شرح حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة

مجدي بن عبد الوهاب الأحمد

- مقدمة المصحح

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المصحح مؤلف الأصل إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فهذا شرح مختصر لحصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة، شرحه الأخ في الله، مجدي بن عبد الوهاب الأحمد من بلاد الشام، من الأردن، وقد بذل فيه جهداً جيداً جزاه الله خيراً، إلا أن العصمة لمن عصم الله تعالى، وقد طبعه ونشره عن طريق المكتبة الإسلامية بالأردن - عمان - ومؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، ببيروت- لبنان - وبعد أن بلغني أن الكتاب قد طُبِعَ اتصلت بصاحب المكتبة الإسلامية، وبمؤسسة الريان وطلبت منهما إرسال نسخة من الكتاب إليَّ، ثم قرأت الكتاب بعد أن أُرسل لي فوجدت ملاحظات وأخطاء لا بد من بيانها وإصلاحها، وهي على النحو الآتي: 1 - أخطاء نقلها الشارح في تأويل بعض صفات الله تعالى في مواضع من الكتاب (¬1)، فبينت مذهب أهل السنة فيها وعلقت عليها في ¬

(¬1) ومن أمثلة ذلك: ما نقله في تفسير لقاء الله تعالى في الصفحة (67)، من الطبعة الأولى عنده، وهو في هذه الطبعة في (ص 97)، وتفسيره لرحمة الله تعالى بالإحسان في (ص 82)، وفي هذه الطبعة في (ص 120) و (ص245)، وهو في هذه الطبعة في (ص 349)، وقصوره في بيان علو الله تعالى في (ص 103)، وفي هذه الطبعة (ص 151)، وغضب الله تعالى في (ص136)، وهو في هذه الطبعة في (ص 200)، وقصوره في تعريف الشرك الأكبر والأصغر في (ص202)، وفي هذه الطبعة في (ص 289)، وقصوره في بيان معنى لا إله إلا الله في (ص 204)، وهو في هذه الطبعة في (ص 292)، فقد ذكر معنى الربوبية ولم يذكر المعنى الأعظم وهو معنى الألوهية (لا معبود بحق إلا الله)، وهذا من باب الأمثلة، وإلا فهناك غيرها، وقد بينت الحق في هذه المواضع وغيرها، مما سيراه القارئ، ولله الحمد والمنة.

متن الكتاب. 2 - أخطاء ذكرها الشارح في بعض المسائل الفقهية، فقد ذكر بعض الأقوال المرجوحة، أو الضعيفة، ورجح بنفسه بعض الترجيحات، فذكرت القول الذي أراه صواباً موافقاً للأدلة (¬1). 3 - حذف مقدمة حصن المسلم التي بينت فيها منهجي، فأثبُّتها. 4 - حذف الأرقام الفرعية تحت العناوين فأثبتها. ¬

(¬1) كقوله: بأن المأموم يجمع بين التسميع والتحميد، في (ص 72)، وفي هذه الطبعة (ص 104)، وقوله: بأن في القرآن أربع عشرة سجدة فقط في (ص 79)، وفي هذه الطبعة في (ص 114)، وقوله: باشتراط شروط الصلاة لسجود التلاوة في (ص80)، وفي هذه الطبعة في (ص 116)، وقوله: بأن سجود التلاوة لا يفعل في أوقات النهي في (ص 80)، وفي هذه الطبعة في (ص 116)، وترجيحه لاشتراط شروط الصلاة في سجود الشكر (ص 232)، وهو في هذه الطبعة في (ص 332)، وقوله: بأن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة والأفضل تغطيتهما في (ص 115)، وهو في هذه الطبعة (ص 169)، وهذا غلط منه، وأخطأ في مسألة رد السلام على الكفار (ص 219)، وفي هذه الطبعة في (ص 313)، وترك ظاهر الحديث ((وعليكم)) وغير ذلك، فأوضحت الحق بدليله ولله الحمد في هذه المواضع كلها. ويرجى ممن عنده طبعة الشارح أن يصححها ويعدلها على هذه الطبعة، وخاصة الأمور الاعتقادية والفقهية.

5 - أضفت شرح بعض الكلمات وصححت بعض الأوهام والسقط في بعض الآيات والأحاديث والكلمات والجمل، والهوامش. 6 - أضفت بعض الفوائد في الشرح. 7 - الأخطاء المطبعية الكثيرة في الكتاب، فصححت ما ظهر لي منها. وقد جعلت كلامي بين معقوفين، سواء كان ذلك في المتن أو الحاشية، أو العناوين، وقلت في أول كل تصحيح لي: [قال المصحح ... ] وفي الهامش رمزت لما أضفته في الحاشية بقولي: (المصحح)، وبعد إصلاح هذه الأخطاء فقد أصبح الكتاب مفيداً جداً ولله الحمد؛ لأن الشارح بذل فيه جهداً طيباً مباركاً جزاه الله خيراً. والله أسألُ أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به الشارح، ومن انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المصحح مؤلف الأصل سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر عشية الأربعاء الموافق 15/ 11/1426هـ

- مقدمة الشارح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [مقدمة الشارح] إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬1). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬2). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (¬3). أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله - تعالى - وخير الهدي هديُ محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار. وبعد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - تعالى - أمر يحيى بن زكريا - ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 102. (¬2) سورة النساء، الآية: 1. (¬3) سورة الأحزاب، الآيتان: 70، 71.

