمن انقطعت حجته: مقطع ويقولون: لمن انقطعت حجته: مقطع بفتح الطاء، والصواب أن يقال بكسرها، لأن العرب تقول للمحجوج: أقطع الرجل فهو مقطع، وأما المقطع بفتح الطاء فيقع على العنين وعلى من أقطع قطيعة، وعلى المحروم دون نظرائه، ويقال: رجل مقطوع به إذا قطع عليه الطريق، ومنقطع به إذا عجز عن السفر. وحكي "المدائني" قال: دخلت على صديق لي وعنده رجل، فقلت: من هذا؟ فقال: منقطع إلي وأنا منقطع به. ونظير تحريفهم في المقطع قولهم: جاءوا كالجراد المشعل بفتح العين، والعرب تقول: جاءوا كالجراد المشعل بكسر العين، ومعنى المشعل المنتشر، ومنه قولهم: كتيبة مشعلة أي متفرقة [الحريق] [وإلى هذا ذهب "جرير" بقوله فيما يهجو به "الأخطل": (أفبالصليب ومار جرجس تبتغي ... شهباء ذات مناكب جمهورا) (عانيت مشعلة الرعال كأنها ... طير يحاول في شمام وكورا) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن انقطعت حجته: مقطع، والصواب أن يقال بكسرها؛ لأن العرب تقول للمحجوج المتقطع من القول: أقطع الرجل فهو مقطع).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا بناء منه على أن أقطع بهذا المعنى لا يكون إلا لازما، ولذا اقتصر عليه "الجوهري"، وفي "القاموس": قطعة بالحجة بكته كأقطعه. أهـ. فعلى هذا يصح فيه الفتح.

[170]- قولهم: كلمته فاختلط

[170]- قولهم: كلمته فاختلط ويقولون: كلمت فلاناً فاختلط، أي اختل رأيه وثار غضبه، فيحرفون فيه، لأن وجه القول: فاختلط بالحاء المغفلة لاشتقاقه من الاحتلاط وهو الغضب، ومنه المثل المضروب: أول العي الاحتلاط وأسوأ القول الإفراط. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: كلمت فلاناً فاختلط، أي اختل رأيه وثار غضبه، فيحرفون فيه؛ لأن وجه القول فاختلط بالحاء المغفلة لاشتقاقه من الاحتلاط وهو الغضب). الاحتلاط بالمهملة الغضب، وبالمعجمة يقال في اختلال العقل أيضاً، والغضبان لشدة غضبه ربما عرض له ذلك أو ما يشبهه، فيجوز أن يكنى به عنه أو يتجوز فيه، مع أن صاحب "القاموس" ذكره وأثبته، فاندفعت الأغلاط وبان الاختلاط من الاحتلاط. ثم [إن المصنف] أورد المثل، وهو أول العي الاحتلاط وأسوأ القول الإفراط وأول من قاله "علقمة بن علاثة" وإنما كأن أول العي لأن من اشتد غضبه لا يقدر على ألزم خصمه غالباً لشدة تهوره كما لا يخفى.

[171]- قولهم: الأسود والأبيض في الكناية عن العربي والعجمي

[171]- قولهم: الأسود والأبيض في الكناية عن العربي والعجمي ويقولون في الكتابة عن العربي والعجمي: الأسود والأبيض، والعرب تقول فيهما: الأسود والأحمر تعني العرب والعجم، لأن الغالب على ألوان العرب الأدمة والسمرة، والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة، والعرب تسمي البيضاء حمراء، كما تسمي السوداء خضراء. وفي الأخبار المأثورة أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمي "عائشة". رضي الله عنها. حميراء. وأما قولهم: الحسن أحمر، فمعناه أنه لا يكتسب ما فيه الجمال إلا بتحمل مشقة يحمار منها الوجه، كما قالوا للسنة المجدبة: حمراء، وكنوا عن الأمر المستصعب بالموت الأحمر، وأما قول الشاعر: (هجان عليها حمرة في بياضها ... تروق به العينين والحسن أحمر) فإنه عنى به أن الحسن في حمرة اللون مع البياض دون غيره من الألوان. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في الكناية عن العربي والعجمي: الأسود والأبيض، والعرب تقول فيهما: الأسود والأحمر يعني العرب والعجم) لغلبة ذلك اللون فيهما، وقال "ابن بري": ذكر "الهروي" أن بعض الناس روى الحديث بلفظ بعثت إلى الأسود والأبيض، وحينئذ فلا خطأ فيما اشتهر على الألسنة بعد وروده في كلام أفصح الناس، خصوصا والمراد بالأحمر الأبيض كما صرح به هو، على أنه لو قيل على هذا إنه كناية عن جميع الناس كالعرب والعجم لكان أحسن وأكمل. (وأما قولهم: الحسن أحمر فمعناه أنه لا يكتسب ما فيه الجمال إلا بمشقة يحمار منها الوجه، كما قالوا للسنة المجدية: السنة الحمراء، وكنوا عن الأمر المستصعب بالموت الأحمر). قيل: المراد بقولهم الحسن أحمر أن المرأة إذا تقنعت أو لبست أحمر زاد حسنها كما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشاعر: (وإذا أتيت تقنعي ... بالحمر إن الحسن أحمر) وقيل: معناه أن الحسن يتحمل له الشدائد كما يقال: موت أحمر وإن يجر فيه دم، ومنه بالحديث: "كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم" أي اشتد البأس كما وقع في رواية أخرى. وقيل: معنى المثل من طلب الجمال تحمل المشقة، وقيل: أريد بالأحمر الأبيض، والعرب تسمي الموالي من الفرس والروم الحمر لغلبة البياض عليهم. وقد ضعف الوجه الأول بأنه خلاف الظاهر وما ذكره من شعر "لبشار" لا يستشهد به، على أن "ابن رشيق" قال: إنه محتمل المعاني المذكورة، وأما قولهم للسنة المجدبة حمراء فليس كما ذكره؛ فإنه قيل: إن من علامات الجدب عندهم أن يعرض في الغداة أو العشي بالسماء حمرة من غير سحاب كما قال في "العراقيات": (وإن كان يوم عاد في المحل أفقه ... يمج نجيعاً وهو في حلل حمر) وقال "المعري": (القاتل المحل إذ تبدو السماء لنا ... كأنها من نجيع الجدب في أزر)

[172]- قولهم للمعرس: قد بنى بأهله

[172]- قولهم للمعرس: قد بنى بأهله ويقولون للمعرس: قد بنى بأهله، ووجه الكلام: بنى على أهله، والأصل فيه أن الرجل كان إذا أراد أن يدخل على عرسه بني عليها قبة، فقيل لكل من عرس: بان، وعليه فسر أكثرهم قول الشاعر: (ألا يا من لذا البرق اليماني ... يلوح كأنه مصباح بان) وقالوا: إنه شبه لمعان البرق بمصباح الباني على أهله؛ لأنه لا يطفأ تلك الليلة. على أن بعضهم قال: عني بالبان الضرب من الشجر، فشبه سنا برقه بضياء المصباح المتقد بدهنه، ويجانس هذا الوهم قولهم للجالس بفنائه: جلس على بابه، والصواب فيه أن يقال: جلس ببابه؛ لئلا يتوهم السامع أن المراد به استعلى على الباب وجلس فوقه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للمعرس: قد بني بأهله، ووجه الكلام فيه: بنى على أهله، والأصل فيه أن الرجل أراد أن يدخل على عرسه بنى عليها قبة، فقيل لكل من أعرس: بان). ما أنكره مما لا شبهة في صحته فإنه بمعنى دخل [بها] فيتعدى تعديته لتضمنه معناه، وقال "ابن بري": بنى بأهله غير منكر؛ لأن بني بها بمعنى دخل بها، وقال "ابن قتيبة": يقال لكل داخل بأهله: بان، والباء وعلى قد يتعاقبان على معنى واحد، نحو أفاض بالقداح وعليها. وفي "الأساس" وتبعه صاحب "القاموس": بنى على أهله وبها زفها كابتنى، وقد تناوله الفصحاء من غير إنكار كما قال "أبو تمام": (لم تطلع الشمس فيه يوم ذاك على ... بان بأهل ولم تغرب على عزب (جلس على بابه، والصواب جلس ببابه) هذا أيضاً ليس بشيء، فإن [الباء مثل

قال الشيخ الرئيس "أبو محمد". رحمة الله.: وقد أذكرني ما أوردته نادرة تليق بهذا الموطن، حكاها لي الشريف "أبو الحسن" النسابة المعروف بالصرفي. رحمه الله. قال: اجتاز "البستي" "بابن البواب" وهو جالس على عتبة بابه، فقال: أظن الأستاذ يقصد حفظ النسب بالجلوس على العتب. ومما يوهمون فيه أيضاً قولهم: خرج عليه خراج، ووجه القول أن يقال: خرج به. وكذلك يقولون: رميت بالقوس، والصواب أن يقال: رميت عن القوس أو على القوس، كما قال الراجز: (أرمي عليها وهي فرع أجمع ... وهي ثلاث أذرع وإصبع) ـــــــــــــــــــــــــــــ حرف] الاستعلاء فيه، كقولهم: مررت على فلان [ومررت بفلان] وأما توهم [خلافه] فلا يخطر ببال عاقل، وكذلك قولهم: خرج عليه خراج، مما لا شك في صحته لتحقق الاستعلاء فيه. (ويقولون: رميت بالقوس، والصواب أن يقال: رميت عن القوس أو على القوس). في شرح "أدب الكاتب" "لابن السيد" قال بعضهم: لا يجوز رميت بالقوس فالصواب عن القوس، كما قال "طفيل": رمت عن قسي الماسجي رجالنا وإنما أنكره لأنه توهمه بمنزلة رميت بالشيء إذا ألقيته عن يدك، وليس كذلك، لأن

فإن قيل: هلا أجزتم أن تكون الباء في هذا الموطن قائمة مقام عن أو على، كما جاءت بمعنى عن في قوله سبحانه وتعالى: {سأل سائل بعذاب واقع} [المعارج: 1]، وبمعنى على في قوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها} [هود: 41]؟ فالجواب عنه أن إقامة بعض حروف مقام بعض إنما جوز في المواطن التي ينتفى فيها اللبس، ولا يستحيل المعنى الذي صيغ له اللفظ، ولو قيل: ههنا رمى بالقوس لدل ظاهر الكلام على أنه نبذها من يده، وهو ضد المراد بلفظه، فلهذا لم يجز التأول للباء فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنى رميت السهم بالقوس فالباء للآلة أو بمعنى عن كما في قوله: (فإن يسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب) وفي شرح "اللباب" يجوز رميت بالقوس نظراً إلى أن القوس آلة الرمي المستعان بها فيه، ورميت على القوس بالنظر إلى أن يد الرامي اعتمدت على القوس في الرمي، ورميت عن القوس بالنظر إلى أن الرمي تجاوزها. وحكي "الفراء" رميت عن القوس وبها، وتوهم أن القوس مرمية على الثاني كما مر ليس بشيء، وتحقيق هذا ما في "الكشاف" في سورة "الأعراف" في تفسير قوله تعالى {ولآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم} [الأعراف: 17] الآية، من أن المفعول فيه تعدى إليه الفعل تعديته إلى المفعول به، فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا، أو كانت لغة توجد ولا يقاس عليها وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط، فلما سمعناهم يقولون: جلس عن يمينه وعلى يمينه وعن شماله وعلى شماله قلنا معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه، ومعنى عن يمينه أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفاً عنه، غير ملاصق له، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره كما ذكرنا في تعال ونحوه من المفعول به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولهم: رميت عن القوس وعلى القوس ومن القوس، لأن السهم يبعد عنها ويستعليها إذا وضع على كبدها للرمي ويبتدى الرمي عنها، وكذلك قالوا: جلس بين يديه وخلفه بمعنى في؛ لأنهما ظرفان للفعل، وكذلك من بين يديه ومن خلفه؛ لأن الفعل يقع في بعض الجهتين، كما تقول: جئته من الليل تريد بعض الليل. اهـ.

[173]- إمالة حتى ومتى

[173]- إمالة حتى ومتى ويقولون: حتى فيميلونها مقايسة على إمالة متى، فيخطئون فيه، لأن متى اسم وحتى حرف، وحكم الحروف ألا تمال، كما لم يميلوا إلا وأما ولكن وعلى ونظائرها. ولم يشذ من هذا الأصل إلا ثلاثة أحرف أميلت لعلل فيها، وهي: يا، وبلى، ولا في قولهم: افعل هذا إما لا. والعلة في يا أنها نابت عن الفعل الذي هو أنادي، وفي بلى أنها قامت بنفسها واستقامت بذاتها، وفي إمالا أن هذه الكلمة على الحقيقة ثلاثة أحرف، وهي إن، وما، ولا، . جعلت كالشيء الواحد، وصارت الألف في آخرها تشبه بألف حبارى فأميلت كإمالتها، ومعنى قولهم: افعل هذا إما لا أي إن لا تفعل كذا فافعل كذا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: حتى فيميلونها مقايسة على إمالة متى فيخطئون)؛ لأن الحروف لا تمال إلا ما استثناه وليس كما قال. وفي "التسهيل" في رسم الخط "حتى" يكتب بالياء وقياسها الألف، قال "ابن عقيل" في شرحه: قد وجه الشذوذ فيه بأنه رويت فيه الإمالة لأن بعض العرب أمال حتى. ثم ذكر المصنف أنه لم يمل من الحروف غير ثلاث (وهي يا، وبلى، وفي بلى أنها قامت بنفسها واستقامت بذاتها) فأشبهت غير الحروف، وهو وجه جيد، وقيل: إنما أميلت لأن ألفها للتأنيث يعني تأنيث الكلمة في ربت وثمت فلا إشكال في إمالتها. (وفي إمالاً لأن هذه الكلمة على الحقيقة ثلاثة أحرف، وهي إن، وما، ولا. وجعلت كالشيء الواحد وصارت الألف في آخرها لتشبه ألف حبارى فأميلت إمالتها، ومعنى قولهم: افعل هذا إمالا، أي إن لا تفعل كذا فافعل كذا). قال في "التسهيل": والتزام حذف "كان" معوضا عنها "ما" بعد "إن" كثيراً وبعد إن قليلاً.

و [من] وهمهم أيضاً في الإمالة أنهم يقولون: هذه بكسر الهاء الأولى، والأصح أن تفخم الهاء ولا تمال. وحكي أن أعرابية سمعت بنيا لها يقول: هذه الناقة فزجرته، وقالت له: أتقول هذه؟ ألا قلت: هذه؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول "سيبويه" إمالا كأنه يقول: افعل هكذا إن كنت لا تفعل غيره، ولكنهم حذفوا إن لكثرة استعمالهم إياه وتصرفه حتى استغفوا عنه بهذا. قال "السيرافي": أي على معنى إن كنت لا تفعل غيره فافعل هذا، ثم زيدت ما كما تزاد في حروف الجزاء، ثم حذف الفعل لكثرة استعماله في كلامهم، وصارت "أما" مع "لا" كالشيء الواحد عندهم، فأجازوا فيهما الإمالة، ولو انفردت لم تجز فيها الإمالة، وكونها لا تمال مفردة مذهب "السيرافي" وتبعه المصنف، وفي شرح "التسهيل" حكي عن "قطرب" إمالة "لا" في الجواب وحدها بدون "إما"، وفي "المصباح" لا في قولهم "إما لا" فافعل هذا عوض عن الفعل، والتقدير إن لم تفعل ذلك فافعل هذا، والأصل فيه أن الرجل تلزمه أشياء يطالب بها فيمتنع منها ويقنع ببعضها فيقال له: إمالا، أي إن لم تفعل الجميع فافعل هذا، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال وزيدت "ما" على "إن" توكيداً لمعناها، قال بعضهم: ولهذا تمال "لا" لنيابتها عن الفعل كما أميلت "بلى" و "يا" في النداء، ومثاله: من أطاعك فأكرمه ومن لا فلا تعبأ به، وقيل: الصواب عدم الإمالة لأن الحرف لا يمال كما قاله "الأزهري". ثم اعلم أن "الزمخشري" في قوله تعالى {فليعبدوا رب هذا البيت} [قريش: 3] قال في تقديره: إما لا فليعبدوا، فجعل إما لا مقدرة في النظم، وفيه نظر لا يخفى، فإن فيه إجحافاّ بتكرر الحذف وكثرته.

[174]- قولهم: قتله شر قتله بفتح القاف

[174]- قولهم: قتله شر قتله بفتح القاف ويقولون: قتله شر قتلة بفتح القاف، والصواب كسرها؛ لأن المراد به الإخبار عن هيئة القتلة التي صيغ مثالها على فعلة بكسر الفاء كقولك: ركب ركبة أنيقة وقعد قعده ركينة، ومنه المثل المضروب في الحاذق: "إن العوان لا تعلم الخمرة" من الاختمار، ومن شواهد حكمة العرب في تصريف كلامها أنها جعلت فعلة بفتح الفاء كناية عن المرة الواحدة، وبكسرها كناية عن الهيئة وبضمها كناية عن القدر؛ لتدل كل صيغة على معنى يختص به ويمتنع من المشاركة فيه وقرى {إلا من اغترف غرفة بيده} [البقرة: 249] بفتح الغين وضمها، فمن قرأها بالفتح أراد بها المرة الواحدة، فيكون قد حذف المفعول به الذي تقديره إلا من اغترف ماء مرة واحدة، ومن قرأها بالضم أراد بها مقدار ملء الراحة من الماء. ـــــــــــــــــــــــــــــ (إن العوان لا تعلم الخمرة) بكسر الخاء المعجمة، تغطية الرأس من الخمار، وهو مثل يضرب للعارف بأمره. (ومن شواهد حكمة العرب في تصريف كلامها أنها جعلت فعلة بفتح الفاء كناية عن المرة الواحدة وبكسرها كناية عن الهيئة وبضمها كناية عن القدر). فإن قلت: كون فعلة بالفتح للمرة وفعلة بالكسر للهيئة معروف في العربية بخلاف فعله المضمومة للقدر، قلت: قد ذكر ما قاله المصنف غيره، ففي "أسرار العربية" فعيل للمشاركة كجليس ورضيع، وفعيلة لما يتخذ من الأطعمة كعصيدة، وفعول بالفتح للأدوية كنخالة، وفعلة بالضم لقدر من جملة كلقمة. فإن قلت: قد مر أن المصنف قال: إن الغسلة بكسر الغين الغسول بالفتح وهو ما يغسل به وهو مخالف لهذا. قلت: ما هنا هو القياس وما مر سماعي، كما صرحوا به في كتب اللغة فلا تنافي بين كلامية.

[175]- إعراب أسماء الأعداد المرسلة

[175]- إعراب أسماء الأعداد المرسلة ويقولون: هذا واحد اثنان ثلاثة أربعة، فيعربون أسماء الأعداد المرسلة، والصواب أن تبنى على السكون في حالة العدد، فيقال: واحد بسكون الدال، وكذلك اثنان ثلاثة أربعة، وكذلك حكم نظائره، اللهم إلا أن توصف أو يعطف بعضها على بعض فتعرب حينئذ بالوصف كقولك: [تسعة أكثر من ثمانية، وثلاثة نصف ستة، والعطف كقولك: واحد واثنان وثلاثة وأربعة]، لأنها بالصفة والعطف صارت متمكنة فاستحقت الإعراب. وعلى هذا الحكم تجري أسماء حروف الهجاء، فتبنى على السكون إذا تليت مقطعة، ولم يخبر عنها كما قال تعالى: {كهيعص} [مريم: 1] و {حم * عسق} [الشورى: 1 - 2] فتعرب إذا عطف بعضها على بعض كما حكى عن "الأصمعي" قال: أنشدني "عيسى بن عمر" بيتاً هجا به النحويين وهو [قوله]. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر الأعداد المسرودة وأنها لا تعرف ما لم تركب مع غيرها [وما ذكره دخل في أمثلته، والأمر فيه سهل، ثم استطرد بذكر أمور مناسبة] فقال: (فإن عورض بقوله تعالى في مفتتح سورة "آل عمران": {ألم* الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [آل عمران: 1 - 2] فالجواب عنه: أن أصل الميم السكون، وإنما فتحت لالتقاء الساكنين وهما الميم واللام من اسم الله، وكان القياس أن يكسر على ما يوجبه التقاء الساكنين، إلا أنهم كرهوا الكسر لئلا يجتمع في الكلمة كسرتان بينهما ياء) إلى آخر ما فصله.

(إذا اجتمعوا على ألف وباء ... وتاء هاج بينهم قتال) فإن عورض ذلك بفتح الميم من قوله تعالى في مفتتح سورة "آل عمران": {ألم الله لا إله إلا هو} فالجواب عنه أصل الميم السكون، وإنما فتحت لالتقاء الساكنين وهما الميم واللام من اسم الله تعالى، وكان القياس أن تكسر على ما يوجبه التقاء الساكنين، إلا أنهم كرهوا الكسر لئلا يجتمع في الكلمة كسرتان بينهما ياء هي أصل الكسرة، فتثقل الكلمة، فلذلك عدل إلى الفتحة التي هي أخف، كما بنى لهذه العلة كيف وأين على الفتح. ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاصلة أن الفتح لالتقاء الساكنين وكان الأصل الكسر ولكنها فتحت للخفة، وهذ هو المشهور، وليست حركته حركة نقل؛ لأن النقل شرطه كون الهمزة همزة قطع عند "القراء" والنحاة، وتمحل "الزمخشري" لهذا فقال: حقها أن يوقف عليها كما وقف على ألف ولام وأن يبدأ بما بعدها، كما تقول: واحد اثنان وهي "عاصم"، وأما فتحها فهي حركة الهمزة ألقيت عليها حين أسقطت للتخفيف، فإن قلت: كيف جاز إلقاء حركتها عليها وهي همزة وصل لا تثبت في درج الكلام فلا تثبت حركتها لأن ثبات حركتها كثباتها؟ قلت: هذا ليس بدرج لأن الميم في حكم الوقف، والسكون والهمزة في حكم الثابت، وإنما حذفت تخفيفاً وألقيت حركتها على الساكن قبلها لتدل عليها، ونظيره قولهم: واحد اثنان بإلقاء حركة الهمزة على الدال. فإن قلت: هلا زعمت أنها حركة الساكنين؟ قلت: لا، لأن التقاء الساكنين لا يبالى به في باب الوقف، واعلم أن "الزمخشري" خالف في هذا "الزجاج" و"أبا علي" وقوله في "المفصل" أيضاً، واختار أن الفتح لنقل الحركة لالتقاء الساكنين، وأورد حجة "أبي علي" سؤالا على نفسه واعتذر لمخالفته لنفسه فيما قاله في "المفصل" بأن غرضه فيه تلخيص كلام "سيبويه" فلذا تابعه هناك، وما ذكره هنا هو مختاره، وله تفصيل في شروح "الكشاف" فاعرفه.

