شرح حماسة أبي تمام للفارسي

أبو القاسم الفارسي

شرح كتاب الحماسة لأبي القاسم زيد بن على الفارسي المتوفى سنة 467 هـ دراسة وتحقيق الدكتور محمد عثمان على

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة رحل أبو تمام حبيب بن أوس الطائي بعد الثلث الأول من القرن الثالث الهجري بعام أو عامين، مخلفا وراءه المئات من القصائد والقطع الشعرية التي أستحق بها عن جدارة وعلو كعب أن يكون زعيم مدرسة في شعرنا العربي، ومخلفا كذلك اختيارات شعرية، كان يختارها من شعر العرب بذوقه ونقده، فجاءت هي الأخرى دالة علي سلامة في الذوق، وبصيرة في النقد حتى قيل: إنه كان فيها ((أشعر من شعرة)). وكان أروع اختياراته الشعرية- في نظر القدماء والمعاصرين- ديوان الحماسة الذي ما إن وقع تحت أيدي العلماء ودارسي الأدب حتى أقبلوا علية يوفونه حقه في الدراسة والشرح. بدأ ذلك منهم منذ منتصف القرن الثالث الهجري، وأستمر إلي عصرنا هذا الحديث. لقد تصدي لشرحه كبار العلماء في مختلف العصور، منهم في القدماء أبو عبد الله النمري، والحسن بن بشر الآمدي، وأبو هلال العسكري وأبو علي المرزوقي، وأبو الفتح عثمان بن جني، وأبو العلاء المعري، وتلميذة أبو زكرياء التبريزي، ومنهم من المعاصرين سيد علي المرصفي، والشيخ إبراهيم الدلجموني، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور. إن احتفال العلماء بديوان الحماسة كان عظيما، دل علي ذلك ما قمنا به من إحصاء لشروحهم، حيث بلغ تتبعنا لها- وفق ما وقفنا علية في المصادر ومكتبات العالم- أربعة وأربعين شرحا عدا الشروح المجهولة النسبة إلى أصحابها.

غير أن هذه الشروح لم تصل إلينا جميعها، ضاع جلها عبر الحقب والقرون، أو علي الأقل لا يعرف مكانها حتى الآن. إن ما وصل إلينا من مخطوطات هذه الشروح يعد ضئيلا بالقياس إلي ما خلفه العلماء من شرح هذا الاختيار، ومع ذلك فإن رحلة فك أسر هذه المخطوطات التي وصلت إلينا وإخراجها للقراء قد سارت بطيئة، بدأت في القرن الماضي عند المستشرق ((غيورنغ ولهلم)) الذي أخرج شرح التبريزي المتوسط محققا سنة 1828 م، ثم تلاه شرح المرزوقي الذي حققته لجنة التأليف والترجمة والنشر بعناية أحمد أمين وعبد السلام هارون في سنة 1951 م. ومع قيمة هذين الشرحين من شرح المادة الشعرية التي ضمها ديوان الحماسة، فإن هناك شروحا مخطوطة متناثرة في مكتبات العالم، بعضها فك أسرة بالتحقيق في رسائل جامعية لم تصل بعد إلي أيدي القراء، وبعضها لا يزال ينتظر دورة في خدمة أهل البحث العلمي. وهذا الشرح الذي نقدم له بهذه الكلمات يعد ثالث شرح من عمل القدماء يخرج للقراء بعد شرحي المرزوقي والتبريزي السالفي الذكر، وهو شرح قام الترجيح علي أنة لأبي القاسم زيد بن علي الفارسي المتوفى بطرابلس الشام عام 467 هـ. لقد كانت دراسة هذا الشرح وما قمنا فيه من تحقيق جزءا من رسالة جامعية تقدمنا بها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وهي رسالة جاءت في كتابين: أحدهما ((الموازنة بين شروح حماسة أبي تمام إلي نهاية القرن السادس الهجري)) والآخر دراسة ها الشرح وتحقيقه. وإذا كانت ظروف الطباعة قد أتاحت للكتاب الأول ((الموازنة بين الشروح)) أن يري النور قبل هذا الكتاب فإن هذا الأخير له من الفضل والقيمة ما يدركه كل قارئ له، ولعل فضلة وقيمتة- بالنظر إلي شرحي المرزوقي والتبريزي المطبوعين- يبدوان من منهج صاحبة، وهو منهج اختصاري تسهيلي يختلف عن منهج المرزوقي ((الإبداعي الفني)) ومنهج ((التجميعي الإنتخابي))، إنه منهج يقدم للقارئ المعلومات المختلفة التي أثارها العلماء السابقون للشارح حول النص

وعناصر شرحه مختصرة موجزة، وفي عرض سهل ميسر ومن ثم كان هذا الشرح أليق بقراء العربية والأدب في زماننا هذا، من حيث إنه زمان موسوم بكثرة الأعباء التي يضطلع بها دارس الأدب والعربية بعامة، من جري وراء العيش، وملاحقة لما تخرجه المطابع من مؤلفات، ومساهمة في قضايا العصر الذي نعيشه، وهي كثيرة لا تحصي، لهذا ولغيرة كان لهذا الشرح المختصر الموجز قيمته بين الشروح ما طبع وما لم يطبع. وإنني لآمل- وأنا أقدم هذا الشرح لعالم من علماء العربية، تفصلنا عنة قرابة الألف عام إلا عقودا-أن أكون قد قدمت عملا ذا نفع لقراء الأدب والباحثين فيه، ولا أدعي فيه كمالا ولكنة جهد وفرت له من عقلي وحواسي ما حقق له التقدير والإعجاب من أساتذة أجلاء، هم سندي ومفتخري، الأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي، والأستاذ الدكتور محمد رشدي حسن، والأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن، والأستاذ الدكتور محمود علي مكي، أسبغ الله عليهم جميعا ثوب الصحة والعافية ومنحهم طول العمر حتى ينتفع غيري بهم مثلما انتفعت بعملهم إنه سميع مجيب. محمد عثمان علي

الفصل الأول: الدراسة

تمهيد

تمهيد: ينبغي أن ننوه بادئ ذي بدء إلي أن هناك عقبات أربعا تعترض سبيل الدارس لهذا الشرح. أولاها: الاضطراب الذي وقع في نسبته إلي صاحبة. وثانيها: شح المصادر في إيراد المعلومات التي تتصل بأبي القاسم زيد بن علي الفارسي الذي قام الترجيح علي إنه صاحب هذا الشرح. وثالثتها: مخطوطة هذا الشرح، فهي الوحيدة التي عثرنا عليها في بحثنا وتنقيرنا في المكتبات. ورابعتها: ناسخها الذي جاء أسمة في أول المخطوطة وآخرها ((ياقوت بن عبد الله))، فقد كشفت الدراسة أنه ليس ياقوت أبن عبد الله الرومي الحموي صاحب معجمي الأدباء والبلدان الذي ذكرت المصادر أنه كان يشتغل بحرفة نسخ الكتب، ولا ياقوت بن عبد الله الموصلي الذي ذكر كل من ياقوت وأبن خلكان أنه كان ينسخ الكتب ويبيعها، وأنه كان متقنا للكتابة علي طريقة أبن البواب. ووفقا لهذه العقبات رأينا أن تقوم الدراسة في هذا الفصل علي مباحث خمسة نحاول في كل مبحث من المباحث الأربعة الأولي أن نكشف عن كل عقبة منها، وأن نسير بها إلي وضوح وجلاء، ومن ثم خصصنا المبحث الأول لمعالجة العقبة الأولي حيث تناولنا بالدرس والمناقشة توثيق هذا الشرح ورجحان نسبته إلي زيد بن علي الفارسي، أتبعناه بمبحث ثان في دراسة حياته وآثاره محاولين أن نستنطق المصادر التي ترجمت له، وصولا إلي صورة واضحة المعالم عنه.

توثيق الشرح

أما المبحث الثالث: فقد عالجنا فيه المنهج الذي سلكه في الشرح ومصادرة، وقيمة شرحه بالموازنة مع شرحي المرزوقي والتبريزي المطبوعين ومآخذنا علية. وجاء المبحث الرابع: في المخطوطة وناسخها وبيان حقيقة أمرة من خلال استعراض كل من حمل أسم ياقوت بن عبد الله ممن ذكرته المصادر التي رجعنا إليها- أما المبحث الخامس والأخير: فقد عقدناه لتوضيح منهجنا في التحقيق وما قدمناه من خدمة لهذا الشرح. -1 - توثيق الشرح إن أول ما يوجهه الدارس في الشرح هو نسبته إلي زيد بن علي الفارسي، وذلك لأننا نجد في أول الورقة الأولي من مخطوطة هذا الشرح خطأ واضحا وقع فيه الناسخ حيث كتب في العنوان وبخط كبير ((كتاب الحماسة، اختيار أبي تمام حبيب أبن أوس الطائي مع شرحه المختصر من إملاء الشيخ أبي علي أحمد بن محمد المرزوقي)) ثم نجد في الورقة ذاتها تصحيحا لهذا الخطأ بخط أحد الفضلاء جاء فيه ((هذا كتاب شرح الحماسة مما اختاره أبو تمام الطائي من تصانيف الشارح الإمام العالم العلامة زيد بن علي بن عبد الله الفارسي الفسوي. قال أبن عساكر في تاريخ دمشق وأبن العديم في تاريخ حلب: كان عارفا بعلوم كثيرة فاضلا بعلم اللغة والنحو، مات بطرابلس في ذي الحجة أو ذي القعدة سنة سبع وستين وأربعمائة)). والحق أن الذي يقرأ هذا الشرح ويعارضه بشرح الإمام المرزوقي يجد أن فروقا عدة قامت بين الشرحين وتدل دلالة واضحة علي أن هذا الشرح لا صلة له بشرح المرزوقي فهو ليس بمختصر منه كما ذهب الناسخ، فالاختلاف بين في عدة أمور أهمها المنهج وعناصر الشرح والأسلوب والمصادر المعتمد عليها في كل من

الشرحين، هذا أفضل عن الاختلاف في الأبواب، وترتيب القطع الشعرية، وعدد الأبيات في كل قطعة، ورواية الشعر. فإذا نظرنا إلي المنهج وجدنا أن منهج المرزوقي- كما أوضحناه في كتابنا: شروح حماسة أبي تمام- منهج إبداعي فني أدبي يقوم علي الجهد العقلي والذوق الأدبي في معالجة النصوص بصورة تؤكد المقدرة الفائقة التي يتمتع بها الإمام المرزوقي في استنباط المعاني من خلال محصولاتة الثقافية الواسعة في علوم اللغة والنحو والأدب والبلاغة وهي علوم أضطلع بها المرزوقي وبرزت بوضوح من خلال شرحه. أما منهج المصنف فهو منهج تعليمي يقوم علي الاختصار والتسهيل وإبراز معني النص في تناول سهل وعبارات ميسرة تميل غالبا إلي الإيجاز، وتدل علي أنه قد قصد بشرحه هذا فئة معينة من المتعلمين، فهو وإن كان قد أتفق مع المرزوقي في أن كلا منهما قد صنع شرحه لغاية تعليمية فإن متلقي شرحه قد كانوا مختلفين عن متلقي شرح المرزوقي، فالمرزوقي صنع شرحه لتلاميذه من بني وهم فئة خاصة، تعد نفسها للإمارة وتريد أن تصقل عقلها ووجدانها بالعلم والأدب لتنال منهما نصيبا وافيا يتناسب والمكانة التي تتطلع إليها في بلاط البويهيين. أما المصنف فالواضح أنه أملي شرحه لتلاميذ من عامة الشعب لا يمتون إلي الإمارة أو السلطان بصلة. هذا من حيث المنهج، وأما من حيث الشرح فالاختلاف فيها قائم تبعا للمنهج ذاته، وهي، كما رأيناها عند المرزوقي متنوعة، فيها الرواية، وفيها النحو واللغة والبلاغة والنقد، يصول فيها ويجول، في إيجاز تارة وإسهاب تارات أخري. أما المصنف فهو يهتم بالرواية كثيرا، ولكنة قليل الاهتمام بالنحو والبلاغة والنقد، يقصر جهده علي المعاني، يعرضها في إيجاز واضح حتى يخيل إليك وأنت تقرأ شرحه إنه قد جعل الإيجاز مذهبا آلي علي نفسه ألا يفارقه، ولذلك تراه حين يناقش اللغة يناقشها فقط ليبرز المعني الذي يريد إثباته، فهو يخالف المرزوقي الذي كثيرا ما نراه

يفرع الحديث في اللغة داعما شرحه لها بالشواهد من القرآن والشعر. والدارس للشرحين يستطيع أن يدرك الفروق في عناصر الشرح، وذلك من خلال أي نص من نصوص الحماسة، فمثلا في بيتي أبن زيابة الواردين في الحماسية رقم (22) في شرح المرزوقي (23) في شرح المصنف وهما: نبئت عمرا غارزا رأسه في سنة يوعد أخواله وتلك منة غير مأمونة أن يفعل الشيء إذا قاله نجد المرزوقي يتكلم أولا عن ((غارزا)) فيقول: جعل غرز الرأس كناية عن الجهل والذهاب عما علية وله من التحفظ، ثم وقف عند النحو فبين العلة النحوية في مجيء هذه الأسماء منصوبة، عمرا، غارزا، رأسه، فنبأ وأنبأ مما يتعدى إلي ثلاثة مفاعيل، فعمرا منصوب علي أنه مفعول ثان، وغارزا علي أنه مفعول ثالث، ورأسه انتصب من ((غارزا)) ثم أنتقل إلي ((سنة)) فأفاد بأنها الغفلة، وحددها بأنها ما يحدث من أوائل النوم في العين، ولم يستحكم بعد، ثم وقف عند جانب بلاغي فقال: وهذا من أحسن التشبيه وأبلغ التعريض والإبعاد إذا كان علي ما وصف حقيق بالتهجين يدل علي ذلك قوله: وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينة سنة وليس بنائم وقد فصل الله تعالي بينهما بقولة: ((لا تأخذه سنة ولا نوم)) والفعل وسن يوسن وسنا، ثم وضح موضع ((يوعد)) من الإعراب، فهي في موضع نصب علي الحال، وأخيرا رجع إلي ((غارزا)) التي بدأ بها حديثة عن البيت، فبين استخدامها في الحقيقة والمجاز حيث أشار إلي أن معني ((غارزا رأسه)) مدخلا، ومنة الغرز بالإبر. ويقال: ((غرز فلان رجلة في الغرز أي في الركاب، وتوسعوا حتى قالوا: إغترز فلان في ركاب القول. ثم أنتقل إلي البيت الثاني فبين الشاعر منة وهو التهكم والسخرية قال: وفي طريقته قول الآخر: وأما أخو قرط فلست بساخر فقولا ألا يا اسلم بمرة سالما

قال هذا ومرة معرض لكل بلاء، قم وقف عند النحو فوضح موضع ((أن يفعل)) من الإعراب قال: موضعه علي البدل من قولة: ((وتلك منة)) ثم أنتهي إلي المعني وهو ((تلك الخصلة لا يؤمن وقوعها من عمرو وهو فعلة لما يقوله)). أما المصنف فقد كان عملة في البيتين علي النحو التالي: قال: ((غارزا رأسه)) راكبا رأسه، في سنة أي في غفلة، وتلك منه غير مأمونة، يستهزئ به أي لا يقدر علي ذلك، لأنة أضعف من أن يفي بما يتوعد به، المعني: يصف بلوغه وعيد عمرو وأخواله، وهذا الشعار من جملة أخواله، أي خبرت أن عمرا توعدنا، ثم دل علي قلة اكتراثه به، وأنه إذا قال شيئا لم يف به)). وواضح أن المصنف كان همة في البيتين مقصورا علي المعني، يشرح المفردات التي يري ضرورة توضيحها، ثم يعمد إلي مجمل فيورده، فهو لا يشغل نفسه بالنحو، ولا البلاغة، وهو حين يتعرض للغة فإنما يتعرض لها من حيث المعني المراد من اللفظ في البيت غير ملتفت إلي توضيح استخدام اللفظ في الحقيقة والمجاز كما فعل المرزوقي، ولا متم شرحه بشواهد تدعم ما صورة من معان للغة. كذلك يمكن أن تلحظ هذه الفروق في العناصر في بيتي عمرو بن كلثوم الواردين في الحماسية (160) في الشرحين معا، وهما: فما أبقت الأيام ملمال عندنا سوي جذم أذواد محذفة النسل ثلاثة أثلاث فأثمان خلينا وأقواتنا وما نسوق إلي العقل نجد المرزوقي يقف عن كلمة ((الأيام)) فيفسرها بالوقعات، ثم ينتقل إلي ((ملمال)) فيقول: أراد من المال فجعل الحذف بدلا من الإدغام لما ألتقي بالنون واللام حرفان متقابلان، الأول متحرك والثاني ساكن لازما، ثم صور معني البيت الأول فقال: ((ما بقي تأثير الحوادث ونكبات الأيام عندنا من أصول المال ومقتنياتها إلا بقايا أذواد قطع الضر نسلها، وتمكن الهزال وسؤ الحال منها، فهي علي شرف فناء

وذهاب ثم رجع إلي المفردات ففسر الجذم بالأصل، والأذواد جمع ذود، والذود يقع علي ما دون العشرة، وقال أكثر أهل اللغة: إنها تقع علي الإناث دون الذكور، وبعضهم يجوز وقوعها علي الذكور أيضا، وما في البيت يشهد للأول. ثم أنتقل إلي البيت الثاني فقال: ((أموالنا ثلاثة أثلاث، فيرتفع الثلاثة علي أنه خبر مبتدأ محذوف، وما بعدها تفسير لها وتعليل، ونبه بما أورد وقسم الوجوه التي انصرفت إليها أموالهم فأفنتها، والطرق التي توزعتها فقللتها، فقال: افترقت أموالنا فرقا ثلاثا: ففرقة منها صرفناها إلي أثمان خيلنا لأنا غزاؤون ومعالجو حروب فلا نستغني عنها، إذ كان جدنا وهزلنا منها وبها، وفرقة منها حبسناها علي أقواتنا ومعايشنا لأن العفاة والزوار كانت تنتابنا وتتناوب عليها حتى تستغرقها لان إقامتنا بدار الحفاظ شغلتنا عن الغزو واجتذاب الزيادة إليها، وفرقة وجهناها إلي الديات وأروش الجنايات التي كسبتها أيدينا وإجترحتها رماحنا إذ كنا لعزنا ومنعتنا لا يطمع في الاقتصاص منا، ومثل هذا قول الآخر: ((نأسو بأموالنا آثار أيدينا)) فواضح من شرح البيت الثاني: أن المرزوقي يجنح إلي الإطناب في تصوير المعني وهو إطناب قائم علي الترادف في الألفاظ وتتابع الجمل التي تؤكد المعني الواحد وتقوية وذلك مثل قولة: ((الوجوه التي انصرفت إليها أموالهم فأفنتها، والطرق التي توزعتها فقللتها)) ومثل ((كسبتها أيدينا، وأجترحتها رماحنا)) والترادف مثل ((غراؤون ومعالجو حروب)) ومثل ((تنتابنا وتتناوب عليها)) و ((عزنا ومنعتنا)) كما نراه يجنح إلي تفريغ المعني وتنميته، فهو حين ذكر الوجه الأول: من وجوه مصارف أموالهم وهو أثمان الخيل فرع منة قولة: لأنا غزاؤون ومعالجو حروب فلا نستغني عنها، إذ كان جدنا وهزلنا منها وبها، وحين ذكر الوجه الثاني: وهو الأقوات والمعايش فرع منة قولين كلاهما تعليل لحبس المال في هذا المصرف، أحدهما قولة: لأن العفاة والزوار كانت تنتابنا وتتناوب عليها حتى تستغرقها، والآخر قولة: لأن إقامتنا

بدار الحفاظ شغلتنا عن الغزو واجتذاب الزيادة إليها، وكذلك لما ذكر الوجه الثالث وهو الديات وأروش الجنايات فرع منه قولة: إذ كنا لعزنا ومنعتنا لا يطمع في القصاص منا. أما المصنف فإنه لم يخرج عن منهجه في الشرح الذي لاحظناة في النص السابق فعناصره لم تتجاوز الرواية والمفردات ومجمل المعني، فهو يبدأ بالمفردات فيقول: ((ملمال)) أراد من المال، والجذم الأصل، ومعني محذفة النسل مقطوعة الأولاد، هذا ما أوردة في شأن البيت الأول، أما البيت الثاني فقد وقف فيه عند رواية أخري أثبتها التبريزي في متن شرحه، وهي رواية ((وما نسوق إلي القتل)) بدل العقل، ثم فسر معني البيت في إيجاز ظاهر قال: ((ثلاثة أثلاث، أي أموالنا ثلاثة أثلاث: ما نسوق إلي القتل لأجل القتل، أي ما نعطي في الديات، ونتحمل من المغارم، وثلثه ثمن الخيل، وثلثه للقوت والضيافة. وهو بهذا لا يتجاوز شرح المفردات وإيراد مجمل المعني في إيجاز بعيد عن الإطناب الذي أتخذه المرزوقي سبيلا في الشرح وإيضاح المعاني، ونحن هنا لا نريد أن نفاضل بين الشرحين، وإنما قصدنا أن ثمة فروقا واضحة في عناصر الشرحين جاءت تبعا للمنهج أتخذه كل من الرجلين. وبجانب الاختلاف في المنهج وعناصر الشرح لاحظنا أيضا اختلافا في تفسير الشعر، فبيت بشامة بن حزن الوارد في الحماسية (134)، والذي يقول فيه: إني امرؤ أسم القصائد للعدا إن القصائد شرها إغفالها قال المصنف في شرحه: ((أسم القصائد علي وجهين أحدهما أن يكون المراد أجود القصائد في هجاء العداكي تروي لجزالة معناها وبراعة لفظها، والآخر أن يكون المراد أذكر من أهجوه فيها كي تروي، والمعني يصف تجويده الشعر ليكثر إنشاده)).

هذا ما فهمه المصنف من البيت، أما المرزوقي فقد قال في معني ((أسم القصائد)) أعملها بما يصير كالسمة عليها حتى لا تنسب إلي غيري، وحتى يعرف منها السبب الذي خرجت علية، فمن سمعها عرف قصتها، ولهذا قال: إن القصائد شرها إغفالها أي شر الشعر ما لا ميسم لقائلة والمقول فيه علية. ثم عرض رأيا آخر في البيت قال: ((وسمعت من يقول: في البيت إنه مقلوب، والمراد أسم العدا بقصائدي كما قال الآخر: جعلت له من فوق العرانين ميسما والأول أكشف وأصح بدلالة أن الغفل جعله من القصائد فكذلك الموسوم يجب أن يكون منها)). ولا شك أن الفرق واضح بين التفسيرين، فالأول يذهب إلي أن السمة هنا الجودة القائمة علي جزالة المعني وبراعة اللفظ، أو هي أن يذكر في القصيدة المهجو حتى تشيع بين الناس وتروي، أما الآخر فيذهب إلي أن السمة هنا هي العلامة التي تميز شعرة، فلا ينسب إلي غيرة، أو تعني السبب الذي قيلت القصيدة من أجلة، فيعرف السامعون قصتها، ولم يقف المصنف عند قول الشاعر: ((أن القصائد شرها إغفالها)) ولكن واضح من شرحه أنه يذهب إلي أن شر القصائد ما لا جودة فيها، أو لم يذكر فيها أسم المهجو، في حين أن المرزوقي يفسر العبارة بأن شر القصائد ما لا سمة لقائلها أو دلالة تدل علي المقول فيه، والمقول فيه هنا هو المهجو، وهذا يدل علي أنها التقيا في هذا الجانب الجزئي من التفسير، غير أن ذكر المهجو في الشعر وأن كان سمة تسم القصيدة وتميزها فإنه لا يعني الجودة التي ذهب إليها المصنف في تفسيره الأول وأعتمدها في مجمل المعني. وفي بيت عبد الشارق بن عبد العزي الوارد في الحماسية (152) وهو البيت القائل: ألا حييت عنا يا ردينا نحييها وإن كرمت علينا

قال المرزوقي في شرحه: ((هذا علي كلامين، وألا افتتاح، والتحية قال بعضهم هي الوداع ها هنا، يقول: ألا أبلغت وداعنا يا ردينه، ثم قال: نحييها أي نودعها وإن عزت علينا مفارقتها، ويجوز أن يكون دعا لردينه فقال: جزاك الله عنا أي تولي الله ذلك من دوننا، ثم راجع نفسه فقال: نفعل علي فخامة موقعها منا، وجلالة محلها في قلوبنا، إذ كنا لا نقدر لها علي غير ذلك، وقولة: ((نحييها وإن كرمت)) يسمي التفاتا، كأنة التفت إلي من معه فقال ذلك)). أما المصنف فقد جاء في شرحه قولة: ((يعني نفارقها وإن كرمت علينا، قال أبو رياش: إن رجلا إذا عرف بمحبة امرأة لم يزوجوها له، وإذا سلم عليها عرف إنه يحبها ويهواها فقال: نسلم عليها وإن كان في السلام بأس منها، وهذا من إفراط شوقه وغلة هواة، وقبج غيرة: كان هذا الشعار غائبا عن ردينه فحن إليها، وأشتاق إلي قربها فقال: ألا خصصت عنايا ردينه بتحية منا، ثم قال معتذرا عن التسليم عليها في حال الغيبوبة نحييها وإن كرمت علينا أي وإن جلت عندنا من أن يتولى تحيتها غيرنا، غيرة منا عليها)). فواضح أن كلا من الشيخين ينقل قول من سبقه في معني البيت دون تعليق أو مناقشة، وهذا يدل علي أنهما ارتضيا ما نقلا، غير أن الاختلاف واضح بين ما نقلة المرزوقي وما نقلة المصنف، وطبيعي أن يقع ذلك لأن مصادرهما في الشرح مختلفة، وذلك علي النحو الذي سنوضحه في موضع آت. وإذا كنا قد لاحظنا فروقا في المنهج وعناصر في المنهج وعناصر الشرح وتفسير الشعر فإن هناك فرقا في الأسلوب، فالمرزوقي- كما نعلم- كان أديبا كاتبا، ولذا أصطبغ أسلوبه في الشرح بصبغة أدبية عالية، قال عنة ياقوت: ((كان يتفاصح في تصانيفه كابن جني، وقال عبد السلام هارون: ((والمرزوقي ذو عبارة رصينة متخيرة، يتكلف لها الصنعة

حينا، ويعمد آخر إلي السجع الهين. وأفاد الدكتور أحمد جمال العمري عن أسلوب المرزوقي فقال: ((وأسلوب المرزوقي مشرق مملوء حياة، هذا ما لمسناه يشرح فكرته ويدلل عليها، كان يختار التعبير الرائق الذي يثير في النفس ذكريات أو يوحي بخيالات تدعم المعني وتثير الشعور)). والحق أن الذي يقرأ شرحه يحس بأن الرجل كان في أسلوبه كما صورة هؤلاء العلماء، فقد كان يعني بأسلوبه عناية فائقة، ويكفي أن تقرأ مقدمته التي شرحها الشيخ محمد الطاهر بن عاشور لتدرك أنه كان ذا درجة عالية في السبك وصوغ الجمل والعبارات، أما المصنف فأسلوبه نابع من طريقته وهي طريقه-كما رأينا- بنيت علي السهولة واليسر والإيجاز، ومن ثم فهو لا يتكلف صوغ العبارة ولا يجتهد في تزيين كلامه وتوشيته بلون من ألوان البلاغة، وإنما يطلق العبارة سهلة لتوضح المعني الذي يريد إيصاله لمتلقي شرحه، فهو مثلا يقول في بيتي عمرو بن سبره الحرشي الواردين في الحماسية (162): إذا سالت الجوزاء والنجم طالع فكل مخاضات الفرات معابر وإني إذا ضن الأمير بإذنه علي الأذن من نفسي إذا شئت قادر ((إذا أشتد الحر، وقلت المياه عبرت الفرات ولك يمنعني خوف الغرق، وإذا بخل الأمير علي بإذنه قدرت علي الأذن من نفسي بالانصراف عن بابه وهربت من سلطانة)). وفي حين نجد المرزوقي يقول في البيتين: ((إذا تناهي الحر وارتفعت الجوزاء في أول الليل إلي كبد السماء، وطلع الثريا عند السحر، فكل مخاضه من جوانب الفرات معبر لي، أهرب فيه، لأن نضوب الماء ونقصانه يكون في ذلك الوقت، وإذا تمنع عن الأذن، وصدني الوقت عن مرادي، ولم أقدر علي جواز المسالح والمراصد لكونها مشحونة بالمرتبين فيها انتظرت غيض الماء وجزره في

الفرات وإمكان المخاضات من العبور والذهاب فحينئذ آذن لنفسي وأهرب، وإنما قال ذلك لأن المشارع لا تضبط كما تضبط الجسور ومضائق الطرق". فالمرزوقي يصور المعنى بوجدانه وعقله، يتدخل الوجدان في تخير الألفاظ وصوغ العبارات، ويتدخل العقل في هذا التعليل الذي يتبع كل معنى يصوره ويقرره، بينما نجد المصنف يقف في تصويره للمعنى عند الإيجاز، وبعبارات سهلة، لا تخير في ألفاظها ولا تأنق في صوغها. وأما المصادر فإن المصنف يعتمد على شروح سبقته لم يرها المرزوقي، ولم يفد منها فمن ذلك شرح أبي رياش الذي أفاد المصنف منه في أكثر من موضع، ومثله المبهج في شرح أسماء شعراء الحماسة لابن جني، وهذان المصدران لم يقف عليهما المرزوقي، ولذا خلا شرحه مما فيهما من فوائد، قال عبد السلام هارون في الموازنة بين شرح المرزوقي وشرح التبريزي: "إن المرزوقي قد فاته كثير من أخبار الشعر ومناسباته، والكلام على أسماء الشعراء واشتقاق أعلامهم، وهما الميزتان اللتان امتاز بهما التبريزي عليه، والتبريزي في الناحية الأولى أفاد من شرح أبي رياش للحماسة، ويبدو أن كتاب أبي رياش لم يقع للمرزوقي حتى يمكنه الانتفاع به كما صنع التبريزي، وفي الناحية الأخرى قد أفاد من شرح أبي هلال ومن المبهج لابن جني". وأفاد المصنف من شرح الديمرتي للحماسة وكذلك شرح أبي علي الاستراباذي ورأيته ينقل من "معاني أبيات الحماسة" لأبي عبد الله النمري دون عزو، وهذه الشروح الثلاثة لا أثر لها في شرح المرزوقي. والمصنف أيضاً ينقل عن رجال لم يردوا في شرح المرزوقي مثل أبي سعيد السيرافي، وأبي علي القاساني، وأبي سعيد الفسوي.

ولعل المصدرين الوحيدين اللذين التقى فيهما المصنف مع المرزوقي هما أبو علي الفارسي والبرقي، فأما الأول فقد كان أستاذا للمرزوقي، قرأ عليه كتاب سيبويه وتتلمذ له، ولذا نراه يذكر سماعه عنه في جملة من المواضع في شرحه. أما المصنف فإن صلته بصاحب الإيضاح كانت عن طريق أبي الحسين ابن أخت أبي علي الفارسي أخذ عنه كتاب خاله "الإيضاح" وشرحه للناس، وأخذ الناس الإيضاح عن المصنف من هذا الطريق. وقد أفاد المصنف من أبي علي الفارسي في بعض مواضع من شرحه. أما البرقي فقد أفاد منه الرجلان، غير أن البرقي -وكما سيتضح لنا في موضع ترجمته من هذا البحث- غير معروف في المصادر التي وقفنا عليها. والمصنف كثيرا ما يورد عدة روايات للبيت الواحد، وهذا يدل على أنه قد وقف على نسخ مختلفة لمتن الحماسة أو روايات الشروح التي أفاد منها، والمرزوقي نفسه يشير في أكثر من موضع إلى أنه وقف على نسخ مختلفة لديوان الحماسة، غير أنني حين وازنت بين ما يناقشه المرزوقي من روايات وما يعرضه المصنف منها في شرحه وجدت أنه لا بد أن تكون مصادر الشيخين مختلفة في هذا الجانب، وربما كان مرد ذلك إلى تلك الشروح التي ذكرت أن المصنف أفاد منها، ولم يقف عليها المرزوقي. وبجانب ما ذكرنا من اختلاف في المنهج وعناصر الشرح وتفسير الشعر والأسلوب والمصادر هناك اختلاف في الأبواب، وعدد القطع الشعرية، وترتيبها وعدد

الأبيات في القطعة الواحدة، فضلا عن الاختلاف في رواية الشعر، فالأبواب عند المرزوقي أحد عشر باباً، وهي عند المصنف وغيره من الشراح عشرة أبواب، وذلك لأن الباب السادس جاء في شرح المرزوقي مشطوراً إلى بابين باب الأضياف وباب المديح، في حين أن قطع هذين البابين جاءت في باب واحد عند المصنف تحت عنوان باب الأضياف ولقد سبق أن ناقشنا ذلك في الكتاب الأول "الموازنة بين الشروح" وذكرنا أنه ربما يكون هذا قد وقع من النساخ الذين نسخوا شرح المرزوقي، ولكنه على أية حال يبقى فرقا بين الشرحين. أما عدد القطع الشعرية في هذه الأبواب فقد اتفقا في بعضها واختلفا في بعض، اتفقا في باب الحماسة فقطعه عند كليهما 261 قطعة، وكذلك في باب المراثي فهو عندهما 137 قطعة، وفي باب السير والنعاس الذي بلغ عندهما 9 قطع، وكذلك في باب مذمة النساء، فهو في روايتيهما 19 قطعة، أما بقية الأبواب فالاختلاف فيها واضح، فباب الأدب 47 قطعة عند المرزوقي 51 عند المصنف وباب الهجاء 80 عند المرزوقي 76 عند المصنف، وباب الأضياف والمديح جاء مجموعهما عند المرزوقي 142 قطعة وعند المصنف 139، وجاء باب الصفات ثلاث قطع عند المرزوقي وأربع قطع عند المصنف. أما الاختلاف في الترتيب فهو كثير متعدد، يكاد يشمل جميع الأبواب، فمثلا في باب الحماسة وهو باب اتفق الاثنان في عدد قطعه نجد أن الحماسية (256) عند المرزوقي رواها المصنف بعد أربع قطع فهي عنده رقم (260)، وفي باب المراثي الذي تساوت قطعه عندهما نجد أن مرثية جاءت عند المرزوقي هي مرثية جرير التي يرثي فيها قيس بن ضرار بن القعقاع، في حين أن هذه المرثية جاءت عند المصنف رقم (135) أي قبل قطعتين من نهاية الباب عنده. وفي باب النسيب في قطعة ابن هرم الكلابي وهي القطعة رقم (135) في شرح المصنف نجد أن المرزوقي روى بعدها خمس قطع جاءت متقدمة في شرح المصنف، فهي في رواية المصنف على الترتيب: 75، 76، 77، 78، 79، والقطعة (79) التي نسبها المصنف إلى خلف بن

خليفة أو عبد الملك الحارثي هي آخر باب النسيب عند المرزوقي، بينما آخر قطعة عند المصنف هي قطعة ابن المولى التي رواها المرزوقي قبل القطعة (134) في ترتيب المصنف. وأما الاختلاف في عدد الأبيات في القطعة الواحدة فكثير بين الشرحين، وهذا يرجع غلى اختلاف نسخ الحماسة التي اعتمد عليها كل من الرجلين، والأمثلة عديدة يستطيع من يقف على الشرحين أن يلم بها، فحماسية قيس بن الخطيم وهي رقم (57) رواها المرزوقي أربعة أبيات، بينما جاءت في رواية المصنف سبعة أبيات، وحماسية إبراهيم بن الحكم أو ابن أنيف النبهاني رقم (71) فهي عند المرزوقي خمسة وعند المصنف سبعة أبيات، وهكذا لو تتبعنا أبواب الحماسة لوجدنا الاختلاف متعدداً بين الشرحين في رواية عدد الأبيات في القطعة، وهو أمر أثبتناه في هوامش هذا الشرح، ويمكن أن يرجع إليه في سائر الأبواب. وكذلك نجد اختلافاً في رواية البيت الواحد، صحيح أن هناك التقاء في الرواية كثير من أبيات الحماسة غير أن هذا الالتقاء صحبه أيضاً اختلاف في مواضع متعددة بل هناك اختلاف في الاحتجاج لصحة الرواية التي اعتمدها كل منهما، فمثلا بيت الفند الزماني الوارد في الحماسية رقم (2) رواه المرزوقي هكذا: مشينا مشية الليث غدا والليث غضبان وقال في شرحه: "سعينا إليهم مشية الأسد ابتكر وهو جائع" وقال: "من روى " عدا " على أن يكون من العدوان فليست روايته بحسنة لأن الليث في أكثر أحواله ظالم".

أما المصنف فقد اعتمد رواية "عدا" بالعين غير المعجمة وقال: "وعدا من العدوان، أي مشينا كما يمشي الأسد عاديا غضبان" ونقل رأي بعضهم "إن الرواية "عدا" ولا يجوز "غدا" لأن الليث لا يغدو ثقة بنفسه إلا لصيد لا يفوته متى قصده". وفي الحماسية التي نسبها المصنف إلى مؤرج السدوسي جاء البيت الأول منها في روايته على النحو التالي: لا يمنعنك خفض العيش في دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان بينما أثبت المرزوقي في روايته الأولى "نزاع نفس" وقال في الشرح: "ويروى نزوع نفس والنزوع اشتهاره في الكف عن الشيء والنزاع الشوق، وإن كان جائزاً وقوع أحدهما موقع الآخر". كذلك روى المصنف البيت الأول من حماسية العباس بن مرداس رقم (149): أبلغ أبا سلمى رسولا تروعه ... ولو حل ذا سدر وأهلي بعسجل وقال: "الرسول ها هنا الرسالة ولذا أنث فقال: تروعه" وروى المرزوقي "رسولا يروعه" على أجراء اللفظ لا المعنى وقال: "الرسول يقع على المرسل والرسالة جميعا ويجري مجرى المصادر". وفي حماسة القتال الكلابي رقم (217) روى المصنف البيت الرابع منها هكذا: يرى أن بعد العسر يسرا ولا يرى ... إذا كان عسر أنه الدهر لازب

ورواه المرزوقي "إذا كان يسر أنه الدهر لازب"، وفد نبهنا في هامش هذه الحماسية أن رواية المرزوقي في أصح معنى من رواية المصنف لأن الشاعر قال في الشطرة الأولى: أن العسر لا بد أن يخلفه يسر، فالعسر لا يدوم، واتساق المعنى يقتضي أن يقول في الشطرة الثانية أن اليسر أيضا لا يدوم. والحق أن معارضة هذا الشرح بشرح المرزوقي وغيره من الشروح الأخرى قد أثبتت فروقاً جمة في رواية المتن لا مع شرح المرزوقي فحسب بل مع غيره من الشروح الأخرى مثل شريح التبريزي الذي يجد القاريء مواضع اتفاق في الرواية مع المصنف، كما يجد مواضع اختلاف، وقد أثبتنا جميع ذلك في الهوامش. وبعد فإن هذه الفروقات التي شرحناها في جوانب مختلفة كانت غايتنا منها أن نؤكد أن هذا الشرح ليس مختصراً من شرح المرزوقي، كما توهم الناسخ، كما ليس بصحيح ما ذهب إليه صاحب كتاب "حماسة أبي تمام وشروحها" حين ذكر أن نصوصا من هذا الشرح "تلتقي في بعض جوانبها بما هو في شرح المرزوقي مع شيء من التصرف وعدم الالتزام بنصه"، إذ معنى هذا أن المصنف كان أمامه شرح المرزوقي يأخذ منه ثم يحور فيه ويورده دون عزو، وهذا ظاهر من قوله: "وهذا يعني أن صاحب هذا الشرح قد اطلع على شرح المرزوقي وأفاد منه دون أن يصرح باسمه"، وقال في موضع آخر: "إن المصنف في الثلث الأخير من شرحه أخذ يركز أكثر ما يركز على تفسير معاني الكلمات، ويبدو في هذا الجانب مستفيداً من شرح المرزوقي". فهذه الأقوال جميعاً لا تقوم على شيء وهي مدفوعة بعدة أمور: أحدها أن المصنف أفاد من شروح سبقته، كان يأخذ منها بالنص ويذكر أصحابها، وقد ذكرت هذه الشروح عندما فرقت بين مصادره ومصادر المرزوقي، وهو لم يذكر

المرزوقي في شرحه قط، فلو أنه وقف على شرح المرزوقي وقوف ناقل محور كما يزعم الدكتور عسيلان لما فات عليه أن يذكره، ولو من قبيل الاعتراض عليه، كما فعل التبريزي الذي وصفه عبد السلام هارون بأنه كان عالة في جمهور شرحه على المرزوقي، ينقل منه ما يريد دون عزو، ولا يذكره إلا في المواطن التي يعترض عليه فيها. وثانيها ما ثبت لدينا من خلال الدراسة الدقيقة المتأنية أن المصنف قد ينقل ممن سبقه دون عزو ولكنه لا يحور في الكلام المنقول أو يتصرف فيه بل ينقله حرفيا فما الذي يجعله ينقل من المرزوقي متصرفاً، ولا يتصرف في النقل من غيره، ففي الحماسية رقم (167) قال المصنف في بيت الشنفرى: هنالك لا أرضى حياة تسرني ... سجيس الليالي مبسلا بالجزائر "سجيس الليالي آخر الليالي، أي امتداد الدهر، وذلك أن الشيء أذا طالت مدته تغير في غالب الأمر فكأنه قال: لا أكلمك إلى آخر المدة التي يتغير فيها الدهر"، فهذا الكلام منقول بنصه من ابن جني في التنبيه حيث قال: "ومنه قولهم لا أكلمك سجيس الليالي أي امتداده والتقاؤه، وذلك أن الشيء إذا طالت مدته في غالب الأمر تغير وفسد فكأنه قال لا أكلمك إلى آخره المدة التي يتغير فيها الدهر". وفي المرثية رقم (57) في بيت أم الصريخ الكندية القائل: ولو أنهم فروا لكانوا أعزة ... ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما نقل التبريزي قول أبي عبد الله النمري وقد جاء فيه: "ظاهر الكلام يدل على أنهم أسلموا وخذلوا وكثرتهم الخيل فأحسنوا البلاء فقتلوا، ولوفروا لعذروا ولم يلاموا لوضوح عذرهم، ولأنهم عرفوا بالشجاعة من قبل". فهذا القول نكاد نجده

بنصه في شرح المصنف، ولم يعزه النمري كما فعل التبريزي قال: "ظاهر الكلام يقتضي ذلا لا عزا، فالعز لا يكتسب بالفرار ولكنها أرادت به أنهم أسلموا وخذلوا وكثرتهم الخيل فأحسنوا البلاء فقتلوا، ولو فروا لعذروا، وكانوا أعزة لم يلمهم صديق، ولم يعبهم عدو لوضوح أمرهم ولأنهم قد عرفوا بالشجاعة قبل". وهذا الكلام فيه تغيير طفيف عن كلام النمري، غير أن جل ألفاظه جاءت مطابقة، وربما وقع هذا التغيير الطفيف من التبريزي الذي نقل كلام النمري، فنحن لم يصل إلينا شرح النمري، وإنما وصل إلينا مختصر منه كما أوضحنا من قبل، وحتى إن قلنا بأن هذا التغيير الطفيف قد وقع من المصنف فإن غلبة الألفاظ شاهدة على أنه أخذه من النمري، فلو كان المصنف يتعمد النقل من المرزوقي ثم يتصرف فيما ينقل، كما ذهب الدكتور عسيلان، لوجدنا ألفاظ المرزوقي وجمله على هذا النحو الذي رأيناه في نقل المصنف عن ابن جني والنمري. وثالث هذه الأمور أن المثال الذي ساقه الدكتور عسيلان ليؤكد به إفادة المصنف من المرزوقي في شيء من التصرف لا يصلح أن يكون دليلا لما ذهب إليه فهو ينقل نصاً من شرح المرزوقي ونصا من شرح المصنف، وذلك عندما شرح كل منهما بيت سعد بن ناشب الوارد في الحماسية (10) في الشرحين، وهو البيت. وأذهل عن داري وأجعل هدمها ... لعرضي من باقي المذمة جالبا غير أنه لم ينقل كل ما جاء في الشرحين وهو كما قرأناه على النحو التالي: قال المصنف في شرحه: "المعنى أن هذا الرجل كانت له دار موروثة، وكان يلحقه من قومه ضيم، وقدروا أنه يحتمل ولا يفارق داره فقال: أصرف قلبي عن داري واتركها تهدم، وذلك أهون علي من أن أقيم عليها معترفاً بالذل" فأذم به، فاجعل هدم داري مانعا لي من مذمة باقية كي لا يقال: إنه أقام على الذل ضناً

بها". وقال المرزوقي في شرحه: "الذهول ترك الشيء متناسباً له ومتسليا عنه، ومنه اشتقاق ذهل يقول: إذا ضاق المنزل بي حتى يصير دار الهوان انتقلت عنه، واجعل خرابه وقاية للنفس من العار الباقي والذم اللاحق، وهذا قريب من قوله: "وإذا نبا بك منزل فتحول". فهل هذا الشرح يدل على أن صاحب الشرح السابق قد أفاد منه، أن الأصل في الشعر أن يكون معنى البيت الذي يريده الشاعر واحداً، وإنما الاختلاف بين الشراح يكون في تأويل هذا المعنى، فإذا حدث أن اتفقوا في هذا التأويل أصبح الاختلاف بينهم في اللغة والأسلوب، فكل منهم يصوره بلغته وأسلوبه، غير أن الفهم الذي يخرج به القاريء عادة يكون واحداً، وفي هذه الحال لا ينبغي أن نذهب إلى أن أحد الشراح قد أفاد من الآخر، لأن هذا الآخر متقدم عليه في الزمن إلا إذا اتفقا في الألفاظ وفي الجمل على نحو ما رأينا عند ابن جني والنمري ونقل المصنف منهما، أضف إلى هذا أن هذه الحماسية التي ضمت هذا البيت قد اشتملت على ثمانية أبيات أخرى جاء شرح الشيخين فيها مختلفا تماما، فضلا عن أنهما اختلفا في رواية البيت الخامس فقد رواه المصنف هكذا: أخي غمرات لا يريد على الذي ... يهم به من مقطع الأمر صاحبا ورواه المرزوقي "أخي عزمات لا يريد ... إلخ". ورابع هذه الأمور أن ليس بصحيح ما ذهب إليه الدكتور عسيلان في قوله إن المصنف "بدأت عنايته بالمعاني تقل في أواخر شرحه بحيث أصبح يركز أكثر ما يركز على تفسير معاني الكلمات، وأنه يبدو في هذا الجانب مستفيداً من شرح المرزوقي"، فالحق أن المصنف ظل ثابتاً على منهجه الذي وضحناه في أول هذا

الحديث وهو الإيجاز في الشرح، فإذا كانت ألفاظ البيت واضحة لا تحتاج إلى شرح بالمعنى فقط، وإذا كان بعضها يحتاج إلى شرح شرحه ثم أتى بالمعنى. قال في شرح آخر بيتين وردا في الحماسة، وهما البيتان اللذان وردا في وصف الديكة: على نغانغ سالت في بلاعمها ... كثيرة الوشي في لين وترقيق كأنما لبست أو ألبست فنكا ... فقلصت من حواشيها عن السوق قال: "نغانغ جمع نغنغ ونغنوغ، وهي لحمات متعلقة إلى جنب اللهاة، وقيل النغانغ هنا ما سال تحت منقارة كاللحية، وهذا أشبه شيء بمعنى البيت، وقوله كأنما يعني الديوك لبست أو ألبست فنكا، والفنك أشبه شيء بلون الديك الأبيض ثم احترز بقوله: فقلصت بقوله: فقلصت من حواشيه، أي ارتفعت حواشيه أي جوانبه، ومن زائدة. المعنى: أبدع في تشبيهها بلابس الفنك، واحترز بقوله فقلصت من الطعن عليه". أما المرزوقي فقد روى البيت الأول "على نعانع" بالعين غير المعجمة وقال: "النعانع أعراف الديكة، وأصل التنعنع الاضطراب، ولذلك قيل للطويل المضطرب النعنع، ونعانع المنطقة ذنابها، والبلعوم والبلعم مجرى الطعام وباطن العنق". هذا كل ما قاله المرزوقي في شرح البيتين، فأي الشرحين أقل عناية بالمعاني في تفسير الجزء الأخير من الاختيار وأي إفادة أفادها المصنف في شرحه من المرزوقي في هذه القطعة؟ . وإذا كان الدكتور عسيلان قد ذهب من كلامه هذا إلى الاتفاق الذي يحدث عادة بين الشراح في تفسير اللفظة الواحدة، وذلك مثل تفسير لفظة

"الحماضة" الواردة في البيت الذي جاء في القطعة قبل الأخيرة من اختيار الحماسة، وهو البيت الذي قيل في وصف عرف الديك. كأن حماضة في رأسه نبتت ... في أول الصيف قد همت بإثمار قال المصنف في شرح معنى "الحماضة" هي نبت أحمر يشبه عرف الديك"، وقال المرزوقي: "الحماض من ذكور البقل له زهرة حمراء كأنها الدم شبه عرف الديك به". أقول: إذا كان قد هدف من كلامه مثل هذا الاتفاق فإن الألفاظ عادة يكون لها مدلول واحد في الشعر لا تفسر إلا به، ولهذا فإنك لن تجد في جميع الشروح تفسيرا للحماضة سوى أنها نبت له نور أحمر أو زهرة حمراء، وهي كذلك في القواميس والمعاجم، ومن ثم لا يصح أن نقول: أن المصنف قد أفاد من المرزوقي في تفسير معاني الكلمات لأن معاني الكلمات تكاد تكون واحدة، وإنما المحك في هذا هو صياغة معاني الأبيات وهو أمر جد مختلف في الشرحين، يدل عليه ما أوردناه من فروق سابقة، وما أوردناه هنا. وفي إدراكي أن الذي أوقع الدكتور عسيلان في هذه الأقوال المضطربة والأحكام غير المتثيبة هو الخطأ الذي وقع فيه الناسخ حين جعل هذا الشرح مختصراً من شرح المرزوقي، فهذا الوهم من الناسخ جعله يهجم على شرح المرزوقي ليوازن به هذا الشرح متوهماً أن الناسخ ما فعل هذا إلا لتشابه بين الشرحين فأخذ فأخذ يعتسف السبيل لإثبات ذلك، وهذا أمر حرمه من حقيقة مهمة فاتت عليه في بحثه، فلو أنه أجرى هذه الموازنة بين هذا الشرح وشرح التبريزي لتوصل إلى أن التبريزي بجانب إفادته المتكررة من المرزوقي في شرحه حتى أن الغلبة المطلقة تكاد تكون مطابقة حرفيا لما أورده المرزوقي وهو أمر أقام الدكتور عسيلان الصفحات لإثباته فإن المواضع التي اختلف فيها التبريزي عن المرزوقي جاءت مطابقة نصاً ولفظاً لما ورد في هذا

الشرح، وقد كان ظن الدارسين لشرحي المرزوقي والتبريزي أن مواضع الاختلاف هذه إنما هي من عمل التبريزي، غير أن الذي يقرأ هذا الشرح يتضح له غير ذلك، ولقد قمنا بإحصاء للمواضع التي التقى فيها التبريزي مع المصنف بعيداً عن شرح المرزوقي فبلغت حسب الإحصاء ثلاثة وثلاثين ومائة موضع، وربما تجاوز الأمر هذا العدد لأن المرء مهما كان دقيقاً فإنه لا يسلم من أن يفوت عليه شيء. وجعله القول في هذا الجانب أن هذا الشرح ليس مختصراً من شرح المرزوقي كما توهم ناسخه، ولا كان صاحبه معتمداً فيه على المرزوقي، كما ذهب الدكتور عسيلان، غير أنه يبقى سؤال هل نسبة هذا الشرح إلى زيد بن علي الفارسي صحيحة كما جاء في تصحيح أحد الفضلاء في الورقة الأولى منها؟ . وللإجابة نقول: أنه ما من شك في أن الشرح ليس فيه ما ينص على أنه لزيد بن علي سوى هذه الإشارة، التي جاءت في الورقة الأولى، كما أنه ليس في الشرح ما يمكن أن يعتمد عليه في نفي هذه النسبة بل على العكس، أننا نجد عوامل عدة ترجح هذه النسبة، أحدها أن هذا الفاضل الذي صحح خطأ هذا الناسخ، ونسب الكتاب غلى زيد بن علي ليس من عامة الناس، فعبارته تدل على أنه من أهل العلم المطلعين على الكتب فهو يقول بعد أن أثبت نسبة الشرح إلى زيد بن علي: "قال ابن عساكر في تاريخ دمشق وابن العديم في تاريخ حلب: كان عارفاً بعلوم كثيرة اضلا بعلم اللغة والنحو" وهي عبارة سبق أن أشرنا إلى أنها وردت في مختصر ابن عساكر، كما وردت بنصها في بغية الوعاة للإمام السيوطي، ولا شك أن رجلاً مثل هذا لا يصحح خطأ بخطأ، فأغلب الظن أنه رأى نسخة من هذا الشرح صحيحة النسبة إلى زيد بن علي فبنى عليها هذا التصحيح. وثاني هذه العوامل أن جميع المراجع التي ترجمت لزيد بن علي أثبتت أنه شرح الحماسة، فياقوت الحموي في معجم الأدباء، والقفطي في انباه الرواة وابن عساكر في تاريخ دمشق،

والسيوطي في بغية الوعاة، ومحمد بن باقر الحاجي في روضات الجنات، وحاجي خليفة في كشف الظنون، جميع هؤلاء أثبتوا أبا القاسم زيد بن علي قد سكن دمشق مدة، وأملى بها شرح الإيضاح لأبي علي الفارسي وشرح حماسة أبي تمام. وثالث هذه العوامل أن جميع العلماء الذين وردوا في الشرح سواء كانوا من شراح الحماسة أو من غيرهم كانوا سابقين في الزمن لأبي القاسم زيد بن علي، إذ من الثابت أن جل المراجع التي تحدثت عنه حددت وفاته بسنة 467 هـ، والعلماء والشراح الذين أفاد منهم في شرحه هم: الخليل بن أحمد المتوفى سنة 175 هـ، وسيبويه المتوفى سنة 180 هـ وقطرب المتوفى سنة 206 هـ، وأبو زكرياء الفراء المتوفى سنة 207 هـ وأبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى سنة 211 أو 213 هـ، وأبو زيد الأنصاري المتوفى سنة 214 هـ أو 215 هـ، والأصمعي المتوفى سنة 215 هـ، وابن الأعرابي المتوفى سنة 232 هـ، وأبو العميثل عبد الله بن خالد المتوفى سنة 240 هـ، وأبو حاتم السجستاني المتوفى سنة 255 هـ، وابن قتيبة المتوفى سنة 270 هـ، والمبرد المتوفى سنة 285 هـ، والديمرتي الذي أشار بروكلمان إلى أنه توفي سنة 287 هـ، وأبو رياش المتوفى سنة 339 هـ، وأبو سعيد السيرافي المتوفى سنة 368 هـ، وأبو سعيد الضرير المتوفى سنة 368 هـ، وأبو علي الفارسي المتوفى سنة 377 هـ، وأبو عبد الله الحسين النمري المتوفى سنة 385 هـ، وأبو الفتح عثمان بن جني المتوفى سنة 392 هـ. وثمة رجلان أفاد منهما الشارح أحدهما البرقي والآخر أبو علي الحسن بن أحمد الاستراباذي، وهما الوحيدان اللذان يشكلان بعض الإشكال، فأما البرقي فقد ورد اسمه هكذا دون توضيح في الشرح، وكذلك في شرح المرزوقي والتبريزي،

ولقد ناقشنا أمره في هامش الحماسية (14) من باب الحماسة وأشرنا إلى أن هناك أكثر من واحد إلى برقة قم ويقال له البرقي، غير أن نقل المرزوقي منه يزيل هذا الإشكال، لأن الثابت في وفاة المرزوقي أنها كانت سنة 421. ومعنى هذا أن تاريخ وفاة البرقي ينبغي أن تكون سابقاً لهذا التاريخ أو قريباً منه. وأما الاستراباذي فالإشكال فيه ناتج عن أن حاجي خليفة ذكر أن تاريخ وفاته سنة 717 هـ وهو تاريخ متأخر بكثير عن وفاة زيد بن علي، غير أن وجوده في هذا الشرح الذي فرغ من نسخه سنة 438 وقوبلت نسخته بنسخة أبي طاهر الشيرازي سنة 466 هـ يلقي ظلالاً من الشك في هذا الذي ذكره حاجي خليفة، بل يتحول هذا الشك إلى يقين في أنه أخطأ حين نجد ياقوتا الذي توفي سنة 626 هـ، قد ترجم له في معجم الأدباء ولكنه لم يذكر تاريخ وفاته فليس من المعقول أن تكون وفاته سنة 717 هـ كما ذكر حاجي، ويكون له ذكر في معجم الأدباء، كما أن ياقوتا قال في ترجمته: "حسنة طبرستان وأوحد ذلك الزمان" فلا شك أن قوله: "أوحد ذلك الزمان" يدل على أنه متقدم على ياقوت بزمن ليس بالقليل، ومن ثم فإن وروده في نسخة هذا الشرح، ووجود ترجمته في معجم الأدباء، وما ذكره ياقوت عنه يدل دلالة قاطعة على خطأ ما أورده حاجي خليفة. ولعل عبد السلام هارون قد فطن إلى هذا الخطأ حين ذكر الاستراباذي في الثبت الذي أورده لشراح الحماسة، وأهمل الإشارة إلى تاريخ وفاته، ولم يوردها بالرغم من أنه اعتمد في ثبته هذا على حاجي خليفة وأثبت ما أثبته حاجي خليفة في وفيات بقية الشراح الذين ذكرهم. ورابع هذه العوامل ما جاء في الحماسية رقم (94) التي وردت في الحماسة دون نسبة ونسبها الجاحظ في البيان والتبيين إلى بكير بن الأخفش، فقد أورد المصنف

الشارح: حياته وآثاره ووفاته

في شرح هذه الحماسية سماعا عن أبي سعيد الفسوي، فبالرغم من أننا لم نعثر على ترجمة لأبي سعيد هذا فإن نسبته إلى "فسا" البلد الذي ولد فيه زيد بن علي وحمل النسبة إليه فقيل له الفسوي تدل على أن أبا سعيد هذا هو أحد الشيوخ الذين أخذ عنهم زيد بن علي في بدء حياته العلمية، هذا فضلا عن أخذه كتاب الإيضاح عن أبي الحسين ابن أخت أبي علي الفارسي وكلاهما من فسا، ولقد رأينا أن الشرح أفاد من أبي علي في مواضع عدة. وخامس هذه العوامل التي ترجع نسبة هذا الشرح إلى زيد بن علي هو أن تاريخ نسخ مخطوطته يرجع إلى سنة 438 هـ، وهو تاريخ يتفق مع ما ذكرته المراجع عن زيد بن علي، إذ ذكرت أنه خرج من فارس إلى العراق ثم قصد منه إلى الشام، وأقرأ العربية بحلب ودمشق، وفي دمشق أملى الإيضاح لأبي علي الفارسي وأملى شرح الحماسة لأبي تمام، وقال القفطي: "إنه عمر إلى أن قرأ عليه الشريف أبو بكر عمر بن إبراهيم الكوفي بحلب عند رحلته إليها في شهر رجب سنة خمس وخمسين وأربعمائة". فإذا كان قد أصبح معمراً في سنة 455 هـ، فمن المرجح أن يكون قد جاء إلى الشام في وقت مبكر من عمره وأملى شرحه للحماسة قبل تاريخ نسخ هذه المخطوطة. لهذه العوامل جميعها نرجح أن يكون هذا الشرح صحيح النسبة لزيد بن علي الفارسي الفسوي، وأن تصحيح هذا الفاضل في الورقة الأولى من مخطوطته كان في موضع الصحة الذي يدعمه هذا الرجحان. -2 - الشارح: حياته وآثاره ووفاته وأما زيد بن علي الذي رجحنا أن يكون هذا الشرح له فهو كما ذكرت المصادر

التي ترجمت له أبو القاسم زيد بن علي بن عبد الله الفارسي، ولد بمدينة "فسا" وإليها نسب فقيل "الفسوي"، وهي مدينة من مدن فارس ذكرها ياقوت في معجم البلدان، ووصفها بأنها أنزه مدينة بفارس، بينها وبين شيراز أربع مراحل وهي أصح هواء من شيراز وأوسع أبنية، ويبدو أنها كانت مدينة علم، فقد خرج منها علماء أشهرهم أبو علي الفارسي صاحب الإيضاح في النحو وزعيم مدرسة القياس في النحو العربي المتوفى سنة 377 هـ، وأبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان الذي وصفه القفطي بأنه كان صاحب تصانيف في غاية الجودة والإتقان، وأبو يعقوب بن جوان الفارسي الفسوي المتوفى سنة 277 هـ، وأبو سفيان بن أبي معاوية الفارسي الفسوي، وقد أشار إليهما ياقوت عندما تكلم عن علماء "فسا". ولا تصف المصادر كيف بدأت حياة زيد العلمية، غير أن من المرجح أنها بدأت في مدينة "فسا" مسقط رأسه حيث أخذ العلم عن شيوخها مثل أبي سعيد الفسوي الذي ذكره في شرحه ونقل عنه بالسماع، وكذلك أخذ كتاب الإيضاح عن أبي الحسين ابن أخت أبي علي الفارسي. ويغلب الظن أنه قبل أن يرحل من فارس إلى العراق والشام تنقل في مدن فارس طلباً للعلم لأني وجدته في حماسية الأعرج المعني يشير إلى أبي منصور بن الجبان وينقل عنه بالسماع، وأبو منصور بن الجبان كان يسكن الري، ترجم له ياقوت وقال: "أحد حسنات الري وعلمائها" ولم يذكر تاريخ وفاته ولكنه ذكر أن

شرحه "الشامل" قريء عليه سنة ست عشرة وأربعمائة، وهو تاريخ تناسب وسن طلب العلم بالنسبة لزيد بن علي، إذ نرجح أن ولادته كانت في الربع الأخير من القرن الرابع الهجري، وذلك بناء على ما أشرنا إليه سابقاً من قول القفطي في ترجمته أنه عمر إلى أن قرأ عليه الشريف أبو البركات عمر بن إبراهيم العلوي كتاب الإيضاح بحلب عند رحلته إليها من الكوفة في شهر رجب سنة 455 هـ. ويشير القفطي إلى أنه خرج من فارس إلى العراق ومنه إلى الشام حيث استوطن بحلب لإقراء النحو بها فقرأوا عليه واستفاد أهلها منه. ويبدو أنه قبل أن يستوطن بحلب قد سكن دمشق، فقد ذكر أبو القاسم بن عساكر أنه سكن دمشق مدة وأقرأ النحو بها واللغة وأملي بها شرح الإيضاح لأبي علي الفارسي وشرح الحماسة. وقد وهم القفطي حين ذكر أنه أخذ كتاب الإيضاح عن خاله أبي علي الفارسي، فهو ليس بابن أخت أبي علي الفارسي، كما أن أبا علي الفارسي توفي سنة 377 هـ وزيد بن علي توفي سنة 467 هـ، أي بعد وفاة أبي علي بتسعين عاما ومن ثم فليس من المعقول أن يكون قد طلب العلم وأخذ كتاب الإيضاح قبل وفاة أبي علي وإنما الضحيح ما ذكره كل من ياقوت والسيوطي أنه أخذ كتاب الإيضاح عن أبي الحسين ابن أخت أبي علي الفارسي، ولا شك أن ذلك كان بعد وفاة أبي علي بزمن قد يطول وقد يقصر. والذي يفهم من المصادر التي ترجمت له أنه كان في المقام الأول نحوياً لغوياً، ولكنها بجانب ذلك اشارت إلى أنه كان صاحب حديث غير أنها اختلفت في ذكر

الشيوخ الذين أخذ عنهم الحديث، فياقوت يذكر أنه أخذ الحديث عن أبي ذر الهروي وغيره، وابن عساكر -ونقل عنه القفطي- يشير إلى أنه حدث عن الشيخ أبي الحسن ابن أبي الحديد الدمشقي، والسيوطي يشير إلى أنه أخذ الحديث عن ابن نعيم الهروي، ولعله أبو ذر الهروي الذي ذكره ياقوت، ولم تترجم هذه المصادر الثلاثة لهؤلاء المحدثين، ورجعنا إلى مظان أخرى مما توفر لدينا فلم نجد لهم ذكراً. مؤلفاته وتلاميذه: وإذا نظرنا إلى مؤلفاته وجدنا أن المصادر تشير إلى اثنين منها أحدهما شرح الإيضاح الذي قرأه عليه أبو البركات عمر بن إبراهيم العلوي الكوفي ورواه بالكوفة من هذا الطريق فأخذه عنه الجم الغفير من العلماء الرواة، والآخر شرح الحماسة الذي نرجح أنه هو هذا الشرح، وقد ذكر ياقوت في معجمه هذين الكتابين قال: "وله شرح الإيضاح لأبي علي الفارسي وشرح الحماسة وغير ذلك". ويفهم من قوله "وغير ذلك" أن له مصنفات أخرى، غير أننا لم نجد له في المصادر سوى هذين الكتابين. وأما تلاميذه فقد أشارت المصادر إلى أنه قد تخرج على يديه عدد جم من أهل دمشق وحلب حين كان يقريء النحو واللغة بهما، وبرز من هؤلاء التلاميذ ثلاثة نفر هم: أبو البركات عمر بن إبراهيم العلوي السالف الذكر، وجد ابن عساكر الذي أشار إليه ابن عساكر نفسه حين قال: "وسمع منه جدي القاضي أبو الفضل عمر ابن أبي الحسن الدهستاني وأبو الحسن علي بن طاهر السلمي النحوي الذي أشار ابن عساكر أنه سمع منه أيضاً وترجم له ياقوت وذكر أن وفاته كانت في سنة 500 هـ.

وفاته: ومن الثابت في المصادر أنه بعد دمشق وحلب انتقل إلى طرابلس الشام حيث ظل بها إلى أن وافته منيته التي أفادت جل المصادر أنها كانت في ذي القعدة أو ذي الحجة من سنة 467 هـ، وشذ عن ذلك القفطي حين أخبر عن ابن الأكفاني أن وفاته كانت في ذي الحجة سنة 479 هـ بطرابلس، غير أنه استدرك فقال: "قلت في هذا نظر فإنه يكون قد مات قبل ذلك"، ويدعم هذا الاستدراك كل من ياقوت والسيوطي وحاجي خليفة ومصحح نسبة هذا الشرح، فقد أجمعوا على أن وفاته كانت في العام المشار إليه وهو 467 هـ وبطرابلس الشام. -3 - الشرح: منهجه وقيمته رأينا فيما سبق أن منهج هذا الشرح منهج تعليمي يقوم على الاختصار والتسهيل، ورأينا أن عناصره في الأغلب الأعم لا تتجاوز الثلاثة عناصر: الرواية التي يعنى بها المصنف كثيراً، ثم معاني المفردات التي يشتمل عليها النص، وأخيراً مجمل المعنى للبيت الواحد أو الأبيات. فأما الاختصار والتسهيل فقد رأينا في الكتاب الأول الموازنة بين الشروح أنهما سبيل سلكها غيره من الشراح الذين عنوا بشرح الحماسة، بدأ ذلك منذ القرن الخامس واستمر حتى القرون التي تلته، قال سبط ابن الجوزي في مقدمة شرحه "مقتضى السياسة في شرح نكت الحماسة" وهو شرح أملاه مثل المصنف بدمشق حيث كان يدرس بها قال: "وبعد فإن طائفة من الأدباء وصيارفة العلماء كأبي هلال العسكري وأبي رياش، وأبي الحسن السمسمي، وأبي عبد الله النمري وأبي محمد الأعرابي، وأبي علي المرزوقي، وأبي العلاء المعري وغيرهم صرفوا عنان

الغاية إلى شرح كتاب الحماسة، واجتهدوا في غير نفاسة فأفادوا وأجادوا، غير أنهم مدوا أطناب الأطناب، وأسباب الإسهاب، وخير الكلام ما قل ودل، ولم يطل فيخل، فاستخرت الله تعالى في تجريد هذا المختصر من الاختيارات كالمعتصر". وهذا الذي أدركه سبط ابن الجوزي في عقود النصف الأول من القرن السابع أدركه المصنف في عقود النصف الأول من القرن الخامس وأدركه كذلك جماعة آخرون منهم -كما مر علينا في الكتاب الأول- صاحب الشرح المنسوب بالخطأ إلى أبي العلاء المعري، وأمين الدين الطبرسي المتوفى سنة 548 هـ، وأبو الرضا الراوندي المتوفى بعد سنة 549 هـ. وطبيعي أن هذا الإدراك عند هؤلاء العلماء وغيرهم ممن جنح إلى الاختصار والتسهيل لم يقع إلا بعد أن وقفوا على أعمال السابقين. وبخاصة رجال القرن الرابع الذين جعلوا من شروحهم مجالا واسعاً يناقشون فيه قضايا اللغة والأدب والنحو والبلاغة والنقد والرواية والأخبار، فتجاوزوا النص الأدبي الذي ضمه اختيار الحماسة إلى قضايا مسهبة تتصل بالأخبار ومناسبات الشعر كما فعل أبو رياش أو مشاكل لغوية ونحوية كما فعل ابن جني وأبو العلاء ومن بعدهما العكبري أو تأويلات متعددة لمعاني الشعر كما فعل أبو عبد الله النمري، وكل هذه أمور مع قيمتها العلمية وفوائدها الجمة للدارس المتخصص تحرم قاريء الأدب البحث من متعة معايشة النص وفهمه، بل إن هؤلاء الشراح وكما سبق أن أوضحنا في الكتاب الأول "الموازنة بين الشروح" قد جعلوا من اختيار الحماسة مجالاً لإبراز قدراتهم في فرع من فروع العلم، فالاخباري ينظر إلى النص الأدبي من خلال ما يستوعبه من أخبار، واللغوي ينظر إليه من خلال ملكاته اللغوية وقدرته على الاشتقاقات وإيراد النظائر في المعاني وما يطابقها من محفوظه اللغوي، وما يدل على ذلك من شواهد من القرآن الكريم أو الشعر العربي القديم أو كلام العرب الموروث، والنحوي ينظر إليه من خلال مواهبه النحوية التي تتصدى لعويصات المشكلات فيفرغ جهده في الإعراب وما يتصل به من استدلالات حتى ليخيل إليك أنك تقرأ كتابا في النحو لا كتاباً في الادب اختاره شاعر أديب.

كل هذه الأمور جعلت بعض الشراح في مختلف العصور يجنحون إلى التسهيل والإيجاز، وكان مصنف هذا الشرح من أوائل الذين سلكوا هذه السبيل. وهؤلاء الذين اتخذوا لأنفسهم هذا النهج كانوا يدركون أن لا بد لقاريء الأدب من أن يلم بشيء من تفسير أسماء الشعراء وأخبارهم التي دفعتهم إلى قول الشعر وبقدر من اختلافات الروايات، وبطرف مما يدخل في مجال اللغة والنحو والبلاغة، ولكنهم وهم يدركون هذه الحقائق أدركوا أن الإطالة في جانب من هذه الجوانب أمر يصرف القاريء عن المتن الذي هو قوام للدراسة والشرح، ومن هنا بدت قيمة جنوحهم إلى التسهيل وميلهم إلى الإيجاز. ونستطيع أن ندرك هذه القيمة إذا تصفحنا شرحي المرزوقي والتبريزي المطبوعين، فنحن كثيراً ما نجد المرزوقي وشرحه ذو فوائد جمة يجنح إلى الإغراق في جزيئة من جزيئات البيت بصورة تنسينا البيت نفسه، ناهيك عن القطعة كلها. ومن أمثلة ذلك ما جاء عنه في بيت تأبط شرا الوارد في الحماسية (63)، والذ يصف فيه اتجاهه لابن عمه شمس بن مالك بالمديح جزاء ما أعطاه من إبل: أهز به في ندوة الحي عطفه ... كما هز عطفي بالهجان الأوارك فقد وقف المرزوقي عند كلمة "هجان" فقال: "ويقع لفظ هجان للواحد وللجمع، يقال ناقة هجان ونوق هجان، ومثله درع دلاص ودروع دلاص، وذلك لأن فعالاً وفعيلا يتشاركان كثيراً، وكما جمع فعيل فعالا كذلك جمع فعال فعالاً، ألا ترى أن العدد والوزن فيهما واحد، وحرف المد في كل واحد بإزاء ما في الآخر، فإذا كان كذلك حمل عليه إلا أن فعالا إذا كان جمعاً ينوي بحركاته وألفه حركات بنائه، وهو جمع لا واحد كأن الكسرة في أوله الكسرة التي في أول ظراف وكرام لا الكسرة التي في أول حمار وإزار، وكذلك ألفا فاعلمه". فمثل هذا الكلام مع قيمته العلمية في مجال اللغة فإنه يصرف قاريء الأدب عن الغاية التي بنى عليها أبو تمام اختياره وهي أن يجعله يقف على النماذج الرفيعة من شعر العرب القديم.

ومن أمثلته ما جاء في شرحه لبيت الهذلول بن كعب العنبري الوارد في الحماسية (239) والذي يصور فيه إنكار زوجته حين رأته يجلس إلى الرحا يطحن لإطعام ضيفانه: تقول ودقت صدرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحا المتقاعس فقد قال المرزوقي في شرح الشطر الثاني: "أبعلي موضعه رفع بالابتداء، والألف لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الإنكار والتقريع، وقوله هذا يكون في موضع الخبر، والمتقاعس يتبعه على أنه عطف البيان له، وإن شئت جعلت هذا صفة لبعلي والمتقاعس خبراً وقوله "بالرحا لا يجوز أن يتعلق بالمتقاعس لأنه في تعلقه به يصير من صلة الألف واللام، وما في الصلة لا يتقدم على الموصول، ولكن تجعله تبييناً وتتصور "المقاعس" اسما تاما، ويصير موقع "بالرحا" بعده موقع بك بعد مرحبا، ولك بعد سقيا وحمدا، وإذا كان كذلك جاز تقديمه عليه كما جاز أن تقول بك مرحبا ولك سقيا، وللمازني في هذا طريقة أخرى، وهو أن يجعل الألف واللام من المتقاعس للتعريف فقط، ولا يؤدي معنى الذي، كما تقول نعم القائم زيد وبئس الرجل عمرو، وإذا كان كذلك لم يحتج إلى الصلة فجاز وقوع الرحا متقدماً عليه ومؤخرا بعده، وموقع الجملة التي حكاها من كلام المرأة نصب على أنه مفعول لتقول، فأما ما يعمل في لفظة "قال" ومتصرفاته فهو ما يكون قولا ووصفا للجمل كقولك: قلت حقاً أو باطلاً أو قلت صدقاً أو كذباً وما أشبهه". فهذا درس في النحو يدل على عبقرية الإمام المرزوقي في استيعاب أسرار العربية ودقائقها، ولكنه بغير شك ينأى بالشرح الأدبي عن مساره الذي ينبغي أن يسير فيه، ويجعل قاريء الأدب معزولاً عن النص بهذا الاستطراد النحوي. وإذا كان المرزوقي في شرحه يستطرد استطراداً مسهباً في بعض القضايا اللغوية والنحوية التي تتصل بجزئية فإن الخطيب التبريزي بمنهجه الانتخابي من الشروح التي سبقته لم يسلم من ذلك أيضاً، غير أن إسهابه كان في جانبين فضلاً عن جنوحه المطرد نحو النحو وقضاياه، وأحد هذين الجانبين الأخبار

التي ينقلها عن أبي رياش والتي تتصل بأخبار الشعراء، ودوافع قولهم للشعر المختار في الحماسة، والأمر الآخر ما يتصل بشرح أسماء شعراء الحماسة مستفيداً من ذلك من شيخه أبي العلاء ومن أبي الفتح ابن جني. وتستطيع أن تدرك إسهابه في الجانب الأول إذا وقفت مثلا على الخبر الذي ساقه في حماسية جعفر بن علبة الحارثي التي مطلعها: هواي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق أو قرأت الخبر الذي ساقه في حماسية القتال الكلابي التي مطلعها: نشدت زياداً والمقامة بيننا ... وذكرته أرحام سعر وهيثم ونحن لا ننكر أن لهذه الأخبار قيمتها في فهم الجو النفسي والاجتماعي الذي قيل فيه الشعر، ولكن عرضها بهذا الحشد من الأسماء والشخصيات التي تتصل بهذه الأخبار وما تشتمل عليه من أشعار بعيدة عن نصوص الحماسة يجعل القاريء يحس بأنه قد ابتعد كثيراً عن المختار، هذا فضلاً عن أن هذه الأخبار قد جمعت في الغالب الأعم من أفواه رجال القبائل، فهي لهذا لا تخلو من عصبيات ونزعات قبلية، وتضع القاريء وجهاً لوجه أمام شك وعدم اطمئنان لما يرد فيها جلها أو بعضها. كذلك نلاحظ أن التبريزي يسهب في الجانب الثاني، جانب تفسير أسماء شعراء الحماسة، وهو في هذا كثيراً ما ينسى نفسه، وينساق، وينساق وراء شيخه أبي العلاء فيما خلفه من إسهاب وإفاضة في شرحه "الرياشي المصطنعي" ففي الحماسية التي قالها حطان بن المعلى وقف التبريزي عند اسم حطان ينقل عن أبي العلاء قوله: "حطان فعلان من الحط، ولا ينبغي أن يحمل على غير ذلك، لأن الحطن لم يستعملوه، وحططت ضد رفعت، ولا ينبغي أن يحمل على غير ذلك، لأن الحطن يستعملوه، وحططت ضد رفعت، وكل كلمة تشتق من هذا اللفظ فهي راجعة إلى ذلك اللفظ، ويقال للذي يحط به الأديم أي يرسم محط لأنه يحط عليه أي يوضع ثم قالوا

للمرأة محطوطة الكشح، ومحطوطة المتن، فإذا قالوا محطوطة المتن فإنما يراد أن متنها كأنه قد ملس بالمحط، وإذا قيل محطوطة الكشحين احتمل هذا الوجه، والأجود أن روافدها ارتفعت وأن كشحها حط لضمرها، وقد يجوز مثل هذا في المتن قال القطامي: بيضاء محطوطة المتنين بهكنة ... ريا الروادق لم تمغل بأولاد فتأمل هذا الكلام كيف بدأ وكيف انتهى، وكيف تجلت فيه عبقرية أبي العلاء في اللغة واشتقاقاتها واستعمالها في المدلول الدقيق، ولكن أين موقع هذا الكلام من النص المراد شرحه؟ ! . لا شك أن المنهج التعليمي الشامل الذي أخذ به بعض الشراح هو الذي دفعهم إلى هذا الجنوح في تفسير أسماء الشعراء، وهو تفسير لا علاقة للنص الأدبي به إلا في مجال المنهج التعليمي الشامل الذي يجعل من النص وقائله مجالا لدرس اللغة وما فيها من اشتقاقات ودلالات. والحق أن المصنف في شرحه هذا كان بمنأى عن هذه الاستطرادات، ذلك لأنه جعل الإيجاز سبيله الذي لا يحيد عنه، فهو مثلا يشرح أسماء الشعراء ولكنه لا يسهب هذا الإسهاب الذي رأيناه في نقل التبريزي عن شيخه أبي العلاء، وإنما يشرح الاسم بجملة أو جملتين، وأحيانا بكلمة واحدة، وهو في هذا يستفيد من ابن جني فيما خلفه في "المبهج" أو يجتهد فيما لم يتطرق إليه ابن جني في كتابه قال في تفسير اسم كبشة أخت عمرو بن معدي كرب "كبشة اسم مرتجل"، وليس بتأنيث كبش لأن ذلك لا مؤنث له من لفظه وإنما هو نعجة". وقال في تفسير "أبو حنبل الطائي" الحنبل القصير. وقال في شرح "قتة" من اسم "سليمان بن قتة" القتة واحدة ألقت وهي المرة الواحدة من قت الحديث إذاعه".

وهو كما قلنا يستفيد من ابن جني، ولكنه لا يسهب إسهابه فمثلا في شرح اسم "عبد الشارق بن عبد العزى" وقف المصنف عند اسم عبد الشارق فقط قال: "الشارق اسم صنم، والشارق الشمس كأنه عبد شمس"، أما ابن جني فقد وقف عند عبد الشارق ووقف عند عبد العزى، وأسهب إسهابا واضحاً في إيراد الأشباه والنظائر، وتوغل في الأوزان وأطال، قال: "الشارق اسم صنم لهم ولذلك قالوا عبد الشارق وكقولهم عبد العزى وكلاهما صنم، ومثله عبد يغوث وعبد ود ونحو ذلك، ويجوز أن يكون الشارق من قولهم عبد الشارق وهو قرن الشمس كقولهم: لا أكلمك ما ذر شارق أي ما طلع قرن الشمس، فقولهم إذا عبد الشارق كقولهم عبد شمس، وأما العزى فهو اسم صنم وهو تأنيث الأعز كما أن الجلي تأنيث الأجل، وأما قول الآخر: وإن دعوت إلى جلي ومكرمة ... يوماً سراة كرام الناس فادعينا فليس جلي في هذا تأنيث الأجل، ألا ترى أن فعلى أفعل لا تنكر، وإنما هي معرفة باللام أو بالإضافة، لا تقول صغرى ولا كبرى ولا وسطى، وإنما جلي في البيت بمنزلة الجلال والجلالة، ومثلها من المصادر على فعلى الرجعى والنعمى والبؤسى، تقول: آنستني برجعي منك أي برجوع منك، ولك عندي آلاء ونعمى، ولا أجزيك بؤسى ببؤسي، وكذلك قراءة من قرأ "قولوا للناس حسنى" أي إحساناً وحسناً، وأنكر ذلك أبو حاتم ولا وجه لإنكاره إياه لما ذكرنا، وأنثوا العزى في اسم الصنم كما أنثوه في قوله تعالى: (واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى). فلا شك أن مثل هذا العمل طيب ومفيد في مجال اللغة، ولكنه بعيد عن النص الأدبي المختار، صارف ذهن القاريء ومستثير له فيما لم يعد نفسه وعقله لاستيعابه، ولذا أحسن ابن جني حين أقام مثل هذه الدروس اللغوية في كتاب قائم بذاته عن كتابه التنبيه الذي تصدى فيه لشرح مشكلات الحماسة، ولهذا كان

خطأ ما صنعه ابن ملكون الحضرمي حين جمع بين العملين في كتاب واحد سماه "المنهج في الجمع بين كتابي التنبيه والمبهج". وإذا كان المصنف قد تجنب الإسهاب في شرح أسماء شعراء الحماسة فإنه أيضاً تجنبه في ذكر الأخبار التي تتصل بالنص الأدبي والتي توضح الجو الذي قيل فيه النص، فهو لم ينح منحى التبريزي في نقله عن أبي رياش كل ما كان يرويه من أخبار، وإنما كان يتصرف فيه تصرفاً يقتضيه الإيجاز، وتستطيع أن تلمس ذلك حين تقرأ ما رواه التبريزي عن أبي رياش في خبر أبيات زيد الفوارس والوارد في الحماسية (180) وما رواه المصنف في هذا الخصوص، وكلاهما معتمد على أبي رياش فيما أورده، غير أن التصرف واضح في نقل المصنف. ومثله ما رواه من التبريزي والمصنف في خبر أبيات المرثية الأولى من باب المراثي، التي هي لأبي خراش الهذلي، يرثي فيها أخاه عروة ويحمد الله على بقاء ابنه خراش حيا وقد كان مع عمه، فقد أورد المصنف خبرها قال: "والأصل في هذا أن بطنين من ثمالة بني رزام وبني بلال أخذوا عروة وخراشا، فأما بنو رزام فنهوا عن قتلهما حتى كاد يكون بينهما شر فألى رجل من الناهين عن القتل ثوبه على خراش واشتغل الآخرون بقتل عروة، فقال الرجل لخراش كيف دلالتك؟ قال قطاة قال: انجه فنجا، فأقبل القوم نحو خراش وقد نجا فتبعوه فأعجزهم". هذا تصرف المصنف في رواية الخبر، أما التبريزي فالواضح أنه نقل الخبر بنصه من شرح أبي رياش دون تصرف قال: "أن عروة بن مرة أخا أبي خراش وخراش ابن أبي خراش اصطحبا في متصرف لهما فاسرهما بطنان من ثمالة بنو رزام وبنو بلال وكانوا موتورين فاختلفوا في الإبقاء عليهما وقتلهما فمال بنو بلال إلى قتلهما وتفاقم الأمر بينهما في ذلك إلى أن صار يؤدي إلى المقاتلة، فتفرد أولئك بعروة فقتلوه، وتفرد هؤلاء بخراش فخلا به واحد منهم، منهزما الفرصة في ( ... ) فقال

له: كيف دليلاك؟ فقال: فقال: قطاة، فألقى عليه رداءة وقال: انجه، فمر لطيته فلما انصرفوا للنظر في أمره قال لهم ممسكه أنه أفلت فطردوه فأعياهم، فلما وافي خراش إلى أبيه، وخبره بما جرى على عروة، وبما اتفق من صاحبه في بابه اقتص قصته في هذه الأبيات". والمصنف بجانب عدم إسهابه في شرح أسماء الشعراء، وإيراد الأخبار التي تتصل بما قالوه من شعر فإنه لا يسهب أيضاً في المسائل النحوية بل لا يكثر من تناول النحو في شرحه، وإذا تناوله فإنما يتناوله من حيث أنه يفيد المعنى الذي يشرحه وضوحاً، والأمثلة على ذلك متعددة، فمن ذلك ما ذكره في الحماسية (11) في بيت تأبط شراً خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر قال: "أما أسار ومنة بالرفع والخفض، فمن خفض فإنه أضاف ولم يعبأ بأما فاصلة، ومن رفع أراد خطتان فحذف النون والمراد ثبوتها، والعرب تفعل ذلك". وفي الحماسية (175) وقف عند جزئية نحوية في بيت باعث بن صريم الذي يقول فيه: آليت أثقف فيهم ذا لحية ... أبداً فتنظر عينه في مالها فقد قال: "آليت أثقف منهم ذا لحية أي لا أثقف منهم، وجاز حذف لا ها هنا لأن جواب القسم إما أن يكون نفياً أو إيجابا باللام فإن تعرى منها كان نفياً، إلا إذا طال الكلام فإنه يجوز حذف اللام". وفي بيت قتيلة بنت النضر بن الحارث الوارد في المرثية (71) والذي جاء فيه:

أمحمد ها أنت ضنء نجيبة ... من قومها والفحل فحل معرق وقف المصنف عند "أمحمد" وهو علم حقه البناء على الضم فقال: "نونت المنادي مع الضم ضرورة، وسيبويه يجوز ذلك". وكذلك وقف في جزيئة نحوية في بيت سالم بن قحفان الوارد في القطعة (11) من باب الأضياف، وهو البيت الذي يقول فيه: فإني لا تبكي علي إفالها ... إذا شبعت من روض أوطانها بقلا فقد علق على نصب "بقل" بقوله: "نصب بقلا لأن معنى إذا شبعت إذا رعت، والعرب تقول شبعت خبزاً ولحماً يعنون من خبز ولحم". والذي نلاحظه في هذه الوقفات النحوية التي تتصل بجزيئة في البيت إن غاية المصنف منها هي إبراز المعنى وتوضيحه، ولهذا يعرضها في إيجاز دون إطالة بل نراه أحيانا يدفعه الإيجاز إلى أن يترك لقارئه فرصة استيحاء ما يريد قوله، ومن ذلك أنه وقف في جزيئة نحوية في بيت الأعرج المعني الوارد في الحماسية (117) الذي يقول فيه مشيرا إلى زوجه التي لامته على أن يسقي فرسه "الورد" من لبن ناقته: تلوم علي أن أعطي الورد لقحمة ... وما تستوي والورد ساعة تفزع فقد اثبت المتن رواية "والورد" بالنصب ثم قال: "والورد نصب لأن الواو بمعنى مع، ورفعه حسن"، ولم يبين وجه الرفع وإنما تركه للقاريء لأنه معلوم أي وما تستوي هي والورد، على العطف. والحق أنه كان كذلك في جل الوقفات التي اشتمل عليها الشرح، ولم أره يسترسل في جزيئة نحوية إلا في موضع واحد، وذلك في بيت الهجاء الوارد في القطعة (55) من باب الهجاء والذي جاء فيه:

أقول حين ارى كعباً ولحيته ... لا بارك الله في بضع وستين وقف المصنف عند كلمة "ستين" وقفة نحوية فصل فيها الحديث وأفاض قال: "في جر ستين قولان أحدهما أنه أخرجه على أصل حركته لالتقاء الساكنين، وهو الكثير ضرورة كما قال [يريد سحيم بن وثيل الرياحي]: وقد جاوزت حد الأربعين والقول الىخر أن الشاعر أراد الوقف، وللعرب مذهب في الإسناد أنهم يطلقون في القوافي، ومنهم من يعربها، ومنهم من ينون ما ينون وما لا ينون، فإذا وقف على نون الجميع لا يبين حركة، فجاز ذلك مع نون الأصل في القوافي، لأنك لا تجد هذه النون مكسورة إلا في القوافي". فواضح أن في هذا القول إطالة تصرف عن البيت، ولكنها إطالة فرضتها طبيعة الجزئية التي استدعت بسط الكلام. ولعل أهم ما يلحظه القاريء في هذا الشرح اهتمام صاحبه بالرواية في البيت الواحد، فهو يثبت الرواية التي يختارها في المتن ثم يشير في أثناء الشرح إلى روايات البيت الأخرى، ومن تتبعنا لما يشير إليه من روايات لاحظنا أنه إذا أثبت رواية في المتن متفقة مع التبريزي وأشار إلى رواية أخرى وجدنا هذه الرواية مثبتة في متن المرزوقي، وقد يقع العكس بأن يثبت رواية تتفق مع المرزوقي ثم يشير إلى رواية أخرى نجدها في متن التبريزي، والذي يقف على عملنا في هوامش هذا الشرح يدرك حقيقة ذلك ... وربما أثبت في متنه رواية مخالفة لما أثبته كل من المرزوقي والتبريزي، ولكننا نجده يشير في شرحه في الغالب إلى روايتيهما، ومن ذلك بيت النابغة الذبياني فقد أثبت روايته فيه على هذا النحو: بعد ابن عاتكة الثاوي ببلقعة ... أمسى ببلدة لا عم ولا خال

ثم أشار في شرحه إلى روايتين إحداهما "الثاوي على أبوي" وقال هو اسم موضع قبر أخيه، وهذه الرواية هي رواية المرزوقي في متنه، ووافقه فيها ياقوت الحموي في معجم البلدان، أما الرواية الأخرى فهي "الثاوي على أمر" قال هو موضع ببلاد قضاعة، وهذه الرواية هي رواية التبريزي في متنه: كما أنه أحياناً يثبت رواية فيها مع المرزوقي والتبريزي ويشير إلى روايات أخرى نجد بعضها في مصادر غير الحماسة، ومن ذلك بيت عروة بن أذينة الوارد في القطعة (10) من باب النسيب، فقد أثبت روايته على النحو التالي: وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها وهي رواية مثبة في متني المرزوقي والتبريزي، غير أن المصنف قال: ويروى "شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها" وقد وجدنا هذه عند أبي الفرج في الأغاني، ثم أشار إلى رواية ثالثة هي "شفع الضمير لها إلي فسلها" وقد وجدنا هذه الرواية عند أبي علي القالي في الأمالي. وهو حين يعرض هذه الروايات يقوم بشرحها إن احتاجت إلى شرح، وذلك على نحو ما رأينا في بيت النابغة المتقدم، وعلى نحو ما ورد في بيت أبي ثمامة الضبي الوارد في الحماسية (187)، فقد أثبت روايته متفقاً فيها مع المرزوقي والتبريزي وهي: وإن منطق زل عن صاحبي ... تعقبت آخر ذا معتقب ثم قال: "ويروي تعرقبت" وشرحها بقوله: "أي أخذت في طريق ضيق لا يسلكها معي غيري لأن العرقوب طريق ضيق في الوادي "ثم أضاف" ويروى "ذا

معتتب" وشرحها بقوله: "أي متطلع من العتبة وهي الدرجة أي لي فيه درج اعتتب فيه بالحجة حتى ألقى خصمي بالعويص". وهو في الغالب يشير إلى الروايات دون أن يفاضل بينها، ولكنه قد يفعل ذلك إذا كانت الرواية المشار إليها ذات صلة بالمعنى الذي قرره في شرحه، ومن ذلك ما جاء في القطعة (130) من باب النسيب وهي قطعة حركة الروي فيها دال مضمومة، فقد وقف عند البيت القائل: فيا أيها الريم المحلى لبانه بكرمين كرمي فضة وفريد وبدأ بالشرح فقال: "المحلى لبانه المزين صدره" وبكرمين بقلادتين، والفريد الدر، ثم قال: "وفي البيت اقواء، ومن الناس من يرويه بإزالة الإقواء فينشد "كرمي فضة وفريد" أي منها فريد، ولكنه عقب على هذه الرواية بقوله: "وهذا بعيد" ثم أشار إلى رواية أخرى هي "كرما فضة وفريد" ومضى قائلاً: "ومن الناس من يشتبه عليه هذا الوجه فيغير "كرم فضة وفريد" وعقب على هذا التغيير بقوله: "وهذا لو روي كان حسناً ولكن الشعر رواية لا يحسن تغييرها، وأكثر الأشعار يمكن تغييرها عما قيل ابتداء، فلو ساغ هذا الوجه لم يحتج إلى الرواية". وظاهر هذا الكلام أن المصنف ملتزم بالرواية التي أمامه لا يأخذ بغيرها وإن كان غيرها في رأيه أحسن وأظهر، ومن هذا نراه مثلاً في الحماسية (104) يورد البيت الأول منها هكذا: ألا قالت الحسناء لما لقيتها أراك حديثا ناعم البال أفرعا وهى رواية أجمع عليها شراح الحماسة المرزوقي والتبريزي وغيرهما، غير أننا نجد المصنف يقول في الشرع: "روى أبو زيد: يوم لقيتها كبرت ولم تجزع من الشيب مجزعاً" ثم فسر فقال: "أي لم تجزع حين ينفعها الجزع، فإنني شبت في وقت

المشيب وجائز أن يكون المراد كبرت ولم تجزع أيها المرء من الشيب مجزعا، ثم رجع إلى الرواية التي أثبتها فقال: "ومن روى حديثا ناعم البال أفرعا فمعناه: قالت: أراك حديث السن تام الشعر وليس لك غير ذلك أي مال ولا حال" ثم عقب على رواية أبي زيد فقال: "وما رواه أبو زيد أحسن وأظهر لأن الرجل يعتذر للشيب فلولا أنها عابته المشيب ما كان يحتاج إلى العذر". ولكنه إذا كان يلتزم الرواية التي أمامه كما أوضحنا فيما مضى فإنه قد يخالف عامة الرواة، ويقف مع رواية واحدة حين يراها متسقة مع المعنى الذي اشتمل عليه النص، ففي الحماسية التي نسبت إلى أبي صخر الهذلي نراه يقف مع أبي رياض في روايته لها، وقد جاءت عنده على النحو التالي: رأيت فضيلة القرشي لما رأيت الخيل تشجر بالرماح ورنقت المنية فهي ظل على الأبطال دانية الجناح فكان أشدهم قلبا وبأسا وأصبر في الحروب على الجراح قال في شرحه: "قال أبو رياش رأيت فضيلة القرشي على التصغير ونصب القرشي" ثم أشار إلى أن الأبيات ليست في ديوان أبي صخر، ومضى مفسراً فقال: "ولعل معناه ضربت رئة فضيلة بمعنى قتلته كما يقال بطنته أي أصبت بطنه، وإن كان من رؤية العين فمعناه رأيت مشتجر الرماح كأنه شهد هذا الشاعر وفضيلة الحرب فسئل عن فججم في الجواب، ومما يؤيد ذلك قوله: "ورنقت المنية فهي ظل" ويقوي هذا الوجه ما بعده وهو قوله: "فكان أشدهم قلباً وبأساً" وروت عامة الرواة "رأيت فضيلة القرشي" واحدة الفضائل وهذا واضح". وقد نجده بجانب ما ذكرنا يقف مع رواية لأنها تدل على معنى بديع ففي بيت عبد الله بن عجلان الوارد في القطعة (23) من باب النسيب، والذي يقول فيه: جديدة سربال الشباب كأنها سقية بردى نمتها عيونها

نراه يقف عند الرواية التي أثبتها وهي "نمتها غيولها" شارحاً فيقول: "الغيول جمع الغيل وهو الماء يجري على وجه الأرض، ومعنى نمتها نبتتها أي نبتت في الماء الجاري فكأنها نبت الماء، ثم أشار إلى روايتين قال: "ويروى "غذتها غيولها" ويروى "سقتها" والجميع حسن والأول أبدع". وثمة شيء آخر يمكن أن يلحظه قارئ هذا الشرح غير هذا الاهتمام الواضح بالروايات، وهو اهتمام المصنف الشديد بعرض آراء من سبقوه في معاني الشعر، وهو في هذا يثبت التفسير الذي يراه للمعني ثم يعرض آراء غيره فيه، ومن ذلك ما جاء عنه في بيت عروة بن الورد القائل: مطلا على أعدائه يزجرونه بساحتهم زجر المنيح المشهر فقد أورد تفسيره لمعنى "المنيح المشهر" قال: "المنيح المشهر ها هنا قدح مشهور بالفوز يستعار ثم يرد إلى صاحبه" ثم مضى فاستعرض آراء غيره دون تعليق قال: "وقال الأصمعي: المنيح الذي لا نصيب له فإذا خرج رد ليخرج غيره، فأما ذو الحظ من السهام فإنما إذا خرج لم يعد ثانية يقول: هو غير مأمون كالمنيح الذي تراه عند كل اجالة فهم يجرونه أبداً. وقال ابن الأعرابي: أراد أن يقول: القدام المشهر فقال المنيح لأنه فيها. وقال ابن قتيبة: أراد أنهم إذا رأوه زجروه ولعنوه كما يلعن المنيح لأنه لا نصيب له فيغتم صاحبه إذا خرج". وإذا كنا قد رأيناه هنا يعرض الآراء دون تعليق فإنه في مواضع أخرى قد يعرض الرأي ثم يعقب عليه ومن ذلك ما جاء في البيت الأول من رثاء عبدة بن الطيب لقيس بن عصام التميمي وهو: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما قل في شرحه: "وقوله ما شاء أن يترحما في معناه أقوال منها ما قال الأخفش علي بن سليمان: معناه عليك سلام الله ورحمته أبداً لأن الله تعالى أبداً يشاء الرحمة

فجعل مشيئته الرحمة ظرفاً، ومنها أن عليك ذلك كثيراً كقولك أصابنا المطر ما شاء الله أن يصيبنا، ورأينا من الخير ما شاء الله، ومنها ما قيل أن ما شاء يرجع إلى قيس" وقال معلقاً على هذا الوجه "وهذا تعسف". وفي بتي النسيب الوارد في القطعة (11) والذي جاء فيه: لئن نائبات الدهر يوما أدلن لي على أم عمرو دولة لا أقيلها نجده يقف عند قوله "لا أقيلها" وينقل قول بعضهم: "أراد أعذبها كما عذبتنى ولا أتجاوز عن ذنبها من قولهم: "أقلت عثرته" ثم عقب على هذا التفسير بقوله: "وهذا غلط لأنه يخرج حينئذ عن حد النسيب، معناه - والله أعلم - لئن أظفرتني صروف الدهر بأم عمرو لا أفارقها من إقالة البيع وهو رد المبيع". وفي بيتي قطري بن الفجاءة الواردين في الحماسية (21) وهما: حتى خضبت بما تحدر من دمي أكناف سرجي أو عنان لجامي ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب جذع البصيرة قارح الإقدام نراه ينقل قول غيره فيقول: وقيل أنه لم يرد بقوله دمي دم نفسه وإنما أراد دم من قتله فأضافه إلى نفسه، لأنه أراقه، ألا ترى أنه يقول: وقد أصبت ولم أصب" ثم عقب عليه بقوله: "وليس كذلك بل أراد دم نفسه، ومعنى أصبت قتلت فليس فيه مضادة". وفي بيتي الحماسة (105) وهما: ألا قالت الخنساء يوم سويقة عهدتك دهرا طاوي الكشح أهضما فإما تريني اليوم أصبحت بادنا لديك فقد ألفى على البزل مرجما

يبدأ بشرحهما فيقول: "يذكر أن الخنساء قالت يوم سويقة رأيتك زمانا ضربا خفيفا وقد تغيرت الآن وأنه أجابها بقوله: أن أصبحت مثقلاً اليوم عندك فإني جلد فيما يحتاج إليه من شدة النفس وقوة الرجال في السفر وعند الخصومة" ثم عرض رأي بعضهم فقال: "وذهب بعضهم إلى أنه أراد أني كنت قبل هذا بهذه الصفة" وعقب عله بقوله: "ولسي في البيت ما يقتضي ذلك فلا حاجة إلى الفزع إليه والأخذ بظاهرة ممكن وهو أمدح". وهناك أمر ثالث يمكن أن يلحظه القارئ في هذا الشرح وهو قلة الجانب النقدي للنصوص المختارة في الحماسة وهو في هذا يختلف عن المرزوقي فالمرزوقي كثير الاهتمام بهذا الجانب، على نحو ما وضحنا في الكتاب الأول. أما المصنف فغن الجانب النقدي في شرحه قليل لا يكاد يذكر، ومن هذا القليل قوله منتقداً بيت أعشى ربيعة في سليمان بن عبد الملك: كلا شافعي سؤاله من ضميره عن البخل ناهيه وبالجود آمره فقد قال فيه: "يقول لسؤاله له شفيعان من ضميره أحدهما ينهاه عن البخل، وكان حقه ألا يجعله محتاجاً إلى النهر عن البخل". وفي بيتي نصيب في عمر بن عبد الله الليثي اللذين يقول فيهما: والله ما يدري امرؤ ذو جناية ولا جار بيت أي يوميك أجود أيوماً إذا ألفيته ذا يسارة ... فأعطيت عفواً منك أو يوم تجهد ذراه ينتقدهما فيقول: "ولا يحسن مدح السادة بمثل هذا، ما تشمئز منه النفوس من ذكر الفقر وإن كان لابد منه". وفي بيت شريح بن الأحوص الذي يقول فيه مشيراً إلى طارق ليل أتاه:

رفعت له ناري فلما اهتدى بها زجرت كلابي أن يهر عقورها قال منتقداً "ولم يجود في قوله زجرت كلابي لأنه لو كثرت ضيفانه لألفته الكلاب". وأغلب نقده للشعر يأخذ صفة العموميات التي تنطوي على أحكام عامة لا تستند إلى تعليل، وذلك مثل قوله في بيت العريان بن سهلة الجرمي الذي يمدح فيه قوماً ويقول فيه: كأنما الطير منهم فوق هامهم لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال فقد عقب عليه بقوله: "وقيل أن هذا أحسن ما قيل في الإجلال". ومثله ما جاء في بيت حاتم الطارئ الذي يقول فيه: وإنك مهما تعط نفسك سؤلها وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا فقد قال فيه: "وهذا بيت سائر أجود ما قيل في معناه". ومثل ذلك أيضاً قوله في القطعة الأولى التي وردت في باب الملح وهي من بيتين جاء فيهما: يقول لي الأمير بغير جرم تقدم حين جد بنا المراس ومالى إن أطعتك من حياة ومالى غير هذا الرأس راس نراه يشيد بهما فيقول: "وهذا أحسن ما قيل في الجبن". وعلى أنه إن كان في غلبة نقده انطباعياً أكثر منه فنياً إبداعيا، فإنه قد دل على مقدرة فائقة في ربط الأبيات ومعانيها وإيجاد الوحدة المعنوية بينهما، ومن أمثلة ذلك ما ذكره في بيتي أبي صخر الهذلي وهما:

فيا حبها زدني جوى كل ليلة ويا سلوة الأيام موعدك الحشر عجبت لسعي الدهر بيني وبينها فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر فقال في الربط بين معناهما: "فإن قيل كيف ينتظم هذا البيت إلى ما قبله لأنه استدام الجوى في البيت الأول، ويذكر في هذا انقضاء ما بينهما قيل الأول على ما فسر صحيح، ولم يقل في الثاني انقضى احلب، ومعناه أن الدهر لم يزل يسعى في إفساد ألفتنا، فلما انقضى ما بيننا من جهة الدهر أي فرق بيننا سكن الدهر، فليس يسعى في إفساد ما بين محبين غيرنا". ومثل ذلك ما ورد في بيتى عبد الله بن الزبير الأسدى وهما: فإنك لو سمعت بكاد هند ورملة إذ تصكان الخدودا سمعت بكاء باكية وباك أبام الدهر واحدها الفقيدا فقد قال في معناهما: "من سمع هذين البيتين ولم يعرف المعنى قدر أن فيهما خطأ لأنه قال: لو سمعت بكاء هند ورملة وهما ارمأتان ثم قال: "سمعت بكاء باكية وباك" فجاء بأنثى وذكر وقال: "أبان الدهر واحدها الفقيدا" ولم يقل واحدهما، والمعنى، لو سمعت بكاد هند ورملة إذ يلطمان خدودهما سمعت بكاء باكية أبان الدهر واحدها، أي هما تنوحان معاً وتلطمان الخدود معاً لا تفتر إحداهما دون الأخرى، فيقدر أنهما باكية واحدة لاتصال أصواتهما وصحكهما، وعطف بقوله وباك على قول باكية أبان الدهر واحدها الفقيدا فكأنه قال: وباك كذلك". والمصنف بجانب ما ذكرنا نراه يناقش موضع القطع في الأبواب فإذا جاءت القطع الشعرية مخالفة للحد المرسوم للباب الذي رويت فيه نبه إلى ذلك ودل عليه، ولقد سبق أن أشرنا إلى عمله هذا وعمل غيره من الشراح، فهو مثل غيره نراه يعترض على أبيات زيد بن الحكم الكلابي الواردة في الحماسية (59) من باب

الحماسة، ويرى أنها لا تليق بهذا الباب لتعريها من ذكر الشجاعة، وإنما هي من باب الافتخار بشرف الأصل. وكذلك نجده يقف عند قطعة شبرمة بن الطفيل التي يقول فيها: ويوم شديد الحر قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر لدن غدوة حتى أروح وصحبتي عصاة عل الناهين شم المناخر كأن أباريق الشمول لديهم إوز بأعلى الطف عوج الحناجر فهو يعترض على وجودها في باب النسيب فيقول: "ليس في هذه الأبيات نسيب، وإنما فيها ذكر الشراب والقصف"، وهذا مخالف لما أورده المرزوقي الذي حاول أني وجد مبرراً لوجود هذه الأبيات في باب النسيب فقال: "وأدخل هذه القطعة في باب النسيب لرقتها دلالتها على اللهو والخسارة". واعترض كذلك على أبيات أبي العتاهية الواردة في باب الهجاء والتي يقول فيها مطلعها: جزي البخيل علي صالحة عني بخفته على ظهري فقد قال: "وهذه الأبيات خارجة عن حد الهجاء لاحقة بباب الأدب لأنها في القناعة". وهو في هذه الأمثلة إن بدأ معترضاً على تصنيف الشعر في غير موضعه من الأبواب فإنه بالمقابل نراه يحاول - كالمرزوقي - تعليل وجود بعض القطع في الأبواب التي رويت فيها، على أن ذلك لم يرد منه كثيارً. ومن أمثلته ما جاء عنه في قطعة معدان بن جواس الكندي التي وردت في باب الحماسة وهي من بيتين يقول فيهما مخاطباً امرأة.

إن كان ما بلغت عني فلامني صديق وشلت من يدي الأنامل وكفنت وحدي منذراً بردائه وصادف حوطاً من أعادي قاتل فقد عقب بعد شرحهما بقوله: "فإن قيل فما في البيتين من الحماسة فالجواب أنه يعتذر ما نسب إليه من النكول في الحرب، وينتفي منه، وهذا فعل الشجاع. ولقد أثبتنا في هامش هذه الحماسية ان تعليله هذا أفضل من تعليل المرزوقي الذي قال فيه: "ودخل هذان البيتان في الباب لما اشتملا عليه لفظاً ومعنى من الفظاظة والقسوة". ومن أمثلته أيضاً ما جاء في بيتي بكير بن الأخنس اللذين وردا في باب الحماسة وهما: نزلت على آل المهلب شاتياً غريباً من الأوطان في زمن محل فما زال بى اكرامهم واقتفاؤهم وإلطافهم حتى حسبتهم أهلي فقد قال معللاً لوجودهما في باب الحماسة: "ليس في هذين البتيين ذكر الحماسة إلا أن الأبيات قبلها اشتملت على الحماسة وإكرام الجار فأورد أبو تمام هذين البيتين لأنهما في مبالغة إكرام الجار". قيمته فيما حددناه من فترة زمنية: وإذا كان قد أوضحنا فيما سبق قيمة هاذ الشرح بالنسبة للمنهج الذي سلكه صاحبه، فإن له قيمة أخرى بالنسبة للشروح التي صدرت في الفترة الزمنية التي حددناها بنهاية القرن السادس الهجري، وتبرز هذه القيمة في الإضافات التي حققها الشرح في نسبة القطع التي وردت في اختيار الحماسة دون نسبة إلى قائل فأبان الشرح قائليها، فالمعروف أن أبا تمام كان يصدر قطعاً في الاختيار بقوله: "وقال رجل من أسد" أو من طئ أو "وقالت امرأة من طئ "أو من أسد، وأحياناً كثيرة "وقال

آخر" أو "وقال بعضهم" وما طبع من شروح الحماية حتى الفترة الزمنية التي ينتهي عملنا فيها شرحان هما شرح التبريزي وشرح المرزوقي، ولقد حاول كل منهما وفق مصادره إسناد بعض الأشعار المجهولة إلى قائليها، وكان التبريزي في هذا الجانب أو أوفر عملاً من المرزوقي لتأخره عنه، ولوقوفه على مصادر لم يقف عليها المرزوقي مثل شروح أبي رياش وأبي عبد الله النمري، وأبي العلاء، وأبي هلال العسكري، وأبي محمد الأعرابي، واستطاع من لال هذه الشروح أن يحقق إضافة في نسبة الأشعار لم تهيأ للإمام المرزوقي. غير أنه بوقوفنا على الشرحين تبين لنا أنه لا تزال هناك قطع غير قليلة في الحماسة جاءت في الشرحين دون نسبة إلى قائل، وهذا الشرح الذي بين أيدينا قد استطاع أيضاً وفق المصادر التي توفرت لديه أن يحقق إضافة فوق ما حققه التبريزي والمرزوقي، ولقد قمنا بإحصاء للقطع التي وردت في شرحي التبريزي والمرزوقي دون نسبة ونسبها المصنف إلى قائل فبلغ الإحصاء فيها إحدى وعشرين قطعة، منها قطعة في باب الماسة هي القطعة (76) التي نسبها المصنف إلى زيد بن لثوة، وثلاث قطع في باب المراثي هي القطع 52، 75، 82.وقطعة في باب الأدب هي القطعة (19) التي نسبها المصنف إلى مضرس بن ربعي، وسبع قطع في باب النسيب هي القطع: 5، 19، 44، 57، 94، 122، 136، وقطعتان في باب الهجاء هما القطعة 20 والقطعة 57، وخمس قطع في باب الأضياف هي لقطع 10، 15، 51، 109، 116، وقطعتان في باب الملح هما القطعة 2 والقطعة 13. وترتفع قيمة هذا الشرح في هذا الجانب أن ناسخه قد ذكر في ختام الشرح أنه قد قابل أشعار الحماسة بنسخة قراها على الشيخ أبي طاهر علي بن عبد الله الشيرازي، ونقل إلى حواشيهما حواشي نسخة هذا الشرح، وكان هذا العمل إضافة أخرى غير إضافة المصنف في نسبة الشعر إلى قائليه، ولقد قمنا أيضاً بإحصاء لعدد القطع التي وردت في الشروح الثلاثة المرزوقي والتبريزي والمصنف مهملة دون نسبة وأثبتت هوامش النسخة نسبتها إلى أصحابها فبلغت عشرين قطعة منها قطعتان في باب الحماسة هما القطعة 137 والقطعة 139، وثلاث قطع في باب

الأدب هي القطع 17، 18، 22، وسبع قطع في باب النسيب هي القطع: 13، 51، 52، 66، 82، 103، 122، وثلاث قطع في باب الأضياف هي القطع 46، 105، 133، وقطعة في باب الصفات هي القطعة الرابعة، وقطعة في باب الملح هي القطعة السادسة عشرة. ويجدر بنا أن نشير إلى أن بعض هذه القطع التي أضاف نسبتها المصنف إلى قائليها أو إضافتها حواشي نسخة هذا الشرح عن نسخة الشيخ أبي طاهر الشيرازي قد جاء مطابقاً لما أوردته مصادر أخرى وقفنا عليها مثل: الحيوان والبيان والتبيين للجاحظ والشعر والشعراء لابن قتيبة، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، واللسان لابن منظور، عدا شروح الحماية الأخرى التي مازالت مخطوطة، وقد بينا جميع ذلك في هوامش القطع الأحدى والأربعين السالفة الذكر. مآخذ هذا الشرح: على أننا نأخذ على هذا الشرح جملة من المآخذ أهمها أن المصنف - وفق الإيجاز الذي التزمه وجعله طريقة لشرحه - كان إذا رأى أن النص واضح لا يحتاج إلى شرح اكتفى بروايته دون شرح، أو علق عليه تعليقاً موجزاً لا يفي بحاجة القارئ ومن أمثلة ذلك أنه روى قطعة في باب الحماسة دون شرح، وكذلك فعل الشيء نفسه في أبيات عبد الله بن الزبير الأسدي التي مدح بها محمد بن مروان بن الحكم. هذا فضلاً عن أنه كان يشرح بعض أبيات في القطعة الأولى ويترك بعضها. والحق أن ما كان يتركه واضح في معانيه، ولكن كما قلنا من قبل أن الوضوح شيء نسبي، فما تراه أنت واضحاً قد يراه آخرون غير واضح، ولهاذ كان ينبغي عليه أن يشرح كل الشعر الذي اشتمل عليه الاختيار، وقد يشفع له هذا أنه أملى شرحه على تلاميذ كان يعلم قدراتهم الذهنية ومكناتهم العقلية في فهم الشعر، ولكن وإن صح هذا فإنه بطبيعة الحال لم يمل شرحه لكي ينتفع به تلاميذه فقط وإنما أملاه لهم ولغيرهم من الأجيال التالية.

وأما تعليقاته على الأبيات أو البيت بصورة لا تفي بحاجة القارئ فهي متعددة وتكاد تقع في جميع الأبواب، فمن أمثلتها ما أورده في القطعة (56) من باب الحماسة وهي خمسة أبيات علق عليها بقوله: "يقول: لا تطمعوا منا في المحال، ولا تلتمسوا إكرامنا إياكم، وكذلك فعل نحو هذا في بيت الحسين بن مطير الأسدي القائل: هل الله عاف عن ذنوب تسلفت أم الله إن لم يعف عنها يعيدها فقد عقب بقوله: "المعنى معروف يتمنى أيام البطالة واستفهامه على هذا الوجه ضرب من البطالة". ومثل هذا الصنيع شاركه فيه سائر الشراح الذين وقفنا على شروحهم، وذلك لأنهم كانوا يشرحون الشعر حسب هواهم فما جاء متفقاً مع هواهم شرحوه وما جاء غير ذلك أهملوه أو عقبوا عليه تعقيبات مثل تعقيبات المصنف هذه، وهذا أمر ناقشناه في الكتاب الأول وأوضحنا مآخذ بعض الباحثين عليه. وثاني ما يؤخذ على المصنف، هو عدم التثبت من صحة بعض ما يرويه من أخبار تاريخية، وقد أوقعه هذا في أن روى بعض الأخبار التي لا تقوم على ساق ولا يعرف لها وجه من الصحة، وذلك مثل الخبر الذي أورده في باب الأدب ومفاده "أن البرصاء أم شبيب الشاعر خطبها النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يكن بها برص فقال أبوها: لا أرضاها لك يا رسول الله فإنها برصاء، فرجع أبوها إلى عندها وإذا قد برصت عقوبة للأب" فهذا الخبر ليس من الصحة في شيء، وقد أورد أبو الفرج سبب تلقيب أم شبيب بالبرصاء، فذكر أن اسمها قرصافة بنت الحرث بن عوف، وأنها لقبت بالبرصاء لبياضها لا لأنها كان بها برص.

ومثل هذا أيضاً قوله وهو يعرف بالأشتر النخعي صاحب الحماسية (26): "كان من فرسان علي - رحمة الله عليه - وقتل يوم "صفين" فهو أيضاً وهم منه فالمعروف أن الاشتر لم يقتل يوم صفين، وإنما ولاه علي - رضي الله عنه - بعد صفين مصر خلفاً لمحمد بن أبى بكر فمات وهو في طريقه إليها سنة 37 هـ. ومثله كذلك ما جاء عنه في قطعة عمرو بن مخلاة الحمار الكلبي التي هجا فيها قيساً، فقد ذكر "وقيس كانت أنصار بني مروان وكانوا مع الضحاك أسلموه حتى قتل"، وهذا ليس بصحيح فقيس لم تكن من أنصار بني مروان وإنما كانت من أنصار ابن الزبير وحاربوا بني مروان في موقعة "مرج راهط"، وذلك بقيادة الضحاك بن قيس الفهري الذي قتل في هذه الوقعة. وثالث مآخذنا عليه بعض الهفوات التي ندت في تقرير معاني الشعر وهي هفوات دللنا عليها في الهوامش التي صنعناها لهذا الكتاب، غير أنها كانت هفوات طفيفة لا تقاس بالمجهود الضخم الذي بذله في شرح النصوص واستنباط المعاني منها واستعراض آراء من سبقوه فيها، في عبارات يسودها الوضوح ويحكمها الإيجاز وتشملها السهولة واليسر. مصادره وقيمتها: هذا هو منهج الرجل في شرحه وقيمة عمله من خلال ما طبقناه من عناصر لهذا الشرح، ومن خلال ما أخذنا عليه من مآخذ. أما مصادره فقد سبق أن فصلنا الحديث فيها حين تعرضنا لتوثيق هذا الشرح. وناقشنا أوجه الخلاف بينه وبين شرح المرزوقي، ونحن هنا لا نريد أن نكرر الحديث فيها مرة أخرى ولكن فقد نريد أن نبرز قيمتها في شرح الحماسة، وهي قيمة تتجلى في جوانب عدة أولها: أن المصنف أفاد من أبي رياش، وأبو رياش - كما سق أن أوضحنا في الكتاب الأول من هذا البحث - كان أحد المصادر التي اعتمد عليها العلماء في رواية متن الحماسة، فهو

والآمدي العالمان الوحيدان اللذان أخذا ديوان الحماسة عن أبي المطرف الأنطاكي الذي سمعه عن أبي تمام، ولا شك أن لهذا قيمته في رواية المتن الذي اعتمده المصنف. وثانيها: أن جماعة من شراح الحماسة قد بدوا في شروحهم مولعين بعنصر من عناصر شرح الشعر وولوعهم هذا دفعهم إلى عناية خاصة بما هو مولعون به، فأبو رياش كان مولعاً بأخبار الشعراء ومناسبات الشعر فجاء هذا العنصر وافياً في شرحه، وأبو عبد الله النمري وقف جل همه على معاني الشعر فجاء شرحه صورة مجسمة لهذا الهم، محققاً لعنصر المعاني غايته في الجلاء والبروز، وابن جنى كان مولعاً بالاشتقاق، وبالعويص المشكل من اللغة والنحو فجاء كتاباه المبهج والتنبيه موفيين لهذه المناحي متخصصين فيها. فإذا علمنا أن المصنف قد أفاد من أعمال هؤلاء العلماء الثلاثة في شرحه فإن لهذا قيمة أخرى غير القيمة الأولى الخاصة برواية متن الحماسة، ذلك لأن الإفادة من عمل رجل علق هواه بعنصر معين حتى صار كالمتخصص فيه أفضل من الإفادة من عمل رجل لا تخصص لديه. وثالثها: أننا رأينا من خلال موازنتنا بين مصادره ومصادر المرزوقي أن مصادره كانت مختلفة متنوعة، فهو بالنسبة لما سبقه من شروح قد أفاد من شروح شملت سائر أجيال العلماء الذين توالوا بعد بدء شروح الحماسة ابتداء من الديمرتي الذي أوضحنا في الكتاب الأول أنه أول شارح وصل إلنا خبر عنه أنه شرح الحماسة، وانتهاء بابن جنى الذي توفي في العقد الأخير من القرن الرابع، والأخذ من شروح العلماء في أجيال مختلفة له قيمته وبخاصة حين نعلم أن شرح الشعر ظل يتطور عبر الأجيال حتى وصل إلى أوج ازدهاره في القرن الرابع الهجري. ورابعها: أن المصنف لم يكتف بالإفادة ممن شرحوا الحماسة فحسب بل تجاوز ذلك إلى علماء اللغة والنحو، وقد مثل هؤلاء أيضاً مراحل مختلفة في تطور علم العربية في فروعه المختلفة، فقد رأيناه يأخذ من الخليل بن أحمد المتوفى سنة 175،

مخطوطة الشرح: ناسخها ووصفها

كما يأخذ من أبي علي الفارسي المتوفى سنة 377 هـ، وتلميذه ابن جني المنوفي سنة 392 هـ، وبين الخليل وأبي علي وتلميذه ابن جني أجيال عدة من العلماء ساهموا مساهمة فاعلة في تطور علم العربية وفروعه، وأضافوا إليه في كل حقبة من الحقب الجليل الخطير، ولا شك أن هذا له قيمته في شرح الشعر الذي يقوم أساساً على شرح الألفاظ والتراكيب، وهما عنصران لا غنى عن اللغة والنحو فيهما. -4 - مخطوطة الشرح: ناسخها ووصفها في الجانب الأيمن الأعلى للورقة الأولى من مخطوطة هذا الشرح نجد عبارة تفيد بأن "جميع هذا الكتاب من خط ياقوت بن عبد الله"، كما نجد في الورقة الأخيرة ما يفيد بان هذا الكتاب قد "فرغ من كتبه ياقوت بن عبد الله في الشهر المبارك من سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة"، وهذا يدل على أن ناسخ هذا الشرح يدعى ياقوت ابن عبد الله، فمن هو ياقوت هذا؟ لقد حاولنا أن نبحث عن كل من يحمل هذا الاسم في كتب التراجم فوجدنا أنهم ثلاثة: أحدهم: أبو الدر ياقوت بن عبد الله الموصلي الكاتب الملقب أمين الدين، والثاني أبو الدر ياقوت بن عبد الله الملقب مهذب الدين الشاعر، والثالث أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي الملقب شهاب الدين، وهؤلاء الثلاثة منهم اثنان اشتغلا بالكتاب ونسخ الكتب أحدهما أبو الدر ياقوت بن عبد الله الموصلي الذي أفاد ياقوت الحموي وابن خلكان أنه كان متقناً للكتابة على طريقة ابن البواب، وكان ينسخ الكتب ويبيعها، وكانت كتبه التي ينسخها غالية الثمن لجودة خطه فيها، والآخر أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي صاحب معجم الأدباء ومعجم البلدان، فقد ذكر كل من القفطي وابن خلكان اشتغاله بالكتابة ونسخ

الكتب في فترة من فترات حياته. أما الثالث أبو الدر ياقوت بن عبد الله مهذب الدين فقد كان شاعراً ولم يشتغل بالكتابة أو نسخ الكتب، ومن ثم فلا علاقة له بهذه المخطوطة. فإذا نظرنا إلى كل من ياقوت الموصلي وياقوت الحموي وجدنا أن وفاة الأول كانت في سنة 612 هـ، أم الثاني فقد توفي سنة 626 هـ، فضلاً عن أن ابن خلكان ذكر أن ولادته كانت في سنة أربع أو خمس وسبعين وخمسمائة. ومن ثم فإن هذه المخطوطة - وتاريخها كما ذكرنا يرجع إلى سنة 438 هـ - لا يمكن أن تكون قد نسخت من قبل أحدهما، وليس بصحيح ما ذكره الدكتور عسيلان في دراسته أن هذه المخطوطة من نسخ ياقوت الرومى لأن ياقوتاً هذا الذي عناه قد ولد - على ما ذكر ابن خلكان - بعد تاريخ الفراغ من المخطوطة بنحو سبعة وثلاثين عاماً، كما أن المخطوطة وقعت فيها أخطاء تتصل بالنحو واللغة يستبعد وقوعها من رجل في مثل علم ياقوت الحموي ومعرفته الدقيقة بعلوم العربية. ولكن من هو ياقوت بن عبد الله هذا الذي قام بنسخ هذا الشرح وفرغ منه فى سنة 438 هـ، ثم قابله بنسخة الشيخ أبي طاهر الشيرازي في سنة 466 هـ؟ . أغلب ظننا أنه رجل آخر غير من ذكرتهم كتب التراجم، وهذا يدفعنا إلى الوقوف مع رأي أوضحه الدكتور صلاح الدين المنجد في دراسته لياقوت الحموي، فقد ذكر أن العادة عند العرب أن يطلقوا على الأرقاء أسماء الأحجار الكريمة وبعض أنواع الطيب كالزمرد والياقوت والعنبر الكافور لقربهم من المخدومين، كما أن تسمية الأب في مثل هذه الحال ليست لها علة في رأيه، وإنما جاءت اعتباطاً لجهالة اسم الأب لأن اسم الأب إذا كان مجهولاً جعلوه عبداً من عبيد الله.

منهجنا وعملنا في خدمة هذا الشرح

وبناء على هذا الرأي الذي صرنا في حيز منه يمكن القول بان هذا الاسم "ياقوت بن عبد الله" قد يكون كثيراً يتجاوز في عدده هؤلاء الثلاثة الذين ذكرتهم كتب التراجم، ومن هنا فلا يكون بعيداً إذا قلنا أن ياقوت بن عبد الله ناسخ هذه المخطوطة هو واحد من أولئك الأرقام المجهولي الاسم والأب فانطبق عليه رأي الدكتور صلاح الدين المنجد، كما انطبق على ياقوت الحموي صاحب المعجمين المشهورين. هذا ما يتصل بناسخ المخطوطة، أما المخطوطة نفسها فهي الوحيدة التي عثر عليها حتى الآن، ويوجد أصلها في مكتبة "لاه لي" بتركيا تحت رقم 1813، وتوجد نسخة مصورة منها في معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة تحت رقم 518 أدب، وهي بخط نسخي واضح، وتقع في 194 ورقة كل ورقة ذات صفحتين يبلغ عدد أسطر الصفحة الواحدة ثلاثة وعشرين سطراً. - 5 - منهجنا وعملنا في خدمة هذا الشرح يجدر بنا أن نشير أولاً أنه لما كانت هذه المخطوطة واضحة الخط انتفت الصعوبة في قراءتها إلا في القليل النادر، كما أن توافق هذا الشرح مع شرح التبريزي المطبوع في نحو ثلاثة وثلاثين ومائة موضع قد أعاننا كثيراً في الوصول إلى معرفة ما غمض من خط الناسخ، علماً بأن الغامض الذي صادفنا فيها كان قليلاً، لا يقاس بالوضوح الذي شملها، غير أننا - مع هذا الوضوح - لاحظنا بعض الأخطاء النحوية واللغوية التي ندت عن قلم الناسخ، كما لاحظنا سقط بعض العبارات أو الجمل وأحياناً بعض الألفاظ، كنا نستعين في سد ثغراتها بما اتفق مع شرح التبريزي أو بما توصلنا إليه باجتهادنا حتى تحققت للكلام استقامته التي يقتضيها السياق، وقد بينا جميع ذلك في الهوامش التي صنعناها لهذا الشرح. كذلك أفدنا من الشرحين المطبوعين: شرح المرزوقي وشرح التبريزي وذلك بالموازنة المتتابعة في رواية المتن وتوضيح الفروق التي نجمت بين هذه الشروح، كما

استعنا بهما أيضاً في توضيح ما فات على المصنف توضيحه في شرح الشعر، هذا فضلاً عن إفادتنا من شروح أخرى مخطوطة جمعناها من مكتبات مختلفة. وبجانب هذا الذي ذكرناه يمكن أن نلخص منهجنا في تحقيق هذا الشرح في الجوانب التالية: أولاً: تقديم نص صحيح للقارئ وفق الرسم المعاصر للحرف المقروء الآن، وذلك لأن طريقة رسم الحرف عند الناسخ يختلف بعضها عما هو مألوف لدينا اليوم، ومن أمثلته: أ/ عدم كتابة الهمزة المتطرفة اثر ألف والاكتفاء عنها بوضع علامة المد على الألف فالكلمات مثل سماء ونساء ودعاء يكتبها الناسخ هكذا: سمآ، نسآ، دعآ. ب/ عدم كتابة الهمزة التي تأتي على ألف في الأفعال مثل: قرأتها، ويسأل، ويأبى، تكتب عنده: قراتها، يسال، يابي. جـ/ كتابة همزة فعائل ونحوها ياء مثل طبائع وصنائع كتائب، تكتب عنده طبايع، صنايع، كتايب. ثانياً: الإسهام في تبيان قائلي القطع التي وردت في الاختيار غفلاً عن أصحابها وذلك وفق المصادر التى توفرت لدينا والشروح المخطوطة التي وقفنا عليها. ثالثاً: الوقوف على رأي راجح حين ينسب الشعر إلى أكثر من قائل، وذلك بناء على ما اهتدينا إليه في المصادر الأخرى. رابعاً: التعريف بشعراء الحماسة وبيان المصادر التي ذكرتهم أو روت شعرهم الذي اختاره أبو تمام وكذلك التعريف بسائر الأعلام الذين ورد ذكرهم في ثنايا الشرح وبيان المصادر والمراجع التي ترجمت لهم أو كتبت عنهم. خامساً: نسبة الشواهد الشعرية إلى قائليها، إلاّ ما لم تسعفنا به المظان التي رجعنا إليها.

سادساً: نسبة الآيات القرآنية إلى سورها وتوضيح أرقامها في هذه السور وكذلك إرجاع الأحاديث النبوية إلى مصادرها التي روتها. سابعاً: القيام بالتعقيب في الهامش بما يوضح نقطة اقتضت الضرورة توضيحها أو مسألة رأينا تسليط الضوء عليها حتى تتحقق الفائدة المرجوة لقارئ هذا الشعر هذا فضلاً عن التعقيبات التي قمنا بها في مواضع بدا فيها نقص ند عن المصنف في شرحه وألزمنا الصواب أن نقف عندها برأينا حيناً وبرأي الشراح الآخرين أحياناً أخرى. ثامناً: وربما كانت أبرز خدمة قمنا بها لهذا الشحر هي أننا لاحظنا أن المصنف والناسخ قد تضافرت جهودهما في تحديد بحور جملة من القطع الشعرية وأضربها وأنواع قوافيها، غير أن الكثير قد فات عليهما في هذا الجانب حاولنا أن نستعين فيه بشرح التبريزي لتكملته، وذلك لأن التبريزي كان أمامه شرح شيخه أبي العلاء المعري، وكان أبو العلاء من القلائل الذين عنوا في شروحهم بهذا الجانب، بيد أن هنالك جملة من القطع فات على التبريزي كذلك توضيح بحورها وأضربها ونوع قوافيها، فاجتهدنا بما لدينا من معرفة في علم العروض والقوافي في توضيحها وجعلنا لذلك رمزاً فما أخذناه من المصنف والناسخ والتبريزي وضعناه بين قوسين هكذا (()). أما ما أكملنا بجهدنا اثنتين وستين قطعة هي القطعة 145 من باب الحماسة، والقطع: 42، 107، 136، 137 من باب المراثي، والقطعة 47 من باب الأدب، والقطع 6، 19، 29، 64، 75، 76، 77، 78، 79، 83، 90 من باب النسيب، القطع 7، 26، 28، 50، 60، 62، 66، 69 من باب الهجاء، والقطع 15، 31، 43، 47، 91، 95، 97، 99، 102، 109، 115، 116، 118، 120، 122، 126، 127، 132، 135، 136، من باب الأضياف، والقطعة الرابعة من باب الصفات، والقطعة الأولى من باب السير والنعاس، والقطع 10، 11، 13، 14، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 25، 26 من باب الملح، والقطعتان 13، 14 من باب مذمة النساء.

ولا نغالي إذا قلنا أن هذا الجهد الذي بذلناه في تحديد بحور هذا القطع وأضربها وقوافيها قد حقق فائدة في قيام شرح ثالث - غير شرح التبريزي ذي النقص وغير شرح المرزوقي الذي لم يعن بهذا الجانب - يحقق للدارسين في الحماسة عوناً يفيدهم في معرفة البحور والأضرب والقوافي لكل ما اختاره أبو تمام من شعر. تاسعاً: ولقد ذيلنا هذا الشرح بفهارس لكل ما ورد فيه - دون الهوامش - من أعلام وأمكنة وآيات قرآنية وأحاديث وقواف، فضلاً عن فهرس المصادر المراجع التي استخدمناها في دراسته وتحقيقه. ويقتضي الحق أن نقول أن هذه الجهود التي قمنا بها لخدمة هذا الشرح كان وراءها أعمال رجال سبقونا في هذا المضمار، وبخاصة ما قام به عبد السلام هارون في تحقيقه شرح المرزوقي وصنواه أحمد محمد شاكر وعبد الستار أحمد فراج وغيرهم ممن حقق كتباً كانت لها صلة بشعراء الحماسة أو شعرهم، كما كان وراء هذه الجهود أيضاً فضل لزملاء أعزاء فتحوا لي مكتباتهم الخاصة آخذ منها ما أشاء أخص منهم بالذكر الأستاذ الدكتور هاشم الشريف والأستاذ محمد مسعود جبران والأستاذ الهادي الخمائسي. نفعني الله بهؤلاء جميعاً ونفع غيري بهم، وإني لأسأل الله تعالى أن يحقق بعملي هذا ما أملته في أن يكون إسهاماً متواضعاً في خدمة تراثنا الأدبي أنه سميع مجيب، وهو حسبي إلى يوم الدين. محمد عثمان علي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً يوازي جميل نعمه، ويضاهي جزيل قسمه، وصلواته على سيدنا خير العجم والعرب، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وعلى آله الطيبين وأصحابه الطاهرين. ذكر سبب تأليف أبي تمام حبيب بن أوس لكتاب الحماسة: حكي أن أبا تمام لما قفل من نيسابور متوجهاً نحو العراق، دخل همذان والزمان شات، فحال الثلج بينه وبين الرحيل، فأضافه أبو الوفاء محمد بن عبد العزيز بن سهل وكان أديباً من أولاد الرؤساء وله شعر يرتضيه الشعاء، وهو القائل: وظللت من ماء الكروم كأنني غصن أمالته الصبا فتأودا أرمي فعيني الرياض واجتني ... من حليهن لآلئاً وزبرجدا يفتر مبتسماً كأن وميضه شور أصابته الصبا فتوقدا حمراء ناصعة وأصفر فاقعا ... ومزعفراً في لونه وموردا فسره لزوم أبي تمام، وأحضره أبو الوفاء كتبه فاختار أبو تمام منها هذا، والوحشي وشيئاً من انتخاب. ثم شخص أبو تمام وبقيت الكتب عند أبي الوفاء، لا يمكن أحداً منها إلى أن مات، ووقعت الكتب تحت رجل من أهل الدينور يعرف بأبي العواذل، فنسخ هذه الكتب الثلاثة، وحملها إلى أصبهان، فانتشرت النسخ

منها: وعني أهل اصبهان بتصحيحها، ومنها هذا الكتاب [الذي شاع] في الآفاق، فلهذا لا تجد أحداً يرويه مسدداً إلى أبي تمام رواية، وقيل: أن ذلك غير صحيح. حدثني أبو مسهر محمد بن أحمد بن مروان العثماني الشافعي قال: حدثنا أبو عبد الله النمري، قال: حدثنا أبو رياش قال: قال لي أبو أحمد: ...

باب الحماسة ومعنى الحماسة الشدة والشجاعة

باب الحماسة ومعنى الحماسة الشدة والشجاعة (1) قال رجل من بلعنبر أو بني العنبر - فحذف النون ومثله كثير - إسلامي: (من الضرب الثاني من البسيط والقافية متواتر). لو كنت من مازن لم تستبح ابلي بنو اللقيطة من ذهب بن شيبانا إذا لقام بنصري معشر خشن عند الحفيظة إن ذو لوثة بانا مازن من تميم، والموازن في العرب أربعة: مازن قيس، ومازن اليمن، ومازن ربيعة، ومازن تميم، وهو المراد. لم ستتبح: لم تنتهب. اللقيطة: فعيلة بمعنى مفعولة أي ملقوطة. وخشن: جمع خشنٍ، والحفيظة: الغضب في الشيء الذي يجب حفظه، واللوثة: الضعف، واللوث: القوة. المعنى: قال بعضهم: إن هذا القائل كان من بني مازن إلا أنه يعاتب قومه لأنهم تركوا معاونته حتى انتبهت ابله، فيقول: لو كنت منهم لعاونوني، وهذا كما يقول الرجل لابنه: لو كنت أباك

لأطعتني، وقيل: لم يكن من مازن، وهو الصحيح، والأول خطأ لأنه وصف بني مازن بالشجاعة، ووصف قومه بالخشية والإحجام، فدل اختلاف الصفتين على أن أحد الموصوفين غير الآخر. قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاننا أبدى: أظهر، والزرافات: الجماعات، ووحدانا: واحداً واحداً، أي إذا سمعوا بذكر الحرب أسرعوا إليها مجتمعين ومتفرقين. المعنى: يصف بني مازن بالحرص على الحرب، والإقدام على الشر، يقول: هم قوم إذا اشتدت الحرب أسرعوا إليها غير سائلين من دعاهم لها حجة عليها، ولا باحثين عن سببها، لأن الجبال يتعلل بذلك فيتباطأ عن الحرب. لكن قومي وإن كانوا ذوى عدد ليسوا من الشر في شئ وإن هانا يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا المعنى: إن بني مازن كما وصفتهم، لكن قومي بني العنبر لا يدخلون في شيء من الشر وإن خف، يغفرون لمن ظلمهم، ويحسدون إلى من أساء إليهم، يصفهم بالجبن وبهوانهم، لأن العرب تتمدح بالظلم، ويرون ذلك منقبة وفخراً. كأن ربك لميخلق لخشيته سواهم من جميع الناس إنسانا فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا شنوا الإغارة فرسانا وركبانا المعنى: يصفهم بالجبن ونهاية الخور، ويقول: كأن الله تعالى لم يخلق أحداً. يخشاه من الناس غيرهم، فلا يؤذون أحداً. وقد زيد في هذه الأبيات ما لم يتضمنه اختيار أبي تمام، ومنها قوله: "فليت لي بهم". وقال الفند الزماني - جاهلي واسمه شهل بن شيبان الزماني، وليس في العرب

شهل غيره- زمان ابن مالك بن صعب بن علي بن بكر علي علي بن بكر بن وائل- في حرب البسوس, والفند لقب له لأنه قال في بعض الحروب, وقد أحس فشلًا من قومه أنا فند لكم, وهو الجبل, وإنما لقب به تشبيهًا بالجبل. (من الهزج الأول والقافية متواتر) صفحنا عن بني ذهٍل وقلنا القوم إخوان عسى الأيام أن يرجعن قوما كالذي كانوا قال بعضهم: إنما هو عنى بني هند لأنه لم يكن بين هذا الشاعر وبني ذهل حرب, وقوله: كالذي كانوا قيل: إنه كالذين كانوا, والعرب تقول: الذي بمعنى الذين, وقيل: الذي بمعنى ما لأنك تعبر بهاما عن شيء واحد, وهو أحسن, وشاهده ما أنشده الفراء:

وإن الذي حانت بفلٍج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد. المعنى: أساءت بنو ذهل أبنو هند إلينا, فتجاوزنا عنهم لما بيننا من الرحم, وطمعنا في أن تردهم الأيام إلى ما كانوا عليه من قبل. فلما صرح الشر فأضحى وهو عريان ولم يبق سوى العدوان دناهم كما دانوا مشينا مشيه الليث عدا والليث غضبان بضرٍب فيه تفجيع وتأييم وارنان ويروى فيه توهين وتخضيع واقران, وقوله: دناهم كما دانوا, أي

جازيناهم كما فعلوا, وقوله: عدا من العدوان أي مشينا إليهم كما يمشي السد عاديًا غضبان, وزعم الديمرتي أنه غدا- بالغين- قال: لا يجوز عدا إلا إذا كان الليث دائم العدوان, وقال غيره: هو عدا- بالعين- قال: لا يجوز عدا إلا إذا كان الليث دائم العدوان, قال غيره: هو عدا- بالعين- ولا يجوز غدا لأن الليث لا يغدو ثقة بنفسه إلا لصيد لا يفته متى قصده. قال أبو علي الاستراباذي: وقول

الديمرتي إن ((عدا)) غلط لأن الليث دائم العدوان فغلظ أيضًا, لأنه لا يعدو إلا عند رؤية الصيد وقصده, ولا يكون دائمًا قاصدًا للصيد, وإنما يقصد وقت الحاة, وتوهين تضعيف, وتأييم قتل الرجال حتى تبقى النساء أيامي, وتخضيع أي تذليل, وتفجيع من الفجيعة وهي المصيبة, وقوله: إقران قد أكثروا القول فيه, فقيل: معناه الإطاقة من قوله تعالى: } وما كنا له مقرنين {, وقيل: معناه تذليل من قولهم: أقرن الرمل إذا لأن, ويقال: غلبة من قولهم أقرن فلان إذا غلب, وقيل: أقران مواصلة لا فتور فيها, المعنى: فلما ظهر الشر من بني ذهل كل الظهور, ولم يبق موضع للعذر فعلنا بهم مثل فعلهم في الإساءة, وقصدناهم كما يقصد الليث إلى فريسته غضبان بضرب, وفي ذلك الضرب قتل الرجال في قول من روى تأييم وتفجيع, وتذليل في قول من روى تخضيع, وقد بينا معنى الأقران: وطعٍن كفم الزق إذا والزق ملآن إذا: سال, وجرح غاٍذ أو سائل. المعنى: مشينا لهم بضرب كما وصفه, وبطعن واسع الجرح كثير سيلان الدم, وشبه بالزق الممتلئ إذا سال ما فيه: وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان في الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان المعنى: يعتذر لقومه ولنفسه فيما كان منهم من الإساءة لبني ذهل أو بني هند, يقول: احتملناهم فلم يرتدعوا, والحلم عن الجاهل مع إصراره على الإساءة انقياد للذل, وإذا لم يخلصك الإحسان من أذى صاحبك فخلاصك منه في أن تقابله بمثل ما فعله من السوء, فلذلك قابلناهم بالقتل.

(3) وقال أبو الغول الطهوي, وهو منسوب إلى طهية- قبيلة- إسلامي. (من الوافر الأول والقافية متواتر) فدت نفسي وما ملكت يميني فوارس صدقوا فيهم ظنوني فوارس لا يملون المنايا إذا دارت رحى الحرب الزبون الزبون: الدفوع من الزبن وهو الدفع, ويروى ((الطحون)) أي كثير الطحن. المعنى: نفسي ومالي فدى لفوارس صدقوا ظنوني في ثباتهم في الحرب ودفعهم للعدو, وهم لا يملون الموت والجرح إذا اشتدت الحرب ويروى ((صدقت فيهم ظنوني)). ولا يجزون من حسٍن بسيٍء ولا يجزون من غلٍظ بليٍن المعنى: يصفهم بالشجاعة والشدة, ومقابلتهم الناس بما يستحقون أي لا يحسنون إلى من لا يحسن إليهم, ولا يلينون لمن لا يلين لهم. ولا تبلى بسالتهم وإن هم صلوا بالحرب حينًا بعد حين المعنى: يصفهم بالشجاعة والثبات على الشدة, وإن معاودتهم الحرب بعد الحرب لا تضعف جلادتهم, ولا تنقص شجاعتهم. هم منعوا حمى الوقبى بضرٍب يؤلف بين أشتات المنون فنكب عنهم درء الأعادي وداووا بالجنون من الجنون

الوقبى والقلهي مقصوران: موضعان لبني تميم, ويقال: القبى. المعنى: هؤلاء الفارس الذين فداهم حفظوا حمى الموضع الذي يسمى الوقبى بضرب هلكت به جماعة, لولاه لماتوا في مواضع متفرقة وأوقات مختلفة, فبعد عنهم ذلك الضرب قصد الأعادي, وعالجوا من إساءة القوم إليهم بمثلها. ولا يرعون أكناف الهويني إذا حلوا ولا أرض الهدون الهدون: السكون, ومنه سمي الصلح هدنة, لما فيه من السكون, (ويروى) ((ولا روض الهدون)). المعنى: يصفهم بالشجاعة وقلة الميل إلى طلب الراحة, يقول: لا يرعون نواحي الدعة والسكون إذا نزلوا. (4) وقال جعفر بن علبة, إسلامي وجعفر نهر وجمعه جعافر, وعلبة هي المحلب وجمعها علب. (الثاني من الطويل والقافية متواتر) ألهفى بقرى سحبٍل حين أحلبت علينا الولايا والعد المباسل قرى: موضع, سحبل: واد عظيم, كانت فيه وقعة لبني الحرث بن كعب, وأحلبت: أعانت, ويروى ((أجلبت)) بمعنى شغبت والولايا: العشائر

ومن يقرب, وأصله من الولي وهو القرب, وقيل: الولايا: النساء لأنهم كانوا يحملون أهلهم معهم إلى الحرب إذا أرادوا الثبات فيها, فعلى هذا يكون معناه أعانت نساؤنا أي منعتنا من الانصراف عن الحرب مخافة أسرهن, والمباسل: الشجاع, ورد إلى اللفظ فلهذا وحد. ويروى بدل الولايا الموالي وهم بنو الأعمام. المعنى: دعوت لهفي بقري سحبل حين أعانت عليها عشائرنا. فقالوا لنا ثنتان لابد منهما صدور رماح أشرعت أسلاسل فقلنا لهم: تلكم إذا بعد كرٍة تغادر صرعى نوؤها متخاذل لنا ثنتان: يريد خصلتان, نوؤها أي نهوضها, وكل نهوض بلا سرعة فهو نوء. المعنى: إذا العشائر والأعداء هددونا وقالوا: لابد من أن نقتلكم بالرماح طعنًا أو نجمعكم في السلاسل شدًا أجبناهم بأن ذلك إنما يكون بعد عطفة وحملة منا عليكم يكثر منها قتلى وجرحى لا يستطيعون القيام. ولم ندر أن جضنا من الموت جيضًة كم العمر باٍق والمدى متطاول جضنا: عدلنا, وجاض إذا عدل, وكذلك جاض إذا عدل, المعنى: يقول: ثبتنا لمناولتهم ولم ندر إن عدلنا عن الحرب كم يكون بقاؤنا في الدنيا, والزمان طويل نذكر فيه بما يكون منا, فلم نؤثر ذم الدهر بعيش. إذا ما ابتدرنا مأزقًا فرجت لنا بأيماننا بيض جلتها الصياقل

المعنى: نحن مشهورون بالنجدة والبأس فإذا استبقنا إلى مضيق في الحرب انكشفت الناس لنا خوفًا من سيوف بأيماننا. لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبٍل ولي منه ما ضمنت عليه الأنامل المعنى: حديدة سيفي لأعدائي يوم الحرب ببطحاء سحبل. ومضبضه لي, فيكون مقبضه في يدي ونصله فيهم. (5) وقال أيضًا: (من الضرب الثاني من الطويل والقافية متدارك) لا يكشف الغماء إلا ابن حرٍة يرى غمرات الموت ثم يزورها قوله: إلا ابن حرة أي لم تلده أمة, والعرب تمدح أولاد الحرائر لأن أنفتهم عظيمة. المعنى: لا يكشف الأمر الشديد عن القوم إلا كريم الطرفين يرى شدائد الحرب ثم يقصدها بسيوف مصقولة غير مفكر فيها. نقاسمهم أسيافنا شر قسمٍة ففينا غواشيها وفيهم صدورها المعنى: نجعل أسيافنا بيننا وبينهم, فنعطيهم عنها شر قسمة بأن نجعل أغمادها علينا وحدائدها فيهم. (6) وقال أيضًا وكان محبوسًا:

(من الضرب الثاني من الطويل والقافية متدارك) هواي مع الركب اليمانين مصعد جنيب وجثماني بمكة موثق مصعد: أي ذاهب مسرعًا, وهذا الرجل كان مقيدًا بمكة قومًا يقصدون اليمن فقال هذا. والمعنى: هوى قلبي مع القوم المتوجهين إلى اليمن ذاهبًا معهم وجسمي موثق بمكة. عجبت لمسراها وأني تخلصت إلى وباب السجن دوني مغلق عجبت لمسراها وسرب سرت به تكاد له الأرض البسيطة تشرق المعنى: إن هذا الشاعر المحبوس رأى خيال صاحبته في النوم فقال: عجبت لمجيئها ليلًا, وعجبت للظباء التي مرت بها, وهي تكاد الأرض تضيء بضوئها أي أنها قطعت إلى المفاوز ليلًا, يتعجب لمجيئها من أرض اليمن إلى مكة. أتتنا فحيت ثم قامت فودعت فلما تولت كادت النفس تزهق تزهق: أي تخرج وتزول. المعنى: يصف مجيء خيالها وسرعة زوالها وشدة الأسف على فراقها حتى كادت نفسه تزهق لذلك, ويروى ((ألمت)). فلا تحسبي أني تخشعت بعداكم لشيٍء ولا أني من الموت أفرق ولا أن نفسي يزدهيها وعيدكم ولا أنني بالمشي في القيد أخرق

ولكن عرتني من هواك صبابة كما كنت ألقى منك إذ أنا مطلق ويروى ((ولا أن قلبي يزدهيه)) ويروى ((ولا أنا مما تزدهيه ضمانة)) , وقوله: يزدهيها أي يستخفها. المعنى: يصف جلادته إلا في هواه يقول: لا تحسبيني متخشعًا بعد فراقكم لشيء ولا حذرًا من الموت, ولا محتفلًا بوعيد قومك, ولا زائل العقل لأجل الحبس والقيد, ولكن أصابني وأنا محبوس ما كان يصيبني من هواك وأنا مطلق فتخشعت لهواك لا للقيد والحبس. (7) وقال أبو عطاء السندي, إسلامي, واسمه أفلح, ويقال: مرزوق, وهو أصح: (من الضرب الأول من الطويل والقافية من المتراكب) ذكرتك والخطي يخطر بيننا وقد نهلت مني المثقفة السمر

المعنى: يصف صدق هواه لمن يحبها يقول: ذكرتك في الحرب عند المطاعنة وقد كثرت الجراحات فيما بيننا, وذلك وقت يذهل فيه الإنسان إلا عن نفسه يقول: لم أنسك في هذا الوقت لفرط محبتي لك. فوالله ما أدري وإني لصادق أداء عراني من حبابك أم سحر فإن كان سحرًا فاعذريني على الهوى وإن كان داًء غيره فلك العذر حبابك: مصدر حاببته, ويروى ((جنابك)) أي من عندك. المعنى: يقسم بالله يقول: ما أدري إن الذي أصابني سحر وخديعة من جهتك أو داء من جهة غيرك, فإن كان سحرًا فاقبلي عذري, فأنت سحرتني, وإن كان داء فأنت معذورة لأنه ليس منك. (8) وقال بلعاء بن قيس الكناني مخضرم, وبلعاء لقب به لقوله: ((كأنما طعاما فابتلع)) واسمه خميصة. (من الضرب الأول من البسيط والقافية متراكب) وفارٍس في غمار الموت منغمٍس إذا تألى على مكروهٍة صدقا غشيته وهو في جأواء باسلٍة عضبًا أصاب سواء الرأس فانفلقا بضربٍة لم تكن مني مخالسًة ولا تعجلتها جنبا ولا فرقا

الجأواء: الكتيبة الكثيرة السلاح, وسواء الرأس: وسطه. المعنى: رب فارس داخل في زحمة الحرب إذا حلف على أمر شديد صدق لشجاعته ضربت وسط رأسه سيفًا قاطعًا فانفلق به من ضربة لم اختلسها لتمكني منها, ولم استعجلها من جبن ولا فرق, ولم اضربه وحده وإنما كان في جمع كثير من الشجعان الكثيرة الأسلحة. (9) وقال ربيعة بن مقروم الضبي, مخضرم, والربيعة: بيضة السلاح, والمقروم البعير يقرم أنفه بمروة أي يحتز, والربيعة أيضًا الحجر الذي يرتبع لامتحان القوة. وعن ابن الأعرابي هي المرأة القصيرة. (من الضرب الأول من الكامل والقافية متدارك) ولقد شهدت الخيل يوم طرادها بسليم أوظفه القوائم هيكل فدعوا نزال فكنت أول نازٍل علام أركبه إذا لم أنزل الهيكل: الطويل إلى السماء, ونزال لفظه تستعملها العرب في الحرب وهو

الأمر. المعنى: لقد حضرت الفرسان عن المطاردة بفرس طويل لا عيب في قوائمه. فصاح الناس نزال فسبقتهم إلى النزول لأني كنت أحرصهم على الحرب, وأقلهم فكرًا بالموت, ثم قال: وعلى أي شيء أركب إذا لمن أنزل وقت الحاجة إلى النزول في الحرب. وألد ذي حنٍق علي كأنما تغلي عداوة صدره في مرجل أرجيته عني فأبصًر قصده وكويته فوق النواظر من عل أي رب حنٍق علي تغلي في الصدر عداوته كما يغلي الماء في المرجل, أرجيته: أخرته, فأبصر مقصده: أي ولي فانهزم حتى ضربته بالسيف من علو هامته وهو مدبر. (10) وقال سعد بن ناشب المازني, مازن تميم, إسلامي, وناشب فاعل من نشب إذا علق. (من الضرب الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) سأغسل عني العار بالسيف جالبًا على قضاء الله ما كان جالبا

المعنى: أزيل العار عن نفسي بأن أعمل سيفي فيمن يروم ظلمي فادفعه ما دفعه به عني, ولا أنقاد لظلمه غير مبال بما يجلبه قضاء الله. وأذهل عن داري وأجعل هدمها لعرضي من باقي المذمة حاجبا المعنى: أن هذا الرجل كانت له دار موروثة, وكان يلحقه من قومه ضيم, وقدروا أنه يحتمل ولا يفارق داره فقال: اصرف قلبي عن داري واتركها تهدم, وذلك أهون علي من أن أقيم عليها معترفًا بالذل فأذم به, فاجعل هدم داري مانعًا لي من مذمة باقية كي لا يقال: إنه أقام على الذل ضنا بداره. ويصفر في عيني تلادي إذا انثنت يميني بإدراك الذي كنت طالبا المعنى: يستهين بالمال المتوارث, وهو أعز عندهم من المستطرف ويقول: لا أبالي بذهاب أنفس الأموال إذا أدركت ما طلبته. فإن تهدموا بالغدر داري فإنها تراث كريٍم لا يبالي العواقبا أخي غمراٍت لا يريد على الذي يهم به من مفظع الأمر صاحبا ويروى ((أخي عزمات)). المعنى: أنا مفارقكم ولا أعرج على داري, فإن هدمتموها غدرًا فإنها أرث كريم لا يفكر في عواقب الأمور, يمضي لما يعزم عليه, ولا يريد صاحبًا يعينه على ما يهتم به من صواب الأمور: إذا هم لم تردع عزيمة همه ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا المعنى: يصف نفسه بالجرأة والأقدام على ما يعزم عليه, ولا يثنيه دونه شيء. فيا لرزاٍم رشحوا بي مقدما إلى الموت خواضًا إليه الكتائبا

ويروى ((الكرائبا)) ويروى ((قدروني مقدما)). المعنى: يقول: لرزام واعدًا لهم ما يراه في نفسه من القوة والجرأة, قدروني مقدما إلى الحرب دخالًا في جماعة الفرسان في القتال, فاني أهل لذلك. إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ونكب عن ذكر العواقب جانبا ولم يستشر في أمره غير نفسه ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا المعنى: يصف نفسه إذا عزم على شيء صمم عليه وتبع مراده إلى أن يظفر به, ولا يفكر في العواقب, ويستبد برأي نفسه, ولا يستعين إلا بسيفه. (11) وقال تأبط شرًا واسنه ثابت بن جابر, جاهلي, وإنما سمى تأبط شرًا لأنه يأخذ تحت ابطه سيفًا إذا أراد أن يقتل رجلًا, فقالت أمه: تأبط شرًا, فلقب به, وقيل: إنه قتل غولًا, وجاء برأسه تحت إبطه, فقيل: جاء تأب شرًا فلزم به هذا اللقب, والأول أثبت. (من الضرب الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إذا المرء لم يحتل وقد جد جده أضاع وقاسى أمره وهو مدبر ولكن أخو الحزم الذي ليس نازلًا به الخطب إلا وهو للقصد مبصر فذاك قريع الدهر ما عاش حول إذا سد منه منخر جاش منخر

ويروى ((ما عاش قلب)). حول: كثير الحيلة, وقلب: كثير التقلب, جاش منخر: أي ظهر. المعنى: إذا ترك المرء الحيلة وقد اشتد به الأمر أضاع أمره, واحتمل الشدة ثم لم يفلح, ولكن الحازم الذي ينظر في العواقب, خير في زمانه فلا يضيع, ومتى سد عليه ما ظهر له طريق آخر يتخلص منه. أقول للحيان وقد صفرت لهم وطابي ويومي ضيق الجحر معور هما خطتا إما إسار ومنه ... وإما دم والقتل بالحر أجدر وأخرى أصادي النفس منها وإنها لمورد حزٍم إن فعلت ومصدر الوطاب: أوعية اللبن يهدي فيها اللبن إلى المسالم, معور: ظاهر العورة والخلل, إما أسار ومنة- بالرفع والخفض- فمن خفض فإنه أضاف ولم يعبأ بإما فاصلة, ومن رفع أراد خطتان فحذف النون والمراد ثبوتها والعرب تفعل ذلك. المعنى: أقول للحيان وقلبي خال من مودتهم ويومي شديد, هما أمران إما أسر ومنة وإما قتل والقتل أولى بالحر, وأمر أخر أدبره وفيه أول الحزم وأخره, يعني صب العسل على الصخر والخلاص به. فرشت لها صدري فزل عن الصفا به جؤجؤ عبل ومتن محضر فخالط سهل الأرض لم يكدح الصفا به كدحًة والموت خزيان ينظر عبل: ضخم عظيم, خزيان: مستحي لأنه طمع أن يحتوي علي. المعنى: لما دبرت في الخطة الأخرى وبلغت قرار الأرض من غير خدشه أصابت صدري, ووصف صدره بالعبالة ومتنه باللطافة. فأبت إلى فهٍم ولم أك آبيا وكم مثلها فارقتها وهي تصفر

ويروى ((ولم آل آبيا أي رجعت إلى عقل, ولم آل: لم أقصر, يحتمل رجعت إلى قبيلتي التي هي فهم, وقوله: وهي تصفر من الصفير يعني المنية لما أعجزتها من أن تلحقني جعلت تصفر أسفًا وخجلًا, ومن عادة العرب إذا فاتهم شيء إن يقولوا: هو هو ثم يصفرون من خلفه بمعنى أنه بعد. المعنى: نجوت من تلك الورطة وعدت إلى قبيلتي وكم محنة مثل هذه المحنة فارقتها ونجوت منها وتركتها. (12) وقال أبو كبير الهذلي واسمه عامر بن حليس, جاهلي. (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) ولقد سريت على الظلام بمغشٍم جلٍد من الفتيان غير مثقل صعب الكريهة لا يرام جنابه ماضي العزيمة كالحسام المقصل

المغشم: الذي لا يبالي ما يفعله, وهو الغشوم أيضا، وجلد أي شديد صلب. المعنى: يصف جرأته وسراه برفيق جلد. ممن حملن به وهن عواقد حبك النطاق فشب غير مهبل كنى عن النساء ولم يتقدم لهن ذكر, والعرب تفعل ذلك إذا لم يشكل, والحبك: جمع الحبيك والحبيكة, وهو ما تكسر من ثوب أو ماء, وقيل: جمع الحباك وهو الأزار, فشب: ارتفع يعني رفيقه. غير مهبل: أي غير ملعن لأن العرب تقول لمن تسترذله: هبلته أمه وأمه هابل, يقول: صاحبي ليس ممن يقال له: هبلته أمه أي ثكلته لأنه محمود الطرائق, ممن حملن به يعني أن أمه حملت به في ليلة الزفاف وهي في ثياب زينتها, لأن النطاق ليس من ثياب من يخدم ويعمل. والعرب تقول: إن الحمل إذا كان ليلة الزفاف كان الولد أنجب. المعنى: أن صاحبي الذي سريت به كان ممن حملت به أمه ليلة الزفاف فجاء نجيبًا. ومبرٍأ من كل غبر حيضٍة وفساد مرضعٍة وداٍء معضل المعنى: يصف صاحبه الذي سرى به ببراءته من كل عيب يكون من جهة الأمهات, ويروى ((وداء مغيل)). حملت به في ليلٍة مزؤودٍة كرهًا وعقد نطاقها لم يحلل فأنت به حوش الفؤاد مبطنا سهدًا إذا ما نام ليل الهوجل مزؤودة: مذعورة, ويروى بالنصب والخفض, والنصب على الحال, وحوش الفؤاد أي خفيف الفؤاد, سهدًا قليل النوم, والهوجل: الأحمق الثقيل.