عليه الصلاة والسلام - بخمس كلمات أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ... - وذكر منها -: ((وآمركم أن تذكروا الله - تعالى -؛ فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سِرَاعاً، حتى إذا أتى على حصنٍ حصينٍ فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله - تعالى - ... )) (¬1). ((فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة؛ لكان حقيقاً بالعبد ألا يفتر لسانه من ذكر الله - تعالى - وألاّ يزال لهجاً بذكره؛ فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصده؛ فإذا غفل وثب عليه وافترسه)) (¬2). وقال مطرف بن عبد الله - رحمه الله تعالى -: ((نظرت في هذا الأمر من أين هو؟ فإذا هو من عند الله - سبحانه -، ثم نظرت على مَن تَمامه، فإذا هو على الله - تعالى - ثم نظرت ما مَلاَكه؟! فإذا هو الدعاء، ثم نظرت في ابن آدم فإذا هو ملقى بين ربه وبين الشيطان فإذا أراد الله - تعالى - به خيراً اجتره إليه بعصمته، وإلا خلّى بينه وبين الشيطان)). إذن ذكر ودعاء الله - سبحانه وتعالى - هو حصن المسلم، وحياة قلبه، وقوت بدنه، وسعادة روحه، هو منجاته من كل شر وسوء ... وإن من أشمل وأسهل وأصح، ما يرشد إلى ذكر الله - تعالى - ويعين ¬

(¬1) رواه أحمد (4/ 202)، والترمذي برقم (2872). (¬2) انظر: ((الوابل الصيب)) لابن القيم - رحمه الله - (ص 50).

على دعائه سبحانه، هو كتاب ((حصن المسلم)) للشيخ الفاضل سعيد بن علي بن وهف القحطاني - حفظه الله تعالى -. ولقد لاقى هذا الكتاب - على صغر حجمه - قَبولاً واسعاً كبيراً ... ؛ فلا تكاد تجد بيتاً إلا وفيه هذا الكتاب، بل لا تكادَ تجد مسلماً ليست له نسخة منه خاصة به ... بل ومن شدة إقبال الناس عليه؛ تُرجم إلى عدة لغات عالمية ... حقًّا إن مثل هذا الكتاب يجب أن يُعتنى به، ويُخدم خدمة علمية. ولقد سُئِلْتُ أن أضع عليه شرحاً يعين على فهمه، ويرشد إلى معرفة معانيه ... فوجد هذا السؤال في قلبي مكاناً رَحباً ... ، فسارعت مستعيناً بالله العظيم الكريم إلى الإجابة، مستفيداً في ذلك من شروح الكتب الستة وغيرها من شروح كتب السنة، وأيضاً من شرحي على كتاب ((الكلم الطيب)) (¬1) لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -. ولم أعزُ ذلك - على الغالب - لكثرة الاستفادة منها، وخشية إثقال الحواشي، وأيضاً لما فعلته من تصرف في بعض ألفاظها أحياناً. ولقد أبقيت كتاب ((حصن المسلم)) على ما هو عليه، وأبقيت التخريجات والتعليقات التي في الحاشية كما هي، إلا أن المصنف - حفظه الله - لم يذكر أرقام الأحاديث في تخريجه في الغالب؛ فرأيت أن أضع بين معقوفتين عزو ¬

(¬1) سيطبع قريباً - إن شاءالله - بـ (مكتبة المعارف) في الرياض.

الحديث إلى رقمه، وأن أنقل بعض التعليقات إلى المتن أو الشرح. وأيضاً لقد كانت مني تخريجات للأحاديث التي وردت في الشرح؛ فرأيت تمييز الحواشي؛ فرمزت إلى تخريجاته وتعليقاته بـ (ق)، وإلى تخريجاتي وتعليقاتي بـ (م). ولقد حاولت جاهداً أن أجعل شرحي هذا سهلاً واضحاً، خالياً من التعقيدات ... (¬1)، وأرجو أن أكون قد وُفِّقتُ إلى السداد والصواب، وجُنِّبْتُ الخطأ والزلل والخلل. والله العظيم أرجو أن يجزي المصنف خير الجزاء، وأن يرزقني وإياه والمسلمين جميعاً الإخلاص في القول والعمل، ويهدينا سواء السبيل، ويقينا شر أنفسنا، ويحفظنا من كيد الشيطان وشره، ويجعلنا من الذاكرين له سبحانه [كثيراً]، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. كتبه مجدي بن عبد الوهاب الأحمد/ أبو مسلم - غفر الله له، وعفا عنه - ليلة الخميس 27 صفر 1426هـ. الموافق 6 نيسان 2005م في بلاد الشام - الأردن - الزرقاء الرمز البريدي: (13111)، ص. ب: (5827) ¬

(¬1) ومما يجب التنبيه عليه؛ أن الأدعية والأذكار يوجد بينها اشتراك في الألفاظ، وتكرار؛ فرأيت الاقتصار على شرح اللفظ مرة واحدة دون تكرار ذلك إلا نادراً، والله الموفق.

- مسائل تتعلق بالذكر والدعاء

مسائل تتعلق بالذكر والدعاء [أولاً فوائد الذكر] وأستهلها بالفوائد التي ذكرها العلامة الإمام ابن القيم - رحمه الله - في كتابه ((الوابل الصيب)) (¬1). الأولى: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره. الثانية: أنه يُرْضِي الرحمن - عز وجل -. الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب، وأنه يجلب للقلب الفرح والسرور والنشاط. الرابعة: أنه يقوي القلب والبدن. الخامسة: أنه ينور الوجه والقلب. السادسة: أنه يجلب الرزق. السابعة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة. الثامنة: أنه يورث المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة. التاسعة: أنه يورث المراقبة حتى يدخل في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان. العاشرة: أنه يورث الإنابة والرجوع إلى الله - تعالى -. ¬

(¬1) بتصرف.