[176]- قولهم: ما أحسن لبس الفرس

[176]- قولهم: ما أحسن لبس الفرس ويقولون: ما أحسن لبس الفرس، إشارة إلى تجفافه فيضمون اللام من لبس، والصواب كسرها، كما يقال لكسوة البيت: لبس، ولغشاء الهودج: لبس، ومنه قول "حميد بن ثور": (فلما كشفنا اللبس عنه مسحنه ... بأطراف طفل زان غيلا مؤشما)

[177]- قولهم: مائة ونيف بإسكان الياء

[177]- قولهم: مائة ونيف بإسكان الياء ويقولون: مائة ونيف بإسكان الياء، والصواب أن يقال: نيف بتشديدها، وهو مشتق من قولهم: أناف ينيف على الشيء إذا أشرف عليه، فكأنه لما زاد على المائة صار بمثابة المشرف عليها ومنه قول الشاعر ابن الرقاع]: (حللت برابية رأسها ... على كل رابية نيف) وقد اختلف في مقدار النيف، فذكر "أبو زيد" أنه ما بين العقدين، وقال غيره: هو الواحد إلى الثلاثة، فأما البضع فأكثر ما يستعمل فيما بين الثلاث إلى العشر، وقيل: بل ما دون نصف العقد، وقد أثر القول الأول إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون* في بضع سنين} [الروم: 3 - 4] وذلك أن المسلمين كانوا يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يميلون إلى فارس لأنهم أهل أوثان، فلما بشر الله تعالى المسلمين بأن الروم سيغلبون ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: مائة ونيف بسكون الياء والصواب أن يقال بتشديدها لأنه مشتق من قولهم: أناف على الشيء إذا أشرف عليه). وزن نيف فيعل وتخفيفه بحذف العين، قال "ابن مالك" في "التسهيل": لايقاس عليه لا في الواوي كسيد، ولا في اليائي كلين، وكلام غيره أنه مقيس وخالف في ذلك "الفارسي"، وقال "أبو حيان": لا نعلم خلافاً في اقتباس الواوي. اهـ. وعلى قياسه التخفيف في مثله فهو جائز، وفي "القاموس" نيف ككيس [في] الزيادة وقد تخفف. اهـ وأما البضع فقد مر تحقيقه.

في بضع سنين سر المسلمون بذلك، حتى أن "أبا بكر". رضي الله عنه. بادر إلى مشركي قريش فأخبرهم بما نزل عليهم فيه، فقال "أبي بن خلف": خاطرني على ذلك فخاطره على خمس قلائص وقدر لهم مدة الثلاث سنين، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: كم البضع؟ فقال: ما بين الثلاثة إلى العشرة فأخبره بما خاطر فيه "أبي بن خلف" فقال: ما حملك على تقريب المدة؟ قال: الثقة بالله ورسوله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "عد إليهم فزدهم في الخطر وازدد في الأجل، فزادهم قلوصين وازداد منهم في الأجل سنتين. فأظفر الله تعالى الروم بفارس قبل انقضاء الأجل الثاني تصديقاً لتقدير "أبي بكر". رضي الله عنه ..

[178]- قولهم: هو يصبو عنه

[178]- قولهم: هو يصبو عنه يوقولون لمن يصغر عن فعل شيء: هو يصبو عنه، والصواب أن يقال: هو يصبأ عنه، لأن العرب تقول: صبا من اللهو يصبو صبوا، والفعلة منه صبوة، وصبي من فعل الصبي يصبي صبياً بكسر الصاد والقصر، وصبا بفتحها والمد، والفعلة منه صبية، ومنه قول الراجز: (أصبحت لا يحمل بعضي بعضاً ... كأنما كان صبائي قرضا) فالفعل الأول من الواو والثاني من الياء. ومثله قولهم: للمعرض عنك: هو يلهو عن شغلي، ووجه الكلام: يلهى، لأن العرب تقول: لها يلهو من اللهو، ولهي عن الشيء يلهى إذا شغل عنه، ومنه الحديث: "إذا استأثر الله بشيء فاله عنه" وجاء في الأثر أيضاً: "إذا وجدت البلل بعد الوضوء فاله عنه" أي أعرض عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لمن يصغر عن فعل الشيء: هو يصبو عنه، والصواب أن يقال: هو يصبي عنه؛ لأن العرب تقول: صبا من اللهو يصبوا صبواً والفعل منه صبوة، وصبى من فعل الصبي يصبى صبى بكسر الصاد والقصر وصباء بفتحها والمد والفعلة صبية، ومنه قول الراجز: (أصبحت لا يحمل بعضي بعضاً ... كأنما كان صباي فرضا) فالفعل الأول من الواو والثاني من الياء. ما ذكره من الفعل صحيح وأما في المصدر فلا، قال "ابن بري": اختصاصه لصبي وصبا بأنهما لصبي الذي للصغر ليس بصحيح، بل قد يكونان مصدرين لصبا يصبو. حكى أهل اللغة: صبا يصبو صبا وصباء وصبواً وصبوة، وحكوا أيضاً في يصبو الصباء والصبي، والصبيان والصبية واوية عند النحاة وإنما قلبت واوها [ياء تخفيفاً، ويقال في جمعه صبية وصبوة على الأصل، وإنما قلبت إتباعاً لصبي ومراعاة للفظ الفعل.

[179]- قولهم، فعلته مجراك

[179]- قولهم، فعلته مجراك ويقولون: فعلته مجراك، فيحيلونه في بنيته ويحرفونه عن صيغته؛ لأن كلام العرب فعلته من جراك، فيحيلونه في بنيته ويحرفونه عن صيغته؛ لان كلام العرب فعلته من جراك، وفي الحديث "إن امرأة دخلت النار من جرا هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض". ومعنى قولهم: فعلته من جراك أي من جريرتك، كما أن معنى قولهم: من أجلك أي من كسبك وجنايتك، وعليه فسر قوله تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل} [المائدة: 32]. والعرب تقول: فعلته من أجلك وإجلك بفتح الهمزة وكسرها، وفعلته من أجلك وجراك وجرائك بالقصر والمد، وأنشد "الليحاني" على شاهداً على هاتين اللغتين فيه: (أمن جرا بني أسد غضبتم ... ولو شئتم لكان لكم جوار) (ومن جرائنا صرتم عبيداً ... لقوم بعدما وطى الخبار)

[180]- قولهم الصيف ضيعت اللبن

[180]- قولهم الصيف ضيعت اللبن ويقولون للرجل المضيع لأمره المتعرض لاستدراكه بعد فوته: الصيف ضيعت اللبن، بفتح التاء. والصواب أن يخاطب بكسرها وإن كان مذكرا، لأنه مثل، والأمثال تحكى على أصل صيغتها وأولية وضعها. وهذا المثل وضع في الابتداء بكسر التاء لمخاطبة المؤنث به، وأصله أن "عمرو بن عمرو بن عدس" كان تزوج ابنة عم أبيه "دختنوس بنت لقيط بن زرارة" بعدما أسن، وكان أكثر قومه مالا فكرهته، ولم تزل تسأله الطلاق حتى طلقها فتزوجها "عمير بن معبد بن زرارة" وكان شاباً مملقاً، فمرت بها ذات يوم إبل "عمرو" وكانت في ضر، فقالت لخادمتها: قولي له: ليسقينا من اللبن، فلما أبلغته قال لها: قولي لها: "الصيف ضيعت اللبن" فلما أدت جوابه إليها ضربت يدها على كتف زوجها وقالت: هذا ومذاقه خير. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للرجل المضيع لأمره المتعرض لاستدراكه بعد فوته: الصيف ضيعت اللبن بفتح التاء والصواب أن يخاطب بكسرها وإن كان مذكراً، لأنه مثل والأمثال لا تغير وتحكى على أصل صيغتها وأولية وصفها). كون الأمثال لا تغير إذا قصدت مما اتفق عليه أهل المعاني والأدب. وفي شرح "الفصيح" قال الأستاذ هذا يضرب مثلاً لمن فرط في طلب ما يحتاج إليه حتى فاته ثم يطلبه وهو بكسر التاء من ضيعت؛ لأن المثل أول ما وقع في مخاطبة امرأة، ثم أجرى على ذلك اللفظ ولم يغير. لأن الأمثال لا تغير، لأنها جاءت على معنى أنت

وإنما خص الصيف بالذكر لأنها كانت سألته الطلاق فيه، فكأنها يومئذ ضيعت اللبن. وينخرط في هذا السلك ما أنشدته في أبيات المعاني [للراجز]: (قالت له وهو بعيش ضنك ... لا تكثري لومي وخلي عنك) ومعناه أن هذا الرجل المخاطب كان يبذر في ماله، فإذا عذلته زوجته على إسرافه قال لها: لا تكثري لومي وخلي عنك، فلما نفد ماله وساءت حاله قالت له: أما تذكر قولك عند نصحي لك لا تكثري لومي وخلي عنك؟ وقصدت أن تندمه على إضاعة ماله فيالة رأيه. ومن أوهامهم في هذا الفن أنهم ينشدون بيت "ذي الرمة": ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال "أبو عبيدة": وكان "المفضل" يذكر حديثه فقال: صاحبه "عمرو بن عدس ابن زيد التميمي" وكانت تحته "دختنوس بنت لقيط بن زرارة" وكان ذا مال كثير إلا أنه كبير السن، فقلته، ولم تزل تسأله الطلاق حتى فعل، فتزوجها بعده "عمير بن معبد بن زرارة" ابن عمها، وكان شاباً معدماً، فمرت إبل "عمرو" ذات يوم "بدختنوس" فقالت لخادمتها: انطلقي فقولي له: يسقينا من اللبن فأبلغته فقال في جوابها: "الصيف ضيعت اللبن" وقال "أبو عبيد البكري" تمام الحديث على ما رواه "ابن الأعرابي" أرسل لها

(سمعت الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا) فينصبون لفظة الناس على المفعول، ولا يجوز ذلك، لأن النصب يجعل الانتجاع مما يسمع، وما هو كذلك، وإنما الصواب أن ينشد بالرفع على وجه الحكاية؛ لأن "ذا الرمة" سمع قوماً يقولون: الناس ينتجعون غيثاً فحكى ما سمع على وجه اللفظ المنطوق به. وفسر بعضهم قوله تعالى: {وتركنا عليه في الآخرين* سلام على إبراهيم} [الصافات: 78 - 79] أنه على الحكاية وأن المراد أن يقال له في الآخرين: سلام على إبراهيم، وتشهد هذه الأية باتفاق كافة أهل الملل على الإيمان بنبوته والتسليم عليه عند موته. ـــــــــــــــــــــــــــــ قلوصين ورواية من لبن، فأتاها الرسول .. وقال .. "أبو شريح": أرسل هذا ويقول لك: الصيف ... الخ. فقالت. وكان "عمير" عندها وضربت بين كتفيه-: هذا ومذاقه خير. فأرسلتها مثلاً يضرب للشيء القليل الموافق لمحية الطبع لمحبة الطبع حتى يرجح على الكثير المخالف له. كذا قال "أبو عبيدة": وأما "أبو عبيد معمر بن المثنى" فذكر أن "دخنتوس بنت لقيط" كانت تحت "عمرو بن عمرو بن عدس" وكان شيخاً أبرص، فوضع رأسه يوماً في حجرها وأغفى فسال لعابه، فانتبه فألفاها تتأفف أي تقول: أف أف. فقال لها: أيسرك أن أفارقك؟ قالت: نعم، فرقها، ونكحت شاباً وسيما من بني زرارة، ثم إن "بكر بن وائل" أغارت على بني "دارم" فأخذوها "دخنتوس" وقتلوا زوجها فأدركهم الحي فقتل "عمرو بن عمرو" ثلاثة منهم، وكان في السرعان، وسل منهم "دخنتوس" وجعلها أمامه وهو يقول: (أي خليليك رأيت خيرا ... ألعظم فيثة وأيرا) (أم الذي يأتي العدو سيرا) وردها إلى أهلها فتزوجت بآخر منهم، ثم أجدبوا فبعثت "دخنتوس" إلى "عمرو" تطلب منه حلوبة فقال: الصيف ... الخ، فذهبت مثلا، فلما سمعته ضربت على منكب زوجها [وقالت]: هذا ومذاقه خير.

وذكر " أبو الفتح عثمان بن جني" قال: أنشدني شيخنا "أبو علي الفارسي" قول الشاعر: (وتنادوا بالرحيل غدا ... وفي ترحالهم نفسي) فأجاز في الرحيل ثلاثة أوجه: الجر بالباء، والرفع والنصب على الحكاية، فحكاية الرفع كأنهم قالوا: الرحيل غدا، وحكاية النصب على تقدير قولهم: اجعلوا الرحيل غدا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال "أبو عبيدة": معناه أن سؤالك إياي الطلاق كان بالصيف فيومئذ ضيعت اللبن بالطلاق. وقال بعض الناس: معناه أن الرجل إذا لم يطرق ماشيته كان مضيعاً لألبانها حينئذ. وقال "ابن درستويه": العامة تقول: في الصيف ضيحت اللبن، وهو خطأ، وإنما الضياح من اللبن الخاثر الذي يمزج بالماء حتى يرق، يقال: ضيحت اللبن فهو مضيح ومضيح. وذكر "أبو سليمان الخطابي" أن هذا المثل يروى: الصيف ضحيت اللبن بالحاء بدل العين من الضياح والضيح وهو اللبن الممذوق بالماء، يريد الصيف أفسدت اللبن وحرمته على نفسك. قال الأستاذ: يروى أيضاً الصيف ضييعت اللبن بفتح التاء كما حكاه "ابن الأنباري" في "الزاهر" عن "الفراء" ولم أره لغيره. والصيف منصوب على الظرفية لضيعت واللبن مفعوله. و"عدس" بفتح العين المهملة وضم الدال، وليس في الأعلام عدس مضمومها غيره. ومما ذكر علمت أن ما أنكره المصنف مروي عن "الفراء". (ومن أوهامهم في هذا المعنى أنهم ينشدون بيت "ذي الرمة": (سمعت الناس ينتجعون غيثاً ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا) وهذا من قصيدته التي مدح بها "بلالا بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري" وكان والياً على البصرة وبعد هذا قوله: (تناخي عند خير فتى يمان ... إذا النكباء عارضت الشمالا) (وأبعدهم مسافة غور عقل ... إذا ما الأمر ذو الشبهات عالا) (وخيرهم مآثر أهل بيت ... وأكرمهم وإن كرموا فعالا) قيل: إنه- لما أنشده- قال: يا غلام مر له بعلف؛ لانه لم يعجبه مدحه بجعله مرعى للناقة، وهو نقد جيد. (فينصبون لفظ الناس على المفعول ولا يجوز ذلك لأن النصب يجعل الانتجاع مما يسمع وهو ليس كذلك، وإنما الصواب أن ينشد بالرفع على وجه الحكاية).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني أن سمع إذا نصب اسم ذات غير مسموح نحو: سمعت زيداً يقول كذا، شرط النحويون أن يكون ما بعده مما يسمع، وهو محل الفائدة في صحة التعلق به، وهل "هي" حينئذ مما ينصب مفعولين أو مفعولاً واحداً؟ والجملة بدل أو حال أو صفة بعد النكرة؟ فيه اختلاف عندهم ليس هذا محله. والانتجاع لا يلائم السمع؛ لأنه التردد في طلب العشب والماء، وليس قولا [يتعلق به السماع] فيتعين حكايته إما بقول مقدر على مذهب من اشترط في الحكاية القول، أو بسمعت على خلافة. أما ما ذكره المصنف فمردود بأنه قد سمع فيه النصب أيضاً كما حكاه "الرضي" وشارح أبيات "الإيضاح"، ولا بد له حينئذ من مسوغ، فذهب "الرضي" إلى أنه لا يشترط ذكر مسموع بعدها وأن اشترطه أكثري، وهذا من القليل الوارد على خلافه. وقيل: الانتجاع طلب النجعة وهي مكان المطر إذا أجدبوا، والطلب إما بالسؤال وهو قول، أو بالتردد ذهاباً ومجيئأ وفيه حركات مسموعة، و"صيدح" اسم ناقة. وقال المصنف: (بأتفاق كافة أهل الملل) استعمل فيه كافة على خلاف ما قدمه، فكأنه نسيه، أو الله أنطقه بالحق".

[181]- قولهم: طرده السلطان

[181]- قولهم: طرده السلطان ويقولون: طرده السلطان، ووجه الكلام أطرده؛ لأن معنى طرده أبعده بيده أو بآلة في كفه، كما يقال: طردت الذباب عن الشراب، وما المقصود هذا المعنى، بل المراد به أن السلطان أمر بإخراجه عن البلد، والعرب تقول في مثله: أطرده، كما تقول: أطرد فلان إبله أي أمر بطردها [والطرد وبسكين الراء المصدر، وبالفتح مطاردة الصيد، الطريدة هي الصيد]. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: طرده السلطان، ووجه الكلام أن يقال: أطرده، لأن معنى طرده أبعده بيده أو بآلة في كفه، كما يقال: طردت الذباب عن الشراب، وما المقصود هذا المعنى، بل المقصود أن السلطان أمر بإخراجه عن البلد، والعرب تقول في مثله: أطرده). هذا غير مسلم؛ لأن الأمر يجعل كالمباشرة، يقال: قتله السلطان أو قطع يده إذا أمر بذلك وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لأبي سفيان" أنت الذي طردتني كل مطرد، وقيل "للحكم" طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكون الطرد باليد أو بآلة غير لازم لأنه يكون بالقول كقم واذهب. كذا قيل، وفيه نظر. والذي وقع مع "أبي سفيان" أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم عام الفتح: (هداني هاد غير نفسي ودلني ... على الله من طردته كل مطرد) [فضرب النبي صلى الله عليه وسلم صدره وقال له: أنت طردتني كل مطرد]؟ والرواة ضبطوه بتشديد الراء فلا شاهد فيه، وتفصيله في شروح السير. أقول: هذا كله من ضيق العطن، وما قاله هو عين ما قاله "سيبويه" في "الكتاب" في باب التعدية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارته: يقال طردته إذا نحيته وأطردته إذا جعلته طريداً هارباً، وطردت الكلاب الصيد إذا جعلته تنحيه. اهـ. وقال "السيرافي" في شرحه: يعني أن أطرد ليس [تبعاً لطرد كذهب وأذهب. اهـ. إلا معنى أطرد ليس] كما قاله وإن كان ليس ببعيد منه، والبيت من شعر "لأبي سفيان بن الحارث" وكان أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فلما بعث أظهر له العداوة ووقع منه أمور كثيرة من أذية المسلمين وهجائه، فلما ضرب الإسلام بجرانه وفتحت مكة أتاه هو و"عبد الله بن أمية بن المغيرة" فلقياه بين مكة والمدينة، فكلمته "أم سلمة" فيهما فقال: لا حاجة لي بهما. فقال "أبو سفيان": لآخذن ابني وأذهب في الأرض حتى أموت عطشاً، فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما فأدخلا عليه فأنشده "أبو سفيان" قوله: (لعمرك إني حين أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد) (لكا لمدلج الحيران أظلم ليلة ... فهذا أواني حين أهدى وأهتدي) (هداني هاد غير نفسي ودلني ... على الله من طردته كل مطرد) (أصد وأنأى جاهلاً عن محمد ... وأدعى وإن لم أنتسب لمحمد)

[182]- قولهم لما ينبت من الزرع بالمطر: بخس

[182]- قولهم لما ينبت من الزرع بالمطر: بخس ويقولون لما ينبت من الزرع بالمطر: بخس، فيلفظون بما تلفظ به العجم ولا تعرفه العرب، ووجه القول أن يقال فيه: طعام عذي، كما يقولون: أرض عذاة وعذية إذا كانت لينة تكتفي بماء المطر. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لما ينبت من الزرع بالمطر: بخس، فيلفظون بما تلفظ به العجم ولا تعرفه العرب، ووجه الكلام أن يقال فيه: طعام عذي، كما يقولون: أرض عذاة وعذية إذا كانت لينة تكتفي بماء المطر). في "معجم البلدان: العذي بالبادية الموضع الذي ينبت في الشتاء والصيف بلا ماء، وقال "الأزهري ": كذا قال "الليث"، وليس بذلك، إنما العذى النخل والزرع الذي لا يسقى إلا بماء السماء. اهـ. وفي كتاب "النبات": العذى بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة والمثناة التحتية وجمعه أعذاء النبات الذي لم يشرب غير المطر، وأهل اليمن يسمونه الطمى، وهو أيضاً العثري بتشديد الياء، ومثله البعل عن الأحمر فإن زرع على الماء فهو سقى وإلا فعذي. قال "ابن رواحة":

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (هنالك لا أبالك نخل سقي ... ولا بعل وإن عظم الإباء) فما ذكره المصنف في العذي صحيح لغة، وإما إنكاره البخس فلا، فإنه بمعنى النقص [وهو مما نقص سقيه عن غيره، وفي "القاموس" البخسي أرض تنبت من غير سقي]، وفي كتاب "الشروط" العمل دية البخس بياء النسبة- خلاف السقي- منسوب إلى البخس، وهي الأرض التي تسقيها السماء فقط لأنها مبخوسة الحظ من الماء. اهـ. والعذي بعين مهملة مكسورة وتفتح وبذال معجمة ساكنة وتحتية مخففة أرض لا يسقيها إلا المطر ولا خمس فيها.