المعنى: يصف صاحبه الذي سرى به بأن أمه حملته وهي خائفة مكرهة, وكذلك تكون المرأة ليلة الهواء, ثم ولدته خفيف الفؤاد وقليل النوم لأن ثقيل النوم يصعب عليه السرى. فإذا نبذت له الحصاة رأيته فزعا لوقعتها طمور الأخيل الطمور: الوثب, والأخيل: الشقراق, ولا يكون في الطير أشد حذرًا منه, ونصب ((طمورًا)) لأنه كمن قال: (يطمر طمور الأخيل) يطمر طمور الأخيل لأن الفزع يقتضي النفر. المعنى يصف صاحبه بفرط التيقظ, ويروى ((ينزو لوقعتها)). وإذا يهب من المنام رأيته كرتوب كعب الساق ليس بزمل الرتوب: الثبات, والزمل: الضعيف. المعنى: يصف صاحبه بالجدة والشدة وقلة الفتور والكسل. ما إن يمس الأرض إلا جانب منه وحرف الساق طي المحمل أي ليس هو ممن يتقلب على الأرض إذا نام, وإنما ينام على جانب واحد, ويريد بالمحمل حمالة السيف معناه طوي هو طي المحمل. المعنى: يصف صاحبه الذي سرى به بشدة النفس وصلابة الأعضاء. وإذا رميت به الفجاج رأيته يهوى محارمها هوى الأجدل المعنى: يصف صاحبه الذي سرى به بالخفة والسرعة, وحسن الطاعة فيما توجه له.

وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل الأسرة: الخطوط. المعنى: يصفه بطلاقة الوجه. (13) وقال تأبط شرًا, جاهلي: (الثاني من الطويل والقافية متدارك) إني لمهٍد من ثنائي فقاصد به لابن عم الصدق شمس بن مالك أهز به في ندوة الحي عطفه كما هز عطفي بالهجان الأوارك المعنى: إني قاصد شمس بن مالك بمدحي, ندوة الحي: مجلسهم ومحدثهم, والعطف: الجانب, والأوراك من الإبل: التي ترعى الأراك واحدها آرك. المعنى: أفرح ابن عمي بالمدح حتى يرتاح له كما فرحني بالإبل الكرام أعطانيها. قليل التشكي للمهم يصيبه كثير الهوى شتى النوى والمسالك المعنى: يصفه بقلة الجزع والشكوى من الأمر المهم إذا أصابه. يصفه بكثرة الإرادات واختلاف طرقه ومذاهبه.

يظل بموماة ويمسي بغيرها جحيشًا ويعرورى ظهور المهالك الموماة: المفازة أي يكون نهاراً في مفازة، وجحيشاً أي بعيداً ويعرورى ظهورها: يدخلها بغير دليل. المعنى: يصفه بكثرة سلوك المفاوز وسرعة قطعه إياها. ويسبق وفد الريح من حيث ينتحي بمنخرقٍ من شده المتدارك ينتحي: يقصد، المتدارك: المتوالي. المعنى: يصف سرعة عدوه إذا عدا حتى انه يسبق الريح. إذا خاط عينيه كرى النوم لم يزل له كاليء من قلب شيحان فاتك ويجعل عينيه ربيئة قلبه ... إلى سلة من حد أخلق باتك الكاليء: الحافظ، وشيحان: جاد مجد، والفاتك؛ الذي يفتك بعدوه أي يقتله ويروى ((حاص عينيه)) وعناه خاط. المعنى: يصف قلبه حتى انه لينام بعينيه ويحفظ نفسه بقلبه أي لا يغفل عما يحدث. إذا طلعت أولى العدي فنفره إلى سلة من صارم الغرب باتك إذا هزه في عظم قرن تهللت نواجذ أفواه المنايا الضواحك

العدي: الرجالة سموا بذلك لأنهم يعدون كأنه جمع عاد كغاز وغزى، والسلة استلال السيف، والباتك: القاطع أي كأن المنية تضحك عند سل هذا السيف سروراً. المعنى: يصفه بالجرأة يقول: إذا ظهر أول أصحاب الحرب لم يفزع إلا إلى سيف قاطع متى ما هزه في عظم شجاع حل به الموت. يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك أم النجوم قالوا: المجرة لأنها تجمع النجوم كالأم لها، وقوله: يرى الوحشة الأنس الأنيس يفسر على وجهين أحدهما: أنه قد اعتاد سلوك المفاوز والتوحش على الناس فقد استأنس بالوحدة، والآخر أنه كثير الأعداء لكثرة ما أغار على الناس وانتهت أموالهم، فهو يستوحش إذا رأى الناس، وهذه عادة اللصوص. والأول أجود لأن في الثاني معنى الجبن. المعنى: يصفه بأنه اعتاد سلوك المفاوز ويهتدي فيها إلى ما يهتدي اليه النجوم. (14) وقال بعض بني قيس بن ثعلبة، ويقال: انها لبشامة بن حزن النهشلي وقال البرقي: أنها للمرقش، والقيس مصدر قاس: والبشامة شجرة: والمرقش المزين من الترقيش وهو التزيين:

(الأول من البسيط والقافية متواتر) إنا محيوك يا سلمى فحيينا وإن سقيت كرام الناس فاسقينا وأن دعوت إلى جلي ومكرمة يوماً سراة كرام الناس فادعينا المعنى: يصف نفسه وقومه بالكرم والغناء والكفاية في دفع الأمر العظيم والإغاثة لمن استنجدهم وافتتح كلامه بالتحية فجمع في البيت الغزل والفخر. إنا بني نهشل لا ندعي لأب عنه ولا هو بالأبناء يشرينا

نصب بني نهشل على التحصيص والمدح. المعنى: يفتخر بابيه ويقول: أبونا نهشل في الجلالة بحيث لا نبغي العدول عنه في الافتخار، فلا نطلب بدلاً عنه، ولا هو يبيعنا بأبناء غيرنا، ولا يطلب منا بدلاً لما من المناقب. إن تبتدر غاية يوماً لمكرمةٍ ... تلق السوابق فينا والمصلينا المعنى: يصف نفسه وقومه بنهاية الكرم وسبق الناس فيه. وليس يهلك منا سيد أبداً إلا افتلينا غلاماً سيداً فينا افتلينا: فطمنا، وأصله القطع، وهو افتعل من فليت رأسه بالسيف وفلوته إذا ضربت به، والمهر فلو حين يفطم عن أمه. المعنى: يقول: أن السيادة فينا عريقة لا يهلك سيد إلا وفينا من يصلح للسيادة، فلا تزول السيادة عنا. إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا ولو نسام بها في الأمن اغلينا أي نجعل أنفسنا رخيصة. المعنى: أنا نجود بأرواحنا يوم الحرب، وفي غير الحرب يصعب الوصول اليها، لأن القتل في الحرب مفخرة وفي غيرها مذلة. بيض مفارقنا تغلي مراجلنا نأسو بأموالنا آثار أيدينا ويروى ((بيض مغارفنا)) جمع مغرفة. ومن رواه قال: هذا أولى لمشاكلته ما بعده. واختلف في ((بيض مفارقنا))، فقال بعضهم: معناه نحن أصحاب حروب، فقد شابت مفاقنا من كثرة الشدائد التي مرت عليها، وقيل: معناه نحن كرام نكثر

استعمال الطيب فابيضت لذلك لأنه يقال: من أكثر استعمال الطيب أسرع الشيب إليه. وقيل: نحن مكشوفو الرأس لا عيب فينا، فعبر عن النقاء بالبياض، والعرب تقول في مدح الرجل، أبيض، وقيل: معناه نحن كرام فشابت مفارقنا دون القفا لأنه يقال: شيب الكرام يبدو في المفارق كما قال الشاعر: يشيب لئام الناس في نقرة القفا ... وشيب كرام الناس يعلو المفارقا وقيل: المفارق ها هنا مفارق الطرق يقول: قد ابيضت مفارق الطرق التي تؤدي إلى رحالنا لكثرة ما ينتابنا من الضيفان، فهي بيض لائحة، وهذا الوجه أولى لمشاكلته ما بعده وهو قوله: ((تغلي مراجلنا)) وقوله: ((نأسو بأموالنا))، أي نعطي جنايات أيدينا من قتل وجرح، فلا نمكن أحداً من قصاصنا، وقيل: معناه من يقتل من أصحابنا معنا في الحروب لا نضيعه في أهله وحرمه، وقيل: ندفنهم أن ماتوا ونأسوهم أن جرحوا، قاله أبو سعيد السيرافي: وهو بعيد. المعنى: يفتخر بالكرم والعزة والمنعة. إني لمن معشر أفنى أوائلهم قول الكماة ألا أين المحامونا المحامون: المحافظون. المعنى: إني من الشجعان الذين هلك أولوهم في إجابة دعاء الشجعان إذا استغاثوهم، وبالغ في قوله: ((قول الكناة)) لأنه جعل الكماة تستصرخهم.

لو كان في الألف منا واحد فدعوا من فارس خالهم إياه يعنونا المعنى: قد شهرنا بالفروسية حتى إذا كان الواحد منا بين جمع كثير، فنودي من فارس ظن أنه هو المدعو. إذا الكماة (تنحوا) أن ينالهم حد الظبات وصلناها بأيدينا المعنى: يصف جرأتهم وإقدامهم إذا أحجمت الشجعان وجبنت. ونركب الكره أحياناً فيفرجه عنا الحفاظ وأسياف تواتينا نركب الكره: أي نأتي الأمر الشديد تكرهه الناس. المعنى: يقول: نحن نأتي الأمور الصعاب التي تكرهها النفوس فيكشفه عنا قيامنا برعاية الحرم وضربنا بالسيوف التي تمضي في الضرائب. (15) وقال قطري بن الفجاءة، القطري، منسوب إلى موضع يقال له: قطر، والفجاءة: البغتة: (من الضرب الأول من الوافر والقافية متواتر)

أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لا تراعي فانك لو سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لك لن تطاعي لها: يعني النفس، والشعاع: المتفرق، لا تراعى: من الروع. المعنى: يذكر تشجيعه نفسه، وتعريفه إياها بعد ما استشعرت الفزع أن الأجل مقدر، وأن الزيادة لا تلحقه. فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع ولا ثوب البقاء بثوب عز فيطوى عن أخي الخنع اليراع سبيل الموت غاية كل حي وداعيه لأهل الأرض داع أخي الخدع: الذليل، واليراع: الرجل الذي لا قلب له جبان تشبيهاً بالقصبة. المعنى: يشجع نفسه ويبين أن أحداً لا يخلد في الدنيا، ولا بد من الموت وأن البقاء ليس بمجد فيمنع الذليل الجبان. وما للمرء خير في حياة إذا ما عد من سقط المتاع ومن لا يعتبط يسأم ويهرم وتسلمه المنون إلى انقطاع أي من لم يمت شاباً مات هرماً، يقال: اعتبط الرجل إذا مات في شبابه أي يسأم ما يعتريه فحذف مفعول يسأم وهو ما يعتريه. المعنى: يشجع النفس ويشعرها أن قصاراها الموت على كل حال، والسقط رديء المتاع. (16) قال عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي، وتروى للسموءل بن عادياء

اليهودي، السموءل- بالهمز- طائر، وبغير الهمز الحجر، وعادياء فاعلاء من العدو، وهذا الشاعر يضرب به المثل في الوفاء فيقال: ((أوفي من السموءل)) لأن امرأ القيس بم حجر أودعه ودائع، لأنه كان في حصن حصين، فجاء أعداء امرئ القيس فطالبوه بالودائع وأسروا ابناً له وقالوا: أن أخرجت الينا الودائع [رددناه إليك] وإلا قتلناه، قال: لا أردها إلا على صاحبها، فذبح ابنه وهو ينظر إليه لم يخرج اليهم ودائع امرئ القيس. (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل المعنى: إذا سلمت النفوس من اللؤم لم يقبح صاحبها خلوقة الثياب. إذا المرء لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل

المعنى: إذا لم يحصل الرجل على نفسه ما يلزمه من مؤن الناس لم يثن عليه، وإنما يكثر الثناء عليه إذا سمح لهم بماله وأغضى لهم جفونه. تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل وما قل من كانت بقاياه مثلنا شباباً تسامى للعلا وكهول وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل تعيرنا: أي الجارية. المعنى: يقول: عابتنا هذه الجارية بقلة عددنا فأجبتها بأنا كرام والكرام قليل أي جمع قليل، وما ضرنا قلة عددنا مع كمال عزتنا، حتى يعز المستجير بنا، مع ذل المستجير بغيرنا: والكرام وأن كان جمعاً فأنه يجيء على بنائه اسم الواحد مثل حمار وصراط وغيرها، وكل ما هذا سبيله جاز رده إلى اللفظ والمعنى. لنا جبل يحتله من نجيره منيع يرد الطرف وهو كليل رسا أصله تحت الثرى وسما به إلى النجم فرع لا ينال طويل لا ينال: يعنى به الجبل، وإنما هو مثل ضربه للعزة والمنعة أي من أجرناه، فكأنما حصل على جبل بهذه الصفة لا يناله أحد. يحتله: ينزله، وهو يفتعل من الحلول، وقوله: يرد الطرف وهو كليل أي يرجع الطرف كليلاً أي ضعيفاً، ولا يبصر فرع ذلك الجبل. المعنى: يصف عزهم وأن من أجاروه لا يقدر عليه، كما لا يقدر على من حصل على الجبل الذي ضربه لعزهم مثلاً. وإنا لقوم لا نرى القتل سبة إذا ما رأته عامر وسلول المعنى: يصف نفسه وقومه بالجرأة، ويرمي عامراً وسلولاً بالجبن، ويروى ((نحن أناس ما نرى القتل)). يقرب حب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطول

المعنى: يقول: نحن من شجاعتنا نحرص على القتل ولا نبالي بالموت فلا تطول أعمارنا لذلك، وعامر وسلول من الجبن يكرهون الموت فيعمرون طويلاً، ويروي ((يقصر)). وما مات منا سيد حتف أنفه ولا طل منا حيث كان قتيل تسيل على حد الظبات نفوسنا وليست على غير الظبات تسيل ويروي ((سيد في فراشه)) ويروي ((على غير السيوف تسيل)). المعنى: بين في البيت الأول أنه ما مات أحد منهم حتف أنفه أي على فراشه: ويروى ((في فراشة)) ولم يقل كيف مات لأنه يعلم أنه من لم يمت على هذه الجهة مات قتلاً، فبين شجاعتهم في المصراع الأول، ودل على عزهم ومنعتهم في المصراع الثاني بقوله: ولا طل منا، لأن الذليل لا يقدر على الانتقال وطلب الثأر، وبين في الثاني وجه موتهم أنه قتل بالسيوف، فمعنى البيتين وصف الشجاعة. صفونا فلم نكدر وأخلص سرنا اناث أطابت حملنا وفحول علونا على خير الظهور وحطنا لوقت إلى خير البطون نزول فنحن كماء المزن ما في نصابنا كهام ولا فينا يعد بخيل أطابت حملنا: على ظهر صحيح بنكاح صحيح من غير سفاح، أي كنا في خير أصلاب ثم حصلنا في خير أرحام أي أنهم كرام الآباء والأمهات، ومعنى حطنا انزلنا، فنحن كماء المزن لأن ماءه أطهر المياه، ويجوز أن يريد به السخاء أي نحن كالغيث ننفع الناس. المعنى: يصف نفسه وقومه بالسلامة من العيوب، ويصفهم بطيب المولد، وكرم الآباء والأمهات، وأنهم في الصفاء والسخاء كماء المزن، ليس في جملتهم من يذكر بعيب. وننكران شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القول حين نقول إذا سيد منا خلا قام سيد ... قؤول لما قال الكرام فعول

المعنى: يصف انقياد الناس لهم وعراقتهم في السيادة وأنهم لا يخلون من سيد يوفى على السيادة قولًا وفعلًا، ويروى "قضى قام سيد". وما أُخمدت نار لنا دون طارق ولا ذمنا في النازلين نزيل يقول: نحن كرام لا نصرف الضيف عنا بإخماد نارنا، لأن اللئيم يخمد ناره كي لا يهتدي إليه ويقول: نحن نكرم الزوار والأضياف، ولا يذمنا أحد ارتحل عنا. المعنى: يصف قومه بالكرم وحسن القرى. وأيامنا مشهورة في عدونا لها غرر معروفة وحجول ويروي "لها غرر معلومة"، وغرر وحجول أي علامات تعرف بها كما يعرف الأغر المحجل، وأيامنا: أي وقائعنا، وأيام العرب: وقائعهم التي كانت بينهم. المعنى: يصف قومه بكثرة النكاية في عدوهم، فإن آثارهم في الحرب ظاهرة لا تخفي. وأسيافنا في كل شرق ومغرب بها من قراع الدارعين فلول معودة ألا تُسل نصالها فتُغمد حتى يُستباح قبيل ويروى "أن لا تسل" يصفهم بضرب السيوف واعتياد الظفر. يقول: أسيافنا منفلة من كثرة ضربنا أصحاب الدروع، وقد عودناها ألا نخرجها من أغمادها فنردها إليها إلا بعد قتل جماعة مختلفين. سلي إن جهلت الناس عنا وعنكم فليس سواءً عالم وجهول فإن نبي الديان قطب لقومهم تدور رحاهم حولهم وتجول ويروي "سلي إن جهلت الناس عنا فتخبري". المعنى: يصف قومه بني

الديان بأنهم أعز قبائلهم وأكرمهم وأمكنهم من الرياسة، ويقول للجارية التي عيرتهم قلة عددهم: سلي الناس لتعلمي أن الأمر كما أخبرتك. (17) وقال الشميذر الحارثي، مخضرم، والشميذر: السريع، وقال البرقي في أن اسم هذا الشاعر الشميذر، والشميذر دابة، ذكره ابن دريد، وتروى لسويد ابن صميع المرثدي، وسويد تضغير أسود مرخمًا، وصميع تصغير أصمع، وهو اللطيف الأذن. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) بني عمنا لا تذكروا الشعر بعدما دفنتم بصحراء الغمير القوافيا في دفنتم القوافيا قولان: أحدهما أنكم انهزمتم بصحراء الغمير ولم تفعلوا بها ما استوجبتم به المدح، فلا تذكروا الشعر فليس لكم ما تفتخرون به بعد هذه الوقعة. والآخر: أنه قتل شاعرهم بصحراء الغمير أي لا تتكلفوا ما لستم من أهله. المعنى: يزجرهم عن قول الشعر ليعريهم عن استحقاق المدح. فلسنا كمن كنتم تصيبون سلة فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا ولكن حكم السيف فيكم مسلط فنرضى إذا ما أصبح السيفا راضيا تصيبون سلة: أي تقتلون سرقة لأنهم كانوا قتلوا أخا هذا الشاعر، فأخذ

ديته ثم قتل قاتله، ويقال: أسل فلان إذا سرق، وقيل: سلة معناه فردًا أي سلولا عن أصحابه، والأول أجود. المعنى: إنا نقتل جهارًا لثقتنا بأنفسنا ونحكم السيف فيكم ضربًا إلى أن ينفل، ولسنا مثلكم قتلتم منا سرقة، ولا نقبل الضيم، ولا نرضى بقول الحكم. وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا بني عمنا لو كان أمرًا مدانيا فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ظلمنا ولكنا أسأنا التقاضيا جرت الحرب: أي جنت والجريرة الجناية، والمداني المقارب وفي "أسأنا التقاضيا" قولان أحدهما: القتل بعد أخذ الدية، والآخر قتل جماعة لواحد، ويحتمل أن يكون المعنى قتلنا واحدًا بواحد، وأسأنا بذلك عندهم، ولم نظلم لأن القصاص العدل، وهو أولى لئلا ينقض قوله: "فلم نكن ظلمنا". المعنى: يصف تحزنه بما أسفرت الحرب عنه من قتل أقاربه، وينفي عنه الظلم لأنه كان قصاصًا. (18) وقال وداك بن ثميل المازني، ثميل تصغير ثمل وهو السكران ويقال: نميل - بالنون - تصغير نمل، إسلامي. (من الضرب الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) رويدًا بني شيبان بعض وعيدكم تلاقوا غدًا خيلي على سفوان

تلاقوا جيادًا لا تحيد عن الوغي إذا ما غدت في المأزق المتداني عليها الكماة الغر من آل مازن أولات طعان عند كل طعان تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم على ما جنت فيهم يد الحدثان على ما جنت فيهم يد الحدثان يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون على متصلة بنفس الصبر كقولك: عجبت من صبره على الضرب. والآخر: أن على معنى مع، وسفوان ماء من البصرة على ستة أميال، وكانت بنو شيبان توعد تميمًا وتزعم أن سفوان لهم، وأرادوا إجلاء بني مازن ومن كان معهم من تميم عنه، والمأزق المتداني: هو المضيق في الحرب، وأولات طعان: أصحاب طعان. المعنى: تأنوا يا بني شيبان ولا تعجلوا فستجيئكم خيلي معتادة الحرب عليها أبطال طاعنون فتعرفوا صبرهم على الحرب. مقاديم وصالون في الروع خطوهم بكل دقيق الشفرتين يمان المعنى: يصف قومه بأنهم الكماة الطاعنون عند الطعان، الضرابون بالسيوف اليمانية، ويجمعون بين الطعن والضرب. إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم لأية حرب أم بأي مكان المعنى: يقول: من حرصهم على الحرب إذا استنصرهم صارخ ودعاهم إلى الحرب لم يطلبوا علة يتأخرون بها عن الحرب، فيقولون لأنه حرب دعونا وأين القوم؟ ولكن يستبقون إليها حرصًا عليها. (19) وقال سوار بن المضرب السعدي، سعد بني تميم، وسوار من السورة وهي الوثبة، إسلامي.

(من الضرب الأول من الوافر والقافية من المتواتر) فلو سألت سراة الحي سلمى على أن قد تلون بي زماني لخبرها ذوو أحساب قومي وأعدائي فكل قد بلاني بذبي الذم عن حسبي بمالي وزبونات أشوس تيحان على أن قد تلون بي زماني: أي مع أن زماني قد غيرني عما كنت عليه من الجلادة، الزبونات: الدفاعات يعني الحملات والزبن الدفع والأشوس: الذي ينظر إلى جانب تكبرًا، والتيحان: النشيط يعني فرسه، يروي "وهمتي ناب أشوس" فيكون أشوس نعتًا لعدوهم، وألهتهم: الكسر يصف نفسه بالكرم والغناء ويقول: لو سألت هذه الجارية كرام الحي مع تغير الزمان لخبرها كرام قومي وأعدائي بأني أذب الذم عن حسبي بمالي وبحملات فرس كريم نشيط. وإني لا أزال أخا حروب إذا لم أجن كنت مجن جان المعنى: يقول: مازلت محاربًا وإن لم تكن لي جناية، فإني كنت أدفع عن قومي الجناة وأحارب دونهم. (20) وقال بعض بني تيم الله بن ثعلبة يوم أوارة، وهو عليم بن سنان بن عدي ابن الحارثة، جاهلي:

(من الضرب الأول من الكامل والقافية من المتدارك) ولقد شهدت الخيل يوم طرادها فطعنت تحت كنانة المتمطر المتمطر: اسم رجل ها هنا، وهو في اللغة المتسرع. المعني: يصف حضوره الخيل عند المطاردة المتمطر في جنبه. ولقد رأيت الخيل شلن [عليكم] شول المخاض أبت على المتغير أي أشرعت فرسانها الرماح نحوكم، كما تشول الإبل الحوامل، فجعل رماح الخيل كأذناب الإبل، وقيل: أنه أراد أذناب الخيل أي شالت أذنابها من شدة العدو في طلبكم حين انهزمتهم، والأول أجود. المعنى: يصف رؤيته الخيل وقد رفعت فرسانها الرماح على من يخاطبهم. ونُطاعن الفرسان عن أبنائنا وعلى بصائرنا وإن لم نبصر يقول: نطاعن الأبطال على استبصارنا بأمر الحرب وإن لم نبصر في الدين أو نقاتل حمية عن أحسابنا، وإن لم يكن ذلك جائزًا في الدين. وقيل: معناه نطاعن

الأبطال عن دمائنا التي نطلب بثأرها. وقيل: معناه نحارب على بصيرة وغير بصيرة، ولا ننكر على شيء. (21) وقال قطري بن الجفاءة المازني، ويروي للعباس بن مرداس، إسلامي: (من الضرب الثاني من العروض الأولى من الكامل والقافية من المتواتر) لا يركنن أحد إلى الإحجام يوم الوغي متخوفًا لحمام فلقد أراني للرماح دريئة من عن يميني مرة وأمامي حتى خضبت بما تحدر من دمي أكناف سرجي أو عنان لجامي ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب جذع البصيرة قارح الأقدام الدريئة: حلقة يعلم عليها الطعن كالهدف للسهم لأنه يدرأ فيها أي يدفع ويطعن، والأكناف: النواحي واحدها كنف، وقيل: أنه لم يرد بقوله: دمي دم نفسه، وإنما أراد دم من قتله فأضافه إلى نفسه لأنه أراقه، ألا ترى أنه يقول: وقد أصبتي ولم أصب، وليس كذلك بل أراد دم نفسه، ومعنى اصبت: قتلت فليس فيه مضادة. المعنى: يشجع الناس على الحرب، وينهاهم عن الجبن ويعرفهم حاله يقول: لا يعدلن أحد يوم الحرب إلى التأخر عنها خوفًا من الموت، فلقد حصلت بين الرماح حتى كأني دريئة لها، وخضبت من دمي مرة نواحي سرجى ومرة عنان لجامي، ثم انصرفت غير متفكر متناهي الإقدام، وقد قتلت من أعدائي ولم يقتلوني.

(22) وقال الحريش بن هلال القريعي وتروى للعباس بن مرادس، والحريش من الحرش وهو الأثر، والعباس من العبوس، والمرادس كأنه شديد صلب يكسر به الشيء من الردس. (من الضرب الأول من الوافر والقافية من المتواتر) شهدن مع النبي مُسومات حنينًا وهي دامية الحوامي ووقعة خالد شهدت وحكت سنابكها على البلد الحرام الحوامي: جمع الحامية وهي جانب السنبك، ووقعة خالد يعني فتح مكة، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على الف رجل، وجعله على مقدمة العسكر وسماه سيف الله، وقوله: حكت سنابكها على البلد الحرام أي وطئت أرض مكة. المعنى: يصف شجاعته وحضوره حرب حنين وفتح مكة. يقول: شهدت الخيل وعليها علامات ليعلم أنها خيل الأبطال، وقد تعبت ودميت حوافرها، وشهدت فتح مكة مع خالد.

نعرض للسيوف بكل ثغر خدودًا ما تعرض للطام ويروي "للسيوف إذا التقينا" المعنى: فيه قولان أحدهما نعرض خدودًا للسيوف ولا يعرضها غيرنا للطام أي نضرب بالسيوف وجوهًا لم تضرب باليد يعني وجوه الأعداء، والآخر يعني خدود أنفسهم أي لسنا بسفهاء نلطم خدودنا، ولكننا أبطال نجعل خدودنا عرضة للطعن والضرب. ولست بخالع عني ثيابي إذا هر الكماة ولا أرامي ولكني يجول المهر تحتي إلى الغارات بالعضب الحسام هر الكماة: كرهوا الحرب إذا اشتدت عليهم، ويروي "هز" بالزاي [يعني هزوا سلاحهم عند خلعها]. المعنى: لست بجبان فشل أرمى ثيابي أي سلاحي، ولا أرمي بها هربًا فعل المنهزم، ولكني أثبت في الحرب، ويجول المهر تحتي وأسير إلى الغارات بالسيف القاطع. (23) وقال ابن زيابة التيمي، جاهلي، وزيابة: فعالة من الأزيب وهو النشيط كأنه نشيط، وقال بعضهم: "زبابة" بالباء، والأول أثبت، والزبابة فعالة من الزب وهو الملء يقال: زببت القُربة أي ملأت إلى رأسها.

(من الثاني السريع مردف مطلق والقافية من المتدارك) نبئت عمرًا غارزًا رأسه في سنة يوعد أخواله وتلك منه غير مأمونة أن يفعل الشيء إذا قاله غارزًا رأسه: أي راكبًا رأسه، في سنة: أي في غفلة، وتلك منه غير مأمونة: يستهزئ به أي لا يقدر على ذلك لأنه أضعف من أن يفي بما يتوعد به. المعنى: يصف بلوغه وعيده أخواله، وهذا الشاعر من جملة أخواله أي خبرت أن عمرًا توعدا، ثم دل على قلة اكتراثه بهوانه إذا قال شيئًا لم يف به. إن ابن بيضاء وترك الندى كالعبد إذ قيد أجماله ويروي "أن ابن عيساء وترك الندى" وكلاهما هو عمرو، وصفه بأن ابن أمة، لأن الغالب على ألوان العرب الأدمة. المعنى: أن عمرًا في تركه الندى مثل العبد إذا قيد أجماله، ولا يفكر في العلا، فإذا جمع العبد أجماله التي كلف بها فقد انتهى اربه. الرمح لا أملأ كفي به واللبد لا أتبع تزواله تزوال: تفعال من زال يزول، وهو يأتي للكثرة نحو التلعاب الترداد، وفي معنى الرمح لا أملأ كفي قولان: أحدهما أنا ماهر بأعمال الرمح فلا أملأ كفي منه

مخافة أن يسقط من يدي ولكني أديره بأطراف أناملي كيف شئت. والآخر لا أنفرد بأعمال الرمح دون غيره من السلاح، ولكني أقاتل به وبغيره، ولا أتبع البلد على ظهر الفرس إذا أفلت بل أثبت فيظهره وإن زال اللبد، يصف شجاعته وفروسيته. والدرع لا أبغي بها ثروة كل امرئ مُستودع ماله ويروي "نثرة" أي درعًا غيرها. المعنى: لا أطلب بإمساكي الدرع يسارًا، وإنما أمسكها للحرب، ثم هون من أمر المال فقال: كل امرئ مستودع ماله أي ليس له في الحقيقة إنما هو وديعة في يده، فلا يجب أن يتبجح به، فلهذا لا أعده مالًا، وقيل: درعي وديعة عندي فأودي حق الأمانة. وهذا لا شيء لأنه أن جعلها أمانة ووديعة فليس له ان يستعملها، ويروى في هذه الأبيات. ما لد ما لدد ماله يبكي وقد نعمت ما باله أراد بدد عمرًا المذكور في قوله: نبئت عمرًا، ودد لقب كأنه استهزأ به. المعنى ما لدد يشكو وقد أحسنت حاله ولم لا يشكوني؟ فجعل شكواه بكاء. أليت لا أدفن قتلاكم فدخنوا المرء وسرباله دخنوا: حنطوا. المعنى يقول: من بارزني أقتله ولا أدفنه، وأقسمت على ذلك، فمن أخرجتموه لمبارزتي فحنطوه وكفنوه. (24) وقال الحارث بن همام، السلولي، ويروى الشيباني، جاهلي، والحارث الكاسب، وهمام فعال من هم يهم، وسلول فعول من السل.

(من الضرب الثاني من السريع والقافية من المتدارك) أيا ابن زيابة إن تلقني لا تلقني في النعم العازب وتلقني يشتد بي أجرد مستقدم البركة كالراكب يروي "في النعم العازب" بالعين والزاي أي البعيد، ويروي الغارب - بالغين. معجمة وبالراء - من الغربة، يشتد يعدو من الشد وهو العدو، والبكرة: الصدر، ومستقدم: متقدم، جعل فرسه من إشرافه أنه كالراكب. وفيه وجه آخر أي متقدم البركة، فراكبه متقدم الصدر، فالفرس مثل راكبه في استقدام البركة، والأول أكثر المعنى. يوعد ابن زيابة يقول: إن لا تلقني لا تلقني راعي إبل، ولكني تلقاني فارسًا مجيدًا مشمرًا للحرب، ويروي لا تُلقني. (25) فأجابه ابن زيابة: يا لهف زيابة للحارث الـ صابح فالغانم فالآيب والله لولا قيمته خاليًا لآب سيفانا مع الغالب أراد الذي يصبح العدو بالغارة فيغير فيؤوب سالمًا. المعنى: يتلهف ابن زيابة على فوته الحارث يوم صبح قومه وغنم وآب، ويقسم أنه لو لقيه لقتله، وقيل: أنه يهزأ به بقوله: الصابح فالغانم فالآيب، كما يقول الرجل الآخر: لأقتلنك، فيجيبه أيها القاتل الفاتك، على سبيل الهزؤ، والقول الأول أثبت. أنا ابن زيابة إن تدعني آتك والظن على الكاذب

قوله: والظن على الكاذب يعني أن من باشر الحرب توهم أن يكون هو الغالب، فإذا قتل كذب ظنه، فالظن عليه لا له. المعنى: يستهزئ ابن زيابة بالحارث وينسب ظنه في أن يقتله إلى الكذب. (26) وقال الأشتر النخعي، إسلامي، واسمه مالك بن الحارث، وكان من فرسان علي - رحمة الله عليه - وقتل يوم صفين. والأشتر في اللغة: المنخرق الأجفان والنخع حي من العرب، واشتقاقه من نخعت الذبيحة إذا قطعت نخاعها، وهي القصبة التي تنتظم الفقار.

(من الضرب الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) بقيت وفري وانحرفت عن العلا ولقيت أضيافي بوجه عبوس إن لم أس على ابن حرب غارة لم تحل يومًا من نهاب نفوس خيلًا كأمثال السعالي شزبًا تعدو ببيض في الكريهة شوس حمي الحديد عليهم فكأنه ومضان برق أو شعاع شموس بقيت وفري: دعاء منه على نفسه بتبقيه ماله وتركه إنفاقه في المكارم أن يفرق على معاوية وأصحابه غارة. والسعالي: جمع سعلاة وهي الأنثى من الغيلان، وقيل: أن السعالي بنات الغيلان، شزبًا: أي ضمرًا، وقوله: تعدو ببيض في الكريهة أي الحرب، والبيض والشوس من نعت الفرسان، والومضان والوميض: البرق، وقال: شموس، لأنه شبه بريق مغافرهم وهي كثيرة، فجعل كل مغفر شمسًا. المعنى: أقسم بتبقيه ماله دون انفاقه في المكارم، وأقسم بعدوله عن العلا، وبعبوسه في وجه الضيفان إن لم يفرق على معاوية غارة تنتهب فيها الأرواح، خيلًا مُضمرة مثل الغيلان عليها فوارس كرام عليهم سلاح بريقه بريق البرق وشعاع الشموس. (27) وقال معدان بن جواس الكندي، جاهلي، وتروى لعامر بن الطفيل،

ومعدان فعلان من معد معدًا إذا أبعد المذهب، وجواس فعال من الجوس وهو وطه ديار القوم، وكندة: فعلة من الكنود وهو الجحود. (من الضرب الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إن كان ما بُلغت عني فلامني صديقي وشلت من يدي الأنامل وكفنت وحدي مُنذرًا بردائه وصادف حوطًا من أعادي قاتل الرواية المشهورة: بلغت - بالكسر - يخاطب جارية كان يهواها، وروى أبو زيد وأبو حاتم "ما بلغت" - بفتح التاء -. قال يعتذر إلى بعض الملوك ومنذر

وحوط ابناه، وحدي نصب على المصدر من فعل مقدر كأنه قال: توحدت وحدي. المعنى: يعتذر غلى صحابته بما بلغها من ذكر له في الحرب يقول: إن كان ما بلغك صحيحًا فبليت بلوم صديقي وشلل أصابعي وهلاك ولدي، أحدهما موتًا في بلد قفر، والآخر قتلًا بأيدي أعدائي. فإن قيل: فما في البيتين من الحماسة؟ فالجواب أنه يعتذر مما نسب إليه من النكول في الحرب وينتفي منه وهذا فعل الشجاع. (28) وقال زفر بن الحارث الكلابي، وزفر معدول عن زافر إذا حمل. (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ليالي قارعنا جذام وحميرا فلما ضربنا النبع بالنبع بعضه ببعض أبت عيدانه أن تكسرا المعنى: كنا قدرنا أن الناس كلهم على حال واحدة في العكز عنا وقت حاربتنا جذام وحمير، فلما حاربنا بني أعمامنا ومن كان من أصلنا لم ينكلوا عنا ثم بين فقال:

ولما لقينا عُصبة تغلبية يقودون جردًا للمنية ضمرًا سقيناهم كأسًا سقونا بمثلها ولكنهم كانوا على الموت أصبرا ويروي "شعثًا في الأعنة غبرا". المعنى: لما لقينا جماعة من بني تغلب ذوي خيل جرد ضمر قاتلنا فأصبنا منهم أكثر مما أصابوا منا، قيل: هذه الأبيات من المنصفات، قال أبو علي: ليست عندي منها، لأنه رجح إحدى القبيلتين على الأخرى، وفيه أيضًا أنه يريدان القتلى منهم كانوا أكثر. (29) وقال عامر بن الطفيل الكلابي، والطفيل تصغير طفل وهو الصغير (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) طلقت إن لم تسألي أي فارس حليلك إذ لاقى صداء وخثعما أكر عليهم دعلجًا ولبانه إذا ما اشتكى وقع الرماح تحمحما

خثعم من الخثعمة وهو تلطخ الجسد بالدم، والصداء من الصدى وهو العطش، وهما قبيلتان، والدعلج: الحمار، ويقال: ألوان الثياب. المعنى: يخاطب امرأته يقول: أنت طالق إن لم تسألي عن زوجك - يعني نفسه - أي فارس هو حين لاقى صداء وخثعمًا للمحاربة، ثم أخبر هو عن حال نفسه فقال: أعطف عليهم فرسي المسمى دعلجًا، وإذا أصاب صدره الطعن حمحم وصبر، يصف شجاعته وجلادة فرسه. (30) وقال عمرو بن معدي كربن قال قطرب: معدي فعلي من معد أي

ذهب، وقال غيره: من تمعدد إذا غلظ، وقال ثعلب هو من عدّاه الكرب أي تجاوزه، ومثله في الأسماء مأوى الإبل. (من الضرب الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ولما رأيت الخيل زورًا كأنها جداول زرع خليت فاسبطرت دعوت فجاءت من زبيد عصابة إذا طردت فاءت قريبًا فكرت وجاشت غلى النفس أول مرة وردت على مكروهها فاستقرت المعنى: يقول: لما رأيت خيل الأعداء كثيرة صعبة كأنها من كثرتها واختلاف مجاريها جداول زرع امتدت على وجه الأرض، يعني ماء الجداول، دعوت قبيلتي زبيد ففزعت نفسي أول ما رأت الخيل ثم ردت على مكروهها فاستقرت على الحرب.

علام تقول الرمح يثقل ساعدي إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت الرمح - بالرفع - على الحكاية، والنصب على استعمال تقول بمعنى تظن، وهذا كقول الآخر: وما تصنع بالسيف إذا لم تك قتالًا فكأنه قال أيضًا: إذا الخيل كرت وجب القائي الرمح مع تركي الطعن. لحا الله جرمًا كلما ذر شارق وجوه كلاب هارشت فازبأرت فلم تُغن جرم نهدها إذ تلاقيا ولكن جرمًا في اللقاء ابذعرت ظللت كأني للرماح دريئة أقاتل عن أبناء جرم وفرت المهارشة: المواثبة، وازبأرت: انتفشت وتهيأت للقتال، وابذعرت: تفرقت بمعنى انهزمت. المعنى: يدعو على جرم لمعاونة نهد، فانهزمت ولم تبل شيئًا، وثبت عمرو ينصر جرمًا وقد انهزمت، فقال يذمهم: لحا الله جرمًا كل صباح كانت حربهم كحرب الكلاب، فلم تغن من جاء لنصرتها، ولكنها انهزمت، ويصف وفاءه وشجاعته يقول: استنجدوني وانهزموا فحصلت بين الرماح أحارب. فلو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرت الأجرار: أن يخل لسان الصيل بخلال لئلا يرتضع، وربما شد بخيطه. المعنى: يقول: لو أن قومي ثبتوا في الحرب وصفتهم في الشعر، وذكرت مفاخرهم، ولكنهم انهزموا وطرحوا الرماح التي كان حقها أن يطعن بها، كأن رماحهم شقت لساني فلم أقدر على ذكرهم.

وقال سيار بن قصير الطائي، اسلامي (1)، وسيار من السير. (الأول من الطويل والقافية من التدارك) لو شهدت أُم القديد طعاننا بمرعش خيل الأرمني أرنت عشية أرمي جمعهم بلبانه ونفسي وق وطنتها فاطمأنت مرعش: ثغر من الثغور بأرمينية، وأرنت: صاحت وبكت، وخص اللبان لأنه يدل على الكروب. المعنى: لو حضرت هذه المرأة ورأت مطاعنتنا خيل الأرمني بمرعش، صاحت وبكت لشدة ما رأتنا فيه من الحرب في وقت حملاتي عليه وتوطين نفسي على شدائدها. ولاحقة الآطال أسندت صفها إلى صف أخرى من عدى فاقشعرت الآطال: جمع أطل وهو الخاصرة. المعنى: كم خيل ضمر أدنيتها من خيل الأعداء ففزعت الأعداء، يصف هيبته وجلادته. (32) وقال بعض بني بولان من طيء، جاهلي. (الأول من المنسرح والقافية من المتراكب) نحن حبسنا بني جديلة في نار من الحرب جحمة الضرم

نستوقد النبل بالحضيض ونصـ ـطاد نُفوسًا بُنت على الكرم حجمة الضرم: أي عظيمة الاضطرام، ومعنى نستوقد النبل الحضيض. ننفذها إلى أعدائنا رميًا، فتصيب أسفل الجبل فتنقدح النار، وقوله: ونصطاد نفوسًا بنت على الكرام، أي نقبض أرواحًا كريمة، يعني: نقتل قومًا كرامًا، فجعل القتل اصطياد أرواحهم. وقوله: "بنت" أي بنيت وهي لغة طائية. المعنى يصف حبسهم بني جديلة في شدة الحرب ورميهم إياهم عند أسفل الجبل بالنبل النافذة، وقتلهم إياهم، ويصف بني جديلة بالكرم. (33) وقال رويشد بن كثير الطائي، جاهلي، ورويشد تصغير راشد (من الضرب الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) يا أيها الراكب المُزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا قولا يُبرئكم اني أنا الموت المعنى: يهدد بني أسد ويقول: ما هذه الضجة، والمزجى: السائق، ويبرئكم: ينزهكم من الذنب، وقال: يأمرهم بالتماس العذر إليه. إن تُذنبوا ثم يأتيني يقينكم فما على بذنب عندكم فوت ويرى "تأتينى يقيتكم"، وتقيتكم، ومن روى يقينكم يريد صحة ذنوبكم، ومعناه أن جنى منكم جان، ثم يأتيني صحة ذنوبكم فإنكم لا تفوتوني

بذنب بل أعاقبكم، ومن روى بقيتكم، فالمعنى أن جنيتم ثم يأتيني من لم يجن منكم فلا يفوتني الجاني بذنبه، ومن روى تقيتكم فمعناه أن تذنبوا ثم تتقوني وترجعوا عن الذنب فلا تفوتوني بذنبكم. وهذا الوجه يحتمل معنيين: أحدهما: أن تقيتكم إياي تقوم مقام عقابي للجاني، والآخر إن أذنبتم ثم اتقيتم واحترزتم لم تسلموا من عقابي على كل حال، ويروى: أن تذنبوا ثم لم يعتب سراتكم، أي لم يرضني كرامكم، العتبى هو الرضا. (34) وقال أنيف بن ربان النبهاني، اسلامي، أنيف تصغير أنف، وزبان فعلان من الزبب وهو كثرة الشعر. (الثاني من الطويل والقافية متدارك) دعوا لنزار وانتمينا لطئ كأسد الشرى إقدامها ونزالها فلما التقينا بين السيف بيننا لسائلة عنا حفي سؤالها

المعنى: لما التقينا انتسبنا لطيء، وانتسبوا إلى نزار، وسبه أصحبه في الشرى في الاقدام والمنازلة، ثم عرض ولم يصح، فقال بين السيف بيننا لمن كان معنيًا بالسؤال عنه وأراد انا حكمنا فيهم السيوف. (35) وقال عمرو بن معدي كرب معدي كرب فيه ثلاثة أوجه: معدي كرب مثل خمسة عشر، ومعدي كرب تجر بالإضافة، ومعدي كرب، يجعلها بمنزلة الاسم الواحد. (من مرفل الكامل والقافية من المتدارك) ليس الجمال بمئزر فاعلم وإن رُديت بردا إن الجمال معادن ومناقب أورثن مجدا معادن: أصول. المعنى: ليس الحسن في تجديد الثياب، إنما الحسن في أسباب تورث المجد نحو كرم الأصول وشرف الآباء. أعت للحدثان سا بغة وعداء علندى نهدًا وذا شطب يقـ ـد البيض والأبدان قدا وعلمت أني يوم ذا ك منازل كعبًا ونهدا قوم اذا لبسوا الحديـ ـد تنمروا حلقًا وقدا العداء: الفرس الكثيرة العدو إشارة إلى الحرب، علندى: أي شديد صلب وأصله ضرب من الشجر صلب، وتنمروا: تغيروا، وقد هو شيء كهيئة الدرع كانوا ينسجونه من السيور، وقال بعضهم: أراد به التروس من القد، ولنصب حلقًا وقدا أربعة أوجه: التمييز، والحال، وبإضمار لبسوا، وبحذف الباء، كأنه أراد تنمروا بحلق وقد، والمصدر على تقدير تنمروا تنمر حلق وقد، فحذف المضاف إليه. المعنى: أعددت آلة الحرب لاقتناء المجد درعًا تامًا، وفرسًا

صلبًا منيفًا، وسيفًا مشطبًا يقطع المغافر، وعلمت أني محارب القبيلتين كعبًا ونهدا، وهم قوم إذا تسلحوا شبهوا النمر في إظهاره العداوة. كل امرئ يجري إلى يوم الهياج بما استعدا الهياج: الحرب. المعنى: يصف حزمه وأهبته للأمر قبل وقوعه، يقول: كل امرئ يصير إلى يوم الحرب بما أعده له، وقد أعددت السلاح الذي ذكره، والفرس الذي وصفه. لما رأيت نساءنا يمحصن بالمعزاء شدا وبدت لميس كأنها بدر السماء إذا تبدى نازلت كبشهم ولم أر من نزال الكبش بُدا هم ينذرون دمى وانـ ـذر إن لقيت بأن أشدا يمحصن: يسرعن العدو، كأنهن يبحثن بأقدامهن على الأرض، والمعزاء: الأرض الصلبة، والشد: العدو، ولميس اسم جارية، وهم ينذرون - بضم الذال وكسرها - أي يجعلون قتلى نذرًا عليهم. المعنى: يصف شجاعته، يقول: لما وقعت الصيحة في الحي، ورأيت نساءنا يعدون في الأرض ذات الحجارة، وبرزت لميس من خدرها مبدية محاسنها التي من حكمها أن تخفي قاتلت رئيس القوم ولم ار بدًا من ذلك، لأني كنت عمدة قومي ثم قال: هم ينذرون يعني أعدائي يجتهدون في قتلي، واجتهد في أن أحمل عليهم إذا رأيتهم.

كم من أخ لي صالح بوأته بيدي لحدا ما إن جزعت ولا هلعـ ـت ولا يرد بُكاي زندا ألبسته أثوابه وخلقت يوم خلقت جلدا الزند: الخشبة تقدح بها النار، وأراد به شيئًا قليلًا كالفتيل والنقير، وروى بعضهم "زيدًا" يريد أخا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان حليفًا لعمرو بن معدي كرب في الجاهلية، وهذا ليس بجيد من جهة القافية. المعنى: يصف شدة قلبه، ويقول: كم من أخ لي صالح كفنته ودفنته، ولم أجزع عليه، ولم أزل جلدًا، والبكاء لا يرد شيئًا. أُغني غناء الذاهبيـ ـن أعد للأعداء عدا ذهب الذين أحبهم وبقيت مثل السيف فردا المعنى: أقوم مقام من سلف من قومي، وإني معد لذلك، وقد ذهب أحبابي وبقيت مفردًا عنهم. (36) وقال أيضًا: (الأول من الرمل والقافية من المتواتر). ولقد أجمع رجلي بها حذر الموت وإني لفرور ولقد أعطفها كارهة حين للنفس من الموت هرير

كل ما ذلك مني خلق بكل أنا في الروع جدير وابن صبح سادرًا يُوعدني اله في الناس ما عشت مجير أجمع رجلي بها أي بفرسي، أضمها عليها ركضًا أي استدرها الجري برجلي، وفرور، مجد في الفرار، ويروي "لقرور" من القرار بالقاف، وهرير أي كراهة، وابن صبح فيه قولان أحدهما: أنه رماه بأنه لغير رشدة أي حملت به أمه وقت الصبح ممن غار على قبيلة إلى الصبح، والآخر أنه يستهزئ به أي يغير وقت الصبح، كما يفعله الشجاع فنسه إليه، كما قالوا ابن الحرب وابن الفيافي، وسادرًا متحيرًا، ويروي "ليس ما عشت له مني مجير". المعنى: يصف خبرته بأمر الحرب وأنه يفر منها إذا وجب الفرار، ويعطف إذا وجب العطف، وإن كرهته النفس وكان ذلك خلق منه، وهو جدير بالعطف والفرار، ثم أوعد ابن صبح أنه لا ينقذه ولا يحفظه منه شيء، ورماه بأنه لغير رشدة: وأنه يوعدني متحيرًا. (37) وقال قيس بن الخطيم، قيس من قاس، والخطيم: فعيل بمعنى مفعول، والخطم: الضرب على الأنف، وسمي به لضربة خطمت أنفه أي صارت كالخطام عليه، وهو الزمام. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر لها نفذ لولا الشعاع أضاءها ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها يهون على أن ترد جراحها عيون الأواسي إذ حمدت بلاءها

وساعدني فيها ابن عمرو بن عامر زهير فأدى نعمة وأفاءها النفذ: النفاذ، والشعاع: ما تفرق من الدم، ملكت بها كفي أي شددت من قولهم: ملكت العجين: إذا أنعمت عجنه، أنهرت أي وسعت، وإنما خص النساء بالتداوي لأنهن كن يعالجن الجراحات، وقال بعضهم: خص به النساء لأنهن أجبن، وبلاءها أي نعمتها. المنعى: طعنت ابن عبد القيس طعنة نفذت الجانب الآخر لولا تفرق الد لأضاءها النفذ، ووسعت خرقها حتى يرى من قام من دونها وراءها، ثم قال: يخفى على صرفها العيون عنها لأنها مويسة ن مداواتها إذ حمدت نعمتها، لأني أدركت فيها الثأر، ثم شكر معينه عليها وهو زهير أو خداش على ما روى. وكنت امرأ لا أسمع الدهر سُبة أسب بها إلا كشفت غطاءها المعنى: لم يلحقني شيء قط أذم به إلا كشفته عنى، وكنت بهذه الطائلة كالمقنع، فلما أدركتها كشفت عن قناعي لأني أدركت ثأري. متى يأت هذا الموت لا تُلف حاجة لنفسي إلا قد قضيت قضاءها المعنى: لم تكن لي حاجة إلا طلب الثأر، ومتى يأت الموت لا تُلف حاجة لي لم تُقض. يصف أن اهتمامه كان في طلب الثأر. إذا ما شربت اربعًا حط مئزري واتبعت دلوي في السماح رشاءها يروي "خط متزري" بالخاء المعجمة أي استرخ ازاري فانجر على الأرض فخط فيها فعل السكران، وقوله: وأتبعت دلوي في السماح رشاءها أي بلغت الأقصى في الكرم والسماحة، وفي الأمثال "اتبع الدلو رشاءها" أي أتمم الصنيعة،

ومثله "اتبع الفرس لجامها". ويروي "حط مئرزي" بالحاء المعنى: إذا شربت أربعة أقداح جررت على الأرض مئزري وبالغت في السماح. ثأرت عديًا والخطيم فلم أضع وصية أشياخ جُعلت إزاءها واني في الحرب العوان مُوكل بأقدام نفس ما أريد بقاءها جعلت إزاءها أي القيم بها، يقال: فلان إزاء مال أي يقوم به. المعنى: أدركت ثأري لأني موكل في الحرب بأقدام نفس لا أفكر في بقائها، ويروى: "وإني في الحرب الضروس" والمشهور من الرواية "العوان". (38) وقال الحارث بن هشام المخزومي، وهو أخو أبي جهل بن هشام، كان مع المشركين يوم بدر، فلما رأى ظفر النبي صلى الله عليه وسلم هرب وقال هذه الأبيات.

(الأول من الكامل والقافية من المتدارك) الله يعلم ما تركت قتالهم حتى علوا فرسي بأشقر مُزبد وعلمت ان أقاتل واحدًا أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي فصددت عنهم والأحبة دونهم طمعًا لهم بعقاب يوم مرصد ويروى "يوم سرمد" و "يوم مفسد" وعنى بأشقر مزبد دمًا له زبد، ويروي "بأحمر مزبد" يريد أنه جرح وجرى دمه فوق رأسه، وقيل: جرح فرسه لأنه قال: علوه بالدم، وصددت عنهم أعرضت عنهم، ومرصد أي مراقب للمكافآت، وجعله لليوم لأنه فيه يقع. وحكي أن هذه الأبيات إنما أجاب بها عن أبيات عيره بها حسان بن ثابت الأنصاري وهي: إن كانت كاذبة التي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يُقاتل دونهم ونجا برأس طمرة ولجام

(39) وقال الفرار السلمي، واسمه حبان بن الحكم، وبهذا الشعر سمي فراراً، والسلمي منسوب إلى سليم وهو تصغير سلم، يعني الدلو لها عروة واحدة. (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) وكتيبة لبستها بكتيبة حتى إذا التبست نفضت لها يدي فتركتهم تقص الرماح ظهورهم من بين منعفر وآخر مسند ما كان ينفعني مقال نسائهم وقتلت خلف رجالها- لا تبعد نفضت لها يدي: أي لم أشغل بها يدي، ويروي" بها يدي" وله وجهان: أحدهما بها أي بفرسي، يصف سرعة ضربه بالسوط، والأخر بها أي بالمقترفة، وقوله: تقص الرماح أي تكسره ويري "من بين منجدل" ويروي "وقتلت دون رجالها". المعنى: يصف تهييجه الحرب بين الناس وخروجه من بينهم يقتل بعضهم بعضاً، ويجرحون، ثم احتج لذلك فقال: ما كان هببن يبكين ويعولن ويقلن "لا تبعد" أي لا تهلك. (40) وقال بعض بني أسد

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) يديت على ابن حسحاس بن وهب بأسفل ذي الحداة يد الكريم قصرت له من الحماء لما شهدت وغاب عن دار الحميم أنبئه بأن الجرح يشوي وأنك فوق عجلة حموم ولو أني أشاء لكننت منه مكان الفر قدين من النجوم ذكرت تعله الفتيان يوماً وإلحاق الملامة بالمليم يديت: أنعمت، والجداة: موضع، ويشوي: يخطئ المقتل، وعجلة: فرس قوية صلبة، وجموم: كثيرة العدو، وقوله: "قصرت له" أي قصرت خطو فرسي، والحماء: اسم فرصة، والحميم: القريب، وقوله: "ولو أنى أشاء" أي لو شئت لسبقته فبعدت عنه بعد ما بين الفر قدين من منازل القمر، وإنما قال مكان الفر قدين من النجوم لأن الفر قدين من النجوم لأوان الفر قدين بمعزل عن منازل القمر، فلا تحلها النجوم السيارة أبدا. ويجوز أن يكون تباعدت عنه تباعد الفر قدين أي تباعد السماء من الأرض، ثم قال: من النجوم أعنى الفر قدين اللذين من النجوم في السماء والصحيح هو الأول، وتعله الفتيان أحاديثهم التي يتعللون بها في نواديهم، ويروي "بأن الجرح يوسي". المعنى: يصف أنعامه على ابن حسحاس ووجوده إياه جريحاً بأسفل ذي الجداة، وأنه وقف فرسه عليه، وطيب نفسه، وقوى قلبه، وشجعه، وأخبره بأن الجرح قد يخطئ المقتل أو يبري، في قول من روى "يوسي" وأن فرسه شديدة الجري، ثم أخبر أنه لو شاء بعد عنه بعد الفر قدين من مجاري النجوم السيارة، ولكنه خاف أن يحدث الفتيان فيلوموه على مجاوزته مع قدرته على إنقاذه.

وقال الشداخ بن يعمر الكتاني من الشداخ وهو كسر شئ غير صلب، ويعمر: يفعل من الفعل. (أول المنشرح، والقافية من المتراكب) فقاتلي القوم يا خزاع ولا يدخلكم من قتالهم نشل القوم أمثالكم لهم شعر ... في الرأس لا ينشرون إن قتلوا ويرى "قاتلوا القوم". المعنى: يحث خزاعة على معاودة الحرب ويشجهم بأن أعداءهم بشر أمثالهم، فلا يجب أن يعجزوا عنهم. أكلما حاربت خزاعة تحـ ـدوني كأني لأمهم جمل

المعنى: يظهر التضجر بكثرة استنصار خزاعة أباه وضرب المثل بالجمل الناضج الذي يقاد في الحوائج، ويبتذل في العوارض. ويرى أن عثمان كتب إلى علي- رضي الله عنهم- يوم الدار أن ائتني، فخرج علي فأتاه رسوله في بعض الطريق أقم مكانك، فرجع علي إلى مكانه ثم أتاه فأستقبله رسول آخر قد استغنيت عن حضورك، فقال علي: ما مثلي إلا كما قال: أكلما حاربت خزاعة تحدوني كأني لأمهم جمل وقيل: أنه تمثل بقول الآخر: أراك إذا قد صرت للقوم ناضجاً يقال له بالغرب أدبر وأقبل (42) وقال الحصين بن الحمام ألمري، الحصين تصغير حصن، والحمام حمى الإبل خاصة، يقال: حمى وحمة يؤنث مرة بالتاء ومرة بالألف. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تأخرت استبقى الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما قوله: فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما، له تأويلان: أحدهما إذا

تقدمت ذكرت بالشجاعة دائماً، فذلك الذكر مثل الحياة، والثاني: أن الجبان يطمع فيه الشجاع، والشجاع يتحاماه الناس فإذا حذر كانت حياته أبقى. فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما أي تقطر الجراحات دماً. المعنى: نحن شجعان لا نولي في الحرب، فلا تدمى جراحاتنا على أعقابنا، ولكن تقطر جراحتنا على أقدامنا لآنا نحارب مقبلين لا مدبرين. نفلق هاماً من أناس أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما المعنى: نقتل رجالاً أعزة فنقطع الرحم بيننا، وهم كانوا أظلم، لأنهم ابتدئوا الحرب فلم يكن لنا بد من مكافأتهم، وفي المثل قيل: "البادي أظلم". فلست بمبتاع الحياة بذلة ولا مرتق من خشية الموت سلماً (43) وقال رجل من بني عقيل، وحاربه بنو عمه فقتل منهم. (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) بكره سراتنا يا آل عمرو نعاديكم بمرهفة صقال تعديهن يوم الروع عنكم وإن كانت مثلمة النصال

لها لون من الهامات كاب وإن كانت تحادث يالصقال ونبكي حين نقتلكم عليكم ونقتلكم كأنا لا نبالي المعنى: يظهر كراهة لقتال من يخاطبهم، لما بينه وبينهم من الرحم، ويعتذر بأن سادة القوم يحملونهم على ذلك، ويذكر أنهم يصرفون السيوف عنهم يوم الحرب، وأن كانت آثار الضرب ظاهرة أنها أعملت في غيرهم، وهي تسليم النضال، ومعنى البيت "لها لون" يقول: لا نجم سيوفنا ضرباً بها الهامات، فلونها متغير من الصدأ، وإن كانت تحادث يالصقال أي تجدد، ومعنى نبكي حين نقتلكم أي إذا قتلناكم بكيناكم لما بيننا من الرحم، ونقتلكم كأنا لا نبالي بقتلكم لأنكم أحوجتمونا إلى ذلك. (44) وقال القتال ألكلابي، وهو عبيد المضرحي. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) نشدت زياداً والمقامة بيننا وذكرته أرحام سمر وهيثم فلما رأيت أنه غير منته أملت له كفى بلدن مقوم فلما رأيت أنني قد قتلته ندمت عليه أي ساعة مندم

المقامة- بفتح الميم-: الجماعة، والمقامة- بضمها-: الإقامة. المعنى: يصف قتله زياداً بعد ما ذكره الرحم بحضرة جماعة من الناس، وأنه ندم على قتله حين لم ينفعه الندم. (45) وقال قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحه العبثي في قتله حذيفة وحملا ابني بدر يوم جعفر الهباءة: (الأول من الوافر والقافية متواتر) شفيت النفس من حمل بن بدر وسيفي من حذيفة قد شفاني فإن أك قد شفيت بهم غليلي فلم أقطع بهم إلا بناني في البيت مجاز وهو"بهم" والمذكور اثنان، لأنه إذا قتلهما ومن يعولانه فلهذا جمع. (46) وقال الحارث بن وعلة الذهلي، والوعلة الموضع المنيع من الجبل.

(الثاني من العروض الثانية من الكامل والقافية من المتواتر) قومي هم قتلوا أميم أخي فإذا رميت يصيبني سهمي فلئن عفوت لأعفون جللاً ولئن سطوت لأوهن عظمي يصف أن قومه قتلوا أخاه، وأنه متأرجح في الانتقام منهم، لآن ما أصابهم فقد أصابه، وأن عفاهم عن دمه يعظم لأنه أخوه، وترك الثأر عندهم عيب، وأن سطابهم وانتقم منهم أضعف عظمة بنقصانه من يعزمنهم. لا تأمنن قوماً ظلمتهم وبدأتهم بالشتم والرغم أن يأبروا نخلاً لغيرهم والقول تحقره وقد ينمي المعنى: لا تأمنن قوماً بغيت عليهم وقتلت منهم أن يحالفوا غيرك، ويستنصروا به، فينتقموا منك، ثم قال: والقول تحقره وقد ينمي أي ربما زاد الحقير فصار كبيراً كما قيل: " الشر يبدؤه صغاره". وزعمتم أن لا حلوم لنا إن العصا قرعت لدى الحلم ويروي "وزعمت أنا لا حلوم لنا" أي عرضتم في قولكم بأنا سفهاء، ولم تصرحوا به فاكتفينا بالتعريض عن التصريح كاكتفاء ذي الحلم بقرع العصا. والأثبت أنه عامر بن الضرب العدواني وكان حكم العرب، فلما أسن أعترضته غفلة، فقالت له ابنته: أنك تخطئ في أحكامك، فقال: إذا رأيتني أخطأت فاقرعي عصا على الأرض لأنتبه فكان كلما أخطأ في حكم قرعت بنته عصاً على الأرض فتنتبه وتلافي، وضربت العرب به مثلاً لمن تنبه إذا نبه، وقيل: بل الأصل في ذلك أن بعض الملوك بعث رجلاً إلى ناحية يتعرف أمر الكلأ والخصب، ثم قال بعد

خروجه: إن أخبرني بالخصب قتلته وأن أخبرني بالجدب قتلته، وكان للمبعوث أخ يكتب للملك، فقال: أيها الملك تطلق لي أن أقرع له العصا، ثم يفعل به الملك ما شاء، قال: نعم، فلما رجع قال له الملك: كيف وجدت الكلأ فقرع أخوه له العصا فقال: لا خصباً ولا جدباً، فنجا. المعنى: يستزيدهم في أنهم سفهوا رأيه. ووطئتنا وطئاً على حنق وطء المقيد نابت الهرم وتركتنا لحماً على وضم لو كنت تستبقي من اللحم وطئتنا: أي أوقعت بنا، والهرم: جمع هرمة وهو نبت ضعيف يفتت إذا وطئ، ووطء المقيد: يريد به البعير أو الفرس، وإنما خص المقيد لأنه يرفع رجليه ويديه معاً، فهو أشد يوطئه أي بالغت في التناول منا والبغي علينا، وقوله: تركتنا لحماً على وضم أي ضيعتنا. المعنى: يقول: ظلمتنا ظلماً عنيفاً، وأذللتنا، وجعلتنا بمنزلة هرمة تحت قدمي المقيد، وتركتنا ضائعين بمنزلة لحم على وضم، ولو كنت تستبقي من اللحم لم تضيعه. (47) وقال أعرابي قتل أخوه ابناً له فقدم إليه ليقتاد منه فألقي السيف من يده وهو يقول: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) أقول للنفس تأساء وتعزية إحدى يدي أصابتني ولم ترد كلاهما خلف من فقد صاحبه هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي تأساء: من تأسيت إذا اقتديت به، وقال بعضهم: هو من الأسى وهو الحزن، والأول أجود لملائمة اللفظين. المعنى: أقول لنفسي وأصبرها وأعزيها: لا تقتلي أخاك مكان ولدك قانهما بمنزلة يديك، وقد فاتت إحداهما فلا تفوتي الأخرى فتزيدي داء إلى داء، ودعي أخاك يكمن مكان ابنك.

(48) وقال إياس بن قبيصة الطائي، إياس مصدر أسته أوسه إياساً إذا عوضته، قبيصة فعلية من القبص: وهو الأخذ بأطراف الأصابع: (الثاني من الطويل والقافية متدارك) ما ولدتني حاضن ربيعة إذا أنا مالأت الهوى لأتباعها ألم تر أن الأرض رحب فسيحة فهل تعجزني بقعة من بقاعها مالأت: تابعت وشايعت. المعنى: يقسم أنه لم يتابع الهوى لأتباع جارية ذكر أنه يحبها، ولم يحتمل الضيم لأجلها فقال: لست بابن عفيفة من بني ربيعة لئن شايعت الهوى في متابعتها، وقال: لا أحتمل الضيم فإن الأرض واسعة لا تعجزني بقعة منها. ومبثوثة بث الدبا مسيطرة رددت على بطائها من صراعها وأقدمت والخطي يخطر بيننا لأعلم من جبانها من شجاعها ويروي "ليعلم" وهي أبلغ في المعني. المعني: يصف شجاعته وإقدامه ليعلم أنه غير جبان يقول: كم خيل كثيرة متفرقة على وجه الأرض- لكثرتها- رددت أولها على آخرها، وأقدمت والرماح تضطرب ليعلم أي الشجاع فيها.

وقال رجل من بني تميم، وطلب منه بعض الملوك فرساً يقال لها "سكاب" فمنعه وقال: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أبيت اللعن إن سكاب علق نفس لا تعار ولا تباع مفداة مكرمة علينا يجاع لها العيال وال تجاع سلسلة سابقين تناجلاها إذا نسبا يضمهما الكراع فلا تطمع - أبيت اللعن فيها ومنعكهل بشيء يستطاع المعنى: يخاطب من طمع فيها ويقول: إن مرسي علق نفيس لا أُخرجها من يدي بإعارة ولا بيع وهو مؤثرة عل العيال، وهي من فحل الكراع، فلا تطمع فيها مستطاعاً منعكها بشيء من الأشياء. (50) وقالت امرأة من طيء: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) دعا دعوة يوم الشرى يا لمالك ومن لا يجب عند الحفيظة يكلم فيا ضيعة الفتيان إذ يعتلونه ببطن الشرى مثل الفنيق المسدم

يعتلونه: يجرونه، من قوله تعالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إلَى سَوَاءِ الجَحِيمِ} والعتل: مسمار عظيم ترفع به الحيطان، والفنيق: الفحل المكرم، والمسدم: الذي سد فوهه من هياجه. المعنى: استغاث يوم الشرى هذا المذكور بآل مالك ثم قالت: ومن لا يغث في الحرب ويروى "ومن لا يجب" أي لا يغث المستغيث يكلم يوماً. ثم قالت متعجبة من ضياعه لما أسلم: فيا ضيعة الفتيان اذ يطعن مثل الفحل المشدود الفم، فإنه لا يقدر على الانتصار. أما في بني حصن من ابن كريهة من القوم طلاب التراث غشمشم فيقتل جهراً بامرئ لم يكن له بواء ولكن لا تكايل بالدم بنو حصن من نبهان، وابن كريهة: أي صاحب شدة وحروب، وغشمشم: يركب رأسه غير مفكر في شيء، وبواء: أي كفؤاً، وقولها: لا تكايل بالدم أي مقايسة بالدم، كانت العرب تفعل ذلك فيقتل من قوم القاتل مثله في الشرف، فإن لم يجدوا مثله فيهم قتلوا جماعة به. المعنى: تحث على قتل قاتل صاحبها، وتزعم أنه ليس كفؤاً له، ولكن لا يطلب المساواة في الدماء. (51) وقال بعضى بني فقعس: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) رأيت موالى الأولى يخذلونني على حدثان الدهر إذ يتقلب

فهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا إذ الخصم أبزى مائل الرأس أنكب وهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا وفي الأرض مبثوثاً شجاع وعقرب فلا تأخذوا عقلاً من القوم إنني أرى العار يبقى والمعاقل تذهب تفاقدوا: دعاء عليهم، الأبزى: الرجل الذي في أسفل ظهره انحناء. المعنى: يستزيد بني أعمامه، ويذمهمفق على خذلانه وإسلامه فيقول: أعدوني لمثلي من الرجال إذا امتلأت الأرض من الأعداء، ثم حثهم عل طلب الثأر. كأنك لم تسبق من الدهر ليلة إذاً أنت أدركت الذي كنت تطلب المعنى: إذا أدركت ما طلبته فكأنك لم تزل معه، وهذا فيه حث لطيف على طلب الثأر. (52) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) فلو أن حياً يقبل المال فدية لسقنا لهم سيلاً من المال مفعماً ولكن أبي قوم أصيب أخوهم رضا العار فاختاروا على اللبن الدما (53) وقالت كبشة أخت عمرو بن معدي كرب، كبشة اسم مرتجل، وليس

بتأنيث كبش، لأن ذلك لا مؤنث له من لفظه وإنما هو نعجة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أرسل عبد الله إذ حان يومه إلى قومه لا تعقلوا لهم دمي ولا تأخذوا منهم افالاً وأبكراً وأترك في بيت بصعة مظلم عبد الله أخو عمرو بن معدي كرب، والافال: صغار الإبل واحدها أفيل وأبكرهم جمع بكر، وصعدة: موقع باليمن معروف، وعنت ببيت مظلم: القبر وجعلت طمع أخيها المقتول في إدراك ثأره إرسالاً منه. المعنى: تحث على طلب ثأر أخيها عبد الله: وتمنعهم من أخذ الدية وتحقر أمرها. ودع عنك عمراً إن عمراً مسالم وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم وهل بطن عمر: أرادت أن تهز عمراً بذلك القول تقول: بطنه شبر لموضع الطعام، يكفيه القليل منه، فلم يرغب في الدية، مع ما فيها من العار ويترك الثأر وفيه منقبة. المعنى: تبالغ في حث عمرو على الثأر وتحفظه لكي لا يسالم القوم. فإن أنتم لم تقتلوا واتديتم فمشوا بآذان النعام المصلم ولا تردوا إلا فضول نسائكم إذا ارتملت أعقابهن من الدم اتديتم: أخذتم الدية، فإن أنتم لم تقتلوا بأخيكم يعني نفسه، وهذا كله من قوله: لا تعقلوا ... إلى آخر الأبيات، ظاهرها أنها من كلام عبد الله المقتول. يقول: إن لم تقتلوا من قتلني فاذنوا بالذل والصغار وكونوا بمنزلة من جدعت أذنه وضربت آذان النعام مثلاً لذلك، ويروى "فمشوا" أي امسحوا مواضع الآذان منكم وأذنوا بالصغار واعلموا إنكم مجدعون إن لم تقتلوا قاتله، وقيل: بل معناه إذا أخذتم الدية لم تحصلوا على شيء، وكنتم بمنزلة من رام مسح يده بأذن النعام ولم

يحصل على شيء لأن النعام لا أذن له. وتقول: اشربوا فضول الحيضر أي صرتم في الذل بحيث لا نهاية لأن العزيز يرد الماء قبل كل أحد، ثم الذي يليه ثم الضعيف ثم النساء الطواهر بعد الرجال ثم الحيض بعد الطواهر، فإذا حصلتم في الذل بحيث لا تردون إلا بعد النساء الحيض فقد حصلتم في نهاية الذل، وفضول النساء ما يفضل عنهن إذا استقين، وهو مثل. وقيل: معناه لا تردوا إلا بقايا الحيض من نسائكم أي لا يمكنكم أن تردوا المناهل فلا يكون لكم ماء إلا دم الحيض لما يلحقكم من الذل، وهذا القول أبلغ، ويؤيده ما بعده "إذا ارتملت أعقابهن من الدم" أي اختضبت، يقال: رملت الشيء إذا لطخته. المعنى: تنذرهم بنهاية المذلة إن قبلوا عن دمه الدية. (54) وقال عنترة بل الأخرس المعنى من طيء. العنتر والعنترة: الذباب الأزرق، والمعنى الشيء اليسير: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أطل حمل الشناءة لي وبغضي وعش ما شئت فانظر من تضير فما بيديك نفع أرتجيه وغير صدودك تاخطب الكبير ألم تر أن شعرى سار عني وشعرك حول بيتك ما يسير إذا أبصرتني أعرضت عني كأن الشمس من قبلي تدور الشناءة: البغض، وقوله: كأن الشمس من قبلي تدور، أي من جهتي فلا تقدر أن تملأ عينيك مني، بمنزلة من ينظر إلى الشمس فلا يقدر أن يتمكن من

النظر إليها. وقال الجاحظ. يقول: كأني مدبر أمر الفلك فبخسته حظه من الخير فلموجدته على بغض الطرف إذا أبصرني. المعنى: يظهر استغناءه عنه لقلة خيره وسقوط ذكره، ويصف بغضه له ويقول: شعرك الذى قلته في سارعني أي لم يعلق بي، ولم يعمل في، وشعري الذي قلته فيك لزمك وأثر فيك، وصار ذلك كالقلادة لا يزول عنك، ومعنى آخر أن شعري فيك الذي هجوتك به سار عني لجودته، وشعرك في لا يجاوز بيتك ولم يحتمله الرواة لرداءته. (55) وقال الأحوص بن محمد الأنصاري، الأحوص: الضيق العين، كأنها مخيطة: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) إني على ما قد علمت محسد أنمي على البغضاء والشنآن ما تعتريني من خطوب ملمة إلا تشرفني وتعظم شاني

فإذا تزول تزول عن متخمط تخشى بوادره على الأقران إني إذا خفي الرجال وجدتني كالشمس لا تخفى بكل مكان المتخمط: المتكبر، والبوادر: ما يبدر من الإنسان في غير عمد. المعنى: يصف كثرة الخير عنده، وإن الناس يحسدونه لذلك، وأنه لا ينزل به حادث إلا زاد به شرفاً، لعزة نفسه وترك الضراعة فيها، ويفتخر بشهرته في العلاء، وشبه نفسه بالشمس. (56) وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) مهلاً بني عمنا موالينا لاتنبشوا بيننا ما كان مدفوناً مهلاً بني عمنا عن نحت أثلتنا سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم وأن نكف الأذى عنكم وتؤذنا الله يعلم أنا لا نحبكم ولا نلومكم ألا تحبونا كل له نية في بغض صاحبه بنعمة الله تقليكم وتقلونا ويروى "لا تحسبوا أن تهينونا". المعنى: لا تطمعوا منا فى المحال ولا تلتمسوا إكرامنا إياكم.

(57) وقال الطرماح بن حكيم الطائي، الطرماح: الطويل: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لقد زادني حباً لنفسي أنني بغيض إلى كل امرئ غير طائل وأني شقي باللئام ولا ترى شقياً بهم إلا كريم الشمائل المعنى: بغض اللئام إياي زادني حباً لنفسي لأني عرفت بذلك بعدي منهم لأن كل امرئ يحب من يوافقه ويشاكله، ويعادي من يباينه ويخالفه، كما قيل: الأشكال تأتلف والأضداد تختلف. إذ ما رآني قطع الطرف بينه وبينى فعل العارف المتجاهل ملأت عليه الأرض حتى كأنها من الضيق في عينيه كفه حابل قطع الطرف بيني وبينه أي قصر بصره عني لبغضه إياي، والكفة - بالكسر- ما استدار من الصائد. المعنى: يصف المرء الذي لا طائل عنده، قال: بلغ من بغضه إياي أنه يغض طرفه عني ويعرفني ويظهر أنه بي جاهل، ثم قال: أرغمته بأن ضيقت عليه الأرض حتى كأنها عليه كفة صائد. أكل امئ ألفى أباه مقصراً معاد لأهل المكرمات الأوائل إذا ذكرت مسعاة والده اضطنى ولا يضطني من شتم أهل الفضائل

المسعاة؛ المكرمة، اضطنى: تصاغر ذلة، لأنه لا مساعي لوالده، فلا يمكنه أن يفتخر به. المعنى: من لم يكن من آباء كرام عادى أهل المكارم، ويتطاول لشتم أهل الفضائل. وما منعت دار ولا عز أهلها من الناس إلا بالقنا والقنابل القنابل: جمع قنبلة وهي جماعة من الخيل، وقوله: وما منعت دار ولا عز أهلها إلا بالقنا والقنابل، يريد عز الدار وأهلها بالسلاح. (58) وقال بعض بني فقعس: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) وذوي ضباب مظهرين عداوة قرحى القلوب معاودي الافناد ناسيتهم بغضاءهم وتركتم وهم إذا ذكر الصديق أعاد كما أعدهم لأبعد منهم ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد يعني كم ذوي أضغان وأحقاد الواحد ضب، قرص القلوب: أي شديدي العداوة وقد قرحت قلوبهم من شدة العداوة حتى اسودت، والافناد: الافساد، وقوله: ناسيتهم بغضاءهم، أي تابعت احساني إليهم مع اساءتهم إلي. وقوله: وهم إذا ذكر الصديق أعاد، يعني إذا ذكر الصديق الخالص المودة، وقوله: ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد أي يضطر، المعنى: يصف حسن تدبيره في إصلاح أقاربه وإزالة الأحقاد عن قلوبهم وإعداده إياهم لوقت حاجته إليهم.

(59) وقال زيد بن الحكم الكلابي، زيد مصدر زاد: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) دفعناكم بالقول حتى بطرتم وبالراح حتى كان دفع الأصابع فلما رأينا جهلكم غير منته وما خاب من أحلامكم غير راجع مسسنا من الآباء شيئاً وكلنا على حسب في قومه غير واضع فلما بلغنا الأمهات وجدتم بني عمكم كانوا كرام المضاجع مسسننا من الآباء شيئاً: أي فكرنا الآباء وانتسبنا إليهم، فتساوينا في نسب الآباء، وكلنا إلى حسب في قومه غير واضع أي لا يضعه حسبه لأن آباءهم كرام، فلما بلغنا الأمهات وجدتم بني عمكم كانوا كرام المضاجع أي تساوينا في شرف الآباء وفضلناكم في شرف الأمهات، وهذه الأبيات لا تليق بهذا الباب لتعريها من ذكر الشجاعة، وإنما هي من باب الافتخار بشرف الأصل. (60) وقال جابر بن رالان السنبسي من طيء، رالان، غير مهموز، فعلان من

رولت الخبز في السمن إذا رؤيته منه: (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) لعمرك ما أخزى إذا ما نسبتني إذا لم تقل بطلاً علي ومينا ولكما يخزى امرؤ يكلم استه قنا قومه إذا الرماح هوينا البطل: الباطل، والمين: الكذب، ومعنى يكلم استه إنما يستحي من ينهزم في الحرب إذا أهويت الرماح فهوت حتى يطعن مولياً في استه ولا يثبت مقبلاً، فيكون الجراح قدامه، وقيل: معناه إنما يخزى من تأخره عن الحرب حتى توضع الرماح في استه يقدم عليها، وربما مفلول كذلك. المعنى: يصف إقدامه في الحرب يقول: أني لا أستحي إذا ذكرت نسبي وأفعالي ما لم تكذب، وإنما يستحي من ينهزم حتى يطعن مولياً. فإن تبغضونا بغضة في صدوركم فانا جدعنا منكم وشرينا شرينا: أي أسرناكم وبعناكم، وجدعنا: قطعنا آذان جماعة منكم وبعنا ذراريكم، وقيل: معناه فضحناكم حتى صرتم بمنزلة المجدوع والبيع. المعنى: إن تبغضونا فحق لكم ذلك لأنا قد قهرنكم وذللناكم، وبالغنا في الإساءة إليكم. ونحن غلبنا بالجبال وعزها ونحن ورثنا غيثاً وبدينا وأي ثنايا المجد لم نطلع لها وأنتم غضاب تحرقون علينا

أي غلبنا الناس بأفعال مثل الجبال عظماً، وغيث وبدين قبيلتان، وتحرقون علينا أي تحرقون علينا أسنانكم غيظاً، بمعنى تحكون. المعني: يفتخر بعظم مساعيهم وأنهم ورثوا القبيلتين وأنهم مطلعو ثنايا المجد. (61) وقال سيرة بن عمرو الفقعسي، وعيره ضمرة بن ضمرة كثرة أبله، وسبرة: الغداة الباردة وجمعها سبرات، وضمرة من بني نهشل وهو الصحيح. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أتنسى دفاعي عنك إذ أنت مسلم وقد سال من ذل عليك قراقر ونسوتكم في الروع باد وجوهها يخلن إماء والإماء حرائر مسلم: أي لا ناصر لك، وقراقر: اسم واد أي نالك الذل مثل هذا الوادى، فكأنه جرى عليك سيل من الذل، وقوله: يخلن إماء وإلا ماء حرائر أي يسر، لتبذلهن، إنهن إماء وهن حرائر، يذكر إحسانه إليه! في وقت بلغ الذل منه منتهاه.

أعيرتنا ألبانها ولحومها وذلك عار يا بن ريطة ظاهر أي عار زائل كقوله تعالى: {أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القَوْل} أي باطل: المعنى: عيرتنا ألبان إبلنا ولحومها، وليس ذلك بعيب لما بينه بعد. وقيل: معناه أن الذي عبتنا به وهو كثرة الإبل فخر معروفون به، فلا نتحاشى منه وليس بعيب. نحابي [بها] أكفاءنا ونهينها ونشرب في أثمانها ونفامر المعنى: هذه الإبل التي عيرتنا بها هي معرضة لمنافع الناصر ومنافعنا، نعطي منها ونهينها في الشرب والمقامرة. (62) وقال رجل بن بني فقعس: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أينبغي آل شداد علينا وما يرغى لشداد فصيل فإن تعمز مفاصلنا تجدنا غلاظاً في أنامل من يصول يرغى: يحمل على الرغاء، أي ليس في آل شداد من يهب فصيلاً فيرغو إذا قطع عن أمه، وينحر ناقة لأضيافه أو يهبها لزواره فيرغو فصيلها إذا فقد أمه، وقوله: فان تغمز: يعني أن تجربنا تجدنا شداداً، وأصله في العود يغمز فتعرف صلابته من خوره ورخاوته. المعنى: يصف سخاوة قومه تعريضاً، لأنه إذا ذم آل شداد بالبخل دل على أنه ليس مثلهم، ويصف في البيت الثاني عز قومه.

(63) وقال جزء بن كليب الفقعسي، جزء من جزأت الشيء إذا جعلته أجزاء؟ (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تبغي ابن كوز والسفاهة كاسمها ليستاد منا أن شتونا لياليا فما أكبر الأشياء عندي حزازة بأن أبت مزرياً عليك وزارياً ابن كوز رجل من بني أسد خطب إلى بعض بني فقعس فأبى عليه، وكانت فقعس قد لحقتها السنة، فقال جزع هذه الأبيات. المعنى: طلب ابن كوز أن ينكح منا امرأة لاختلال أحوالنا فرد وأهون الأشياء عندي رده، وذلك قوله: "والسفاهة كاسمها" على أن فعله كان سفهاً منه. وإنا على عض الزمان الذي ترى نعالج من كره المخازي الدواهيا عض الزمان: شدته وما ينال من المكروه فيه. المعني: يقول: نعالج الدواهي من أن تلحق بنا كربة المخازي - وإن كان الزمان قد عض منا وأثر فينا- ونصبر عل اللأواء ولا نتلبس بالعار. فلا تطلبنها يا بن كوز فإنه غذا الناس مذ قام النبي الجواريا يعني أن العرب كانت تئد البنات، فلما بعث الني صلى الله عليه وسلم نهى عن وأد البنات ونزل القرآن يحظر فلك فغذا الناس بناتهم فلم يئدوهن، فلا تخطب إلينا فإن تزويجك إياها بمنزلة الوأد لنا إذ كان إضاعة لها.

وإن التي حدثتها في أنوفنا وأعناقنا من الآباء كما هيا المعنى: نحن وان أصابتنا السنة والمحنة فعلى ما كنا عليه من العزة وشرف الهمة، وقيل: معناه نحن على ما كنا عليه في الجاهلة من الكبر والنخوة، وإن كنا قد أسلمنا. (64) وقال زيادة بن زيد الحارثي، الحارث بن سعد أخو عذرة. (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) لم أر قوماً مثلنا خير قومهم أقل بنا منا على قومنا فخراً وما تزدهينا الكبرياء عليهم إذا كلمونا أن نكلمهم نزراً ويروى "ولم أر من قوم هم خير قومهم" وقوله: ما تزهينا: ما تستخقنا، يقال: زهاه الفرح وازدهاه. المعنى: يصف حسن معاشرتهم قومهم يقول: م أر مثلنا أقل فخراً عل قومها، ولا نتكبر عليهم بأن نقل مخاطبتهم استحقاراً. ونحن بنو ماء السماء فلا ترى لأنفسنا من دون مملكة قصراً ماء السماء من الازد سمي به لأنه إذا قحط القطر اجتبى فأقام ماله مقام القطر

وقيل لأبيه مزيقياء, لأنه كان يمزق كل يوم حلتين يلبسهما, ويكره أن يعود فيهما, ويأنف أن يلبسهما غيره. المعنى: يصف عزهم وأنهم أهل للملك. (65) وقال مسور بن زيادة حين عرض عليه سعيد بن العاص أمير المدينة سبع ديات بأبيه زيادة, وكان هدبة بن خشرم قتله غيلة فرفع أمره إلى معاوية فضن بالرجل عن القود, وحبسه إلى بلوغ ابنه فأبى وقال هذا الشعر, ويقال: هو لعمه عبد الرحمن ابن زيد بن مالك: (الثاني من الطويل والقافية متدارك) أبعْد الذِي بالنعْف نعْف كويكِب ... رهينة رمْس ذِي تراب وجندَل أذكَّر بالبقيَا على مَن أصابني ... وبقياي أنِّي جاهِد غير مؤتِل النعف: المرتفع من الأرض كالثنية, كويكب: موضع, الرمس: هو بيت القبر. المعنى: يصف حرصه على القتل لمن قتل أباه لا أخذ الدية. فالا أنَل ثأرِي مِن اليوْم أَو غَد ... بنِي عمنَا فالدهْر ذُو متطوَّل المعنى: يقول: إن لم أدرك ثأري في هذه الحال, انتظرت طول الدهر, وتقلب الحال فلعي أقدر على انتهاز الفرصة فيه. فلا يدعنِي قومِي ليوْم كريهَة ... إذَا لَم أعجِّل ضربَة أَو أعجَّل ويروى ((فلا يدعني قومي لزيد بن مالك)). المعنى: لست بجلد إذا لم أقتل قاتله أو أهلك.

أنختُم علينَا كلكَل الحرْب مرَّة ... فنحْن منيخوهَا عليكُم بكلكَل كلكل الحرب: شدتها وهي الصدر. المعنى: أصبتم منا فنحن ننتقم منكم. يقول رجال مَا أصيب لهُم أَب ... ولا مِن أَخ أقبل على المال تعقَل كريم أصابته ذئاب كثيرة ... فلَم يدْر حتَّى جئْن مِن كُل مدخَل المعنى: أصابتني ديات كثيرة بدم والدي فلم أدر حتى جئن من غير مدخل لأن مثلي لا يأخذ الدية على مثل ابي. (66) وقال بعض بني جرم من طئ, الجرم: القطع: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) إخالُك موعدِي بيني جفيْف ... وهالَة إنني أنهاك هالا فالا تنتهي يَا هال انِّي ... أدعْك لمِن يعاديني نكالا إذا أخصبتُم كنتُم عدوَّا ... واِن أجدبتُم كنتُم عيالا يخاطب رجلا من بني هالة وهم قومه وأسرته, وبنو جفيف حلفاء لهم, أخالك: أحسبك- بكسر الألف وفتحها, والكسر أكثر وهي لغة تميم.

المعنى: يقول: توعدني بقومك وحلفائك, ثم أقبل على قبيلته فتوعدهم وقال: لئن لم تنته عن ذلك نكلت بك, ويقول: إذا أحسنت حالكم حاربتمونا وان ساءت حالكم ألزمتمونا. (67) وقال عويف القوافي, وقيل: لرجل من بني نصر بن سعد بن قعين قال ابن دريد: القعين اشتقاقه من القعن, وهو ارتفاع أرنبة الأنف, ووبر قبيلة من كلاب: (الأول من البسيط والقافية من المتدارك) اللؤم أكرَم مِن وبْر ووالدِه ... واللؤْم أكرَم مِن وبْر ومَا ولدَا واللؤْم داء لوبْر يقتلون بِه ... لا يقتلون بداء غيرِه أبدَا قوْم إذَا مَا جنَي جانيهِم أمنوا ... مِن لؤْم أحسابهِم أََن يقتلوا قودَا ومعنى قوم إذا ما جني ... البيت يعني بلغ من لؤمهم أنه إذا جني جانيهم فقتل ارتغبت أسرة المقتول عن قتله به, فان قيل: لم قال: اللؤم داء لهم يقتلون به

فأوجب قتلهم وقال أمنوا أن يقتلوا فهذه مناقضة؟ قيل: إنما نفى أن يقتلوا قصاصا من أحد لأنهم لا يبوؤن بأحد لخستهم, وأثبت قتلهم باللؤم فليس فيه مناقضة المعنى: يصف هذه القبيلة التي اسمها وبر بغاية اللؤم ونهاية الخسة. (68) وقال آخر: (من المتقارب والقافية من المتدارك) ألا أبلغَا خلتِي راشدَا ... وصنرِي قديما إذَا مَا اتصَل بأَن الدقيق يهيج الجليل ... وأَن العزيز إذَا شاء ذَل وأَن الحزامَة أَن تصرفوا ... لحِي سوانَا صدور الأسَل فاِن كنْت سيدنَا سدتنَا ... واِن كنْت للخال فاذهَب فخَل صنوي أي قريني, والخال التكبر, وخالي إذا تكبر ويروي ((فخل)) بمعناه. المعنى: أبلغا راشدا خليلي وقريني بأن ما أبديته يعظم عليك ضرره, ويعرض بأنه يطلب السيادة ولا يقوم بأعبائها, ويتعظم على أصحابه, وذلك لا يحتمل منه. (69) وقال بعض بني أسد, ويروى لبعض بني فقعس, واقتتل فريقان من قومه على بئر ادعاها كل واحد منهما لنفسه: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) كِلَا أخوينَا إن يرَع يدْع قومَه ... ذوِي جامل دثْر وجمع عرمرَم كِلا أخوينَا ذو رجال كأنهُم ... أسود الشرَّى مِن كُل أغلَب ضيغَم فما الرشْد في أَن تشتروا بنعيمكم ... بئيسا ولا أن تشربوا المال بالدم ذوي جامل: أي أصحاب إبل كثيرة, والجامل اسم للإبل, وليس بتكسير جمل, إنما هو اسم موضوع للجمع, والدثر: الكثير, والشرى: مأسدة

معروفة, وأغلب: غليظ الرقبة, وبئيسا: أي بؤسا, وقوله: ولا أن تشربوا الماء بالدم, أي ليس الرشد أن تقتتلوا على هذه البئر لتشربوا ماءها. المعنى: يصف وقوع التنازع بين أقاربه وكلهم يرجع إلى مال وعدد لأن قوام الحرب بهما, ثم وصفهم بالبسالة فشبههم بأسود الشرى, ثم أنكر عليهم فعلهم وبين أن الرشد ليس في أن تبدلوا الصلاح بالفساد, وتشربوا الماء بالقتل. (70) وقال حريث بن عناب النبهاني من طئ: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تعالوا أفاخركُم أأعيَا وفقعَس ... إلى المجْد أدنَى أَم عشيرة حاتِم إلى حكَم مِن قيْس عيلان فيصَل ... وآخَر مِن حيَّى ربيعَة عالِم أعيا بن طريف بن عمرو بن الحرث وفقعس بن طريف, وأسد وطئ

حليفان، ويريد بالحكم من قيس عيلان، عامر بن الظراب العدواني، وآخر من حيي ربيعة قيل هو دغفل النسابة: قاض يفضل الحكم، من الفصل. المعنى: يدعوهم إلى حكمين عالمين أحدهما من قيس عيلان والآخر من ربيعة ليحكم أيهم أشرف طيء أم أعيا وفقعش. ضربْناكٌمٌ حًتى إذا قام مْيُلُكْم ضربْنًا العٍدى عَنْكٌمْ بٍبٍيض صوارم فحٌُلوا بأكْنافيٍ وأكْناف معْشري أكْنْ حرْزكُمْ في المأقط الُمتلاحم فقدْ كان أوْصاني أبي أنْ أضمًكُم إلىً وانهْي عنْكُمُ كُلً ظالم معنى قوله: ضربناكم حتى ... البيت، أي قتلنا منكم حين أعوججتم، فلما استقمتم ضربنا أعداءكم لأجلكم، والأكناف: النواحي واحدها كنف، والمأقط: المضيف وجمعه مآقط، والمتلاحم: الضيق. المعنى: انزلوا بناحيتي واقربوا مني أحملكم بعد أن استقمتم، فقد كان أوصاني أبي بحمايتكم والذب عنكم. (71) وقال إبراهيم بن الحكم النبهاني، ويقال: إنها لرجل حبس وكان له صديق فجفاه صديقه فأفلت فمر بصديقه ومعه هذه الأبيات: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تعز فإن الصبر بالحر أجمل ... وليس على ريب الزمان معول

فإن تكن الأيام فينا تبدلت بنعمي وبؤسي والحوادث تفعل فما لينت منا قناة صليبية ولا ذللتنا للذي ليس يحما فلو كان يغني أن يرى المرء جازعاً لحادثة أو كان يغني التذلل تبدلت: تغيرت، وقوله: فما لينت أي لم نتضعضع للحوادث بل تجلدنا لها فأحسنا احتمالها. المعنى يقول: لو كان في الجزع فائدة لكان الصبر بالحر أولى، وإن تغيرت الأيام بالخير والشر فما تخضعنا لحوادثها ولكن صبرنا على ما لا يصبر غيرنا، يصف حسن احتمالهم شدائد الزمان، ويقال: أجزع الناس عند المصيبة أبطرهم نعمة. لكان التعزي عند كل مصيبة ونازلة بالحر أحرى وأجمل فكيف وكل ليس يعدو حمامه وما لا مرئ مما قضى الله مزحل ولكن رحلناها نفوسا كريمة تحمل ما لا يستطاع فتحمل مزحل: مبعد، يقال: زحل عنا فلان، وبه سمى زحل، وقوله: ولكن رحلناها، يعني حملنا تلك الحوادث نفوساً، تصبر كرماً ولا تظهر ألماً. المعنى: إن الصبر أولى بالحر لو كان الجزع مفيداً، فكيف ولا يجاوز أحد ما قدر له ولا يبعد مما قضى الله. (72) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وكم دهمتني من خطوب ملمة صبرت عليها ثم لم أتخشع

فأدركت ثاري والذي قد فعلتم قلائد فى أعناقكم لم تقطع دهمتني: فاجأتني، يعني لزمكم الذم بخذلانكم إياي من حيث لا يزول عنكم، ويروي "لم تقطع" المعنى: بصف جلادته يقول: كم أصابني من شدائد صبرت عليها، ولم أتذلل فيها، وأدركت مطلوبي، وقد لزمكم الذم. (73) وقال عويف القوافي الفزاري عويف: تصغير عوف وهو الحال يقال: كيف عوفكم، وقال قطرب: . يقلة طيبة الريح: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) فهب الرقاد فلما يحس رقاد مما شجاك ونامب العواد لما أتاني عن عيينة أنه ... أمسى عليه تظاهر الأقياد نخلت له نفسي النصيحة إنه عند الشدائد تذهب الأحقاد خبر أتاني عن عيينة موجع كادت عليه تصدع الأكباد قوله: نخلت له نفسي النصيحة: أي أخلصتها، ومنه نخل الدقيق إخلاصه، وروى بعضهم "نحلت له نفسي" أي أعطت والأول أجود. المعنى:

يصف فرط اهتمامه بأمر عيينة لما بلغه اعتقاله، وإن كان واجداً عليه فزال حقده لما نكب، لما كان بينهما من الرحم. وذكرت أي فتى يسد مكانه ... بالرفد حين تقاصر الأرفاد أم من يهين لما كرائم ماله ... ولنا إذا عدنا إليه معاد يسد مكانه، أي يقوم مقامه، ويروي "يسد مسده" بالرفد: بالمعونة، المعنى: يمدح صاحبه المعتقل بحسن معونة الإخوان وإهانة ماله للضيفان يقول: ذكرت أي فتى يقوم مقامه لم أجد أحد يسد مسده. (74) وقال بشر بن المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة، البشر: طلاقة الوجه، والمغيرة: مفعلة من أغار، مفعلة من أغار، والمغير - بكسر الميم - وليس في الكلام مفعل إلا هذا ومنتن: (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) جفاني الأمير والمغيرة قد جفا وأمسى يزيد لي قد أزور جانبه وكلهم قد نال شبعاً لبطنه ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه

ازورَّ جانبه: أي أعرض وانحرف المعنى: يستزيد المهلب بن أبي صفرة ويزيد بن المهلب وأبه المغيرة: يقول: كلهم قد نال كفايته وأنا فى إذاعة، وما أتوه من أضاعتي لؤم فيا عم مهلا واتخذني لنبوة تنوب فإن الدهر جم نواثبة أنا السيف إلا أن للسيف نبوة ومثلي لا تنبو عليك مضاربه المعنى: يستعطف عمه المهلب ويقول: أحسن إلي وادخرني ليوم تحتاج إلى فيه، فإني أنا السيف بل أمضى منه. (75) وقال بعض بني سنبس ويقال عبد شمس. (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) يأيها الراكبان السائران معاً قولا لسنبس فلتقطف قوافيها إني امرؤ مكرم نفسي ومتئد من أن أقاذعها حتى أجازيها معني فلتقطف: أي لتبطئ وتتأخر، من قولهم: قطفت الدابةوالمقاذعة: المفاعلة من القذع - بتسكين الذال وفتحها - وهو الفحش من الكلام، ومئتد، متأن أي أرفق فلا أهجو هذه القبيلة. المعنى: ينهي سنبس عن هجائها، ويذكر أنه يترفع عن المشاتمة، ويتأنى حتى يجازي بالفعل، وقال الراياشي فلتقطف قوافيها من قطف الثمرة أي فلتقطفها كقولهم، احصد ما زرعت، وأحس ما

مزجت، أي هجونا فكان ثمرة ذلك أن غزوناهم ولنقطف ما أثمرت قوافيها، قال: ويؤيد هذا التفسير قوله: "لما رأوها من الأجزاع طالعة يعني خيله". لما رأوها من الأجزاع طالعة شعثا فوارسها شعثاً نواصيها لاذت هنالك بالأشعاف عالمة أن قد أطاعت بليل أمر غاويها لما رأوها: يعني سنبس لما رأوا الخيل، والأجزاع: جوانب الأودية، والأشعاف: أعالي الجبال جمع شعف، والشعف جمع شعفة، ومعنى أن قد أطاعت بليل أمر غاويها، لما لاذوا بالجبال علموا أن الذي أشار عليهم بمخالفتهم غاو، وأنهم لما دبروا أمرهم بالليل غووا. العرب تقول: "هذا أمر عمل بليل" إذا لم يكن منتظماً. المعنى: لما رأت سنبس خلينا مغبرة الفوارس والنواصي فزعوا إلى الجبال هرباً، وعلموا أن من أمرهم بمخالفتنا أغواهم. (76) وقال آخر فى ابن له من سوداء، وهو زيد بن لثوة، إسلامي (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) لا تعذلي في حدج إن حندجا وليث عفرين لدي سواء حميت على العهار إطهار أمه وبعض الرجال المدعين جفاء فجاءت به سبط العظام كأنما عمامته بين الرجال لواء

حندج: اسم ابنه، ويروي "جندح" الجيم قبل الحاء، والأول أصح وهو فى اللغة رمل كثير أصفر من النقا، وليث عفرين: دويبة تتصدى للرامب كأنها تريد محاربته، وفى غير هذا الموضع ضرب من العناكب يصيد الذبان وثبا، وليس المراد به هذا لأنه يصف نجدة ابنه فلا يحسن تشبيهه ببعض العناكب، يقول حفظت إطهار أمه مع كثرة الزناة فجاء الولد نجيباً صحيح النسب قال: وبعض الرجال المدعين جفاء أي باطل، ويروي "غثاء"، وسبط العظام: طويل القامة تام الخلقة، فكأنه رمح عليه لواء، وهم يمدحون بطول القامة، يعني إذا مشى بين الرجال طالهم فكأنه رمح عليه لواء. المعنى: يخاطب امرأته يقول لها: لا تعذليني فى ابني حندج، فهو عندي كليث عفرين، ثم وصف طيب ولده وكمال خلقته. (77) وقال أبو الشغب العبسي، إسلامي كان في زمن هشام: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) إذا كان أولاد الرجال حزازة فأنت الحلال الحلو والبارد العذب لنا جانب منه دميث وجانب إذا رامه الأعداء مركبه صعب وتأخذه عند المكارم هزة ... كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب وقيل هذه الأبيات لأبي رباط قالها فى ابنه رباط يثني عليه، وقبلها بيت شعر هو: رأيت رباط حين تم شبابه ... وولى شبابي ليس في بره عيب

وحزازة: أي غماً وغيظً بقطع قلوبهم، فأنت الحلال: أي الطيب الحلو فى العين والصدر، والبارد العذب: أي بمنزلة الماء البارد، ودميث: أي سهل لين، ويروي "ممتنع" ويروي "مطلبه" أي لا يوصل إليه ويروي "متلفه" أي تلفه لا يقدر عليه أعداؤه ومعنى هذا البيت أنه يلين لنا طاعة، ويصعب على الأعداء شجاعة ثو وصف كرمه فقال: وتأخذه عند المكارم هزة، وشبه اهتزازه بالريح الحادة وهي البارح لأن الباردة ميبسة، والغصن إذا هبت عليه الريح الباردة المعنى: يثني على ولده بحسن بره وطيب عشرته، ولين جانبه له، مع شدته على أعدائه (78) وقال صريع الغواني: وفارقت حتى ما أبالي من انتوي وإن بان جيران على كرام فقد جعلت نفسي على النأي تنطوي وعيني على فقد الحبيب تنام ويروي "ما أبالي من النوى" وهو البعد، وتنطوي تسكن وتقر، يقول:

تعودت مفارقة إخواني وجيراني الكرام حتى صار لي عادة، فما أبالي من بعد منهم وإن كان كريماً، فنفسي تسكن وعيني تنام مع فراق الصديق لقلة مبالاتي به. المعنى: يصف اعتياده النوائب حتى ترب عليها. (79) وقال آخر، وهو مؤرخ السدوسي، إسلامي: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) روعت بالبين حتى ما أراع له وبالمصائب فى أهلي وجيراني لم يترك الدهر لي علقاً أضن به إلا اصطفاه بأي أو بهجران المعنى: يصف اعتياده للمصائب حتى ما يبلي بها، ويشكو الدهر تفريقه بين الأحب وبينه. (80) وقال طفيل الغدوي، جاهلي: وما أنا بالمستنكرين البين إنني بذي لطف الجيران قدماً مفجع جدير به من كل حي صحبتهم إذا أنس عزوا على تصدعوا (¬1) ¬

_ (¬1) هذه رواية التبريزي، وروى المرزوقي "جدير بهم".

يروى البين - بالنصب والجر - فالجر على الإضافة (والنصب على المفعولية لاسم الفاعل مستنكر)، وقوله بذي لطف الجيران أراد بلطف الجيران، وذا وذو وذات مما يزاد في الكلام، وإن شئت جعلته مضاف إلى اسم المسمى، والأنس: للناس. المعنى: يصف اعتياده مفارقة الأخوان وتفجيعه بهم، وكل حي ألفته خليق أن أفارقهم. وقد علموا أنا سنأتي ديارنا ... فيرعون أجواز العراق ونرفع ونرفع: يعني نرفع أبلنا فى السير، وقيل: بمعنى نرتفع، ولا يعرف صحته. المعنى: أمدح قوماً يحسنون إلينا لأنهم قد علموا أنا نعود إلى ديارنا فنذكر عنهم ما كان منهم، وقيل: إنهم يهددهم، والمعنى: أنا نأخذ أرضهم ونطردهم إلى العراق، والأول أصح لقوله بعده: وقد علموا ما الار والضيف مخبر إذا فارقا كل بذلك مولع فهذا يدل على أنه يمدحهم، ولذلك وصفهم بأنهم قد علموا بأن الضيف يخبر عما أسدى إليه من الإكرام وغيره. (81) وقال الراعي: سمى بذلك لكثر ة شعره في الإبل، واسمه عبيد بن حصين، مخضرم:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك: وقَد قادنِي الجيران حينا وقدتهُم ... وفارقْت حتى مَا تحِن جماليَا رجاؤُك إنساني تذكُر إخوتِي ... ومالُك إنساني بوهبين ماليَا يقول: تبعوني وتبعتهم آلفهم ولا أفارقهم. وفارقت حتى تعودت الفراق فلا أحن, أي ما أعطيتني من مالك أنساني مالي بوهبين, لأن ما أعطيتني أكثر من مالي هناك. المعنى: يمدح هذا المخاطب يقول: لما رأيتك سلوت عن جميع إخواني وأموالي. (82) وقال آخر وهو مؤرج السدوسي: (الثاني من البسيط والقافية متواتر) لا يمنعنَّك خفْض العيْش في دعَة ... نزوع نفْس إلى أهْل وأوطان تلقَى بكُل بلاَد إنْ حللْت بهِا ... أهْلا بأهْل وجيرانا بجيراَن ويروى ((إخوانا بإخوان)) ويروى ((أنت ساكنها)) و ((أنت نازلها)) , يقول: إذا كنت في نعمة فلا يخرجنك منها شوقك إلى أهل ووطن, ثم بين وجه ذلك فقال: تلقى بلاد أهلا مكان اهلك وجيرانا مكان جيرانك, فلا تفارق الخفض والدعة شوقا إلى الأهل والوطن. (83) وقال بعض بني أسد, إسلامي:

(الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) إلا أكُن ممِا علمْت فإننِي ... إلي نسَب ممِا جهلْت كريم المعنى: يخاطب امرأة من غير قبيلته يقول: إن لم تعرفي نسبي فاني من قوم كرام. وإلا أكُن كُل الجواد فإنني ... على الزاد فِي الظلماًء غيْر شتيم المعنى: يذكر جوده يقول: إن لم أكن كحاتم في السخاء فأنني أحسن قرى أضيافي, وأبذل الزاد في الليالي المظلمة. وإلا أكُن كُل الشجاع فإنني ... بضرب الطلي والهام حَق عليهم أي إني إن لم أكن في الشجاعة كعتيبة بن الحارث وعنترة بن شداد, فاني عليهم بضرب الأعناق والرؤوس.

(84) وقال عمرو بن شأس في ابن له من سوداء اسمه عرار, ومكان شأس شاذ غليظ, والعرار صوت النعامة. (الثالث من الطويل والقافية من المتدارك) أرادَت عرارا بالهوان ومَن يرِد ... عرارَا لعمرِي بالهوان فقَد ظلَم المعنى: أرادت هذه المرأة أن تهين ولدي, ومن يرد اهانته فقد ظلم لأنه أحب الناس الي وأعزهم علي, ثم قال لها: فاِن كنْت مني أَو تريدين صحبتي ... فكونِي لَه كالسمْن ربَّت لَه الأدَم واِن كنْت تهويْن الفراق ظعينتي ... فكونِي له كالذئْب ضاعَت لَه الغنَم وإلا فسيرى مثْل ما سار راكِب ... تجشَّم خمسَا ليْس في سيره أمَم أي إن كنت توافقيني وكنت من أهلي كوني كالسمن الذي لا يتغير لأن الأديم يعالج برب التمر لئلا يفسد الثمن, وسقاء مربوب مصلح, والأدم: جمع أديم وهو نادر. وقوله: فكوني له كالذئب ... الخ, يريد لضاعت له الغنم إفسادا, والذئب لا يصالح الغنم بحال, وفي المثل ((من استرعى الذئب ظلم)) وإلا فسيرى أي اغربي أي ابعدي, وقوله: تجشم خمسا يعني تجمل المشقة خمس ليال, وليس في سيره أمم أي قصد لأنه ممعن في السير. المعنى: يقول لامرأته ان أردت وفاقي

وصحبتي فأحسني عشرته, وان هويت مفارقتي فاظهري العداوة له, وإلا فاغربي عني وأمعني في السير, فلا حاجة لي فيك: ويروى ((تيمم خمسا)). فِان عرارَا إن يكُن ذا شكيمَة ... تلاقينهَا منْه فما املِك الشيَم الشكيمة: الشدة واصلها فأس اللجام. المعنى: يقول: إن يكن ولدي صعب الخلق, فان الله يملك الأخلاق ولا أقدر على تغييرها. واِن عرارَا إن يكُن غير واضَح ... فانَّي أحِب الجوْن ذا المنكِب العمَم العمم: التام, وكذلك العميم, والواضح: الأبيض, والجون: الأسود وكذلك الأبيض. المعنى: يقول: إن ابني إن لم يكن واضحا فاني أحب الأسود تام الخلق. (85) وقال آخر, وهو اسحق بن خالد في قصيدة طويلة, وهو إسلامي: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) لولا أميمَة لَم أجزَع مِن العدَم ... ولَم أقاس الدجَى في حندِس الظلَم وزادنِي رغبَة في العيش معرفتِي ... ذُل اليتيمَة يجفوها ذوُو الرحِم أميمة: بنت الشاعر وهو تصغير أم. المعنى: يصف فرط اهتمامه بأمر بنيته, فانه لولا هي لم يجزع من العدم والفقر, ولم يطلب الغنى ولم يرغب في العيش إلا ليصونها من جفوة الأقارب. أحاذِر الفقْر يوما أَن يلِم بها ... فيهتِك الستْر عَن لحْم على وضَم تهوَى حياتِي وأهوَى موتهَا شفقَا ... والموت أكرَم نزال على الحرَم وإنها بعْد موتِي لا تفيد أبَا ... أخرَى الليالي إذا غيبت في الرجَم

أخرى الليالي: آخرها يعني أبدا, والرجم: القبر لأنه تلقى عليه الحجارة. المعنى: أخشى القبر أن ينزل بابنتي فتضيع, وإنها لا تجد أبا إذا هلكت يصلح أمرها, فلهذا ارغب في العيش. مَا أنْس لا أنْس اِذ قامَت تودعنِي ... وقولهَا لِي بدمْع واكِف سجِم لا تبرحَن واِن متنَا فاِن لنَا ... ربَّا تكفَّل بالأرزاق والقسَم أخشَى فظاظَة عَم أَو جفاء أَخ ... وكنْت أخشَى عليهَا مِن أذَى الكلِم المعنى: يقول: لا أنسى قولها لا تبرجن وهو مودعة باكية, ثم قال: وان متنا فان لنا ربا تكفل بالأرزاق والقسم, وتريد ابنتي حياتي وأريد موتها, لا بغضا لها, ولكن شفقة عليها, لأني أخشى أن يجفوها بعد موتى عمها أو أخوها, وكنت أرفق بها ولا أوحشها. (86) وقال آخر, ويقال حطان بن المعلَّى, وقيل: هو خطاب بن المعلى. (الثاني من السريع والقافية متواتر) أنزلنِي الدهْر على حكمِه ... مِن شامِخ عال إلى خفْض وغالنِي الدهْر بوفْر الغنَى ... فليْس لي مال سوَى عرضِي

غالني: أهلكني, المعنى: يشكو الدهر أنه قد حط من منزلته واذهب ماله, ويحتمل أن يكون يشكو النشب في البيت الأول, كما قيل: ((كل امرئ سيعود مريا)). أبكانِي الدهْر ويَا ربَّما ... أضحكنِي الدهْر بمَا يرضِي لولا بنياَّت كزغْب القطَا ... رددْن مِن بعض إلى بعض الزغب: جمع زغب وهو من الريش اللين الذي لا يقوم, يصفهن بالصغر, وقوله: رددن من بعض إلى بعض يعني كن في صلبي فرددن إلى قلبي يريد كأنهن سواكن قلبي محبة وشفقة, ويروي ((رددن من بعضي إلى بعضي)) أي قوسنني من كثرة اهتمامي بهن, هذا قول أبي العميثل ويروى ((جمعن من بعضي إلى بعضي ((أي هن من أمهات شتى ونساء غير مشفقات عليهن, ويروي ((حدون من بعضي)) قوله: مضطرب هنا مكان لقوله واسع, ويجوز ان يكون مصدرا أي اضطراب في الأرض. المعنى: يقول: لولا بنياتي الصغار ما أبالي أينما كنت على الأرض. وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض

(87) وقال حيان بن ربيعة حيان: فعلان من الحياة ومن الحيا. (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) لقَد علِم القبائِل أَن قومِي ... ذوُو جِد اذَا لبِس الحديد وأنَّا نعْم أحلاس القوافي ... اذَا استعَر التنافُر والنشيد وأنَّا نضرِب الملحاء حتَّى ... تولي والسيوف لنا شهود ويروي ((ذوو حد)) بالحاء وهو أحسن لمجانسته الحديد, يقول: قد شهر أمرنا بين القبائل وعرفوا أنا نجد في الحرب إذا لبس السلاح, وقوله: وأنا نعم أحلاس القوافي, يعني أصحاب الشعر, والأحلاس: الأشكال والأقران, والملحاء: البيضاء, وأراد الكتيبة الكثيرة السلاح كأنها تملح من كثرة السلاح, وقوله: لنا شهود أي بها فلول وثلم تشهد بأنها أعملت في جماجم الأعداء. المعنى: يصف اشتهارهم في قبائل العرب في الجد في الأمور وباجادة الشعر وإعمال السيوف في الحرب. (88) وقال الأعرج المعنى: ويكني أبا برزة من طئ قال البرقي: هو من بني

ضبة. (من مشطور الرجز والقافية من المتدارك) أنَا أبُو برزَة إذ جَد الوهَل خلقْت غير زمَّل ولا وكَل ذَا قوَّة وذَا شباب مقتبَل لا جزَع اليوْم على قرْب الأجَل مقتبل: مستقبل في أول شبابه, وعلى قرب الأجل أي مع قرب الأجل. المعنى: يصف أنه مشهور في الحروب, وانه في عنفوان شبابه, وزيادة قوته, وينتفي من الضعف والعجز, ويصف حرصهم على الموت وقلة جزعهم منه. الموْت أحلى عندنَا مِن العسَل ردوا علينَا شيخنَا ثُم بجَل شيخنا: يعني عثمان- رضي الله عنه-, وقوله: ثم بجل أي حسب, وإنما طلب المحال برد عثمان يريد كما لا يوصل إلى ذلك لا يوصل إلى رضانا, فنحن نطاعنكم لأجله أي لا صلح بيننا. نحْن بنِي ضبَّة أصحاب الجمَل

ننعى ابن عفان بأطراف الأسَل ننعى ابن عفان أي نطلب دمه, يقال: نعيته أنعاه نعيا إذا طالب بدمه وثأره وسالت أبا منصور بن الجبان عن ذلك فأنكره. ننازِل الموْت إذا المْوت نزَل لَا عار في الموْت إذا حُم الأجَل ويروى: ((إذا حان الأجل)) أي تعودنا الحرب والقتل, ولا عار بالموت مع أن الأجل قريب, ويروى ((نحن بني الموت)). المعنى: يصفهم بالجرأة. (89) وقال آخر من طئ, إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) داو ابن عَم السوء بالنأْي والغنَى ... كفَى بالغنَى والنأْي عنْه مداويَا يسُل الغنَى والنأْي أدواء صدرِه ... ويبدِي التدانِي غلظَة وتقاليَا يسل: يحرج, المعنى: يقول: ابعد عن ابن عمك ولا تجاوره واستغن عنه

ولا تبد حاجتك اليه كي لا تكون في قلبه موجدة ويبغضك, فانك ان احتجت اليه استثقلك وان جاورته حسدك, وقيل: تباعدوا في الديار وتقاربوا في القلوب. جزَي الله عنّي محصنا ببلائِه ... وإِن كان مولاَي القريب وخاليَا أعان على الدهْر إِذ حَك بركُه ... كفَى الدهْر لَو وكلتَه بِي كافيَا م حصن: اسم رجل وهو في اللغة القط, وببلائه يعني بصنيعه, وان كان ابن عمي أخا وخالا دنيا, ثم بين صنيعه الذي يستجزي عليه وقال: أعان على الدهر اذ حك بركه أي لما انقلب الزمان على واشتد صار على مع الزمان, والبرك: الصدر, وهو البركة, ثم قال: لو لم يعن على الدهر كان في إساءة الدهر إلى كفاية. (90) وقال رجل من كلب, إسلامي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) وحنَّت ناقتِي طربا وشوقَا ... إلى مَن بالحنين تشوقيني فاني مثْل ما تجديِن وجدِي ... ولكِن أسمحَت عنهُم قروني ويروى ((أصبحت)) ومعناه أسمحت وانقادت, قروني: أي نفسي, المعنى: يصف اشتياق ناقته إلى الوطن ومخاطبته إياها بأن به من الشوق مثل ما بها, ولكن سمحت نفسه عنهم بأن فارقتهم. رأوْا عرشِي تثلَّم جانباه ... فلما أن تثلَّم أفردوني هنيئا لابن عَم السوء إني ... مجاورة بنِي ثعَل لبوني

عرش الرجل: عزه وسلطانه وحسن حاله, فإذا ذهب منه ذلك ثل عرشه, وأفردوني تبرأوا مني وجعلوني فردا, ويروى ((أشقذوني)) أي طردوني. يقول: هنيئا لهم أي قد تحولت عنهم وصرت في حي بني ثعل, ومن عادة العرب ألا تبعد ذوات الألبان عنهم, فدل بقوله: لبوني مجاورة بني ثعل على أنه مجاورهم. المعنى: يشكو بني عمه أنهم لما رأوا سوء حاله أعرضوا عنه. ويصف تحوله عنهم إلى بني ثعل. (91) وقال رجل من بني أسد, وهو كميت بن ثعلبة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وما أنَا بالنكْس الدنِي ولا الذِي ... إذا صَد عنّي ذُو المودَّة أحرَب ولكننِي إن دام دمْت واِن يكُن ... لَه مذهَب عنْي فلي عنْه مذهَب النكس: الرجل الفسل الذي لا خير فيه, يقول: لست دنيّا ساقطا إذا أعرض عنه صديقه يغضب لذلك, ولكنني ان دام الصديق على المودة دمت له عليها وان يكن له مذهب عني أو ذهاب فلي عنه ذهاب وأحرب: أغضب, والحرب: الغضب. المعنى: لست عاجزا يغتاظ الإعراض صديقه عنه, ولكن أجازيه بمثل فعله. ألا إن خير الوُد وُد تطوعَت ... بِه النفْس لا وُد أتَى وهْو متعَب المعنى: خير الود ما كان عن رغبة, لا ما كان مستجلبا بتعب.

(92) وقال أبو حنبل الطائي, جاهلي كان في أيام امرئ القيس, والحنبل: القصير. (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) لقَد بلانِي على مَا كان مِن حدَث ... عنْد اختلاَف زجاج القوْم سيار حتَّى وفيْت بهَا دهمْا معلقَة ... كالقار أردفَه مِن خلفِه قار قَد كان سير فخلوا عَن حمولتكُم ... انِّي لكُل امرئ مِن جارِه جار قال أبو العميثل: قد كان استيق لسيار ابل فطلبها له أبو حنبل حتى ردها. والحدث: الأمر الحادث, واختلاف زجاج القوم: مطاعنتهم وهو جمع زج, وقيل: أراد به الأسنة, وقوله: حتى وفيت بها أي رددت بها وافية كاملة لم ينقص منها شئ, وقوله: كالقار فيه قولان: أحدهما أنه شبه الإبل في سواد ألوانها بالقارة وهو القير, والآخر شبهها في عظم أجسامها بالجبال الصغار, يقال: قارة وقار وقور, والعرب تقول: جمال كالجبال, والحمولة: الإبل التي يحمل عليها لا واحد لها من لفظها, يقول لأصحابه: قد كان سير شديد, وقد بلغتم المأمن فانزلوا عن إبلكم أني لكل امرئ من جاره جار, والمعنى: يقول: اختبرني سيار على ما وقع عند منازعة القوم من سوق الإبل حتى رددتها وافية, بعضها خلف بعض, ثم يسكن من قومه, ويعدهم كفايته العدو بنفسه, ويروى ((سيرا)). (93) وقال يزيد بن حمان السكوني في يوم ذي قار, حمان: فعلان من الحمة وهو السواد كما سمي اسود, والسكون: اسم مرتجل من السكون:

(الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) إني حمدْت بنِي شيبان إذ خمدَت ... نيران قومِي وفيهم شبت النار ومِن تكرمهِم في المْحل أنهُم ... لا يعلَم الجار فيهِم أنَّه الجار حتَّى يكون عزيزا مِن نفوسهِم ... أَو أَن يبين جميعا وهْو مختار كأنَّه صدَع في رأْس شاهقَة ... مِن دونِه لعتاق الخيْل أوكار خمدت نيران قومي: أي سكنت أمر الحرب فيما بين قومي, وشبت نار الحرب في بني شبيان. المعنى: يفضل بني شيبان على قومه في الشجاعة, ويصف من كرمهم أنهم يبالغون في إكرام الجار حتى لا يتميز عنهم, فان أقام فيهم أقام عزيزا, وإن ارتحل عنهم ارتحل مختارا موفورا, وشبهه في العز والمنعة بصدع في رأس جبل لا ينتهي اليه جوارح الطير. (94) وقال آخر يمدح آل المهلّب, إسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) نزلْت على آل المهلَّب شاتيا ... غريبا عَن الأوطان في زمَن محْل

فما زال بي إكرامهُم واقتفاؤهُم ... وإلطافهُم حتَّى حسبتهُم أهلِي. ليس في هذين البيتين ذكر الحماسة, إلا أن الأبيات قبلها اشتملت على الحماسة وإكرام الجار, فأورد أبو تمام هذين البيتين لأنهما في مبالغة إكرام الجار, وشاتيا: في الشتاء والاقتفاء: الإتيان بالبر, سمعت أبا سعيد الفسوي يقول: هو أن يسقى الضيف القفوة من اللبن , وهو القليل منه الخالص ويروى ((افتقادهم)) أي برهم. المعنى: يشكر لآل المهلب إحسانهم إليه ونزوله عليهم شتاء زمن الجدب وإنهم أكرموه وآثروه حتى صار كأنه منهم. (95) وقال جابر بن ثعلب الطائي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وقام الى العاذلات يلمنني ... يقلْن ألا تنفك ترحَل مزحلا فِان الفتى ذا الحزم رام بنفسِه ... جواشِن هذا الليْل كي يتمولا ويروى ((ترحل مرحلا بالراء وبالزاي, ومعناه تبعد بعدا, وجواشن الليل: صدره, الواحد الجوشن, ويقال: الجوشن الوسط. المعنى: يقول: لقد لامني النساء على كثرة ارتحالي فقلت: الفتى الحازم يركب أهوال الليل كي يصير ذا مال. ومَن يفتقِر في قومِه يحمَد الغنَى ... واِن كان فيهِم واسِط العم مخولا

ويزرِي بعقل المرْء قلَّة مالِه ... واِن كان أسرْى من رجال وأطولا واسط العم: حسيب العم, والواسط في العشرة: الكريم الحسب فيهم)) ومخول: كريم الخال يقال: ((غلام معم مخول)) إذا كان كريم الطرفين, ويروى ((وأحولا)) أي أكثر حيلة, ويروى ((أحيلا)). المعنى: يذم الفقر ويحمد الغنى لئلا يلومه العاذلات على طلب المال. كأِن الفتَى لَم يعْر يومَا إذا اكتسَى ... ولمَ ... يَك صعلوكا إذا مَا تمولا ولمَ يَك في بؤْس إذا بات ليلَة ... يناغِي غزالا ساجِي الطرَّف أكحلا قال الخليل: المناغاة: تكليمك بما تهوى من الكلام, تقول: نغيت إلى فلان إذا ألقيت إليه كلمة وألقى إليك أخرى. المعنى: يصف سهولة المحن إذا انقضت يقول: العاري إذا اكتسى فكأنه لم يعر, والفقير إذا استغنى فكأنه لم يفتقر, ومن أصحاب جارية يناغيها وتناغيه فكأنه لم يكن قبلها في بؤس, يقول: إذا وجدت ما طلبت خف على ما أنا فيه الآن. (96) وقال بعض طئ: (الثاني من السريع والقافية من المتدارك) إن أدَع الشعَّر فلَم أكدِه ... إذ أزَم الحق على الباطِل قَد كنْت أجربه على وجهِه ... وأكثِر الصَّد عَن الجاهِل

أزم الحق على الباطل, غلبه وضيق عليه, تقول: أزمت الباب إذا أغلقته. المعنى: إن اترك قول الشعر فلم يصعب على قبل هذا, وكنت أجرى على وجهه بريئا من كل ما يعاب من الأكفاء والإقواء والسناد والايطاء, وأكثر الصد والإعراض عن الجهال لقلة مبالاتي بهم. (97) وقال آخر: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) زعَم العواذِل أَن ناقَة جندُب ... بجنوب خبْت عريَت وأجمَّت كذب العواذل لَو رأيْن مناخنَا ... بالقادسيَّة قلْن لَج وجنَّت جندب: اسم الشاعر, وخبت: ماء الكلب, وعريت وأجمت: أريحت من الركوب, المعنى: هذا الشاعر بلغه انه ذكر بالتقصير في السير إلى العدو, فانتفى من ذلك, وكذب العواذل فيما حكي عنهن, وادعى كثرة السير على ناقته حتى ذلت. (98) وقال الراعي, مخضرم: (الثاني من الطويل والقافية متدارك) كفانِي عرفان الكرَى وكفيتُه ... كلوء النجوم والنعاس معانقُه فبات يريه عرسَه وبناتِه ... وبت أريه النجْم أيْن مخافقُه كلوء النجوم: حفظها, وكانوا يرعون النجوم لمعرفة مقادير الليل إذا أرادوا الهرب أو الطلب, والنعاس معانقه: أي ملازمه. يقول: سهرت ونام صاحبي, وكنت أرعى النجوم وهو نائم, وإنما سهرت لئلا يغافلنا عدو, والمخافق: يعني

المغارب, ويروى ((أنّي مخافقه)) أي كيف مغيبه. المعني: يصف تيقظه وتكرمه على صاحبه عرفان, لأنه سهر ونام عرفان, وكان يرى في نومه أهله, وبات هذا يراعي النجوم أين مغيبها. (99) وقال آخر إسلامي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ولسْت بنازِل إلا ألمت ... برحلي أَو خيالتهَا الكذوب وقَد جعلَت قلوص ابني سهيْل ... مِن الأكوار مرتعهَا قريب كأَن لها برحْل القوْم بوَّا ... وما أن طبهَا إلا اللغوب هذا رجل خرج مسافرا وقد نأى عن حبيبته يقول: ما أنزل منزلا إلا ألمت الجارية التي أهواها برحلي أو خيالها الكذوب, وجعلها كذوبا لأنه لا حقيقة لها, يقال: خيال وخيالة, وقوله: وقد جعلت قلوص يعني قلوص ابني سهيل تقرب مرتعها من الأكوار أي لم تتباعد في الرعي لما حط رحلها, لما بها من الأعياء, فنزلت مكانها أورعت رعيا قريبا ثم بركت, والبو: جلد السقب يحشى ويلقى بين يدي الناقة ترأمه, وطبها أي داؤها, يقول: وما داؤها إلا الكلال فقد أزمت لما بها من الإعياء, رحل القوم, كان لها في الرحل بوأ فلا تبرح. المعنى: يصف رؤيته من يهواها في نومه كثيرا, ويصف فرط كلال قلوص ابني سهيل حتى إنها ترتع بقرب الأكوار وهي الرحال كأنها ترأم بوَّأ لها. (100) وقال جندل بن عمرو, إسلامي, وضرب بنو عمه مولى له يقال له حوشب والجندل: الصخر.

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إن كنْت لا ارمَي وترمَى كنانتي ... تصِب جانحات النْبل كشحِي ومنكبِي يروى ((جائحات)) وهو المجتاحات المهلكات, قال أبو سعيد السيرافي ((جعل الكنانة مثلا لمولاه لأنه كان يستودعه سره كما يستودع الرجل الكنانة سهمه. يقول إذا رمى مولاي ولم ارم فكأن النبل أصابني فاغتضب وانتصر)) وقال غيره: هذا مثلا يضرب, وذلك أن رجلا من بني فزارة وآخر من بني أسد التقيا وكانا راميين, ومع الفزاري كنانة جديدة, ومع الأسدي كنانة رثة فقال الأسدي: أينا أرمى؟ فقال الفزاري أنا, فقال الأسدي: فانصب كنانتك أرم إليها فاني انصب كنانتي حتى ترمي إليها, فنصب الأسدي كنانته وجعل الفزاري يرميها ويقرطس حتى نفدت سهامه كلها, فلما رأى الأسدي سهام الفزاري قد نفدت قال: انصب كنانتك حتى ارميها فنصبها فرمى وسدد السهم نحوه حتى قتله فضرب مثلا لمن يعمل عملا وهو يرى غيره. يقول: إذا تعرض لمن يليني فقد تعرض لي فأكون بمنزلة من يرمى كنانته وهي عليه, لابد أن يصيبه ما يطيش من السهم. أفيقوا بنِي حزْن وأهواؤنَا معَا ... وأرحامنَا موصولَة لَم تقضَّب

فإن تبعثوهَا تبعثوهَا ذميمَة ... قبيحَة ذكْر الغِب للمتغيب سآخُذ منكُم آل حزْم بحوشَب ... واِن كان لي مولى وكنتُم بنِي أبِي أي تبعثوا الحرب ذميمة اذ تذمونها لما يلحقكم من القتل فيها, وقوله: قبيحة ذكر الغب أي العاقبة للمتغيب, أي لمن نظر في العاقبة, ويروي ((ذكر الغب للمتعقب)) ثم قال, ينتصر منهم, سآخذ آل حزم بحوشب أي أطالبكم به وان كنتم أسرتي, وكان حوشب مولى, يريد لا اترك مولاي يضيع ارتشي جنايته عندكم. المعنى: يستعطف بني حزن ويعرفهم إنهم أن يبعثوا الحرب لم يحمد عقباها, ويطالبهم بارش جنايتهم على مولاه. (101) وقال آخر. (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أبوك أبوك أربَد غير شَك ... أحلَّك في المخازِي حيْث حَلا فما أنفيك كَي تزداد لؤمَا ... لألأَم مِن أبيك ولا أذَلا التكرير تأكيد المعنى كما قال: ((أنا أبو النجم وشعري شعري)) المعنى يهجو

ابن اربد بدناءة النسب, يقول: أبوك اربد حقا أحلك منزلته من اللؤم ولا أحد ألام منه, أي أكثر لؤما واشد ذلا, فانفيك عن أبيك وأنسبك إليه لتزداد لؤما, وليس في البيتين ما يتعلق بالحماسة. (102) وقال جميل بن عبد الله بن معمر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أبوك حباب سارِق الضيف بردَه ... وجدِّي يا حجاج فارِس شمرَّا شمر- بفتح الشين- اسم فرس جده, ولا ينصرف للتعريف ومثال الفعل. المعنى: يهجو حجاجا بأن أباه سرق برد ضيفه, ويتمدح بفروسية جده, ويروى ((سارق البرد ضيفه)).

بنو الصالحين الصالحون ومن يكن ... لآباء صدق يلقهم حيث سيراً فان تغضبوا من قسمة الله حظكم ... فلله إذ لم يرضكم كان أبصرا ويروى "بيننا" ويروى "فيكم" والأول أجود، وقوله: إذا لم يرضكم أي لم يعطكم حتى ترضوا. المعنى: يقول: "الله أنزلكم منزلة الدناءة ورفعنا إلى عالي الرتبة وكان الله أبصر بما استحق كل واحد منا". (103) وقال أبو النشناش وكان لصاً، النشناش من قولك: نشنش الطائر ريشه إذا نتفه وألقاه: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إذا المرء لم يسرح سواماً ولم يرح ... سواماً ولم تعطف عليه أقاربه فللموت خير للفتى من قعوده ... عديماً ومن مولى تدب عقاربه ويروى "من حياته فقيراً" تدب عقاربه مثل يسري إليه نمائمه. المعنى: إذا افتقر المرء وأعرض عنه أقاربه فالموت خير له من حياته مع الفقر وجفاء الأقارب. ونائية الأرجاء طامسة الصوى ... خدت بأبي النشناش فيها ركائبه الصوى: العلامات والصوة العلم، هي كالمنارة يهتدي بها، خدت: أسرعت، المعنى: يصف مفازة بعيدة الأطراف سار فيها راكباً.

وسائلةٍ بالغيب عني وسائلٍ ... ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه ويروى "ابن ارتحالك غدوة" ويروى "وسائلةٍ أين ارتحال وسائلٍ" يقول: كم سائل عن وجه مسراي، ثم قال ابتداء: ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه، لأن مذاهبه مختلفة، المعنى: يصف اختلاف المذاهب بذي الحاجة، حتى انه يبتدئ في المسير ولا يدري أين يحل. فلم أر مثل الفقر ضاجعة الفتى ... ولا كسواد الليل أخفق طالبه ويروى "صاحبه" يقول: لم أر رجلاً يهتم بما يعدم فيضاجع همه ويقاسيه، ولا ينهض في طلب همه. المعنى: يحث على الطلب بالليل وينهى عن التواني فيه. (104) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا قالت العصماء يوم لقيتها ... أراك حديثاً ناعم البال أفرعا فقلت لها لا تنكريني فقل ما ... يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا

وللقارح اليعبوب خير علالة ... من الجدع المرخى وأبعد منزعا روى أبو زيد "يوم لقيتها كبرت ولم تجزع من الشيب مجزعاً" قال: أي لم تجزع حتى ينفعها الجزع، فأنني شبت في وقت المشيب، وجائز أن يكون المراد كبرت ولم تجزع أيها المرء من الشيب مجزعاً، ومن روى حديثاً ناعم البال أفرعا، فمعناه قالت: أراك حديث السن تام الشعر، وليس لك غير ذلك أي لا مال لك ولا حال، واليعبوب: الفرس الجاري، والمرخى. الذي يرخي في سيره رويدا رويداً، وأبعد منزعاً: أبعد غاية، والعلالة: بقية السير وهي العلالة وهي بقية اللبن في الضرع. المعنى: ذكر أن العصماء قالت له: "أراك شاباً لا حال لك فأجابها بأن الفتى قال: ما ينال سيادة إلا بعد الكبر، واستشهد على ذلك بأن القارح أبقى في الجري من الحديث السن، كما قيل. وما رواه أبو زيد أحسن وأظهر لأن الرجل يعتذر للشيب فلولا أنها عابته المشيب ما كان يحتاج إلى العذر. (105) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا قالت الخنساء يوم سويقة ... عهدتك دهراً طاوي الكشح أهضما فإما تريني اليوم أصبحت بادناً ... لديك فقد ألفى على البزل مرجما ويروى "يوم لقيتها" ويروى "فقد كنت عن بدن الكواكب مرجما" ويروى "على البرك مرجماً" وبادناً: أي ضخماً ثقيلاً، والمرجم: البعيد الغاية في السفر، المعنى: يذكر أن الخنساء قالت يوم سويقة: رأيتك زماناً ضرباً خفيفاً وقد تغيرت

الآن، وانه أجابها بقوله: إن أصبحت مثقلاً اليوم عندك فاني جلد فيما يحتاج إليه من شدة النفس وقوة الرجال في السفر عند الخصومة، وذهب بعضهم إلى أنه أراد أني كنت قبل هذا بهذه الصفة. وليس في البيت ما يقتضي ذلك، فلا حاجة إلى الفزع إليه، والأخذ بظاهرة ممكن وهو أمدح. (106) وقال شبيب بن عوانة الطائي، إسلامي، شبيب: مصدر شبّ الفرس، وعوانة: اسم مرتجل من العوان لأن الهاء لا تدخل العوان لفائدة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) قضى بيننا مروان أمس قضية ... فما زادنا مروان إلا تنائيا فلو كنت في الأرض الفضاء لعفتها ... ولكن أتت أبوابه من ورائيا يقول: حكم مروان بن الحكم علينا حكماً فما زادنا الا تنائياً أي تباعدا عن الرضا بتلك القضية، ولكن أتت أبوابه من ورائيا: أي كنت محبوساً في داره فلم أجسر على اظهار الكراهة لحكمه. (107) وقال جميل بن عبد الله بن معمر. (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) فليت رجالاً فيك قد نذروا دمي ... وهموا بقتلي يا بثين لقوني إذا ما رأوني طالعاً من ثنية ... يقولون من هذا وهم عرفوني

كان جميل يزور بثينة، وبنو أعمامها يهددونه بالقتل غير مكترث بهم. المعنى: يصف قلة مبالاته بوعيد بني أعمام بثينة، وأنه يتمنى لقاءهم ليروا شجاعته، ثم دلّ على فزعهم منه فأنهم إذا رأوه تجاهلوه فرقاً منه. يقولون لي أهلاً وسهلاً ومرحباً ... ولو ظفروا بي ساعهً قتلوني فكيف ولا توفي دماؤهم دمي ... ولا مالهم ذو كثرةٍ فيدوني ويروى "ذو ندهة" والندهة بضم النون وفتحها المال من صامت وناطق. المعنى: أن رهط بثينة إذا رأوني حيوني فرقاً لا محبة، فإذا تمكنوا مني قتلوني بغضاً، ثم قال: وكيف يقتلوني وهم دوني في الشرف ولا مال لهم فيدوني، وكانت دية الخطير في الجاهلية ألفاً من الإبل، وكانوا يقتلون بالواحد عشرة. (108) وقال يحيى بن منصور الحنفي، اسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر)

وجدنا أبانا كان حل ببلدة ... سوى بين قيس عيلان والفزر سوى: منصف في هذا الموضع ووسط بين دار قيس عيلان ودار سعد الفزاري. يريد حلّ بين مضر، ونأى عن ربيعة، وحنيفة من ربيعة. المعنى نذكره عند انقضاء الأبيات. فلما نأت عنا العشيرة كلها ... أنخنا فحالفنا السيوف على الدهر فما أسلمتنا عند يوم كريهة ... ولا نحن أغضينا الجفون على وتر العشيرة: أراد بها ربيعة أي لم تطبق جفوننا على وتر في قلوبنا حتى قضينا كل وتر، وأدركنا كل ثأر، وعن علي- رضي الله عنه- "كم أغظى على القذى وأسحب ذيلي على الأذى وأقول لعل وعسى"، ويروى "ولا نحن أغمدنا السيوف على وتر". المعنى: وجدنا أبانا فارق عشيرته ربيعة، وحلّ بين مضر فبعدت عنا عشيرتنا، فجعلنا السيوف حلفاءنا على أهل الدهر، فلم نخب ولم نعدم نصرتها. (109) وقال أبو صخر الهذلي:

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) رأيت فضيلة القرشي لما ... رأيت الخيل تشجر بالرماح ورنقت المنية فهي ظل ... على الأبطال دانية الجناح فكان أشدهم قلباً وبأساً ... وأصبر في الحروب على الجراح قال أبو رياش: رأيت فضيلة القرشي_ على التصغير ونصب القرشي، وليس هذان البيتان في ديوان أبي صخر، ولعل معناه ضربت رثة فضيلة بمعنى قتلته، كما يقال: بطنته أصبت بطنه، وان كان من رؤية العين فمعناه رأيت مشتجر الرماح، كأنه شهد هذا الشاعر وفضيلة الحرب فسئل عنه فجمجم، ومما يؤيد ذلك قوله: "ورنقت المنية فهي ظل" ويقوي هذا الوجه ما بعده وهو قوله: "فكان أشدهم بأساً"، وروت عامة الرواة "رأيت فضيلة القرشي" واحدة الفضائل، وهذا واضح. وتشجر أي تطعن، ورنقت من رنق النسر اذا مدّ جناحه وتهيأ للطيران، ودامية الجناح أي المنية قريبة من الأبطال كأنه جعل السيوف كالجناح للميت، المعنى: يصف في أحد التأويلين شجاعة القرشي في شدة الحرب، وفي قول أبي رياش يصف أنه رأى فضيلة بعريض التلف.

(110) وقال بعض بني عبس، مخضرم، والحرث بن كعب وضبة إخوة لأم فيما يزعمون. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أرق لأرحام أراها قريبة ... لحار بن كعب لا لجرم وراسب وأنا نرى أقدامنا في نعالهم ... وانفنا بين اللحى والحواجب وأخلاقنا إعطاءنا وإباءنا ... إذا ما أبينا لا ندر لعاصب ويروى "شقيقة" أي مشقوقة، وقوله: لحار بن كعب رخم في غير النداء، وعند النحويين قبيح الا إن جاء في الشعر قال مهلهل: ونبيد الهمام من رهط حار ... ونشيب القذال بعد القذال راسب من جرم، وجرم من قضاعة، ونسب حار بن كعب في نزار، وكعب

وضبة إخوة لأم، وذلك أن امرأة من العرب رأت في منامها أنه خرج من فرجها ثلاث جمرات فتزوجها رجل من اليمن، فولدت له الحارث، ثم تزوجها بغيض بن زبير ابن غطفان فولدت له عبساً، ثم تزوجها أد فولدت له ضبة فجاءوا فرساناً من فرسان العرب المشهورة، فهؤلاء الجمرات، فجمرات من مضر وجمرة من اليمن. يخبر أنه يرق لأرحام بينه وبين حار بن كعب في نزار، وان كان انتسابهم إلى اليمن. يقول: أعضاؤنا متشابهة لما بيننا من الرحم فكأن أقدامهم أقدامنا في نعالهم وآنفنا التي بين لحانا وحواجبنا آنفهم. قال أبو رياش: إنما خص الأقدام والآنف لأنه يقال: أكثر الشبه فيهما. يقول: لا يتميز بعضنا من بعض كأناهم. وقوله: "لا ندر لعاصب" مثل، وذلك إن الناقة إذا تأبت شدت فخذها لتدر، والخيط الذي تعصب به عصب، والناقة التي لا تدر إلا على ذلك عصوب. المعنى: يصف رقته للحارث بن كعب فيما جرى عليهم لما بينهم من الرحم وشدة المشابهة حتى لا يتميز بعضهم من بعض. (111) وقال رجل من شعراء حمير، في وقعة كانت لبني عبد مناة وكلب على حمير، فقتل فيها عقلمة بن ذي يزن الحميري، ويقال: انه لرجل من كلب، وحمير: اسم مرتجل، وزعم ابن الكلبي انه كان يلبس حللاً حمرا. (الأول من المنسرح والقافية من المتراكب)

يا من رأى يومنا ويوم بني التيـ ... ـم إذ التف صيقه بدمه لما رأوا أن يومهم أشب ... شدوا حيازيمهم على ألمه ويروى "اذا التف صيقه وصيده، فيريد احدهما ان الصيد وهم الكماة التبسوا بدم ذلك اليوم رأي ما أريق فيه من الدماء، ومن روى صيقه معناه اجتمع عليهم الصيق يومئذ في الحرب من كثرة الرجال والجراحات، والصيق: الغبار، وأشب: أي ضيق، والحيازيم: جمع حيزوم وهو الصدر، ويقال: انه عظام الصدر، وقوله: شدوا حيازيمهم مثل أي تجلدوا، لأن العرب تقول: اشدد حيازيمك لهذا الأمر أي تجلد فيه، وعلى ألمه يعني على الألم الكائن في يومهم، وقيل: أراد ألم الحيازيم فرد على الواحد. المعنى: يتعجب من شدة يوم الوقعة ويقول: من رأى يومنا ويوم بني التيم اذ كثر فيه القتل والجرح وسطغ فيه الغبار، لما رأوا أن يومهم شديد تجلدوا فيه وصبروا على شدته. كأنما الأسد في عرينهم ... ونحن كالليل جاش في قتمه لا يسلمون الغداة جارهم ... حتى يزل الشراك عن قدمه ولا يخيم اللقاء فارسهم ... حتى يشق الصفوف من كرمه شبه بني التيم بالأسد في الأجمة، وشبه قومه ونفسه بالليل المقبل بالظلمة، لأن الليل [لا] يمتنع منه شيء، بل يدخل على كل شيء غالباً، ويروى "في غشمه" أي سواده، وقوله لا يسلمون أي لا يخذلون جارهم أبداً، ولمن يرد وقتاً بعينه، وأفرد جارهم وأراد من يجاورهم، ومعنى حتى يزلّ الشراك أي أبداً ما دام يعيش، وقوله: لا يخيم اللقاء أي لا يجبن عند اللقاء. المعنى: شبه بني التيم

بالثبات في الحرب وحفظ الجار فقال: لا يخذل جارهم حتى يموت، ولا يرجع فارسهم عن الحرب حتى يبدد صف العدو من كرمه، لأنه لا يرضى بالعار. ما برح التيم يعتزون وزر ق الخط تشفي السقيم من سقمه حتى تولت جموع حمير فالـ ـفل سريع يهوي إلى أممه وكم تركنا هناك من بطل تسفي عليه الرياح في لممة زرق الخط: يعني أسنة الرماح، وقوم فل: منهزمون، والهاء في أممه عائدة إلى الفل لفظًا. المعنى: مازالت التيم تنشب في الحرب، والأسدة تجرح وتذهب بخيلاء القوم حتى انهزمت جموع حمير، فأسرع المنهزمون إلى مقاصدهم وكم تركنا هناك من بطل قتيلاً. (112) وقال حسان بن نشبة أحد بني عدي بن عبد مناة بن أد بن ضبة، ونشبة من أسماء الذنب، من نشبه إذا علقه، وحسان من الحس والحس لا من الحسن لأنه لا ينصرف، ومناة: اسم مرتجل اسم صنم من مناه يمنيه إذا قدره. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) نحن أجرنا الحي كلبًا وقد أتت لها حمير تزجي الوشيج المقوما أجرنا: جعلناهم في جوارنا، تزجى: تسوق الرمامح. المعنى: يصف اغاثتهم كلبًا وقد قصدهم العدو وهم حمير حاملة الرماح المثقفة.

تركنا لهم شق الشمال فأصبحوا جميعًا يزجون المطي المخزما شق الشمال: ناحية الشمال، وضربه ها هنا مثلاً للانهزام، أي ولوا وتركناهم ومقصدهم، ولم نقف أثرهم، والمخزم: الذي جعل في أنفه الخزام، وهو ما يجعل في أنف البعير من الشعر. المعنى؛ تركنا لكلب طريق الهزيمة فصاروا يحثون مطاياهم على السير منهزمين، خوفًا من أن تقتفي آثارهم. فلما دنوا صلنا ففرق شملهم سحابتنا تندي أسرتها دمًا فغادرن قيلا من مقاول حمير كأن بخديه من الدم عندما الأسرة: بطون الأودية، كأنها أسرة الوجه واليد وهي الخطوط التي فيها، وقيل: الأسرة طريق في السحاب قال البرقي: وهو مثل: والعندم قيل: أنه بقم وقيل دم الأخوين، وشبه حمرة الدم على خدي القتيل بلون العندم. المعنى: لم نقاتلهم للحرب غير مكترثين بهم، فلما دنوا منا حملنا عليهم ففرقنا جمعهم، وجرت الأدوية من دمائهم، وتركت خيلنا رئيسًا من رؤساء حمير قتيلاً، يعني علقمة بن ذي يزن. أمر على أفواه من ذاق طعمها مطاعمنا يمججن صابًا وعلقمًا يمججن المطعم: أي يقذفن صابًا وعلقمًا. المعنى: يصف شدتهم على أعدائهم يقول: فنحن لمن ذاقنا في الحروب من المطاعم في المرارة بمنزلة الصاب والعلقم.