الحادية عشرة: أنه يورث القرب من الله - تعالى -، فعلى قدر ذكر الله - تعالى - يكون القرب منه، وعلى قدر غفلته يكون بعده عنه. الثانية عشرة: أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر ازداد من المعرفة. الثالثة عشرة: أنه يورث الهيبة لربه وإجلاله، لشدة استيلائه على قلبه، وحضوره مع الله - تعالى - بخلاف الغافل، فإن حجاب الهيبة دقيق في قلبه. الرابعة عشرة: أنه يورثه ذكر الله - تعالى - قال الله - تعالى-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى به فضلاً وشرفاً. الخامسة عشرة: أنه يورث حياة القلب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ((الذكر للقلب مثل الماء للسمكة، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟!!)). السادسة عشرة: أنه قوت القلب والروح. السابعة عشرة: أنه يورث جلاء القلب من صداه. ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر؛ فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك الذكر صدأ، فإذا ذكر جلاه. وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.

فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكباً على قلبه، وصداه بحسب غفلته، وإذا صدأ القلب لم ينطبع فيه صور المعلومات على ما هي فيه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صور الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ واسود، وركبه الرَّان؛ فسد تصوره وإدراكه، فلا يقبل حقاً، ولا ينكر باطلاً، وهذا أعظم عقوبات القلب. الثامنة عشرة: أنه يحط الخطايا، ويذهبها؛ فإنه من أعظم الحسنات؛ والحسنات يذهبن السيئات. التاسعة عشرة: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه؛ فإن الغافل بينه وبين الله - تعالى - وحشة، لا تزول إلا بالذكر. العشرون: أن ما يذكر به العبد ربه من جلاله وتسبيحه وتحميده، تذكر لصاحبه عند الشدة. الحادية والعشرون: أن العبد إذا تقرب إلى الله - تعالى - بذكره في الرخاء، عرفه في الشدة. الثانية والعشرون: أنه منجاة من عذاب الله - تعالى -. الثالثة والعشرون: أنه سبب تنزل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذكر، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ¬

(¬1) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقعد قوم يذكرون الله - تعالى - إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم برقم (2700). (م).

الرابعة والعشرون: أنه سبب انشغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل. الخامسة والعشرون: مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشيطان. السادسة والعشرون: أنه يسعد الذاكر بذكره، ويسعد به جليسه، وهذا هو المبارك أينما كان، والغافل يشقى بلغوه وغفلته، ويشقى به مُجالسه. السابعة والعشرون: أنه يؤمِّن العبد من الحسرة يوم القيامة، وإن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه - تعالى - كان عليه حسرة وترة يوم القيامة. الثامنة والعشرون: أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله - تعالى - العبد يوم الحشر الأكبر في ظل عرشه، والناس في حر الشمس؛ قد صهرتهم في الموقف، وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن - عز وجل -. التاسعة والعشرون: أن الاشتغال به سبب إعطاء الله - تعالى - الذاكر أفضل ما يعطي السائلين. الثلاثون: أنه أيسر العبادات، وهو من أحلاها وأفضلها؛ فإن حركة اللسان أخف حركات الجوارح وأيسرها، ولو تحرك عضو من أعضاء الإنسان في اليوم والليلة مقدار حركة اللسان، لشق عليه غاية المشقة بل لا يمكن ذلك.

الحادية والثلاثون: أنه غرس الجنة؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة)) (¬1). الثانية والثلاثون: أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال. الثالثة والثلاثون: أن دوام ذكر الله - تعالى - يوجب الأمان من لسانه، الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده، فإن نسيان الرب، يوجب نسيان نفسه ومصالحها، كما قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (¬2). الرابعة والثلاثون: أن الذكر يُسيِّر العبد وهو على فراشه، وفي سوقه، وفي حال صحته وسقمه، وفي حال نعيمه ولذته، ومعاشه، وقيامه، وقعوده، واضطجاعه، وسفره، وإقامته، فليس في الأوقات شيء يعم الأوقات والأحوال مثله. الخامسة والثلاثون: أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط؛ ولأجل ذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يبالغ في سؤاله ربه في النور، حتى سأله أن يجعله في لحمه وعظامه، وعصبه وشعره، وسمعه وبصره، ومن فوقه ومن تحته، وعن يمينه وعن شماله، ¬

(¬1) رواه الترمذي برقم (3464)، وصححه الألباني، انظر: صحيح الترمذي. (م). (¬2) سورة الحشر، الآية: 19.

وخلفه وأمامه، حتى يقول: ((واجعلني نوراً)) فسأل ربه أن يجعل النور في ذاته الظاهرة والباطنة، وأن يجعله محيطاً به من جهاته، فدين الله نور، وكتابه نور، ورسوله نور، وداره التي أعدها لأوليائه نور يتلألأ، والله - تعالى - نور السموات والأرض، ومن أسمائه ((النور)) - سبحانه وتعالى -. السادسة والثلاثون: أن الذكر رأس الأصول، وطريق عامة الطائفة، ومنشود الولاية، فمن فُتح له فيه فقد فَتح باب الدخول على الله - عز وجل - فليتطهر وليدخل على ربه، يجد عنده كل ما يريد، فإن وجد ربه - تعالى - يجد كل شيء، وإن فاته ربه - تعالى - فاته كل شيء. السابعة والثلاثون: أن الذكر يجمع المُفرَّق، ويفُرِّق المجتمع، ويُقرب البعيد، ويُبعد القريب؛ فيجمع ما تفرَّق على العبد من قلبه وإرادته، ويُفرِّق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم، والأحزان والحسرات، ويفرق أيضاً ما اجتمع عنده من جند الشيطان؛ فإن إبليس - عليه اللعنة - لا يزال يبعث له سرية بعد سرية، والذكر يُقرِّب الآخرة ويُعظِّمها في قلبه، ويُصَغِّر الدنيا في عينيه، ويُبعدها عن قلبه ولسانه. الثامنة والثلاثون: أن الذِّكر يُنَبِّهُ القلب من نومه، ويوقظه من سِنته والقلب إذا كان نائماً فاتته الأرباح والمتاجر، وكان الغالب عليه الخسران. التاسعة والثلاثون: أن الذكر شجرة تثمر المعارف. الأربعون: أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية الولاية والمحبة، والنصرة والتوفيق، لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ

اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (¬1)، {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمحْسِنِينَ} (¬2)، {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (¬3) وللذاكر من هذه المعية نصيب وافر، كما في الحديث القدسي: ((أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه)) (¬4). الحادية والأربعون: أن الذكر يعدل الضرب بالسيف في سبيل الله - تعالى - بعد نفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله - تعالى -. الثانية والأربعون: أن الذكر رأس الشكر؛ فما شكر الله - تعالى - من لم يذكره. الثالثة والأربعون: أن أكرم الخلق على الله - تعالى - من المؤمنين من لا يزال لسانه رطباً من ذكره؛ فإنه أبقاه في أمره ونهيه، وجعل ذكره شعاره، والتقوى أوجبت له دخول الجنة، والنجاة من النار. الرابعة والأربعون: أن في القلب قسوة لا يذهبها إلا ذكر الله - تعالى - قال رجل للحسن البصري - رحمه الله -: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي؟! قال: ((أذِبْهُ بالذكر)). الخامسة والأربعون: أن الذكر شفاء للقلب ودواؤه، والغفلة مرضه، والقلوب مريضة، وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله - تعالى -. ¬

(¬1) سورة النحل, الآية: 128. (¬2) سورة العنكبوت، الآية: 69. (¬3) سورة التوبة, الآية: 40. (¬4) رواه أحمد (2/ 540) وغيره، وصححه الألباني, انظر: ((صحيح الجامع)) برقم (1906). (م).

السادسة والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله - عز وجل - والغفلة أصل معاداته، وأن العبد لا يزال يذكر ربه حتى يحبه فيواليه، ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه فيعاديه. السابعة والأربعون: أنه ما استجلبت نعم الله - تعالى - واستدفعت نقمهُ بمثل ذكره، فالذكر جلاَّب للنعم، دفَّاع للنقم؛ قال بعض السلف: ((ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن بِرّك)). الثامنة والأربعون: الذكر يوجب صلاة الله - عز وجل - وملائكته على الذاكر، ومن صلى عليه الله وملائكته فقد أفلح، وفاز كل الفوز؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (¬1). التاسعة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة؛ فليستوطن مجالس الذكر؛ فإنها رياض الجنة. الخمسون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس، إلا مجلس يذكر الله فيه، كما ورد في قوله: ((إن لله ملائكة يطوفون في الطُّرق، يلتمسون أهل الذكر)). الحديث (¬2). الحادية والخمسون: أن الله - عز وجل - يباهي ملائكته بالذاكرين؛ كما جاء عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((خرج معاوية على حلقة في ¬

(¬1) سورة الأحزاب, الآيتات: 41 - 43. (¬2) رواه البخاري برقم (6408)، ومسلم برقم (2789). (م).

المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله - تعالى - قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أمَا إني لم أستحلفكم تهمة لكم، قال: وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقل عنه حديثاً مني، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ((ما أجلسكم ها هنا؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله - تعالى - ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا بك، قال: ((آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟)) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: ((ألا إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل - عليه السلام - وأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة)) (¬1)؛ فهذه المباهاة من الرب - سبحانه وتعالى - دليل على شرف الذكر عنده، ومحبته له، وأن له مزية على غيره من الأعمال. الثانية والخمسون: أن جميع الأعمال إنما شرعت إقامة لذكر الله - عز وجل - فالمقصود بها تحصيل ذكر الله - عز وجل - قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬2)، وذُكر عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنه سئل: أي العمل أفضل؟ قال: ((ذكر الله أكبر)). الثالثة والخمسون: أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكراً لله - تعالى - فأفضل الصوم أكثرهم ذكراً لله - سبحانه - في صومهم، ¬

(¬1) رواه مسلم برقم (2701). (م). (¬2) سورة طه، الآية: 14.

وأفضل الحجاج أكثرهم ذكراً لله، وأكثر المتصدقين أكثرهم ذكراً لله - عز وجل - ... وهكذا سائر الأعمال. الرابعة والخمسون: أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية، أو مالية، أو بدنية ومالية كحج التطوع، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون؟! فقال: ((ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع ما صنعتم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((تسبحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة ... )) الحديث (¬1). فجعل الذكر عوضاً عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد، وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذكر. الخامسة والخمسون: أن ذكر الله - تعالى - من أكبر العون على طاعته؛ فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها. السادسة والخمسون: أن ذكر الله - تعالى - يُسَهِّل الصعب، ويُيسِّر العسير، ويخفف المشاق. السابعة والخمسون: أن ذكر الله - عز وجل - يذهب عن القلب مخاوفه ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (843)، ومسلم برقم (595). (م).

كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله - تعالى -. الثامنة والخمسون: أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطق فعله بدونه؛ ألا ترى كيف علّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة وعلياً رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أن يسبحا كل ليلة، إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين، لما سألته الخادمَ، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسقي والخدمة، وعلمها ذلك، وقال: ((إنه خير لكما من خادم)) (¬1). فقيل: إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم. التاسعة والخمسون: أن أعمال الآخرة كلها في مضمار السباق، والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار. الستون: كثرة ذكر الله - عز وجل - أمان من النفاق؛ فإن المنافق قليل الذكر لله - عز وجل - قال الله تعالى في المنافقين: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (¬2). وقال كعب: ((من أكثر ذكر الله برئ من النفاق)). ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (3705)، ومسلم برقم (2727). (م). (¬2) سورة النساء، الآية: 142.