[183]- قولهم: هاون وراوق

[183]- قولهم: هاون وراوق ويقولون: هاون وراوق، فيوهمن فيهما؛ إذ ليس في كلام العرب فاعل والعين منه واو، والصواب فيهما: هاوون وراووق لينتظمها فيما جاء على فاعول مثل قارون [وفاروق] وماعون وعليه قول "عدي بن زيد العبادي": (ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت ... قينة في يمينها إبريق) (قدمته على عقار كعين الديك ... صفى سلافها الراووق) حكاية بديعة: ولهذه القطعة حكاية تنشر مآثر الأجواد وترغب المتأدب في الازدياد، وهي ما حكاه "حماد الراوية" قال: كنت منقطعاً إلى "يزيد بن عبد الملك" وكان أخوه ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: هاون وراوق فيوهمن فيهما، إذ ليس في كلام العرب فاعل بفتح العين كخاتم والعين منه واو، والصواب أن يقال فيهما: هاوون وراووق لينتظمها على فاعول مثلي: فاروق وماعون). في "الحواشي" ذكر "ابن قتيبة" في باب الأسماء الأعجمية الطابق والطاجن والهاون، وكذا ذكره "الجوهري" وقال: أصله هاوون فحذفت منه الواو الثانية استثقالاً لاجتماع واوين، فبقي هاون بضم الواو، فقالوا هاون بالفتح لأنه ليس في كلامهم فاعل بضم العين. اهـ فقد ثبت أن أنكره صحيح، ومثله من الأسماء الأعجمية "لاوذ بن نوح" و"لاون" عالم رومي، وإنما قال "الجوهري": أصله هاوون لأنه جمع على هواوين كقانون وقوانين لا أنه الصحيح دون غيره كما توهمه المصنف، لأن فاعل بالفتح كثير، وفي

"هشام" يجفوني لذلك في أيامه، فلما مات "يزيد" وأفضت الخلافة إلى "هشام" خفته، فمكثت في بيتي سنة لا أخرج إلا لمن أثق به من إخواني سراً، فلما لم أسمع أحداً يذكرني في السنة أمنت فخرجت، فصليت الجمعة في "الرصافة" فإذا شرطيان قد وقفا علي فقالا: يا حماد، أجب الأمير "يوسف بن عمر" فقلت في نفسي: من هذا كنت أخاف، فقلت: هل لكما أن تدعاني حتى آتي أهلي فأودعهم ودلع من لا يرجع إليهم أبداً [ثم أصير معكما إليه؟ ] فقالا: ما إلى ذلك من سبيل، فاستسلمت في أيديهما. وصرت إلى "يوسف بن عمر" وهو في الإيوان الأحمر فسلمت عليه، فرد علي السلام، ورمى إلي كتاباً فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن هشام أمير إلى يوسف بن عمر، أما بعد، فإذا قرأت كتابي هذا فابعث إلى حماد الراوية ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسماء الأعجمية كبابك ولامك، ويجيء في المعتل أيضاً كما سمعت، ويقال: هاوون أيضاً بواوين كما في "القاموس" وغيره. ثم ذكر (حكاية تنشر مآثر الأجواد وترغب المتأدب في الازدياد، وهي ما حكى "حماد" الرواية). "حماد" بتشديد الميم ابن "أبي ليلى ميسرة أبو القاسم" الكوفي المعروف بالرواية لكثرة روايته للأخبار والأشعار، وكان خبير بأيام العرب في عهد بني أمية، وكانوا يقدمونه ويؤثرونه، وقد اتهم بالكذب والزندقة. جمعه المعلقات: وهو الذي جمع السبع المعلقات، وسميت المعلقات لأنهم كانوا إذا أنشدوا شعراً في مجامعهم يقول كبراؤهم: علقوها إشارة إلى أنه مما ينبغي أن يحفظ، وما قيل من أنها علقت بالكعبة لا أصل له، كما قاله "ابن النحاس". "والرصافة" بضم الراء ببغداد، [والغرز بغين معجمة وراء مهملة ساكنة للإبل بمنزلة الركاب للخيل، وقوراء بقاف وراء مهملة ممدودة بمعنى واسعة].

من يأتيك به من غير تروع ولا تتعتع وادفع إليه خمسمائة دينار وجملاً مهريا يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق. فأخذت الدنانير، ونظرت فإذا جمل مر حول فجعلت رجلي في الغرز، وسرت اثنتي عشرة ليلة حتى وافيت دمشق، ونزلت على باب "هشام" فاستأذنت فأذن [لي] فدخلت عليه في دار قوراء مفروشة بالرخام وبين كل رخامتين قضيب من ذهب، و"هشام" جالس على طنفسة حمراء وعليه ثياب حمر من الخز وقد تضمخ بالمسك والعنبر، فسلمت فرد على السلام، واستدناني فدنوت حتى قبلت رجله، فإذا جاريتان لم أر مثلهما قط، في أذني كل واحدة منهما حلقتان فيهما لؤلؤتان تتوقدان فقال لي: كيف أنت يا حماد؟ وكيف حالك؟ قلت: بخير يا أمير المؤمنين، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أجب الأمير "يوسف بن عمر". هو "الحجاج". قد أخطأ المصنف في هذا. قال "ابن خلكان": لا يمكن أن تكون هذه الواقعة مع "يوسف بن عمر الثقفي" لأنه لا يمكن أن يكون والياً بالعراق في التاريخ المذكور في كلام "الحريري". ثم الشعر فيه ما يحتاج إلى التفسير كقوله: موثوق أي محبوس من الوثاق، وفي بعض النسخ مرهوق وهو بمعناه، وقوله: فدمته بالفاء وتشديد الدال المهملة أي وضعت عليه الفدام بالكسر وهو ما يوضع على فم الإناء ليصفى ما فيه، والتصفيق المزج،

فقال: أتدري فيم بعثت إليك؟ قلت: لا، قال: بعثت إليك لبيت خطر بالي لم أدر من قائله. قلت: ما هو؟ فقال: (ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت ... قينة في يمينها إبريق) فقلت: يقول "عدي بن زيد" في قصيدة له. قال: أنشدنيها فأنشدته: (بكر العاذلون في وضح الصبح ... يقولون لي: أما تستفيق؟ ) (ويلومون فيك يابنة عبد الله ... القلب عندكم موهوق) (لست أدري إذا أكثروا العذل فيها ... أعدو يلومني أم صديق) قال: وانتهيت فيها إلى قوله: (ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت ... قينة في يمينها إبريق) (قدمته على عقار كعين الديك ... صفى سلافها الراووق) (مرة قبل مزجها فإذا ما ... مزجت لذ طعمها من يذوق) (وطفا فوقها فقاقيع ... كالياقوت حمر يزينها التصفيق) (ثم كان المزاج ماء سحاب ... لا صرى آجن ولا مطروق) قال: فطرب، ثم قال: أحسنت والله يا حماد، يا جارية اسقيه فسقتني شربة ـــــــــــــــــــــــــــــ والصرى: المتغير، والمطروق: المورود، والراووق: مصفاة الشراب تعلق ليصفى بها، ولهذا أجاد "ابن الوكيل" في قوله: (لم يصلب الراووق إلا أنه ... قطع الطريق على الهموم وعاقها) ويطلق على الشراب المروق أيضاً. ويروى أنه أرسل إليه بدرة وقال له: استعن بها في سفرك ولم يكلفه الإقامة عنده لإساءته أدبه يطلب الجارية التي رآها [بين يديه] تخدمه.

ذهبت بثلث عقلي، فقال: أعده فأعدته فاستخفه الطرب حتى نزل عن فرشه، ثم قال للجارية الأخرى: اسقيه فسقتني فذهب ثلث آخر من عقلي، ثم قال: سل حاجتك، فقلت: كائنة من كانت؟ قال: نعم. قلت إحدى الجاريتين، قال: هما جميعاً لك بما عليهما وما لهما. ثم قال للأولى: اسقيه، فسقتني شربة سقطت منها فلم أعقل حتى أصبحت والجاريتان عند رأسي، وإذا عشرة من الخدم مع كل واحد بدرة، فقال أحدهم: إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: خذ هذه فانتفع بها في سفرك، فأخذتها والجاريتين وعاودت أهلي.

[184]- قولهم: شفعت الرسولين بثالث

[184]- قولهم: شفعت الرسولين بثالث ويقولون: شفعت الرسولين بثالث فيوهمن فيه؛ لأن العرب تقول: شفعت ارسول بآخر أي جعلتهما اثنين، ليطابق هذا القول معنى الشفع الذي هو في كلامهم بمعنى اثنين، فأما إذا بعثت ثالثاً فوجه الكلام أن يقال: عززت الرسولين بثلث كما قال سبحانه: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث} [يس: 14] والمعنى في عززته: قويته. ومن كلام العرب: أعززت الرجل أي جعلته عزيزاً، وعززته أي جعلته قوياً. فإن واترت الرسل فالأحسن أن تقول: قفيت بالرسل، كما قال الله تعالى: {ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم} [الحديد: 27].

[185]- قولهم للمدينة المشهورة: سامرا

[185]- قولهم للمدينة المشهورة: سامرا ويقولون للبلدة التي استحدثها "المعتصم بالله" "سامري" فيوهمن فيه كما وهم "البحتري" فيها إذ قال في صلب "بابك": (أخليت منه البذ وهي قراره ... ونصبته علماً بسامراء) والصواب أن يقال فيها: "سر من رأى" على ما نطق بها في الأصل؛ لأن المسمى بالجملة يحكى على عكس صيغته الأصلية، كما يقال: جاء "تأبط شرا" وهذا "ذرى حبا" ومنه قول الشاعر: (كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... إني "شاب قرناها" تصر وتحلب) يعني بني التي تسمى "شاب قرناها"، ولهذا نظائر في كلام العرب وأشعارهم ومحاوراتهم وأمثالهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للبلدة التي استحدثها "المعتصم بالله": سامر فيوهمون فيه كما وهم "البحتري" إذ قال في صلب "بابك": (أخليت منه البذ وهي قراره ... ونصبته علماً بسامراء) والصواب أن يقال فيها: سر من رأى على ما نطق به في الأصل لأن المسمى بالجملة يحكى على صيغته الأصلية). قال "ابن بري": سامراً هو قول "ثعلب" و"ابن الأعرابي"، وأهل الأثر يقولون: اسمها القديم ساميراً تسميته لها "بسامير بن نوح" لأنه أقطعه إياها، فكره المعتصم هذه التسمية وغيرها إلى "سر من را" وكراهة المعتصم لاسمها يشهد لأن اسمها "سامر" مغيرا عن سامير ولذلك غيرها المعتصم. على أنه قد حكى أهل اللغة أنها قد سميت "ساء من رأى" فيكون سامرا على هذا

وحكاية المسمى بالجملة من مقاييس أصولهم وأوضاعهم، فلهذا وجب أن ينطق باسم البلدة المشار إليها على صيغتها الأصلية من غير تحريف فيها ولا تغيير لها، وذلك أن "المعتصم بالله" حين شرع في إنشائها ثقل ذلك على عسكره، فلما انتقل بهم إليها سر كل منهم برؤيتها فقيل فيها: سر من رأى، ولذمها هذا الاسم، وعليه قول "دعبل" في ذمها: (بغداد دار الملوك كانت ... حتى دهاها الذي دهاها) (ما سر من را بسر من را ... بل هي بؤس لمن رآها) وعليه أيضاً قول "عبيد الله بن عبد الله" في صفة "الشعرى": (أقوال لما هاج قلبي الذكرى ... واعترضت وسط السماء الشعرى) (كأنها ياقوتة في مدرى ... ما أطول الليل بير من را) ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيحاً وحذفت منه همزة ساء وهمزة رأى لطول الكلمة، وقد حكوا فيها ست لغات: سر من راء، وسر من رأى، [وساء من رأى]، وسامرا، وساميرا، [وساء مراء]، وهذا مغير من سا من رأى أو مغير من ساميرا. وفي "معجم البلدان" سامراً لغة في سر من رأى، وهي مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة، فخربت وفيها لغات: سامراء ممدوداً ومقصوراً، وسر من راء مهموزاً وغير مهمور في قول "الحسين الضحاك":

فنطق الشاعران باسمها على وضعه وسابق صيغته، وإن كانا قد حذفنا همزة رأى لإقامة الوزن وتصحيح النظم. ـــــــــــــــــــــــــــــ (سر من را أسر من بغداد ... فاله عن بعض ذكرها المعتاد) وسر من راء ممدود الآخر كما قال "البحتري". (لأوحلن وآمالي مطرحة ... يسر من راء يستبطى بها القدر) وساء من راء، وسر من را عن "الجوهري". وقال الناس في سامرا سامرة مخففة وينسبون إليها بسرمري، وقيل: أصلها "سام راه" لأنه بناها "سام" وقيل: إنها وضع عليها الخراج فقالوا لها بالفارسية: ساامره أي موضع الحساب. وقال "حمزة": كانت مدينة عتيقة من مدن الفرس يحمل إليها الإتاوة، و"مره" اسم العدد وقيل: إن ساما كان يصيف بها، وكانت للأكاسرة ثم جددها "المعتصم" سنة إحدى وعشرين ومائتين لما ضاقت بغداد عن مماليكه وعسكره وتبرم الناس من ذلك، حتى شكوا إليه وخشي الفتنة، على ما فصله "ياقوت". و"بابك" بالفتح علم رجل خرج زمان العباسيين، وهو ممنوع من الصرف، والبيت من قصيدة أولها: (زعم الغراب منبى الأنباء ... أن الأحية آذنوا بتناء) و"البذ" بفتح الموحدة وتشديد الذال المعجمه كورة بين "آران" و"آذربيجان"، وضمير قراره يرجع إلى "بابك".

[186]- قولهم لما يجمد من البرد: قريص

[186]- قولهم لما يجمد من البرد: قريص ويقولون لما يجمد من فرط البرد: قريص بالصاد، فيوهمون فيه ما وهم بعض المحدثين فيما كتب إلى صديق يدعوه: (عندنا قبج مصوص ... ولنا جدي قريص) (ومن الحلواء لونان ... عقيد وخبيص) (ونبيذ لو خرطناه ... أتت منه فصوص) والصواب أن يقال فيه: قريس بالسين لاشتقاقه من القرس وهو البرد، ومنه الحديث: "قرسوا الماء في الشنان" أي بروده، ويدل عليه قول "آبي زبيد" [الطائي]: (وقد تصليت حر حربهم ... كما تصلى المقرور من قرس) وقد يقال بإسكان الراء والشاهد عليه قول الشاعر: (مطاعين في الهيجا مطاعيم في القوى ... إذا اصفر آفاق السماء من القرس) يعني بالقوى المكان المقفر، وقد رواه بعضهم: مطاعيم في القرى، والرواية ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون لما يجمد من فرط البرد: قريص فيوهمون فيه). ما أنكره أطبقت عليه كتب اللغة، إلا أنك عرفت فيما أسلفناه أن السين تبدل صاداً فلا وجه لإنكاره هنا. وقوله في الشعر (قبح) بقاف مفتوحة وباء موحدة ساكنة وآخره جيم نوع من الطير

الأولى أفخم في المعنى وأبلغ في المدح. وأما القارص بالصاد فهو الذي يلذع اللسان، ويقال منه: لبن قارص ونبيذ قارص. ـــــــــــــــــــــــــــــ مشهور، ومصوص كصبور مهملاً طعام من لحم يطبخ وينقع في الخل أو يكون من لحم الطير خاصة. ومطاعيم في القوى بقاف وواو وألف مقصورة، وروي بالقرى براء مهملة، والشعر "لأوس بن حجر"

[187]- قولهم: قتله الحب

[187]- قولهم: قتله الحب ويقولون: قتله الحب, والصواب أن يقال فيه: اقتتله كما قال "ذو الرمة": (إذا ما حاولن أن يقتتلنه ... بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل) (تبسمن عن نور الأقاحي في الثرى ... وفترن من أبصار مضروجة كحل) [وعنى به عين البرقع, ويقال أيضاً: اقتتل فلان إذا قتله عين النساء والجن]. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: قتله الحب، والصواب أن يقال: اقتتله كما قال "ذو الرمة" (إذا مامرؤ حاولن أن يقتتلنه ... بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل) (تبسمن عن نور الأقاحي في الثرى ... وفترن من ألحاظ مضروجة كحل) قال "ابن بري": قتل عام في الحب وغيره، قال "امرؤ القيس": (اغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل) وقال "مروان بن هماس": (هويتك حتى كاد يقتلني الهوى ... وزرتك حتى لا مني كل صاحب) وإذا بني الفعل للمفعول في قتله الحب: أقتتل أي بالحب، وكذا من الحب، ولا تقل: قتل لأن اقتتل خاص بالحب وقتل عام في الحب وغيره، وهذا هو الذي غلط "الحريري" فيه فلم يفرق بين الفعل المبني للفاعل والمبني للمفعول، لأنه إذا قيل: قتل لم يدر ما الذي قتله وأما اقتتل بالحب لا عموم له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت وقع الحديث على المقتتلين أن ينجز الأول فالأول, وفي "النهاية الأثيرية" يقال: اقتتل فهو مقتتل, غير أن هذا إنما يكثر استعماله فيمن قتله الحب. اهـ. وهذا هو الحب الحقيق بالاتباع. وحاولن بمعنى طلبن بحيلة ثم عم في كل طلب, والإحنة بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة: الحقد, وكذا الذحل بذال معجمة وحاء مهملة, ونور الأقاحي: أسنان الثغر على التشبيه, وفي الثرى أي التراب. هنا تجريد, ومضروجة بمعنى واسعة من العيون, وكحل جمع كحلاء صفة من الكحل بفتحتين لا من الكحل.

[188]- قولهم: ما يعرضك لهذا الأمر

[188]- قولهم: ما يعرضك لهذا الأمر ويقولون: ما يعرضك لهذا الأمر بضم الياء وكسر الراء وتشديدها, والصواب ان يقال: ما يعرضك لهذا الأمر بفتح الياء وضم الراء, أي ما ينصب عرضك له, وعرض الشيء جانبه, ومنه قولهم: ضرب به عرض الحائط أي جانبه, أي أحد نواحيه, وأما الخبز: "كل الجبن عرضاً" أي ممن يعترض ولا تفحص عنه هل جبنه مسلم أو مشرك؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ما يعرضك لهذا الأمر بضم الياء وكسر الراء وتشديدها، والصواب أن يقال: ما يعرضك بفتح الباء وضم الراء، أي ما ينصب عرضك له، وعرض الشيء جانبه). في "القاموس" عرضه بالتشديد أي جعله عرضاً له بمعنى معترضاً وهو بهذا المعنى، ولم أر أحداً من أهل اللغة منعه، ومنه التعريض ضد التصريح. (كل الجبن عرضاً أي ممن يعترض ولا تفحص عنه). هو مثل يضرب لترك الفحص والسؤال في أكثر الأمور، لأنه ربما يظهر منه ما يؤذي ويؤلم، ومثله في المعنى قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]، وأول من قال هذا "محمد بن الحنفية بن علي". رضي الله عنهم .. والجبن هنا هو المأكول المعروف، وهو بضم الجيم والباء وتشديد النون في اللغة الفصيحة، وفيه لغة أخرى كلفظ الجبن ضد الشجاعة وهي الشائعة في لسان العامة. كما قال بعضهم وقد أمر بالقتال: (فلا تأمرني بالشجاعة إنني ... وحقك عبد يأكل الخبز بالجبن) وعرضاً بضم العين وسكون الراء، فسره المصنف أي اشتره ممن وجدته ولا تسأل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمن عمله: أمسلم أم كافر؟ حثا له على ترك الفحص لئلا يؤدي إلى ما يسوؤه, ومثله قولهم: (كل البقل من حيث تؤتى به ... ولا تسألن عن المبقلة) [وللمصنف رحمه الله] (فكل ما حلا حين تؤتى به ... ولا تسأل الشهد عن نحله) وقلت أنا: (وإذا انتشيت من الطلا ... لا تسألن عن عاصره) وقلت: (اترك سؤالا لا يضرك تركه ... فلربما قد ساء ما ابداه) (وإذا هنالك مشرب لا تسألن ... من أين سال وما جرى مجراه)

[189]- قولهم: ما كان ذلك في حسابي

[189]- قولهم: ما كان ذلك في حسابي ويقولون: ما كان ذلك في حسابي أي في ظني, ووجه الكلام أن يقال: ما كان ذلك في حسباني, لأن المصدر من حسبت بمعنى ظننت محسبة وحسبانا بكسر الحاء, وأما الحساب فهو اسم للشيء المحسوب, واسم المصدر من حسبت الشيء بمعنى عددته [الحسب] والحسبان بضم الحاء ومنه قوله تعالى: {والشمس والقمر بحسبان} [الأنعام: 96]. وقد جاء الحسبان بمعنى العذاب, كقوله تعالى: {ويرسل عليها حسبانا من السماء} [الكهف: 40] وأصله السهام الصغار, الواحدة حسبانة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: ما كان ذلك في حسابي أي ظني، ووجه الكلام أن يقال: ما كان ذلك من حسباني، لأن المصدر من حسبت بمعنى ظننت محسبة وحسبان بكسر الحاء، فأما الحساب فهو اسم للشيء المحسوب). في شرح "المفصل" "للسخاوي" من قال: لم يكن ذلك في حسابي أي ظني أخطأ، فإنه استعمل مصدر العدد في باب الظن وغلط، إلا أن يريد لم يكن فيما عددته، فإن الحساب مصدر حسبت الشيء أي عددته وكذلك الحسابة والحسبة، والحسبان جمع حساب. وفي "أدب الكاتب" أن الحساب يكون مصدر حسب بمعنى ظن أيضاً، وقال "ابن بري": يجوز أن يريد القائل بقوله ما كان في حسابي أي محسوبي أي معلومي ومظنوني توسعاً، فالمصنف على كل حال في تخطئته مخطي، وقد جرى الاستعمال على خلاف ما قاله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والعجب منه أن يقول في شعر له كما في "الخريدة": (بلت يدي منك بما لم يكن ... يخطر في الوهم ولا في الحساب) وهكذا دأبة يقع في معراته، ومن اللطائف هنا قولي أنا: (لله دهر فيه روض الصبا ... زاه واغصان التصابي رطاب) (وآه من تشتيت شمل ومن ... تفريق جمع لم يكن في الحساب) وقال الإمام "الراغب": في قوله تعالى: {وترزق من تشاء بغير حساب} [آل عمران: 27] أنهم ذكروا فيه أوجهاً: منها تعطيه بحسب ما تعرفه من مصلحته. وأما الحسبان في قوله تعالى: {ويرسل عليها حسباناً} [الكهف: 40] فقيل: معناه عذاباً وناراً.