(113) وقال في ذلك أيضًا: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إني وإن لم أفد حيًا سواهم فداء لتيم يوم كلب وحميرًا أبوا أن يبيحوا جارهم لعدوهم وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا أي أبوا أن يخلوا بين جارهم والعدو، وتكوثر: تفوعل من الكثرة، ومعناه أبلغ من كثر، والكوثر نفسه الغبار، ويروي "حتى تكورا "من كور العمامة، أي ركب بعضه بعضًا. المعنى: يقول: أنا وإن ترفعت أن أفدي حيًا لعزة نفسي فإني فداء لتيم يوم كلب وحمير، لأن تيمًا أبلوا بلاء جميمًا، وظاهروا كثيرًا، لم يخذلوا جارهم وقد اشتدت الحرب. سموا نحو قيل القوم يبتدرونه بأسيافهم حتى هوى فتقطرا وكانوا كأنف الليث لاشم مرغمًا ولا نال قط الصيد حتى تعفرا يقول: أن أحمي الأشياء أنف الليث، وقوله: "ولا نال قط "يروي "ولا نال فظ الصيد "وهو الماء الذي يوجد في الكرش يشرب عند العطش الشديد، لأنهم إذا أجهدهم العطش نحروا ما يصحبهم من اقبل فعصروا فرثه، فيقال: افتظ الرجل. المعنى: يصفهم بالشجاعة ويذكر أنهم قتلوا رئيس حمير حتى سقط قتيلاً. يمدحهم بالعزة وشبههم بأنف الليث. (114) وقال هلال بن رزين أخو بني ثور بن عبد مناة بن أد، جاهلي، والرزين: الشيء الثقيل والمرأة رزان، ويقال لها: رزين أيضًا.

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) وبالبيداء لما أن تلاقت بها كلب وحل بها النذور فحانت حمير لما التقينا وكان لهم بها يوم عسير وأيقنت القبائل من جناب وعامر أن سيمنعها نصير أجادت وبل مدجنة قدرت عليهم صوب سارية درور فولوا تحت قطقطها سراعا تكبهم المهندة الذكور القطقط: الرذاذ من المطر، والبيداء ها هنا موضع بعينه كانت به وقعة بين كلب وحمير، ويروي "فخابت "من الخيبة، وكان لهم أي لحمير بالبيداء يوم شديد صعب، وجناب: قبيلة من كلب. المعنى: يصف شجاعتهم وتيقن القبائل التي استنجدتهم بنصرتهم إياهم، وبين أن كلبًا كانت عليهم نذور أن ظفروا بحمير، فلما التقوا وجبت نذورهم وهلكت حمير، وشبه أصحابه بسحابة مظلمة لكثرتهم والسهام النافذة إلى حمير بصغار القطر، وإن حمير ولت والسيوف تأخذ منهم قتلاً وصرعا، وسحابتهم تمطر السلاح وبلاً ودرًا. (115) وقال جزء بن ضرار، أخو الشماخ، مخضرم: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر)

أتاني فلم أسرر به حين جاءني حديث بأعلى القنتين عجيب تصاممته لما أتاني يقينه وأفزع منه مخطئ ومصيب القنتان: جبل مشرف بعض الإشراف، والجمع قنان، ويروي "غداة القنتين "، فأفزع منه مخطئ ومصيب، فالمخطئ الأول الذي كذبه، والمصيب الثاني الذي صدقه. المعنى أتاني حديث عجيب بأعلى القنتين فلم أسرر به وتكلفت أن لا أتيقنه وأبطله حتى أتتني صحته. يستعظم الخبر الوارد عليه بحلول الحوادث في أهله، ويروي "مني مخطئ ". وحدثت قومي أحدث الدهر فيهم وعهدهم بالحادثات قريب ويروي "بالنائبات "المعنى: بين في هذا البيت معنى الحديث الذي أتاه بأعلى القنتين فتصامم عنه، وهو إحداث الدهر في أهله حوادث. فإن يك حقًا ما أتاني فإنهم كرام إذا ما النائبات تنوب فقيرهم مبدي الغني وغنيهم له ورق للسائلين رطيب ذلولهم صعب القياد وصعبهم ذلول بحق الراغبين ركوب أي يتجمل فقيرهم ولا يتضعضع للدهر، ولا يظهر الاستكانة، وقوله: وغنيهم له ورق رطيب للسائلين هذا مثل ضربه، وذلك أن الشجر إذا كان رطب الورق عاشت به إبلهم، وكثر به انتفاعهم، ثم وصفهم بالعزة على من يقصدهم بالضيم، والانقياد لمن يرغب في إحسانهم فقال: ذلولهم صعب القياد أي يصعب ذلولهم على من رام ضيمهم، وصعبهم ذلول ركوب بحق الراغبين أي ينقاد الصعب منهم عند أداء الحق ويصير كالجمل المركوب، والركوب بمعنى مركوب ها هنا. المعنى يصف قومه بالكرم والتجمل عند الفقر، والبذل في حالة الغنى، والعزة عند الضيم والانقياد لا داء الحق. ومن يغمروا منهم بفضل فإنه إذا ما انتمى في آخرين نجيب غمرته بكذا أي غلبته. المعنى: يريد أن من ولدوه لا يدرك شاوه شرفًا ومجدًا، ومن فضلوه وغمروه فيهم بفضلهم إذا انتسب إليهم في غير قبيلتهم كان

هناك نجيبًا أي مفضولهم فاضل في غيرهم. إذا رنقت أخلاق قوم مصيبة تصفي لها أخلاقهم وتطيب رنقت: كدرت. المعنى: يختبر الكرام عند النوائب، فمن لم يتعرض عند الشدائد للدنية فهو عين الكريم يقول: إذا أكدرت مصيبة أخلاق قوم، فإن أخلاقهم تطيب وتصفو بتلك المصيبة، لا يأتون فيها ما يضع منهم، ويقبح ذكرهم كما يفعله غيرهم. (116) وقال القطامي واسمه عمير التغلبي، إسلامي، القطامي- بفتح القاف وضمها- الصقر، ويقال: القطام، بالفتح بلا ياء: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ومن تكن الحضارة أعجبته فأي أناس بادية ترانا ومن ربط الجحاش فإن فينا قنا سلبًا وأفراسًا حسانًا الحضارة- بفتح الحاء وكسرها-: مصدر الحاضر، وسلبًا: أي طويلة، قال أبو رياش: أرى سلبًا جمع مسلوب إي هو يسلب الأنفس، قال: وسلب أجود

لأنه قل ما يقال: رمح سلوب وسالب. المعنى: يقول: من أعجبه نزول الحضر فأي رجال بادية ترانا، وإذا حصلت الرجال أي نحن أهل بادية فكيف ترانا، يفضل أهل البدو على أهل الحضر، ثم قال: من أعجبه إمساك الحمير ورضي بها، فأنا لا نرضى بمثل ذلك، ولكنا أصحاب قنا وخيل حسان. وكن إذا أغرن على جناب وأعوزهن نهب حيث كانا أغرن من الرباب على حلول وضبة إنه من حان حانا وأحيانًا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا وكن: يريد الخيل، وأنزلها منزلة أربابها وهم المغيرون، وبقد روى "أغرن من الضباب "والرباب وضبة قبيلتان، والحلول: الحي الذي يكونون في مكان واحد، وقوله: أنه من حان حانا: أي من قدر له الموت هلك، الأول من الحين وهو الوقت. المعنى: يصف اعتيادهم للغارات، وأنهم يغيرون أبدًا على القبائل الكبار نحو ضبة بن أد وبكر بن وائل، وأنهم يسثقون بأن من حان أجله مات، ما تقدم أو تأخر، لا يجبنون ولا يخافون، فإذا لم يجدوا من يغيرون عليه من أعدائهم أغاروا على من يليهم من أدانيهم لأنهم لا يصبرون عن الغارة. (117) وقال الأعرج المعني من بني سليم، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أرى أم سهل ما تزال تفجع تلوم وما أدري علام توجع ويروي "ألا أم سهل ما تزال "ويروي "لا تزال "ومعنى تفجع: تتوجع. المعنى: يصف شكاية امرأته من سقيه فرسه لبن ناقته، وقد علمت أنه لا

يبالي شكايتها ولومها، فقال على سبيل التعجب، علام توجع، وبين وجه التوجع فقال: تلوم على أن أعطي الورد لقحة وما تستوي والورد ساعة تفزع إذا هي قامت حاسرًا مشمعلة نخيب الفؤاد رأسها ما يقنع وقمت إليه باللجام ميسرًا هنالك يجزيني الذي كنت أصنع الورد: اسم فرسه، لقحة: أي لبن لقحة وهي الناقة الحديثة النتاج، وما تستوي أم سهل والورد، نصب لأن الواو بمعنى مع، ورفعه أيضًا حسن، وساعة تفزع يعني المرأة، ثم بين فعلها فقال: إذا هي قامت مشمعلة مشمرة، نخيب الفؤاد: أي منخوبة القلب كأنها لا قلب لها، رأسها ما يقنع أي لا تستر رأسها، وقمت إليه: يعني الورد، ميسرًا: أي مهيئًا للأمر الذي أريده. المعنى: تلوم هذه المرأة على إعطاء فرسي لبن ناقتي، ولا أعطيها ذلك، ولا يستويان هما، إذا وقع الفزع لأنها تزيدني قلقًا بجزعها والكشف عن رأسها وجهها، والفرس أقاتل عليه عدوي وأحفظ به حريمي (118) وقال حجر بن خالد بن محمود بن عمرو بن مرثد، جاهلي، حجر: فعل من حجرت أي منعت، مرثد: من رثدت المتاع أي أنضدت (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) كلبية علق الفؤاد بذكرها ما إن تزال ترى لها أهوالاً فأقنى حياءك لا أبا لك إنني في أرض فارس موثق أحوالاً وإذا هلكت فلا تريدي عاجزًا غسأ ولا برمًا ولا معزالا واستبدلي ختنًا لأهلك مثله يعطي الجزيل ويقتل الأبطالا غير الجدير بأن تكون لقوحه ربا عليه ولا الفصيل عيالاً

فاقني حياءك أي ألزمي حياءك، فكفي عني نفسك فإني عنك في شغل، لأنه كان مأسورًا، يقال: قني يقنى قني أي حفظ، ومنه القنية، وقوله: لا أبا لك مدح عند العرب وليس بسوء يراد، الغس: الضعيف وجمعه أغساس وغسسة، والبرم: البخيل الذي لا يشهد الميسر، والمعزال له تفسيران: أحدهما الذي لا سلاح معه، والاخر الذي لا ينزل مع القوم في السفر ولكنه ينزل ناحية، واستبدلي ختنا أي تزوجي بعد هلاكي مثلي، ومعنى ولا الفصيل عيالاً أي ولد ناقته يشفق عليه فلا ينحره فهو عياله دون الأضياف، والسخي لا يبالي بنحر ماله. المعنى: هذا الشاعر كان محبوسًا في أرض العجم، فذكر حاله ومن هواها، وأنذرها أن تتزوج عاجزًا ضعيفًا بخيلاً لا يأخذ السلاح، وأمرها أن تتزوج من يعطي الكثير، ويقتل الأبطال، ويهين الأموال، وأراد بذلك تفخيم أمر نفسه ومنعها من التزويج. (119) وقال ابن رميض العنبري، وقيل: العنزي، ورميض تصغير رمض وهو إصابة الشمس. (من مشطور الرجز وقوافيه من المتراكب والمتدارك والمتراكب داخل على المتدارك) باتوا نيامًا وابن هند لم ينم بات يقاسيها غلام كالزلم خدلج الساقين خفاق القدم قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي غبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر الوضم

قال أبو حاتم: يصف إبلاً ساقها ابن هند من أصحابه ولم ينم لأنه كان يسوقها، وقوله: بات يقاسيها أي يحرسها لشهامته ويصبر على السهر والكد في سوقها، وشبهه بالزلم وهو القدح لأن الفتى يشبه بالقدح لاستوائه، كما يشبه بالسيف، وخدلج الساقين ممتلئهما، وخفاق القدم أي خفيف سريع ضراب بها على الأرض، يسمع له خفقان، وقوله: "قد لفها الليل بسواق حطم "يعني طارد أهل نهب وغارة، ولا بجزار على ظهر الوضم أي لا يسوقها لبيع لحمها على الوضم. المعنى: يمدح ابن هند ويصفه باستقامة القد وغلظ الساقين وخفة الخطو، والصبر على سوق الإبل، وإنه لا يسوقها لأنه راع أو جزار، ولكنه بطل كريم يحفظ جاره ويكفيه حفظ ماله. (120) وقال جعفر بن علبة، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا لا أبالي بعد يوم بسحبل إذا لم أعذب أن يجئ حماميا تركت بجنبي سحبل وتلاعه مراق دم لا يبرح الدهر ثاويًا إذا ما أتيت الحارثيات فأنعني لهن وخبرهن ألا تلاقيا وقود قلوصي بينهن فإنها ستضحك مسروًا وتبكي بواكيا سحبل: واد باليمن كانت فيه حرب بين بني عقيل وبني الحارث بن كعب، وكانت الدائرة على بلحارث فأصيب جعفر هذا الشاعر بجراحة أثخنته فاستسلم للهلاك. المعنى: يصف إدراكه مناه لأنه قتل في تلك الوقعة شريفًا من أشراف عدوه إلا أنه اشترط على نفسه فقال: إذا لم أعذب، أي لم أعاقب على ذنوبي، ثم بين ما فعله فقال: تركت بجنبي سحبل وتلاعه مراق دم لا يبرح الدهر ثاويًا، أي قتلت بها من لا ينسى أبدًا، ثم أمر ناعيه أن ينعاه إلى نساء قومه ليندبنه.

(121) وقال أخر، إسلامي: (الثاني الطويل والقافية من المتدارك) لعمري لرهط المرء خير بقية ... عليه وإن عالوا به كل مركب إذا كنت في قوم ولم تك منهم ... فكل ما علفت من خبيث وطيب ويروى "في قوم عدى لست منهم". المعنى: يقول: قوم الرجل أبقى عليه -وإن بالغوا في الإساءة إليه- من الأباعد، ثم قال: إذا كنت في غير أهلك لم تجد منهم من النصفة، وقد أكثر الشعراء في هذا المعنى. (122) وقال البرج بن مسهر الطائي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) فنعم الحي كلب غير أنا ... رأينا في جوارهم هنات ونعم الحي كلب غير أنا ... رزئنا من بنين ومن بنات هنات: أمور مكروهة لا تستعمل إلا في الشر. المعنى: يقول مستهزئا: نعم الحي كلب غير أنهم أساءوا جواري وغدروا بي، فقتلوا أبنائي وسبوا بناتي، يهجوهم ويشكو سوء جوارهم.

فإن الغدر قد أمسى وأضحى ... مقيماً بين خبت إلى المسات تركنا قومنا من حرب عام ... ألا يا قوم للأمر الشتات وأخرجنا الأيامى من قصور ... بها دار الإقامة والثبات فإن نرجع إلى الجبلين يوماً ... نصالح قومنا حتى الممات ويروى "الموالي من حصون" ويروى "دار المقامة"، المعنى: يصف كلبا بالغدر، وأن الغدر مقيم في أوطانهم، ثم أخذ يتلهف على ما كان منه من مفارقة قومه لما لحقهم من الذل، ويقول: إن رجعنا إلى قومنا صالحناهم ولم نفارقهم أبداً. (123) وقال موسى بن جابر الحنفي: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) لا أشتهي يا قوم إلا كارهاً ... باب الأمير ولا دفاع الحاجب ومن الرجال أسنة مذروبة ... ومزندون شهودهم كالغائب منهم ليوث لا ترام وبعضهم ... مما قمشت وضم حبل الحاطب المعنى: يصف تعززه في نفسه واختلاف أحوال الناس في الغناء والضعف، يقول: لا أحضر باب الأمير ولا دفاع الحاجب إلا كارهاً، والناس مختلفون منهم كالأسنة المحددة مضاء ونفاذاً، ومنهم الضيقو النفوس لا فضل لشهودهم على غيبتهم، ومنهم كالأسود لا يطمع فيها، ومنهم من لا يعبأ بهم، يجمع ويذلل كالقماش والعيدان.

(124) وقال رجل من بني أسد، مخضرم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وقلت لنفسي حين حود رألها ... مكانك لما تشفقني حين مشفق مكانك حتى تنظري عم تنجلي ... عماية هذا العارض المتألق التخويد: ضرب من السير السريع: والرأل: فرخ النعام، والنعام أشد الأشياء نفاراً، فيشبه به في النفار، ويروى "مكانك" و "رويدك"، والعماية: الظلمة، ويروى "غيابة" و "عماية" والمتالق: المتلاليء. المعنى: يصف أنه لما استشنع الفزع من نفسه شجعها وصبرها وقال: قلت لنفسي لما فزعت: لم تشفقين وليس وقت الاشفاق، فاثبتي حتى تنظري إلى ماذا يصير أمر هذا العارض يعني الجيش ويروى "حين حق دراكها". (125) وقال موسى بن جابر:

(الأول من الطويل والقافية من المتواتر) قلت لزيد لا تترتر فإنهم ... يرون المنايا دون قتلك أو قتلي فإن وضعوا حربا فضعها وإن أبوا ... فعرضة عرض الحرب مثلك أو مثلي وإن رفعوا الحرب العوان التي ترى ... فشب وقود الحرب بالحطب الجزل لا تترتر: لا تقلق ولا تجبن، ويروى "لا تبربر" وهو كثرة الكلام، ويروى "لا تبزبز" والبزبزة: الطيش والإسراع وكثرة الحركة، ولا تثرثر هي أيضاً كثرة الكلام، وكلها متقاربة في المعنى، ويروى "فعرضة حد السيف". المعنى: قلت لصاحبي المسمى زيداً. لا تقلق ولا تكثر فإن أعداءنا لا يقدرون علينا لأنهم يرقبون المنايا دون قتل واحد منا فإن سالموا فسالم، وإن حاربوا فحارب، فإن رجال الحرب مثلك أو مثلي، فأوهنا بمعنى الواو، يعني مثلك ومثلي. (126) وقال أيضاً: (الثاني من الطويل والقافية متدارك) إذا ذكر ابنا العنبرية لم تضق ... ذراعي وألقى باسته من أفاخر هلالان حمالان في كل شتوة ... من الثقل ما لا تستطيع الأباعر هلالان: يعني ابني العنبرية، حمالان في كل شتوة: أي يحملان من الحمالات ومؤن الناس في كل حدب ما لا يستطيع حمله الأباعر. المعنى: يفتخر بابني العنبرية ويذكر أنه يغلب لمفاخرتهما، ويصف حسنهما وانتفاع الناس بهما. (127) وقال أيضاً:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألم تريا أني حميت حقيقتي ... وباشرت حد الموت والموت دونها وجدت بنفس لا يجاد بمثلها ... وقلت اطمئني حين ساءت ظنونها وما خير مال لا يقي الذم ربه ... ونفس امريء في حقها لا يهينها وجدت بنفسي: أي أقدمت إقدام من لا يبالي بنفسه، حين ساء ظنونها: أي حين خافت وجبنت. المعنى: يصف شجاعته وبذله النفس في حفظ الحقيقة، وبين أنه لا خير في مال لا يقي العرض، ولا في نفس تهان عند الحق. (128) وقال أيضاً: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ذهبتم ولذتم بالأمير وقلتم ... تركنا أحاديثاً ولحماً موضعا فما زادني إلا سناء ورفعة ... وما زادكم في الناس إلا تخضعا وما نفرت جني ولا فل مبردي ... ولا أصبحت طيري من الخوف وقعا لحماً موضعا: أي مطروحاً، وخص اللحم لأنه يسرع إليه الفساد، والعرب تقول: فلان ساكن الطائر إذا كان هادئا، ويروى "ثناء ورفعة". المعنى: يعاتب قوماً سعوا به والتجأوا إلى الأمير، وقدروا أنهم ضيعوه، فلم يؤثر ذلك فيه، ولم يكترث بهم بل رفعه ذلك وحط أعداءه. (129) وقال حريث بن جابر بن سري بن سلمة، مخضرم:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لعمرك ما أنصفتني حين سمتني ... هواك مع المولى وأن لا هوى ليا إذا ظلم المولى فزعت لظلمه ... فحرك أحشائي وهرت كلابيا سمتني: كلفتني وظلمتني، والمولى ها هنا ابن العم، حرك أحشائي: أي أزعجني وأقلقني. المعنى: يتبرأ من خذلانه ابن عمه، ويصف فرط اهتمامه بشأنه، وأنه إذا ظلم ابن عمه أعانه وقلق منه، وأنكر على الظالم ظلمه، يعاتب صاحبه في ذلك. (135) وقال البعيث بن حريث الحنفي، إسلامي، البعيث: فعيل بمعنى مفعول كأنه مبعوث: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) خيال لأم السلسبيل ودونها ... مسيرة شهر للبريد المذبذب فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا ... فرد بتأهيل وسهل ومرحب المذبذب: الراتب، والرجل المذبذب: المتردد بين أمرين. المعنى: يصف رؤيته خيال أم السلسبيل وهي على مسافة شهر للبريد المتسرع، وأنه ربح به فأجابه الخيال بمثل ذلك. معاذ الإله أن تكون كظبية ... ولا دمية ولا عقيلة ربرب ولكنها زادت على الحسن كله ... كمالا ومن طيب على كل طيب المعنى: ينفي مشابهة أم السلسبيل وهي المرأة التي شبب بها، الظبية في الجيد

والدمية في الحسن، وولد البقرة في العين، ويرفعها عن مساواة هذه الأشياء، لأنها أحسن من كل حسن وأطيب من كل طيب. وإن مسيري في البلاد ومنزلي ... لبالمنازل الأقصى إذا لم أقرب ولست وإن قربت يوماً ببائع ... خلاقي ولا قومي ابتغاء التحبب ويعتده قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي المعنى: يقول: إذا لم يعرف قومي مكاني ولم يجلوني فارقتهم وتباعدت عنهم، ثم قال: ولا أدع أخلاقي لا حلال الناس إياي مبتغياً التحبب إليهم، وكثير من الناس يعتد ذلك تجارة ببيع دينه بشيء من عرض الدنيا. دعاني يزيد بعد ما ساء ظنه ... وعبس وقد كانا على حد منكب وقد علما أن العشيرة كلها ... سوى محضري من خاذلين وغيب فكنت أنا الحامي حقيقة وائل ... كما كان يحمي عن حقائقها أبي المعنى: يصف التقاء القبيلتين عبس ويزيد بعد الضرورة إليه، وقد علم أن حضور غيره لا يعنيهم لأن حضورهم وغيبتهم سواء، فلما دعوه حماهم ودفع عنهم، ثم مدح أباه فقال: كما كان يحمي عن حقائقها أبي أي أنا شجاع ابن شجاع وكريم ابن كريم. (131) وقال المثلم بن رياح بن ظالم المري، ورياح: الريح بعينه: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) من مبلغ عني سنانا رسالة ... وشجنة أن قوماً خذا الحق أودعا

سأكفيك جنبي وضعه ووساده ... وأغضب إن لم تعط بالحق أشجعا خذا الحق أو دعا: يحتمل معنيين أحدهما أنكما لا تقدران على ذلك فخذا الحق أو دعا إن قدرتما على ذلك، والآخر خذا الحق أو دعا فإنكما لا تردان على ذلك فلا تطمعا في غيرهما وهذا أقرب، وقوله: سأكفيك أي لا أكلفك من أمري شيئا إن أمسكت وإن رمت ظلم أشجع -وهي قبيلة أعنتها عليكم- غضبت لها. المعنى: يهدد سنانا وشجنة وينهاهما عن ظلم أشجع، ويذكر تعصبه لهم، ويروى "وضعة ووسادة بالتنوين". تصيح الردينيات فينا وفيهم ... صياح بنات الماء أصبحن جوعا لففنا البيوت بالبيوت فأصبحوا ... بني عمنا من يرمهم يرمنا معا بنات الماء: الضفادع وقيل: طير الماء. المعنى: يصف شدة المطاعنة حتى ارتفعت أصوات الأسنة في الحديد كأصوات الضفادع إذا جاعت أو طير الماء، ويحصل أن يكون المعنى الإشارة إلى عزمهم على غزو القوم فدل بصياح الرماح مشتهية الطعن على ذلك، وقوله: لففنا البيوت أي لففنا بيوت أشجع ببيوتنا أي خلطناهم بجماعتنا، فأصبحوا كبني عمنا يمسنا ما يمسهم، والمعنى: يصف اتصال أشجع بهم، والتزامهم زمامهم حتى لا يتميزوا عنهم. (132) وقال آخر، وهو سالم بن دارة، إسلامي:

(الأول من الكامل والقافية من المتدارك) يا زمل إني إن تكن لي حاديا ... أعكر عليك وإن ترغ لا تسبق إني امرؤ تجد الرجال عداوتي ... وجد الركاب من الذباب الأزرق الحادي ها هنا: المهيج، وأعكر عليك: أي أعطف عليك، فإن ترغ: أي تعدل، ويروى "إن تزغ" بالزاي، والذباب الأزرق أشد الذبان أذى. المعنى: يصف جلادته وشدة مكروهه على أعدائه ويقول لزمل: أنك لا تفوتني بحال. (133) وقال الحصين بن الحمام المري: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) فقلت لهم يا آل ذبيان ما لكم ... تفاقدتم لا تقدمون مقدما مواليكم مولى الولادة منهم ... ومولى اليمين حابس قد تقسما ذبيان وذبيان، تفاقدتم: دعا عليهم، مولى الولادة ابن العم، ومولى اليمين: مولى العتاقة، ويجوز أن يكون حابس بمعنى محبوس كقوله تعالى:

(من ماء دافق) و "في عشية راضية"، وقوله: قد تقسما: أي قسم قسمة الرق فيما بينهم. وقلت تبين إنما بين ضارج ... ونهي الأكف صارخ غير أخرما من الصبح حتى تغرب الشمس لا ترى ... من القوم إلا خارجيا مسوما عليهن فتيان كساهم محرق ... وكان إذا يكسو أجاد وأكرما صفائح بصرى أخلصتها قيونها ... ومطردا من نسج داود محكما ضارج ماء لبني عبس، وصارخ غير أخرما، الصارخ: المستغيث ها هنا. غير أخرما: غير منقطع، أي هم متصلون في الصراخ، يرفع بعضهم بعضا، وقال بعضهم: صارخ هنا مغيث، وأحرم: اسم جبل، ومعنى البيت: ليس بين هذين الماءين مفزع إلا ذلك الجبل، ويجوز أن يكون "مطرداً" أي من صفائها وبضيضها كأنها تطرد اطراد الماء. المعنى: يحث أصحابه على استنقاذ مولاهم، ويذكر اتصال الصراخ، ثم وصف الخيل بالجودة، والفرسان بجودة الشكة وأن سيوفهم ودروعهم من عطية عمرو بن هند، وكان عمرو جزل العطية سني الهبة. ولما رأينا الصبر قد حيل دونه ... وإن كان يوماً ذا كواكب مظلما صبرنا وكان الصبر منا سجية ... بأسيافنا يقطعن كفا ومعصما نفلق هاما من أناس أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما المعنى: لما رأينا ألا صبر على ما نلقى منهم، وإن كان يوماً صعبا، والعرب تعبر عن صعوبة اليوم بظهور الكواكب فيه، وتزعم العرب أن يوم حليمة وهو يوم معروف ارتفع الغبار من سنابك الخيل فسد الأفق وستر عين الشمس فظهرت الكواكب، أي ضربنا بأسيافنا مقابلة، والصبر منا سجية. المعنى: لما جاز الأمر

حد الاحتمال والصبر ضربنا بأسيافنا في الحرب، فجعلنا نفلق الرؤوس من أناس أعزة علينا لما بيننا من الرحم، وهم كانوا أقطع للرحم لأنهم بدأونا بالظلم. ولما رأيت الود ليس بنافعي ... عمدت إلى الأمر الذي كان أحزما المعنى: لما لم ينفع اللين أتيت ما كان أصوب وأدعى إلى الحزم، يعني الحرب. والعرب تقول: "الطعن يظأر" أي يعطف على ما لا يعطف عليه الرحم، أي عمدت إلى الحرب لأني رأيتها أصوب من الاحتمال. فلست بمبتاع الحياة بذلة ... ولا مرتق من خشية الموت سلما المعنى: يقول: إني لا أختار أن أعيش ذليلا على أن أموت عزيزا، ولكن أقاتل حتى أغلب فأعيش عزيزا أو أقتل فأموت كريما. (134) وقال بشامة بن حزن، البشامة شجر يتخذ منه السواك: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) ولقد غضبت لخندف ولقيسها ... لما ونى عن نصرها خذالها

دافعت عن أعراضها فمنعتها ... ولدي في أمثالها أمثالها خندف منسوبة إلى أمهم، وقوله: لدي في أمثالها أمثالها، أي عندي في أمثال هذه الحادثة أمثال هذه المعونة التي كانت مني. المعنى: غضبت لهاتين القبيلتين خندف وقيس لما لم ناصرا، فدفعت عنهم شر أعدائهم، وضمنت لهم المعونة في كل نائبة. إني امرؤ أسم القصائد للعدى ... إن القصائد شرها أغفالها اسم القصائد على وجهين: أحدهما أن يكون المراد أجود القصائد في هجاء العدى كي تروى لجزالة معناها وبراعة لفظها، والىخر أن يكون المراد أذكر من أهجوه فيها كي تروى، والأغفال: جمع غفل وهي التي لا سمة عليها. المعنى: يصف تجويد الشعر ليكثر إنشاده. قومي بنو الحرب العوان بجمعهم ... والمشرفية والقنا إشعالها ما زال معروفاً لمرة في الوغى ... عل القنا وعليهم إنهالها من عهد عاد كان معروفا لنا ... أسر الملوك وقتلها وقتالها ويروى "معروفا لها" ويروى "والقنا أشغالها". المعنى: يصف قومه بأن جميعهم معتادون للحروب بالسيوف والرماح. (135) وقال أرطأة بن سهية، وسهية: تصغير سهوة، وهي كالصفة بين يدي البيوت:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ونحن بنو عم على ذات بيننا ... زرابي فيها بغضة وتنافس ونحن كصدع العس إن يعط شاعبا ... يدعه وفيه عيبه متشاخس ذات البين: العداوة، والزرابي: الطنافس ذات الألوان الواحدة زربية، والعس: القدح العظيم من خشب، والشاعب: الذي يرأب الصدع، ومتشاخس: متمايل. المعنى: يصف أحقاد قلوبهم واختلاف أحوالهم، وشبه ذلك بالطنافس الملونة وبصدع العس. كفى بيننا أن لا ترد تحية ... على جانب ولا يشمت عاطس المعنى: دل في هذا البيت على المكاشفة بالعداوة بترك التشميت للعاطس ورد التحية على المسلم. (136) وقال عقيل بن علفة المري، عقيل بمعنى معقول، والعلف: ثمر الأراك، الوحدة: علفة: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر)

تناهوا واسألوا ابن أبي لبيد ... أأعتبه الضبارمة النجيد ولستم فاعلين إخال حتى ... ينال أقاصي الحطب الوقود تناهوا: أي كفوا وازدجروا، وابن أبي لبيد رجل ناله هذا الشاعر بشر، أأعتبه الضبارمة وهو الأسد، وعنى به نفسه، والنجيد: الشجاع. المعنى: يقول: لستم متناهين عما أكرهه منكم حتى يعمكم الشر ويبلغ منتهاه. وأبغض من وضعت إلي فيه ... لساني معشر عنهم أذود أذود: أمنع. المعنى: يقول: أبغض الأشياء إلي أن أهجو عشيرتي الذين يلزمني الذب عنهم. ولست بسائل جارات بيتي ... أغياب رجالك أم شهود المعنى: يقول: أنا عفيف لا أسأل جاراتي عن رجالهن ولا أختلف إليهن لأن ذلك فعل المريب. ولست بصادر عن بيت جاري ... صدور العير غمره الورود ولا ملق لذي الودعات سوطي ... ألاعبه وربته أريد ربته: يعني أمه، وذو الودعات: الصبي، والودعات: الخرز، والتغمير: أن يشرب يسيراً وبه حاجة إلى الماء، وتدعوه نفسه إليه، وخص العير لأنه أقل الدواب صبرا على الماء، فإذا شرب دون الري وخلي عنه جعل يتلفت إليه المعنى: يقول: أنا عفيف لا ألتفت إلى بيوت الجارات التفات العير نحو الماء إذا شرب الري، ولا أشغل الصبيان بسوطي لأخلو بأمهاتهم.

(137) وقال آخر: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) إن يحسدوني فإني غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظا بما يجد المعنى: يقول: إن يحسدوني فلفضلي فلا لوم عليهم، فالفاضل يحسد، فدام لي الفضل ودام لهم الحسد، لأن الحاسد أكثر الناس غماً، ولهذا قالوا: لا راحة لحسود. أنا الذي يجدوني في صدورهم ... لا أرتقي صدرا منها ولا أرد المعنى: قد نشبت العداوة في صدورهم، لا يقدرون على إخراجها، فكأني شجا في حلوقهم. (138) وقال محمد بن عبد الله الأزدي، إسلامي:

(من الطويل وهو مخروم والقافية من المتدارك) لا أدفع ابن العم يمشي على شفا ... وإن بلغتني من أذاه الجنادع ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه ... لترجعه يوماً إلي الرواجع وحسبك من ذل وسوء صنيعة ... مناواة ذي القربى وإن قيل قاطع شفا كل شيء: طرفه، أي لا أدفعه في الهلاك، والجنادع: الحيات: وهي أم الأرض واحدها جندع، وهو مثل، وإنما أراد به الأذى وسوء القول. المعنى: يصف كرمه ورعايته الحرم يقول: لا أدفع ابن العم في الهلكة وإن أساء إلي ولكن أساعده إلى أن يعود إلى الواجب، ثم قال: يكفيك من ذل وسوء فعل أن تعادي قريبك وإن كان قاطعا. (139) وقال آخر: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) الشر يبدؤه في الأهل أصغره ... وليس يصلى بجل الحرب جانيها والحرب يلحق فيها الكارهون كما ... تدنو الصحاح إلى الجربى فتعديها هكذا، كما قيل: كبيرات الأمور صغارها، أي يجنى الحرب الضعيف والعاجز، ويصلى بها القوي والحازم. المعنى: لا تستحقر الحقير من الشر فإنه سيعظم، والحرب ليس يدفع إليها من جناها، وربما يجنيها سفيه، ثم لا يجد أصحابه من الدفع عنه بدا. إني رأيتك تقضي الدين طالبه ... وقطرة الدم مكروه تقاضيها المعنى: يعرض بالقصاص، ويريد بالدين وتقاضيه القود، ويصفه بأنه مكروه.

(140) وقال شريح بن قرواش العبسي، جاهلي، وقرواش: فعوال من القرش وهو الكسب: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لما رأيت النفس جاشت عكرتها ... على مسحل وأي ساعة معكر عشية نازلت الفوارس عنده ... وزل سناني عن شريح بن مسهر جاشت: اجت، وعكرتها: عطفتها، ومسحل: اسم رجل نصره وأنقذه من الأعداء، وزل سناني: أي نبا، لأنه كان دارعا فلم يقتله. المعنى: لما هاجت نفسي عطفا على مسحل رددتها عليه ودافعت عنه، وطعنت شريحا فلم يعمل فيه سناني لأنه كان دارعا وبين ذلك بقوله: وأقسم لولا درعه لتركته ... عليه عواف من ضباع وأنسر عواف: جمع عافية وهو كل آت يطلب شيئا، فالسباع تسمى بذلك لطلبها الصيد. المعنى: أقسم لولا أنه كان دارعا لقتلته لأني أصبت المقتل وسددت الطعن.

وهل غمرات الموت إلا نزالك الـ ... ـكمي على لحم الكمي المقطر المعنى: ما شدائد الموت إلا قتالك على الشجاع المقتول، وقيل: على لحم الشجاع: معناه قتل الشجاع. (141) وقال طرفة الجذيمي، جذيمة قيس: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) يا راكبا أما عرضت فبلغن ... بني فقعس قول امريء ناخل الصدر أي إن عرضت، وما زائدة، ناخل الصدر: أي نخل صدره من الغش والمكر يعني أخلصه، ويروى بالحاء، أي منح النصح من قلبه. المعنى: يعتذر إلى بني فقعس في مفارقته إياهم وبين عذره في قوله: فوالله ما فارقتكم عن كشاحة ... ولا طيب نفس عنكم آخر الدهر ولكنني كنت امرأ من قبيلة ... بغت وأتتني بالمظالم والفخر فإني لشر الناس إن لم أبتهم ... على آلة حدباء نابية الظهر وحتى يفر الناس من شر بيننا ... ونقعد لا ندري أننزع أم نجري

الكشاحة: العداوة، ولا طيب نفس مقدرا آخر الدهر. طيب النفس عنكم، والآلة الحدباء: يعني به الداهية ويروى "الآلة" وهي الحالة، وقال بعضهم: أراد بالحدباء الجنازة، والصحيح على حالة مكروهة، وقوله: نابية الظهر أي قد نبا ظهرها فلا يستقر عليها الراكب. المعنى: يعتذر إلى بني فقعس أنه لم يفارقهم لأنه أبغضهم أو طابت نفسه عنهم، وإنما فارقهم لأن قبيلته كانوا بغوا عليه وظلموه ثم أوعد قومه بأنه يحملهم على داهية شديدة كما وصفها ويروى "من شنا بيننا". (142) وقال أبي بن حمام العبسي، أبي: تصغير أب، والحمام من حمي الإبل، والعبس من العبوس. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تمنى لي الموت المعجل خالد ... ولا خير فيمن ليس يعرف حاسده فخل مكانا لم تكن لتسده ... عزيزا على عبس وذبيان ذائده فخل مكانا يخاطب خالداً يقول: دع السيارة فلست من أهلها وإنما يستحق السيادة من يدفع عن قومه ولست بقادر على ذلك. المعنى: يصف نفسه بحماية قومه عبس وذبيان وكفايته إياهم، ويذكر أن خالداً يتمنى موته حسداً منه، ولا خير فيمن لا يحسد. (143) وقال أيضاً: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

لست بمولى سوءة أدعى لها ... فإن لسوءات الأمور مواليا ولن يجد الناس الصديق ولا العدى ... أديمي إذا عدوا أديمي واهيا وإن نجاري يابن غنم مخالف ... نجار اللئام فابغني من ورائيا أي إني لست بصاحب سوءة، وقيل: المولى ها هنا ابن العم، وادعى لها: انتسب إليها. وقوله: أديمي أراد نفسي وعرضي، والعرب تقول: فلان صحيح الأديم أي لا عيب فيه، والنجار والنجار والنجر: الأصل، وقوله: فابغني من ورائيا أي سل خلقي تنبا عن أمري، ويروى "ابغني من نجاريا". المعنى: يصف كرم نفسه وأصله، وينتفي من السوءة واللؤم. وسيان عندي أن أموت وأن أرى ... كبعض رجال يوطنون المخازيا المعنى: يقول: أقابل كل واحد بما يقابلني به ولا أكرم ما لا يكرمني ولا أنقاد لمن يتطاول علي. إذا المرء لم يحببك إلا تكرها ... عراض العلوق لم يكن ذاك باقيا العلوق: الناقة ترأم ولدها بأنفها وتمنعه درها، وقيل: العلوق: الناقة يعطف عليها ولد غيرها. وعراضها: معارضتها بالشم، هذا مثلا يضرب لمن يعطي بلسانه ما لا يعقد عليه ضميره. المعنى: لا يبقى الود إذا لم يكن خالصا، كما أن عراض العلوق لا يبقى. (144) وقال عنترة العبسي، جاهلي. (الضرب الثاني من المتقارب والقافية من المتدارك)

يذبب ورد على إثره ... وأمكنه وقع مردى خشب تتابع لا يبتغي غيره ... بأبيض كالقبس الملتهب فمن يك في قتله يمتري ... فإن أبا نوفل قد شجب وغادرن نضلة في معرك ... يجر الأسنة كالمحتطب يذبب: من التذبيب وهو مثل الطرد أي يسرع، ورد: اسم رجل من عبس، على إثره: يعني إثر نضلة أبي نوفل، وأمكنه: أي ساعده على ذلك وقع فرس صلب كالحجر، ويقال: مردى من الرديان، وقيل: المردى في البيت هو السيف وخشب خشن، ومن جعله فرساً قال: خشب غليظ العظام، ويروى "جشب" بالجيم وهو الغليظ العظام. وتتابع أي تمادى ويروى تدارك، لا يبتغي غيره: أي غير نضلة، ومن روى "يتابع" أي يتابع الركض ويتعمد نضلة، ويمتري: يشك والاسم المرية، وشجب: هلك، والشجب: الهلاك، وغادرن: يعني الخيل تركن نضلة بمعرك في موضع الحرب يجر الأسنة كالمحتطب، من كثرة ما طعن بها وتركت الرماح فيه متكسرة كأنه جمع الحطب فحمله، المعنى: يصف إسراع ورد العبسي بسيف صقيل في إثر نضلة أبي نوفل حتى قتله وكثرة الطعن في نضلة وانكسار الرماح فيه حتى كأنه حامل حطب. (145) وقال عروة بن الورد العبسي، جاهلي:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لحا الله صعلوكا إذا جن ليله ... مصافي المشاش آلفا كل مجزر يعد الغنى من نفسه كل ليلة ... أصاب قراها من صديق ميسر ينام عشاء ثم يصبح ناعسا ... يحت الحصى عن جنبه المتعفر قليل التماس الزاد إلا تعلة ... إذا هو أضحى كالعريش المجور يعين نساء الحي ما يستعنه ... فيضحي طليحا كالبعير المحسر لحا الله: دعاء عليه، من لحوت العود ولحيته، آلفاً كل مجزر: أي لازم كل موقع جزر ونحر، يقال: مجزر ومجزر، والميسر: التي تنجت إبله وغنمه، وضده المجنب، ومنه عام فيه تجنيب، ويحت الحصى: ينحى الحصى عن جنبه الذي التزق بالأرض لتثاقله، وقوله: ينام عشاء: أي ينام الليل كله، فإذا أصبح كان في نفسه من النوم لكسله، ومعنى قليل الزاد أي لا يهتم لأحد ولا يطلب علاء ولا شرفا، ولا يهمه إلا نفسه، والعريش: ما بني من عيدان الشجر يستظل به، والمجور: المطروح بعضه على بعض، والبعير: المحسر أي حسره السفر فأذهب قوته، ومعنى يعين نساء الحي أي يخدم النساء بما يستخدمنه. ولكن صعلوكاً صفيحة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنور مطلا على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر إذا بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوف أهل الغائب المنتظر فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميداً وإن يستغن يوماً فأجدر

قوله: "ولكن صعلوكا" فيه إضمار، ومعناه ولكن جبر الله صعلوكاً، والقابس: الذي يعطي القبس، والمتنور: الذي يتبع ضوء النار، والمنيح المشهر ها هنا قدح مشهور بالفوز يستعار ثم يرد إلى صاحبه، وقال الأصمعي: المنيح الذي لا نصيب له فإذا خرج رد ليخرج غيره، فأما ذو الحظ من السهام فإنما إذا خرج لم يعد ثانية، يقول: هو أبدا غير مأمون كالمنيح الذي تراه عند كل إجالة، فهم يجرونه أبداً: وقال ابن الأعرابي: أراد أن يقول: القداح المشهر فقال: المنيح لأنه فيها، وقال ابن قتيبة: أراد أنهم إذا رأوه زجروه ولعنوه كما يلعن المنيح لأنه لا نصيب له فيغتم صاحبه إذا خرج، وقوله: فذلك يعني بذلك الصعلوك، إن يلق المنية يلقها حميدا أي يحمد لأنه لم يقصر في طلب الرزق. (146) وقال عنترة الفوارس:

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) تركت بني الهجيم لهم دوار ... إذا تمضي جماعتهم تعود تركت جرية العمري فيه ... شديد العير معتدل شديد فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يفقد فحق له الفقود دوار: صنم -بفتح الدال وضمها- كأنهم يدورون عليه، أي قتلت من بني الهجيم قتيلا وهم يطوفون حوله كما يطاف على الصنم، وقيل: كأنهم لفرسي دوار أكر عليهم وأطوف بهم، كما يطاف بذلك الصنم، والرجل الثاني الذي قتله اسمه جرية العمري، وإنما قال العمري لأن الهجيم من عمرو بن تميم، وشديد العير: ما نتأ في وسط النصل من قرنته إلى سنخه، وقرنته من طرف نصله. المعنى: قتلت جرية من بني الهجيم، فهم يطوفون حوله. ومن قال: إنه يعني فرسه روى "تركت بني الهجيم له دوار"، ومعنى تمضي جماعتهم: تجاوزهم، مضيت القوم: جاوزتهم. ثم ذكر أنه قتله بسهم رماه به فقال: تركت جرية العمري فيه شديد العير أي معتدل سديد، وصف نصله بالقوة والاستقامة والسداد، ثم قال: فإن يبرأ من هذه الرمية فلم أمن ذلك وإن يهلك فحق له الهلاك لأني قصدت قتله: وما يدري جرية أن نبلي ... يكون جفيرها البطل النجيد الجفير: الجعبة، والنجيد: الشجاع والنجدة: الشجاعة. المعنى: يصف إصابته في الرمي فيقول: وما يدري ذلك القتيل أن نبلي إذا فارق قوسي كان جعبتها البطل الشجاع، أي اتركه فيها. (147) وقال قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، جاهلي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) تعلم أن خير الناس حيا ... على جفر الهباءة لا يريم

ولولا ظلمة ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم ولكن الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم تعلم: أي اعلم ولا تقل تتعلم بمعنى تعلم، وإنما يقال ذلك في الأمر، والهباءة: ماء لبني فزارة، وكان قيس بن زهير قتل حذيفة وحملا ابني بدر، وحديثه مشهور في حرب داحس والغبراء، وقوله: ولولا ظلمة الناس أي لولا أنه أحوجني إلى قتله لبكيت عليه دائماً، والوخيم: الثقيل الذي لا يستمرأ به، ويروى "مصرعه وخيم". المعنى: يرثي قتيله حمل بن بدر، وجعله خير الناس في حياته ثم قال: ولولا ابتداؤه بالظلم لبكيت عليه دائما، ولكنه بغى والبغي يصرع مصرعا ثقيلا. أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم وقد يستجهل: أي يقدر أنه جاهل لتغافله عن المكافأة. دل علي قومي: أي مكنهم مني: وبين أنه امتحن الرجال وأنه قوم من اعوج عليه منهم. (148) وقال مساور بن هند بن قيس بن جذيمة بن رواحة العبسي: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) سائل تميماً هل وفيت فإنني ... أعددت مكرمتي ليوم سباب وأخذت جار بني سلامة عنوة ... فدفعت ربقته إلى عتاب وجلبته من أهل أبضة طائعا ... حتى تحكم فيه أهل إراب

أعددت مكرمتي ليوم سباب: أي لا يقدر أحد أن يسبني لأنه لا يجد في عيباً يسبني به، فلا يجد عندي إلا المكارم. عنوة: قهراً، وأبضة: ماء لطيء ثم لبني ملقط، عليه نخل، وهو على عشرة أميال من ناحية المدينة، وإراب: ماؤ لبني العنبر، وقد يفتح ألفها أيضا، يقول: جلبته عن هذا الموضع حتى تحكم فيه أهل إراب بما أرادوا. المعنى: يصف وفور مكارمه حتى إن من يفاخره لا يجد فيه عيباً يسبه به، ويذكر أشره جار بني سلامة قهراً، ودفعه إلى عتاب إذ كان ثأره. قتلوا ابن أختهم وجار بيوتهم ... من حينهم وسفاهة الألباب غدرت جذيمة غير أني لم أكن ... أبداً لأؤلف غدرة أثوابي وإذا فعلتم ذلكم لم تتركوا ... أحداً يذب لكم عن الأحساب العرب تقول: فلان نقي الثياب إذا لم يكن فيه عيب. المعنى: يشكو قومه جذيمة ويقول: دفعت إليهم أسيراً، وهم وإن غدروا بقتله فإني لم أغدر، ثم خاطب قومه فقال: إذا فعلتم ذلك الغدر لم تتركوا أحداً يذب لكم عن أحسابكم لأنه لا يثق بكم أحد. (149) وقال العباس بن مرداس، مخضرم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أبلغ أبا سلمى رسولا تروعه ... ولو حل ذا سدر وأهلي بعسجل رسول امريء يهدي إليه نصيحة ... فإن معشر جازوا بعرضك فابخل وإن بوؤوك مبركا غير طائل ... غليظاً فلا تنزل به وتحول ولا تطعمن ما يعلفونك إنهم ... أتوك على قرباهم بالمثمل الرسول ها هنا: الرسالة، ولهذا أنت فقال تروعه، وذو سدر مكان ينبت

السدر، وعسجل: موضع، أي فإن أسلمك معشر فاحفظ نفسك، وإن بوؤك أي أنزلوك، والمبرك: المنزل، والمثمل: السم الناقع، يقول: كن ذا أنفة فقد سقوك السم وإن كانوا أقرباءك فلا تشربه أي لا تصالحهم، ولا تقبل الدية فإنها كالسم المنقع، المعنى: يقول: أبلغ أبا سلمى رسالة تفزعه وإن نأت داري عنه، رسالة رجل ينصح لك، ثم حثه على حفظ نفسه وأن لا يرضى بمنزل لا خير فيه، ونهاه عن أن يصالح أعداءه وإن كانوا أقاربه لأن مصالحتهم كالسم ضربا. أبعد الإزار مجسداً لك شاهدا ... أتيت به في الدار لم يتزيل أراك إذا قد صرت للقوم ناضحاً ... يقال له بالغرب ادبر وأقبل فخذها فليست للعزيز بخطة ... وفيها مقال لامريء متذلل المجسد: المصبوغ بالزعفران، وأراد به ها هنا الدم، أي خذ هذه الخطة الدنية، فليست بخطة يرضى بها العزيز، وفيها مقال لمن به التذلل أي يعاب به، فإن قيل لك: إنك ذليل فلا تنكر فإنك لم ترفع نفسك عن ذلك بعد أخذ الدية وقيل: خذها أراد خذ النصيحة، ليست للعزيز بخطة تضع منه، وفيها مقال لمن لا يتعظم. المعنى: يمنع أبا سلمى عن مصالحة قومه الذين قتلوا قريبه، يقول: أبعد الإزار مخضوبا بالدم أتيت به شاهدا تصالحهم؟ فإن فعلت ذلك صرت كالناضح انقياداً لهم. (150) وقال أيضاً: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أتشحذ أرماحاً بأيدي عدونا ... وتترك أرماحا بهن تكايد عليك بجار القوم عبد بن حبتر ... فلا ترشدن إلا وجارك راشد فإن غضبت فيها حبيب بن حبتر ... فخذ خطة ترضاك فيها الأباعد

الصحيح "نكايد"، والمكايدة: معالجة الأقران، المعنى: يعاتبه على معاونته أعداء قومه، وترك معاونة قومه، ويحث على عبد بن حبتر، وينهاه عن قبول الدية لما فيها من الخطة الدنية. إذا طالت النجوى بغير أولي النهى ... أضاعت وأصغت خد من هو فارد المعنى: إذا شاورت غير أولي الرأي أضاعت المشاورة وأمالت للذل حد الفارد، من انفرد عن قومه. فحارب فإن مولاك حارد نصره ... ففي السيف مولى نصره لا يحارد حارد: نصره أي قل، وأصله في الإبل أن تقل ألبانها وهو المحاردة. المعنى: حارد عدوك فإن لم يعنك ابن عمك أعانك سيفك. (151) وقال العباس أيضا، وهذه الأبيات من المنصفات: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) فلم أر مثل الحي حيا مصبحا .. ولا مثلنا لما التقينا فوارسا أكر وأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا يعني بالحي المصبح بني أسد، والقوانس: أعالي البيض واحدها قونس وأراد الرؤوس. المعنى: يصف عدوه وقومه بالشجاعة، يقول: لم أر مثل بني أسد حيا صباحا أكر على أعدائهم وأحمي لما يجب حمايته، ولا مثلنا فوارس أضرب بالسيوف منا. إذا ما شددنا شدة نصبوا لنا ... صدور المذاكي والرماح المداعسا

شددنا شدة: حملنا حملة، والمداعس: الرماح الشداد. المعنى: يصف ثباتهم على خيلهم مشرعين رماحهم عند الحملة عليهم. إذا الخيل جالت عن صريع نكرها ... عليهم فعما يرجعن إلا عوابسا أي خيلنا جالت عن صريع أي انصرفت عن مقتول منا نكرها عليهم: أي نردها عليهم ثانية لنصرع منهم مثلما صرعوا منا، فما يرجعن إلا عوابسا: أي كوالحا. المعنى: يصف صبرهم على الحرب وانتصافهم من العدو. (152) وقال عبد الشارق بن عبد العزى الجهني، جاهلي. الشارق: اسم صنم والشارق: الشمس كأنه عبد شمس. (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ألا حييت عنا يا ردينا ... نحييها وإن كرمت علينا يعني نفارقها وإن كرمت علينا، قال أبو رياش: إن رجلا إذا عرف بمحبة المرأة لم يزوجوها له، وإذا سلم عليها عرف أنه يحبها ويهواها، فقال: نسلم عليها وإن كان في السلام بأس منها، وهذا من إفراط شوقه وغلة هواه. وقال غيره: كان هذا الشاعر غائبا عن ردينة فحن إليها واشتاق إلى قربها فقال: ألا خصصت عنا يا ردينة بتحية منا، ثم قال معتذراً من التسليم عليها في حالة الغيبوبة: نحييها وإن كرمت علينا أي وإن جلت عندنا من أن يتولى تحيتها غيرنا، غيرة منا عليها.

ردينة لو رأيت غداة جئنا ... على أضماتنا وقد اجتوينا الأضمات: الأحقاد واحدها أضم، واجتوينا: يروى على ثلاثة أوجه، بالجيم والحاء والخاء، فمن روى اجتوينا أي دويت قلوبنا واحترقت أكبادنا من الغيظ، وهو افتعلنا من الجوى، ومن روى بالحاء معناه: ملأنا أيدينا من الغنائم من احتوى، ومن روى اختوينا بالخاء، فله تفسيران أحدهما: أن الأمعاء إذا امتلأت كان أخذ الطعن منها أكثر، والأخرى أن يكون خروج ذات البطن لما يخرج من النتن. المعنى: يقول: يا ردينا لو رأيتنا مقبلين إلى الحرب على الصفة التي ذكرناها لك لتعجبت منا، فترك جوابه على طريقة العرب. فأرسلنا أبا عمرو ربيئا ... فقال ألا انعموا بالقوم عينا ودسوا فارسا منهم عشاء ... فلم نغدر بفارسهم لدينا الربيء والربيئة: الطليعة والجمع ربايا، فقال أبو عمرو ألا انعموا بالقوم عينا أي أن العدو في قلة من العدد، وقوله: دسوا فارسا: أي أخفوه. المعنى: يصف إنفاذ كل واحد من الفريقين رجلا ربيئا لهم، وهذه القصيدة من المنصفات كلما أثبت لقومه شيئا أثبت لعدوه مثله. فجاءوا عارضا برداً وجئنا ... كمثل السيل نركب وازعينا الوازع: الكافي وجمعه وزعة، والوازع الذي يرد الخيل، ما شذ عنها وتفرق، وثنى فقال: وازعينا، وهو على وجهين أحدهما: أنه أريد به الكثرة فثنى على عادتهم في نحو لبيك وسعديك، والآخر: أن لكل من العسكرين وازعاً وهو

أميرهم الذي يأمرهم وينهاهم. المعنى: يصف إقبال كل واحد من الفريقين على صاحبه بشدة وهيبة لا يرده شيء، وشبه قومه بالسيل وعدوه بالسحاب ذي البرد. سمعنا دعوة عن ظهر غيب فجلنا جولًة ثم ارعوينا فلما أن توافقنا قليلًا أنخنا للكلاكل فارتمينا فنادوا $$$$ إذ رأونا فقلنا أحسني ملًأ جهينا بهثة: قبيلة من بني عبد الله، وبهثة: بطنان في العرب، بهثة في بني سليم وبهثة في بني ضبيعة ربيعة وهو ضبيعة أضجم، وهو في الغة ولد الزنا، ويروى "أحسنوا ملأ" أي أحسنوا خلقًا، وقوله: سمعنا دعوة عن ظهر غيب أي من قبل العدو ولم نر من يدعونا، فجلنا جلوة فلم نر أحدًا يبرز إلينا، ثم ارعونا أي كففنا عن الجولان. المعنى: يصف أن العدو دعوا بهثة قبيلتهم، ودعونا جهينة قبيلتنا، وبصف تواقفهم وانتصابهم للرمي حتى نفدت السهام قال: فلما لم ندع قوسًا وسهمًا مشينا نحوهم ومشوا إلينا تلألو مزنة برقت لأخرى إذا حجلوا بأسياٍف ردينا المعنى: يصف تواقفهم للرمي حتى نفدت السهام، وبطلت القسي، ثم تقاربهم بالسيوف اللامعة، وردينا أي مشينا بالنشاط. شددنا شدًة فقتلت منهم ثلاثة فتيٍة وقتلت قينا وشدوا شدًة أخرى فجروا بأرجٍل مثلهم ورموا جوينا وكان أخي جويٌن ذا حفاٍظ وكان القتل للفتيان زينا

القين في اللغة الحداد، بأرجل مثلهم أي ثلاثة في العدد أي قتلوا ثلاثة ورموا جوينا أي أصابوه، وجوين: اسم رجل كأنه تصغير جون أي أسود أو أبيض، وكان القتل للفتيان زينًا لأنهم يموتون كرامًا ويمدحون به دائمًا. المعنى: يصف أصابتهم أربعة من أعدائهم، وإصابة أعدائهم منهم مثل ذلك العدد، ويرثي جوينا أخاه ويصفه بالمحافظة على الحرمات. فآبوا بالرماح مكسراٍت وأبنا بالسيوف قد انحنينا المعنى: يصف تساوي الفريقين في بطلان أسلحتهم، فهؤلاء رجعوا رماحهم مكسرًة، وأولئك انصرفوا وسيوفهم منحنية. فباتوا بالصعيد لهم أحاٌح ولو خفت لنا الكلمى سرينا الأحاح: صوت من الصدر شبه الأنين، والأحاح: العطش أيضًا أي صرعوا وبهم عطش، وهذا أحد ما جود الإنصاف وأخبر عن نفسه بما لحقه وعدوه. المعنى: يصف تساوي الفريقين في الجراحات وعجزهم عن الحركة. (153) وقال بشر بن أبي العبسي حين غضب على بني زهير فعيرهم بداحس وشؤمها: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) إن الرباط النكد من آل داحٍس كبون فما يفلحن يوم رهاٍن جلبن بإذن الله مقتل مالٍك وطوحن قيسًا من وراء عمان

لطمن على ذات الإصاد وجمعكم يرون الأذى من ذلٍة وهوان سيمنع منك السبق إن كنت سابقًا وتقتل إن زلت بك القدمان الرباط: الخيل المربوطة ها هنا، واحدها ربيط، والنكد: جمع أنكد وهو القليل الخير، داحس: اسم فرس لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي، وحديثه معروف إلى أن قال قيس بن زهير للربيع بن زياد ارجعوا إلى قومكم فصالحوهم، فهو خير لكم من الغربة، فأما أنا فوالله ما أنظر في وجه غطفانية وقد قتلت أباها أو أخًا أو حميمًا لها، ثم فارقهم فلزم بريًة عمان حتى هلك هناك، وحديثه مشهور، وهذا معنى قوله: "وطوحن قيسًا من وراء عمان" ومعنى طوحن، بالواو أي اسقطن وذات الإصاد ردهة بين أجبل. وقال أبو سعيد السيرافي: ذات الإصاد الموضع الذي لطم فيه داحس فجنت تلك اللطمة حرب داحس والغبراء، وقوله: سيمنع يقول للعبسي: أن سبقت لم تعط السبق لأنه كان منتقلًا إلى ابن عمه حذيفة وأهل بيته، وأراد أنك لا تعط النصفة، وتقتل أن زلت قدماك يعني أن سبقت فمنعت قتلت. المعنى: يصف شؤم داحس والخيل التي كانت معه أنها لم تأت بخير عند المراهنة، ومن شؤمها قتل مالك بن زهير، ووقع قيس بن زهير في الغربة، ثم بين بقوله: "لطمن" ما فعل بداحس من الرد، وكان في ذلك ذلة وهوان لبني عبس، وإخراج الخطاب بلفظ الواحد في قوله: سيمنع منك السبق. (154) وقال غلاق بن مروان بن الحكم بن زنباع، غلاق فعال من غلق الرهن: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) هم قطعوا الأرحام بيني وبينهم وأجروا إليها واستحلوا المحارما

فيا ليتهم كانوا لأخرى مكانها ولم تلدي شيئًا من القوم فاطما وأجروا إليها: أي إلى القطيعة، وقوله: يا ليتهم كانوا، يعني يا ليت القوم الذين بيننا وبينهم نسب كانوا لامرأة أخرى، ثم صرف الخطاب إلى المواجهة فقال: ولم تلدي شيئًا من القوم، وفاطمة هذه بنت الحرث بن انمار بن بغيض كانت ولدت الكملة، وهم ربيعة الحفاظ، وأنس الفوارس، عمارة الوهاب، ومالك بنو زياد بن عبد الله، وإنما سموا كملة لأنهم كانوا سادة كاملين. المعنى: يلزم الذنب بني عبس بأنهم ابتدءوا فقطعوا الأرحام، ثم أخذ يتأسف على ما جرى يقول: ليت النسب لم يجمعهم فلم يكن يقع على قتل بعضهم بعضًا تأسف. فما تدعي من خير عدوة داحٍس فلم تنج منها يا ابن وبرة سالما شأمتم بها حيى بغيٍض وغربت أباك فأودى حيث وإلى الأعاجما وكانت بنو ذبيان عزا وإخوًة فطرتم وطاروا يضربون الجماجما فأضحت زهيٌر في السنين التي مضت وما بعد لا يدعون إلا الأشائما معنى فما تدعى: ما تفتخر من أمر داحس فهو شؤم عليك، ومن شؤمه إنك لم تنج سالمًا منها، يعني من العدوة، شأمتم بها أي بالعدوة، وحيي بغيض هما: عبس وفزارة، وكان قيس عبسيًا وحذيفة فزاريًا، يقال: شأم زيد القوم فهو شائم، وقوله: فأودى: أي هلك، وحيث وإلى الأعاجم أي جاورهم من الولي، ومعنى وغربت أباك يعني قيس بن زهير أبعدته عن أهله، ويروى "وعزبت" أي أبعدت، ولا يدعون إلا الاشائما أي لا يسمون. (155) وقال الماسور بن هند بن قيس بن زهير، والمساور: المواثب والمعربد قاله ابن الأعرابي، وهند مرتجل من هنيدة، وهي مائة من الإبل:

(الأول من الكامل والقافية من المتدارك) أودى الشباب فما له متقفر وفقدت أترابي فأين المغبر وأرى الغواني بعد ما أوجهنني أعرضن ثمت قلن شيٌخ أعور ورأين رأسي صار وجها كله إلا قفاي ولحيةً ما تضفر ورأين شيخًا قد تحنى ظهره يمشي فيقعس أو يكب فيعثر ماله متقفر، ماله مطلب في موضع القفر، وأكثر ما يجيء المؤنث، والمغبر مدر من غبر يغبر إذا بقي يريداني هالك فما بعد المشيب وفقد الأشكال إلا الموت، وقوله: صار وجهًا كله أي نشأ الصلع حتى عم رأسي، ولحية ما تضفر: استعار الضفر للمشط لأن اللحية لا تضفر، ويحتمل أن يكون قد معرت حتى لا يمكن $$$$ وتشنج أخادعه أو يكب على وجهه فيعثر من العثار. المعنى: يصف ذهاب شبابه ودنو أجله وإعراض الغواني عنه بعد إكرامهن إياه لشبابه، ويصف سقوط شعر رأسه، ونقصان شعر لحيته وانحناء صلبه ومشيه راكعًا، كل ذلك من نتاج الهرم. لما رأيت الناس هروا فتنة عمياء توقد نارها وتسعر وتشعبوا شعبًا فكل جزيرٍة فيها أمير المؤمنين ومنبر هروا فتنة أي كرهوها، وجعل الفتنة عمياء لأنه لا يبصر فيها الحق كقولهم ليل نائم، وتشعبوا أي تفرقوا فرقًا مختلفين، يعني أيام عبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم، والضحاك بن قيس الذي قتل يوم مرج راهط، وذلك لما مات يزيد بن معاوية تفرقت الفرق وتقاتلت. المعنى: يقول: لما رأيت الناس كرهوا فتنة مظلمة، تعظم وتنتشر وتفرق الناس فرقًا الناس فرقًا مختلفة، وكل جزيرة فيها أمير المؤمنين يدعو إلى نفسه، ومنبر يخطب عليه اكتفيت أنا بعبس، فحذف جواب لما، ولم يقل أمير للمؤمنين لأنه حكي ما يستعمل في الكلام كأنه قال: فيها رجل يقول: أنا أمير المؤمنين.

ولتعلمن ذبيان إن هي أدبرت أنا لنا الشيخ الأغر الأكبر ولنا قناٌة من ردينة صدقةٌ زوراء حاملها كذلك أزور أدبرت: يعني عن الحق، وعنى بالشيخ الأغر الأكبر زهير بن جذيمة أو قيس ابن زهير، وقيل: أنه أراد نفسه وهذا غير صحيح، ويروى "الأعز"، ولنا قناة ضربة مثلًا للشدة والمنعة، وردينة امرأة السمهري، وزوراء معوجة لا يقدر على تقويمها. المعنى: يفتخر برئيسهم، ويظهر استغناءه بقومه من بني ذبيان، ويصف منعة قومه وتعززهم. (156) وقال عروة بن الورد العبسي، الورد: الفرس يضرب إلى الحمرة، وجمعه ورد، ويسمى هذا عروة الصعاليك. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) قلت لقوٍم في الكنيف تروحوا عشية بتنا عند مأوان رزح تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكم إلى مستراٍح من حماٍم مبرح تروحوا: اخرجوا رواحًا، قال ابن الأعرابي: مأوان واد فيه ماء بين النقرة والربذة، فغلب عليه الماء فسمي مأوان لقوم رزح في الكنيف تروحوا. المعنى: قلت لقوم معينين عشية بتنا عند مأوان، أخرجوا رواحًا لتبلغوا الغنى أو تستريحوا بالموت. ومن يك مثلي ذا عياٍل ومقترًا من المال يطرح نفسه كل مطرٍح ليبلغ عذرًا أو يصيب رغيبًة ومبلغ نفٍس عذرها مثل منجح

رغيبة: أي ما يرغب فيه وجمعها رغائب. المعنى: يعتذر لنفسه في الإبعاد بطلب الرزق لبلوغ عذر كي لا ينسب إلى العجز والتواني فإما أن يصيب مالًا وإما أن يعذر والموت والنجح سيان. (157) وقال أيضًا، والأصح أنها لأبي الأبيض العبسي: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) ألا ليت شعري هل يقولن فوارس وقد حان منهم يوم ذاك قفول تركنا ولم يجنن من الطير لحمه أبا الأبيض العبسي وهو قتيل يعني تركنا أبا الأبيض وهو غير مجنون لحمه أي مستور لحمه. المعنى: يتمنى قيل الفوارس: تركناه مقتولًا مبذولًا لحمه للطير، يخبر أنه صاحب أقدام في الحروب وجرأة، فلا يبالي حتى يصير هكذا، ويروى "ولم نجنن" بالنون. وذي أمل يرجو تراثي وإن ما يصير له مني غدًا لقليل ومالي ماٌل غير درٍع ومغفٍر وأبيض من ماء الحديد صقيل وأسمر خطي القناة مثقٌف وأجرد عريان السراة طويل أقيه بنفسي في الحروب وأتقي بهاديه إني للخليل وصول وأبيض: يريد السيف، وأقيه بنفسي: يعني فرسه، والسراة الظهر. المعنى: يصف قلة ماله وإن وارثه لا يرث من تركته شيئًا إلا درعًا ورمحًا وفرسًا طويلًا، يحفظه في الحروب، ويتقي به من العدو.

(158) وقال قيس بن زهير، جاهلي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) لعمرك ما أضاع بنو زياٍد ذمار أبيهم فيمن بضيع بنو جنيٍة ولدت سيوفًا صوارم كلها ذكٌر صنيع شرى ودي وشكري من بعيٍد لآخر غالٍب أبدًا ربيع وهذه الأبيات قالها قيس بن زهير يشكر الربيع بن زياد الكامل قيامه ونصرته في حروب داحس والغبراء ويمدحه، وذلك أن الربيع قد كان ساوم قيسًا على درع له والربيع راكب وقيس راجل، فلما وضعها على قربوصية ركض فرسه فمضى بها، فلما انتجعوا أخذ قيس بن زهير زمام ناقة أمه فاطمة بن الخرشب الأنمارية يريد أن يرتهنها بدرعه، فقالت: أين ضل حلمك يا قيس؟ ترجو الصلاح فيما بينك وبين زياد وقد ذهبت بأمهم يمنة ويسرة، وقال الناس ما شاءوا، وحسبك من شر سماعه، فذهب مثلًا، فعلم قيس أنها صدقت فأرسلها وأغار على إبل الربيع فاستاقها، وكان هذا بينهما. فلما قتل حذيفة بن بدر مالك بن زهير ظن قيس أن الربيع لا يقوم معه، يطلب ثأر أخيه لما بينهما من الشحناء، فلما قام معه قال قيس: "شري ودي وشكري من بعيد" أي كان ما بيني وبينه بعيدًا، فألقى العداوة وراء ظهره، ونصرني للرحم والقرابة، وقوله: لآخر غالب يعني لآخر ما بقي من بني غالب، وغالب عبس والذمار: الحفاظ، وبنو جنية: أي هم في الشهامة كأنهم ولد الجن، ويروى "بنو حنية" بالحاء، والحن قبيلة من الجن، وبنو حن حي من

قضاعة، وهو حن بن دراح من أخواله قصي بن كلاب. المعنى: يمدح بني زياد ويشكر الربيع ويصفهم برعاية الحرم وشبههم بالسيوف الماضية. (159) وقال هدبة بن الخشرم العذري، إسلامي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) إني من قضاعة من يكدها أكده وهي مني في أمان ولست بشاعر السفساف فيهم ولكن مدره الحرب العوان سأهجو من هجاهم من سواهم وأعرض منهم عمن هجاني السفساف: الردئ من الشعر، مدره الحرب: المدافع عن أصحابه فيها. المعنى: يصف مساعدته ويتمدح بالدفع عن أصحابه وأنه لا يجازي قومه بالإساءة إليهم، ويجازي غيرهم على ما يكون منه من الإساءة. (160) وقال عمرو بن كلثوم، جاهلي، كلثوم فعلول من الكلثمة، وهي غلظ الوجه.

(الأول من الطويل والقافية من المتواتر) معاذ الإله أن تنوح نساؤنا على هالٍك أو أن نضج من القتل وإنما قال هذا لأن الجزع عند العرب عار. المعنى: يصف جلادتهم وصبرهم حتى لا يجزع من القتل ولا ينوح نساؤهم. قراع السيوف بالسيوف أحلنا بأرٍض براٍح ذي أراٍك وذي أثل المعنى: يقول: مضاربتنا بالسيوف آمنتنا الأعداء، فلا نتحصن خوفًا منها، ولكننا ننزل الفضاء ولا نخاف أحدًا، وقيل: معناه محاربتنا بني أبينا أجلتنا عن أوطاننا فأحلتنا بدار الغربة. فما أبقت الأيام ملمال عندنا سوى جذم أذواٍد محذفة النسل ملمال: أراد من المال، الجذم: الأصل، ومعنى محذفة النسل: مقطوعة الأولاد. ثلاثة أثلاٍث فأثمان خيلنا وأقواتنا وما نسوق إلى العقل ويروى "إلى القتل" ثلاثة أثلاث أي أموالنا ثلاثة أثلاث ما نسوق إلى القتل لأجل القتل، أي ما نعطي في الديات ونتحمل من المغارم، وثلثه ثمن الخيل، وثلثه للقوت والضيافة. (161) وقال المثلم بن عمرو التنوخي، المثلم، المكسر، تنوخ فعول من تنخ بالمكان- بالتشديد والتخفيف- إذا أقام به.

(الأول من المنسرح والقافية من المتراكب) إني إبى الله أن أموت وفي صدري هم كأنه الجبل يمنعني لذة الشراب وإن كان قطابًا كأنه العسل حتى أرى فارس الصموت على أكساء خيل كأنها الإبل وإن كان قطابًا: أي ممزوجًا من الشراب، وشبهه بالعسل في حلاوته، فارس الصموت يعني نفسه، والصموت: اسم فرسه، والأكساء: الأدبار واحدها كسي. المعنى: إني لا أموت وفي صدري هم عظيم كأنه جبل لا أجد معه لذة الشراب، وإن كان طيبًا كالعسل حتى أراني في أدبار خيل هزمتها، اطردها أطراد الإبل. لا تحسبني محجلًا سبط السـ اقين أبكي أن يظلع الجمل إني امرٌؤ من تنوخ ناصره محتمٌل في الحروب ما احتملوا محجلًا له معنيان أحدهما الذي يحجل أي يسكن الحجلة كالمرأة المخدرة، والثاني محجلًا أي مخلخلًا عليه خلخال هو الحجل- بالكسر- سبط الساقين: ممتد الساقين. المعنى: يصف قوته وجلادته وقيامه بأمر الحرب كما تقوم به تنوخ يقول: لا تظنني كامرأة مخدرة ممتدة الساقين تعجز عن المشي، ثم بين أن ناصره من تنوخ، وأنه يقوم بأمر الحرب قيامهم: فضمن البيت مدحه ومدح قبيلته. (162) وقال عبد الله بن سيرة الحرشي، ويروي الجرشي بالجيم، السبرة: الغداة الباردة، والجرشي منسوب إلى جريش موضع باليمن، إسلامي:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إذا شالت الجوزاء والنجم طالٌع فكل مخاضات الفرات معابر وإني إذا ضن الأمير بإذنه على الإذن من نفسي إذا شئت قادر المخاضات: جمع مخاضة، المعبر: موضع العبور. المعنى: يقول: إذا اشتد الحر وقلت المياه عبرت الفرات، ولم يمنعني خوف الغرق، وإذا بخل على الأمير بإذنه قدرت على الإذن من نفسي بالانصراف عن بابه وهربت من سلطانه. (163) وقال الربيع بن زياد العبسي، جاهلي: (الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) حرق قيٌس على البلا د حتى إذ اضطرمت أجذما جنية حرٍب فما تفرج عنه وما أسلما

غداة مررت بآل الربا ب تعجل بالركض أن تلجما قيس: يعني قيس بن زهير، حتى إذا اضطرمت البلاد شرًا أجذما أي اعتزل عنا، ومعنى أجذم كف وأقلع، يقال: حرقت الأرض وأحرقتها، والمعنى أنه هرب ولم يفعل قيس ما أخبر عنه الربيع، والجنية: الجناية جناها أي جرها، وقوله: فما تفرج عنه وما اسلما أي لم يخذل قيس ولم يسلم لمن أراده من الأعداء. وروى القاسم الديمرتي الرباب- بفتح الراء- وقال: هي امرأة، وروى غيره بالكسر يعني قبيلته، وتعجل أي تعجل أن تلجم فرسك من الفزع. المعنى: يشكو قيس ابن زهير جنايته الحرب واعتزاله عنها، ويصف أنهم لم يسلموه للعدو، ولم يتفرقوا عنه، وصرف شدة الفزع في آل الرباب، ويروى "فما يفرج". وكنا فوارس يوم الهريـ ر إذ مال سرجك فاستقدما عطفنا وراءك أفراسنا وقد أسلم الشفتان الفما إذا نفرت من بياض السيو ف قلنا لها أقدمي مقدما يوم الهرير من أيامهم مال سرجك لانهزامك، لم تقدر أن تصلحه، أي عطفنا عليك لننجيك لما انهزمت، وقوله: أسلم الشفتان الفما أي كلح كل واحد ما نريد، يعني أكرهناها على الإقدام. المعنى: يصف ثبات أصحابه يوم الهرير ما نيد، يعني أكرهناها على الأقدام. المعنى: يصف ثبات أصحابه يوم الهرير وانهزام من يخاطبه حتى تقدم سرجه، ويصف منهم عليه بعطفهم عليه لتخليصه عند اشتداد الأمر وإكراههم الخيل على الإقدام إذا نفرت من لمع السيوف. (164) وقال الشنفرى الأزدي، جاهلي:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لا تقبروني إن قبري محرٌم عليكم ولكن أبشري أم عامٍر إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري وغودر عند الملتقي ثم سائري هنالك لا أرضى حياة تسرني سجيس الليالي مبسلًا بالجزائر قوله: ولكن أبشري أم عامر، فيه قولان أحدهما: أبشري أنت يا أم عامر بأكلي إذا تركت ولم أدفن، وأم عامر الضبع [والثاني اتركوني للتي يقال لها ابشري أم عامر]، ويروى "خامري أم عامر" أي استتري وتواري، وذلك أن الضبع إذا صيدت يقال لهم: ليست الضبع ها هنا، وقوله: إذا احتملت رأسي يعني الضبع، وفي الرأس أكثري يعني أن الرأس مجموع الحواس السمع والبصر والذوق والشم والنطق والعقل، ويقال معنى وفي الرأس أكثري أن الرأس يعرف وحده من غير جسد، والجسد لا يعرف بلا رأس، وقوله: هنالك لا أرجو يعني بعد القتل وتفريق الأجزاء لا أرجو حياة تسرني أي البعث بعد الموت في القيامة، وكانت العرب على مذاهب مختلفة، منهم من أقر بالبعث ومنهم من ينكر، ويحتمل أن يكون مقرًا بالبعث ولكنه لا يحمد عاقبته لكثرة جرائره فقال: لا أرجو حياة تسرني، لم ينف الحياة أصلًا، وإنما نفى حياة تسره، وقوله: مبسلًا أي مسلمًا، وسجيس الليالي: آخر الليالي، أي امتداد الدهر، وذلك أن الشيء إذا طالت مدته تغير في غالب الأمر

فكأنه قال: لا أكلمك إلى آخر المدة التي يتغير فيها الدهر. المعنى: يصف شجاعته وقلت اكتراثه بالموت يقول: لا تدفنوني في قبري، فإنه حرام عليكم دفني، ولكن اتركوني تأكلني الضباع وهي تأكل الجيف، وقيل بل مراده ادفنوني، وذلك إنه يخاطب أعداءه الذين قتلوه وهو يعلم أنهم لا يطيعونه فيما يقول فقال: لا تدفنوني حتى يدفنوه، وقيل: بل مراده الحث على طلب ثأره، وذلك إن قتل وترك بالفضاء ولم يدفن كأن أشد على قومه وادعى لهم إلى الطلب بثأره، وقال: لا أرجو حياة تسرني بعد أكل الضبع رأسي، إذا صرت بتلك الحالة لا أحيا بعد ذلك آخر الدهر، وقيل: إن الشنفرى من منكري البعث. (165) وقال تأبط شرًا، واسمه ثابت بن عميثل: (الثاني من الطويل والقافية متدارك) وقالوا لها لا تنكحيه فإنه لأول نصٍل أن يلاقي مجمعا فلم تر من رأٍي فتيلًا وحاذرت تأيمها من لابس الليل أروعا قال الأصعمي: "كان تأبط شرًا ابن أبي طرفة الهذلي، وهو ثابت بن جابر وهو من فهم"، وفهم وعدوان أخوان، وكان خطب امرأة من بني عبس فأرادت نكاحه ووعدته، فلما جاءها وجدها قد تغيرت فقال لها: ما غيرك؟ قالت: والله إن الحسب لكريم ولكن قومي يقولون: ما تصنعين برجل يقتل عنك أحد اليومين وتبقين بلا زوج، فانصرف عنها وهو يقول الأبيات ... ولابس الليل يعني نفسه لأنه يسري فيه. المعنى: يصف شهرته بالشجاعة وتعرضه للموت حتى قيل للمرأة

التي خطبها: لا تنكحيه فإنه يقتل إذا لقي جميعًا، لم سفه رأيها فقال: لم تر شيئًا من رأٍي وحاذرت تأيمها أي أن تصير مني أيما: قليل غرار النوم أكبر همه دم الثأر أو يلقى كميًا مسفعًا يماصعه كٌل يشجع قومه وما ضربه هام العدا ليشجعا قليل ادخار الزاد إلا تعلًة وقد نشز الشرسوف والتصق المعا يبت بمغنى الوحش حتى ألفنه ويصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا السفع: المغير اللون، ويروى "مشيعًا" أي هو جريء كأنه معه من يشيعه، وروى البرقي "مقنعًا"، وهو الذي عليه المغفر، وزعم أنه أجود، ويماصعه يقالته بالسيف ويشجعه ينسبه إلى الشجاعة، ويروي "يجالده" أي يحاربه، ويروي "كٌل يشجع يومه" أي يوصف بشجاعته في اليوم الذي لقي فيه عدوه، وقوله: وما ضربه أي لا يريد بالقتال الذكر، وإنما يريد به الذب عن قومه، وإلا تعلًة أي القدر علقة من القوت، والشراسيف رؤوس الأضلاع، والتصق المعافى الجنب للضمر والهزال، يعني ليس هو بمتنعم رهل، ولكنه قليل الزاد من الطعام خفيف اللحم على العظام. المعنى: يصف قلة نومه من شدة همه في طلب الثأر أو يمارس شجاعًا قد تعود الشجاعة، وبين أن ضربه هام العدا ليس للذكر، ومدح نفسه بأنه لا يدخر الزاد إلا مقدار ما يتعلل به، وقد أثر ذلك فيه، وأنه قد ألف البعد عن الناس حتى ألفته الوحش إلا أنه لا يحمي لها مرتعًا. رأين فتًى لا صيد وحٍش يهمه فلو صافحت إنسًا لصافحنه معا على غرٍة أو جهرٍة من مكانٍس أطال نزال القوم حتى تسعسعا ومن غير بالأعداء لابد أنه سيلقى بهم من مصرع القوم مصرعا المكانس: واحدها مكنس وهو ما يستتر به من الحر والبرد، ويروي "مكانس" وحتى تسعسع أي ذهب أكثره، ويروي "تشعشع" أي تفرق، وقيل:

تشعشع أي طال، ومن يغر بالأعداء أي يولع بهم. المعنى: يصف أن الوحش ألفنه لطول صحبته إياها، لأنه لا يخيفها حتى كادت تصافحه غفلة وعلانية إن دخل معهن الكناس، وقد أثر فيه النزال حتى ضمر ثم قال: من تكلف محاربة الأبطال لابد أن يهلك على أيديهم. ولكن أرباب المخاض يشفهم إذا اقتفروه واحدًا أو مشيعا وإني وإن غمرت أعلم أنني سألقى سنان الموت يبرق أصلعا يشفهم: يغمهم، مشيعًا أي في جماعة، أصلعًا أي ضاحيًا ظاهرًا لا يستره شيء، ويروى في البيت الأول مشنعًا بالنون، ويفسر أنه لابس السلاح، وليس بجيد. المعنى: يصف الفتى الذي ذكر أن صيد وحش لا يهمه، ويقول: أنه يستاق الإبل مغيرًا عليها، فهو يؤذي أرباب المخاض ويبرح بهم إذا اتبعوه واحدًا أو معه أصحابه أي يخافونه على كل حال، ثم ذكر إن غايته الموت وإن طال عمره. (166) وقال بعض بني قيس بن ثعلبة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) دعوت بني قيٍس إلى فشمرت خناذيذ من سعٍد طوال السواعد إذا ما قلوب الناس طارت مخافًة من الموت أرسوا بالنفوس المواجد بنو قيس هم الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفروسية فقال: "لله فرسان في السماء وفرسان في الأرض، ففرسانه في الأرض، قيس بن ثعلبة"، والخنذيذ: الكريم يستعمل في الرجال والخيل. المعنى: يمدح بني قيس بالشجاعة وأنهم دعاهم إلى الحرب فأسرعوا إليها، ووصفهم بطول الأيدي وإنهم يثبتون في الحرب إذا فر الجبان.

وقال جحدر بن مالك بن ضبيعة بن قيس بين ثعلبة جد طرفة: (من مرفل الكامل والقافية من المتدارك) يا بؤس للحرب التي وضعت أراهط فاستراحوا والحرب لا يبقى لجا حمها التخيل والمراح إلا الفتى الصبار في الـ نجدات والفرس الوقاح والنثرة الحصداء والـ بيض المكلل والرماح وتساقط التنواط والـ ذنبات إذ جهد الفضاح والكر بعد الفر إذ كره التقدم والنطاح أراد يا بؤس الحرب، وأراهط: حي من العرب، استراحوا: أي تركوا الحرب، ولجاحمها أي شدة حرها، والتخيل: التكبر، والنجدات: الشدائد، الفرس الوقاح: هو الصلب الحافر، والمكلل: الذي ركب على رأسه حديد وغيره، والتنواط: ما يعلقه القارس من المزادة وغيرها، وأراد به الأدعياء والملحقين، والذنبات: السقاط من الناس، والفضاح: الفضيحة. المعنى: يتعجب من وضع الحرب إحياء من بني قيس بن ثعلبة لأن الرجل إذا لم يثبت في المعركة وضعت منه، ومعنى فاستراحوا إنهم لا يعاودون فكر الحرب، ثم بين أن الحرب لا يبقى لشدتها الاستطالة والنشاط، وإنما يبقى لها الفتى الكثير الصبر في الشدائد والفرس الصلب الحافر، والدرع المحكمة، والبيض المكلل والرماح، كأنه يعيبهم بالتقاعد عن الحرب، ويصفهم بالجبن والعجز وقلة السلاح، ثم قال: وتساقط المعلقين بقوم ليسوا منهم.

كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر الصراح فالهم ببيضات الخدو ر هناك لا النعم المراح من صد عن نيرانها فأنا ابن قيٍس لا براح كشفت لهم عن ساقها مثل: أي اشتدت الحرب، بيضات الخدور: الجواري المخدرة، والبراح ضد الثبات. المعنى: يصف حال الأواهط التي وضعتها الحرب ويقول اشتدت بهم الحرب، وخلص لهم الشر فلم يهمهم إلا نساؤهم دون أموالهم، ثم دل على شجاعته وثباته فقال: من أعرض عن نيرانها [فأنا ابن قيس لا براح لي فيها ولا انحراف]. صبرًا بني قيٍس لها حتى تريحوا أو تراحوا إن الموائل خوفها يعتاقه الأجل المتاح هيات حال الموت دو ن الفوت وانتضي السلاح حث بني قيس على الصبر في الحرب حتى تريحوا قومكم بالذب عنهم أو تراحوا بالقتل، الموائل: جمع موئل، وهو ما يفزع إليه، يعتاقه الأجل المتاح: أي يمنعه من الفوز الأجل المقدر فلا ينجو إذا حان أجله، فما يغنيه توقيه وجبنه حال الموت أي لا فوت من الموت، المعنى: يصبر بني أبيه، ويخبرهم أن الجبن لا ينجي من الموت، وأن الأجل المقدر لا يقع معه الفوت والنجاة، وقد جرد السلاح وجاء الأجل المقدر فلن يفوته من قدر له الموت. يا ليلًة طالت على تفجـ عًا فمتى الصباح فمتى الحياة إذا خلت منا الظواهر والبطاح أين الأعزة والأسنة عند ذلك والسماح بئس الخلائف بعدنا أولاد يشكر واللقاح

البطاح جمع الأبطح وهو السهل من المكان. المعنى يتألم من طول الليل ويتمنى الصباح ويتحزز لسادة قومه وأعزتهم وكرامهم ويذم بني يشكر. (168) وقال جحدر وهو ربيعة بين صبيعة وجحدر القصير، وهو لقب له، واسمه ربيعة، قال هذه الأبيات يوم التحالف، وهو يوم معروف من أيام بكر وتغلب، وحلقت بكر بن وائل رؤوسها استسلامًا للموت، وجعلوا ذلك علامة لهم، وأعطوا النساء الأداوي والهراوي وقالوا لهن: إذا رأيتن صريعًا محلوق الأراهط فاسقينه وأنعشنه فإنه منا، وإذا رأيتن غير ذلك فاضربنه بالهراوي حتى تجهزن عليه، وكان جحدر رجلًا دميمًا، وكانت له لمة حسنة فقال: دعوا لمتي بأول فارس يطلع من الثنية فتركوا لمته، فقطعت بكر بن وائل على القوم فقاتلوا قتالًا شديدًا، وأتاهم جحدر فحمل عليهم وهو يقول: (من مشطور الرجز والقافية من المتدارك) ردوا على الخيل إن ألمت إن لم أطاردها فجزوا لمتي قد يتمت بنتي وآمت كنتي وشعثت بعد الدهان جمتي ثم أصابته جراحات فارتث صريعًا فيما يذكرون، فمرت به نساء بني بكر بن وائل يطفن في الجرحى والقتلى، فوجدنه ذا لمة فقتلنه وهن يحسبن أنه من بني

تغلب، ويروى "ردا وردوا" بالجمع. المعنى: يصف شجاعته وحرصه على لقاء العدو، وبعد من نفسه المناجزة، ويروي "إن لم أناجزها" ويروي "إن لم أطاعنها". قد علمت والدتي ما ضمت ولففت في خرق وشمت أمخدٌج في الحرب أم أتمت إذا الكماة بالكماة التفت شمت: بالشين من الشم، ويروى "سمت" بالسين غير المعجمة، المعنى: قالت والدتي في حال صغري وشهامتي ما يكون مني في الحرب إذا اختلفت الكماة لأن آثار شهامتي كانت ظاهرة. (169) وقال شماس بن أسود الطهوي لضمرة بن ضمرة النهشلي، وشماس من

الشموس، وهو اضطراب الدابة إذا أريد ركوبها. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أغرك يومًا أني قال ابن دارٍم وتقصى كما يقصى من البرك أجرب وتقصى: تنحى، والبرك: الإبل الباركة. المعنى: أيكفيك من الحسب أن تنتسب إلى دارم لا تأنف إلا إذا أبعدت لؤمًا كما يبعد الجرب من الإبل، أي ما ينفعك شرف آبائك مع دناءة نفسك. قضى فيكم قيٌس بما الحق غيره كذلك يخزوك العزيز المدرب فأد إلى قيس بن حسان ذوده وما نيل منك التمر أو هو أطيب ويروي "نوس" وهو اسم رجل، وقوله: العزيز المدرب: أي من كان القهر من عادته. يصفه بالذل والعجز عن الانتصار، يقول: ظلمك نوس في حكمه عليك وأرغمك رد الذود على حسان، ولم يأمر رد أخذ منك، فصار ذلك لهم كالتمر في الحلاوة لأنه لا تبعة عليه. فالا تصل رحم ابن عمرو بن مرثٍد ... يعلمك وصل الرحم غضٌب مجرب المعنى: إن لم ترع حق القرابة حملت على رعايتها بالسيف قهرًا، وهذا كقولهم: "الطعن يظأر"). (170) وقال حجر بن خالد بن قيس بن ثعلبة، جاهلي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

وجدنا أبانا حل في المجد بيته وأعيا رجالًا آخرين مطالعه فمن يسع منا لا ينل مثل سعيه ولكن متى ما يرتحل فهو تابعه يسود ثنانًا من سوانا وبدؤنا يسود معدًا كلها ما تدافعه ويروى "جل في المجد بيته". المعنى: يصف نفسه وآباءه بالشرف والمجد العالي، وأنه يعجز عن مثل مجد أبيه، ثم بالغ في ذلك بأن قال: غير السيد منا سيد غيرنا، والسيد من غيرنا ليس بسيد فينا، ثم قال: معد لا تدفع عن ذلك بل تقربه لنا. ونحن الذين لا يروع جارنا وبعضهم للغدر صٌم مسامعه لا يروع جارنا: لا يخوف ولا يفزع لعزنا وذبنا عنه، وقوله: وبعضهم للغدر صم مسامعه، أي بعض الناس لا يبالي بالذم فكأنه أصم لأنه لحبه للغدر لا يسمع اللوم فيغدر بجاره. ندهدق بضع اللحم للباع والندى وبعضهم تغلي بذم مناقعه ويحلب ضرس الضيف فينا إذا شتا سديف السنام تستريه أصابعه ندهاق: قالوا: نزود في القدر بالغليان الشديد، ويروي "ندهمق"، المناقع: جمع منقعة، وهي قديرة صغيرة حجرية تكون للبن يطرح فيها اللبن والتمر، ومعنى يحلب ضرس الضيف أي ينزل بنا فنطعمه السنام، وهو السديف، وقيل: بل معناه ينزل بنا الضيف فنطعمه سديف السنام فهو مضغه ويخرج دسمه فكأنه يحلبه، وتستريه: أي تختاره من الشيء السري الجيد. المعنى: يصف كرمهم وإطعامهم الضيف إذا جاءهم في الجدب بما يعد عندهم من الطعام. منعنا حمانا واستباحت رماحنا حمى كل حي مستجيٍر مراتعه أي مستجيرة، ويروى بالماء، كأنه التفاف العشب من الكثرة. المعنى: يصف عزهم وغلبتهم غيرهم حتى حفظت ديارهم وأبيح حمى غيرهم، ويروى "حمى كل قوم".

وقال أيضًا: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) لعمرك ما ألياء بن عمرٍو بذي لونين مختلف الفعال غداة أتاه جباٌر باٍد معضلٍة وحاد عن القتال ففض مجامع الكتفين منه بأبيض ما يغب عن الصقال ألياء: اسم رجل، وغداة أتاه جبار باد يروي على أربعة أوجه: "بعبد" و"بإد" و"ابن عبد" و"عنيد" ولكل وجه، والاد: الداهية والشر، والعنيد: العادل عن الحق، ومعضلة نعت لاد، لأنه روى "معضلة" و"مغفلة" كأنه استغفله لما أتى جبار الياء، ومجامع الكتفين أي ضربه بذي وجهين وإن كان جبار بن عبد أتاه بداهية فقتله ألياء. فلو أنا شهدناكم نصرنا بذي لجٍب أزب من العوالي ولكنا نأينا واكتفيتم ولا ينأى الحفي عن السؤال المعنى: لو حضرناكم نصرناكم بجيش كثير الرماح، ولكن بعدنا عنكم فاكتفيتم بقوتكم ولم نبعد عن السؤال عنكم. (172) وقال غسان بن وعلة أحد بني مرة بن عتاب، غسان من الغس، وهو الضعيف أو من الغسنة، وهي الخصلة من الشعر، والوعلة أمنع موضع في الجبل:

(الأول من الطويل والقافية من المتواتر) إذا كنت في سعٍد وأمك منهم غريبًا فلا يغررك خالك من سعٍد فإن ابن أخت القوم مصغى اناؤه إذا لم يزاحم خاله بأٍب جلد يعني سعد بن زيد مناة بن تيم، ومصغى اناؤه أي ممال. المعنى: إذا كنت غريبًا في سعد وأمك منهم فلا تعتمد أخوالك فإن الرجل إذا لم يقابل خاله باب جلد ينقص حقه ويظلم. (173) وقال بعض جهينة في وقعة كانت لكلب مع فزارة، إسلامي. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا هل أتى الأنصار أن ابن بحدٍل حميدًا شفى كلبًا فقرت عيونها وأنزل قيسًأ بالهوان ولم تكن لتقلع إلا عند أمٍر يهينها فقد تركت قتلى حميد بن بحدٍل كثيرًا ضواحيها قليلًأ دفينها فأنا وكلبا كاليدين متى تقع شمالك في الهيجا تعنها يمينها

ضواحيها: بوادرها جمع ضاحية. المعنى: يصف إيقاع حميد بن بحدل ببني فزارة وإذلاله قيس بن عيلان وإكثاره القتل منهم، ثم وصف مساعدة جهينة كلبًا وجعلهما بمنزلة اليمين والشمال أي هم يد واحدة على من عاداهم. (174) وقال المنخل بن الحرث اليشكري المنخل: المخلص، والناخلة: الخالصة: (من مرفل الكامل والقافية من المتواتر) إن كنت عاذلتي فسيري نحو العراق ولا تجوري لا تسألي عن جل ما لي واسألي كرمي وخيري ويروي "ولا تحوري" ويروي "وانظري حسبي وخيري" قوله: فسيري هو عندهم من مكان الطلاق أو يقول: نحو بيتك لا تحوري أي لا ترجعي، ومعنى لا تجوري لا تعدلي، المعنى: يخاطب امرأته وينهاها ويقول: إن كنت تعذليني فأنت طالق، ثم افتخر بكرمه وأمرها بالسؤال عنه وهو أمر المال. ويجوز أن يكون معنى فسري نحو العراق أي لي بها آثار من الكرم والشجاعة فسيري نحوها تخبري

بذلك. وفوارٍس كأوار حر النـ ار أحلاس الذكور شدوا دوابر بيضهم في كل محكمة القتير واستلأموا وتلببوا ان التلبب للمغير وعلى الجياد المضمرا ت فوارٌس مثل الصقور يخرجن من خلل الشعا ب يجفن بالنعم الكثير أقررت عيني من أولـ ئك والكواعب بالعبير وإذا الرياح تناوحت بجوانب البيت الكسير الفيتني هش اليديـ ن بمري قدحي أو شجيري الأوار: الوهج، والذكور يعني الخيل القرح، لأن الذكر أثبت في الحرب وأشجع عند الضرب من الأنثى، وشدوا دوابر بيضهم جمع دابرة، وكانت لبيضهم حلق يوثق في الدروع كالكلاليب مخافة أن يسقط إذا أجروا الخيل، وأراد بمحكمة القتير: الدروع والقتير: رؤوس المسامير التي كعيون الجراد، واستلأموا: أي لبسوا اللؤم: يعني الدروع، وتلببوا أي تحزموا، وقوله: يخرجن من خلل الشعاب يروي "يخرجن من قحم الشعاب" جمع قحمة وهي كل أمر شديد، ويجفن: يسرعن من الوجيف، ويروي "الفوائح بالعبير" يعني النساء المتطيبات أقررت عيني منهن منعمًا معهن، هش اليدين أي ضعيف اليدين، والمري: المسح من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب، والشجير: القدح يكمن مع القداح، وتناوحت أي تقابلت شمالًا مرة وجنوبًا مرة، وصبا أخرى، وسميت النساء نوائح لتقابلهن، والبيت الكسير: الذي له كسور واحدها كسر- بكسر الكاف وفتحها-

وهو ما مس الأرض من هداب الخيم، وإنما يريد به إذا اشتد وكان الشتاء لأن الرياح عند ذلك تختلف. المعنى: يصف شجاعته وتنعمه وأنه أقر عينه بفوارس متأهبين مدججين في السلاح على خيل كالصقور خفة قد تعودوا انتهاب النعم وأقر عينه بجوار متنعمات، ويصف جوده في شدة البرد وزمان الجدب، وأنه خفيف اليدين في الميسر يضرب القداح الذي جربه والذي لم يجربه حبًا للندى، لأن العرب كانت تبخل من لم يدخل في الميسر وتسميه البرم. ولقد دخلت على الفتاة ة الخدر في اليوم المطير الكاعب الحسناء تر فل في الدمقس وفي الحرير يعكفن مثل أساود الـ تنوم لم تعكف لزور فدفعتها فتدافعت مشيي القطاة إلى الغدير ولثمتها فتنفست كتنفس الظبي العقير فدنت وقالت يا منخل ما بجسمك من حرور ما شف جسمي غير حبك فاهدئي عني وسيري يعكفن ويعكفن: لازمن، ولم يعكفن لزور فيه قولان: أحدهما لم يعكفن لزينة لغير أزواجهن، وقال الأصمعي: يعني أن شعورهن لم يخلط بها شعر غيرهن وصلا ويكون زورًا، مشي القطاة إلى الغدير: أي مشت متأنية، وقيل: أراد إسراعها لأن القطاة تسرع إلى الماء، والظبي العقير: المرمي، وهو يلهث على ذلك، ويروي كتنفس الظبي البهير أي المبهور، ومن حرور أي من حمى، وروى الأصمعي "عن عرور" وهو قلة اللحم، وقوله: ما شف جسمي: أي ما ترين من هزال وتغير لوني من حبك، وقوله: فاهدئي عني وسيري أي من المسألة عن حالي فقد كفاك ما عرفتك من ذلك، وقيل سيري معناه اسمحي بما أريده منك وهذا

تعسف في التأويل، وقيل: سيري من السيرة الجميلة أي خذي نفسك بالجميل. المعنى: يصف تنعمه بالجارية ومغازلته كما فسرنا. وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري يا هند من لمتيم يا هند للعاني الأسير المعنى: يصف تساويهما في المحبة وطول ملازمته إياها حتى ألف بعيره ناقتها، ثم قال: من يحسن إلى المتيم إن لم تحسني ومن يطلق أسر الحب إن لم تطلقي، يتلطف لها ويتخضع إليها، وفي هذه القصيدة أبيات رواها بعضهم في هذا الكتاب وهي: ولقد شربت من المدا مة بالصغير وبالكبير وشربت بالخيل الانا ث وبالمطهمة الذكور ذ وإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير قال ثعلب عن ابن الأعرابي إنه أراد تصغير ماله وتكبيره ولم يرد إناء، ومما يحقق هذا الرواية التي تقول "ولقد شربت الخمر بالعبد الفصيح وبالأسير" يقول: اشتريت بثمن العبد الخمر وفديت الأسير، ويقال: الصغير والكبير الدراهم والدنانير، والخورنق فارسي معرب وأصله خرنقا أي موضع الأكل والشرب والسدير أيضًا فارسي معرب: أي سد لي أي ثلاث قباب متداخلة، والشويهة تصغير شاة وأصله شوهة. المعنى: يصف شربه الخمر بأمواله ويذكر اختلاف حالتي السكر والصحو.

(175) وقال باعث بن صريم، صريم تصغير صرم، وهو أبيات من الناس مجتمعة: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) سائل أسيد هل ثأرت بوائٍل أم هل شفيت النفس من بلباها إذ أرسلوني مائحًا بدلائهم فملأتها. علقًا إلى أسبالها قوله: هل ثأرت بوائٍل أي طلبت قاتله، إذ أرسلوني هذا مثل أي بعثوني طالبًا بترتهم، والمائح: المستقي الذي يدخل ليجمع الماء في الدلو، والمانح الذي يسقي على رأس البئر. فملأتها أي ملأت الدلاء ماء إلى أعاليها، والعلق: الدم نفسه أي أكثرت من القتل حتى بلغت مرادكم وزدت. المعنى: يصف شجاعته وإدراكه الثأر بوائل المقتول وإكثاره القتل به. إني ومن سمك السماء مكانها والبدر ليلة نصفها وهلالها آليت أثقف منهٌم ذا لحيٍة أبدًا فتنظر عينه في مالها يعني والله لأنه رافع السماء سمك أي رفع، وليلة نصفها فيه قولان: إما نصف السماء وإما نصف أيام الشهر وهو الأصح، وجاز أن يكنى عن الأيام ولم يتقدم لها ذكر لأن لفظة البدر دلت عليها. وقوله: آليت أثقف منهم ذا لحية أي لا أثقف منهم، وجاز حذف لا ها هنا لأن جواب القسم إما أن يكون نفيًا أو إيجابًا والإيجاب باللام، فإن تعرى منها كان نفيًا إلا إذا طال الكلام فإنه يجوز حذف اللام، ومعنى أثقف أجد. المعنى: إنه لا يصيب منهم رجلًا فيتركه حيًا مبالغة في التهدد.

وخمار غانية عقدت برأسها ... أصلاً وكان منشرا بشمالها وعقيلة يسعى عليها قيم ... متغطرس أبديت عن خلخالها عقدت برأسها أي سكنت منها حتى اطمأنت نفسها فعقدت خمارها برأسها لا أنه عقده بيده، ولكنه كان سبباً له، وكان منشراً أي كان الخمار منشرا بشمال الغانية، وعقيلة البيت أي امرأة كريمة، يسعى عليها قيم يعني الزوج، ويجوز أن يكون المراد به الأب وسائر الأولياء، متغطرس أي متكبر، أبديت من خلخالها، أي امرأة كريمة، يسعى عليها قيم يعني الزوج، ويجوز أن يكون المراد به الأب وسائر الأولياء، متغطرس أي متكبر، أبديت من خلخالها، أي فزعتتها حتى هربت، فشمرت عن ساقها للهرب فبدا خلخالها. المعنى: يصف شجاعته ويقول: رب غانية استنقذتها من العدو فسكنت منها، ورب جارية كريمة من الأعداء أزعجتها عن خدرها حتى تكشفت عن ساقها فبدا خلخالها. وكتيبة سفع الوجوه بواسل ... كالأسد حين تذب عن أشبالها قد قدت أول عنفوان رعيلها ... فلففتها بكتيبة أمثالها سفع الوجوه: متغيرة ألوان الوجوه لملازمة السلاح، الرعيل: القطعة من الخيل. يصف شجاعته وبسالته ولفه الخيل بالخيل. (176) وقال الفند الزماني: (من الهزج الأول والقافية من المتواتر) أيا طعنة ما شيخ كبير يفن بال تقيم المأتم الأعلى على جهد وإعوال ولولا نبل عوض في خصماتي وأوصالي

لطاعنت صدور الخيـ ... ـل طعناً ليس بالآلي ترى الخيل على آثا ... ـر مهري في السنا العالي ولا تبقي صروف الدهـ ... ـر إنساناً على حال تفتيت بها إذ كـ ... ـره الشكة أمثالي كجيب الدفنس الورها ... ء ريعت بعد إجفالي إنما كتبنا هذه الأبيات كلها لأن قوله: تفتيت بها راجع إلى الطعنة التي ذكرها في أول القصيدة، وبينهما اعتراض كثير، يفن: ضعيف، البالي: المسن الهرم، المأتم الأعلى: المصيبة الكبرى، والإعوال البكاءـ ونبل عوض يعني حوادث الدهر، وعوض مبني على الضم والفتح، وإنما سمي الدهر عوضاً لأنه كلما مضى منه جزء خلفه جزء كالعوض من الأول، ويروى ها هنا "عوض" مصروفاً للضرورة، خضماتي: جمع خضمة وهي كل لحمة غليظة، ويروى "خضباتي" على الإبدال، والأوصال: الأعضاء واحدها وصل بكسر الواو، وقوله ليس بالآلي أي المقصر، وقوله ترى الخيل ... البيت يريد أن الخيل إذا كانت في آثار مهري تابعة غباره فقد بلغت السنا العالي، ويكفيها أن تدعى لمهري، ويجوز أن يكون المعنى إني رئيس أتقدم القوم فيتبعوني سائرين في ضوء سنا الأسنة وغيرها من السلاح، ويجوز أن يكون أراد بالسنا ضوء الغبار الذي يرتفع من سنابك الخيل، وقوله: تفتيت بها: تخلقت بأخلاق الفتيان، والشكة السلاح كله، وذلك لأنه طعن رجلين على فرس فانتظمها برمحه في حرب البسوس، والدفنس المرأة الحمقاء، شبه الطعنة بجيب المرأة الحمقاء لأنها لا يزر عليها قميصها ولا سيما إذا فزعت. المعنى: تعجب من طعنة طعنها على شيخوخته كما يطعن الشباب وأشكاله يكرهون حمل السلاح لضعفهم، وشبه تلك الطعنة بجيب المرأة الحمقاء إذا فزعت واعترض في ذلك بالاعتذار بقوله ولولا تأثير الدهر في لبالغت في الطعنة، ثم افتخر أنه قائد الخيل وأنها تتبعه. (177) وقال ربيعة بن مقروم الضبي:

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أخوك أخوك من يدنو وترجو ... مودته وإن دعي استجابا إذا حاربت حارب من تعادي ... وزاد سلاحه منك اقترابا أخوك أخوك إن شئت جعلت الثاني بدلا وإن شئت جعلت الثاني خبراً عن الأول، أي إنما يستحق أن تدعو الرجل أخاك إذا كان في الحقيقة كما قال، وهذا مثل قول أبي النجم "أنا أبو النجم وشعري شعري". المعنى: يذكر في البيتين الأولين أن المحبة إذا لم تكن بالطبع وكانت بمغالبة النفس سئمت المغالبة، وكذلك العطاء إذا كان في عتاب يخشى رغب عنه الناس وتركوا العتاب، ويستزيد أخاه في البيت الثاني، وبين له ما يجب للأخ على أخيه، ويدل على أن من كان بهذه الصفة لا يجب أن يعرض، يقول: أخوك يمحض مودتك ويحسن معونتك، ويساعدك على الشدائد. وكنت إذا قريني جاذبته ... حبالي مات أو تبع الجذابا المجاذبة: المماذة، ويروى مكان مات "طاح" أي سقط. المعنى: يصف قوته وغلبته الأقران، يقول: كنت إذا قرنت بصعب من الناس فنازعني غلبته حتى انقاد لي صاغراً أو قطعت عنقه فمات. بمثلي فاشهد النجوى وعالن ... بي الأعداء والقوم الغضابا فإن الموعدي يرون دوني ... أسود خفية الغلب الرقابا كأن على سواعدهن ورساً ... علا لون الأشاجع أو خضابا الموعدي الذين يوعدونه ويتهددونه، خفية اسم موضع بعينه، والغلب: الغلاظ العناق، المعنى: يمدح نفسه ويصف هيبته في قلوب أعدائه، يقول: أعدائي يرون دوني أسوداً غلاظ الرقاب، ويجوز أن يكون المراد بذلك أصحابه،

ويحتمل أن يكون المراد به أعدائي لا يدنون مني كأنهم يروني أسود خفية، ثم بين أنها قد تعودت الفرس والقتل فقال كأن على سواعدهن ورسا أي زعفراناً، ويقال: بل الورس شيء يشبه الزعفران، والأشاجع عروق ظاهر الكف. فإن أهلك فذي حنق لظاه ... علي يكاد يلتهب التهابا مخضت بدلوه حتى تحسى ... ذنوب الشر ملأى أو قرابا الحنق بفتح النون أفصح وبكسر النون أيضاً يقال، لظاه يعني نار عداوته، مخضت بدلوه أي سقيته دلواً من الشر فتحسى أي شيء بعد شيء، وقال بدلوه وعنى بها الدلو التي سقاه بها. المعنى: بلغت مرادي من أعدائي، وأحللت بهم نهاية الشر فإن أمت فرب مغتاظ علي بلغت منه غاية المكروه. (178) وقال سلمي بن ربيعة من بني السيد من بكر بن سعد بن ضبة جاهلي: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك)

حلت تماضر غربة فاحتلت ... فلجأ وأهلك باللوى فالحلت وكأن في العينين حب قرنفل ... أو سنبلاً كحلت به فانهلت فلجا يعني وادياً بطريق البصرة بينها وبين مكة. المعنى: يصف مفارقته من يحبها وهي تماضر، ودوام البكا لأجل ذلك يقول: حلت تماضر مكاناً بعيدا منك، لأنها حلت فلجا وحل أهلك الحلت، وبينهما مسيرة عشر ليال، "ويروى "أو فلفلاً". زعمت تماضر أنني إما أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلتي تربت يداك وهل رأيت لقومه ... مثلي على يسري وحين تعلتي رجلاً إذا ما النائبات غشينه ... أكفى لمعضلة من مطاه وعلت ومناخ نازلة كفيت وفارس ... نهلت قناتي من مطاه وعلت أبينوها تصغير بنيها على غير قياس، المطا الظهر. المعنى: يصف شهامته وجلالته، وأن أحداً لا ينوب منابه، ويسفه رأي تماضر -في زعمها- أن بنيها يسدون مكانه، ويدعو عليها بالخيبة. ثم افتخر بقيامه في أمور الناس على اختلاف أحواله، وكفايته الداهية العظيمة، وطعنه في ظهر المنهزم الطعنة النافذة، وأخرج قوله: "وهل رأيت" مخرج الاستفهام لأنه أبلغ من الإفصاح بالخبر. وإذا العذارى بالدخان تقنعت ... واستعجلت نصب القدور فملت دارت بأرزاق العفاة مغالق ... بيدي من قمع العشار الجلة

تقنعت بالدخان لأنها تصطلي به من شدة البرد، ولا يكون ذلك إلا في الشتاء، وملت أي كببت استعجالا من كلب الجوع وقلة صبرها، والقمع أعالي السنام الواحد قمعة، والجلة المسان من الإبل. المعنى: يصف كرمه وجوده، وأنه إذا اشتد البرد وعظم القحط ستر ضعة القوم، فدارت القداح بيده بأرزاق السؤال من أسنمة الإبل. ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها ... وكفيت جانيها اللتيا والتي وصفحت عن ذي جهلها ورفدتها ... نصحي ولم تصب العشيرة زلتي وكفيت مولاي الأحم جريرتي ... وحبست سائمتي على ذي الخلة رأبت أصلحت، وثأى العشيرة فسادها، واللتيا والتي يعني الداهية الصغيرة والكبيرة، واللتيا بفتح اللام وضمها، ورفدتها نصحي أعنتها بنصحي، والأحم الأقرب، لا يجوز غيره، ومن روى بالجيم فقط غلط عند أكثر العلماء، وقال بعضهم بالجيم حسن، أي لم أجن على من لم يحمل السلاح كما يظلم القوي الضعيف، وحبست سائمتي على ذي الخلة أي لم أسرح إبلي دون الفقير، ولكني إذا رأيت ذا الحاجة أعطيته منها ما سد خلته، والهاء في جانيها ضمير العشيرة. (179) وقال أبي بن سلمي بن ربيعة بن زبان، ويقال أبان، وزبان فعلان من الزبن، وقيل: الزب والزبب وهو كثرة الشعر. (الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) وخيل تلافيت ريعانها ... بعجلزة جمزى المدخر جموم الجراء إذا عوقبت ... وإن نوزقت بزرت بالحضر سبوح إذا اعترمن في العنان ... مروح ململة كالحجر

دفعن إلى نعم بالعرا .. ق من حيث أفضى به ذو شمر فلو طار ذو حافر قبلها ... لطارت ولكنه لم يطر ريعان كل شيء أوله، معجلزة أي صلبة شديدة، جمزى المدخر أي سريعة الجري الثاني كأنه ادخره من الجمز وهو الوثوب، ومنه الجمازة، عوقبت فوعلت من العقب وهو الجري الثاني، يقال: فرس ذو عقب إذا كان بهذه الصفة، ونوزقت من النزق وهو الجري الأول، والنزق الخفة والنشاط، ململة مجتمعة، ويروى "البراق" وهو موضع، وذو شمر، بفتح الشين والميم وقيل: ذو شمر يعني فرساً. فما سوذنيق على مربأ ... خفيف الفؤاد حديد النظر رأى أرنباً سنحت بالفضاء ... فبادرها ولجات الخمر بأسرع منها ولا منزع ... يقمصه ركضه بالوتر السوذنيق: من جوارح الطير وهو الشاهين وهو السواذق أيضاً، والمربأ المكان المرتفع، والخمر المكان الكثير الشجر يستر من دخله واستتر فيه، وقوله بأسرع منها يعني فرسه، ويقمصه أي يزعجه، وركضه بالوتر أي دفع الوتر إياه عند النزع، والباء زائدة. المعنى: يصف فرسه بالسرعة والخفة وحدة النظر، وجعلها أسرع من سوذنيق انقض على أرنب، وجعلها أسرع من سهم فارق الوتر. (180) وقال زيد الفوارس بن حصين بن ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد بن كعب ابن نخالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن ربيعة بن ضبة:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تألى ابن أوس حلفة ليردني ... على نسوة كأنهن مفائد قصرت له من صدر شولة إنما ... ينجي من الموت الكريم المناجد يقول: حلف ابن أوس حلفة ليأسرني ويردني إلى نسوته المهازيل، شبههن بالمفائد وهي السفافيد واحدها مفأد وهو السفود، ويقال: المفائد المساعير وهي التي تحرك بها النار، وابن أوس هو قيس بن أوس بن حارثة بن لأم، وذلك أن زيد الفوارس خرج في خيل من ضبة، فمر ببني جديلة من طيء ولم ينزل فأرسل أوس بن حارثة ابنه قيساً ليردهم فجد قيس في أثره! حتى إذا لحقه نادى قيس بن أوس يا زيد ارجع، قال زيد: الام ارجع؟ قال قيس: واللات والعزى لأردنك أسيراً إلى نسوة تركتهن، فلم يكترث زيد ومضى، وكان ابن مرهوب أحد بني هاجر بن كعب على فرس بطيء في اخريات الناس، فلما لحقته خيل طيء نادى زيداً، وزيد في أوائل خيل ضبة على فرس له تدعى شولة، فعطف زيد على ابن مرهوب، وقال له: كن عن شمالي، فإنني سأكفيك القوم فلحقتهم طيء فاقتتلوا ساعة، ثم إن زيد الفوارس حمل على رئيسهم زيد بن أوس فطعنه في جبهته فخر ميتاً، وشدت عليهم خيل بني ضبة. وقوله: ينجي من الموت أي يخلص، والمناجد: الشجاع المقاتل من النجدة وهي الشجاعة. المعنى: يصف شجاعته واحتياله على عدوه وتخليصه نفسه بعد قربها من الموت ولحوق العدا به، ويروى "من بطن شولة". دعاني ابن مرهوب على شنء بيننا ... فقلت له إن الرماح مصايد أي يصاد بها الأرواح، وإنما قال له في البيت بعده: كن عن شمالي فخض الشمال لأن الضرب والطعن والرمي في العطف وما شاكل ذلك من الجانب الأيسر

أمكن وأيسر منه على الجانب الأيمن، فأمره أن يقف على موضع يمكنه الذب عنه، وقيل فيه وجه آخر وهو أن القلب في الجانب الأيسر فقال كن في الجانب الذي أنا معني به. المعنى: افتخر بأنه ذب عن ابن مرهوب حين استصرخه على ما كان بينهما من العداوة، وهذا شرح البيت الذي بعده. وقلت له كن عن شمالي فإنني ... سأكفيك إن ذاد المنية زائد (181) وقال الرقاد بن المنذر الضبي، جاهلي، ويقال الرقاد وهو مصدر رقد إذا نام: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لقد علمت عوذ وبهثة أنني ... بوادي حمام لا أحاول مغنما ولكن أصحابي الذين لقيتهم ... تعادوا سراعاً واتقوا بابن أزنما فركبت فيه إذ عرفت مكانه ... بمنقطع الطرفاء لدنا مقوما ولو أن رمحي لم يخني انكساره ... جعلت له من صالح القوم يوءما أي أني طالب ثأر لا أطلب غنيمة ولا نهباً، ولكن أصحابي تعادوا سراعا أي كفوا عني وجعلوا بيني وبينهم ابن أزنم، أي انهزموا وجعلوا ابن أزنم جنة لهم من أنفسهم ويروى "تفادوا" من الفداء، أي فدى بعض أصحابي بعضهم وخذلوني، فركبت أي طعنته رمحاً لدنا ليناً، ومنقطع الطرفاء موضع بعينه. المعنى: يفتخر بأنه طالب بالثأر دون طالب المال، ويذكر شجاعته، وأنه طعن ابن أزنم، ولو لم ينكسر رمحه لثناه برجل شريف من حيه، وهم يفتخرون بأن يقتلوا الأشراف أو يقتلهم الأشراف، ولهذا قالت أخت عمرو بن عبد ود لما سئلت عن

قاتل أخيها فقالت: علي بن أبي طالب، وأرادت بذلك الافتخار. ولو أن في يمنى الكتيبة شدتي ... إذا قامت العوجاء تبعت مأتما الشدة الحملة. المعنى: يقول لو حملت على الكتيبة في يمناها لقتلت ابن العوجاء فكانت أمه تقيم عليه المأتم. (182) وقال أيضا: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إذا المهرة الشقراء أدرك ظهرها ... فشب الإله الحرب بين القبائل وأوقد ناراً بينهم بضرامها ... لها وهج للمصطلي غير طائل إذا حملتني والسلاح مشيحة ... إلى الروع لم أصبح على سلم وائل قدى لفتى ألقى إليَّ برأسها ... تلادي وأهلي من صديق وجامل ويروى "أركب ظهرها" أي جاز أن يركب، فشب يدعو بأن يهيج الله الحرب بين الناس، بعد إدراك مهرته، لأنه لم يكن له مركوب غيرها، المشيحة المجدة، وقد أشاح إذا حد، وقوله: على سلم وائل يعني صلح ربيعة، وقوله ألقى إلي برأسها أي وهبها يعني المهرة، وتلادي رفع بخبر الابتداء. المعنى: يتمنى وقوع الحرب بين القبائل إذا صلحت مهرته للركوب لأنه فارس إذا ركب فرساً مجداً في السير لم يسالم أعداءه، ثم دعا لمن أعطاه هذا الفرس. (183) وقال شمعلة بن الأخضر بن هبيرة بن المنذر بن ضرار، شمعلة منقول من

الناقة المشمعلة، وهي الجادة الماضية، وهبيرة تصغير هبرة، وهي القطعة من اللحم: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ويوم شقيقة الحسنين لاقت بنو شيبان آجالاً قصارا شككنا بالرماح وهن زور صماخى كبشهم حتى استدارا فخر على الالاءة لم يوسد وقد كان الدماء له خمارا وأوجرناه أسمر ذا كعوب يشبه طوله مسداً مغارا الحسنان نقيان بالدهناء، والشقيقة: الرملة المستطيلة، وهو الجبل أضافهما إلى الحسنين وهما كثيبان أحدهما يسمى الحسن كالقمرين والعمرين، شككنا شققنا، والالاءة شجرة تنبت في الرمل، ولهذا خبر طويل ومحاربة جرت بين بسطام وبطن من ضبة وعاصم بن خليفة من ضبة ركض فرسه نحو بسطام، وجعل يسقط عليه مهب الريح، فلما حاذاه جمع يديه فى رمحه ثم رماه بفرسه، فطعنه في صماخ أذنه حتى أنفذ الى جانبه الآخر، فخر صريعاً على شجرة تسمى ألاءة، وزور من ازور، وقد كان الدماء له خماراً أي صبً دماؤه على موضع الخمار منه، المعنى: يصف إيقاعهم ببني شيبان، وقتلهم رئيسهم بسطام بن قيس وطرحهم إياه على الشجر الذي سماه، وقوله: أسمر ذا كعوب يريد به الرمح والمسد المغار المستحصن الفتل، والمغار المفتول يشبه الرمح به. (184) وقال حسيل بن سجيح الضبي، ويروى بالشين وهو ابن زمعة بن شييم بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد بن سعد بن بكر من ضبة، وحسيل تصغير حسل وسجيح تصغير أسجح مرخم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

لقد علم الحي المصبح أنني غداة لقينا بالشريف الأحامسا جعلت لبان الجون للقوم غاية من الطعن حتى آض أحمر وارسا وأرهبت أولى القوم حتى تنهنهوا كما ذدت يوم الورد هيما خوامسا الأحامس: بنو عامر بن صعصعة الواحد أحمس، نبزوا في ذلك لتشددهم في دينهم، والحمس قريش، والجون فرس حسيل ها هنا، وغاية من الطعن أي جعلت صدر فرسي غاية لرماحهم ونبلهم لم يجاوزوني. حتى آض أي صار صدر الفرس الأدهم أحمر من كثرة الدم عليه والوارس ذو الورس يقال: هو الزعفران، وأرهبت أي خوفت أوائلهم بشدتي عليهم، حتى تنهنوا أي كفوا، يقول: دفعت الخيل عني كما دفعت يوم الورد ابلاً عطاشاً عن الماء، وقد أبصرته فهي تتزاحم عليه. المعنى: يصف شجاعته في الحرب وقد جرح وقد جرح فرسه، ويذكر دفعه العدو بجهد واندفاعهم عليه بشدة. بمطرد لدن صحاح كعوبه وذي رونق عضب يقد القوانسا وبيضاء من نسج ابن داود نثرة تخيرتها يوم اللقاء الملابسا وحرمية منسوبة وسلاجم خفاف ترى عن حدها السم قالسا فما زلت حتى جنني الليل عنهم أطرف عني فارساً ثم فارسا بمطرد يعني برمح مستو لا أود فيه، لدن أي لينّ، من نسج ابن داود وهو غلط العرب لأن الدروع من نسج داود، ونثلة ونثرة أي واسعة، وسلاجم أي نصال طوال وقوله: ترى عن حدها السم قالساً أي تقذف بالسم، والقلس القيء، وهذا

على وجهين أحدهما أنها تقتل كما السم، والآخر أنها مسمومة، وقد أكثر من سمها حتى كأنها تقيء به. المعنى: يصف أعماله ضروب الأسلحة: الرمح والسيف والقوس والسهم وممارسته القوم إلى أن سترته ظلمة الليل، والحرمية ضرب من القسى. ولا يحمد القوم الكرام أخاهم الـ ـعتيد السلاح عنهم أن يمارسا العتيد السلاح: الحاضر. المعنى: ليس المراد أن القوم لا يحمدون أخاهم الحاضر أن يمارس عنم، وإنما أراد أنه لا يجد أن يحمدوه إذا كان حاضر السلاح، لأنه إذا كان كذلك أي شيء يعمل سوى الحرب والدفع عن القوم. يقول: لا أمنن عليهم بما فعلت لأني كنت كامل الأداة. (185) وقال محرز بن المكعبر الضبي، محرز نعت من أحرزت الشيء، والمكعبر من كعبرت الرمح قطعت كعابره، وهي عقد أنابيبه: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) نجي ابن نعمان عوفا من أسنتنا ايغاله الركض لما شالت الجذم حتى أتى علم الدهنا يواعسه والله يعلم بالصمان ما جشموا حتى انتهوا لمياه الجوف ظاهرة ما لم تسر قبلهم عاد ولا إرم

إيغاله الركض أي إمعانه في ركضه الفرس منهزماً ومتابعته ذلك، والجذم بقايا السياط الواحدة جذمة. وشالت ارتفعت يعنى المنهزمون كانوا يرفعون سياطهم على دوابهم ضرباً لينجوا حتى تقطعت وبقيت الأصول في أيديهم، وعلم الدهنا جبل لبني ضبة يقال له: ‹‹ قسا ›› والدهناء يمد ويقصر، ويواعسه أي يركض في الوعساء وهي الأرض الرخوة ذات رمل، والصمان موضع بعينه يقول: أتى ذلك المكان، والله أعلم ما تكلفوه من السير وما لحقهم من التعب في ذلك الموضع حتى انتهوا إلى مياه الجوف ظاهرة أي ظهيرة، ما لم يسر قبلهم عاد ولا ارم لسرعة سيرهم وحملهم التعب على أنفسهم لينجوا. المعنى: يصف شدة فزع العدو منهم حتى تكلفوا هذا الهرب البعيد، وان ابن نعمان نجاه إيغاله في الهرب. (186) وقال عامر بن شقيق بن كوز بن كعب بن نخالة بن ذهل بن مالك الضبي. (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) فانك لو رأيت ولن تريه أكف القوم تخرق بالقنينا بذي فرقين يوم بنو حبيب نيوبهم علينا يحرقونا كفاك النأي مما لم تريه ورجيت العواقب للبنينا تخرق تجرح ويروى ‹‹ تخرق ›› من الخرق وهو ضد الرفق أي لعجلتهم، والقنين والقنون جمع قناة وجمعت بالواو والنون، وذو فرقين هضبة من بلاد بني أسد وتميم بين طريق البصرة والكوفة. المعنى: يخاطب امرأة ويصف لها شدة الحرب على

القوم يقول: لو رأيت بذي فرقين تخارق القوم كفاك قتلهم وبعدهم لأنه لا بعد أبعد من القتل، ويئست من رجالك ورجوت البنين أن يخلفوا آباءهم لانقطاع الطمع فيهم. (187) وقال أبو تمامة بن عازم الضبي ويقال عازب: (الثاني من المتقارب والقافية من المتدارك) رددت لضبة أمواهها وكادت بلادهم تستلب بكر المطي وإتعابه وبالكور أركبه والقتب أخاصمهم مرة قائما وأجثو إذا ما جثوا للركب وان منطق زل عن صاحبي تعقبت آخر ذا معتقب أفر من الشر في رخوة فكيف الفرار إذا ما اقترب وتروى ‹‹ مياههم تستلب ›› ويروى ‹‹ بكرى المطي وإتباعه ›› وأجشو مثل، يريد أقابلهم في الخصومة أن قامت قمت وان جثت جثوت، وقوله: وان منطق يريد وان أخطأ صاحبي الذي أذب عنه تعقبت أي أخذت وجهاً آخر ويروى ‹‹ وان زل عن صاحبي منطق ›› ويروى ‹‹ تعرقبت ›› أي أخذت في طريق ضيق لا يسلكها معي غيري، لأن العرقوب طريق ضيق في الوادي، والجثو القيام على الركب ويروى ‹‹ ذا معتتب ›› أي متطلع من العتبة وهي الدرجة أي لي فيه درج أعتب فيه بالحجة حتى ألقى خصمي بالعويص، ومعنى أفر من الشر في رخوة أي أترك الشر ما وجدت عنه منصرفاً فإذا وقعت فيه لم أجد بداً من استعماله، وأراد بالشر ها هنا الحجة أي أفر من الحجة أن ثقبت علي، فإذا ثبتت لا يمكن الفرار منها. المعنى: يصف جلادته في الخصومة ومحاجته في الدفع، ويعتذر بقوله أفر من الشر مما أتاه من الخصومة، ويذكر في أول البيت منته على َضبة برد مياههم عليهم.

(188) وقال أبو ثمامة أيضاً: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) قلت لمحرز لما التقينا تنكب لا يقطرك الزحام أتسألني السوية وسط زيد ألا إن السوية أن تضاموا فجارك عند بيتك لحم ظبي وجاري عند بيتي لا يرام لا يقطرك أي لا يصرفك الزحام على قطر أي جانب، يقول: انك ضعيف لا تثبت لمزاحمة الرجال فاعدل عن طريقي كي لا تصرع، وزيد رهط من ضبة، وأن تضاموا أن تظلموا يقول: أتطلب مني أن أنصفك وإنصافي لك أأظلمكم لما سبق منكم، والعرب تفتخر بالظلم وتعيب من لا يظلم، وقوله فجارك عند بيتك أي جارك ذليل يتناوله من يطلبه فهو بمنزلة لحم صيد، وجاري عزيز لا يوصل إليه. (189) وقال عبد الله بن عنمة الضبي ويروى لحاتم الطائي، وعنمة واحدة العنم، قال أبو عبيدة هي أطراف الخروب الشامي:

(الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) ما إن ترى السيد زيدا في نفوسهم كما يراه بنو كوز ومرهوب إن تسألوا الحق نعط الحق سائله والدرع محقبة والسيف مقروب وان أبيتم فانا معشر أنف لا نطعم الخسف إن السم مشروب فازجر حمارك لا يرتع بروضتنا إذا يرد وقيد العير مكروب إن يدع زيد بني ذهل لمغضبة نغضب لزرعة إن الفضل محسوب السيد هو ابن ضبة، وزيد من ذهل بن شيبان يقول: إن السيد لا تعظم زيداً كما يعظمه بنو كوز وبنو مرهوب، وقوله: والدرع محقبة أي في الحقيبة، وقوله: مقروب من قربت السيف وأقربته اذا جعلته في قرابه، والخسف والخسف الضيم يقال: سامه الخسف اذا قهره، والخسف لا يطعم، ولكنه لما أراد أن يقول: السم مشروب جعل ذلك مطعوماً للمقابلة، ومكروب مداني من كربت القيد إذا قصرته بعقود أي يجعل العقد قيدا له، والفضل محسوب أي معدود، يطلب ما تمنعون مثلاً بمثل وعدداً بعدد، ويروى ‹‹ إن القبض محسوب›› وهو العدد الكثير، أي احتسب بعددي على عددك حتى تعلم أن قومي أكثر عدداً من قومك، وبنو ذهل قوم زيد، والمغضبة الأمر يغضب له. المعنى: نحن نسمح بالإنصاف من غير قتال فمن نازعنا بعد ذلك لم ننقد له، وضرب مثلاً للمتعدي، وأراد بالحمار نفس من يخاطبه يقول: انته عن التعدي إلى ما ليس لك من جهتنا فيلحقك الذل العظيم، وان تدع زيد قومها لأمر يغضب أجبنا نحن لقومنا أيضاً إذا دعونا وغضبنا لهم لأن الفضل يحسب.

وقال عبد الله بن عنمة أيضاً: (الثاني من البسيط والقافية متواتر) أبلغ بني الحارث المرجو نصرهم والدهر يحدث بعد المرة الحالا أنا تركنا فلم نأخذ به بدلا عزاً عزيزاً وأعماماً وأخوالا لا تجعلونا إلى مولى يحل بنا عقد الحزام إذا ما لبده مالا المعنى: يتلهف على مفارقته عشيرته بني الحارث، وانه كان عزيزاً فيما بينهم فقارقهم وقدر أنه يستغني عنهم، فذاق وبال أمره، وبين له خطا رأيه في فراقهم، وذكر أنه كان يأخذ حقه من غير ظلم لحقه وسط تلك القبائل الكثيرة كالسيل في الوادي، ثم خاطب قومه فقاله: لا تقيسونا إلى ضعف لا ناصر له. (191) وقال الأخضر بن هبيرة الضبي، مخضرم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا أيهذا النابح السيد إنني على نأيها مستبسل من ورائها

دع السيد إن السيد كانت قبيلة تقاتل يوم الروع دون نسائها على ذاك ودوا أنني في ركية تجذ قوى أسبابها دون مائها السيد: قبيلة، وفي المثل ‹‹ قد ينبح الكلب القمر ›› أي أن الشريف يكون له من اللئام من يذمه مستبسل: مستكره من وراء السيد ويروى ‹‹ مستنتل ›› أي مقدم، والركية حظيرة عظيمة تحفر للماء. المعنى: يخاطب الذي يذم السيد وينهاه عن ذمها، ويبين له أنه مناضل عنها، ثم وصف السيد بالشجاعة والمحافظة على الحرم في البيت الثاني، ثم شكا في البيت الثالث السيد وذكر أنهم يتمنون هلاكه مع دفاعه عنهم. (192) وقال سنان بن الفحل أخو بني أم الكهف من طيء: (الأول من الوافر والقافية من المتدارك) وقالوا قد جننت فقلت كلا وربي ما جننت وما اننشيت ولكني ظلمت فكدت أبكي من الظلم المبين أو بكيت فان الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت

هذا رجل من طيء نوزع من قومه في ماء لبني الكهف من جرم طيء فأكثروا النزاع ورام الدفاع فقالوا له: مجنون أنت أم سكران فقال: فقالوا: قد جننت ثم تبرأ من الجنون والسكر بقوله: وربى ما جننت وما انتشيت، وقوله وبئري ذو حفرت وذو طويت، هذه لغة طيء، ويقولون: ‹‹ أنا ذو فعلت كذا ›› وللمؤنث ‹‹ أنا ذو عرفتني ›› ومعنى ذو حفرت أي حفرها أسلافي وقومي، لأن ما فعله قومه فكأنه فعله. وقبلك رب خصم قد تمالوا على فما هلعت ولا دعوت ولكني نصبت نصبت لهم جبيني وآلة فارس حتى قريت وتمالوا: تعاونوا، ولا دعوت أي ما دعوت غيري مستنصراً به بل قهرته بنفسي، ثم بين مقاومته لخصمه على اختلاف أحواله فقال: ولكني نصب لهم جبينى أي جادلتهم باللسان ما جادلوني به، وآلة فارس وهى الحربة، حتى قريت أي منعت الماء أي غلبتهم على الماء. المعنى: يقطع طمع خصمه عن أن يلغبه، وبين أن خصماً كثيراً راموا قمعه فلم يقدروا، وتعاونوا عليه فكفاهم بنفسه، ولم يستنصر عليهم غيره، وأنه جادلهم باللسان ما جادلوه به، ثم عمد إلى السلاح لما احتاج إليه حتى قهر خصمه وحصل مراده. (193) وقال جابر بن حريش، إسلامي: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) ولقد أرانا يا سمي بحائل نرعي القري فكامسا فالأصفرا فالجزع بين ضباعة فرصافة فعوارض حو البسابس مقفرا لا أرض أكثر منك بيض نعامة ومذانباً تندى وروضاً أصفرا

ومعيناً يحوي الصوار كأنه ... متخمط قطم إذا ما بربرا إذ لا تخاف حدوجنا قذف النوى ... قبل الفساد إقامة وتدبرا حائل: بطن واد، والقرى: أسم واد ها هنا، وكامس: جبل، وضباعه ورصافة جبلان، والثانية بالصاد، وعوارض: جبل علية جبل حاتم طيء، وجو البسابس: أي خيالها، وقولة: لا أرض أكثر منك بيض نعامة لأن انعامة لا تثبت إلا في خصب من الأرض، والمذانب: مذانب الوادي وأحدهما مذنب ومعينا يعني الثور لأنة كبير العينين، والصوار: قطيع البقر- بكسر الصاد وضمها- ويحويها يجمعها ويسوقها، ومتخمط: متكبر، وقطم: فحل هائج يشتهي الضراب، تدبرا: أي إقامة في الديار. المعني: يذكر أيام الألفة والاجتماع متأسفا، ويعدد الجبال والأودية التي كان ينزلها وهم مجتمعون، وأنثي علي الأرض التي كانت تجمعهم بالخصب وكثرة الوحش. (194) وقال إياس بن مالك بن عبد الله، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) سمونا إلي جيش الحروري بعدما ... تناذرة أعرابهم والمهاجر بجمع تظل الأكم ساجدة له ... وأعلام سلمي والهضاب والنوادر فلما أدركناهم وقد قلصت بهم ... إلي الحي خوص كالحني ضوامر

أنخنا إليهم مثلهن وزادنا ... جياد السيوف والرماح الخواطر الحروري: نجدة بن عامر الحنفي، وكأنة رئيسا مذكورا، تناذرة: أي أنذر بعضهم بعضا، وتظل الأكم ساجدة له: أي تخضع الجبال له، وسلمي ها هنا جبل، فلما أدركناهم يعني جيش الحروري، وقد قلصت بهم أي ارتفعت بهم نحونا، الخوص الغائرة العيون، والحني: القسي شبة الخيل بها لضمرها، وقيل: أراد بها الإبل، وهو أقرب لقولة أنخنا، وزادنا جياد السيوف ليست السيوف من الزاد، ولكنهم لما كانوا مقبلين إلي الحرب جعل آلة الحرب زادا لها لأن قوام الحرب بها. كلا ثقلينا طامع بغنيمة ... وقد قدر الرحمن ما هو قادر فلم أر يوما كان أكثر سالبا ... ومستلبا سربالة لا يناكر وأكثر منا يافعا يبغي العلا ... يضارب قرنا دراعا وهو حاسر فما كلت الأيدي ولا انأطر القنا ... ولا عثرت منا الجدود العواثر كلا ثقلينا: أي كلا جميعنا طامع بغنيمة فيه قولان أحدهما الباء بمعني في، والآخر حذف أي طامع أن يرجع بغنيمة، ولا انأطر القنا: أي لم ينعطف تقول أطرت العود فانأطر، أي عطفتة فانعطفت، ولا عثرت منا الجدود العواثر، علي جهة التقدير يعني لا عثرت منا الجدود التي لو عثرت لقيل لها عواثر، وإذا كانت عواثر لابد من أن تعثر. المعني: يصف طمع الفريقين في الظفر، والغيب محجوب، ويصف أنة لم يصب من قومه بقولة: ولا عثرت منا لجدود العواثر. (195) وقال الأخرم السنبسي، إسلامي: (الأول من المتقارب والقافية من المتواتر)

ألا إن قرطا علي آلة ... ألا أنني كيده ما أكيد بعيد الولاء بعيد المحل ... من ينأ عنك فذاك السعيد قرط: رجل من سنبس، وقولة: ألا أنني كيده ما أكيد فيه قولان: أحدهما: أن ما زائدة أي أكيد كيده، وأفعل مثل ما يفعل هو، والثاني: أن ما ها هنا للنفي أي ما أكيدة كما يكيدني لأن خيرا منه. ثم بين حال قرط فقال: بعيد الولاء لا يقرب الناس ولا يقرب من يواليه. المعني: يذم قرطا ويصف قلة الانتفاع به. وعز المحل لنا بين ... بناه الاله ومجد تليد ومأثرة المجد كانت لنا ... وأورثناها أبونا لبيد لنا باحة ضبس نابها ... يهون علي حامييها الوعيد بها قضب هندوانية ... وعيص تزاءر فيه الأسود ثمانون ألفا ولم أحصها ... وقد بلغت رجمها أو تزيد بين: أي ظاهر قد علا كل عز، ثم بين أن ذلك العز من أبية، ولنا باحة أي ساحة وضبس أي شديد والناب الرئيس، وحاميها جبلاها أجأ وسلمي. يقول: إذا حصلنا بينهما لا نفكر فيمن يوعدنا، وقيل حاميها الخيل السلاح، وعيص أي أجمة. المعني: يصف عزهم وعز دارهم، وجودة سلاحهم، وشبة الرماح بالأجمة ورجالة بالأسود، ووصف كثرة العدد فجمع أسباب المنفعة. (196) وقال عبد الرحمن المعني ولقبة مرقس، إسلامي:

(من مشطور الرجز والقافية من المتواتر) قد قارعت معن قراعا صلبا قراع قوم يحسنون الضربا تري مع الروع الغلام الشطبا إذا أحس وجعا أو كربا دنا فما يزداد إلا قربا تمرس الجرباء لاقت جربا الشطب: الطويل الممشوق، والتمرس: التحكم. المعني: يصف هذا الشاعر قومه، ويحمد قتالهم، ويثني بأنهم أحسنوا الضرب والأقدام، ولم يزدادوا علي كرب الحرب ووجع الضرب إلا قربا منها، وشبة تحككهم بالأبطال بتحكك الإبل الجربى بعضها ببعض. (197) وقال عبيد بن مأوية الطائي، إسلامي: (ثالث المتقارب والقافية متدارك) ألا حي ليلي وأطلالها ... ورمله ريا وأجبالها وأنعم بما أرسلت بالها ... ونال التحية من نالها فإني لذو مرة ... إذا ركبت حالة حالها أقدم بالزجر قبل الوعيد ... لتنهي القبائل جهالها

رملة ريا أضيف إليها، وقولة: ((ونال التحية من نالها)) فيه قولان: أحدهما: أن التحية الملك ها هنا أي نال الملك من نال هذه الجارية، والثاني: أنه دعاء أي حيا الله من بلغها تحيتي وهذا أشبة لابتدائه. المعني: ابتداء بالغزل ثم وصل ذلك بذكر الشجاعة، يعني أني ثابت القوة عند ازدحام الأمور، ولا أنسي ريا في حال من الأحوال! ثم بين أنة لا يبدأ بالوعيد لكنة ينذر سطوته لينهي حلماء القبائل جهالها، إذ في كل قبيلة حليم وسفيه. (198) وقال جابر بن رالان السنبسي، جاهلي: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) لما رأت معشرا قلت حمولتهم ... قالت سعاد أهذا ما لكم بجلا إما تري مالنا أضحي به خلل ... فقد يكون قديما يرتق الخللا بجل بمعني: حسب، ذكر أن سعاد استقلت مالهم فأجابها أن مالهم وأن عرض فيه النقص فإنه من قبل كان يجبر به النقص، فليس ذلك عيبا عليهم. قد يعلم القوم أنا يوم نجدتهم ... لا نتقي بالكمي الحارد الأسلا لكن تري رجلا في أثرة رجل ... قد غادرا رجلا بالقاع منجدلا فذاك فينا وإن يهلك تجد خلفا ... سمح اليدين قويا آية فعلا يرضي الخليط ويرضي الجار منزلة ... ولا يري عوض صلدا يرصد العللا

المعنى: يصف شهرنهم في الشجاعة وأنهم لا يجعلون بينهم وبين الرماح شجاعا ولكنهم يتقبلون الرماح بأنفسهم، ثم بين أنهم يجيء الرجل منهم وآخر في أثرة قد خلفا مقتولا من أعدائهما، وبين أن الكرم والشجاعة لا تنقطع فيهم، كلما مات سمح قوي يوجد له خلف مثله يرضاه الخليط ولا يعتل للمنع. (199) وقال قبيصة بن النصراني الجرمي من طيء، إسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) لم أر خيلا مثلها يوم أدركت ... بني شمخي خلف اللهيم علي ظهر أبر بأيمان وأجرأ مقدما ... وأنقض منا للذي كان من وتر عشية قطعنا قرائن بيننا ... بأسيافنا والشاهدون بنو بدر فأصبحت قد حلت يميني وأدركت ... بنو ثعل تبلي وراجعني شعري شمخي: قبيلة من جرم طيء، واللهيم: ماء لهم وقولة علي ظهر فيه قولان: أحدهما: علي غلبة من قولك علية أي غلبته، والآخر: يعني علي خيل أي خيل، وقولة ((وراجعني شعري)) فيه قولان: أحدهما: أني كنت كالمفحم عن قول الشعر قبل إدراك الثأر، والآن لما أدركت ثأري أنطلق لساني بالشعر لأني أصف حسن بلائي [والآخر يعني بالشعر العلم من قولهم: شعرت أشعر وهو العلم الذي

يوصل إليه من مسلك دقيق، مأخوذ من الشعر أي رجع إلي عرفاني وعقلي]. المعني: يصف شجاعتهم وإدراكهم الثأر من بني شمخي، وحلول نذورهم في ذلك اليوم مع القتل بعضهم بعضا، وإنه كان قبل إدراك الثأر مفحما لأنة لم يقع ما يفتخر به، فلما أردك ثأره أنطلق لسانه. (200) وقال أدهم بن أبي الزعراء، إسلامي، الزعراء: القليلة الشعر تأنيث أزعر: . (من مشطور الرجزوالقافية من المتدارك) قد صبحت معن بجمع ذي لجب قيسا وعبدانهم بالمنتهب وأسدا بغارة ذات جدب رجراجة لم تك مما يؤتشب إلا صميما عربا إلي عرب تبكي عواليهم إذا لم تختضب من ثغر اللبات يوما والحجب المنتهب: موضع هو بطن حائل واد، وذات حدب يعني الأمراج، والحدب المرتفع من الأرض، ويروي ((ذات خدب)) بالخاء وهو الضرب بلا أناة، ورجراجة أي تجيء وتذهب يعني الكتيبة، وقولة: لم تك مما تؤشب أي ليس فيهم أخلاط، والإشابة أخلاط الناس، والصميم الخالص، وعربا إلي عرب أي مع عرب،

والحجب جمع حجاب القلب. المعني: يصف قبيلته مهن بالشجاعة وقصدها قيسا وأسدا بغارة عظيمة، ووصفهم بصحة الحسب واعتيادهم الطعن بالرماح حتى كأنها تبكي إذا لم يطعن بها. (201) وقال البرج بن مسهر الطائي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إلي الله أشكو من خليل أوده ... ثلاث خلال كلها لي غائض فمنهن ألا تجمع الدهر تلعة ... بيوتا لنا يا تلع سيلك غامض ومنهن ألا أستطيع كلامه ... ولا وده حتى يزول عوارض ومنهن ذا البأو الشديد كأنة ... من الذل والبغضاء شهباء ماخض غائض: ناقص، والغامض الذاهب، وعوارض أسم جبل بلد طيء عليه قبر حاتم. المعني: فيه قولان أحدهما: أن الخليل الذي ذكره في البيت كان قد مات ودفن في موضع يسمي ((تلعة)) فلهذا قال لا أستطيع كلامه أبدا لأنة ميت، لا يجمع الغزو بيننا لأنة هالك وحمل ((أودة)) في البيت علي التمني، وقولة ((ولا ودة)) علي المحبة، والقول الآخر: أن يعني خليلا سيء العشرة، لا تجمع بينهما تلعة لإعراضه عنة، ولا يستطيع كلامه لذلك، ولا يجمع الغزو بينهما، فهذه الخلال

الثلاث ناقصة جسمه، وهذا أولي يتعقبه من الأبيات، وقولة: ((ويترك ذا البأو)) البيت، يريد يجعل العزيز ذليلا حتى يصير المتكبر في ذل عجوز حبلي. فسائل هداك الله أي بني أب ... من الناس يسعي سعينا ويقارض نقارضك الأموال والود بيننا ... كأن القلوب راضها لك رائض كفي بالقبور صارما لو رعيته ولكن ما أعلنت باد وخافض المعني: سل من الذي يفعل فعلنا، ويعطي من الود ما نعطيه، نعطيك ودنا وأموالنا حتى كأن قلوبنا قد ريضت لك، ثم قال: وكان القبر يكفي مفرقا بيننا لو صبرت ولم تصرمنا، ولكنك تعجلت الصرم والهجران قبل الموت، ولم يأت باللفظ الظاهر وأتي بالدليل اللائح علي المراد. (202) وقال قصيبة بن النصراني الجرمي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألم تر أن الورد عرد صدره ... وحاد عن الدعوي وضوء البوارق وأخرجني من فتية لم أرد لهم ... فراقا وهم في مأزق متضايق فقلت له لما بلوت بلاءه ... وأني بمتع من خليل مفارق وعض علي فأس اللجام وعزني ... علي أمرة إذ رد أهل الحقائق أحدث من لاقيت يوما بلاءه ... وهم يحسبون أنني غير صادق

الورد: اسم فرس وهو صفة، وعرد صدره أي أخره، فالمعرد الجبان، وحاد أي عدل عن موضع دعوي الرجال وهي الأنتساب ويروي ((أبنا بمتع)) أي قلت لفرسي لما رجعنا إلي مأمن بمتع من خليل فارقك أي لا يمكنك التمتع به. المعني: هذا رجل أنهزم في الحرب ثم أعتذر عن نفسه، وجعل الذنب لفرسه إنه لما رأي ضوء السيوف عرد صدره عن موضع دعوي الرجال وأخرجه من بين أصحابة، وهم في ضيق الحرب لم يرد مفارقتهم، وعض علي فأس لجامه، وأظهر التلهف لذلك ثم قال: أنا أذكر فعل فرسي ولا أصدق، وهذه الأبيات إن كان فيها ذكر الحماسة ففيها ما يدل علي قلة الفروسية لأنة عجز عن ضبط دابته. (203) وقال أيضا: (من سادس السريع والقافية من المتواتر) هاجرتي يا بنت آل سعد ... أأن حلبت لقحة للورد جهلت من عنانه الممتد ... ونظري في عطفه الألد إذا جياد الخيل جاءت تردي ... مملوءة من غضب وحرد المعني: يعاتب أهلة علي لومها إياه علي إيثار فرسه بالحليب دونها، ثم بين لها فضل الفرس عليها إذا جاءت الخيل للحرب، فقال جهلت طول عنانه لعجلته في سيرة ونظري في جنبه القوي معجبا به إذا جاءت الخيل مسرعة غضبي لأن الخيل تغضب في الحرب كما يغضب الرجال. (204) وقال أيضا:

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) لعمر أخيك ما ينفك منا أخو ثقة يعاش به متين مفيد مهلك ولزاز خصم على الميزان ذو زنة رزين المعني: يمدح قومه بالثقة، والكرم، والقوة، والسلب، والبذل، والجلادة، والرزانة، والزيادة عى غيرهم. (205) وقال خفاف بن ندبة السلمي، وهو خفاف بن عمير للعباس بن مرادس، وخفاف بمعني خفيف كعجاب وعجيب، وندبه أمه. (الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) أعباس إن الذي بيننا أبي أن يجاوزه أربع علائق من حسب داخل مع الإل والنسب الأرفع وأن ثنيه رأس الهجاء بيني وبينك لا تطلع وأبغض إلى باتيانها إذا أنا لم أنسها أدفع

ويروى "إذا أنا لم آتها"، ومن قال لم أنسها أي أدفع إلى النسيان فآخذ نفسي بنسيانها. المعنى: يعاتب عباس بن مرداس السلمي ويستعطفه بأربعة أشياء وهي الحسب مع القرابة والنسب الأعلى، وتعظيمه في نفسه حتى لا يهجوه وإن كان منه إليه ما يكرهه. (206) وقال بعض لصوص طئ، وهو شبيب بن عمرو بن كريب بن المعلي بن تيم الطائي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ولما أن رأيت ابني شميط بسكة طئ والباب دوني تجللت العصا وعلمت أني رهين مخيس إن أدركوني ولو أنى لبثت لهم قليلا لجرونى إلى شيخ بطين شديد مجامع الكتفين باق على الحدثان مختلف الشئون هذا الشاعر كالصًا عاديًا فارسًا، فتعرض لا بل التجار، ثم دخل الكوفة ليًلا فرقي خبره إلى على بن أبي طالب- رضي الله عنه- فبعث إليه أحمر بن شميط، وكان على شرطته فنذر بهم وخرج على فرس يسميه العصا وفاتهم وقال هذا الشعر، وسكة طئ واحدة السكك ويروي "بشكة طئ"، يعني السلاح، والباب دوني يعني باب الدرب، وتجللت العصا أي ركبته وصرت فوقه، وقوله رهين مخيس، المخيس حبس بناه على بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالكوفة، والمخيس: المذلل. المعنى: يصف شهامته وحسن تخلصه، عالمًا بأنه لو لم يتخلص لخلد

الحبس، ويريد بشيخ بطين عليًا - عليه السلام - ويقال: عظم بطنه كان دليلاً على كثرة علمه لا لكثرة أكله. (207) وقال حريث بن عناب من طيء، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لما رأيت العبد نبهان تاركي بلماعةٍ فيها الحوادث تخطر نصرت بمنصور وبابني معرض وسعد وجبارٍ بل الله ينصر ولله أعطاني المودة منهم وثبت ساقي بعد ما كدت أعثر اللماعة: المفازة تلمع بالسراب، المعنى: يذم نبيان ويشكو خذلانه إياه ويمدح منصورًا وسعدًا وابني معرض وجبارًا، ويشكر نصرتهم إياه، ووصل ذلك بحمد الله تعالي فقال: بل الله ينصر لأنه عطفهم على وثبت قدمي بعدما كدت أعثر. إذا ركب الناس الطريق رأيتهم لهم قائد أعمي وآخر مبصر لهم منطقان يفرق الناس منهما ولحنان معروف وآخر منكر لكل بني عمرو بن عوفٍ رباعًة وخيرهم في الخير والشر بحتر لهم قائد أعمى وآخر مبصر، يجوز أن يحمل على مدح ناصريه وعلى هجو خاذليه، فإذا حملته على المدح فمعناه يسيرون الليل والنهار لا يفترون إذا قصدوا عدوًا أو غارة والقائد الأعمى الليل والبصر النهار، والمنطقان في المدح منطق لين في حال رضاهم ومنطق خشونة على أعدائهم، وقوله: يفرق الناس منهما يعني من أحدهما ولكنه أرسل الكلام جملة لأن المعنى مفهوم، وإذا حملته على الهجو كان معناه

أنهم لصوص يقطعون السبل نهارًا، ويتسورون على جيرانهم ليلاً، والمنطقان في الهجو أنهم أصحاب غدر ومكر وختر، فلهم فيما بينهم مراطنة وكلام غير مفهوم ولحن غير معروف، يتراطنون عند الغدر والمكر، ولهم لغة في الظاهر يتكلمون بها كلغة سائر الناس معروفة، وقيل في الهجو معنى قائد أعمى الذي يغويهم، وآخر مبصر الذي يرشدهم، ورباعة أمر يحتاج إلى حفظه وتعهده، ويقال: ما في بني فلان أحد يضبط رباعته غير فلان، أي شانه ورئاسته - بحتر أن حملت الأبيات على المدح اسم رجل فهو أبو قبيلة أي كلهم مثل ذلك، وأن حملتها على الذم جعلت بحترًا صفة والبحتر القصر، أي لكهم قصير الباع في الخير والشر. (208) وقال أبان بن عبدة بن العيار بن مسعود بن جابر بن عمرو بن حر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إذا الدين أودى بالفساد فقل له يدعنا ورأسًا من معد نصادمه ببيضٍ خفافٍ مرهفات قواطع لداود فيها أثره وخواتمه وزرق كستها ريشها مضرحية أثيت خوافي ريشها وقوادمه بجيش تضل البلق في حجراته بيثرب أخراه وبالشام قادمه الدين ها هنا الطاعة، والفساد اسم حرب معروفة كانت بينهم، ورأسًا أي جماعة يقدمون أنفسهم، ولا يحتاجون إلى ناصر، وقوله: كستها ريشها مضرحية وهي النسور العتيقة، وكذلك الصقور أي ريشت من ريش النسور، ومعنى تضل البلق في حجراته يريد تصادمهم بجيش لا يتبين البلق في نواحيه، بيثرب أخراه أي يسد ما بين الشام والمدين'، وقادمه أوله، ونصادمه الهاء عائدة إلى لفظ الرأس. المعنى: إذا الطاعة بطلت بهذه الحرب وهي الفساد فليدعنا ومقاتلة معد بأسرها،

فإنا نقوى لهم لكثرتنا، نقاتلهم بسيوف وسهام كما وصفها، ونقاتلهم بجيش كثير لا يتبين فيه البلق لكثرته. إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب تحرك يقطان التراب ونائمه قيل يقظان التراب: ما وطيء وسلك من البلاد والطرق، ونائمة ما لم يوطأ، وقيل: يقظان التراب هو المثار بعينه، والنائم المدر والأكم والأرض الصلبة، يريد إذا سرنا أثرنا التراب بحوافر خيلنا ودققنا الأكم والمدر فأثرناها يريد الكثرة. (209) وقال أنيف بن حكيم النبهاني: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) جمعنا لهم من حي عوف ومالك كتائب يردي المقرفين نكالها له معجز بالحزن فالرمل فاللوي وقد جاوزت حيي جديس رعالها وتحت نحول الحي حرشف رجلة تتاح لغرات القلوب نبالها أبى لهم أن يعرفوا الضيم أنهم بنو ناتق كانت كثيرًا عيالها نكالها يعني نكال الكتائب أي ما يكون منها من الضرب فالقتل، والحزن

والرمل واللوى مواضع، حيًا جديس يريد طسمًا وجديسًا، وأراد مواضعهما لأن طسمًا وجديسًا من العرب البائدة الذين أهلكوا بالطاغية ولم يبق منهم على بسيط الأرض باقية، والحرشف الجراد، والرجلة الرجالة، وأراد به سهام الرجالة، وتتاح أي تقدر لغرات القلوب يعني لمن غفل قلبه عن الرمي، وبنو ناتق امرأة كثيرة الأولاد. المعنى: يصف كثرة عددهم وجودة رميهم حتى أنهم لا يخطئون القلوب، وبين أنهم لكثرتهم لا يقبلون الضيم. فلما أتينا السفح من بطن حائل بحيث تلاقي طلحها وسيالها دعوا لنزارٍ وانتمينا لطيءٍ كأسد الشرى إقدامها ونزالها السفح ما انحدر من الجبل طلح وسيال نبتان مختلفا المنابت، المعنى: لما أتينا بطن حائل انتسبوا إلى نزار وانتسبنا إلى طيء، وشبههم بالأسد في الجرأة والحرب. فلما التقينا بين السيف بيننا لسائلةٍ عنا حفي سؤالها المعنى: لما تلاقينا استغنى السائل بآثار السيف عن سؤاله، يصف جودة الضرب وكثرة الجراح. ولما تدانوا بالرماح تضلعت صدور القنا منهم وعلت نهالها يصف في هذه البيت كثرة الطعن في نزار، كما وصف في البيت الأول كثرة الضرب. ولما عصينا بالسيوف تقطعت وسائل كانت قبل سلمًا حبالها فولوا وأطراف الرماح عليهم ... قوادر مربوعاتها وطوالها عصينا بالسيوف أي ضربنا بها، قوادر أي غير قواصر، والمربوعات التي ليست بطويلة. المعنى: يصف كثرة ضربهم القوم بالسيوف وقطعهم وسائل الصلح، وانهزام عدوهم، والرماح دانية منهم عاملة فيهم.