[ثانيا] آداب الذكر والدعاء

[ثانياً] آداب الذكر والدعاء (¬1) إن للذكر والدعاء آداباً مشروعة، وشروطاً مفروضة، فمن وَفَّى وُفِّي له، ومن لزم تلك السيرة على شروط الآداب أوشك نيل ما سأل، ومن أخل بالآداب استحق ثلاث خلال: المقت، والبعد، والحرمان - عياذاً بالله تعالى -. وها أنا أذكر آداب الذكر والدعاء وشروطهما. [1]- فمن آدابه: أن تعلم أن سيرة الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين، إن أرادوا استقضاء حاجة عند مولاهم، أن يبادروا قبل السؤال فيقوموا بين يدي ربهم، فَيَصُفُّوا أقدامهم، ويبسطوا أكفهم، ويرسلوا دموعهم على خدودهم، فيبدؤوا بالتوبة من معاصيهم، والتنصل من مخالفتهم، ويستبطنوا الخشوع في قلوبهم، ويتمسكنوا، ويتذللوا ... فيبدؤون بالثناء على معبودهم، وتقديسه، وتنزيهه، وتعظيمه، والثناء عليه بما هو أهله، ثم يرغبون في الدعاء. هذا إبراهيم خليل الله - عليه السلام - لما أراد مناجاة مولاه في استقضاء حوائجه، واستدرار ما في خزائنه، بدأ بالثناء على ربه قبل سؤاله، فبدأ ¬

(¬1) جُل هذه الآداب مأخوذة من كتاب ((الدعاء المأثور وآدابه)) لأبي بكر الطرطوشي - رحمه الله - وكتاب ((الأذكار)) للنووي رحمه الله، وكتاب ((الصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة)) لمصطفى العدوي - حفظه الله - بتصرف.

بقوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (¬1). فأثنى على الله سبحانه بخمسة أثنية؛ أنه الخالق الهادي، المطعم المسقي، الشافي من الأوصاب، والمحيي والمميت، والغافر. ثم سأل خمس حوائج؛ فقال: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} (¬2). فقضى الله - سبحانه - حوائجه إلا واحدة فقال في الأولى: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (¬3)، وقال في قوله تعالى: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (¬4)، {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (¬5). وفي قوله في سؤاله الثناء في الأمم: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} (¬6). ¬

(¬1) سورة الشعراء, الآيات: 78 - 82. (¬2) سورة الشعراء, الآيات: 83 - 87. (¬3) سورة النساء, الآية: 54. (¬4) سورة يوسف, الآية: 101. (¬5) سورة البقرة, الآية: 130. (¬6) سورة الصافات, الآية: 108.

وقال في قوله: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} (¬1)، {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} (¬2). واعتذر إليه في سؤال المغفرة لأبيه بقوله: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} (¬3). وقد شرف الله - عز وجل - هذه الأمة بمثلها، فأنزل عليهم فاتحة الكتاب، أولها ثناء وتمجيد إلى قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وسائرها دعاء. وهذا موسى - عليه السلام - قدم الثناء على الله تعالى؛ فقال: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} (¬4). وروى البخاري في حديث الشفاعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أن الخلائق تسأل الأنبياء - عليهم السلام - الشفاعة إلى ربها في عرصات القيامة، فكل واحد يذكر ذنبه ويقول: اذهبوا إلى غيري، قال: فأقول: ((أنا لها فأستأذن على ربي، فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما يشاء، ثم يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل تسمع، واشفع تشفع، فيلهمني محامد أحمده بها، فأحمده بتلك المحامد)) (¬5). ¬

(¬1) سورة الشعراء, الآية: 85. (¬2) سورة هود, الآية: 73. (¬3) سورة التوبة, الآية: 114. (¬4) سورة الأعراف, الآية: 155. (¬5) رواه البخاري برقم (7510)، ومسلم برقم (193). (م).

وفي لفظ آخر: ((فأحمد ربي بتحميد يعلمني)). فقدم بين يدي الشفاعة تحميداً وتمجيداً. عن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو في صلاته، لم يمجد الله، ولم يصلِّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((عجَّل هذا))، ثم دعاه، فقال له أو لغيره: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو بعدُ بما شاء)) (¬1). [2] ومن آدابه: أن يكون مخلصاً راغباً، راهباً، متذللاً، خاشعاً؛ قال الله سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (¬2). أي: رغبة فيما عندنا ورهبة. [3] ومن آدابه: أن تسأل بعزم وجد وحزم، ولا تقل: إن شئت أعطني. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقل الداعي في دعائه: اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة؛ فإنه لا مكره له)) (¬3). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني؛ فإنه لا مُستكره له)) (¬4). ¬

(¬1) رواه أبو داود برقم (1481)، والترمذي برقم (3475)، صححه الألباني (م). (¬2) سورة الأنبياء, الآية: 90. (¬3) رواه البخاري برقم (6339)، ومسلم برقم (2679). (م). (¬4) رواه البخاري برقم (6338)، ومسلم برقم (2678). (م).

وفي رواية: ((فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)) (¬1)؛ والمعنى واحد. يعني أن الله تعالى لا يُكرَه على الإعطاء، فإن شاء أعطى، وإن شاء منع. [4] ومن آدابه: أن يقوي رجاءه في مولاه، ولا يقنط من رحمة الله تعالى، وإن تأخرت الإجابة، فلا يستبطئ ما سأل، فإن لكل شيء أجلاً. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل؛ فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي)) (¬2). [5] ومن آدابه: أن تسأل للمؤمنين مع نفسك؛ قال الله سبحانه: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (¬3). [6] ومن آدابه: أن تبدأ بتوحيده، كما فعل ذو النون: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (¬4). ناداه بالتوحيد، ثم نزهه عن النقائص والظلم بالتسبيح، ثم باء على نفسه بالظلم، اعترافاً واستحقاقاً، قال الله سبحانه: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} (¬5). [7] ومن آدابه: إخفاؤه سراً، فلا يسمعه غير من يناجيه، قال الله ¬

(¬1) رواه مسلم برقم (2679) (8). (م). (¬2) رواه البخاري برقم (6340)، ومسلم برقم (2735). (م). (¬3) سورة محمد, الآية: 19. (¬4) سورة الأنبياء, الآية: 87. (¬5) سورة الأنبياء, الآية: 88.

سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (¬1). قال الحسن رحمه الله: ((كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، ولا يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همساً فيما بينهم وبين ربهم)). [8] ومن آدابه: إذا سألت الله تعالى في شيء فالزم التضرع والاستكانة، واعزل نفسك عن القدرة والتعاظم، ألا ترى إلى قول يعقوب - عليه السلام -: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (¬2) فتم له ما أراد، وقال يوسف - عليه السلام -: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬3)، أي: سميع الدعاء؛ فتم له أمره حين اعترف بالافتقار، وأخرج نفسه من الحول والقوة، وفوض الأمر إلى ربه - سبحانه وتعالى -. [9] ومن آدابه: أن يكون الذاكر على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع استقبل القبلة وجلس متذللاً متخشعاً بسكينة ووقار مطرقاً رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهة في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل؛ والدليل على عدم الكراهة قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ ¬

(¬1) سورة الأعراف, الآية: 55. (¬2) سورة يوسف, الآية: 67. (¬3) سورة يوسف, الآيتان: 33, 34.

لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬1). [10] ومن آدابه: الإلحاح في الدعاء: عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان، فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم، فجاء به فنظر حتى إذا سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغني شيئاً، لو كانت لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون، ويميل بعضهم على بعض، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: ((اللهم عليك بقريش)) ثلاث مرات، فشق عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى: ((اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط)) وعد السابع فلم نحفظه، قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صرعى في القليب قليب بدر (¬2). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - يذكر أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائماً، فقال: يا رسول الله هلكت ¬

(¬1) سورة آل عمران, الآيتان: 190, 191. (¬2) رواه البخاري برقم (240)، ومسلم برقم (1794). (م).

المواشي، وانقطعت السبل؛ فادع الله أن يغيثنا، قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه، فقال: ((اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا))، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئاً وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس سبتاً، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب - فاستقبله قائماً، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه، ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب والأودية ومنابت الشجر))، قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس (¬1). [11] ومن آدابه: رفع اليدين واستقبال القبلة: عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بماء فتوضأ به، ثم رفع يديه فقال: ((اللهم اغفر لعبيد أبي عامر)) - ورأيت بياض إبطيه - فقال: ((اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس)) (¬2). وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاث مئة وتسعة عشر رجلاً، ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (1013)، ومسلم برقم (897). (م). (¬2) رواه البخاري برقم (4323)، ومسلم برقم (2498). (م).

فاستقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض))، فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله - عز وجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (¬1) فأمده الله بالملائكة. عن أنس - رضي الله عنه - ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه)) (¬2). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه، أن يردهما صفراً خائبتين)) (¬3). [12] ومن آدابه: أن يكون الموضع الذي يذكر الله تعالى فيه خالياً عما يشغل نظيفاً؛ فإنه أعظم في احترام الذكر والمذكور، ولهذا مُدِح الذكر في المساجد والمواضع الشريفة. وجاء عن أبي ميسرة رحمه الله قال: ((لا يُذْكَر الله تعالى إلا في مكان طيب)). ¬

(¬1) سورة الأنفال, الآية: 9. (¬2) رواه مسلم برقم (896). (م). (¬3) رواه أحمد (5/ 438)، وأبو داود برقم (1488)، والترمذي برقم (3551)، وصححه الألباني. (م).

[ثالثا] أوقات الإجابة [وأحوالها]

[13] ومن آدابه: أن يكون فمه نظيفاً، فإن كان فيه تغيّر أزاله بالسواك، وبالغسل بالماء. [14] ومن آدابه: أن الذكر مَحْبوبٌ في جميع الأحوال إلا في أحوال ورد الشرع باستثنائها نذكر منها طرفاً، إشارة إلى ما سواها؛ فمن ذلك أنه يكره الذكر حالة الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجماع، وفي حالة الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب، وفي القيام في الصلاة، بل يشتغل بالقراءة. [15] ومن آدابه: إذا سُلّم عليه ردَّ السلام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطس عنده عاطس شَمَّتَهُ ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيب، وكذا إذا سمع المؤذِّن أجابه في كلمات الأذان ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكراً أزاله، أو معروفاً أرشد إليه، أو مسترشداً أجابه ثم عاد إلى الذكر؛ وكذا إذا غلبه النعاس أو نحوه ... وما أشبه هذا كله. [ثالثاً] أوقات الإجابة [وأحوالها] [1] الثلث الأخير من الليل: قال الله سبحانه عن آل يعقوب: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬1). قيل: إنه أخَّر طلب الاستغفار إلى الثلث الأخير من الليل. ¬

(¬1) سورة يوسف, الآيتان: 97, 98.

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، حين يبقى الثلث الأخير من الليل؛ فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)) (¬1). [2] في السجود: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نُهيت أن أقرأ القرآن راكعاً، أو ساجداً؛ فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء؛ فإنه قمن أن يستجاب لكم)) (¬2). وقال الله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء)) (¬4). [3] في ساعة يوم الجمعة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه أهبط إلى الأرض، وفيه تقوم الساعة)) (¬5). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي، يسأل الله خيراً إلا أعطاه))، وقال بيده، قلنا يقللها يزهدها (¬6). ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (1145)، ومسلم برقم (758). (م). (¬2) رواه مسلم برقم (479). (م). (¬3) سورة العلق, الآية: 19. (¬4) رواه مسلم برقم (482). (م). (¬5) رواه مسلم برقم (854). (م). (¬6) رواه البخاري برقم (935)، ومسلم برقم (852). (م).