[190]- قولهم: تنوق في الشيء

[190]- قولهم: تنوق في الشيء ويقولون: تنوق في الشيء والأفصح أن يقال: تأنق كما روي "للمنصور" رحمه الله: (تأنقت في الإحسان لم آل جاهدا ... إلى "ابن أبي ليلى" فصيره ذما) (فو الله ما آسى على فوت شكره ... ولكن فوت الرأي أحدث لي هما) واشتقاق هذه اللفظة من الأنق وهو الإعجاب بالشيء، ومن أمثالهم: "ليس المتعلق كالمتألق" أي ليس القانع بالعلقة وهي البلغة كالذي يطلب النقاوة والغاية، ويضرب أيضاً للجاهل الذي يدعي الحذق: "خرقاء ذات نيقة". ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: تنوق في الشيء والصواب أن يقال تأنق). [قال "ابن بري": تأنق في الشيء وتنوق كلاهما مسموع]، فتأنق مأخوذ من الأنق وهو الإعجاب بالشيء، وتنوق مأخوذ من النيقة، ومنه قولهم: رجل نواق إذا كان حسن الإصلاح للشيء، وفي الأمثال "خرقاء ذات نيقة" أي أنها محكمة لما تعانيه مع كونها خرقا، وفي "الأساس" إن هذا المثل يضرب للجاهل يدعي المعرفة. ومن المجاز تأنق في عمله وفي كلامه، أي فعل فعل المتأنق في الرياضة يتتبع ما يوافقه من الآنق والأحسن، وقال "علي بن حمزة": الوجه تنوق في الشيء من النيقة، وأما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تأنق فهو من الأنق وهو الإعجاب بالشيء، ومنه قول "ابن مسعود رضي الله عنه": صرت إلى روضات أتأنق فيهن. ومنه: آنقنى الشيء أعجبني فلا معنى لتكدير الأفهام بتكثير الأوهام. (ومن أمثالهم: ليس المتعلق كالمتأنق، أي ليس القانع بالعلقة وهي البلغة كالذي يطلب النقاوة والغاية) لا يخفى أن مادة النقاوة ليست من التأنق في شيء، فإن قصد بيان حاصل المعنى فيها وإلا فهو وهم فتدبر.

[191]- قولهم للمخاطب: هم فعلت وهم خرجت

[191]- قولهم للمخاطب: هم فعلت وهم خرجت ويقولون للمخاطب: هم فعلت وهم خرجت، فيزيدون هم في افتتاح الكلام وهو من أشنع الأغلاط والأوهام، وحكى "أحمد بن إبراهيم المعدل" قال: سمعت "الأخفش" يقول لتلامذته: جنبوني أن تقولوا: بس، وأن تقولوا: هم، وأن تقولوا: ليس لفلان بخت. والمنقول من لغات العرب أن بعض أهل اليمن يزيدون أم في الكلام فيقولون: أم نحن نضرب الهام أم نحن نطعم الطعام، أي نحن نضرب ونطعم، وأخذوا في زيادة أم مأخذ زيادة معكوسها، وهو ما في مثل قوله تعالى: {فبما رحمة من الله} [آل عمران: 159] و {عما قليل} [المؤمنون: 40] وقد روي عن "حمير" أنهم يجعلون آلة التعريف أم فيقولون: طاب ام ضرب يريدون طاب الضرب، وجاء في الآثار فيما رواه "النمر بن تولب" أنه صلى الله عليه وسلم نطق بهذه اللغة في قوله: "ليس من ام برام صيام في ام ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون للمخاطب: هم فعلت وهم خرجت فيزيدون هم في افتتاح الكلام، وهو من أشنع الأغلاط والأوهام) أقول: وقع في "البخاري" في كتاب الحج: هم هذا الحديث حديث مالك. قال "الكرماني": هم بفتح الهاء وسكون الميم قيل: عربية، ومعناها قريب من لفظة أيضاً. وقال نجم الأئمة "الرضى" في بحث حروف التنبيه: أما حرف استفتاح وقد تبدل همزتها هاء أو عيناً نحو: هما وعما، وقد تحذف ألفها في الأحوال الثلاثة نحو أم وهم وعم. اهـ فعلى هذا هي لغة في أما الاستفتاحية لبعض العرب، وإبدال الهمزة هاء وارد في كلامهم نحو أراق وهراق. قال بعضهم: (سمعت "الأخفش" يقول لتلامذته: جنبوني أن تقولوا: بس [وأن

سفر" يريد: "ليس من البر الصيام في السفر". وحكى "الأصمعي" أن "معاوية" قال ذات يوم لجلسائه: من أفصح الناس؟ فقام رجل من السماط، فقال: قوم تباعدوا عن عنعنة "تميم" وتلتلة "بهراء" وكشكشة "ربيعة" وكسكسة "بكر" ليس غمغمة "قضاعة" ولا طمطمانية "حمير" فقال: من أولئك؟ قال: قومك يا أمير المؤمنين. وأراد بعنعنة "تميم" أن "تميما" يبدلون من الهمزة عينا كما قال "ذو الرمة": (أعن توسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم) (يريد أن توسمت، وأما تلتلة "بهراء" فيكسرون حروف المضارعة فيقولون: أنت تعلم. وحدثني أحد شيوخي- رحمه الله- أن "ليلى الأخيلية" كانت ممن يتكلم بهذه ـــــــــــــــــــــــــــــ تقولوا هم] وأن تقولوا: ليس لفلان بخت). اهـ. في "القاموس" بس بمعنى حسب أو هو مسترذل، وفي شرح "التسهيل" بس بفتح الباء الموحدة وكسر السين المهملة المشددة، تقول: بس زيد، أي أرفق به، وقالوا: ضربه فما قال حسن ولا بس. وأهل زماننا يستعملونها بمعنى اترك القول أو الفعل ويسكنونها، وهذا فاش في لسان أهل مصر، وقد سمعت الكلام على هم، وأما بخت فبمعنى الحظ مولدة أو معربة. وقوله: (وقد روي عن "حميد" أنهم يجعلون آلة التعريف أم فيقولون: طاب أم ضرب، يريدون طاب الضرب) وفي "المغني" أنها نقلت عن "طي وحمير" وقيل: إن هذه اللغة مختصة بالأسماء التي لا تدغم لام التعريف في أولها، ولعل ذلك لغة لبعضهم لا لجميعهم، ألا تراها دخلت في الحديث على النوعين.

اللغة, وأنها استأذنت ذات يوم على "عبد الملك بن مروان" وبحضرته "الشعبي" فقال له: أتأذن لي يا أمير المؤمنين في أن أضحكك منها؟ قال: افعل, فلما استقر بها المجلس, قال لها "الشعبي": يا ليلى, ما بال قومك لا يكتنون؟ فقالت له: ويحك أما نكتني؟ فقال: لا والله ولو فعلت لاغتسلت, فخجلت عند ذلك واستغرق "عبد الملك" في الضحك. وأما كشكشة "ربيعة" فإنهم يبدلون عند الوقف كاف المخاطبة شيناً فيقولون للمرأة: ويحك ما لش فيقرون الكاف التي يدرجونها على هيئتها ويبدلون من الكاف التي يقفون عليها شيناً [قال راجزهم]: (تضحك مني إن رأتني أحترش ... ولو حرشت لكشفت عن حرش) عن واسع يغرق فيه القنفرش] وفيهم من يجري الوصل مجرى الوقف فيبدلون الكاف فيه أيضاً شيناً, وعليه أنشد بيت المجنون: (فعيناش عيناها وجيدش جيدها ... ولكن عظم الساق منش دقيق) ـــــــــــــــــــــــــــــ (وحكي "الأصمعي" أن "معاوية" قال يوماً لجلسائه: من أفصح الناس؟ فقام رجل من السماط وقال: قوم تباعدوا عن عنعنة تميم وتلتلة بهراء وكشكشة ربيعة وكسكسة بكر ليس فيهم غمغمة قضاعة ولا طمطمانية حمير, فقال: من أولئك؟ قال: قومك يا أمير المؤمنين).

وأما كسكسة "بكر" فإنهم يزيدون على كاف المؤنث في الوقف سيئاً ليبينوا حركة الكاف فيقولون: مررت بكس. وأما غمغمة "قضاعة" فصوت لا يفهم تقطيع حروفه. وأما طمطمانية "حمير" فقد مضى تفسيرها فيما تقدم. ـــــــــــــــــــــــــــــ في "كامل المبرد" قال "معاوية" يوماً: من أفصح الناس؟ فقام رجل من السماط فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق وتيامنوا عن كشكشة تميم وتياسروا عن كسكسة بكر, ليس فيهم غمغمة قضاعة ولا طمطمانية حمير فقال "معاوية": من أولئك؟ قال: قومي يا أمير المؤمنين. قال: من أنت؟ قال: رجل من جرم, وجرم من أفصح الناس. اهـ. وهم من اليمن لكنهم جاوروا مضر. ثم قال: وبكر تختلف في الكسكسة, فقوم منهم يبدلون من الكاف سيناً كما فعل التميميون في الشين, وقوم منهم يثبتون حركة الكاف ويزيدون بعدها سيئاً, و"بنو عمر بن تميم" إذا ذكروا كاف المؤنث ووقفوا عليها أبدلوا منها شيئاً لقرب الشين من الكاف في المخرج, لأنها مهموسة مثلها, فأرادوا البيان في الوقف لأن في الشين تفشياً والتي يدرجونها يدعونها كافاً وربما أبدلوا الكاف الأصلية المكسورة شيئاً فقالوا في ديك ديش كما قاله "ابن السيد", وروي بدل قوله: فراتية العراق لخلخانية العراق, واللخلخانية اللكنة من قولهم لخ في كلامه إذا جاء به ملتبساً, وعن "الأصمعي" نظر فلان نظر اللخلخانية وهو نظر الأعاجم, ولخلخان قبيلة أو موضع ينسب إليه. وفي "فقة اللغة" يعرض في لغة أعراب "الشحر" و"وعمان" كقولهم في ما شاء الله مشا الله. والغمغمة أن لا تبين الكلام, ويقال لأصوات الأبطال والثيران عند الذعر غماغم. والطمطمانية العجمة يقال: رجل طمطماني وطمطم, منه قالوا للعجيب: جعلت طمطم لما فيه من منكراً المنكرة الأعجمية كما في "الفائق". [وقال الثعالبي: هو إبدال الكلام ميماً]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والسماط الصف من الناس مأخوذ من السمط, ويقال لما يمد عليه الطعام تشبيهاً له أو للمجاورة. والعنعنة تكرير لفظة عن, [ومنه قول المحدثين: عنعنة فليست بمولدة كما توهمه المصنف.] وأما قصة "ليلى الأخيلية" فقيل نقلها عن "الشعبي" غير صحيح لأنه إمام ورع, وقد رويت على وجه آخر أنه قيل للمرأة ذلك فقالت له: كيف تقطع قول الشاعر: (حولوا عنا كنيستكم ... يا بني حمالة الحطب) فلما قطعه قال: ناكني وأراد أن يقول فاعلن, فقالت له: من هو الفاعل؟ اهـ. وهذه حكاية موضوعة. ولو قالته بعد قوله فاعلن لكانت النادرة أتم. وفي "فقه اللغة للصحابي" أجمع العلماء ورواة أشعار العرب وأيامها على أن قريشاً أفصح العرب ألسنة وأصفاهم لغة؛ لأن الله تعالى اختارهم من جميع العرب واصطفاهم واختار منهم نبي الرحمة فجعل قريشاً قطان حرمه وجيران بيته الحرام وولاته, وكانت وفود العرب حجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة المشرفة للحج ويتحاكمون في أمورهم إلى قريش, وكانت قريش تعلمهم مناسكهم وتحكم بينهم, ولم تزل العرب تعرف لقريش فضلها وتسميها أهل الله, لأنهم الصريح من ولد إسماعيل - عليه السلام - لم تشبهم شائبة ولم تنقلهم عن مناسبهم ناقلة تفضيلا من الله وتشريفا؛ إذ جعلهم رهط نبيه الأدنين وعشيرته الصالحين, وكانت قريش على فصاحتها وحسن لغتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم وفود العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلماتهم, فاجتمع ما تخيروه من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طبعوا عليها فصاروا بذلك أفصح العرب, ثم يليهم في الفصاحة الست من القبائل وهم خمس من "هوازن" يقال لهم: عليا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "هوازن" وعجز "هوازن" ومنها "سعد بن بكر" و"جشم بن بكر" و"نضر ابن معاوية" و"ثقيف" ثم سفلى "تميم". قال "أبو عبيد": وأفصح هؤلاء بنو سعد بن بكر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش وأني نشأت في بني سعد بن بكر" وكان مسترضعاً فيهم, وبهذا فسر "ابن عباس" الحديث: "أنزل القرآن على سبعة أحرف".

192 - قولهم قرضته بالمقراض وقصصته بالمقص

192 - قولهم قرضته بالمقراض وقصصته بالمقص ويقولون: قرضته بالمقراض وقصصته بالمقص, فيوهمون فيه كما وهم بعض المحدثين حين قال في صفة مزنون بالقيادة وإن كان قد أبدع الإجادة: (الق "ابن إسحاق" تلاقي فتى ... ليس امرؤ عنه بمعتاض) (إذا حبيب صد عن إلفه ... تيها وأعيى كل رواض) (ألف فيما بين شخصيهما ... كأنه مسمار مقراض) والصواب أن يقال: مقراضان ومقصان وجلمان لأنهما إثنان. ونظير هذا الوهم قولهم للاثنين: زوج وهو خطأ, لأن الزوج في كلام العرب هو الفرد المزواج لصاحبه, فأما الاثنان المصطحبان فيقال لهما: زوجان, كما قالوا: عندي زوجان من النعال أي نعلان, وزوجان من الخفاف أي خفان. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: قرضته بالمقراض وقصصته بالمقص فيوهمون فيه, كما وهم بعض المحدثين, حين قال في مزنوق بالقيادة وإن كان قد أبدع في الإجادة: (إذا حبيب صد عن إلفه ... تيها وأعيى كل رواض) (ألف فيما بين شخصيهما ... كأنه مسمار مقراض) هذا الشعر "لابن الرومي" كما ذكره "ابن بسام في "الذخيرة" في صفة قواد, ورواه هكذا إلا قوله: يسعى لكي يجمع وسطيهما .. قال "ابن بري": جاء العرب مقراض وجلمة بالإفراد كما قال الشاعر: (فعليك ما اسطعت الظهور ... وعلي أن ألقاك بالمقراض)

وكذلك يقال للذكر والأنثى من الطير: زوجان كما قال تعالى: {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى}. ومما يشهد بأن الزوج يقع على الفرد المزواج لصاحبه قوله تعالى: {ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين} ثم قال سبحانه في الآية التي تليها: {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} فدل التفصيل على أن معنى الزوج الإفراد. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال "سالم بن وابصة": (آذيت صدري طويلاً عمره حقداً ... منه وقلمت أظفاري بلا جلم) وله نظائر كثيرة تركناها خوف السآمة: وفي معنى الشعر قولهم: الباب وعقد درر الأحباب, وأشباهه وأشباهه. وفي قول المصنف مزنون. قيل: الصواب مزن أي متهم, وقيل: إنه مظنون, أبدلت ظاؤه زايا, وقد مر ما فيه فتذكر. (قال للذكر والأنثى من الطير: زوجان, كما قال تعالى: {خلق الزوجين}). ذكر أهل اللغة "كالراغب" وغيره أن الزوج يطلق على كل واحد من القرينين وعلى مجموعهما, وقد سمع كل منهما من العرب لأنهما مزدوجان, وكل منهما مزواج لغيره بدليل هذه الآية قوله تعالى {ثمانية أزواج} ثم فسرها بقوله: {من الضأن اثنين ... الخ}.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي "الدرر والغرر العلوية" في قوله تعالى: {من كل زوجين اثنين} قيل: المراد به من كل ذكر وأنثى اثنين, يقال لكل واحد من الذكر والأنثى: زوج [وقال آخرون: الزوجان هنا الضربان]. وقال آخرون: الزوج: اللون, وكل ضرب يسمى زوجا واستشهدوا بقول "الأعشى": (وكل زوج من الديباج يلبسه ... "أبو قدامة" مجبور بذاك معا)

(193) قولهم في تصغير شيء وعين شوئ وعوينة

(193) قولهم في تصغير شيء وعين شوئ وعوينة: ويقولون في تصغير شيء وعين: شوئ وعوينة, فيقلبون الباء وفيهما واوا, والأفصح أن يقال: شيء وعيينة بإثبات الياء وضم أولهما, وقد حوز كسر أولهما في التصغير من أجل الباء ليتشاكل الحرف والحركة, ومن هذا القبيل قولهم في تصغير ضيعة: ضويعة بيت: بويت, والاختيار فيهما: ضييعة وبييت كما أنشدت "اللخطيل بن أحمد". (إنه لم يكن لك ... أغناكا خل وزيت) (أو لم يكن ذا ولا ذا ... فكسرة وبييت) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في تصغير شيء وعين: شويء وعوينة فيقلبون الياء فيهما واوا والأفصح أن يقال: شييء وعيينة بإثبات الياء فيهما). ليس هذا بمتعين وقوله (الأفصح) ينادي عليه, فعده ذلك من الأوهام من فضول الكلام. وقد صرحوا به وفي "التسهيل" بجعل العين قبل حرف التصغير واواً وجوباً إن كانت ألفاً منقلبة عنها, فتقول في باب بويب, وجوازاً مرجوحاً إن كانت ياء أو ألفاً منقلبة عنها, فيجوز في شيخ وناب وشويخ ونويب, وكذا ضويعة وبويت, وقد أجاز ما منعه المصنف بعضهم, ونقله في "الدر المصون" عن الكوفيين, فقال: هم يقولون في تصغير شيء شويء, فليس ما ذكره المصنف بشيء.

(194) قولهم أشرف على الإياس.

(194) قولهم أشرف على الإياس. ويقولون: أشرف فلان على الإياس من طلبه, فيوهمون فيه كما وهم "أبو سعيد السكري" وكان من رحلة النحويين وأعلام العلماء المذكورين فقال: إنه إياساً سمن بالمصدر من أيس, وليس كذلك, وفي الكلام أنه يقال: أشرف على اليأس, لأنه أصل الفعل من يئس على وزن فعل. كما قال تعالى: {قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور"}. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقوون: أشرف فلان على الإياس من طلبه فيوهمون فيه). قال "أبو علي" في كتاب "الحجة": أيس مقلوب من يئس ييأس, وهو الأصل؛ لأنا لا نعلم المصدر جاء إلا على تقديم الياء نحو قوله: من يأسة اليائس أو حذارا. فأما "إياس" علم رجل فليس مصدر أيس, ولو كان كذلك كان من باب جذب وجبيذ, في أن كل واحد منهما أصل على حدة بلا قلب, وإياس مصدر أستة أأوسه أوسا إذا أعطيته, وإياس كقيام, ويسمى بإياس وأوس كما سموا بعطاء وعطية ومنه قول "النابغة": (وكان الإله هو المستآسا)

فأما قولهم: أيس بتقديم الهمزة فإنه مقلوب من يئس, واستدل شيخنا "أبو القاسم" على صحة ذلك بأن لفظة يئس تساوي لفظة اليأس الذي هو الأصل في نظم الصيغة ونس الحروف لكون الياء مبدوءا بها فيهما, والهمزة مثنى بها بخلاف العلة حكم على لفظة أيس بأنها مقلوبة من يئس. والمقلوب لا يتصرف تصرف الأصل ولا يكون له مصدر, وأما إياس فهو عند المحققين مصدر أسته أي: أعطيته, والاسم منه الأوس الذي اشتقت منه الموساة, فكأنهم سموا "إياساً" بمعنى تسميتهم عطاء. قال الشيخ "أبو القاسم" الفضل النحوي رحمه الله: فأما قولهم: جذب وجبذ فليست هاتان اللفظتان عند المحققين من النحويين من قبيل المقلوب كما ذكر أهل اللغة, بل هما لغتان, وكل واحدة منهما أصل في نفسها, ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مستفعل من العطاء [أي يسأل أن يعطي] وأما الأسوة فمن أسوت الجرح إذا داويته. اهـ .. وقال "ابن السكيت" أيس يأساً ويئس يأساً مصدرهما واحد, وأما "ابن القويطة" فقال: أيس من الشيء يأسا وإياساً فهو آيس. وفي قول المصنف (والاسم منه الأوس) نظر. وقوله: (اشتقوا منه المواساة) فيه أن [مادة] أوس من الأجوف, والمواساة معتلة اللام فهما أصلان مختلفان فكيف يشتق أحدهما من الآخر؟ وأيضاً المواساة بالواو, وإن

ولهذا اشتق لكل منهما مصدر من لفظة فقيل في مصدر جبذ كما قيل في مصدر جذب جذب. زمما يوهمون فيه أيضاً من شجون هذه اللفظة قولهم للقانط هو مؤيس من الشيء, والصواب أنه يقال فيه: يائس منه أو أيس, والأصل فيه يائس, ومنه قول "مقرون بن عمر الشيباني": (فما أنا من ريب المنون بجباً ... وما أنا من سيب الأله بيائس) فأما المؤيس فهو الذي عرضه لليأس وألجئ إليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ جوزت على قلة خطأ عند المصنف فالصواب المؤاساة بالهمز, وقاعدة القلب التي قررها مما فصل في كتب الصرف. [وقولهم للقانط: مؤيس ليس بخطأ كما زعمه المصنف؛ لأن الله ألجأه إلى ذلك, فبهذا الاعتبار يصح. وجبأ كشكر مشدد الباء مهموز بمعنى جبان].

(195) قولهم: رزبطانة.

(195) قولهم: رزبطانة. يقولون: للقناة الجوفا, التي يرمى عنها بالبندق: زربطانة, والصواب أنه يقال فيها: سبطانة لاشتقاق اسمها من السبوطة وهو الطول والامتداد, ومنه الساباط لامتداده بين الدارين. ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقولون للقناة) الجوفاء التي يرمى بها البندق: زربطانة, والصواب أن يقال فيها: سبطانة لاشتقاق اسمها من السبوطة وهي الطول والامتداد, ومنه سمي الساباط لامتداده بين الدارين). الزريطانة القناة المذكورة وما يضاهيها, استعملها المولدون كقول "ابن حجاج": (لها في صرمها بعر صغار ... على مقدار حب السيسبانة) (به ترمي لحى متعشقيها ... كما يرمي الفتى بالزربطانة) وهي لفظة غير صحيحة, وأما كون السبطانة بهذا المعنى عربية [صحيحة] فلست على ثقة بذلك ولم يذكرها إلا المصنف و"الجواليقي". والساباط بمعنى السقيفة عربي, وأما اسم البلدة فأعجمي كما قيل.

(196) قولهم: جرح الرجل في ثديه.