وقال الكروس بن زيد بن حصن بن مصاد بن معقل بن مالك، والكروس العظيم الرأس: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) رأتني ومن لبسي المشيب فأملت غنائي فكوني آملاً خير آمل المعني: يعد صاحبته من نفسه الغناء والكفاية، وأن علاه المشيب، ويروى "فأملت عتابي". لئن فرحت بي معقل عند شيبتي لقد فرحت بي بين أيدي القوابل أهل به لما استهل بصوته ... حسان الوجوه لينات الأنامل المعنى: يقول لئن فرحت بي قبيلتي عند كبرى، لقد فرحت بي عند ولادتي لما رأت من نجابتي، ثم كني عن نفسه فقال: لما استهل بصوته يعني نفسه أهل به نساء قبيلته، ووصفهن بحسن الوجوه ولين الأنامل، منعمات مكفيات أمر الخدمة. (211) وقال القوال:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) قولا لهذا المرء ذو جاء ساعيًا هلم فإن المشرفي الفرائض وإن لنا حمضًا من الموت منقعًا وإنك مختل فهل أنت حامض أظنك دون المال ذو جئت تبتغي ستلقاك بيض للنفوس قوابض الساعي المصدق، ومعنى فإن المشرفي فرائض أي يضع السيف مكان الصدقة، يريد نقتل المصدق ولا نعطيه الصدقة، الحمض ما ملح من النبت، والخلة ما حلا. المعنى: يخاطب مصدقًا أراد أن يصدق ماله، ويوعده بأنه ليس عنده مكان الفريضة إلا السيف، والحمض للناقع من الموت، يعرض عليه ذلك ويهدده بالقتل. (212) وقال وضاح ابن إسماعيل بن عبد كلال بن داود بن أبي أحمد: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) صبا قلبي ومال إليك ميلاً ... فأرقني خيالك يا أثيلا يمانية تلم بنا فتبدي ... دقيق محاسنٍ وتكن غيلا ذريني ما أممن بنات نعش ... من الطيف الذي ينتاب ليلا ولكن إن أردت فهيجينا إذا رمقت بأعينها سهيلا

وتكن غيلا أي تستر ساعدها، والغيل الساعد، يقول: لست من شأن الغزل والنساء وأنا قاصد أعدائي، وإذا انصرفت عن حربي فاستقبلت أبلي نحو الغرب فرمقت سهلاً اليماني، فهيجيني إن أردت تهيجي حينئذ، المخاطية للمرأة، والمعنى لنفسه يزجرها عن التذكر وهو محارب. المعنى: يصف هوى قلبه أثيلة ومدافعة خيالها ويستكفها عنه وهو متوجه إلى الحرب كي لا تشغله عنها إلا أن يعود منها، فشأنه حينئذ شأنها. فإنك لو رأيت الخيل تعدو عوابس يتخذن النقع ذيلا رأيت على متون الخيل جنا تفيد مغانمًا وتفيت نيلا المعنى: يعظم أمر الخيل والحرب، ويعتذر في ذهوله عن صاحبته ويقول لها: لو رأيت الخيل مسرعة إلى الحرب مثيرة للغبار رأيت عليها كالجن يغنمون مال العدو ويمنعون ما عندهم. (213) وقال عمرو بن مخلاة، وكان يقال مخلاة الحمار الكلبي:

(الأول من البسيط والقافية من المتراكب) لا قوتي قوة الراعي قلائصه يأوي فيأوي إليه الكلب والربع ولا العسيف الذي يشتد عقبته حتى يبيت وباقي نعله قطع لا يحمل العبد فينا فوق طاقته ونحن نحمل ما لا تحمل القلع منا الأناة وبعض القوم يحسبنا أنا بطاء وفي ابطائنا سرع القلع: السحاب العظام، يصف نفسه وقومه بالقوة والجلادة مع الأناة من غير عجز يقول: ليس قوتي قوة من يرعى صغار الإبل، يرجع إليه الكلب لأنه يمسكه استعانة به، ويرجع إليه الربع وهو ولد الناقة، ولا قوة الأجير الذي يعدو حتى ينقطع نعله، ولكننا نحمل من الأمور العظام ما لا يحمل السحاب، وفينا أناة وقد يغلط بعض الناس فيها فيقدرها بطاء وهو سرع لأنا نتوصل بها إلى مرادنا. (214) وقال أيضاً: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ويوم ترى الرايات فيه كأنها حوائم طير مستدير وواقع أصابت رماح القوم بشرا وثابتا وهرما وكل للعشيرة فاجع طعنا زيادا في استه وهو مدبر وثور أصابته السيوف القواطع وأدرك هماما بأبيض صارم فتى من بني عمرو طوال مشايع

الحوائم العطاش تحوم حول الماء، وشبه الأعلام بالطير التي تستدير ولا تقع، ثم قال وواقع يعني ما ينهزم صاحبه ويسكن خفقانه عند سكون الريح، وقوله: وكل للعشيرة فاجع يدل على أنهم كبار كرام يؤلم العشيرة فقدهم. المعنى: يصف شدة الحرب وقتلهم بشرا وثابتا وهرما، ويروى "وحزما" وطعنهم زيادا وهو منهزم، وقتلهم ثورا وهماما. وقد شهد الصفين عمرو بن محرز وضاف عليه المرج والمرج واسع فمن يك قد لاقي من المرج غبطة فكان لزيد فيه خاص وجادع الصفين: يعني صفي الحرب، ومن روى "صفين" فقد غلط، والخاصي الذي يخصي، والجادع الذي يجدع أنفه وهو مثل وأراد به المهين المذل. المعني: يصف شدة الأمر في ذلك اليوم على عمرو بن محرز وطول الذل والهوان بقيس. (215) وقال زفر بن الحارث الكلابي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أفي الله أما بحدل وابن بحدل فيحيا وأما ابن الزبير فيقتل كذبتم وبيت الله لا تقتلونه ولما يكن يوم أغر محجل ولما يكن للمشرفية فوقكم شعاع كقرن الشمس حين ترجل ابن بحدل: يزيد بن معاوية لأن أمه ميسون بنت بحدل الكلابي، وأراد بهذا الشعر عبد الملك بن مروان، لأنه كان على رأي يزيد في قتل بني هاشم، فلقبه بلقبه، وابن الزبير هو عبد الله بن الزبير قتله الجاج بمكة وصلبه في الحرم، وأم

عبد الله أسماء بنت أبي بكر وهي ذات النطاقين، يقول: لا تقتلون ابن الزبير إلا بعد حرب شديدة تعرف ولا تنكر، ولمعان السيوف فيها كالشمس إذا ارتفعت يستعظم قتل ابن الزبير وهو عظيم مع بقاء أعدائه. (216) وقال حسان بن جعد القنفذي، وخرج إلى عبد الله بن خازم بخراسان فلم يحمده - أي لم يجده محمودا - وانصرف من عنده وقال: (الثاني من الطويل والقافية متدارك) أبلغ بني خازم أني مفارقهم وقائل لجمالي غدوة بيني إني امرؤ غرض من كل منزلة لا شدتي تبتغي فيها ولا ليني وقائل لجمالي أي أني أرحل عنهم غدا وأفارقهم، وغرض أي ضجر من كل منزلة لا يحتاج إلي فيها في حالتي الحرب والسلم. المعني: يقول أني أبي النفس لا أرضي ما يرضي به العاجز، إذا لم أر صاحبي مظهرًا الحاجة إلي فارقته. (217) وقال القتال الكلابي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إذا هم همأ لم ير الليل غمة ... عليه ولم تصعب عليه المراكب قرى الهم إذ ضاف الزماع فأصبحت منازله تعتس فيها الثعالب جليد كريم خيمه وطباعه ... على خير ما تبني عليه الضرائب

قرى الهم أي إضافة، والزماع، العزم على الأمر، تعتس فيها الثعالب أي تطوف فيها، والخيم الخلق. المعنى: يصفه بالجلادة وأن ظلمة الليل لا تمنعه من ركوب الأسفار وأنه لما هم بالشئ أزمعه فأخلى منازله حتى صارت مأوى الثعالب، ثم وصفه بحسن الخلق وكرم الطباع. إذا جاع لم يفرح بأكلة ساعة ولم يبتئس من فقدها وهو ساغب يرى أن بعد العسر يسرًا ولا يرى إذا كان عسر أنه الدهر لازب يبتئس يفتعل من البؤس أي لم يحزن إذا جاع، والساغب الجائع، ولازب دائم. المعنى: يقول: لا يبطره اليسر ولا يبئسه العسر أي هو حسن الاحتمال في الغني والفقر، ويصفه بسعة الخلق وبعد الهمة وأنه لا يقنط من الخير إذا ناله العسر. (218) وقال أوس بن حبناء التميمي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إذا المرء أولاك الهوان فأوله هوانا وإن كانت قريبا أواصره فإن أنت لم تقدر على أن تهينه فذره إلى اليوم الذي أنت قادره وقارب إذا ما لمتكن لك حيلة وصمم إذا أيقنت أنك عاقره

الأواصر جمع آصرة وهى القرابة العاطفة، يقال طبق الضارب إذا أصاب المفصل فقطعه، وصمم إذا أصاب العظم ففصله. المعنى: يدل على الدهاء، ويهدي إلى الجلادة، يقول من أهانك فهنه وإن كان بينكما رحم فإن عجزت عن إهانته فلا تظهر له ما في نفسك وانتظر به الوقت الذي تقدر عليه فيه، وداره فإن أيقنت أنك متمكن منه فاستأصله، ويروى عن المأمون أنه قال: "إذا مد العدو إليك يده فاقطعها فإن لم تقدر على ذلك فقبلها". (219) وقال آخر: (من مشطور الرجز والقافية من المتدارك) إني إذا ما القوم كانوا أنجيه واضطرب القوم اضطراب الأرشيه وشد فوق بعضهم بالأرويه هناك أوصيني ولا توصي بيه أنجية جمع نجي وهو المناجي، والأروية جمع رواء وهو حبل يشد به على البعير خوف السقوط، والهاء في "بيه" لبيان الفتح. المعنى: فيه قولان: أحدهما أنه أراد إذا اجتمع القوم يتناجون في أمر عظيم، واختلفوا فيه اختلاف الحبال إذا التوى بعضها على بعض، وشد فوق بعضهم بالأروية أمسك بالجهد لعجزه هناك أوصيني أيتها المرأة ولا توصي بيه، فإنهم يحتاجون إلي ولا أحتاج إليهم. والقول

الآخر أنه أراد إذا كان القوم يتناجون في النوم على ظهور رواحلهم لا في اليقظة واضطربوا من النعاس اضطراب الحبال، وشد بعضهم على الرواحل مخافة السقوط هناك أوصيني بجلادتي ولا توصي بي، والأول أصوب لقوله: "كانوا أنجية" ولا خلاف في أنه يصف جلادته. (220) وقال المتلمس وهو جرير بن عبد المسيح بن عبد الله، وهذا قول الكلبي، وقال أبو عبيدة: هو جرير بن زيد وسمي متلمسا ببيت قاله وهو: فهذا أوان العرض حي ذبابه زنابيره والأزرق المتلمس (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألم تر أن المرء رهن منية صريعا لعافي الطير أو سوف يرمس يرمس: يدفن تحت التراب. المعنى يقول: إن الإنسان صائر إلى إحدى المنزلتين يقتل فيعفوه الطير أو يموت على فراشه فيدفن، أي لابد من الموت في كل حال. فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة وموتن بها حرا وجلدك أملس

فمن طلب الأوتار ما حز أنفه قصير وخاض الموت بالسيف بيهس نعامة لما صرع القوم رهطه تبين في أثوابه كيف يلبس جلدك أملس يريد نقيًا من العار، ومعنى فمن طلب الأوتار يعني قصير بن سعد اللخمي، صاحب جذيمة بن مالك بن فهم الأزدي الذي يقال له جذيمة الأبرش وجذيمة الوضاح، وأما بيهس فهو الذيوصف بنعامة والنعامة تحمق، وبيهس هوفزارة، وكان له تسعة أخوة قتلوا جميعًا، فرجع إلى أمه فقالت: أنجوت أنت منبينهم؟ ! فقال: لو خيرت لاخترت، وكانت قبل ذلك لا تحبه، فصارت تحبه لما لم يبق غيره من أولادها، فلما قتل أخوته لم يلبس ثوبه إلا مقلوبًا، وكان يحمق في ذلك أيضًا. المعنى: يهون أمر الموت ويبين أن نيل المراد مع ركوب الخطر. وما الناس إلا ما رأوا وتحدثوا وما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا ألم تر أن الجون أصبح راسيا تطيف به الأيام ما يتأيس عصى تبعا أزمان أهلكت القرى يطان عليه بالصفيح ويكلس هلم إليها قد أثيرت زروعها وعادت عليها المنجنون تكدس فهذا أوان العض حي ذبابه نابيره والأزرق المتلمس أي إنما هم عن قريب لا يكونون كما لم يكونوا من قبل، وتبقى أحاديثهم حسنة أو قبيحة، وما العجز إلا أن يقبلوا الضم فيجلسوا عن طلب الثأر، والجون اسم حصن باليمامة معروف، وراسيًا أي ثابتًا، وقال أبو عبيدة: الجون حصن باليمن من حصون طسم وجديس، وما يتأيس ما يتغير أي لم يقدر تبع على هذا الحصن، التبابعة ملوك اليمن، كما أن الخلائف ملوك الإسلام، ويكلس أي يطين ويصهرج، والصفيح الحجارة الغليظة، وهلم إليها استهزاء، أي أنك لا تقدر عليها فإن قدرت فهلم فقد أثيرت زروعها،

والمنجنون الدولاب وتكدس أي ترتفع وتنحدر كما يتكدس الإنسان في مشيته، يلقى نفسه إلقاء. وقال أبو سعيد التكدس التقحم، والعرض اسم واد معروف، ويروى "جن ذنابه" أي كثر لأن الذباب لا يكون في القفر، وجعل ذبابه لساعًا قتالاً. المعنى: يحث على المنعة ويحذر قبول الضم مخافة أن يتحدث عنه بالعجز، وذكر الجون وعصياته تبعًا فلم يقدر تبع عليه ثم هدد من طمع فيه، ودعاه إليه على سبيل الاستهزاء غير مكترث به. وجمع بني قران فاعرض عليهم فإن يقبلوا هاتات التي نحن نؤبس أي نقر أبسه يأبسه أبسًا قهره. والمعنى: أعرض على جمع بني قران مما تريد منا من القهر فإن يقبلوا ذلك فإنا لا نقبل. فإن تقبلوا بالود نقبل بمثله وإلا فإنا نحن آبي وأشمس أي أفعل من الإباء وأشمس من قولهم دابة شموس. المعنى: يذكر العدو والنصفة يقول: إن وددتمونا وددناكم، وإن تعززتهم علينا فنحن أولى بالعزة والإباء. فإن يك عنا في حبيب تثاقل فقد كان فينا مقنب ما يعرس حبيب قبيلة وقيل: أنه حبيب لكنه خففه للضرورة، والمقنب جماعة من ثلاثين إلى المائة، وجمعه مقانب. المعنى يقول: إن لميرافدنا بنو حبيب ففينا كفاية. يكون نذير من وراثي جنة وينصرني منهم جلي وأحمس نذير قبيلة وجلي وأحمس حيان. المعنى: إن تأخرت بنو حبيب عن نصري فإن في هؤلاء القبائل نذير وجلي وأحمس كفاية. (221) وقال سعد بن ناشب:

(الأول من الطويل والقافية من المتواتر) تفندني فيما ترى من شراستي وشدة نفسي أم سعد فما تدري فقلت لها إن الكريم وإن حلا ليلفي على حال أمر من الصبر وفي اللين ضعف والشراسة هيبة ومن لا يهب يحمل على مركب وعر تفندني أي تجهلني. المعنى يصف امرأته - وهي أم سعد - لامته في صعوبة نفسه ولم تدر وإن أجابها إن الكريم وإن كان حلوًا فقد يضطر أحيانًا إلى المزاودة لأنه اللين يستضعف والشديد يهاب. وما بي على من لان لي من فظاظة ولكنني فظ أبي على القسر أقيم صغا ذي الميل حتى أرده وأخطمه حتى يعود إلى القدر المعنى: ليس بفظ على من لان لي، ولكن فظاظتي على من هو يروم قهري، ومعنى البيت الأخير أقيم ميل المائل حتى أرده إلى القصد وأذله حتى يعود إلى مقداره. فإن تعذليني تعذلي بي مرزأ كريم نثا الإعسار مشترك اليسر إذا هم ألقى بين عينيه همه وصمم تصميم السريجي ذي الأثر المرزأ: الذي أصيب ماله مرة بعد أخرى. المعنى: يصف بأنه معتاد للنوائب، كريم عند العسر، بذول عند اليسر، ماض في الأمور مضي السيف ذي الرونق. (222) وقال أيضاً: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) لا توعدنا يا بلال فإننا وإن نحن لم نشقق عصا الدين أحرار

وإن لنا إما خشيناك مذهبا إلى حيث [لا] نخشاك والدهر أطوار فلا تحملنا بعد سمع وطاعة على غاية فيها الشقاق أو العار فإنا إذا ما الحرب ألقت قناعها بها حين يجفوها بنوها لأبرار ولسنا بمحتلين دار هضيمة مخافة موت إن بنا نبت الدار والدهر أطوار أي أحوال يعني يدور حالا بعد حال، وهذا تهديد منه، أي لا يبقى لك ما أنت فيه، وإن لنا مذهبًا أي لنا طريق الهرب إلى موضع لا نخافك ولا تظلمنا، محتلين: نازلين. المعنى: يخاطب بلال بن أبي بردة ويقول: لا تهددنا فإنا أحرار نأبي الضيم وإن لم نخالفك، وإن خوفتنا فلنا مهرب إل حيث لا تقدر علينا، والدهر لا يبقى على حاله، ولا تحملنا بعد سمع وطاعة لك على أن صبرنا عليه كان عارا، وإن لم نصبر عليه كان شقاقا. (223) وقال قراد بن عباد: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إن المرء لم تغضب له حين يغضب فوارس إن قيل اركبوا الموت يركبوا ولم يحبه بالنصر قوم أعزة ... مقاحيم في الأمر الذي يتهيب

تهضمه أدنى العدو ولم يزل وإن كان عضا بالظلامة يضرب ويروى بالملامة ويروى "اركبوا الخيل" والعض: الداهية كأنه عضه الدهر وأثر فيه، وهو فعل بمعنى مفعول. المعنى: يقول: إذا انفرد الرجل ولم يكن له فوارس يغضبون بغضبه، ويركبون إلى الحرب بأمره، ولم ينصره قوم يدخلون في الأمور الصعاب استضعفه أدنى العدو، ولم يزل يظلم وإن كان داهية، وفي المثل "من قل ذل". فآخ لحال السلم من شئت وعلمن بأن سوى مولاك في الحرب أجنب ومولاك مولاك الذي إن دعوته أجابك طوعًا الدماء تصبب فلا تخذل المولى وإن كان ظالما فإن به تثأى الأمور وترأب تثأى: تفسد يعني أمور الأعداء، وترأب أي تصلح أمور ابن عمك. المعنى لا تعتمد في الشدائد الأجانب واعتمد على ابن عمك، فإن دعوته والدماء تسيل أجابك وغيره يجانبك، فلا تخذله واحتمله وإن كان ظالماً، فإن تفسد أمور الأعداء تصلح أمور الأولياء، وهذه الأبيات فيها حث على مواصلة بني الأعمام. (224) وقال زاهر أبو كدام التميمي، وبارزه رجل من يشكر يقال له تيم وكان فارسًا فقتله: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) لله تيم أي رمح طراد لاقى الحمام به ونصل جلاد ومحش حرب مقدم متعرض للموت غير معرد حياد كالليث لا يثنيه عن إقدامه خوف الردى وقعاقع الإيعاد

مذل بمهجته إذا ما كذبت خوف المنية نجدة الأنجاد لله تيم يمدحه، أي رمح طراد ونصل حلاد، يشبهه بالرمح والسيف ومحش حرب كقولك: مسعر حرب، وحياد رواع، مذل بمهجته أي قلق بروحه لا يضن بها، إذا كذبت نجدة الأنجاد أي شجاعة الشجعان. المعني: يمدح قرنه الذي قتله بالجلادة وشبهه بالرمح والسيف الليث، ويصفه بأنه يسمح بروحه إذا خاف الشجعان. ساقيته كأس الردى بأسنة ذلق مؤللة الشفار حداد فطعنته والخيل في رهج الوغى نجلاء تنضح مثل لون الجادي فكأنما كانت يدي من حتفه لما انثنيت له على ميعاد فهوى وجائشها يفور بمزبد من جوفه متدارك الإزباد ساقيته أي سقيته معناه قتلته بالأسنة الزلق المحددة، والجادي الزعفران، ومعنى فكأنما كانت أي لما انثنيت لطعنه فهلك مع طعنتي فكأنه كانت على ميعاد وهوى سقط، وجائشها أي دم الطعنة، يفور أي يسيل بدم له زبد، وقال: طعنته بأسنة وإنما هو سنان واحد، وقد مدح القرن الذي وصفه، وهم إذا مدحوا القرن بعد القتل كان المدح راجعًا إليهم. (225) وقال عمرو القنا: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر)

القائلين إذا هم بالقنا خرجوا من غمرة الموت في حوماتها عودوا عادوا فعادوا كراما لا تنابلة ... عند اللقاء ولا رعش رعاديد الحومة: مزدحم القتال لأن الأقران يحومون هناك، والتنابلة: القصار واحدهم تنبال. المعنى: يصفهم باعتياد الحروب وأنهم إذا خرجوا من شدة الموت فأمروا بمعاودتها عادوا كرامًا من غير عجز ولا جبن، ويروى "القائلون". لا قوم أكرم منهم حين قال لهم محرض الموت عن أحسابكم ذودوا (226) وقال الفرزدق: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) إن تنصفونا يال مروان نقترب إليكم وإلا فأذنوا ببعاد فإن لنا عنكم مزاحًا ومذهبًا ... بعيس إلى ريح الفلاة صواد مخيسة بزل تخايل في البرى ... سوار على طول الفلاة غواد فأذنوا ببعاد أي اعلموا أنا نبعد عنكم هربًا، ومزاحًا: مبعدًا من زاح

يزوح، ومذهبًا أي موضعًا نذهب فيه، ومخيسة مذللة في السير، وتخايل في البرى أي تتكبر، عليها البرى لأنها لا تبالي بالسير. المعنى: يظهر الآباء يقول: يال مروان بن الحجم أن تنصفونا دنونا إليكم بالطاعة وإلا فارقناكم فإنا نجد عنكم مذهبًا بابل عطاش إلى ريح الفلاة مذللة في السير قوية تتكبر في براها، وهي تسير ليلاً ونهارًا على طول الفلاة. وفي الأرض عن ذي الجور منأى ومذهب وكل بلاد أوطنت كبلادي المعنى: الأرض واسعة والبعد عن الجائر فيها ممكن، والبلاد سواء، ويروى عن بعض الحكماء أنه قال: "ليس بينك وبين البلدان عداوة فخير البلاد ما حللت". وماذا عسى الحجاج يبلغ جهده إذا نحن خلفنا حفير زياد فباست أبي الحجاج واست عجوزه عتيد بهم ترتعي بوهاد فلولا بنو مروان كان ابن يوسف كما كان عبدًا من عبيد إياد زمان هو العبد المقر بذله ... يراوح صبيان القرى ويغادي حفير زياد: الذي حفره زياد بن سمية، ويقال له زياد بن أبيه، وانتسب إلى بني سفيان وقبيلة معاوية، وقوله فباست ... البيت العتيد تصغير العتود وهو ما شب ورعى، وإنما سمي عتودا لأنه معتد للأكل شبه عجوزه بعتود تحقيرًا وجعلها ترتعي الوهاد لأنها لا تجسر على النشاز فزعًا، ومعنى يراوح ... البيت، يقال أن الحجاج كان معلمًا بالطائف في بعض القرى فأراد بالعبد الأجير لأنه ذليل. المعنى: يذم الحجاج ويستخف به ويقول: ما الذي تقدر علينا فينا إذا جاوزنا ناحية البصرة وأخذنا في البادية، ثم قال استهانة باست أبيه واست أمه ما يريده، فهو يشبهها بولد الماعز ضعفًا وجبنا، ثم قال مظهرًا أنه لا قديم له فلولا بنو مروان الذين رفعوا الحجاج كان أجيرًا كما كان في الوقت الذي كان يعلم فيه غلمان القرى.

وقال بعضهم: (من مشطور الرجز والقافية من المتدارك) قد علم المستأخرون في الوهل إذا السيوف عريت من الخلل أن الفرار لا يزيد في الأجل المستأخرون: المتأخرون، والخلل سيور تنسج وتجعل في ذؤابة السيف. المعنى: في الأبيات تشجيع يقول: قد علم الذين يتأخرون في الحرب إذا جردت السيوف أن فرارهم لا يزيد في آجالهم فلم يفرقون؟ (228) وقال شبيل الفزاري، وحاربه بنو أخيه فقتلهم: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أيا لهفي على من كنت أدعو فيكفيني وساعده الشديد وما عن ذلةٍ غلبوا ولكن ... كذاك الأسد تفرسها الأسود المعنى: يتلهف على من قتل من قومه أنه كان يجيبه إذا دعاه، ويكفيه بساعده الشديد، وقال: لم يغلبوا لذل كان فيهم، ولكن الذين قاتلوهم كانوا مثلهم والأسود يقتلها الأسود، وهذا كما قيل: "الحديد بالحديد يفلح". فلولا أنهم سبقت إليهم سوابق نبلنا وهم بعيد لحاسونا حياض الموت حتى تطاير من جوانبنا شريد

لحاسونا كقولك ساقونا من حسا. المعنى: لولا أن سبقناهم بالسهام وهم بعيد فدفعناهم بها عنا لسقونا من حياض الموت أي لقتلونا حتى تطاير الشريد أي الطريد يعني ينهزم المنهزم. (229) وقال قطري بن الفجاءة، وهو أبو نعامة الخارجي الفزاري. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا أيها الباغي البراز تقربا ... أساقك بالموت الذعاف المقشبا فما في تساوي الموت في الحرب سبة على شاربيه فاسقني منه واشربا الذعاف السم، والمقشب الذي خلط فيه القشب، وهو ضرب من السموم، سبة أي عيب، واشربا أراد واشربن، فوقف على النون الخفيفة. المعنى: يا أيها الطالب مبارزتي أدن مني أسقك السم بالموت، فليس في الموت في الحرب عار فقاتلني، يظهر بسالته. (230) وقال دارج حين طعن: (السادس من السريع والقافية من المتواتر) شدي على العصب أم كهمس ولا تهلك أذرع وأرؤس مقطعات ورقاب خنس فإنما نحن غداة الأنحس هيم بهيم طليت تمرس

الكهمس في اللغة القصير، وأم كهمس امرأته، لا تهلك لا تفزعك، وخنس جميع خانس وهو المنقبض، والهيم الإبل العطاش، وتمرس تحكك. المعنى: يأمر امرأته بشد جراحته شديدًا ويسكن منها، ويخفف عندها قطع الأيدي والأرؤس، ويقول: نحن وأعداؤنا صبيحة الأنحس مثل الإبل تحتك بإبل أخرى، يعني شدة القتال. (231) وقال الأرقط بن رعبل بن الكلب العنبري، ولقي هو وابن له يسمى نجمًا لصوصًا فقاتلاهم وظفرا بهم. (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) إني ونجمًا يوم أبرق مازن على كثرة الأيدى لمؤتسيان يلوذ أمامي لوذة بلبانه وترهب عنا نبعة ويمان ونغشى فنغشى ثم نرمى فنرتمي ونضرب ضربًا ليس فيه توان أبرق مازن هو الموضع لاذي التقي فيه هو واللصوص، وقوله على كثرة الأيدي يعني أدي الأعداء، ولمؤتسيان أي معتضدان يواسي أحدنا صاحبه ويقتدي به في المجاهدة، وقوله: ويرهب عنا نبعة ويمان أي يفزع اللصوص عنا قوس وسيف، وقله ونغشي فنغشي أي يحمل علينا اللصوص فنحمل عليهم، والتواني التقصير من الونية والونى وهو الكلال. المعنى: يحمد ابنه نجمًا على ما كان منه في مجاهدة اللصوص مساعدة له واقتداء به. (232) وقال وداك بن ثميل المازني:

(الثالث من السريع والقافية من المتواتر) نفسي فداء لبني مازن من شمس في الحرب أبطال هيم إلى الموت إذا خبروا بين تباعات وتقتال حموا حماهم ومسا بيتهم في باذخات الشرف العالي بين تباعات وتقتال أي بين ما يتتبعهم من العار أن يفعلوا وبين المقاتلة أي يختارون الموت على العار، وباذخات عاليات. المعنى: يمدح بني مازن بالبطولة ويصفهم بأنهم يختارون الموت على ما فيه العار، وأنهم حفظوا بلادهم من العدو وعلوا في الشرف. (233) وقال سوار بن المضرب السعدي: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) أجنوب إنك لو رأيت فوارسي بالسيف حين تبادر الأشرار سعة الطريق مخافة أن يؤسروا ... والخيل تتبعهم وهم فرار يدعون سوارًا إذا احمر القنا ... ولكل يوم كريهة سوار جنوب: اسم امرأة، والسيف: شاطئ البحر، وإذا احمر القنا يعني إذا اشتدت الحرب وكثر الطعن. المعنى: يصف شجاعته واستعانة القوم إياه في عدة الحرب يقول: يا جنوب لو رأيت بالسيف فوارس قومي يهربون ويسبق بعضهم بعضًا مخافة الأسر يدعونني في كل يوم حرب لتعجبت مني أو لعرفت فضلي.

وقال أبو حزابة التميمي: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) من كان أحجم أو خامت حقيقته عند الحفاظ فلم يقدم على القحم فعقبة بن زهير يوم نازله ... جمع من الترك لم يحجم ولم يخم مشمر للمنايا عن شواه إذا ... ما الوغد أسبل ثوبيه على القدم خامت حقيقته أي لم يطلبها، والقحم: الأمور العظام، ولم يخم أي لم يجبن، والوغد الدنيء الذي لا غناء عنده ولا خير فيه، والشوى الأطراف. المعنى: يمدح عقبة بن زهير بأنه لم يجبن في محاربة الترك، وهو متأهب للحرب إذا أرسل اللئيم ثوبه عن رجله فلم يتأهل لها. خاش الردى في العدا قدما بمنصله والخيل تعلك ثنى الموت باللجم وهم مئون ألوفًا وهو في نفر ... شم العرانين ضرابين للبهم ثنى الموت يعني وسط الموت يريد المعركة، شم العرانين ينسبهم إلى العزة والمنعة. المعنى: يمدح عقبة بن زهير أنه توسط المعركة بسيفه وعدوه في أكثر من مائة ألف، وهو في نفر أعزة شجعاء.

وقال أوس بن ثعلبة: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) جذام حبل الهوى ماضٍ إذا جعلت هواجس الهم بعد النوم تعتكر وما تجهمنى ليل ولا بلد ... ولا تكاءدني عن حاجتي سفر ما تجهمني أي ما قابلني بوجه جهم أي كريه، ولا تكاءدني أي ما شق على، وهو من القصبة الكؤود أي الشاقة. المعنى: يصف نفسه بالصرامة يقول: أنا أقطع سبب المودة إذا خطر الهم ليلاً، وما صعب علي ليل ولا موضع، ولا شق علي سفر فمنعني عن حاجتي. (236) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أقول وسيفي في مفارق أغلب وقد خر كالجذع السحوق المشذب بك الوجبة العظمى أناخت ولم تنخ بشعبة فابعد من صريع ملحب سقاه الردى سيف إذا سل أومضت إليه ثنايات الموت من كل مرقب أغلب اسم رجل وهو الغليظ العنق، والسحوق الطويل، والمشذب المقطوع الشذب وهو قضبانه، شبه الرجل لما سقط قتيلاً بجذع طويل قطعت عنه

قضبانه، والوجبة السقطة، ورجل ملحب إذا كان يؤذي الناس. المعنى: يصف شجاعته وقتله أغلب يقول: لما وسط سيفي مفرق أغلب وسقط أنه إذا سل طلع إليه الموت من كل موضع. ويا عجل عجل القاتلين بذحلهم غريبًا لدينا من قبائل خصب جنيتم وجرتم إذا أخذتم بحقكم غريبا زعمتم مرملا غير مذنب وما قتل جار غائب عن نصيره لطالب أوتار بمسلك مطلب فلم تدركوا ذحلاً ولم تذهبوا بما فعلتم بني عجل إلى وجه مذهب ولكنكم خفتم أسنة مازن ... فنكبتم عنها إلى غير منكب وقد ذقتمونا مرة بعد مرة ... وعلم بيان المرء عند المجرب لأنكم فعلتم ما لم يحسن. المعنى: كان بنو عجل قتلوا رجلاً غريبًا بذحل كان لهم في بني مازن، والغريب كان من يحصب فعيرهم ذلك، وقال: خفتم أسنة بني مازن فقتلتم بذحلكم فيه غريبًا فقيرًا من غيرهم فلم تصيبوا في ذلك. ثم قال: لقد ذقتمونا مرارًا، ولا يعرف الرجل حق المعرفة إلا من قد جربه. (237) وقال بغثر بن لقيط الأسدي: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) أما حكيم فالتمست دماغه ... ومقيل هامته بحد المنصل وإذا حملت على الكريهة لم أقل بعد العزيمة ليتني لم أفعل التمست دماغه أي توصلت إليه بالسيف، فكأني التمس دماغه، مقيل هامته هو الدماغ. المعنى: يصف قتله حكيمًا، وانه إذا حمل على الكريهة أمضي عزيمته فيها ولم يندم.

وقال رجل من نمير: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أنا ابن الرابعين من آل عمرو وفرسان المنابر من جناب نعرض للسيوف إذا التقينا ... وجوهًا لا تعرض للسباب فآبائي سراة بني نمير ... وأخوالي سراة بني كلاب الرابعون: السادة الذين يأخذون أرباع الغنائم، وفرسان المنابر يعني الأمراء. المعنى: يقول أنا ابن السادة من آل عمرو الأمراء من جناب نقتل من شئنا، ثم بين أنه كريم الطرفين. (239) وقال الهذلول بن كعب العنبري روى الهيثم بن عدي عن عطاء عن مصعب عن عاصم بن الحدثان الليثي، وأبي الدقيش العنبري قالا: تزوج الهذلول ابن كعب امرأة من بني بهدلة فرأته يومًا يطحن، فضربت صدرها وقالت: أهذا

زوجي؟ ! فبلغه ذلك فقال هذا الشعر. وروى أبو العباس المبرد هذه الأبيات لأعرابي من بني سعد، وكان مملكًا فنزل به ضيف فقام إلى الرحى يطحن فمرت به زوجه في نسوة فقالت أهذا بعلي؟ ! أعظامًا لذلك فأخبر بما قالت فقال: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تقول وصحكت نحرها بيمينها أبعلي هذا بالرحى المتقاعس فقلت لها لا تعجلي وتبيني ... فعالي إذا التفت علي الفوارس ألست أرد القرن يركب ردعه وفيه سنان ذو غرارين نائس وأحتمل الأوق الثقيل وأمتري خلوف المنايا حين فر المغامس وأقري الهموم الطارقات حزامة إذا كثرت للطارقات الوساوس صحكت أي دقت، ويروى "دقت صدرها" والمتقاعس: الرجل الذي خرج صده ويروى "ويركب رأسه" ويركب ردعه أي يسقط منكبه، وأصله في الإبل، ونائس متحرك، والأوق اثقل، وامترى خلوف المنايا أي أقبل، والمغامس الجريء الذي يركب رأسه، فهو يقول: إذا فر الذي يباشر الحروب وينغمس فيها جهلاً ثبت وحلبت ضروع المنايا، وأقرى الهموم أي أجعل الهموم التي تطرق ليلاً بمنزلة الضيف وأسن قراها، واجعل الحزم قرى لها، أي إذا هممت بشيء حزمت فيه. المعنى

يصف أن امرأته استصغرت أمره لما رأته يطحن فوصف لها نفسه وعظم عندها أمره. وبين لها شجاعته وصبره. إذا خام أقوم تفحمت غمرة يهاب حمياها الألذ المداعس لعمر أبيك الخير إني لخادم لضيفي وإني إن كنت ركبت لفارس وغني لأشري الحمد أبغي رباحة واترك قرني وهو خزيان ناعس الحميا: السورة والشدة، والمداعس المطاعن، المعني: يصف نفاده في الشدائد إذا هاب غيره، وبين عذره في طحينه فقال: إني لخادم ضيفي، وهم يفتخرون بخدمة الأضياف لما في عقباها من الحمد. (240) وقالت كنزة أم شملة: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) إن بك ظني ضادقُا بشملة يحبسهم بها محبسًا أزلا فيا شمل واطلب القوم بالذي أصبت ولا تقبل قصاصًا ولا عقًلا محبسًا أزلًا أي ضيقًا. المعنى: تحث ابنها على طلب الثأر، وتمنعه من أخذ الدية، والاقتصار على القصاص. (241) وقالت أيضًا: لهفى على القوم الذين تجمعوا بذي السيد لم يلقوا عليًا ولا عمرا فإن يك ظني صادق وهو صادقي بشملة يحبسهم بها محبسًا وعرًا

ويروى "لم يلقوا ركيكا ولا وعرا" والركيك الضعيف، ووعرا أي صعبا، والسيد موضع. المعنى: تحث ابنها على طلب القوم بالثأر. (242) وقال شبرمة بن الطفيل: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) لعمرى لريم عند باب ابن محرز أغن عليه اليارقان مشوف أحب إليكم من بيوت عمادها سيوف وأرماح لهن حفيف اليارقان: السواران، والمشرف: المجلو، من قوله بالمشوف المعلم، المعنى: يعير قومًا يقول: التنعم والاشتغال بالنساء المسورات أحب إليكم من الوقوف تحت ظلال الرماح والسيوف. أقولا لفتيان ضرار أبوهم ... ونحن بصحراء الطعان وقوف أقيموا صدور الخيل إن نفوسكم لمقيات يوم ما لهن خلوف خلوف جمع خلف. المعنى: يذكر تشجيعه فتيان ضرار وقوله لهم اثبتوا فإن الموت لابد منه، وسيجيء يوم لا خلف له. (243) وقال قبيصة بن النصراني الجرمي: (الأول من الوافر القافية متواتر)

بنيي هيصم هوجدتماني بطيا بالمحاولة احتيالي وعاجمت الأمور وعاجمتنى كأني كنت في الأمم الخوالي ويروى "أوجدتماني) وهما بمعنى واحد، عاجمت الأمور أي جربتها كأني كنت في الأمم الخوالي. المعنى: يخاطب رجلين يقول: لم تجداني بطيء الاحتيال لمحاولة الأشياء، ثم أخبر عن نفسه أنه جرب الأمور ومارس الخطوب. فلسنا من بني جداء بكر ولكنا بنو جد النقال الجداء المرأة التي لا لبن لها، ويروى "بنو جد الفعال" والنقال: المناقلة في الكلام، ورجل نقل أي فصيح. المعني: لسنا بني المرأة القليلة الولد ولكنا ذوو

عدد وبيان وقدرة على الجواب. تفرى بيضها عنا فكنا بني الأجلاد منها والرمال لنا الحصنان من أجأ وسلمى وشرقياهما دون انتحال وتيماء التي من عهد عاد حميناها بأطراف العوالي تفرى تشقق، بيضها يعني بيض الأمم وهو استعارة والمراد ولدتنا، والأجلاد الأرضون الصلبة، أي ملأنا الأرضين السهلة والمرتفعة لكثرتنا، وأجأ وسلمى جبلا طيء، ودون انتحال أي حقيقة لا دعوى باطل. المعنى: كثرنا حتى ملأنا المواقع الصلبة والسهلة، ثم افتخر بكون جبلي طيء لهم من غير دعوى لا حقيقة فيها، وافتخر بحفظهم بهما حتى لا يملكهما غيرهم. (244) وقال سالم بن وابصة: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) عليك بالقصد فيما أنت فاعله إن التخلق يأتي دونه الخلق التخلق أن يظهر من نفسه خلقًا لا يكون عليه، والقصد الإنصاف والحق. المعنى: أقصد في قولك ولا تظهر ما ليس من خلقك فتفضح. وموقف مثل حد السيف قمت به أحمي الذمار وترميني به الحدق فما زلقت ولا أبديت فاحشة إذا الرجال على أمثالها زلقوا

المعنى: يصف جلادته وثباته يقول: كما من موقف مخوف قمت حافظًا للحرم والناس ينظرون إلي فما أخطأت ولا فعلت ما يعاب علي. (245) وقال آخر: [من الضرب الثالث المحذوف من الطويل والقافية من المتواتر] إن أك قصدًا في الرجال فإنني إذا حل أمر ساحتي لجسيم القصد: المتقارب الذي ليس بتام الخلقة. المعنى: إن لم أكن عظيم الجسم فإني عظيم المنقبة، يتبين ذلك إذانزل بي أمر. (246) وقال عامر بن الطفيل: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) قضي الله في بعض المكاره للفتي برشد وفي بعض الهوى ما يحاذر ألم تلعمي أني إذا الألف قادني إلى الجور لا أنقاد والإلف جائر الإلف الصاحب، فعل بمعنى مفعول. ومعنى البيت الأول يقول: ربما يكره الفتي شيئاً وهو خير له، وربما يهوى ما هو شر له، من قوله تعالي: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}.

(247) وقال مجمع بن هلال؛ غزا مجمع بن هلال بن خالد بن مال بن هلاك بن قتم بن ثعلبة يريد بني سعد بن زيد مناة، فلم يصب شيئًا من حاجته فرجع من غزاته تلك فمر بماء لبني نمير يقال له اللهيمي ويقال: الهييما عليه ناس منبني مجاشع فقتل منهم وأسر وقال في ذلك: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إن أمس ما شيخًا كبيرًا فطالما عمرت ولكن لا أرى العمر ينفع مضت مائة من مولدي فنضوتها وخمس تباع بع ذاك وأربع نضيت ونضوت بمعنى واحد أي كشفت. المعنى: يذكر تعميره يقول: إن طال عمري فيما أرى طول العمر ينفع، ذم ذكر أنه عمر مائة وتسع سنين: وخيل كأسراب القطا قد وزعتها لها سبل فيه المنية تلمع شهدت وغنم قد حويت ولذة أتيت وماذا العيش إلا التمتع أسراب القطا: جماعاتها، وقد وزعتها أي كنت القيم عليها، والوازع النقيب، وها سبل أي ما يتفرق، والسبل ما ينحسم من المطر. المعنى: يصف زعامته على الخيول والأقران وحوزة الغنائم، ثم قال: وما العيش إلا التمتع أي لا انتفاع به في مدة لتقطعه، ويروى "لها عارض فيه المنية تلمع". وعاثرة يوم اللهيما رأيتها وقد ضمها من داخل القلب مجزع

لها غلل في الصدر ليس ببارح شجي نشب والعين بالماء تدمع تقول وقد أفردتها من حليلها ... تعست كما أتعستني يا مجمع فقلت لها بل تعس أخت مجاشع وقومك حتى خدك اليوم أضرع عبأت له رمحًا طويلاً وآلة ... كأن قبس يعلي بها حين تشرع أي كم امرأة قد عثرت على وجهها لما لحقها من الجزع، لها غلل: جمع غلة وهو توقد وحرارة، نشب متعلق في الصدر. المعنى: يصف ما كان منه يوم "الهييما" من قتله الرجال وإرماله النساء يقول: كم امرأة رأيتها تعثر على وجهها لما دخل قلبها من الجزع ولا تبرح حرارة صدرها وهي تبكي، وتدعو علي لأني قتلت زوجها فرددت عليها الدعاء، ثم ذكر أنه قتل زوجها طعنًا برمح يضيء سنانه. وكائن تركت من كريمة معشر عليها الخموش ذات حزن تفجع الخموش والخدوش، وخمشت وجهها خدشته. المعنى: كم قتلت من كبار الناس وتركت كريمته قد خمشت وجهها عليه تفجعًا. (248) ذوقال الأخنس بن شهاب التغلبي جاهلي، الأخنس المنبسط قصبة الأنف: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) فمن يك أمسى في بلاد مقامة يسائل أطلالاً لها لا تجاوب فلابنة حطان بن قيس منازل كما نمق العنوان في الرق كاتب

تمشي بها حول النعام كأنها ... إماء تزجى بالعشي حواطب وقفت بها أبكي وأشعر سخنة كما اعتاد محمومًا بخيبر ظالب ويروى "كما رقش العنوان" أي خطط وزين، حول النعام جمع حائل وهي التي لا تبيض سنة ولا فرخ لها، وتزجى: تسوق، وصالب يريد حمى شديدة، وأشد ما تكون الحمى بخيبر المعنى: يذرك خلو المكان من ابنة حطان واستبدال النعام بها، ووقوفه في منازلها باكي العين، محترق الأحشاء كأن به حمى صالبة، ويروى "وقفت بها أعرى" من العروراء وهي الحمى تأخذه بالرعدة. خليلاي هوجاء النجاء شملة وذو شطب لا يجتويه المصاحب ليسأل ربع الدار صب متيم أخو قفرة ما تحتويه المذاهب النجاء: السرعة، والشملة: الناقة السريعة الخفيفة، ما تجتويه أي ما تكرهه الطرق أي ما يكره المذاهب. المعنى: يقول: خليلاي من الدنيا ناقة سريعة وسيف مخطط ماض أي أنا صاحب سفر وأخو حرب. وقد عشت دهرًا والغواة صحابتي أولئك أخواني الذين أصاحب

قرينة من أعيا وقلد حبله ... وحاذر جراه الصديق الأقارب فأديت عني ما استعرت من الصبا فللمال عندي اليوم راع وكاسب الغواة جمع غاو، وقلد حبله أي ألقى حبله على غاربه، وجراه جريرته، والصديق بمعنى الجمع. المعنى: قد عشت زمانً غاويًا مع الغواة مؤاخيا لهم، قد خلعه قومه لسفهه وخشية أصدقائه ولجنايته، فارعويت اليوم عن الجهل، وأقبلت على حالي أصلحه. لكل أناس من معد عمارة ... عروض إليها يلجأون وجانب لكيز لها البحران والسيف كله وأن يأتها بأس من الهند كارب تطير على أعجاز جون كأنها جهام أراق ماءه فهو آيب وبكر لها صحن العراق وإن تشأ يحل دونها من اليمامة حاجب ونحن أناس لا حجاز بأرضنا مع الغيث ما نلقى ومن هو غالب ترى رائدات الخيل حول بيوتنا كمعزى الحجاز أعوزتها الزرائب فيغبقن أحلابًا ويصبحن مثلها فهن من التعداء قبل شوازب فوارسها من تغلب ابنة وائل ... حماة كماة ليس فيهم أشائب هم يضربون الكبش يبرق بيضه على وجهه من الدماء سبائب وإن قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى القوم الذين نضارب

عمارة: رفعه على الأصل وخفضه على الجوار، عروض أي ناحية، كارب أي أمر شديد يكرب، شبه الخيل الجهام لأنه أسرع وأخف، لا حجاز بأرضنا أي ما تحتجز به من حصن أو جبل، وما نلقى ما زائدة أي نلقى مع الغيث، رائدات الخيل تجيء وتذهب، وشبهها بمعزى الحجاز لأنها أكثر وأفرط في تكثيرها، وقال أعوزتها الزرائب أي لم تضمها الزرائب وهي الحظائر لكثرتها، فهي أكثر جولانًا من غيرها. المعنى يقول: لكل أناس موضع يلجأون إليه ونحن لا حصن بأرضنا نلجأ إليه، ولكننا نوجد مع الغيث لعزنا، وخيلنا مرسلة كمعزى الحجاز كثرة لا يجسر عليها أحد، وهي مكرمة تسقى اللبن، مضمرة من كثرة العدو، ثم وصف فوارسها في الحماسة والشجاعة. فلله قوم مثل قومي عصابة ... إذا احتفلت عند الملوك العصائب أرى كل قومٍ قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب سارب: أي ذاهب، المعنى: يمدح قومه ويصفهم بالعزة والمنعة يقول: كل أناس ترتع أبلهم حولهم لا تبعد عنهم خوف الغارة، ونحن نخلي سرب ابلنا ترعى كيف شاءت لعزنا وثقتنا بأنه لا يجسر أحد على الإقدام عليها فهي آمنة رائعة. (249) وقال العديل بن الفرخ العجلي، إسلامي وهو ممن هرب من الحجاج: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر)

ألا يا اسلمي ذات الدماليج والعقد وذات الثنايا الغر بالفاحم الجعد وذات اللثات الحم والعارض الذي به أبرقت عمدًا بأبيض كالشهد كأن ثناياها اغتبقن مدامة ... ثوت حججًا في رأس ذي قنة فرد يريد ألا يا هذه اسلمي، والقنة أعلى الجبل، يقول: كأن ثنايا هذه الجارية شربت خمرًا كانت على رأس جبل ناء عن الناس فتركت حتى عتقت. المعني: يحيي صاحبته ويصف محاسنها وعذوبة ثناياها. لعمري لقد مرت بي الطير آنفا بما لم يكن إذ مرت الطير من بد جرى بفراق العامرية غدوة ... شواحج سود ما تعيد وما تبدي إذا ما نعقن قلت هذا فراقها ... وإن هن لم ينعقن سلين من وجدي البد: السعة، وشواحج غربان. المعنى: لقد مرت بي الطير بما احتجت إلهي لأعلم ما أبني عليه من أمري، ثم بين بماذا مرت، فقال: جرى بفراق العامرية غربان سود إذا صوتن فزعت لصوتها لأنها إمارة البيت، وإذا سكتن سكن وجدي وهو الحزن. لعل الذي قاد النوى أن يردها إلينا فقد يدنى البعيد من البعد وعل النوى في الدار يجمع بيننا وهل يجمع السيفان ويحك في غمد

وكيف ترجيها وقد حال دونها نمير وأجبال تعرضن من نجدٍ المعنى: يؤمل لقاء حبيبته على ما بينهما من البعد، ثم استبعد ذلك فقال: وهل يجمع السيفان ويحك في غمد أي لا تجمع بيننا، ثم بيّن وجه اليأس وهي العداوة في بني نمير قومها. ظللت أساقي الهم اخوتى الأولى أبوهم أبي عند المزاح وفي الجد كلانا ينادي يا نزار وبيننا ... قنا من قنا الخطي أو من قنا الهند قروم تسامي من نزار عليهم ... مضاعفة من نسج داود والسغد إذا ما حملنا حملة مثلوا لنا ... بمرهفة تذري السواعد من صعد وإن نحن نازلناهم بصوارم ... ردوا في سرابيل الحديد كما نردي كفى حزنًا أن لا أزال أرى القنا تمج نجيعًا من ذراعي ومن عضدي أساقى الهم أي أعمهم ويروى "أساقي السم" أبوهم أبي أي في كل حال، السغد بلد، مثلوا لنا ثبتوا، ويروى أيضًا "ثبتوا لنا" وتذرى السواعد أي تسقطها. المعنى: يذكر محاربته بني أعمامه وأنهم ينسبون إلى نزار، وكلهم سادة وأقران يكمل بعضهم بعضًا، ومعهم الرماح وعليهم الدروع. ثم أخذ يتأسف على محاربته من يحل منه محل نفسه، فلهذا قال: يمج نجيعًا من ذراعي ومن عضدي أي من أقاربي. لعمري لئن رمت الخروج عليهم بقيس على قيس وعوف على سعد وضيعت عمرًا والرباب ودرامًا وعمرو بن ود كيف أصبر عن ود

لكنت كمهريق الذي في سقائه لرقراق آل فوق رابيةٍ صلد كمرضعة أولاد أخرى وضيعت بني بطنها هذا الضلال عن القصد يعني قيس عيلان الذين هم عشيرتي لأن قيس عيلان من مضر، وهذا عجلي من ربيعة على قيس الذين هم عشيرتي يعني قيس بن ثعلبة بن عكابة، لأن هذا من بني عجل، ويعني عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض الذين هم عشيرتي، وقوله كمرضعة يعني الذئبة لأنها تترك أولادها وترضع أولاد الضبع، والرقراق ماء قليل. المعنى يقول: لئن حاربت قيسًا وسعدًا وضيعت الذين هم أولى بحفظهم عمرًا والرباب دارمًا وعمرو بن ود كنت كمن ترك الحزم وأراق الماء في سقائه لما يظهر له من السراب، وكنتن كذئبة ضيعت ولدها وأرضعت ولد غيرها. فأوصيكما يا ابني نزار فتابعا ... وصية مفضي النصح والصدق والود فلا تعلمن الحرب في الهام هامتي ولا ترميا بالنبل ويحكما بعدي أما ترهبان النار في ابني أبيكما ولا ترجوان الله في جنة الخلد فما ترب أثرى لو جمعت ترابها بأكثر من ابني نزار على العد هما كنفا الأرض اللذا لو ترعزعا تزعزع ما بين الجنوب إلى السد قطع ألف الوصل في ابني نزار وذلك قليل جائز، ويروى "فلا تعلمن الحرب" أي لا تحوجون إلى قتالكم فأقاتل حتى أقتل فتعرف الحرب هامتي مطرحة في الهامات، ولا تقاتلوا بعدي أيضاً، ويروى "فلا تعلمن الحرب" مفتوحة بنصب الحرب، يعني لا تقاتلوا بعدي فتعلم بذلك هامتي وصداى في هام الموتى، واللذا أراد اللذان فحذف النون كقوله: "هما خطتا"، ويروى "فما ترب أثرى"

المعنى: يوصي أقاربه بالتواصل وترك التدابر والتقاتل، ويحذرهم الناران تقاطعوا، ويطمعهم في الجنة أن تواصلوا، ويذكرهم كثرة عدوهم وعزهم، وأشار إلى أن محاربتهم تذهب عزهم وتنقص عددهم. وإني وإن عاديتهم وجفوتهم ... لتألم مما عض أكبادهم كبدي لأن أبي عند الحفاظ أبوهم ... وخالهم خالي وجدهم جدي رماحهم في الطول مثل رماحنا وهم مثلنا قد السيور من الجلد المعنى يقول: وإن جفوت بني نزار فإنه يوجعني ما يوجعهم، لضم نسب الأب والأم أيانا، ونصب قد السيور على المصدر، ومعناه قدوا منا قد السيور من الجلد. (250) وقال عبد القيس بن خفاف، أحد بني حنظلة بن مالك البرجمي:

(الأول من المتقارب والقافية متواتر) صحوت وزايلني باطلي لعمر أبيك زيالا طويلا وأصبحت لا نزقا للحاء ولا للحوم صديقى أكولا ولا سابقي كاشح نازح بذحل إذا ما طلبت الذحولا وأصبحت أعددت للنائبات عرضا بريئا وعضبا صقيلا ووقع لسان كحد السنان ورمحا طويل القناة عسولا وسابغة من جياد الدروع تسمع للسيف فيها صليلا كمتن الغدير زهته الدبور يجر المدجج منها فضولا صحوت: سلوت، وزايلني: فارقني، ولا للحوم صديقي، أي لا أغتاب أصدقائي. المعنى يصف ارعواءه واستعماله محاسن الأخلاق، وأنه لا يطيش ولا يغتاب ولا يفوته أحد بذحله، ويصف إعداده آلة الحرب من السيف - الرمح والدرع. (251) وقالت عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم في يوم الفجار، وإنما سمي الفجار لأنه كان في الشهر الحرام، وهي مخضرمة:

(من مرفل الوافر والقافية من المتواتر) سائل بنا في قومنا ... وليكف من شر سماعه قيسا وما جمعوا لنا ... في مجمع باق شناعه فيه السنور والقنا ... والكبش ملتمع قناعه بعكاظ يعشي الناظريـ ـن إذا هم لمحوا شعاعه فيه قتلنا مالكا قسرا وأسلمه رعاعه ومجدلا غادرنه ... بالقاع تنهشه ضباعه الباء في بكا مكان أي كقوله الله تعالي: {فاسأل به خبيرا} أي سائل قيسًا يخبرك ببلائنا يوم الفجار، وشناعه أي قبحه، وملتمعًا قناعه أي علم نفسه بجرأته فلا يخفى، والرعاع أوباش الناس وأرذالهم، لا واحد له من لفظه. المعنى تفتخر بما كان لهم من الظفر والغلبة على قيس يوم الفجار، تقول: سل عنا قيسًا يخبرك ببلائنا في حرب يوم الفجار لما حاربت قيس قريشًا وكنانة طالبة بثأر عروة، وكان قتله البراض الكناني، وحديثه معروف، ثم قالت، وليكف من شر سماعه أي أنا واثقون بما نخبر به إن سألت، ثم وصفت السلاح وما كان لهم من الغلبة والقتل. (252) وقالت امرأة من بني عامر، قال أبو رياش هي قشيرية: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) وحرب يضج القوم من نفيانها ضجيج الجمال الجلة الدبرات سيتركها قوم ويصلى بحرها ... بنو نسوة للثكل مصطبرات

فإن يك ظني صادقًا وهو صادقي بكم وبأحلام لكم صفرات تعد فيكم جزر الجزور رماحنا ويمسكن بالأكباد منكسرات النفيان: ما تطاير من قطر المطر مأخوذ من النفي كأن السحاب ينفيه، وأرادت ما يتقاطر من الدم، والدبرات التي دبرت فهي أكثر ضجيجًا وأقل صبرًا، ومنه المثل "كأن على الأملس ما لاقي الدبر" وقولها: أحلام لكم صفرات أي خالية من الخير والحزم، والأحلام ها هنا العقول، تعد فيكم أي تنحر رماحنا كما تنحر الجزور، ونطاعن بها حتى تنكسر أعاليها فتؤخذ بأوساطها، وكبد كل شيء وسطه. المعنى: تصف شدة حرب تقع، ويضج الناس من دمائها، كما تضج الإبل المسان الدبرات تحت أثقالها، يعدل عنها قوم ويصلي بها آخرون قد اعتادوا الحروب. ثم قالت: ظني أن نقتلكم برماحنا طعنًا تتكسر فيه الرماح من شدته حتى نمسك بأوساطها. (253) وقال معبد بن علقمة، إسلامي كان في زمن الفرزدق: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) غيبت عن قتل الحتات وليتني شهدت حتاتاً يوم ضرج بالدم

وفي الكف مني صارم ذو حفيظة منى ما يقدم في الضريبة يقدم فيعلم حيا مالك ولفيفها ... بأن لست عن قتل الحتات بمحرم الحتات: اسم رجل، وصارم ذو حفيظة أي سيف يبقى على الاستعمال، ويروى "ذو حقيقة" ولفيف القوم ولفهم أوباشهم الذين يلفهم معظم القوم، وفعيل وفعل بمعنى مفعول، المعنى: يتحسر على فوته حضور مقتل الحتات، فيكون هو قاتله. فقل لزهير إن شتمت سراتنا فلسنا بشتامين للمتشتم ولكننا نأبي الظلام ونعتصي بكل رقيق الشرفتين مصمم وتجهل أيدينا ويحلم رأينا ونشتم بالأفعال لا بالتكلم المتشتم: المتعرض للشتم، والظلام - بالكسر - المظالمة، وقد يكون بمعنى الظلم، ونعتصي أي نضرب بالسيف. المعنى. يقولك لا نشتغل بالشتم فعل السفهاء، ولا نقبل الضيم بل نضع السيف مكان الشتم، فشتمنا بالفعل لا بالكلام. وإن التمادي في الذي كان بيننا بكفيك فاستأخر له أو تقدم التمادي: تجاوز المدى وهو الغاية، واستأخر أي تأخر. المعنى: يقول: مجاوزة ما كان بيننا في يديك لأني لا أظلمك ولكني أنتقم، فتأخر إن شئت أو تقدم. (254) وقال أمية بن أبي الصلت، وتروى لابن عبد الأعلى، الصلت: السيف المجرد، ورجل صلت الجبين عريضه:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) غذوتك مولودًا وعلتك يافعًا ... تعل بما أدني إليك وتنهل إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت لشكواك إلا ساهرًا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني وعيني تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي منك جبهًا وغلظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل تراه معدًا للخلاف كأنه ... برد على أهل الصواب موكل ويروى "تعل بما أدنى إليك" و"أجنى إليك" أي اكتسب علتك أي أنفقت عليك، والجبة الرد، أصله الضرب على الجبهة. المعنى: يشكو ولده، ويذكر أنعامه عليه في التربية والشفقة، وأنه لما بلغ جازاه بالرد والجفوة، يقول: ليتك إن لم تجازني جزاء الآباء، جازيتني جزاء الجيران. (255) وقالت امرأة من بني هزان في ابنها وقد عقها وهي أم ثواب، وهزان فعلان من

هززت، ولا يجوز أن يكون من هوازن لأنه لو كان كذلك لانصرف: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) ربيته وهو مثل الفرخ أعظمه أم الطعام ترى في جلده زغبًا حتى إذا آض كالفحال شذبه أباره ونفى عن متنه الكربا أنشا يمزق أثوابي يؤدبني أبعد شيبي عندي يبتغي الأدبا أم الطعام يعني أم المعدة، أي أعظم شيء في بدنه إذ ذاك حوصلته، تعني الفرخ الذي وصفت ابنها به، أي حيث أكبر شيء فيه بطنه، وروى "أطعمه" من الطعام، والفحال فحل النخل، وشذبه قد تقدم، والكرب أصول السعف التي تقطع فتيبس فتصير مثل الكتف. المعنى: تشكو ابنها وأنها ربته صغيرًا فلما تمت قامته كالنخل المشذب، وهو الذي يقطع ما تفرق من أغصانه، جفاها، ومزق ثيابها. إني لأبصر في ترجيل لمته وخط لحيته في خده عجبًا قالت له عرسه يومًا لتسمعني مهلاً فإن لنا في أمنا أربا ولو رأتني في نار مسعرة ... ثم استطاعات لزادت فوقها حطبا ويروي "في نار مضرمة" ويروى "لألقت فوقي الخطبا" مكان "ثم استطاعت لألقت فوقها حطبا. المعنى: تذكر نبات لحية ابنها، وحسن تأميلها فيه وتذكر استهزاء امرأته بها مظهرة الميل إليها مع إضمار عداوتها. (256) وقال ابن السلماني، ويروي ابن السليماني، والأول أصح، وهو

إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لعمري إني يوم سلع للائم لنفسي ولكن ما يرد التلوم أأمكنت من نفسي عدوي ضلة ألهفي على ما فات لو كنت أعلم لو أن صدور الأمر يبدون للفتى كأعقابه لم تلقه يتندم التلوم التحسر على الشيء، يتلهف على ما فات، وصدور الأمر أوائله، وأواخره أعقابه، يتندم أي يندم شيئًا بعد شيء. المعنى: يلوم نفسه حين لا ينفعه الندم على ما كان منه من تمكين عدوه من نفسه، ويروي "لم تلفه يتندم" أي لم تجده، ويروى "ألهفي على ما فات". لعمري لقد كانت فجاج عريضة ... وليل سخامي الجناحين أدهم إذ الأرض لم تجهل على فروجها وإذ لي عن دار الهوان مراغم فلو شئت إذ بالأمر يسر لقلصت برحل فتلاء الذراعين عيهم عليها دليل بالبلاد نهاره وبالليل لا يخطي لها القصد منسم ويروي "مراغم" أي مذهب، وقلصت برحلي ارتفعت، والعيهم الناقة السريعة، وفتلاء الذراعين التي ف يديها انحناء، وقوله: عليها دليل يعني بالدليل نفسه يقول: أنا بصير يسير الليل والنهار والبلاد والطرق، المعنى: هذا تفسير ما ندم عليه يقول: كان يمكنني أن أنجو بنفسي فلا يتمكن مني عدوي، فلقد كانت طرق واسعة وليل مظلم، ومذهب عن دار الهوان فلو شئت لنجوت على راحلتي.

وقال قتادة بن مسلمة الحنفي، جاهلي: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) بكرت علي من السفاه تلومني سفهًا تعجز بعلها وتلوم لما رأتني قد رزثت فوارسي وبدت بجسمي نهكة وكلوم ما كنت أول من أصاب بنكبة دهر وحي باسلون صميم قاتلتهم حتى تكافأ جمعهم والخيل في سبل الدماء تعوم إذ تتقي بسراة آل مقاعس حذر الأسنة والسيوف تميم لم ألق قبلهم فوارس مثلهم أحمى وهن هوازم وهزيم تعجز بعلها تنسبه إلى العجز، رزئت فوارسي أي أصبت بهم، صميم: خالص النسب، حتى تكافأ جمعهم أي استوى الجبان والشجاع في هزمي إياهم، والسبل القاطر، وتعوم: تجري وهزيم فعيل بمعنى مفعول أي مهزومة. المعنى: يقول: لامتني امرأتي سفهًا وتنسبني إلى العجز لما رأتني متغير الجسم لهلاك فوارسي، ثم اعتذر عن نفسه فقال: لست أول من أصيب بحي كرام، ثم دل على شجاعته فقال: قاتلت أعدائي حتى استوى في الهزيمة شجاعهم وجبانهم.

لما التقى الصفان واختلف القنا والخيل في النقع العجاج أزوم في النقع ساهمة الوجوه عوابس وبهن من دعس الرماح كلوم يممت كبشهم بطعنة فيصل فهوى لحر الوجه وهو ذميم ومعي أسود من حنيفة في الوغي للبيض فوق رؤوسهم تسويم قوم إذا لبسوا الحديد كأنهم في البيض والحلق الدلاص نجوم فلئن بقيت لأرحلن بغزوة تحوي الغنائم أو يموت كريم ويروى "نحو الغنائم" وأزوم جمع آزم أي عضاض على اللجم، والأزم العض فهو لحر الوجه أي على وجهه، وهو ذميم أي مذموم لأنه لم يدفع عن نفسه، والتسويم العلامات، وشبه الدروع والبيض بالنجوم لبريقها، وقيل: شبهها بها لأنه يقتدي بها، والأول أقرب، وهذا أغرب. المعنى: يصف قتله رئيس تميم لما اشتدت الحرب، ثم مدح قومه وأوعد العدو بعودة. (258) وقال رجل من يشكر فيما كان بينهم وبين ذهل: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ألا أبلغ بني ذهل رسولاً وخص بها سراة بني النطاح بأنا قد قتلنا بالمثنى عبيدة منكم وأبا الجلاح فإن ترضوا فإنا قد رضينا وإن تأبوا فأطراف الرماح

مقومة وبيض مرهفات تتر جماجمًا وبنان راح ويروي "وخص إلى سراة بني النطاح"، ويروي "قتلنا بالمعلى" ويروي "تبن جماجمًا" من أبانه إذا قطعه منه، والراح جمع الراحة وهو الكف. المعنى يصف انتقاصه من بني ذهل ويقول: إن رضيتم فأنا قد رضينا، وإن أبيتم وأردتم العودة فإنا معدون لذلك [رماحًا مثقفة وسيوفًا قواطع، تسقط الجماجم وتقطع أطراف الأكف]. (259) [وقال جريبة بن الأشيب الفقعسي، والأصح جريبة بن الأشيم الفقعسي:

(الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) فدي لفوارسي المعلميـ ـن تحت العجاجة خالي وعم هم كشفوا عيبة العائبين من العار أوجههم كالحمم ويروي "غيبة الغائبين". المعنى: يفدي فوارسه خاله وعمه ويثني عليهم بأنهم أزالوا عن قومه ما كانوا يعابون به، وينسبون إليه من الجبن والخور، فلما أبلوا كذبوا العائبين وسودوا وجوههم. إذا الخيل صاحت صياح النسور حززنا شراسيفها بالجذم الشراسيف: رؤوس الأضلاع، والجذم السياط، المعنى يقول: إذا أعيت الخيل وضعف صوتها شددنا عليها بالسياط ضربًاز إذا الدهر أعيتك أنيابه لدى الشر فأزم به ما أزم ولا تلف في شره هائيًا كأسك فيه مسر السقم فأزم به ما أزم أي عض عليه. المعنى: لا تظهر العجز لحوادث الدهر وتجلد في كل حال. عرضنا نزال فلم ينزلوا وكانت نزال عليهم أطم وقد شبهوا العير أفراسنا فقد وجدوا ميرها ذا بشم

أطم: أعظم، والطامة: المحنة. المعنى: دعوناهم للمبارزة فصعبت عليهم، وشبهوا خيلنا عيرًا، وقالوا: نغنمها فكذبنا تقديرهم ووجدوا ميرتها ذات بشم لأنها قتلوا أو قتلهم من عليها. (260) وقال آخر: (الأول من المنسرح والقافية من المتراكب) أعددت بيضاء للحروب ومصـ ـقول الغرارين يقصم الحلقا وقارحًا نبعة وملء جفير من نصال تخالها ورقا وأريحيا عضبًا وذا خصل مخلولق المتن سابحًا تثقا يملأ عينيك بالفناء وير ضيك عقابًا إن شئت أو نزقا البيضاء: الدرع الصافية، مصقول الغرارين يعني سيفًا، ويروي "يفصم" أي يقطع، وقارحًا يعني قوسًا، والجفير الكنانة، والورق: الفضة مضروبة وغير مضروبة، شبه النصال بها لصفائها وقيل لخفتها، وأريحيًا سيفًا منسوبًا إلى "أريحا" وقيل: هو السيف الذي يهتز عند الضرب لجودة حديدته، وتثقا أي ممتلئًا نشاطًأ، ويرضيك عقابًا أي يعطيك جريًا بعد جري، والنزق الخفة، المعنى: يصف ما أعده للحرب من الدروع والسيف والقوس والنبل والفرس الكريم. (261) وقال الأسدي:

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أتاني عن أبي أنس وعيد فسل لغيظة الضحاك جسمي ولم أعص الأمير ولم أربه ولم أسبق أبا أنس بوغم ولكن البعوث جرت علينا فصرنا بين تطويح وغرم وخافت من جبال السغد نفسي وخافت من جبال خواررزم وقارعت البعوث وقارعوني ففاز بضجعة في الحي سهمي فأعطيت الجعالة مستميتًا خفيف الحاذ من فتيان جرم أبو أنس الضحاك وهو الأمير الذي ذكره، وسل جسمي أذابه، والوغم: الحقد، والتطويح التبعيد، وطاح سقط وطوحه غيره، والغرم أن يخرج بديلاً ويقيم هو فيغرم جعالته، وكان ذلك في أيام ابن الزبير، وقوله ففاز بضجعة في الحي سهمي أي بأن أخلف في الحي وأكون ضجيع داري. وخفيف الحاذ قال أبو عبيدة: الحاذ يريد خفة الظهر، ومستميتًا متعرضًا للموت مستسلمًا له. المعنى يذكر وعيد الضحاك إياه، وشدة جزعه من وعيده ويعتذر بأنه لم يعصه، ولم يفعل ما يوجب حقده، ولكنه خاف من جبال خراسان فأقام بديلاً عنه، ويروى "وجاشت من جبال خوارزم". * * * تم باب الحماسة

باب المراثي

باب المراثي (1) قال أبو خراشٍ الهذلي، خراش من تخارشت الكلاب إذا تهارشت. (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) حمدت الهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض فوالله ما أنسى قتيلاً رزئته ... بجانب قوسى ما مشيت على الأرض على أنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكل بالأردني وان جل ما يمضيي عروة أخو هذا الشاعر، وهو أبو خراش، وخراش ابنه، وقوسى موضع. المعنى: يرثي أخاه عروة ويتعزى عنه ويحمد الله على سلامة ابنه خراش بعد اشرافه على الهلاك، ويذكر تأثير تقادم الزمان في المصائب. ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... على أنه قد سل من ماجد محض

في هذا البيت أقوال منها: ألقى عليه يعني على خراش، ألقى ثوبه عليه فخلصه، ومنها أنه ألقى عليه رداءه إجارة له، وكانوا يفعلون ذلك، ومنها ألقى عليه يعني على عروة أي كفنه، ومنها "من ألقى رداءه" يعني رداء عروة. يقول أبو خراش: لا أدري من سلبه فألقى سلبه على نفسه، والماجد المحض على هذا التفسير يكون عروة، ومنها "من ألقى عليه رداءه" يعني سيفه، يريد سيف عروة من سلبه، وهم يسمون السيف رداء. وأحسن هذه الوجوه الأول والثاني، والقول الثالث قريب. وقال أبو عبيدة: لا نعرف شاعراً مدح من لا يعرفه إلا أبا خراش، مدح من لا يعرف في هذا البيت. المعنى: يمدح من ألقى ثوبه على ابنه خراش ويثني عليه، والأصل في هذا أن بطنين من ثمالة بني رزام وبني بلال أخذوا عروة وخراشا، فأما بنو رزام فنهوا عن قتلهما، حتى كاد يكون بينهما شر، فألقى رجل من الناهين عن القتل ثوبه على خراش، واشتغل الآخرون بقتل عروة، فقال الرجل لخراش كيف دلالتك قال: قطاة، قال انجه، فنجا، فأقبل القوم نحو خراش وقد نجا، فتبعوه فأعجزهم. ولم يك مثلوج الفؤاد مهيجاً ... أضاع الشباب في الربيلة والخفض ولكنه قد نازعته مجاوع ... على أنه ذو مرةٍ صادق النهض مثلوج الفؤاد: بليد كأن فيه ثلجاً، والمهيج المضطرب، ويروى "مهبلاً" وهو الكثير اللحم، والربيلة السمن. المعنى: يجوز أن تكون هذه الأبيات من قوله: "ولم يك مثلوج الفؤاد" من صفة الذي أنجي خراشا، ويجوز أن يكون من نعت عروة، وهذا أولى، لأن ظاهر قوله يدل على أنه نعت فائت، ولأنه وصفه بأوصاف من الخفة والذكاء ومقاساة الشدائد، ولا يوصف بمثل هذه من لا يعرف، وهو لم يعرف منقذ ابنه.

(2) وقال عبدة بن الطبيب: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما تحية من غادرته غرض الردى ... إذا زار عن شحط بلادك سلما فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما هو قيس بن عاصم المنقري، أحد حكماء العرب المشهورين وقوله: "ما شاء أن يترحما" في معناه أقوال: منها ما قال الأخفش علي بن سليمان معناه: عليك سلام الله ورحمته أبداً لأن الله تعالى أبداً يشاء الرحمة، فجعل مشيئته الرحمة ظرفاً، ومنها أن عليك ذلك كثيراً، كقولك: أصابنا المطر ما شاء الله أن يصيبنا، ورأينا من الخير ما شاء الله، ومنها ما قيل: إن ما شاء يرجع إلى قيس

وهذا تعسف. المعنى: يحيي متوفاه، ويذكر شدة وجده به حتى أن الهلاك يأخذ منه شيئاً بعد شيء، ويصف عظم الرزية بموت قيس واختلال أحوال كثير من الناس بفقده. (3) وقال هشام بن عقبة العدوي، وهو أخو ذي الرمة يرثي أوفى بن دلهم العدوى وذا الرمة واسمه غيلان، وهشام من هشم الثريد اذا كسره، والرمة القطعة من الحبل، وغيلان فعلان من الغيل، والغيل لبن المرأة الحامل: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن العين ملآن مترع نعى الركب أوفى حين آبت ركابهم ... لعمري لقد جاءوا بشر أوجعوا نعوا باسق الأخلاق لا يخلفونه ... تكاد الجبال الصم منه تصدع خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهم ... وأمسى بأوفى قومه قد تضعضعوا فلم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكن نكء القرح بالقرح أوجع مترع: مملوء من الدمع، وباسق الأخلاق شريفها، وخوى خرب، ودلهم مشتق من قولهم: ادلهم الليل، وهي منحوتة من أصلين: من الأدهم والأدلم

فجمع بينهما للمبالغة. المعنى: يقول: لما مات أوفى تعزيت بحياة غيلان، وعيني امتلأت دموعاً فلم أسبلها ولكني تصبرت، وهذا البيت شبيه ببيت أبي خراش "وبعض الشر أهون من بعض" وقال بعضهم: معناه تعزيت عن أوفى بموت غيلان أي لم أزل أبكيه حتى جاءني حزن شديد بموت غيلان فتعزيت عزاه، والأول أجود لقوله: "وأمسى بأوفى قومه قد تضعضوا" ولكن في قوله: "فلم تنسني" شمة تنسم القول الثاني. (4) وقال متمم بن نويرة اليربوعي يرثي أخاه مالكاً، وقتل في الردة، قتله خالد ابن الوليد يوم بزاخة صبراً فأمر بصرب عنقه، مخضرم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

لقد لامني عند القبور على البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك فقال أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك فقلت له: أن الشجا يبعث البكا ... فدعني فهذا كله قبر مالك تذراف: تفعال من ذرفت عينه اذا دمعت. المعنى: أبدع في قوله: "دعوني فهذا كله قبر مالك" أي جميع ما أرى من القبور هو قبر مالك، ويروى "دعوني". (5) وقال أبو عطاء السندي يرثي ابن هبيرة، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) ألا إن عيناً لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود عشية قام النائحات وشققت ... جيوب بأيدي مأتم وخدود لجمود أي لا ماء فيها، يقول: طبقت المصيبة بقتل ابن هبيرة فكل عين لم تبك فلا دمع فيها لأنه أحق من بذل فيه الدمع. فان تمس مهجور الفناء فربما ... أقام به بعد الوفود وفود

فإنك لم تبعد على متعهد ... بلى كل من تحت التراب بعيد قوله: "فانك لم تبعد على متعهد" يعني على من تعهد قبرك بالزيارة ثم قال: "بلى كل من تحت التراب بعيد". المعنى: يصف جلالة أمره فيما كان، وعظم سلطانه، وان الوفود كانوا يردون بابه. (6) وقال آخر وهو صنان بن عبد الله اليشكري، إسلامي: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) لو كان حوض حمارٍ ما شربت به ... الا بإذن حمارٍ آخر الأبد لكنه حوض من أودى باخوته ... ريب الزمان فأمسى بيضة البلد حمار ها هنا اسم رجل بعينه، كان أعز أهل دهره، وقيل: هو البهيمة، وبيضة البلد يمدح بها ويهجى، يعني أنه لا يعرف أصله، ولا يمنع ضيماً لبيضة تركها طائر في مفازة، والمدح يعني به بيض النعام لأنها لا تبيض الا واحدة، فيكون نسيج وحده ولا نظير له، وقيل للعالم بالبلد هو بيضة البلد، وقيل: يراد بها المدح في بيضة الحديد. المعنى: يذكر ضعفه على الانتصار بموت من كان يعتز بهم، يريد لو كان قومي أحياء لم تجسر على ما أقدمت عليه.

لو كان يشكى الى الأموات ما لقي الـ ... أحياء بعدهم من شدة الكمد ثم اشتكيت لأشكاني وساكنه ... قبر بسنجار أو قبر على قهد أشكاني: أزال شكاتي، ويكون بمعنى أحوجه إلى الشكاية، ولا يرد به ها هنا، وسنجار والقهد موضعان. المعنى: يقول مشتكياً: لو جاز أن يشكى إلى الأموات لاشتكيت، وأشكاني قبر بسنجار أو قبر على قهد يعني ساكنها، يذكر ما كان فيه من العز والمنعة، وفي البيت تقديم المعطوف على المعطوف عليه. (7) وقال رجل من خثعم: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) نهل الزمان وعل غير مصرد ... من آل عتاب وآل الأسود من كل فياض اليدين إذا غدت ... نكباء تلوي بالكنيف المؤصد فاليوم أضحوا للمنون وسيقة ... من رائح عجل وآخر مغتد نهل الزمان أي روى، وعلّ: شرب مرة بعد أخرى، غير مصرد أي غير مقلل بل أكثر، وهو مثل ضربه، وقوله: تلوى بالكنيف الموصد أي تذهب بها من عصوفها، والكنيف الحظيرة، والموصد المحكم المطبق، وقوله: أضحوا للمنون وسيقة أي صاروا للمنية طريدة، والوسق الطرد نحو طرد اللصوص النعم. المعنى: يصف افناء الزمان قومه، ووصفهم بفرط السخاء في صميم الشتاء وشدة الرياح، وهو الوقت الذي تشتد فيه الحاجة وتقل الميرة، وذكر تتابع بعضهم بعضاً هلكة وموتاً. خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد

روي أن هذا الشاعر كان يتمثل قبل إفضاء سيادة قومه إليه. لو كنت أصعد في المكارم والعلا ... مثل انحطاطي كنت سيد خثعم فلما ساد قومه جعل يقول: خلت البلاد ..... البيت. المعنى: سدت قومي لما ذهب الكرام، ومن الشقاء سيادتي لأنها لم تنلني إلا بموت أعزتي. (8) وقال محمد بن يسير قال الفراء فعيل من اليسر وهو مصروف في المعرفة

والنكرة. (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) نعم الفتى فجعت به إخوانه ... يوم البقيع حزادث الأيام سهل الفناء إذا حللت ببابه ... طلق اليدين مؤدب الخدام وإذا رأيت شقيقه وصديقه ... لم تدر أيهما ذوو الأرحام البقيع ها هنا اسم مقبرة المدينة، سهل الفناء أي لا يردك حاجبه، ولا ينبحك كلبه، طلق اليدين أي يطلقهما بالعطاء، مؤدب الخدام قد علموا أدب الخدمة للزوار. المعنى، يرثيه ويثني عليه بفرط محبته للزوار، فوصفه بسهولة الفناء وتأديب الخدم على خدمة العفاة، ومبالغته في إكرام الضيف حتى لا يميز من ذوي نسبه. (9) وقال أيضاً: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) طلبت فلم أدرك بوجهي وليتني ... قعدت فلم أبغ الندى بعد سائب ولو لجأ العافي إلى رحل سائب ... ثوى غير قال أو غدا غير خائب أقول وما يدري أناس غدوا به ... إلى اللحد ماذا أدرجوا في السبائب وكل أمريء يوماً سيركب كارهاً ... على النعش أعناق العدى والأقارب طلبت بوجهي يعني بذلت وجهي للسؤال وأخلقته فلم أدر شيئاً، ولم أبغ الندى لم أطلبه، والسبائب: ثياب الكتان، والعدى الغرباء، والنعش أراد به الجنازة. المعنى: يندم على طلبه الندى بعد موت السائب، لأنه أخلق وجهه ولم ينل طلبه، لأن الجود عدم مع السائب، ثم أثنى على السائب باكرام القصاد وتحقيق الآمال، وبين أن الموت لا بد منه، وكل امرئ يعلو الجنازة يوماً.

(10) وقال دريد بن الصمة، دريد تصغير أدرد مرخما، والأدرد الذاهب الأسنان، والصمة الشجاع من التصميم لأنه يصمم في الحرب على قتل عدوه، والصمة الشجاع من التصميم لأنه يصمم في الحرب على قتل عدوه، والصمة هذا معاوية بن الحارث: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) نصحت لعارض وأصحاب عارض ... ورهط بني السوداء والقوم شهدي فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ... غوايتهم وأنى بهم غير مهتد أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد وهل أنا إلا من غزية ان غوت ... غويت وان ترشد غزية أرشد عارض أخو دريد يقال: كان لأخيه ثلاثة أسماء عبد الله وعارض وخالد، ودريد يرثي أخاه في هذه القصيدة، وذكر أنه نصحه وأصحابه فلم يقبلوا فقتل، والمدجج_ بكسر الجيم وفتحها_ هو التام السلاح من الدجة وهي شدة الظلمة، لأن الظلمة تستر كل شيء، والفارسي درع منسوب إليه، وذلك أن عبد الله أخا دريد أسود إخوته، غزا ببني جشم وبني نصر ابني معاوية بن بكر بن هوازن قبيلة غطفان وغنم مالاً عظيماً، ونزل بمنعرج اللوى فمنعه دريد من اللبث، وقال: إن غطفان ليست بغافلة عنا، فحلف أنه لا يريم حتى يقسم فلحقت بهم عبس وفزارة وأشجع

وجاءوا وأوقعوا بعبد الله وأصحابه فقتل عبد الله وجعل دريد يذب عنه وهو جريح وهو قوله: فجئت إليه والرماح يشقنه" وقوله: والقوم شهدي أي شهودي على نصحي لهم، ورهط بني السوداء يعني أصحاب عبد الله، وقوله: "فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج" أي أيقنوا، هذا قول أبي عبيدة، وقال غيره: ما ظنكم بألفي مدجج، غزية رهط دريد، وغزية بن جشم. المعنى: يذكر بذل نصحه لأصحابه وردهم إياه، وصليهم بحر جنايتهم على أنفسهم إذ لم يمكنه مفارقتهم. تنادوا فقالوا أردت الخيل فارساً ... فقلت أعبد الله ذلكم الردى فجئت إليه والرماح يشقنه ... كوقع الصياصي في النسيج الممدد وكنت كذات البو ريعت فأقبلت ... إلى جلد من مسك سقب مقدد فطاعنت عنه الخيل حتى تبددت ... وحتى علاني حالك اللون أسود قتال امرئ آسى أخاه بنفسه ... ويعلم أن المرء غير مخلد ويورى "تنوشه" وأردت قتلت، وتنوشه تتناوله، ويشقنه يقطعنه، والصياصي ها هنا قرون الظباء، والنسيج: الثوب ينسج، والممدد يمده النساج

شيئاً بعد شيء، عند النسج، والبو الحوار يحشي جلده فترأمه أمه وتدر عليه، والسقب الذكر من ولد الناقة، يقول: لم أقدر على تخليص أخي كأن مثلي كناقة أكلت السباع ولدها ففزعت لذلك، وأقبلت إلى جلد من ولدها مقدد أي مقطع، وقوله: "حتى علاني حالك اللون" يعني دما قد جفّ عليه، وأسود يروي بالرفع على الإقواء وهو الجيد، ويروي بعضهم بكسر الدال على الجوار وهو وجه، ولو قال أسودي بالياء كان حسناً كأنه أراد اسودي ثم خفف الإضافة. المعنى: لما سمعتهم قالوا قتل فارس فقلت أعبد الله ذلك المقتول؟ ! لعلمي بإقدامه في الحروب، فجئته والرماح تنوشه تخرقة، فلم أقدر الدفاع عنه فكام مثلي معه كمثل ناقة مع بوها، فطاعنت أكشف عنه الخيل فعل من ساعد أخاه بنفسه ويعلم أنه غير باق، ولا يدخر ممكناً حتى انكشف عنه القوم وحتى جرحت، يصف بذله الممكن من نفسه. فان يك عبد الله خلى مكانه ... فما كان وقافاً ولا طائش اليد ولا برما اذا الرياح تناوحت ... برطب العضاة والهشيم المعضد كميش الإزار خارج نصف ساقه ... بعيد عن الآفات طلاع أنجد قليل التشكي للمصيبات حافظ ... من اليوم أعقاب الأحاديث في غد تراه خميص البطن والزاد حاضر ... عتيد ويغدو في القميص المقدد وان مسه الأفواه والجهد زاده ... سماحاً وإتلافا لما كان في اليد صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد وطيب نفسي أنني أم أقل له ... كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي وهون وجدي أنما هو فارط ... أمامي وأني هامة اليوم أو غد خلى مكانه: فارقه، ووقافاً يعني هراباً، إذا رأى العدو جبن منه، طائش اليد أي مرتعشها كما ترعد يد الجبان، والبرم البخيل الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، وإذا الرياح تناوحت أي تقابلت، والعضة ضرب من الشجر، والهشيم ما

تكسر منه، والمعضد المقطع، كميش الإزار أي مشمر الإزار قد شمر عن ساقة حتى ظهر نصفها، وهذا مثل أراد به أنه مجد في الأمر مشمر غير بطيء عنه، طلاع أنجد جمع نجد وهو المكان المرتفع يريد أن من عادته اطلاع النجاد، يفتخر بذلك، وعتيد معه، وان مسه الإقواء يعني ذهاب الزاد، المعنى يقول: إن هلك عبد الله فما كان في حياته جباناً ولا بخيلاً، ثم وصفه بالجد والشهرة في المعالي، والصبر عند المصيبات والحزم في الأمور، والإيثار بالزاد، والبذل على حال، واجتناب الباطل عند الشيب بعد ركوب الصبا، ثم تعزى عنه بحسن وفاقه وتسلى بأنه يتبعه فيجمع به الموت معه، وفي بعض النسخ: وتخرج منه ضرة القوم مصدقاً ... وطول السرى ذري عضبٍ مجرد لم يشتمل عليه اختيار أبي تمام ولكن فسرناه لحسنة ولم نلقه، والضرة ها هنا الضرر، والمصدق الحدة والجد، وذري السيف تلألؤه، يقول: اذا طال الشر ولحق القوم ضرر أظهر ذلك جداً في أمره وتلألؤاً في وجهه. (11) وقال أيضاً: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) تقول ألا تبكي أخاك وقد أرى ... مكان البكا لكن بنيت على الصبر فقلت أعبد الله أبكي أم الذي ... له الجدث الأعلى قتيل أبي بكر وعبد يغوث تحجل الطير حوله ... وعز المصاب حثو قبرٍ على قبر

أبى القتل إلا آل صمة أنهم ... أبوا غيره والقدر يجري الى القدر تحجل الطير حوله أي قتل فلم يدفن حتى أكله الطير، والحجلان نحو مشي الغراب. وعز المصاب حثو قبر على قبر أي غلب، ويروى ((عزى)) بالياء على معني نظرت الى القبور فتسليت وعملت أن الموت مشترك، وقوله: أبي القتل الا آل صمة يعني أباه وعمه، وكان يقال لهما: الصمتان، والقدر يجري على القدر يحتمل معنيين: أحدهما التقدير يجري إلى المقدر له، والثاني يكون كلاهما بمعنى المصدر أي التقدير يجري إلى التقدير، وتجتمع المصيبة إلى المصيبة، والحثو التراب المجمع ألا تبكي أخاك قد أري موضع الضجر ولكنى صبور، ومن أبكي؟ من كثرة القتل، يتألم من كثرة المصائب بقتلاه، واجتماع القبور من أعزاءه. فإما ترينا لا تزال دماؤنا لدى واتر يسعى بها آخر الدهر فانا للحم السيف غير نكيرة ونلحمه حيناً وليس بذي نكر يغار علينا واترين فيشقي بنا إن أصبنا أو نغير علي وتر قسمنا بذاك الدهر شطرين بيننا فما ينقضي إلا ونحن علي شطر لدي واتر أي رجل قد وترنا وقتل منا، فنحن نطلبه بثأرنا، وقوله يغار علينا واترين أي يغار علينا عقيب قتل ونهب أو نغير علي وتر أي طالبين لوتر، فنصب منهم قسمين. المعني: يتسلى ويقول: إن كثر القتل فينا أكثرناه في غيرنا، والدهر مقسوم بيننا نصفين يوم لنا ويوم علينا. (12) وقال الشنفري وهو ابن أخت تأبط شراً،

وقال المبرد انها لخلف الأحمر، ألا أنها تنسب إلي تأبط شرًا. قال ابن الأعرابي: الشنفري: الجمل الضخم، وهو من الناس العظيم الخلق الكثير الشعر: (الأول من المديد والقافية من المتواتر) إن بالشعب الذي دون سلع لقتيلاً دمه ما يطل خلف العبء علي وولي أنا بالعبء له مستقل وراء الثأر مني ابن أخت ... مصع عقدته ما تحل مطرق يرشح موتاً كما أطر رق أفعى ينفث السم صل الشعب: طريق بين جبلين، وسلع هاهنا موضع بعينه، ويروي خلف وقذف العبء علي" يعني الثقل يريد ثقل الثأر وطلبه، يعني لما قتل لزمني طلب ثأره، وقوله: "ووراء الثأر مني ابن أخت" يعني نفسه لأن خاله قتل فقام بطلب ثأره، ومصع أي شديد القتال، ينفث بالياء أفعى بمنزلة أرنب يصلح للذكر والأنثى، والأفعوان للذكر خاصة، والصل الحية التي لا ينفع مها الرقي. المعنى: يصف

أن خاله ولزمه طلب ثأره، وأنه وفي بذلك لشجاعته وذهابه كأنه حية ينفع معها الرقي. خبر ما نابنا مصمئل جل حتى دق فيه الأجل ويروي "خبر ما جاءنا" أي خبر نابنا، وما زائدة، وأكثر ما تستعمل ناب في الشدائد، ومصمئل: عظيم جليل، والمصمئل الداهية. المعني يصف هول الخبر بفقده حتى أربي علي كل هائل. بزني الدهر وكان غشومًا بأبي جاره ما يذل شامس في القر حتى إذا ما ذكت الشعري فبرد وظل يابس الجنين من غير بؤس وندي الكفين شهم مدل ظاعن بالحزم حتى إذا ما حل حل الحزم حيث يحل وله طعمان أري وشري وكلا الطعمين قد ذاق كل مسبل في الحي أحوي رفل وإذا يغزو فسمع أزل غيث مزن غامر حين يجدي وإذا يسطو فليث أبل يركب الهول وحيداً ولا يصـ حيه إلا ليماني الأفل بزني الدهر أي سنبلي، وشامس في القر هو ذو شمس في البرد، أي مرارة وحلاوة، والأري العسل والشرى الحنظل، أي كل الناس ذاق طعمه في حال الرضا والغضب، والأجود أنه لأصحابه كالعسل وعاي أعدائه كالحنظل، مسبل يرخي ازاره تجبراً، رفل متبختر يجر ثيابه، أحوي يريد أسمر هاهنا، السمع ولد الذئب، والأزل الخفيف العجز، سحاب غامر كثير الماء، يعلو كل شيء، والسيف الأفل الذي به فلول، وليس ذلك

بعيب. المعنى: يصف اخترام الدهر خاله، وسيصفه بصفات محمودة، وموافقته لأصحابه في جميع أوقاته مؤثراً لهم بالزاد علي نفسه، وسيصفه بصفات محمودة، وموافقته لأصحابه في جميع أوقاته مؤثرًا لهم بالزاد علي نفسه، ووصفه بالصفاء والكرم واللين مع أصحابه والشدة علي أعدائه، وانه كان يتبختر في الحي فإذا غزا خف كالسمع، ووصفه بكثرة النفع وشبهه بالغيث أذا أعطي وبالليث إذا غزا خف كالسمع، ووصفه بكثرة النفع وشبهه بالغيث إذا أعطي وبالليث إذا غزا، ثم وصفه بالشجاعة وركوب الهول من غير معين إلا السيف اليماني. فلئن فلت هذيل شباه فبما كان هذيلًا يفل وبم أبركها في مناخ جعجع ينقب فيه الأظل فلت كسرت، وشباه حده، وأبركها أنزلهم، ويروي "أبركهم" وهو بمعني صرعهم أيضاً، جعجع مبرك خشن، والأظل أسفل الرجل، وكذلك باطن خف البعير، والنقب أن ينسحق باطن البعير، المعني يتعزى ويقول؛ أن فلت هذيل حده، يعني قتلوه فانه يقتلهم ويصرعهم في مبارك صعبة وخشنة. صليت مني هذيل بخرق لا يمل الشر حتى يملوا يورد الألة حتى إذا ما نهلت كان لها منه عل ويروي "ينهل الصعدة" أي يرويها دمًا ويكثر بها، والألة الحربة، وصليت كقولك بليت، وأصله التأذي بحر الشيء، والخرق الكريم يتخرق في السخاء، وقوله لا يمل الشر حتى يملوا معناه وان ملوا، يهدد هذيلاً ويصف نفسه بالصبر علي الشر، وانه معاود للطعن والقتل. تضحك الضبع لقتلي هذيل وتري الذئب لها يستهل وعتاق الطير تهفو بطانًا تتخطاهم فما تستقل تضحك الضبع أي تفرح لقتلي هذيل، لأنها تأكل الجيف، فعبر عن السرور بالضحك، ويستهل الذئب أي يعوي فرحاً بها، وعتاق الخيل الجوارح. المعنى:

يكثر القتل من هذيل حتى يفرح الضبع والذئب لكثرتها وإجماع أكلها، وتستكثر جوارح الطير منها حتى لا تقوي علي الطيران. وفتوا هجروا ثم أسروا ليلهم حتى إذا إنجاب حلوا فاحتسوا أنفاس نوم فلما ثملوا رعتهم فاشمعلوا كل ماض قد تردي بماض كسنا البرق إذا ما يسل فتو يعني فتي نادراً، هجروا: خرجوا وقت الهاجرة، ثم أسروا أي ساروا ليلاً، إنجاب انكشف، فاحتسوا أنفاس نوم أي ناموا قليلاً، ثملوا كأن النوم أسكرهم، اشمعلوا أي خفوا ومضوا، كل ماض أي كل ماض من الرجال قد تردي بماض من السيوف، وكسنا البرق أي ضياء البرق. المعني: يصف أصحابه بالمضاء والجرأة والخفة. فأدركنا الثأر منهم ولما ينج من لحيان إلا لأقل مطلع الشمس فلما استحرت أدبروا من فورهم فأجفألوا فأسقنيها يا سواد بن عمرو أن جسمي بعد خالي لخل حلت الخمر وكانت حرامًا وبلاي ما ألمت تحل فأدركنا بمعني أدركنا، ولما ينج أي لم ينج، ولحيان حي من هذيل، اجفألوا أسرعوا، فلما استحرت اشتدت، واللأي البطؤ، أي بعد بطء وما زائدة، خل أي هزيل مختل لشدة مقاساته في طلب الثأر حتى أدركه. المعني: يدل علي أنه أدرك ثأر خاله وطلب الخمر لشربها يقول: قد أدركت ثأري نحلت الخمر بعد أن كنت حرمتها علي نفسي وكان ذلك عادة للعرب يتركون الملاذ حتى يدركوا الثأر.

(13) وقال سويد المراثي الحارثي، سويد تصغير أسود مرخماً: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لعمري لقد نادي بأرفع صوته نعي سويد أن فارسكم هوي أجل صادقًا والقائل الفاعل الذي إذا قال قولاً أنبط الماء في الثري فتي قبل لم تعبس السن وجهه سوي خلسة في الرأس كالبرق في الدجى هوي أي مات، وأجل صادقاً أي أخبرت صادقاً، وأنبط الماء في الثري أي بلغ الغاية فيه، وغاية الحفر أنبط الماء في الثري أي بلغ الغاية فيه، وغاية الحفر أنباط الماء، وأنبط الماء إذا خرج، ويروي "فتي قبلة" وقبل استئناف الكلام أي هو قبل أي مقتبل الشباب، ويكون المقبول والخلسة اليسير من البياض، المعني: سويد هذا يرثي نفسه وكانوا يفعلون ذلك ويثني عليها بالصدق والوفاء والإصابة في الأمور، وذكر اكتهال لأن كمال الرجل يقع عند ذلك، ويروي "تعنس السن" بالنون.

أشارت له الحرب العوان فجاءها يقعقع بالأقراب أول من أتي ولم يجنها لكن جناها وليه ... فآسي وآداه فكان كمن جني الأقرب الخواصر واحدها قرب، يريد أنه تقلد سيفه وتنكب قوسه وكنانته، وسبق الناس ألي الحرب، وموقع هذه الآلات كلها علي الخاصرة اليسرى. المعني: ظهرت له الحرب فبادر إليها كامل السلاح متقدماً أصحابه، ولم تكن الحرب من جنايته ولكن من جناية من يقرب منه فساعده وأعانه فكان كالجاني. (14) وقال رجل من بني نصر بن قعين قعين تصغير أقعن وهو القصير الأنف الفاحش القصيؤ: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) أبلغ قبائل جعفر إن جئتها ما أن أحاول جعفر بن كلاب أن الهوادة والمودة بيننا ... خلق كسحق اليمنة المنجاب

أذؤاب إني لم أهنك ولم أقم للبيع عند تحضر الأجلاب أن يقتلوك فقد ثلث عروشهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب بأشدهم كلباً علي أعدائهم وأعزهم فقداً علي الأصحاب وعمادهم في كل يوم كريهة وثمال كل معصب قرضاب قبائل جعفر يعني بن ثعلبة بن يربوع رهط عتيبة، والهوادة اللين والرفق، والمنجاب المنشق، واليمنة نوع من برود اليمن، ولم أهنك لم أقصر في حمل فدائك، ثللث عروشهم أي هدمت عزهم، والكلب الشدة، والمعصب الفقير الذي يشد الحجر علي بطنه من الجوع، وقرضاب أي فقير. المعني: يوعد رهط عتيبة بجيش يجرهم إليه كما وصف، ثم صرف الخطاب إلي أبنه، وعنده أنه قتل يقول، لم أوخر الفداء استهانة بك أو سماحة ثم تعزي فقال: إن قتلوك فقد فجعتهم بسيدهم.

(15) وقال حريث بن زيد الخيل الطائي، مخضرم: (الأول من الطويل والقافية متواترة) ألا بكر الناعي بأوس بن خالد أخي الشتوة الغبراء والزمن المحل فإن تقتلوا بالغدر أوساً فإنني تركت أبا سفيان ملتزم الرحل فلا تجزعي يا أم أوس فإنه تصيب المنايا كل حاف وذي نعل قتلنا بقتلانا من القوم عصبة كراماً ولم نأكل بهم حشف النخل كان عمر بن الخطاب وضع بعثاً مصدقاً إلي طئ، وكان يكني أبا سفيان فأخذ ابن عم لزيد الخيل وضربه فمات من ضربه، فصاحت بنته، فسمع حريث صياحها، فخرج وقتل أبا سفيان وخمسة معه ثم هرب، وقال هذه الأبيات، الشتوة الغبراء التي يقل فيها الأنداء، ملتزم الرحل أي لا يبرح مكانه، ورحله مكانه الذي كان فيه، ويجوز أن يكون أدركته راكباً فطعنته فالتزم رحله ومات عليه، ويروي "ملتزم رحلي" أي أسرته وشددته علي رحلي ثم قتله، وقوله: "لم نأكل بهم حشف النخل" أي لم نأخذ التمر ديه عنهم. المعني: يذكر إدراكه ثأر أوس، ويعزي أمه بأن الموت يصيب كل واحد، وأنه قتل بابنها عدة، ولم يأخذ به دية.

ولولا الأسي ما عشت في الناس بعده ولكن إذا ما شئت أسعدني مثلي ويروي "إذا ما شئت جاوبني مثلي" والأسى جمع الأسوة. المعني يقول: اشتراكنا في المصائب يخفف عنا، ولو كنت مخصوصاً بفقد الأعزة لمت غصا. (16) وقال أبو الحبال البراء بن ربعي الفقعسي، البراء آخر ليلة من الشهر، البراء آخر ليلة من الشهر، وكنيته أبو حبال جمع حبل: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرج الحياة أو من الموت أجزع ثمانية كانوا ذؤابة قومهم بهم كنت أعطي ما أشاء وأمنع أولئك إخوان الصفا، رزئتهم وما الكف إلا أصبع ثم أصبع بنو أمه إخوته، تتابعوا: هلك بعضهم اثر بعض، ذؤابه قومهم أي سادتهم، وما الكف بالأصابع تبطش، فإذا ذهبت الأصابع بطل الكف، أي ذللت بعد موتهم. المعني: يرثي إخوته ويصف أنهم كانوا سادة، وكان يعتز بهم وضعف بعدهم، ويروي "من أشاء". لعمرك إني بالخليل الذي له علي دلال واجب لمفجع وإني بالمولي الذي ليس نافعي ولا ضائري فقدانه لممتع

له علي دلال واجب أي واجب علي احتمال دلالة، أو واجب له أن يدل، فالمولي هاهنا ابن العم، وضائري أي ضاري، الممتع أي أبقي له لأستمتع بحياته. المعني يشكو الدهر يقول: مات الذي كنت أعز به، وبقي من حياته وموته سواء. (17) وقال مطيع بن اياس في يحيي بن زياد: (الأول من المنسرح والقافية من المتراكب) يا أهل بكوا القلبي القرح وللدموع السواكب السفح قد ظفر الحزن بالسرور وقد أديل مكروهنا من الفرح راحوا بيحيي ولو تطاوعني الـ أقدار لم تبتكر ولم ترح يا خير من يحسن البكاء له الـ يوم ومن كان أمس للمدح المعني: يستبكي أهله لما نال قلبه يقول: لو قدرت علي رد المقادير لفعلت ولكن لا سبيل إليها، ثم ذكر صاحبة باستحقاقه المدح، والمدح جمعه مدحه في حال حياته والبكاء له ميتاً.

(18) وقال أيضاً: (السادس من البسيط والقافية من المتواتر) قلت لحنانه دلوح تسح من وابل سحوح أمي الضريح الذي أسمي ثم استهلي علي الضريح ليس من العدل أن تشحي علي فتيا ليس بالشحيح حنانة لها حنين أي صوت، والدلوح الثقيلة، والسحابة تدحل من كثرة مائها، والسحوح: الصبوب، وأمي أي أقصدي، والاستهلال: وقع المطر بصوت يسمع. المعني: يستسقي لقبر علي رسم العرب وينفي البخل عنه. (19) وقال الأشجع السلمي، الأشجع الطويل، وامرأة شجعاء طويلة، والأشجع واحد الأشاجع وهي عصبة الكف. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) مضي ابن سعيد حين لم يبق مشرق ولا مغرب إلا له فيه مادح وما كنت أدري ما فواضل كفه علي الناس حتى غيبته الصفائح فأصبح في لحد من الأرض ميتاً وكانت به حياً تضيق الصحاصح

الصفائح: الحجارة المعرضة واحدتها صفيحة، والصحاصح المواضع المستوية من الأرض كالصحاري. المعني: يرثيه ويذكر كثرة معروفه في الناس وعظم المستوية من الأرض كالصحاري. المعني: يرثيه ويذكر كثرة معروفة في الناس وعظم شأنه وبعد همته حي. سأبكيك ما فاضت دموعي فأن تغض فحسبك مني ما تجن الجوانح كأن لم يمت حي سواك ولم تقم علي أحد إلا وعليك النوائح فما أنا من رزء وإن جل جازع ولا بسرور بعد موتك فارح لئن حسنت فيك المراثي وذكرها لقد حسنت من قبل فيك المدائح فإن تغض من غاض الماء إذا نقص. المعني: يصف عظم المصيبة بفقده ويقول: أبكيك ما سألت دموعي فأن فني الدمع فالجزع لا يفني، وجعل المصيبة به موفية علي جميع المصائب بقوله كأن لم يمت حي سواك، وجعله مستحقاً للمراثي، كما كان مستوجباً للمدائح حياً. (20) وقال يحيي بن زياد الحارثي: (الثاني من الطويل والقفية متدارك) نعي ناعيا عمر بليل فأسمعا فراعا فؤاداً لا يزال مروعا وما دنس الثوب الذي زودكه وان خانه ريب البلى فتقطعا عذيري من دهر كأني وترته رهين بحبل الود إن يتقطعا راعا: فزعا، وما دنس الثوب أراد به الكفن، وعذري من دهر أي منن يعذرني من دهر. المعني: يشكو توالي المصائب عليه وينسب ذلك إلي الدهر، ويصف طيب أصل المرثي وطهارة خلقه يقول: لم يدنس كفنك لطهارتك.

دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا أي دفعنا عن أنفسنا بعزك شرور الأيام حتى جاءت تريدك. المعني: يقول: ما دمت سالماً فينا كفينا نوائب الزمان، فلما قصدتك عجزنا عنها لأنا كنا ندفع بك. فطاب ثري أفضي إليك وإنما يطيب إذا كان الثري لك مضجعا يقال في المثل: " دمث لنفسك قبل اليوم مضطجعاً"، المعني: يصف طيب عرضه وهو مثل. مضي فمضت عني به كل لذة تقر بها عيناي فانقطعا معا مضي صاحبي واستقبل الدهر مصرعي ولا بد أن ألقي حمامي فأصرعا استقبل الدهر مصرعي أي ابتدأ في أن يصرعني. المعني: يصف تنغص الحياة عليه وانقطاع اللذات عنه بموت عمرو، وأنه لا بد يتبعه. (21) وقال ابن المقفع يرثي يحي بن زياد.

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) رزئنا أبا عمرو ولا حي مثله فلله ريب الحادثات بمن وقع فإن تك قد فارقتنا وتركتنا ذوي خلة ما في انسداد لها طمع فقد جر نفعاً فقدنا لك أننا أمنا علي كل الرزايا من الجزع بمن وقع التذكير علي المعني لا علي اللفظ وهو الحدثان وكل شيء له اسمان مذكر ومؤنث، فإن شئت ذكرت المؤنث وذكرت فعله أو أنثت فعله، وقوله فقد جر نفعاً أي جلب. المعني: يستعظم وفاة أ [ي عمرو ويقول: إن ضرتنا بفقدك فقد نفعتنا بأننا قد أمنا الجزع علي هالك بعدك. (22) وقل بعض بني أسد: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) بكي علي قتلي العدان فإنهم طالت إقامتهم ببطن برام كانوا علي الأعداء نار محرق ولقومهم حرماً من الأحرام لا تهلكي جزعاً فأني واثق برماحنا وعواقب الأيام

العدان من بني أسد من بني نصر بن قعين، وبرام بلاد لبني عامر، ونار محرق بعني عمرو بن هند أحرق بني تميم فسمي محرقاً، وحرماً أي موضع أمن. المعني: يستبكي علي قتلي قومه، ووصفهم بالشدة علي أعدائهم، والسلامة لقومهم، ثم عزي الباكية وأطعمها في إدراك الثأر والانتقام. (23) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) نعي لي أبو المقدام فاسود منظري من الأرض واستكت علي المسامع وأقبل ماء العين من كل زفرة إذا وردت لم تستطعها الأضالع استكت مسامعه إذا سمع داهية، من كل زفرة أي مع كل زفرة أو عندها، والزفرة الصوت، والأضالع جمع الأضلاع، المعني: يقول: لما أخبرت بموت أبي المقدام ذهب بصري وسمعي، وفاضت مدامعي، وعجزت عن احتمال الوجد بهه أضالعي. (24) وقال آخر: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) قد كان قبلك أقوام فجعت بهم خلي لنا هلكهم سمعا وأبصاراً أنت الذي لم يدع سمعاً ولا بصراً إلا شفاً فأمر العيش إمرارا وحد السمع وجمع البصر لأن السمع مصدر لا يجمع، أمر العيش: صار مراً. المعني: يصف انفاء المصيبة به كل مصيبة تقدمتها.

(25) وقال الشمردل بن شريك، قال البرقي: الشعر لحريث بن زيد الخيل: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) بنفسي خليلاي اللذان تبرضا دموعي حتى أسرع الحزن في عقلي ولولا الأسى ما عشت في الناس ساعة ولكن إذا ما شئت جاوبني مثلي تبرضا أي استقصيا سكب دموعي شيئًا بعد شيء، وقيل: إن البيت الثاني هو للحريث بن زيد الخيل. (26) وقال نهشل بن حري، نهشل ذئب، وحري منسوب إلى الحرة أو الحر،

والحرة أرض ذات حجارة سود: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أغر كمصباح الدجنة يتقي قذى الزاد حتى تُستفاد أطايبه روى الديمرتي "قذى" بالذال معجمة قال: هو أن يكون سرقة أو كسب سوء وإنما هو "قدى" بالدال وهو رائحة الطعام، ويحتمل بالذال على غير الوجه الذي ذكره الديمرتي، وهو أن يتقي قذى الطعام أن يقدمه للأضياف. المعنى: يصفه بحسن الوجه وكرم الطبع يقول: تجنب رائحة الطعام حتى يصيب أضيافه أطايبه أي لا يأكل الطعام حتى يستفيده أصحابه. وهون وجدي عن خليلي أنني إذا شئت لاقيت أمرأً مات صابحه أخ ماجد لم يخذني يوم مشهد كما سيف عمرو لم تخنه ضاربه لم يُخدني لم يخجلني وأصله الاستحياء، وقد يجوز من الخزي وهو الهوان، ويوم مشهد أي يوم اجتماع الناس، وسيف عمرو وهو الصمصامة، وخيانة السيف النبوة عند الضربة، وكان سيف عمرو ولم ينب فاستوهبه عمر بن الخطاب فوهبه له فقيل لعمرانه غير الصمصامة فذكر عمر له ذلك فغضب وقال: هاته فأخذه ودخل إلى ابل الصدقة فضرب عنق بعير بضربة واحدة فأبانها فقال: إنما وهبت لك السيف لا الساعد. المعنى: يقول: تعزيت بكثرة ما أرى من المصائب، ثم أثني على ميته بالمساعدة له. (27) وقال الأسود بن زمعة بن الأسود يرثي ابنه زمعة بن الأسود، وقتل يوم بدر

مع قريش مشركًا، وكانت قريش نهت نساءهم وشعراءهم عن البكاء على قتلاهم حتى يتأثروا، فلم يبك عليهم حتى كان بعد أحد، وكان الأسود قد أصيب بثلاثة بنين زمعة وعقيل والحارث، وأحب أن يبكي عليهم ولم يحب أن يخالف قومه، فسمع يومًا بكاء ناشدة بعيرًا فقال لقائده، وكان قد كف بصره: أنطر ما هذا البكاء لعل قريشًا بكت على قتلاها فأبكى على أبي حكيمة يعني زمعة فقد احترقت كبدي، فقال هذا بكاء امرأة تنشد بعيرًا لها أضلته فأنشأ يقول: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أتبكي أن يضل لها بعير ويمنعها من النوم السهود فلا تبكي على بكر ولكن على بدر تقاصرت الجدود ألا قد ساد بعدهم رجال ولولا يوم بدر لم يسودوا تقاصرت الجدود أي تواضعت الحظوظ. المعنى: يستهين فقد المال، ويستعظم فقد النفوس ويعرض بأبي سفيان بن حرب لأنه رأس قريشًا. (28) وقال أبو تمام: ذكروا أن رجلين من بني أسد خرجا إلى ناحية من نواحي اصبهان فآخيا دهقانًا بها في ناحية يقال لها رواند فمات أحدهما، وغبر الآخر والدهقان ينادمان قبره، يشربان كأسين ويصبان على قبره كأسًا ثم مات الدهقان، فكان الأسدي ينادم قبريهما ويترنم بقوله:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) خليلي هُبا طال ما قد رقدتما أجدكما لا تقضيان كراكما ألم تعلما مالي براوند كلها ولا بخزاق من صديق سواكما أُقيم على قبريكما لست بارحًا طوال الليالي أو يجيب صداكما أصب على قبريكما من مدامة فإن لم تذوقاها أبل ثراكما وأبكيكما حتى الممات وما الذي يرد على ذي عولة أن بكاكما كأنه قال: والله مالي براوند من صديق غيركما، وجاز استعمال العلم مكان القسم، لأن كل واحد منهما مؤكد، ونابت ما مع ما بعدها مناب مفعولي علم، والصدى على زعم العرب طائر يخرج من قبر الميت إذا بليت عظامه، ويقولون: أنها تصير ذلك الطائر، ومنهم من يقول: يخرج من دماغه، والأنثى هامة والجمع هام، وليس لهذا أصل. المعنى يقول: أقيم على قبريكما أبدا أبكيكما حياتي، علمًا بأن البكاء لا يجدي. (29) وقال عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) واني لأرباب القبور لغابط بسكنى سعيد بين أهل المقابر

وإني لمفجوع به اذ تكاثرت عُداتي ولم أهتف سواه بناصر فكنت كمغلوب على نصل سيفه وقد حز فيه نصل حران ثائر أرباب القبور أي سكانها، لغابط أي أتمنى لي ما هم فيه من مجاورة سعيد، حز فيه: اثر فيه يعني في المغلوب، يصف غبطته الموتى لمجاورتهم سعيدًا، ويذكر تحيره ودولته بعده. لقيناه زوارًا فأمجدنا قرى من البث والداء الدخيل المخامر وأُبنا بزرعٍ قد نما في صدورنا من الوجد يُسقى بالدموع البوادر أمجدنا أي أوسعنا، المخامر: المخالط، وأبنا بزرع قد نما في صدورنا: مثل شبه به الحزن الزائد في قلوبهم، والبوادر: السوابق. المعنى: يقول: زرنا قبره فكثر حزننا وازداد وفاض دمعنا وسال، وشبه الحزن الذي تجدد لهم عند الزيارة بالقرى، والوجد الذي تمكن في نفوسهم بالزرع. وأسمعنا بالصمت رجع جوابه فأبلغ به من ناطق لم يحاور ولما حضرنا لاقتسام تراثه أصبنا عظيمات اللهى والمآثر من ناطق لم يحاور يعني من ناطق ساكت لم ينطق بلسانه ووعظ بحاله على سبيل الدلالة، وهذا المعنى قديم، يروى أنه لما مات الاسكندر نظر إليه بعضهم فقال: "كنت تعظنا في حياتك فما رأينا أبلغ موعظة منك اليوم". المعنى: لم يجبنا بقوله، ولكنه وعظ بحاله، ويصفه بالكرم يقول: لم يترك لوارثه مالًا لأنه بذله في حياته فوجدوا مكارمه التي بناها. (30) وقالت امرأة من شيبان:

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) وقالوا ماجدًا منكم قتلنا كذاك الرمح يكلف بالكريم المعنى: تقول: أخبرت بأنه قتل، فقلت: أنه كريم، والكرام أكثرهم يقتلون. بعين أُباغ قاسمنا المنايا فكان قسيمها خير القسيم عين أباغ: موضع كانت فيه موقعة لهم، القسيم: النصيب ها هنا. المعنى تقول: أخذت المنايا بعين أباغ منا بعضنا وتركت بعضًا فكان من أخذت المُخامر تركت لأنها أخذت من كان أكرم وأشد فتكًا وأتم بأسًا. (31) وقال عتي بن مالك، عتي تصغير عات، أو عتوٍ على الترخيم، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) أعداء من لليعملات على الوجى وأضياف ليلٍ بيتوا لنزول أعداء ما للعيش بعدك لذة ولا لخليل بهجة بخليل أعداء ما وجدي عليك بهين ولا الصبر إن أعطيته بجميل عداء اسم من يرثه، وهو فعال من العدو أو العدوان، بجميل عطفًا على هين. المعنى: يقول: من يركب الأهوال بعدك؟ ومن يقري الضيوف إذا طرقوا

ليلًا؟ أي ليس من يفعل هذا بعدك، ثم ذكر تنغص عيشه عليه، وعظم وجده به، واستقباحه الصبر عنه. (32) وقال أيضًا: (الوزن كما سبق) كأني والعداء لم نسر ليلة ولم نزج أنضاءً لهن ذميل ولم نلق رحلينا ببيداء بلقع ولم نرم جوز الليل حيث يميل يقول: كأنا لم نصطحب في المفاوز، أشار هذا الشاعر إلى وصف نفسه بالجرأة ومدحها. (33) وقال أبو الحجناء العبسي، إسلامي، الحجناء: تأنيث أحجن وهو الأعوج، وأحجنت الشيء جررته إلى نفسك كأنك أملته إليك: (الأول من البسيط والقافية من المتدارك) أضحت جياد ابن قعقاع مقسمة في الأقربين بلا من ولا ثمن ورثتهم فتسلوا عنك إذ ورثوا وما ورثتك غير الهم والحزن

جياد جمع جواد، ولا يعلم فعالًا جمع فعال إلا هذا، وقوله: بلا من ولا ثمن لأنه لم يبعها ولا وهبها، منهم. المعنى: يصف انفراده بالحزن واشتغال الورثة بما أصابوه من خير. (34) وقال خلف بن خليفة: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) أعاتب نفسي إن تبسمت خاليًا وقد يضحك الموتور وهو حزين وبالدير أشجاني وكم من شج له دُوين المصلى بالبقيع شجون رُبى حولها أمثالها إن أتيتها قرينك أشجانًا وهن سكون كفى الهجر أنا لم يضح لك أمرنا ولم يأتنا عما لديك يقين الموتور: المنقوص ماله وعشريته، من قوله تعالى {ولَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي لن ينقصكم، ومعنى "قد يضحك" أي يتكلف الضحك من كان طالب وتر وفي قلبه حزن، وأشجاني جمع شجن وليس بفعل ماض. المعنى: هذا الشاعر كان قد تبسم ثم عاتب نفسه ثم عذرها، ثم ذكر موضع قبر صاحبه، وقال أحزاني هناك، أي من أحزان له هناك، ثم وصف القبر فقال: ربي أي تلال يعني القبور

إذا جئتها لا تطعم إلا الغم، ثم قال: كفى الهجر هجر الموت لا هجر البين لأن كل واحد منا لا يعرف خبر صاحبه والمهجور قد يعرف خبر الهاجر. (35) وقال آخر: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) لنعم الفتى أضحى بأكناف حائل غداة الوغى أكل الردينية السمر لعمرى لقد أرديت غير مزلج ولا مغلق باب السماحة بالعذر سأبكيك لا مستبقيًا فيض عبرة ولا طالبًا بالصبر عاقبة الصبر اللام لام القسم، كأنه قال لنعم الفتى هو، وحائل موضع وأكناف قبره نواحيه، والمزلج من الرجال الذي ليس بكامل، عاقبة الصبر التسلي، أي لا أطلب بالصبر السلوة عنك، ويروي "ولا طالبًا بالصبر عاقبة الأجر" أي لا أصبر عنك طلبًا للأجر والثواب، المعنى: يرثيه ويثني عليه بأنه كان كاملًا، لم يعول على المعاذير في معروفه، ثم ذكر ادامته البكاء عليه راغبًا عن الصبر، وما يؤدي إليه من سلوان. (36) وقال عبد الله بن ثعلبة الحنفي، إسلامي كان عابدًا:

(الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) لكل أناس مقبر بفنائهم فهم ينقصون والقبور تزيد وما إن يزال رسم دار قد اخلقت وبيت لميت بالفناء جديد هم جيرة الأحياء أما جوارهم فدان وأما الملتقى فبعيد المعنى: يصف نقصان الأحياء، وزيادة الموتى، وأن المسافة بينهم قريبة، ولكن اللقاء لا سبيل إليه. (37) وقال آخر، ويروي هذان البيان له: (من البسيط والقافية من المتراكب) لا يُبعد الله إخوانًا لنا ذهبوا أفناهم حدثان الدهر والأبد نمدهم كل يوم من بقيتنا ولا يؤوب إلينا منهم أحد المعنى: يدعو لموتاهم، على رسم العرب في قولهم: "لا تبعد" وأضاف فناءهم إلى الدهر، ويروي "سلفوا". (38) وقال الغطمش الضبي، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إلى الله أشكولا إلى الناس أنني أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب

أخلاء لو غير الحمام أصابكم عتبت ولكن ما على الدهر معتب المعنى: فزع بالشكوى إلى الله تعالى، ثم خاطب الموت فقال: لو غير الموت أصابكم لعتبت، ولكنه تقدير الله يلزمنا الانقياد له. (39) وقال أرأطة بن سهية المري، أرطاة جمع أرطى، وسهية تصغير سهوة وهي كالصفة قدام البيت، اسلامي (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) هل أنت ابن ليلى إن نظرتك رائح مع الركب أوغاد غداة غد معي وقفت على قبر ابن ليلى فلم يكن وُقوفي عليه غير مبكى ومجزع عن الدهر فاصفح أنه غير معتب وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع أعتب الرجل إذا أرضى صديقه. المعنى: يقول للمتوفى هل تروح مع الركب أو تغدان انتظرتك، أي لا يكون ذلك فلا يجدي الانتظار، ثم ذكر كثرة بكائه، وأظهر اليأس منه. (40) وقال آخر في أخ له مات بعد أخ:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) كأني وصيفيًا شقيقي لم نقل لموقد نار آخر الليل أوقد فلو أنها إحدى يدي رزئتها ولكن يدي بانت على اثرها يدي فأقسمت لا آسى على أثر هالك قدي الآن من وجد على هالك قدي صيفي أخوه، ويروى بدل شقيقي "خليلي"، وحذف جواب لو، والمعنى لكان الصبر أهون والجزع أخف. المعنى: يذكر تعاونهما على الكرم، وارتفاع مصيبته بأخويه على الصبر، وشبه نفسه بمن أصيب بيديه، وهون على نفسه هلاك الهالكين بعدهما. (41) وقال آخر في ابن له، جاهلي: (الثاني من الوافر والقافية من المتراكب) هوى ابني من عُلا شرف يهول عقابه صعده هوى من رأس مرقبة فزلت رجله ويده فلا أم فتبكيه ولا أخت فتفتقده هوى عن صخرة صلد ففتت تحتها كبدة أُلام على تبكيه وألمسه فلا أجده وكيف يُلام محزون كبير فاته ولده هوى: سقط من على شرف أي من فوق مكان مرتفع، ويروى "يهاب عقابه" أي يفزع عقابه لارتفاعه لافراطه فيه، والمرقبة: المكان المرتفع، وصخرة

صلد أي صلب. يصف هلاك ولده مترديًا من موضع عال، ويعذر نفسه في البكاء لعدم بواكيه، ولأنه كبير لا يرجو خلفه. (42) وقال آخر يرثي امرأته: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) إذا ما دعوت الصبر بعدك والأسى أجاب طوعًا ولم يجب الصبر فإن ينقطع منك الرجاء فإنه سيبقى عليك الحزن ما بقي الدهر المعنى: يصف تعذر الصبر عليه، وانقياد البكاء له، وانقطاع الرجاء منه، واستمرار الحزن به. (43) وقال النابغة الذبياني يرثي أخاه من أمه، وهي عاتكة بنت أنيس الأشجعي، والنابغة الفاعلة من نبغ إذا ظهر، ونبغ الرجل إذا قال الشعر بعدما أسن أو يكو معجمًا ثم يفصح، ونوابغ العرب ثلاثة: ذبياني وجعدي وشيباني، وعاتكة: القوس إذا قدمت واحمرت. (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) لا يهنئ الناس ما يرعون من كلأ وما يسوقون من أهل ومن مال بعد أن عاتكة الثاوي ببلقعة أمسى ببلدة لا عم ولا خال

سهل الخليفة مشاءٍ بأقدحه إلى ذوات الذرى حمال أثقال حسب الخليلين نأي الأرض بينهما هذا عليها وهذا تحتها بالي ويروي "الثاوي على أبوي" وهو اسم موضع قبر أخيه، ويروي "على أمر" وهو موضع ببلاد قضاعة، سهل الخليفة ويروي "ضخم الدسيعة" أي جزل العطاء، مشاء: فعال من المشي أي كثير المشي بالسهام للميسر، وذوات الذرى: الإبل العظام الأسنمة، حمال أثقال أي يتحمل الغرامات عن الناس ويلتزمها في ماله. المعنى: لا يتمتع الناس بمشوايهم وأهلهم بعد موت أخيه في بلاد الغربة، ثم وصفه بسهولة الخلق، ونحر الجزور، وتحمل الديات، على أن الموت غاية البعد. (44) وقال مويلك المزموم يرثي امرأته أم العلاء، إسلام: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) امرر على الجدث الذي حلت به أم العلاء فحيها لو تسمع أني حللت وكنت جد فروقة بلدًا يمر به الشجاع فيفزع فلقد تركت صغيرة مرحومة لم تدر ما جزع عليك فتجزع فقد شمائل من لزامك حلوة فتبيت تُسهر أهلها وتُفجع فإذا سمعت أنينها في ليلها طفقت عليك شؤون عيني تدمع ويروي "تركت صبية" ويروي "من لزامك حرة" ويروي: "جفون عيني". المعنى: يذكر حصولها في موضع الوحشة والفزع، مع جبنها في حياتها، ويدعو لها بالرحمة، ويذكر حال بنتها بعدها وشدة جزعها عليها. (45) وقال حفص بن الأخيف الكناني، وتروى لحسان بن ثابت الأنصاري،

ويقال: إنها لعمرو بن شقيق بن سلامان بن عبد العزيز بن عامر، كان فارسًا شاعرًا، وذكر أبو عبيدة أنها لحفص بن الأخيف، وذكر أن نبيشة بن حبيب السلمي كان قد خرج غازيًا فلقى ظعنًا من كنانة فأراد أن يحتويها فمانعه ربيعة بين مكدم في فوارس فطعن وهو أول من خرج إلى القتال، فلما يئس من نفسه قال للظعن: جزن فإني أحميكن ميتًا كما حميتكن حيًا، فوقف على الرمح متكئًا حتى قطعن العقبة، وكان من رماه أحجم عنه، فلما مضت ساعات وهو بتلك الحال شكوا في موته، فرمى فرسه فقمص تحته وخر ربيعة ميتًا، فلما تبين لهم حاله طلبوا الظعن فلم يلحقوهن، ويقال أن حفصًا مر به وهو ملقى فعرفه، فجمع الحجارة عليه ورثاه، وقيل: أن ربيعة نزف وهو عطشان وطلب الماء من أمه فمنعته وقالت: لن يفوتك الماء فاحكم الظعن أولًا وحفص زبيل من أدم صغير، وقيل: هو من أسماء الأسد، والأخيف الذي إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء، ومن قال أحيف فقد صحف. (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) لا يبعدن ربيعة بن مكدم وسقى الغوادي قبره بذنوب

نفرت قلوصي من حجارة حرة بُنيت على طلق اليدين وهوب لا تنفري يا ناق منه فإنه شريب خمرٍ مسعر لحروب لولا السفار وبُعد خرق مهمه لتركتها تحبو على العرقوب مسعر لحروب أي تهيج به الحروب، والسفار: السفر البعيد ها هنا، قال ابن السكيت: يقول: لا يذهب الله ذكرك، ولا ذكرت إلا بخير ويدعو لقبره بالسقيا، ويذكر أن ناقته نفرت من حجارة قبره، وأنه قال لا تنفري فإنه شراب في الأمن مسعر في الحرب، ثم قال معتذرًا: لولا سفري لعرقبت ناقتي، وفي تأويله ثلاثة أوجه: أحدها أنه يعقرها عقوبة لها لأنها نفرت، وحقه أن يقصده والثاني: أني عقرتها له كما كان ينحر لأضيافه، والثالث لعقرتها ليركبها يوم القيامة، كما كانت تفعل العرب في الجاهلية كانوا يعقلون بعيرًا عند قبر الميت ويغطون رأسه، ولا يعلفونه إلى أن يموت، وكانوا يسمونه "بلية" والأول أجود، لأنه يعقب قوله نفرت ولا تنفري، ولأن البلايا كي يعقلن ولا يعقرن. (46) وقال آخر:

(الثاني من الطويل والقافية متدارك) أجاري ما ازداد إلا صبابة عليك ولا تزداد إلا تنائيا أجاري لو نفس فدت نفس ميت فديتك مسرورًا بنفسي وماليا وقد كنت أرجو أن أملاك حقبة فحال قضاء الله دون رجائيا ألا ليمت من شاء بعدك إنما عليك من الأقدار كان حذاريا المعنى: يصف تزايد شوقه إليه، وتباعد شخصه عنه، وأنه لو قبل الفداء عنه لفداه بنفسه وماله، وأنه كان يرجو العيش معه طويلًا فاخترم دونه، وأنه ما بقي له أحد يفجعه موته بعده. (47) وقالت فاطمة بنت الأحجم بن دندنة الخزاعية، الأحجم: الشديد حمرة العين، وخزاعة فعالة من الانخزاع هو الانقطاع: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) يا عين بكي عند كل صباح جودي بأربعة على الجراح قد كنت لي جبلًا ألوذ بظله فتركتني أمشي بأجرد ضاح قد كنت ذات حمية ما عشت لي أمشي البراز وكنت أنت جناحي فاليوم أخضع للذليل وأتقي منه وأدفع ظالمي بالراح

وأغض من بصري وأعلم أنه قد بان حد فوارسي ورماحي وإذا دعت قمرية شجنًا لها يومًا على فنن دعوت صباحي إنما خص الصباح لأنه كان يغير فيه، فلما رأت أصحابه يغيرون استعبرت، جودي بأربعة تريد جوانب الأربعة الموقين واللحاظين، بأجرد ضاح أي بارزة للشمس بأجرد تريد بمكان لا ستر فيه، والضاحي الظاهر، والبراز: الفضاء من الأرض من دفع بيده فهو ذليل، لم يحصل على دفع، أي لا دفع عندي، لأنه يدفع بالسلاح والرجال، وقيل معناه أتلطف لظالمي وأسأله الكف عني بيدي فعل المستأمن الفتن، ودعوت صباحي أقول واصباحي. المعنى: تستمد البكاء من عينيها وتصف أنها كانت في عزة ومنعه في حياته، ثم ذلت بعد وفاته، واعترفت بالذل لفوت رجالها الذين كانوا سلاحًا. (48) وقالت أيضًا: (من مشطور المديد والقافية من المتراكب) اخوتي لا تبعدوا أبدًا وبلى والله قد بعدوا ويروي "اخوتا" وتريد به اخواتي إلا أن الياء في النداء قد تقلب ألفًا كقولك: يا حسرتا تريد يا حسرتي، ولا تبعدوا أي لا تهلكوا. المعنى: تدعو لأخوتها بالسلامة وهم موتى، ثم اعترفت بأن سلامتهم لا مطمع فيها، وبلى جواب كلام يتضمن معنى النفي. لو تملتهم عشريتهم لاقتناء العز أو ولدوا هان من بعض الرزية أو هان من بعض الذي أجد تملتهم: عاشوا مليًا من الدهر أي طويلًا، المعنى تقول: لو طالت أعمارهم فاعتقدت عشيرتهم عزًا وشرفًا بهم، ولو كان لهم خلف كان بعض الهم بهم أهون.

كل ما حي وإن أمروا واردو الحوض الذي وردوا الحي يحتمل واحد أحياء العرب لأنها قالت أمروا أي كثروا، ويحتمل ضد الميت وقالت أمروا ردًا على معنى كل، وما زائدة في الوجهين جميعًا. المعنى تقول: لابد من الموت وإن كثر العدد. (49) وقالت أم تأبط شرا، وتروى لأخته، ويقال: أنها لأم السليك بن السلكة، وتروي لأم الشنفري: (من مشطور المديد والقافية من المتراكب) طاف يبغي نجوة من هلاك فهلك ليت شعري ظلة أي شيءٍ قتلك أمريض لم تُعد أم عدو ختلك كل شيءٍ قاتل حين تلقى أجلك والمنايا رصد للفتى حيث سلك نجوة تعني نجاة، وقد تريد نجوة من الأرض. المعنى تقول: طلب الخلاص فما تخلص، ثم تمنت أن تعلم جهة منيته، أمات أم قتل، ثم قالت: إذا جاء الأجل شيء يسبب موته، ولا مفر من الموت.

أي شيء حسن لفتى لم يك لك طالما قد نلت في غير كد أملك سأعزي النفس إذ لم تجب من سألك المعنى: أثبتت له جميع المحاسن، وقالت: أعزي نفسي أي أصبرها إذ لا حيلة مع الموت. وهذه الأبيات من المديد المجزوء لا على الأصل ولكن على المسموع، وأقل ما جاء المديد عن العرب ستة أجزاء. (50) وقال العجير السلولي، إسلامي كان في زمن الحجاج: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تركنا أبا الأضياف في ليلة الصبا بمرو ومردى كل خصم يجادله تركنا فتى قد أيقن الجوع أنه إذا ما ثوى في أرحل القوم قاتله

أبو الأضياف: صاحب الأضياف، في ليلة الصبا أي في الشتاء، ومرو موضع، ومردى كل خصم أي يرمي به كل خصم فيغلبه على وجه، وقاتله يعني قاتل الجوع. المعنى: تركنا أبا الأضياف وغلابًا للخصوم، ومطعمًا للأضياف في الليلة القرة مقبورًا بمرو، ويروي "بمر". فتى قد قد السيف لا مُتضائل ولا رهل لباته وبادله قد: قطع، لا متضائل: لا متطامن من الضعف، ويروي "لا متآزق" أي لا قصير متدان، والرهل: المسترخي المضطرب اللحم، ويروي "أبا جله" جمع أبجل، وهو عرق في العضد، وبادله أجود، والبادلة ما بين العنق إلى الترقوة، وجمعه بادل. المعنى يصف استقامة قده وخفة حركته. إذا جد عند الجد أرضاك جده وذو باطل إن شئت ألهاك باطله ألهاك: شغلك. المعنى: يصف سعة خلقه وكمال ظرفه. يُعينك مظلومًا ويُنجيك ظالمًا وكل الذي حملته فهو حامله المعنى يقول: إذا ظلمك غيره انتصف من ظلمه لعزه وقوته، ويروي "يسرك مظلومًا ويرضيك ظالمًا" أي إذا ظلمته احتملك، وإن ظلمت غيره كان معك لأنك من أصحابه، وكانت العرب تتمدح بالظلم لأنهم كانوا يرونه من العزة والقدرة. إذا نزل الأضياف كان عذورًا على الحي حتى تستقل مراجله

العذور: الشرس السيء الخلق، حتى تستقل مراجله أي تنتصب قدوره الكبار. المعنى يقول: إذا نزل به ضيف فارق الحلم واللين حتى تنتصب قدوره أي يستعجل جزر الجزور ونصب القدور. (51) وقال أبو الحجناء، مولى بني أسد، إسلامي: (من الطويل والقافية من المتدارك) اعاذل من يرزأ كحجناء لم يزل كئيبًا ويزهد بعده في العواقب حبيب إلى الفتيان صُحبة مثله إذا شان أصحاب الرحال الحقائب نظام أناس كان يجمع بينهم ويصدع عنهم عاديات النوائب ويزهد بعده في العواقب أي في عواقب أطهار النساء لأنه يعلم أنه لا يولد مثله كما قال: "إن النساء بمثله عقم"، ويحتمل أنه يزهد في طلب العيش بعده، والحقائب: جمع الحقيبة وهي العيبة والخرج، وشين الحقائب أصحابها منع ما فيها عن ذوي الحاجة إليه. المعنى: يخاطب امرأة لامته في الحزن على ابنه ويقول: يالائمتي من يصب بمثل ولدي دام حزنه ولم يطمع في مثله، ثم وصفه ببذل ما كان يملكه إذا بخل غيره، ووصفه بتأليفه الناس على التواد، وتحمله الكلف الشديدة عنهم.

وجربت ما جربت منه فسرني ولا يكشف الأقوام غير التجارب بعيد الرضى لا يبتغي ود مدبر ولا يتصدى للضغين المغاضب بعيد الرضا أي إذا غضب لا يرضى إلا بعد درك مراده لأنه لا يغضب من غير سبب موجب. المعنى: يصفه بعزة النفس وإنه كان إذا غضب بعد رضاه يقول: من أعرض عنه لا يطلب وده، ومن عاداه لا يتعرض لإرضائه، ويروي "ولا يكشف الفتيان". وكنت إذا ما خفت أمرًا جنيته يُخفض جاشي ضبثك المتراغب يخفض جأشي: يسكن قلبي، والضبث: شدة القبض، المتراغب: الكثير من الرغب، ويروي "المتراغب" أي المتدافع، والزغب الدفع كأنه قال قبضك شيئصا، ويروي "صيتك" بالصاد والتاء. المعنى: كنت تكفيني جناياتي أن أواخذ بها بشدة قبضك على من قصدني. (52) وقال تميم بن بدر، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إذا ما امرؤ أثنى بالاء ميت فلا يُبعد الله الوليد بن أدهما فما كان مفراحًا إذا الخير مسه ولا كن منانًا إذا هو أنعما لعمرك ما وارى التراب فعاله ولكنما وارى ثيابًا وأعظما

المفراح: الكثير الفرح، والمنان: الكثير المن، والفعال - بفتح الفاء - الأفعال الحسنة فإذا كسرتها فهو نصاب السكين. المعنى: يقول: إذا ذكر إنسان فواضل ميت فإني أدعو الله للوليد بن أدهم فإنه ما كان يبطر عند الغني، ولا يتبع نعمه المن، وصنائعه مشهورة لا تخفى وأن دفن شخصه. (53) وقال أبو الشغب العبسي في خالد بن عبد الله القسري، وهو أسير في يدي يوسف بن عمر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا أن خير الناس حيًا وميتًا أسير ثقيف عندهم في السلاسل المعنى بفضله على جميع الناس في حالي حياته ومماته. لعمري لقد عمرتم السجن خالدًا وأوطأتموه وطأة المتثاقل لقد كان يبني المكرمات لقومه ويُعطي اللهى في كل حق وباطل عمرتم السجن أي خلدتموه، ويروي "أعمرتم" أي جعلتم السجن له مدى عمره من العمر، وطأة مصدر دل عليه أوطأتموه كقوله تعالى {واللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ

الأَرْضِ نَبَاتًا} أي أنبتكم فنبتهم نباتًا، وكذلك هذا أوطأتموه فوطئ السجن وطأة المتثاقل. المعنى يقول: أسأتم إليه حبسًا، ويذكر بعد صيته وكثرة عرفه. فإن تسجنوا القسري لا تسجنوا اسمه ولا تسجنوا معروفه في القبائل معنى هذا البيت معروف ظاهر، ويريد بالقسري خالد بن عبد الله القسري. (54) وقال مهلهل بن ربيعة، والهلهلة ترقيق الشيء، وقيل: أنه أول من أرق الشعر: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) نُبئت أن النار بعدك أوقدت واستب بعدك يا كليب المجلس وتكلموا في أمر كل عظيمة لو كنت شاهدهم بها لم ينبسوا استب بعدك أي سب بعد موتك بعضهم بعضًا، لم ينبسوا أي لم يتكلموا، ويقال: ما نبس بحرف أي ما نطق. المعنى: كان كليب وائل لا توقد مع ناره للضيفان نار، ولا يستب بحضرته اثنان، ولا يكلم في مجلسه إلا ما يحب، ولا ينزل ضيفًا إلا عليه، فلما قتل أوقدت النار وغيرت تلك الرسوم فوصف مهلهل تغير الأمور عن جهتها التي كانت عليها. (55) وقال آخر:

(الأول من الطويل والقافية من المتواتر) لقد مات بالبيضاء من جانب الحمى فتى كان زينًا للمواكب والشرب تظل بنات العم والخال حوله صوادي لا يروين بالبارد العذب يهلن عليه بالأكف من الثرى وما من قلى يُحثى عليه من التراب البيضاء موضع، وكذلك الحمى ها هنا موضع، لا يروين بالماء البارد لشدة حزنهن. المعنى: يرثيه ويثني عليه، لأنه كان زين الفرسان والندمان، ويذكر شدة جزع بنات عمه وخاله وأنهن يهلن التراب عليه تعللًا لا مقتًا. (56) وقالت جارية توفيت أمها فأضرت بها امرأة أبيها، إسلامية: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ولو يأتي رسولي أم سعد أتى أمي ومن يعنيه حاجي ولكن قد أتي من بين ودي وبين فؤاده غلق الرتاج ومن لم يؤذه ألم برأسي وما الرئمان إلا بالنتاج أم سعد أمها، ومن تعنيه حاجي أي من تهمه حاجتي، وتعني بالبيت الثاني امرأة أبيها، أي قد أتى رسول من لا يصل ودي إلى فؤاده لانغلاق باب مودته علي، ومن لم يؤذه ألم برأسي أي لا يجزع لسقمي، ثم قالت: وما الرئمان إلا بالنتاج أي ليس العطف والمحبة إلا بالمودة، ويقال: رأمت الناقة الفصيل ترأم، ويرى "من بين ودي" بكسر الميم يرجع إلى الأم. والأول يحتمل أن المراد فيه ولكن قد أتى من بين ودي إياها، ومعنى: غلق الرتاج القبر أي قد حيل بين فؤادها وبين مودتي بالموت، وهذا وجه مردود، والوجه هو الأول لقولها: "وما الرئمان إلا بالنتاج" وحكم الولادة بين الرجل وولده، وقيل: إنها تشكو الرسول قلة عنايته بأمرها. المعنى: تتأسف على أمها وتشكو رابتها، وتشير إلى أن قلة عنايتها بأمرها لم تلدها.

(57) وقالت أم الصريح الكندية، إسلامية: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) هوت أمهم ماذا بهم يوم صرعوا بجيشان من أسباب مجد تصرما أبوا أني يفروا والقنا في نحورهم ولم يرتقوا من خشية الموت سُلما ولو أنهم فروا لكانوا أعزة ولكن رأوا صبرًا على الموت أكرما هوت أمهم كقولك: ثكلته أمه، يوم صرعوا أي قتلوا، بجيشان وهو موضع، ولم يرتقوا أي لم يطلبوا نجاة من الموت بارتقاء سلم في السماء وهو مثل أي يفروا، ولو أنهم فروا، ظاهر الكلام يقتضي ذلًا لا عزًا، فالعز لا يكتسب بالفرار ولكنها أرادت به أنهم أسلموا وخذلوا، وكثرتهم الخيل فأحسنوا البلاء فقتلوا، ولو فروا لعذروا وكانوا أعزة لم يلمهم صديق ولم يصبهم عدو لوضوح أمرهم، وأنهم قد عرفوا بالشجاعة قبل. المعنى: تصفهم بالمجد، وتذكر تصرم أسباب المجد بقتلهم، وأنهم ثبتوا في الحرب مع إمكانهم الفرار فأنفوا منه واختاروا الموت عليه. (58) وقال الحسين بن مطير الأسدي:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألموا على معن فقولوا لقبره سقتك الغوادي مربعًا ثم مربعا فيا قبر معن أنت أول حفرة من الأرض خطت للسماحة مضجعًا بلى قد وسعت الجود والجود ميت ولو كان حيًا ضقت حتى تصدعا مربعًا بعد مربع أي مطر ربيع بعد مطر، وسعت الجود يعني معنا، وقال: بلى قد وسعت الجود وسماه الجود لكثرة جوده. المعنى: يرثي معن بن زائدة الشيباني ويستنزل صاحبيه عند قبره ويأمرهما بالاستسقاء له، ويشير إلى أنه لم يمت قبله كريم مثله، ويفخم أمر جوده بما ذكره من مساءلة القبر والجواب عنه. فتى عيش في معروفه بعد موته كما كان بعد السيل مجراه مرتعا مرتعًا أي موضعًا للرتوع، ويروي "ممرعًا" أي مخضبًا. المعنى: يصف كثرة معروفه ويقول: عاش الناس بعد موته ولم يختل أمرهم لأن عطاءه كان جزلًا فكفاهم الحاجة في حياته وبعد وفاته، وشبه ذلك بالسيل يكون مرتعًا بعد انقطاعه، وهو من أحسن التشبيه.

ولما مضى معن مضى الجود فانقضى وأصبح عزنين المكارم أجدعا المعنى: ذهبت بهجة الكرام والمكارم بموته، وصارت كإنسان مقطوع الأنف. (59) وقال آخر: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) ماذا أسال وتيرة بن سماك من دمع باكية عليه وباك ذهب الذي كانت معلقة به حدق العناة وأنفس الهلاك ويروى "أجال" في العين من الجولان، ويروي "أزال" وهو أبلغ، لأن العين تجمد بزوال الدمع، والعناة الأسرى، والهلاك الفقراء جمع هالك. المعنى: يستكثر سيلان الدموع من البكاء عليه، ويصفه بأنه كان يفك الأسرى ويجبر الفقراء. (60) وقال أشجع بن عمرو السلمي يرثي محمد بن منصور بن زياد، محدث، كان في زمن الرشيد: (الثالث من السريع والقافية من المتواتر) أنعى فتى الجود إلى الجود ما مثل من أنعى بموجود أنعى فتى مص الثرى بعده بقية الماء من العود

وانثلم الجود به ثلمة ... جانبها ليس بمسدود مصة الماء من العود لذهاب النضارة والبهجة بموته. المعنى: يرثيه وينفي الشبه عنه في جوده، وذكر ذهاب البشاشة بعده، واختلال الجود بموته. (61) وقال مسلم بن الوليد الأنصاري يرثي امرأته: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) حنين وبأس كيف يتفقان مقيلاهما في القلب مختلفان غدت والثرى أولى بها من وليها إلى منزل ناءٍ لعينك دان فلا وجد حتى تنزف العين ماءها وتعترف الأحشاء للخفقان ويروي يلتقيان ويجتمعان، وإنما قال يجتمعان لأن الحنين إلى من يطمع في لقائه، واليأس عمن لا مطمع فيه، إلى منزل يعني القبر أي بعيد من اللقاء دان للعين تنظر إليه، وتنزف العين ماءها أي تنفذ دمعها، وتعترف الأحشاء للخفقان أي تقر الأحشاء بأنها للخفقان أي تخفق دائبًا، وقيل: تعترف معناها تصطبر من العرف وهو الصبر. المعنى: يتعجب من شوقه إليها مع يأسه منها، واختلاف حالي الحنين واليأس ويستقصر نفسه في البكاء واستشعار الوجد.