وقد اختلف العلماء في هذه الساعة؛ فقال قوم: إنها عند طلوع الشمس، وقال بعضهم: عند الزوال، وقال آخرون: مع الأذان، وقيل: إذا صعد الخطيب المنبر، فأخذ في الخطبة، وقيل: إذا قام الناس إلى الصلاة. وقال معظم العلماء: إنها بعد العصر. ثم اختلف هؤلاء، فقال بعضهم: هي وقت الأصيل، وقال بعضهم: آخر ساعات النهار، وهذا القول هو الراجح. والدليل هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يوم الجمعة ثنتا عشرة - يريد ساعة - لا يوجد مسلم يسأل الله - تعالى - شيئاً إلا آتاه الله - عز وجل -؛ فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)) (¬1). [4] دبر الصلوات المكتوبات: عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قيل لرسول الله: أيُّ الدعاءُ أسْمَعُ؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودُبر الصلوات المكتوبات)) (¬2). [5] بين الأذان والأقامة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)) (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثنتان لا تُردان أو قلَّ ما تردان: الدعاء عند النداء)) (¬4). ¬

(¬1) رواه أبو داود برقم (1048)، والنسائي (3/ 99 - 100)، وصححه الألباني، انظر: ((صحيح الترغيب والترهيب)) برقم (702). (م). (¬2) رواه أبو داود برقم (3499)، وحسنه الألباني. (م). (¬3) رواه أبو داود برقم (521)، والترمذي برقم (212)، وصححه الألباني. (م). (¬4) رواه أبو داود برقم (2540)، وصححه الألباني. (م).

[6] عند لقاء العدو: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثنتان لا تردان أو قَلَّ ما تردان: ... ، وعند البأس حين يُلْحَمُ بعضه بعضاً)) (¬1). [7] ليلة القدر: فإنها مظنة الخيرات، وإجابة الدعوات، ومضاعفة الأعمال، وحط الأحمال الثقال، والعمل فيها خير من ألف من مثله في سائرها، قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (¬2). يعني: ليس فيها ليلة القدر، وقيل فيها: إنها ليلة سبع وعشرين، وكان ابن عباس، وهو حبر الأمة، وترجمان القرآن يختار هذا القول، ويستدل عليه بأن السورة ثلاثون كلمة، والكلمة السابعة والعشرون قوله سبحانه: (هي). ولكن الأظهر والأقوى، أنها لم تحدد، والله أعلم. [8] دعاء الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم؛ الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم؛ يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتُفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)) (¬3). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن: ((اتقِ دعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب)) (¬4). ¬

(¬1) رواه أبو داود برقم (2540) وصححه الألباني (م). (¬2) سورة القدر, الآية: 3. (¬3) رواه ابن ماجة برقم (1752)، وصححه الألباني، انظر: السلسلة برقم (1211). (م) (¬4) رواه البخاري برقم (1496) (م).

[رابعا] إجابة الدعاء

[9] الدعاء بظهر الغيب: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة؛ عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل)) (¬1). [رابعاً] إجابة الدعاء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها)) قالوا: إذاً نكثر، قال: ((الله أكثر)) (¬2). [خامساً] من لا يجاب له دعاء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، - ثم ذكر - الرجل يطيف السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ... ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنَّى يُستجاب لذلك)) (¬3). ¬

(¬1) رواه مسلم برقم (2733). (م). (¬2) رواه أحمد (3/ 18)، والحديث حسن. (م). (¬3) رواه مسلم برقم (1015). (م).

[سادسا] [ما ينهى عنه] في الدعاء

[سادساً] ما يُنهى عنه] في الدعاء [1] النهي عن تعجيل العقوبة في الدنيا: عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلاً من المسلمين، قد خَفَتَ فصار مثل الفرخ؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟)) قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((سبحان الله لا تطيقه أو لا تستطيعه!! أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) فدعا الله له فشفاه (¬1). [2] النهي عن الاعتداء في الدعاء: عن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة، إذا دخلتها، فقال: يا بني، سل الله تبارك وتعالى الجنة، وعُذْ به من النار، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور)) (¬2). [3] النهي عن الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل))، قيل يا رسول الله: ما الاستعجال؟ قال: ((يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي؛ فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء)) (¬3). ¬

(¬1) رواه مسلم برقم (2688). (م). (¬2) رواه أحمد (5/ 55)، وأبو داود برقم (96)، وصححه الألباني. (م). (¬3) رواه مسلم برقم (2735) (92). (م).

[4] النهي عن الدعاء على النفس والأولاد والخدم والمال

[4] النهي عن الدعاء على النفس والأولاد والخدم والمال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم)) (¬1). [5] النهي عن تمني الموت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به؛ فإن كان لا بد متمنياً للموت؛ فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)) (¬2). [سابعاً] الحث على الدعاء قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (¬3). قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (¬4). قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (¬5). ¬