(196) قولهم: جرح الرجل في ثديه. ويقولون: جرح الرجل في ثديه, فيوهمون فيه والصواب أنه يقال: جرح في ثندؤته, لأن الثدي يختص بالمرأة, والثندؤة تختص بالرجل, وفيها لغتان: وثندؤة بضم الثاء والهمزة وثنوة بفتح التاء وترك الهمزة, وتجمع الثندؤة على الثنادي وقد قيل فيها: إنها طرق الثدي. فأما تسمية المقتول من الخوارج بالنهر وأنه "ذا الثدية" فليست الإشارة فيم إلى أن له ثدياً فأضيف إليه, ولا التصغير واقع على الثدي أيضاً, لأن الثدي مذكر والمذكر لا تلحقه الهاء إذا صغر, وإنما المراد منه أنه يده كانت لنقص خلقها تشبه بالقطعة من ثدي المرأة فأنثت عند التصغير أسوة المؤنث المصغر, ويعضد هذا القول ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون: جرح زيد في ثديه, فيوهمون فيه والصواب أن يقال في ثندوته) لأن الثدي يختص بالمرأة والثندوة تختص بالرجل. هذا مما ذهب إليه بعض اللغويين, وذهب غيره إلى عمومه فقال: الثدي يذكر ويؤنث, وهو للرجل والمرأة, واقتصر في "القاموس" على تذكيره وهو الشهر. وفي "صحيح مسلم": أن رجلا من الصحابة وضع ذباب السيف بين ثدييه" فاستعمل الثدي للرجل, وفي شرحه؛ الثدي مذكر على اللغة الفصيحة وعليها اقتصر "الفراء" و"الثعلب" وكثير من أهل اللغة. وحكى "ابن فارس" و"الجوهري" فيه التذكير والتأنيث, وقال "ابن فارس": الثدي للمرأة يقال لذلك الموضع من الرجل ثندوة بالفتح بلا همزة وبالضم مع الهمزة. قال "الجوهري": الثدي للمرأة والرجل, فعلى قول "ابن فارس" يكون الثدي استعير

أنه قد سمي في بعض الروايات: ذا اليدية تنبيها على المعنى المبدوء به, وذكر بعضهم أنه التصغير وقع على لحمة كانت ملتصقة بالثندوة تشبه لحملة, فجأة والتأنيث من قبل اللحمة لا من قبل الثدي, والدليل على تذكير الثدي قول الشاعر: (وصدر مشرق النمر ... كأن ثدييه حقان) ـــــــــــــــــــــــــــــ للرجل, وفي الحديث الصحيح "أنه حفر للغامدية إلى ثندوتها" كما رواه "أبو داود" وصحيحه" "ابن حجر" وقال: إنه استعمل فيه الثندوة للمرأة فليست مخصوصة بالرجل كما قيل. ومن الغريب هنا قول بعض علماء العصر على تقدير تذكير الثدي واختصاصه بالمرأة مع تأنيث الثندوة واختصاصها بالرجل يكون ما للرجل مؤنثاً وما للمرأة مذكراً كما في باب العدد, وهما كلمتان مختلفتان. [ومن الفوائد هنا ما] في "القصريات" ["لأبي علي الفارسي"] فإنه قال في جمع فِعْل على فِعَلَة نحو: قِرْد وقِرَدَة, وبابه ألزم الهاء ليفرق بين جمع المؤنث والمذكر مثل كِسْرة وخرقة وكِسَر وخِرَق, وهي لتأكيد الجمع كما في أسماء العدد لأنها بمعنى الجماعة ثم حذفت من المذكر للفرق بينهما.

ويروي ثدياه بالرفع على تقدير إضمار الهاء أي كأنه, وقد قيل: إنه كأن جاءت بمعنى لكنه فلهذا رفع, ورواه "المبرد" كأنه ثدييه, فقيل له: بأي شيء نصيته؟ فقال: أراد كأنه فأعملها مع التخفيف. ومن أوهامهم أيضاً الثدي جميعهم إياه على ثدايا, والصواب جمعه على ثُدِي, وكان الأصل فيه ثدوء على وزن فعول, فقلبت الواو ياء لسكونها قبل الياء ثم أدغمت إحدى الياءين في الأخرى. ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأما تسمية المقتول بالنهروان "ذي الثدية" فليست لإشارة فيه إلى أن له ثديا). [يعنى أن المراد به أن يده لنقص خلقتها شبهت بثدي المرأة بدليل أنه روى ذا اليدية بياء تحتية فليس مما نحن فيه حتى يرد نقصا]. وقيل: إنه مصغر ثدي بناء على أنه مؤنث كما مر, وقيل: هو مصغر ثندوة بحذف نونه وقلب واوه ياء. وفي "مسلم" في حديث الخوارج: فيهم رجل له عضد وليس له ذراع وعلى [عضده] مثل حلمة الثدي عليه شعرات [بيض] .. الحديث, وفي "أبي دواد" مثله, وهو "نافع المخدع" ولقب ذا الثدية, كما في "جامع الأصول".

(197) قطع همزة الوصل في ابن وابنة واثنين واثنتين

(197) قطع همزة الوصل في ابن وابنة واثنين واثنتين ومن جملة أوهامهم أنهم إذا ألحقوا لام التعريف بالأسماء التي أولها ألف وصل نحو: ابن وابني واثنين واثنتين سكنوا إم التعريف وقطعوا ألف الوصل احتجاجاً بقول "قيس بن الخضيم": (إذا جاوز الإثنين سر فإنه ... يبث وتكثر الوشاة قمين) والصواب من لك أن تسقط همزة الوصل وتكسر لام التعريف. [العلة والعلة فيه أنه لما دخل لام التعريف عي هذه الأسماء صارت همزة ـــــــــــــــــــــــــــــ (إذا جاوز الإثنين سر فإنه ... يبث وتكثر الوشاة قمين) هذا من قصيدة "لقيس بن الخطيم" الأنصاري, والخطيم مصغر بخاء معجمة وطاء مهملة, ومنها: (أجود بمضمون اللاد وإنني ... بسرك عما ساءني لضنين) (إذا جاوز الإثنين سر فإنه ... ببث وتكثير الحديث قمين) (فإن منع الإخوان سراً فإنني ... كتوم الأسرار العشير أمين) (يكون له عندي إذا ما ضمنته ... مكان بسوداء الفؤاد كمين) سل من جليسي في الندى وصاحبي ... ومن هو لي بين الرجال خدين)

الوصل حشوا, والتقء في الكلمى ساكنان: لام التعريف] والحرف الساكن الذي بعد همزة الوصل, فلها وجب كسر لام التعريف. فأما البيت المستشهد به فمحمول على ضرورة الشعر, علء أن "أبا العباس المبرد" كر أن الروايى فيه: إذا جاوز الحلين ... وإنت كان الأشهر الروايى الأولى, حتى أن بعضهم أشار إلى أنه عني بالاثنين الشفتين. وكذلك الحكم فيما يلحق بأسماء المصادر التي أولها همزى الوصل من لام التعريف من إسقاط الهمزى وكسر لام التعريف كقولك: إقتدار وانطلاق والاحمرار للعلة التي تقدم ذكرها. وأمثلة ها القبيل من المصادر تسعة: ثلاثة خماسية وهي: أفتعل نحو اقتدر, وانفعل نحو انطلق, وافعل نحو احمر, وستى سداسية وهي: استفعل نحو استخرج وانفعلل نحو اقعنس, وافعوعل نحو اخشوشن, وافعول نحو اجلود, وافعال نحو احمار وافعلل نحو اقشعر. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأي أخي حرب إذا هي شمرت ... وقدوة خصم يا نوار أكون) (وما يحذر الجار الغريب خيانتي ... وإن لم يزل في المقرفين خؤون) وهي طويلة, والبث بالباء الموحدة بمعنى الإفشاء, ويروى نبث بالنون, وهو بمعناه. وقمين بمعنى حقيق وجدير.

(198) قولهم تجزت القصيدة

(198) قولهم تجزت القصيدة ويقولون: نجزت القصيدة بفتح الجيم إشارة إلى انقضائها, وليس كذلك لأن معنء نجز بفتح الميم حضر ومنه قولهم: بعته ناجزاً يناجز أي حاضراً بحاضر ونقداً بنقدز فأما إن كان بمعنى الفناء والانقضاء فالفعل منه نجز بكسر الجيم. ذكر ذلك "أبو عبيد الهروى". في كتاب "القريبين" والشاهد عليه قول "النابغة": (وكانوا ربيعا للتيامى وعصمة ... فملك "أبي قابوس" أضحء وقد نجز) ـــــــــــــــــــــــــــــ (نجز بفتح الجيم بمعنى حضر, ومنه قولهم: ناجزاً بناجز أي حاضراً بحاضر ونقداً بنقد, فأما إذا كان بمعنى الانقضاء فالفعل نجز بكسر الجيم) هذا غير متفق عليه, وفي "الحواشي" قال "ابن طريف" اللغوي: نجزت الحاجة نجازا, ونجز أيضاً ذهب وانقضى, فجعلها بفتح الجيم في الجميع, يقال: نجز الشيء نجزاً: ذهب وانقضى ونجزت الحاجة نجازاً انقضت ونجز الشيء نجازاً أحضر, ومنه ناجز ومناجز, وأجاز بعض أهل اللغة نجز أيضاً بالفتح. ثم أنشد المصنف شعر "النابغة" وهو: (وإن امرءا يرجو الخلود وقد رأى ... سرير "أبي قابوس" يغدي به عجز) (وكنت ربيعاً لليتامى وعصمة ... فملك "أبي قابوس" أضحى وقد نجز) أقول: التحقيق في نجز ما في شرح "الكتاب" "لابن غالب" وهو: قال: "الحريري" في "الدرة": نجز بفتح الجيم من باب ضرب: حضر ومنه بعته ناجزاً بناجز وحاضراً بحاضر, وإذا كان بمعنى نفد أي في وانقضى فهو بكسر الجيم من باب علم كما في "الغريبين" "للهروي" وعليه قول "النابغة": أضحى وقد نجز ... وفي الحديث "في الصرف إلا ناجزاً بناجز لا يجوز غيره, ونجز ينجز إذا حضر, وأنجز وعده أحضره, والمناجزة في الجود المفاخرة, وأنشدوا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلتأكلن مناجزاً من مالنا ... ولتشربن بدن عام قابل) أي بحاضر من مالنا, وأما نجز ينجز نجزا فبمعنى في. انتهى كلام "الهروي" وهو المعروف لا ما قاله "الأعلم". اهـ. [وهذا لم أقف عليه [إلا] بعد تتبع كثير فعليك بحفظه في خزاين الأفهام فإنه من الحور المقصورات في الخيام]. و"أبو قابوس" هو "النعمان بن المنذر" ملك العرب, و"قابوس" معرب "كاووس".

(199) جمع أسماء الأجناس.

(199) جمع أسماء الأجناس. ويقولون في جمع جوالق: حد القات فيخطئون لأن القياس المطرد أن لا تجمع أسماء الجنس المذكر بالألف والتاء, وإما أشذت العرب عن هذا القياس أسماء جمعتها بالألف والتاء تعويضاً لأكثرها عن تكسيره, وهي حمام, وساباط, وس رادق, وإيوان, وهاوون, وخيال, وجواب, وسجل, ومكتوب, ومقام, ومصام, وإوان - وهو حديدة تكون مع الرائض - وبوان بكسر الباء وضمها وهو عمود في الخباء. وقالوا في جمع [شعبان] ورمضان وشوال والمحرم: شعبانات ورمضانات وشوالات ومحرمات, وجميع ذلك مما شذ عن الأصول ولا يستعمل فيه غير المحصور المنقول, ولهذا عيب علء "أبي الطيب" جمعه بوقا علء بوقات في قوله: (فإن يك بعض الناس سيفا لدولة ... ففي الناس بوقات لها وطبول) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويقولون في جمع جوالق: حوالقات, فيخطئون فيه؛ لأن القياس المطرد أن لا يجمع أسماء الأجناس المذكرة بالألف والتاء). الجوالق: الغرارة, معرب "كوالة", وفي "القاموس" هو بكسر الجيم واللام بضم الجيم وفتح اللام وكسرها. وجمعه جوالق كصحائف وجواليق وجوالقات. اهـ. ومن حفظ أسماء الجنس المذكرة فعد منها: (حمام) وقالوا في جمعه: حمامات, وقد قيل: إنه سمع تأنيثه, وعربيته في القديم "ديماس", وقيل لبعض الحمقى: لم قيل في جمع الحمام حمامات وهو مذكر؟ قال إنما جمع لحمام النساء و (ساباط) مر تفسيره قريبا. (وسرادق) وهو ما يمد على صحن الدار, معرب "سراده" وجمعه سرادقات. و (إيوان) بكسر الهمزة صفة عظيمة ويجمع على إيوانات وأواوين.

فاْما جمعهم سراويل علء سراويلات وطريقًا علء طرقات فهو من قبيل جمع المؤنث لتأنيثها في بعض الدفات. فأما جُوالق فذكر سيبويه" أنه لم يسمع عنهم في جمعه الاجواليق، وأجاز غيره أن يجمع على جوالق بفتح الجيم، كما قالوا في غرانق وهو الشباب غَرايق بالفتح، ومن حلاحل وهو السيد الوقور حَلاحِل بالفتح، ومن عُراعر وهو رئيس القوم عَراعر، فإن قيل: كيف جمع المصغر بالألف والتاء نحو: ثويبات دريهمات؟ فالجواب أن المصغر بمنزلة الموصوف، إذ لا فرق بين قولك بويب وباب صفير، وصفات المذكر الذي لا يعقل تجمع بالألف والتاء، نحو السيوف المرهفات والجبال الشامخات والأسود الضاريات، ومن حكم هذا النوع من المذكر المجموع بالألف والتاء أن يذكر في باب العدد بلا هاء كالمؤنث فيقال: كتبت ثلاث سجلات وبنيت ثلاث حمامات لأن الاعتبار في باب العدد باللفظ دون المعنى، وأجاز بعضهم أن تلحق الهاء في عدده اعتبارًا بمعنى واحِدِه لا بلفظ جمعه، فيقال: ثلاثة سجلات ـــــــــــــــــــــــــــــ و(خيال) ما يتراءى في اليقظة أو الحلم، وسمع فيه خيالة وجمعه على خيالات، ويقال: أخيلة أيضًا، قال "المتنبي": إذا خيالاته أطفن بنا ... أضحكه أني لها حامد وخيالات كما قال "الكندي" يجوز أن يكون جمع خيالة وهو الأصل، أو جمع خيال وهو القياس في جمع ما لا يعقل. و(جواب) هو جواب السائل المعروف يجمع على جوابات، لكن قال "ابن الجوزي" في "ذيل الدرة" قال "العسكري": العامة تقول في جمع الجواب: جوابات وأجوبة وهو خطأ، لأن الجواب مثل الذهاب لا يجمع قياسًا. قال "سيبويه": الجواب لا يجمع، وقولهم: جوابات وأجوبة مولد. اهـ.

وخمس حمامات لأن واحدهما سجل وحمام، وكلاهما مذكر كما يقال: ثلاثة طَلَحات وخمسة حمزات. فأما حكم بطات وحمَامَات فعند أكثرهم أن الاعتبار فيها باللفظ فيقال: عندي ثلاث بطَّات ذكور، لأن نقطة البطة مؤنثة وان وقعت على مذكر. [فلهذا فلهذا وجب أن يجرد العدد فيها من الهاء، وكذلك لما كان الغالب على المجموع بالألف والتاء أن يكون مؤنث الذي تجرد عدده من الهاء لحق به ما جمع عليهما من جنس المذكر ليطرد الحكم فيه، ويسلم أصله المنعقد من نقص يعتريه]. وذكر بعضهم أنه يراعى الأسبق من الُمفَسَّرَيْن فإن قال: عندي ثلاث بطات ذكور جرد من الهاء لتقدم المفسَّر المؤنث، وإن قال: عندي ثلاث ذكور من البط أثبت الهاء الهاء لتقدم المفسَّر المذكر. ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه من قال: الحمام مؤنث (2) فشبهته أن "الجوهري" أنشد بيتًا وقع فيه مؤنثًا وهو: وإذا دخلت سمعت فيها رنة ... صوت المعاول في بيوت هداد ويروى: لغط المعاول. قال "التاج السبكي" كذا اْورده "الجوهري" في فصل العين من باب اللام. وعبارته "المعول": الفأس العظيمة ينقر بها الصخر وجمعه معاول، وأما قوله في صفة الحمام وأنشد البيت: معاول وهداد- فهما حيان من الأزد. اهـ. والحمام مضبوط بتشديد الميم -ضبط قلم- وعليه عَوَّل "ابن الخباز" في قوله إنه مؤنث. وفي "تاريخ المظفري" ما نصه أن "آمر بن حصن" كان يذبح الحمام، فخشي "الجعد السدوسي" أن يذبح حمامًا كان له فقال: أمر "ابن حصن" بالحمام فساءني ... أخشى على طرفي نفاد تلادي خضر مطوقة الغريد كأنما ... خضبت قوائمهن بالفرصاد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإذا دخلت سمعت فيها رنة ... لغط المعاول في بيوت هداد) وهذا يقتضي أن الحمام مخفف الميم اسم للطائر المعروف, لا مشدداً اسماً للمكان. وفيه أيضاً المقاول جمع مقول بالقاف, وهو والقيل بمعنى في لغة اليمن. اهـ. من تذكرة "الصفدي"] وقوله: (وسجل) يجمع على سجلات, وهو مذكر, أو مؤول بصحيفة. (ولهذا عيب على "أبي الطيب" قوله: (وإن يك بعض الناس سيفاً لدولة ... ففي الناس بوقات لها وطبول) هو من قصيدة له مدح بها سيف الدولة, وأولها: (ليالي بعد الظاعنين شكول ... طوال وليل العاشقين طويل) ومعناه: من لا غنى فيه أو من يشيع أمره كالطبل والزمر, وإنما عيب عليه لأنه لفظ ثقيل مستهجن. قال "الواحدي": البوق جاء في كلام العرب وجمعه بوقات وإن كان مذكراً كحمام وحمامات. فقد عرفت أنه سمع جمعه, وإنما لم يعب عليه من هذه الجهة التي قالها المصنف, وإنما هو من جهة أنها لفظة غريبة مستكرهة في السمع, وهو معرب "بوري". وفي "الأساس": من المجاز رجل ينفخ في البوق إذا كان ينطق بالكذب والباطل وما لا طائل تحته, وجاء بالبوق ونطق بوقاً. قال "حسان": (إلا الذي نطقوا بوقاً ولم يكن) وتبوق فلان: كذب. (فأما جوالق فذكر "سيبويه" أنه لم يسمع عنهم في جمعه إلا جواليق, وأجاز غيره أن يجمع على جوالق بفتح الجيم كما قالوا في جمع غرانق). استطرد فذكر ما جاء من فواعل بالضم وجمعه فواعل بالفتح فلم يفرق بين مفرده وجمعه المكسر بغير حركة واحدة, وهو من النوادر, وذكر المصنف له أربعة أمثلة, وقد زاد "ابن السيد" في شرح "أدب الكاتب" الخشارم بضم الخاء في المفرد وفتحها في الجمع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - الذي يتطير - وقراقر وعذاقر. فصارت سبعة. (جمع المصغر بالألف والتاء نحو ثويبات ودريهمات). علله المصنف بأنه بمنزلة صفات ما لا يعقل, وهي تجمع كذلك كجبال شامخات, وعلله غيره بأنه إنما جمع كذلك لتسلم علامة التصغير ولو كسرت لزالت وجعلوا ما لا يعقل في حكم المؤنث. ولكل وجهة. (ومن حكم هذا النوع من المذكر المجموع بالألف والتاء أن يذكر في باب العدد بلا هاء كالمؤنث, فتقول: كتبت ثلاث سجلات وبنيت ثلاث حمامات؛ لأن الاعتبار في باب العدد باللفظ دون المعنى). هذا مذهب بعض الكوفيين. قال "الشاطبي" في شرح "الألفية": قالت طائفة من النحاة: يعتبر في العدد لفظ الجمع لا لفظ المفرد, فيقولون ثلاث سجلات وأربع حمامات وخمس سرادقات ونحوه, والعرب على خلاف ما قال هؤلاء, وهو مذهب البصريين. اهـ. فما قاله المصنف مبني على هذا المذهب الضعيف الذي ذهب إليه بعض الكوفيين. [والصحيح أنه يراعي في الجموع آحادها فتقول: ثلاثة أرغفة, فتثبت التاء في ثلاثة نظراً إلى الرغيف, وإن كان في أرغفة تاء التأنيث, وكذلك ثلاثة سجلات نظراً إلى السجل, فإن أضيف العدد إلى اسم مفرد وهو جمع معنى وليس جمع سلامة ولا تكسير روعي لفظه دون واحده, نحو ثلاثمائة, فراعيت المائة ولم تراع العدد, وكذلك ثلاث من الخيل والإبل لأنها اسم مفرد وليس بجمع. وأما ثلاثة طلحات فإنما لزمته التاء لأن العبرة في هذا الباب بالتأنيث المعنوي حقيقة أو مجازاً لا بالتاء, فافهم, فإن المصنف ضبط فيه خبط عشواء].

200 - الفرق بين نعم وبلى

200 - الفرق بين نعم وبلى ومن أوهامهم [الزارية على أفهامهم, العاكسة معنى كلامهم] أنهم لا يفرقون بين معنى نعم وبلى, فيقيمون إحداهما مقام الأخرى, وليس كذلك؛ لأن نعن تقع في جواب الاستخبار المجرد من النفي, فترد الكلام بعد حرف الاستفهام, كما قال تعالى: {فل وجدتم ما وعد ربكم حقاً قالوا نعم} لأن تقديره وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً, وأما بلى فتستعمل في جواب الاستخبار عن النفي, ومعناها إثبات المنفي ورد الكلام من الجحد إلى التحقيق, وهي بمنزلة بل, حتى قال بعضهم: إن أصلها بل, وإنما زيدت عليها الألف ليحسن السكوت عليها, وحكمها أنها متى جاءت بعد ألا وأما وأليس رفعت حكم النفي وأحالت الكلام إلى الإثبات, ولو وقع مكانها نعم لحققت النفي وصدقت الجحد, ولهذا قال "ابن ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال: (إنهم لا يفرقون بين معنى نعن وبلى, فيقيمون إحداهما مقام الأخرى, وليس كذلك؛ لأن "نعن" تقع في جواب الاستخبار المجرد من النفي, فترد الكلام الذي بعد حرف الاستفهام). قال "ابن بري: اعلم أن "نعم" مصدقة للجملة التي قبلها فيقدر إعادتها بعد "نعم" من غير استفهام, فإذا قال: أزيد قائم؟ فقلت: نعم فتقديره: نعم زيد قائم, فإن قال: أزيد ليس قائماً؟ فقلت: نعم فتقديره: نعم ليس زيد قائماً, أبداً داخلة على الجملة التي قبلها تقديراً من غير استفهام, موجبة كانت أو سالبة. وأما "بلى" فلا تقع إلا بعد النفي موجبة للجملة, فإذا قال: أليس زيد قائماً؟ قلت: بلى فتقديره: بلى زيد قائم بتقدير جملة موجبة؛ لأنك تسقط أداة النفي مع حرف الاستفهام وتبقى الجملة بحالها. فإن قال: أليس زيد لا يملك ديناراً؟ فقلت: بلى فتقديره: لا يملك ديناراً, فيسقط النفي الأول المصاحب لألف الاستفهام لا غير, ويبقى الثاني لا يغيره, ولو أتيت بنعم في هذا الموضع لصار تقديره نعم ليس زيد لا يملك ديناراً فتوجب له ملك الدينار, وبلى تنفيه. (ولهذا قال "ابن عباس" ... الخ).