(62) وقال مسلم أيضًا في مالك بن علي الخزاعي: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) قبر بحلوان استسر ضريحه خطرًا تقاصر دونه الأخطار نفضت به الأحلاس نفض إقامة واسترجعت نزاعها الأمصار ويروى "بحلوان أسر" الأحلاس جمع حلس وهو كساء تحت البرذعة على ظهر البعير، واسترجعت نزاعها الأمصار: سألت الأمصار من غاب عنها أن يرجع إليها، ويقال: نزعت إلى بلد كذا إذا صرت إليه. المعنى: يذكر أن قدره فوق جميع الأقدار، ويصفه أنه كان آمال المنتجعين، فلما مات تركوا الرحلة وعاد كل منتجع إلى بلده إذا لا مطمع في واحد بعده. فاذهب كما ذهبت غوادى مُزنة أثنى عليها السيل والأوعار سلكت بك العرب السبيل إلى العلا حتى إذا سبق الردى بك حاروا المزنة: السحاب الأبيض، والأوعار: جمع وعر. المعنى: يصف كثرة صنائعه في أهل السهل والجبل، وانتفاعهم بها بعد موته، وشبه ذلك بالغيث يزول وآثاره في السهل والجبل باقية، ويقول: كنت قائد العرب إلى العلا ودليلهم عليها فلما ذهب الردى بك تحيروا فلم يهتدوا لأنهم قد فقدوا دليلهم، ويروى "إلى الندى" ويروى "جاروا" والأول أصح. (63) وقال عبد الله بن الزبير الأسدي، إسلامي:

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) رمى الحدثان نسوة آل حرب بمقدار سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضًا ورد وجوههن البيض سودا سمدن له سمودًا: أي رفعن رءوسهن ينحن، وكل رافع رأسه سامد، ويحتمل أن يكون معناه: سبين وأبرزن من خدورهن وكلفن ما كفين قبل ذلك من قولهم: سمدت الإبل إذا أكثر سيرها، ولاي يحتمل أن يكون بمعنى السهو والغفلة من قولهم: سامدون أي لاهون. المعنى: يصف عظم المصيبة عليهن حتى شيبتهن وأزالت نضارة وجوههن. سمعت بكاء هند ورملة إذا تصكان الخدودا سمعت بكاء باكية وباك أبان الدهر واحدها الفقيدا من سمع هذين البيتين ولم يعرف المعنى قدر أن فيهما خطأ، لأنه قال: لو سمعت بكاء هند ورملة وهما امرأتان ثم قال: سمعت بكاء باكية وباك، فجاء بأنثى وذكر، وقال: أبان الدهر واحدها الفقيدا ولم يقل واحدهما. والمعنى: لو سمعت بكاء هند روملة إذ يلطمان خدودهما سمعت بكاء باكية أبان الدهر واحدها، أي هما تنوحان معًا، وتلطان الخدود معًا لا تفتر إحداهما دون الأخرى،

فيقدر أنهما باكية واحدة لاتصال أصواتهما وصكهما، وعطف بقوله وباك على قوله باكية أبان الدهر واحدها الفقيدا فكأنه قال: وباك كذلك. (64) وقال أبو حنش في يعقوب بن داؤد، إسلامي، ويعقوب وزير المهدي فقال فيه أبو حنش هذه الأبيات وكان محبوسًا، والحنش: ضرب من الهوام قال الخليل: كل ما أشبه رأسه رأس حية فهو حنش: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) يعقوب لا تبعد وجنبت الردى فلنبكين زمانك الرطب الثرى ولئن تعهدك البلاء بنفسه فلقيته إن الكريم ليبتلى ويروى "تعاهدك" وتعهدك البلاء بنفسه أي أتاك معظمه. المعنى: يقول إنك كريم وعظيم البلايا للكرام، ونجزع لزمانه الكثير الخير. وأرى رجالًا ينهسونك بعدما أغنيتهم من فاقة كل الغنى لو أن خيرك كان شرًا كله عند الذين عدوا عليك لما عدا ينهسونك أي يلدغونك كما تنهس الحية. المعنى: يصف إطلاق حسدته الألسن فيه مع سابق إحسانه إليهم وإفراطهم في ذلك. (65) وقالت صفية الباهلية، إسلامية، والباهل المهمل:

(الأول من البسيط والقافية من المتراكب) كنا كغصنين في جرثومة سمقا حينًا بأحسن ما تسمو له الشجر حتى إذا قيل قد طالت فروعهما فطاب فيئاهما واستنضر الثمر أخنى على واحدي ريب الزمان وما يُبقي الزمان على شيء ولا يذر جرثومة كل شيء أصله ومجتمعه، سمقا طالا، والسامق العالي، واستنضر الثمر أي وجدتموه ناضرًا حسنًا، ويروي بالظاء ومعناه انتظر، أخنى على واحدي أي أهلكه. المعنى: تصف نشأتها وبلوغهما معًا واخترام المنية صاحبها. كُنا كأنجم ليل بينها قمر يجلو الدجى فهوى من بينها القمر بينهما قمر أي بين النجوم، ويروى "بيننا" أيضًا، المعنى: تفضل المتوفى على جميع أهل بيتها إذ جعلته بمنزلة القمر وغيره بمنزلة النجوم. (66) وقال التيمي في منصور بن زياد، إسلامي كان في زمن الرشيد: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) لهفى عليك للهفة من خائف يبغي جوارك حيث ليس مجير المعنى: يتحسر عليه، ويدعو باللهف أن لا يكون حيًا فيجير الخائفين إذ لا مجير غيره.

أما القبور فإنهن أوانس بجوار قبرك والديار قبور والديار قبور أي كالقبور وحشة. المعنى: الأنس حيث أنت، والوحشة حيث زلت عنه، والقبور أوانس بحصولك فيها، والديار موحشة لانتقالك عنها. عمت فواضله فعم مصابه فالناس فيه كلهم مأجور ردت صنائعه إليه حياته فكأنه من نشرها منشور يُثني عليك لسان من لم تُوله خيرًا لأنك بالثناء جدير عجبًا لأربع أذرع في خمسة في جوفها جبل أشم كبير ويروى "عم هلاكه" والفواضل: المواهب، وعم هلاكه أي جزع الجميع بموته، وقوله: ردت صنائعه معروف واضح. المعنى: يصف كثرة فواضله، وكثرة الثناء عليه من القريب والبعيد وعموم المصيبة به، وأنه كالحي من كثرة ما يذكر من مناقبه وإطباق الناس على الوجد به والبكاء له. فالناس مأتمهم عليه واحد في كل دار رنة وزفير شرح هذا البيت قد تقدم لأنه يصف عموم الوجد والحزن به حتى تكون له في كل دار زنة وزفير. (67) وقال نهار بن توسعة يرثي أخاه عتبان، إسلامي:

(الأول من الكامل والقافية من المتدارك) عتبان قد كنت امرأ لي جانب حتى رُزيتك والجدود تضعضع قد كنت أشوس في المقامة سادرًا فنظرت قصدي واستقام الأخدع وفقدت إخواني الذين بعيشهم قد كنت أعطي ما أشاء وأمنع فلمن أقول إذا تلم ملمة أرني برأيك أم إلى من أفزع فليأتين عليك يوم مرة يُبكى عليك مُقنعًا لا تسمع أي كنت جانبي التجيء إليك، ورزيتك أصبت بك، والأشوس: الذي ينظر إلى جانب كبرًا، فنظرت قصدي أي ذهب شوسي، واستقام الأخدع أي لنت، والأخدعان عرقان تحت المحاجم، وربما أصابته شرطة الحجام فنزف صاحبه، فليأتين عليك يوم مرة يعني نفسه، أين أنت لاحق بمن أصبت، ويحتمل أن يخاطب الشامت بذلك. المعنى: يصف اعتزازه الذي كان به، وانقياده بعد ذلك لفوات من كان يتكبر على الناس به، وعدمه من يستشيره في أمره يحزنه أو يفزع إليه فيما يدهمه، ثم خاطب الشامت أو نفسه بأن الموت يشمله. (68) وقال يزيد بن عمرو الطائي، جاهلي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أصاب الغليل عبرتي فأسالها وعاد احتمام ليلتي فأطالها

ألا من رأى قومي كأن رجالهم نخيل أتاها عاضد فأمالها أدفن قتلاها وآسو جراحها وأعلم أن لا زيغ عما منى لها الاحتمام: الاهتمام إلا أنه أشد منه، وقال بعضهم: الاحتمام بالليل والاهتمام بالنهار، فأطالها أي فأطال الليل، والعاضد القاطع، وقوله فأمالها يعني النخيل، أدفن أي أكثر الدفن، وقتلاها يعني قتلى القوم فأنت ذهب به إلى الجماعة، منى لها قدر لها. المعنى: يصف بكاءه لما ينطوي عليه من حر المصيبة وسهره لذلك، وشبه حالة القتلى بنخيل مقطوعة كقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}، فنظم تشبيههن الطول والموت في لفظة واحدة بطول النخل وسقوطها، ثم ذكر أنه قام بتجهيز من قتل من قومه ومعالجة من جرح منهم، عالمًا أنه لا حق بهم. وقائلة من أمها طال ليله يزيد بن عمرو أمها واهتدى لها أمها: قصدها، وطال ليله دعاء عليه، أي أدام الله حزنه. المعنى يقول: وكم من قائل من قصد هذه القبيلة، ثم أجاب فقال: يزيد بن عمرو قصد لها. (69) وقال قسام بن رواحة السنبسي، والقسام والقسامة الحسن، ورجل قسيم أي وسيم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لبئس نصيب القوم من أخويهم طراد الحواشي واستراق النواضح

وما زال من قتلى رزاح بعالج دم ناقع أو جاسد غير ماصح دعا الطير حتى أقبلت من ضربة دواعي دم مهراقة غير بارح عسى طيئ من طيئٍ غير هذه ستطفيء غلات الكلى والجوانح الحواشي جمع حاشية وهي صغار الإبل، واطرادها طرد النواضح السواقي، الواحد ناضح يريد أنهم يقصدون ثائرين بأخويهم فلا يقدمون على القوم ويغيرون على حواشيها دون جلتها، وإنما خص الحواشي لأن الولدان يرعونها، يقول: بلغ من جبنهم أن لا يتعرضوا للرعاة إلا سرقة فيسرقون النواضح ويطردون الحواشي ويرضون بذلك من طلب الثأر، فبئس العوض ذلك من دم أخويكم، هذا كأنه يهزأ بهم، ورزاح قبيلة وعالج رمل بالبادية معروف، ودم ناقع أي طري، وجاسد أي يابس، وضرية قرية على طريق البصرة إلى مكة، وفيها منبر، وقوله: عسى طيء من طيئ، كانت القبيلتان من طيئ لأن طيئًا قبائل، يكون أبدًا بينهم قتال، وقال غلات الكلى، والغلة إنما تكون في القلب ولكنه أراد المبالغة، أي جاوزت القلب والكبد إلى الكلية. المعنى: يستزيد قومه وينسبهم إلى العجز عن طلب الثأر، ويحثهم على الحرب يقول: هم يقتلون أخوتكم، وأنتم تسرقون رزال الإبل، بشس العوض هذا، ويكثر كثرة للقتل واختلاف الدم، ثم أظهر الرجاء بدرك الثأر وحثهم على الحرب وإزالة الاحن بالانتقام. (70) وقال سليمان بن قتة العدوي، ورواه البرقي لأبي وهج الخزاعي، وقتة واحدة ألقت وهي المرة الواحدة من قت الحديث أذاعه، العدوي منسوب إلى عدي:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) مررت على أبيات آل محمد فلم أرها أمثالها يوم حلت فلا يُبعد الله الديار وأهلها وإن أصبحت منهم برغمى تخلت ألا أن قتلى الطف من آل هاشم أذلت رقاب المسلمين فذلت وكانوا غياثًا ثم أضحوا رزية ألا عظمت تلك الرزايا وجلت أبيات جمع بيت، وهو بناء لجمع القليل، وقوله: فلم أرها أمثالها يوم حلت أي وجدتها موحشة خالية بعد أن رأيتها مؤنسة مأهولة، ويروى "فلم أره كعهدها" وقوله: "وأن أصبحت منهم برغمي تخلت" أي تخلت وأنا كاره لا أٌدر على النكير وقتلى ألطف الحسين بن علي عليهما السلام، ورهطه المقتولون معه بكربلاء، وألطف ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق، وكان سليمان قال: "أذلت رقابًا من قريش" فقال له عبد الله بن الحسن: "رقاب المسلمين" فقال: أنت والله أشعر مني. المعنى: يرثي الحسين بن علي - رضي الله عنهما- وأصحابه - رحمهم الله - ويذكر أنه مر ببيوتهم فوجدها موحشة بعد أنسها، ثم دعا للديار وأهلها وذكر أنها تخلت على كره لا يقدر على النكير في ذلك، ثم ذكر ما لحق المسلمين بقتلهم من المذلة، وأنهم كانوا يرجون للإغاثة فصاروا مصابًا، ويروى "وكانوا رجا" ويروي "ألا عظمت". (71) وقالت قتيلة بنت النضر، وقتل النبي صلى الله عليه وسلم أباها صبرًا يوم بدر:

(الأول من الكامل والقافية من المتدارك) يا راكبًا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق بلغ به ميتًا فإن تحية ما إن تزال بها الركائب تخفق مني إليه وعبرة مسفوحة جادت لمائحها وأخرى تخنق فليسمعن النضر إن ناديته إن كان يسمع ميت أو ينطق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تُشقق الأثيل موضع أو جبل دفن به أبوها، ومظنة من صبح خامسة أي أظن أنك تبلغه إذا سرت خمس ليال، ويروي "من مشي خامسة"، وفي الكلام حذف يعني من صبح خامسة، والمظنة موضع ما يظن يقال: فلان مظنة للخير، أي يظن به الخير، وكذلك في الشر مثله تقول: إنك تبلغ الأثيل خامسة إن وقفت لطريقك فقالت: وأنت موفق أي أن وفقت، بلغ به أي بالأثيل، ميتًا تعني أباها، أي بلغه تحية مني إليه، وعبرة مصبوبة، وحذفت التحية لأنها مفهومة، وجادت لمائحها: المستقي يدخل البئر، ويحتمل أنها تريد بمائحها هنا أباها لأنها تبكي لأجله فكأنها تستمطر دمعها، وأخرى تخنق أي حضرت الجفن ولما تسل بعد، وأرادت توالي عبرتها وأنها لا ترقأ، فقد علمت أن الموتى لا تسمع فلهذا قالت: "إن

كان يسمع ميت أو ينطق" وتنوشه أي تتناوله، ويروى "تنويه" والأول أجود، وقولها "لله أرحام هناك تشقق" أي تقطع ومعناه التعجب واستعظام الأمر. المعنى: تحمل راكبًا إلى أبيها سلامًا، وتتلطف بقولها وأنت موفق، وتصف كثرة بكائها، ثم أشارت إلى أن التحية لا يسمعها الموتى ولا تقدر على الجواب عنها، ثم استعظمت قتل أبيها بيد بني عمه. أمحمد ها أنت ضنء نجيبه من قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيط المُخنق فالنضر أقرب من أصبت وسيلة وأحقهم إن كان عتق يُعتق نونت المنادي مع الضم ضرورة، وسيبويه يجوز ذلك، ويروى "نجل نجيبة" أي ولد أم كريمة، والنجل الولد، والناجلان: الأبوان، والفحل فحل معرق أي له عرق وأصل في الكرم، تصفه صلى الله عليه وسلم بكرم الطرفين. المغيظ الذي أغضبه غيره، وقالت وأحقهم ولم تقل بأي شيء، وأرادت العتق، ودلت على مرادها بقولها: إن كان عتق يعتق. المعنى: تدعو النبي صلى الله عليه وسلم بكرم الطرفين وتعاتبه في قتل أبيها، وتذكره الرحم والوسيلة بينهما، ويروي أنها أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأبيات، ويروى أنها بعثت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة هو أصح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أتاني شعرها قبل أن أقتله لما قتلته". (72) وقال نابغة بني جعدة

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألم تعلمي أني رُزئت مُحاربًا فمالك منه اليوم شيء ولا ليا ومن قبل ما قد رُزئت بوحوح وكان ابن أمي والخليل المصافيا فتى تم فيه ما يسر صديقه على أن فيه ما يسوء الأعاديا فتى كملت خيراته غير أنه جواد فما يُبقي من المال باقيا قال ثعلب: هذا استثناء نفيس، يريد غير أن هذا أشرف من هذا مدحًا بعد مدح، وهذا يجيء على قول من روى "سوى أن فيه" ويروى " كملت أخلاقه". المعنى: يرثيه ويصفه بنفع صديقه وضر عدوه، وتمام خيراته، ثم وصفه بغاية الجود. (73) وقال آخر من عبس:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وأي فتى ودعت يوم طويلع عشية سلمنا عليه وسلما رمى بصدور العيس منخرق الصبا فلم يدر خلق بعدها أين يمما فيا جازي الفتيان بالنعم أجزه بنعماه نُعمى واعف إن كان أظلما طويلع ماء لبني تميم في ناحية صمان، ومنخرق الصبا أي طريق انخراق الريح، ورمى بصدور العيس أي أسرع السير إليها، فيا جازي الفتيان يعني الله تعالى عزه. المعنى: يرثيه ويذكر أنه مر ي وجه الصبا، فلم يوجد بعد ذلك، ثم صرف رغبته إلى الله تبارك وتعالى في مكافأته بصالح الأعمال وعفوه عنه. (74) وقال شبيب بن عوانة، إسلامي، العوانة من العوان، كما أن رواحة من الرواح: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لتبك النساء المُعولات بعولة أبا حُجر قامت عليه النوائح عقيلة دلاه للحد ضريحه وأثوابه يبرقن والخمس مائح المعولات: النساء البواكي، عقيلة دلاه، عقيلة اسم رجل أرسله إلى قبره، والخمس مائح، الخمس اسم رجل جعله مائحًا لأنه نزل القبر ليدفنه فسماه من يدخل البئر ليستقي، وأثوابه يعني أنها بيض جدد. المعنى: يستبكي النساء لأبي حجر ويصف دفته. خدب يضيق السرج عنه كأنما يمد ركابيه من الطول ماتح الخدب: الضخم العظيم الجنبين، والماتح: الذي يستقي على بكرة، يقول: كأن ركابيه من طول ساقيه يمدهما ماتح، شبه رجليه برشاء الماتح. المعنى: يصف طول قامته.

(75) وقال منصور النمري، إسلامي كان في زمن الرشيد: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أبا خالد ما كان أدهى مُصيبة أصابت معدًا يوم أصبحت ثاويا لعمري لئن سر الأعادي فأظهروا شماتًا لقد مروا بربعك خاليا فإن تك أفنته الليالي فأوشكت فإن له ذكرًا سيفني اللياليا المعنى: يستعظم المصيبة التي أصابت معدًا يوم مات، ثم قال: لئن شمتت الأعادي فقد شمتوا في موضع الشماتة، وقد رأوا ربعك خاليًا، ثم طيب نفسه ببقاء جميل ذكره. (76) وقالت امرأة من بين أسد: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) خليلي عُوجا أنها حاجة لنا على قبر أُهبان سقته الرواعد فثم الفتى كل الفتى كان بينه وبين المُزجى نفنف متباعد إذا انتضل القوم الأحاديث لم يكن عيبًا ولا ربًا على من يقاعد

المزجى: الذي ليس بكامل، والنفنف: المفازة، انتضال القوم: أي يحدث كل أحد منهم بشيء، كأنه يرمي به من مناضلة السهام، كل الفتى مدح، وليس بصفة مخلصة، ولم يكن ربًا على من يقاعد يعني لم يتكبر عليه ويروى "عبئًا" أي ثقلًا يعني لم يكن يستثقله جليسه، ويروي "لغبا" أي ضعيفًا يلقى عليه كله ويستكفيه أمره وقد "لغب" أي ضعف. المعنى: تستسلم صاحبيها بقبر أهبان المرثي، ثم وصفته بالكمال والظرف والتواضع. (77) وقالت امرأة من كندة، وتروى لكبشة بنت جفنة. (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) لا تخبروا الناس إلا أن سيدهم أسلمتموه ولو قاتلتم امتنعا أنعى فتى لم تذر الشمس طالعة يومًا من الدهر إلا ضر أو نفعا لم تذر الشمس: لم تطلع، أي ضر عدوه ونفع صديقه، المعنى: تعاتب قومها في خذلانهم المرثي ثم وصفته بأن أيامه لم تخل من نفع أوليائه وضر أعدائه. (78) وقال كعب بن زهير المزني وكعب القنا، ما بين كل أنبوبتين، والكعب بقية السمن في أسفل النحي، وزهير تصغير أزهر مرخمًا.

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) لقد ولى أليته جوى معاشر غير مطلول أخوها فإن يهلك جُوي فإن حربًا كظنك كان بعدك موقدوها وإن تهلك جوى فكل نفس سيجلبها لذلك جاليوها فما ساءت ظنونك يوم تولى بأرماح وفي لك مشرعوها جوي اسم رجل قتله أعداؤه، فقال: لئن قتلتموني ليقتلن منكم بي خمسون رجلًا، فبلغ ذلك قومه، فصدقوا قوله وبروا يمينه، فهذا معنى قوله سيجلبها لذلك يعني الهلاك، وجوى ها هنا نداء مفرد، ويقول في البيت الرابع يوم تولي أي تحلف لم تسيء ظنونك بأرماح يعني أرماح قومه الذين قاموا بطلب ثأره وقتلوا به خمسين ويروى "فرب حرب". ولو بلغ القتيل فعال قوم لسرك من سيوفك منتضوها كأنك كنت تعلم يوم بزت ثيابك ما سيلقى سالبوها لنذرك والنذور لها وفاء إذا بلغ الخزاية بالغوها من سيوفك يعني سيوف قومك يقول: لو بلغ الموتى فعل الأحياء لسرك قومك، ويقول: كأنك كنت تعلم بما يلحق سالبي ثيابك وسلاحك فسمحت لهم بها، واللام في لنذرك متعلقة بسيلفى أي يلقون لما نذرت من قتلهم. صبحن الخزرجية مُرهفات أباد ذوي أرومتها ذووها فما عُتر الظباء بحي كعب ولا الخمسون قصر طالبوها الخزرجية: هم الذين قتلوا جويا، ويروى "أبان ذوى أرومتها" يريد ذوى أرومة الخزرجية، ذووها: ذوو السيوف، فما عتر الظباء الأصل فيه أن العرب كانت تنذر النذور أنه أن كان ذلك لنذبحن من الغنم كذا فإذا حصل

مرادها ربما ضن بعضهم بماله فيصطاد من الظباء عدد ما أوجبه من النذر من الغنم، ويعترها بذبحها وهي العتير، يقول كعب: ما قتل غير الجناة، وقوله: "ولا الخمسون قصر طالبوها" أي قتل الخمسون كاملة، وما جرى تقصير في طلبهم، والمعنى قد ذكر. (79) وقال آخر: (الأول من الوافر والقافية متواتر) نعى الناعي الزبير فقلت تنعى فتى أهل الحجاز وأهل نجد خفيف الحاذ نسال الفيافي وعبدًا للصحابة غير عبد معناه أتنعي فحذف الهمزة، ويحتمل أن يكون معناه نعيت، الحاذ ها هنا مؤخر الفخذ، وهما الحاذان يعني أدبار الفخذين، نسال الفيافي جواب المفاوز سيرًا، وعبد للصحابة في خدمته لهم غير عبد في الرق. المعنى: وصفه بالفتوة والتبريز على أهل نجد والحجاز ومدحه بالخفة وجوب المفاوز وخدمة الأصحاب من غير استحقاقه عليه. (80) وقال رقيبة الجرمي، من طيء، إسلامي، ورقيبة تصغير رقبة، من رقبت أي انتظرت: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أقول وفي الأكفان أبيض ماجد كغصن الأراك وجهه حين وسما أحقًا عباد الله أن لست رائيًا رفاعة طول الدهر إلا توهما فأقسم ما جشمته من ملمة توود كرام الناس إلا تجشما ولا قلت مهلًا وهو غضبان قد غلا من الغظي وسط القوم إلا تبسما

قيل: لم شبه وجهه بغصن الأراك، وإنما يشبه بالبدر، والنجم والسيف والدينار وغيرها، فالجواب معناه وجهه كحسن غصن الأراك حين وسم أي أورق، وتؤود تثقل. وقد غلى من الغيظ أي اشتد غيظه حتى أخذ منه. المعنى: يرثيه ويودعه، ويصفه بنعمة الشباب ويذكر حسن طاعته. (81) وقال أيضًا: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا لا فتى بعد ابن ناشرة الفتى ولا عُرف إلا قد تولى فأدبرا فتى حنظلي ما تزال ركابه تجود بمعروف وتُنكر مُنكرا لحا الله قومًا أسلموك وجردوا عناجيج أعطتها يمينك ضمرا قوله: تجود به معروف وتنكر منكرًا أي يحسن إلى عشيرته ويدرك الثأر من عدوه، لحا الله شتم من لحوت العود ولحيته إذا قشرته، والعناجيج الطوال الواحد عنجوج والضمر جمع ضامر، وجردوها أي خففوا أثقالها، وتجانبوا عليها، وأنت أعطيتهم تلك الخيل فأسلموك. المعنى: يصف ذهاب الإحسان بموته ويصفه أنه كان دائمًا في إسداء المعروف إلى وليه وينل الثأر من عدوه، ويذم قومًا خذلوه ونجوا على خيل كان أعطاهم إياها. (82) وقال دعبل إسلامي:

(الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) كانت خزاعة ملئ الأرض ما اتسعت فقص مر الليالي من حواشيها أضحى أبو القاسم الثاوي ببلقعة تسفى الرياح عليه من سوافيها هبت وقد علمت أن لا هبوب به وقد تكون حسيرًا إذ يباريها أضحى قرى للمنايا رهن بلقعة وقد يكون غداة الروع يقريها أراد بالسوافي ها هنا التراب، أي هبت الريح وقد علمت أن أبا القاسم ليس به هبوب، وقد تكون الريح حسيرًا أي معيبة ضعيفة إذ يباريها أبو القاسم، وقوله أضحى قرى للمنايا أي صار أبو القاسم طعمة للمنايا، وكان في الحرب هو الذي يطعمها. المعنى: يصف نقصان المنايا عدد خزاعة بعد كثرتهم، ويرثي أبا القاسم، ويصفه بكثرة العطاء وفرط الشجاعة. (83) وقال عقيل بن علقة المري، إسلامي: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) لتعد المنايا حيث شاءت فإنها مُحللة بعد الفتى ابن عقيل فتى كان مولاه يحل بنجوة فحل الموالي بعده بمسيل طويل نجاد السيف وهم كأنما تصول إذا استنجدته بقبيل

لتعد المنايا بالعين غير المعجمة أي لتصب، ولتغد بالغين أيضًا، والأول أجود، ومحللة يعني مطلقة، والمولى ها هنا ابن العم، ومعنى البيت الثاني يحتمل وجهين: أحدهما أن ابن عمه كان عزيزًا في حياته، عاليًا فوق غيره كمن علا على مكان مرتفع، فذل بعد موته، فصار كمن هو في مسيل يجتاحه السيل فضرب النجوة والمسيل مثلًا للعز والذل، والآخر أن ابن عمه كان ينزل على نجوة من الأرض تعرضًا للأضياف لتهتدي إليه، فحل الموالي بعده بمنخفض من الأرض لأنهم افتقروا وليس عندهم ما يقرون به الضيف، لا ينزل التلاع الأجبان أو كريم، ولا يلزم الوهاد إلا لئيم أو فقير، ونجاد السيف حمالته وكلما كان الرجل أطول كان النجاد أطول، وقوله وهم أي قوى وأصله في الإبل. المعنى: ما بقي بعده من يصعب علي موته فليمت من كان، ويصف المرثي بالطول والهيبة والقوة، ويقول: إذا أعانك فكأنما تصول على عدوك بجماعة كنفس واحدة. (84) وقال مسافع بن حذيفة العبسى: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أبعد بني عمرو أُسر بمقبل من العيش أو آسى على أثر مدبر وليس وراء الشيء شيء يرده عليك إذا ولى سوى الصبر فاصبر أي ليس وراء الشيء الفائت شيء يرده فحذف الصفة بدلالة الكلام. المعنى يقول: قد ذهب من كنت أريد عيشي لهم فالآن لا أسر بما يقبل منه، ولا أحزن على ما يدبر منه، ثم اعترف بأن الفائت لا يرده إلا الصبر فجعل الأجر الذي هو عوض عن الفائت بمنزلته. سلام بني عمرو على حيث هامكم جمال الندي والقنا والسنور

الندى: المجلس وهو النادي، والسنور: السلاح الذي يلبس، وهامكم مبتدأ فحذف الخبر يريد حيث هامكم مقبور. المعنى: يحييهم ويصفهم بأنهم كانوا زين الندامى والحروب. أولاك بنو خير وشر كلاهما جميعًا ومعروف ألم ومنكر المعنى: يصفهم بإسداء الخير إلى أصحابهم وايلائهم الشر إلى أعدائهم. (85) وقال الربيع بن زياد في مالك بن زهير، جاهلي: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) إني أرقت فلم أغمض حار من شيئ النبأ الجليل الساري من مثله تُمسي النساء حواسرًا وتقوم معولة مع الأسحار

ويروى "تمشي" ويروى "العظيم الساري". المعنى: يصف أرقه لعظيم الخبر الذي يخرج المخدرات ويدعوهن إلى البكاء والعويل. أفبعد مقتل مالك بن زهير ترجو النساء عواقب الأطهار ما إن أرى في قتله لذوي النهى إلا المطي تُشد بالاكوار ومُجنبات ما يذقن عذوقًا يقذفن بالمهرات والأمهار ومساعرًا صدأ الحديد عليهم فكأنما طلي الوجوه بقار ويروي "تطلى"، وقوله: ترجو النساء أي لا يرجون عواقب الأطهار، وهو جمع طهر، كانوا يواقعون نساءهم قبل أطهارهن ويدعون أن ذلك أنجب للولد، وكانوا لا ينكحون امرأة، ولا يقربون طيبًا ولا لذة ماداموا لم يدركوا الثأر والمجنبات ها هنا الخيل تجنب إلى الإبل في الغزو، وقوله: "ما يذقن عزوفًا" بالذال والدال أي ما يذقن شيئًا، وقوله بالمهرات والأمهار، يعني الخيل تقذف أولادها لشدة السير يقول: ما أرى لقتل مالك بن زهير رأيًا لذوي العقول إلا أن تركب الإبل وتجنب إليها الخيل، ويسار بها سيرًا عنيفًا حتى ترمي بأجنتها، وتبلغ بنا عدونا، فنغير عليهم ونسفك دماءهم، والمساعر جمع مسعر وهو الشجاع تسعر به الحروب، وقوله: صدأ الحديد عليهم للبسهم المغافر والدروع فكأنما تطلى الوجوه بقار لسوادها من لبس المغفر ومن كابة السفر. من كان مسرورًا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرًا يندبنه يلطمن أوجههن بالأسحار قد كن يخبأن الوجوه تسترًا فالآن حين برزن للنظار

يضربن حُر وجوههن على فتى عف الشمائل طيب الأخبار وجه النهار قيل: هو موضع وقيل صدر النهار وهو أجود وقيل في معنى هذا من كان مسرورًا بمقتل مالك فلا يشمت فإنا قد أدركنا ثأرنا به، وذلك أن العرب كانت لا تبكي على القتيل حتى تدرك الثأر أي فليأت نسوتنا حتى يراهن حواسر يندبنه، وفيه وجه آخر أي من كان مسرورًا بذلك فليشمت فإنه موضع الشماتة، وهذا أجود لأن الذي روى من مذهب العرب ليس بثابت. المعنى: من شمت بقتل مالك فليشمت فإنه موضعه، ثم وصف النساء كما ترى. (86) وقال كعب بن زهير، مخضرم: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) لعمرك ما خشيت على أبي مصارع بين قو فالسلي ولكني خشيت على أبي جريرة رمحه في كل حي من الفتيان محلول ممر وأمار بإرشاد وغي ألا لهف الأرامل واليتامى ولهف الباكيات على أبي قو موضع ببلاد بني أسد أعلاه لهم وأسفله لعبس، والسلي فيه طلح، ومات أبي بين هذين الموضعين، وقوله محلول أي كثير الحلاوة، وممر أي مر، وبإرشاد من الرشد وهو ضد الغي، وأراد بالغي ها هنا الشر وبالإرشاد الخير. المعنى: يقول: ما خشيت أن أبيا يقتل بين هذين الموضعين ولكني خشيت أن يجني رمحه في كل حي قتلًا وطعنًا، ثم وصفه بالكمال وأن فيه حلاوة ومرارة. (87) وقال آخر:

(من مرفل الكامل والقافية من المتواتر) في بعض تطواف ابن طعـ ـمة آمنًا لاقى حمامه رصدًا له من خلفه يغتره لا بل أمامه غُر امرؤ مدته نفـ ـس أن تدوم له السلامة هيهات أعيا الأوليـ ـن دواء دائك يا دعامه تطواف تفعال من طاف يطوف، ويروى "وصدا له" أي تعرض له ورفع رأسه إليه، ومنه النخل الصادية أي الطويلة، ويغتره يأخذه على غرة، وقوله منته نفسه أي أطمعته. المعنى: يصف هلاك ابن طعمة مسافرًا، ومعنى هيهات ما أبعد لك، وقوله: "أعيا الأولين دواء دائك" أي لم يقدر أحد على السلامة. (88) وقال غوية بن سُلمي بن ربيعة الضبي، مخضرم، وغوية تصغير غية أو غاوية: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ألا نادت أمامة باحتمال لتحزنني فما بك ما أبالي فسيري ما بدا لك أو أقيمي فأيا ما أتيت فعن تقال وكيف تروعني امرأة ببين حياتي بعد فارس ذي طلال

وبعد أبي ربيعة عبد عمرو ومسعود وبعد أبي هلال أصابتهم حميدين المنايا فدى عمي لمصبحهم وخالي أولئك لو جزعت لهم لكانوا أعز علي من أهلي ومالي أمامة اسم امرأة، قال: خبرتني بارتحالها لتحزنني، ثم أظهر قلة المبالاة بها فقال: فلا بك ما أبالي، على الدعاء أي لا يقع ما أبالي. أقسم بها، ويروي "ولا بك" بالواو، ويروي "فآبك" أي أبعدك الله وها أجود معنى وأنسبه بما بعده، والتقالي التباعض، أي أن شئت سيري، وإن شئت أقيمي فإني أقليك على كل حال، ثم بين أن بغضه أياها ليس لجناية من جهتها، ولكنه لما سئم من عيشه بموت قومه، وفارس ذي طلال - بطاء غير معجمة - قيل: أنه فرسه وذكر بعضهم أنه موضع ببلاد مرة وقتل المرثي هناك، فنسبه إليه. والأول أظهر، وقوله لمصبحهم أي موضع أباحهم في قبورهم يعني تربته يقول: صبرت عن أولئك ولم أجزع فكيف لا أصبر عنك. المعنى: يصف قلة مبالاته بشأن امامة شغل قلبه بهلاك قومه. (89) وقال قراد بن غوية بن سلمى بن ربيعة بن زبان: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا ليت شعري ما يقولون مخارق إذا جاوب إلهام المصبح هامتي ودُليت في زوراء يُسفى تُرابها علي طويلًا في ثراها إقامتي وقالوا ألا لا يبعدن اختياله وصولته إذا القروم تسامت ويروي "ودليت في غبراء" ويروي "ألا لا يبعدن احتياله" بالحاء غير المعجمة، مخارق ابن أخيه، وكان العرب تزعم أن الرجل إذا قتل خرج من قبره طائر يدعى الهامة والصدى فلا يزال يقول: اسقوني حتى يدرك ثأره، وهذا من أباطيلهم، وقوله "ودليت في زوراء" أي أرسلت في قبر ملحد، والأزور المعوج،

ومن روى "غبراء" يعني القبر، وأنث لتأنيث الحفرة، يسفي ترابها أي يثير ترابها، والسافي: التراب نفسه، واختياله: تجبره، إذا القروم تسامت يعني إذا تنازلت الأبطال، والتسامي التعالي. وما البعد إلا أن يكون مغيبًا عن الناس مني نجدتي وقسامتي أيبكي كما لو مات قبلي بكيته ويشكر لي بذلي له وكرامتي وكنت له عمًا لطيفًا ووالدًا رؤوفًا واُمًا مهدت فأنامت نجدتي أي شجاعتي وبسالتي، وقسامتي أي حسني ويروى "ويشكر من بذلي له"، ويروى "ويشكرني بذلي"، وقوله: عمًا لطيفًا أي ملطفًا. لأن اللطيف له معنيان أحدهما صغير والآخر فاعل اللطف، وقوله: ووالدًا رءوفًا أي مثل والد كثير الرأفة، وأما مهدت يعني مثل أم في الشفقة مهدت فأنامت. المعنى يقول: ليتني علمت ما يفعل مخارق ابن أخي بعد موتي، وثناء الناس علي، أيبكي ويذكر إحساني إليه، ثم ذكر إكرامه إياه، وقيل: أنه يهزه على طلب الثأر به إذا قتل. (90) وقال المسجاح بن سباع بن خالد بن الحارث بن قيس بن نصر بن عائذة بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة، جاهلي، وهو أحد المعمرين، والمساج، فعال من السجح إذا أحسن فقال: ملكت فأسجح أي أحسن، وسباع جمع سبع: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) لقد طوفت في الآفاق حتى بليت وقد أنى لي لو أبيد

وأفناني ولا يفنى نهار وليل كلما يمضي يعود وشهر مُستهل بعد شهر وحول بعده حول جديد ومفقود عزيز الفقد تأتي منيته ومأمول وليد طوفت أكثرت الطوفان، وقوله: "لقد أني لي لو أبيد" معناه قد حان الهلاك لو أهلك، ومفقود يعني مصيبة مفقود عزيز الفقدان. قيل: كيف يفنيه مأمول وليد [ولم عطف به على ما ذكر أنه أفناه] قيل: معناه: إذا كان وليدًا وهو هرم يفنيه همه وشغل القلب به، وقيل: بل معناه وما يفني نهار وليل يعني يتعاقبان وشهر وحول ومفقود ومولود أي الدهر كله هكذا. المعنى: هذا قد استطال عمره، وشكا تأثير الأيام فيه من غير أن يؤثر فيها شيء. (91) وقال حزاز بن عمرو من بني عبد مناة يرثي زيد الفوارس وعمرًا وغيرهما من بني عمه، وحزاز جمع حزازة، وهي هبرية الرأس: (الثاني من العروض الثانية من الكامل والقافية من المتواتر) تبكي على بكر شربت به سفهًا تبكيها على بكر

هلا على زيد الفوارس زيـ ـد اللات أهلا على عمرو تبكين لارقأت دموعك أو هلا على سلفي بني نصر خلوا علي الدهر بعدهم فبقيت كالمنصوب للدهر إن الرزيئة ما أولاك إذ هز المخالع أقدح اليسر أهل الحلوم إذا الحلوم هفت والعرف في الأقوام والنكر حزاز هذا باع بكرًا من الإبل واشترى به خمرًا شربها فبكت امرأته على فوت البكر فقال: هذه تبكي على بكر شربت به خمرًا، سفه تبكيها، بالرفع أي جهل بكاؤها على بكر ومن روى سفهًا، بالنصب: أي أعد بكاءها سفهًا، والأول أجود، ثم قال لها: هلا تبكين على سادة قومك، وقوله: لارقأت دموعك دعاء عليها بدوام البكاء أي لا جفت دموعك، وقوله: "فبقيت كالمنصوب" يعني كالهدف يرميني الدهر كل يوم بنكبة، وقوله: إن الرزئية ما أولاك، يعني أن المصيبة العظيمة أولئك لا بكر يؤكل ويستفاد، وما زائدة، وإذا هز إذا حرك، والمخالع المقامر يخلع خلعته بالقمار، ويروي "إذا هر" بالراء أي كره وجزع مخافة أن يقمر فيغرم، وقوله: إذا الحلوم هفت أي طاشت. (92) وقال زويهر بن الحارث الضبي، مخضرم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألم تر أني يوم فارقت مؤثرًا أتاني صريح الموت لو أنه قتل وكانت علينا عرسه مثل يومه غداة غدت منا يُقاد بها الجمل وكان عميدنا وبيضة بيتنا فكل الذي لاقيت من بعده جلل

مؤثر رجل وهو ابن أخي زويهر، وصريح الموت خالصة، أي كنت أصرح بالموت وأتمناه، ولو قبل صراحي وأتاني لكان أهون علي من هذه المصيبة، ويجوز أن يكون معناه أتاني بموته صراح الموت أي هتف بي الموت لما فارقت هذا، ولكنه لم يقتلني، وقوله: "وكانت علينا عرسه" أي أخرجت عرسه إلى أهلها يوم موته [أراد كانت علينا مفارقة عرسه] فحذف المضاف، وقوله: "وكان عميدنا" أي معتمدنا، وبيضة أي سيدنا بمنزلة بيضة الحديد على الرأس وجلل يستعمل في الهين والعظيم، والمراد به هنا الهين. (93) وقال عبد الله بن عنمة الضبي يرثي بسطام بن قيس، وكان نازلًا في بني شيبان، مخضرم، والعنمة واحدة العنم قال أبو عبيدة هي أطراف الخروب الشامي، وقيل: هي دود حمر يكون في الرمل، وقيل: شيء ينبت أخضر ثم يحمرن يكون ملتفًا على الشجر. (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) لأم الأرض ويل ما أجنت بحيث أضر بالحسن السبيل بسطام هذا قتلته ضبة، وقاتله عاصم بن خليفة الضبي، وكان عاصم أسلم في زمن عثمان - رضي الله عنه - وكان يقف ببابه ويقول: عاصم قاتل بسطام بالباب، وكان بسطام نصرانيًا، ومقتله بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن عنمة كان مجاورًا في بني شيبان [فخاف على نفسه لما قتل بسطام فرثاه يستميل بذلك بني شيبان]، وقوله لأم الأرض ويل، هذا على سبيل التعجب، وما أجنت أي شيء

سترت، وبحيث أضر أي دنا يقال أضر به إذا ضايقه. المعنى: يقول متعجبًا ويل لهذا الموضع أي رجل واراه. نُقسم ماله فينا وندعو أبا الصهباء إذ جنح الأصيل أبو الصهباء كنية بسطام. المعنى: نقسم ميراثه ندعوه بالأصائل لقرى الأضياف كما قالت الخنساء: وأذكره لكل غروب شمس أجدك لن تراه ولا تراه تخب به عُذافرة ذمول إلى ميعاد أرعن مُكفهر تُضمر في جوانبه الخيول أي أبجد منك، ويروي "أحقًا آل مرة لن تروه" يخاطب بني مرة بن شيبان، وتخب تعدو، ومرببة فرس أحسنت تربيتها، ودؤول سريع الدألان وهي سرعة السير يقول: حقيبة هذا الرحل درع وسرج، وقد جنبت إلى هذه الناقة فرس يعارضها أي يباريها في سيرها، ومكفهر كريه المنظر، وقوله يضمر في جوانبها الخيول أي بما يلحقها من التعب، ويروي "يضمن" بالنون أي يقرن بالإبل. المعنى: يجزع قومه به ويؤيسهم من أن يروه راكبًا ناقته، حاملًا سلاحه، مجنبًا فرسه، متسرعًا إلى الحرب. لك المرباع فينا والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول قال الأصمعي: المرباع أن يأخذ الرئيس ربع الغنيمة، يكون له دون أصحابه، والصفايا جمع صفي وقد مضى ذكره، والنشيطة ما ينشط قبل أن يبلغ القوم أو ما لا يجوز أن يقسم على الجيش، وما يعثر عليه في الطريق قبل بلوغ

الموضع المقصود. يكون ذلك للرئيس، والفضول: بقايا تبقى من الغنيمة مثل بعير أو بعيرين أو فرس والجيش كثير لا يمكن أن يقسم بينهم، قال: " هذا الربع الذي كان في الجاهلية، وهو في الإسلام الخمس، وقد بقي الصفي في الإسلام، اصطفى النبي صلى الله عليه وسلم منبه بن الحجاج ذا الفقار يوم بدر، واصطفى جويرية بنت الحارث من بني المصطلق من خزاعة يوم المريسيع، فجعل صداقها عرسها وتزوجها. واصطفى يوم خيبر صفية بنت حيي بن أخطب النضري، وجعل مثل ذلك بما قال، والنشيطة ما تنشط من الغنائم ولم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب فبقيت في الإسلام وفدك من ذلك، وهو النفل في الإسلام، وحكمك أي ما تحكم به في الغنيمة ويروى "البسيطة" بالباء والسين وهي: الناقة تجعل معها ولدها، يجعل ذلك في ربع الرئيس ولا يعتد عليه بولدها إذا لم تكن البسائط بعدد أصحابه فإذا كانت بعددهم كانوا فيها شرعًا، ومنه النقيعة أيضًا وهو بعير يؤخذ من الإبل فينحره ويطعمه وليست في الإسلام. المعنى: يقول: كنت رئيس القوم لك ما للرئيس من الغنائم وسائر ما ذكره. أفاتته بنو زيد بن عمرو ولا يوفي ببسطام قتيل وخر على الألاءة لم يُوسد كأن جبينه سيف صقيل فإن يجزع عليه بنو أبيه فقد فجعوا وفاتهم جليل بمطعان إذا ما الخيل خامت وعرد عن حليلته الحليل أفاتته: قتلته، ولا يوفى أي لا كفؤله في الناس فيقتل به، والألاة شجر مثل الطرفاء، وقوله: إذا ما الخيل خامت أي نكلت، وعرد بمعنى عدل، والمعرد

الجبان. المعنى: يصف قتله وأنه لا كفؤ له، ويذكر سقوطه عند القتل على الالاءة، ولم يدفن، وشبه بياض جبهته بسيف مجلو، ثم عذر قومه في الجزع عليه، ووصف جوده ومطاعنته عند عدول الحليل عن حليلته وذهوله عنها لشدة الحرب، ويروى "ونابهم جليل". (94) وقال الهذيل بين هبيرة التغلبي، جاهلي، والهذيل فعيل من الهذلان وهو الاضطراب، وهبيرة تصغير هبرة وهي القطعة من اللحم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألكني وفر لابن الغريرة عرضه إلى خالد من آل سلمى بن جندل فما أبتغي في مالك بعد دارم وما أبتغي في دارم بعد نهشل وما أبتغي في نهشل بعد جندل إذا ما دعا الداعي لأمر مجلل وما أبتغي في جندل بعد خالد لطارق ليل أو لعان مُكبل ألكني أي كن رسولي إلى خالد برسالة، ليس فيها كلام قبيح، وفر أمر وفر يفر فهو موفور، وطارق ليل ضيف يجيء ليلًا، وعان مكبل أي أسير مقيد، وأمر مجلل معظم، المعنى: يقول: ليس في مالك بعد زيد بن مناة خير، ولا في دارم خير بعد نهشل ولا في نهشل خير بعد جندل، وليس في جندل بعد خالد من يقري طارقًا أو يفك الأسير المكبل.

(95) وقال إياس بن الأرت، اسلامي، واياس من الأوس وهو العوض، وليس من اليأس، والارت الذي في لسانه رتة أي عجلة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ولما رأيت الصبح أقبل وجهه دعوت أبا أوس فما إن تكلما وحان فراق من أخ لك صالح وكان كثير الشر للخير توأما تتابع قرواش بن ليلى وعامر وكان السرور يوم مات مذمما هممت بأن لا أطعم الدهر بعدهم حياة فكان الصبر أبقى وأكرما قوله: "فما إن تكلما" يعني ما تكلما، وإن زائدة، وكان كثير الشر أي عنده في حال الغضب شر كثير، وعند الرضا كأنه ولد معه الخير فهو توأم له، وقوله: "هممت بأن لا أطعم" أراد هممت بأن أترك الطعام والشراب حتى لا أحيا، ويروى "هممت بأن لا أطعم النوم بعدهم"، فكان الصبر أبقى أي أوفى، ويروى "مدمدمًا" أي مغيبًا، ويروى "مدمما" بالدال من دممت الشيء إذا غطيته. المعنى: يرثي أبا أوس ويصفه بضر العدو ونفع الصديق، وذكر موت واحد بعد واحد وغيبة السرور عنه، وشدة المصيبة عليه. (96) وقال قبيصة بن النصراني الجرمي وقبيصة فعيلة من القبض وهو القبض

بأطراف الأصابع: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ألا يا عين فاحتفلي وبكي على قرم لريب الدهر كاف وما للعين لا تبكي لحوط وزيد وابن عمهما ذُفاف وعبد الله يا لهفى عليه وما يخفى بزيد مناة خاف وجدنا أهون الأموال هُلكًا وجدك ما نصبت له الأثافي احتفلي: احتشدي واجتهدي في البكاء، على حوط وذفاف اسم مرخم أصله ذفافة إلا أنه لم ينو فيه الترخيم، وقوله: "وما يخفى بزيد مناة خاف" كأنه قال وما يخفى زيد مناة خفاء، فجعل خاف في موضع "خفاء" كما تقول: قمت قائمًا أي قيامًا، ومعنى البيت أن زيد مناة مشهور لا يخفى أمره، وفيه وجه آخر هو أن ما يخفى زيد مناة مخف لشهرته، كما تقول ما يذهب بزيد ذاهب، فتجعل الباء للتعدي، وجدك قسم أي وعظمتك، وما نصبت له الأثافي يعني ما يذبح ويطبخ يقول: هلاك المال سهل وإنما الصعب هلاك الرجال. المعنى: يستمد البكاء من عينيه على جماعة سماهم، ثم هون هلاك المال معظمًا هلاك الرجال. (97) وقال أبو صعترة البولاني في بني أخيه: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) زكيرة وابنا أمه الهم والمنى وبالصدر منهم كلما غبت هاجس أودهم ودًا إذا خامر الحشا أضاء على الأضلاع والليل دامس

بنو رجل لو كان حيًا أعانني على ضُر أعدائي الذين أمارس زكيرة ابن أخيه وابنا أمه أخوا زكيرة، وهاجس أي خاطر، يعني أهتم لهم كلما غبت عنهم، ودامس أي مظلم. المعنى: يرثى لبني أخيه، ويذكر إفراط إهتمام بأمرهم ويشكو أخاه المتوفى. (98) وقال الغطمش الضبي من بني شقرة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا رُب من يغتابني ود أنني أبوه الذي يدعى إليه وينسب على رشدة من أُمه أو لغية فيغلبها فحل على النسل منجب على رشدة أي على نكاح صحيح، أو لغية على غير نكاح، والمنجب من يلد نجيبًا. المعنى: يصف فضله ويذكر أن من يذكره بالسوء يتمنى أنه ولده نكاحًا أو سفاحًا. فبالخبر لا بالشر فارج مودتي فأني امرؤ يقتال منه الترهب يقتال: يحتكم يعني فإني امرؤ يحكم بأن يترهب منه، ويروى "وأي امرئ" وفسره أي امرئ يطلب مودته على الرهبة، وليس له وجه. المعنى: يقول: اطلب مودتي بالرفق لا بالعنف، فإني لا أعطي على القسر، وإني من يرهب منه. أقول وقد فاضت لعيني عبرة أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب

أخلاء لو غير الحمام أصابكم عتبت ولكن ما على الموت معتب معتب موضع العتب. المعنى: يرثي أخلاءه، ويعتذر إليهم في ترك العتب على الموت. (99) وقالت امرأة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا فاقصري من دمع عينيك لن ترى أبًا مثله تنمي إليه المفاخر وقد علم الأقوام أن بناته صوادق إذ يندبنه وقواصر أقصري: أي كفي، ويروى "فاقصري" من أقصر إلا أنه أدرج ألف القطع، وصوادق جمع صادقة وقواصر يقصرن أي يعجزن أن يبلغن الثناء عليه. المعنى: يستكفها عن البكاء على أبيها ويريد أنه لجلالته وكثرة مفاخره لا يقضي البكاء حقه. (100) وقال القلاخ بن حزن، إسلامي، والقلاخ من قلخ البعير قلخًا وقليخًا إذا صاح.

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) سقى جدثًا وارى أريب بن عسعس من العين غيث يسبق الرعد وابله مُلث إذا ألقى بأرض بعاعه تغمد سهل الأرض منه مسايله العين: ما بين قبلة العراق ومغيب الشمس، ويقال: إنها لا تكاد تخلف سحابًا نشأ منها حتى يعقب المطر، ويدوم مطرها أيامًا، يسبق الرعد وابله لكثرته وشدته، وملث لازم، والبعاع ثقله، وتغمد بالعين والغين أي غطى. المعنى: يستسقى لقبر أريب على رسم العرب. فما من فتى كُنا من الناس واحدًا به نبتغي منهم عميدًا نُبادله ليوم حفاظ أو لدفع كريهة إذا عي بالجمل المعضل حامله العميد: السيد، يعتمد عليه في الأمور، ونبادله أي نأخذ به بدلًا منه، وهذا البيت فيه تقديم وتأخير، ومجازه فما من الناس فتى كنا نبتغي من القوم واحدًا عميدًا نبادله به، والهاء في به للمرثي، والمعضل: الثقيل الشديد. المعنى: يصفه بأنه لا نظير له، وما كنا نرضى أحدًا بدله. وذي تُدرأ ما الليث في أصل غابه بأشجع منه عند قرن ينازله قبضت عليه الكف حتى تُقيده وحتى يفي للحق أخضع كاهله ذو تدرأ ذو شغب من الدرء وهو الدفع، وتقيده تنتصف منه، وحتى يفي

للحق يعني حتى انقاد للحق. المعنى: يصف أنه كان يغلب الأجلاد أمثال الليوث، ويقودهم إل الحق. فتى كان يستحي ويعلم أنه سيلحق بالموتى ويذكر نائله المعنى: يصفه بالحياء وأجزال الحبا لأنه إذا علم أنه ميت يذكر إن هو أجزل العطية. (101) وقال الضبي: (من الكامل والقافية من المتواتر) أأبي لا تبعد وليس بخالد حي ومن تصب المنون بعيد أأبي إن تُصبح رهين قرارة زلخ الجوانب قعرها ملحود فلرب مكروب كررت وراءه فمنعته وبنو أبيه شهود أنفا ومحمية وأنك ذائد إذ لا يكاد أخو الحفاظ يذود ولرب عان قد فككت وسائل أعطيته فغدا وأنت حميد يُثني عليك وأنت أهل ثنائه ولديك إما يستزدك مزيد رهين قرارة يعني القبر، وزلخ الجوانب أي جوانبها مزلة يقال: مكان زلخ وزلوخ أي لا تستقر عليه قدم، والأنف والحمية بمعنى واحد، وكرر المعنى لاختلاف اللفظين، والذود أصله منع الإبل عن حوض، ثم سمي به كل منع على وجه الحماية، وقوله: أما يستزدك، ما زائدة يريد أن يستزدك. المعنى: يرثي أبيًا ويقول: إن صرت مقبورًا فرب كرب فرجت وأسير فككت، وسائل أعطيت، فاستوجبت الثناء وإن طلب الزيادة منك زدت. (102) وقال عكرشة أبو الشغب، إسلامي، كان في زمن خالد بن عبد الله القسري

وهو يرثي ولده شغبًا، والعكرشة الأرنبة سميت بذلك لأنها تأكل العكرشن والشغب الجلبة: (الثاني من البسيط والقافية من المتراكب) قد كان شغب لو أن الله عمره عزًا تُزاد به في عزها مُضر فارقت شغبًا وقد قوست من كبر لبئست الخلتان الثكل والكبر قوست: انحنيت فصرت كالقوس. المعنى: يرثي ابنه شغبًا ويمدح قبيلته ويشكو الهرم وفقدان الولد. (103) وقال آخر يرثي ابنه: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لله در الدافنيك عشية أما راعهم مثواك في القبر أمردا مجاور قوم لا تزاور بينهم ومن زارهم في دارهم زار هُمدا الإضافة مع الألف واللام قليلة. المعنى: يتعجب من دفنهم أمرد يقول: أما فزعهم ذلك فيمتنعوا من دفنك، ثم وصف أحوال الموتى أن من زارهم من الأحياء زار همدًا موتى لا يسمعون ولا يجيبون. (104) وقال لبيد بن ربيعة العامري، مخضرم:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لعمري لئن كان المُخبر صادقًا لقد رزئت في حادث الدهر جعفر أخًا لي أما كل شيءٍ سألته فيُعطى وأما كل ذنب فيغفر المعنى: يعني أخاه أربد وقد أهلكه الله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فأصابته صاعقة فأخبر لبيد فقال: لئن صدق الخبر فقد رزئت قبيلتي به، ثم وصفه بحسن مؤاتاته له، وجعفر قبيلة، واللبيد جوالق صغير. (105) وقالت زينب بنت الطثرية ترثي أخاها يزيد بن الطثرية، والطثرية من

الطثر وهي خثورة اللبن الذي فوقه لبن خائر، ويقال طاثر، وهي إسلامية كانت في زمن هشام: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أرى الأثل من بطن العقيق مجاوري مقيمًا وقد غالت يزيد غوائله فتى قدقد السيف لا متضائل ولا رهل لباته وأباجله إذا نزل الأضياف كان عذورًا على الحي حتى تستقل مراجله الأثل: شجر يشبه الطرفاء، والعقيق: واد ببلاد بني عامر وهو من الحجاز، وغالت يزيد أي أهلكته، وغوائله مهلكاته تعني الحوادث، قد قد السيف أي طبع كالسيف في استقامته وصرامته، لا متضائل: لا قصير ضعيف، ولا رهل: لا مسترخ لحم لباته واللبة النحر، والأباجل جمع أبجل، وهو عرق ما بين العنق إلى الترقوة، عذور: سيء الخلق، وتستقل مراجله حتى تنتصب قدوره الكبيرة. المعنى: ترثي أخاها يزيد، وتصفه باستواء القامة وخفة الحركة والخلقة، واستعجال إطعام الأضياف إذا نزلوا. والبيتان الثاني والثالث هما في جملة أبيات العجير، ولا أدري السبب فيه. مضى وورثناه دريس مُفاضة وأبيض هنديًا طويلًا حمائله وقد كان يروي المشرفي بكفه ويبلغ أقصى حجرة الحي نائله كريم إذا لاقيته مُتبسمًا وإما تولى أشعث الرأس جافله إذا القوم أموا بيته فهو عامد لأحسن ما ظنوا به فهو فاعله

الدريس: الخلق من الدروع وغيرها، والجمع درسان، ويروى "محامله" وحمالة السيف ومحمله واحد، وإما تولى ما زائدة يعني وإن تولى، أشعث الرأس لا يشتغل بتزيين نفسه، وإنما يشتغل بخدمة الأضياف، وجافله أي غير مسرح. ترى جازريه يرعدان وناره عليها عداميل الهشيم وصامله يُجران ثنيًا خيرها عظم جارة بصيرًا بها لم تعد عنها مشاغله ترى جازريه يرعدان من خوفه لاستعجاله أياهما، وقيل: بل يرعدان من شدة البرد، تخبر أنه كان ينحر في الشتاء والبرد، وأما قولها: "عداميل الهشيم وصامله" فالهشيم المنكسر يبسًا، والصامل اليابس الصلب، ومنه الصمل، والعدامل جمع عدمول وهو البالي القديم من الشجر، ويروي "عدولي الهشيم" منسوب إلى عدولي، ويجران ثنيًا يعني يجر جازراه ثنيًا أي ناقة ولدت بطنين وولدها أيضًا ثنى، وخيرها عظم جارة أي الذي يهدي للجار خيرها عظمًا، أي خير عظم فيها يهدي لجاره. ولم تعد عنها مشاغله أي لم يشغل عنها ضنه بها، يعني كان بصيرًا بقرى الضيفان والنحر لهم. المعنى: تصفه بأنه لم يترك ارثًا غير سلاحه، وأنه كان ضرابًا بالسيف مطعامًا للضيف نحارًا في الجدب متعهدًا للجار. (106) وقال منقذ الهلالي، إسلامي: (الثاني من العروض الثانية من الكامل والقافية من المتواتر) الدهر لاءم بين ألفتنا وكذاك فرق بيننا الدهر وكذاك يفعل في تصرفه والدهر ليس يناله وتر

لاءم جمع، والملاءمة الجمع بين الشيئين، وقوله: "والدهر ليس يناله وتر" أي لا يتهيأ الانتقام من الدهر، فهو ينال ولا ينال. المعنى: يشكو الدهر. كنت الضنين بمن أصبت به فسلوت حين تقادم الأمر ولخير حظك في المصيبة أن يلقاك عند نُزولها الصبر المعنى: سلاني عنه بعد ضنى به تقادم الزمان، ولما ذكر أنه سلا اعتذر لنفسه وأشار إلى أنه سلا صبرًا واحتسابًا، وجعل خير حظ في المصيبة للمصاب عن الفائت الصبر إذا كان عند نزولها. (107) وقال أبو حكيم المرئ يرثي ابنه حكيمًا، إسلامي: [الثاني من الطويل والقافية من المتدارك] وكنت أرجي من حكيم قيامه علي إذا ما النعش زال اتدانيا فقدم قبلي نعشه فارتديته فيا ويح نفسي من رداءٍ علانيا قيامه على يعني للتجهيز، وأراد بالنعش الجنازة، ارتداني حملني على عاتقه في موضع الرداء، وقوله: فيا ويح نفسي من رداء علانيًا، يعني جنازته حمله على موضع فسماه باسمه. المعنى: يرثي ابنه ويذكر كان يتمنى أن يتقدمه فقدمه. (108) وقالت أم قيس الضبية ترثي أخًا لها، إسلامية:

(الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) من للخصوم إذا جد الضجاج بهم بعد ابن سعد ومن للضمر القود ومشهد قد كفيت الغائبين به في مجمع من نواصي الناس مشهود الضجاج والضجيج: الصياح والجلبة، تعني: من يدفع شغب الخصوم إذا راموا الغلبة، القود الطوال الأعناق، أي من يحسن أن يركب الخيول بعدك، ويغزو عليها ويغير، ونواصي الناس أشرافهم تريد أنه في مقدمة الناس. فرجته بلسان غير مُلتبس عند الحفاظ وقلب غير مزوود إذا قناة امرئ أزرى بها خور هز ابن سعد قناة صلبة العود غير مزؤود أي غير مذعور، تريد لم يتهيب اجتماع الأشراف، والخور اللين والضعف، وهو خوار يعني إذا ضعف، امرؤ صلب ابن سعد، فضربت القناة مثلًا للنفس. المعنى: ترثي ابن سعد وتصفه بالفروسية واللسن والجلد. (109) وقالت مية بنت ضرار الضبية ترثي أخاها قبيصة، إسلامية: (الثاني من الكامل والقافية متواتر) لا تبعدن فكل شيءٍ ذاهب زين المجالس والندي قبيصا يطوي إذا ما الشح أبهم قُفله بطنًا من الزاد الخبيث خميصا

قبيصا تريد قبيصة فرخمت، إذا ما الشح أبهم قفله أي منع البخل الأيدي عن الإنفاق، واشتد على الناس المعاش، وعم الجدب يطوى حينئذ بطنًا خميصًا، ومن الزاد الخبيث أي مما يصعب عليه تناوله: وكأنه صقر بأعلى مربأ من كل مرتبأٍ تراه شخيصا يسر الشتاء وفارس ذو قدمة في الحرب إن حاص الجبان محيصا المرتبأ: المكان العالين شبهته بالصقر في خفته، وجعلته موفيًا على المراقب، وهذا يحتمل وجهين أحدهما كما ذكرنا في قوله طلاع النجاد وطلوع الثنايا، والثاني أنه يحفظ أصحابه ليلًا من بغتة العدو الروابي كالصقر، وقولها "يسر الشتاء" أي ذو يسر وأكثر ما سمع في الجمع، ويجوز في الواحد، وذو قدمة أي ذو تقدم في الحرب، وإن حاص الجبان محيصًا يعني أن عدل الجبان عن التقدم، ومحيص مصدر ها هنا. المعنى: ترثي أخاها قبيصة وتصفه بأنه كان زين مجلس الشرب، وندى الخصومة، وتصفه بالعفة والخفة والنجدة، والندي المجلس ولكنه يستعمل في مجتمع الناس لأمر يحز بهم، والمجلس للشرب والطرب واللهو وغير ذلك. (110) وقال عكرشة أبو الشغب العبسي يرثي بنيه، إسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) سقى الله أجداثًا ورائي تركتها بحاضر قنسرين من سبل القطر مضوا لا يريدون الرواح وغالهم من الدهر أسباب جرين على قدر ولو يستطيعون الرواح تروحوا معي وغدوا في المصبحين على ظهر

لعمري لقد وارت وضمت قبورهم أكفًا شداد القبض بالأسل السمر يُذكرنيهم كل خير رأيته وشر فما أنفك منهم على ذُكر سبل القطر: ما يعظم منه، وغالهم أهلكهم واغتالهم مثله، وعلى ظهر أي على ظهر خيل جياد، وأكفا جمع كف، يذكرنيهم كل خير أي أذكرهم لما كانوا يلون من الخير إلى أوليائهم، ومن الشر إلى أعدائهم، ويجوز أن يكون أنهم كانوا يصنعون الخير ويكفون الشر، فأذكرهم كلما رأيت خيرًا وشرًا. المعنى: يرثي بنيه ويستسقي لقبورهم، ويذكر عجزهم عن العود إلى الدنيا، ثم وصف شدتهم واعتيادهم الخير والشر. (111) وقال رجل من بني أسد يرثي أخًا له، ويقال: أنها لمحمد بن كناسة الأسدي: (الأول من المنسرح والقافية من المتراكب) أبعدت من يومك الفرار فما جاوزت حيث انتهى بك القدر لو كان يُنجي من الردى حذر نجاك مما أصابك الحذر يرحمك الله من أخي ثقة لم يك في صفو وده كدر فهكذا يذهب الزمان ويفـ ـنى العلم فيه ويدرس الأثر

ويروى "أبعطت" مكان أبعدت وهما واحد، ويروى أسرعت أيضًا، وهذا الأسدي يرثي أخاه، وكان مرض في غربة فسأله الخروج به هربًا من موضعه في الغربة فمات في الطريق. المعنى يقول: بلغت في الفرار من الموت، فلم تجاوز القضاء، وما نفعك الحذر، ثم دعا وأثنى عليه لصفاء وده. (112) وقال النابغة الجعدي يرثي أخاه وحوح بن عبد الله، مخضرم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألم تعلمي أني رزئت مُحاربًا فمالك منه اليوم شيء ولا ليا ومن قبله ما قد رزئت بوحوح وكان ابن أمي والخليل المصافيا فتى كملت أخلاقه غير أنه جواد فما يُبقي من المال باقيا فتى تم فيه ما يسر صديقه على أن فيه ما يسوء الأعاديا أشم طويل الساعدين سميدع إذا لم يرح للمجد أصبح غاديا يدر العروق بالسنان ويشترى من المجد ما يبقى وإن كان غاليا صديقه يكون بمعنى الجمع. المعنى: يرثي محاربًا وأخاه وحوحا، يصفه بالجود وكمال الخير، واعتياد الخير والشر، والسميدع: السيد وهو من أسماء الأسد، وقوله: إذا لم يرح أي مولع بالمجد فإن لم يفعله مساء فعله صباحًا، ولما سمع عبد الملك بن مروان هذا البيت قال: "هلا قال إذا راح للمعروف أصبح

غاديا" فكان لا يخليه وقتًا من المعروف" ويصفه أيضًا بالطول والسؤدد والمجد والشجاعة. (113) وقال رجل من بني هلال يرثي ابن عم له، إسلامي: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) أبعد الذي بالنعف من آل ماعز يُرجي بمران القرى ابن سبيل لقد كان للسارين أي مُعرسٍ وقد كان للغادين أي مقيل بني المُحصنات الغر من آل مالك يُربين أولادًا لخير خليل ويروى "من آل مازن" والنعف ها هنا موضع بعينه، وهو أيضًا ما ارتفع عن الوادي إلى وجه الأرض، ومران اسم موضع بعينه، والمعرس الموضع ينزل فيه ساعة، وأكثره بالليل ولهذا طبقه بمقبل كما طبق السارين بالغادين، ويروى "خير معرس وخير مقبل" المعنى: لا يرجو ابن سبيل بمران قرى فقد مات من كان يقرى الناس ليلًا ونهارًا، ووصف نساء قبيلته بالعفاف ورجالها بالخير. (114) وقال كبد الحصاة العجلي، مخضرم: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ألا هلك المُكسر يال بكر فأودى الباع والحسب التليد ألا هلك المُكسر فاستراحت حوافي الخيل والحي الحريد

أودى الباع هلك الجود، استراحت حوافي الخيل لأنه كان يغزو عليها ويحفيها ولا يشفق عليها، الحي الحريد: المنفرد عن عظم القبيلة، استراحت من الحرب لأنه كان يفجؤهم. المعنى: ينعاه ويصفه بالجود وقدم الحسب وذكر أنه ليس بعده من يجري مجراه. (115) وقال ابن أهبان الفقعسي، يرثي أخاه، إسلامي وأهبان فعلان من الأهبة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) على مثل أُهبان تشق جيوبها وتُعلن بالنوح النساء الفواقد فتى الحي أن تلقاه في الحي أو يرى سوى الحي أو ضم الرجال المشاهد لفواقد جمع فاقدة وهي التي فقدت حميمًا لها، المشاهد المجالس، يضمهم يجمعهم، المعنى: يصف استحقاق النوح عليه وشق الجيوب له، وأنه فتى الحي في كل حال خاليًا ومحتفلًا. إذا نازع القوم الأحاديث لم يكن عييًا ولا لغبًا على من يُقاعد طويل نجاد السيف يُصبح بطنه خميصًا وجاديه على الزاد حامد جاديه عافيه. المعنى: يصفه بطول القامة، وإيثاره غيره على نفسه بالزاد. (116) وقال ابن عمار الأسدي يرثي ابنه، إسلامي:

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ظللت بجسر سابور مُقيمًا يؤرقني أنينك يا معين وناما عنك واستيقظت حتى دعاك الموت وانقطع الأنين جسر سابور موضع ويروى "دير سابور" ومعين اسم ابنه، وانقطع الأنين أي فارقت الروح البدن، ويروى "وليس بجسر سابور أنيس يؤرقه". المعنى: يصف قيامه على ابنه وسهره لسقمه إلى انقضاء نحبه. (117) وقال طريف بن وهب العبسي يرثي ابنه، إسلامي. (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) أرابع مهلًا بعض هذا وأجملي ففي اليأس ناه والعزاء جميل فإن الذي تبكين قد حال دونه تراب وزوراء المقام دحول ويروى "وبعد هذا" وأرابع يريد يا رابعة، ومهلًا بعض هذا أي كفى، وقوله: "ففي اليأس ناه" أي إذا أيست من شيء انتهيت عنه، ويروى "فبالناس ناه" يعني من أصيب مثلك فصبر، فإذا نظرت إليه اقتديت به وانتهيت من الجزع، وزوراء المقام يعني القبور، وجعلها زوراء للحد، ودحول مقعر لا على استواء، والدحل القعر في الأرض معوجًا. نحاه للحد زبرقان وحارث وفي الأرض للأقوام قبلك غول فأي فتى واروه ثُمت أقبلت أكفهم تحثي معًا وتهيل

نحاه للحد أي صيره في ناحية من قبره، زبرقان وحارث وهما اللذان دفناه، وغول أي هلاك، يقول: يا رابعة لم تخصي بموت ولدك، فإن الناس قديمًا يموتون، وثمت وثم ورب وربت بمعنى واحد الحثي لا يكون إلا مع وضع التراب، الهيل: الإرسال من غير رفع، فكأن من دنا من شفير القبر هال، ومن نأى عنه حثا، وقوله معًا يدل على أنهما كانا في وقت واحد. وظلت بي الأرض الفضاء كأنما تصعد بي أركانها وتجول وشد إلى الطرف من كان طرفه بعهد عُبيد الله وهو كليل وشد إلى الطرف أي نظر إلي بالجفاء من كان ينظر إلى في حياة ابني باللين، وقوله من كان طرفه هذه حاله فهو كذا. المعنى: يستكف امرأته من الجزع على ولدها ويعزيها بأن ما صار إليه ولدك هو سبيل الجميع، ثم ذكر اضطراب الأرض في عينه، وتغير الناس له بعد موت ابنه. لئن كان عبد الله خلى مكانه على حين شيبي بالشباب بديل خلى مكانه مات، شيبي رفع بالابتداء وخبره بديل، وموضع الجملة بإضافة حين إليها، وبدل وبديل واحد. لقد بقيت مني قناة صليبة وإن مس جلدي نهكة وذبول وما حالة إلا ستصرف حالها إلى حالة أخرى وسوف تزول وروي "وإن مس جسمي" ونهكة تغير، وذبول جفوف لزوال بهجة الشباب، وقوله: "وما حالة ... البيت" أي ستصرف صورتها إلى صورة أخرى. المعنى: لما مات ولده خشي أن يجترئ عليه أعداؤه فادعى أنه وإن مات ابنه على كبر سنه فقد بقيت قوة نفسه وإن ذهبت بشاشة جلده، ثم دل على تغير الأمور وانقلاب الأحوال.

(118) وقال أيضًا: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) وقاسمني دهري بني بشطره فلما تقضي شطره عاد في شطري أي جعل الدهر بني قسمين فأخذ أحدهما ثم عاد في شطري فأخذه أيضًا، ويروى "بني مشاطرًا". ألا ليت أمي لم تلدني وليتني سبقتك إذا كنا إلى غاية نجري وكنت به أكنى فأصبحت كُلما كنيت به فاضت دموعي على نحري وكنت به أكنى أي كلما قيل يا أبا وهب، ووهب ميت بكيت لأنهم ذكرونيه. وقد كنت ذا ناب وظفر على العدى فأصبحت لا يخشون نابي ولا ظفري وقد كنت ذا ناب أي كانوا يهابوني كما يهاب الليث، فلما مات ابني صاروا لا يخشون نابي ولا ظفري لأنهما ذهبا. (119) وقالت امرأة ترثي أباها: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) إذا ما دعا الداعي عليًا وجدتني أُراع كما راع العجول مُهيب

وكم من سمي ليس مثل سميه وإن كان يُدعي باسمه فيجيب العجول التي ذهب ولدها، فهي تفزع من كل شيء، فإذا صوت بها فزعت أن يذهب بها كما ذهب بولدها. المعنى: تذكر جزعها عند ذكر أبيها وسماعها اسمه، ثم فضلت أباها على كل من تسمى باسمه. (120) وقال رجل من كلب، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لحا الله دهرًا شره دون خيره تقاضى فلم يحسن إلينا التقاضيا لحا الله دهرًا شتم أي قشره الله، دون خيره أراد في الحكم لا في الوقت، أي شره أكثر من خيره، تقاضى لا جماع أن لا خلود فكأن الأرواح دين للدهر، وقال: لم يحسن إلينا التقاضيا لأنه أخذ قبل الوقت عنده. فتى كان لا يطوي على البخل نفسه إذا ائتمرت نفساه في السر خالياً

لا يطوى على البؤس نفسه أي لا يضمره، وقوله: إذا ائتمرت نفساه في السر هذا مجاز لأن الإنسان لا يكون له نفسان لكنه يقال للمفكر في شيء والمدبر في الأمر يؤمر نفسه، وذلك أنه إذا تأمل أمرًا يريده فربما عن له وجه آخر يحثه عليه، ثم عن له وجه آخر يزجره عنه، فينزلون ذلك منزلة نفسين له. والمعنى معروف يدعو على الدهر. (121) وقال الأبيرد اليربوعي يرثي أخاه، إسلامي والأبيرد تصغير أبرد، سحاب أبرد فثيه البرد، وثور أبرد فيه سواد وبياض، والأبردان الغداة والعشي واحدهما أبرد: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) ولما نعى الناعي بُريدًا تغولت بي الأرض فرط الحزن وانقطع الظهر تغولت: تكفأت ودارت، يريد دارت بي الأرض. المعنى: يصف عظم تأثير المصيبة فيه، ويروى "يزيدا". عساكر تغشى النفس حتى كأنني أخو نشوة مالت بهامته الخمر ويروي "أخو سكرة دارت" شبه تجمع الأحزان بغشيان العساكر أياه، مالت بهامته الخمر ثقلته سكرًا. المعنى: شبه كثرة الأحزان عليه بالعساكر، وشبه تأثيرها فيه بتأثير الخمر في شاربها

أحقًا عباد الله أن لست لاقيًا بريدًا طوال الدهر ما لألأ العفر فتى إن هو استغنى تخرق في الغنى وإن قل مال لم يضع متنه الفقر وسامي جسيمات الأمور فنالها على العسر حتى يُدرك العسرة اليُسر طوال الدهر يعي آخر الدهر، ويروي "أدرك العسر" وما لألأ العفر أي ما حركت الظباء أذنابها، وتخرق في الغنى توسع وصار خرقًا لا يمسك شيئًا، وإن قل مال لم يتواضع له ولم يذل، سامي ارتفع إليها طالبًا. المعنى: يظهر اليأس من مرثيه، ويثني عليه بالاتساع في حال الغنى وقلة المبالاة بالفقر، وطلبه الأمور العظام. فتى لا يعد الرسل يقضي ذمامه إذا نزل الأضياف أو تنحر الجزر الرسل: اللين، والذمام: الذمة والحق، والجزر: جمع جزور. المعنى: يصف مبالغته في الجود يقول: لا يرى قضاء ذمام الضيف الا أن ينحر له ويطعمه من لحم الجزور. (122) وقال سلمة بن يزيد الجعفي يرثي أخاه لأمه سلمة بن مغراء، والسلمة ضرب

من الشجر - بفتح اللام - والسلمة - بكسرها - الصخرة وجمعها سلام. وبنو سلمة بطن من الأنصار، ليس في العرب بنو سلمة غيرهم: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) أقول لنفسي بالخلاء ألومها لك الويل ما هذا التجلد والصبر ألم تعلمي أن لست ما عشت لاقيا أخي إذ أتى من دون أوصاله القبر الخلاء: الخلوة، والتجلد: إظهار الجلد. المعنى: يلوم نفسه على الصبر عن أخيه يقول: اجزعي فهو أوان إذ لا مطمع فيه. وكنت أرى كالموت من بين ليلة فكيف ببين كان ميعاده الحشر وهون وجدي أنني سوف أغتدي على اثره يومًا وإن نفس العمر وإن نفس العمر أي أطيل، ويروي "الأمر" آ. المعنى: يقول كنت أجزع من فراق ليلة فكيف لا أجزع من فراق لا ملتقى بعده إلى يوم القيامة. فتى كان يعطي السيف في الروع حقه إذا ثوب الداعي وتشقى به الجزر ثوب الداعي [أي دعا وأصله أن يكون الرجل في مفازة لا يهتدي بها فيلوح بثوبه فربما رآه إنسان، فيهديه وينجيه، ثم استعمل في غيره]، وقوله: "وتشقى به الجزر" أي ينحر الإبل. المعنى: يصفه بضرب السيف وإطعام الضيف. فتىً كان يدنيه الغني من صديقه إذا ما هو استغني ويبعده الفقر المعنى: يصفه بمؤاساة الناس من ماله في حال غناه ورفعه كله عنهم في حال فقره

(123) وقالت عمرة الخثعمية ترثي ابنيها، وقال البرقي هي لمحياه بن طليق بن جشم، وأنشد أبياتًا ليست في الاختيار هي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) نعى ابني مخل صوت ناع أصمني فلا آب محبوًا بريد نعاهما وجاز إلى الناس حتى أعجني يُخبرني بابني أن لن أراهما بُنيا عجوز خرم الدهر أهلها فما أن لها إلا الإله سواهما أصمني: ساء أذني فجعله بمنزلة الصمم، فلا آب محوًا أي لا رجع مكرمًا معطى من صوته إذا أعطيته، والبريد الرسول، وفي الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا أبردتم إلى بريدًا فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم" وأعجبني من العجيج وهو الصوت، وخرم أي قطع بالموت. لقد زعموا أني جزعت عليها وهل جزع أن قلت وابأباهما بأباهما تريد بأبي هما، كما تقول بأبي أنت، ولكنه لغة بعض العرب يقلبون ياء الضمير ألفًا يقولون: هذا أبا وأنت أخا بمعنى أبي وأخي. المعنى: تستقل الجزع عليهما وتقول: زعموا أني جزعت وليس بجزع أن أفديهما بأبي. هما أخوا - في القوم - من لا أخا له إذا خاف يومًا نبوة فدعاهما ويروى "هما أخو في الحرب" وقولها: "أخوا في القوم من لا أخا له"

فصلت بين المضاف والمضاف إليه بالظرف، وذلك قليل إلا في الشعر عند الضرورة، والنبوة كالجفوة، والمعنى: تصفهما بمعاونة المضطر إذا دعاهما. هما يلبسان المجد أحسن لبسة شحيحان ما اسطاعا عليه كلاهما شهابان منا أوقدا ثم أخمدا كان سنًا للمُدلجين سناهما ما اسطاعا أي ما استطاعا، وقولهما شحيحان أي شحيحان على المجد لا يفارقانه، والسنا الضوء مقصور، والشهاب النجم تقول: كانا نجمين طلعا ثم غابا، وكان الناس يستضيئون بهماز المعنى: تصفهما بحب المجد وأداء حقه وتشبههما بنجمين يستضيء بهما المدلجون إلا أنهما لم يدوما. هما الفتيان لم يمرا فيلفظا ولم يحلوا لمن أراد أذاهما لم يمرا من المرارة، أرادت قول الناس "لا تكن حلوًا فتسترط ولا مرًا فتُلقى" المعنى: تقول لم تكن فيهما شراسة تنفر الناس عن صحبتهما، ولا لين يجرئ الناس عليهما. إذا نزلا الأرض المخوف بها الردى يُخفض من جاشيهما مُنصلاهما الجأش القلب، ولم يسمع له بجمع، والمنصلان: السيفان ها هنا، ويروى "يسكن" المعنى: تصفهما بالجرأة والاعتماد على السيف في موضع الخوف. إذا استغنيا حب الجميع إليهما ولم ينأ عن نفع الصديق غناهما إذا افتقرا لم يجثما خشية الردى ولم يخش رزءًا منهما مولياهما حب بمعنى حبب، وحب على ما لم يسم فاعله، ولم يجثما أي لم يسقطا مكانهما فعل العاجز، ولم يخش أبناء عمهما جنايتهما، ورزءًا: جناية، تقول: كان غناهما مشتركًا، ولم يعجزها الفقر ولم يحملهما على الجناية في [أقاربهما].

لقد ساءني أن عنست زوجتاهما وأن عريت بعد الوجى فرساهما ولن يلبث العرشان يُستل منهما خيار الأواسي أن يميل غماهما عنست زوجتاهما: أي بقيتا بلا زواج، يقال: عنست المرأة إذا بقيت لم تتزوج، وعريت فرساهما: حطت سروجهما بعد الوجى بكثرة الكرة، والعرشان كل بناء مشرف قائم على دعائم عرش، ويقال للسرير عرش، ويستل: ينتزع والأواسي: الدعائم الواحدة آسية، والغما بالقصر والفتح ما غطيت به البيت فإن كسرت أوله مددت. المعنى: تذكر مساءتها بموتهما، ثم ضربت مثلًا لاختلاط أمرها بالبيت المنصوب على قوائم إذا انتزعت دعائمه أسرع السقوط إليه. (124) وقال آخر: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) صلى الإله على صفي مدرك يوم الحساب ومجمع الأشهاد نعم الفتى زعم الرفيق وجاره وإذا تصبصب آخر الأزواد صلى الإله يعني رحمة الله على صديقي، ومدرك اسمه، ومجمع الأشهاد يوم القيامة، وقوله: "تصبصب آخر الأوزاد" أي صارت الأوزاد صببًا جمع صبة وصبابة وهي البقية، ومعنى تصبصب في البيت أي فني ونفد. وإذا الركاب تروحت ثم اغتدت حتى المقيل فلم تعج لحياد حثوا الركاب تؤمها أنضاؤها فزها الركاب مغنيان وحاد

ويروى "حثوا ركابهم تيمم مدركًا" وقوله: فلم تعج لحياد أي فلم تمل إلى شيء يمال إليه من المرعى، ويروى "لجياد" بالجيم، لوقوف الخيل وسقوطها لأن الإبل أصبر وأحمد للكد من الخيل، وحثوا الركاب أي أجدوا سيرها، وتؤمها أنضاؤها أي تتبعها مهازيلها من الام وهو القصد ويروي "تؤوبها" أي تتحامل أنضاؤها إليها، وهذا أجود، فزها الركاب أي استخفها وحملها على السير السريع مغنيان من الغناء، وحاد من الحداء. لما رأوهم لم يحسوا مُدركًا وشعوا أناملهم على الأكباد ويروى "لما رأوا أن لم" لما رأى أهل الحي أن مدركًا يقفل معهم وجعت أكبادهم جزعًا، فوضعوا أيديهم عليها خوف التقطع. المعنى: يسترحم الله مدركًا يوم القيامة ويصفه بالجود في وقت الضيق، ويشير إلى أنه كان غائبًا في جماعة فلما عادوا، ولم يكن فيهم اشتد ذلك عليهم، وخافوا الهلاك على أنفسهم. (125) وقال الشماخ بن ضرار في عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مخضرم

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) جزى الله خيرًا من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدمت بالأمس يُسبق قضيت أمورًا ثم غادرت بعدها بوائج في أكمامها لم تفتق كان الشماخ نصرانيًا، وكان جميع الملل يحبون عمر - رضي الله عنه - لحسن طريقته وشمول عدله وأمن الرعية في سلطانه، وقوله: باركت يد الله أي بارك الله واليد صلة، والأديم الممزق: جلده الذي أصابته الجراحة، ويروى "ذاك الأهاب الممزق" وقوله: فمن يسع ... الخ يريد من تكلف لحاقك كان مسبوقًا لأنه لا يلحقك، وبوائج أي دواهي واحدتها بائجة، ويروى "بوائق" بمعناها، يعني أن ما بقي من أمر السياسة ما لم يفرغ منه دواه، رأيت الوجه فيها تركها مغطاة، وفسر بعضهم أن معنى قوله: بوائج ضغائن في قلوب رجال كأبي سفيان وأهل بيته لم تفتق لم يظهروها، لأنهم لم يجسروا على إظهارها. المعنى: يرثيه ويثني عليه بالسبق فيما كان يأتي ويذر. أبعد قتيل بالمدينة أظلمت له الأرض تهتز العضاه بأسوق ويروى "أصبحت له الأرض" وقال بعضهم أن "أظلمت له الأرض" خطأ واضح بأن قال: كيف تهتز العضاه وتظلم الأرض في حال واحدة وهما مخالفان لأن أظلام الأرض من غم عظيم واهتزاز العضاه من السرور والنعيم. وليس كما ذهب إليه لأن قوله: أظلمت متعلق معناه بقوله: أبعد قتيل بالمدينة الذي أظلمت الأرض لموته فيكون صحيحًا، ولا يكون الإظلام والاهتزاز متصلين، وتقديره يكون وبعد ما أظلمت له الأرض، أي لموته الأرض، أي بعد ذلك كيف يهتز العضاه له، ولأجله

بعد موته لأن ما يهتز بد موته لا يكون له بوجه ولا لأجل موته، وقال هذا المنكر: إنما معناه أبعد قتيل بالمدينة أصبحت له الأرض، يعني كان ملكًا للأرض كلها تهتز له وتورق ولا تجف ولا تسقط، وكان حقها أن تكون بعد موته تيبس وتفنى، ولا يكون في الأرض بعده نبات، والصحيح الأول، والعضاه ضرب من الشجر واحده عضه. تظل الحصان البكر يُلقي جنينها نثا خبر فوق المطي معلق لا يقال نثا في الخير، ومعلق نعت للخبر، لأن الراكب أخبر بقتله، فجعله معلقًا مجازًا، المعنى: يصف عظم المصيبة به حتى ظلت الحصان تلقى جنينها لهول الخبر، والحامل إذا عظم عليها ما تكره ربما أسقطت. وما كنت أخشى أن تكون وفاته بكفى سبنتى أزرق العين مطرق السبنتى: الجريء، وأكثر ما يوصف به النمر أزرق العين يعني أبا لؤلؤة - لعنه الله - وكان غلامًا روميًا، وقيل: كان أصبهانيًا للمغيرة بن شعبة فتك بعمر رحمة الله عليه في الصلاة، مطرق مسترخي الجفن، ويروي "أن تكون جنازة" بفتح الجيم أي ميتًا. المعنى: يقول: ما كنت أخشى أن تكون - مع جلالته - وفاته على يدي عبد مع خساسته ويصفه بالجرأة. (126) وقال صخر بن عمرو بن الشريد أخو الخنساء يرثي معاوية أخاه وكان قتله دريد وهاشم ابنا حرملة المريان فقيل لصخر اهجهم فقال: ما بيني وبينهم أقرع من

الهجاء، ولم أمسك عن هجائهم إلا صونًا لنفسي عن الخنا ثم أنه غزاهما وقتل أحدهما وقال: (الثالث من الطويل والقافية من المتدارك) وقالوا ألا تهجو فوارس هاشم ومالي واهداء الخنا ثم ماليا أبى الهجر أني قد أصابوا كريمتي وأن ليس اهداء الخنا من شماليا إذا ما امرؤ أهدى لميت تحية فحياك رب الناس عني معاويا فوارس هاشم يعني هاشمًا المري وأصحابه، ونصب أهداء الخنا لأنه أراد مالي ولإهداء الخنا، فلما حذف الجار نصبه، والكريمة أخوه، والهاء للمبالغة، ومن شماليا يعني من خلقي، وجمعه شمائل، ومعاويا أراد يا معاوية فرخم. المعنى: يذكر رزاه بأخيه، ووصفه بنهاية الكرم ووصف نفسه بالعقل واجتناب الفحش، ثم حيا أخاه. وهون وجدي أنني لم أقل له كذبت ولم أبخل عليه بماليا ويروي "وطيب نفسي" المعنى: يتعزى بأنه لم يوحشه ولم يكذبه ولم يمنعه ماله. لنعم الفتى أدى ابن صرمة بزه إذا راح فحل الشول أحدب عاريًا ويروي "فنعم الفتى" أي قتله ورد بزه إلى أهله، وقوله أحدب أي حدب من الهزال، وعاد قد عري من اللحم، يقول: لنعم الفتى هو وقت الجدب وقلة الخير يجود بماله. وذي إخوة قطعت أقران بينهم كما تركوني واحدًا لا أخا ليا

يعني دريدًا وأصحابه، وكان غزا فقتل دريدًا بأخيه، وأقران بينهم أي حبال وصلهم، المعنى: يصف إدراكه الثأر بأخيه. (127) وقالت أخت المُقصص الباهلية، إسلامية، والمقصص اسم مفعول من قصصت إذا جصصت والقصة الجص: [الثاني من الكامل والقافية من المتواتر] يا طور يومي بالقليب فلم تكد شمس الظهيرة تُتقى بحجاب ومُرجم عنك الظنون رأيته وراك قبل تأمل المرتاب القليب هنا اسم موضع، ولم تكد شمس الظهيرة .. الخ تعني طول اليوم يوم هلاكه ويروى "بالجريب" ومرجم عنك الظنون أي رب رجل رجم الظنون عنك، فقصدته وأغرت عليه قبل أن يتأمل من يشك في الأمر، تصف سرعة وروده على من يظن أنه في بعد منه، وتشير إلى أنه كان إذا هم لم يردعه شيء عن الوصول إلى مراده فأفأت أدمًا كالهضاب وجاملًا قد عدن مثل علائف المقصاب لكم المُقصص لا لنا أن أنتم لم يأتكم قوم ذوو أحساب فأفأت أي فغنمت، أدما أي ابلا بيضا، وكالهضاب جمع هضبة، أي كالجبال سمنًا وعظمًا، وجاملًا أي جمالًا، وقولها: "قد عدن مثل علائف المقصاب" تعني ما يعلف للذبح، والمقصاب شبه المنجل، تريد كأنها علائف

سمنت للنحر، والمقصاب أيضًا الرجل الكثير القطع، والقصاب الذي صناعته ذلك، فعلى هذا معناه مثل علائف الرجل الذي ينحر الإبل كثيرًا، ويروى "المقضاب" بالضاد معجمة، نسبة إلى القضب كأنها من سمنها علفت القضب، ومن روى "مثل علائف القصاب" فلا شغل فيه. المعنى: تستطيل يوم هلاكه ثم توعدت بدرك ثأره. فكه إلى جنب الخوان إذا غدت نكباء تقلع ثابت الأطناب وأبو اليتامى ينبتون ببابه نبت الفراخ بمكليء معشاب الفكه: الحسن الخلق الضحوك، وأبو اليتامى أي هو للأيتام بمنزلة الأب، وينبتون ببابه أي يجتمعون عنده، ويروى "بكاليء" والمعنى واحد، والمعشاب مكان كثير العشب. المعنى: تصفه بالبشاشة للأضياف والتوفر على الأيتام. (128) وقالت عمرة بنت مرداس ترثي أخاها عباسًا، إسلامية: (الثاني من الطويل والقافية متدارك) أعيني لم أختلكما بخيانة أبى الدهر والأيام أن أتصبرا وما كنت أخشى أن أكون كأنني بعير إذا يُنعى أخي تحسرا لم أختلكما بخيانة لم أخدعكما ولا أخونكما أي أقول لم تبكيا وقد فعلتما، ثم بينت عذرها عند عينيها فقالت: أبي الدهر أي لا صبر لي على الأيام، فلهذا استمد من دموعكما، وتحسر البعير إذا سقط معييًا، شبهت نفسها في سقوطها عند نعي أخيها ببعير يسقط كلالًا. ترى الخصم زورًا عن أخي مهابة وليس الجليس عن أخي بأزورا

ويروى "أبي" والخصم هنا بمعنى الجمع، وزورا أي مزوري، ونصبت مهابة لأنه مفعول له، تعني ترى الخصوم مزورين عن أخي لهيبته. المعنى: تصفه بالشدة على خصمه واللين لجليسه. (129) وقال ريطة بنت عاصم، إسلامية: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وقفت فأبكتني بدار عشيرتي على رزئهن الباكيات الحواسر الباكيات قال الديمرتي ويروى "الباليات" تعني موضع الخيام، وقالوا: "الذاهبات والأجود أن تكون "الباكيات" وهن النساء. مضوا كسيوف الهند وراد حومة من الموت أعيا وردهن المصادر شبهتهم بسيوف الهند رشاقة وصرامة، ووراد حومة جمع وارد، والحومة موضع القتال، لأن الأقران يحومون حولها، وكأنه موضع حومة، وقولها: أعيا وردهن المصادر أي لم يصدروا عنها: فوارس حاموا عن حريمي وحافظوا بدار المنايا والقنا متشاجر متشاجر: متداخل وسمي الشجر شجرًا لتداخل أغصانه. المعنى تصف وقوفها بدار عشيرتها وبكاها لفقدهم، ووصفتهم بحفظ الحريم عند الخطر العظيم.

ولو أن سلمى نالها مثل رزئنا لهدت ولكن تحمل الرزء عامر الرزء: المصيبة، وسلمى هنا جبل ببلاد طيء، وهما جبلان: أجأ وسلمى وهدت أي كسرت. المعنى تقول: لو أن مصيبتنا نالت الجبل لهدته ولكن قبيلتي عامرًا تصبر لأنها أشد من الجبل. (130) وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد تبكي زوجها عبد الله بن أبي بكر، إسلامية، وقتل عنها يوم الطائف رماه أبو محجن بسهم فقتله: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) اليت لا تنفك عيني حزينة عليك ولا ينفكن جلدي أغبرا فلله عينا من رأى مثله فتى أكر وأحمى في الهياج وأصبرا ويروي "عيني سخينة" أي باكية، وقولها: ولا ينفك جلدي أغبرًا من الغبرة وهو التقشف، فلله عينًا تعجب منها، وقولها أحمى في الهياج تريد أحمى للحقيقة وهو المسموع من كلامهم، وجاء هذا البيت بغيرها. إذا أشرعت فيه الأسنة خاضها إلى الموت حتى يترك الموت أحمرا

ويروى "الرمح أحمرًا" أي شديدًا، والعرب تصف الشدة بالحمرة فيقولون: الموت الأحمر لأن الغالب على ألوان السباع الحمرة، وقيل: بل لأن الدنيا تحمر في عين من تفارقه روحه عند ذلك. ويروى "حتى يترك الجون أشقرا" يعني يترك الأدهم وهو الأسود أشقر لكثرة ما ينصب عليه من دمه. المعنى: تحلف بأنها لا تفارق الحزن، ولا تقرب النعمة، ثم عجبت من إقدامه، ووصفته بالخوض إلى الموت غير مكترث. (131) وقالت امرأة من طيء: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تأوب عيني نُصبها واكتئابها ورجيت نفسًا راث عنها ايابها أعلل نفسي بالمرجم غيبه وكاذبتها حتى أبان كذابها تأوب: عاود، والتأوب لا يكون إلا بالليل، والنصب ما يؤذي منه، ومنه قوله تعالى: {بِنُصْبٍ وعَذَابٍ}، وقولها: أعلل نفسي ... البيت أي من غيابه بمرجم يظن به الظنون، وكاذبتها أي كاذبت نفسي، وحتى أبان أي ظهر كذبها. المعنى: تصف ورود الحزن عليها ليلًا، وخصت العين لأنها موضع البكاء، وذكرت تعليل نفسها وتكذيبها الخبر حتى ظهر كذبها. ألهفى عليك ابن الأشد لبهمة أفز الكماة طعنها وضرابها لبهمة أي لجماعة من الخيل شداد، وأفز الكماة طردهم واستخف بهم. تعني كنت تكفيهم البهمة بنفسك. متى يدعه الداعي إليه فإنه سميع إذا الآذان صم جوابها

هو الأبيض الوضاح لو رميت به ضواح من الريان زالت هضابها متى يدعه ... البيت تعني إذا لم يجيبوا خوفًا على أنفسهم فأنت سميع لأنك لا ترهب الموت، والأبيض والوضاح واحد، والريان جبل، وهضابها ما دون المرتفع. المعنى: تلهف عليه إذ لا يغيث الشجعان وقد اشتد بهم الأمر، وأخذ فيهم الطعن والضرب ثم وصفته بسرعة الإغاثة إذا لم يغث غيره، ووصفته بالحسن والشهرة والجلادة. (132) وقالت العوراء بنت سبيع، إسلامية: (من مرفل الكامل والقافية من المتواتر) أبكي لعبد الله إذ حشت قُبيل الصبح ناره طيان طاوي الكشح لا يُرخى لمظلمة ازاره يعصي البخيل إذا أرا د المجد مخلوعًا عذاره حشت ناره أوقدت، وهو مثل أرادت أنه قتل قبيل الصبح فضربت لقتله مثلًا بإيقاد النار، الطيان الجائع، وهنا هو الضامر، وقولها: "لا يرخى لمظلمة عذاره" الأصل في هذا أنهم ربما مروا إذا أظلم الليل إلى بعض النساء وقضوا منهن أوطارهم، فإذا خرجوا أرخو أزرهم لتنجر على الأثر فلا يبين، والمظلمة: المرأة التي أظلم عليها الليل، ويروى "لمعضلة" وهي الشدة والكريهة، ومخلوعًا عذاره تعني أنه لا يطيع العاذل. المعنى: ترثيه وتصفه بالجود والعفة. (133) وقالت عاتكة بنت زيد ترثي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: (الثاني من الرمل والقافية فيها المتدارك والمتراكب)

من لنفس عادها أحزانها ولعين شفها طول السهد جسد لفف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد فيه تفجيع لمولى غارم لم يدعه الله يمشي بسبد عادها: جاءها قالوا والعود بمعنى الابتداء قد يستعمل، وفي التنزيل "وما يكون لنا أن نعود فيها"، وشفها أضر بها وأذى بها، وتفجيع لمولى غارم تعني ابن عم له لزمه الغرم وكان يتحمل عنه فقد فجعه فقده، وبسبد تعني المال، تريد أفقره فلم يبق شيئًا، ويروى "لملوى جارم" المعنى تقول: من لنفس حزينة وعين ساهرة بإزالة الغم عنها، ثم ذكرت السبب في حزنها وسهرها فقالت: جسد تعني جسد المرثي، واسترحمت له ووصفته بكفايته الجناة والغارمين. (134) وقالت امرأة من بني الحارث: (من الرمل والقافية من المتدارك) فارس ما غادروه ملحمًا غير زميل ولا نكس وكل لو يشا طاربه ذو ميعة لاحق الآطال نهد ذو خصل غير أن البأس منه شيمة وصروف الدهر تجري بالأجل ما زائدة في ما غادروه، والمغادرة الترك، وملحمًا أي طعمة للسباع والزميل الضعيف، والنكس الذي لا خير فيه، وقولها: لو يشأ طار به ... البيت تعني فرسًا نشيطًا، والميعة النشاط تقول: لو شاء لنجا ولكن البأس شيمة منه منعته من الفرار فقتل، وقولها لاحق الآطال أي مضمر الخواصر. المعنى: تصف أنه ترك مقتولًا، ونفت عنه الضعف، وقالت: كان يقدر على الخلاص ولكن طبعه ومنعه من الفرار فقتل، وصروف الدهر تجري بالأجل أي تجري الأجل.

(135) وقال جرير يرثي قيس بن ضرار بن القعقاع (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وباكية من نأي وقد نأت بقيس نوي بين طويل بعادها أظن أنهمال الدمع ليس بمنته عن العين حتى يضمحل سوداهما وحق لقيس أن يباج له الحمي وأن تعقر الوجناء أن خف زادها بعادها: يعني بعاد نوي، وقوله: أن خف زادها - بفتح أن- يعني لأن خف زادها، أي مات صاحبها، يقول: كم من باكية من بعد قيس وقد مات، ثم أن يباح له الحمي، يعني لفقده فإنه كان يحميه، وأنن تعقر ناقته الوجناء، وعي العظيمة الوجنتين، لأنه مات صاحبها، وكانوا يفعلون ذلك. (136) وقال آخر: (الأول من الكامل والقافية من المتراكب) إن المساءة والمسرة موعد أختان رهن للعيشة أوعد فإذا سمعت بهالك فتيقن أن السبيل سبيله فتزود

المعنى: يوميء إلى أن المساءة لا تدوم، وأنها تتعقبها مسرة، وأن الهموم لها انقضاؤها، كما قيل: ما من فرحة إلا وبعدها ترجه، وجمل المساءة والمسرة هنا للغداة والعشي، لأن تغير الأحوال يكون فيهما، ويعلم أن الموت سبيل كل واحد فينذر بالتأهب والتزود. (137) وقال آخر: (الثاني من الطويل والفاقية من المتراكب) أخ وأب بر وأم شفيقة تفرق في الأبرار ما هو جامعه سلوت به عن كل من كان قبله فأدهلني عن كل من هو نابعة المعنى: يرثيه وبصفه بأنه كان بمنزلة أخيه وأبيه وأمه، وأنه كان جامعًا لخلائق الأبرار كلهم، وإن شدة الجزع لع وعظم المصيبة بموته أنساه موت كل من تقدم، ومات قبله من أعزته، وهون عليه موت من يموت بعده لقلة اكثرائه بغيره، وبين أن جزعه كله موقوف عليه لا يتعداه. تمت المرائي

باب الأدب

باب الأدب (1) وقال مسكين الدرامي، إسلامي كان في زمن الفرزدق: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) وفتيان صدق لست مطلع بعضهم على سر بعض غير أني جماعها فتيان جمع فتى، كما تقول: خرب وخربان، وجماعها: أي ما جمع عدداً، وكل ما جمع من شيء فهو جماعة، ويجوز أن يعود الضمير إلى ما دل عليه الكلام من ذكر الأسرار، فيكون جماعها أي الذي تجتمع فيه الأسرار، كما تقول: صوان للذي يصان به الشيء ونظام الأمر الذي به ينتظم. لكل امرئ شعب من القلب فارغ وموضع نجوى لا يرام اطلاعها الشعب: الفرجة بين الشيئين ضاق أو اتسع، وطريق الجبل شعب فعل بمعنى مفعول، وقوله من القلب أراد من قلبي، فأقام الألف واللام مقام الإضافة، والنجوى السر نفسه، وهو أيضاً جمع المسارين ولا يرام اطلاعها أي لا يطلب الاطلاع عليها، يعني لا يطمع في ذلك.

يظلون شتى في البلاد وسرهم إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها يظلون شتى يعني هؤلاء الفتيان يتفرقون في البلاد وسرهم إلى صخرة أي انضم إلى قلب شبه صخرة صماء، أعيا الرجال انصداعها أي أعجزهم أن يصدعوها لصلابتها. (2) وقال يحيى بن زياد: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) ولما رأيت الشيب لاح بياضه بمفرق رأسي قلت للشيب مرحبا ولو خفت أني إن كففت تحيتي تنكب عني رمت أن يتنكبا مفرق الرأس - بفتح الميم وكسر الراء - حيث أنفرق شعر، ويقال: مفرق فأما مفرق الطريق فبالفتح لا غير، ويروى ‹‹ ولو خلت ›› أي حسبت، ولو خفت بمعنى علمت، وقد يستعمل الخوف بمعنى العلم قال تعالى: ‹‹ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ›› وكففت تحيتي أي أمسكتها، تنكب عني أي عدل. ولكن إذا ما حل كره فسامحت به النفس يوما كان للكره أذهبا كره: أي مكروه، وسامحت به النفس أي تابعت به، وقوله: كان للكره أذهبا أي أسرع ذهاباً، وقيل: أراد أشد إذهابا للكره فحذف. المعنى: يصف رضاه بالشيب، وتحيته له لما ظهر برأسه لعلمه أنه إذ لم يزل عنه، ثم بين المكروه إذا نزل فانقادت له النفس كان أسهل منه إذا أظهر كراهيته. (3) وقال المرار بن سعيد الأسدي، إسلامي:

((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) اذا شئت يوما أن تسود عشيرة فبالحلم سد لا بالتسرع والشتم يسود عشيرته يكون سيدهم ويروى ‹‹ لا بالتترع ›› أي بالتعجل، ورجل ترع أي عجول. وللحلم خير فاعلمن مغبة من الجهل الا أن تشمس من ظلم مغبة أي عاقبة، وتشمس تنفر. المعنى يقول: من أحكام السيادة الحلم فاطلبها به ولا تطلبها يشتم الناس والعجلة في الأمور فان الحلم خير عاقبة من الجهل، إلا أن تظلم فلا وجه للصبر على الظلم. (4) وقال عصام بن عبيد الزماني، عصام: الخيط الذي تشد به القربة، وجمعه عصم، إسلامي: ((الثاني من البسيط والقافية من المتواتر)) أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة وفي العتاب حياة بين أقوام مغلغة أي رسالة، ولا يستعمل ذلك إلا فيما يتضمن معنى الشر والخصومة، والتغلغل الدخول في الشيء، وقوله: وفي العتاب حياة أي حياة للود والصلح،

وترك العتاب فساد للود، لأن العتاب يباح به ما في القلب من الوحشة، ويقع عنده العذر ويحصل الرضا. أدخلت قبلي قوماً لم يكن لهم في الحق أن يلجوا الأبواب قدامي المعنى: يعاتب أبا مسمع وإيثاره قوماً دونه عليه. لو عد قبر وقبر كنت أكرمهم ميتاً وأبعدهم من منزل الذام اللذام والذم بمعنى واحد، وقوله: قبر وقبر، لم يرد قبرين اثنين إنما أراد لو عد القبور قبرأ قبراً. المعنى: يصف كرم أصله. فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلت ببان دارك أدلوها بأقوام أدلوها أنتجزها، وأصله من دلوت الدلو إذا أخرجتها. المعنى: أحوجتني إلى استشفاع الناس في قضاء حوائجي. (5) وقال شبيب بن البرصاء المري، والبرصاء هذه خطبها رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يكن بها برص فقال أبوها: لا أرضاها لك يا رسول الله فإنها برصاء، فرجع أبوها إلى عندها وإذا هي قد برصت عقوبة للأب: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) وإني لتراك الضغينة قد بدا ثراها من المولى فما أستثيرها

مخافة أن تجني علي وإنما يهيج كبيرات الأمور صغيرها الضغينة والضغن والضغن: الحقد، وثراها أي أثرها، وقوله: مخافة أن تجني أي مخافة أن تجني علي الضغينة أمراً عظيماً لا يمكن تلافيه، ويهيج يبعث، وهاج لازم ومتعد. المعنى: يصف حلمه ونظره في العواقب. لعمري لقد أشرفت يوم عنيزة على رغبة لو شد نفسي مريرها لعمري: قسم أقسم ببقائه، أشرفت: اطلعت وعلوت، على رغبة أي ما يرغب فيه، ويوم عنيزة يوم معروف، المرير القوة وكذا المرة. المعنى: لقد قاربت يوم عنيزة الفوز بمرادي لو تم عزمي وقوة قلبي كأنه يتندم بعد تفريطه بعد العزم. تبين أعقاب الأمور إذا مضت وتقبل أشباها عليك صدورها تبين أي تتبين، وأعقاب الأمور أواخرها، وأشباها جمع شبه، وصدورها: جمع صدر، وصدر كل شيء أوله. المعنى: يتأسف على فوت مراده، وهذا البيت مما يتمثل به. إذا افتخرت سعد بن ذبيان لم تجد سوى ما ابتنينا ما يعد فخورها افتخر القوم وتفاخروا بمعنى واحد وذبيان بضم الذال وكسرها، والفخور: الكثير الفخر. ألم تر أنا نور قوم وإنما يبين في الظلماء للناس نورها قو: اسم موضع، جعل نفسه وقومه نور بلادهم لأنه ينتفع بهم كما ينتفع بالنور في الظلماء. المعنى: يصف أنهم لكثرة مناقبهم يعقدون الفخر لغيرهم وأنهم بمنزلة النور في بلادهم انتفاعاً واهتداءً.

(6) وقال معن بن أوس المري: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) لعمري ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو المنية أول يروى ‹‹ تغدو ›› بالغين معجمة من الغدو، وبالعين من العدو، والعدوان، وكلاهما حسن لأنه يقال: غدت عليه المنية، وعدا عليه الدهر، أوجل أفعل لا فعلاء له، فلا يقال امرأة وجلاء، استغنوا عنه بوجلة، أول مبنى على الضم لأن الاضافة مراده فاقتطعت منه كقبل وبعد. وإني أخوك الدائم العهد لم أحل إن أبزاك خصم أو نبا بك منزل أبزاك خصم أي قهرك وغلبك، نبا بك لم يحتملك فكأنه أزعجك. أحارب من حاربت من ذي عداوة وأحبس مالي إن غرمت فأعقل معنى أحبس مالي إن غرمت فأعقل يقول: إن لحقك غرم من جناية جنيتها لم أسرح إبلي، ولكني أحبسها بفنائي وأعقل عنك ما يلزمك، أي أعطي ديته من مالي، وقيل: أراد أعقل إبلي أي أشدها بالعقال وأحبسها عليك.

كأنك تشفي منك داء مساءتي وسخطي وما في رثتي ما تعجل معنى كأنك تشفي منك يقول: ليس في أناتي وتركي مكافأتك ما يجب أن تعجل على ما يسوءني، ويروى ((وما في ريبتي)) أي ما في مساءتي وما يريبني ربح ومنفعة يوجب أن تتعجلها. وان سؤتني يومًا صفحت إلى غٍد ليعقب يومًا منك آخر مقبل يعني إذا فعلت ما يسوءني تجاوزت إلى غد ليعقب منك يوم آخر مقبل ما يسرني. ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني يمينك فانظر أي كٍف تبدل يقول: أنا لك في الموافقة بمنزلة يمينك، فانظر من الذي تجعله بدلي، ويشفق عليك شفقتي. وفي الناس إن رثت حبالك واصل وفي الأرض عن دار القلى متحول يقول: إن وهت أسباب مودتك ففي الناس من يرغب في وصلي، والأرض واسعة، وفيها موضع ينتقل إليه عن قرب من يبغضك. إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على شرف الهجران إن كان يعقل قوله: أن كان يعقل شرط حسن في موضعه، لأنه إذا لم يعقل لم يفرق بين الإحسان والإساءة. ويركب حد السيف من أن تضيمه إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل تضيمه تظلمه، وشفرة السيف حده، ومزحل: مبعد، يقال: أرحل عن هذا المكان: تنح عنه، وزحل: نجم معروف سمي به، ومضى يركب حد السيف يقول: إذا لم يكن موضع يهرب إليه من ظلمك إلا حد السيف ركبه، ولم يصبر على ظلمك إياه. وإني على أشياء منك تريبني قديمًا لذو صفٍح على ذاك مجمل

المعنى: إني أتجاوز عن إساءتك، وأصفح عن ذنبك إذا أتيت ما يريبني، مجمل لعشرتك. وكنت إذا ما صاحب رام ظنتي ... وبدل سوءًا بالذي كنت أفعل قلبت له ظهر المجن فلم أدم ... على ذاك إلا ريث ما أتحول إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد إليه بوجه آخر الدهر تقبل المعنى: يبذر صاحبه هجرانه، ويبين له أنه إذا هجر صاحبه لم تكن منه معاودة. يقول: كنت إذا طلب صاحبي ما يريبه مني وجازاني بالإحسان إساءة هجرته سريعًا وإذا انصرفت عن شيء لم أنزع إليه بحال. (7) وقال عمرو بن قميئة فعلية من القماءة، وهي المذلة، وهو صاحب امرئ القيس، خرج معه إلى قيصر الروم وإياه عنى بقوله:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لا حقان بقيصر ((أول المنسرح والقافية من المتواتر)) يا لهف نفسي على الشباب ولم ... أفقد به إذ فقدته أمما الأمم القصد. المعنى: يتأسف على الشباب ويقول: لم افقد به يسيرًا من الأمر قصداه وإنما فقدت به أمرًا عظيمًا. إذ أسحب الريط والمروط إلى ... أدنى تجاري وانفض اللمما المروط: الأكسية الدقيقة تجلب إلى أرض العرب ولا تعمل هناك، والتجار الخمارون واحدهم تاجر. المعنى: كنت في شبيبتي أجر ردائي خيلا إلى باعة الخمر، وأتبختر، وعبر عن التبختر بنفض اللمم، لأنه إذا تبختر حرك رأسه. لا تبغط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لعمره حكما إن سره طول عمره فلقد أضحى على الوجه طول ما سلما المعنى: لا تبغط المعمر في تعميره، فا، هـ أن سره طول سلامته فقد ذهبت نضارة وجهه، واختلفت جدة شبابه فما ذهب منه خير مما حصل له، وأضحى على الوجه أي ظهر، وأضحى ليس لها خبر لأنها تامة بمعنى بدا وظهر. (8) وقال إياس بن القائف، إياس فعال بمعنى الأوس وهي العطية، وقيل بمعنى اليأس وليس بفصيح، والقائف فاعل من قاف يقوف إذا تبع، والقافة قوم ينظرون إلى الغلام فيعرفون أباه وهم من بني مدلج.

((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم وترمي النوى بالمقترين المراميا المرامي جمع مرمى كقولك: الجهات البعيدة. المعنى يقول: من كان مكفيًا أقام في وطنه. ومن كان معدمًا رمت به الأسفار إلى الجهات البعيدة في طلب الكفاية، ولم يعذر في لزوم الوطن. فأكرم أخاك الدهر مادمتما معًا كفى بالممات فرقًة وتنائيا إذا زرت أرضًا بعد طول اجتنابها فقدت صديقي والبلاد كما هيا ويروى ((ماكنتما معًا)) ويروى ((تقاليا)) المعنى: يحث على صلة الرحم وإكرام الخ قبل وقوع الفرقة بالموت، ثم بين تفاقد الأصدقاء مع بقاء البلاد، وهذا من لطيف ما يستعطف به على صلة الرحم. يقول: لا تهجر أخاك فربما تغيب عنه ثم تعود طاليًا لوصله فلا تجده. (9) وقال ربيعة بن مقروم بن قيس بن خالد الضبي، مخضرم: ((أول الوافر والقافية من التواتر)) وكم من حامل لي ضب ضغن بعيد قلبه حلو اللسان ولو أني أشاء نقمت منه بشغف أو لساٍن تيحان الضب والضغن واحد وهما الحقد، والعرب تضيف الشيء إلى نفسه إذا كان

له اسمان، ومعنى بعيد قلبه يريد بعيدًا عن موافقتي، حلو اللسان أي يعطيني بلسانه ما أحب، ويضمر لي في قلبه ما أكره، والشغب الجلبة، ولسان تيحان أي يقول ما يعنيه وأصله النسيط. ولكني وصلت الحبل منه ... مواصلة بحبل أبي بيان أبو بيان أحد بني أعمام ربيعة بن مقروم، يصف أنه ترك مقالته لأنه واصل أبا بيان واستفاد من عقله وعمله. وضمرة أن ضمرة خير جاٍر علقت له بأسباٍب متان متان: شداد، وعطف على أبي بيان، ذكر أنه استفاد من حلمه أيضًا. هجان الحي كالذهب المصفى صبيحة ديمٍة يجنيه جان الديمة: المطر يدوم أيامًا، والهاء في يجنيه عائده إلى الذهب لأن معدن الذهب باليمن إذا اشتد المطر عليه جلاه، فصار له بريق يرى من بعيد، فيسهل على ملتمسه لقطه، ويحتمل أن تكون عائدة على الممدوح كأنه جعل المعتفي مجتنبًا، وقد خص ضمرة بالمدح وشبهه بالذهب أحسن ما يكون وأخلصه. (10) وقال سلمي بن ربيعة بن زبان بن عامر بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد، جاهلي: ((من مخلع البسيط والقافية من المتواتر)) إن شواٍء ونشوًة ... وخبب البازل الأمون هذه الأبيات خارجة عن حد العروض التي جاء بها الخليل، وأقرب ما تعرف

إليه الضرب السادس من البسيط، غير أن عروضه لزمت ((فعل)) كأنها محذوفة من ((فعولن)) كما جاءت عروض المتقارب لأنه في ديوان الأوائل. الشواء معروف وجمعه أشويه، وقد شويت اللحم، والنشوة السكر، وقد انتشى إذا سكر، والخبب ضرب من السير، والبازل من الإبل ما دخل في السنة التاسعة، وهو انتهاء سنها، والأمون: الناقة يؤمن عثارها. يجشمها المرء في الهوى ... مسافة الغائط البطين والبيض يرفلن كالدمى في الريط والمذهب المصون والكثر والخفض آمنًا وشرع المزهر الحنون يجشمنا أي يكلفها أي يكلف المرء البازل الأمون قطع مسافة الأرض البعيدة [والغائط المطمئن من الأرض والبطين: الواسع الغامض]، والبيض: النساء، ويرفلن يتبخترن في ثياب عليها تصاوير، والشرع الأوتار واحدتها شرعة، والمزهر العود، والحنون الذي له حنين أي صوت. من لذة العيش والفتى للدهر والدهر ذو فنون واليسر كالعسر والغنى كالعدم والحي للمنون الدهر ذو فنون لأنه يأتي بما يكره وما يجب، واليسر كالعسر أي كل واحد ينقضي ويؤدي إلى الموت. المعنى يقول، في هذه الأبيات: أن الأكل والشرب وسائر

ما ذكر من الملاذ وتصاريف الأحوال من الغنى والفقر لا يدوم منها شيء، وأن الفتى في يد الدهر، والحي للموت فلا تغترن بشيء. (11) وقال آخر وهو عبد الله بن همام، إسلامي: ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) وأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليًا فخنت وإما قلت قولًا بلا علم فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلٍة بين الخيانة والإثم هذان البيتان لعبد الله بن همام السلولي. أخبر المدائني قال: وشى واش بعبد الله بن همام السلولي إلى زياد بن أبي سفيان قال: إنه هجاك، قال زياد للرجل فأجمع بينكما قال: نعم. فبعث زياد إلى ابن همام فجاء ودخل الرجل بيتًا فقال زياد لابن همام: بلغني أنك هجوتني قال كلا أصلحك الله ما فعلت، وما أنت

لذلك بأهل قال: فأن هذا الرجل أخبرني وأخرج الرجل فأطرق ابن همام هنيهة ثم أقبل على الرجل فقال: وأنت امرؤ ... البيتان، فأعجب زياد بجوابه وأقصى الرجل ولم يقبل منه. وقوله: ائتمنتك بلا همز لغة اليمن، وبالهمز لغة أهل الحجاز، المعنى: يقول للساعي به: إنك على كل الأحوال مذموم لأنك لا تخلو إما أن تكون تقول هذا بغير علم بل كذبًا على، أو تقوله وقد أسررت إليك، وقد خنتني لما أفشيت سري. (12) وقال شبيب بن البرصاء المري، إسلامي: ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) قلت لغلاٍق بعرنان ما ترى فما كاد لي عن ظهر واضحة يبدي غلاق اسم رجل، وعرنان جبل بالجناب دون وادي القرى، فما كاد لي عن ظهر واضحة يبدي أي ما كاد يبتسم لي. المعنى: يستزيد صاحبه غلاقًا ويقول: قلت له مستشيرًا ما ترى في أمري فأقل الفكر في وتبسم قليلًا كارهًا، وتبينت ما به من غيط. تبسم كرهًا واستبنت الذي به من الحزن البادي ومن شدة الوجد إذا المرء أعراه الصديق بدا له بأرض الأعادي بعض ألوانها الربد الربد جمع أربد وهو المتغير، والصديق يكون واحدًا وجمعًا. المعنى يقول: لما استشرته في أمري تبسم في وجهي كارهًا وتبينت ما خامره من الغيط على، وكذلك تكون حال من أعرض عنه صديقه.

(13) وقال سالم بن وابصة، إسلامي: ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه كأن به عن كل فاحشة وقرا سليم دواعي الصدر لا باسطًا أذًى ولا مانعًا خيرًا ولا قائلًا هجرا المعنى: يذكر أنه من أهل الكرم لأن من أحب قومًا فهو منهم، يقول: الفتى الخير لا يؤثر فحشًا، ولا يؤذي خلقًا ولا يمنع خيرًا، ولا يبدي هجرًا، والوقر: الثقل في الأذن، والوقر الحمل. إذا ما أتت من صاحب لك زلة فكن أنت محتالًا لزلته عذرا المعنى: يعلم كرم العشرة وحسن التغافل، يقول: إذا أخطأ صاحبك فحسن أخطاءه، وأمهد عذره قبلك، فان لم تهتد إلى عذره فأطلب له عذرًا. غنى النفس ما يكفيك من سد خلٍة فإن زاد شيئًا عاد ذاك الغنى فقرًا الخلة ها هنا الحاجة. المعنى: يقول: الغنى أن يصيب الإنسان ما يكفيه فطلبه بعد ذلك للزيادة فقر إليه فحينئذ يعود غناه فقرًا.

(14) وقال المؤمل بن أميل، إسلامي: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) وكم من لئيم ودأني شتمته وأن كان شتمى فيه صاب وعلقم وللكف عن شتم اللئيم تكرمًا أضر له من شتمه حين يشتم اللئيم: الذي اجتمع فيه خصال مذمومة في نفسه وأبويه، والصاب: عصارة شجر مر. المعنى: يقول: كم من لئيم تمنى أني شتمته ليفتخر بمشاتمتي إياه وان كان شتمي مرا، ثم قال: الاعراض عن شتم اللئيم للتكرم أضر له من أن يشتمه الكريم لأنه يعلم أنه لم يشتمه إحقارًا له. (15) وقال عقيل بن علفة المري، إسلامي: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) وللدهر أثواب فكن في ثيابه كلبسته يومًا أجد وأخلقا وكن أكيس الكيسى إذا كنت فيهم وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا ويروى ((فكن مثل أحمقا)) ويروى ((كلابسه)). المعنى: كن متلونًا لتلون الدهر، خالق الناس بأخلاقهم، ولا تكلفهم من خلقك ما لا يحتملونه. (16) وقال بعض الفزاريين، إسلامي:

((من أول البسيط والقافية من المتراكب)) أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقبا كنيت الرجل وكنوته لغتان, ونصب السوءة لأنه جعلها مفعولًا معه. المعنى: يصف كرم معاشرته وحسن مخالقته واستعماله الأدب, وأنه يكني صاحبه ولا يلقبه رفعًا واجتنابًا لما يوحشه. كذاك أدبت حتى صار من خلقي إني وجدت ملاك الشيمة الأدبا قال الديمرتي: الأبيات مرفوعة, وقد روي البيتان مع غيرهما في غير الحماسة بالرفع, وقوله: إني وجدت ملاك الشيمة الأدباء كقولك: ظنتت زيد منطلق أي ظنتت الشأن زيد منطلق, المعنى: يقول: إنه تأدب تعود حسن الأدب حتى صار خلقًا له, وبين أن الذي يحسن به الخلق وينتظم هو الأدب. (17) وقال رجل من بني قريع

((الثالث من الطويل والقافية من المتواتر)) متى ما يرى الناس الغني وجاره فقير يقولوا عاجز وجليد أي يقولون للغني جليدًا أي فيه جلادة, وللفقير عاجز يقدرون أن الغني يصاب بالجلادة. وليس الغني والقفر من حيلة الفتى ولكن أحاٍظ قسمت وجدود إذا المرء أعيته المروءة ناشئًا ... فمطلبها كهلًا عليه شديد الناشئ الذي يكون في الزيادة. المعنى يقول: إذا فات نيل المعالي في الشباب فلا سبيل إليها بعد الكبر, وهذا بخلاف من قال: ((فقلما)) يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا)) , ويروي ((أعيته السيادة)). وكائن رأينا من غنٍي مذمٍم وصعلوك قوٍم مات وهو حميد ويروى ((وكم قد رأينا)) المعنى: يسلي نفسه يقول: المرءة لا تتبع المال, وقد يكون الغني مذمومًا إذا بطر وبخل, ويكن الفقير محمودًا إذا قنع وتجمل. (18) وقال بعضهم: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك))

أضحت أمور الناس يغشين عالما بما يتقي منها وما يتعمد جدير بألا أستكين لا أرى ... إذا الأمر ولى مدبرًا أتبلد يغشين عالمًا أي يغشين عالما. المعنى: يصف حنكته ومعرفته بالأمور وما يجتنب منها وما يتعمد, وقلة تلهفه على ما يفوته من المراد, وتركه الاستكانة لصروف الزمان, أتبلد: أتحير. فإنك لا تدري إذا جاء سائل أأنت بما تعطيه أم هو أسعد عسى سائل ذو حاجٍة إن منعته من اليوم سؤلًا أن يكون له غد السؤال: الحاجة يهمز ولا يهمز. المعنى: يحث على اصطناع الخير وإسداء المعروف قبل فوت الإمكان, وقوله: عسى أن يكون له غد أي يكون له يوم بعد يومك يستغني فيه عنك ولا يحتاج إليك فيه. وفي كثرة الأيدي لذي الجهل زاجر وللحلم أبقى للرجال وأعود أعود: أنفع لهم. المعنى: يقول: التعاون على رد الجاهل عن جهله يزجره, والحلم أنفع من الجهل. (19) وقال مضرس بن ربعي, إسلامي:

((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) إياك والأمر الذي إن توسعت موارده ضاقت عليك المصادر المعنى: يأمر بالحزم وينهي عن التهور والوقوع فيما لا يخلص منه. يقول: لا تدخل في أمر وإن اتسعت مداخله إذا كانت مخارجه تضيق عليك. فما حسن أن يعذر المرء نفسه وليس له من سائر الناس عاذر المعنى يقول: لا يحسن بالمرء أن يأتي ما يستقبحه الناس وهو يعذر نفسه في ذلك, فحينئذ تجتمع له خلتان مذمومتان أحداهما فعل القبيح والآخر استحسانه. (20) وقال العباس بن مرداس مخضرم, ويروي لكثير, إسلامي:

((الأول من الوافر والقافية من المتواتر)) ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد مزير تزدريه تحتقره, أسد مزير أي عاقل ويروي ((أسد زبير)) ويروى)) ((يزير)) المعنى يقول: ترى الرجل اللطيف الخلق فتستحقره وه كالأسد. ويعجبك الطرير فتبتليه فيخلف ظنك الرجل الطرير الطرير: المستقبل الشباب, المعنى: يعتذر للطاف الأجسام ويزري بالطوال الفخام. فما عظم الرجال لهم بفخر ولكن فخرهم كرم وخير الخير: الكرم والمعنى يقول: فخر الرجال الكرم لا الضخم الذي لا غناء عنده. ضعاف الطير أطولها جسومًا ولم تطل البزاة ولا الصقور بغاث الطير أكثرها فراخًا وأم النسر مقلات نزور البغاث طير كالبواشق لا يصيد شيئًا من الطير, قاله الخليل, وقال ابن دريد: بغاث الطير شرارها وما لا يصيد منها, ويجوز ضم الباء في بغاث, ومقلات مفعال من القلت وهو الهلاك, ونزور: قليلة الأولاد. لقد عظم البعير بغير لٍب فلم يستغن بالعظم البعير يصرفه الصبي لكل وجٍه ويحبسه على الخسف الجرير الخسف: القهر والظلم, ولا يصرف منه الفعل, وإنما يقال: سامه الخسف أي ظلمه, والجرير قطعة حبل أو تر يشد في خطام البعير.

وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير فإن أك في شراركم قليلًا فاني في خياركم كثير الهراوي: جمع هراوة هي العصا. المعنى: إن الفخر في الكرم لا العظم الذي لا غناء عنده كالبعير لم يغنه عظمه, يصرفه الصبي, وتضربه الراعية, فلا يقدر أن يغير أو ينكر, ثم قال: فإن لم يعرفني شراركم فاني لست منهم فإن خياركم يعرفونني لأنني منهم. ويروى أن كثيرًا دخل على معاوية, وكان قد سمع به, فلما رآه ازدرته عيناه فقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه, فقال: مه يا أمير المؤمنين, ليس الرجال بجزر يقتسمن, إنما الرجل بأصغريه قلبه لسانه, ثم انشأ يقول هذه الأبيات فادعى قوم أنها لكثير, وقال آخرون لعباس, وإنما تمثل بها كثير. (21) وقال آخر, إسلامي: ((الأول من الطويل والقافية من المتدارك)) أعاذل ما عمري وهل لي وقد أتت لداتي على خمٍس وستين من عمري المعنى في هذا البيت كلامي لأنه لم يأت بلفظ المعنى الذي أراده ولكنه أتى بلفظ الدلالة على مراده يقول: يا عاذلتي ما عمري هل لي من عمر, وقد انقضت أعمار أقراني فلا بقاء له بعد, ذلك, لداتي: جمع لدة فعلة من الولادة كالعدة, ولدة الرجل الذي ولد معه, يروى ((ما عذري)) وفي آخر البيت عذر)). رأيت أخا الدنيا وإن كان خافضًا أخا سفٍر يسرى به وهو لا يدري الخافض: الوداع. المعنى: هذا مثل قول الحكيم: ((من كانت مطيته الليل والنهار سارا به وإن لم يسر)) , ويقرب من قول الحسن: ((يا بن آدم أنت في

هدم عمرك مذ خرجت من بطن أمك. مقيمين في داٍر نروح ونغتدي بلا أهبة الثاوي المقيم ولا السفر نصب مقيمين على أنه بدل من أخي الدنيا, ويجوز إضمار فعل, المعنى: يذكر غفلتنا في الدنيا, نصبح ونمسي ولسنا من البقاء فيها على ثقة, ولا معنا زاد لمعادنا. (22) وقال بعضهم: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) لا تعترض في الأمر تكفي شؤونه ولا تنصحن إلا لمن هو قابله المعنى يقول: لا تتكلف مالا يعنيك, ولا تنصح من يقبل منك فيذهب نصحك هدرًا. يحث على اجتناب ما لا يعني. ولا تخذل المولى إذا ما ملمة ألمت ونازل في الوغى من ينازله المولى هاهنا ابن العم, ونازل أي حارب, يقول: لا تخذل ابن عمك في

الشدائد ودافع عنه, يبعث على الحفاظ. ولا تحرم المولى الكريم فإنه أخوك ولا تدري لعلك سائله المعنى: يحث على انتهاز الفرصة لاعتقاد النعم عند ذوي الكرم, وهذا كقول الآخر: عسى سائل ذو حاجٍة إن منعته من اليوم سؤلًا أن يكون له غد (23) وأنشد أبو عبد الله بن الأعرابي لمنظور بن سحيم الفقعسي منظور من نظرته أي انتظرته, وسحيم: تحقير أسحم مرخما, والأسحم: الأسود. ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) ولست بهاٍج في القرى أهل منزٍل على زادهم أبكي وأبكي البواكيا المعنى, يقول: لا أهجو أحدًا ممن أضافني إن قصر في إضافتي لأن عيب القرى من فعل اللئام. فإما كرام موسرون لقيتهم فحسبي من ذي عندهم ما كفانينا

وإما كرام معسرون عذرتهم وإما لئام فادكرت حيائيا وعرضي أبقى ما ادحرت ذخيرًة وبطني أطويه عطي ردائيا المعنى, يقول: لا أهجو من أضافني, ومن أنزل عندهم لا يخلون من ثلاث طبقات: إما كرام أغنياء فحسبي من الذي عندهم ما أطعموني, وإما كرام فقراء فيلزمني عذرهم, وإما لئام فمعني حيائي من استماحتهم, ثم قال: أجوع ولا ألتمس من اللئام شيئًا, فإني أدخر عرضي لأنه خير الذخائر وأبقاها. (24) وقال سالم بن وابصة, وبص الشيء وبيصًا, وبص بصيصًا, إذا برق: ((الأول من البسيط والقافية من المتراكب)) ونيرٍب من موالي السوء ذي حسٍد يقتات لحمي وما يشفيه من قرم ونيرب أراد به النمام ها هنا, يقتات لحمي: يأكله, ولا يسبع منه, ويشفيه مما به من القرم, وهو الشبق الشهوة. داويت صدرًا طويلًا غمره حقدًا منه وقلمت أظفارًا بلا جلم بالحزم والحلم أسديه وألحمه تقوى الإله وما لم يرع من رحمي معنى قلمت أظفارًا بلا جلم أي أزلت عداوته بلا خشونة, يصف حصافته لطافته وحسن تأتيه لإصلاح الفاسد, وضرب مثل ما أصلحه بالإسداء والإلحام, ويروي ((بالحزم والخير)) فأصبحت قوسه دوني موترًة يرمي عدوي جهارًا غير مكتتم

المعنى يقول: أزلت حقده حتى صار يقاتل عني عدوي مجاهرة بعدما كان يعاديني مكاشفة. إن من الحلم ذلًا أنت عارفه والحلم عن قدرٍة فضل من الكرم المعنى؛ إن الحلم يكون كرمًا مع القدرة على الإساءة فأما الاحتمال مع العجز عنها فهو ذل, يشير أنه حليم عن قدرة, ومثله: جهول إذا أزرى التحلم بالفتى حليم إذا أزرى بذي الحسب الجهل (25) وقال بعضهم: ((الأول الوافر والقافية من المتواتر)) وأعرض عن مطاعم قد أراها فأتركها وفي بطني انطواء مطاعم جمع مطعم وهو الطعام, والانطواء: الجوع. يقول: أترك طعامًا كثيرًا أراه وبي جوع فلا آكله إذا كان أكله يزري بي. فلا وأبيك ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء المعنى: يصف أن الحياء حمله على عفافه ونزاهته عن أكل ما يورثه سبة من الدنايا ويصف فضل الحياء.

يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء اللحاء القشر، ولحيت العود ولحوته إذا قشرته. (26) وقال بعض بني أسد وهو الحكم بن عبدل إسلامي: ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) وإني لاستغني فما أبطر الغنى وأعرض ميسوري على مبتغي قرضي وما أبطر الغنى أي لا أشر، ولا أتطاول على غيري إذا استغنت. وأعسر أحيانًا فتشتد عسرتي فأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي المعنى: يصف استمرار حاله على الكرم وصون العرض في حالتي اليسر والعسر. وما نالها حتى تجلت وأسفرت أخو ثقة مني بقرض ولا فرض ولكنه سيب الاله ورحلتي وشدي حيازيم المطية بالغرض الهاء في نالها لعسرتي، ما نال عسرتي أخو ثقة مني بقرض ولا فرض. تجلت

وأسفرت أي ذهبت، والغرض للرحل شد الركاب للسرج. وأستنفذ المولى من الأمر بعدما يزل كما زل البعير عن الدحض أي أخلص ابن العم من أمر يعثر فيه، والدحض الزلق. وأمنحه مالي وودي ونصرتي وإن كان محنى الضلوع على بغضي المعنى: يصف قيامه بأمور بني أعمامه ومؤاساته إياهم مالًا ومودة ونصرًة، (27) وقال حاتم الطائي، حاتم: الغراب لأنه يحتم بالفراق: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) وما أنا بالساعي بفضل زمامها لتشرب ماء الحوض قبل الركائب المعنى: يصف كرمه وحسن مؤاساته ويقول: لا أستأثر بماء الحوض، ولا أوثر ناقتي به على غيرها من الإبل ولكني أوردها مع سائر الإبل أبادرهم إلى ماء الحوض كرمًا مني.

وما أنا بالطاوي حقيبة رحلها لأبعثها خفًا وأترك صاحبي خفًا أي خفيفة، المعنى: يصف حسن موافقته ويقول: إذا كان معي صاحب لا راحلة له أردفته. (28) وقال آخر، إسلامي: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) وإني لأنسى عند كل حفيظٍة إذا قيل ملاك احتمال الضغائن في قوله: ((إذا قيل ملاك)) حذف ومعناه قصد أو ظلم مولاك، يصف حسن دفاعه عن ابن عمه ورفضه ما تداخله منه. وإن كان مولى ليس فيما ينوبني من الأمر بالكافي ولا بالمعاون المعنى: يذكر ابن عمه أنه لا يكفيه ما ينوبه ولا يعاونه فيه، وكما قيل: ((عند الشدائد تذهب الأحقاد وهو معنى البيت الأول. (29) وقال آخر: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) ومولًى جفت عنه الموالي كأنه من البؤس مطلي به القار أجرب

جفت عنه الموالي أي خذله بنو أعمامه، وشبهه ببعير هنئ بالقار أجرب به جرب فتحاماه الناس. رئمت إذا لم ترأم البازل ابنها ولم يك فيها للمبسين محلب رئمت: عطفت عليه وأحسنت إليه، المبسون: الحالبون الموصوتون عند الحلب بس بس لتدار الناقةن وناقة بسوس إذا كانت لا تدر إلا على الإحساس. (30) وقال عروة بن الورد، جاهلي: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) دعيني أطوف في البلاد لعلني أفيد غنىً فيه لذي الحق محمل أفاد الرجل شيئًا أصابه، وأفاده أعطاه. المعنى يقول للائمته: دعيني أطلب المال فلعلني أستغني عن الناس. أليس عظيمًا أن تلم ملمة تلم بها الأيام فالموت أجمل المعنى يقول: هو عظيم أن تنزل نازل نازلة ولا يعول علينا فيها، ثم بين أن الموت أجمل لمن لا يملك مدافعة لحادثة تنزل.

(31) وقال آخر: ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) تثاقلت غلا عن يًد أستفيدها وخلة ذي وًد أشد بها أزري المعنى يقول: أظهرت ثقلا عن كل شيء إلا من نعمة أصطنهها إلى محتاج وصاقة صديق أعتمدها. (32) وقال عبد الله بن الزبير بن الأشيم الأسدي، والزبير الحمأة، إسلامي: لا أحسب الشر جارًا لا يفارقني ولا أحز على ما فاتني الودجا وما نزلت من المكروه منزلًة ... غلا وثقت بأن ألقى لها فرجا أي لا أقتل نفسي أسفًا وتلهفًا إذا فاتني شيء. المعنى: كما قيل: ((لا يحبون الشر ضربة لازب)). (33) وقال مالك بن حريم الهمداني:

((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) أنبئت والأيام ذات تجارب وتبدي لك الأيام ما لست تعلم بأن ثراء المال ينفع ربه ويثني عليه الحمد وهو مذمم ويثني عليه الحمد- بفتح الياء- أي يعطف الحمد عليه وهو مذمم، وهذا أحسن ما تؤول به. وقيل: يثني عليه الحمد أي المال، يثني عليه الحمد والثناء، وقيل يثنى عليه الحمد على ما لم يسم فاعله، وقيل: يبني عليه الحمد من البناء، والأول أحسن. وإن قليل المال للمرء مفسد ... يحز كما حز القطيع المحرم يرى درجات المجد لا يستطيعها ... ويقعد وسط القوم لا يتكلم القطيع السوط، والمحرم: الخشب الصلب الذي لم يمرن بعد فيكون أشد إيجاعًا. المعنى: أن الفقر يضع من الرجل كما يقطع السوط الخشن، وإنه لا ينال درج المجد ولا يتكلم وسط المجلس. (34) وقال محمد بن يسير الخارجي، إسلامي:

((الأول من البسيط والقافية من المتراكب)) لأن أزجي عند العري بالخلق واجتزي من كثير الزاد بالعلق أزجي: أسوق أيامي، والعرى مصدر العاري، والخلق يستوي فيه المذكر والمؤنث، والعلق جمع علقة، وهي كالبلغة من العيش. المعنى يقول: الاقتصار على أدنى العيش خير مما يذكره بعد وهو: خير وأكرم لي من أن أرى مننًا معقودة للئام الناس في عنقي ويروى ((مننًا خوالداً)) المعنى يقول: الاقتصار على أدنى القوت خير لي وأشبه بي من تقلد منن لئام الناس، يصف عزة نفسه وكرم طبعه. أني وأن قصرت عن همتي جدتي وكان مالي لا يقوى على خلقي لتارك كل أمٍر كان يلزمني عارًا ويشرعني في المنهل الرنق الجدة: الثروة، ويشرعني: يخوض بي، والرنق: الكدر. المعنى يقول: إني مع قلة مالي وعلو همتي لا أسف لما يورثني سبة. (35) وقال أيضًا: ((الأول من البسيط والقافية من المتراكب)) ماذا يكلفك الروحات والدلجا البر طورًا وطورًا تركب الللججا

الروحات: الخرجات بعد الزوال، والدلج: جمع دلجة، واللجج: جمع لجة، المعنى: يعاتب في كثرة الأسفار وركوب البر والبحر. كم من فتًى قصرت في الرزق خطوتة ألفيته بسهام الرزق قد فلجا المعنى: رب مقيم واع نال سعة الرزق من غير كد، وفلجا أي ظفر. ان الأمور إذا انسدت مسالكها فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجا لا تيأسن وأن طالت مطالبة إذا استعنت بصبٍر أن ترى فرجا ارتتج: انغلق. المعنى: يأمر بالصبر يقول: ما أولى الصابر بنيل مراده، وينهى عن اليأس مما يتعسر. أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا أبصر لرجلك قبل الخطو موضعها ... فمن علازلقًا عن غرٍة زلجا يلج أي يدخل، وزلجا يعني زلقًا. المعنى: يأمر بالحزم والنظر في العاقبة يقول: لا تفعل ما تندم عليه، ويؤدي بك إلى ورطة لا تخلص منها. (36) وقال حجية بن مضرب، حدث ابن كناسة أن حجية بن مضرب الكندي كان جالسًا بفناء بيته فخرجت جارتة بقعب لبن فقال لها: أين تريدين بالقعب؟ فقالت: بني أخيك اليتامى، فوجم لذلك وأراح راعياه إبله فقال اصفقاها نحو بني أخي ودخل منزله فعاتبته امرأته فقال:

((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) لججنا ولجت هذه في التغضب وشد الحجاب بيننا والتنقب يقول: لججنا في التغضب عليها ولومها، ولجت هي في الإعراض عني والتنقب. ذكر الحال بينه وبين امرأته. تلوم على ماٍل شفاني مكانه إليك فلومي ما بدا لك واغضبي المعنى: يذكر أنها لامته على رد إلى بيت أولاد أخيه، ووصف أنه شفاه ذلك وأن لم يكترث بلومها. رأيت اليتامى لا تسد فقورهم هدايا لهم في كل قعٍب مشعب فقلت لعبدينا أريحا عليهم سأجعل بيتي مثل آخر معزب القعب: القدح الصغير، وفقورهم جمع الفقر، والمصادر لا تجمع غير أنه اعتقده اسمًا، والمشعب المجبور في مواضع منه، وأريحا عليهم أي ردا الإبل رواحًا إليهم، والمعزب الذي عزبت إبله أي بعدت. عيالي أحق أن ينالوا خصاصة وأن يشربوا رنقا إلى حين مكسبي المعنى: بين أنه أثرهم بماله لأنه لا كاسب لهم وهو كاسب أهله، والرنق: الكدر، ويروى ((لدى كل مشرب)) والخصاصة: الجوع والشدة. حبوت بها قبر امرٍئ لو أتيته حريبًا لآساني على كل مركب الحريب: الذي ذهب ماله. المعنى: يذكر حسن ألفة أخيه ألفة أخيه في حياته وفضل مؤاساته. أخوك الذي إن تدعه لملمٍة يجبك وإن تغضب إلى السيف يغضب

المعنى: يقول: أخوك الذي لا يخذلك في كلحال، ويواسيك بماله ونفسه. واسم هذا الشاعر حجية تصغير حجاة، وهي النفاخة من المطر وغيره، تعلو الماء، ويجوز أن يكون جمع حجوة، وهي المرة الواحدة، من حجوت بالمكان إذا أقمت به. (37) وقال المقنع الكندي. المقنع: اللابس سلاحه، وكل مغط رأسه مقنع: ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) يعاتبني في الدين قومي وإنما ديوني في أشياء تكسبهم حمدا المعنى: يعاتبني بنو أعمامي وقومي في الدين، ولا يجب أن يعاتبوني لأن ديني لهم فيما ينفعهم ويكسبهم الحمد. أسد به ما قد أخلوا وضيعوا ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا المعنى: بين وجه ذلك فقال: أوفي من الحقوق ما ضيعوه وأكفيهم ما أخلوا به. وفي جفنٍة ما يغلق الباب دونها مكللٍة لحمًا مدفقٍة ثردا الثغور في البيت قبله جمع ثغر وهو موضع المخافة، وأخلوا: أي أدخلوا فيه الخلل، ومكللة لحمًا أي عليها من اللحم مثل الأكاليل، ومدفقة ثردًا من الدفق وهو الصب.

وفي فرٍس نهٍد جواٍد جعلته حجابًا لبيتي ثم أخدمته عبدًا لم يرد بقبوله: جعلته حجابًا لبيتي أي أحجب بيتي من نظر ناظر, إنما أراد أنه نصب عينيه وأكبر همه. المعنى: ديني في إطعام الناس وفرس أغزو عليه وأحمي دارهم به. وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا يستريب بني عمه وإخوته, ويذكر اختلاف الأمر بينهم. فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدما مجدي بنيت لهم مجا وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا معنى إن ضيعوا غيبي أساءوا القول في إذ غابوا وأحسن القول فيهم إذا غبت عنهم. وإن زجرا طيرًا بنجسٍ تمر بي زجرت لهم طيرًا تمر بهم سعدا المعنى يقول: إن تمنوا لي الشر تمنيت لهم الخير. ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا لهم جل مالي إن تتابع لي غنًى وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا المعنى: يقول: لا أحقد عليهم فيما سبق من إساءتهم, أشاركهم في مالي, ولا أطع في مالهم. وإني لعبد الضيف ما دام نازلًا وما شيمة لي غير تشبه العبدا أي أخدم الضيف بنفس خدمة العبد مولاه, ما شيمة لي غيرها تشبه العبدا, أي تشبه شيمة العبد, فحذف المضاف. المعنى: يصف خدمته للضيف لأنه من شمائل الكرم.

(38) وقال رجل من فزارة, إسلامي, كان في زمن معاوية: ((الثالث من الطويل والقافية من المتواتر)) إلا يكن عظمي طويلًا فإنني له بالخصال الصالحات وصول المعنى: إن لم أكن طويلًا, لأن من طال عظمه طالت قامته- وهذا رجل قصير القامة- يذكر أنه وإن قصرت قامته فإن مكارمه تطول فتجبر قصر قامته بالأفعال الحسنة. إذا كنت في القوم الطوال علوتهم بعارفٍة حتى يقال طويل يقول: إذا كنت في القوم الطوال طلتهم وفضلتهم بعارفة حتى يقال: طويل, ويروى ((أحبتهم)). وكم قد رأينا من فروٍع كثيرة تموت إذا لك تحيهن أصول المعنى: بين أن كرم الآباء لا ينتفع به الأبناء إذا لم يكن فيهم كرم. ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل المعنى: أغرب في وصف المعروف بقوله: ولم أر كالمعروف ... البيت. جعل له ذوقًا ووجهًا , على إذا كان ذوقًا لكان حلوًا وإذا كان وجهها لكان حسنًا. (39) وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر, إسلامي:

((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) أرى نفسي تتوق إلى أموٍر ويقصر دون مبلغهن مالي فنفسي لا تطاوعني ببخٍل ومالي لا يبلغني فعالي المعنى: يشكو انحطاط ماله, وارتفاع همته, ويروى ((ومالي لا يقوم لدى فعالي)). (40) وقال يزيد بن الحكم الثقفي, يعظ ابنه بدرًا ويخوفه, إسلامي: ((من مرفل الكامل والقافية من المتواتر)) يا بدر والأمثال يضربها لذي اللب الحكيم دم للخليل بوده ما خير ود لا يدوم المعنى: يعظ ابنه بدرًا, ويوصيه بمكارم الأخلاق يقول: لا تهجر خليلك وأحفظ وداده. واعرف لجارك حقه والحق يعرفه الكريم وأعلم بأن الضيف يومًا سوف يحمد أو يلوم المعنى: يحث على معرفة حق الجار وإكرام الضيف, لأن الضيف إذا غاب

حمد من أحسن قراه, ولام من أساء إكرامه. والناس مبتنيان محمود البناية أو ذميم المعنى: يصف اختلاف أخلاق الناس, منهم من يرغب في الخير فيحمد ما يبنيه من المعالي, ومنهم من يرغب في الشر فيلام على ما يبنيه من المخازي. واعلم بني فإنه بالعلم ينتفع العليم المعنى بحث على العلم ويبين كثرة الانتفاع به. إن الأمور دقيقها مما يهيج له العظيم المعنى: ينهى عن احتقار اليسير من أذى الناس وإنه مما يهيج الأمر العظيم منه ويتولد. والتبل مثل الدين تقضاه وقد يلوي الغزيم التبل: الحقد, وجمعه تبول. يلوي: يمطل, لواه بدينه: مطله, ينهاه عن أحقاد الناس ويبين أن الحقد كالدين يقضى وإن مطل الذي عليه الدين. والبغي يصرع أهله الظلم مرتعه وخيم المعنى: يزجره عن البغي, ويبين أن البغي ينقلب على الباغي, وينهاه عن الظلم فإنه لا تحمد عاقبته. ولقد يكون لك الغريب أخًا ويقطعك الحميم المعنى يقل: تمسك بمن يصادقم وإن لم يكن بينك وبينه نسب, فربما واصلك الغريب وجفاك القريب. والمرء يكرم للغنى ويهان للعدم العديم المعنني: يحثه على اقتناء المال, ويقال: بل يسفه رأي أهل الزمان في إكرامهم الغني وإهانتهم الفقير, لأنه قال بعد ذلك: قد يقتر الحول التقي, وهذا وجه. قد يقتر الحول التقي ويكثر الحمق الأثيم

الحول: الكثير الاحتيال, والحمق الأحمق. يقول: لا يقع الغنى لكثرة الحيلة والتقى لا الفقر يقع لقلة الحيلة والفجور, ولكنه تقدير الله تعالى فلا تنفع الحيلة في هذا. يملى لذاك ويبتلى هذا فأيهما المضيم المعنى: أن غنى الحمق الأثيم إملاء يعود عليه بالضرر, وفقر التقي ابتلاء يوجب العوض. والمرء يبخل في الحقوق وللكلالة ما يسيم الكلالة من القرابة ما عدا الأبوة والبنوة, يقال: فلان ابن عمي كلالًة إذا لم يكن ذا قربى من أب. ما بخل من هو للمنون وربيها غرض رجيم الرجيم: المرجوم, المعنى: يحث على الجود بالموجود, وإن المرء يتحقق أنه غير خالد, ولا يدوم له شيء من أحوال الدنيا. ويرى القرون أمامه همدوا كما همد الهشيم وتخرب الدنيا فلا بؤس يدوم ولا نعيم همدوا: بادوا وهمد الهشيم جفافه وانتشاره. المعنى: وصف أن الدنيا فانية لا يدوم بؤسها ولا نعيمها. كل امرىٍء ستئيم منه العرس أو منها يئيم ما علم ذي ولٍد أيثكله أم الولد اليتيم يقول: إما أن يموت الرجل فتبقى امرأته أيمًا أو تموت المرأة فيبقى الرجل منها أيمًا, والثكل: الحزن بموت الولد. المعنى يقول: لا تثقن بأهل ولا ولد فإنك لا تدري من الذي يموت قبل صاحبه, ولكل اجتماع من خليلين فرقة. والحرب صاحبها الصليب على تلاتلها العزوم

الصليب: الصلب, والتلاتل: الشدائد المغلقة, والعزوم: الذي يستمر على عزمه إلى أن يبلغ ما يرومه. من لا يمل ضراسها ولدى الحقيقة لا يخيم ضراس الحرب عضاضها, تقول: ضرسه كأنه عضه بضرسه, ولا يخيم أي لا يجبن عند أمر يحق عليه الدفع عنه. واعلم بأن الحرب لا يسطيعها المرح السؤوم المرح: النزق والنشط, والسؤوم: الملول الكثير الضجر, القليل الصبر. والخيل أجودها المناهب عند كبتها الأزوم المناهب الكثير العدو, والكبة: أوائل الخيل, والأزوم: العضوض, والأوم: العض. (41) وقال مضرس بن ربعي, من ضرسه إذا أخذه بأضراسه, والربعي ما نتج أيام الربيع: ((الأول من الكامل والقافية من المتدارك)) إنا لنصفح عن مجاهل قومنا ونقيم سالفة العدو الأصيد الأصيد: المتكبر, وقد صيد إذا تكبر, والجمع صيد, والسالفة: صفحة العنق, ولكل عنق سالفتان. المعنى: يصف كرمهم وعزهم, ويقول: نحن نعفو عن جهل قومنا ونزيل تكبر عدونا. ومتى نخف يوما فساد عشيرٍة نصلح وإن نر صالحًا لا نفسد

المعنى: يصفهم بالحزم يقول: إذا خفنا فسادًا في العشيرة تداركناه وأصلحناه وإن رأينا صالحًا قررناه. وإذا نموا صعدًا فليس عليهم منا الخبال لا نفوس الحسد نموا أي شرفوا وارتفعوا, والخبال الفساد من قوله: ((لا يألونكم خبالًا)) الحسد جمع الحاسد. المعنى: يصفهم بالكرم ويقول: إذا بنوا بناء عاليًا شريفا وارتفع منهم ذو ثروة لم نتطلب عليهم إفساد حالهم, ولم نحسدهم. ونعين فاعلنا على ما نابه حتى نيسره لفعل السيد فاعلنا: يعني فاعل الخير منا, ويروى ((ناله)) أي أصابه, ونابه: بمعنى حزبه. المعنى: يصف حسب المعاونة والمؤاءاة يقول: من رأى منا شرفًا وكرمًا أعناه في مالنا وأنفسنا حتى تتم أموره. ونجيب داعية الصباح بثائٍب عجل الركوب لدعوة المستنجد داعية الصباح: المستغيث خوف الغارة, وذلك لأن الغارات إنما تشن في وقت الصباح, فيقول المستغيث واصباحاه. وقوله: بثائب يعني بعسكر لا ينقطع مدده يجيء شيء بعد شيء, وعجل الركوب أي مسرع إلى الإجابة, والمستنجد: المستعين. فنفل شوكتها ونفثأ حميها حتى تبوح وحمينا لم يبرد نفل شوكتها أي نكسرها, ونفتأ حميها أي نسكم الحمي, وقد باخت النار تبوخ بوخًا: خبت. المعنى: يصف شجاعتهم وإسراعهم إلى إغاثة المستغيث, وردهم سورة العدو. وتحل في دار الحفاظ بيوتنا رتع الجمائل في الدرين الأسود تحل بيوتنا في دار الحفاظ لزومًا للشرف, وخوفًا من الدناءة, والجمائل جمع

جمالة كعمامة وعمائم, والجمالة أكثر من الجمال. المعنى: قيل عن المراد أنا نرعى إبلنا الدرين السود, وترتع إبل الضعفاء والجيران الكلأ نتركه لهم كرمًا, وقيل بل معناه أن نبعد بإبلنا إلى المواضع التي لم ترتع واجتمع حشيشها لعزنا ومنعتنا, والدرين: الأسود البنت الذي قد أسود ويبس. (42) وقال المتوكل الليثي: ((الأول من المنسرح والقافية من المتراكب)) إني إذا ما الخليل أحدث لي صرمًا ومل الصفاء أو قطعا الصرم: الاسم من صرمت, والصرم المصدر بالفتح, والصفاء الاسم من المصافاة. لا أحتسي ماءه على رنٍق ولا يراني لبينه جزعًا لا أحتسي ماءه على رنق أي لا أغض منه على قذى, ولا أحتمل خليلي علي سيء صنيعه بل أقطعه, ولا مؤونة علي في صرمه, والرنق: الكدر, وصف بالمصدر, ويجوز تسكين النون بمعناه, ولبينه أي لفراقه. أهجره ثم تنقضي غبر الهجران عني ولم أقل قذعا غبر الهجران: بقاياه جمع غبرة, ويقال أيضًا غبر وأغبار, والقذع: الكلام القبيح- بفتح الذال وبسكونها, وقد أقذع الرجل إذا جاء بالكلام القبيح. احذر وصال اللئيم إن له عضهًا إذا حبل وصله انقطعا العضة والعضيهة البهتان, وزعم قوم أن العضة من العضاه لأنه شوكة يتأذى بها, فكذلك بهت الباهت يتأذى به, ويروي ((إن له بهتًا)) المعنى: يصف في البيت

قلة كرمه في حال الهجران وتركه تقضية المهجور بشنيع الكلام, ويحذر في هذا البيت مواصلة اللئام لما يختلقونه من البهتان عند انقضاء المودة. (43) وقال بعضهم: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) خليلي بين السلسلين لو أنني بنعف اللوى أنكرت ما قلتما ليا بين السلسلين موضع من بلاد أسد, ونعف اللوى هنا موضع بعينه وقوله: ((أنكرت ما قلتما ليا)) جواب لو أنني بنعف اللوى يقول: لو كنت في بلدي لرددت عليكما قولكما, وانتصفت منكما. ولكنني لم أنس ما قال صاحبي نصيبك من ذل إذا كنت خاليًا قوله نصيبك من ذل هو الذي حكي عن صاحبه, ونصيب رفع بالابتداء وخبره في من ((إذا كنت خاليًا من قومك)) ولم يرد من جميع الناس. المعنى: يخاطب رجلين لحقته منهما جفوة فاحتملهما وبين عذره في ذلك, ودل بما حكي عن صاحبه أن الغربة معها ذلة. (44) وقال قيس بن الخطيم, والخطيم فعيل بمعنى مفعول, وسمي بذلك لأنه خطم أنفه أي كسر.