عباس" في تأويل قوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} لو أنهم قالوا: نعم لكفروا, وهو صحيح لأن حكم نعم أن ترفع الاستفهام, فلو أنهم قالوا: نعم لكان تقدير قولهم: لست بربنا وهو كفر. وإنما دل على إيمانهم بلى التي يدل معناها على رفع النفي فكأنهم قالوا: أنت ربنا, لأن أنت بمنزلة التاء التي في لست. ويحكى أن "أبا بكر بن الأنباري" حضر مع جماعة من العدول ليشهدوا على إقرار رجل, فقال أحدهم للمشهود عليه: ألا نشهد عليك؟ فقال: نعم, فشهدت الجماعة عليه, وامتنع "أبو بكر بن الأنباري" وقال: إن الرجل منع أن يشهد عليه بقوله نعم, لأن تقدير جوابه بموجب ما بيناه لا تشهدوا علي. ـــــــــــــــــــــــــــــ [قال "ابن عادل": فيه نظر إن صح عنه, وذلك أن هذا النفي صار نقرراً فكيف يكفرون بتصديق التقرير, وإنما المانع من جهة اللغة, وهو أن النفي مطلقاً إذا قصد إيجابه أجيب ببلى وإن كان مقرراً بسبب دخول الاستفهام عليه, وإنما كان كذلك تغليباً لجانب اللفظ, ولا يجوز مراعاة جانب المعنى إلا في ضرورة شعر كقوله: (أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيانا وذاك بنا تداني) (نعم وأرى الهلال كما تراه ... ويعلوها النهار كما علاني) وفيه بحث "لابن مالك" قال في "التسهيل": بلى لإثبات نفي مجرد أو مقرون باستفهام, وقد يوافقها بعض المقرون, ولم يقيده بضرورة الشعر, وكيف يصح أن يكون ضرورة؟ .

وفي لفظة "نعم" لغتان: كسر العين وفتحها, وقد قرئ [بهما] وجمع بعضهم بين اللغتين في بيت فقال: (دعاني "عبد الله" نفسي فداؤه ... فيا لك من داع دعاني نعم نعم) ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال "المرادي": إن منه قول الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم وقد قال لهم: "ألستم ترون ذلك؟ قالوا: نعم". وإنما ساغ هذا لأمن اللبس, وقد تؤول بيت "جحدر" بأنه جواب لمقدر في نفسه من أن الليل يجمعه وأم عمرو, وأجاز بعضهم أن يكون جواباً لما بعده فقدم. وقال "أبو حيان": الأولى أن يكون جواباً لقوله: فذاك بنا تدانى. وقال "الكرماني": إنه كذلك في أصل اللغة, وأما العرف فلا يفرق بينهما, ومنه يعلم الجواب عما حكاه عن "ابن الأنباري". وفي "المغني": بلى لا يجاب بها الإيجاب وذلك متفق عليه, ولكن وقع في عدة أحاديث ما يقتضي خلافه كحديث "البخاري" أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى, لكنه قليل لا يقاس عليه. (حتى قال بعضهم: إن أصلها بل, وإنما زيدت الألف ليحسن السكوت عليها)]. [قال "ابن فارس" في فقه اللغة للصحابي": إنها بل وصلت بها ألف لتكون دليلاً على كلام: يقول القائل: أما خرج زيد؟ فتقول: بلى. فبلى رجوع عن جحد, والألف فيها دلالة على كلام كأنك قلت: بل خرج زيد, يعني أنها مدة كمدة التذكير] [وفيما أنشده من قول الشاعر: (فيا لك من داع دعاني نعم نعم) جمع بين اللغتين ليتغاير لفظاهما, ولو فتحت عينها كان تأكيداً, ومما يحسن إيراده هنا قولي: (وقائلة في فتية وعظوا وما ... لهم عظة تجدي لدى سائر الأمم) (أهم إبل للماء يحمل ظهرها ... وقد ظمئت في البر؟ قلت: نعم نعم]

[201]- الفرق بين مساء صباح مركبة ومضافة

[201]- الفرق بين مساء صباح مركبة ومضافة ومن ذلك أنهم لا يفرقون بين قولهم: زيد يأتينا صباح مساء على الإضافة ويأتينا صباح مساء على التركيب, وبينهما فرق يختلف المعنى فيه, وهو أن المراد به مع الإضافة أنه يأتي في الصباح وحده؛ إذ تقدير الكلام يأتينا في صباح مساء, والمراد به عند تركيب الاسمين وبنيتها على الفتح أنه يأتي في الصباح والمساء. وكان الأصل هو يأتينا صباحاً ومساء فحذفت الواو العاطفة وركب الاسمان وبنيا على الفتح لأنه أخف الحركات, كما فُعِل في العدد المركب من أحد عشر إلى تسعة عشر. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ذلك أنهم لا يفرقون بين قولهم: زيد يأتينا صباح مساء على الإضافة ويأتينا صباح مساء على التركيب). حاصل فرقه أن في الإضافة الإتيان [في الصباح فقط وفي التركيب] في الصباح والمساء معا, وليس كما قال؛ "ابن بري": ليس هذا الفرق مذهب أحد من النحويين [البصريين] قال "السيرافي": يقال سير عليه صباح مساءٍ وصباحَ مساءَ وصباحاً مساءً, ومعناهن واحد, وليس سير عليه صباح مساءٍ مثل ضربت غلام زيد في أن السير لا يكون إلا في الصباح كما أن الضرب لا يقع إلا بالأول وهو الغلام دون الثاني؛ لأنك لو لم ترد أن السير وقع فيهما لم يكن في إتيانك بالمساء فائدة, وهكذا قال "سيبويه" فلا عبرة بما قاله المصنف. وعلى ذكر صباح مساء يحسن إيراد قولي فيه: (يا طرة من فوق غرة شادن ... تهدي لرائيها ضنى الأهواء) (عبث الغرام بمهجتي في حبها ... عبث النسيم بها صباحَ مساءِ)

[202]- الفرق بين الترجي والتمني

[202]- الفرق بين الترجي والتمني ومن ذلك أنهم لا يفرقون بين الترجي والتمني, والفرق بينهما واضح, وهو أن التمني يقع على ما يجوز أن لا يكون, كقولهم: ليت الشباب يعود, والترجي يختص بما يجوز وقوعه, لهذا لا يقال: لعل الشباب يعود, ولأجل افتراقهما في هذا المعنى فرق البصريون من النحويين بينهما في باب الجواب بالفاء, فأجازوا أن تقع الفاء جواباً للتمني في مثل قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً} , ومنعوا أن تقع الفاء جواباً للترجي, وضعفوا قراءة من قرأ: {لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى} بنصب أطلعَ, ورجحوا قراءة من قرأ بالرفع. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأجازوا أن تقع الفاء جواباً للتمني في مثل قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً} , ومنعوا أن تقع جواباً للترجي, وضعفوا قراءة من قرأ {لعلي أبلغ الأسباب - أسباب السموات فأطلع ... } بالنصب). [قال في "المغني": قول "فرعون" لعلي أبلغ ... الخ] إنما قاله جهلاً ومخرفة وإفكا, قال "الزمخشري" وغيره: إنه أشربها معنى ليت, وليت تتعلق بالمستحيل غالباً وبالممكن قليلاً, فقد علم أنه يقام كل منهما مقام الآخر, وإن مثله ورد في النظم الجيد, وأثبته الثقات, فلا عبرة بما قاله المصنف.

[203]- الفرق بين العر والعر

[203]- الفرق بين العَر والعُر ومن ذلك أنهم لا يفرقون بين العَر والعُر, بفتح العين وضمها, وبينهما فرق في اللغة, وهو أن العَر بالفتح الجرب, وبالضم قروح تخرج من مشافر الإبل وقوائمها, وكانت الجاهلية إذا رأتها ببعير كوت مشافر الصحاح, ويرون أنهم إذا فعلوا ذلك ذهبت القروح من إبلهم, على ما أبدعوه من أضاليل أحكامهم, وإلى هذا أشار "النابغة" في قوله: (وحملتني ذنب امرى وتركته ... كذى العُر يكون غيره وهو راتع) ومن رواه: كذى العَر بالفتح فقد وهم فيه؛ لأن الجرب لا تكوى الصحاح منه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ذلك أنهم لا يفرقون بين العَر والعُر بفتح العين وضمها, وبينهما فرق في اللغة, وهو أن العَر بفتح العين الجرب وبضمها قروح تخرج من مشافر الإبل). تبع المصنف فيما ذكره ظاهر كتب اللغة المشهورة, وقد ذهب كثير من أهل اللغة إلى خلافه, وفي "القاموس": العَر والعُر والعُرة أو بالفتح الجرب وبالضم قروح تخرج من أعناق الفصلان, وفي "الصحاح": العُر بالضم قروح مثل "القوبا" تخرج في الإبل متفرقة في مشافرها وقوائمها يسيل منها ماء أصفر, فتكوى الصحاح لئلا يعديها المرض, وكون المكوي هو الصحيح يشهد له بيت "النابغة" وقال "الأصمعي": يكوى واحد مما أصابه الداء, وقال "ابن بري": إنما تكوى مشافر الصحاح لأن من شأن الإبل أن يحك بعضها بمشافرها, فإذا كوي مشفر البعير لم يحك به فيأمن بزعمهم من العدوى, وقيل: إنما تكوى أعجازها لا مشافرها, لأن الذي به العر يحك مشافره بأعجاز ما صح منها وما سقم, فإذا حك بمواضع الكي ينتفع به. وما أنشد "للنابغة" من قصيدة يعاتب بها النعمان بن المنذر أولها: (عفا ذو حسا من فرقتنا فالفوارع ... فجنبا أريك فالتلاع الدوافع)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (أترعد عبداً لم يخنك أمانة ... وتترك عبداً ظالماً وهو ضائع) (حملت عليه ذنبه وتركته ... كذي العر يكوي غيره وهو راتع) كذا رأيته في ديوانه، وما ذكره المصنف من أنه يكوي الصحيح فيبرأ السقيم قول «الأصمعي و «أبي عمرو»، وقال «ابن دريد»: إنما يكون الصحيح لئلا يتعلق به الداء لا ليبرأ السقيم، فمعني البين حينئذ أنك تركت المذنب وآخذت البري، وهذا مثله، لأن السقيم أولى بالكي. وقيل: إن العرب كانت تكوي الناقة إذا أصاب فصيلها العر لفساد لبنها فإذا كويت بري فصيلها لبراءة أمه، وفي شرح «أدب الكاتب» قال «أبو عبيدة»: هذا تمثيل لا حقيقة كقولهم: «يشرب عجلان ويسكر مسلمة» ولم يكونا شخصين موجودين، وله نظائر كثيرة كقول «المتنبي»: (وجرم جره سفهاء قوم ... فحل بغير جارمه العذاب) وقول الآخر: (رأيت الحرب يحييها رجال ... ويصلي قرها قوم براة) وقول الآخر: (غيري جني وأنا المعاقب فيهم ... فكأنني سبابة المتندم) وقوله: كذي العر [حال] أي تركته شبيها بذي العر، أو قائم مقام المصدر أي تركا كتركك ذي العمر، وجملة وهو راتع حالية، وجملة يكوي مفسرة لما قبلها، فلا محل لها من الإعراب.

[204]- الفرق بين قولهم: بكم ثوبك مصبوغا، ومصبوغ؟

[204]- الفرق بين قولهم: بكم ثوبك مصبوغاً، ومصبوغ؟ ومن ذلك أنهم لا يفرقون بين قولهم: بكم ثوبك مصبوغاً؟ وبكم ثوبك مصبوغ؟ وبينهما فرق يختلف المعنى فيه، وهو أنك إذا نصبت مصبوغاً كان انتصابه على الحال والسؤال واقع عن ثمن الثوب وهو مصبوغ، وإن رفعت مصبوغاً رفعته على أنه خبر المبتدأ الذي هو ثوبك، وكان السؤال واقعاً عن أجره الصبغ لا عن من ثمن الثوب. ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا يفرقون بين قولهم: بكم ثوبك مصبوغاً وبكم ثوبك مصبوغ؟ وبينهما فرق). لأن السؤال في الأول عن ثمن الثوب المصبوغ، وفي الثاني السؤال عن ثمن الصبغ نفسه، لأنه في النصب حال من الثوب، فكان صفة له معنى. وفي الثاني مصبوغ بالرفع خبر ثوبك، وبكم متعلق بالخبر، وهذا هو المتبادر منه. قال «المبرد» في كتابه «المقتضب»: تقول: بكم ثوبك مصبوغ؟ لأن التقدير بكم فلساً ثوبك مصبوغ؟ أو بكم درهماً؟ كما تقول: علم كم جذعاً بيتك مبني، إذا جعلت «على كم» ظرفا لمبني ورفعت البيت بالابتداء وجعلت المبني خبراً عنه وجعلت على كم ظرفاً للمبني فهذا على قول من قال: في الدار زيد قائم. ومن قال: في الدار زيد قائماً، فجعل «في الدار» خبراً قال: على كم جذعاً بيتك مبنياً، إذا نصب مبنياً جعل على كم ظرفاً للبيت، لأنه لو قال لك على هذا المذهب: على كم جذعاً بيتك؟ لاكتفى بالكلام كما أنه لو قال: في الدار زيد لاكتفى به اهـ.

[205]- الفرق بين لا رجل ولا رجل في الدار

[205]- الفرق بين لا رجل ولا رجل في الدار وكذلك لا يفرقون أيضا بين قولهم: لا رجل في الدار ولا رجل في الدار، والفرق بينهما أنك إذا قلت: لا رجل في الدر بالفتح فقد عممت جنس الرجال بالنفي، وكان كلامك جواب من قال لك: هل من رجل في الدار؟ وإذا قلت: لا رجل في الدار بالرفع فالمراد بالنفي الخصوص وكأنه جواب من قال: هل رجل في الدار؟ ولهذا يجوز أن يقال في هذه المسألة: لا رجل في الدار بل رجلان؛ لأن معنى الكلام تخصيص نفي الواحد، ولا يجوز أن يقال: لا رجل في الدار بالفتح بل رجلان لتناقض الكلام فيه؛ لأن أول الكلام يقتضي عموم هذا النفي فكيف يعقب بالإثبات؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وكذلك لا يفرقون بين قولهم: لا رجل في الدار ولا رجل في الدار، والفرق بينهما أنك إذا قلت: لا رجل في الدار بالفتح فقد عمت جنس الرجال بالنفي وكان كلامك جواب من قال: هل رجل في الدار؟ فإذا قلت: لا رجل في الدار بالرفع فالمراد نفي الخصوص). لا وجه لهذا أيضاً فإنه إذا بنى على الفتح كان نصبا في الاستغراق كما قالوه، واختلفوا في تعليله، وإذا رفع احتمل الاستغراق وعدمه، وقد يتعين فيه الاستغراق بقرينة قائمة عليه كما صرحوا به، ولهذا قرى بهما معاً في بعض الآيات، كما تقرر في محله كقوله تعالى: {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} فقوله: المراد نفي الخصوص ليس بصحيح على إطلاقه.

[206]- الفرق بين مخوف ومخيف

[206]- الفرق بين مخوف ومخيف وكذلك لا يفرقون بين معنى مخوف ومخيف، والفرق بينهما إذا قلت: الشيء مخوف كان إخباراً عما حصل الخوف منه كقولك: الأسد مخوف والطريق مخوف، وإذا قلت: مخيف كان إخباراً عما يتولد الخوف منه، كقولك: مرض مخيف، أي يتولد [منه] الخوف لمن يشاهده. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وكذلك لا يفرقون بين معنى مخوف ومخيف، والفرق بينهما أنك إذا قلت: الشيء مخوف كان إخباراً عما حصل الخوف منه كقولك: الأسد مخوف، وإذا قلت: مخيف كان إخباراً عما يتولد الخوف منه كقولك: مرض مخيف أي يتولد الخوف منه لمن يشاهده). قال «ابن بري»: إذا قلت خاف زيد الطريق فزيد الخائف والطريق مخوف، ولو قلت: أخاف زيد الطريق قزيد المخوف والطريق هو المخيف، ولا بد من تقدير مفعول محذوف تقديره: أخاف الطريق زيدًا الهلاك، لأن الهمزة زادته مفعولا، وزيدا وإن كان مفعولا فهو في المعنى فاعل، كما تقول: أضربت زيداً عمراً، فزيداً مفعول وهو في المعنى فاعل بالمفعول الثاني، أي جعلت زيداً [يضرب عمراً فهو الضارب لعمرو، وكذلك جعل الطريق زيداً] يخاف الهلاك فزيد هو الخائف، فبان بهذا أنك إذا قلت: طريق مخوف فليس الطريق هو المخوف المحذور، وإنما المخوف والمحذور غيره وهو ما فيه من الهلاك. وإذا قلت: طريق مخوف فالطريق هو المحذور لا المحذر ولو كان الطريق هو المخوف في اللفظ فليس هو المخوف في المعنى، وإنما المخوف ما يتوقع فيه من هلاك وعطب. فقد آل معناهما إلي شيء واحد؛ ألا ترى أنك إذا قلت: خفت الطريق فالطريق وإن كان مخوفاً فهو الذي أوجب أن يخافه، فهو إذن مخيف لك، وليس يحصل الخوف من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطريق، وإنما يحصل مما يتوقع فيه، وإن كان ليس هو الذي أوجب أن تخافه. فقولهم: الطريق مخوف لا خطأ فيه. وفي «المصباح» خاف يخاف خوفاً وخيفة ومخافة وخفت الأمر، يتعدى بنفسه فهو مخوف، وأخافني الأمر فهو مخيف بضم الميم، وطريق مخوف بالفتح أيضاً لأن الناس خافوا فيه، ومال الحائط فأخاف الناس، والحائط مخيف ومخوف، ويتعدى بالهمزة والتضعيف فيقال: أخفته وخوفته.

[207] الفرق بين خلف وأخلف

[207] الفرق بين خلف وأخلف وكذلك لا يفرقون بين قولهم: خلف الله عليك وأخلف الله عليك، والفرق بينهما أن لفظة خلف الله عليك تقال لمن هلك له من لا يستعيضه، ويكون المعنى كان الله لك خليفة منه. ولفظة أخلف الله عليك تستعمل فيما يرجى اعتياضه ويؤمل استخلافه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ذلك أهم لا يفرقون بين قولهم: خلف الله عليك وأخلف الله عليك، والفرق بينهما أن لفظ خلف الله عليك، يقال لمن هلك له من لا يستعيضه، ويكون المعنى كان الله خليفة لك عنه، ولفظ أخلف الله عليك يستعمل فيما يرجى اعتياضه). هذا أحد قولين لأهل اللغة فيه، وفي «المصباح»: استخلفته جعلته خليفة لي، وخلف الله عليك كان خليفة أبيك عليك أو من فقدته ممن لا يتعوض منه كالعم، وأخلف الله عليك بالألف رد عليك مثل ما ذهب منك، ويقال: أخلف الله عليك مالك وأخلف لك بخير، وقد يحذف الحرف فيقال: أخلف الله عليك ولك خيراً. «قاله الأصمعي» اهـ. وفي «القاموس» ما يشير إلي عدم الفرق بينهما، ولكل وجهة لمن تبصر.

[208]- الفرق بين (أو) و (أم) في الاستفهام

[208]- الفرق بين (أو) و (أم) في الاستفهام ومن هذا النمط أنهم لا يفرقون بين «أو» و «أم» في الاستفهام، فينزلون إحداهما منزلة الأخرى فيوهمون فيه؛ لأن الاستفهام بأو يكون عن أحد شيئين فينزل قولهم: أزيد عندك أو عمرو؟ منزلة قولهم: أأحد هذين الرجلين عندك؟ ولهذا وجب أن تجيب عنه بنعم أو بلا، كما لو قيل لك: أأحدهما عندك؟ والاستفهام بأم وضع لطلب التعيين على أحد الشيئين فتعادل أم مع الهمزة لفظة أي، ولذلك وجب أن يجاب عنه بأحد الاسمين، كما لو قيل: أيهما عندك؟ قال شيخنا «أبو القاسم الفضل بن محمد النحوي»: وكان ترتيب الاستفهام أن يستفهم الإنسان في مبدأ كلامه بأو، ثم يعقب بأم لأن تقدير قولك: أزيد عندك أم عمرو؟ أي قد علمت أن أحداهما عندك فبين لي أيهما هو؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا يفرقون بين أو وأم في الاستفهام فينزلون إحداهما منزلة الأخرى فيوهمون فيه). ما ذكره مقرر في كتب العربية غثة وسمينة، إلا أن فيما ذكره أموراً: منها: أنه قال: يجب أن يجاب: أزيد عندك أم عمرو؟ بنعم أو بلا، وليس بسديد لما في «المغني» من أنه لو أجيب بالتعيين صح لأنه جواب وزيادة. ومنها: أنه جوز العطف بعد همزة التسوية بأو وقد منعه «ابن هشام» على ما فيه من القيل والقال. ومنها: أنه ذكر من معاني أو التقريب وهو معنى غريب وفيه كلام في محله. (لا يفرقون بين الحث والحض، وقد فرق بينهما «الخليل» فقال: الحث يكون في السير والسوق في كل شيء، والحض يكون فيما عداهما). ما ذكره «الخليل» هو في أصل وضعه، وأما في الاستعمال فلا يفرقون بينهما،

فوائد. أ. ومما يمتزج بهذا الفصل أيضاً أنهم لا يفرقون بين قولهم: ما أدري [أأذن أو أقام؟ وقولهم: ] ما أدري أأذن أم أقام؟ . والفرق بينهما أنك إذا نطقت بأم في هذا الكلام كنت شاكاً فيما أتي به من الأذان أو الإقامة، وإذا أتيت بأو فقد حققت أنه أتى بالأمرين إلا أنه لسرعة ما قرب بينهما صار بمنزلة من لم يؤذن ولم يقيم، ويكون مجيء «أو» هنا للتقريب. ب. ومن هذا القبيل: أيضاً أنهم لا يفرقون بين الحث والحض، وقد فرق بينهما «الخليل بن أحمد» فقال: الحث يكون في السير [والسوق وفي كل شيء، والحض يكون فيما عدا السير] والسوق نحو قوله تعالى: {ولا يحض على طعام المسكين}. ت. وكذلك لا يفرقون بين النعم والأنعام، وقد فرقت بينهما العرب فجعلت النعم اسماً للإبل خاصة أو للماشية التي فيها الإبل، وقد تذكر وتؤنث، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولهذا سوى بينهما صاحب «القاموس»، وقال النحاة: حروف التحضيض هي للحث على الفعل، والأمر في ذلك سهل. (وكذلك لا يفرقون بين النعم والأنعام، وقد فرقت بينهما العرب، فجعلت النعم اسماً للإبل خاصة أو الماشية التي فيها الإبل وقد تذكر وتؤنث، وجعلت الأنعام اسماً لأنواع المواشي من الإبل والبقر والغنم، حتى إن بعضهم أدخل فيها الظباء وحمر الوحش تعلقاً بقوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قال «الراغب»: النعم يختص بالإبل وجمعه أنعام، وسميت بذلك لأنها من أعظم النعم عندهم، لكن الأنعام تقال للإبل والبقر والغنم، ولا يقال لها أنعام حتى يكون في جملتها الإبل، وقال «ابن بري»: هو من التغليب إذا غلبوا النعم على غيرها ولا فرق بينهما

وجعلت الأنعم اسماً لأنواع المواشي من الإبل والبقر والغنم، حتى إن بعضهم أدخل فيها الظباء، وحمر الوحش تعلقاً بقوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} ـــــــــــــــــــــــــــــ في الحقيقة، وكونها شاملة للظباء وحمر الوحش ليس من اللفظ بل من جعل إضافة بهيمة الأنعام كلجين الماء، كما في «الكشاف» لا أنه من مسماه كما توهمه المصنف، ومن هنا علم ما في إقحام لفظ البهيمة من البلاغة لما فيها من التنصيص على التعميم؛ لأنه لو لم تذكر لربما توهم أن المراد بها الإبل فقط، وما في شرح «الكشاف» «للقطب» من أنه للإجمال ثم للتفضيل ليس بشيء، لأنه لم يعهد مثله في مضاف ومضاف إليه، وفي «درة التأويل»: لم قال: {نسقيكم مما في بطونه} في سورة «النحل» وقال في سورة «لمؤمنون»: {مما في بطونها}. والجواب أن الأنعام في سورة «النحل» وإن أطلق لفظ جميعها فظاهر أن المراد بعضها، ألا ترى الدر لا يكون لجميعها وإنما لبعض إناثها فكأنه قال: وإن لكم في بعض الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه، ولهذا ذهب من ذهب إلي أنه رد على النعم لأنه يؤدي ما يؤديه الأنعام من المعنى، والمراد ما ذكرناه بالدلالة ما ذكرناه بالدلالة التي بيناها، ولا كذلك في سورة «المرمنين»؛ لأنه قال: {نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون، وعليها وعلى الفلك تحملون} فأخبر عما تتصف به أصناف النعم ذكورها وإناثها، فلم يحتمل أن يراد بها البعض كما كان ثمة.

[209]- معنى بات فلان.

[209]- معنى بات فلان. ومن ذلك توهمهم أ، معنى بات فلان أي نام، وليس كذلك، بل معنى بات: أظله المبيت وأجنه الليل، سواء نام أم لم ينم، يدل على ذلك قوله تعالى: {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} ويشهد به أيضاً قول «ابن رميض): (باتوا نياما وابن هند لم ينم ... بات يقاسيها غلام كالزلم) (خذلج الساقين خفاف القدم ... قد لفها الليل بسواق حطم) (ليس براعي إبل ولا غنم ... ولا بجزار على ظهر وضم) (من يودي ... كما أودت إرم) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ذلك توهمه أن معنى بات نام، وليس كذلك، بل معنى بات أظله المبيت وأجنة الليل، نام أو لم ينم، يدل على ذلك قوله تعالى: {والذين يبيتون لربهم} الآية، ويشهد له أيضاً قول «ابن رميض»: (باتو نياما وابن هند لم ينم ... بات يقاسيها غلام كالزلم) وتمامه: (خدلج الساقين خفاف القدم ... قد لفها الليل لسواق حطم) (ليس براعي إبل ولا غنم ... ولا يجزار على ظهر وضم) من يلقني يود كما أودت إرم:

فأخبر عنه أنه بات متصديا لحفظها ممن هم بخرابتها، أي سرقتها، لأن الخرابة اسم يختص بسرقة الإبل، والخارب: المتلصص عليها خاصة. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الشعر «لرشيد علم كمصغر الرشد ضد الغي- بن ربيض» بضم الراء المهملة وفتح الباء الموحدة ثم ياء مثناة تحتية، تليها ضاد معجمة بصيغة المصغر أيضاً. من دهاء معاوية: وروى «ابن المكرم» في كتاب «معاوية» لما رشح ابنه «يزيد» لولاية عهده وكان «عبد الله بن الزبير» يرى أنه أولى بالأمر منه، فلما قدموا مكة قال «ابن الزبير» لأهل مكة: هذا «يزيد» ابن أمير المؤمنين فسلوه. وقصد أنهم لإكثار المسألة عليه إذا ردهم نسبوه للبخل وزهدوا فيه. فلما ألحوا في السؤال [فهم ذلك «يزيد و] أخبر أباه بذلك وأنه من كيد «ابن الزبير» فقال: تكفاه إن شاء الله تعالى، وقال «لابن الزبير»: أنت أعلم بأهل مكة وأدري بقريش من «يزيد» فاقبض المال واقسمه فيهم كما تريد، فأتته قريش حتى أضجرته، وكن لبخله يصعب عليه خروج المال من يده، فما زال حتى صار ذميماً فيهم، ومعاوية وابنه محمودين، فسرهما ذلك، فلما أمسوا نزل «ابن الزبير» يرتجز ويقول: (يلفها الليل بعصلبي ... مهاجر ليس بأعرابي) [يعرض] بمعاوية لأنه لم يهاجر. فلما سمعه «يزيد» قال: باتوا نياماً وابن هند لم ينم. وأعجب بذلك لما فيه من التعريض بابن الزبير. وكان يتمثل به غيره، ففي «مجمع البيان» أن رجلا من ربيعة يقال له:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحطيم بن هند البكري» أقبل حتى أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) وحده، وخلف خيله خارج المدينة، فقال: إلي م تدعو [يا محمد]؟ وكان (صلى الله عليه وسلم) قال لأصحابه قبله: يدخل عليكم اليوم رجل من ربيعة يتكلم بلسان الشيطان، فلما أجابه النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: أنظرني لعلي أسلم فلي من أشاوره، وخرج من عنده، فقال (صلى الله عليه وسلم): دخل بوجه كافر وخرج بوجه غادر، فمر بسرح لأهل المدينة فساقه، وانطلق به وهو يرتجز بقوله: قد لفها الليل ... إلخ. وصحح «البلاذري أنه للحطيم، وهو «شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد» أحدبني ثعلب وهو ممن أسلم وارتد بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم). واستعمال المبيت في أحد فردية بقرينة تدل عليه غير بعيد.

[210]- معنى القينة

[210]- معنى القينة ومن ذلك توهمهم أن القينة المغنية خاصة، وهي في كلام العرب الأمة، مغنية كانت أو غير مغنية، وعلى ذلك قول «زهير»: (رد القيان جمال الحي فاحتملوا ... إلي الظهيرة أمر بينهم لبك) [لبك: مختلط، يقال: لبكت على فلان الأمر إذا خلطته، وكذلك لبكت الطعم بالعسل وغيره، ويقال: ما ذقت عبكة ولا لبكة، العبكة: الكسرة من الخبز، واللبكة: اللقمة من الحيس وقيل من الثريد]. والأصل في اشتقاق اللقينة من قنت الشيء أقينه إذا لمحته ومنه قول الشاعر: (ولي كبد مقروحة قد بدأ بها ... صدوع الهوي لو كان قين يقينها) [وكيف يقين القين صدعاً فتشتفي ... به كبد سب الجرين أنينها] ومن هذا سمي الصائغ والحداد قيناً وسميت الماشطة أيضاً قينة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ذلك توهمهم أن القينة المغنية خاصة وهي في كلام العرب الأمة مغنية كانت أو غير مغنية). وقيده «ابن السكيت» بالأمة البيضاء، واستعماله بمعنى المغنية كثير في كلام العرب نظماً ونثراً، وفي الحديث «كان لعبد الله بن خطل قينتان تغنيان» وفي «القاموس»: القينة المغنية أو أعم، وهو تخصيص للعام بأحد فرديه، أو من المجاز المشهور فلا وجه لإنكاره.

[211]- الراحلة اسم يقع على الجمل والناقة

[211]- الراحلة اسم يقع على الجمل والناقة ومن ذلك توهمهم أن الراحلة اسم يختص بالناقة النجيبة، وليس كذلك، بل الراحلة تقع على الجمل والناقة، والهاء فيها هاء المبالغة كالتي في الواهية وراوية، وإنما سميت راحلة لأنها ترحل أي يشد عليها الرحل فهي فاعله بمعنى مفعولة، كما جاء في التنزيل: {عيشة راضية} بمعنى مرضية. وقد ورد فاعل بمعنى مفعول في عدة مواضع من القرآن الكريم كقوله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} أي لا معصوم، وكقوله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمر الله من رحم} أي لا معصوم، وكقوله تعالى: {من ماء دافق} أي مدفوق. وكقوله جل ذكره: {حرماً آمناً} أي مأموناً فيه. وجاء أيضاً مفعول بمعنى فاعل، كقوله تعالى: {حجاباً مستوراً} أي ساتراً، {وكان وعده مأتياً} أي آتيا. وقد يكني عن النعل بالراحلة لكونها مطية القدم، وإليها أشار الشاعر الملغز بقوله: (رواحنا ست ونحن ثلاثة ... نجنبهن الماء في كل مورد) ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ذلك توهمهم أ، الراحلة تختص بالناقة النجبية، وليس كذلك بل الراحلة تقع على الجمل والناقة والهاء فيها هاء المبالغة). هذا قول لبعض أهل اللغة، وذهب «الجوهري» إلي أن الراحلة هي الناقة التي تصلح لأن ترحل، قال: ويقال: الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى. اهـ. فقد عرفت أنه أمر مختلف فيه عندهم، وكون الهاء في فاعلة بمعنى مفعول للمبالغة بناء على أنه لا يجوز تأنثيه كما نص عليه «سيبويه» وراضية أيضا كذلك، وفيه كلام في شروح «الكتاب».

[212]- البهيم لا يختص بالأسود.

[212]- البهيم لا يختص بالأسود. [ومن هذا النمط توهمهم أن البهيم نعت يختص بالأسود لاستماعهم ليل بهيم، وليس كذلك، بل إن البهيم اللون الخالص الذي لا يخالطه لون آخر، ولا يمتزج به شية غير شيته، ولذلك لم يقولوا لليل المقمر: ليل بهيم لاختلاط ضوء القمر به، فعلى مقتضى هذا الكلام يجوز أن يقال: أبيض بهيم وأشقر بهيم، وجاء في الآثار: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة بهما» أي على صفة واحدة من صحة الأجساد والسلامة من الآفات، ليتم لهم بذلك خلود الأبد والبقاء السرمد]. ومنه أيضا توهمهم أن السوقة اسم لأهل السوق، وليس كذلك بل السوقة الرعية، سموا بذلك لأن الملك يسوقهم إلي إرادته، ويستوي لفظ الواحد والجماعة فيه فيقال: رجل سوقة وقوم سوقة. [كما قالت «الحرقة بنت النعمان»: (فبينا نسوق الناس والأمر آمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف) فأما أهل السوق فهم السوقيون واحدهم سوقي، والسوق في كلام العرب تذكر وتؤنث. ـــــــــــــــــــــــــــــ (البهيم اللون الخالص الذي لا يخالطه لون آخر سواء كان أبيض أم أسود أم غيره). وهذا أيضا قول لبعض أهل اللغة، وخصه بعضهم بالأسود، وفي «القاموس» وغيره: البهيم الأسود. اهـ. وبه جري الاستعمال فليس ما أنكره بمنكر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حرقة بين يدي سعد: (فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف) ذكر أهل التاريخ أنه لما قدم «سعد بن أبي وقاص» القادسية أميراً أتته «حرقة بنت النعمان بن المنذر» مع جوار لها زيهن كزيها تطلب صلتها، فلما وقفن بين يديه قال: أيتكن «حرقة»؟ قالت هي: أنا «حرقة» فما تكرارك للاستفهام عني؟ إن الدنيا دار زوال وإنها لا تدوم على حال، تنتقل بأهلها انتقالاً، وتعقبهم بعد حال حالاً، إنا قد كنا ملوك هذه الأرض قبلك، يجيء إلينا خراجها ويطيعنا أهلها، فلما أدبر الأمر وانقضي صاح بنا صائع الدهر، فصدع عصانا وشتت ملأنا وكذلك الدهر، يا سعد، إنه ليس من قوم في يسرة إلا والدهر يعقبهم عسرة، ثم أنشأت تقول من شعر لها: (فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف) (فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف) فقال «سعد»: قاتل الله «عدي بن زيد» كأنه ينظر لهذه حيث يقول: (إن للدهر صولة فاحذرنها ... لا تبين قد أمنت الدهورا) (كم بينت الفتى معاني فيردي ... ولقد كان آمناً مسرورا) ولا زالت عندك لكريم حاجة، ولا نزع الله عن عبد صالح نعمة إلا جعلك سبباً في لردها عليه. وخرجت فقيل لها: ما صنع لك الأمر؟ فقالت: (حاط لي ذمتي وأكرم وجهي ... إنما يكرم الكريم الكريم) وقد روي: نسوق موضع نسوس وهو من السياسة، ونتنصف: نخدم، والسوقة: من عدا الملك مطلقا لا أهل السوق فقط، وهم سوقية بياء النسبة، وفي الكلم النوابغ السوقية كلاب سلوقية.

[213]- وهمهم: أن هوى لا يستعمل إلا في الهبوط

[213]- وهمهم: أن هوى لا يستعمل إلا في الهبوط ومن أوهامهم أن هوى لا يستعمل إلا في الهبوط، وليس كذلك، بل معناه الإسراع الذي قد يكون في الصعود والهبوط، وفي حديث البراق: «فانطلق يهوي به» أي يسرع، وذكر أهل اللغة أن مصدر الصعود: الهوي بضم الهاء، ومصدر الهبوط الهوي بفتحها، فأما قوله تعالى: {كالذي استهوته الشياطين} فقيل: ذهبت به، وقيل: استمالته بالإضلال واختلسته بالأهواء. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومنه توهمهم أن هويا لا يستعمل إلا في الهبوط، وليس كذلك بل معناه الإسراع الذي يكون في الصعود أو الهبوط، وفي حديث البراق: فانطلق يهوي أي يسرع، وذكر أهل اللغة أن مصدر الصعود الهوي بضم الهاء، ومصدر الهبوط الهوي بفتحها). ليس هذا مما اتفقوا عليه بل هو قول لبعض أهل اللغة، وفي شرح أشعار «هذيل» للإمام «المرزوقي» قال «الأصمعي»: يقال: هوت العقاب انقضت لغير الصيد وأهوت إذا انقضت له، وقيل: هما بمعنى. وقال بعضهم: هو يهدي هويا بفتح الهاء من أعلى إلي أسفل وبضمها بعكسه. اهـ.

[214]- حذف الألف في بسم الله

التنبيه إلي بعض أخطاء إملائية قال الشيخ الرئيس «أبو محمد القاسم بن علي». رحمه الله: وقد عثرت لجماعة من الكبراء على أوهام في الهجاء عدلوا في بعضها عن رسومه المقررة، ولم يفرقوا في بعضها بين مواقع اللفظة المستطردة، فرأيت أن أكشف عن عوارها، وأنبه على التعري من عارها، لتتنوع فوائد هذا الكتاب وتنجلي به أكثر الشبه عن الكتاب. [214]- حذف الألف في بسم الله فمن ذلك: أنهم يكتبون «بسم الله» بحذف الألف أينما وقع وحيثما اعترض، فيوهمون فيه، لأن الألف إنما حذفت منه إذا كتب في فواتح السور وأوائل الكتب لكثرة استعماله في كل ما يبدأ به ويشرع فيه. وتقدير الكلام في البسملة المصدرة: أبدأ باسم الله أو فتتح باسم الله، فترك إظهار هذا الفعل لدلالة الحال الحاضرة عليه، فإن برز وجب إثبات الألف كما أثبتت في قولك: {اقرأ باسم ربك} و {سبح باسم ربك}. وقد رأيت أحد الأعيان المتشيعين بدعوى البيان كتب في صدر كتابه: بسم ـــــــــــــــــــــــــــــ التنبيه إلي بعض أخطاء إملائية: ثم إن المصنف، -رحمة الله تعالى- جرى على نهج أهل العربية فختم كتابه بمسائل تتعلق برسم الخط فأفاد وأجاد، روح الله روحه فقال -مبتدئاً بالبسملة تيمناً وتبركاً وهو من حسن صنيعه: (يكتبون بسم الله بحذف الألف أينما وقع وحيثما اعترض فيوهمون فيه) يعني أنه لا يحذف ألفه في البسملة خاصة وعند حذف المتعلق، وهذا أيضاً مختلف فيه فقال «الكسائي»: لا تشترط الإضافة إلي اسم الجلالة فيحذفها في نحو قوله باسم القاهر، واشترط بعضهم الإضافة إلي لفظ «الله» وعدم ذكر المتعلق، وأما اشتراط تمام البسملة ففي شرح «التسهيل» فيه نظر، وكذا اشترط كونه واقعاً في الابتداء كما قاله

الله الرحمن الرحيم أستفتح وبه أستنجح فحذف الألف من بسم الله مع إظهار الفعل، وقد وهم في حذفه وأبان عن قصور الاستبصار وضعفه، وإنما كان يسوغ له حذف الألف لو أنه عطف بالواو على البسملة المجردة، كما يكتب قوم بعد البسملة وبه أستعين، فيكون تقدير الكلام: أفتتح باسم الله وبه أستعين. نعم، وقد منع أكثر العلماء بأوضاع الهجاء من حذف هذه الألف إلا عند الإضافة إلي اسم الله تعالى خاصة، فإن أضيف إلي غيره من أسمائه الحسنى نحو الرحمن والقهار وجب إثبات الألف في كتبك باسم الرحمن، باسم القهار، وعلل في ذلك بعلة مدار هاتين اللفظتين ونظائرهما في الكلام وعند افتتاح الأعمال. ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف، على أن بعضهم ذهب إلي أ، هـ لا حذف في بسم الله، وإنما هو على لغة من يقول في اسم: اسم بلا همزة في أوله، ولما دخلته الباء خفف بتسكين السين [المتحركة].

[215]- حذف ألف ابن في كل موضع

[215]- حذف ألف ابن في كل موضع ومن ذلك أنهم يحذفون الألف من ابن في كل موضع يقع بعد اسم أو كنية أو لقب، وليس ذلك مطرداً على ما توهموه، ولا يوجب حذف الألف ما تخيلوه، لأنه إنما تحذف الألف من ابن إذا وقع صفة بين علمين من أعلام الأسماء أو الكني أو الألقاب؛ ليؤذن بتنزله مع الاسم قبله بمنزلة الاسم الواحد، لشدة اتصال الصفة بالموصوف وحلوله محل الجزء منه، ولهذه العلة حذف التنوين من الاسم قبله فقيل: على بن محمد، كما يحذف من الأسماء المركبة من «رامهرمز» و «بعلبك» فما عدا هذا الموطن وجب إثبات الألف فيه، وذلك في خمسة مواطن: أحدها: إذا أضيف ابن إلي مضمر كقولك: هذا زيد ابنك. والثاني: إذا أضيف إلي غير أبيه كقولك: المعتضد ابن أخي المعتمد على الله. والثالث: إذا نسب إلي الأب الأعلى كقولك: أبو الحسن ابن المهتدس بالله. والرابع: إذا عدل به عن الصفة إلي الخبر كقولك: إن كعباً ابن لؤي. والخامس: إذا عدل به عن الصفة إلي الاستفهام كقولك: هل تميم ابن مر؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (تحذف الألف من ابن إذا وقع صفة بين علمين من الأعلام الأسماء والكنى). هذا أيضاً مما اختلف فيه، فمنهم من لم يحذف مع الكنية، ومنهم من اشترط اشتهاره بها، وأما إذا وصف باسم الأب الأعلى فعند المصنف كغيره لا تحذف، وفي شرح «التسهيل»: الصحيح أنها تحذف، وأنشد «سيبويه»: أو مثل أسرة منظور بن سيارة.

وذلك أن ابنا في الخبر والاستفهام بمنزلة المنفصل عن الاسم الأول؛ إذ تقدير الكلام أن كعباً هو ابن لؤي، وهل تميم هو ابن مر؟ فأثبت الألف فيه كما أثبتت في حالة الاستئناف به. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم من جوز الحذف إذا نسب إلي الأم، وعندي أنه إذا اشتهر بها أو لم ينسب إلي غيرها كعيسى بن مريم جاز، واشترط بعضهم أن لا يكون في أول السطر.