((الأول من الوافر والقافية متواتر)) وما بعض الإقامة دياٍر يهان بها الفتى إلا عناء ذكر الواقدي أن هذه الأبيات للربيع بن أبي الحقيق في عراض قول عامر بن الاطنابة, والذي دعاه إلى ذلك أنه وقع شر بين الأوس والخزرج, ويروى ((إلا بلاء)) وقوله: بلاء أي محنة واختبار, وقد بلوت الرجل ابتليته فإذا قلت: أبليت فهو في الخير. المعنى: تنبيه على أن المقام في دار الهوان محنة يجب الانتقال عنها إذا أمكن. وبعض خلائق الأقوام داء كداء البطن ليس له دواء العرب تستعظم البطن, ويقولون في أمثالهم ((فتنة باقرة كداء البطن)). المعنى: يصف اختلاف الأخلاق, ويذكر أن بعضها لا علاج له كاللؤم والدناءة لأنها طبع وشبه ذلك بما ليس له دواء. يريد المرء أن يعطي مناه ويأبى الله إلا ما يشاء المنى: جمع المنية, وهو ما يتمناه الإنسان ويحرص عليه. المعنى: يصف أن حرص الرجل يبلغه مراده وتمنيه الشيء لا يقربه منه, نحو الغنى والعزة. وكل شديدٍة نزلت بحي سيأتي بعد شدتها رخاء

الشديدة: المحنة العظيمة، والرخاء: السعة، المعنى يسلي نفسه، ويعد أن بعد الشدة راحة. ولا يعطي الحريص غنى لحرٍص وقد ينمي إلى الجود الثراء غنى النفس ما عمرت غنٌي وفقر النفس ما عمرت شقاء وليس بنافٍع ذا البخل ماٌل ولا مزٍر بصاحبه السخاء ينمي: يزيد نموًا ونماء، والثراء: كثرة المال، وصاحبه مثر، والثروة والثراء واحد، وقوله: "غني النفس ما عمرت غنى" يعني الغنى غنى النفس، وكذلك الفقر فقر النفس، وبين أن فقر النفس شقاء لأن صاحبه في غم دائم وطلب لازم. وقوله: "ليس بنافع" إذا لم ينفعه ولا مزر السخاء بصاحبه لأن ما ينقص السخاء من ماله يزيد في حمده. المعنى: يذم البخل والبخيل، ويمدح السخاء والسخي من ماله يزيد في حمده. المعنى: يذم البخل والبخيل، ويمدح السخاء والسخي وبين أن الغني لا يزيده الحرص ولا ينقصه الكرم. وبعض الداء ملتمٌس شفاه وداء النوك ليس له شفاء الشفاء ممدود وقصره لضرورة الشعر، والنوك الحمق، وقد نوك ينوك فهو أنوك صحيح الواو. المعنى: لكل داٍء حيلة إلا الحمق فإنه لا دواء له. وبعض القول ليس له عياٌج كمخض الماء ليس له اتاء ويروى "عناج" بالنون، وعياج أي منفعة من قولهم: مع عجت به أي ما انتفعت به، ومن روى "ما عجت" بالضم فقد أخطأ، والعناج بالنون أن تكون

الدلو ثقيلة فتشد بحبل في أسفلها إلى عراقها ليؤمن انقطاع الأوزام، وهذا مثل. يقول: بعض القول ليس له فائدة ولا قوة كالماء الذي يمخض ولا يفيد مخضه. ولا يأتي بزبد كما يأتي به اللبن إذا مخض. (45) وقال منقذ الهلالي، إسلامي، منقذ من أنقذه إذا خلصه، والنقيذة ما ارتجع من العدو: "الأول من الخفيف والقافية من المتواتر" أي عيٍش إذا كنت فيه بين حٍل وبين وشك رحيل الحل مصدر حللت الرحل، ويكون بمعنى الحلول، والوشك: السرعة، والوشيك: السريع، والرحيل: الارتحال. كل فج من البلاد كأني طالٌب بعض أهله بذهول الفج: الطريق البعيد، والذحول: الأحقاد جمع ذحل، يقول: أنا سالك كل طريق بعيد كأني طالب ترًة فيه. ما أرى الفضل والتكرم إلا كفك النفس عن طلاب الفضول طلاب الفضول: يعني طلب ما يحتاج إليه، وكل ما زاد على الحاجة فهو فضل بمعنى فاضل، والطلاب مصدر طلب كالكتاب والحجاب. وبلاٌء حمل الأيادي وأن تسـ مع منًا تؤتى به من منيل منًا: أي منة، والمنيل: المنعم الذي أعطى النائل والنوال، المعنى: يذم كثرة الأسفار ويحث على القناعة.

وقال محمد بن شحاذ الضبي "الثاني من الطويل والقافية من لمتدارك" إذا أنت أعطيت الغنى ثم لم تجد بفضل الغنى ألفيت مالك حامد ألفيت: وجدت. المعنى: إذا كنت ذا مال ثم تعط غيرك لم تحمد، يحث على الجود. إذا الحلم لم يغلب لك الجهل لم تزل عليك بروٌق جمٌة ورواعد البروق والرواعد ها هنا استعارة، يريد به الشدائد، وجمة أي كثيرة. المعنى: إذا لم يغلب حلمك جهلك لم تزل في محن عظيمة، يحث على الحلم. إذا العزم لم يفرج لك الشك لم تزل جنيبًا كما استتلى الجنيبة قائد الجنيب: المجنوب، وهو الذي يقاد إلى جنب آخر، ومنه الجنيبة في الخيل والإبل، استتلى: استتبع. المعنى يقول: إذا ركبت في الأمور الشك ولم تعزم عزمة مصمم لم تزل ذليلًا تتبع غيرك، ويحث على الجد والصرامة. إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما يريب من الأدنى رماك الأباعد يقال: عركته بجنبي إذا أغضيت عنه وتغافلت، المعنى يقول: إذا لم تدار أدانيك اجترأ الأجانب عليك، كأنه يحث على حسن معاشرة الأقارب.

وقل غناًء عنك ماٌل جمعته إذا كان ميراثًا وواراك لأحد قل ما يغني عنك أي لا يغني عنك مال، وواراك: سترك، ولأحد يعني اللحد. المعنى: يحث على الجود يقول: لا يغني عنك مال تجمعه ثم تورثه وتسكن أنت القبر فإذا فعلت ذلك تلبست عارًا. تجلببت عارًا لا يزال يشبه سباب الرجال نثرهم والقصائد ويروى "تجللت عارا" أي لبسته، ويشبه يزيده، ويروي "شباب الرجال" أحداثهم، وأما سباب الرجال من السب وهو الشتم، وأصله القطع، ونثرهم يعني منثور الكلام، والقصائد بمعنى منظومه. يقول: إذا لم تجد بالمال تلبست عارًا لا يزال يذكرونك به في نظمهم ونثرهم. (47) وقال آخر: "الثاني من الطويل والقافية من المتدارك" ويل أم لذات الشباب معيشًة مع الكثر يعطاه الفتى المتلف الندي ويل أم: أراد ويل لأم لذات الشباب، ويقال أيضًا "ويل أم" بضم اللام، والندي الكثير الندى. المعنى: يمدح الشباب مع المال الكثير والجود.

وقد يقصر القل الفتى دون همه وقد كان لولا القل طلاع أنجد يقصر الفتى: يحبسه، وسمي القصار قصارًا لأنه يحبس الثياب في الغسل، ومنه المقصورة في المسجد ومنه قوله تعالى: "حور مقصورات في الخيام"، والقل والقلة والكثر والكثرة بمعنى واحد. وطلاع أنجد أي كان مشهورًا في الناس لولا قلة ماله، وأنجد جمع نجد، وهو المكان المرتفع، وكل من علا نجدًا لم يخف والعرب تفتخر بذلك. (48) وقال الحكم بن عبدل، اللام في عبدل زائدة أي عبد، إسلامي. "الأول من المنسرح والقافية من المتراكب" أطلب ما يطلب الكريم من الـ رزق بنفسي وأجمل الطلبا قوله: أجمل الطلب يعني لا أطلب من وجه يحلقني عاره، ثم بين بعد ذلك مراده في الأبيات بعده. وأحلب الثرة الصفي ولا أجهد أخلاف غيرها حلبا

قوله: وأحلب الثرة الصفي أي الكثيرة الدر، والصفي: الغزيرة، وأخلاف جمع خلف وهو رأس الضرع، والحلب مصدر حلب واللبن حلب أيضًا، وهذا البيت مثل، يقول: أطلب من الكريم الكثير العطاء، ولا أطلب من غيره، ثم بين علة ذلك. إني رأيت الفتى الكريم إذا رغبته في صديعة رغبا والعبد لا يطلب العلاء ولا يعطيك شيئًا إلا رهبا العلاء: الرفعة أي لا يبتغي الحمد والثناء ولا يعطيك شيئًا إلا إذا رهب. قد يرزق الخافض المقيم وما شد بعنٍس رحلًا ولا قتبا ويحرم المال ذو المطية والرحـ ل ومن لا يزال مغتربا ولم أجد عروة الخلائق إلا الدين لما اعتبرت والحسبا الخافض: الوادع من الخفض وهو الدعة، والعنس: الناقة الصلبة، والقتب لا يكون للإبل، وعروة الخلائق أصلها وجمعها عرى، وكل شيء يؤيد به شيء فهو عروته، وفيه يقال: اشتدت عرى الدين أسبابها، ويروي "لما اختبرت". المعنى: رب خافض مقيم يرزق ومسافر يحرم. (49) وقال آخر: "الأول من الكامل والقافية من المتدارك" يا أيها العام الذي قد رابني أنت الفداء لذكر عاٍم أولا رابني أنزل بي ما يحزنني، وأصله من الريب وهو الشك، معناه: أوقعني في أمر لا أدري أأتخلص منه أم لا. أنت الفداء لذكر عاٍم لم يكن نحسًا ولا بين الأحبة زيلا زيل أي فرق، والعرب تقول: زلت الشيء من الشيء بمعنى ميزته.

المعنى: يشكو عامه الذي هو فيه لتفريقه بينه وبين أحبائه، ويشكر عامه الماضي لتآلفهم فيه. (50) وقال الفرذدق: "الأول من الوافر والقافية من المتواتر" إذا ما الدهر جر على أناٍس كلاكله أناخ بآخرينا كلاكله استعارة، والكلكل: الصدر، وأراد به حوادث الدهر، جر على أناس حوادثه، وأناخ نزل من أنخت البعير. فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا الشامت: الفرح بمصيبة غيره وفي المثل "الشمات لؤم" المعنى: يستدفع ويتسلى بالتساوي في الموت. (51) وقال الصلتان العبدأ، والصلتان الماضي الصلت في أمره، ومنه سيف صليت أي مسلول، إسلامي:

"من المتقارب والقافية من المتدارك" أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الليالي ومر العشي كر الليالي: مرورها ليلة بعد ليلة، واعتقدوا أن الليلة إذا مرت عادت، ويجوز أن تكون تكر ليلة مكان أخرى، ومر العشي أراد جمع العشية، وهي آخر النهار، ويروي "كر الضحاة". إذا ليلٌة هرمت يومها أتى بعد ذلك يوٌم فتى هرمت يومها أي أصابته شيئًا متناهيًا فذهبت به، ويوم فتى أي جديد، والفتى الحديث السن، ومصدره الفتاء بالمد. نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من لا عاش لا تنقضي نروح: نخرج رواحًا: ونغدو نخرج غدوًا، أراد خروجهم بالليل، المعنى يذكر تأثير الليالي في شيب الصغار وفوت الكبار، ويذكر تعاقب الليل والنهار. تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجٌة ما بقي يذكر كدح الناس في الليل والنهار في حاجاتهم. إذا قلت يومًا لمن قد ترى أروني السري أروك الغني السري: الكريم وأصله المختار لأن سروة الشيء خياره. المعنى: يصف سقوط مقادير الكلام في الناس، وأنهم لا يعدون الكرم فيهم إلا الغنى دون الحسب والمنصب وشرف النفس وحسن الخلق. ألم تر لقمان أوصى بنيه ووصيت عمرًا فنعم الوصي أوصى لقمان: يعني لقمان الحكيم، وكان عبدًا حبشيًا لرجل من بني إسرائيل، وكان خياطًا، وروي أنه كان نجارًا، وقال أوصى بنيه وإنما أوصى ابنه

لأن الوصية وإن كان المخاطب بها واحدًا فالمراد بها العموم، وأوصيت عمرًا يعني ابنه، وجعل الوصي بمنزلة الموصي وهذا أقربها، والثاني فنعم الوصي يعني الموصي يريد نفسه، ومادح نفسه إذا كان مصيبًا في مدحه دالًا غيره على نفعه لا يخرج من حد الحكمة، قال الله عز وجل: "والأرض فرشناها فنعم الماهدون" والوجه الثالث يريد لقمان وهذا أبعدها لاعتراض جملة بينهما بني بدا خب نجوى الرجال فكن عند سرك خب النجي بني- بكسر الياء وفتحها- تصغير ابني الخب: الخداع بالكسر السر، والنجي المسار يعني المناجي. وسرك ما كان عند امرٍئ وسر الثلاثة غير الخفي المعنى: يحثه على كتمان السر. تم باب الأدب

باب النسيب

باب النسيب النسيب مصدر نسب الشاعر بالمرأة إذا ذكر محاسنها. (1) وقال الصمة بن عبد الله القشيري، إسلامي: "الثاني من الطويل والقافية من المتدارك" حننت إلى ريا ونفسك باعدت مزارك من ريا وشعباكما معا ريا اسم امرأة، باعدت أبعدت، يعني فارقت ريًا كائنًا شعباكما معًا، كما

تقول: زرته والشمع طالعة، والشعب: القبيلة العظيمة. فما حسٌن أن تأتي الأمر طائعًا وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا داعي الصبابة أسمعا: مثل يريد به اهتياج الشوق الشديد حتى كأنه يدعوه بصوت يسمع. المعنى: لا يحسن أن تفعل شيئًا ثم تجزع ندمًا. قفا ودعا نجدًا ومن حل بالحمى وقل لنجٍد عندنا أن يودعا المعنى: يكلف صاحبيه الوقوف بدار حبيبته للتوديع ويستقل التوديع لها. ولما رأيت البشر أعرض دوننا وحالت بنات الشوق يحنن نزعا البشر جبل بالجزيرة، وكانت به وقعة معروفة، أعرض دوننا أي اعترض بيني وبين من فارقته، وبنات الشوق: القلب والعينان وكل عضو يؤثر شوقًا، ونزعا جمع نازع من النزاع وهو الشوق. بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا وقد أكثروا في الأرض في هذا المعنى: ونحن نذكر ما بلغنا من ذلك إن شاء الله. قال المفجع في كتاب الترجمان: العين ها هنا عين السحاب، وهي سحابة تنشأ من

عين قبلة العراق يقول: هذه السحابة أمطرت فزجرتها لئلا تصوب على محلة أحبتي فيستغنوا بمصابها عن النجعة حتى ألقاهم، فنشأت سحابة أخرى فمطرتا كلتاهما فآيستاني. قال أبو علي الاستراباذي: وهذا غلط من وجوه: أحدها أنه قال: عينه اليمنى فأضافها إلى نفسه، الثاي أنه قال بعد الشيب أو الحلم، على حسب الرواية، ولا تعلق للسحاب بالشيب أو الحلم أو الجهل، والثالث أنه قد تقدم ذكر الدمع والعين فوجب أن يكون ما يليه مشاكلًا، والرابع أن أحدًا لا يزجر السحاب حتى يزجرها هو، وإنما جرت العادة بالاستمطار، وقيل في تفسيره أيضًا: إنما خص اليمين بالبكاء لأن لها ابتداء بالبكاء، وكل شيء من البدن قوته من الشق الأيمن أكثر، والدمع أول ما يخرج من العين اليمنى قال: وهذا أيضًا لا نعرف صحته، وقيل: إنما خص اليمنى بالبكاء ابتداء لأن دار حبيبته كانت عن يمينه، وهو تعسف أيضًا، لأن العين لا تتميز بالعلم فيكون منه الفعل اختيارًا، ولا أعلم أحدًا يبكي بعين دون عين لأنه ممتنع عن الإنسان، وقد حكي أن الذئب ينام بإحدى عينيه ويفتح الأخرى وينظر بها، وهو شائع في العرب حتى قال حميد بن ثور: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع وفي الحيوان ما ينام مفتوح العين وهو الأرنب، وقد يتفق ذلك في الناس فأما البكاء بإحدى العينين دون الأخرى وكلتاهما صحيحة فلا، وقيل: إنه كان أعور اليسرى وهذا أصح الوجوه كأنه بكى بالعين الصحيحة ثم ساعدتها المؤوفة كما قال الآخر: عذرتك يا عيني الصحيحة بالبكا فما أولع العوراء بالهملان ويروي أن عمر- رضي الله عنه- قال لمتمم بن نويرة- وكان أعور- ما بلغ بك

من حزنك على أخيك؟ قال: بكيت عليه بعيني الصحيحة، وأسعدتها الأخرى الذاهبة. فليست عشيات الحمى برواجٍع إليك ولكن خل عينيك تدمعا ويروي "ألا ليس أيام الصبا برواجع إليك" المعنى: لن يعود إليك ما قد فاتك ولكن أكثر البكاء فإنه يشفي الصدور. تلفت نحو الحي حتى وجدتني وجعت من الإصغاء ليتًا وأخدعا الليت: صفحة العنق وجمعه اللتات والأخدع في الليت، المعنى لما استحكم البعد بيني وبينها وهاج الشوق إليها أكثرت من التفاتي نحو ديارها حتى وجعت من كثرة الالتفات. وأذكر أيام الحمى ثم أنثني على كبدي من خشيٍة أن تصدعا ويروي "أن تقطعا" المعنى: أذكر أيام الوصل من الحمى وما فاتني من الأنس بها فأنثني على كبدي الموجعة أسفًا ولهفًأ فأمسك عليها خوف التصدع. (2) وقال آخر، إسلامي: "الثاني من الطويل والقافية من المتدارك" ونبئت ليلى أرسلت بشفاعٍة إلي فهلا نفس ليلى شفيعها أأكرم من ليلى علي فتبتغي به الجاة أم كنت أمرًأ لا أطيعها

بشفاعة أي بشفيع ولهذا كنى عنه بقوله فتبتغي به الجاه. المعنى: أخبرت أن ليلى استشفعت إلي في حاجة، وما احتاجت إلى شفاعة أحد، لأني لا أخالفها، يصف فنزلتها عنده وطاعته لها. (3) وقال ابن الدمينة بن دريد: "الثاني من الطويل والقافية من المتدارك" أما يستفيق القلب إلا انبرى له توهم صيٍف من سعاد ومربع يستفيق: يفيق، صيف: أراد به منزل الصيف لقوله مربع، انبرى: عرض وظهر. المعنى: يعاتب نفسه في شغل القلب لسعاد. أخادع عن أطلالها العين إنه متى تعرف الأطلال عينك تدمع المعنى: يذكر تجلده في تناسيها، ويشكو عينه أنها تبكي كلما رأت آثارها. عهدت بها وحشًا عليها براقٌع وهذي وحوٌش أصبحت لم تبرقع يعني نساء متبرقعات، وهذي وحوش جمع وحش البر، والوحش الأول مجاز أي فارق الأطلال وأهلها وسكنها الوحش بدلًا منهم. المعنى: يصف استبدال منازل حبيبته الوحوش بأهلها.

(4) وقال آخر: "الأول من الطويل والقافية من المتواتر" فيا رب إن أهلك ولم ترو هامتي بليلى أمت لا قبر أعطش من قبري يعني لم يذهب عطشها، ويروي "ولم ترو هامتي" والمعنى فيه قولان: الأول يا رب لم تروني من ليلى قبل أن أموت بما يروي به المحب من حبيبته من نظرة وألفة، لم يكن قبر أعطش من قبري، أي لا مقبور أعطش مني، وخص الهامة بالعطش لأنها محله، والثاني أنه مبالغة في النحول والهلاك من حبها أي صار هامة كما يزعمون، أن الميت يصير بعد موته هامة أي يخرج من دماغه، فإذا كان مقتولًا ولم يدرك بثأره لا يزال يقول: اسقوني إلى أن يثأر، ويقال للشيخ الفاني: هو هامة يومه أو غده، فعلى هذا الوجه معناه إن لم يرو الخيال الباقي مني من ليلى فلا هامة أعطش من هامتي. وإن أك عن ليلى سلوت فإنما تسليت من يأس ولم أسل من صبر وإن يك عن ليلى غنى وتجلٌد فرب غني نفٍس قريٍب من الفقر إن تركت ذكر ليلى فسلوي سلو يأس لا صبر، ثم قال: إن استغنيت بامرأة غيرك فليست هي عوضًا منك، وكل ما تقنع به النفس فقر، فغناي بغيرك كالفقر إليك.

(5) وقال آخر، وهو جران العود النميري، إسلامي "الثاني من البسيط والقافية من المتواتر" يوم ارتحلت برحلي قبل برذعتي والعقل متلٌه والقلب مشغول متله- بكسر اللام وفتحها- مفتعل من الوله، ورجل واله ومتله. المعنى يصف دهشه بحبها حتى قدم ما يجب أن يؤخره وذلك أن يلقي البرذعة على ظهر البعير قبل الرحيل. ثم انصرف إلى نضوي لأبعثه اثر الحدود الغوادي وهو معقول النضو: البعير المهزول وجمعه أنضاء، والبلو: مثله وهو الذي قد أبلاه السفر، والحدج مركب من مراكب النساء وجمعه حدوج. المعنى يقول: قصدت أن أبعث بعيري قبل حل عقاله وذلك أنه يحل عقاله ثم يبعث. (6) وقال جران العود أيضًا: "الثاني من الطويل والقافية من المتدارك" أيا كبدًا كانت عشية غرٍب من الشوق اثر الظاعنين تصدع عشية ما فيمن أقام بغرٍب مقاٌم ولا فيمن مضى متسرع

غرب: جبل دون الشام ببلاد كلب، والمقام: الإقامة. المعنى: البيتان معلقان كأنه قال: أطلب كبدا كادت تصدع شوقًا إلى من ارتحل في الوقت الذي يمكنني المقام مع المقيمين بغرب، والارتحال مع المرتحلين عنها. (7) وقال الحسين بن مطير الأسدي، إسلامي: "الأول من الطويل والقافية من المتراكب" لقد كنت جلدًا قبل أن توقد النوى على كبدي نارًا بطيئًا خمودها المعنى يقول: كنت جلدًا قبل مفارقة أوداي والتهاب الشوق في كبدي إليهم، وقد ذهبت جلادتي الآن بمفارقتي لهم، يصف تأثير الفراق فيه. وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي إذا قدمت أيامها وعهودها المعنى يقول: كنت أرجو أن تقادم الأيام يزيل صبابتي إليها. لقد جعلت في حبة القلب والحشا عهدا الهوى تولى بشوٍق يعيدها (العهاد جمع عهدة وهو مطر أول السنة، والولي المطرة الثانية بعد الوسمي) شبه أول الشوق بالعهاد وما يوليه بالولي، وبشوق يعيدها أي يعيد العهاد من أعاد، وكان ثعلب يروي "بعيدها" من البعد أي ما بعد من العهاد، ومعناه يقويها تقوية الولي للوسمي. بسوٍد نواصيها وحمٍر أكفها وصفٍر تراقيها وبيٍض خدودها

صفر تراقيها قيل من الطيب وقيل: من حلي الذهب، المعنى يصف الجواري بسواد الشعر وخضاب الكف واستعمال الطيب ولبس الحلي. مخصرة الأوساط زانت عقودها بأحسن مما زينتها عقودها مخصرة الأوساط أي لطيفتها، وفي الحديث "خصروا فعالكم" زانت عقودها أي أنها تحسن العقود ولا تحسنها العقود. يمنينا حتى ترف قلوبنا رفيف الخزامى بات طٌل يجودها يمنيننا أي يطمعننا من الأمنية، حتى ترف قلوبنا أي ترتاح وتفرح، رفيف الخزامى وهو خيري البر، ورفيفها اهتزازها، إذا كانت خضراء ناعمة، وبات طل يجودها أي ندى يجود عليها. (8) وقال أبو صخر الهذلي، إسلامي: "الأول من الطويل والقافية من المتواتر" أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمره الأمر لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى أليفين منها لا يروعهما الذعر المعنى: يحلف بالله أنه يحسد زوجين من الوحش لا يفزعان من شيء أن يكون مكانهما مع من يهواه. فيا حبها زدني جوًي كل ليلٍة ويا سلوة الأحباب موعدك الحشر

الجوى: داء في الجوف. المعنى: يستلذ بحبها ويستديم السقم الذي يكون منه ويودع السلو عنه إلى يوم القيامة. عجبت لسعي الدهر بيني وبينها فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر إن قيل: كيف يستقيم هذا البيت لأنه استدام الجوى في البيت الأول، ويذكر في هذا انقضاء ما بينهما قيل: الأول على ما فسر صحيح، ولم يقل في الثاني انقضى الحب، ومعناه أن الدهر لم يزل يسعى في فساد ألفتنا فلما انقضى ما بينا من جهة الدهر أي فرق بيننا سكن الدهر، فليس يسعى في إفسادها ما بين محبين غيرنا، وقال بعضهم: معناه يسعى بيننا بعوائقه، فلما اجتمعنا ووصل كل منا إلى مناه يئس الدهر من الفساد بيننا فسكن سكون يائس. (9) وقال أيضًا: "من الكامل والقافية من المتواتر" بيد الذي شغف الفؤاد بكم تفريج ما ألقى من الهم أي الذي غلب الحب على قلبي، ومعناه الله الذي شغفني بكم هو القادر على تفريج الغم عني. ويقر عيني وهي نازحٌة ما لا يقر بعين ذي الحلم أني أرى وأظن أن سترى وضح النهار وعالي النجم يقر عيني ما لا يقر عين حليم عاقل، وأفرح باليسير الذي لا يفرح به عاقل، وهو أن أرى وضح النهار وعالي النجم وأظن أنها ستراها، وأني أرى: بدل من ما لا يقر، وهذا كقول الآخر في المعنى:

أليس الله يجمعني وليلى كفاك بها وذاك لها تدان ترى وضح النهار كما أراه ويعلوها النهار كما علاني وقيل: إن هذا توعد لقومها أي أمري أمرًا عظيمًا، وسترى هي من قتل النفوس لأجلها، والعرب تصف اليوم الشديد بظهور النجم كما قال: يومًا لا توارى كواكبه. وقال طرفة: وتريه النجم يجري بالظهر. والأصل فيه أن النهار إذا أظلم ظهرت فيه النجوم، فعلى هذا الوجه لابد من كسر إني أرى. ولليلٌة منها تعود لنا في غير ما رفثٍ ولا إثم أشهى إلى نفسي ولو نزحت مما ملكت ومن بني سهم

ولو نزحت أي لو بعدت نفسي من ملكي يعني ذهاب ماله، وبنو سهم قبيلته، المعنى: لليلة تتفق لنا في غير ريبة أحب إلي من مالي وأهلي وقبيلتي. ولو أن لومًا فيك أو عذلًا كلٌم بجسمي قد بدا كلمي العذل أشد من اللوم، المعنى: قد أكثروا علي العذل واللوم فيك، فلو كان اللوم يجرح لظهرت بي جراحة. قد كان صرٌم في الممات لنا فعجلت قبل الموت بالصرم الصرم القطيعة، المعنى يقول: لو بقيت على الوصال كان الموت يفرق بيننا فعجلت بالفرقة قبل الموت وفعلت ما كنت أخشى أن يفعله الموت. ولما بقيت ليبقين جوى بين الجوانح مضرٌع جسمي المعنى: أنس حياتي بك فإن بعدت أو هلكت فلا خير في الحياة بعدك. فتعلمي أن قد كلفت بكم ثم افعلي ما شئت عن علم تعلمي أي اعلمي. المعنى: تحققي صدق محبتي لك ثم افعلي بعد العلم ما شئت. يستعطفها ويشير إلى أنك لا تفعلين بعد العلم ما لا يليق بالحال. (10) وقال آخر. "الأول من الكامل والقافية من المتدارك" إن التي زعمت فؤادك ملها خلقت هواك كما خلقت هوى لها

الهوى ها هنا المحبوب أي المهوي. المعنى: إن التي ظنت وقالت إنك مللتها ليس كذلك بل أنت تحبها كما تحبك هي. بيضا باكرها النعيم فصاغها بلباقٍة فأدقها وأجلها باكرها النعيم سبق النعيم في ابتداء خلقها، فصاغها بلباقة أي جعلها النعيم لبقة، فأدقها أي خصرها، وأجلها أي أردافها وقيل: أدق في محاسنها وأجلها في عيون الناس، والأول أجود. المعنى: يصفها بالنعمة ودقة الخصر وعظم الردف. حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ما كان أكثرها لنا وأقلها ما كان أكثرها يعني التحية أي ما كان أكثرها في الانتفاع، وأقلها يعني قلة الألفاظ، وقيل: ما كان أكثرها لنا فيما مضى وأقلها الآن. المعنى: يتأسف على انقطاع تحيتها عنه. وإذا وجدت لها وساس سلوٍة شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها ويروي "شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها" ويروي "شفع الضمير لها إلي فسلها"، وقوله وساوس سلوة ما يخطر بباله، يقول: كيف أسلو عنها إن كان الضمير شفيعها إلي، وقوله: "فسلها" فأخرجها أي أخرج الوساوس من قلبي.

المعنى: لا أسلو عنها أبدًا وإن خطرت السلوة بقلبي زال ذلك سريعًا لأنه إذا كان الضمير أو القلب شفيعها فلا يحصل مضمر. (11) وقال آخر: "الثاني من الطويل والقافية من المتدارك" أما والذي حجت له العيس ترتمي لمرضاته شعٌث طويٌل ذميلها يحلف بالله الذي حج له أهل العيس، شعث: غبر، ذميلها: سرعة سيرها، ويروي "ترتمي" أي تستبق في السير. لئن نائبات الدهر يومًأ أدلن لي على أم عمرٍو دولًة لا أقيلها أدلن لي بمعنى جعلن لي دولة أي ظفرًا، لا أقيلها قال بعضهم: أراد أعذبها كما عذبتني، ولا أتجاوز عن ذنبها من قولهم: "أقلت عثرته" وهو غلط، لأنه يخرج حينئذ عن حد النسيب، ومعناه- والله أعلم- لئن أظفرتني صروف الدهر بأم عمرو لا أقيلها أي لا أفارقها من إقالة البيع، وهو رد المبيع. المعنى: يندم على مفارقتها، ويحلف أنه إن ظفر بها بعد ذلك لم يفارقها. (12) وقال آخر: "الثاني من الطويل والقافية من المتدارك" وكنت إذا أرسلت طرفك رائدًا لقلبك يومًأ أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادٌر عليه ولا عن بعضه أنت صابر جعل العين رائدًا للقلب لأنه يشتهي ما تستحسنه العين، ويكره ما تستكرهه، المعنى: من يحفظ العينين عن إدامة النظر تحصل له السلامة.

وقال آخر: "الأول من الوافر والقافية من المتواتر" أقول لصاحبي والعيس تهوى بنا بين المنفية فالضمار تمتع من شميم عرار نجٍد فما بعد العشية من عرار المنيفة والضمار موضعان، ويروي "تحدي" أي تسرع، وشميم: مصدر شم، والعرار نبت طيب الرائحة أصفر اللون، المعنى: يحكى بأنه أمر صاحبه بشميم عرار نجد فإنه مفارقه، وإنما فخم أمر عرار نجد لأنه في ديار حبيبته. ألا يا حبذا نفحات نجٍد وريا روضة غب القطار ريا روضه روائحه، وغب القطار بعد المطر، المعنى: يذكر استطابته نجدًا وما فيه. وأهلك إذ يحل الحي نجدًا وأنت على زمانك غير زار شهوٌر ينقضين وما شعرنا بأنصاف لهن ولا سرار السر، بفتح السين وكسرها، آخر الشهر قدر استسرار القمر، وأيام السرور تستقصر لطيبها، وأيام الحزن تستطال لشدتها. المعنى: يستقصر أيام السرور. (14) وقال آخر: "الثاني من الطويل والقافية من المتدارك"

ومما شجاني أنها يوم أعرضت تولت وماء العين في الجفن حائر فلما أعادت من بعيٍد بنظرٍة إلى التفاتًا أسلمتها المحاجر أسلمتها المحاجر، وهي ما حول العين. المعنى: يصف حزنه عند فراقها وتهيؤه للبكاء عند صدودها، وإرساله الدمع عند التفاتها إليه، لأنها أسقمته بذلك وأجزعته. (15) وقال آخر، إسلامي: "الأول من الطويل والقافية من المتواتر" ولما رأيت الكاشحين تتبعوا هوانا وأبدوا دوننا نظرًا شزرا جعلت وما بي من جفاٍء ولا قلى أزوركم يومًأ وأهجركم شهرا تتبعوا هوانا أي راموا فساد أمرنا، وهذان البيتان للشاعر العرجي، وذكر إسحاق ابن إبراهيم الموصلي أنه لما مات عمر بن أبي ربيعة رئيت جارية تبكي وتلطم وتقول: من لمكة وذكر شعابها ونسائها؟ فقيل لها: طيبي نفسًا فإنه قد نشأ فتى من آل عثمان بن عفان يقال له العرجي يحذو حذوه قالت: فأنشدوني بعض ما قال فأنشدوها "لما رأيت الكاشحين" قال: فمسحت عينيها ورفعت يديها إلى السماء وقالت الحمد لله الذي لم يضيع حرمه. والمعنى يعتذر في إقلال الزيارة ويزعم أنه خوف العدى.

وقال بعض القرشيين: "الأول من الخفيف والقافية من المتواتر" بينما نحن بالبلاكث فالقا ع سراعًا والعيس تهوي هويا خطرت خطرٌة على القلب من ذكـ راك وهنًا فما استطعت مضيًا قلبت لبيك إذ دعاني لك الشو ق وللحاديين كرا المطيا البلاكث والقاع موضعان، وتهوى هويا أي تسرع، وبينما للمباغتة، ووهنا أي بعد ساعة من الليل، ولبيك أي ها أنا ذا مقيم بين يديك إقامة بعد إقامة من ألب بالمكان ويروي "حثا المطيا" أي قلت للحاديين سوقا الإبل فإني قد عجزت عن السوق والحدو، وقيل: بل معناه أمرت الحاديين بسوق المطي نحوها. المعنى: يصف ما لحقه من الفتور عند ذكرها، والعجز عن سوق لابل وحدوها. (17) وقال آخر، وهو ابن هرمة، إسلامي: "الأول من البسيط والقافية من المتراكب"

استبق دمعك لا يود البكاء به واكفف مدامع من عينيك تستبق ليس الشؤون وإن جادت بباقيٍة ولا الجفون على هذا ولا الحدق اكفف مدامع أي امنعها من السيلان، والمدامع: مجاري الدمع، تستبق: من السبق. المعنى: يكف نفسه عن البكاء ويذكرها بأن البكاء مفسد للعين. (18) وقال آخر، إسلامي: "الثاني من الطويل والقافية متدارك" قد كنت أعلو الحب حينًا فلم يزل بي النقص والإبرام حتى علانيا ولم أر مثلينا خليلي جنايٍة أشد على رغم العدو تصافيا خليلين لا نرجو لقاء ولا ترى خليلين إلا يرجوان التلاقيا أعلو الحب أظهر وأقوى عليه. المعنى يقول: كنت أغلب الهوى زمانًا فجرت على أمور مختلفة من الهوى فغلبني، وصف مصافاتها على بعد الدار واليأس من الالتقاء. (19) وقال قيس بن ذريح، إسلامي: "الأول من الطويل والقافية من المتواتر"

وكل مصيبات الزمان وجدتها سوى فرقة الأحباب هينة الخطب الخطب: الأمر العظيم يستعمل في المكروه، المعنى: هون المصائب كلها إلا فراق الأحبة. (20) وقال الحسين بن مطير: "الأول من الطويل والقافية من التواتر" فيا عجبًا للناس يستشرفونني كأن لم يروا بعدي محبًا ولا قبلي يستشرفوني: يرفعون أبصارهم إلي كأنهم ينظرون إلي إلى موضع عال، ويروي "يستسرفونني" أي يجدونني مسرفًا في الحب عندهم، والأول أجود. المعنى: يتعجب من تعجب الناس منه. يقولون لي أصرم يرجع العقل كله وصرم حبيب النفس أذهب للعقل المعنى: يخطئ رأيهم في صرفه الحبيب ليرجع عقله، وبين أن صرمه ذهاب للعقل لأنه إنما تغير عقله من الصدود والصرم أبلغ من ذلك. ويا عجبًا من حب من هو قاتلي كأني أجزيه المودة من قتلي أجزيه أجازيه. المعنى: يتعجب م حبه من يقتله صدا وإعراضًا وقال: كأني

جعلت مودتي له جزاء عن قلته إياي، فكلما زادني قتلًا زدته ودا، وعني بالقتل أسباب القتل. ومن بينات الحب أن كان أهلها أحب إلى قلبي وعيني من أهلي المعنى: يقول: من علامات الحب أنها أحب إلي من أهلي. (21) وقال عمر بن أبي ربيعة، إسلامي: "الأول من الطويل والقافية من المتدارك" ولما تفاوضنا الحديث وأسفرت وجوٌه زهاها الحسن أن تتقنعا زهاها الحسن أي استخفها الحسن، فلم تتقنع ثقة بحسنها، وكانت المرأة من العرب إذا كانت رائعة الجمال ألقت نقابها فإذا كانت كريهة الوجه سترت وجهها. تبالهن بالعرفان لما عرفنني وقلن امرؤ باٍغ أضل وأوضعا تبالهن أظهرن البله من أنفسهن، المعنى: يصف حصوله عند نساء حسان عرفنه وأنكرن معرفته وداعبنه ونسبنه إلى التمادي. وقربن أسباب الهوى لمتيٍم يقيس ذراعًا كلما قسن إصبعا

يقيس ذراعًا مثل أي يطمع في الكثير منهن إذا أطمعنه في اليسير من وصلهن. وقلت لمطريهن ويحك إنما ضررت فهل تستطيع نفعًا فتنفعا المطري: المادح والمزين، أطريت فلانًا أثنيت عليه، ومدحته بفضله وأصله من الطراوة. المعنى: يذكر طلب وصلهن على ألطف الوجوه. (22) وقال ربيس التغلبي، والربيس تصغير الربس، وهو حبل يصعب به النخل: "الثاني من الطويل والقافية من المتدارك" هل تبلغني أم عمرٍو وتقذفن على طرٍب بيوت هم أقاتله على طرب بيوت هم أقاتله يعني هما يبيت معه، ومقاتلة الهم مدافعته ومغالبته، يعني هل تقذف هما أقاسيه على طرب. مبنية عتق حسن خٍد ومرفقًا به جنٌف أن يعرك الدف شاغله مبينة عتق يعني ناقة تبين عتقها وكرمها في حسن خدها ومرفها به جنف يعن بالمرفق أي ميل لئلا يعرك الدف أي الجنب، وشاغله أي شاغل المرفق. يعني يريد أنها فتلاء الذراعين، والعراك أن يعرك المرفق الجنب من الضاغط يكون بالبعير. مطارة قلٍب إن ثنى الرجل ربها بسلم غرٍز في مناٍخ تعاجله

مطارة قلب نعت للناقة أي حديدة قلب، كأنه أطير لذكائه وحدته، وأن ثني الرجل يعني إذا ركبها صاحبها تسرع في السير، وجعل الركاب سلمًا لأنه يتوصل به إلى ظهر الناقة تشبيهًا بسلم السطح. وفي ذكر السلم إشارة إلى طول الناقة، ويعاجله أي يعجل إليه ربها، والغرز ركاب من خشب. يباري بها القود النوافخ في البري قليل النزول أغيد الخلق عاطله يعني يباري صاحبها بها يعني الناقة، النوافخ في البري أي تنفخ في براها المرح والنشاط في طول وشدة السير، والبري جمع البرة، وهي حلقة في أنف البعير، قليل النزول يعني نفسه، يقل نزوله لدوام سيره، أغيد الخلق أي ناعم الشباب عاطله، الهاء للخلق ويفسر على وجهين: أحدهما أنه لا حلي عليه لأنه لا يتزين لدوام سفره، والآخر عاطله حسن الخلق، والعطل الحسن قاله الخليل. مراجع نجد بعد فرك وبغضة مطلق بصري أصمع القلب جافله أي كان يهوى نجدًا ثم سلي عنه وأبغضه، فراجعه الهوى فعاد إلى نجد، مطلق بصري أي تاركها، وبصري بالشام، وأصمع القلب أي ذكي القلب، جافله أي خفيف. (23) وقال عبد الله بن العجلان النهدي ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) وحقه مسك من نساء لبستها شبابي وكأس باكرتني شمولها

يقول: كم من جارية طيبة كحقة مسك لبستها شبابي أي عاشرتها في شبابي، وكم من قدح فيه خمر شربتها بكرة، والشمول جنس من الخمر. جديدة سربال الشباب كأنها سقية بردي نمتها غيولها جديدة سربال يعني جدة شبابها وطراوتها، وحذف الهاء في جديد أكثر وسقية بردي، يعني ما سقي من البردي، والبردي نبت يشبه القصب، والغيول جمع غيل وهو الماء يجري على وجه الأرض، ومعنى نمتها أي نبتها أي تنبت في الماء الجاري فكأنها نبت الماء، ويروي "غذتها غيولها "من الغذاء ويروي "سقتها "والجميع حسن والأول أبدع. ومخملة باللحم من دون ثوبها تطول القصار والطوال تطولها ومخملة باللحم يعني السمن والغضاضة، والخمل هو الذي يستر الثوب من الزبير، وقال من دون ثوبها ليخرج من ذلك اليدان والرجلان والوجه، لأن كثرة اللحم لا يستحسن على هذه، تطول القصار أي هي ربعة تزيد عليهم في الطول، والطوال يزدن عليها يقال: طاولت فلانًا فطلته أي كنت أطول منه. كأن دمقسًا أو فروع غمامة على متنها حيث استقر جديلها فروع غمامة: أعلاها، وهو أبيض حسن لأنه مما يلي الشمس ومن علا قلل الجبال ربما رأى ذلك، لأن السحاب ينسحب دونه، والجديل الزمام، جدلته أي أحكم فتله، وأراد بالجديل هنا الذوائب أو ما يوصل به أطراف الذوائب وتسمى القصاص ومسقطها على المتن. يقول: كأن ما انتهى العقاص إليه من متنها عليه دمقس أو فروع غمامة لنقائه وبياضه، وقيل: أنه أراد بالجديل الوشاح، وما أراه كذلك، لأن الوشاح لا يكون على المتن ولا يستقر عليه، وإنما يكون إرساله على الصدر لا على الظهر. المعنى يقول: رب جارية طيبة الريح شابة غضة بضة صحبتها في شبابي ورب كأس سقيتها قبل أصحابي.

وأبيض منقوف وزق وقينة وصهباء في بيضاء باد حجولها وأبيض قيل أراد به القدح، والمنقوف: المفتوح الرأس، وقيل: إنه أراد به العود لأن المنقوف هو المثقوب يقال: جذع منقوف ونقيف، وحجولها استدارتها في الزجاج وهو موضع انتهاء الخمر إليه من الزجاج يقال: فرس باد حجولها. إذا صب في الراووق منها تضوعت كميت يلذ الشاربين قتيلها الراووق: المصفاة لأنه يروق به الشراب، كميت يعني الخمر للونها تلذ الشاربين أي تجعلهم لذاذًا وتسقيهم لذاذًا. المعنى: يصف الخمر وأسبابها. (24) وقال عبد الله بن الدمينة الخثعمي: إسلامي: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) ولما لحقنا بالحمول ودوننا خميص الحشا توهي القميص عواتقه الحمول: الأحمال، والحمولة الإبل التي تحمل الأثقال وغيرها. وأراد به الظعن ها هنا ويروي "ودونها "خميص الحشا يعني رجلاً ضامر البطن، وهو الذي يحفظ النساء، توهي القميص عواتقه لقوته وجلده، لأنه ليس بعظيم الجنبين فتحملان الثوب فينخرق موضع الجيب. قليل قذى العينين يعلم أنه هو الموت إن لم تلق عنا بوائقه

قليل قذى العينين يعني الغيور، يقول هو حديد البصر شديد النظر لا تقذي عينه بشيء فيمنعه من إدراك ما ينظر إليه، وقيل معناه لا تقذي عنه بشيء، لأنه غيور سيء الظن، كلما ظن بشيء يريبه غيره، فلا ينام على قدى ولا يجسر أحد أن يريه ما يكره فعلم أنه هو الموت. عرضنا فسلمنا فسلم كارهًا علينا وتبريح من الغيظ خانقة تبريح من الغيظ أي شدة من الغيظ كان يخنقه لأنه سيء الظن بالناس، فسلم كارهًا أي كره قربنا منه. فسايرته مقدار ميل وليتني بكرهي له ما دام حيًا أرافقه ويروي "موافقه "وهو أجود، ويروي "على رغمه طول الحياة أرافقه "المعنى: لما فارقه ندم لأنه وإن كان يكره قربه فقد كان يرى في بعض الأوقات صاحبته. فلما رأت أن لا وصال وأنه مدى الصرم مضروبًا علينا سرادقه فلما رأت يعني الجارية أن لا وصال، وأن مدى الصرم مضروب علينا سرادقه أي مضروب علينا حجابه وهو مثل. رمتني بطرف لو كميًا رمت به لبل نجيعًا نحره وبنائقه أي رمتني بطرف وبلمح وهو الإشارة لو رمت به شجاعًا لأدمته حتى بل الدم نحره وبنائق قميصه. ولمح بعينيها كأن وميضه وميض الحيا تهدي لنجد شقائقه يقول: كأن وميض اللمح وميض البرق وهو لمعانه، شبه لمع عينيها بلمع البرق شقائقه أي المطر الشديد الواحد شقيقة.

(25) وقال أبو الطمحان القيني، جاهلي (1): ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) ألا عللاني قبل صدح النوائح وقبل ارتقاء النفس بين الجوانح (2) عللته: طيبت نفسه بشيء، وصدح النوائح صوتهن، والصدح: الصوت، ويقال صدح الديك إذا صاح وصوت، ورجل مصدح حسن الصوت. المعنى: يخاطب حبيبه يقول: عللني بوعد أو ما أسكن إليه قبل أن أهلك. وقبل غد يا لهف نفسي على غد إذا راح أصحابي ولست برائح يقول: عللني قبل وقت الرحيل، وخطابه لحبيبه، وأخرج الخطاب مخرج التثنية على مذهب العرب. (26) وقال آخر ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر))

هل الوجد إلا أن قلبي لودنا من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر المعنى: يشكو لوعة الهوى، وشدة ضرامه وحره في قلبه، وقيد الرمح وقاده وقوده. أفي الحق أني مغرم بك هائم وأنك لا خل هواك ولا خمر المغرم: المولع بالشيء، لا خل هواك ولا خمر، هذا مثل يضرب للخير والشر، أي ليس عندك ما أنتفع به من قليل أو كثير، ويروي "ولا حلو لديك ولا مر ". فإن كنت مطبوبًا فلا زلت هكذا وإن كنت مسحورًا فلا برئ السحر المطبوب هو المسحور، والطب: السحر فإن قيل: فلم فرق بينهما؟ ففيه جوابان أحدهما أنه سمع بعض الناس يقولون: هو مطبوب فأجابهم على لفظهم، والآخر أن المطبوب أشد حالاً من المسحور، لأن السحر كالخدع والتعليل والطب ما يؤثر في النفس ويضعف الجسم. المعنى: يشكو لوعة الهوى ويعاتب حبيبته يقول: أحق أني كلف بك، وأنك لا تفكرين بي، ثم أظهر الرضا بجميع أحوال الهوى (27) وقال آخر ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) تشكي المحبون الصبابة ليتني تحملت ما يلقون من بينهم وحدي وكانت لنفسي لذة الحب وحدها فلم يلقها قبلي محب ولا بعدي (3)

المعنى: هذا رجل يتمنى أن يكون به جميع ما يشكوه المحبون، ويعتد بعذاب الهوى لذة (28) وقال شبرمة بن الطفيل، مخضرم، الشبرمة نبت يقال إنه نوع من الشيح ويقال: الشبرم القصير. ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) ويوم شديد الحر قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر لدن عدوة حتى أروح وصحبتي عصاة على الناهين شم المناخر ليس في هذه الأبيات نسيب إنما فيها ذكر الشرب والقصف لدن غدوة يعني أول النهار، ولا ينصب بشيء من حروف الجر إلا بلدن، وشم المناخر أي أباة لا يذلون ولا ينقادون كما يقال شمخ بأنفه. كأن أباريق الشمول لديهم إوز بأعلى الطف عوج الحناجر الطف شاطئ الفرات، وعوج الحناجر أي معوجة الأعناق والإبريق: أشبه شيء بما شبهه به- المعنى: يصف تقصير يومه بالشرب والنقر وشبه الأباريق بالإوز. (29) وقال جابر بن الثعلب الجرمي، جاهلي: ((الثالث من الطويل والقافية من المتواتر))

ومستخبر عن سر ريا رددته بعمياء من ريا بغير يقين فقال انتصحني إنني لك ناصح وما أنا إن خبرته بأمين رددته بعمياء أي بحالة عمياء، انتصحني أي أقبل نصيحتي، وبأمين أي مأمون يقول: إن خبرته بسرها لست ممن أوتمن، يصف كتمان سر صاحبته. (30) وقال نفر بن قيس وهو جد الطرماح، جاهلي، نفر مصدر نفر الناس من منى وغيرها وهو يوم النفرة. ((الأول من الوافر والقافية من المتواتر)) ألا قالت بهيسة ما لنفر أراه غيرت منه الدهور وأنت كذاك قد غيرت بعدي وكنت كأنك الشعري العبور الشعريان ثنتان إحداهما "العبور "والأخرى "الغميصاء "وتشبه النساء بالعبور، وهي التي كان قوم من المشركيين يعبدونها، والعرب تزعم أن إحدى الشعريين عبرت المجرة فسميت العبور، والأخرى لما تخلفت عنها بكت شوقًا إليها حتى غمصت فسميت "الغميصاء ". المعنى: يذكر أن بهيسة عيرته تغيره عما كان عليه في حال شبابه، وأنه أجابها بمثل ذلك. (31) وقال برج بن مسهر الطائي، جاهلي:

((الأول من الوافر والقافية من المتواتر)) وندمان يزيد الكأس طيبًا سقيت إذا تغورت النجوم يزيد الكأس طيبًا بحسن خلقه وحسن مفاكهته، إذا تغورت النجوم يعني الغبوق، ويروي "إذا تعرضت النجوم "يعني انتصاف النهار. رفعت برأسه وكشفت عنه بمعرقة ملامة من يلوم يعني شربنا وقد انتصف الليل بمعرفة، بكأس قليلة المزاج، وقوله: "رفعت برأسه "أي رأسه من النوم بأن سقيته كأسًا، وكشفت عنه ملامة من يلوم بتلك المعرقة فلم يفكر في اللوم أحد. فلما أن تنشى قام خرق من الفتيان مختلق هضيم تنشى أي سكر، قام خرق أي سخي كريم يعني نفسه، مختلق تام الخلقة، هضيم: دقيق الخصر ليس ببطين ويروي "هضوم "أي منفاق يهضم ماله. إلى وجناء ناوية فكاست وهي العرقوب منها والصميم وجناء: أي ناقة عظيمة الوجنة، ناوية: سمينة ومنه نوت الناقة: سمنت، وكاست: مشت على ثلاث قوائم لأنه لما سكر قام فعرقبها لتؤكل، وقوله "وهي العرقوب منها "أي ضعف عرقوبها لما عقرها، والصميم أراد الساق أي سقطت الناقة ولم يقلها عرقوبها وساقها بعد العقر. كهاة شارف كانت لشيخ له خلق يحاذره الغريم

الكهاة: الناقة الضخمة، والشارف: المسنة، وقوله: له خلق يحاذره الغريم، لأنه يتلف ماله ولا يدخر شيئًا فغريمه يحاذره أن لا تصل منه إلى حقه لأن خلقه نحر الإبل وإنفاق المال. فأشبع شربه وجرى عليهم بابريقين كأسهما رذوم فأشبع شربه هم القوم الذين يشربون، رذوم سائل أي سقاهم بعد أن أشبعهم وأرواهم. تراها في الإناء لها حميًا كميتًا مثل ما فقع الأديم ترنح شربها حتى تراهم كأن القوم تنزفهم كلوم ترنح شربها أي تميل بهم كأن القوم كلوم أي تميل بهم، يعني بشربها حتى إنهم كأنهم أصابتهم جراحات وكثر خروج الدم منها فضعفوا ومالوا، يقال: نزفت الجراحة دمه إذا جرح فخرج منه. المعنى: يصف جوده بالطعام والشراب، ويقول: كم من نديم حسن الخلق سقيت فلما سكر نحرت له ناقة كبيرة، أطعمت القوم وسقيتهم حتى مالوا وسكروا. فقمنا والركاب مخيسات إلى فتل المرافق وهي كوم مخسيات: مذللات أي معقولة للنحر والركوب، وإلى فتل المرافق، وهي كوم جمع كوماء وهي العظيمة السنام. كأنا والرحال على صوار برمل خزاق أسلمه الصريم الصوار: البقر الوحشية، وخزاق موضع، وأسلمه الصريم أي فارق الرمل وهو الصريم، والقطعة صريمة، فإذا فارق الوحش الرمل وصار إلى الجدد كان السير فيه أسهل، يقول: كأنا وكأن رحالنا على بقر وحشي برمل خزاق صار إلى الجدد، يعني السرعة والخفة، وقيل: إنما شبه رواحله بالبقر لبياضها، والأول أشبه بمعناه. المعنى: يصف ركوبه وركوب أصحابه نوقًا كرامًا خفافًا بعد الأكل والشرب.

فبتنا بيْن ذاك وبيْن مسْك ... فيَا عجبا لعيْش لَو يدوم وفينَا مسمعات عنْد شرْب ... وغزلان يعُد لها الحميم وبين مسك أي طيب, وغزلان يعني الجواري, يعد لها الحميم يعني الماء الحار للاغتسال كناية عن الجماع, وقيل: انهم كانوا يسقون الجواري الخمر, وكانوا يعللوهن بالغسل والماء الحار, وقيل: انهم كانوا يشربون الخمر في الشتاء بالماء الحار فلذلك ذكر الحميم, والأول الوجه. المعنى يصف مبيته في اللهو واللذة والطيب والغناء والتمتع بالجواري. نطوِّف مَا نطوِّف ثُم يأوي ... ذوُو الأموال منَّا والعديِم إلى حفَر أسافلهُن جوف ... وأعلاهُن صفاح مقيِم إلى حفر يعني القبور, وأسافلهن جوف جمع جوفاء, وأجوف يعني اللحد, والصفاح الحجارة العراض يطبق بها فوق اللحد والقبر, الواحدة صفاحة. المعنى: هذه الأبيات بالزهد أشبه منها بالنسيب, لأنه ذكر التنعيم والتلذذ, وختم بالموعظة وذكر القبر يقول: مصير الغني والفقير منا إلى القبور. (32) وقال اياس بن الأرت الطائي, إسلامي: ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) هلُم خليلي والغوايَة قَد تصبِي ... هلم نحَي المنتشين مِن الشرْب نسَل ملامات الرجال بريَّة ... ونفْر شرور اليوْم باللهْو واللعْب المنتشين يعني السكارى, والنشوة السكر, والغواية قد تصبي إي تزيغ عن الرشد, نسل أي نزيل ونخرج لأن الإنسان إذا عمل فيه الشراب لا يعمل فيه اللوم، فإنه أزاله عن نفسه ممن حيث لا يفكر فيه، وبربة هي فعلة من رويت، ونفري أي

نقطع والفري على جهة الإصلاح, والافرار: القطع على جهة الإفساد. إذا مَا تراخَت ساعَة فاجعلنهَا ... لخيْر فاِن الدهْر أعصَل ذُو شغْب فاِن يَك خيْر أَو يكُن بعْض راحَة ... فانَّك لاَق مِن هموم ومِن كرْب إذا ما تراخت ساعة: أي تطاولت وامتدت, الدهر أعصل أي معوج. المعنى: يدعو إلى الشرب واستقصار الأيام باللهو واللعب. (33) وقال آخر: ((الأول من الوافر والقافية من المتواتر)) أحِب الأرْض تسكنهَا سليمَى ... واِن كانَت توارثهَا الجدوُب ومَا دهرِي بحُب تراب أرض ... ولكِن مَن يحل بهَا حبيب توارثها الجدوب أي مرت عليها الجدوب أي جدب بعد جدب بعد جدب كأنها توارثتها, وما دهري بحب كقولهم وما طي بكذا أي ما هواي وهمتي. المعنى: يصف حبه بلدها لأجل أنها تسكنه, ويروى ((وما طبي بحب)) أي علمي. أعاذِل لو شربْت الخمْر حتَّى ... يكون لكُل أنملَة دبيب إذا لعذرتنِي وعلمْت أنِّي ... بمَا أتلفْت مِن مالي مصيب عني بدبيبها تأثير الخمر فيها, وإنما قال هذا على ما كان عند العاذلة. المعنى: لو شربت الخمر وأخذتك الأريحية فعلت بمالك ما فعلت بمالي وعذرتني. (34) وقال أبو صعترة البولاني, إسلامي:

((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) فمَا نطفَة مِن مزْن تقاذفَت ... بِه حسُن الجودِي والليْل دامِس النطفة: الماء القليل وجمعها نطف, وحب مزن: قطر سحاب, وتقاذفت: ترامت, ويروى ((جنبتا الجودي)) وجنبتا مثنى جنبة أي ناحية, والجودي جبل, استقرت عليه سفينة نوح عليه السلام, وقال بعضهم: اسم رجل, وحسن الجودي شواهقه. فلمَا ... أقرتْه اللصَاب تنفسَّت ... شمال لأعلَى متنِه فهْو قارِس بأطيَب مِن فيهَا ومَا ذقْت طعمَه ... ولكنني فيما ترَى العين قارس اللصاب جمع لصْب: شق في الجبل, واللهب أوسع منه, وقارس بارد. المعني: يصف طيب فم الجارية ظنا لأنه قال: وما ذقت طعمه. (35) وقال الحارث بن خالد المخزومي, إسلامي كان في زمن عمر بن أبي ربعة ((الضرب الثاني من العروض الثانية من الكامل والقافية من المتواتر)) إني ومَا نحروا غداة منى ... عند الجوار تؤودُها العقْل لَو بدلَت أعلى مساكنهَا ... سفلا وأصبَح سفلهَا يعلُو

لعرفْت مغناهَا لمَا ضمنَت ... منِّي الضلوع لأهلهَا قبْل تؤودها: تثقلها, والعقل جمع العقال, لما ضمنت يعني لما أضمره من محبة أهلها لأجلها. المعنى: يحلف بالبدن التي تنحر يوم مني أنه عين البصير بمنازلها يعرفها لو تغيرت, لما تردد إليها في هواها. (36) وقال آخر: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) مريضات أوبات التهادِي كأنما ... تخاف على أحشائها أَن تقطعَا قوله: مريضات أوبات التهادي, جعل أوبات تهاديها مريضة أي ضعيفة, والتهادي التمايل, كأن هؤلاء النسوة تخاف على أحشائها أن تقطعا أي تقطع لدقة خصورهن وعظم أردافهن, ثم شبه مشيهن بدبيب الحية في البرد في البيت الثاني فقال: تسيب انسياب الأيْم أخضرَه الندَى ... فرفَع مِن أعطافِه مَا ترفعَا الأيم والأين الحية, وسابت وانسابت جرت, وأخصره الندى أصابه الطل, خصر الرجل إذا آلمه البرد, فرفع لأن الحية أعجز شئ في البرد فإذا حلت على وجه الأرض تجتهد أن ترفع نفسها عن وجه الأرض لئلا يصيبها بردها, ولا تقدر على ذلك لضعفها من البرد فترفع رأسها وتجر سائرها برفق. المعنى: يصف تأني مشي النساء لكبر أردافهن, وشبه مشيهن بدبيب الحية الخصرة. (37) وقال آخر:

((الثاني من الكامل والقافية من المتواتر)) أبَت الروادِف والثدِي لقمصهَا ... مَس البطون وأَن تمَس ظهورا وإذا الرياح مَع العشِّي تناوحَت ... نبهْن حاسدَة وهجْن غيورا ويروى ((الروانف)) والرانفتان: طرفا الاليتين, تناوحت تقابلت. المعنى: يصف نساء بالخمص ونهود الثدي وكبر الارداف يقول: تمنع أردافها وثديها أن تمس قمصها بطونها وظهورها, وقوله: ((اذا الرياح تناوحت)) أي هبت مرة من خلفهن ومرت من أمامهن فألصق ثيابهن بأجسادهن, فبان نهود ثديهن وعظم أردافهن فحرك ذلك من يحسدهن من النساء, وهيج من يغار عليهن من الرجال. (38) وقال بكر بن النطاح, إسلامي كان في زمن أبي دلف العجلي, والنطاح مصدر ناطح, ويكون نطح: ((الأول من الكامل والقافية من المتدارك))

بيضاء تسحَب مِن قيام فرعها ... وتغيِب فيِه وهْو وحْف أسحَم فكأنها فيِه نهار ساطِع ... وكأنَّه ليْل عليهَا مظلِم فكأنها أي كأن الجارية في الشعر الأسحم نهار, وكأن الشعر عليها ليل مظلم, المعنى: يصف طول ذوائبها مع شدة سواد وحسن وجهها, وشبه حسن وجهها بالنهار العالي, وشعرها بالليل المظلم. (39) وقال آخر: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) تأملتهَا ... مغترَّة ... فكأنمَّا ... رأيْت بهَا مِن سنَّة البدْر مطلعَا اذَا مَا ملأْت العيْن منها ملأتهَا ... مِن الدمْع حتَّى أنزَف الدمْع أجمعَا سنة البدر صفحته, وكذلك سنة الوجه, يعني لما طلعت فكأن البدر طلع بطلوعها فرأيته, والمغترة: الغافلة. المعنى: يصف حسن وجهها واستيلاء البكاء عليه عند رؤيتها, حسرة وتلهفا عليها, يقول: رأيتها مغترة أي لا تمكن من النظر إليها, أي هي تتستر, فأنا رأيتها على غفلة, فكأنما رأيت البدر, ويحتمل أن يكون المراد رؤيتها بغتة غير متصنعة, لأن النساء إذا أحسن بالرجال تزين لهم, فرآها غير متزينة فكانت كالبدر, فإذا تزينت كانت أحسن وأفتن. (40) وقال كثير, وكثير تصغير كثير أو كثار: ((الثاني من الطويل والقافية متدارك)) وددْت ومَا تغنِي الودادَة أننِي ... بمَا في ضمير الحاجبيَّة عالِم

فإن كاَن خيرْا سرنِي وعلمتُه ... واِن كان شرّا لَم تلمنِي اللوائِم وودت تمنيت هنا. المعنى يتمنى أن يتحقق بما في قلبها, أتحبه أم لا. قال: لم تلمني اللوائم بل يلومونها هي ويقولون الذنب لها. ومَا ذكرتْك النفْس إلا تفرقَت ... فريقيْن منها عاذِر لي ولائِم المعنى تعذر نفسي تارة لأن مثلها أهل لأن يشغف بها, وتلومني تارة للافراط في هواها, أو تلومني على حب من لا يقدر عليه ولا مطمع فيه. (41) وقال أيضا: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) وأنْت التي حببْت شغبَا إلى بدا ... إلي وأوطانِي بلاَد سواهما شغب وبدا: قريتان على طريق المدينة إلى مصر. المعنى: يصف اشتهاره بحبب بلدها لأجلها. وحلَّن بهذا حلَّة ثُم أصبحَت ... بهذا فطاَب الواديان كلاهما المعنى: يصف طيب محلها لطيبها. (42) وقال نصيْب:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لقَد هتفَت في جنْح ليْل حمامَة ... على فنَن وهنا وانِّي لنائِم كذبْت وبيْت الله لَو كنْت عاشقَا ... لما سبقتنِي بالبكاء الحمائِم المعنى: يوبخ نفسه في تركه البكاء واشتغاله بالنوم وهو عاشق, لما سمع صوت الحمامة, ويكذب نفسه في ادعائه العشق. (43) وقال آخر (1): (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أحقّا يَا حمامَة بطْن وَج ... بهذا الوجْد أنَّك تصدقينَا أرار الله مخَّك في السلامَى ... إلى مَن بالحنين تعولينَا فانِّي مثلما تجديِن وجدِي ... ولكنِّي ... أمِر ... وتعلنينَا وَبي مثْل الذِي بِك غيْر أني ... أجَل عَن العقال وتعقلينا وانِّي إن بكيْت جرَت دموعِي ... وانَّك تعولين ... فتكذبينَا

أرار الله مخك أي أرق الله مخك أي جعل مخك رقيقا, يدعو عليها بالضعف,, يقال مخ رير أي ضعيف, والسلامى عظم في البعير وهو آخر ما يبقى فيه النقي فإذا ذهب النقي من السلامى فقد بلغ الهزال النهاية, وانك تعولين أي تبكين فتكذبينا لأن صوتك يشبه البكاء, والعويل لا يكون الا مع الصوت ولهذا جعل العويل للناقة والبكاء لنفسه, ثم صدقها فقال: وبي مثل الذي بك من الشوق غير أني أجل عن العقال أي رفع عني أن أعقل كما تعقلين. المعنى ظاهر في هذه الأبيات ما خلا البيت الأول, انه يخاطب ناقته والبيت الأول في مخاطبة الحمامة, ولا يخلو أما أن يكون البيت الأول من هذه القصيدة أو من غيرها, فان كان من غيرها فقد غلط في الجمع بينه وبين هذه الأبيات, وان كان منها فلا يخلو من أن يكون البيت الأول في ذكر الحمامة ثم صرف الخطاب إلى الناقة لأن السلامى لم يسمع في الطائر, ولأنه وان كان يشد فلا يقال يعقل, ولا يقال لرباطه العقال أو أن يكون العقال مجازا هنا والسلامى كذلك, وأن يكون سمى ناقته حمامة تشبيها بها لسرعتها, وهذا أحسن ما قيل, ووج اسم للطائف. (44) وقال دعبل بن علي الخزاعي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) ولما أبَى الا جماحا فؤادُه ... ولَم يسْل عَن ليلى بمال ولا أهْل تسلَّى بأخرَى غيرها فاذا التِي ... تسلَّى بها تغرِي بليلى ولا تسلي

الجماح: الشدة, المعنى: يشكو قلبه, ويقول: لما أبى القلب إلا ذهابا في مراده ولم يسل بها عن ليلى فزادتني محبة لأنها لم تكن مثل ليلى في الجمال والكمال. (45) وقال آخر وهو كثير, إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) عجبْت لبري منْك يا عَز بعدما ... عمرْت زمانا منْك غيْر صحيح فاِن كان برء النفْس لي منْك راحَة ... فقَد برئَت اِن كان ذاك مريحي تجلَّى غطاء الرأس عنِّي ولَم يكَد ... غطاء فؤادِي ينجلي لسريحي تجلى غطاء الرأس له معنيان: احدهما قد زال ظاهر الهوى عني, وبقيت في فؤادي, والآخر أراد به الشباب يقول: قد انكشف الشباب عن راسي وشبت, ولا يكاد قلبي يصلح, وقوله: "لسريحي" يريد خلاصي. المعنى: يصف أنه عاش زمانا مستهاما بها, ثم تعجب من سلوه عنها, ثم شكا بقية في فؤاده من حبها. (46) وقال عروة بن أذينة الكناني, إسلامي كان في زمن هشام بن عبد الملك: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) إلفان تعنيهما للبيْن فرقتُه ... ولا يملاَّن طول الدهْر مَا اجتمعَا

إلفان: صديقان والجمع ألاف وقيل: ألاف، وتعيينهما للبين فرقته، أي يغتمان للبين خوفًا أن يحدث. مستقبلان نشاصا من شبابهما إذا دعا دعوة داعي الهوى سمعا يعنى للوصل مستقبلان نشاطًا من شبابهما أي اقتبالًا يقول هما مقتبلا الشباب، وأصل النشوص الارتفاع تقول: نش السحاب إذا ارتفع في قطر الهواء. لا يعجبان بقول عن عرض ويعجبان بما قالا وما صنعا عن عرض أي عن جانب، المعنى: يصف صديقين شابين يهتمان للفرقة، ولا يضجران بالألفة، ويقضيان حق الهوى ولا يفكران في لوم الناس. (47) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) ولما بدأ لي منك ميل مع العدا سواي ولم يحدث سواك بديل صددت كما صد الرمي نطاولت به مدة الأيام وهو قتيل الرمي: الصيد المرمي. المعني: يقول: لما رأيتك ملت مع العدا صددت عنك صدود يأس لا صدود سلوة، وأنا أعلم أهواك قاتلي كالرمي من الوحش، تقتله الرمية لا محالة، وإن امتدت أيامه. (48) وقال أخر:

(الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) أحبا على حب وأنت بخيلة وقد زعموا ألا يحب بخيل أي لأحبك حبًا بعد حب، وأنت بخيلة، وقد زعموا أن البخيل لا يحب، كأنه تعجب من حبه لها مع بخلها عليه. بلى والذي حج الملبون بيته ويشفي الهوى بالنيل وهو قليل وإن بنا لو تعلمين لغلة إليك كما بالحائمات غليل قوله: يشفي الهوى بالنيل وهو قليل، يريد شفي صاحب الهوى بقليل من النيل، والحائمات اللواتي يحمن حول الماء تراه ولا تصل إليه، وإننا شبه نفسه بالحائمات لأنه كان يقرب منهما ولا يصل إليها، ويقال: أنه لا يهلك أحد من العطش إلا بقرب الماء عاينه أو لم يعاينه. المعني: عابقها ابتداء وقال: أحبك حبًا بعد حب، وانت بخيلة بالمحبة، ثم ندم على ذلك وأقسم بالله أنه يحبها مع بخلها ثم ذكر ما به من جهد الهوى، وشبه نفسه بالعطاش حول الماء تحوم حواليه ولا تصل إليه. (49) وقال آخر:

(الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) إذا كان لا يسليك عمن توده تناء ولا يشفيك طول تلاق فما أنت إلا مستعير حشاشة لمهجة نفس آذنت بفراق المعنى: يقول: إن كنت لا يسليك بعد ولا يشفيك لقاء فأنت هالك، ولست إلا من به رمق من حياة قد أشرف على خروج نفسه. (50) وقال عبد الله بن الدمينة، وتروى لنُصيب ((الأول من الطويل والقافية من المتواتر)) ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد لقد زادني مسراك وجدًا على وجد المعنى: يستخبر ريح الصبا عن وقت مفارقتها نجدًا، ويذكر أنه استجد بمسراها حزنًا. أأن هتفت ورقاء في رونق الضحى على فنن غض النبات من الرند رونق الضحى: صدر النهار، والرند شجرة طيبة الرائحة، والفنن الغصن. بكيت كما يبكي الوليد ولم تزل جليدًا وأبديت الذي لم تكن تبدي وقد زعموا أن المحب إذا دنا يمل وأن النأي يشفي من الوجد

بكل تداوينا فلم يشف ما بنا على ذاك قرب الدار خير من البعد على أن قرب الدار ليس بنافع إذا كان من تهواه ليس بذي ود جليدًا أي جلدًا، بكل تداوينا يعني من الدنو والنأي، على ذاك يعني على تداوينا وعلى تجيبنا. المعنى: يعاتب نفسه في بكائه لما سمع صوت الحمامة، وقال لنفسه: لم تزل جليدًا فلم جزعت، وقد قيل: "يمل" وأن النأي يشفي، ثم أجاب نفسه عن هذا فقال: بكل تداوينا يعني بالدنو والبعد، فلم يشف ذا ولا ذا، وفضل القرب على البعد على كل حال، ويقال: أنه أراد بقوله: "أن المحب إذا دنا يمل". (51) وقال آخر:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا طرقتنا آخر الليل زينب عليك سلام هل لما فات مطلب وقال: تجنبنا ولا تقربنا ... فكيف وأنتم حاجتي أتجنب أي فقلت: عليك سلام، وهي تحية الموتى وإنما جعل تحية الموتى لأنه جواب ولا يلزم الجواب جواب، والموتى لا يخاطبون بما يقتضي الجواب، ولما كان الخيال غير صاحبه حسنت إزالة التحية عن وجهها. المعنى: يصف رؤية خيالها، والتماسه استدراك الفائت من وصله وتأبيها عليه، وقوله لها: كيف أتجنب وأنتم حاجتي. يقولون هل بعد الثلاثين ملعب فقلت وهل قبل الثلاثين ملعب لقد جل خطب الشيب إن كنت كلما بدت شيبة يعري من اللهو مركب المعنى: تعيرني بالغزل بعد الثلاثين فقلت: وهل يعقل أحد قبل الثلاثين الهوى وطعمه وطرقه. (52) وقال كثير: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني بقول يحل العصم سهل الأباطح يحل العصم أي بقول لين يخدع به من لا ينخدع، والعصم: الأوعال واحدها أعصم وعصماء، وإنما قيل لها ذلك لبياض أيديها، والأباطح جمع الأبطح وهو المكان السهل.

تناءيت عني حين لا لي حيلة وغادرت ما غادرت بين الجوانح فما حب ليلى بالوشيك انقطاعه ولا بالمؤدي عند رد المنائح ويروى "تناهيت عني" و "تباعدت" والمنائح العواري. المعنى: يعاتبها ويقول لها قربتني حتى خدعتني، وأنا هالك في هواك، ثم دل على أن حبها دائم لا يرد إذا ردت العواري أي لا أستطيق من حبها أبدًا ولا أسلو. (53) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تعرضن مرمى الصيد ثم رميننا من النبل لا بالطائشات الخواطف أي قربن منا مقدار ما إلى الصيد من المسافة، ثم رميننا من النبل، والطائشات التي تطيش عن الهدف وتعدل عنه، والخواطف التي تقارب الهدف فتمر ولا تصيب أو تصيب شيئًا ولا تثبت فيه، يقول: هؤلاء النسوة رميننا بعيونهن لا بسهام تطيش ولا تصيب. ضعائف يقتلن الرجال بلا دم فيا عجبًا للقاتلات الضعائف

ضعائف: يعني النساء يقتلن الرجال الأقوياء بلا دم لهن، ثم أظهر التعجب فقال يا عجبًا. المعنى: يصف تأثير عيون النساء في القلوب واصطيادهن الرجال بها. وللعين ملهي في التلاد ولم يقد هوى النفس شيء كاقتياد الطرائف المعنى يقول: للعين مسرة في الأهواء القديمة والأشياء المألوفة، ولا يقود النفس شيء، ولا تغلب عليه محبته كالطرائف المستحدثة كقولهم: لكل جديد لذة. (54) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) لئن كان يهدى برد أنيابها العلا لأفقر مني إنني لفقير فما أكثر الأخبار أن قد تزوجت فهل يأتيني بالطلاق بشير المعنى: يصف حاجته إلى ترشف رضابها، ويصف حاجته إلى تطليق زوجتها إياها فلعله يصل إليها. (55) وقال آخر وهو عبد الله بن الدمينة، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) سلي البانة الغناء بالأجزع الذي به البان هل حيين أطلال دارك

الغناء: الكثيرة الأغصان، وقرية غناء أي كثير أهلها، ويروى "الغيناء" وهي الكثيرة الأغصان، والأجرع: الأرض السهلة ذات الرمل، والمؤنث جرعاء. وهل قمت في أظلالهن عشية مقام أخي البأساء واخترت ذلك ليهنك إمساكي بكفي على الحشا ورقراق عيني رهبة من زيالك رقراق عيني: سيلان الدمع، والزيال: الفراق. المعنى: يصف بكاءه لها وفرط جزعه خشية فراقها، واستشهد بالشجرة التي فعل عندها يقول: سلي البانة لما مررت بدارك بالأجرع هل تذكرت أيامك وهل بكيت وقمت هناك اختيارًا؟ ثم قال: ليهنك بكائي بها، وامساكي بكفي من حبك على كبدي خوف فراقك. (56) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) يقر بعيني أن أرى رملة الغضا إذا ما بدت يومًا لعيني قلالها ولست وإن أحييت من يسكن الغضا بأول راج حاجة لا ينالها المعنى: يصف محبته رؤية خيال أرضها لفرط محبته لها، ثم تعزى فقال: إن لم أظفر بحاجتي منها فلست أول خائب في الدنيا.

(57) وقال أبو دهبل الجمحي، دهبل: طائر، وجمح: فعل من جمح. (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) تمتع بها ما ساعفتك ولا تكن عليك شجي في القلب حين تلين وإن هي أعطتك الليان فإنها لغيرك من خلانها ستلين وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها فليس لمخضوب البنان يمين الليان: الملاينة، وقوله: فليس لمخضوب البنان يمين أي لا تعتمديه من النساء. المعنى: لا وفاء للنساء فلا تأس على بعدهن، ولا تغتر بأيمانهن، واستمستك بما تسهل منهن وأعلم أن وصلك وصل غيرك. (58) وقال حميد بن ثور الهلالي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

قليلة لحم الناظرين يزينها شباب ومخفوض من العيش بارد بارد أي طيب ناعم، ومنه الغنيمة الباردة، المعنى: يصفها بالطاقة وأنها ليست جهمة الوجه، ويذكر شبابها ونعمته ونعمتها. أرادت لتنتاش الرواق فلم تقم إليه ولكن طأطأته الولائد تنتاش: تتناول، طأطأته: خفضته، المعنى: يصفها بالطاقة ويذكر أنها مخدمة. تناهى إلى لهو الحديث كأنها أخو سقطة قد أسلمته العوائد أخو سقطة أي كمن به سقطة أي عليل يعجز عن الحركة، وأسلمته العوائد أي تركت عيادته. المعنى: يصف نعمتها يقول: تنتهي إلى جارتها لتلهو معهن فتأتي منتهزة وكأنها مريضة لترفها ونعمتها. (59) وقال توبة بن الحمير: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ولو أن ليلى العامرية سلمت علي ودوني تربة وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح

ويروى "ودوني جندل وصفائح" يعني فوقي، لسلمت يعني لسرني سلامها وردت روحي إلى بدني، وزقا: صاح. المعنى: يصف فرط محبته لها، ويقول: لو سلمت ليلي عليّ وأنا مقبور أحياني سلامها وأجيبها عنه مسرورًا أو أجابها صداي. ويرى أن ليلى الأخيلية مرت بقبر توبة فعدلت عنه وكان من عشقها فبلغ ذلك الحجاج فقال لها: يا قليلة الوفاء رجل هلك في هواك لم تريه أهلاً للزيارة فاعتذرت بأن قالت أني سمعته يقول: ولو أن ليلى الأخيلية سلّمت ... ألبيتان، فلم أحب أن أكذبه بعد موته. وأغبط من ليلى بما لا أناله ألا كل ما قرب به العين صالح المعنى: الوشاة يقدرون أني أنال من ليلى مرادي، ويغبطوني بذلك، ثم طيب نفسه بأن ذلك يسره لأنه يرغم أعداءه فقال: كل ما قرت به العين صالح. ولو أن ليلى في السماء لصعدت بطرفي إلى ليلى العيون اللوامح العين: الرقباء هنا. المعنى يقول: لو أن ليلى في السماء لقال الرقباء الكاشحون إن طرفه يصعد إليها وشاية لها، ويروى أن ليلى هذه مرت بقبر توبة مع زوجها وكانا راكبين فقال زوجها: هذا قبر توبة، وهو الذي يقول: ولو أن ليلى الأخيلية .. وأنشد الأبيات، وأنا أسألك أن تسلمي عليه فأبت، فحلف عليها بالطلاق أن تدنو من القبر وتسلم عليه، فدنت منه وقالت: سلام عليك يا توبة أنا ليلى الأخيلية، فخرجت من قبره قطاة كانت اتخذته مأوى لها فطارت وصاحت، فنفر بعيرها الذي كانت عليه فوقصت وماتت فدفنت إلى جنبه. (60) وقال آخر:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) فإن تمنعوا ليلى وحسن حديثها فلن تمنعوا مني البكا والقوافيا فهلا منعتم إذ منعتم حديثها خيالاً يوافيني على النأي هاديا المعنى: هذا رجل حجب عنه هواه ومحادثته، فهو يعلل نفسه ويقول: إن حجبتم فلا تقدرون على حجاب خيالها ولا على منعي من الشعر والبكاء لها. (61) وقال نصيب: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) كأن القلب ليلة قبل يغني بليلى العامرية أو يراح قطاة عزها شرك فباتت تجاذبه وقد علق الجناح ويروى "غرها" من التغرير، فباتت تجاذبه أي باتت القطاة تجاذب الشرك. المعنى: يصف حاله في ضيق القلب وقلة الحيلة عند ارتحال من يهواه، وشبه قلبه بقطاة وقعت في شبكة فهي تضطرب فيها وقد علق جناحها بها.

(62) وقال أبو حية النميري: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) رمتني وستر الله بيني وبينها ونحن بأكناف الحجاز رميم فلو أنها لما رمتني رميتها ولكن عهدي بالنضال قديم رميم اسم جارية، وهي التي رمته بعينها، وستر الله قالوا: هو الشيب وقالوا: هو ستر البيت الحرام، وقالوا هنا: هو الإسلام، وما يحجزه عن الفجور وهذا أحسن. المعنى يقول: دعتنى بطرفها فأصابتني بمحاسبنها، ولولا الإسلام لرميتها كما رمتني ولكني نائب، وإن حملته على أن المراد بستر الله الشيب كان وجهًا. (63) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) أسجنًا وقيدًا واشتياقًا وعبرة ونأي حبيب إن ذا لعظيم وإن امرأ دامت مواثيق عهده على مثل ما قاسيته لكريم

نصب هذه الأشياء على معنى أتجمع علي هذه الأشياء كقولهم: "أحشفا وسوء كيلة" المعنى: يذكر كم عهده وثبات وده. (64) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) رعاك ضمان الله يا أم مالك ولله أن يشفيك أغنى وأوسع يذكرنيك الخير والشر والذي أخاف وأرجو والذي أتوقع المعنى: يدعو لها بالرعاية والسقيا على مذهب العرب، ومعنى يذكرنيك الخير والشر يقول: كلما رأيت الخير شبهته وصلك وكلما رأيت الشر شبهته صدك فذكرتك عندها والذي أخاف من مكروه وأستدفعه عنك، والذي أتوقع من محبوب أتمناه لك. (65) وقال الحكم الخضري: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) تساهم ثوباها ففي الدرع رأدة وفي المرط لفاوان ردفهما عبل

تساهم: يريد المقارعة من السهم، ضرب ثوباها فيها بسهمين ليصير لأحدهما أعلاها والآخر أسفلها، ورأدة: فتاة ناعمة مهتزة، ويقال رؤدة بهذا المعنى. لفاوان: فخذان ضخمتان فهو اللف، وقد لفت الجارية، والعبل: الضخم. المعنى: يصفها بطول القامة وامتلاء الأسافل وأراد معنى قول الأول: "أعلاها قضيب وأسفلها كثيب". فوالله ما أدري أزيدت ملاحة وحسنًأ على النسوان أم ليس لي عقل المعنى: يحلف بالله أنه متحير في أمرها فلا يدري هل هي أكثر النساء حسنًا أم ليس له عقل لأنها عنده أحسن من جميع النساء. (66) وقال آخر: (الأول من الطويل والقافية من المتوات) أروح ولم أحدث لليلي زيارة لبئس إذا راعي المودة والوصل تراب لأهلي لا زلا نعمة لهم لشد إذا ما قد تعبدني أهلي تراب لأهلي كقولهم: عليه العفاء، معناه خاب أهلي فيما يأمرونني من ترك مودتها، أي كان في أيديهم التراب، وقد تعبدني أهلي أي اتخذوني عبدًا لهم: يقال: تعبده وعبده. المعنى: يعاقب نفسه في إغباب الزيارة، ويشتم أهله إذا شغلوه عنها. (67) وقال أبو دهبل الجمحي، إسلامي كان في زمن معاوية: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر)

أأترك ليلى ليس بيني وبينها سوى ليلة إني إذا لصبور هبوني امرأ منكم أضل بعيره له ذمة إن الذمام كبير وللصاحب المتروك أعظم حرمة على صاحب من أن يضل بعير عفا الله عن ليلى الغداة فإنها إذا وليت حكمًا علي تجور سوى ليلة أي سوى مسيرة ليلة، المعنى: لا تلوموني على طلب لقاء ليلى، وبيني وبينها مسيرة ليلة فإنها مرادي، ومن أضل بعيره اشتغل بطلبه، فأنزلوني منزلة من أضل بعيره، لا يلام في بغائه إياه، وهوى النفس أوجب حقًا من بعير يضل، ثم استغفر لها لما كانت تقصده من ظلمه. (68) وقال حفص الغليمي من كلب، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أقول لحلمي لا تزعني عن الصبا وللشيب لا تذعر علي الغوانيا لا تزعني: لا تكفني، ولا تذعر علي الغوانيا أي لا تنفرهن، وقال عليّ لأنه إذا ذعرها فقد أفسدها عليّ أي أفسد وصلها. المعنى: يذكر كراهة الشيب لنفور النساء عنه ويذكر صحبتها للهومة عقله. طلبت الهوى الغوري حتى بلغته وسيرت في نجديه ما كفانيا المعنى: يصف نيله مراده من حبيبته من أهل نجد والغور. فيا رب إن لم تقضها لي فلا تدع قذور لهم واقبض قذور كما هيا قذور: اسم امرأة. المعنى: يسأل الله إن لم يوصله إليها أن يميتها كما هي، أي غير متزوجة كي لا تعظم حسرته.

ويا ليت أن الله إن لم ألاقها قضى بين كل اثنين أن لا تلاقيا المعنى: يتمنى الأنس لأن الممتحن إذا وجد من كان في مثل محبته خف بعض ما به، وهذا مشهور، ولهذا قالوا: "لولا الوئام لهلك الأنام". (69) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) أآخر شيء أنت في كل هجعة وأول شيء أنت عند هبوب مزيدك عندي أن أقبك من الردى وود كماء المزن غير مشوب المعنى: هذه امرأة بعدت عن حبيبها فكان يأتيها طيفه، فقالت بلفظ الاستفهام، والمراد التقرير أي آخر شيء أنت في كل هجعة، وأول شيء عند هبوب، أي آخر ما أنتبه عليه خيالك أو ذكرك، وأول ما آخذ به بعد الانتباه ذكرك، تريد استغراق ذكره وقتي الحلم والنبه، ثم وصفت صفاء ودها ووقايته بنفسها. (70) وقال آخر، إسلامي: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) ما أنصفت ذلفاء أما دنوها فهجر وأما نأبها فيشوق

تباعد ممن واصلت وكأنها لآخر ممن لا تود صديق ذلقاء هنا اسم وأصله صفة وهي قصيرة الأنف، وصديق صفة لها، وقال أما دنوها فهجر وأما نأيها فيشوق ولو قال مشوق كأن أولى. المعنى: يتكلم عن ذلفاء وجعل جنوها هجرًا لأنها لا تباسط، ونأيها شوقًا لأنه لا يصبر عنها، ووصفها بأنها تبعد ممن تحبه وتحدث من لا تود لحذقها بحفظ الحال كي لا يتهم. (71) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وقفت لليلي بالملا بعد حقبة بمنزلة فانهلت العين تدمع الملأ هنا اسم موضع بعينه، وفي اللغة هي الأرض الواسعة، والحقبة: الدهر الطويل وجمعها حقب. وأتبع ليلى حيث سارت وودعت وما الناس إلا آلف ومودع كأن زمامًا في الفؤاد معلقًا تقود به حيث استقرت فاتبع الآلف: الذي يلزم حبيبه ولا يفارقه، والمودع: الذي ودعه وفارقه. المعنى: يصف إتباعه ليلى حيث كانت لفرط محبته لها وشبه قلبه في ميله إليها بمزموم يقاد به. (72) وقال آخر، إسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر)

خليلي عوجا بارك الله فيكما وإن لم تكن هند لأرضكما قصدا وقولا لها ليس الضلال أجارنا ولكننا جرنا لنلقاكم عمدًا المعنى: يريد صاحبته هندًا، وأمرهما بأن يعلماهما أنهما قصداها عمدًا لتوجب لمزارهما حمدًا. (73) وقال آخر من عكل، إسلامي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) وما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكيًا في كل حين ... مخالفة فرقة أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقًا إليهم ويبكي إن دنوا خوف الفراق فتسخن عينه عند التنائي وتسخن عينه عند التلاقي قوله: وإن وجد الهوى حلو المذاق يعني وإن نال مراده في هواه. المعنى: يصف حال المحب، وأنه لا يعدم البكاء والحزن في حالتي القرب والبعد. (74) وقال يزيد بن الطثرية: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) عقيلية أما ملاث إزارها فدعص وأما خصرها فبتيل

ملاث إزارها: الموضع الذي يدور عليه الإزار وهو العجز، بتيل: يكاد ينقطع، فشبه خصرها في الدقة بما هو منقطع. المعنى: يصفها بعظم الردف ودقة الخصر. تقيظ أكناف الحمى ويظلها بنعمان من وادي الأراك مقيل تقيظ: أي تقيم في القيظ، وهو شدة الحر، ونعمان هو واد بعرفات - بفتح النون - والأراك شجر. المعنى: يصف تنعمها وأنها تستظل في شدة الحر في أطيب موضع ذكره. أليس قليلاً نظرة إن نظرتها إليك وكلاً ليس منك قليل فيا خلة النفس التي ليس دونها لنا من أخلاء الصفاء خليل ويا من كتمنا حبه لم نطع به عدوًا ولم يؤمن علبه دخيل أما من مقام أشتكي غربة النوى وخوف العدا فيه إليك سبيل المعنى: يستكثر اليسير مما يونس في هواه، ويريد بكلاً ردًا على نفسه، والدخيل: المداخل يقول: يا من لا يتقدمها عندنا خليل، ولا نفش سرها إلى دخيل هل إليك سبيل من مقام أشكو فيه، وما لحقني من بعد الفراق وخوف الأعداء فيك. فدينك أعدائي كثير وشقتي بعيد وأشياعي لديك قليل ويروى "وخطتي بعيد" المعنى: يشكو كثرة الأعداء وطول السفر وقلة الأنصار، والشقة السفر.

وكنت إذا ما جئت جئت بعلة فأفتين علاني فكيف أقول فما كل يوم لي بأرضك حاجة ولا كل يوم لي إليك رسول علات: جمع علة، المعنى: يعتذر إليها من ترك الزيارة لانقضاء العلل. (75) وقال عمرو بن حكيم، إسلامي: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) خللي أمسي حب خرقاء عامدي ففي القلب منه وقرة وصدوع الوقرة شبه وكنة إلا أن لها حفرة، والوقرة في الحجر والحافر هزمة فيهما يعني في القلب كسر، يشكو إلى صاحبته حبها وشدة تأثيره في قلبه. ولو جاورتنا العام خرقاء لم نبل على جدبنا ألا يصوب ربيع لم نبل، أي لم نبال، المعنى: يقول: قرب خرقاء أحب إلينا من المطر في الجدب الذي فيه الحياة. (76) وقال آخر، وهو ذو الرمة: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

ألمًا على الدار التي لو وجدتها بها أهلها ما كان وحشًا مقيلها وإن لم يكن إلا معرج ساعة قليلاً فإني نافع لي قليلها ألمًا: انزلا قليلاً للزيارة، معرج وتعريج واحد، وهو التحبس والتلوم، تقول: مالي عليه عرجة أي تحبس. المعنى: يستوقف صاحبيه على دارها، وهي مرتحلة عنها ويستوحش الدار لخلوها، ويستنفع قليل ما يتعلل به من أسبابها. (77) وقال رجل من بني كلاب: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) ماذا عليك إذا خبرت بي دنفًا رهن المنية يومًا أن تعودينا أو تجعلي نطفة في القعب باردة وتغمسي فاك فيها ثم تسقينا المعنى: يعاتبها ويستعطفها إلى عيادته أو معالجته برضابها ليشتفي بذلك. (78) وقال جميل بن معمر: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) بثينة ما فيها إذا ما تبصرت معاب ولا فيها إذا نسبت أشب

معاب أي عيب، أشب أي خلط، يقول: هي صميمة النسب، والإشابة القوم المجتمعون المعنى: يصفها بنظافة الخلق وطهارة الأصل. لها النظرة الأولى عليهم وبسطة وإن كرت الأبصار كان لها العقب يقول لها على القوم أن يبدأوها بالنظرة إذا كانت في نساء ولها بسطة في الجسم، وإن كروا أبصارهم في النساء كان النظر الثاني أيضًا لها لأنهم لا يرون مثلها فيهن، فإذا رمقن أخذت العيون غيرها. المعنى: يصفها بنهاية الحسن، والله أعلم. إذا ابتذلت لم يزرها ترك زينة وفيها إذ ازدانت لذي نيقة حسب ويروي "لم يردها" أي لم يقصر بها، والدردي: الضعيف الناقص، ويزرها بمعنى لم يعبها، والنيقة: الحسن، وحسب بمعنى كاف وازدانت تزينت. المعنى يقول: إنها بارعة الجمال تزينت أم تركت الزينة. (79) وقال خلف بن خليفة، ويقال: هي لعبد الملك بن عبد الرحيم الحرثي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) سلبت عظامي لحمها فتركتها مجردة تضحي إليك وتخصر مجردة يعني عظامه عارية من اللحم، تضحي إليك تبرز وتظهر، وتحضر أي تجد البرد. وأخليتها من مخها فكأنها قوارير في أجوافها الريح تصفر

ويروى "فكأنها أنابيب" أي تركتها أنابيب في أجوافها الريح صافرة. إذا سمعت باسم الفراق تقعقعت مفاصلها من هول ما تنتظر خذي بيدي ثم انهضي بي تبيني بي الضر إلا أنني أتستر تقعقعت: أي أصاب بعضها بعضًا فسمع لها صوت. المعنى: يصف ما لحقه من الضر، وضعف الناس في هواها، ويبالغ في ذلك. (80) وقال أبو بكر بن عبد الرحمن الزهري، ويقال: هي لمالك بن أسماء الفرازي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ولما نزلنا منزلاً طله الندى أنيقًا وبستانًا من النور حاليًا أجد لنا طيب الزمان وحسنه منى فتمنينا فكنت الأمانيا طله الندى: بله، والأنيق: الحسن المعجب، وحاليًا متزينًا، المعنى: يصف أنها تزيد على كل حسن في الدنيا، وأنهم لما حصلوا في النزهة التي تسكن النفوس إليها وتزول الهموم منها تمنوها لأنها كانت دونها وحشة.

(81) وقال معدان بن المضرب الكندي، جاهلي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) صفا ود ليلى ما صفا لم نطع به عدوا ولم نسمع به قول صاحب فلما تولى ود ليلى لجانب وقوم تولينا لقوم وجانب فكل خليل بعد ليلى يخافني على الغدر أو يرضى بود مقارب ود مقارب غير متناه في الخلوص. المعنى يصف أنه عامل بمثل معاملتها إياه، صفا وده لها ما صفا ودها له، فلما رغبت عنه رغب عنها ثم قال: وكل خليل بعدها يخاف غدري مقدرًا أني غدرت بليلى ولا يعلم أنها أعرضت أولاً أوي رضى بود مقارب. (82) وقال آخر: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة وذكرك لا يسري إليّ كما يسري وهل يدع الواشون إفساد بيننا وحفرا لنا العاثور من حيث لا ندري

العاثور: حفرة تحفر ليقع فيها الإنسان، المعنى: هذا الرجل يتمنى السلامة من حبها في البيتين جميعًا لأنه إنما يدع الواشون إفساد بينهم إذا ترك هواها. (83) وقال آخر وهو ابن الدمينة: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب ولم يعتذر عذر البرئ ولم تزل به سكنة حتى يقال: مريب المريب: الذي أتى بالسوء فلا تنفعه المعاذير، المعنى: يفديها بنفسه وأهله لأنها غرة ليست يصاحبه حيل وسلاطة، فإذا وبخت لم تحسن أن تعتذر وتسكت إلى أن تتهم بريبة. (84) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) وفي الجيرة الغادين من بطن وجرة غزال كحيل المقلتين ربيب فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى ولكن من تتأين عنه غريب وجرة: موضع، ويرى "غضيض المقلتين" أي مغضوضهما، المعنى: يشبه الجارية بالغزال جيدًا ومقلة ثم قال: لا تحسبي أن الغريب هو الذي بعد عن وطنه وقومه فليس هو كذلك، ولكن الغريب من نأى عنه مثلك، وإن كان في قومه وعشيرته.

(85) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أرى كل أرض دمنتها وإن مضت لها حجج يزداد طيبًا ترابها دمنتها: سودتها، حجج أي سنون. المعنى: يصف طيب كل أرض تنزل بها وأن تقادم عهدها لا يزول طيبها عنه لفرط طيبها. ألم تعلمن يا رب أن رب دعوة دعوتك فيها مخلصًا لو أجابها فيها يعني الجارية بأن يعطفها عليه. المعنى: يصف فرط رغبته في دعوة كانت إلى الله تعالى ودعاءه فيها مرة بعد مرة. فأقسم لو أني أرى نسبًا لها ذئاب الفلا حبت إلى ذئابها المعنى: يصف أنه لفرط محبتها يحب كل من قرب منها ولو كان بينها وبين الذئاب نسب لأحبها. وقيل: إنه أراد بذئاب الفلا أعداءه الذين هم كالذئاب. لعمر أبي ليلى لئن هي أصبحت بوادي القرى ما ضر غيري اغترابها معناه معروف، يقسم أنها وإن تباعدت عنه وصارت بوادي القرى في غربة فإنه ما ضر بعدها سواه. (86) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر)

لعمرك ما ميعاد عينيك والبكا بداراء إلا أن تهب جنوب أعاشر في داراء من لا أحبه ... وبالرمل مهجور إلى حبيب إذا هب علوي الرياح وجدتني كأني لعلوي الرياح نسيب داراء موضع. المعنى: هذا رجل كان مقيمًا بداراء وهواه بالعالية يقول: إذا هبت جنوب تبكي لأنها بداراء من ناحية حبيبك فتشوقك إليه وتلهفك عليه، والعلوي المنسوب إلى العالية، على غير قياس، والنسيب: الغريب. المعنى: أنا أحب الريح الهابة من جهة العالية لأنها تأتي من ناحية هواء، فكأني لشدة محبتي للجنوب بيني وبينها رحم. (87) وقال آخر: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) هل الحب إلا زفرة بعد زفرة وحر على الأحشاء ليس له برد وفيض دموع العين يامي كلما بذا علم من أرضكم لم يكن يبدو العلم: الجبل وكل ما يهتدي به، المعنى: ليس الحب إلا لهيب الصدر وسيلان الدمع وإظهار الجزع. (88) وقال ابن ميادة، ميادة فعالة من ماد يميد إذا تمايل واهتز:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) كأن فؤادي في يد ضبئت به محاذرة أن يقضب الحبل قاضيه الضبث: القبض على الشيء بعنف، المعنى: يصف شدة وقوع قلبه في جهد الهوى قال: كأن فؤادي في يد ضبثت به أي في صائد وقع في حبالته وحش قوي، فهو يتشبث بحبله، ويقبض عليه حذارًا أن يقطع ما وقع فيه وينجو. وأشفق من وشك الفراق وأنني أظن لمحمول عليه فراكبه المعنى يقول: أحذر من قرب الفراق، وأني أعلم أني مدفوع إليه، يظهر الجزع من الفرقة. فوالله ما أدري أيغلبني الهوى إذا جد جد البين أم أنا غالبه إذا جد جد البين أي استقلت الركاب ورأى حبيبه مرتحلاً. المعنى يقول: لا أدري أأقدر على الصبر إذا فارقتني أم أفتضح، ولم يتحقق حاله في الوقت لأنه يفتضح العشق في وقت الرحيل. فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه المعنى يقول: إن قدرت صبرت وإن غلبني الهوى فالأمر فيه صعب، يغلب في مثله الرجال، فلا بأس إن غلبت أنا. (89) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

فيا أهل ليلى أكثر الله فيكم من أمثالها حتى تجودوا بها ليا فما مس جنبي الأرض إلا ذكرتها وإلا وجدت ريحها في ثيابيا إنما خص وقت ذكرها بمسيس جنبه الأرض لأنه عند النوم تقع المضاجعة بين الرجل وبين من يناله من هواه. المعنى يقول: أكثر الله فيكم من أمثال ليلى حتى أنالها، وإن الشيء إذا كثر هان وإذا قل عز، ثم ذكر ما تقدم من مضاجعته إياها وبقاء طيبها في ثوبه. (90) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أبعد الذي قد لج تتخذينني عدوًا وقد جرعتني السم منقعًا يعني الهوى قد لج. المعنى يقول: أبعد ما لج الهوى تتخذينني عدوًا وقد آذيتني. وشفعت من يبغي علي ولم أكن لأرجع من يبغي عليك مشفعًا المعنى يقول: شفعت الوشاة الذين يبغون عليّ، ولو جاءني من يبغي عليك ما سمعت قوله. فقالت وما همت برجع جوابنا بل أنت أبيت الدهر إلا تضرعًا فقلت لها ما كنت أول ذي هوى تحمل حملاً فادحًا فتوجعا فادح مثقل، فدحه الدين أثقله. المعنى: يحكي عنها أنها حطت عليه الذنب وأنه أجابها بأني تضرعت بعجزي عن حمل ثقل هواك ..

وقال آخر، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) يقول العدا لا بارك الله في العدا قد أقصر عن ليلى ورثت حبائله ولو أصبحت ليلى تدب على العصا لكان هوى ليلى حديثًا أوائله المعنى: كأنه غير أنه يحبها وقد كبرت فأجاب بأنها لو عجزت ودبت على العصا هرمًا لما تغير هواها. (92) وقال أبو الأسود الدؤلي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أبى القلب إلا أم عمرو وحبها عجوزًا ومن يحبب عجوزًا يفند

كسحق اليماني قد تقادم عهده ورفعته ما شئت في العين واليد يفند: يكذب، وقوله: ورقعته ما شئت في العين واليد أي خرقته، يريد لمستها بيد، وأبصرتها بعينك كثيرًا، والرقعة كناية عن الوجه. المعنى: هذا رجل كان يجب عجوزًا فاعتذر معترفًا بأن من أحب العجوز جهل فقال: لا يحب القلب غيرها. (93) وقال آخر، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) هجرتك أيامًا بذي الغمر إنني على هجر أيام بذي الغمر نادم وإني وذاك الهجر لو تعلمينه كعازبة عن طفلها وهي رائم ذو الغمر موضع، والعازبة: وقد عزب عزوبًا وهي رائم أي عاطفة، والرئمان العطف، وقد رئمت المرأة على ولدها ترأم أي تعطف. المعنى يقول: هجرتك على فرط محبتي لك، وكنت أيام الهجر كامرأة بعدت عن طفلها وهي محبة له عاطفة عليه، يعتذر إليها ويصف حاله لها. (94) وقال جميل بن عبد الله: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

ما أحدث النأي المفرق بيننا سلوًا ولا طول اجتماع تقاليا المعنى يقول: بعدي عنك لا يسليني، وكثرة اجتماعي معك لا يسئمني، أراد تكذيب قول الأول: "وقد زعموا أن المحب إذا دنا يمل وأن النأي يشفي من الوجد" خليلي إلا تبكيا لي أستعن خليلاً إذا أنزفت دمعًا بكى ليا أنزفت معًا: أنفدته. المعنى: يصف مساعدة صاحبيه على البكاء ويذكر استراحته إليه واستيفاءه به. كأن لم بين إذا كان كان بعده تلاق ولكن لا إخال التلاقيا المعنى: اللقاء ينسي وحشة الفراق ولكن لا أرجو اللقاء. (95) وقال جميل بن معمر العدوي، وحارب الفخذ التي منها بثينة: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) تفرق أهلانا بثين فمنهم ... فريق أقام واستقل فريق فلو كنت خوارًا لقد باخ ميسمي ولكنني صلب القناة عتيق باخ: سكن، وباخت النار: خمدت، والميسم هنا القوة يقول: لو كنت ضعيفًا لم أقدر على أن أؤثر في قومك كما يؤثر الميسم في البهائم، وصلب القناة أي شديد النفس، وعتيق: كريم. المعنى يقول: تفرق أهلي وأهلك يا بثينة لما حدث بينهم في الحرب، ثم وصف جلادة نفسه.

كأن لم نحارب يا بثين لو أنها تكشف غماها وأنت صديق المعنى يقول: أتحمل في هواك ما جنته الحرب، ولو خلصت لي لم أكترث بما جرى ولم أحقد على قومك، ولا أطالبهم بذحل ونكون كأن لم نحارب. (96) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) شيب أيام الفراق مفارقي وأنشزن نفسي فوق حيث تكون أنشزن أي أشخصن ودفعن، يردي أشخصه إلى الحلقوم، ومعنى شيب أيام الفراق مفارقي أثرت كما يؤثر الشيب. المعنى: اشتدت أيام الفراق عليّ وكادت تقتلني وأزعجت روحي حتى بلغت الحلقوم. وقد لان أيام الحمى ثم لم يكد من العيش شيء بعدهن يلين معنى لين أيام الحمى طيبها، ويروى "أيام اللوى" يحمد أيام مقامة باللوي بأنها ساعفته ما بعدها لأنه فارق هواه بعد مفارقته ذلك الموضع. يقولون ما أبلاك والمال غامر عليك وضاحي الجلد منك كنين ما أبلاك: ما هزلك من البلي، والمال غافر: أي كثير، ويروى "وضاحي الحال منك كنين" أي ظاهره، وكنين مستور. فقلت لهم لا تعذلوني وانظروا إلى النازع المقصور كيف يكون المقصور: المحبوس عما يريده، وأراد به البعير المقيد ويشتق إلى وطنه. المعنى يقول الناس: ما الذي هزلك وأثر فيك ومالك كثير وظاهر جسمك صحيح،

فقلت لهم: لا تلوموني وانظروا إلى البعير المشتاق إلى وطنه الممنوع من الابتعاث كيف حاله أشار إلى أنه أبلاه النزاع إلى هواه. (97) وقال أبو دهبل الجمحي: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) أقول والركب قد مالت عمائمهم وقد سقى القوم كأس النعسة السهر مالت عمائمهم أي رؤوسهم من النوم، وقد سقى أي ألقى عليهم النعاس، يريد طال سهرهم فغلبهم النعاس. يا ليت أني بأثوابي وراحلتي عبد لأهلك هذا الشهر مؤنجر مؤنجر: مفتعل من الأجر، تقول: ائتجرت الرجل: أخذته بالأجرة. المعنى اختلف فيه فقال بعضهم: تمنى أن يكون أجيرًا في أهلها بأثوابه وراحلته أي ومعه أثوابه وراحلته ليكون أعز عندهم، وقيل: بل معناه: يقول: ليتني كنت أجيرًا

عند أهلك عوضًا عن أثوابي وراحلتي، كما تقول: ليتني أراك بما أملكه أي عوضًا عما أملكه، وكقولهم: "ما يسرني بهذا الأمر منفس" أي يذهب عني ذلك بعوض منفسي وهذا أقرب. إن كان ذا قدرًا يعطيك نافلة منا ويحرمنا ما أنصف القدر المعنى يقول: إن كان هوانا تقديرًا يعطيك خالص ودي ويحرمني خالص ودك فلم ينصف التقدير. جنية أو لها جن يعلمها رمي القلوب بقوس ماله وتر المعنى: يتعجب من إصابتها القلوب بعينها، وجعلها جنية ومتعلمة من الجن لسحرها الرجال بعينها. (98) وقال توبة بن الحمير: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) يقول أناس لا يضيرك نأيها بلى كل ما شف النفوس يضيرها أليس يضير العين أن تكثر البكا ويمنع منها نومها وسرورها

شف النفوس: أذابها وهزلها. المعنى: رد على من طيب بنفسه وقال: لا يضرك بعدها، ودل على أنه كثير البكاء دائم السهر لمفارقته إياها. (99) وقال ابن أبي دباكل الخزاعي: سمعت أبا علي القاساني يقول: هو أبو دباكل: ودباكل اسم مرتجل غير منقول من جنس كأنه جمع دبكل، ودبكل فيعل من الدكلة وهي القطعة من الطين: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) يطول اليوم لا ألقاك فيه ويوم نلتقي فيه قصير وقالوا لا يضيرك نأي شهر فقلت لصاحبي فما يضير المعنى: يقول: إذا سعدت بقربها ما ضرني شيء معها، يدلك عليه قوله فما يضير أي لا يضيرك النأي. (100) وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قال الأصمعي هو عمر

ابن عبد الله بن عتبة، وكف بصره في آخر عمره، وكان صاحب حديث، فقيل له: أنت صاحب حديث فمالك والشعر؟ فقال: إن المصدور لا بد له من أن يرمي بحواشي صدره. (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) شققت القلب ثم ذررت فيه هواك فليم فالتأم الفطور تغلغل حيث لم يبلغ شراب ولا حزن ولم يبلغ سرور ذررت أي نثرت هواك في القلب، فليم من لأم أراد لئم فلم يستقم له فلين الهمزة، وألحقه ببنات الياء مثل بيع وسير، فالتام الفطور أي التأمت، فطوره، يعني فطور القلب، والفطور الشقوق الواحد فطر. المعنى: يصف تمكن حبها من قلبه واختلاطه وينسب ذلك إلى فعلها، تغلغل دخل ووصل إليه. تأثل حب عثمة في فؤادي فباديه مع الخافي يسير عثمة: اسم من يهواها، وتأثل: استحكم وقوي، والبادي الظاهر، والخافي المستتر. (101) وقال ابن ميادة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وما أنس مل أشياء لا أنس قولها وأدمعها يذرين حشو المكاحل

مل أشياء يريد من الأشياء، أذرت العين دمعها أسألته، والمكاحل مواضع الكحل كأنها نحلة، فلما بكت سالت دموعها بالكحل، وهذا الوجه أصح لأن أذرى بمعنى سال ليس بصحيح. المعنى: يقول: مهما نسيت شيئًا من الأشياء فإني لا أنسى قولها وهي تبكي: تمتع بذا اليوم القصير فإنه رهين بأيام الشهور الأطاول (102) وقال آخر: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) بيضاء آنسة الحديث كأنها قمر توسط جنح ليل مبرد مبرد وبرداء أي ليل ذو برد وليلة ذات برد، شبهها بالقمر توسط السماء في ليلة الشتاء، وإنما خص الشتاء دون الصيف لأن القمر فيه أتم نورًا لنقاء الجو من الغبرة التي تكون في الصيف، وجعله متوسطًا في جنح ليل لأنه أراد البدر. موسومة بالحسن ذات حواسد إن الحسان مظنة للحسد وترى مدامعها ترقرق مقلة سوداء ترغب عن سواد الأثمد ويروى "مطية" يعني حسد الحاسد، وترغب عن سواد الأثمد وهو الكحل. المعنى: يصفها بطيب الحديث وحسن الوجه، وجعلها موضع حسد لقصورهن عن حسنها.

(103) وقال آخر: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) صفراء من بقر الجواء كأنها ترك الحياة بها رداع سقيم الجواء: موضع بالصمان، والرداع الأثر من ضعف، يقول: كأنها من فرط الحياء سقيمة. من مخذيات أخي الهوى جرع الأسى بذلال غانية ومقلة ريم وقصيرة الأيام ود جليسها لو دام مجلسها لفقد حميم مخذيات أخي الهوى: معطياته. المعنى: يصفها بفرط حياء وفتنة من يهواها بحسن دلالها وسواد مقلتها، ويصف طيب محاسنها. (104) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ونار كبحر القور ترفع ضوءها مع الليل هبات الرياح الصوارد السحر: الرئة بفتح السين وضمها، والعود: الناقة المسنة، والنار إذا رئيت من بعيد ولم تكن عظيمة أشبهت رئة البعير لحمرتها، الصوارد: البوارد، والصرد: البرد، يعني في ليل الشتاء. أصد بأيدي العيس عن قصد أهلها وقلبي إليها بالمودة قاصد المعنى يقول: لرب نار رأيتها في الليالي الباردة تضيء من ناحية الحبيب صددت عن قصد أهلها خوفًا، وقلبي قاصد إليهم بالمودة لأنها نار حبيبتي.

(105) وقال حسين بن مطير الأسدي، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) وكنت أذود العين أن ترد البكا فقد وردت ما كنت عنه أذودها كأنه قال: وكنت أمنع أن تنظر العين إلى مورثها البكا فجعل سبب البكاء بكاء. المعنى: يلزم ذنب الهوى عينه لأنها كانت السبب. خليلي ما بالعيش عتب لو أننا وجدنا لأيام الحمي من يعيدها المعنى يقول: لوردت علينا أيام الحمى لكان عيشنا على ما كان مرضيًا عنه. ولي نظرة بعد الصدود من الجوى كنظرة ثكلى قد أصيب وليدها المعنى: يصف شدة ما أورثه الصدود في قلبه من الحزن والقلق، ويشبه ذلك بامرأة قد أصيب وليدها فبكاؤها وحزنها دائم.

هل الله عاف عن ذنوب تسلفت أم الله إم لم يعف عنها يعيدها المعنى معروف يتمنى أيام البطالة، واستفهامه على هذا الوجه ضرب من البطالة أيضًا. (106) وقال سوار بن المضرب السعدي، إسلامي: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) يا أيها القلب هل تنهاك موعظة أو يحدثن لك طول الدهر نسيانًا إني سأستر ما ذو العقل ساتره من حاجة وأميت السر كتمانًا المعنى: يعاتب قلبه، ويعرض عليه الاتعاظ والسلوة، ويصف نفسه بكتمان السر. وحاجة دون أخرى قد سنحت لها جعلتها للتي أخفيت عنوانًا ويروى "سمحت بها" وعنوانًا أي ابتداء يتوصل به إلى غيره. المعنى يصف دهاءه وتأتيه لاستنجاز الحوائج، يقول: كم حاجة أردتها فأخفيتها في نفسي، وذكرت غيرها، وتوصلت بها إلى ما في نفسي. إني كأني أرى من لا حياة له ولا أمانة وسط الناس عريانًا المعنى: يصف نفسه بالحياء والأمانة ويقول: من خلا من الأمانة والحياء فإنه متكشف قد بدت سوءته بقبح القباحة والخيانة.

(107) وقال ابن الدمينة الخثعمي، إسلامي: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) ألا لا أرى وادي المياه يثيب ولا النفس عن وادي المياه تطيب أحب هبوط الواديين وإنني لمشتهر بالواديين غريب أحقًا عباد الله أن لست صادرًا ولا واردًا إلا على رقيب ولا زائرًا فردًا ولا في جماعة من الناس إلا قيل أنت مريب وهل ريبة في أن تحن نجيبة إلى إلفها أو أن يحن نجيب وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى إلىّ وإن لم آته لحبيب المعنى: يقول: أي ريبة في حنين المحب إلى حبيبه، وضرب المثل بالإبل لأنها لا تلام إذا نسبت، فكأنه أشار إلى أنه إذا لم تلم النجيبة والنجيب من الإبل في الحنين فالأولى أن لا نلام نحن، يذكر محبته لنزول حبيبه وإن بعد. لك الله إني واصل ما وصلتني ومثن بما أوليتني ومثيب لك الله أي لك عهد الله. المعنى يعطيها عهد الله وميثاقه أنه يواصلها ما وصلت ويثني عليها بما فعلت، ويشكرها على ما أولت، ويستعطفها ويصف شدة وجدة بها. فلا تتركي نفسي شعاعًا فإنها من الوجد قد كادت عليك تذوب وإني لأستحييك حتى كأنما عليّ بظهر الغيب منك رقيب البيت كلام مستسلم، وشعاعًا: متفرقة، يعني متفرقة الخواطر، وقلب الحزين كالمتفرق بكثرة وساوسه، وقلب الخلي ساكن مجتمع، وقوله: وإني

لأستحييك حتى كأنما يريد ذكر مراعاته لها وتركه ما تكرهه منه على كل حال حتى كأن عليه رقيبًا من جهتها. (108) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أهابك إجلالاً وما بك قدرة عليّ ولكن ملء عين حبيبها أي لإجلالك أهابك لا لأنك تقدرين عليّ ومعنى ملء العين أنه لا ينظر إلى غيرها فكأنه يملأ عينه منها، إذا رآها فلا تتفرغ إلى غيرها. وما هجرتك النفس أنك عندها قليل ولكن قل منها نصيبها المعنى: يعتذر إليها من إعراضه عنها، ويقول: ليس ذلك لبغض ولكن لقلة الحظ منك. (109) وقال آخر، إسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) تحمل أصحابي ولم يجدوا وجدي وللناس أشجان ولي شجن وحدي أحبكم ما دمت حيًا فإن أمت فواكبدًا ممن يحبكم بعدي المعنى: يذكر وجده بها ويتحسر لمن يحبها بعده.

(110) وقال أبو حية النميري: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) رمته أناة من ربيعة عامر نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم ويروى "رقود الضحى" أناة أي جارية ذات أناة أي متأنية، وإنما وصفها بنؤوم الضحى لأنها مكفية، لها من يخدمها، فهي تنام وقت الضحى، وله معنى آخر هو كل من كان أنعم بدنا وأكثر سمنا كان النوم إليها أشهى. فجاء كخوط البان لا متتابع ولكن بسيما ذي وقار وميسم فجاء يعني الفتى الذي رمته الجارية، كخوط البان لا متتابع أي لا متسرع، ولكن بسيما ذي وقار وميسم أي بآثار الوقور والحسن يقول: أصابته الجارية بعينها فتوقر وتجلد وجاء وهو شاب كغصن البان. فقلن لها سرًا فديناك لا يرح صحيحًا وإن لم تقتليه فالممي فألقت قناعًا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم قوله: واتقت بأحسن موصولين يعني سترت وجهها بكفها ومعصمها، فألممي من اللمم وهو شدة الجنون. وقالت فلما أفرغت في فؤاده وعينيه منها السحر قلن له قم فود بجدع الأنف لو أن صحبه تنادوا وقالوا في المناخ له نم المعنى: يصف ختل الجارية إياه، أغراها صويحباتها حتى بالغت في إصبائه بإلقاء القناع والاتقاء بالكف والمعصم وفتنته في الوقت حتى ود أن يترك معها بجدع الأنف.

(111) وقال آخر، إسلامي: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدراك)) نظرت كأني من وراء زجاجة إلى النار من فرط الصبابة أنظر مجاز هذا البيت كأني من فرط الصبابة أنظر إلى الدار من وراء الزجاجة، يصف كثرة اجتماع الدمع في عينيه حتى حجب بين ناظره وبين ما ينظر إليه، كما تحجب الزجاجة وهذا أملح التشبيهات. فعيناي طورًا تغرقان من البكا فأغشى وطورًا تحسران فأبصر أعشى: لا يبصر شيئًا، تحسران أي تكشفان الدمع. المعنى: يصف غلبة الدمع عينيه. (112) وقال آخر، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) وما شئنا خرفاء واهيتا الكلى سقى بهما ساق فلم يتبللا بأضيع من عينيك للدمع كلما توهمت ربعًا أو تذكرت منزلاً الشنة: القربة البالية، بأضيع من عينيك يعني بأشد إضاعة، وقوله: كلما

توهمت ربعًا أو تذكرت منزلاً يعني للحبيب، وفيه حذف يعني بأضيع للماء من عينيك للدمع، وواهية الكلي يريد به من عيب السقاء، وجعله خرقاء لا رفق لها بالخرز ولا تمسك الماء. المعنى يقول: عيناك أسرع هملانًا إذا توهمت ربع حبيبك من سقائي خلق منخرقين من خرز امرأة غير بصيرة بالخرز إذ جعل فيهما الماء. (113) وقال أبو الشيص الخزاعي، الشيص: التمر الرديء، الواحدة شيطة. وقد أشاصت النخلة إذا أثمرت الشيص. (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخر عنه ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبًا لذكرك فليلمني اللوم. أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ صار حظي منك حظي منهم وأهنتني فأهنت نفسي صاغرًا ... ما من يهون عليك ممن أكرم المعنى: يصف أن هواها ملكه فاقتاده إليها، فلا معدل له عنها، ثم وصف قلة مبالاته باللوم فيها بل يحب اللوم فيها لتضمنه ذكرها، ثم ذكر نهاية الموافقة لها بحبه أعداءه لمماثلة حظه منهم حظه منها، ولمجانبه خلافها بإذلاله نفسه لها. (114) وقال آخر، إسلامي:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ولا غزو إلا ما يحبر سالم بأن بني أستاهها نذروا دمي لا غرو: لا عجب، ولا يصرف منه فعل، وقوله بأن بني أستاهها نذروا دمي هجاء قبيح يرمي أمهم بالإفضاء وأنها وضعتهم من دبرهالا من قبلها، وسالم المذكور وهو الذي أخبره أنهم نذروا دمه. وما لي من ذنب إليهم علمته سوى أنني قد قلت يا سرحة اسلمي نعم فاسلمي ثم اسلمي ثم اسلمي ثلاث تحيات وإن لم تكلمي سرحة: كناية عن جارية. المعنى: يتعجب من وعيدهم إياه فإنه لا يبالي بهم، ويذكر أنه ليس له جرم بتوديعه هواه، نؤدي عنه، ثم أظهر الجرأة عليهم فكرر التحية للسرحة. (115) وقال خليد مولى العباس بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عباس، وخليد هو أبو أبي العميثل وصاحب عبد الله بن طاهر، واسم أبي العميثل عبد الله بن خليد: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) رعاك الله يا سلمى رعاك ودارك باللوى ذات الدكاك قتلت بفاحم وبذي غروب أخا قوم وما قتلوا أخاك أما والراقصات بذات عرق ومن صلى بنعمان الأراك

الفاحم: الأسود، وبذي غروب يريد بها الأسنان، أقسم تعظيمًا، ومن صلى بنعمان الأراك يعني الحجاج، ونعمان وادٍ بعرفات. لقد أضمرت حبك في فؤادي وما أضمرت حبًا من سواك أريت الأمريك بصرم حبلي مريهم في أحبتهم بذاك فإن هم طاوعوك فطاوعيهم وإن عاصوك فاعصي من عصاك عاصوك: أي عصوك المعنى: يقسم بالحجيج وابلهم أنه لا يحب سواها، ثم تلطف لها في عصيان الوشاة. (116) وقال أبو القمقام الأسدي، والقمقام السيد، وأصله البحر لأنه يجمع الماء، والسيد مجمع الناس: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) اقرأ على الوشل السلام وقل له كل المشارب مذ هجرت ذميم الوشل ها هنا ماء بعينه، وفي اللغة ماء قليل، وذميم أي مذموم أي لم أحمد مشربًا بعدك. سقًا لظلك بالعشي وبالضحى وليرد مائك والمياه جميم الظل لا يحتاج إلى السقي ولكن له غرضًا في ذلك، وكذلك برد مائك كأنه يعني بعض أهل ذلك الماء.

(117) وقال ابن الدمينة: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) وأنت التي كلفتني دلج السرى وجون القطا بالجهلتين جثوم وأنت التي قطعت قلبي حزازة وقرفت قرح القلب فهو كليم الجلهتان موضع، وجون القطا سودها، وجثوم جمع جاثم، وقرفت قرح الفؤاد أي قرفت القرح في قلبي فما فيه موضع إلا وفيه جرح، وكليم جريح. وأنت التي أحفظت قومي فكلهم بعيد الرضا داني الصدود كظيم أحفظت قومي: أغضبتهم عليّ، لأنهم كانوا يمنعونني عن هواك فكلهم بعيد الرضا داني الصدود لأجلك، لا يكاد يرضى عني. المعنى: يعاتب خلته في سير الليل لأجلها والطير نائمة وفي ايحاشها إياه، ويصف المبالغة في حزنه، ومعاداة قومه إياه لأجلها. (118) فاجابته أمامة فقالت: (الوزن ذاته والقافية ذاتها) وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني وأشمت بي من كان فيك يلوم وأبرزتني للناس ثم تركتني لهم غرضًا أرمي وأنت سليم فلو أن قولاً يكلم الجسم قد بدا بجسمي من قول الوشاة كلوم تقول: جعلتني للناس بمنزلة الهدف يرمونني بالسهام وأنت سالم من ذلك، ويكلم يجرح. المعنى: تعاتبه مجيبة بأنه أخلفها وعده، وأشمت بها لوامها، وجعلها شهرة تذكر بما تكره.

(119) وقال المعلوط السعدي، وتروي هذه لجرير بن عطية وأولها: "إن الذين مضوا بلبك غادروا" وهو المعلوط بن بدل، إسلامي، مفعول من علط البعير إذا وسمه في عرض خده واسم السمة علاط، وجرير حبل يشد في الخطام. (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) إن الظعائن يوم جو سويقة أبكين عند فراقهن عيونًا غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينا بل لو يساعفنا الغيور بداره يومًا لقد مات الهوى وحيينا

غيضن نقضن واحتلن في ردها، وربما رددن بأناملهن، والغيور الزوج ومن يغار على المرأة، وداره موضع. المعنى: يصف سؤال الجواري عن حاله عند المفارقة وإخفاءهن دموعهن، وتمنى مساعدته أهلها بقربها ليذهب وجده، ويحيا قلبه. (120) وقال جميل بن عبد الله بن معمر العذري: (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا سوى أن يقولوا إنني لك وامق المعنى: يقول: لم آت في هواك ريبة أعير بها فإذا عابني الوشاة لم يعيبوني إلا بأني عاشق. نعم صدق الواشون أنت كريمة علينا وإن لم تصف منك الخلائق المعنى يقول: قد صدق الواشون أني أحبك وإن كنت شرسة الأخلاق، ويروى أن جميلاً حين حضرته الوفاة حلف أنه لم يمس بثينة بما لا يرضاه الله - عز وجل - وذلك قوله: "سوى أن يقولوا إنني لم وامق". (121) وقالآخر: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر)

وإذا عتبت على بت كأنني بالليل مختلس الرقاد سليم ولقد أردت الصبر عنك فعاقني علق بقلبي من هواك قديم يبقى على حدث الزمان وريبه وعلى جفائك إنه لكريم يبقى على حدث الزمان، يبقى راجع إلى علق عاقني علق يبقى على تصرف الزمان وعلى جفائك، ثم مدحه، فقال إنه لكريم لا يفارقنا. المعنى: يصف قلقه لعتبها وعجزه عن الصبر عنها، ويصف هواه بكرم العهد، والبقاء على ضروب الجفوة. (122) وقال آخر، وهو مزاحم العقيلي: (الثاني عن الطويل والقافية من المتدارك) وما برح الواشون حتى ارتموا بنا وحتى قلوب عن قلوب صوادف وحتى رأينا أحسن الوصل بيننا مساكنة لا يقرف الشر قارف ارتموا أي رموا موضعًا، ورموا بها موضعًا يعني فرقوا بيننا، صوادف معرضة، صدف أعرض، مساكتة يسكت بعضنا عن بعض، لا يقرف الشر قارف تفسير المساكتة. المعنى يشكو تفريق الوشاة إباهما، وإفساد قلبها عليه، حتى أحوجا إلى أن يسكت كل واحد منهما عن صاحبه. (123) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

فإن ترجع الأيام بيني وبينها بذي الأثل صيفًا مثل صيفي ومربعي أشد بأعناق النوى بعد هذه مرائر إن جاذبتها لم تقطع ذو الاثل: موضع. وبعد هذه أي بعد هذه الكرة، ومن روى "بعد هدأة" أي بعد ساعة من الليل، ومرائر حبالاً، واحدتها مريرة، إن جاذبتها يعني النوى لم تتقطع. المعنى: هذا رجل ندم على مفارقة هواه وتضمن إن ردته الأيام إليه استمسك بقربه ولم يفارقه. (124) وقال كلثوم بن صعب: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) دعا داعيًا بين فمن كان باكيًا معي من فراق الحي فليأتني غدا فليت غدًا يوم سواه وما بقى ... من الدهر ليل يحبس الناس سرمدا داعيًا بين: غرابان. المعنى: أخبر بارتحال الأحبة غدًا فانزعج مع ذلك، وتمنى أن غدًا لا يأتي، ويكون ما بقي من الدهر ليلة لئلا يرتحلوا. لتبك غرانيق الشباب فإنني اخال غدًا من فرقة الحي موعدًا الغرانيق جمع الغرانق وهو الشاب، المعنى يستبكي الشباب على نفسه لأنه شاب مثلهم، ويظهر الجزع من فراقهم. (125) وقال آخر:

(الأول من الكامل والقافية من المتدارك) ألمم على دمن تقادم عهدها بالجزع واستلب الزمان جمالها دمن جمع دمنة، وهي آثار الديار، وألمم أي انزل، ويروى "حلالها" جمع حلة. رسم لقائلة الغرانق ما به إلا الوحوش خلت له وخلا لها ظلت تسائل بالمتيم أهله وهي التي فعلت به أفعالها المعنى: يستنزل صاحبه بدار حبيبته وقد ارتحلت عنها، وأوحشت بمفارقتها، ودل على حسن أهلها، وذكر تهزؤ الجارية بسؤالها أهله عنه، مع علمها بما صار له منها. (126) وقال زياد بن حمل بن سعيد بن عمير بن حريث، ويقال: زياد بن منقذ، وهو أحد بلعدوية من تميم، وأتى اليمن فنزع إلى وطنه: ((الأول من البسيط والقافية من المتراكب) لا حبذا أنت يا صنعاء من بلد ولا شعوب هوى مني ولا نقم صنعاء وشعوب: بلدان ويروى "ولا هبوب" وروى الديمرتي "ولا بفم"

بالباء مفتوحة، وروى البرقي بالنون والقاف مضمومين وهذا أصح. ولن أحب بلادًا قد رأيت بها عنسًا ولا بلدًا حلت به قدم عنس، بالنون، قبيلة من اليمن من مذحج، رهط عمار بن ياسر، وكان منهم الأسود بن كعب العنسي، ومن روى بالباء فقد صحف لأنه لم يرد عبس بن بغيض، وقدم بفتح القاف والدال وهو غلط، وإنما هو قدم مثل زفر وهو حي من العرب. إذا سقى الله أرضًا صوب غادية فلا سقاهن إلا النار تضطرم وحبذا حين تمسي الريح باردة وادي أشي وفتيان به هضم إنما قال: حين تمسي الريح باردة لأن القحط في الشتاء، فأراد أنهم يطعمون فيه. المعنى: هذا رجل قد غاب من بلده وحل ببلاد اليمن فاجتواها فدعا عليها بالحريق واشتاق إلى وطنه فمدحه وأثنى عليه. الحاملون إذا ما جر غيرهم على العشيرة والكافون ما جرموا ويروى "الواسعون إذا ما جر غيرهم" أي يبذلون إذا جنى غيرهم ما يرضى به الخصم، وإن جنوا هم لم يلزموا قومهم تلك الجناية وتحملوها في مالهم ويكفون ذلك.

والمطعمون إذا هبت شامية وباكر الحي من صرادها صرم شامية يعني الشمال وهي أشد الرياح بردًا، والصراد غيم رقيق معه برد شديد وصرم قطع من الإبل واحدها صرمة شبه هذا الشاعر قطع السحاب بصرم الإبل. وشتوة فللوا أنياب لزبتها عنهم إذا كلحت أنيابها الأزم فللوا: كسروا، واللزبة: الضيق والشدة وكلحت أجدبت، وكلحت كسرت. المعنى يمدحهم بتحمل جنايات غيرهم وتركهم إلزام العشيرة جناياتهم، ويصفهم بالجود والشجاعة. هم البحور عطاء حين تسألهم وفي اللقاء إذا تلقاهم بهم البهم: جمع بهمة وهو الرجل الشجاع، شبهه بالصخر الأملس لشدته ونجدته. وهم إذا الخيل حالوا في كواثبها فوارس الخيل لا ميل ولا قزم الكواثب: جمع كاثبة وهو من الفرس قدام القربوس، ومن البعير الكاهل، وحال في متن فرسه إذا ركبها بخفة حولاً، والميل جمع أميل وهو الذي لا يثيت على الفرس، والقزم: الضعاف من الناس، ورجل قزم وقوم قزم، المعنى: يصفهم بالفروسية. لم ألق بعدهم حيًا فأخبرهم إلا يزيدهم حبًا إلى هم يقول لم ألق بعدهم أحدًا فاختبرته، وعرفت حاله إلا ازداد حبًا إلى لإيفائهم عليّ ضرًا وفضلاً. كم فيهم من فتى حلو شمائله جم الرماد إذا ما أخمد البرم

جم الرماد: كثير الرماد، لأنه يطبخ للأضياف، فيكثر الرماد، والبرم: البخيل الذي لا يدخل مع القوم في الميسر فيخمد ناره كي لا يهتدي إليه. المعنى: يذكر من فيهم ممن يرجع إلى حسن الخلق وإكرام الضيف. تحب زوجات أقوام حلائله إذا الأنوف امترى مكنونها الشبم ترى الأرامل والهلاك تتبعه يستن منه عليهم وابل رذم امترى: استخرج، والشبم البرد، يعني ماء الأنف من البرد، ويستن يجيء على سنن، والرذم السائل، يصفه بكثرة الخير وتحقيق مال الأرامل والضعفاء إذا قصدوه، ويريد بالهلاك هنا الفقراء. كان أصحابه بالقفر يمطرهم من مستحير غزير صوبه ديم غمر الندى لا يبيت الحق يثمده إلا غدا وهو سامي الطرف يبتسم المستحير: الغيث الثابت، لا يبيت الحق يثمده أي لا يجعله مثمودًا، يعني لا يقلل ماله، ويلح عليه بجهده، إلا وهو سامي الطرف مبتسم إلى المكارم، ومثمود من الثمد وهو الماء القليل. إلى المكارم يبينها ويعمرها حتى ينال أمورًا دونها قحم تشقى به كل مرباع مودعه عرفاء بشتو عليها تامك شنم أموراً دونها قحم أمورًا صعابًا شدادًا، المرباع: الناقة التي من عادتها أن تنتج في أيام الربيع، مودعة: مرهفة فلا تركب لنفاستها، عرفاء: غليظة موضع العرف يريد العنق، وقيل العرفاء الطويلة السنام، المعنى: يصفه بكثرة العطاء ودوامه وأنه إن جهد العطاء ماله لا يكتئب لذلك، ولكن يرتاح، ويصفه بنحر كرائم الإبل، وقرى الأضياف والأسباغ عليهم. ترى الجفان من الشيزى مكللة قدامه زانها التشريف والكرم ينوبها الناس أفواجًا إذا نهلوا علوا كما عل بعد النهلة النعم الجفان جمع جفنة، والأفواج جمع فوج وهو الطائفة من الناس، والنهل: الشرب الأول، والعلل: الشرب الثاني.

زارت رويقة شعثًا بعدما هجعوا لدى نواحل في أرساغها الخدم رويقة: اسم امرأة، وشعثًا يعني قومًا قد شعثوا من طول السفر، يعني جاء خيال رويقة ليلاً بعد النوم لدى نواحل يعني إبلاً قد نحلت وهزلت، وفي أرساغها الخدم، يزعم أنها حفيت فشد في أرساغها نعالها. وقمت للزور مرتاعًا فأرقني فقلت أهي سرت أم عادني حلم فكان عهدي بها والمشي يبهظها من القرب ومنها النوم والسأم وبالتكاليف تأتي بيت جارتها تمشي الهوينى وما تبدو لها قدم يعني بالزور الخيال، والتكاليف المشقة، يعني كان عهدي بها أنها كانت تأتي بيت جارتها بالمشقة فكيف قطعت المسافة البعيدة. سود ذوائبها بيض ترائبها درم مرافقها في خلقها عمم مرفق درم إذا لم يكن له حجم لاكتنازه باللحم، في خلقها عمم أي طول. المعنى: يصف ورود خيال من يهواها ومناظراته إياها، ووصفها بسواد الشعر وبياض الصدر وامتلاء العضد وكمال الحسن. روبق إني وما حج الحجيج له وما أهل بجنبي نخلة الحرم لم ينسني ذكركم مذ لم ألاقكم عيش سلوت به عنكم ولا قدم ولم تشاركك عندي بعد غانية لا والذي أصبحت عندي له نعم الحرم: جمع الحرام، لا والذي: يريد به الله تعالى عزه. المعنى: يقسم بالله تعالى وبالبيت أنه مذ فارقها لم ينسها شيء ولا تسلى عنها لطول الوقت ولا أحب معها غيرها. متى أمر على الشقراء معتسفًا خل النقا بمروح لحمها زيم الشقراء بلد، معتسفًا على غير قصد، خل النقا: موضع، ونصبه مفعولاً به

بمعتسف، وبمروح أي ناقة نشيطة تمرح في السير، وقيل أراد بمروح فرسًا، وزيم: مكتنز غليظ. والوشم قد خرجت منه وقابلها من الثنايا التي لم أقلها ثرم الوشم: بلد ذو نخل دون اليمامة، وخرجت يعني الناقة أو الفرس من الوشم، وقابلها من الثنايا ثرم اسم ثنية، مجازه وقابل الناقة ثرم من الثنايا، وقوله لم أقلها يريد لم أبغضها، والثنايا: الطرق في الجبال. المعنى: يتمنى ورود خل النقاراكبًا، والنظر إلى بلاده. يا ليت شعري عن جنبي مكسحة وحيث تبنى من الحناءة الأطم مكسحة: موضع، والحناءة رمل، وهمزتها أصلية، والأطم: الحصن وجمعه آطام. عن الأشاءة هل زالت مخارمها وهل تغير من آرامها إرم وجنة ما يذم الدهر حاضرها جبارها بالندى والحمل محتزم ما يذم الدهر حاضرها لأنهم يقرون منها، والجبار: ما فات اليد من النخل يصف طول النخل، وقوله: "بالندى والحمل محتزم" أراد بالندى أهله أي أهله محيطون به. وسماهم الندى لأنهم ذوو الندى، والأول أجود لأنه يدل على الخصب والري، وهذا يدل على قلة النخل وعزته. فيها عقائل أمثال الدمى خرد لم يغذهن شقا عيش ولا يتم أي في الجنة كرائم خيار، وقد قيل: أراد النخل وشبهه بالنساء، والأول أصح لقوله بعده "لم يغذهن شقا عيش ولا يتم" والشقا مصدر يمد ويقصر، واليتم مصدر اليتيم.

ينتابهن كرام ما يذمهم جار غريب ولا يؤذي لهم حشم أي ينتاب هؤلاء العقائل قوم كرام، ما يذمهم جار غريب لأنهم يحسنون قراه، ويكرمون مثواه، فلا يؤذي لهم حشم من عزهم. [وحشم الرجل: أتباعه ومن يلزمه أن يغضب لهم]. مخدمون ثقال في مجالسهم وفي الرحال إذا صاحبتهم خدم أراد بالثقال الرزان أي عليهم سكينة الوقار والحلم، وفي الرحال إذا صاحبتهم خدم يريد أنهم يخدمون من صاحبهم في السفر لكرمهم. المعنى: يتمنى العلم بأحوال بلاده. ويصف خصبها، ويذكر بالكرم والسيادة أهلها. بل ليت شعري متى اغدو تعارضني جرداء سابحة أو سابح قدم نحو الأميلح أو سمنان مبتكرًا بفتية فيهم المرار والحكم قدم متقدم يوصف به الذكر والأنثى، والأميلح: ماء بيني ربيعة وسمنان بفتح السين، من ديارهم، والمرار والحكم رجلان من حية. ليست عليهم إذا يغدون أردية إلا جياد قسي النبع واللجم قوله: ليست عليهم إذا يغدون أردية ... البيت، يريد أنهم كانوا يضعون اللجم على عواتقهم إذا ابتكروا من منازلهم فيأتون خيلهم فيلجمونها. من غير عدم ولكن من تبذلهم للصيد حين يصيد القانص اللحم ويروى "يصيح" أي يستمع الصوت، وأصاخ وبمعنى واحد، واللحم المشتهي للحم. فيفزعون إلى جرد مسحجة أفنى دوابرهن الركض والأكم

أي ينفرون إلى خيل جرد، ومسحجة فسرها بقوله: أفنى دوابرهن الركض والأكم، وأصل السحج القشر، والدوابر: مآخير الحافر. يرضحم صم الحصا في كل هاجرة كما تصايح عن مرضاحه العجم المعنى: يصف شدة عدون وصلابة خوافرهن يقول: إذا وقعت حوافرها على صلاب الحجر بدت عنها فكأنها ترميه، ويروى "يضرحن" أي يبعدن. والمضرح: الإبعاد. وتصايح: أي تطاير، وكل شيء تصدع أو تشقق فقد تصيح، شبه تطاير الحصى تحت الحوافر بتطاير النوى تحت المدق. يغدو أمامهم في كل مربأة طلاع أنجدة في كشحه هضم المربأة المرقبة، وهو الموضع الذي يربأ فيه، وأنجدة جمع نجد، وأراد بطلاع أنجدة أنه ركاب الأمور العام، خراج منها، وقوله: في كشحه هضم أي في خصره رقة، يتمنى كونه في دياره، وركوبه مع أصحابه. (127) وقال عمرو بن ضبيعة الرفاشي، إسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) تضيق جفون العين عن عبراتها فتسفحها بعد التجلد والصبر وغصة صدر أظهرتها فرفهت حزازة حر في الجوانح والصدر فتسفحها: تصبها. المعنى: يصف كثرة الدمع وكرب الصدر وأن البكاء خفف من وجده.

ألا ليقل من شاء ما شاء أما يلام الفتى فيما استطاع من الأمر قضى الله حب المالكية فاصطبر عليه فقد تجري الأمور على قدر المعنى: يعترف بالعجز ويستسلم للقضاء. (128) وقالت وجيهة بنت أوس الضبية، إسلامية: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) وعاذلة تغدو علي تلومني على الشوق لم تمح الصبابة من قلبي فما لي إن أحببت أرض عشيرتي وأبغضت طرفاء القصيبة من ذنب المعنى: تشكو لأئمة لامتها على الشوق، ثم احتجت على نفسها فقالت: وما لي من ذنب إن أحببت أرض قومي. فلو أن ريحًا بلغت وحي مرسل حفي لنا جيت الجنوب على النقب حفي مبالغ في الأمر، وروي بالخاء وهو تصحيف، لناجيت الجنوب أي ساررتها وحملتها رسالة إلى من أحبه، والنقب طريق بين الجبلين. فقلت لها أدى إليهم تحيتي ولا تخلطيها طال سعدك بالترب فإني إذا هبت شمالاً سألتها هل ازداد صداح النميرة من قرب لا تخلطيها بالترب أي لا تذليها، والنميرة موضع، وصداح النميرة قالوا: هو الديك، إنه ما من قرية إلا وفيها ديك، وقيل: صداح النميرة أهلها لأن الصدح الصوت، وقيل: هو حادي إبلها، وقال بعض من لا يوثق بعلمه هو موضع. المعنى: تتمنى إبلاغ الريح رسالتها إلى من تهواهم.

(129) وقال مرداس بن همام الطائي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) هويتك حتى كاد يقتلني الهوى وزرتك حتى لامني كل صاحب وحتى رأى مني أدانيك رقة عليهم ولولا أنت ما لان جانبي قوله: وحتى رأى مني. البيت أي خضعت لهم، وذللت ولولاك لم أفعل. المعنى: يصف اشتداد الهوى به وإفراطه في زيارتها، وانقياده لأهلها بسببها، ولولا حبه إياها ما انقاد لهم. ألا حبذا لومًا الحياء وربما منحت الهوى من ليس بالمتقارب بأهلي ظباء من ربيعة عامر عذاب الثنايا مشرفات الحقائب كأنه قال: حبذا ظباء افديهن بأهلي، منحت أي أحببت من لا ينصفني ولا مطمع فيه، والحقائب الأعجاز. المعنى يقول: حبذا ما أعمل في هواك لولا الحياء، وقد أحببت من لا ينصفني، ثم فدى نساء ربيعة بأهله ووصفهن بعذوبة الريق وعظم العجز. (130) وقال بعض بني أشد، إسلامي: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) تبعت الهوى يا طيب حتى كأنني من أجلك مضروس الجرير قؤود

مضروس الجرير أي بعير ضرسه الجرير، والضرب في الجرير أن يلوي عليه قد أو وتر ثم يفقر أنف البعير، أي تحز قصبة الأنف فيوضع ذلك الموضع من الجرير عليه، والقؤود الذي ينقاد بغير صعوبة. تعجرف دهرًا ثم قاود أهله فصرفه الرواد حيث تريد ويروى "حيث يرود" والعجرفة: الاقدام في هوج، وتعجرف ركب رأسه، ومعنى يرود يجيء ويذهب. المعنى: يصف انقياده للهوى بعد امتناعه فيه وشبه حاله ببعير مضروس الجرير، لا يأبي على قائده، فهو في نهاية الذل بعدما كان صعبًا، راكبًا رأسه. وإن ذياد الحب عنك وقد بدت لعيني آيات الهوى لشديد المعنى: يعترف بالعجز عن منع حبها عن قلبه، بعدما رأى محاسنها. ما كل ما في النفس للناس مظهر ولا كل ما لا تستطيع تذوذ وإني لأرجو الوصل منك كما رجا صدى الجوف مرتادًا كداه صلود صدى الجوف: عطشان، والكدي جمع كدية وهو شيء بين الحجارة والطين لا يعمل فيه المعول، صلود لا يندى ولا يخرج منه شيء. المعنى يقول: لا مطمع لي فيك يا طيبة كما لا مطمع للعطشان إذا حفر في الكدي. فكيف طلابي وصل من لو سألته قذى العين لم يطلب وذاك زهيد أطلب: أحوج إلى الطلب، وأطلب أعطي الطلبة، وزهيد قليل، والمزهد: القليل المال، المعنى: يؤيس نفسه من وصلها لأنها لا تسعفه بما لا خطر له فكيف تسعفه بنفسها.

ومن لو رأى نفسي تسيل لقال لي أراك صحيحًا والفؤاد جليد المعنى يقول: أنها لا تشفق عليه فلو رأت روحه سائلة لنسبته إلى الصحة. فيا أيها الريم المحلى لبانه بكرمين كرمي فضة وفريد المحلى لبانه: أي المزين صدره بكرمين: بقلادتين، والفريد الدر، وفي البيت أقواء ومن الناس من يرويه بإزالة الأقواء فينشده كرمي فضة وفريد" أي فيها فريد وهذا بعيد، ويروي "كرما فضة وفريد"، ومن الناس من يشتبه عليه هذا الوجه فيغير وينشد "كرم فضة وفريد" وهذا لو روي كان حسنًا، ولكن الشعر رواية لا يحسن تغييرها، وأكثر الأشعار يمكن تغييرها عما قيل ابتداء، فلو ساغ هذا الوجه لم يحتج إلى الرواية. أجدك لا أمسي برمان خاليًا وغضور إلا قيل أين تريد رمان موضع، وغضور: ماء لطييء. المعنى: يشكو إليها تعرض الرقباء، ويروى "لا أمشي". (131) وقال رجل من بني الحارث، إسلامي:

(الأول من الطويل والقافية متواتر) مني إن تكن حقًا تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بها زمنًا رغدًا رغدًا أي واسعًا، وكانوا يرددون الاسم في بيت واحد إما لغرض وإما تأنسًا بها، وتفخيمًا لها أو تذكيرًا لها. أماني من سعدي حسان كأنما سقتك بها سعدي على ظمأ بردًا على ظمأ بردًا أي ماء باردًا. المعنى: هذا الرجل يتلذذ بالمنى، ويشبه مواعيد الحبيب بالماء البارد عند العطش. (132) وقال بعض الأعراب؟ : (الثاني من الصويل والقافية من المتدارك) وخبرت سوداء القرون مريضة فأقبلت من أهلي بمصر أعودها ويروى "سوداء القلوب" وسوداء القلوب تنصبها لأن خبرت يقتضي ثلاثة

مفعولين، فالأول التاء والثاني سوداء والثالث مريضة، قال الديمرتي جعلها سوداء القلوب لقساوة قلبها، وإنما جمع فقال القلوب لأنه يريد ما اتصل بالقلب وهو ما حواليه، كما يقال: فلان لبن الأجياد وعظيم المناكب، وقيل: سوداء القلوب كان اسمها فأضافها إلى القلوب لتعلق القلوب بها، كما قال ابن الدمينة: قفي يا أميم القلب نقض تحية ونشك الهوى ثم افعلي ما بدا لك وهذا وجه حسن، وقيل: إنه جعلها سوداء القلوب أي محبوبة فمحلها أوساط قلوب الناس. فوالله ما أدرى إذا أنا جئتها أوبرئها من دائها أم أزيدها المعنى: يصف قصده عيادة من يهواه، ويحلف أنه لا يدري أيبرئها من دائها أنسأ بلقائه أم يزيدها في دائها خوفًا من أهلها عليه وشفقة. (133) وقال بعضهم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وإني على هجران بيتك كالذي رأى نهلاً ربًا وليس بناهل يرى برد ماء ذيد عنه وروضة برود الضحى فينانة بالأصائل الناهل: الريان هنا، ويكون العطشان في غيرها، وبرود الضحى أي طيبًا

ماؤه قبل الزوال، وفينانة كثيرة الأفنان. المعنى: يعتذر إلى هواه في تركه زيارتها يقول: لم أهجر بيتك مختارًا، وشبه نفسه بالعطشان منع عن ورود الماء فهو يراه باردًا، ويتحسر عليه. (134) وقال آخر: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) مرًا على أهل الغضا إن بالغضا رقارق لا زرق العيون ولا رمدًا الغضا هاهنا موضع، وفي اللغة شجر معروف، ورقاق يعني نساء نواعم، وقوله: لا زرق العيون ولا رمدًا أي هن كحل، وقيل: إنه أراد عيون الماء، وليس بجيد لأن الماء يوصف بالزرقة إذا أرادوا صفاءه والرمد جمع أرمد وهو الذي به رمد. أكاد غداة الجمع أبدى صبابة وقد كنت غلاب الهوى ماضيًا جلدًا\ فلله دري أي نظرة ذي هوى نظرت وأيدي العيس قد نكبت رقدًا يقربن ما قدامنا من تنوفة ويزددن ممن خلفهن بنا بعدا المعنى: يستعطف صاحبيه إلى أهل الغضا لأن هوى قلبه فيهم، وذكر سبب الفراق، وجلادته، وتعجب من نظره وقد استقلت الإبل وازدادت بهم بعدًا كل ساعة من أحبابهم. (135) وقال ابن هرم الكلابي:

(الأول من الطويل والقافية من المتواتر) إني على طول التجنب والنوى ووراش أتاها بي وواش لها عندي لأحسن رم الوصل من أم جعفر بحذ القوافي والمنوقة الجرد حذ القوافي: هي التي لا تكون مضمنة ببيت آخر قبله، والمنوقة الجرد هي الخيل وهي مفعلة من النيقة وهي إحسان الصنعة. وأستخبر الأخبار من نحو أرضها وأسأل عنها الركب عهدهم عهدي فإن ذكرت فاضت من العين عبرة على لحيتي نثر الجمان من العقد الجمان: أمثال اللؤلؤ يتخذ من الفضة، الواحدة جمانة، يصف تأتيه في أسباب الهوى وحفظ الوصال مع كثرة الوشاة من الجانبين، ويذكر تعلله بالاستخبار عن خبرها لينذ بذكرها، فإذا ذكرت فاضت دموعه جزعًا وحسرة. (136) وقال ابن المولى: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا بأبينا جعفر وبأمنا ... نقول إذا الهيجاء سار لواؤها ولا عيب فيه غير ما خوف قومه على نفسه ألا يطول بقاؤها ليس البيتان من النسيب في شيء وهما بالحماسة أولى. المعنى: إذا سار لواء

الهيجاء فدينا جعفرًا بأبينا وأمنا، ولا عيب فيه غير الشجاعة، وعبر عن الشجاعة بخوف قومه عليه ألا يطول بقاؤه، ولأنه من ألقى نفسه في الغمرات خيف عليه. تم باب النسيب

باب الهجاء

باب الهجاء الهجاء هو الوقيعة في الإنسان، ورميه بالمعايب، وأصله التسكين يقال: هجا جوعه إذا سكن، والشاعر إذا هجا فكأنه إذا رمى الإنسان بالعيوب سكن من إشراقه وقصر منه، وقيل هجا بمعنى فصل فكأنه فصله ومزقه. (1) وقال موسى بن جابر الحنفي، موسى مفعل من أوسيت الرأس، وجابر من جبرت: ((الأول من الكامل والقافية من المتدارك)) كانت حنيفة لا أبالك مرة عند اللقاء أسنة لا تنكل لا أبالك اعتراض بالدعاء، ومعناه هلك أبوه، ولا يريدون به الإيقاع. المعنى يقول: إن بني حنيفة تثبت في الحرب ولا تفر. فرأت حنيفة ما رأت أشياعها والريح أحيانًا كذاك تحول المعنى يقول: رأت حنيفة ما رأت أصحابها من الجبن والخور فاقتدت في الهزيمة، وتحولت من عادتها المحمودة، وشبه تحولهم بتحول الريح مرة جنوبًا ومرة شمالاً.