[216]- حذف ألف «الرحمن»

[216]- حذف ألف «الرحمن» وكذلك يكتبون «الرحمن» بحذف الألف في كل موطن، وإنما تحذف الألف منه عند دخول لام التعريف عليه، فإن تعدي منها كقولك: يا رحمان الدنيا والآخرة أثبتت الألف فيه [ويماثل ذلك اختيارهم أن يكتب الحارث بحذف الألف مع لام التعريف وبإثباتها عند التنكير لئلا يشتبه بحرب. ومن قبيل ما تثبت الألف فيه في موطن وتحذف في موطن: صالح ومالك وخالد، فتثبت الألف فيها إذا وقعت صفات كقولك: زيد صالح، وهذا مالك الدار، والمؤمن خالد في الجنة، وتحذف الألف منها إذا جعلت أسماء محضة]. فائدة: ومن شذوذ هذا السمط أيضاً أنهم يكتبون: هاذاك وهاتاك بحذف الألف مقايسة على حذفها في هذا وهذه، ويوهمون فيه؛ لأن «ها» التي للتنبيه لما وصلت بذا جعلا كالشيء الواحد فحذفت الألف منها لهذه العلة، فإذا اتصلت بالكلمة كاف الخطاب استغنى بها عن حرف التنبيه فوجب لذلك فصله عن اسم الإشارة وإثبات لألف فيه. فأما ثلاث فإن أفرد كقولك: بعت من النوق ثلاثاً كتبت بالألف لاتقاء اللبس فيه بثلث، وإن أضيف أو وصف كقولك: حلبت ثلث نوق وما فعلت النوق الثلث كتب بحذف الألف لارتفاع اللبس فيه، وكذلك يكتب: ثلثة وثلثون ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومما يوهمون فيه كتبهم الحياة والصلاة والزكاة بالواو في كل موطن). وهي كذلك ما لم تضف أو تثن، وكتابتها بالواو وكذلك برسم المصحف، وأما في غيره فمن الناس من يكتبها بالألف مطلقاً على القياس، وكلام «ابن مالك» مخالف لهذا فإنه

بحذف الألف لأن علامة الجمع الملتحقة بآخرها منعت من إيقاع اللبس فيهما. ومما يوهمون فيه كتبهم الحياة والصلاة والزكاة بالواو في كل موطن، وليس ذلك على عمومه لوجوب إثبات الألف فيها عند الإضافة، ومع التثنية، كقولك: حياتك وزكاتك وصلاتك، وصلاتان وزكاتان، وإنما فعل ذلك لأن الإضافة والتثنية فرعان على المفرد، وقد يجوز في الأصل ما لا يجوز في الفرع. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتضي أن كتابتها بالواو قياسية؛ لأن من العرب من يفخمها فينحو بها نحو الواو، فجاء رسمها على ذلك وفيه تفصيل في شرح «الرائية».

[217]- فصل «ما» عما قبلها ووصلها

[217]- فصل «ما» عما قبلها ووصلها ومن ذلك أنهم يكتبون «كل ما» موصولة في كل موطن، والصواب أن تكتب موصولة إذا كانت بمعنى كل وقت كقوله تعالى: {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله} وإن وقعت ما المقترنة بها موقع الذي كتبت مفصولة، نحو: كل ما عندك حسن [؛ لأن تقديره: كل الذي عندك حسن]. وكذلك حكم إن وأين وأي، إذا اتصلت بهن ما، التي [هي] بمعنى الذي كتبت مفصولة كقولك: إن ما عندك حسن، وأين ما كنت تعدني؟ وأي ما عندك أفضل؟ لأن تقدير الكلام: إن الذي عندك حسن، وأين الذي كنت تعدني؟ وأي الذي عندك أفضل؟ . وإن وقعت ما موقع الصلة أو كانت كافة لإن عن العمل كتبت موصولة، كما كتبت في قوله تعالى: {أيما الأجلين قضيت} و {إنما الله إله واحد} و {أينما تكونوا يدرككم الموت} لأن تقدير الكلام أن الله إله واحد، وأي الأجلين قضيت، وأين تكونوا. وأما حيثما فالاختبار أ، تكتب موصولة؛ لأن «ما» لا تقع بعدها موقع الاسم، وكذلك طالما وقلما؛ لأن ما فيهما صلة بدليل شبههما بربما في أن الفعل لم يكن إحداهما إلا بعد اتصالهما بما، وقد جوز في نعما وبئسما أن تكتبا مفصولتين وموصولتين، إلا أن الاختبار في نعما الوصل لالتقاء الحرفين المتماثلين فيها بخلاف بئس ما. وأما إذا التحقت ما بلفظة في فإن كانت للاستفهام حذفت ألفها وكتبت: فيم رغبت؟ وفيم جئت؟ وإن كانت بمعنى الذي وصلت وأثبتت ألفها فتكتب: رغبت فيما رغبت.

وتكتب عما موصولة كما كتبت في قوله تعالى: {عما قليل} إلا أن تكون استفهامية كمجيئها في قوله تعال: {عم يتساءلون} فتكتب بحذف الألف. وتكتب كيما موصولة، وكي لا مفصولة؛ لأن ما المتصلة بها لم تغير معنى الكلام، ولا الملتحقة بها غيرت معناه. وأما من إذا اتصلت بلفظة كل أو بلفظة مع لم تكتب إلا مفصولة، وإنما كتبت موصولة في عمن وممن لأجل إدغام النون في الميم، كما أدغمت في عما، وفي إن الشرطية إذا وصلت بما فصارت إما.

[218]- حذف نون «أن» مع لا

[218]- حذف نون «أن» مع لا ومن ذلك أنهم إذا ألحقوا لا بأن حذفوا النون في كل موطن، وليس ذلك على عمومه، بل الصواب أن يعتبر موقع أ، ، فإن وقعت بعد أفعال الرجاء والخوف والإرادة كتبت بإدغام النون. نحو: رجوت ألا تهجر، وخفت ألا تفعل، وأردت ألا تخرج. وإنما أدغمت النون في هذا الموطن لاختصاص أن المخففة في الأصل به، ووقوعها عاملة فيه، فاستوجب إدغام النون بذلك، كما تدغم النون في إن الشرطية عند دخول لا عليها، وثبوت حكم عملها على ما كان عليه قبل دخولها فتكتب: إلا تفعل كذا يكن كذا. وإن وقعت «أن» بعد أفعال العلم واليقين أظهرت النون لأن أصلها في هذا الموطن أن المشددة، وقد خففت، وذلك في مثل قوله تعالى: {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا} وكذلك إن وقع بعد لا اسم نحو: علمت أن لا خوف عليه، لأن التقدير في الموطنين أنه لا يرجع إليهم قولا، وأنه لا خوف عليه، وإن كان وقوعها بعد أفعال الظن والمخيلة جاز إثبات النون وإدغامها لاحتمالها في هذا الموطن أن تكون هي الخفيفة في الأصل والمخففة من الثقيلة، ولهذا قري: {وحسبوا ألا تكون فتنة} بالرفع والنصب، فمن نصب بها أدغم النون في الكتابة، ومن رفع أظهرها. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ذلك أنهم إذا ألحقوا لا بأن حذفوا النون في كل موطن، وليس ذلك على عمومه) كما فصله المصنف، وهو أيضاً مما اختلف فيه علماء الرسوم، فقيل: تكتب دائماً موصولة، وقيل: تكتب دائما مفصولة، وقيل: إن كانت عاملة وصلت وإلا فصلت، ومنهم من قال: إن أدغمت بغنة فصلت وإلا وصلت.

[219]- وصل (لا) بهل وبل وفصلها

[219]- وصل (لا) بهل وبل وفصلها وكذلك لا يفرقون في الكتابة بين موطني لا الداخلة على هل وبل، وقد فرق بينهما العلماء بأصول الهجاء، فقالوا: تكتب هلاً موصولة، وبل لا مفصولة، وعللوا ذلك بأن لا لم تتغير معنى بل لما دخلت عليها، وغيرت معنى هل، فنقلتها من أدوات الاستفهام إلي حيز التخصيص، فذلك معها، وجعلتا بمنزلة الكلمة الواحدة.

[220]- ما يكتب بواو واحدة وما يكتب بواوين

[220]- ما يكتب بواو واحدة وما يكتب بواوين ومن أوهامهم في الهجاء أنهم لا يفرقون بين ما يجب أن يكتب بواو واحدة وما يكتب بواوين ولا يميزون بين هذين النوعين. والاختيار عند أرباب هذا العلم أ، يكتب داود وطاوس وناوس بواو واحدة للتخفيف وكذلك يكتب مسئول ومشؤم [ومسؤم] بواو واحدة للاستخفاف أيضاً. وأ، يكتب ذوو بواوين لئلا يشتبه بكتابة واحده وهو ذو، وأ، يكتب بواوين مدعوون ومغزوون ونظائرهما مما لحقته واو الجمع، وقبل الواو الأولى منه ضمة. فأما سؤؤول ويؤوس وشؤون ورؤوس ومؤونة ومؤودة فالأحسن أن يكتبن بواوين ومنهم من كتبها بواو واحدة. فأما قبيل الأفعال فتكتب جاؤا وباؤا وشاؤا ونظائرها بواو واحدة، وجوز أ، يكتب {يلوون ألسنتهم} و {هل يستوون} بواوين وواو واحدة. فإن اجتمع في الكلمة واوان وانفتحت الواو الأولى منهما نحو: احتووا واستووا واكتووا والتووا {لووا رءوسهم} {فأووا إلي الكهف} كتبت بواوين لأن بين الواوين ألفاً محذوفة؛ إذ أصل الكلمة قبل التحاق ضمير الجمع بها احتوى واستوى واكتوى، فكتبت بواوين لتدل الواو الثانية على الألف المحذوفة. ونظير ذلك أن يكتب فوعل من وارى وشاور وعاود وطاوع بواوين: نحو ووري وشوور وعوود وطووع، ليعلم بذلك أن إحدى الواوين أصلية، والأخرى هي المنقلبة عن ألف فاعل، وكذلك يجب إبرازها في اللفظ بأن يلبث على الأولى منها لبثة ما م يلفظ بالثانية وعلى هذا ينشد بيت «جرير»:

(بان الخليط ولو طووعت ما بانا ... وقطعوا من حبال الوصل أقرانا) ومن أنشده: ولو طوعت ما بانا بالإدغام كان لاحناً، كما أن من كتبها بواو واحدة فقد أخطأ خطأ فاحشاً شائناً. ـــــــــــــــــــــــــــــ [ثم قال في الفعل المجهول من عاود وطاوع] (إنه يرسم بواوين ولا يدغم نحو وورى وشوور وعوود وطووع ليعلم بذلك أن إحدى الواوين أصلية والأخرى هي المنقلبة عن ألف فاعل، وكذلك يجب إبرازها في اللفظ بأن يلبث على الأولى منهما لبثة ما ثم يلفظ بالثانية) من غير إدغام؛ لأن أول المدين إذا كان مبدلاً من مدة لزماً لم يجز إدغامه كالفعل المجهول من قاول تقول فيه: قوول بدون إدغام لئلا يلتبس فوعل بفعل فيلتبس باب المفاعلة بباب التفعيل، ولهذا رسم بواوين ليطابق الخط اللفظ، ويكون لباسه غير قصير عن قامته، وهذه فائدة نفسية صرفية. (وعلى هذا ينشد بيت «جرير» من قصيدة له في هجو الأخطل: (بان الخليط ولو طووعت ما بانا ... وقطعت من حبال الوصل أقرانا) (حي المنازل إذ لا تبتغي بدلا ... بالدار داراً ولا الجيران جيرانا) (قد كنت في أثر الأظعان ذا طرب ... مدرعاً من حذار البين أحزاناً) (إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لا يحيين قتلانا) (يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلف الله أركانا) وهي قصيدة طويلة، وبان بمعنى بعد، والخليط: المخالط من الأحبة، وقوله: ولو طووعت، أي لو أطاعوني وسمعوا ما قلته لهم لم يبعدوا ويرتحلوا، وقوله: (وقطعوا) إلخ ... استعارة تمثيلية لقطع العلائق المعنويى، والأقران جمع قرن: الحبل المفتول.

[221]- كتابة الألف المقصورة

[221]- كتابة الألف المقصورة ومن أوهامهم في الهجاء أنهم يخبطون خبط العشواء فيما يكتب من الأسماء المقصورة بالألف وفيما يكتب بالياء، والحكم فيه أن تعتبر الألف التي في الاسم المقصور الثلاثي: فإن كانت منقلبة عن واو كتب ذلك الاسم بالألف، وإن كنت من ذوات الياء كتبت بالياء. وهذا الحكم أصل لا ينكسر قياسه ولا يهي أساسه، والمعتبر فيه بالتثنية والجمع ويتصرف الفعل المأخوذ منه، فعلى هذا يكتب العصا والقفا بالألف؛ لقولك في الفعل منهما: عصوت وقفوت، وفي تثنيتها: عصوان وقفوان، ويكتب الحمى والحصى بالياء لقولك فيهما: حميت وحصيت، ولقولك في تثنية حمى: حميان، وفي جمع حصى: حصيات، وإن زاد المقصور على الثلاثي كتب بالياء على كل حال، نحو: ملهي ومرمى ومبنى ومعلى ومعافى ومنادى ومثنى، إلا أ، يكون قبل آخره ياء فيكتب بالألف لئلا يجمع بين يائين، وذلك نحو العليا والدنيا والمحليا والرؤيا، ولم يشذ منه إلا «يحيي» إذا كان اسماً فإنه يكتب بالياء ليفرق بينه وبين يحيا الواقع فعلا. وإنما كتبت جميع الأسماء المقصورة إذا تجاوزت الثلاثي بالياء ولم يفرق فيها بين ما أصله واو نحو «ملهى» وما أصله الياء نحو «مرمى) لأن جميعها يثني بالياء، ولم يشذ منه إلا قولهم للمتوعد: جاء ينفض مذرويه، فنوا مذري وهو طرف الألية بالواو، لأجل أنه حين لم يلفظ بمفرده ميز عن نوعه. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال المصنف: (إن زاد المقصور على الثلاثة يكتب بالياء إلا أن يكون قبل آخره ياء فيكتب بالألف، لئلا يجمع بين يائين، وذلك نحو العليا والدني). هذا هو المشهور وفيه ثلاثة مذاهب. أحدها: هذا. والثاني: أن يكتب بالألف مطلقاً نظراً إلي لفظ كما نقله «ابن عصفور» عن «الفارسي». والثالث: أن يختار الياء فيما ذكر، ويجوز الألف أيضاً، ورجحه قوم، واختار

وحكم ما يكتب من الأفعال المعتلة بالألف والياء مثل حكم الأسماء المقصورة، ومعتبره أنه إذا كان الفعل ثلاثياً رددته إلي نفسك، فإنك وقعت الياء قبل تاء المتكلم كتبت بالياء نحو: قضى وحمى بدليل قولك: قضيت وحميت، وإن وقعت الواو قبل تاء المتكلم كتب بالألف نحو: رجا، لقولك: رجا وعدا، لقولك: رجوت وعدوت، ولهذه العلة كتبت جميع ما زاد من الأفعال المعتلة على الثلاثي بالياء نحو: أوفى واشترى واستقصى، لقولك فيها: أوفيت واشتريت واستقصيت، اللهم إلا أ، يكون قبل آخره ياء فيكتب بالألف لئلا يتوالى بين يائين، وذلك في مثل: هو يعيا بالأمر، وقد استحيا الرجل [ويستحيا منه، وكتبوا إحداها بالياء وكل مقصور فحكمه إذا اتصل به المكني أن يكتب بالألف نحو: ذكراها وبشراها]. فأما كلا وكلتا فعند النحويين، أن كلا يكتب بالألف إلا إذا أضيف إلي مضمر في حالتي النصب والجر، كقولك: رأيت الرجلين كليهما ومررت بالرجلين كليهما، وأن كلتا [يكتب] بالياء إلا أن تضاف إلي مضمر في حالة الرفع كقولك: جاءت الهندان كلتاهما. وإنما فرق بين كلا وكلتا؛ لأن كلتا رباعية. ـــــــــــــــــــــــــــــ «الزجاجي» أنه إذا أكل شيء من هذا يكتب بالألف. فلهم فيه اختلاف. وقوله في «يحيي» علماً أنه شاذ قد ذهب «المبرد» إلي خلاقه وأنه يقاس عليه كل علم يحكيه كأعيي لو سمي به. (ولم يشذ عنه إلا قولهم للمتوعد: جاء ينفض مذرويه، وهو طرف الإلية، فثنوه بالواو لأجل أنه حين لم يلفظ بمفرده ميز عن نوعه). هذا قول «أبي عبيدة» وقال «ابن قتيبة» رادراً عليه: ليس المذروان فرعي الإليتين حسب، بل هما الجانبان من كل شيء، تقول العرب: جاء فلان يضرب أصدريه وينفض مذرويه وهما منكباه، وذكر أنه سمع رجلاً من فصحاء العرب يقول: قنع الشيب مذرويه، يريد جانبي رأسه وهما فؤاده، وإنما سيما بذلك لأنهما يذريان أي يشيبان، والذري:

«وأبو محمد بن قتيبة» ساوي بينهما وأجرى كتابة كلتا مجرى كتابة كلا على ما بين من قبل. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيب. قال: وهذا أصل هذا الحرف ثم استعير للمنكبين والإليتين والطرفين من كل شيء. قال «أمية بن عائذ الهذلي» يذكر قوساً له: (على عجس هفافة المذروين ... زوراء مضجة في الشمال) أراد قوساً ينتفض طرفاها. وكونه لم يلفظ بواحده قول أيضاً، ولهم فيه قول آخر حكاه في «القاموس» وهو أنه سمع منهم مذري واحد المذروين، ولكل وجهة. (وإنما فرق بين كلا وكلتا في رسم الخط لأن كلتا رباعية) في «التسهيل» أنهم رسموها بالألف والقياس أن تكتب بالياء، وأما كلا فواوي ورسموه بالألف على القياس.

[222]- ما يجب أن يكتب موصولا

[222]- ما يجب أن يكتب موصولا ثلثائة وستمائة، والعلة في ذلك أن ثلثمائة حذفت ألفهما فجعل الوصل فيها عوضاً عن لحذف، وأن ستمائة كان أصلها ستمائة كان أصلها سدسمائة فقلبت السين تاء، وجعل الوصل عوضاً عن الإدغام. ومما عدلوا فيه عن رسوم الكتابة وسنن الإصابة أنني وجدت كتاباً أنشي من ديوان الخلافة القادرية إلي أحد الأمراء البويهية، وقد كتب المنشي في أوله وآخره: سلام عليك ورحمة الله وبركاته، بتنكير السلام في الطرفين والتسوية بينهما في الموطنين. والاختيار عند جلة الكتاب المبرزين وأعلام الكتابة المميزين أن يكتب في صدر الكتاب منكراً وفي آخره معرفاً، لأن اسم النكرة إذا أعيد ذكره وجب تعريفه، كما في القرآن الكريم: {كما أرسلنا إلي فرعون رسولاً، فعصى فرعون الرسول}، ولهذه العلة اختار بعض الفقهاء أن يتلى في تحيات الصلاة والسلام الأول منكراً والثاني معرفاً. خاتمة قال الشيخ الأجل الرئيس الإمام «أبو محمد القاسم بن علي» رضي الله عنه: فهذه الأوهام في الهجاء أثبتها عن العيان والتقطتها من كتب جماعة من الأعيان، ولعل خواطرهم هفت بها نسياناً، وأفلمهم خطرفت بها طغياناً، على أني لم أقصد بما ألفته من هذا الكتاب، وفتحت به مغالق الصواب أ، أندد بهفوات الأوهام وعثرات الأقلام، وأني يعتمد ذلك لبيب؟ وهل يتتبع المعايب إلا معيب؟ ومن ظن ممن يلاقي الحروب أن لا يصاب فقد ظن عجزاً.

وأنا أرجو أن يقع هذا الكتاب إلي من يستر المعيبة ويدراً بالحسنة السيئة، وأن أكفي إفراط من ينطق عن الهوى، ويجهل أن لكل امرى ما نوى، ومن الله أستلهم التوفيق للمقال المتعلق بالإصابة للفعال، المجتلب حسن الإثابة إنه. بكرمه. ولي الإجابة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ظن ممن يلاقي الحروب أن لا يصاب فقد ظن عجزاً) هو بيت من قصيدة «للخنساء» تبكي قومها، واسمها «تماضر بنت عمرو بن الشريد» وهذه القصيدة: (تعرقني الدهر نهثاً وحزا ... وأوجعني الدهر قرعا وغمزا) (وأفنى رجالي فبادوا معاً ... فأصبح قلبي بهم مستفزاً) (كأن لم يكونوا حمى يتقي ... إذ الناس إذ ذاك من عز بزا) (وكانوا سراة بني مالك ... وزين العشيرة فخراً وعزاً) (وهم في القديم سراة الأديم ... والكائنون من الخوف حرزاً) (وهم منعوا جارهم والنسا ... ء يحفز أحشاءها الخوف حفزا) (غداة لقوهم بملمومة ... رواح تغامر في الأرض ركزا) (بببيض الصفاح وسمر الرماح ... فبالبيض ضربا وبالسمر وخزا)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (وخيل تكدس بالدراعين تح .... ت العجاجة يجمزن جمزا) (حززنا نواصي فرسانهم ... وكانوا يظنون أ، لا تحزا) (ومن ظن ممن يلاقي الحروب ... أن لا يصاب فقد ظن عجزا) (نعف ونعرف قدر الجوار ... ونتخذ الحمد والمجد كنزا) وقوله: أن لا يصاب. روى: بأن لا يصاب. قال «ابن الشجري»: في «أماليه»: الباء في قوله: بأن لا يصاب زائدة، كما زيدت في قوله تعالى {ألم يعلم بأن الله يرى}، ولو أسقطها كان النصف الثاني محروما، والخزم يكون في أول البيت، وجاء في النصف الثاني قليلاً، وأن يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون مخففة من الثقيلة. اهـ .... وفي ادعائه الخزم نظر؛ لأنه إذا كان مدوراً لا خرم فيه. والمصنف تمثل به لنفسه بمعنى: لكل جواد كبوة، ومن صنف فقد استهدف، فلا يخلو من طعن الطاعنين [ونبوة غِر مداهن] فإن توهم السلامة من ذلك كان توهماً فارغاً وظناً باطلاً، كما أن من دخل الحروب وقارع الأبطال، وظن أن لا يصاب بشيء من الضرب والطعن ونحو ذلك فقد ظن ظناً باطلاً، فسماه عجزاً تجوزاً، أو المراد بالعجز عجز الناس عنه. وقد نجز ما أوردناه، وتحلى بحلي الكمال ما قصدناه، والحمد لله على مزيد الإنعام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في كل مفتتح واختتام، وعلى أفضل الرسل أفضل الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه الكرام [والحمد لله وحده].

§1/1