وقال قراد بن حنش الصاردي، قراد واحد القردان، وحنش: حية تنفخ ولا تؤذين والصارد النافق. ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) لقومي أدعى للعلا من عصابة من الناس يا حار بن عمرو تسودها وأنتم سماء يعجب الناس رزها بآبدة تنجي شديد وئيدها العصابة: جماعة من الناس، أنتم سماء أي سحاب، رزها يعني صوت رعدها، والآبدة الشديدة، وقوله: تنجي شديد وئيدها أي توحش وتبعد، ويروى "زجل باق". تقطع أطناب البيوت بحاصب وأكذب شيء برقها ورعودها فويل لها خيلاً بهاء وشارة إذا لاقت الأعدهاء لولا صدودها معنى الأبيات الأربعة يقول: نحن أولى بالعلا من قومك لأنه لا غناء عندك، مع تقدير الناس ذلك فيكم، وشبههم بسحاب ذي رعد وبرق وريح عاصف ولا يكون منها مطر، ثم يهزأ بهم، بأن عجب من حسن هيئتهم لولا جبنهم من العدو. (3) وقال عملس بن عقيل المري، العملس الذئب، إسلامي:

((الثاني من الطويل والقافية من المتواتر)) من مبلغ عني عقيلاً رسالة فإنك من حرب علي كريم ألا تذكر الأيام إذ أنت واحد وإذ كل ذي قربي إليك مليم وإذ لا يقيك الناس شيئًا تخافه بأنفسهم إلا الذين تضيم إذ أنت واحد أي واحد لا نصير لك، ويروى "ألا تعلم الأيام"، وقوله: إذ لا يقيك ... البيت يقول: أتذكر إذ كنت مخذولاً، ولم ينصرك ولم يدفع عنك بنفسه إلا الذين تظلمهم الآن. المعنى: يذكر عقيلاً أيام خذلان الناس إياه، وتحامل أقاربه عليه إلا طائفة منهم، وهو يسيء إليهم لما استقام أمره، ويحسن إلى غيرهم، ويوبخه على ذلك. أترفع وهي الأبعدين ولم يقم لوهيك بين الأقربين أديم المعنى: يقول: تصلح أمور الأجانب، وتترك أمور عشيرتك فاسدة وهي أولى بالصلاح. فأما إذا عضت بك الحرب عضة فإنك معطوف عليك رحيم لم يسمع رحيم بمعنى مرحوم في غير هذا البيت. المعنى يقول: إذا اشتدت بك الحرب، وكان عدوك يغلبك رحمناك ودفعنا عنك. وأما إذا آنت أمنًا ورخوة فإنك للقربى ألد خصوم المعنى يقول: إذا أنت أمنت وأخصبت عاديت أقاربك، ويصفه بسوء الخلق وعدم الكرم.

وقال أرطاة بن هية يهجو أبا التائب بن البعير المحاربي، إسلامي: ((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) تمنت وذاكم من سفاهة رأيها لأهجوها لما هجتني محارب معاذ الإله أنني بعشيرتي ... ونفسي عن ذاك المقام لراغب المعنى: يهجو محاربًا بأنه لا يهجوها للؤمهم، وكانوا لا يرون مجاوبة من لا يكافئهم نفعًا عنه، وربما تركوا مفاوضة اللئيم. (5) وقال زميل بن أبير، وزميل تصغير زمل وهو الضعيف: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) إني امرؤ أطوي لمولاي شرتي إذا أثرت في أخدعيك الأنامل

أي أكف عنه شرتي، وتأثير الأنامل يريد به الصفع، وقيل تأثيره في أخدعيه أنه يخاصم ابن عمه، ويتعلق كل واحد منهما بالآخر وهذا أولى، كأنه يقول: أنا أكف شرتي عن ابن عمي وأنت تخاصمه. خلقت على خلق الرجال بأعظم خفاف تطوي بينهن المفاصل تطوي بينهن المفاصل يقول: من قلة لحمي وخفة أعضائي تنثني مفاصلي بين عظامي، والعرب تتمدح بقلة اللحم وتذم السمن. وقلب جلت عنه الشؤون وإن تشأ يخبرك ظهر الغيب ما أنت فاعل جلت عنه زالت، وأراد بالشؤون الهموم، وقيل معناه انكشفت عنه الشؤون لذكائه فلا يلتبس عليه شأن، فإذا ظن شيئًا لم يخطئ فيه، وهذا أولى لما بعده. المعنى: يمدح نفسه بكف الشر وخفة الخلق وذكاء القلب، ويهجو صاحبه بمنازعة ابن العم. ولست بربل مثلك احتملت به عوان نأت عن فحلها وهي حافل الربل قد فسر على وجهين: أحدهما أن الربل الضخم، واحتملت به أي حملت بمعنى حبلت، ويروى "احتلمت به" من حلم النوم، عن فحلها أي عن زوجها، وهي حافل يقال ضرع حافل إذا اجتمع اللبن فيه، وأراد ها هنا اجتماع مني الرجل في الرحم، وابن أحلام النيام كناية عن الفجور، يعني جاء ولد الزنا كأنه نام فحلها فزنى بها فحملت وفحلها نائم، وينتسب الولد إلى الفحل وهو لغيره، فلهذا قال ابن أحلام النيام، فالمعنى على هذا التفسير لست ضخمًا مثلك ملت به امرأة بعدت عن زوجها وقد اجتمعت ما شهوتها فقارفت فجورًا فجئت لغير رشدة. والوجه الآخر، ولست بربل مثلك احتملت به حصان نأت عن فحلها وهي حافل، والربل من النبات ما يستغنى عن المطر وينفطر بالندى أو برد الليل، وأراد بالنأي هنا الطلاق فكنى عنه، يقول: ولدتك أمك من غير ذكر كالربل الذي ينبت من غير

مطر، ووصف أمه بالحصن ليؤكد أنه ولد من غير والد كبيضة التراب، وذكر أن أمه طلقت وهي حائض توكيدًا لذلك لئلا يلحق بالرجل الذي كانت أمه تحته، والمراد أنه ليس له أصل ولا أب ينسب إليه. فجئت ابن أحلام النيام ولم تجد لصهرك إلا نفسها من تباعل معنى هذا البيت قد تقدم أكثره في شرح قوله: "ولست بربل" وقوله: ولم تجد لصهرك، أي لم تجد أنت إلا نفس أمك من تناكحه وتباعله لأنه لا يناكحك أحد لخساستك وعدم نسبك، المعنى: يقول: لا أصل له ولا نسب. (6) وقال زميل لخارجة بن ضرار المري: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) أخارج هلاً إذ سفهت عشيرة كفنت لسان السوء أن يتدعرا سفهت عشيرة أي جهلت حقهم عليك، والتدعر سوء الخلق من العود الدعر وهو الكثير الدخان، ومنه الدعارةن ورجل داعر خبيث مؤذ. وهل كنت إلا حوتكيًا ألاقه بنو عمه حتى بغى وتجبرا الحوتكي: القصير الميم، ألاقه: ألزقه وخلطه بأنفسهم. المعنى: يهجوه بالدمامة والضآلة، وأنه لما قبل وأحسن إليه تكبر، ووبخه على بذاءة لسانه. فإنك واستضاعك الشعر نحونا كمستضيع تمرًا إلى أهل خيبرا

المعنى: يجهله في تشبيه الشعر فيهم، ويقول: نحن معدن الشعر، ومنا يؤخذ كما أن خيبر معدن التمر، فقد أخطأت في قيلك الشعر فينا والمثل الأشهر كمستبضع التمر إلى هجر". (7) وقال عمارة بن عقيل، إسلامي: ((الثاني من الطويل والقافية من المتراكب)) بني منقذ لا آمن الله خوفكم وزادكم ذلاً ورقة جانب فمن يرتجيكم بعد نائلة التي دعت ويلها لما رأت ثأر غالب أي جعل الله خوفكم أمنًا، ورقة جانب ضعفًا، ونائلة اسم امرأة قتل أباها وأخاها قاتل فدعت بالويل فلم يغيثوها فرأت القاتل تزوج منها، فهذا معنى تقوله دعت ويلها نائلة. دعته وفي أثوابها من دمائها خليطًا دم من ثوبه غير ذاهب يعني: وفي أثواب زوجها خليطًا دم: دم العذرة ودم القتل غير ذاهب، ويروى "مهراقه غير ذاهب" والعرب تقول: دم فلان في ثوب فلان إذا كان قاتله. المعنى: يرميهم بالخور وقلة الحمية، والقعود عن طلب الثأر. (8) وقال طرفة بن العبد، جاهلي:

((الثاني من الطويل والقافية من المتواتر)) وفرق عن بيتيك سعد بن مالك وعمرًا وعوفًا ما تشي وتقول وأنت على الأدنى شمال عرية شامية تروي الوجوه بليل وأنت على الأقصى صبًا غير قرة تذاءب منها مرزغ ومسيل عرية: باردة، شامية تأتي من جهة الشام، تذاءب منها أي جاء من كل وجه، مرزغ ومسيل: أي مطر يرزغ الأرض ويسيل السيل، والرزغة: الوحل القليل. المعنى يذمه يقول: أنت مسيء إلى الأقارب محسن إلى الأباعد كالصبا. تسوق السحاب من كل وجه ويمطر حتى يكثر المطر ويكون منه الوحل. وأعلم علمًا ليس بالظن أنه إذا ذل مولى المرء فهو ذليل يقول: أنت تجفو أبناء أعمامك، وكل ما لحقهم فقد لحقك، فإنما الناس بمواليهم. وإن لسان المرء ما لم تكن له حصاة على عوراته لدليل أي عقل وثبات في الأمور ورزانة، ومنه الحصا لصلابتها وثباتها، والعورات العيوب، يضع منه. المعنى: إذا لم يكن الرجل عاقلاً دل لسانه على عيوبه. (9) وقال بشر بن أبي جذيمة بن الحكم بن مروان بن زنباع بن جذيمة العيسي:

((الثالث من الطويل والقافية من المتواتر)) أتخطر للأشراف يا قرد حذيم وهل يستعد القرد للخطران الخطران: تحريك الفحل الذنب، وقد سمى من هجاه قردًا، وقال: لم تحرك ذنبك للأشراف أي لم تروم مصاولتهم وأنت بمنزلة الفرد. أبى قصر الأذناب أن تخطروا بها ولؤم بني قرد بكل مكان لقد سمنت قعدانكم آل حذيم وأحسابكم في الحي غير سمان بنو قرد نبزوا به، والقعدان جمع قعود، وهو الذي يتخذ مركبًا. المعنى: يصفه بالخسة، ويشبهه بالقرد، ويستقصره عن مساواة أهل الكرم، ويصف قومه بإكرام المال وإضاعة حقوق الضيف والجار. (10) وقال فرعان بن الأعرف في منازل ابنه، إسلامي: ((الثاني من الطويل والقافية من المتواتر)) جزت رحم بيني وبين منازل جزاء كما يستنزل الدين طالبه

تربيته حتى إذا آض شيظمًا يكاد يساوي غارب الفحل غاربه تغمد حقي ظالمًا ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه منازل ابن هذا الشاعر، تربيته ربيته ويروى "لربيته" وآض شيظمًا أي صار جسيمصا، ولوى يدي أي ثناها. المعنى: يستجزي الرحم ولده على ما كان منه إليه، ثم شرح ذلك وذكر أنه رباه حتى إذا تم شبابه وقامته وضعف أبوه وكل بصره جاز ماله ولوى يده، ثم سأل الله تعالى أن يكافئه عن لي يده بمثل ذلك. ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل ملوي اليد فقال له عمر: ما بال يدك ملوية؟ قال: كان لي أب كثير المال في الجاهلية فسألته ماله فأبى فلما كبر لويت يده وانتزعت عنه ماله فدعا علي بهذا الشعر فأصبحت يا أمير المؤمنين ملوي اليد فقال عمر رضي الله عنه هذا دعاء الأباء في الجاهلية فكيف في الإسلام.

(11) وقال عارق الطائي يهجو المناذرة، العارق من عرق العظم إذا أخذ ما عليه من اللحم. ((الثاني من الكامل والقافية من المتواتر)) والله لو كان ابن جفنة جاركم لكسا الوجوه غضاضة وهوانا وسلاسلاً يثنين في أعناقكم وإذا لقطع منكم الأقرانا الجار هنا المجير، ولقطع منكم الأقران أي فرق بينكم أسرًا وقتلاً، والأقران الحبال واحده قرن. ولكان عادته على جاراته مسكًا وريطًا رادعًا وجفانا أي كان يخلو بنسائكم ويعطيهن مسكًا وربطًا رادعًا أي مصبوغًا وجفانًا، أراد أعطاهن طعامًا. المعنى: يهجو ابن جفنة ويقول: لو كان جاركم لأهانكم وأفناكم قتلاً وأسرًا وخلا بنسائكم وأعطاهن ما تطيب نفوسهن عنكم به.

(12) وقال آخر لبني أسد، وهو مساور بن قيس، إسلامي: ((الأول من الوافر والقافية من المتواتر)) زعمتم أن إخوتكم قريش لهم الف وليس لكم الاف أولئك أومنوا جوعًا وخوفًا وقد جاعت بنو أسد وخافوا الإلف والإلاف في الأصل واحد، وهو الجمع بين الشيئين، والإلاف: مصدر من المؤالفة، أولئك يعني قريشًا أومنوا جوعًا وخوفًا. المعنى: يهجو بني أسد يقول: زعمتم أنكم مثل قريش فكيف تكونون مثلهم ولهم تجارة الشام واليمن وليس لكم، وقد أمنوا الجوع والخوف وأنتم جياع خائفون، يرميهم بالذلة. (13) وقال آخر، وهو قعنب بن أم صاحب: ((الأول من البسيط والقافية من المتراكب)) إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحًا مني وما سمعوا من صالح دفنوا صم إذا سمعوا خيرًا ذكرت به وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا جهلاً على وجبنا عن عدوهم لبئست الخلتان الجهل والجبن

طاروا بها أي طيروها أي أسرعوا نشرها. المعنى: يستزيدهم بأنهم ينشرون ما سمعوا عنه من المساوئ، ويخفون ما يبلغهم منه من المحاسن، ويكرهون سماع الخير فيهم، ويعجبهم ذكرهم بالشر، يرميهم بالجهل عليه والجبن من عدوهم. (14) وقال منصور بن مسجاح الضبي: ثأرت ركاب العير منهم بهجمة صفايا ولا بقيا لمن هو ثائر يريد بالعير الرئيس، والهجمة: القطيع من الإبل، وصفايا جمع صفي وهي الغزيرة اللبن، وقوله: لا وبقيا لمن هو ثائر [أي طالب الثأر لا يبقى على ثأره إذا وجده]. من الصهب أثناء وجذعًا كأنها عذارى عليها شارة ومعاصر أثناء: جمع ثني، عليها شارة أي هيئة، ومعاصر جمع معصر، وهي التي دنت من أن تحيض في خير أوقاتها، المعنى يقول: لما أغاروا على إبل رئيسنا أدركت ثأرها فأغرت على هجمة لهم غزار اللبن، وبين لونها وسنها وحسنها، ثم قال: طالب الثأر لا يبقى على ثأره إذا تمكن منه، يعني سقت الإبل لما وجدتها ولم أعرج على شيء. فإن نلق من سعد هنات فإننا نكاثر أقوامًا بهم ونفاخر لقد كان فيكم لو وفيتم لجاركم لحي ورقاب عردة ومناخر

الهنات: أمور تؤذي، واللحى جمع لحية، وعردة غلاظ شداد، يقول: لم تكونوا صبيانًا بل أنتم أصحاب لحى، وكانت فيكم مناخر أي مواضع الحمية لو حميتم ووفيتم لجاركم. المعنى: يقول: إن كانت بيننا وبين سعد دفائن شحناء فإننا إذا جاءت الأمور العظام، وحقت الحقائق كنا يدًا واحدة، ثم عابهم في خذلان الجار. (15) وقال جواس بن نعيم الضبي لامرأة من بني عائذة بن مالك، وجواس فعال من جاس يجوس إذا وطئ البلاد وقتل أهلها، ونعيم تصغير نعم: ((الثالث من الطويل والقافية من المتواتر)) والله ما أخشى حكيمًا ورهطه ولكنما يخشى أباك حكيم وروى البرقي في الرواية الصحيحة مكان "ولكنما يخشى أباك حكيم" "ولكنما يهواك أنت حكيم" ويروى "ولكنما يهوى أباك حكيم" قال جعل حكيمًا عاهرًا، رماها به، هذا إذا قلت "يهواك أنت حكيم" ولو قلت "ولكنما يخشى أباك حكيم" فمعناه لأنه منك بسبيل. وجدت أباك تابعًا فتبعته وأنت لعهار الرجال لزوم

تابعًا: أي يتبع الناس لذله وهوانه، ولزوم: دائمة اللزوم. المعنى: يرميها بمتابعة الزناة وملازمتهم، ولم يجعل لها من القدر ما يتبعها الزناة، ويرميها بحكيم ويذكر جبن أبيها. على كل وجه عائذي دمامة يوافي بها الأحياء حين يقوم الدمامة القبح، حين يقوم في مجالس الملوك ومواسم العرب، وإنما خص هذه المواضع لأن الناس يتزينون لها. المعنى: يهجوهم بقبح الوجه في مواضع التزين والتحسن. وأورثهم شر التراث أبوهم قماءة جسم والرواء ذميم. القماءة: الصغر والقصر، والرواء الوجه هاهنا، ويروى دميم وذميم والثاني أولى لأن الدمامة قد ذكرها من قبل. المعنى: يهجوهم بقباحة الوجه وحقارة الجسم عن أصل موروث يشمل القبح أسلافهم. كأن خروء الطير فوق رؤوسهم إذا اجتمعت قيس معًا وتميم قيل: إنه وصفهم بالذلة والخضوع وشبههم بمن على رأسه خروء الطير أي لا يقدرون على منع رؤوسهم لذلتهم، وهذا وجه، ولو قيل يريد وصفهم بالقذارة كان وجهًا، وقيل: إنهم موصوفون بالقرع. وشبه بياض قرعهم بخروء الطير وهو أبيض.

متى تسأل الضبي عن شر قومه يقل لك إن العائذي ليئم المعنى: جعل العائذي شر قبائله شهادة أصله. (16) وقال محرز بن المكعبر الضبي لبني عدي بن جندب بن العنبر، قال البزقي: وكان جارًا لبني عدي بن جندب بن عنبر بن عمرو بن تميم، فأغار ناس على إبله وساقوها فطلب إليهم أن يسعوا له، فوعدوه أن يفعلوا، فلما طال ذلك عليهم ورآهم لا يمنعون شيئًا أتى المخارق بن شهاب المازني وأخاه وهما من بني خزاعة، فسعيا له بابله فرادها عليه فقال: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) أبلغ عديًا حيث صارت بها النوى فليس لدهر الطالبين فناء ويروى "حيث شطت بها النوى" وقوله: فليس لدهر الطالبين فناء يعني من طلب ثأرًا لا تفنى طلبته ما دام طالبًا إلى أن يدرك. كسالى إذا لاقيتم غير منطق يلهى به المتبول وهو عناء كسالى يعني رهط عدي، غير منطق يلهي به أي يعلل، والمتبول الذي أصيب بتبل، وقوله: وهو عناء يعني إذا لم يله فعل. أخبر من لاقيت أن قد وفيتم ولو شئت قال المنبئون أساءوا أي أنشر الجميل عنكم لئلا يذمكم الناس، وقوله: ولو شئت ... الخ أي لو شئت صدقت عن فعلكم بأنكم أضعتم فما وفيتم فيقول الذين أخبرهم أساءوا. وإني لراجيكم على بطء سعيكم كما في بطون الحاملات رجاء

المعنى: جعل رجاءه منهم على غير ثقة، لأن الراجي ما في بطون الحاملات يمتد به وقت الرجاء، ولا يكون على ثقة أذكر هو أم أنثى، أسليم أم سقيم. فهلا سعيتم سعي أسرة مازن وهل كفلائي في الوفاء سواء المعنى: يعنفهم على تقصيرهم في أمره يقول: هل كنتم مثل مخارق بن شهاب لما ضمن أمري ووفى به، وقوله: "وهل كفلائي أي ليس كفلائي متساوين في الوفاء لأنك لم تف ووفى مخارق. لهم أذرع باد نواشر لحمها وبعض الرجال في الحروب غثاء المعنى: يمدح عصبة بني مازن، وأعرض عن ذكر بني عدي فقال: لهم أذرع جمع ذراع، باد نواشر لحمها، النواشر: عصب ظاهر الذراع الواحدة ناشرة يريد أنهم خفاف من رجال الحروب وليسوا أرباب ترفه وتنعم، وقوله: بعض الرجال في الحروب غثاء لا يبعد أن يكون عرض بعدي ولم يصرح به، والغثاء القماش الذي يحمله السيل. كأن دنانيرًا على قسماتهم وإن كان قد شف الوجوه لقاء القسمات: الوجوه الواحدة قسمة لأنه موضع الحسن، وقوله: وإن كان قد شف البيت أي ذهبت الحرب بنضارتها لكثرة ممارستهم إياها، تقول: قد شفه الحزن إذا أذابه. المعنى: يعاقب عدي بن جندب في تقصيرهم في أمره، ونسبهم إلى الكسل والريث، وأشار إلى أن راجيهم غير واثق منهم بنجح، ويمدح مخارقًا ورهطه، ويذكر وفاء هم له، ووصفهم بخفة الأعضاء وحسن الوجوه. (17) وقال معدان بن عبيد بن عدي بن عبد الله بن خيبر بن رافلة الطائي

المعنى. ومعن في باهلة ومعن في طيئ: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) عجبت لعبدان هجوني سفاهة أن اصطبحوا من شاتهم وتقيلوا العبدان: جمع عبد، اصطحبوا من شاتهم أي شربوا لبن شاتهم بالغداة. يقول: شربوا فثارت بهم البطنة فهجوني. بجاد وريسان وفهر وغالب وعوف وهدم وابن صفوة أخيل فأما الذي يحصيهم فمكثر وأما الذي يطريهم فمقلل بجاد إلى آخر البيت أسماء قبائل، المعنى: يتعجب من القبائل التي ذكرها ويصفهم بكثرة العدد وقلة الخير، يقول من يخصهم يكثر لأنه يعد بطونًا كثيرة ومن يمدحهم يقلل لأنه لا يجد فيهم من يستحق المدح. (18) وقال يزيد بن قنافة بن عبد شمس العدوي، ورجل قناف: ضخم الأنف، ويقال: هو طويل الجسم، والأقنف: الصغير الأذنين:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لعمري وما عمري علي بهين لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم غداة أني كالثور أحرج فاتقى بجبهته أقتاله وهو قائم غداة أتى كالثور .. البيت، شبه حاتمًا بثور ضيق عليه فقام فاتقى بجبهته، أقتاله أي أعداءه الواحد قتل. كأن بصحراء المريط نعامة تبادرها جنح الظام نعائم أعارتك رجليها وهافي لبها وقد جردت بيض المتون صوارم المريط موضع، وتبادرها تسبقها، شبهه بسرعة النعامة في الهزيمة، وقوله: وهافي لبها أراد نفي العقل. لأن النعامة لا عقل لها. المعنى: يهجو حاتمًا ويصفه بسرعة الهزيمة، وخفة العدو فيها ويقول: كأن نعامة تسابق النعائم أعارتك رجليها وخافق لبها فانهزمت عليها، والمراد بها في لبها وصفه بالجبن. (19) وقال عارق بن قيس بن جروة الطائي:

(الأول من الطويل والقافية من المتواتر) من مبلغ عمرو بن هند رسالة إذا استحقبتها العيس تنضي من البعد أيوعدني والرمل بيني وبينه تبين رويدًا ما أمامة من هند استحقبتها: حملت خلفها، وأمامه أم عارق هذا، وهند أم عمرو، أي ليس بينهما نسب، وقيل: إنه يريد تفضيل أمه على أم عمرو ليكون الابن أيضًا كذلك، وقيل إنما أوعده عمرو لبيت قاله. لئن لم تغير بعض ما قد صنعتم لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه وسمي عارقًا بهذا البيت، ولحق عارق هذا بالجبلين فقدم زرارة بن عدس بن زيد التميمي على عمرو فأخبره أنه تهدده في شعره فبعث عمرو في طلبه، فوجده قد لحق بالجبلين، فجعل عمرو يتوعد عارقًا فبلغه تهدده فقال هذه القصيدة. المعنى: يستحمل رسالة إلى عمرو بن هند على بعد المسافة، ويذكر أنه يوعده ولا يقدر عليه لكون الرمل بينهما، وليس بينهما نسب فيعطفه عليه ويستحمله لأجله. ومن أجأ حولي رعان كأنها قنابل خيل من كميت ومن ورد أجا جبل، والقنابل، الجماعات من الخيل، وجعلها مختلقة الألوان لاختلاف ألوان الجبال. غدرت بأمر كنت أنت اجتذبتنا إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد وقد يترك الغدر الفتى وطعامه إذا هو أمسى حلبة من دم الفصد

يروى مكان "حلبة" جلة، أي يحلب من دم القصد. وذلك أن عمرو بن هند دعا أناسًا من طيء لحماه، ثم غزاهم وسبى النساء فحبسهن عنده، ثم خلى سبيلهن ورد أموالهم حتى لامه زرارة بن عدس على ذلك. المعنى: ينسبه إلى الغدر ويذمه عليه، ويروى أن حاتمًا كان أسيرًا في بعض العرب، فنزل بهم ضيف والحي خلوف فعمدت امرأة منهم إلى مدية وناولتها حاتمًا، وقالت له: افصد هذه الناقة ليصيب ضيفنا من دمها فنحرها حاتم فأنكرت المرأة وقالت إنما سألتك فصدها فقال حاتم: هكذا فصدي. المعنى يقول: قد يترك المرء الغدر وهو في شدة العيش فكيف لا تترك وأنت ملك. (20) وقال رجل من طيئ هو يزيد بن قنافة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لعمري وما عمري عليّ بهين لقد ساءني طورين في الشعر حاتم أيقظان في بغضائنا وهجائنا وأنت عن المعروف والبر نائم طورين: مرتين، وحاتم: هو الطائي المعروف بالجود، وقوله: أيقظان .. البيت يقول: لا ينبغي للسيد أن يكون بذيًا، وعن البر والإحسان غافلاً، فأنت غافل عن إسداء المعروف إلينا، يقظ في بغضنا وهجونا. بحسبك أن قد سدت أخزم كلها لكل أناس سادة ودعائم فهذا أوان الشعر سلت سهامه معابلها والمرهفات السلاجم أخزم قبيلة، وسادة القوم ودعائمهم: رؤساءؤهم، المعابل: السهام القصيرة النصال، والسلاجم: الطوال النصال. يقول: هذا أوان أهاجيك كما هجوتني بضروب الشعر، وجعل كل بيت سهمًا لأنه يوجع كما يوجع السهم. المعنى: يهجو حاتمًا ويشكو هجوه إياه، وينسبه إلى حرصه على بغضه ونومه عن بره، وتهدده بمهاجاته.

(21) وقال آخر من طيئ: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) إن امرأ يعطى الأسنة نحره وراء قريش لا أعد له عقلا يذمون في الدنيا وقد ذهبوا بها فما تركوا فيها لملتمس ثعلا يروي مكان محره "حقهاط، والثعل زيادة في أخلاف الشاة، ويقال للسن الزائدة ثعل، يقول: من استقتل لأجل قريش ليفوزوا بالملك دونه فليس بعاقل، ثم وصف الخلفاء فقال: يذمون إلى الدنيا في خطبهم وهو لا يتركون وجه رغبة إلا أتوه، وضرب الخلف الزائدة مثلاً. (22) وقال رويشد بن مالك الطائي، إسلامي: (الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) وموقع تنطق غير السداد فلا جيد جزعك يا موقع فما فوق ذلتكم ذلة ولا تحت موضعكم موضع موقع قبيلة، ومعنى ولا جيد جزعك أي لا سقي واديك من الجود، وجزع الوادي جانبه، المعنى: نسبهم إلى الخنا ودعا عليهم بالجدب ووصفهم بالذلة والإسفاف.

(23) وقال جابر: (الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) أجدوا النعال لأقدامكم أجدوا فويها لكم جرول أجدوا أي استجدوا، وغيروا حالكم وأحسنوا زيكم وبزتكم، وبها كلمة استحثاث، وجرول اسم رجل. وابلغ سلامان إن جئتها فلا يك شبهًا لها المغزل يكسي الأنام ويعري استه وينسل من خلفه الأسفل سلامان قبيلة من همدان، والمغزل بضم الميم وكسرها، وقوله: "يكسي الأنام ويعري استه" أي كلما كثر الغزل نزع عنه، وينسل أي يخرج أسفله من خلفه. المعنى: يخاطب بني جرول يقول: استجدوا وخذوا في طلب حقوقكم، ويحث سلامان على حفظ حقها وينهاها أن تكون كالمغزل يكد ثم لا يكون من كده حاصل. فان يجيرا وأشياعه كما تبحث الشاة إذ تذأل بجير اسم رجل، وقوله: "كما تبحث الشاة" مثل وأصله فيما يقال أن جماعة أخذوا شاة، ولم يكن معهم سكين يذبحوها بها، فجعلت الشاة تبحث عن الأرض بأطلافها فظهرت سكين، فذبحوها بها، فضرب بها المثل لكل من أعان على

حتف نفسه، وتذأل من الذألان والدألان وهو مشي النشيط. أثارت الحتف فاغتالها فمر على حلقها المغول اغتالها: أهلكها، والمغول ما يهلك به الشيء، وأراد به السكين هنا. آخر عهد لها يعني الشاة، وقوله مونق غدير أي غدير مونق، فقدم الصفة على الموصوف، ومبقل: ذو بقل. المعنى: ينذر بجيرًا وأتباعه ويقول: قد بطروا ودنوا من أن يهلكوا بفعلهم، وشبههم بالشاة المضروب بها المثل في حتف نفسها. (24) وقال إياس بن الأرت الطائي، إسلامي: ((الأول من السريع والقافية من المترادف)) كأن مرعى أمكم إذ بدت عقربة يكومها عقربان إكليلها زول وفي شولها وخز أليم مثل وخز السنان مرعى: اسم أمهم، يكومها يسفدها، إكليلها يعني إكليل العقرب وزول خفيف، وقيل عجب، وقيل شولها ما يشول بذنبها على ظهرها، وخز أليم أي طعن غير نافذ يعني لسعها مثل وخز السنان إيلامًا، شبهها بالعقرب. كل عدو يتقي مقبلاً وأمكم سورتها بالعجان يصف كل عدو يتقي مقبلاً إلا العقرب قال: وأمكم سورتها بالعجان، يعني أنها تبيح عجانها للرجال فتستعين بهم على من تعاديه، والعجان ما بين السبيلين من الرجل والمرأة، وقيل: بل معناه: أنها إذا عادت أفسدت كأنها تنم لأن النمام يشبه بالعقارب. المعنى: يهجو أمهم مرعى وشبهها بالعقرب.

(25) وقال أدهم بن الزعراء الطائي، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) بني خيبري نهنهوا عن قنادع أتت من لدنكم وانظروا ما شؤونها فكائن بها من ناشص قد علمتم إذا نفرت كانت بطيئًا سكونها ويروى "خنادع" والقناذع جمع قنذع وهو الكلام الفاحش، وناشص من نشصت أي نفرت، وقيل: أراد الشعر والداهية، فمن حمله على الشعر قال: معنى نفرت ظهرت منا وقلناها فتنتشر في الناس ولا تسكن، لحسنها تروي وتنشد، والشعر إذا لم يكن جيدًا لم يرو. ومن قال أراد به الداهية وهو أقرب قال: نفرت سطوة كانت بطيئًا سكونها أي لم تسكن ولا يقال نفرت للقصيدة. المعنى: ينذر بني خبيري ويستكفهم من ذكرهم بالسوء ويذكرهم ما تقدم من سطواتهم. وبالحجل المقصور خلف ظهورنا نواشئ كالغزلان نجل عيونها المقصور: المسيل عليه الستر، نواشيء: جواب شواب، كان خطب امرأة منهم فردوه فقال هذا يقول: في غيرها ممن هذه صفتها مندوحة عنكم، وقيل إن هذا الشاعر ممن رد الخطبة، وما بعده يدل على هذا القول. وإنا لمحقوقون حين غضبتم بأيمة عبد الله أن سنهينها فلست لمن أدعى له إن تفقأت عليها دماميل استه وحبونها ويروى "بلحية عبد الله" وهو استمرار عزبته، الحبون جمع حبن وهو الدمل أيضًا، يقول: لست لأبي إن أعطيته مراده حتى يشتفي قليبه لأن تشقق

الدماميل يؤذن بالبرء عليها، يعني على ما طلب، فهذا يدل على أن الشاعر هو المخطوب إليه لا الخاطب يقول: وراءنا مخدرات حسان لا نمكنكم منهن ونهين أيمتكم ولا نشفيها. (26) وقال حريث بن عناب، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) بني ثعل أهل الخنا ما حديثكم لكم منطق غاو وللناس منطق ما حديثكم أي لغتكم مخالفة للغات العرب، ويروى "بني القين لانام القطافي دياركم" يقول: قد ضل منطقكم عن سبيل منطق العرب. كأنكم معزى قواصع جرة من العي أو طير بخفان ينعق قواصع جرة هي التي تجتر، وقصع بجرته إذا دفع بها من جوفه، وخفان موضع بالسواد جعلهم كالمعزى ذلة وهوانا. ديافية قلف كأن خطيبهم سراة الضحى في سلحه يتمطق ديافية: منسوبة إلى ديافة بالشام وفيها نبط، لم يرض بأن جعلهم معزى حتى أخرج المعزى من حد العرب وجعلها نبطية، وسراة الضحى أوله وصدره. المعنى: يهجوهم باللكنة والذلة.

(27) وقال شعيث من كنانة بلقين يهجو رجلاً من بلقين يقال له عقال بن هشام، وعقال يقول فيهم: فما كنانة من خير بخائرة وما كنانة من شر بأشرار وشعيث تصغير أشعث، وخائرة فاعلة من خايرته فخرته، أي كنت خيرًا منه. المعنى: ليس عندهم خير ولا شر، لا ينفعون صديقًا ولا يضرون عدوًا خشية وذلاً. (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) أترجو حيي أن تجيء صغارها بخير وقد أعيا عليك كبارها إذا النجم وافى مغرب الشمس أحجرت مقاري حيي واشتكي الغدر جارها يريد بالنجم الثريا، وطلوعها عشاء أول البرد، وواحد المقاري مقراة وهي جفنة يقرى الضيف فيها، ومعنى أحجرت سترت كأنها أدخلت الحجر وفيه وجه آخر حسن أي أخليت من الخير، من الحجرة وهي السنة المجدبة، وقوله "اشتكى الغدر

جارها" يريد أنهم يسرقون ماله مع أنهم لا يطعمون أحدًا، المعنى: يهجوهم بقلة الخير في خلفهم، ويذمهم بمنع الطعام وسرقة مال الجار. (28) وقال حريث بن عناب: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) قولا لصخرة إذ جد الهجاء بها عوجي علينا يحييك ابن عناب صخرة اسم امرأة وأراد أهلها، جد الهجاء بها أي جدت في هجائي، وعوجي علينا أي اعطفي يحييك ابن عناب أي لا يجيبك عن هجائك ولكنه يحييك، ويجوز أن يكون لأن يحييك. هلا نهيتم عويجًا عن مقاذعتي عبد المقد دعيًا غير صباب المقذ خلف الأذن يعني قفاه، أي هو عبد دعي، غير صياب غير خالص، المقاذعة: المفاحشة. مستحقبين سليمي أم منتشر وابن المكفف ردفًا وابن خباب مستحقبين سليمي .. البيت قال بعضهم: أراد أنهم أسروها فحملوها في موضع الحقيبة من البعير، وقيل: معناه الانتساب إليهم، وهذا أشبه بسرد الأبيات. المعنى يعاتب صخرة وقومها في هجاء عويج إياه يقول: هلا نهيتموه عن مهاجاتي، ثم رماه بالدعوة. يا شر قوم بني حصن مهاجرة ومن تعرب منهم شر أعراب تعرب يعني بلاد العرب هنا، ويكون تشبه بالعرب في نزولهم بالبادية.

لا يرتجي الجار خيرًا في بيوتهم ولا محالة من شتم وألقاب ولا محالة أي يشتمون من يجاورهم ويلقبونه، والجار المجاورة هنا. المعنى: يصفهم بالشرارة في البدو والحضر والإساءة إلى الجار شتمًا ولقبًا. (29) وقال أيضًا: (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) بني أسد إلا تنحوا تطأكم مناسم حتى تحطموا وحوافر وميعاد قوم إن أرادوا لقاءنا مياه تحامتها تميم وعامر تحامتها تميم وعامر لعزتها ومنعتها، وقيل معناه ميعادنا مياه لا ننزلها نحن ولا أنتم وهي بيننا وبينكم، والأول أجود. وما نام مياح البطاح ومنعج ولا الرس إلا وهو عجلان ساهر مياح: فعال، وهو الذي يميح الماء أي يسقيه، والبطاح ومنعج والرس مواضع فيها ما يورد. المعنى: يتهدد بني أسد ويقول: إن لم تبعدوا عنا داستكم خيولنا وابلنا تحت حوافرها وأخفافها، يصف قومه بالكثرة وبني أسد بالقلة، ويقول: إن أردتم لقاءنا ومحاربتنا فنحن متأهبون لها، ثم دل على تيقظ قومه وتحرزهم. التضاؤل: التقاصر، والخارئ: الذي يقضي حاجته أمام البيوت لأن

الناس يرونه هناك فيجب أن يجمع شخصه ويستتر، كي لا تظهر سوأته، ولو كان وراء البيوت لم يحتج إلى ذلك. وكان متقاصرًا ثم تضاءل فيكون أقل وأحقر. ترى الجون ذا الشمراخ والورد يبتغي ليالي عشرًا وسطنا وهو عاثر الشمراخ: غرة تستدق وتسيل سفلاً حتى تأخذ الخيشوم، والعاثر: المنفلت. المعنى: يصف كثرة خيلهم يقول: يفلت الفرس المشهور بلونه المعروف بمشيته فيطلب عشر ليال فلا يوجد، وهو وسطنا، أبلغ من الأول، لأن البلق أشهر وشكلها في الخيل أقل وهي من بعيد أظهر. ولما رأيناكم لثامًا أدقة وليس لكم مولى من الناس ناصر ضممناكم من غير فقر إليكم كما ضمت الساق الكسير الجبائر أدقة: جمع دقيق يعني به الذليل. المعنى: يقول لما رأيناكم ضعفاء أذلاء ضممناكم إلينا رحمة عليكم لا حاجة إليكم. (30) وقال أبو صعترة البولاني، إسلامي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أتهجونا وكنا أهل صدق وتنسى ما حباك بنو براء هم نتجوك تحت الليل سقبًا وبلوا منكبيك من الدماء ويروى "أبو براء" وبنو براء أجود لقوله هم نتجوك، والسقب الذكر من ولد الناقة، وقوله: خبيث الريح من خمر وماء أي ضربوك حتى سلحت وأنت سكران، فأحدثت حدثًا عظيمًا كهيئة السقب، وقوله: وهم جهلوا عليك أي ضربوك وأنت

برئ، وبلوا منكبيك من الدماء يعني شجوك وجرحوك حتى سالت الدماء على منكبيك. المعنى: يعاتبه على هجائه من غير سبب أوجب ذلك، ويذكره ما جرى عليه من بني براء من ضرب محدث وجرح مدم. (31) وقال الطرماح بن حكيم السنبسي لنافذ بن سعد المعني الطائي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إن بمعن أن فخرت لمفخرا وفي غيرها تبنى بيوت المكارم أي في غير معن تبني بيوت المكارم يعني في غير معن تضرب قباب الكرم لأن بيوت العرب لا تكون إلا المدر. المعنى يقول: إن فخرت بمعن جاز لأن فيهم موضع الفخر، إلا أن الكرم لا يوجد فيهم. متى قدت يا بن الحنظلية عصبة من الناس تهديها فجاج المخارم

الفجاج: الطرق والمحارم: أنوف الجبل، وقوله: تهديها فجاج المخارم بالنصب على عنى أنت تهديها، لأنه يقال هديت القوم الطريق وإلى الطريق، هذا أجود. المعنى: يبرئه من السيادة فيما تقدم يقول: متى كنت قائدة جماعة تتقدمهم. إذا ما ابن جد كان ناهز طيئ فإن الذري قد صرن تحت المناسم جد وعتيب: قبيلتان، وناهزهم كبرهم القيم بأمورهم عند السلطان [وأصل الناهز الذي ينهز الدلو من البئر أي يخرجها]، والذري أعالي الأسمنة. المعنى: إذا كان ابن جد زعيم طيئ فقد انقلب الدهر، وصار أشرافهم تحت أذلالهم، وضرب ذلك مثلًا هنا. فقد بزمام بظر أمك واحتفر بأير أبيك الفسل كراث عاسم الفسل: الضعيف. المعنى: يقول: أنت لا تصلح للقيادة والزعامة فلا تطلبها، وقد بظر أمك فإنه عظيم أراد تفحيش أمرها كما يشتم فيقال: ابن البظراء وقوله: واحتفر بأير أبيك أي خذ أير أبيك مكان السيف فإن السيف لا يليق بك. (32) وقال الكروس بن زيد بن حصن بن مصاد بن مالك بن معقل بن مالك، والكروس العظيم الرأس: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألايت حظي من عطائك أنني علمت وراء الرمل ما أنت صانع

فقد كان لي عما أرى متزحزح ومتسع من جانب الأرض واسع يروي مكان "عطائك" "لقائك" ووراء هنا خلف. المعنى: هذا رجل قصد من كان يرجو خيره فخاب رجاؤه فقال: ليتني علمت في بلدي ما تصنعه فكنت لا أعروك فإني كنت بعيدًا عما أرى من الذلة والخيبة. وهم إذا ما الجبس قصر همه طلوع إذا أعيا الرجال المطالع الجبس هنا الدنيء الجبان، وطلوع ثبت لم أي لي هم يطلب معالي الأمور إذا صعب ذلك على الرجال المعنى: يقول كان لي هم يعلو غير أني غلطت فيه. (33) وقال وضاح بن إسماعيل بن عبد كلال ابن داود بن أحمد، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) من مبلغ الحجاج عني رسالة فإن شئت فاقطعني كما قطع السلا السلا: الجلدة التي يكون فيها الولد، والسلا إذا قطع عن وجه الصبي حين يولد لم يرجع إليه أبدًا، يريد انقطاعًا لا وصل بعده، ويجوز أن يكون المراد اقطعني انقطاعًا لا مطمع في إصلاحه لأن السلا إذا انقطع في البطن لم يمكن إخراجه وقتل الحامل.

وإن شئت فاقتلنا بموسى رميضة جميعًا فقطعنا بها عقد العرى رمضية: حادة، والجذع أصل الشجرة إذا ذهب رأسها. المعنى: يظهر قلة مبالاته بالحجاج يقول: إن انشئت اقطعنا قطعًا لا وصل بعده، وإن شئت اقتلنا، وإن شئت أبعدنا فلا حاجة لنا فيك. فإني أرى في عينك الجذع معرضًا وتعجب أن أبصرت في عيني القذى الجذع قد مضى شرحه في شرح البيت الأول وهو أصل الشجرة إذا ذهب رأسها، المعنى يقول: أنت تستعظم اليسير من عيبي، وتغفل عن فظيع عيبك الظاهر الذي لا يخفى، مثل ذلك بالجذع والقذى، ويقال: إن في التوارة "ابن آدم القذاة في عين أخيك، وتترك الجذع معترضًا في عينك". (34) وقال عمرو بن خلاة الحمار الكلبي: (الثناني من الطويل والقافية من المتدارك) ضربنا لكم عن منبر الملك أهله بجيرون إذ لا تستطيعون منبرا

ضربنا لكم يخاطب بني مروان، وعنى بأهل منبر الملك عليًا - عليه السلام - وأولاده يجيرون باب من أبواب دمشق، وقوله: لا تستطيعون منبرًا أي لا تستطيعون صعود منبر. وأيام صدق كلها قد علمتم نصرنا ويوم المرج نصرًا مؤزرا يوم المرج مرج راهط وهو اليوم الذي قاتل فيه مروان بن الحكم الضحاك بن قيس الفهري، ومؤزرًا قويًا. فلا تكفروا حسنى مضت من بلائنا ولا تمنحونا بعد لين تجبرا فلا تكفروا حسني يعني لا تكفروا حسنا من بلائنا وقوله: فلا تمنحونا .. إلخ أي لا تتعظموا علينا عند استغنائكم عنا بعد أن لا ينتمونا وقت الحاجة إلينا. فكم من أمير بعد مروان وابنه كشفنا غطاء الغم عنه فأبصرا. فكم من أمير قبل مروان وابنه يعني معاوية ويزيد، وكشفنا أي نصرناه في الحرب فاستقام أمره وأبصر ما كان لا يهتدي به. ومستسلم نفسن عنه وقد بدت نواجذه حتى أهل وكبرا نفسن عنه يعني الخيل، وبدت نواجذه أي قلصت شفتاه من شدة الأمر، يصف معاوية يوم صفين، وما لحقه فيه من الشدة ويقول: نصرناه فنفسنا عنه حتى أهل وكبر لما انهزم عنه عدوه. إذا افتخر القيسي فاذكر بلاءه بزراعة الضحاك شرقي جوبرا جوبر بالشام، وقيس كانت أنصار بني مروان، وكانوا مع الضحاك أسلموه

حتى قتل، يقول: إذا افتخرت قيس فاذكر خذلانهم الضحاك ليتركوا الافتخار. فما كان في قيس من ابن حفيظة يعد ولكن كلهم نهب أشقرا نهب أشقر قيل: أن أشقر فرس طفيل [بن مالك وكان فرارًا] يقول: كأنهم انتهبهم في ذلك اليوم فهذا على التشبيه وليس بجيد، وقال ابن الكلبي: أشقر رجل من كلب أصاب صندوقًا في إغارة لكلب على إياد فظن أن فيه خيرًا كثيرًا ففتحه فإذا فيه عظام فضربته العرب مثلًا لما لا خير فيه، وهذا له روعة، وقيل: أنه أراد بالأشقر العبد والعرب تسمي العجم الحمراء، وذلك لأن الغالب على لون الفرس الصهبة، والعجم تقول: إذا كنت عربيًا فلا تكن أشقر، المعن: إذا افتخر القيسي فاذكر ما يتقمع له ولا هيبة فيه، وهذا وجه المعنى إذا افتخر القيسي فاذكر ما يتقمع له. (35) وقال جواس بن القعطل الكلبي، وجواس فعال من جاس البلد إذا

وطئه، والقعطل مرتجل. (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أعبد المليك ما شكرت بلاءنا فكل في رخاء الأمن ما أنت آكل بجابية الجولان لولا ابن بحدل هلكت ولم ينطق لقومك قائل يقول: يا عبد المليك ما شكرت نعمتنا في الذب عنك، والجولان موضع، وقوله: لولا ابن بحدل أراد حميد بن بحدل قاتل ابن الزبيرن وقوله: لم ينطق لقومك قائل يريد لم تكن خليفة يخطب على منبر لك. فلما علوت الشام في رأس باذخ من العزلا يسطيعه المُتناول نفحت لنا سجل العداوة معرضًا كأنك مما يُحدث الدهر جاهل نفحت لنا سجل أي عاديتنا، والنفح الإصابة اليسيرة، يقول: كأنك غافل عن تغير الزمان ونوائب الحدثان وانتقال الأحوال. وكنت إذا أشرفت في رأس رامة تضاءلت إن الخائف المتضائل فلو طاوعوني يوم بطنان أسلمت فروج نساء منكم ومقاتل رامة موضع، تضاءلت تصاغرت خوفًا، وبطنان بالشام موضع بقنسرين، وقوله: أسلمت فروج أي كنت أشير على قيس بالإضافة منكم لما عرفت من قلة رعايتكم، فلو طاوعوني لملكوا نساءكم وقتلوكم. المعنى: يعاتب عبد الملك في إعراضه عنه، مع نصرته له إلى أن علا أمره، ويقول: لولا قاتل ابن الزبير لم تفارق خوفك، ويخطئ قيسًا في مخالفته إياه، ويصوب تقديره فيه.

وقال أيضًا: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) صبغت أمية بالدماء رماحنا وطوت أمية دوننا دنياها أي حاربنا لأجل بني أمية، وقلتلنا أعداءهم، وطوت أمية دوننا دنياهم فلم يعطونا مما ملكوا شيئًا. أأمي رب كريهة مدفوعة صيد الكماة عليكم دعواها ويروي "كتيبة" يقول: رب كتيبة تكره منزلتها لشجاعة فرسانها. عليكم دعواها أي تهديدها، ويروي "صب الكماة عليكم دعواها" أي هددوكم منتسبين كنا ولاة طعانها وضرابها حتى تجلت عنكم غماها فالله يجزئ لا أمية سعينا وعلًا شددنا بالرماح عراها جئتم من الحجر العيد نياطه والشام تنكر كهلها وفتاها إذ أقبلت قيس كأن عيونها حدق الكلاب وأظهرت سيماها قوله وعلا شددنا بالرماح عراها أي أحكمنا أمر العلا بالحرب، وقوله: جئتم .. البيت يعني من الحجاز، وقال من الحجر وأراد موضع الحجارة. والنياط البعد، والشام تنكر أي لم تعرفكم لأنكم لم تكونوا من أهلها، والشام يذكر ويؤنث، وقوله: كأن عيونها حدق الكلاب أي احمرت عيونها للعداوة والغضب،

وأراد بالكلاب الكلب وأظهرت سماها أي علامتها للمحاربة. المعنى: حاربنا لبني أمية وفازوا بالدنيا دوننا، ثم ذكر نصرته لهم وذبه عنهم". (37) وقال عبد الرحمن بن الحكم: (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) لحا الله قيسًا قيس عيلان إنها أضاعت ثُغور المسلمين وولت فشاول بقيس في الرخاء ولا تكن أخاها إذا ما المشرفية سلت إنما دعا عليهم لأنهم كانوا في الثغور فانهزموا مع الضحاك، وقوله: فشاول بقيس أي مارس بهم من تريد في اللين والدعة ولا تمارس بهم في الحرب فليسوا من رجالها، فلا تكن أخاها أي صاحبها. المعنى: يدعو على قيس ويصفهم بإضاعة الثغور للمسلمين، ويخرجهم من جملة الشجعان. (38) وقال أبو الأسود في الحسن بن رجاء بن أبي الضحاك:

(الأول من الكامل والقافية من المتواتر) فلأنظرن إلى الجبال وأهلها وإلى منابرها بطرف أخرز بطرف أخرز يعني بمؤخر عينه وكان أبو الأسد في أيام أبي تمام وقد مدح أبو تمام هذا الذي هجاه أبو الأسد يقول: لا أملأ عيني من الجبال بعد ما صرت أميرًا عليها. مازلت تركب كل شيء قائم حتى اجترأت على ركوب المنبر ما زال منبرك الذي خلفته بالأمس منك كحائض لم تطهر المعنى: رماه بشيء فاحش بقوله: مازلت تركب كل شيء قائم. (39) وقال الراعي الميري، وقد نزل به رجل من أبي بكر بن كلاب في ركب مه في سنة مجدبة، وقد عزبت من الراعي إبله فنحر من رواحلهم نابًا وأحسن قراهم، فلما جاء راعيه بابله عوضه فأعطى رب الناب ناباو زاده ثنية: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) عجبت من السارين والريح قرة إلى ضوء نار بين فردة والرحى

إلى ضوء نار يشتوي القد أهلها وقد يكرم الأضياف والقد يشتوى فرجة والرحى: موضعان. يشتوي القد أي يشوون لأنفسهم والقد الجلد، وإنما اشتووه لضيقة لحقتهم، فلم يقدروا على اللحم، وقوله: وقد يكرم الأضياف ... الخ يعني أن الكريم يكرم الأضياف في وقت الضيق والشدة. فلما أتونا فاشتكينا إليهم بكوا وكلا الحيين مما به بكى بكى معوز من أن يلام وطارق يشد من الجوع الإزار على الحشا يقول: كل واحد من الحيين منا، ومن الذين أتوا بكى لما بهم، ثم فسر قوله بكى معوز يعني نفسه، والمعوز المحتاج، يقول: يشد من الجوع الأزار على الحشا أي ليستمسك فقد أضعفه الجوع. فأطلفت عيني هل أرى من سمينة تدارك فيها ني عامين والصرا ويروى "وطنت نفسي للغرامة والقرى" وهو أحسن، وقوله فالطفت عيني أي ضممت أجفاني فعل من يدق النظر في الشيء، أي فعل كذلك لأنه يجتمع شعاع عينه فيكون بصره أقوى، وني عامين الني الشحم والصرا الغزارة، وهو أن لا يحلب لبنها لئلا تهزل، ومنه المصراة فأبصرتها كوماء ذات عريكة هجانًا من اللائي تمتعن بالصوى كوماء: ناقة عظيمة السنام، وجمعها كوم، والعريكة السنام، وقوله تمتعن بالصوى يعني بالأسمنة ويروي "بالصوى" بفتح الصاد وهو أن لا تحلب فيذهب لبنها وهو أسمن لها وأقوى يريد هل أرى في إبلهم ما لها هذه الصفة. فأومأت إيماءً خفيًا لحبتر ولله عينا حبتر أيما فتى

وقلت له ألصق بأيبس ساقها فإن يجبر العرقوب لا يرقأ النسا حبتر اسمه، ولله عينا حبتر تعجب من وقوفه على إيمائه ويروي "ولله ثوبا حبتر" يعني نفسه وقوله: وقلت له ألصق يعني السيف، بأيبس ساقها أي بأقلها لحما فيخلص السيف إليه سريعًا، فإن يجبر العرقوب أي رقأ دمه لم يرقأ النسا، يعني لم يرقأ دم النسا، وهو يجري في البدن، ومع انقطاع هذا تنقطع الحياة على ما يقال. فأعجبي من حبتر أن حتبرا مضى غير منكوب ومنصلة انتصى كأني وقد أشعتهم من سنامها جلوت غطاءً عن فؤادي فانجلى نبتنا وباتت قدرنا ذات هزة لنا قبل ما فيها شواء ومصطلى منكوب قالوا غير فارغ من أمري، من قولهم: نكتب الإناء إذا صببت ما فيه وفرغته، وقيل: غير منكوب لم ينكب به عن أمري، ويروي "غير منكود" أي مسرعًا والمنكود الذي لا يسرع، وقوله: لنا قبل إدراك ما في القدر شواء واصطلاء. وأصبح راعينا بريمة عندنا بستين أبقتها الأجلة والخلا فقلت لرب الناب خذها ثنية وناب علينا مثل نابك في الحيا أصبح راعينا بريمة اسم راعية، جعله بدلًا منه، ويروي "أنقتها" بالنون وهي رواية الأكثر بمعنى حصلتها ذات نقى يعني أسمنتها، والمسموع أنقت الماشية إذا كان لها نقي، وفي الحديث في ذكر الأضاحي التي لا تنقى، وروى البرقي "أبقتها" بالباء أي أبقاها على الجدب والبرد أننا كنناها وخليناها، وهذا أجود، ويروى "الأجلة" بالجيمي جمع جل، وروى بعضهم "الأخلة" بالخاء وفسرها جمع الخلال الذي يخل لسان الفصيل لئلا يرتضع فيكون أقوى للناقة وقيل: الأخلة ما اختل واجتز من العشب وهو أخضر، والجيم أصح.

وقوله: وناب علينا يعني الشحم والسمن والحيا هنا الشحم ومعناه قلت لرب الناب خذها ثنية فضلًا عن نابك ناب علينا واجب مثل تلك في السمن عوضًا عما نحرناه فخذها مع الثنية، ومن فسر الحيا بمعنى الخصب ويقول: وناب علينا إذا أحيينا أي جاءنا الخصب فقد غلط، والثنية بنت ست سنين والناب الهرم. (40) وقال في ذلك خنزر بن أرقم واسمه الحلال وهو أحد بني زيد بن ربيعة بن عبد الله بن نمير، والراعي من بني قطن بن ربيعة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) بني قطن ما بال ناقة ضيفكم تعشون منها ملقى فتودها غدا ضيفكم يمشى وناقة رحله على طنب الفقماء ملقى قديدها الفقماء: لقب امرأة الراعين والفقم تقدم الثنايا السفلى فلا تقع عليها العليا، وكان من عادتهم أن يلقوا القديد على الأطناب يجففونه. وبات الكلابي الذي يبتغي القرى بليلة نحس غاب عنها سعودها أمن ينقص الأضياف أكرم عادة إذا نزل الأضياف أم من يزيدها

المعنى: يقبح فعل الراعي، ويخاطب قومه ويقول: يا بني قطن ما لكم أكلتم ناقة ضيفكم وقددتم لحمها وأرجلتموه، جاءكم يطلب القرى فغبن ناقته، قبح فعلهم بلفظ الاستفهام للمبالغة كما بينا فقال: أمن يعطي الأضياف أكرم أم من يأخذ ما لهم؟ . كأنكم إذ قمتم تنحروها براذين مشدود عليها لبودها المعنى: يشبههم بالبراذين لعجزهم وفشلهم يضربونها مثلا لكل مذموم [ويحتمل أن يكون شبههم بالبراذين لما حرصوا على أكل لحمها لأن البراذين تحرص على أكل العلف]. فما فتح الأقوام من باب سوءةٍ بني قطن إلا وأنتم شهودها السوءة: العيب. المعنى: يرميهم بكل عيب يدخل فيه الناس والسبق إليه. (41) فأجابه الراعي بقصيدة كتبنا منه بعض جوابه ووصف القدر (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ماذا ذكرتم من كزوم عقرتها بسيفي وضيفان الشتاء شهودها فقد علموا أني وفيت لربها فراح على عنس بأخرى يقودها قرينا الكلابي الذي يبتغي القرى وأمك إذ يزجى إلينا قعودها

ويروى "فإن تسألوني ما كزوم عرقته" وهي الناقة المسنة التي مشفرها الأعلى أطول من الأسفل. المعنى يرد على "خنزر" ويبين له أنه لم يعقر الناقة سرًا، وإنما عقرها بحضور الضيفان وأنه عوضه عنها وزاد مثلها كرمًا فما في ذلك من أمر يعاب به. وهذا دليل على غلط من روى أن الحيا الخصب ويروي "ماذا نكرتم". رفعنا له مشبوبة يُهتدى بها ولقحة أضياف طويلًا ركودها مشوبة أي نار موقدة، ولقحة أضياف يعني قدرًا، جعلها لقحة لما يدر من خيرها، طويلًا ركودها أي ثبوتها على النار لأنها كثيرة اللحم، والقدر كلما كانت أكثر لحمًا كان ركودها على النار أطول، يريد رفعنا له نارًا تثقب للقرى. إذا أخليت عود الهشيمة أرزمت جوانبها حتى نبيت ندودها ويروي "خليت" أي صير العود لها بمنزلة الولد فهي كالناقة الخلية التي تعطف على ولد غيرها فترأمه، وأخليت أي جعلت عود الهشيمة علفًا لها كما تعلف اللقحة ويروي "أرزمت حناجرها" يعني فاها، نبيت نذودها أي نسكن غليانها بزيادة الماء ونقصان الحطب، والهشيم الشجر البالي. إذا نُصبت للطارقين كأنها نعامة حزباء تقاصر جيدها الحزباء: المرتفع من الأرض شبهها بنعامة ونسبها إلى الحزباء لارتفاعها على الأثافي وإنما شبه القدر بالنعامة لأنا تكثر وضع رأسها لجبنها ونفورها، وكذلك القدر ترفع قطع اللحم بشدة غليانها، وجعل النعامة تقاصر جيدها لأن القدر لا عنق لها، وهذا من أحسن الاحتراز والتقييد بالصفة الناقصة للتشبيه. تبيت المحال العر في حجراتها شكارى مراها مأؤها وحديدها

المحال: فقر البعير، والعر جمع أعر وهو السمين، وشكارى ممتلئة من الدسم من قولك: ناقة شكرة، ومراها استخرج ما فيها من الدسم، وماؤها لما خالطها من الدسم عند الغلي وحديدها مغرفتها. بعثنا إليها المنزلين فحاولا لكي ينزلها وهي حام حيودها فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها فباتت أي أم خنزر، تعد النجم في مستحيرة قالوا: أراد بالنجم الجنس، وقيل أراد الثريا وهذا أحسن، والمستحيرة جفنة تحار فيها الاهالة فكأنها حارت وإستحارت، ومعنى سريع بأيدي أي أنها باتت تؤكل في شدة البرد فكان اللحم يجمد في الأيدي.

فلما سقيناها العكيس تمزحت مذاخرها وارفض رشحًا وريدها العكيس: لبن الضأن خاصة يصب على المرق، ويروى "تمرحت" أي توسعت، وارفض رشحًا أي سال عرقًا، ووريدها يريد عنقها. ولما قضت من ذي الإناء لبانة ارادت إلينا حاجة لا نريدها أرادت إلينا أي أرادت منا أن نفجر بها فأبينا تكرمًا وعفة لأنها كانت ضيفنا، كما تقول: طلبت إليه حاجة. المعنى: يصف إذكاء ناره ليهتدى بها، ونصبه القدر الكبيرة كثيرة اللحم والدسم، وإشباعه أم خنزر منها وسقيها اللبن حتى امتلأت شعبًا وريا، وذكر أنها رغبت أن يفجر بها لتعودها ذلك، وأنه أبى عليها كرمًا. (42) وقال رجل من بني أسد: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) دببت للمجد والساعون قد بلغوا جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا وكابروا المجد حتى مل أكثرهم وعانق المجد من أوفى ومن صبرا وألقوا دونه أي تشمروا، ألقوا الأزر دون المجد: وقوله: وكابروا المجد أي ركبوا العظائم فيه، وعانق أي بلغه حتى خالطه. المعنى يقول: جد الطالبون للمجد وانكمشوا ومل أكثرهم وبلغ المجد من أوفى بشرائطه، وصبر على مرارته وطلبت أنت أهون طلب فكيف تدركه؟ ! . لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

قوله: لا تحسب المجد تمرًا، يرميه بالرغب وأنه لا يهمه إلا أكل التمر، حتى تلعق الصبر أي المر. المعنى: يستقعده عن المجد لأنه ليس من أهله ويقول: لا يدرك المجد بالسعي القصير وإنما ينال بتجرع المرارات. (43) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ومستعجل بالحرب والسلم حظه فلما اشتريت كل عنها محافزه حارب فيها بامرئٍ حين شمرت من القوم معجاز ليئم مكاسره فأعطى الذي يُعطى الذليل ولم يكن له سعي صدق قدمته أكابره كل عنها محافره أي سلاحه، والمعاجز: الدائم العجز، وكاسره يعني أصوله، وقوله: فأعطى الذي ... البيت، يعني أعطى الذل في الهزيمة والأسر يقول: لم يكن له قديم وسعي لسلفه حميد، فكان يرث ذلك عنهم ويقتدي بهم. المعنى: يهجو رجلًا كان يحرص على محاربته، والصلح خير له، فلما هاجت الحرب، عجز وذل، ولم يفعل الآنف الماجد. (44) وقال إسماعيل بن عمار الاسدي، قال دعبل بن علي: هي للوليد بن كعب قالها لما مات بشر بن غالب، واشترى داره هلال بن مرزوق: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

بكت دار بشر شجوها أن تبدلت هلال بن مرزوق ببشر بن غالب وهل هي إلا مثل عرس تحولت على رغمها من هاشم في محارب ويروي "تتفلت"، العرس: المرأة، على رغمها أي وهي كارهة. المعنى: هذا هجو مطابق ومدح مطابق، يهجو هلال بن مرزوق وبني محارب، ويمدح بني هاشم وبشر بن غالب. (45) وقالت امرأة قتل زوجها في جوار الزبرقان بن بدر وزوجها ابن مية: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) متى تردوا عكاظ توافقوها بإسجاع مجادعها قصار المجدع: موضع الجدع أي القطع، ويروي "بآذان مسامعها" جمع المسمع وهو الأذن أيضًا، والأول أجود. المعنى: إذا وردتم سوف عكاظ، ووافتهم أهلها تصامتم لكثرة ما تسمعون من مثالبكم بما فعلتم، فشبهتهم لتغافلهم بمن قصر سمعه. أجيران ابن مية خبروني أعين لابن مية أم ضمار العين هنا: النقد الحاضر، والضمار دين لا يرجى قضاؤه وابن مية زوجها، تريد أتدركون ثأر ابن مية أم بطل دمه

تجلل خزيها عوف بن كعب فليس لخلفها منه اعتذار تجلل خزيها أي لبس مذلتها أي خزي هذه الخطة فليس لخلفها منه اعتذار الخلف: الأعقاب، خلفة بعد خلفة. فأنكم وما تخفون منه كذات الشيب ليس لها خمار المعنى: توبخ عوف بن كعب وتقاعدهم بطلب الثأر وتفحش عيبهم، وشبهت شهرة ما فعلوه وانتفاء انكتامه بشيب امرأة لا خمار لها فلا يخفى. (46) وقال آخر، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تولت قريش لذة العيش واتقت بنا كل فج من خراسان أغبرا كل فج: كل طريق صعب، واتقت بنا أي قدمتنا إلى خراسان، واستأثرت بلذة العيش. المعنى: يشكو استئثار قريش بلذة العيش وتكليف غيرهم من العرب المشاق. فليت قريشًا أصبحت ذات ليلة تؤم بها موجا من البحر أكدرا تؤم بها أي بخراسان. معناه: ليت قريشًا أمت بنا بحرًا بدلا من طريق خراسان، لتغرق ونخلص من أذاها، ويحتمل أن تكون الهاء للعرب وإن لم يتقدم ذكرها، فإنهم كانوا يوجهون إلى حراسان، ويحتمل أن يكون موجًا من البحر بخراسان، والعرب تسمى الماء الكثير بحرًا وإن لم يكن بحرًا فقال على اعتقاده وقال بعضهم: الهاء لقريش لتخلص هو منهم، ولا يحسن هذا من جهة الإعراب. المعنى: يتمنى الموت ليستريح منهم.

(47) وأنشد لامرأة في زوجها: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) حلفت فلم أكذب وإلا فكل ما ملكت لبيت الله أهديه حافيه لو أن المنايا أعرضت لاقتحمتها مخافة فيه إن فاه لداهية فما جيفة الخنزير عند ابن مغرب قتادة إلا ريح مسك وغاليه فكيف اصطباري يا قتادة بعدما شممت الذي في فيك أثأى ضماخية أي أن في فيه داهية، يقال: لا شيء أنتن من جيفة، ولا جيفة أنتن من جيفة خنزير. المعنى: تشكو بخر قتادة بن مغرب. (48) وقال عبد الله بن أوفى في امرأته، إسلامي (الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) نكحت بشهبيذق نكحة على الكرة ضرت ولم تنفع ولم تغن من فاقة معدمًا ولم تجد خيرًا ولم تجمع

شهبيذق تعريب شهبنده أي مستعبدة السيد يعني الزوج، ويروى "نكحت ابنة المنتضى" ولم تجمع أي لم تجمع الشمل. المعنى: يذكر أنه تزوج امرأة لا خير فيها. منجذة مثل كلب الهراش إذا هجع الناس لم تهجع مفرقة بين جيرانها وما تستطع بينهم تقطع بقول رأيت لما لا ترى وقيل سمعت ولم تسمع وإن تشرب الزق لا يروها وإن تأكل الشاة لم تشبع وليس بتاركة محرمًا ولو حف بالأسل الشرع ولو صعدت في ذرى شاهق تزل بها العصم لم تصرع فبئست قعاد الفتى وحدها وبئست موفية الأربع منجذة مجربة، قوله فبئست قعاد البيت يقول: إذا انفردت بزوجها فهي مذمومة، وكذلك إن كان معها ثلاث نسوة فيكن بها أربعًا. المعنى: يصف امرأته بالنكارة والشراسة وقلة النوم اشتغالًا بالشر وتفريق الجيران بالكذب ويصفها بالرغب وارتكاب المحارم وإن صعب الوصول إليها، يصفها بالصلابة والجلادة، وإنها بئست زوجة الواحد، وبئست زوجة من له ثلاث. (49) وقال بعض آل المهلّب، قال دعبل: هو عبد الله بن عبد الرحمن ولقبه أبو الأنواء: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم واستوثقوا من رتاج الباب والدار

المعنى: يصفهم بغاية الشح، ويقول: يخفون كلامهم عند الأكل لئلا يسمع صوتهم إنسان فيضيفهم، وأغلقوا باب دارهم لئلا يدخل إليهم من يساعدهم. لا يقبس الجار منهم فضل نارهم ولا تكف يد عن حرمه الجار المعنى يقول: إنهم من شحهم لا يأخذ جارهم من نارهم، وهم مع ذلك يؤذون الجار وينتهكون محارمه. (50) وقال آخر: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) كاثر بسعد إن سعدًا كثيرة ولا تبغ من سعد وفاءً ولا نصرا ولا تدع سعدًا اللقراع وخلها إذا أمنت ونعتها البلد القفرا يروعك من سعد بن عمرو جسومها وتزهد فيها حين تقتلها خبرا قتلت الشيء خبرًا إذا تحققته. المعنى: يصف بي سعد بكثرة العدد وقلة الوفاء وعدم النصرة، ويقول: لا يصلحون للحرب وإنما يصلحون لقول الشعر، ولهم منظر وليس لهم مخبر. (51) وقال آخر: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أعاريب ذوو فخر بافك وألسنة لطاف في المقال رضوا بصفات ما عدموه جهلًا وحسن القول من حسن الفعال المعنى: يفتخرون بما ليس لهم، ورضوا من المعنى بالدعوى، ومن حسن الفعل بحسن القول.

(52) وقال مالك بن أسماء: قال دعبل هي لعتيبة بن أسماء بن خارجة، وكان زار صديقًا، فلم بلغ باب داره شد عليه كلب صديقه فعضه: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) لو كنت أجمل خمرًا حين زرتكم لم ينكر الكلب أني صاحب الدار لكن أتيت وريح المسك تفغمني وعنبر الهند مشبوبًا على النا تفغمني: تشد خياشيمي، ويروي "تعبقني" اي تنافحني من عبق به الطيب ويروي "والعنبر الطرب أذكيه على النار". فأنكر الكلب ريحي حين أبصرني وكان يعرف ريح الزق والقار المعنى: يصفهم بأنهم خمارون، وليسوا بأهل مروءة واستعمال الطيب، وإنما عضه الكلب لأنه أنكر رائحة الطيب لأنه لم يجدها قبله ولو كان يحمل خمرًا ما عضه الكلب. (53) وقال ابن هرمة، إسلامي:

(الأول من الوافر والقافية من المتواتر) هجوت الأدعياء فناصبتني معاشر خلتها عربًا صحاحًا المعنى: يعرض بقوم نازعوه لأجل آخرين هجاهم، ويقول: أنا هجوت الأدعياء فعادتني جماعة ظننت أن له نسبًا صحيحًا. فقلت لهم وقد نبحوا طويلًا على فلم أجب لهم نباحا أمنهم أنتم فأكف عنكم وادفع عنكم الشتم الصراخا وإلا فاحمدوا رأيي فإني سأنفي عنكم التهم القباحا وحسبك تهمة ببرئ قوم يضم على أخي سقم جناحا المعنى: يستصرفهم عن معاونة من هجاهم، وقال: أنهم أدعياء ولا يتعصب للدعي إلا مثله. (54) وقال بن حصن، وهو مدرك بن حصن الفقعسي، وتروي للفرزدق، وقال دعبل: هي لعبد الله أو لأخيه مغلس: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لقد كنت أرمي الوحش وهي بغرة ويسكن أحيانًا إلى شرورها فقد أمكنتني الوحش مذرث أسهمي وماضر وحشًا قانص لا يصيدها

فقد أمكنتني الوحش: أي دنت مني الجواري وأمكنتني من نفسها، مذرث سهمي: أي مذ شبت وفترت التي ولا حاجة لي فيهن. المعنى: يصف طلبه لمغازلته النساء أيام شبابه وطلبهن له وأنه لما شاب وفقد حاجته إليهن استوى الوصل والنفار منهن. فأعرضت عن سلمي وقلت لصاحبي سواء علينا بخل سلمى وجودها المعنى: يصف استواء الوصل والنفار منهن لعدم حاجته إليهن، وأنهن أمكنه من أنفسهن بعد كبر سنه كالوحش إذا علمت أن الصائد لا يقدر على صيدها. فلا تحسدن عبسًا على ما أصابها وذم حياة قد تولى زهيدها تشبه عبس هاشمًا أن تسربلت سرابيل خز أنكرتها جلودها الزهيد: القليل. المعنى يسلي نفسه عما نالت عبس من العز يقول: لا تحسدهم على ما أصابوا، وذم حياة أدبر باقيها، ويروي "قد تولى حميدها" وقوله: تشبه عبس .. البيت، يريد تشبه عبس هاشم بن عبد مناف لأنها لبست الخز وما كانت تلبسه فأنكرتها جلودها أي أنكرت الخز جلودها. فلا تحسبن الخير ضربة لازب لعبس إذا مامات عنها وليدها فسادة عبس في الحديث نساؤها وقادة عبس في القديم عبيدها وليدها: يعني الوليد بن عبد الملك بن مروان وكانت أمة عبسية. المعنى: يذكر عبسًا ويقول: يتشبهون بهاشم بن مناف لما لبسوا الخز وليس ذلك دائمًا لهم، فأما قوله: فسادة عبس .. البيت بالعبيد عنترة بن شداد وكان ابن أمة، وشداد لم يقبله ابنًا وكان يسميه عبدًا، ثم قبله ابنًا في بعض الحروب وله قصة. ويعني بالنساء وسليمان فإنها كانت عبسية، وزعموا أن الحسين بن المنذر قال لبعض بني عبس وتنازعا في شيء: إنما أنتم يا بني عب بحر إن ابتل ابتللتم وإن يبس يبستم. (55) وقال آخر:

(الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) أقول حين أرى كعبًا ولحيته ولا بارك الله في بضع وستين من السنين تملاها بلا حسب ولا حياء ولا قدر ولادين تملاها: عاشها طويلًا، من الملوين وهما الليل والنهار. وفي جر ستين قولان أحدهما أنه أخرجه على أصل حركته لالتقاء الساكنين وهو الكثير ضرورة كما قال: وقد جاوزت حد الأربعين والقول الآخر أن الشاعر أراد الوقف، وللعرب مذهب في الإسناد أنهم يطلقون في القوافي، ومنهم من يعربها ومنهم من ينون ما ينون وما لا ينون، فإذا وقف على نون الجمع لا يبين حركة فجاز ذلك مع نون الأصل في القوافي لأنك لا تجد هذه النون مكسورة إلا في القوفي. المعنى: يهجو كعبًا وذكر لحيته للشيب ويقول: عاش أكثر من ستين سنة من غير كرم ولا حياء ولا دين. (56) وقال عويف القوافي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) وما أمكم تحت الخوافق والقنا بثكلى زهراء من نسوة زهر الخوافق هنا السيوف، وقيل الأعلام، والأول أجود لذكر القنا معها، والزهر المرأة يزهر لونها سرورًا. المعنى يقول: أنتم جبناء فلا تقتلون فتثكلكم أمكم، ولا

تقتلون أعداءكم، فيزهر لونها سرورًا بكم، وقال بعضهم: زهراء يعني بيضاء نقية وليس بشيء. ألستم أقل الحي عند لوائهم وأكثرهم عند الغنيمة والقدر المعنى: حقق جبنهم في البيت الأخير، ودل على رغبهم وحرصهم على الأكل، ويروي "عند الذبحية" وهو الأشهر. (57) وقال أيضًا (الثاني من الطويل والقافية من التراكيب) ونبئت ركبان الطريق تناذورا عقيلًا إذا حلوا الذناب فصرخدا فتى يجعل المحض الصريح لبطنه شعارًا ويقري الضيف عضبًا مهندا الذناب وصرخد: موضعان أي يأكله ويجعله لبطنه بمنزلة الشعار من الثياب للجسد، وهو الذي يليه، ويقري الضيف السيف بدل الإطعام ولا يضيفه إلا بالقتل. المعنى: يصف شهرة غدر عقيل وأن الناس يحذر بعضهم بعضًا من غدره، ثم بين غدره فقال: يقتل ضيفه ويأكل ماله، ويشبع دونه. (58) وقال آخر: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أناخ اللؤم وسط بني رياح مطيته فأقسم لا يريم كذلك كل ذي سفر إذا ما تناهى عند غايته مقيم

لا يريم: لا يبرح أي لا يجاوزهم. المعنى: يصفهم بغاية اللؤم وأن اللؤم كان يسافر في البلاد، فلما انتهى إليهم حلف لا يفارقهم لأنهم غاية قراره. (59) وقال آخر، إسلامي: ((الأول من الوافر والقافية من المتواتر)) إذا بكرية ولدت غلامًا فيا لؤمًا لذلك من غلام يُزاحم في المآدب كل عبد وليس لذي الحفاظ بذي زحام المعنى: يصفهم باللؤم الشامل، والرعب الفاحش، والمأدبة - بضم الدال وفتحها - طعام يصنع فيدعي إليه. (60) وقال آخر، إسلامي (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ردي ثم اشربي نهلًا وعلًا ولا تغررك أقوال ابن ذيب فلو كان القليب على لحاهم لأسهل وطؤها شفة القليب يخاطب ناقته أي اشربي كيف شئت، ولا تغتري بقول ابن ذيب، وقوله: فلو كان القليب .. البيت، أي ضاق وطؤها شفة القليب سهلا، والقليب البئر. المعنى يصفهم بالذلة وأنهم لا يقدرون على منع الإبل عن وطء لحاهم. (61) وقال أعرابي، إسلامي:

(الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) إن تبغضوني فقد أسخنت أعينكم وقد أتيت حرامًا ما تظنونا وقد ضممت إلى الأحشاء جارية عذبًا مقبلها مما تصونونا المعنى يقول: إن أبغضتوني فحق لكم ذلك لأني فعلت ما اقتضى ذلك، ويذكر أنه تمتع بجارية مخدرة لهم حرامًا. ياقبح الله أقوامًا إذا ذكروا بني عميرة أهل اللؤم والعار قوم إذا خرجوا من سوءة ولجوا في سوءةٍ لم يجنوها بأستار قبح الله: أبعد الله، المعنى: يصفهم بالتقلب في الفواحش وملازمتهم إياها، ويروي "رهط اللؤم". (63) وقال آخر يهجو الحضري:

(من العروض الرابعة من السريع والقافية من المتواتر) جواب بيداء بها عروف لا يأكل البقل ولا يريف ويروي "به عروف" وأكثر الروايات "بيداء بها" على الواحدة، والعروف: الصبور وقوله: لا يأكل البقل ولا يريف، المسموع لا يريف، بفتح الياء، والقياس ضمها من أراف إذا أتى الريف أي لا يقيم في الريف. ولا يرى في بيته القليف إلا الحميت المنعم المكشوف القليف: التمر البصري، أي ليس هو من الحضر فيكون في بيته التمر، والقليف أيضًا ما ينقلف أن يتقشر من الخبر ويابس الفاكهة، والحميت عني السمن ويكون للعسل، والمفعم المملوء، وقد أفعمته أي ملأته. للجار والضيف إذا يضيف والحضري مبطن معلوف أي يكون الحمت مكشوفًا للجار إذا جاء أخذ منه ولا يحتاج إلى طلبه، وكذلك الضيف، والحميت بعد هذا بدل من القليف كأنه قال لا يرى إلا الحميت، والحضر مبطن أي عظيم البطن، والأشهر مبطان. للفسو في أثوابه شفيف أعجب بيتيه له الكنيف قوله للفسو يعني شفت ثيابه أي رقت بكثرة فسوه، ذكره الديمرتي قال: والصواب عندي أن الشفيف هذا ندوة. وذكر ابن دريد الشفيف: شدة حر الشمس وقال قوم بل هو شدة لذع البرد. وأعجب له يعني يعجبه الكنيف لحاجته إليه لكثرة أكله. أوطانه مبقلة وسيف السيف: ساحل البحر، المعنى: في الأبيات بمدح البدوي يجوب المفاوز،

وخلو بيته من البقل والتمر، وليس فيه إلا السمن المبذول للجار والضيف، ويهجو الحضري بكثرة الأكل والفسو وإعجابه بالخلاء (64) وقال ربعان، إسلامي: (الثالث من الطويل والقافية من المتراكب) إن كنت عميًا فكن فقع قرقر وإلا فكن إن شئت أير حمار الفقع: ضرب من الكمأة. وقرقر: مكان مستقر. وأير حمار لا ينتفع به بوجه، فضرب المثل به في عدم المنافع. المعنى: يصفهم بالذل وعدم النفع. فما دار عمي بدار خفارة ولا عقد عمى بعقد جوار الخفارة: مصدر الخفير. المعنى: يصفهم بقلة الوفاء بالعهد وكثرة الخيانة والغدر. والعمي: منسوب إلى بني العم من بني مالك بن حنظلة. (65) وقال آخر: (الأول من الوافر والقافية من المتدارك) أراني في بني حكم غريبًا على قتر أزور ولا أزار أناس يأكلون اللحم دوني وتأتيني المقاذر والقتار القتر والقطر: الناحية، والمقاذر جمع قذر على غير قياس، والقتار ريح القدر والمرق، المعنى: يشكو بني حكم بأنه يزورهم، ولا يزورونه، ويأكلون دونه ولا يضيفونه. (66) وقال آخر:

[الأول من الوافر والقافية من المتواتر] وما إن في الحريش ولا عقيل ولا أولاد جفنة من كريم ولا البرص الفقاح بني نمير ولا العجلان زائدة الظليم زائدة الظليم خفه لأن الخف زائدة في الظليم ألا ترى أنه ليس من آلة الطائر وقد هوس بعضهم في الظليم بما لا يساوي ذكره. المعنى: ينفي هذه القبائل من الكرم وجعل العجلان قبيلة زائدة في القبائل كخف الظليم. أولئك معشر كبنات نعش خوالف لا تسير مع النجوم ويروي "لا تغور مع النجوم" وبنات نعش في الركود والثبوت لأنها تدور حول القطب، فلا تزول عن مرأى العين، يقول: هؤلاء القوم الذين لا يفدون إلى الملوك ولا يغزون العدو، ولا ينتجعون الغيث بل يقيمون على الذل والرضا باليسير. (67) وقال رجل من جرم لزياد الأعجم، وقيل: إنه لزياد، إسلامي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) دلفت إلى صميمك بالقوافي عشية محفل فهتمت فاكا وصدق ما أقول عليك قوم عرفت أباهم ونفوا أباكا دلفت: أي مشيت بتؤدة، والدالف: الهرم لذلك، إلى صميمك أي قلبك أي

جرحت قلبك بالقوافي فهتمت فاك كسرت أسنانك أي أوجعتك وأحزنتك، والهتم: الكسر. المعنى يقول: هجوتك وتركتك لا تجسر تتكلم، وصدقني ما أقول فيك من يشهد بصحة نسبهم ويشهدون بفضيحة نسبك. (68) وقال زياد الأعجم، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ومن أنتم إنا نسينا من أنتم وريحكم من أي ريح الأعاصر المعنى: يهجوهم بأنهم سقاط لا يعرفون، والعرب تعبر عن الدولة بالريح فيقولون: هبت ريحه، وفي ضده سكنت ريحه، يقول: ريحكم شمول أم جنوب أم صبا أم دبور والأعاصر جمع إعصار. وأنتم أولى جئتم مع البقل والدبا فطار وهذا شخصكم غير طائر يقول ما عهد ناكم قبل الخصب، ولا رأيناكم أثرًا، فلما أخصب الناس نبعتم فكأنكم إنما جئتم مع البقل والدبا، فطار وبقي شخصكم، يرميههم بأنهم لا أصل لهم. فلم تسمعوا إلا بما كان قبلكم ولم تدركوا إلا مدق الحوافر المدق: موضع وقع الحافر. المعنى يقول: سمعتم من كان قبلكم ولم تدركوهم لحداثة ولادتكم أي ليس لكم قديم، ولم تكنوا إلا أذلة يطؤكم كل حافر.

(96) وقال عمرو بن الهذيل العبدي: [الأول من الطويل بالحزم والقافية من المتواتر] نحن أقمنا أمر بكر بن وائل وأنت بثاج ما تمر وما تحلي وما تستوى أحساب قوم تورثت قديمًا وأحساب نبتن مع البقل ثاج: ماء لبني سعد، يخاطب بذلك مالك بن مسمع حين فر أيام العصبية. المعنى يقول: باشرنا أمر الحرب وأنت لا نفع فيك ولا ضر، يرفعه عن قدم الأصل وإرث الحسب. (70) وقالت كنزة أم شملة بنت بردة المنقري في مية صاحبة ذي الرمة، قال عبد الله بن مسلم هي لذي الرمة، وذاك أنه كان يشبب بمية، وكانت من أجمل الناس، ولم تره قط، فجعلت لله عز وجل عليها أن تنحر بدنة أول ما تراه، فما رأته، رأت رجلًا دميمًا أسود. فقالت واسوءتاه، فقال ذو الرمة فيها هذه الأبيات:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا جبذا أهل الملا غير أنه إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا على وجه مي مسحة من ملاحة وتحت الثياب الخزي لو كان باديا المعنى: تحمد أهل الملا وتخص مية منهم بالذم، وتصفها بظاهر الجمال وباطن القبح والنكال. ألم تر أن الماء يخلف طعمه وإن كان لون الماء أبيض صافيًا إذا ما أتاه وارد من ضرورة تولى بأضعاف الذي جاء ظاميا يخلف طعمه: يتغير يجيء بخلاف ما ظن به. المعنى: شبهتها بالماء الصافي اللون الخبيث الطعم إذا أتاه العطشان زاده عطشًا لأنه لا يتمكن من شربه لزعوقته. كذلك مي في الثياب إذا بدت وأثوابها يُخفين منها المخازيا فلو أن غيلان الشقي بدت له مجردة يومًا لما قال ذا ليا المخازي جمع خزي على غير قياس، وغيلان ذو الرمة وهو غيلان بن عقبة التيمي، ويروي "لما قال آليًا" فآليا هو فاعل من قولهم لا يألو أي لا يقصر، وقيل: الاليا من الآلية أي الحلف يعني حالفًا، لا حسنها المسموع، ومنه آلى يولي على أفعل، وقيل: ذا ليا يعني ذا لي ما تمناها، وقال بعضهم: يجوز أن تكون الهمزة من آليا مبدلة من الهاء أي لما قال "هاليا" أي ما توجع من حبها كقوله: "فها لي منها إذ أصيب صميمي". كقول مضى منه ولكن لرده إلى غير مي أو لأصبح ساليا كقول مضى أي ما قال بدءا، ولكن قوله إلى غير مي أو سلا عن كل غزل لما

يبدو من قبح بدن مية، المعنى: تقول لو رأهاذو الرمة متجردة لسلا عنها ولم يشبب بها. (71) وقال أبو العتاهية العتاهية فعالية من التعته وهو التحسن والتزين، ورجل معتوه بين العتاهية أي مجنون. (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) جزي البخيل علي صاحلة عني بخفته على ظهري أي جزي البخيل على مثوبة بخفته على ظهري، وضع الاسم مكان الصدر يعني بتخفيفه على ظهري يقول: لو جاد علي لكان قد أثقل ظهري بمنته، فلما بخل خفف ظهري فلم يلزمني شكره. أعلى وأكرم عن يديه يدي فعلت ونزه قدره قدري قوله أعلى وأكرم .. البيت لأنه لو كان أعطاني لكانت يده فوق يدي وقدره فوق قدري. ورزقت من جدواه عافية ألا يضبق بشكره صدري وغنيت خلوًا من تفضله أحنوا عليه بأحسن العذر المعنى يقول: عوفيت وسلمت من عطائه لأنه كان يلزمني شكره، ولو وصل

إلي عطاؤه لكان يضيق صدري بشكر مثله، وقوله: غنيت خلوًا أي بقيت خاليًا من تفضله. ما فاتني خير امرئ وضعت عني يداه مئونة الشكر المعنى: شكر البخيل بحرمانه إياه لسقوط مئونة شكره عنه ولعذره عليه ويعتد بذلك خيرًا منه، وهذه الأبيات خارجة عن حد الهجاء لاحقة بباب الأدب لأنها في القناعة. (72) وقال ابن عبدل الأسدي، عبدل بمعنى عبد واللام زائدة: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) أضحى عراجة قد تعوج دينه بعد المشيب تعوج المسمار أي ترك الاستقامة التي كان عليها في الدين، وشبه ذلك بتعوج المسمار لأنه لا يستقيم وينكسر. وإذا نظرت إلى عراجة خلته فُرجت قوائمه بأير حمار فرجت قوائمه يعني عن أير حمار، شبه قوائمه بأير حمار، ويجوز أن يكون المراد كأن قوائمه من أير حمار أي شقت منه وخلقت لوحشتها، والباء قد تجئ بمعنى من، ويحتمل أن يكون المراد به عوج القوائم لأن أير الحمار ليس بآلة القطع فما يقطع به لا يكون مستويًا. المعنى يصف اعوجاجه، ويصفه بالتخلف عن دينه ويذكر قبحه. (73) وقالت أم عمرو بنت وقدان، وهو فعلان من الوقد، وهو الوقود بعينه: (الأول من الكامل والقافية من المتراكب)

إن أنتم لم تطلبوا بأخيكم فذروا السلاح ووحشوا بالأبرق الأبرق: مكان، والتوحيش بالموضع إخلاؤه، ويجوز أن يكون المراد، فذروا السلاح ووحشوا بهذا المكان. المعنى تعيرهم بالقعود عن طلب الثأر، وتحثهم عليه تقول: أن لم تطلبوا ذلك فذروا السلاح فلستم برجال. وخذوا المكاحل والمجاسد والبسوا نقب النساء فبئس رهط الرهق النقب: جمع نقبة وهو ثوب تلبسه المرأة ويروى "المرهق" وهو أجود المعنى: تقول البسوا آلات السناء، ودعوا آلات الرجال، تعيرهم بتركهم طلب الثأر. ألهاكم أن تطلبوا بأخيكم أكل الخزير ولعق أجرد أمحق الأمحق من المحق وهو ذهاب الشيء، وليست له فعلاء، تعني: لبنا أجرد قد ذهبت رغوته فلا رغوة له. المعنى: تقول شغلكم أكل الخزير عن طلب الثأر بأخيكم، والخزير طعام يصفي بلال النخالة فيطبخ منه. (74) وقالت عاصية البولانية، من طيئ: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) فلو أن قومي قتلتهم عصابة من السروات والرؤوس الذوائب صبرنا لما يأتي به الدهر عامدًا ولكنما آثارنا في محارب

قبيل لئام إن ظهرنا عليهم وإن يغلبونا يوجدوا شر غالب العصابة بالكسر دون القبيلة العظيمة، قبيل لئام: لم تجعلهم من بني أب واحد. المعنى: لو كان قتلهم قوم كرام صبرنا ولكن قتلهم لئام، فهم أشد علينا لأنا إن ظفرنا بهم لم يكن موضع الفخر للؤمهم وإن غلبونا كان شيئًا مستأنفًا. (57) وقالت غيرها: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) إذا ما الرزق أحجم عن كريم وألجأه الزمان إلى زياد تلقاه بوجه مُكفهر كأن عليه أرزاق العباد مكفهر: إذا ركب بعضه بعضًا، ويكون أظلم إذا كان كذلك، ويروي "بوجه مقشعر" أي متشنج متقطب. المعنى: تصف زيادًا بعبوس وجهه عند السؤال. (76) وقال أبو محمد اليزيدي، إسلامي كان مؤدبًا للمأمون: (الأول من الكامل والقافية من المتراكب) عجبا لأحمد والعجائب جمة أني يلوم على الزمان تبذلي

إن العجيب لما أثبتك أمره من كل مثلوج الفؤاد مهبل مهبل ملقى، المثلوج: البليد الفؤاد. المعنى يقول: عجبت لأحمد كيف يلوم تبذلي على الزمان، وليس العجب من تبذلي ولكن العجب من كل جاهل بليد. وغد يلوك لسانه بلهاته وترى ضبابة قلبه لا تنجلي متصرف للنوك في غلوائه زمر المروءة جامع في المسحل يقول: هو مظلم القلب كأنه مغطى لا ينكشف غطاؤه ويقول: يتقلب في أتم الخلق وأرفعه، ورمز المروءة قليلها، وجامح في المسحل مثل الدابة يجمع فلا ينقاد، والمسحل حديدة اللجام. وإذا شهدت به مجالس ذي النهي وبلت سحابته بنوك مسهل غلب الزمان بجده فسما به وكبا الزمان لوجهه والكلكل المعنى بقول: أتعجب من كل أحمق متناه في الحمق والبلادة، صعب المراس قد عوه حدة وغلب الزمان فسما بجده. ولقد سموت بهمتي وسما بها طلبي المكارم بالفعال الأفضل لأنال مكرمة الحياة وربما عثر الزمان بذي الدهاء الحول فلئن غلبت لتمضين ضريبتي كلب الزمان بعفة وتجمل المعنى: يقول أنا أسمو بهمتي في طلب المكارم لأنال مكرمة حياتي فلا أرتكب فيها شيئًا يلزمني ذمًا، ثم قال: والزمان قد يغلب الداهي الكثير الحيلة، ثم قال: لئن غلبني الزمان فإن تحملي وعفافي يغلب شدائده. تم باب الهجاء ***

باب الأضياف

باب الأضياف (1) وقال عتيبة بن بحتر الحارثي، إسلامي وعتيبة يمكن أن يكون تصغير عتبة مرتجل من العتب، أو من عتبة الباب: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ومستنبح بات الصدى يستتيهه إلى كل صوت فهو في الرحل جانح المستنبح: الرجل الذي يضل الطريق فينبح نباح الكلاب لتسمع صوته فتجيبه فيقصد قصدها ليضيف أهلها، ويتتيهه يتوهه، وتاه تحير، وإنما يتوهه الصدى لأنه إذا سمع صداه ظنه صوت رجل فتبعه، فهو في الرحل جانح أي حائل

إصاخة إلى الصوت وتوقعًا له. فقلت لأهلي ما بغام مطية وسار أضافته الكلاب النوابح البغام: صوت ضعيف، ومعنى ما بغام مطية أن العرب إذا أرادت الضيافة وقد قربت من البيوت تنحنح الرجل منهم أو حمل ناقته على الرغاء والبغام ليؤذن الحي بنفسه. فقالوا غريب طارق طوحت به متون الفيافي والخطوب الطوارح ويروي "طرحت" بالراء، والخطوب الطوارح يعني أمورًا تزعج الناس عن أوطانهم ويروي "الخطوب الطوائح". فقمت ولم أجثم مكاني ولم تقم مع النفس علات البخيل الفواضح يعني لم أقم إليه ومن رأيي أن أعتذر إليه بما يفضحني، ولكن قمت وأنا عازم على قراه. وناديت شبلًا فاستجاب وربما ضمنًا قرى عشر لمن لا نصافح شبلًا يعني ابنه، ويروي "كلفنا" وهو أجود، وقرى عشر أي عشر ليال، لمن لا نصافح يعني لمن لا نعرفه فنصافحه، أراد به نضيف الغرباء. فقام أبو ضيف كريم كأنه وقد جد من فرط الفكاهة مازح أبو ضيف يعني ابنه جعله شبلا لشهامته، وأبا ضيف لقيامه بخدمة الضيف، والفكاهة الطيب وبه سميت الفكاهة، وليس هو شر المزاح، لأنه لو كان مزاحًا لما شبهه به بقوله كأنه مازح في طلاقته وسروره بالضيف لما لقيه. إلى جذم مال قد نهكنا سوامه وأعراضنا فيه بواق صحائح

الجذم الأصل، ونهكنا سوامه أثرنا يه، وقوله: وأعرضنا ... الخ أي لم يعبنا أحد ولم ينتقصنا. جعلناه دون الذم حتى كأنه إذا عُد مال المُكثرين المنائح المنائح: جمع منيحة وهي ناقة أو شاة أو بقرة يمنحها الرجل آخر فينفع بلبنها، ثم يردها على صاحبها، وهي الممنوحة يقول: ما لنا قليل وكأنه مال كثير يمنح منه ويعطي ويوهب، والوجه الأول أصح. لنا حمد أرباب المئين ولا يرى إلى بيتنا مال مع الليل رائح المئين: جمع المائة، يعني أن مالهم قليل فليس يرى رائحًا إلى بيوتهم غير أنهم يبتغون الحمد به كما يتبغى من له من الإبل مئون كثيرة. (2) وقال مرة بن محكان التميمي من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، ومرة تأنيت مر، ومحكان فعلان من المحك وهو اللجاج: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) يا ربة البيت قومي غير صاغرة ضمي إليك رحال القوم والقربا ربة البيت: امرأته، غير صاغرة: غير ذليلة من الصغار، وضمي إليك

رحال القوم أي انزلي الرحل من الرواحل، والقرب جمع قراب وهو السيف والقوس. في ليلة من جمادي ذات أندية لا يُبصر الكلب من ظلمائها الطنبا إنما خص جمادي لأنه شهر برد، وسمي جمادي من جمود الماء فيه، وقوله لا يبصر الكلب، خص الكلب لأنه أبصر الحيوان بالليل، وقيل: أنه يعرف الفارس المدجج الذي لا يتبين منه إلا عيناه، ولعل ابنه ينكره إنكار أهله لتقنعه بالحديد، يصف شدة الظلمة. لا ينبح الكلب فيها غير واحدة حتى يلف على خرطومه الذنبا لا ينبح الكلب فيها من البرد غير نبحة واحدة حتى يرد ذنبه على أنفه لأنه لا يشتد البرد على السباع إلا على أنفها. المعنى: يصف شدة البرد والظلمة في تلك الليلة. ماذا ترين أندنيهم لأرحلنا في جانب البيت أم نبني لهم قببا ويروي وسائليهم أندني من رحالهم إلى ذرا البيت" أي سليهم ألهم حاجة في مقام أيام وليال حتى نبني لهم قبابًا يقيمون فيها أم مجتازون حتى ندخلهم مضارب رحالنا ونبيتهم فيها. لمرمل الزاد معني بحاجته من كان يكره ذمًا أو يقي حسبا يقول: يعني بحاجة الضيف المرمل الزاد كل من يكره ذمًا أو يقي حسبًا، وخص المرمل لأنه أولع بالحمد والذم من المستغني، ومرمل الزاد مقله.

فقمت مستبطنًا سيفي وأعرض لي مثل المجادل كوم بركت عصبا مستبطنًا سيفي أي ساترًا سيفي كي لا تراه الإبل فتنفر، المجادل القصور، بركت من البروك [والكوم: الإبل العظام الأسنمة] وعصبًا جماعات. فصادف السيف منها ساق متلية جلس فصادف منها ساقها عطبا متلية: معها ولدها يتلوها، والجلس: العظيمة المشرفة أي أصاب السيف من الإبل ساق ناقة عظيمة ذات ولد يتلوها فحز ساقها. زيافة بنت زياف مذكرة لما نعوها لراعي سرحنا انتحبا زيافة: متبخترة ذات نشاط، والانتحاب شبه البكاء، يقول: لما أخبر راعينا بأنها عقرت بكى وانتحب لأن لبنها كان يكفي إذا قلت ألبنا الإبل، ولأنها كانت زين إبلنا، والسرح القطيع كأنه جمع سارح أي تسرح إلى المرعى. أمطيت جازرنا أعلى سناسنها فصار جازرنا من فوقها قتبا السناسن: ما انتصب من عظام أعلى الصلب مما قدام السنام إلى مفرز العنق والصلب. يقول: لم يكن الجازر من عظمها أن يبلغ سنامها فيكشط الجلد حتى صعد عليها فصار كأنه قتب لها. ينشنش اللحم عنها وهي باركة كما تنشنش كفا قاتل سلبا ينشنش يقطع مستعجلا ليعجل اللحم للأضياف قبل فراغة من سلخها مخافة أن يكون جياعًا، وشبه ذلك بسرعة سلب القاتل سلب المقتول مخافة أن يبادره العدو فيهجمه، وقال أبو رياش النشنشة معاسرة الشيء حتى يأخذه، ويروي"فاتل سلبا" وقيل: شبه نشنشته بنشنشة فاتل الحبل من السلب وهو شجر

يدق ويتخذ من الحبل الأبيض المضفور الذي يشبه الليف، وبالمدينة سوق يقال لها سوق السلاب يباع يها ذلك، والأول أحسن. وقلت لما غدوا أوصى فعيدتنا غدي بنيك فلن تلقيهم حقبا قعيدته: امرأته وهي ربة البيت، ولما غدوا يعني الأضياف خرجوا غدوة، غدي بنيك أي أطعميهم الغداء، وأراد بالبنبن الأضياف، وحقبًا أي سنين. أدعى أباهم ولم أقرف بأمهم وقد عمرت ولم أعرف لهم نسبا أنا ابن محكان أخوالي بنو مطر أنمي إليهم وكانوا سادة نجبا بنو مطر من سيبان رهط معن بن زائدة. المعنى: يصف كرمه وقيامه بأمر الضيف الطارقين إياه، وحسن الوصاة في شأنهم، ونحره خير نوقه سمنًا وسنامًا وعظمًا وتعجيل القرى لهم وأنه للضيف بمنزلة الوالد، وقد شهر بذلك حتى أنه يدعى أبا الأضيفا من غير تهمة بأمهم أو معرفته بنسبهم، ثم اعتزى إلى أخواله ووصفهم بالسيادة والكرام. (3) وقال آخر: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) ومستنبح قال الصدى مثل قوله حضأت له نارًا لها حطب جزل وقمت إليه مُسرعًا فغنمته مخافة قومي أن يفوزوا به قبل حضأت له نارًا أوقدتها حضأ، والمحضأ ما تحر به النار. المعنى: يصف هداية الضال إليه بايقاد النار وتعجيل قراه مخافة أن يسبقه إلى ضيافته واحد من قومه

لأنهم كرام، ويروي "قبلي" على الاقواء، وقيل: مبنيا على الضم للغاية فأوسعني حمدًا وأوسعته قرى وأرخص بحمد كان كاسبه الأكل أوسعني أي أولاني حمدًا واسعًا فأوليته قرى وسعًا، المعنى يسترخص الحمد بالطعام. (4) وقال آخر الأول من البسيط والقافية من المتراكب) تركت ضأني تود الذئب راعيها وأنها لا تراني أخر الأبد أي تتمنى أن يكون الذئب راعيًا لها بدلي. المعنى: يصف كثرة ذبحه الضأن للأضياف حتى تمنت أن يرعاها الذئب مكانه. الذئب يطرقها في الدهر واحدة وكل يوم تراني مدية بيدي المعنى يقول: تتمنى الضأن أن تلقى الذئب مكاني لأن الذئب يفترس منها في الدهر مرة واحدة، وهو يذبح كل يوم منها، فهو شر لها من الذئب. (5) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) وما أنا بالساعي إلى أم عاصم لأضربها إني إذًا لجهول لك البيت إلا فينة تعرفينها إذا حان من ضيف علي نزول

إلا فينة أي ساعة، ويروي "تحسبينها" أي تجعلينها حسابًا ويروي "تحسنينها" أي تحسنين فيها. المعنى: إذا نزل الضيف لا أقوم لأهلي أضربها، هذا فعل الجهال، ولكني أتلطف وأقول لها: البيت لك إلا ساعة نزول الضيف فأحرى أن تؤثر البيت وأنا أجازيك عنها. (6) وقال بعض بين أسد: (الثاني من الطويل والقافية من المتدراك) وسوداء لا تُكسي الرقاع نبيلة لها عند قرات العشيات أزمل وسوداء يعني قدرًا، لا تكسي الرقاع لا تحمل في مخلاة لعظمها، ويقال لا تستر من الضيفان، والأزمل الصوت، ويعني هاهنا صوت غليانها، وقرات جميع قرة وهي البرد، والنبيل النافع الخالي من العيوب، ويقال: النبيلة هنا العظيمة. إذا ما قريناها قرانا تضمنت قرى من عرانا أو تزيد فتفضل إذا ما قريناها: جعل ما يلقى فيها من اللحم قرى لها، وعرانا عشينا، عراه واعتراه بمعنى. يقول: إذا ألقينا فيها من اللحم ما يليق بها تضمنت لنا قرى من عرانا أو تزيد فتفضل. المعنى: يصف عظم القدر وأنه يطبخ فيها للضيفان كل عشية باردة. (7) وقال آخر هو العجير السلولي، ويقال لحاتم الطائي (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

سلي الطارق المعتر يا أم مالك ... إذا ما أتاني بين قدري ومجزري أيسفر وجهي أنه أول القرى ... وأبذل معروفي له دون منكري يقال: أول القرى بشر الوجه، ويروي ((أأسفر وجهي)) ويروي ((أأبشر وجهي))، وهذه كلها متقاربة، وقيل: المعروف هنا السؤال عن أسمة وبلدة ومقصده، وهذا مذموم عند العرب. المعني: يصف شهرته بآداب الضيافة من بشر الوجه وإظهار الجميل، واجتناب المكروه. (8) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) وإنا لشاؤون بين رحالنا ... إلي الضيف منا لاحف ومنيم لاحف أي يلبسه اللحاف، ومنيم يحدثه حتى ينام أو يهيئ له النوم أي يبعد ما ينفر عنه النوم أو يقول له: نم. فذو الحلم منا جاهل دون ضيفة ... وذو الجهل منا عن أذاه حليم ذو الجهل أي ذو الجهل حليم عن أذي الضيف وإن جهل الضيف علية، ويروي ((دون جاره)) المعني: نحن نكرم ونحسن خدمته ونحتمل أذاه ولا نحتمل من يؤذيه. (9) وقال أبن هرمة: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر)

أغشى الطريق بقبتي ورواقها ... وأحل في نشز الربي فأقيم أي أضرب قبتي علي الطريق، يقول: أنزل في الطريق وفي أعلي المواضع لئلا يخفي علي القاصدين مكاني. إن أمرا جعل الطريق لبيته ... طنبا وأنكر حقه للئيم المعني: دل علي أنه إذا فعل ما ذكره في البيت الأول عرف حق من يقصده فقال: إن امرأ جعل الطريق لبيته طنبا يعني بمنزلة الطنب وأنكر حق الطريق للئيم قد جمع المخازي. المعني: يصف شهرته بالكرم ومعرفته بحقوقه. (10) وقال: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ومستنبح تستكشط الريح ثوبه ... ليسقط عنة وهو بالثوب معصم تستكشط أي تكشف، وهو بالثوب معصم أي مستمسك به لئلا تكشطه عنه الريح من شدة البرد. عوي في سواد الليل بعد إغتسافة ... لينبح كلب أو ليفزع نوم بعد إعتسافة: بعد سلوكه علي غير قصد لأنة كان قد ضل الطريق. فجاوبه مستسمع الصوت للقرى ... له عند إتيان المهبين مطعم فجاوبه مستسمع الصوت يعني الكلب، وقيل: إن المستسمع الذي يمر أذنيه ليسمع ولا أحق هذا عن العرب، ويحتمل أن يكون الذي يرفع صوته كأنة يطلب برفع صوته أن يسمع، بعد إتيان أن يأكل بعد إتيان الضيف، والمهبون الموقظون، ويروي ((المهيبين)) من أهاب إذا دعا. يقول: الكلب أكل بعد ورود

الضيفان لأنه ينحر له فيفضل ما يأكله ويطعم الكلب، ويأكل أيضا من حشو الجزور ما يلقي. يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا ... يكلمه من حبة وهو أعجم يكلمه أي يكلم الكلب الضيف، من حبة له وهو أعجم لا يفصح لأنة قد تعود أن ينحر كلما أتي ضيف، وهذا أبلغ ما قيل في إكرام الضيف. المعني: يصف محبته للضيف ونحره لهم كلما وافوا حتى يكاد كلبه أن يرحب بالضيف محبة له لعلمه بأن صاحبة ينحر له، وينال هو من فضلة. (11) وقال سالم بن قحفان، وذكروا أن صهره أخا امرأته أتاه فأعطاه بعيرا فقال لامرأته هاتي حبلا يقرن به ما أعطاه بعيرا آخر وقال لها: هاتي حبلا ثم أعطاه حبلا آخر ثالثا وقال لها: هاتي حبلا فقالت: ما بقي عندي حبل فقال: علي الجمال وعليك الحبال، فرمت إلية خمارها وقالت: صيره حبلا لبعضها فأنشأ يقول: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) ولا تعذليني في العطاء ويسري ... لكل بعير جاء طالبة حبلا ويروي ((لا تحرقيني بالملامة واجعلي)) المعني: يستكف امرأته عن لومه ويأمرها بإعداد الحبال لما يبذله من إبله.

فإني لا تبكي علي إفالها ... إذا شبعت من روض أوطانها بقلا فلم أر مثل الإبل مالا لمتقن ... ولا مثل أيام العطاء لها سبلا قولة: فإني لا تبكي علي إفالها وهي صغار الإبل واحدها أفيل، وفي معناها قولان: الأول أن الإبل بهائم لا تهتم إذا مت بل ترتع وتشبع فموتي عنها إذا أنحرها وموت من لم ينجزها سواء. والآخرين إبلي لا تبكي بعد موتي بل تفرح بموتي لأني أنحرها فإذا مت لعلة يأخذها من لا ينحرها فلا يغمها موتي لاني جواد، ونصب بقلا لأن معني ((إذا شبعت)) إذا رعت، والعرب تقول: شبعت خبزا ولحما يعنون من خبز ولحم. المعني: يعرفها أن الإبل لا تفكر في موت صاحبها لأنها بهيمة، فلا يجب لصاحبها أن سفق عليها، ثم فضلها- يعني الإبل- علي سائر الأموال للقنية ولقضاء الحقوق. (12) وقال آخر، إسلامي: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) ألا ترين وقد قطعتني عذلا ... ماذا من البعد بين البخل والجود إلا يكن ورقي غضا أراح به ... للمعتفين فإني لين العود ويروي ((إلا يكن ورق غض)) أراد به يعني أجود به، يقال: هو يراح للمعروف أي يهتز له. المعني: يخاطب امرأة يقول: قد أوجعتني بملامتك ألا تعلمين بعد ما بين البخل والجود، فلم تلومينني علي الجواد والجواد محمود؟ ! ولم تلومينني علي البخل والبخل مذموم؟ ثم قال: إن لم يكن مالي كثيرا أجود به فإني حسن اللقاء ظاهر البشر معاً.

(13) وقال قيس بن عاصم المنقري: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) إني امرؤ لا يعتري خلقي ... دنس بفندة ولا أفن من منقي في بيت مكرمة ... والفرع ينبت حوله الغصن خطباء حين يقوم قائلهم ... بيض الوجوه مصاقع لسن لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن ويروي ((يهجنه)) أي يعيبة، والأفن: قلة العقل، ومنقر قبيلة، ومصاقع: في صوتهم جهارة الواحد مصقع ومسقع. المعني: حدث الهيثم بن عدي عن عوانة قال: قال الأحنف: ما تعلمت الحلم إلا تعلما من قيس بن عاصم المنقري: بينا نحن عنده ذات يوم أتاه آت فقال: يا أبا علي إن فلانا أبن عمك قتل أبنك فلانا فقال: رحم الله فلانا وبئس ما صنع فلان، ثم أقبل علينا بالحديث وما حل حبوته ولا قطع حديثة، ثم لم يلبث أن أتي بابنة مقتولا مع أبن عمة مكتوفا فقال: يمين قطعتها شمال، وما درك اليمين في قطع الشمال، ادفنوا

أخاكم ودعوا أبن عمكم واحملوا ديته إلي أم قتيلكم فإنها غريبة فينا، ثم أنشأ يقول: إني امرؤ .. الأبيات. يقول: إني كريم الخلق لا آتي ما يعيب خلقي ويضعفه، ووصف قومه بالفصاحة والبيان، والتغافل عن عيب الجار والحفظ في مجاورته. (14) وقال أبن عنقاء الفزاري، وعنقاء طائر ليس له مسمي إلا هما: (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) رآني علي ما بي عملية فأشتكي ... إلي ماله حالي أسر كما جهر دعاني فآساني ولو ضن لن أقم ... علي حين لا باد يرجى ولا حضر قولة فأشتكي إلي ماله: مجاز جعل رجوعه إلي ماله في إصلاح أمرة شكاية منه إلية، وقولة: أسر كما جهر أي لا ينافق يعني أنه أسر الاهتمام بأمري كما أظهره وآساني: جعلني أسوة بأن أعطاني من ماله. فقلت له خيرا وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أسديت من ذم أو شكر غلام رماه الله بالخير مقبلا ... له سيمياء لا تشق على البصر ويروي ((في الخير مقبلا)) ويروي ((يافعا)) وقولة: له سيمياء يعني الحسن والبهجة، ولا يشق له البصر يعني لا يكره النظر إلية، ويروي ((له سيمياء لا يشق لها البصر)) أي لا يمكن النظر إليها لفرط شعاعها كالشمس، فالعين لا تفتح لتنظر إليها، يعشي نور البصر ويغلبه.

كأن الثريا علقت في جبينه ... وفي أنفه الشعري وفي خده القمر ولما رأي المجد استعيرت ثيابه ... تردي رداء واسع الذيل وائتزر كريم ثنته للمكارم هزة ... فجاء ولا بخل لديه ولا حصر إذا قيلت العوراء أغضي كأنة ... ذليل بلا ولو شاء لانتصر المعني: خبرت أن الربيع بن عميلة مر بابن عنقاء الفزاري ثم المازني وهو يحتفر البقل ويأكله فقال: ما ألجأك إلي هذا؟ قال: إعفاء قومي وصون وجهي، وكان عملية سكران يميل علي فرسه فقال له: إن لك علي أن أقاسمك مالي، فلما أصبح قالت أبنته: لو أتيت عملية فقد وعدك أن يقاسمك ماله قال: يا بنية إن الفتي كان سكران، ولا أدري لعلة لم يعقل ما قال، فبينا هي تراجعه الكلام إذ أقبل عليهم كالليل من إبل وغنم فقال: يا بنية هذا والله عملية، فأتاه فقاسمة ماله بقرة بقرة وشاة شاة فقال أبن عنقاء: رآني علي ما بي ... الأبيات، يشكر لعملية اهتمامه بأمره ومؤاساته في وقت لو بخل كان معذورا لشدة الزمان، ثم وصفة بحسن الوجه وتلألؤ شعاعه ومدحه شبوغ المجد والاهتزاز للمكارم، ونفي عنه البخل والحصر ووصفة بالإعراض عن فحش الكلام. (15) وقال محمد بن سعيد الكاتب، إسلامي:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) سأشكر عمرا ما تراخنت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت المعني يقول: إن بقيت شكرت عمرا نعمه علي التي لم يتبعها بمن. فتي غير محجوب الغني عن صديقة ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت المعني: يمدحه ببذل المال في حال السعة وتجمله في حال الضيق. رأي خلت من حيث يخفي مكانها ... فكانت قذى عينية حتى تجلت فكانت قذى عينية أي لم يصبر عليها كما لا يصبر الرجل علي قذى في عينة حتى يخرجها، وقولة: حتى تجلت تعجل الرجل إخراج القذى من عينة إذا حصل فيها. (16) وقال، وهو فدكي البهراني جاهلي:

(الأول من الكامل والقافية من المتدارك) إن أجز علقمة بن سيف سعيه ... لاأجزه ببلاء يوم واحد لأحبني حب الصبي ورمني ... رم الهدي إلي الغني الواجد ولقد نضخت مليلتي فتميثت ... عن آل عتاب بماء بارد ببلاء أي نعمة، ورمني أصلح حالي، والهدي امرأة تزف والمليلة الحرارة، يقول: أصلحت ما بيني وبين آل عتاب، تميثت بردت وذابت. المعني: يشكر كثرة نعم علقمة علية وعجزة عن شكره عنها، وذكر فرط منته له، ونهاية تفقده إياه، ووصف إصلاح قلبه وإزالة ما كان فيه علي آل عتاب. (17) وقال أبو زياد الأعرابي الكلابي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) له نار تشب بكل واد ... إذا النيران ألبست القناعا

ويروى ((بكل ربع)) وفسروا القناع طوقا أي مفترات النيران مخافة أن يراها الضيف فيقصدها فيضيف صاحبها، ويروي ((إذا الظلماء حللت القناعا)) المعني: يصفه بالسخاء واستدعاء الناس إلي ضيافته بضوء النار. ولم يك أكثر الفتيان مالا ... ولكن كان أكثرهم ذراعا ويروي ((أكثر الشبان)) ويروي ((ولم يك أكثرهم سواما)) يعني المال الراعي. المعني: لم يكن أغني الفتيان ولكن أسخاهم. (18) قال العرندس، أحد بني أبي بكر بن كلاب يكدح بني عمرو الغنوي وكان أبو عبيدة إذا أنشدها يقول: هذا والله محال، كلابي يمدح غنويا، والعرندس البعير الشديد: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) هينون لينون أيسار ذوو كرم ... سواس مكرمة أبناء أيسار هين هين، والجمع هينون، ولين مثله. وأيسار جمع ياسر وهو اللاعب بالميسر، وسواس مكرمة أي يرضون المكارم. المعني: كرام بنو كرام.

إن يسألوا الخير يعطوه وإن خبروا ... في المحل يدرك منهم طيب أخبار وإن توددتهم لأنوا وإن شهموا ... كشفت أذمار شر غير أشرار خبروا امتحنوا، توددتهم: طلبت مودتهم، ويروي ((غير أغمار)) والاذمار جمع ذمر وهو الشجاع الفاتك. المعني: يمدحهم بإعطاء السائل وطيب المخبر، وباللين لمن يواليهم والشدة علي من يعاديهم. فيهم ومنهم يعد المجد متلدا ... ولا يعد نثا خزي ولا عار لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا ... ولا يمارون إن ماروا بإكثار متلدا أي مقيما قديما. المعني: يصفهم بتقدم الخير وانتفاء العار عنهم، وسلامة منطقهم من الفحش، وبالاقتصاد في المراد. من تلق منهم تقل لا قيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري المعني: يذكر أن كل واحد منهم يصلح للسيادة لكمال نبلة وعظم قدرة وإن انتفاع الناس بهم كانتفاعهم بالنجوم في السري ليلا. (19) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) رهنت يدي بالعجز عن شكر بره ... وما فوق شكري للشكور مزيد المعني: بالغ في وصف نعمته بالعظم، وذكر أنة مع إيفائه علي الشاكرين عاجز عن شكر بره وجعل رهنا وهنا بالعجز عن ذلك. ولو كان شيئا يستطاع استطعته ... ولكن مالا يستطاع شديد المعني: أكد في هذا البيت ما قدم ذكره في الأول أشار إلي أن شكره ليس مما يستطاع

(20) وقال حسين بن مطير الأسدي، إسلامي: (الثالث من الطويل والقافية من متدارك) له يوم بؤس فيه للناس أبؤس ... ويوم نعيم فيه للناس أنعم فيمطر يوم الجود من كفة الندي ... ويمطر يوم البؤس من كفة الدم المعني: يذكر أن أيام عمرة مقسومة شطرين يشتغل في أحدهما ببذل العطاء وفي الآخر بقتل الأعداء. فلو أن يوم الجود خلي يمينه ... علي الناس لم يصبح علي الأرض معدم ولو أن يوم الخوف خلي عقابه ... علي الناس لم يصبح علي الأرض مجرم المعني: يقول لو بالغ العطاء بإرسال يده فيه لأغني العالم، ولو بالغ في وقت الغضب في إرسال يده في وقت العقاب لأفني المجرمين. (21) وقال أبو الطحمان القيني، جاهلي، والطمحان فعلان من طمح إذا أرتفع، وطمح بأنفه إذا تكبر، والطمحان أسمة شرقي بن بسطام: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)

إذا قيل أي الناس خير قبيلة ... وأصبر يوما لا تواري كواكبه يروي تواري وتواري، وقد تسر علي وجهين أحدهما يريد به كثرة الغبار، أي لا تبين الشمس لسطوع الغبار، وإذا لم تكن الشمس ظهرت الكواكب، والآخر يريد الشدة أي أظلمت الدنيا في أعين الناس لفظاعة الأمر، ورئيت الكواكب، وهذا أصح والأول مدخول لأنة إذا لم تر الشمس فالنجم أولي. فإن بني لأم بن عمرو أرومة ... سمت فوق صعب لا تنال مراقبة فوق صعب أي جبل صعب، ومراقبة أعالية، المعني: يفضلهم علي جميع الناس، ويصفهم بالثبات في الحروب الشديدة وبالعزة المنيعة. أضاءت لهم أحسابهم ووجوهم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبة المعني: يصفهم بحسن الوجوه وكرم الأحساب. (22) وقال آخر عروة زيد الخيل، إسلامي: ((الأول من البسيط والقافية من المتراكب))

يا أيها المتمني أن يكون فتي ... مثل أبن ليلي لقد خلي لك السبلا المعني: ليس هذان البيتان من الضيافة في شيء وهما أبلغ المدح يقول: يا من يتمني أن يكون مثل عروة قد خلي الطريق فكن مثله إذا قدرت علي ذلك. اعدد نظائر أخلاق عددن له ... هل سب من أحد أو سب أو بخلا ويروي ((اعدد ثلاث خصال قد عددن له))، يقول: ما سب أحدا لكرمه وما سبة أحد لعزته، وما بخل بجود. وقال آخر: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) لم أر معشرا كبني صريم ... تلفهم التهائم والنجود أجل جلالة وأعز فقدا ... وأقضي للحقوق وهم قعود وأكثر ناشئا مخراق حرب يعين علي السيادة أو يسود تلفهم: تجمعهم، والتهائم جمع تهامة، والنجود جمع نجد، مخراق حرب: صاحب حرب، الناشئ: المقتبل الشباب. المعني: يصفهم بالجلالة التامة، وقضاء الحقوق للخاصة والعامة، وبالشجاعة وإحكام أمر السيادة. (24) وقال شقران مولي سلامان من قضاعة: حكي أن أباه أنشده إياها عنة، وشقران يحتمل أن يكون جمع أشقر كما قيل: سودان وحمران.

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لو كنت مولي قيس عيلان لم تجد ... علي لانسان من الناس درهما ولكنني مولي قضاعة كلها ... فلست أبالي أن أدين وتغرما أدين آخذ الدين. المعني: يهجو قيس عيلان بقلة التعاون ويمدح قومه قضاعة بحسن المعونة والتحمل عنة. يقول: لو كنت أبن عم قيس لم أستدن درهما من الناس لعلمي أنهم لا يقضون، ولكني أبن عم قضاعة أستدين ولا أبالي لأنهم يقضون عني. أولئك قومي بارك الله فيهم ... علي كل حال ما أعف وأكرما ثقال الجفان والحلوم رحاهم ... رخي الماء يكتالون كيلا غذمذما ثقال الحلوم يريد الوقار، أي لا طيش فيهم، رحاهم رحى الماء لأنها أكثر طحنا من رحى اليد، والغذمذم الكثير الجزاف. المعني: دعا لهم بالبركة ووصفهم بالكرم والعفة. جفاة المحز لا يصيبون مفصلا ... ولا يأكلون اللحم إلا تخذما جفاة جمع جاف، والمحز موضع الحز هنا، وهو الفصل، أي لا يتأنفون في فصل اللحم فعل الجزار، ولكنهم يفصلون اللحم بجفاء كما يتفق، ولا يأكلون اللحم إلا تخذما، فسره بعضهم أنة بنهش بعض اللحم من بعض، ويختذم ذا من ذا لكثرة اللحم، وليس هذا بشيء لأنة فعل الكلاب، ولكن الأختذام هنا طيب النفس، يقال رجل خذم وهو الطيب النفس، وقوم خذمون أي طيبو النفس سمحون، وأراد يؤاكلون جماعتهم من الضيفان والأصحاب، ويكون الخذم السمح. المعني: يصفهم بسعة الحال في الطعام.

(25) وقال أبو دهبل الجمحي، يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) إن البيوت معادن فنجارة ... ذهب وكل بيوته ضخم البيوت: أراد بها الأصول والقبائل، وذهب يعني خالص نفيس كالذهب لاعب فيه، وكل بيوته ضخم يعني القبائل التي اكتنفته من أخواله وأعمامه مثل هاشم وأمية ومخزوم. عقم النساء فما يلدن شبيهة ... إن النساء بمثله عقم المعني: يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بشرف الأصل وعدم المثل. متهال بنعم بلا متباعد ... سيان منة الوفر والعدم نزر الكلام من الحياء تخالة ... ضمن وليس بجسمه سقم جعل نعم ولا أسمين فأدخل الباء عليهما أي لا يستعمل لا في جواب سائلة، ضمنا أي زمنا، والضمانة الزمانة. يصف صلى الله عليه وسلم- بفرط السماح واستواء حالتي الفقر والغني عنده في ترك العطل والتذلل، ويمدح بقلة الكلام في غير حاله.

(26) وقالت ليلى الأخيلية: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) يا أيها السدم الملوي رأسه ... ليقود من أهل الحجاز بريما السدم: الحزين المغتاظ، ومنة قولهم: خادم سادم، والملوي رأسه يتلفت من الغيظ وبريما أوباشا مختلطين، وأصل البريم الخيط من لونين، وعنت الجيش لسواده وبياضه أتريد عمرو بن الخليع ودونه ... كعب إذن لوجدته مرءوما يروي: ((أتريد)) و ((أتروم)) تعني كعب بن ربيعة بن عامر لو طلبته لوجدت قومه. منعطفين علية يمنعون والرئمان بنو ذات الولد علي ولدها. إن الخليع ورهطه من عامر ... كالقلب ألبس جؤجؤا وحزيما من عامر تعني عامر بن صعصعة، والحزيم موضع الحزام، تقول: موضع الخليع من قومه موضع القلب من بدنه أي هو واسط عامر. المعني: تسفه من تخاطبه وتنسبه ألي الحيرة في قصد عمرو بن الخليع، وتبين أنة عزيز في قومه بمنزلة القلب من البدن لا سبيل إلية. لا تغزون الدهر آل مطرف ... لا ظالما أبدا ولا مظلوما قوم رباط الخيل وسط بيوتهم ... وأسنة زرق يخلن نجوما المعني: تصفهم بالشجاعة، وأخذ الأهبة للحرب أي لا تغزونهم ظالما أي طالبا

لغنيمة تغنمها من جهتهم فإنك لا تقدر علي ظلمهم، وانتهاز الفرصة فيهم، ولا تغزونهم مظلوما أي إن ظلموك فلا تطمع في الانتصاف منهم فإنك لا تدرك منهم ثأرك بل تضام ثانيا، ثم وصفت أن خيلهم مقربة وأسنتهم لامعة. ومخرق عنة القميص تخالة ... وسط البيوت من الحياء سقيما حتى إذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء علي الخميس زعيما أي لا يبالي كيف ثيابه، لأنة لا يزين نفسه إنما يزين حسبة ويصون كرمة، وقيل إنه متصل الغزوات كثير الأسفار، فقميصه متخرق لذلك، والأول الوجه، وتقول: يمتقع لونه من شدة الحياء أي لا يكون بلغ من إكرام القول ما في نفسه، ويروي ((حتى إذا برز اللواء)) المعني: تصفه بالابتذال في الحي وفرط الحياء، والسادة وقت الحرب. (27) وقالت أيضا، ويقال: قالها أبوها؛ : (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) نحن الأخايل لا يزال غلامنا ... حتى يدب علي العصا مذكورا تقول لا يزال غلامنا مذكورا بالشرف حتى يهرم، لا يفارق ما يذكره علي سبيل المدح. المعني: لسنا ممن يفعل المكرمة، ثم لا يعاود هابل يستمر علي المكارم. تبكي السيوف إذا فقدن أكفنا ... جزعا وتعلمنا الرقاق بحورا قولها تبكي السيوف إذا فقدن أكفنا: تريد نحن نروي السيوف من دماء أعدائنا، وغيرنا لا يفعل ذلك، فإذا فارقت السيوف أكفنا بالعطش، وتعلمنا الرفاق بحورا لأنا نوسع عليهم خيرا وننحر لهم إبلنا، ولا نمنعهم مالنا كالبحر لا يمنع واردًا يقصده.

ولنحن أوثق في صدور نسائكم ... منكم إذا بكر الصراخ بكورا الصراخ: الاستغاثة، وأصلة الصوت. يقول: نحن نحمي نسائكم وثقتهن بنا أكثر من ثقتهن بكم، وإنما خصت الصراخ بالبكور لأن الغارة تقع صباحا، وذلك عادة العرب، المعني: تتمدح بعموم الشرف والشجاعة فيهم. (28) وقال آخر: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) يشبهون سيوفا في صرامتهم ... طوال أنضية الأعناق واللمم الصرائم جمع صريمة وهي المضي في العزم، وأنضية الأعناق واحدها نضي وهو ما بين الرأس إلي الكاهل. المعني: مدحهم وذكر أنهم يشبهون سيفا ووصفهم بطول العنق لأنة يدل علي الذكاء، ويقال: ((لم تقصر فكاد يكون صاحبها ذكيا)). إذا غدا المسك يجري في مفارقهم ... راحوا تخالهم مرضي من الكرم المعني: يصفهم باستعمال الطيب، وجعله يجري في مفارقهم كثرة، ومعني تخالهم مرضي من الكرم أي لا يبطرون في النعمة، ولا يختالون في الرفاهية.

(29) وقال بعض طييء يرثي الربيع وعمارة أبني زياد العبسيين، وكانت بينهم مودة: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) فإن تكن الحوادث حرقتني ... فلم أر هالكا كابني زياد ويروي ((حرقتني)) أي أصابتني وأخذت مني، ومنة رجل محرف حرفة الدهر، اجتاح ماله فأفتقرة، ومن روي جرفتني فقد غير إلا أن معناه قريب كأنة قال أجرفتني. هما رمحان خطيان كانا ... من السمر المثقفة الصعاد تهال الأرض أن يطأا عليها ... بمثلها تسالم أو تعادي أراد بقولة: تهال الأرض هيبتها وقولة: بمثلها تسالم أو تعادي، يريد إن سالم بهما أمنت، فإن عاديت فاستنصرتهما نصراك فقهرت عدوك. المعني: يرثي أبني زياد، ويصفهما بشدة الهيبة ويشبههما برمحين في استواء القامة والثبات في النجدة.

(30) وقال آخر وهو أبو الشيص: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) كريم يغض الطرف فضل حيائه ... ويدنون وأطراف الرماح دوان وكالسيف إن لم ينته لأن متنه ... وحداة إن خاشنتة خشنان المعني: يصفه بفضل الحياء والشجاعة. (31) وقال العجير السلولي، كان في زمن الحجاج: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إن أبن عمي لأبن زيد وإنه ... لبلال أيدي جلة الشوال بالدم طلوع الثنايا بالمطايا وسابق ... إلي غاية من يبتدرها يقدم الجلة: المسان من الإبل جمع جليل، والشول الإبل، وبلالها بالدم أن يعرقبها إذا أراد نحرها، طلوع الثنايا هذا مثل، أي يسمو إلي المكارم لأنة بعيد الهمة. المعني: يصف أبن عمة بنحر الإبل وبعد الهمة.

من النفر المدلين في كل حجة ... بمستحصد من جولة الرأي محكم جديرون ألا يذكروك بريبة ... ولا يغرموك الدهر ما لم تغرم المستحصد: المستحكم أحصدته فاستحصد، لا يغرموك أي لا يلزموك أرش جنايتك إلا أن تأبي وتكره أن يتحملها غيرك، ويروي ((ولا يعرموك)) بالعين و ((مالم تعرم)) ويفسر لا يجنون عليك ما لم تجنه. المعني: يمدحهم بالجود وجودة الرأي وفضل الحجة، والذكر الجميل لما غاب عنهم، وترك العرام عليهم. (32) وقال أيضا: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أقول لعبد الله وهنا ودوننا ... مناخ المطايا من مني فالمحصب لك الخير عللنا بها عل ساعة ... تمر وسهوان من الليل يذهب وهنا وموهنا أي بقدر قطعة من الليل، والمحصب حيث يرمي حصى الجمار، وهي جمار العقبة، وعللنا بها أي بالمرأة أي غننا بذكرها وحديثها، ويروي ((سهواء من الليل)) أي قدر من الليل. فقام فأدني من وسادي وسادة ... طوي البطن ممشوق الذراعين شرحب بعيد من الشيء القليل احتفاظه ... عليك ومنذور الرضا حين يغضب طوي البطن يعني عبد الله، وممشوق الذراعين أي طويلهما، قليل اللحم عليهما، وشرحب طويل، واحتفاظه غضبة، وقال بعضهم: يكون من الحفظ أي لا يحفظ زادة عمن يسأله، وليس المعني هذا لأنة قال منذور الرضا أي لا يكاد يرضي إذا غضب. يمدح عبد الله ويصفه بالضمر وعري الأشاجع. وطول القامة، وقلة الغضب من الشيء اليسير وبعد الرضا.

هو الظفر الميمون أن راح أوغدا به الركب والتعابة المتحبب المعني: يصفه بتعوده الظفر أينما كان، وبالفكاهة والتودد إلي الناس، ويذكر أنه طلب إليه تعليله بذكر من يهواه وإجابته إلي ذلك. (33) وقال أبو دهبل الجمحي في الأزرق المخزومي: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) ماذا رزئنا غداة الخل من رمع عند التفرق من خيم ومن كرم ظل لنا واقفًا يعطي فأكثر ما قلنا وقال لنا في وجهه نعم الخل هنا موضوع ورمع موضع، والخم الخلق، فأكثر ما قلنا تقديره فأكثر

شيء قلناه له أي سألناه، وأكثر شيء قاله نعم. المعني: هذه الأبيات بالمراث أشبه منها بالأضياف ثم انتحي غير مذموم وأعيننا لما تولي بدمع سافح سجم تحمله الناقة الأدماء معتجرًا بالبرد كالبدر جلي ليلة الظلم معتجرا أي معتما. المعني: يصف خروجه محمودا، وبكاءهم لفقده، ووصف حسنه وشبيهه بالبدر لما خرج راكبا معتما. (34) وقال أيضًا فيه: (الأول من المنسرح والقافية من المتراكب) مازالت في العفو للذنوب واط لاق لعان بجرمه غلق حتى تمني البراة أنهم عندك أمسوا في القد والحلق الغلق: الهالك. المعني: يصفه بفرط حبه العفو يقول: قد تمني من ليس بذي ذنب أنه مقيد مأسور عندك حتى تنعم عليه بمثل ما تنعم علي أسرائك. (35) وقال الحزين الليثي في علي بن الحسين بن علي- صلوات الله عليهم- وقال دعبل: وهي لكثير بن كثير السهمي وقال بعضهم: هي للفرزدق في علي بن الحسين، وكان سبب هذه القصيدة أن هشام بن عبد الملك حج أيام خلافته، فلما انتهي إلي الحجر الأسود جهد أن يستلمه فزوحم ولم يمكن منه، والموسم لا يحتمل ما يحتمل سائر الأمكنة فأقبل علي بن الحسن، فأعظمه الناس وأفرجوا له عنه حتى استلم علي تمكن، فلما قضي وطره رجع وعاد الزحام فأقبل رجل من وجوه الشام

على هشام بن عبد الملك فقال: من هذا الذي قد أعظمه الناس هذا الاعظام فقال: لا أعرفه - حسدًا منه- وحضر الفرزدق فقال: لكني أعرفه، فقال الشامي من هذا يا أبا فراس فقال: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب)

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحلو الحرم إذا رأته قريش قال قائلها إلي مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم الحطيم: حجر الكعبة اسم له، يستلم يفتعل من السلام وهو مس الحجر. المعني يصفه بالشهرة ونهاية الكرم وطيب المولد والمنشأ في بيت النبوة حتى كاد الحجر الأسود يمسكه حبًا له لأنه ابن الرسول صلى الله عليه وسلم. أي لقبائل ليست في رقابهم لأولية هذا أو له نعم

المعنى يقول: ما من قبيلة من قبائل العرب إلا له ولأسلافه نعم في عنقها وأعظم النعم نعمة الدين بها اهتدوا من الضلالة وأمنوا من الخرب. بكفه خيزران ريحه عبق ... من كف أروع في عزنينه شمم يغضي حياء ويغضي من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم يروي هذان البيتان لابن أذينة في بعض بني مروان، وبكفه خيزران يعني مخصرة، وذلك من عادات العرب وملوكها، يمسك الواحد منهم بيده قضيبا يشير به، وقوله ((في عزنينه شمم)) أي في قصبة أنفه ارتفاع، وقيل: أراد به الحمية. المعني: يصفه باستعمال الطيب وبالحمية وفرط الحياء، وغاية إجلال الناس إياه. وقال آخر: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) إذا انتدى واحتبى بالسيف دان له شوس الرجال خضوع الجرب للطالي انتدى: افتعل من النادي والندي وهو المجلس أي حضر المجلس، واحتبى بالسيف، وعادتهم أن يحتبوا بالأزر والأردية، وإذا كانت المشورة في حرب أو خصومة احتبوا بالسيوف كي لا تعوزهم اذا احتاجوا إليها. كأنما الطير منهم فوق هامهم ... لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال أي لا ينطقون عنده ولا يتحركون لجلالته وعظمته. ولما كانت الهيبة قد تكون من خوف الظلم ومن غيره، نفي خوف الظلم لتخلص الهيبة المستحقة له لجلالته، وأصل قولهم: كأنما الطير فوق هامهم أن الغربان تقع على رؤوس الإبل وظهورها

لكي تلتقط القراد والحملة. المعنى: يصفه بالحزم، ونهاية إجلال الناس إياه لجلالته لا لبطشه، وقيل: إن هذا أحسن ما قيل في الإجلال. (37) وقال العريان لسهلة وذم غيره: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) مررت على دار امرئ السوء حوله لبون كعيدان بحائط بستان فقال ألا أضحت لبوني كما ترى ... كأن على لباتها طين أفدان العيدان: الطويل من النخل، كأن على لباتها: أراد السمن، واللبات جمع لبة وهو المنحر، والأفدان: القصور وإحداها فدن يقول: كأنما طينت تطيينًا من السمن. المعنى: يذم رجلا قصده وعنده إبل سمان ضخام وهو يفتخر بسمنها. فقلت عسى أن يحوي الجيش سربها ... ولا واحد يسعي عليها ولا اثنان ورحت إلى دار أمرئ الصدق حوله ... مرابط أفراس وملعب فتيان أي يحوى الجيش عليها أي يسوقها ويحوزها، والسرب المال الراعي لا واحد له، وقوله: يسعي عليها ولا اثنان أي ليس لك عون ولا عونان يطلبون معك ويعاونونك على استدراكها، لأنك لم تكن تطعم منها، وقوله مرابط فرسان يريد أنه رئيس القوم يجتمعون عنده لسخائه.

ومنحر مئناث يجر حوارها وموضع إخوان إلي جنب إخوان ومنحر مئناث: الناقة تلد الإناث، يجر حوارها لأنها نحرت وهو في بطنها فيجر من بطنها، وموضع إخوان أي مجلس إلي مجلس، وقيل: خوان إلي خوان وهو تفسير الموضوع لا تفسير الإخوان. المعني: يذكر أنه قال له: أرجو أن ينتهبها جيش عدوك ولا تجد أحدًا يعينك، ويمدح رجلًا كريماً مر إليه من عند هذا اللئيم فوجد عنده مرابط خيل لأنه كان فارسًا، وكان منزله ملعب فتيان لأنه كان رئيسًا ومنحر مئناث لأنه كان جوادًا. فقلت له إني أتيتك راغياً بذعبلة تدمي واني أمر عان الذعلبة: الناقة السريعة، تدمي أي يخرج الدم من مناسمها للتعب الذي يلحقها، واني أمر عان أي خاضع أطلب في دم أو فكاك فقال ألا أهلا وسهًلا ومرحبًا جعلتك مني حيث أجعل أشجاني فقلت له جادت عليك سحابة بنوء يندي كل فغو وريحان جعلتك مني أي جعلتك في فبلي حيث أجعل همي وحاجتي، والفغو والفاغية نور الحناء، وما أشبه ذلك. يندي: يمطر. وقلت سقاك الله خمر سلافة بماء سحاب حائر بين مصدان المصدان: جمع مصاد وهو هضبه. المعني: يصف حاله لهذا الجواد المقصود وترحيب الجواد به، وقبوله إياه، ويذكر دعاءه للمقصود بالسقيا من ماء السحاب وسلاقة الخمر. (38) وقال آخر وهو ابن المولى، إسلامي.

(الأول من الطويل والقافية من المتواتر) وألمست كفي كفه أبتغي الغني ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي فلا أنا منه ما أنا ذوو الغنى أفدت وعاداني فالتفت ما عندي المعني: يبالغ في وصفه بالجود، وجعل جوده متعدياً وتلطف بال استماحة بقولة: وأتلفت ما عندي فجمع في قوله: الشكر والاستماحة. (39) وقال آخر: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) إذا لاقيت قومي فاسأليهم كفي قومي بصاحبهم خبيرا هل أعفوا عن أصول الحق فيهم إذا عظمت واقتطع الصدورا (¬1) ومعني أقتطع الصدورا: آخذ ما سهل أخذه من أوائل الحقوق، وهذا هو الكرم، المعني: يخاطب جارية ويقول: سلي قومي فإنهم يخبرونك بكرمي وبحسن مسامحتي إياهم وجميل معاملتي. ¬

_ (¬1) رواية المرزوقي والتبريزي " إذا عسرت" وروي المرزوقي "كفي قومًا".

(40) وقال عمرو بن الإطنابة الخزوجي، مخضرم: ((الأول من الكامل والقافية من المتدارك) إني من القوم الذين إذا انتدوا بدأوا بحق الله ثم النائل المانعين من الخنا جاراتهم والحاشدين علي طعام النازل انتدوا: جلسوا في المجلس كما بينا قبل، وبدوا بحق الله يعني الواجبات ثم بالنائل وهو العطاء للسائل، وقوله: المانعين البيت أي لا يفحشون القول لجاراتهم ويصورهن من ذلك، وقوله: [الحاشدين أي الذين لا يفترون عن القيام بذلك وهو من قولهم في الإبل لها حاشد وهو الذي لا يفتر عن حلبها]، وقيل معناه: إذا نزل بهم ضيف لم يطعموه وجده ولكنهم يجمعون القوم يأكلون معه وينسونه، والحشد الجمع. والخالطين فقيرهم بغنيهم والباذلين عطاءهم للسائل والضاربين الكبش يبرق بيضه ضرب المهجهج عن حياض الآبل

الخالطين: أي يقربون الفقير ولا يميزونه من الأغنياء إجلالاً له، وتوفرًا عليه، والهجهج الذي يطرد الإبل الذي يطرد الإبل من الحوض إذا رويت، والآبل: صاحب الإبل. والقاتلين لدي الوغي أقرانهم إن المنية من وراء الوائل خزر عيونهم إلي أعدائهم يمشون مشي الأسد تحت الوابل والقائلين فلا يعاب كلامهم يوم المقامة بالقضاء الفاصل إن المنية من وراء الوائل يقول: المنية من وراء الهارب أي تلحقه علي كل حال، لا منجي منها، ويوم القيامة يعني يوم الجماعة، وبالقضاء الفاصل أي بالحكم الفاصل، يصفهم بالبيان واللسن والحجة القاطعة. ليسوا يأنكاس ولا ميل إذا ما الحرب شبت أشعلوا بالشاعل الميل: جمع أميل وهو الذي لا سلاح معه. المعني: يصف مناقب قومه وأنهم يقدمون الواجبات، ويعقبونها بالنقل، ويصفهم بعفة اللسان وإكرام الضيف وتفقد الجار، واطلاب السائل، والشجاعة، وفصل الخطاب ونفي عنهم الفسولة، والعجز عن الفروسية. (41) وقالت حبيبة بنت عبد العزي العوراء:

(الأول من الكامل والقافية من المتدارك) إلي الفتي بر تلكأ ناقتي فكسا منا سمها النجيع الأسود المعني: تدعو علي ناقتها بدوام السير والتعب حتى تدمي قوائمها، لأنها لم تسرع إلي الفتي بر. إني ورب الرقصات إلي مني بجنوب مكة هديهن مقلد أولي علي هلك الطعام أليه أبدًا ولكني أبين وأنشد بجنوب مكة بنواحيها، أولي علي هلك الطعام أي لا أولي علي أن طعامي هلك وليس عندي شيء كما يفعل اللئام، وهذا حسن لقولها ولكني أبين وأنشد، وإنما جاز حذف لا هاهنا لما علم أن القسم لا يكون بغير واللام ومثله كثير، قال امرؤ القيس: فقلت يمين الله أبرح قاعدًا وقيل معني أبين أظهر منزلي ولا أخفيه، وأنشد أطلب من يأكل الطعام من نشدت الضالة إذا طلبتها. والمعني: تحلف بالتي يحج عليها والإبل التي سبقت هديًا إلي بيت الله تعالي أنها لا تحلف علي أن طعامها نفد ولكنها تدعو اليه. وصي بها جدي وعلمني أبي نفض الوعاء وكل زاد ينفد نفض الوعاء تفريغه ببذل ما فيه، ولت بقولها، وصي بها جدي أن أباها وجدها كان كريمين. المعني: زعمت أن ذلك وصية جدها، وذكرت أن أباها علمها البذل والسخاء. فاحفظ حميتك لا أبالك واحترس لا تخرقنه فارة أو جدجد الجدجد: صرار الليل وأمه شبيه بصوته. المعني: تخاطب رجلا ببخله تقول: إن لم تطعم ما في حميتك فأحفظ لا تعمل فيه الفارة والجدجد.

(42) وقال مالك بن جعدة التغلبي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) فابلغ صلهبًا عني وسعدًا تحيات مأثرها سفور فإنك يوم تأتيني حريباً تحل علي يومئذ نذور صهلب: اسم وهو كبير، وسفور أي كتب تنسخ، حريباً أي محروب ذاهب المال ويروي "تحل: أي تنزل، وتحل تجب، وهذا أجود. تحل علي مفرهة سناد علي أخفافها علق يمور لأمك ويلة وعليك أخري فلا شاة تنيل ولا بعير يمور يجئ ويذهب، يعني أعرقبها فأنحرها وأطعمها يوم تجيئني محروبًا مسلوب المال، وقوله لأمك يدعو عليه وعلي أمه بالويل وهو الهلاك. المعني: هذا الشاعر كان قد سأل صلهبًا فحرمه فعيره ببغله فقال: إن أتيتني بخلافك ونحرت لك ناقة نفيسة، وأطعمتك وأنت لا تعطي نفسيًا ولا خسيسًا. (43) وقال عبد الله الحوالي من الأزد، إسلامي، منسوب إلي بني حوالة، والحوالي الجيد الرأي: [الثاني من الطويل والقافية من المتواتر] لما تعيا بالقلوص ورحلها كفي الله كعبًا ما تعيًا به كعب

دعونا لها قينًا رفيقًا بمدية يجزئها فينا كما يجزأ النهب تعيا وتعايا من العي وهو العجز وتعيته بالقلوص هو أنها حسرت فنحروها، وذلك معني قوله: دعونا لها قينًا وفيقًا، وكل خادم عند العرب قين، والعبد قين، ويجزأ النهب أي الغنيمة. لعمري لقد ضيعت يا كعب ناقة يسيرً عليها أن يضر بها الركب موكلة بالأولين فكلما رأت رفقة فالألوان لها نصب يسيرًا عليها أن يضربها الركب أي كان إتعاب الركب إياها هيناً عليها، موكلة، بالأولين أي كانت ترمي بنفسها غلي الرفاق كما يرمي الهدف، ورفقة أي جماعة، والنصب: الشيء المنصوب. المعني يقول. لما تبلد كعب قلوصه كفاه الله أمرها بأن أمر بنحرها، واقتسمنا لحمها ثم وصف القلوص باحتمال التعب والتجافي في السير. (44) وقال حجر بن خالد يمدح النعمان بن المنذر، جاهلي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) سمعت بفعل الفاعلين فلم أجد كمثل أبي قابوس حزمًا ونائًلا كمثل أبي قابوس وهو أشهر، وأبو قابوس كنيته النعمان بن المنذر أي لم أجد مثله في الحزم والعطاء. فساق الإله الغيث من كل بلدة إليك وأضحي حول بيتك نازًلا فأصبح منه كل واد حللته من الأرض مسفوح المذانب سائًلا

المعنى: يفضله علي كل من سمع به حزامه وسخاوة، ودع له بالسقيا الواسعة حتى يجري الماء في أسافل أوديته وهذا علي رسم العرب لأن الجدب من قلة المطر. متى ينع ينع البأس والجود والندي وتصبح قلوص الحرب جرباء حائلا ليس للحرب قلوص وانما هذا مجاز استعمله لضعف الحرب لأن القلوص اذا جربت لم تركب، وإذا حالت لم تحلب. المعني: يصفه بأنه قوام الجود والحرب به فإذا مات لم يكن جود ولم يكن للحرب من يباشرها. فلا ملك ما يدركنك سعيه ولا سوقه ما يمدحنك باطلا المعني: يعجز الملوك عن سعيه، ويصدق السوق في مدحه يقول: كل ملك وإن اجتهد فلا يدرك سعيك، وكل سوقة وان احتشد فلا يفرط في مدحك لأنك أهل لكل مدح. (45) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ومستنبح بعد الهدوء دعوته بشقراء مثل الفجر ذاك وقودها ومستنبح: متقدم تفسيره، شقراء يعني نارًا سماها شقراء بلونها، وشبهها بالفجر لارتفاعها وانتشارها، ذاك وقودها أي متقد إيقادها، وهذا من باب جنونك مجنون، وشعرها شاعر، يراد به المبالغة، ومعني دعائه بالنار إلهابه إياها ليبعد ضوؤها فيجئ إليها. فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا بموقد نار محمد من يرودها بموقد نار يعني نفسه، محمد من يرودها أي محمد رائدها، يعني من أتاها حمد

أمرها وأهلها. المعني: يصف استجلابه بضوء النار وترحيبه. نصبت له جوفاء ذات ضبابة من الدهم مبطانًا طويًلا ركودها جوفاء يعني قدرًا واسعة لها جوف، ذات ضبابة من الدهم، شبه الشحم فوق المرق في القدر بالضبابة وهي السحابة تدنو من الأرض، ويحتمل أن يريد به ما يعلوها من البخار، وجعلها مبطانًا من الشحم أي عظيمة، كثيرًا ما في بطنها، ويروي "من الهم" أي السود، طويًلا ركودها أي لبثها علي النار لعظمها وكثرة لحمها. المعني: يصف نصبه قدرًا عظمها وكثرة لحمها. المعني: يصف نصبه قدرًا عظيمة لأجله ويعرفه مراده في الظعن والمقام ليتبغه. فان شئت أثويناك في الحي مكرمًا وان شئت بلغناك أرضًا تريدها معني هذا البيت قد اندرج في شرح الأبيات المتقدمة وهو أنه خيرة بين المسير والمقام، وأثويناك أنزلناك. (46) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ومستنبح تهوي مساقط رأسه إلي كل شخص فهو للسمع أصور أي يميل رأسه إلي كل شخص يقدره إنسانًا يلتجئ إليه، لأنه ضل لطريق، وهو ممل أي يكاد يسقط رأسه من شدة ما يلتفت يمينًا وشماًلا فهو للسمع أصور أي مائل والجمع صور.

يصفقه أنف من الريح بارد ونكباء ليلٍ من جمادي وصرصر حبيب إلي كلب الكريم مناخه بغيض إلي الكوماء والكلب أبصر حبيب أي نزوله وإنما يحبه كلب الكريم لأن الكريم ينحر له فيأكل الكلب فضل ما يبقي، والكلب لأنه من تحب محبته يعني الضيف، وأنف الريح أولها، والصرصر: ريح باردة. حصأت له ناري فأبصر ضوءها وما ماد لولا حضأة النار يبصر حضأت أي أشعلت، وما كاد المستنبح لولا حضأة النار يبصر من شدة الظلمة. دعته بغير اسم هلم إلي القرى فأسري يبوع الأرض والنار تزهر فلما أضاءت شخصه قلت مرحبًا هلم وللصالين بالنار أبشروا دعته أي بضوئها لا باسم، يبوع الأرض أي يوسع الخطي، كأنه جعل كل خطوة تزهر أي تضئ. ويقول أضاءت النار شخصه أي تبينه، ويقول: بشرت المصطليين بناري بحضور ضيف آخر. فجاء ومحمود القرى يستنفزه إليها وداعي الليل بالصبح يصفر يستفزه من الفرح، وداعي الليل بالصبح يصفر قيل: انه من ما يصوت سحراً مثل الديك ونحوه، ويروي " وداعي الليل والليل مدبر" أي جاء في آخر الليل فكأنه قال والليل قد سبق وطرد. تأخرت حتى لم تكد تصطفي القرى علي أهله والحق لا يتأخر تأخرت أي قلت له تأخرت، حتى لم تكد تصطفي القرى أي تسبق غيرك إلي القرى، فتنال صفوة القرى أي خياره، والحق لا يتأخر يعني حق الضيف لا يتأخر وان تأخر حضوره. وقمت بنصل السيف والبرك هاجد بهازره والموت في السيف ينظر

فأغضضته الطولى سنامًا وخيرها بلاء وخير الخير ما يتخير والبرك هاجد يعني الإبل، وبهزاره سمان جسام، فأغضضته يعني أعضضت السيف أطولها سناماً أي عرفتها بالسيف حتى عضها السيف، وهو مجاز وخيرها بلاء يعني أفرها ولداً أغزرها لبناً، ووطأها ظهراً وأخفها سيرًا، لأن البلاء النعمة، وهذه نعمة الناقة. فباتت رحاب جونة من لحامها وفوها بما في جوفها يتغرغر ويروي "رحاب جوزة من لحامها" أي ملئت لحماً كما يملأ العطار جونته من متاعه، يتغرغر يصوت. المعني: يصف إنسانًا حيره ضلال الطريق وشدة البرد، واهتدي بضوء نارة إليه فأحسن قراه وأكرم مثواه، ونحر له خير إبله، وطبخ وأطعنه، ورحاب: قدور واسعة. (47) وقال لآخر (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ومايك في من عيب فأني جبان الكلب مهزول الفصيل يتمدح بأن كلبه جبان، لأنه لا يجسر أن يذبح علي الضيف، وفصيله مهزول لأنه يثر الضيف عليه بلبن أمه أو ينحر أمه قبل الفصال فيهزل لذلك، يذكر كرمه وحبه للقري. (48) (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) سأقدح من قدري نصيبا لجارتي ... وان كان ما فيها كفافًا علي أهلي إذا أنت لم تشرك رفيقك في الذي يكون قليلاً لم تشاركه في الفضل

المعنى: يقول: أنزل جارتي منزلة عيالي وأعطيها من ذات القدر، وان لم يكن فيها فضل، ثم بين أ، من لم يعط صاحبه من قلة لم يعط من كثرة. (49) وقال عمرو بن الأهتم، مخضرم، والهتم: كسر الثنايا وامرأة هتماء: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) ذريني فإن الشح يا أم هيثم لصالح أخلاق الرجال سروق ويروي "يا أم مالك" المعني يقول: ذريني يا أم مالك أجر علي الكرم فان الشح يزين للإنسان العذر الكاذب والعلل الباطلة، فكأنه يسرق أخلاقه الحميدة، يقول: كل خلق شريف يفسده البخل. ذريني وحطي في هواي فإنني علي الحسب الزاكي الرفيع شفيق حطي في هواي أي ساعديني علي الجود. والمعني يستعد أم مالك علي كرمه، ويبين لها أنه يشفق علي كرمه وحسبه أن يتدنس بعيب. ذريني فأني ذو عيال تهمني نوائب يغشي رزها وحقوق جعل الضيفان والزوار عيالا، يغشي أي يغشاني رزها، ويرزأ أي يصاب. المعني يذكر أن من قصده ولزمه حقه فهو بمنزلة عياله الذي يلزمه القيام بأمره. وكل كريم يتقي الذم بالقري وللحمد بين الصحالين طريق

ويروى مكان الحمد الحزم. المعني يقول: كل كريم يطعم الضيف خشية أن يذم، والكرام لهم طرق في الكرم يسلكونها. لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق المعني: يبين أن الأماكن لا تضيق علي الناس، ولكن أخلاقهم الذميمة تضيق عليهم. (50) وقال عروة بن الورد، يقول لقيس بن زهير، وهمنا من بني عبس: (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) إني امرؤ عافي إنائي شركة وأنت امرؤ عافي إنائك واحد المعني: يقول: أنا آكل مع جماعة، وأنت تأكل وحدك. أتهزأ مني أن سمنت وأن تري بنفسي شحوب الحق والحق جاهد شحوب الحق تغير اللون لما يلحقه من جهد الحق لهذا قال: والحق جاهد المعني: يبين أن احتمال كد الحقوق أشحب لونه. أقسم جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد أقسم جسمي أي غذاء جسمي وقوت جسمي أي أفرق قوتي علي جماعة كثيرة، واقتصر من اللبن علي الماء البارد أي أفعل ذلك في الشتاء، لأن القحط أكثر والماء أبرد، ويروي أن عبد الملك بن مروان قال: "ما يسرني أن أحدًا من العرب وادني إلا عروة بن الورد لقوله: " إني امرؤ عافي إنائي شركة"

(51) وقال آخر، وهو أبو العتاهية: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) أجلك قوم حين صرت إلي الغني وكل غني في العيون جليل وليس الغني إلا غني زين الفتي عشية يقري أو غداة ينيل المعني: يعنف رجلا استغني وأحله القوم وعظموه، ولم يكتسب بغناه حمداً ولا أجراً وقال: ليس الغني إلا ما يضاف به القوم عشية إذا نزلوا ويصلهم بالغداة إذا ارتحلوا. (52) وقال مثلم بن رياح بن ظالم المري: وقال دعبل هي للشبيب بن البرصاء (¬1): (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) بكر العواذل بالسواد يلمنني جهلاً يثلن ألا تري ما تصنع أفنيت مالك في السفاه وإنما أمر السفاهة ما أمرنك أجمع إنما قالت العرب: بكرت العواذل لأنهم كانوا يشربون ليًلا ويسكرون ويهبون فإذا أصبحوا لامهم من أرد لومهم علي ذلك، وقوله بالسواد يعني في سواد الليل، المعني يصف لوم اللوائم إياه علي بذله، وتسفيههن إياه علي ذلك، وأخبر أن السفاهة في المنع دون البذل. وقتود ناجيةٍ وضعت بقفرةٍ والطير غاشية العافي وقع ¬

_ (¬1) مثلم، سبقت ترجمته في الحماسية 131 وشبيب، ترجمنا له في القطعة 5 من باب الأدب، والأبيات في معجم الشعراء ص 302 منسوبة للمثلم لا لشيب.

غاشية آتية، وأضاف العافي لاختلاف اللفظين. المعني يقول كم من راحلة نحرتها لأصحابي وألقيت رحلها بقفر من الأرض ليعلم أني كريم. بمهند ذي حلية جردته يبري الأصم من العظام ويقطع لتنوب نائبة فتتعلم أنني ... ممن يفر علي الثناء فيخدع يبري الأصم أي يقطع. المعني يقول: كم من راحلة -ذكرها - قد نحرتها لرفاقي ليتحققوا أني كريم، وهذا معني قوله ممن يغر علي الثناء فيخدع لأن اللئيم لا ينخدع. إني مقسم ما ملكت فجاعل أجرًا لآخره ودنيا تنفع المعني يقول: إني أقسم مالي قسمين فأجعل أحدهما للمعاد والآخر لثناء الدنيا. (53) وقال أبو البرج القاسم بن حنبل المري في زفر بن أبي هشام بن مسعود بن سنان، إسلامي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أوي الخلان بعد أبي حبيب وحجر في جنابهم جفاء من البيض الوجوه بني سنان لو أنك تستضئ بهم أضاءوا لهم نور النهار إذا استقلت ونور لا يغيبه العماء

هم حلوا من الشرف المعلى وممن حسب لعشيرة حيث شاءوا بناة مكارم وأساة كلم ... دماهم من الكلب الشفاء فأما بيتهم إن عد بيت فطال السمك واتسع الفناء وأما أسه فعلي قديم من العادي عن ذكر البناء فلو أن السماء دنت لمجد ومكرمة دنت لهم السماء المعلى بعني أعلي رتب الشرف، دماهم من الكلب أي ملوك، والكلب أن يعض الرجل الكلب، فيأخذه من تلك العضة عطاش لا يقدر علي شرب الماء البارد لأنه يري أمثال الجراء، والعرب تزعم أن الكلب إذا عض الرجل استحال صوته نباحًا، فينتظر به سبعة أيام فأن بال فيهن علي خلق الجراء برأ وإلا مات، ويزعمون أنه لا دواء أبلغ من شرب دم ملك، ويقال: انه يسعط به. (54) وقال أرطاة بن سهجة، إسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) ولو أن ما نعطي من المال نبتغي ... به المجد يعطي مثله زاخر البحر لظلت قراقير صيامًا بظاهر من الضحل كانت قبل في لجج خضر الزاخر المرتفع، والقراقير: السفن الطوال، الواحد قرقور، والضحل: الماء القليل، يترقرق علي وجه الأرض، والأخضر يريدون الأسود، أي لو كانت عطية البحر مثل عطيتنا التي نطلب بها الحمد لطبقت المفاوز حتى كانت السفن تجري علي الماء فيها.

ولا نكسر العظم الصحيح تعززًا ونغني عن المولي ونجبر ذا الكسر غلبنا بني حواء مجداً وسددًا ولكننا لم نستطع غلب الدهر لا نكسر العظم الصحيح أي لا نفصل اللحم إذا أعطيناه، ولكنا نعطيه صحيحًا لعزنًا، وقيل معناه لا نكسر عظم ابن عمنا أي لا نذله ونقهره ولا نتعزز عليه، وقوله ولكننا لم نستطع غلب الدهر، كأنهم أصابهم وهن فنسب ذلك إلي الدهر, واعترف بالعجز عنه. المعني: يصف نفسه وقومه بكثرة العطاء وسد خله المحتاج، وفضل مجدهم علي جميع الناس واعتذار من وهن لحقهم بأنه فعل الدهر، والدهر لا يغلب. (55) وقال حجر بن حية العبسي: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) ولا أدوم قدري بعدما نضجت بخلا لتمنع ما فيها أثافيها لا أحرم الجارة الدنيا إذا اقتربت ولا أقوم بها في الحي أخرتها لا أحرم الجارة الدنيا إذا اقتربت ولا أقوم بها في الحي أخزيها أي ما دامت علي النار نغترف منها، وقيل، لا أسكن حرها بالماء، والأول الوجه، والثاني صحيح من جهة اللغة، الدنيا تأنيث الأدنى، ولا أقوم ... الخ أي لا أشتمها ولا أفضحها، وأخزيها من الخزاية وهو الاستحياء أي أقوال لها ما تستحي منه، ويحتمل من الخزي وهو الهوان. ولا أكلمها إلا علانية ولا أخبرها إلا أناديها

قوله ولا أكلمها .... الخ أي أسرها ريبة. يصف سخاءه في تقديم الطعام وعطاه الجارة إذا جاءت سائلة، وعفافه عما يسوئها، واجتنابه مما يرتاب الناس في أمره معها. (56) وقال المساور بن هند بن قيس بن زهير، إسلامي كان في زمن عبد الملك بن مروان: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) فدي لبني عبد غداة دعوتهم بجو وبال النفس والأبوان إذا جارة شلت لسعد بن مالك لها ابل شلت لها ابلان إذا جارة شلت لسعد بن مالك لها ذمة عزت بكل مكان لبني عبد يعني بن الحارث بن سعد بن مالك من بني أسد، وبال: ماء لبني أسد، وسعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان. المعني: يفدي نفسه وأبويه بني عبد بن الحارث، ويذكر اعتزاز الجار بهم، ومنعتهم، وأنهم لا يحتملون ضيم أحد. إذا سئلوا ما ليس بالحق فيهم أبي كل مجني عليه وجان ودار حفاظ قد حللتم مهانة بها نيبكم والضيف غير مهان النيب جمع ناب وهو المسن من الإبل، ودار حفاظ هي التي يقيم بها أهلها في الجدب والخصب، يحافظ عليها ضنًا بها، ومهانة بها نيبكم أي تنحرونها للأَضياف. المعني: صرف الكلام عن الخبر إلي الخطاب، يقول: إنكم تكرمون الضيف وتهينون الإبل هبة ونحراً.

(57) وقال أيضًا (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) جزي الله خيرًا غاليًا من عشيرة إذا حدثان الدهر نابت نوائبه فكم دافعوا من كربة قد تلاحمت علي وموج قد علتني غواربه غالب حي من أحياء العرب، المعني: يستجيز الله خيرً لغالب ويشكر بلاءهم في النوائب، ومدفعتهم عنه كرباً عظاماً. إذا قلت عودوا عاد كل شمردل أشم من الفتيان جزل مواهبة إذا أخذت بزل المخاض سلاحها تجرد فيها متلف المال كاسبه الشمردل: القوي السريع، إذا أخذت بزل المخاض يعني سمنت وجعلت سمنها كالسلاح لأن صاحبها يضن بها إذا رأس سمنها فلا ينحرها، تجرد فيها أي تأهب لنحرها، متلف المال يعني الممدوح يتلف ماله في المكارم، ويكسبه من الغارات. المعني: يصفهم بحسن القامة والخفة، وبعظم الموهبة، وذكر أن سمن مالهم لا يمنعهم من نحره كما يمنع غيرهم. (58) وقال حاتم الطائي، جاهلي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر)

أيا ابنة عبد الله وابنة مالك وياء ابنة ذي البردين والفرس الورد إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيًلا فإني لست آكله وحدي هذه الأبيات لحاتم الطائي يخاطب بها امرأته وهي ماوية بنت عبد الله، وذوا البردين عامر بن أحمر بن بهدلة، وله حديث، يقول: إذا صنعت الزاد فالتمس غريباً أكيلا ويروي "قصياً كريماً" أو قريبًا، والقصي: النائية عن وطنه. أخًا طارقًا أو جارا بيت فإنني ... أخاف مذمات الأحاديث من بعدي وإني لعبد الضيف ما دام نازلًا وما في إلا تلك من شيم العبد مذمات الأحاديث: ما يتحدث به ويستحي منه. المعني: يكلف امرأته التماس منواله كلما أكل كي لا يتحدث عنه بالبخل، ودل على حسن خدمته للضيف. (59) وقال آخر وهو أبو العتاهية: (الثالث الطويل والقافية من المتواتر)

وليس فتى الفتيان من جل همه ... صبوح وإن أمسى ففضل غبوق ولكن فتى الفتيان من راح أوغدا لضر عدوا أو لنفع صديق المعنى يقول: ليس الفتوة في الأكل والشرب، ولكنها في ضر الأعداء ونفع الأصدقاء. (60) وقال حزاز بن عمرو من نبي عبد مناة، جاهلي: (الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) لنا أبل لم تهن ربها كرامتها والفتى ذاهب هجان يكافأ فيها الصديق ... ويدرك فيها المني الراغب ونطعن عنها نحور العدا ويشرب منا بها الشارب لم يهن ربها كرامتها أي لم يكرمها بأن لا ينحرها ولا يهب منها، والفتى ذاهب أي ميت. المعنى: يفتخر بكثرة الإبل وجودهم بها للصديق، ونيلهم بها المجد، ودفعهم العدا عنها، وربهم الخمر. ونؤلفها في السنين الكلول ... إذا لم يجد مكسبًا كاسب ولم تك يومًا إذا روحت ... على الحي يلغى لها جادب حبانا بها جدنا والاله ... وضرب لنا خذم صائب الجادب العائب، وحبانا بها جدنا أعطانا، والاسم: الحباء. المعنى: يصف توسيعهم على الضعف في الجحظ من مالهم وابلهم، وانتفاء العيوب عنها، وإنهم ملكوها بالسيف.

(61) وقال منصور بن مسجاح الضبي، ومسجاح: مفعال من قولهم: ملكت فأسجح: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) ومتخبط قد جاء أو ذي قربة فما اعتذرت إبلي عليه ولا نفسي المتخبط: الذي قد جاء يقصد طالباً معروف، من غير تقدم معرفته، ويروى ((فما اعتذرت إبلي إليه)) حبسنا ولم نسرح لكي لا يلومنا على حكمة صبرًا معوذة الحبس فطاف كما طاف المصدق وسطها يخير منها في البوازل والسدس معودة الحبس على الحقوق فهي عارفة بها مقرة، وطاف يعني المتخبط وسط الإبل كما يطوف الذي يأخذ الصدقات بلا حشمة ويخير منها أي يقال له اختر ما شئت والبازل ابن تسع سنين، والسديس ابن ثمان. (62) وقال عامر بن حوط من بني عامر بن عبد مناة بن بكر: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) ولقد عملت لتأتين عشية ما بعدها خوف علي ولا عدم فأزور بيت الحق زورة ماكث ... فعلام أحفل ما تقوض وانهدم يقول: لقد عملت أني أموت، وليس بعد الموت فقر ولا خوف، وبيت

الحق قبر, وما تقوض أي انهدم يريد ما تراجع من أمر الدنيا, وقيل ما تقوض أي ما انهدم من حياض إبلي] ويقال لا أحفل كذا ولا أحفل بكذا [. فلأتركن للسامين حياضهم ولا حبسن على مكارمي النعم الساملون حياضهم: الذين يصلحونها, تقول: سملت الحوض أصلحته ونقيته من الطين. المعنى يقول: لقد علمت أن الموت لابد منه فعلى أي شيء أبالي ما ينقص من مالي, ثم قال: أترك الذين يصلحون حياضهم لابلهم, ولا أقتدي بهم, ولا ألتفت إليهم, وأفرق مالي قبل وفاتي على المكارم. (63) وقال زيد الفوارس بن حصين بن ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد بن كعب بن نخالة بن ذهل بن بكر بن سعد بن ضبة: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أقلي علي اللوم يا ابنة منذر ونامي فإن لم تشتهي النوم فاسهري يستكفها عن لومه, لأنه يأمرها بالنوم أو السهر. المعنى: يقول لعاذلته: لا تلوميني وافعلي ما شئت من النوم أو السهر فإني لا أطيعك, ولا أكف عن عادة جودي بلومك. ألم تعلمي أني إذا الدهر نابني بنائبه ذلت ولم أتترتر يراني العدو بعد غب لقائه خليًا نعيم البال لم أتغير

لم أتترتر أي لم أتزلزل ولم أتحرك. المعنى يقول للعاذلة: ألم تعلمي أني لا أتخشع للنواب ولا أتقلقل لها والعدو يراني بعدما مستني النائبة ناعم البال لم أتغير عن خلقي وبعد همتي. وراكدٍة عتبى طويٍل صيامها قسمت على ضوٍء من النار مبصر طروقًا فلم أفحش وقسمت لحمها إذا اجتنب العافون نار العذور راكدة: يعني قدرًا تركد على النار, أي تدوم, عتبى أي غضبي جعل غليانها بمنزلة الغضب لها, طويل صيامها أي قيامها على الأثافي لكثرة ما فيها من اللحم, على ضوء من النار مبصر, أي لم أستر قدري ليلا. المعنى: يصف قدرًا كبيرة شديدة الغلي نصبها للأضياف, وأطعمهم منها ليلا, ولم يفحش قولا إذا أفحش السيئ الخلق. (64) وقال الهذيل بن مشجعة البولاني: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) إني وإن كان ابن عمي غائبًا لمقاذف من خلفه وورائه ومفيده نصري وإن كان امرًأ متزحزحًا في أرضه وسمائه مقاذف من خلقه أي مرام عنه في غيبته, في أرضه وسمائه يعني في غوره ونجده] لأن السماء العلو والأرض السفل كأنه قال: في سهله وجبله [وقيل: معناه في أي موضع كان:

ومتى أجده في الشديدة مرملًا ألق الذي في مزودي بوعائه وإذا تتبعت الجلائف مالنا خلطت صحيحتنا إلى جربائه ويروي ((ومتى أجئه)) وكلاهما حسن, وأصل الجلف الكشف, ومنه جلفت الطين عن رأس الدن, يقول: نحن لا نفرد الجرباء من ابل عمنا بل نقربها بصحيحتنا مشاركة له, وهذا مثل معناه أنا نخلط فقرة بغنانا, وغثه بسميننا المعنى: نيابة عن ابن عمه, ونصرته له على بعده, ومساعدته عند حاجته, ومؤاساته بماله عند خلته, وقرنه جرباءه إلى صحيحته. وإذا أتى من وجهٍة بطريفٍة لم أطلع مما وراء خبائه ويروى ((لم أطلع ماذا وراء خبائه)) أي لم أسأل ما ستره عني, وقيل بطريقة معناه جارية استحدثها فخدرها, لم أطلب النظر إليها. المعنى: إذا رجع من سفره بشيء يستره عني لم أطلب النظر إليه, , يصف حفاظه. وإذا اكتسى ثوبًا جميلًا لم أقل يا ليت أن علي حسن ردائه المعنى يقول: إذا لبس ثوبًا جميلًا حسنًا لم أحسده على ذلك. (65) وقال حسان بن حنظلة بن أبي رهم, جاهلي: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) تلك ابنة العدوى قالت باطلًا أزرى بقومك. قلة الأموال أنا لعمر أبيك يحمد ضيفنا ويسود مقترنا على الإقلال المعنى: يبطل قول التي قالت: قصر الفقر بقومك, وبين لها أنهم يحسنون

القرى مع قلة مالهم فيحمدهم ضيفهم, وإن السعادة لا تزول عنهم وإن ذهبت أموالهم. غضبت علي أن اتصلت بطيىٍء وأنا امرؤ من طيئ الاجبال أي غضبت ابنة العدوي, وقالت أنت من تميم فلماذا تتصل بطيء فقلت لها: أنا من طيء, يقال: إن رهط أوس بن حجر كانوا من طيء فانتقلوا إلى تميم, من حي طيئ أضاف إلى الأجبال لجبال مشهورة في بلادهم نحو أجأ وسلمى وعوارض. وأنا امرؤ من آل حية منصبي وبنو جوين فاسألي أخوالي وإذا دعوت إلى جديلة جاءني مرد على جرد المتون طوال أحلامنا تزن الجبال رزانًة ويزيد جاهلنا على الجهال حية من طيئ بالحيرة رهط بن قبيصة, وبنو جديلة من طيئ. المعنى: ينتسب بانتسابه إلى طيئ ويقول: غضبت علي هذه المرأة لا نتسابي إلى طيء وهي قبيلتي, وإذا دعوت بعضهم مستنجدًا إياهم جاءني شبان على خيل عراب لا نجادي, وبعض معنى هذه الأبيات قد تقدم, وقوله أحلامنا تزن الجبال أي تزيد عليها إذا وزنت معها, يقول: إذا احتيج إلى الجهل, وهو الموضع الذي يكون الحلم فيه ذلا فجاهلنا يزيد على جميع الجهال. (66) وقال إياس بن الأرت, والأرت هو عامر بن خالد بن عدي بن الكروس بن حيان بن ثعلبة:

((الثاني من الطويل والقافية من المتدارك)) وإني لقوال لعافي مرحبًا وللطالب المعروف إنك واجده وإني ممن يبسط الكف بالندى إذا شنجت كف البخيل وساعده المعنى: يصف جوده وترحيبه لعافية ووعد طالب معروفة لوجدانه, وبسط يده بالعطاء, إذا بخل البخيل. لعمرك ما تدري أمامه أنها ثنًى من خياٍل ما أزال أعاوده فشقت على صحبي وعنت ركائبي وردت علي الليل قرنا أكابده ثنى أي ثانية بعد أولى, وإنما شقت عليهم لأنهم كانوا قد استراحوا فلما عاودني خيالخا انتبهت ورحت. المعنى: يصف طروق خياله أمامة بعدما نزل القوم للاستراحة فثار شوقًا إليها, ورحل فشقت رحلته على أصحابه لما كان بهم من التعب, وعنت إبله لما كان بها من الكلال, وجعل يقطع الليل سيرًا يؤثر فيه ضعفًا, فلهذا قال قرنًا أكابده. (67) وقال آخر: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) أثنى علي بما لا تكذبين به يا بكر أي فتًى للضيف والجار إني أجاور ما جاورت في حسبي ولا أفارق إلا طيب الدار يخاطب امرأة يقول: أثني علي بحسن القيام بأمر الأضياف وتعهد الجيران فإنك لا تكذبين بذلك, وقوله: إني أجاروا ما جاورت في حسبي أي ومعي حسبي لا أفارقه ولا آتي ما أذم عليه. ولا أفارق إلا طيب الدار أي محمودا لم أعمل فيها ما يدنسني ويدنسها. المعنى: يصف حسن مجاورته من يجاوره ويدعي شهرته بذلك.

كم من لئيٍم رأينا كان ذا إبٍل فأصبح اليوم لا معٍط ولا قار ولو يكون على الحداد يملكه لم يسق ذا غلٍة من مائه الجاري في ((لا معط ولا قار)) وجهان من الإعراب رفعًا على معنى لا, ونصبًا على الحال. الحداد: قال القاسم: هو النهر وقال بعضهم هو البحر. المعنى: يقول كم من لئيم رأينا كان ذا غنى هلك ماله فأصبح لا يقال له معط ولا قار لأنه لم يكتسب بماله حمدًا, ولو ملك الحداد كثرة مائه لم يسق عطشان منه شربة. (68) قال حسان بن ثابت, مخضرم: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) المال يغشى رجالًا لاطباخ بهم كالليل يغشى أصول الدندن البالي

ويروى (لاطباخ لهم)) أي لا عقل, وقيل بل المعنى: المال يغشى رجالًا لا ينتفعون به كما أن الشجر البالي لا ينتفع بالسيل إذا أصابه, ومن روى لا طباخ بهم يعني لا خير فيهم من قولهم: هذا لحم لا طباخ به أي لا يطبخ مثله. أصل عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال أحتال للمال إن أودى فأكسبه ولست للعرض إن أودى بمحتال المعنى يقول: أبذل مالي كي لا يلزمني من عيب, فلا خير في صلاح المال بعد فساد النفس لأن المال يمكن جمعه بالحيلة بعد هلاكه, والنفس لا حيلة لها في ردها إذا هلكت. (69) وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي, إسلامي: ((الثالث من الطويل والقافية من المتواتر)) دعوت إليها فتيًة بأكفهم من الجزر في برد الشتاء كلوم إذا ما اشتهوا منها شواًء سعى لهم به هذريان للكرام خدوم دعوت إليها يعني ناقة, قال من تعاطي تفسير هذا الكتاب يعني أن برد الشتاء قد اشتد عليهم فتزلقت أكفهم فصار فيها شقوق كالجراحات, والصواب عندي أن يكن المراد بأكفهم كلوم سرعة ما يفصلون الجزور استعجالا لإطعام الضيف فتصيب الشفرة أيديهم, والدليل على هذا الوجه قوله من الجزور, ولم يقل من البرد, هذريان خفيف في كلامه وخدمته. المعنى: يصف ناقة نحرها لضيوفه ودعا

إلى نحرها جماعة تعودا الجزر, وعلى أيديهم آثاره, وصف نفسه بالخفة في الكلام إيناسًا للضيف, وبكثرة الخدمة لهم. (70) وقال أخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) فالا أكن عين الجواد فإنني على الزاد في الظلماء غير شتيم وإلا أكن عين الشجاع فإنني أراد سنان الرمح غير سليم هذان البيتان تقدم تفسيرهما في باب الحماسة. (71) وقال آخر: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) وسع بمدك ماء اللحم تقسمه وأكثر الشوب إنلم يكثر اللبن وسع به وتلفت حول حاضره إن الكريم الذي لم يخله الفطن وسع به يعني مدك الماء, وتلفت حول أي تأملهم فعله زيد فيهم. المعنى: يستكثر الماء في القدر ليسمع القوم ويأمر بتأمل الأضياف لئلا يقع في أمرهم غفلة.

(72) وقال رجل من هذيل: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) إذا هي لم تمنع برسٍل لحومها من السيف لاقت حده وهو قاطع ندافع عن أحسابنا بلحومها وألبانها إن الكريم يدافع الرسل: اللبن نفسه. المعنى يقول: إذا لم يكن لإبلنا لبن يحمي نفوسنا من السيف نحرناها به, ونحفظ أحسابنا ببذل ألبانها ولحومها. ومن يقترف خلقًا سوى خلق نفسه يدعه وترجعه إليه الرواجع المعنى يقول: من يتكلف ما ليس من طبعه يدعه وترجعه إلى خلقه الأول عادته. (73) وقال حماس بن ثامل, إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ومستنبٍح في لج ليٍل دعوته بمشبوبٍة في راس صمٍد مقابل فقلت له أقبل فإنك راشد وإن على النار الندى وابن ثامل وابن ثامل يعني نفسه. المعنى يقول: كم ضال طريقة في ظلم الليل دعوته بضوء النار إلى مكان مرتفع وأكرمته وحمدته في قصد مالي.

(74) وقال مضرس بن ربعي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدار) وإني لأدعو الضيف بالضوء بعدما كسا الأرض نضاح الجليد وجامده لأكرمه إن الكرامة حقه ... وسيان عندي قربه وتباعده نضاح الجليد: الندى, وجامده ما تعقد منه. المعنى: يصف كرمه وإنه يدعو الضيف بالنار سواء كان قريبا أو بعيدًا. أبيت أعيشه السديف وإنني بما قال حتى يترك الحي حامده السديف: شحم السنام, وإنني بما قال يعني أحمده بما حكى عن نفسه من خير أو شر, ولا أكذبه إيناسًا له. المعنى: يقول أطعم ضيفي شحم السنام أحمده على ما يقول. (75) وقال النمري, ويقال لرجل من باهلة, والنمري منسوب إلى النمر بن قاسط, وامرأة باهلة لا زوج لها, ورجل باهل متردد بلا عمل.

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وداٍع دعا بعد الهدوء كأنما يقاتل أهوال السري وتقاتله دعا بائسًا شبه الجنون وما به جنون ولكن كيد أمر يحاوله فلما سمعت الصوت ناديت نحوه بصوٍت كريم الجد حلٍو شمائله فأبرزت ناري ثم أثقبت ضوءها وأخرجت كلبي في البيت داخله المعنى يقول: كم داع بالليل مكابد هول السرى, شديد الحيرة ناديته بصوتي وأوقدت له ناري وأخرجت له كلبي ليسمع فيجيء. فلما رآني كبر الله وحده وبشر قلبًا كان جمًا بلابله فقلت له أهلًا وسهلًا ومرحبًا رشدت ولم أقعد إليه أسائله المعنى يقول: لما رآني فرح واستبشر فرحبته وأكرمته, لم أسائله عن أحواله بل قمت إلى أعداد ما يطعمه. وقمت إلى برٍك هجاٍن أعده لوجبة حق نازٍل أنا فاعله بأبيض خطت نعله حيث أدركت من الأرض لم تخطل علي حمائله البرك: الإبل الكثيرة الكثيرة الواحد بارك, لوجبة حق, ويروى ((لنوبة حق)) , وقوله أبيض خطت نعله أي بسيف طويل يخط نعله في الأرض يعني نصل السيف, ولم تخطل لم تضطرب لطول قامتي. المعنى: لما نزل الضيف قمت إلى ابل كريمة معدة لقضاء الحقوق بسيف صقيل طويل, لم يطل علي لطول قامتي. فجال قليلًا واتقاني يخيره سنامًا وأملاه من الني كاهله فجز وظيف القرم في نصف ساقه ... وذاك عقال لا ينشط عاقله ويروي ((فخر وظيف القرم)) أي سقط وظيفه, وسمى ضربة السيف عاقلا, لأنه ضربه في موضع العقال, لا ينشط عاقله أي لا يحله أبدًا, يقول:

فزعت الإبل لما رأتني لما عرفت من عادتي فيها فجالت قليلًا, ثم عقرت خيرها سنامًا وأكثرها شحمًا وكاهلًا .. بذلك أوصاني أبي وبمثله كذلك أوصاه قديما أوائله المعنى: يقول: أوصاني بمثل هذا الفعل أبي, وأوصاه بمثل ذلك آباؤه. (76) وقال النابغة الذبياني: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لنا بفناء البيت سوداء فخمة تلقم أوصال الجزور العراعر ويروى ((دهماء فخمة)) , والدهماء السوداء, وفخمة ضخمة, والعراعر: الضخم. بقية قدٍر من قدور تورثت لآل الجلاح كابرًا بعد كابر تظل الإماء يبتدرن قديحها كما ابتدرت سعد مياه قراقر ويروى ((يقتدحن قديحها)) أي مقدوحها, وقرار ماء لقضاعة وهو فراطة بينهم أيهم سبق إليه سقى وأرى, يقول: من سبق إلى هذا القدر غرف منه ولم ينتظر به أخر وسعد هو بن قضاعة المعنى: يمدح رجلًا بكثرة الطعام, وأن له قدرًا كبيرة سوداء لكثرة الاستعمال خارج بيته, من انتهى إليها غرف منها. (77) وقال الفرزدق:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وداٍع بلحن الكلب يدعو ودونه من الليل سجفا ظلمٍة وغيومها أي نبح كما ينبح الكلب, وفي تثنية السجف قولان: أحدهما أنه واحد فثني لفظًا على مذهب العرب, والآخر ستر ظلمة المشرق وستر ظلمة المغرب, وقوله غيومها ظاهرة, أي الغيوم مضافة إلى (الظلمة) إلا أنه من المقلب أرادوا ظلمة الغيوم. دعا وهو يرجو أن ينبه إذ دعا فتًى كابن ليلى حين فارت نجومها بعثت له دهماء ليست بلقحًة تدر إذا ما هب نحسًا عقيمها كأن المحال الغر في حجراتها عذراي بدت لما أصيب حميمها فتى يعني أباه غالب بن ليلى وأبوه صعصعة, وغارت نجومها يعني نجوم الظلمة, وقوله: بعثت له دهماء يعني أن الدهماء هنا ليست بناقة تدر ثم ينقطع درها وإنما هي قدر تدر, إذا ما هب نحسًا عمسيقها: وهو الوقت الذي ينقطع فيه در الحيوان. العقيم: الريح التي تغرق كل شيء ولا مطر فيها, والمحال جمع محالة وهي فقارة الظهر, وأراد بها قطع السنام, وقد شبه قطع السنام في القدر بالجواري يبرزن عند المصيبة لحميمهن, وذلك أنهن يلبسن السواد ووجوههن تشرق بياضًا وقطع السنام بيض والقدر سوداء, وأيضًا فإن الدموع تبل وجوههن وقطع السنام في ماء القدر بمنزلة وجوه العذارى في الدموع. غضوبًا كحيزوم النعامة أحمشت بأجواز خشٍب زال عنها هشيمها غضوبًا يعني قدرًا, جعل غليانها غضبًا لها, وأحمشت أوقدت وبأجواز خشب يعني باوساط خشب, وقوله: ((زال عنها هشيمها)) أي ما بلي من قشورها, وهشيمها عيدانها, فلم يبق إلا أواسطها, فهي أحمى لنارها كما يفعل المجوس.

محضرة لا يجعل الستر دونها إذا المرضع العوجاء جال بريمها أي جعلت حاضرة للقوم لا تستر عنهم ضنا بها, إذا المرضع العوجاء أي أعوجت هزالًا وجوعًا, والبريم خيط أو سير ينظم فيه خرز, فتشده النساء في أوساطهن, وإنما يجول البريم إذا زال من عقدها في وسطه. (78) وقال شريح الأحوص بن كلاب: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ومستنبٍح يبغي المبيت ودونه من الليل سجفا ظلمٍة وكسورها رفعت له ناري فلما اهتدى لها زجرت كلابي أن يهر عقورها الكسر: جانب البيت الذي يثنى ويكسر عند الرفع, ومعنى زجرت كلابي .. الخ لئلا تهر كقول الله تعالى: ((يبين الله لكم أن تضلوا)) أي لا تضلوا, ولم يجود في قوله: زجرت كلابي لأنه لو كثرت ضيفانه لألفته كلابه إلا أن في طلب الليل أعذر لأن الغالب مجيء الضيف بالنهار, والكلب لا يدع الحراسة بالليل. المعنى: كم مستنبح يطلب موضعًا يبيت فيه في ظلمة الليل أضأتله ناري ونهيت كلابي عن الهرير عليه. فبات وإن أسرى من الليل عقبًة بليلة صدٍق غاب عنها شرورها يقول: بات في ليلة صدق في قرى وفرح, غاب عنها شرورها وإن كان

أسرى عقبة مكروهة, ويروى ((عقبة)) و ((عقبة)). المعنى يقول بات بخير وكرامة بعد مراه عقبة في جهد ومشقة. (79) وقال مسكين الدرامي: (الأول من الوافر والقافية من المتدارك) كأن قدور قومي كل يومٍ قباب الترك ملبسه الجلال قباب الترك: بيوتها, ولعل الشاعر سمع أن قبابهم أكبر أوسع, فشبه قدور قومه بها في سعتها. كأن الموقدين بها جمال طلاها الزفت والقطران طال كأيديهم معارف من حديٍد أشبهها مقيرة الدوالي الزفت: القير شبه الطباخين بالجمال المطلية قيرًا وقطرانًا لأنه يدل على كثرة الطبخ, وربما هجي بنقاوة المطبخ وثياب الطباخ كما قيل: مطبخ داؤد في نظافته أشبه شيء بصرح بلقيس ثياب طباخه إذا اتسخت أنقى بياضًا من القراطيس والدوالي جمع دالية, المعنى: يصف قدور قومه بالعظم ويشبهها ببيوت الترك, وشبه مغارفهم بالدوالي لكبرها وسعتها.

(80) وقال العكلي عكلت الشيء جمعته بعد تفريقه: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أعاذل بكيني لأضياف ليلٍة نزور القرى امست بليلًا شمالها نزور القرى أي قليل القرى, بليلًا: باردة مع المطر, يقول لعاذلته: بكيني إذا مت لأضياف ليلة باردة مطيرة, لا يجدون من يقريهم بعدي. أعاذل مهلًا لا تلومي ولا تكن خفيًا إذا الخيرات عدت رجالها خفيًا أي بخيلًا إذا ذكرت المكارم يخفي. المعنى: يوصي عامرًا بفعل الخيرات كي يعد من أهلها, ولا يخفى إذا ذكر رجالها. أرى إبلي تجزي مجازي هجمٍة كثيٍر وإن كانت قليلًا إفالها جزأت كجزأة أي قمت مقامه, والهجمة القطعة من الإبل إلى المائة, كثير: نعت هجمة لأن فعيلا قد كثر في نعت المؤنث بغير هاء, والإفال جمع أفيل يعني ابن مخاض] والأنثى أفيلة [. مثاكيل ما تنفك أرحل جمٍة ترد عليهم نوقها وجمالها المثاكيل: جمع مثكال وهي الناقة التي اعتادت أن تثكل ولدها, بموت أو نحر أو هبة, والجمة: الجماعة يسألون في الدية, وقوله: ترد عليهم نوقها أي نوق المثاكيل وجمالها ترد على القوم الذين يطلبون في الحمالات. المعنى: يقول: إبلي مثاكيل ينحر أولادها للضيفان, ومع ذلك يعطي منها في الحمالات.

(81) وقال جابر بن خباب: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) فإن يقتسم مالي بني ونسوتي فلن يقسموا خلقي الكريم ولا فعلي أهين لهم مالي وأعلم أنني سأورثه الأحياء سيرة من قبلي وما وجد الأضياف فيما ينوبهم لهم عند علات الزمان أبًا مثلي أهين لهم يعني للأضياف والزوار, وعلات الزمان: مكارهه وشدائده, وجعل] نفسه [أبًا للأضياف لأنه يحنو عليهم المعنى: يقول: إن صار مالي ميراثًا بعد موتي فإن الجميل يخلص لي, وكذلك فعلي الحميد, ثم دل على أنه يورث ماله ورث غيره, ثم افتخر باكرامه الأضياف في شدائد الزمان, ويعطفه عليهم عطف الرجل على ولده. (82) وقال حاتم بن عبد الله الطائي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وعاذلٍة هبت بليل تلومني كأني إذا أعطيت مالي أضيمها أعاذل إن الجود ليس بمهلكي ولا يخلد النفس الشحيحة لومها

هبت: قامت من نومها, وإنما هبت بليل لأنها لا تتمكن منه بالنهار لاشتغاله بخدمة الضياف فانتهزت الفرصة ليلًا, ويروى ((قامت علي تلومني)) المعنى: كم عاذلة لا متني ليلًا لأنها تتمكن مني نهارًا, فقلت لها: إن الجود لا يهلكني, والشخ لا يخلد الشحيح. وتذكر أخلاق الفتى وعظامه مغيبة في اللحد باٍل رميمها ومن يبتدع ما ليس من خيم نفسه يدعه ويغلبه على النفس خيمها المعنى يقول: إذا مات الفتى تذكر أخلاقه فيحمد ويذم, فلا تلوميني على اقتناء المدح لنفسي, ثم قال: من تكلف ما ليس من خلقه غلب المتكلف طبعه, أي خلقي الجود فلا يمكنني أن أتعود غيره, والطبع أغلب والعادة أملك. (83) وقال أيضًا: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أكف يدي عن أن ينال التماسها أكف صحابي حين حاجتنا معا أبيت هضيم الكشح مضطمر الحشا من الجوع أخشى الذم أن أتضلعا أكف يدي أقبض يدي إذا جلسنا على الطعام فلم ينل التماسها أكف من يؤاكلني إيثارًا لهم وخوفًا أن يفنى الزاد ولم يكتفوا منه, وقيل معناه لا أجاوز بين يدي إذا أكلت والأول أوجه لما قاله من بعده ((حين حاجتنا معا)) أي كلنا جائع. وإني لأستحيي رفيقي أن يرى مكان يدي من جانب الزاد أقرعا وإنك مهما تعط نفسك سؤلها وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

أقرع أي خال من الطعام, وأصله في الرأس وقد استعمله في الطعام. المعنى يقول: لا تزاحم يدي أكف الآكلين ثم قال متى أعطيت بطنك وفرجك مرادهما, فقد جلبت على نفسك غاية الذم. وهذا بيت سائر أجود ما قيل في معناه. (84) وقال أيضًا: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) أما والذي لا يعلم السر غيره ويحيي العظام البيض وهي رميم لقد كنت أختار القرى طاوي الحشا محافظًة من أن يقال لئيم يروى مكان القرى ((الخوى)) وهو خلو البطن من الطعام, ويروى: ((القوى)) وأصله القواء قصره للضرورة وهو الخلاء, يقال: دار قواء أي خالية. المعنى: يقسم بالله عالم السر ومحيي الموتى أنه يختار القرى ويجوع البطن, ويؤثر بقوته غيره كي لا ينسب إلى اللؤم. وإني لأستحيي يميني وبينها وبين فمي داجي الظلام بهيم المعنى يقول: ربما أطفأ أحدهم النار وأمسك عن الأكل فأوهم الضيف أنه يأكل ليشبع ضيفه, وهذا معنى قوله وإني لأستحيي.

(85) وقال رجل من ال حرب: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) بانن تلوم وتلحاني على خلق عودته عادًة والجود تعويد قالت أراك بما أنفقت ذا سرٍف فيما فعلت فهلا فيك تصريد تلوم وتلحى بمعنى واحد, والجود تعويد أي جعله الله عادة له, والتصريد التقليل من كل شيء, قال ابن دريد: هو قطعك الشرب على الدابة. قلت اتركيني أبع مالي بمكرمٍة يبقى ثنائي بها ما أورق العود إنا إذا ما أتينا أمر مكرمٍة قالت لنا أنفس حربية عودوا أنفس حربية نسبها إلى قبيلته. المعنى أجابها بقوله: قلت أتركيني أي دعيني أعتاض من مالي ثناء باقيًا, ثم أفتخر بفعل المكارم, وأن أنفسهم داعية إليها. (86) وقال أبو الكدراء العجلي, إسلامي, والكدراء تأنيث أكدر, وهو اسم موضع: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر)

يا أم كدراء مهلًا لا تلوميني إني كريم وإن اللوم يؤذيني فإن بخلت فإن البخل مشترك وإن أجد أعط عفوًا غير ممنون البخل مشترك: يعني أكثر الناس بخيل, وقال بعضهم: إن أقللت العطية فأقله ما عندي, وأكون شريكًا لمن أعطيه في القليل فحظي منه مقدار الحاجة والباقي له. وهذا حسن ولكنه لا يطابق اللفظ المعنى: يستكف أم كدراء عن لومه, لأنها تستصرفه عن عادته فهو إذاء له ويقول: إن البخيل في الناس كثير وإنه إن أعطى لم يماطل. ليست بباكيٍة ابلي إذا فقدت صوتي ولا وراثي في الحي يبكيني بنى البناة لنا مجدًا ومكرمًة لا كالبناء من الأجر والطين المعنى: دعيني أعطي مالي, فإني إذا مت لم تبكني إبلي فلماذا أحفظها, ولا وارثي يبكيني بل يفرح بموتي عن تركت مالًا, ثم دل على أن مجده قديم موروث بناه سلفهم. (87) وقال مسكين الدارمي, ويقال: إنها لعبته بن يحيى, ويروى ابن بجير: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لحافي لحاف الضيف والبيت بيته ولم يلهني عنه غزال مقنع أحدثه إن الحديث من القرى وتعلم نفسي أنه سوف يهجع المعنى يقول: بيتي بيت الضيف, ولحافي لحافه, لا ألتحف به إن احتاج إليه, ولا يشغلني عنه غيره, وأحدثه إيناسًا له إلى أن ينام فإن تمام القرى المحادثة والبسط من الضيف كي لا يقدر أنه يستثقل مكانه, وأصبر على حديثه, ولا أتبرم به, وأعلم أنه ينام على كل حال.

(88) وقال عمرو بن أحمر الباهلى, مخضرم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ودهٍم تصاديها الولائد جلٍة إذا جهلت أجوافها لم تحلم ودهم يعني كم قدور, وتصاديها: تقاسمها وتداريها, ومداراتها كي لا تفور, وجلة جمع جليل, وقوله: إذا جهلت أجوافها أي غلت. ترى كل هرجاٍب لجوٍج لهمٍة زفوٍف بشلو الناب هو جاء عيلم هرجاب ضخمة, ولهمة تلتهم كل شيء لسعتها, وقوله زفوف بشلو الناب كأنها تزف بشلو الناب وهو عضوها من الزفيف, وهو ضرب من مشي الإبل سرعة, وهو جاء يعني في غليانها جاهلة كالأهوج, ويروي ((جوفاء)) أي واسعة الجوف, وعيلم: كثيرة المرق وأصله البئر الكثيرة الماء. لها لغط جنح الظلام كأنها عجارف غيٍث رائٍح متهزم لها لغط أي صوت, عجارف غيث يعني أصوات المطر إذا أقبل بشدة, متهزم: أي شديد صوت الرعد. إذا ركدت حول البيوت كأنما ترى الآل يجري من قنابل صوم شبه ما يجري من الإهالة في هذه القدور بالسراب يجري فيزل عن متون الخيل.

ويحتمل أن يكون المراد تشبيه ما يرتفع من بخارها حول البيوت بالقنابل, وشبه ما ينكشف من بخارها بالسراب ينكشف عن جماعات الخيل. (89) وقال المرار بن سعيد الفقعسي, إسلامي: (الثاني من الطويل والقافيه من المتدارك) آليت لا أخفي إذا الليل جنني سنا النار عن ساٍر ولا متنور فيا موقدي ناري ارفعاها لعلها تضيء لساٍر آخر الليل مقتر وماذا علينا أن يواجه نارنا كريم المحيا شاحب المتحسر كريم المحيا: حسن الوجه, شاحب المتحسر متغير ما يبدو منه كالوجه واليد والرجل. المعنى: يأمر موقديه بإعظام النار لعله يهتدي بها سار. إذا قال من أنتم ليعرف أهلها رفعت له باسمي ولم أتنكر فبتنا بخير من كرامة ضيفنا وبات يهدي طعمًة غير ميسر رفعت له باسمي أي صورتي, وقوله كرامة ضيفنا أي إكرامنا الضيف, ويحتمل إكرامًا لضيف لنا وقصده إيانا, ويروي ((وبتنا نهدي)) المعنى: ما يضرنا أن يقابل نارنا إذا سأل عنا بينت له اسمي. ثم بين أنه نحر للضيف ما أطعمه وفضل منه ما اتسع هو وعياله فيه, وأهدى إلى جيرانه منه, وبين أن النحر كان للضيف خاصة لا لميسر أوجب أو قمار ألزم.

(90) وقال عروة بن الورد, جاهلي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أرى أم حسان الغداة تلومني تخوفني الأعداء والنفس أخوف لعل الذي خوفتنا من أمامنا يصادفه في أهله المتخلف والنفس أخوف أي أشد خوفًا, وتخوفني الأعداء أي من إتيان الأعداء, ثم قال: لعل الذي خوفتني يلقاه المتخلف عن أصحابه. المعنى: يقول: تخوفني أم حسان الأعداء وتمنعني عن الترحال, والموت قد يأتي المقيم كما يأتي المسافر إذا حضر. إذا قلت قد جاء الغنى حال دونه أبو صبيٍة يشكو المفاقر أعجف له خلة لا يدخل الحق دونها كريم أصابته حوادث تجرف الخلة: الصداقة التي لا تجاوزها القرابة, والحق هنا القرابة, تجرف: تذهب بالمال كما تجرف المجرفة ما يجرف. المعنى يقول: كلما قلت قد جاء الغني حال بيني وبين الغنى زائر معيل واجب الحق ضعيف مضرور, له صداقة مثل القرابة, تلزم فأواسيه مالي فلا يتم غناي. (91) وقال يزيد بن الطثرية, وهو قشيري وأمه من طثر, وطثر بن الأزد, وقيل من جرم, إسلامي قتله الخوارج: ] الثاني من الطويل والقافية من المتدارك [ إذا أرسلوني عند تقدير حاجٍة أمارس فيها كنت نعم الممارس

ونفعي نفع الموسرين وإنما سوامي سوام المقترين المفالس ويروى ((وأفعل فعل الأغنياء وإنما)). المعنى: يصف نفسه بحسن التأتي في الأمور يرسل فيها, ويقول: عطائي كثير ومالي قليل لأني غني النفس. (92) وقال الأقرع بن معاذ: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) إن لنا صرمًة تلفى مخيسًة فيها معاد وفي أربابها كرم تسلف الجار شربا وهي حائمة ولا يبيت على أعناقها قسم الصرمة من الابل نحو الأربعين, ومخيسة: مذللة للقرى والبذل, ويروي ((محبسة فيها معاد)) أي تعود فيها العفاة يصيبون منها مرة بعد أخرى. والشرب الماء بعينه, ويريد اللبن هنا, والحائم العطشان الذي يحوم حول الماء يقول: هذه الإبل تروي الجار من لبنها وهي عطاش, ويروى ((نسلف)) بالنون أي نقدم شرب إبل الجار عليها لكرمنا, وهذا أشبه بالبيت الذي بعده, ولا يبيت على أعناقها, أي لا نقسم عليها أي لا تنحر ولا توهب.

ولا تسفه عند الحوض عطشتها أحلامنا وشريب السوء يحتدم أي لا تسفه عطشتها أحلامنا في حال احتدام شريب السوء. المعنى: يصف أن لهم إبلًا معدة للمكرمات ويصف فرط حلمهم. (93) وقال يزيد بن الجهم: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لقد أمرت بالبخل أم محمٍد فقلت لها حثي على البخل أحمدا فإني امرؤ عودت نفسي عادًة وكل امرٍئ جاٍر على ما تعودا يعنى: امرأته ومحمد ابن لها، فقال لها: حثي ابنك على البخل، وأحمد ومحمد سواء. المعنى: يذكر أن امرأته على البخل فرد عليها بأن الجود عادته ولا منزع عنه. أحين بدا في الرأس شيب وأقبلت إلى بنو عيلان مثنى وموحدا رجوت سقاطي واعتلالي ونبوتي وراءك عني طالقًا وارحلي غدا

اعتلالي أي اعتل على المعتافين، وراءك أي الزمي وراءك واغربي. المعنى: أبعد شيبي وسيادتي بني عيلان رجوت سقطي واعتلالي، أبعدي فقد طلقتك. (94) وقال آخر: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) إني وأن لم ينل ما لي مدى خلقي فياض ما ملكت كفاي من مال لا أحبس المال إلا ريث أتلفه ولا تغيرني حال إلى حال أي يفيض ما تملكه يدي كما يفيض الماء. يقول: إن قصر مالي عن غاية خلقي في الجود فأني أجود بالموجود، ولا حبس إلا قدر أبذله ولا أفتن في حال الضيف. (95) وقال سوادة اليربوعي، سوادة فعالة من السواد، وقد قالوا: بياضه وبياض: [الثاني من الطويل والقافية من المتدارك] ألا بكرت مي على تلومني تقول ألا أهلكت من أنت عائله مي مية في الأصل. وإنما جعل بعد الترخيم اسمًا، فلهذا نون. المعنى يقول: لا متني مي وقالت: أهلكت عيالك ببذلك مالك للناس. ذريني فان البخل لا يخلد الفتى ... ولا يهلك المعروف من هو فاعله المعنى: أجابها فقال: دعيني أجد فأن البخل لا يخلد البخيل، والمعروف لا يهلك فاعله يعني قبل الأجل، ويحتمل معنى آخر وهو أن المعروف يبقيه أي يبقي ذكره كما قيل: لم يمت من لم يمت كرمه.

(96) وقال حطائط بن يعفر أخو الأسود بن يعفر، وحطائط: الصغير المحطوط من كل شيء ويتبع بطائط، ويعفر من عفرت الزرع وهو سقيه، وقيل: يعفر- بضم الياء والفاء وبعضهم يجيز صرفه لأنه خرج عن مثل الفعل، والأجود ترك صرفه لأن ضمة الياء للإتباع فحكم أصل باق: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) تقول ابنة العتاب رهم حربتنا حطائط لم تترك لنفسك مقعدا إذا ما أفدنا صرمًة بعد هجمٍة تكون علينا كابن أمك أسودا وهو اسم ابنة العتاب، وحربتنا أي تركتنا بلا مال، أي لم تترك من ملكك قدر ما يحبسك في أهلك. المعنى: يذكر تألم رهم ابنة العتاب من جوده ومعاتبتها إياه في ذلك. فقلت ولم أعلي الجواب تبيني أكان الهزال حتف زيٍد وأربدا أريني جوادًا مات هزلًا لعلني أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدًا أي لم يمت زيد وأربد هزالًا وكانا سمحين، وقيل إنهما أخوا حطائط. المعنى: أجابها بأن زيدًا وأربد كانا سمحين ولم يموتا هزالًا بل ماتا كما يموت غيرهما، وبقي جميل ذكرهما، ثم ذكر محاجته لها ومغالبنه إياها.

(97) وقال المقنع الكندي، إسلامي: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) نزل المشيب فأين تذهب بعده وقد ارعويت وحان منك رحيل بعده أي بعد نزوله وارعويت: أي رجعت عن حالك الأولى، ورحيل أي رحلة من الدنيا، المعنى: يعظ نفسه بحلول المشيب وقرب الموت. كان الشباب خفيفة أيامه والشيب محمله عليك ثقيل المعنى: يصف أيام الشباب بالخفة لكثرة النشاط فيها، وأيام الشيب بالثقل لعوارض الأسقام والضعف. ليس العطاء من الفضول سماحة حتى تجود وما لديك قليل المعنى: يفضل جود المقل على جود المكثر. (98) وقال جؤية بن النضر، إسلامي، وجؤية تصغير جوة مخففًا، وهو رائحة صدأ الحديد ويجوز أن يكون تصغير الجية، وهو الماء المستنقع الفاسد، فعله جوي جوفه أي دوي فإذا صغرت ردت إلى أصلها: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) قالت طريفة ما تبقى دراهمنا وما بنا سرق فيها ولا خرق أنا إذا اجتمعت يومًا دراهمنا ظلت إلى طرق المعروف تستبق السرف: الخطأ. المعنى: يذكر أن طريفة امرأته قالت متعجبة ما تبقى دراهمنا، ظلت تتسابق إلى طرق المعروف، ويروى ((إلى طرق الخيرات)) يريد أنها لا تبقى لصرفنا إياها في وجوه الخير.

(99) وقال زرعة بن عمرو مخضرم: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) وأرملٍة تنوء على يديها ... من الضراء أو قصص الهزال خلطت بغثها سمني فأضحت ... شريكة من يعد من العيال قصص الهزال يقال: ضربه حتى أقصه للموت أي أدناه للموت وأشرف به عليه، وقوله: خلطت بغثها سمني أي خلطت فقرها بغناي. المعنى: يقول: كم أرملة ضعيفة القيام من الجوع أو من الهزال جعلتها في عيالي. وأفنتني اليالي أم عمرٍو وحلي في التنائف وارتحالي وتربيتي الصغر إلى مداه وتأميلي هلالًا عن هلال إلى مداه إلى وقت بلوغه واستغنائه عن قيامي عليه، أفنتني: حرمتني. المعنى: يخاطب امرأته أم عمرو يقول: حرمتني كرور الليالي وقطع المفاوز وتربيتي الأولاد وانتظاري في مضي شهر بعد شهر، يشكو الهرم. (100) وقال عبد الله بن الحشرج الجعدي، إسلامي، والحشرج الحسي، وفي

كتاب الخليل الحشرج: كوز صغير نظيف. [الأول من الوافر والقافية من المتواتر] ألا بكرت تلومك أم سلٍم وغير اللوم أدنى للرشاد وما بذلي تلادي دون عرضي بإسراٍف أميم ولا فساد إنما بكرت خشية من أن يصحبهم ويشرب في الصبوح، ويروى ((عتبت)) ويروى للسداد والرشاد. المعنى: يذكر أن أم سلم لامته ولم ترشد في لومها إياه فأجابها بأن بذلي مالي ليس بإسراف ولا فساد. فلا وأبيك لا أعطي صديقي مكاشرتي وأمنعه تلادي ولكني امرؤ عودت نفسي على علاتها جري الجواد مكاشرتي أي ضحكي إليه، والكشر الكشف عن الأسنان، ورفع ((وأمنعه)) على ((لا أعطي)). المعنى: ولا أتبسم في وجهه ولا أمنعه مالي، إلا أن من جوز هذا قال: إن المكاشرة لا تجيء إلا في موضع الذم فجاز أن ينفيها والمنع عن نفسه، وقوله على علاتها فسروا على عسرها ويسرها وشدتها ورخائها، وليس

كذلك بل المعنى على شدتها وعسرها وهذا هو معنى المثل المشهور ((الخيل تجري على مساويها)) أي على بابها من السوء، ولو نصب أمنعه كان جائزًا على الصرف أي بإضمار أي لأنه ينفي عن نفسه أن يجتمع منه أمران معًا. محافظًة على حسبي وأرعى ... مساعي آل ورٍد والرقاد المعنى: يذكر أنه يفعل ذلك مراعاة لحسب نفسه وحفظًا لمساعي قومه. (101) وقال رجل من بني سعد: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) ألا بكرت أم الكلاب تلومني تقول ألا قد أبكأ الدر حالبه تقول ألا أهلكت مالك ضلة وهل ضلة أن ينفق المال كاسبه الدر اللبن، وأبكأ حالبه أقله، يقال: بكؤت الشاة بكئًا قل لبنها. المعنى يصف أن امرأته لامته وقالت: قد أفنيت بذلًا ونحرًا، وأضللت في ذلك، فأجابها بأن الكاسب إذا أنفق لا يكون ضلالًا، وأشار إلى أنه كسب المال لينفقه لا ليورثه. (102) وقال مذعفر، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتراكب) وإني لأسدي نعمة ثم أبتغي لها أختها حتى أعل فاشفعا وأجمل نعمى ما فعلت ذمامًة ... على وآتي صاحبي حيث ودعا

وذمامة أي حقًا وهو الذمام، وآتى صاحبي حيث ودعا، لعله أراد آتي قبره زائرًا أي أحفظ عهده حيًا وميتً، ويحتمل أن يكون المعنى أزوره حيث نزل وودع راحلته. المعنى: يقول: إذا اتخذت يدًا عند أحد شفعتها بأخرى وأجعل نعمي عليه وسيلة عنده، وأزوره حيث نزل ولا أجشمه قصدي. (103) وقال عمارق الطائي، جاهلي: [الثاني من الطويل والقافية من المتدارك] ألا حي قبل البين من أنت عاشقه ومن أنت مشتاق إليه وشائقة ومن لا تواتي داره غير فينٍة ... ومن أنت تبكي كل يوم تفارقه تخب بصحراء الثوية ناقتي معدو رباٍع قد أمنحت نواهقه أي سمن حتى صار في عظامه مخ، والناهقتان، العظمان الناتئان في وجه كل ذي حافر. إلى المنذر الخير ابن هنٍد تزوره ... وليس من الفوت الذي هو سابقه يقال: رجل خير وامرأة خيرة، ويجوز أن يكون مخففًا من خير. يقول: ما عند ابن هند مما يفوت عارقًا ويسبقه، يصفه بكثرة المعروف، وإنه ليس لأول وارد فقط، ويجوز أن يكون المعنى أن الذي سبق إليه المنذر من سبي النساء ليس مما يفوت لأنهن كن في عهده وذمته [وفي هذا الوجه أيعاد] لأن جيشًا له سار إلى بعض أعدائه فأخفق، ثم عطف على رهط عارق فأغار وسبى. المعنى: يصف إسراعه إلى المنذر عمرو بن هند على ناقة سريعة لما لحق حيه من السبي، ويصفه بأنه لا يفوته على ما بينا. فان نساًء غير ما قال قائل غنيمة سوٍء وسطهن مهارقه

وإنما قال قبيح وغنيمة سوء لأن سبيهن منقصة وعيب، وقوله: غير ما قال قائل يريد: قائل لا يصدق ولا ينصح لك أيها الملك كقولك: هذا هو الحق لا ما يقوله الناس. المعنى يقول: إن نساء وسطهن مهارقه- وهي الصحف وأراد بها كتب العهود هما والأمان- هن غنيمة سوء لأنهن في الذمة يحظر سبيهن، هذا هو النصح لا كما قال قائل يزين سبيهن: ولو نيل في عهٍد لنا لحم أرنٍب وفينا وهذا العهد أنت مغالقه مغالقه أي ضامن له، من غلق الرهن وهو لزومه، ويروى ((معالقه)) أي وضرب لحم الأرنب مثلًا له. المعنى: لو عقدنا عقدًا ثم أصيب في عهدنا شيء يسير غضبنا له ووفينا له، وقد بذلت العهد لنا ولزمك. أكل خميس أخطأ الغنم مرة ... وصادف حيًا دانيًا فهو سائقه المعنى يقول: أكل خميس وهو الجيش غزا غزوة فأخفق فلم يغنم ووجد من ليس بعدٍو له وكان في ذمته يستاقه أي لا يفعل هذا أحد فلا ترض بمثله. وكنا أناسًا دائنين بغبطٍة ... يسيل بنا تلع الملا وأبارقه دائنين مطيعين، والأبارق آكام من الأرضين فيها حجارة ذات لونين، واحدهما أبرق. فأقسمت لا أحتل إلا بصهوٍة حرام عليك رمله وشقائقه المعنى يقول: كنا مطيعين لك وفينا كثرة فأقسمت لا أنزل بعد هذا الفعل إلا على جبل حرام عليك أي ممتنع عليك سهله ونواحيه أي لا تقدر عليه، لأن أهله لا ينصاعون لك، وذكر الصهوة لأنها بمعنى الجبل، والصهوة النشاز والرهوة الفضاء.

حلفت بهدٍي مشعٍر بكراته تخب بصحراء الغبيط درادقه لئن لم تغير بعض ما قد صنعتم لنتحين للعظم ذو أنا عارقه الغبيط ولد والدرادق الصغار واحدها دردق يعني جماعة من الإبل، ولأنتحين لأقصدن العظم بالهجاء والذم، ذو أنا عارقه يعني أنا آخذ اللحم عنده، والمشعر المعلم من الأشعار. المعنى: حلف بالهدي المسوق إلى بيت الله، ويقول للملك لئن لم تغير بعض ما قد صنعتم من سبي النساء لأقصدنك بالهجاء ولأخذن لحمك عن العظم. (104) وقال برج بن مسهر الطائي، جاهلي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) سرت من لوى المروت حتى تجاوزت إلي ودوني من قناة شجونها إلى رجٍل يزجي المطي على الوجى دقاقًا ويشقى بالسنان سمينها فللقوم منها بالمراجل طبخة ... وللطير منها فرثها وجنينها المروت: اسم موضع، وقناة: واد بالمدينة، وشجونها شعابها، الوجى نحو الحفاء، ويروى ((بالشفار)) وبالسنان، والشفار جمع شفرة، وقوله فللقوم ... البيت كأنه كان على سفر، فيطبخون طبخه واحدة، وعندي أنه يريد كثرة القوم فما ينحر منها يطبخ طبخة واحدة ولا يدخر لحمه لكثرة الأكلة، وللطير فرثها أي خبث البطن، وجنينها يعني الولد. المعنى يصف خيالًا أتاه من المروت إلى رجل يعني نفسه ويتمدح بكثرة الأسفار ونحر الإبل للأصحاب.

(105) وقال ملحة الجرمي، وملحة تأنيث ملح، ومياه ملحة (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) فتًى عزلت عنه الفواحش كلها فلم تختلط منه بلحٍم ولا دم كأن زرور القبطرية علقت علائقها منه بجذٍع مقوم زرور جمع زر والقبطرية ضرب من الثياب، علائقها ما تعلق منها، ومنه أي من هذا الممدوح، وبجذع مقرم شبه قامته بجذع مستقيم، المعنى يصف نفسه بالعفة. عملس أسفاٍر إذا استقبلت له سموم كحر النار لم يتلثم عملس من أسماء الذئب أي هو خفيف الأسفار، استقبلت له يريد استقبلته، واللام زائدة، يصف خفته وجلادته وصبره. إذا ما رمى أصحابه بجبينه سرى الليلة الظلماء لم يتهكم يقول: إذا رمى أصحابه السرى بجبينه أي قدموه دليلًا أي لم يتعد أي لم يخطئ، والتهكم التندم في غير هذا وقيل معناه لم يتهكم هنا لم يمتن عليهم، ولست أعرف صحته، يصف هدايته في الظلام. كان قرادي زوره طبعتهما ... بطيٍن من الجولان كتاب أعجم قراداه حلمتها ثدييه، والجولان موضع بالشام وأراد بكتاب أعجم كتاب الروم

والفرس لأنه لم يكن في العرب كتاب. المعنى: يصف أنه خميص البطن لطيف الثدي، وأبدع الشاعر لأن وصف الثدي من باب الغزل. (106) وقال بعضهم: (من مشطور الرجز والقافية هنا يجتمع فيها المتراكب والمتدارك والمتكاوس) إنك يابن جعفٍر نعم الفتى ونعم مأوى طارق إذا أتى ورب ضيف طرق الحي سرى صادف زادًا وحديثًا ما اشتهى أن الحديث جانب من القرى ثم اللحاف بعد ذاك في الذرى يروى جانب وطرف، أي لا يتم القرى إلا بأن يتحدث مع الضيف ويؤنس، ثم اللحاف دل على أنه كان في الشتاء، الذرى الناحية يريد في ناحية البيت، ويروى ((الذرى)) بضم الذال جمع ذروة أي ـعلاه. المعنى: يمدحه بإكرام الضيفان وإيناسهم بالحديث. (107) وقال الشماخ بن ضرار: (الثاني من الطويل والقافية متدارك) وأشعث قد قد السفار قميصه وجر شواٍء بلا عصا غير منضج

دعوت إلى ما نابني فأجابني كريم من الفتيان غير مزلج وجرشواء ... البيت أي لم يتم نضجه لاستعجال القوم، ولأن عادة الأطوياء لا يبالغون في إنضاج اللحم، وقد فصل بالعصا بين الصفة والموصوف، غير مزلج أي ضيق النفس. المعنى يقول: كم من فتى قد شعث السفر رأسه، وقد قميصه السفر وجر الشواء إلى الأضياف دعوته إلى الشغل الذي عرض لي فأجابني، ومدحه بأنه ليس ضيق النفس. فتًى يملأ الشيزى ويروي سنانه ويضرب في رأس الكمي المدجج فتًى ليس بالراضي بأدنى معيشٍة ولا في بيوت الحي بالمتولج الشيزى: جفان الشيز [ويقال هو الشيز بعينه]، وقوله فتى ليس بالراضي ... البيت أي يطلب الأمور العظام، وبالمتولج أي لا يدخل البيوت من غير أن يدعى كما يفعل الطفيلي، يريد ولا بالمتولج في بيوت الحي، فقدم الصلة على الموصول كما قال تعالى: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}.المعنى وصفه بإطعام الضيف وضرب السيف، وبعد الهمة، وحسن الصنعة. (108) وقال يزيد الحارثي: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) وإذا الفتى لاقى الحمام رأيته لولا الثناء كأنه لم يولد المعنى: يحث على الأفعال الجميلة، ويشير إلى أن الثناء يحي ذكر صاحبه ولولا الثناء كأنه لم يكن.

وأتيت أبيض سابغًا سرباله يكفي المشاهد غيب من لم يشهد سابغًا سرباله يريد طول قامته، يكفي المشاهد أي يقوم مقام الغائب كفاية له ونيابة عنه. المعنى: يصف ممدوحة بحسن الوجه، وطول القامة، وحسن المحضر. (109) وقال بعضهم، وهو الأحمر بن سالم، إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) كريم يرى الاقتار عارًا فلم يزل أخا طلب للمال حتى تحولا فلما استفاد المال عاد بفضله على كل من يرجو جناه مؤملا المعنى: يتمدح بأنه أنف الفقر وطلب المال فلما استغنى أفضل على مؤمله. (110) لما أتي يزيد بن عبد الملك بآل المهلب قام كثير بين يديه فقال:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) حليم إذا ما نال عاقب مجملًا أشد العقاب أو عفا لم يثرب فقال يزيد: أطت بك الرحم لولا أنهم قدحوا في الملك لعفوت عنهم، وقوله عاقب مجملًا أي محسنًا من الجمال أي لم يجاوز الحد في عقاب الأعداء، ويحتمل أن يكون من الجملة فيكون معناه الإيجاز وترك التعذيب، والتثريب: التوبيخ. المعنى: يمدحه بالحلم وإجمال العقوبة إذا عاقب. فعفوًا أمير المؤمنين وحسبًة فما تحتسب من الح لك يكتب أساءوا فان تغفر فإنك أهله وأفضل حلم حسبًة حلم مغضب حسبة أي افعل ذلك احتسابًا. المعنى: يطلب العفو عليهم والإحسان إليهم، وينسبهم إلى الإساءة، ويحثه على العفو. (111) وقال يزيد بن الجهم الهلالي: (الأول من الوافر والقافية من المتدارك) تسائلني هوازن أين مالي وهل لي غير ما أتلفت مال فقلت لها هوازن إن مالي أضر به الملمات الثقال أضر به نعم ونعم قديمًا على ما كان من ماٍل وبال أي أفنى مالي قولي للسائل نعم، الملمات الثقال: النوائب، وقوله: على ما كان يريد به التسلط أي أضر به نعم مسلطًا على ما كان من مال وبال، ويروى ((غير ما أنفقت)) وما أتلفت لأنه استثناء مقدم. المعنى: يصف إتلاف ماله جودًا في الحوادث العظيمة، وطلبًا للثناء المخلد.

(112) وقال أعرابي: (من مشطور الرجز والقافية من المتدارك) ألا فتًى نال العلا بهمه ليس أبوه بابن عم أمه ترى الرجال تهتدي بأمه الهم الهمة، ليس أبوه أي أبوه بعيد النسب عن نسب أمه، والعرب تزعم أن من تزوج القريبة أضوى أي كان ولده ضاويًا أي نحيفًا، وقوله ترى الرجال ... الخ أي تقصده يعني يتقدمهم ويقودهم. المعنى: يتمنى رجلًا بعيد الهمة، بعيد ما بين نسبة أبويه، يصلح للرئاسة والزعامة ليتعبه. (113) وقال ابن المولى ليزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب، إسلامي: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) وإذا تباع كريمة أو تشترى فسواك بائعها وأنت المشتري وإذا توعرت المسالك لم يكن منها السبيل إلى نداك بأوعر كريمة يعنى خصلة كريمة، يريد مدحه بإيثار الخصال الكريمة، ويصفه بالسماحة والعطاء يقول: الوصول إلى عطائك سهل لسماحتك وإن صعبت الطريق إلى غيرك. وإذا صنعت صنيعًة أتممتها بيدين ليس نداهما بمكدٍر المعنى: يصفه بإتمام الصنائع إذا ابتدأها، واجتناب المن فيها والمطل بتعجيلها.

وإذا هممت لمعتفيك بنائل قال الندى فأطعته لك أكثر يا واحد العرب الذي ما أن لهم من مذهب عنه ولا من مقصر يصفه بجزالة العطية، وسماحة السجية، وأنه هو واحد قومه إذ كان عديم النظير، وقوله: ما أن لهم من مذهب أي طريق يعدلون إليه عنه، ولا من مقصر، والقصر الغاية، وفسرها هنا الحيلة. المعنى: يصفه بعدم النظير في السيادة. (114) وقال المعذل بن عبد الله الليثي، وأخذ بجرم فكفل عنه النهش بن ربيعة العتيكي، وكان حيث كفل عنه دفع إليه فحمله على فرس وبغل وأمره أن ينجو بدمه، فقال له المعذل أخيرك بين أن أمدحك أو أمدح قومك فاختار امتداح قومه: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) جزى الله فتيان العتيك وأن نأت بي الدار عنهم خير ما كان جازيًا هم خلطوني بالنفوس وأكرموا الـ ـصحابة لما جم ما كنت لاقيا خلطوني بالنفوس: جعلوني كواحد منهم، وحم قدر. المعنى: يستجزي الله فتيان العتيك خيرًا، ويقول هم حاموا عني ومنعوا أعدائي عني في وقت قربي فيه الحال التي كنت أكرهها. هم يفرشون اللبد كل طموٍة وأجرد سباٍح يبذ المغاليا طعامهم فوضى فضًا في رحالهم ولا يحسنون السر إلا تناديا كأن ذنانيرًا على قساتهم إذا الموت للأبطال كان تحاسيا يبذ يعلب، والمغالي المرامي من الغلاء جمع غلوة وهي السهام تبعد في الرمي،

فوضى أي شركة بينهم، فضا أي واسع، ولا يحسنون السر أي لا ريبة عندهم فيغضون أصواتهم لها، والقسمات الواحدة قسمة. المعنى: يصفهم بالفروسية، والحروب لقلة اكتراثهم بها. (115) وقال بعض الأعراب: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) وزاٍد وضعت الكف فيه تأنسًا وما بي لولا آنسة الضيف من أكل وزاٍد رفعت الكف عنه تعففًا إذا ابتدر القوم القليل من الثفل وزاٍد أكلناه ولم ننتظر به غدًا أن بخل المرء من أسوأ الفعل آنسة يعني أنس. المعنى: قسم الزاد الذي حضره على ثلاثة أقسام ورتبه ثلاث مراتب فقال: وزاد تناولت لأونس الضيف وما بي حاجة إلى الأكل، وزاد آخر لم أتناول منه لقلته وتركته إلى من حضر معي إيثارًا له، وزاد آخر أكلناه ولم ندخره بخلًا فإن البخل من أسوأ الفعل. (116) وقال آخر، وهو محمد بن يسير، كان في زمن المبرد: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) لقَّل عارَّا إذا ضيف تضيفني ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي

جهد المقل إذا أعطاك نائله ومكثٍر في الغنى سيان في الجود تضيفني أي جاءني، المعنى يقول: ما أقل عاري إذا بذلت طاقتي لضيفي وإن كنت مقلًا، فإن المقل إذا بذل ما عنده كالمكثر إذا بذل ما عنده في الجود لأن كل واحد منهما قد بذل ما قد عليه. (117) وقال خلف بن خليفة، ويقال له الأقطع لأنه قطعت يده لسرقة اتهم بها، وكان لسنا بذيئًا: أخبرني أبو أحمد العسكري عن الشاطبي عن عسل بن ذكوان عن أبي عثمان المازني قال: لقي خلف بن خليفة الأقطع الفرزدق فقال من الذي يقول: هو القين وابن القين لاقين مثله لفطح المساحي أو لجدل الأداهم فقال: الذي يقول:

هو اللص وابن اللص لا لص مثله لنقب البيوت أو لطي الدارهم (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) عدلت إلى فخر العشيرة والهوى اليهم وفي تعداد مجدهم شغل المعنى: يصف فخر سيبان وعدواه عن عد مجدهم لأنه لا يحصى كثرة إلى فخرهم. إلى هضبٍة من آل شيبان أشرفت لها الذروة العلياء والكاهل العبل من النفر البيض الذين كأنهم صفائح يوم الروع أخلصها الصقل إلى معدن العز المؤيد والندى هناك هناك الفضل والخلق الجزل العبل: الضخم، والبيض الحسان، وربما أراد بالأبيض النقي من العيوب، والخلق الجزل العظيم. المعنى: يصفهم بالعزة والمنعة وبحسن الوجوه في الحرب والوقعة، وبالندى وحسن الخلق والسعة. أحب بقاء القوم للناس إنهم متى يظعنوا من مصرهم ساعة يخلو المعنى: يصفهم بأن حياة الناس وعمارة البلاد بهم. عذاب على الأفواه ما لم يذقهم عدو وبالأفواه أسماؤهم تحلو المعنى: يصفهم بالتحبب إلى أوليائهم والتشدد على أعدائهم. عليهم وقار الحلم حتى كأنما وليدهم من أجل هيبته كهل المعنى: يصفهم بفرط الحلم، ويروى ((من جل هيبتهم)). إذا استجهلوا لم يعزب الحلم عنهم وإن آثروا أن يجهلوا عظم الجهل استجهلوا أي طلب جهلهم، يقول: إذا قصد الحلم لم يبعد حلمهم وإن

اختاروا أن يفعلوا ما يفعله الجهلاء عظم تأثيرهم. المعنى: يصفهم بكثرة الحلم مع قدرتهم على فعل الجهل. هم الجبل الأعلى إذا ما تناكرت ملوك الرجال أو تخاطرت البزل تناكرت: أنكر بعضهم بعضًا وتعادت، وتخاطرت البزل أي تقاتلت الأقران، والبزل جمع البازل من الإبل. المعنى: يقول: هم الجبل العالي عند معاداة الملوك ومحاربة القرآن، لأنه لا يقدر عليهم أحد. ألم تر أن القتل غاٍل إذا رضوا وإن غضبوا في موطٍن رخص القتل المعنى: يصفهم بعظم السطوة إذا غضبوا، وشمول الأمن هذا إذا رضوا. لنا فيهم حصن حصين ومعقل إذا حرك الناس المخاوف والأزل الأزل الشدة والضيق، وأصله الحبس. المعنى: يصفهم بعز الجار إذا خاف جار غيرهم، يقول: لنا فيهم ملجأ إذا أزعج الناس الخوف عن أوطانهم. لعمري لنعم الحي يدعو صريخهم إذا الجار والمأكول أرهقه الأكل أرهقه غشيه، وقوله إذا الجار أي إذا ظلم حتى كأنه أكل والمأكول كذلك يعني وقت الشدة. المعنى: يصفهم بإغاثة المستغيث والذب عن الجار. سعاة على افناء بكر بن وائٍل وتبل أقاصي قومهم لهم تبل التبل الحقد. المعنى: هم يسعون بالخير على أحياء بكر بن وائل، وإذا كان لأبعدهم حقد فهو حقدهم. إذا طلبوا ذحلًا فلا الذحل فائت وإن ظلموا أكفاءهم بطل الذحل المعنى: يصف عزهم وأنهم يدركون ذحلهم عند الناس ولا يدرك عندهم ذحل.

مواعيدهم فعل إذا ما تكلموا بتلك التي إن سميت وجب الفعل الكلمة التي كنى عنها فقال: ((بتلك التي إن سميت وجب الفعل)) قولهم: نعم. المعنى: يصفهم بانجاز المواعيد، وإذا قالوا نعم وجب [الفعل فلم يتأخر]. بحور تلاقيها بحور كثيرة إذا زخرت قيس وإخوتها ذهل زخرت ارتفعت. المعنى: شبههم بالبحور لعظم شأنهم وإرتفاع مكانهم وغلبة سلطانهم. (118) وقال أبو الرياح الأسدي: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) لا يملكون عداوة من حاسٍد وحذاء كل مروءٍة حسادها (119) وقال آخر: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر)

عادوا مروءتنا وضلل سعيهم ولكل بيت مروءٍة أعداء لسنا إذا ذكر الفعال كمعشٍر أزرى بفعل أبيهم الأبناء يعنى عادوا وأرادوا أن يظفر وابمروءتنا فغاب سعيهم، ثم قال: ولكل بيت مروءة أعداء، والمروءة فعولة من المرء يعني الانسانية، وقوله: أزرى بفعل أبيهم أي قصروا لأنهم هدموا ما بنت آباؤهم من العلا. (120) وقال المتوكل الليثي: (الثالث من العروض الثانية الحذاء والقافية من المتراكب) لسنا وإن أحسبنا كرمت ممن على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا المعنى: لسنا وان كرمت أحسابنا وشرفت أنسابنا ممن يقعدون عن ادخار المكرمات ويعتمد على ما اثله أولونا من المأثرات، بل نبي المجد كما ابتنوا، ونقتني المحامد كما اقتنوا. (121) وقال طريح:

[الثاني من الطويل والقافية من المتدارك] طلبت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي فقصرت مغلوبًا وإني لشاكر المعنى يقول: رمت الاضطلاع بشكرك مجاراة لما أوليتنيه من برك فعجزت عنه وقصرت دون بلوغه، وإن كنت قد استنفدت وسعي وطوقي في ابتغائه وانتحائه. وقصرت دون بلوغه، وإن كنت قد استنفذت وسعي وطوقي في ابتغائه وانتحائه. وقد كنت تعطينىي الجزيل بديهة وأنت لما استكثرت من ذاك حاقر فأرجع مغبوطًا وترجع بالتي لها أول في المكرمات وآخر المعنى يقول: كنت توليني الجزيل الكثير من إحسانك وتستحقر ما أستكثره من ذلك فأرجع محسورًا على ما أفدتنيه من برك، وفزت أنت بأحدوثة جميلة قد أخذت بطرفي في المكرمات. (122) وقال أبو العطاء السندي، وتروى لحبيب بن عوف: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) فتًى زاده السلطان في الحمد رغبًة إذا غير السلطان كل خليل السلطان الملك. المعنى يصفه بحسن العهد وشرف التواضع.

(123) وقال ابن الزبير: وقيل: إنها للربيع يفضل محمد بن مروان على عبد العزيز ابن مروان: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) لا تجعلن مبدنًا ذا سرٍة ضخمًا سرادقه وطيء المركب كأغر يتخذ السيوف سرادقًا يمشي برايته كمشي الأنكب فتح الاله بشدٍة قد شدها ما بين مشرٍق أهلها والمغرب جمع ابن مروان الأغر محمد بين ابن أشترهم وبين المصعب

(124) وقال أعشى ربيعة وهو من بني شيبان، ودخل على عبد الملك بن مروان فقال له: يا أبا المغيرة ما الذي بقي من شعرك؟ فقال: "لقد ذهب منه وبقي"، على أنني الذي أقول: [الثاني من الطويل والقافية من المتدارك] وما أنا في حقي ولا في خصومتي ... بمهتضم حقي ولا قارع سني المعنى: لا أندم على شيء أفعله لكمال حزمي وصواب تدبيري. ولا مسلم مولاي عند جناية ... ولا خائف مولاي من شر ما أجني المعنى يقول: أذا جنى ابن عمي جناية لم أخذله ولكني أدفع عنه وأنصره، وقوله ولا خائف أي لا ألزم ابن عمي جنايتي. وإن فؤادي بين جنبي عالم ... بما أبصرت عيني وما سمعت أذني وفضلني في الشعر واللب أنني ... أقول على علم وأعرف من أعني وأصبحت إذ فضلت مروان وابنه ... على الناس قد فضلت خير أب وابن

ويروى "وأعرف ما أعني" وهو أعم. المعنى: يصف عزه ومنعته وحزمه وذكاءه وفطنته ويدعي فضله على جميع الشعراء، لعلمه باللفظ ومعرفته بالمعنى، ويفضل عبد الملك بن مروان وأباه على جميع الناس. (125) وقال في سليمان بن عبد الملك: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أتينا سليمان الأمير نزوره ... وكان امرأ يحيا ويكرم زائره إذا كنت في النجوى به متفردا ... فلا الجود مخليه ولا البخل حاضره كلا شافعي سؤاله من ضميره ... عن البخل ناهيه وبالجود آمره يقول لسؤاله: له شفيعان من ضمير أحدهما ينهاه عن البخل. وكان حقه ألا يجعله محتاجا إلى النهي عن البخل. المعنى: يصف سليمان بن عبد الملك بالكرم والعطاء ومخالفة الجود إياه وبعد البخل عنه، وإن لكل سائل عنده شفيعين من قلبه يحثان على إنجاحه. (126) وقال الكميت في مسلمة بن عبد الملك:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) فما غاب عن حلم ولا شهد الخنا ... ولا استعذب العوراء يوما فقالها يدوم على خير الخلال ويتقي ... تصرفها من شيمة وانفتالها العوراء: الكلمة القبيحة. المعنى: يمدحه بالحلم واجتناب الفحش والدوام على حسن الخلق. وتفضل أيمان الرجال شماله ... كما فضلت يمنى يديه شمالها وما أجم المعروف من طول كره ... وأمرا بأفعال الندى وافتعالها ما أجم المعروف أي ما كره الإحسان إلى الناس، من طول كره أي لم يمل المعروف من كثرة مهاودته، وأكثر ما يجيء الافتعال في الذم، وهنا جاء في المدح. المعنى ينفي عنه ملاله المعروف مع طول تكرره عليه، ويصفه بفعل المعروف والأمر به. ويبتذل النفس المصونة نفسه ... إذا ما رأى حقاً عليه ابتذالها بلوناك في أهل الندى ففضلتهم ... وباعك في الأبواع قدما فطالها قوله: ويبتذل، جعل للنفس نفساً، يريد يبتذل نفسه في الحقوق. المعنى: يصفه بابتذال النفس في حقوق الناس، ويفضل جوده على جميع الخلق، والأبواع جمع باع. فأنت الندى فيما ينوبك والسدى ... إذا الخود عدت عقبة القدر مالها الندى والسدى واحد عند بعض العرب، قال أبو زيد: "الندى في أول

الليل والسدى في آخره". عقبة القدر ما يبقيه المستعير في أسفلها من المرق صلة لمعيرها، يصف قحط الزمان. المعنى: يقول إذا قحط الناس فأنت الخصب تنعش الناس وتحييهم. (127) وقال المتوكل الليثي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) مدحت سعيداً واصطفيت ابن خالد ... وللخير أسباب بها يتوسم يقول: أثنيت عليهما إلا أني اخترت بابن خالد لما تبينت فيه من آثار الخير، ويتوسم: يتفرس. فكنت كمجتش بمحفاره الثرى ... فصادف عين الماء إذ يترسم المحفار: ما يحفر به، والمجتش القاطع، ويروى "كمحتس" بالسين غير معجمة، وبالتخفيف وهو أحسن في المعنى وهو الذي يحفر الحسا وهو حفيرة يستنقع فيها الماء فلا يلبث أن ينضب يقول: كنت كمن يطلب الحسا فوجد عين الماء. فإن يسأل الله الشهور شهادة ... تنبيء جمادى عنكم والمحرم إنما خص جمادى لأنه شهر برد، والمحرم لأنه شهر حرام، يقول: إن يسأل الله الشهور عنكم أخبرت جمادى بقراكم الضيف وصلتكم الرحم، وأخبر المحرم بحفظكم حرمته وتأديتكم حقه. بأنكم خير الحجاز وأهله ... إذا جعل المعطي يمل ويسأم

المعنى: فضلهم على أهل الحجاز جوداً. (128) وقال نصيب في عمر بن عبد الله الليثي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) والله ما يدري امرؤ ذو جنابة ... ولا جار بيت أي يوميك أجود أيوم إذا ألفيته ذا يسارة ... فأعطيت عفواً منك أم يوم تجهد ذو جناية أي غريب، أجود من الجود أي أكثر عطاء. المعنى: يحلف أنه لا يدري الغريب والقريب أنه في يوم اليسر والغنى أجود أم في يوم الضيق والجهد، وإنما اشتبه عليهم ذلك لأنهم نالوا فيهما عطاء، يصفه باستمرار الجود في حالتي السعة والضيق. وإن خليليك السماحة والندى ... مقيمان بالمعروف ما دمت توجد مقيمان ليسا تاركيك لخلة ... من الدهر حتى يفقدا حين تفقد المعنى: ملازمة الجود إياه، ولا يحسن مدح السادة بمثل هذا ما تشمئز منه النفوس من ذكر الفقر، وإن كان لا بد منه. (129) وقال زياد الأعجم يمدحه: [الأول من الوافر والقافية من المتواتر] أخ لك ليس خلته بمذق ... إذا ما عاد فقر أخيه عادا

أخ لك لا تراه الدهر إلا ... على العلات بساما جوادا قوله: إذا ما عاد يريد إذا أعطى صاحبه فأتلف ما أعطاه وافتقر عاد يعطي. المعنى: يصفه بمعاودة العطاء ومداومة التبسم في وجوه الزوار. (130) وقال أمية بن أبي الصلت: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء وعلمك بالحقوق وأنت فرع ... لك الحسب المهذب والسناء المعنى: يتلطف في استماحته يقول: أأذكر حاجتي أم يكفيني حياؤك وعلمك بالحقوق وعادتك الحياء، وأنت فرع رفيع لا عيب في حسبك، المعنى: يصفه بصدق الخلة، وينفي عنه التلون. خليل لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء وأرضك كل مكرمة بنتها ... بنو تيم وأنت لهم سماء هذا مثل، جعل أرضه مكرمة، وجعله سماء لها، المعنى: يمدح قومه بابتناء المكارم ويفضله عليهم. إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء المعنى: يصفه بغاية الجود، وأنه لا يحوج قاصده إلى المسألة ويكفيه منها ثناؤه عليه. تباري الريح مكرمة وجوداً ... إذا ما الكلب أحجره الشتاء

تباري الريح يريد إما أن يعطي كما هبت وإما أن يعطي الناس عاما، ولا تكاد السباع تجد البرد إلا إذا اشتد. (131) وقال ابن عبدل الأسدي يمدح عبد الملك بن بشر بن مروان: (الضرب الأول من العروض الثانية من الكامل والقافية من المتراكب) بينا هم بالظهر قد جلسوا ... يوماً بحيث ينزع الذبح فإذا ابن بشر في مواكبه ... تهوي به خطارة سرح فكأنما نظروا إلى قمر ... إو حيث علق قوسه قزح الظهر موضع معروف، والذبح نبت له نور أحمر، وابن بشر هو عبد الملك بن بشر بن مروان، وأمه هند بنت أسماء بن خارجة، خطارة فرس، تحرك ذنبها نشاطاً، سرح سهلة تنسرح في سيرها، أو حيث علق قوسه قزح يعني كأنهم ينظرون إلى قوس قزح، ويقال: أن قزح شيطان، وقال بعضهم: القزح الطرائق الذي فيه، وليس يعني باليوم هنا، وإنما يريد الوقت منه، ويعبر باليوم عن الزمان والعصر. المعنى يصفه بحسن الموكب وشرف الصحبة وجمال الصورة. (132) وقال حاتم الطائي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) متى ما يجيء يوما إلى المال وارثي ... يجد جمع كف غير ملأى ولا صفر جمع الكف بكسر الجيم قدر ما يشتمل الكف عليه. المعنى: يصف سخاوته وشجاعته يقول: أبذل مالي في حياتي فلا يجد وارثي غير ما يذكره من بعد.

يجد فرسا مثل العنان وصارما ... حساما إذا ما هز لم يرض بالهبر فرسا مثل العنان يعني ضامرا صلبا، لم يرض بالهبر وهو أن يختلس قطعة من اللحم، ويروى "بالهتر" وهو الكسر, المعنى: يقول: لا يجد إلا فرسا ضامرا وسيفا قاطعاً لا يرضى بقطع اللحم حتى يصم في العظم. وأسمر خطيا كأن كعوبه ... نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر القسب نوع من التمر نواه صلب. المعنى: يقول: إن جاء وارثي لم يجد غير رمح طويل صلب طوله إحدى عشرة ذراعاً. (133) وقال غيره: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) آل المهلب قوم خولوا شرفا ... ما ناله عربي لا ولا كادا لا كاد أي ولا قرب من نيل ذلك الشرف، يفضل آل المهلب في الشرف على جميع العرب، وينفي العرب نع مداناتهم. لو قيل للمجد حد عنهم وخالهم ... بما احتكمت من الدنيا لما حادا المعنى يقول: لو قلت للمجد انصرف يا مجد عن آل المهلب وخذ حكمك ما شئت لم يفارقهم خالي ترك، يقال خاليت الرجل إذا تركته. إن المكارم أرواح يكون لها ... آل المهلب دون الخلق أجسادا المعنى: جعل آل المهلب دون الناس أرواحاً للمكارم، يقول: قوام المكارم بهم كما أن قوام الأجساد بالأرواح.

وقال النضر بن الحارث، وتروى لأخته: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) الواهب الألف لا يبغي بها بدلا ... إلا الإله ومعروفا بما اصطنعا المعنى: يمدحه بكثرة العطية، وأنه لا يريد بذلك إلا رضى الله والإحسان إلى عباده. (135) وقالت صفية بنت عبد المطلب: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) ألا من مبلغ عني قريشا ... ففيم الأمر فينا والإمار الامار المؤامرة وهي المشاورة، وفسر بعضهم الامار: الامارة وليس ذلك بمشهور. لنا السلف المقدم قد علمتم ... ولم توقد لنا بالغدر نار ولم توقد لنا بالغدر نار أي لم تقدر فتوقد نار للشهرة، وكانوا إذا أرادوا أن يشهروا إنسانا بالغدر أوقدوا ناراً فاجتمع إليها الناس، ثم نادى مناد ألا إن فلانا قد غدر. وكل مناقب الخيرات فينا ... وبعض الأمر منقصة وعار

المعنى: صفية هي عمة النبي صلى الله عليه وسلم تخاطب في هذه الأبيات بني أمية تقول: كيف تكون الولاية لكم والسلف المقدم لنا، تعني النبي صلى الله عليه وسلم. (136) وقالت امراة من بني مخزوم: (من السريع والقافية من المتواتر). إن تسألي فالمجد غير البديع ... قد حل في تيم ومخزوم قوم إذا صوت يوم الوغى ... قاموا إلى الجرد اللهاميم من كل محبوك طوال القرى ... مثل سنان الرمح مشهوم غير البديع نصب، كما تقول حقا أي المجد حل قديما في تيم ومخزوم، واللهاميم من الخيل الجياد، ومن الإبل الغزار الواحد لهموم، والمحبوك الموثق الخلق، طوال القرى طويل الظهر، مشهوم جريء كأنه سهم أي جريء للجري، وتيم هو تيم بن مرة بن كعب رهط أبي بكر الصديق رضي الله عنه - ومخزوم رهط أبي جهل بن هشام بن المغيرة لعنه الله. تفتخر بقدم المجد في تيم ومخزوم وهما من قريش، وتصفهم بالشجاعة والفروسية. (137) وقالت: [الثاني من الطويل والقافية من المتدارك]

ألا إن عبد الواحد الرجل الذي ... ينيلك ما حاولت والوجه وافر المعنى تقول: يعطيك ولا يحوجك إلى الضراعة في المسألة. (138) وقالت الخنساء بنت عمرو: [من الأول المطوي الموقوف من السريع والقافية من المتواتر] دل على معروفه وجهه ... بورك هذا هادياً من دليل المعنى: تصفه بالطلاقة والبشاشة، وبورك هذا دعاء له بالبركة. تحسبه غضبان من عزه ... ذلك منه خلق ما يحول ويل امه مسعر حرب إذا ... ألقي فيها وعليه الشليل ويل امه تعجب لا يريد به الإيقاع، والشليل درع قصيرة الجمع أشلة، وهو أيضاً ثوب يلبس تحت الدرع. المعنى: تصفه بحسن الوجه وكرم العز والثبات في الحرب. (139) وقالت امرأة من إياد، الإياد ما ارتفع من الرمل، والإياد أيضاً ما يبنى خلف

الحائظ تقوية له: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) الخيل تعلم يوم الروع إن هزمت ... أن ابن عمرو لدى الهيجاء يحميها لم يبد فحشا ولم يهزز لمعضلة ... وكل مكرمة تلفى يساميها لم يهزز لمعضلة أي لم يحرك لمعضلة أي حادثة، تصفه بالجرأة والقوة ورد العدو عن أصحابه إذا انهزموا، وتمدحه بالعفة وقلة المبالاة بالحوادث العظيمة. المستشار لأمر القوم يجزبهم ... إذا الهنات أهم القوم ما فيها لا يرهب الجار منه غدرة أبداً ... وإن ألمت أمور فهو كافيها إذا الهنات أي الأشياء المكروهة، والواحدة هنة. المعنى: تصفه بالسمو إلى المكارم وبجزالة الرأي، وصواب المشورة، وبالبراءة من الغدر وكفاية ما يلم بالقوم من الأمر. تم باب الأضياف بحمد الله ومنه

باب الصفات

باب الصفات (1) وقال البعيث الحنفي إسلامي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وهاجرة تشوي مهاها سمومها ... طبخت بها عيرانة واشتويتها الهاجرة قبل انتصاف النهار، طبخت بها أي بالهاجرة، عيرانة أي ناقة تشبه صلابة العير صلابة، واشتويتها أي أنضجتها. مفرجة منفوجة حضرمية ... مساندة سر المهارى انتقيتها مفرجة: واسعة الخطو، منفرجة أي عظيمة الجوف، مساندة أي قوية، وسر الشيء خياره. فطرت بها شجعاء قرواء جرشعا ... إذا عد مجد العيس قدم بيتها فطرت بها يعني بهذه الناقة بهذه الناقة أي حملتها لى السير السريع، والشجعاء الجريئة، والقرواء طويلة الظهر، والذكر أقرى والجرشع الضخمة الصدر، قال ابن دريد: هي المنتفخة الجنبين، وقوله: قدم بيتها، استعارة لأن الإبل لا بيت لها. وجدت أباها رائضيها وأمها ... فأعطيت فيها الحكم حتى حويتها

يعني نجابة أبويها أغنتها عن رياضة الرائض، وأعطيت بائع هذه الناقة حكمه فيها ولم أماكسه مخافة فوتها حتى حويتها. (2) وقال عنترة بن الأخرس الطائي: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لعلك تمنى من أراقم أرضنا ... بأرقم يسقى السم من كل منطف تراه بأجواز الهشيم كأنما ... على متنه أخلاق برد مفوف تمنى تختبر وتمتحن، من كل منطف أي موضع سم، نطف إذا قطر، والمفوف الذي فيه طرائق ونقط، والأخلاق جمع خلق، شبه تنقيط الحية ببرد مفوف. كأن بضاحي جلده وسراته ... ومجمع ليتيه تهاويل زخرف ضاحي جلده ظاهره، وسراته ظهره، والليتان صفحتا العنق، والتهاويل ما يعلق على الرحال من الصوف الملون. كأن مثنى نسعة تحت حلقه ... بما قد طوى من جلده المتغضف إذا أنسل الحيات بالصيف لم يزل ... يشاعرنا في جلبة لم تقرف المتغضف: المثنى، يشاعرنا يكون معنا قريباً منا، ويروى "يشاغرنا" بالغين أي معنا لا يفارقنا، ويروى "يساعرنا" بالسين أي يؤذينا، والجلبة اليابسة، لم تقرف لم تتقشر ويروى "لم تقرف" أي لم تقشر. المعنى: قيل: إنه يهدد في

الأبيات صاحبه بنفسه، وعبر عنها بالأرقم أي أنا في المضرة للعدو بمنزلة الحية، ثم أبدع في وصف الحية كما بينا، ولا يمتنع أن يكون يتمنى هلاكه من لدغ حية كما وصفها. (3) وقال ملحة الجرمي، إسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) أرقت وطال الليل للبارق الومض .. حبياً سرى مجتاب أرض إلى أرض نشاوى من الإدلاج كدري مزنه ... يقضي بجدب الأرض ما لم يكد الحبي: سحاب معترض في الآفاق، سمي به لأنه دنا من الأرض، نشاوى سكارى. يقضي أن هذا السحاب الذي سرى طول ليله وجعله نشوان، على المجاز إذا قابل أرضاَ لم يفارقها بمطره حتى يهريق بها من الماء ما يكون فيه عهد وولي في مطرة واحدة، وفراغه من هذا لا يكون سريعاً كأن حاجة السحاب في الأرض المجدبة إحياؤها وإخصابها، فلما فعل ذلك قضى وطره، ولم يكد يقضيه إلا بعد بطء. تحن بأجواز الفلا قطراته ... كما حن نيب بغضهن إلى بعض كأن الشماريخ الألي من صبيره ... شماريخ من لبنان بالطول والعرض حنينها: رعدها، والقطرات جمع قطر، وقطر جمع قطار، وهو قطار الإبل، جعل ذلك للسحاب لورود بعضه في أثر بعض، وقول الديمرتي القطرات جمع قطر أي الناحية ليس بمرض لأن القطر جمعه أقطار، ومن روى "قطراته" جمع قطرة، وجعل لها حنيناً لشدة وقعها، فما أخطأ، والنيب جمع ناب وهي المسنة من

النوق, المعنى: شبه في قوله تحن بأجواز الفلا صوت رعده بحنين غبل حنت أواخرها إلى أوائلها، والصبير السحاب الثابت، شبه فروع السحاب بفروع جبل لبنان. يباري الرياح الحضرميات مزنه ... بمنهمر الأرواق ذي قزع رفض ويروى "بمنهمر الأوداق" يعني بسائل الأمطار، الواحدة ودق فأما الأرواق فمن قولهم: ألقى عليه أرواقه أي ثقله، والقزع قطع السحاب، الواحدة قزعة والرفض المتفرق المرفض. يغادر محض الماء ذو هو محضه ... على إثره إن كان للماء من محض يغادر يعني السحاب يترك محض الماء في الأرض، ذو هو محضه أي الذي هو محضه، إن كان للماء من محض أي إن كان للماء محض وهو اللبن، يريد به ماء القطر. وروى بعضهم "مخض" بالخاء معجمة، وما أراه صحيحاً، وفسر ما يخرجه الماء، كما يخرج المخض الزبد. يروي العروق الهامدات من البلى ... من العرفج النجدي ذو باد والحمض أي يروي السحاب العروق الباليات من العرفج النجدي، بنبت في نجد ذو باد يعني الذي بلي وبطل. وبات الحبي الجون ينهض مقدما ... كنهض المدانى قيده الموعث النقض الجون الأسود أي بات السحاب الأسود يسير بطيئاً كنهض أي كسير البعير المقيد المقصور، ولم يقنع بذلك بل جعله موعثاً، وهو الذي وقع في وعث من الأرض أي صعب ولم يرض به حتى جعله نقضاً وهو الهزيل الذي أتعب في السفر، وجمعه أنقاض. المعنى: يصف في الأبيات سحاباً ذا رعد وبرق كثير الماء.

(4) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) إذا ما هبطن المحل قد مات عوده ... بكين به حتى يعيش هشيم المعنى: يصف سحائب ماطرة، يقول: إذا نزلت الأرض الجدبة قد يبس عودها مطرن به حتى ينبت النبت البالي.

باب السير والنعاس

باب السير والنعاس (1) وقال الحطيم بن نويرة العكلي، إسلامي كان في زمن معاوية: [الثاني من الطويل والقافية من المتدارك] وقال وقد مالت بنا نشوة الكرى ... نعاسا ومن يعلق سرى الليل يكسل أنخ نعط أنضاء النعاس دواءها ... قليلا ورفه عن قلائص ذبل فقلت له كيف الإناخة بعدما ... حدا الليل عريان الطريقة منجلي دواءها يعني النوم، حدا الليل ساقه، عريان الطريقة يعني الصبح، ومنجل هو الصبح أيضاً، وقد انجلى إذا انكشف وظهر، المعنى: يحكي أن صاحبه سأله النزول لتستريح الإبل، وأنه أجابه كيف ينزل وقد أصبحنا. (2) وقال أعرابي من بني أسد، إسلامي: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) وفتيان نصبت لهم ردائي على ... أسيافنا وعلى القسي أي كانوا يستظلون من الشمس بالأردية، ويعمدونها بالسيوف والقسي.

المعنى يقول: كم فتيان أظلهم ردائي فناموا في ظله. فظلوا لائذين به وظلت ... مطاياهم ضوارب باللحي يقول: ظلت المطايا من الاعياء تضرب أذنابها ولحاها بالأرض، واللحى جمع لحي. فلما صار نصف الظل هنا ... وهنا نصفه قسم السوي يقول: انتصف النهار، وصارت الشمس في كبد السماء، قسم السوي انتصب على المصدر من المعنى لا من اللفظ. دعوت فتى أجاب فتى دعاه ... بلبيه أشم شمردلي فقام يصارع البردين لدنا ... يقوت العين من نوم شهي بلبيه أي بهذه الكلمة، وياء الإضافة فيه زائدة، ودخلت لتوكيد الصفة والشمردل الطويل الحسن الطول، فقام يصارع البردين أي يجرهما من النعاس لإتعاب السرى إياه، لدنا: يتثنى، وقوله يقوت العين من نوم شهي أي يعمهما شيئا بعد شيء، لا يروى من النوم، ويروى "من لذ شهي" أي لذيذ يريد النوم. المعنى: يقول: لما انتصف النهار دعوت صاحبي فأجاب دعائي وهو يتمايل من النوم.

وقاموا يرحلون منفهات ... كأن عيونها نزح الركي أي قاموا من نومهم يشدون الرحال على رواحلهم منفهات أي معيبات، والنافه والمنفه واحد، والنزح جمع نزوح، وهو حوض أو بئر نزح ماؤه، والركي جمع ركية، يصف مطاياه بالهزال وغؤور العين. (3) وقال رجل من بني بكر: (الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) ولقد هديت الركب في ديمومة ... فيها الدليل يعض بالخمس مستعجلين إلى ركي آجن ... هيهات عهد الماء بالإنس الديمومة المفازة، ويعض بالخمس أي بأصابعه الخمس لأنه يتحير فيها، والركي حوض مستطيل، ويروى "بالأمس" وبالنون أجود. المعنى: يصف هدايته القوم في مفازة لا يهتدي فيها الدليل، ووصف قومه بالاستعجال إلى الماء لحاجتهم إليه، والماء بعيد العهد بالناس. مستعجلين فمشتو ومعالج ... نقبا بخف جلالة عنس فمشتو أي كلهم مستعجلون، منهم من يشتوي اللحم ولا يطبخه لأن الشواء أسرع إدراكا، والنقب أشد من الحفاء. المعنى: يصف استعجالهم أيضاً في أمر الطعام، وأنهم اشتووا ولم يطبخوا، لأن الموضع لم يكن موضع قرار، والجلالة الناقة العظيمة. ومهوم ركب الشمال كأنما ... بفؤاده عرض من المس

المهوم: الذي غلبه النعاس فيهز رأسه، ركب الشمال نام عليها، العرض ما يعرض للإنسان من جنون. المعنى: يصف غلبة النعاس إياهم حتى كأن بهم الجنون من سكر النعاس. (4) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وهن مناخات يحاذرن قولة ... من القوم أن شدوا قتود الركائب تكاد إذا قمنا يطير قلوبها ... تسربلنا ولثنا بالعصائب قد تم الكلام عند قوله "من القوم" وأن شدوا يعني شدوا قتود الركائب، يطير قلوبها من شدة الفزع، والعصائب: العمائم، ولوثها كورها على الرأس، وقد لاث العمامة على رأسه يلوثها. المعنى: يصف إبلا معيية قد أنيخت فهي تخاف تأهب الناس للرحلة لما بها من الإعياء. (5) وقال بعضهم، إسلامي: [من مشطور الرجز والقافية من المتدارك] حبسن في قرح وفي داراتها سبع ليال غير معلوفاتها حتى إذا قضيت من بتاتها وما تقضي النفس من حاجاتها حملت أثقالي مصمماتها

غلب الذفارى وعفرنياتها فانصلتت تعجب لانصلاتها كأنما أعناق سامياتها بين قرورى ومرورياتها قسي نبع رد من سياتها كيف ترى مر طلاسياتها والحمضيات على علاتها يبتن ينقلن بأجهزاتها والحادي اللاغب من حداتها قرح: بوادي قرى مدينتها، وداراتها دورها، غير معلوفاتها أي غير معلوفات فيها، والبتات الزاد، ومصمماتها أقواها وأمضاها، وعفرنياتها: جمع عفرناة وهي القوية الشديدة، والغلب الغلاط الرقاب، فانصلت أي أسرعت في السير، قرورى يعني شعثا -لا نبات فيه- وهي بين النقرة والحاجر، مروياتها صحار على طريق مكة من الكوفة، رد من سياتها أي عطف من أطرافها، والطلاحيات جمع طلاحية وهي التي تأكل الطلح، والحمضيات من أكل الحمض على غير قياس، على علاتها يعني على ما بها من الدبر والهزال، وما عليها من الأثقال، سريعة السير كثيرة النشاط، ينقلن بأجهزاتها يريد الأمتعة، جهاز وأجهزة مثل قذال وأقذلة ثم جمعه على أجهزات. المعنى: يصف حبس الإبل في الموضع الذي ذكره بلا علف إلى أن قضى حاجته بها، ثم ذكر ارتحاله منها، ووصف إبله بالغلب والقوة والخفة، وشبه أعناقها بالقسي المعطفة، والضمير في داراتها وبتاتها للقرح، والضمير في حاجاتها للنفس، وفي القوافي الأخر للإبل. ثم تعجب من سرعة سيرها مع ما بها من العلل التي ذكرها. (6) وقال حكيم بن قبيصة بن ضرار لابنه بشر وكان هاجر، إسلامي:

(الأول من الطويل والقافية من المتواتر) لعمر أبي بشر لقد خانه بشر ... على ساعة فيها إلى صاحب فقر فما جنة الفردوس هاجرت تبتغي ... ولكن دعاك الخبر أحسب والتمر بشر هو ابن حكيم هذا، على ساعة فيها إلى صاحب فقر يعني: الكبر ومعناه فيها فقر إلى صاحب، وقوله فما جنة الفردوس يعني فما هاجرت ميتغياً جنة الفردوس، والفردوس قالوا هو البستان بلغة الروم. المعنى يذم ابنه في مهاجرته بالدين، ويقول: لم تهاجر للجنة ولكن هاجرت للخبز. أقرص تصلي ظهره نبطية ... بتنورها حتى يطير له قشر أحب إليك أم لقاح كثيرة ... معطفة فيها الجليلة والبكر القرص جمع القرصة وهي الرغيف تصلي: أي تخبز وتشوي بالنار، وتحرق ظهره. حتى يحمر وينتفخ فتصير عليه قشور، وقال نبطية لأن العرب لا تعرف الخبز. كأن أداوى بالمدينة علقت ... ملاء بأحقيها إذا طلع الفجر كأن قرى نمل على سرواتها ... يلبدها في ليل سارية قطر الأداوي جمع أداوة، والأحقي جمع الحقو، أراد الضروع شبهها في امتلائها بأداوي علقت بأحقيها صباحاً، وقوله كأن قرى نمل يريد ما تجمع حول حجر النمل من التراب، يلبدها أي يلبد القرى قطر، وذلك أنه ربما أصابها المطر فالتصق بعضها ببعض، شبه الأسنمة بقرى النمل ملبدة، والسروات جمع سراة وهي الظهر

وقال واقد بن الغطريف، الواقد من وقود النار، والغطريف البازي، والرجل مشبه به، والغطريف بن طريف بن مالك من طيء [كان مريضا] فحمي الماء واللبن. (الثاني من الطويل والقافية من المتواتر) يقولون لا تشرب نسيئاً فإنه ... وإن كنت حرانا عليك وخيم لئن لن المعزى بماء مويسل ... بغاني داء إنني لسقيم النسيء لبن المعزى المحض يصب عليه الماء وهو النسوء أيضاً، والحران العطشان، والوخيم الثقيل. المعنى: يشكو شهوته اللبن وقول الناس لا تشرب فإنه يضرك يقول: إن كان اللبن والماء يسقماني فإني سقيم لأني شديد الشهوة لهما. (8) وقال حندج بن الحندج المري، إسلامي، الجندح: كثيب صغير، ويقال: إنه رملة طيبة. (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر)

في ليل صول تناهى العرض والطول ... كأنما ليله بالليل موصول لا فارق الصبح كفي إن ظفرت به ... وإن بدت غرة منه وتحجيل لساهر طال في صول تململه ... كأنه حية بالسوط مقتول متى ارى الصبح قد لاحت مخايله ... والليل قد مزقت عنه السرابيل ليل تحير ما ينحط في جهة ... كأنه فوق متن الأرض مشكول نجومه ركد ليست بزائلة ... كأنما هن في الجو القناديل صول موضع، وشبه نفسه بالحية المقتول بالسوط لأنه أطول ذاما، وأكثر حركة، والحية للذكر والأنثى، المعنى: يشكو طول الليل بصول وتمني الصبح وملازمته، وشكا تململه، وجعله الليل كأنه مقيد، والنجوم ثابتة غير سائرة، وشبهها بالقناديل المعلقة في الهواء. ما أقدر الله أن يدني على شحط ... من داره الحزن ممن داره صول الله يطوي بساط الأرض بينهما ... حتى يرى الربع منه وهو مأهول الحزن موضع، وبساط الأرض سعتها. المعنى: ما أقدر الله: ظاهر اللفظ تعجب ومعناه تمن، يقول الله قادر أن يجمع بين المحبين وإن كان ما بينهما بعيداً، وقوله: لله يطوي معناه دعاء ولفظه خبر. (9) وقال حميد الأرقط، إسلامي، ويقال: إنها لأبي النجم أنشدها أبو محضة أحد بني ربيع الجوع:

(من مشطور الرجز والقافية من المتدارك) وقد أغتدي والصبح محمود الطرر والليل يحدوه تباشير السحر وفي تواليه نجوم كالشرر بسحق الميعة ميال العذر كأنه يوم الرهان المحتضر قد بدا أول شخص ينتظر دون أثابي من الخيل زمر ضار غدا ينفض صئبان المطر الطرر الجوانب، وفي تواليه يعني في أعقاب الليل، بسحق الميعة أي طويل النشاط، والعذر جمع عذرة وهي الخصلة من الشعر، وإنما جعله ميال العذر لكثرة شعره، والمحتضر يحضره الناس، ينظرون إلى الرهان، دون أثابي أي جماعات جمع أثبية، ضار من الضراوة أي العادة، وصئبان المطر صغار قطره، شبه بصئبان الرأس، وأراد بازيا اعتاد الصيد. عن زرف ملحاح بعيد المنكدر أقنى يظل طيره على حذر يلذن منه تحت أفنان الشجر من صادق الوقع طروح بالبصر بعيد توهيم الوقاع والنظر

كأنما عيناه في حرفي حجر بين مآق لم تخرق بالإبر ملحاح أي شديد الإلحاح في طلب الصيد، بعيد المنكدر أي الانقضاض من الهواءعلى الصيد، طروح بالبصر أي يبصر من بعيد فيصطاد، والتوقيع أن يوقع همه على شيء، والوقاع جمع الوقعة، وقوله كأنما عيناه، أي هو غائر العينين، شديد الغؤور، وكلما كان كذلك كان أصح عتقا وأصدق نظرا وأشد بصرا، ولم تخرق بالإبر أي لم يصد فتخاط عينه ليأنس أي هو وحشي، والوحشي أقدر على الصيد وأضرى، ويروى "وقبي حجر" والوقب النقرة في الصخرة. تم باب السير والنعاس ***

باب الملح

باب الملح (1) قال بعضهم (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) يقول لي الأمير بغير جرم ... تقدم حين جد بنا المراس ومالي إن أطعتك من حياة ... ومالي غير هذا الرأس راس البيتان للأعور الشني قالهما للمهلب بن أبي صفرة بخراسان، قيل له في بعض الحروب: يا أعور المراس، والمراس الممارسة كالمنازعة والمقاتلة والمعالجة، وقوله: ومالي بعد هذا الرأس أي مالي بعد ذهاب هذا الرأس رأس آخر، وهذا من أحسن ما قيل في الجبن. المعنى: يقدمني الأمير إلى البراز، وليس ذلك بنصح وإن أطعته هلكت. (2) وقالت امرأة وهي حميدة بنت النعمان بن بشير الأنصارية:

(الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) فقدت الشيوخ وأشياعهم ... وذلك من بعض أقواليه وذلك بعض أقواليه أي ليس دعائي على الشيوخ كلهم فقدتهم بل أدعو عليهم بغير هذا، وهذا بعض دعواني عليهم، والهاء للاستراحة. ترى زوجة الشيخ مغمومة وتمسي ... لصحبته قاليه فلا بارك الله في عرده ... ولا في غصون استه الباليه قولها ترى زوجة الشيخ لأن النساء يكرهن الهرم، في عرده أي في ذكره، لأن متاع الشيخ يلين ولا يقضي نهمة النساء. المعنى: تدعو على الشيخ بالهلاك، وتذكر أن زوجته لا تفرح وتبغضه وتشتم متاع الشيخ وشنج دبره. فإن دمشق وفتيانها ... أحب إلينا من الجاليه ويروى "لعمري دمشق" كانت هذه المرأة تزوجت شابا فاستطابت عيشها معه ثم طلقها وتزوجت شيخا من أهل المدينة فلم تحمد صحبته، والجالية الغرباء واحدهم جال. نكحت المديني إذ جاءني ... فيالك من نكحة غاليه له ذفر كصنان التيو ... س أعيا على المسك والغاليه أي كانت تزويجة خاسرة غالية لأنه لم يكن مشاكلا لي. المعنى: تقول: دمشق وفتيان دمشق أحب إلينا من الغرباء، ثم أظهرت الندم على نكاح المدني ورمته بشدة الصنان. (3) وقال آخر: (من العروض الثانية من السريع والقافية من المترادف)

من أينا تضحك ذات الحجلين أبدلها الله بلون لونين سواد وجه وبياض عينين الحجلان: الخلخالان، يقول داعيا عليها: جعل لون واحد منها لونين أراد البياض في العين ولمع السواد في الوجه فلما كان اللون ينتظم البياض والسواد وغيرهما بين مراده بقوله: سواد وجه وبياض عينين على إضمار أعني، المعنى: يدعو عليها بالعمى وتسويد الوجه. (4) وقال أبو الخندق الأسدي، وطلق امرأته فقالت له أبعد صحبة خمسين سنة تطلقني فقال: مالك عندي ذنب غيره: أعوذ بالله من ليل يقربني ... إلى مضاجعة كالدلك بالمسد لقد لمست معراها فما وقعت ... مما لمست يدي إلا على وتد في كل عضو لها قرن تصك به ... جنب الضجيع فيضحي واهي الجسد معراها: جسدها، شبه نتوء العظام منها بالأوتاد، وتصك تضرب، واهي الجسد ضعيف البدن، يصفها بالهزال وشخوص العظام، وشبه ما نتأ من عظمها بالقرون والأوتاد. (5) وقال بعض بني أسد، ومر بأبي العلاء العقيلي، يفلي ثيابه:

(الثاني من الكامل والقافية من المتواتر) وإذا مررت به مررت بقانص ... متشمس في شرقة مقرور متشمس: قاعد في الشمس، والشرقة موضع تطلع عليه الشمس، ومقرور أصابه البرد. للقمل حول أبي العلاء مصارع ... من بين مقتول وبين عقير وكأنهن لدى دروز قميصه ... فذ وتوءم سمسم مقشور الدروز جمع درز، والفذ الفرد، شبه القمل بالسمسم المقشور وأبدع في ذلك، المعنى: يهجوه بقتل القمل، وشبه القمل في دروز قميصه بالسمسم المقشور. ضرج الأنامل من دماء قتيلها ... حنق على أخرى العدو مغير ضرج الأنامل أي محمر أطراف الأصابع، وقد ضرجت الثوب صبغته بحمرة. (6) وقال بعض الحجازيين، إسلامي: (الأول من الخفيف والقافية من المتواتر) خبروها بأنني قد تزوجـ ... ـت فظلت تكاتم الغيظ سرا ثم قالت لأختها ولأخرى ... جلدا ليته تزوج عشرا

وأشارت إلى نساء لديها ... لا ترى دونهن للسر سترا ما لقلبي كأنه مني ... وعظامي إخال فيهن فترا عشر أي عشر نسوة، تظهر الجلادة وقلة الغيرة. المعنى: يخبر عن تجلد امرأته لما خبرت بأنه قد تزوج، وصف تجلدها وإظهار قلة المبالاة بقوله: ليته ... إلخ، وقوله: لا ترى دونهن أي لا تعتقد. ثم أخبر بأنها باحت بسرها عند بعض نسائها وأخبرتهن لما لحقها من الغم والفتور بتزوج زوجها. (7) وقال آخر، إسلامي: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) جزى الله عنا ذات بعل تصدقت ... على عزب حتى يكون له أهل فإنا سنجزيها بما فعلت بنا ... إذا ما تزوجنا وليس بها بعل أفيضوا على عزابكم بنسائكم ... فما في كتاب الله أن يحرم الفضل يتماجن هذا الشاعر ويسأل النساء المتزوجات التصدق بأنفسهن على من لا زوج له، ويعدهن المكافأة بمثل ذلك إذا خلون من الأزواج، وقوله أفيضوا على عزابكم أي وسعوا ولا تضايقوهم في نسائكم وتفضلوا بذلك، فما في كتاب الله أن يحرم الفضل يعني قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم). المعنى: تعدى المجون إلى الجنون في قوله: أفيضوا على عزابكم، قال: أخبرني أبو عبد الله

الحمداني عن أبي رياش قال: ورد أعرابي البصرة فحضر الجامع ورأى المؤذنين يؤذنون فقال ما لهؤلاء يصيحون؟ ولم يعرف الآذان فقال له بعض المجان: كل من كان في قلبه شيء فصعد وباح بما في قلبه أعطي مناه، فقال الأعرابي: إني والله صاعد إذا فقال الماجن لنقيب المؤذنين هذا أعرابي جيد الأذان يريد أن يؤذن فقال: ليصعد وكان جهير الصوت ورفع صوته بهذه الأبيات، فعدا الناس عليه وطرحوه من المنارة، فهلك فسمع بعض نساء البصرة تقول: رحم الله ذلك المؤذن ما كان أطيب أذانه. (8) وقال آخر: (من مشطور الرجز والقافية من المتدارك وفيها من المتراكب) أنشد بالله وبالدلو الخلق يا رب من أحسها ممن صدق فهب له بيضاء بلهاء الخلق ومن نوى كتمان دلوي فاحترق وابعث عليه علقا من العلق إن لم يصبحه بما ساء طرق

وبات في جهد بلاء وأرق وهب له ذات صدار منخرق مشؤومة تخلط شؤما بخرق هذا الرجل سرقت له دلو، بلهاء الخلق أي ليست مجربة مناعة ولكنها يمكن أن تخدع، ثم دعا على من علم بدلوه فلم يخبره بها فقال: فاحترق يعني بالنار، وقوله: علقا أي مكروها، يعلق به ولا يتخلص منه، والعلق ضرب من الدود، إن لم يصبحه أي إن لم يجئه صباحا بالسوء جاءه ليلا، وقوله ذات صدار: امرأة تلبس الصدار من الثياب، وهو ما غطى الصدر أي منخرق، ليست بصناع، أي مع شؤمها خرقاء فلا تتهذب في أخلاقها ولا تترفق في أفعالها. المعنى: يدعو الله على من كتم دلوه أن يهب له امرأة خرقاء، فضيحة مشؤومة. (9) وقال أعرابي: (من العروض الرابعة من السريع والقافية من المتواتر) كأن خصييه إذا تدلدلا أثفيتان تحملان مرجلا كأن خصييه إذا ما جبا دجاجتان تلقطان حبا

جبا انحنى، وقيل قام على أربع في الاحتراش. المعنى: امرأة تهزأ بزوجها وتصفه بالأدرة، وتشبه خصييه لعظمهما بدجاجتين عند لقط الحب. (10) وقال آخر: [من مشطور الرجز والقافية من المتدارك] كأن خصييه من التدلدل سحق جراب فيه ثنتا حنظل التدلدل الاضطراب. المعنى: يصفه بالأدرة، وشبه الصفن بجراب خلق والبيضتين بحنظلتين، ثنا حنظل يريد حنظلتين إلا أنه أخرج التثنية على الاصلاح. (11) وقال آخر: (من مشطور الرجز والقافية من المتدارك) وفيشة زين وليست فاضحه نابلة طورا وطورا رامحه

على العدو والصديق جامحه من لقيت فهي له مصافحه تسد فرج القحبة المسافحه مفسدة لابن العجوز الصالحه كأنها صنجة ألف راجحه قوله: نابلة طورا ... إلخ يعني في استوائها كأنها النبل مرة وكأنها ذات رمح لامتدادها، وقوله من لقيت أي لا تعرض عمن كان، ويروى "فهي مصالحة" وقوله مفسدة لابن العجوز أي مفسدة لمن كانت له مثلها، يطالب بالفجور ويدعو إلى الفساد، وشبه الفيشة بصنجة الألف لأنها نهاية العقود. المعنى يصف فيشة بالشدة والطول والغلظ كما وصفنا. (12) وقال آخر: (من العروض الرابعة من السريع والقافية من المتواتر) وفيشة ليست كهذي الفيش قد ملئت من خرق وطيش إذا بدت قلت أمير الجيش من ذاقها يعرف طعم العيش قلت أمير الجيش: لاعتلائه ولفضله. المعنى: يصف متاعه بالخرق والعجلة والاعتلاء واللذة.

(13) وقال سحيم الفقعسي: [الأول من الطويل والقافية من المتواتر] لا أكتم الأسرار لكن أنمها ... ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي وإن قليل العقل من بات ليلة ... تقلبه الأسرار جنبا على جنب أجود المعنى: أفشي السر ولا أحمل الضجر بكتمانه. (14) وقال آخر: [الثاني من الطويل والقافية من المتدارك] فجاءوا بشيخ كدح الشر وجهه ... جهول متى ما ينفد السب يلطم كدح خدش. المعنى: يصف شيخ سوء جاهلا يعقب السب الضرب. (15) وقالت قابلة لامرأة تسمى سحابة وقد ضربها المخاض وهي تطلق على يديها: [من مشطور الرجز والقافية من المتواتر] أيا سحاب طرقي بخير وطرقي بخصية وأير ولا تريني طرف البظير المعني تقول: ائتيني بولد ولا تأتيني بأثنى.

(16) وقال آخر: (الأول من الوافر والقافية من المتواتر) فإنك إن ترى عرصات جمل ... بعاقبة فأنت إذا سعيد لها عينان من أقط وتمر ... وسائر خلقها بعد الثريد المعنى: يقرب أن يكون هذا الشاعر صريع الجوع، فشبه حبيبه بأشهى ما كان لديه. (17) وقال آخر: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) أنخ فاصطبغ قرصا إذا اعتادك الهوى ... بزيت كما يكفيك فقد الحبائب إذا اجتمع الجوع المبرح والهوى ... نسيت وصال الآنسات الكواعب أي اجعل إدام خبزك زيتا، والصباغ الإدام، اعتادك الهوى أي عاودك، كما يكفيك أي كيما يكفيك وهي لغة طيء. المعنى: هذا أسير الجوع يقول: إذا عاودك العشق فكل الخبز بالزيت كي تنسى من لذة الطعام وحشة الهوى. (18) وقال آخر: [الثالث من الطويل والقافية من المتواتر]

كأن ثناياها وما ذقت طعمها ... لبا نعجة سوطته بدقيق رمتني بسهم الحب أما قذاذه ... فتمر وأما ريشه فسويق سوطته: خلطته وضربته، والقذاذ جمع قذة وهي الريش، وقد فرق بينهما، وقيل: إنه غلط في ذلك، المعنى: هذا رهين الجوع شبه حبيبه وما لحقه منه بما كان يتمناه من الطعام والشراب. (19) وقال آخر: [الثالث من الطويل والقافية من المتواتر] وما العيش إلا نومة وتشرق ... وتمر كأكباد الجراد وماء التشرق القعود في المشرقة، وتمر كأكباد الجراد يعني رقيق القشر، ويقال في لونها، المعنى يقول: ما العيش إلا نوم ودفء وأكل وشرب. (20) وقال آخر: [الثالث من الطويل والقافية من المتواتر] ألا رب خود عينها من خزيرة ... وأنيابها الغر الحسان سويق الخزيرة حساء من دقيق، هذا قتيل الجوع فشبه حبيبته بما كان أشهى إليه.

(21) وقال آخر: [من مشطور الرجز والقافية من المتدارك] قامت تمطى والقميص منخرق فصادف الخرق مكاناً قد حلق كأنه قعب نضار منفلق قد حلق يعني ركبها وهو فوق الفرج، وهو العانة أو شعر العانة، والنضار خشب الشمشار. المعنى: يصف جارية تبخترت في قميص فبدت سوءتها. (22): وقال بلال بن جرير: [الأول من الطويل والقافية من المتواتر] وعكلية قالت لجارة بيتها ... إذا العير أدلى حبذا مثل ذا علقا يروى "ذا علقا وذا عرقا". المعنى: يصف امرأة مغتلمة رأت حمارا أدلى غرموله فأعجبها.

(23) وقال آخر: [الثالث من الطويل والقافية من المتواتر] إذا اجتمع الجوع المبرح والهوى ... على العاشق المسكين كاد يموت المعنى: يقول إذا عشق المسكين قرب هلاكه، فقتله الجوع من وجه والهوى من وجه، ولا يساعده من يهواه لفقره. (24) وقال آخر: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) وأبغض الضيف ما بي جل مأكله ... إلا تنفجه حولي إذا قعدا ما زال ينفخ جنبيه وحبوته ... حتى أقول لعل الضيف قد ولدا التنفج التوسع. يقول: إني لأبغض الضيف لا لأجل ما يأكله لأني سخي، ولكن لسوء أدبه وتوسعه في القعود كما تقعد المرأة عند الولادة. (25) وقال آخر: [الثالث من الطويل والقافية من المتواتر] وإنا لنجفو الضيف من غير عسرة ... مخافة أن يضرى بنا فيعود

يعود يعتاد، المعنى: يروى أن الأصمعي كان يقول: هذا البيت على مذهب الإحسان وخالفه فيه غيره فتحاكما إلى عبد الله بن الطاهر فحكم على الأصمعي على معنى أنه يريد لا نبالغ في بر الضيف ولا نتكلف له لئلا يحتشم، ولكن نقدم إليه بعض ما يحضر ليأنس فيكثر زيارتنا ثم نوفيه حق إكرامه بعد ذلك، وقال مخافة أن يضرى يريد أنه لا يضرى كقوله تعالى: "يبين الله لكم أن تضلوا" قال: "والصواب عندنا ما قاله الأصمعي، وإليه ذهب أبو تمام، ولهذا ضمنه باب الملح ويدل عليه بعده، والدليل على هذا أن عادة أهل المروءة ان يتكلفوا للضيف ابتداء ليعرف محله عندهم، فإذا زالت الحشمة ووقعت الأنسة، واستحكمت الصداقة تركوا التكلف. (26) وقال أعرابي نظر إلى جارية سوداء تختضب وتكتحل: [الأول من الكامل والقافية من المتدارك] تخضب كفا بتكت من زندها ... فتخضب الحناء من مسودها كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها بتكت أي قطعت أي كفاً مستحقة لأن يدعي عليها بالقطع، المعنى: هذه الأبيات في ذم السود. (27) وقال أعرابي ودخل ابنه الحمام فأحرقته النورة، واسمه عبيد بن قرط الأسدي، واسم ابنه قرط: [الثاني من الطويل والقافية من المتدارك] لعمري لقد حذرت قرطا وجاره ... ولا ينفع التحذير من ليس يحذر نهيتهما عن نورة أحرقتهما ... وحمام سوء ماؤه يتسعر

فما منهما إلا أتاني موقعا ... به أثر من مسها يتقشر أجدكما لم تعلما أن جارنا ... أبا الحسل بالصحراء لا يتنور ولم تعلما حمامنا ببلادنا ... إذا جعل الحرباء بالجذل يخطر المعنى: يصف تحذيره قرطا وصاحبه ألا ينتارا، وتعديهما في ذلك حتى أحرقتهما النورة، وقوله موقعا أي به أثر، وأجدكما أي بجد منكما لا يتنور: لا يستعمل النورة، وإنما قال جارنا لأنه يسكن السدر، وقوله: ولم تعلما ... البيت يعني الشمس لأن العرب تقول: الشمس حمامة العرب، ويخطر أي يتحرك. المعنى: لا مهما وقصر بهما عن رتبة الضب في العلم، لأن النورة لا تستعمل، وعن الحرباء لأن الحمام لا يؤثر على الشمس. (28) وقال آخر: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) ألا فتى عنده خفان يحملني ... عليهما إنني شيخ على سفر أشكو إلى الله أحوالاً أمارسها ... من الجبال وأني سيء البصر إذا سرى القوم لم أبصر طريقهم ... إن لم يكن لهم ضوء من القمر جعل الحفى كالرجلة، وليس الخف كركوب الظهر، فلهذا قال: يحملني عليهما، إنني شيخ على سفر، لأن الشيخ أحوج إلى الخف من الشاب، والمسافر أحوج إلى الحذاء من المقيم، لأن الشيخ أحوج غلى الخف من الشاب، والمسافر أحوج إلى الحذاء من المقيم، ويروى "إن لم يكن لهم موم إلى القمر" أي مشير. المعنى: يطلب خفين ويذكر شدة حاجته إليهما لشيخوخته وسفره وسوء بصره. (29) وقالت امرأة:

(من العروض الرابعة من السريع والقافية من المتواتر) سبي أبي سبك لي بصيره إن معي قوافيا كثيره ينفج منها المسك والذريره قال بعضهم: بصيرة اسم امرأة، تريد يا بصيرة، وسبك لي أي أنا مالكة لسبك إن سببت أبي، وهذا غلط والصواب عندنا والله أعلم، بصيرة لي أي حجة، تقول الساب مبتدئا مذموم، فإذا كان مكافئا لم يستحق الذم، تقول: إن سبك حجة لي في مجازاتك والانتقام منك، ولا ألام على سبك ويحتمل أن يكون سبك لي بصيرة بصر لأنك تسبين بما فيك من العيوب فأستبصر معايبك، وقولها: إن معي ... إلخ أي معي قواف تستطاب لجودتها كما تستطاب رائحة المسك، وما قاله بعضهم أنها تهزأ فليس بشيء. المعنى: تستخف بصاحبتها، وتهددها بشعرها. (30) وقالت أخرى: (من العروض الرابعة من السريع والقافية من المتواتر) إن أباك "زهدق" دقيق لا حسن الوجه ولا عتيق تضحك من طرطبه العنوق

(وزهدق) ضعيف، بخيل، ودقيق أي هزيل، ولا عتيق أي ليس بحسن، تضحك من طرطبه أي كثير الضراط حتى أن العنوق تضحك منه تعجبا، والعنوق الجداء واحدها عناق، وطرطبه لقبح نغمته، وهو الطرطبة يعني صوت الراعي. المعنى: ترمي أباها بالشح والدقة وقبح الصورة على ما بينا. (31) وقالت الأخرى: (من مشطور الرجز والقافية من المتدارك) يا رب من عادى أبي فعاده وارم بسهمين على فؤاده واجعل حمام نفسه في زاده عاده أي أهلكه، فارم بسهمين على فؤاده، أي بالقلاب، اجعل موته في زاده أي في طعامه. (32) وقالت أم النحيف وهو سعد بن قرط، وكان تزوج امرأة نهته أمه عنها، وهو أحد بني جذعة، والنحيف تصغير النحف: (الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لعمري لقد أخلفت ظني وسؤتني ... فحزت بعصياني الندامة فاصبر ولا تك مطلاقا ملولا وسامح الـ ... قرينة وافعل فعل حر مشهر فقد حزت بالورهاء أخبث خبثة ... سترمي بها في جاحم متسعر

فكم من كريم قد مناه إلهه ... بمذمومة الأخلاق واسعة الحر فطاولها حتى أتتها منية ... فصارت سفاة جثوة بين أقبر فأعقب لما كان بالصبر معصماً ... فتاة تمشى بين اتب ومئزر مهفهفة الكشحين محطوطة المطا ... كهم الفتى في كل مبدى ومحضر لها كفل كالدعص لبده الندى ... وثغر نقي كالأقاحي المنور مطلاق: كثير التطليق. المعنى: هذه المرأة تعاتب ابنها على نكاحه من نهته عنها، وتأمره بالصبر عنها إلى أن يخلصه الله منها، والورهاء الحمقاء، مناه الله أي ابتلاه ربه، فطاولها أي داراها، ولزمها طويلا حتى أتتها منية، فصارت سفاة أي ترابا، جثوة أي حجارة مجموعة، تعني: دفنت فلم ير من آثارها إلا قبرها، والأقبر جمع القبر، وقولها: فأعقب ... الخ تعني أعطي عقيبها فتاة تمشى أي تتمشى بين اتب وهو ثوب لا كم له، وصفتها بالتأهب والخدمة وأخذ لباس العفة، ومعصما أي ممسكا ومحطوطة المطا أي ملساء الظهر، كأن ظهرها حط بالمحط، وهو ما يصقل به الثوب، وقولها: كهم الفتى كما يهم الفتى، والمنور الذي خرج نوره. المعنى: تصبره وتقول لعل الله يعوضك عنها امرأة عفيفة حسناء محمودة الخلائق، وتنهاه عن الطلاق. (33) وقال أبو الطمحان وحلقه صاحب شرطة يوسف بن عمر بن هبيرة الفزاري:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) وبالحيرة البيضاء شيخ مسلط ... إذا حلف الأيمان بالله برت لقد حلقوا منها غدافا كأنه ... عناقيد كرم أينعت فاسبكرت وظل العذارى يوم تحلق لمتي ... على عجل يلقطنها حيث خرت الحيرة: مدينة وصفها بالبياض أراد حسن العمارة، وقوله: إذا حلف الأيمان

يريد أنه كان قد حلف أن يحلق لمته فحلقها. المعنى: يصف صاحب الشرطة ابن هبيرة وجفاءه وتصميمه عليه، وقوله: اسبكرت أي طالت، شبه لمته بعناقيد العنب في جعودتها، المعنى: يذكر أنه حلقت لمته سوداء جعدة وأن الجواري لقطنها ليصلن شعورهن، ويروى "حيث جزت". تمت الملح

باب مذمة النساء

باب مذمة النساء (1) وقال بعضهم يخاطب امرأته: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) دمشق خذيها واعلمي أن ليلة ... تمر بعودي نعشها ليلة القدر أكلت دما إن لم أرعك بضرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر إن قائل هذين البيتين أعرابي، وكان قد تزوج امرأة فلم توافقه فقيل له أن حمى دمشق سريعة في موت النساء فحملها إلى دمشق وأنشأ يقول ... البيت أي تهلك فيها تلك المرأة ليلة لها فضل على سائر الليالي كفضل ليلة القدر على غيرها، ثم قال لامرأته: أكلت دماً، ويروى "شربت دما" ومعناه القسم: يعني إن لم افزعك بامرأة أخرى، ويحتمل أن يكون المعنى افتقرت لأن الغني منه ينحر والفقير يفصد البعير فيجمع الدم في معي فيأكل، ويحتمل أن يكون المراد أخذت الدية إبلاً وشربت لبنها، لأن العرب كانت تعير بذلك، وتقول: فلان شرب دم أبيه. وقوله: "بعيدة مهوى القرط" أي طويلة العنق. المعنى: يستعجل هلاك امرأته ويقسم على تزوج امرأة أخرى جيداء طيبة النكهة. (2) وقال آخر: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر)

سقى الله داراً فرق الدهر بيننا ... وبينك فيها وابلا سائل القطر ولا ذكر الرحمن يوما وليلة ... ملكناك فيها لم تكن ليلة القدر يروى سائل القطر ومسيل القطر، وقوله: ولا ذكر الرحمن البيت أي لا ذكرها بخير، وملكناك أي تزوجناك، لم تكن ليلة القدر أي لم تكن ليلة ميمونة علي. المعنى يستسقي الدار التي تفرقا فيها، دعاء لها، ويبريء الليلة التي تزوجها فيها من اليمن والبركة. (3) وقال آخر في امرأتين تزوج بهما: (من مرفل الكامل والقافية من المتواتر) رحلت أنيسة بالطلاق ... وعتقت من رق الوثاق بانت فلم يألم لها ... قلبي ولم تبك المآقي ودواء ما لا تشتهيـ ... ـه النفس تعجيل الفراق لو لم أرح بفراقها ... لأرحت نفسي بالإباق وخصيت نفسي لا أريـ ... ـد حليلة حتى التلاقي قوله: رحلت أنيسة بالطلاق أي رحلت مطلقة، ولو لم أرح نفسي أي لو لم أخلص. المعنى: هذا رجل طلق امرأته بعد أن تأذى بها، ووصف خلاصة منها. (4) وقال آخر: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب)

ألمم بجوهر بالقضبان والمدر ... وبالعصي التي في روسها عجز ألمم بها لا لتسليم ولا مقة ... إلا ليسكر منها أنفها الحجر ألمم بوظباء في أشداقها سعة ... في صورة الكلب إلا أنها بشر حدباء وقصاء صيغت صيغة عجبا ... وفي ترائبها عن صدرها زور جوهر اسم امرأة، وعجر جمع عجرة وهي العقدة، المعنى: يهجو امرأته ويقول: لا تقربها إلا ومعك العيدان والمدر والعصي العجر لتضربها بها، ولا تنزل بها للتسليم والمودة، فإنها لا تصلح لذلك بل انزل بها لتكسر أنفها بالحجر، والوطباء الكبيرة البطن أو الثديين. المعنى: وصفها بعظم البطن وخروج الظهر وقصر العنق واعوجاج الصدر. (5) وقال آخر: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) تمت عبيدة إلا في محاسنها ... والملح منها مكان الشمس والقمر قل للذي عابها من عائب حنق ... أقصر فرأس الذي قد عبت والحجر يعني: بعدت هذه الملاحة منها كبعد هذه المرأة من الشمس والقمر. المعنى: يذم امرأة اسمها عبيدة، وتمت في كل عيب إلا في المحاسن، وأبعدها من الملاحة، ثم دعا عليها بأن يجمع رأسها والحجر شدخا، وقد أقوى فالقافية الأولى مجرورة والثانية مرفوعة. المعنى: استقصر العائب عن عيبها لأنها لا تساوي أن تذكر، ودعا عليها بشدخ الرأس. (6) وقال آخر:

(الثاني من الطويل والقافية من المتدارك) لا تنكحن الدهر ما عشت أيما ... مجربة قد مل منها وملت ويروى "قد نيل منها" أي نكحت مراراً. المعنى: ينهى عن نكاح الأيامي، ويصف صاحبته بالتجربة وتطليقها زوجا بعد زوج. تحك قفاها من وراء خمارها ... إذا فقدت شيئا من البيت جنت تحل قفاها لما فيها من القمل، وقوله: إذا فقدت ... الخ، يعني بخلها، يصفها بالبخل وشدة الشح. تجود برجايها ويمنع درها ... وإن طلبت منها المودة هرت أي لا تصادق أحدار وهي كمثل الكلب. المعنى: يصفها بالفجور وسوء الخلق. وروي أن هذه الأبيات لأعرابي دخل البصرة فتزوج منها امرأة أيما فوقع بينهما شر فلما خرج الأعرابي عمدت إلى متاعه فغيبته فطلقها وقال هذه الأبيات. (7) وقال آخر: (الثالث من الطويل والقافية من المتواتر) لأسماء وجه بدعة من سماجة ... يرغبني في نيك كل أتان بدا فبدت لي شقة من جهنم ... فقمت ومالي بالجحيم يدان وغادرت أصحابي الذين تخلفوا ... بما شئت من خزي وطول هوان وما كنت أدري قبلها أن في النسا ... جحيماً أراها جهرة وتراني المعنى: يصف وجه أسماء بنهاية السماجة وغاية الوحشة والكراهة، ويذكر أنه لما رآه كأنه قطعة من جهنم لم يطق النظر إليه، ففارقه قبل أصحابه الذين كانوا معه.

(8) وقال آخر: (الأول من البسيط والقافية من المتراكب) لا تنكحن عجوزا إن أتيت بها ... واخلع ثيابك منها ممعناً هربا فإن أتوك فقالوا إنها نصف ... فإن أمثل نصفيها الذي ذهبا يعني دعيت لنكاحها، وإن أتيت بها أصله أن العرب إذا ذهبت امرأة منهم إلى بيت جل ترغب فيه كان واجبا كان واجبا على الرجل أن يتزوجها، وعارا عليه تخييبها فقال هذا الشاعر: اخلع ثيابك منها أي من العجوز، ممعنا هربا أي مجداً في الهرب، والإمعان في كل شيء المبالغة فيه، وامرأة نصف أي عوان ذهب نصف عمرها يقول: إن قالوا لك قد بلغت نصف عمرها فإن خير نصفيها الذي ذهب. المعنى: ينهى عن نكاح العجائز ويشعر بذهاب ما طاب من عمرهن. (9) وقال آخر: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) رقطاء حدباء يبدي الكبد مضحكها ... قنواء بالعرض والعينان بالطول رقطاء منقطة الوجه بالبرش، يبدي الكبد مضحكها أي واسعة الفم إذا ضحكت أبدى ضحكها كبدها لسعته، وهذا إفراط. ويروى "يبدي الكيد مضحكها" أي يبدي وجهاً قبيحاً كقبح الكيد وهو المكر، والأول أجود، والقنواء من القنا وهو عوج في الأنف، والعينان بالطول أي مخالفة لعيون الناس، لأن العيون في عرض الوجه. لها فم ملتقى شدقيه نقرتها ... كأن مشفرها قد طر من فيل

لها فم أراد سعة فمها، ونقرتها يريد نقرة قفاها. كأن مشفرها أي شفتها، وطر من فيل أي قطع من خرطوم فيل، أي يشبه شفتها خرطوم الفيل طولاً. أسنانها أضعفت في خلقها عددا ... مظهرات جميعا بالرواويل أضعفت أي جعلت أضعافاً بعضها فوق بعض، والرواويل جمع راوول وهي السن الزائدة مظهرات جعل بعضها فوق بعض كالظهارة، ويقال فلان بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر. المعنى: يصفها بتزايد الأسنان. (10) وقال آخر: (الأول من الخفيف والقافية من المتواتر) اصرميني يا خلقة المجدار ... وصليني بطول بعد المزار فلقد سمتني بوجهك والوصـ ... ـل قروحاً أعيت على المسبار ذقن ناقص وأنف غليظ ... وجبين كساحة القسطار القسطار التاجر والجمع قساطرة، والمساحة الفناء. المعنى: وصفها بصغر الذقن وغلظ الأنف وسعة الجبين.

طال ليلي بها فبت أنادي ... يا لثارات مستضاء النهار قامة الفصعل الضئيل وكف ... خنصراها كذينقا القصار يا لثارات مستضاء النهار يستغيث أن يرد إليه النهار، والفصعل: عقرب صغير، والضئيل: الخفي الشخص، وقوله: كذينقا القصار مدقته وأصله فارسي "كنذير" المعنى: يصفهما بقصر القامة وغلظ الأصابع، وهذه أصواف متنافرة. (11) وقال آخر: (الأول من الطويل والقافية من المتواتر) ألام على بغضي لما بين حية ... وضبع وتمساح تغشاك من بحر تحاكي نعيما زال في قبح وجهها ... وصفحتها لما بدت سطوة الدهر هي الضربان في المفاصل خاليا ... وشعبة برسام ضممت إلى النحر إذا سفرت كانت لعينيك سخنة ... وإن برقعت فالفقر في غاية الفقر وإن حدثت كانت جميع مصائب ... موفرة تأتي بقاصمة الظهر وإن حدثت كانت جميع مصائب ... موفرة تأتي بقاصمة الظهر حديث كقلع الضرس أو نتف شارب ... وغنج كحطم الأنف عيل به صبري وتفتر عن قلح عدمت حديثها ... وعن جبلي طيء وعن هرمي مصر إنما قال "لما" ولم يقل لمن ليخرجها من جملة الناس أي تحاكي في صفحتها سطوة الدهر، وصفحتها عنقها. المعنى: يشبه امرأة بالحية في خبثها، والضبع في وحشتها، والتمساح في غدرها، واجتماع الغم والمحن برؤيتها، والشعبة الطائفة، ويروى "إن برقعت وبرقعت" والأول أجود، وقوله: فالفقر في غاية الفقر، فيه

إضمار يعني معها أو هناك أو ما أشبه ذلك، المعنى: شبهها بالضربان في المفاصل ومقاساة البرسام عند مباشرتها، ويصفها بغاية القبح سافرة ومتنقبه، وقوله تأتي بقاصمة الظهر أي محنة تكسر الظهر، وقوله حديث كقلع الضرس أي حديث يصعب سماعه كما يصعب قلع الضرس، وكذلك حطم الأنف يصعب مثله، عيل به صبري أي غلب صبري به، جبلي طيء يعني أجأ وسلمى، وعن هرمي مصر هما بناءان عظيمان بمصر من عمل الفراعنة وهما من عجائب الدنيا. المعنى: يصفهما بغثاثة الحديث وبرودة الغنج، وكدر الأسنان وصفرتها. (12) وقال آخر: (الأول من الخفيف والقافية من المتواتر) لو تسمعت صوته قلت هذا ... صوت فرخ في عشه مزقوق أو تأملت رأسه قلت هذا ... حجر من حجارة المنجنيق معمل قرض لحية لو تراها ... قلت عثنون هربذ محلوق لم أعبه ألا يكون تقيا ... مؤمنا مبغضا لأهل الفسوق غير أني أردت أن ينظر النا ... س إلى خلق ربنا المخلوق مزقوق من زق الحمام فرخه زقاً أي ضئيل الصوت. المعنى: يهجو رجلا بضخم الرأس وضعف الصوت، والعثنون: الشعر تحت الذقن والجمع العثانين، هربذ المجوس يخفف لحيته لممارسة النار. المعنى: هجاه بقص اللحية. (13) ومما اختار في القصر: [الأول من الطويل والقافية من المتواتر] ألا يا شبيه الدب مالك معرضا ... وقد جعل الرحمن طولك في العرض

وأقسم لو خرت من استك بيضة ... لما انكسرت لقرب بعضك من بعض خرت سقطت، المعنى يهجوه بغاية القصر يقول: لو سقطت بيضة من استك لم تنكسر لقصر قامتك. (14) وقال آخر في مثله: [الثاني من الطويل والقافية من المتراكب] أظن خليلي من تقارب شخصه ... يعض القراد باسته وهو قائم القراد ما يتعلق بالنعم يمص دمها، وفيه حذف يريد أظن يعض القراد باسته قاعداً وهو قائم، ولو لم يضمر فيه معنى القعود لم يكن ذما بالقصر. (15) وقال آخر: (الأول من الكامل والقافية من المتدارك) ولقد غدوت بمشرف يا فوخه ... عسر المكرة ماؤه يتدفق

مشرف يافوخه يعني متاعه، عسر أي صعب المعطف لا يكاد ينثني، وماؤه يتدفق أي يسيل دفقاً بسرعة يعني خروج المني. أرن يسيل من النشاط لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتمزق أرن نشط، والأرن النشاط، يسيل لعابه يمذي، وقوله يكاد جلد ... الخ يصف امتلاءه. المعنى: يصف اغتلامه وقوة متاعه، ويروى أن فتى من الأعراب سأل أبا عبيدة عن هذين البيتين فقال: يصف مهراً فقال: حملك الله عليه، فعرف أبو عبيدة فقال: قبحك الله من سائل. (16) وقال بعض المدنيين في امرأة: (الأول من الخفيف والقافية من المتواتر) لو تأتى لك التحول حتى ... تجعلي خلفك اللطيف أماما ويكون الأمام ذو الخلقة الجبـ ... ـلة خلفا مركبا مستكاما لإذا كنت يا عبيدة خير الـ ... ـناس خلفا وخيرهم قداما الجبلة الغليظة، ورجل مجبال عظيم الخلق، مركبا أي سمينا ركب بعضه

فوق بعض، مستكاما أي ضخما من الناقة الكوماء وهي الضخمة السنام، ويروى "لاستقاما". المعنى يهحوها بعظم البطن وصغر العجز. (17) وأنشد أبو عبيدة لأبي الغطمش الحنفي، والغطمش مفعل من غطش الليل أذا أظلم، والغطمش في العين كالعمش. (الثالث من المتقارب والقافية من المتدارك) منيت بزنمردة كالعضا ... ألص وأخبث من كندش تحب النساء وتأبى الرجال ... وتمشي مع الأخبث الأطيش زنمردة أي تشبه الرجال مذكرة، ولا يلتفت إلى ما يروى عن ثعلب أنه زنمردة

بمنزلة "حنزقرة" فإنه تعسف، وكالعصا يعني الدقة واليبوسة، وقيل أراد الصلابة. وألص أسرق، وكندش قالوا لص معروف يتمثل به، وقيل هو العقعق، وقيل كندش وهو الفأرة، وقوله تحب النساء لأنها سحاقة وتأبى الرجال أي لا تريدهم، وقوله الأخبث الأطيش من الناس أي الكثر الخبث، والطيش الخفة والنزق. لها شعر قرد إذا ازينت ... ووجه كبيض القطا الأبرش وثدي يجول على نحرها ... كقربة ذي الثلة المعطش الأبرش الذي عليه نقط سود، والثلة هنا قطعة من الغنم، والمعطش الذي عطشت ماشيته، المعنى: يهجو امرأة، يصفها بأنها مذكرة، سارقة، سحاقة، مخبثة، قبيحة الشعر، متشمسة الوجه، عظيمة الثدي. لها ركب مثل ظلف الغزال ... أشد اصفرارا من المشمش الركب منبت العانة، وأراد به الفرج ها هنا لأنه يجاوره، وجمعه أركاب، شبه فرجها بظلف الغزال، يعني أنه صغير مشقوق شقاً لا ينضم وشبهه بالمشمش أي مصفار. وفخذان بينهما نفنف ... تجيز المحامل لا تخدش

وساق مخلخلها حمشة ... كساق الجرادة أو أحمش كأن الثآليل في وجهها ... إذا سفرت بدد الكشمش لها جمة فرعها جثلة ... كمثل الخوافي من المرعش النفنف: المهواة تكون بين جبلين، ولم تخدش أي غير مخدوشة، والمخلخل موضع الخلخال، والحمشة الدقيقة ويروى "مخلخلها خاتم" أي مدخل الخاتم. المعنى: يصف ساقها بالدقة وشبهها بساق الجرادة، وشبه الثآليل بالكشمش للونه وصفرته، والخوافي من الريش ما دون الأباهر الواحدة خافية، والمرعش الحمام الأبيض. المعنى: يصف وجهها بأنه ممتليء بالثآليل للصغر والشعر الكثير فوقها، يريد أنه ممراض مشوهة الوجه. (18) وقال يصف الديك: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) ماذا يؤرقني قدما ويسهرني ... من صوت ذي رعثات ساكن الدار

كأن حماضة في رأسه نبتت ... في أول الصيف قد همت بإثمار الحماصة نبت له نور أحمر يشبه عرف الديك، قد همت بإثمار أي بلغت أن تجيء بالثمر، يريد تمامها، والنبت لا يتم وإنما ذكر مجازاً. المعنى: يصف ديكا ويشبه عرفه بالنبت الذي ذكره. (19) وقال آخر: (الثاني من البسيط والقافية من المتواتر) صوت النواقيس بالأسحار هيجني ... بل الديوك التي قد هجن تشويقي كأن أعرافها من فوقها شرف ... حمر بنين على بعض الجواسيق ديوك جمع ديك وهو الديكة، والأعراف جمع عرف وهو ما علا رأس الديك، والشرف ما يبنى على أطراف القصور ورؤوس الحيطان، سميت شرفة لارتفاعها، والجواسيق القصور. على نغانغ سالت في بلاعمها ... كثيرة الوشي في لين وترقيق كأنما لبست أو ألبست فنكا ... فقلصت من حواشيها عن السوق نغانغ جمع نغنغ ونغنوغ وهي لحمات متعلقة إلى جنب اللهاة, وقيل: "النعانع" هنا ما سال تحت منقاره كاللحية، وهذا أشبه بمعنى البيت، وقوله كأنما

يعني الديوك لبست أو ألبست فنكا، والفنك أشبه شيء بلون الديك الأبيض، ثم احترز بقوله فقلصت من حواشيه أي ارتفعت حواشيه أي جوانبه، ومن زائدة. المعنى أبدع في تشبيهها بلابس الفنك، واحترز بقوله فقلصت من الطعن. * * * تم الكتاب والحمد لله حق حمده، وصلى الله على محمد المصطفى وآله بعده، وغفر الله ذنوب هذا الساطر وذنوب قارئه معاً، والناظر فيه. وفرغ من كتبه ياقوت بن عبد الله الفقير إلى عفو الله في الشهر المبارك سنة ثمان وثلاثين وأربع مائه. قابلت أشعار الحماسة من أول الكتاب إلى آخره دون الشروح بالنسخة التي قرأتها على الإمام أبي طاهر علي بن عبد الله الشيرازي، ونقلت حواشيها إلى حواشي هذه النسخة من الروايات الصحيحة والأبيات المصححة لشعر الحماسة. ووقع الفراغ منه في شعبان المبارك من سنة ست وستين وأربع مائة، والله تعالى محمود مشكور.

§1/1