(¬1) رواه أبو داود برقم (1532)، ومسلم برقم (920). (م). (¬2) رواه البخاري برقم (6351)، ومسلم برقم (2680). (م). (¬3) سورة غافر, الآية: 60. (¬4) سورة البقرة, الآية: 186. (¬5) سورة الأعراف, الآيتان: 55, 56.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ((هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعي الدعاء: دعاء العبادة، ودعاء المسألة؛ فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة، ويراد به مجموعهما وهما متلازمان. فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره أو دفعه، ومن يملك الضر والنفع فإنه هو المعبود حقاً، والمعبود لا بد أن يكون مالكاً للنفع والضر)). [قال المصحح: قد ذكرت في كتابي ((شروط الدعاء وموانع الإجابة)) أن شروط الدعاء خمسة شروط، هي: الإخلاص، والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والثقة بالله مع اليقين بالإجابة، وحضور القلب مع الرغبة والخشوع لله، والعزم مع الجدِّ في الدعاء. وذكرت أن موانع الدعاء ستة، وهي: التوسع في الحرام: أكلاً وشرباً وتغذيةً، والاستعجال وترك الدعاء، وارتكاب المعاصي والمحرمات، والدعاء بإثم أو قطيعة رحم، والحكمة الربانية؛ فيعطي السائل أكثر مما سأل. وذكرت واحداً وعشرين أدباً للدعاء هي: أن يبدأ الداعي والذاكر بحمد الله تعالى والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويختم بذلك، والدعاء في الرخاء والشدة، ولا يدعو على أهله أو ماله أو نفسه أو ولده، ويخفض الصوت بين المخافة والجهر، ويتضرع إلى الله في الدعاء، ويلح على ربه في الدعاء،

ويتوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفة من صفاته، أو بعمل صالح قام به الداعي نفسه لله تعالى، أو يطلب الدعاء له من مسلم صالح حي حاضر قادر، والاعتراف بالذنب والنعمة حال الدعاء، وعدم تكلف السجع في الدعاء، والدعاء ثلاثاً، واستقبال القبلة، ورفع الأيدي في الدعاء، والوضوء قبل الدعاء إن تسير، والبكاء سراً في الدعاء من خشية الله، وإظهار الافتقار إلى الله والشكوى إليه، ولا يعتدي في الدعاء، والتوبة مع رد المظالم، ويدعو لوالديه مع نفسه، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات مع نفسه، ويبدأ بنفسه إذا دعا لغيره، ولا يسأل إلا الله وحده. وذكرت أربعة وثلاثين من الأوقات والأحوال والأوضاع التي يجاب فيها الدعاء، هي: ليلة القدر، ودبر الصلوات المكتوبات، وجوف الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وعند النداء للصلوات المكتوبات، وعند إقامة الصلاة، وعند نزول الغيث، وعند زحف الصفوف في سبيل الله، وساعة من الليل، وساعة من يوم الجمعة، وعند شرب ماء زمزم مع النية الصالحة، وفي السحر، وعند الاستيقاظ ليلاً والدعاء بالمأثور، وعند الدعاء بلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وعند الدعاء في المصيبة: بإنا لله وإنا إليه راجعون، وعند الدعاء بعد وفاة الميت بالمأثور، وعند الدعاء في استفتاح الصلاة بألله أكبر كبيراً، وعند الدعاء في استفتاح الصلاة بالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وعند قراءة الفاتحة في الصلاة واستحضار ما يقول فيها، وعند رفع الرأس من الركوع

والدعاء بالمأثور، وعند التأمين في الصلاة إذا وافق قوله قول الملائكة، وعند قول: ربنا ولك الحمد في الرفع من الركوع، وبعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير، وعند قولك قبل السلام: اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وعند قولك: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ... وعند قولك: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وعند دعاء المسلم عقب الوضوء بالمأثور، وعند دعاء الحاج يوم عرفة في عرفة، والدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر، وفي شهر رمضان، وعند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر، وعند صياح الديك، والدعاء حالة إقبال القلب على الله، والدعاء في عشر ذي الحجة. وذكرت أمكان تُجاب فيها الدعوات، وهي ستة: الدعاء على الصفا والمروة للحاج أو المعتمر، والدعاء داخل الكعبة، ومن دعا أو صلى داخل الحجر فهو من البيت، وعند الدعاء عند رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريق للحاج، والدعاء عند المشعر الحرام يوم النحر للحاج، والدعاء في عرفة يوم عرفة للحاج. وذكرت الدعوات المستجابات واحدة وعشرين دعوة هي: دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، ودعوة المظلوم، ودعوة الوالد لولده، ودعوة المسافر، ودعوة الصائم، ودعوة الصائم حين يفطر، ودعوة

الإمام العادل، ودعوة الولد الصالح لوالديه، ودعوة المستيقظ من النوم إذا دعا بالمأثور، ودعوة المضطر، ودعوة من بات طاهراً على ذكر الله إذا استيقظ، ودعوة من دعا بدعوة ذي النون، ودعوة من أصيب بمصيبة إذا دعا بالمأثور، ودعوة من دعا بالاسم الأعظم، ودعوة الولد البار بوالديه، ودعوة الحاج، ودعوة المعتمر، ودعوة الغازي في سبيل الله، ودعوة الذاكر لله كثيراً، ودعوة من أحبه الله ورضي عنه. وذكرت أهم ما يسأل العبد ربه وهي تسعة أمور: سؤال الله الهداية، وسؤال الله مغفرة الذنوب، وسؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار، وسؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وسؤال الله الثبات على دينه، وسؤال الله حسن العاقبة في الأمور كلها، وسؤال الله صلاح الدين والدنيا والآخرة، وسؤال الله دوام النعمة والاستعاذة به من زوالها، والاستعاذة بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. وقد ذكرت الأدلة على هذه المسائل كلها مع تخريجها، ومن أراد الرجوع إليها فليرجع إليها هناك، وبالله التوفيق] (¬1). ¬

(¬1) انظر: شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة (ص 5 - 149)، وكتابي: الذكر والدعاء والعلاج بالرقى من الكتاب والسنة (3/ 863 - 1117) وقد ذكرت الأدلة كلها في هذه المواضع ولله الحمد [المصحح].

مقدمة حصن المسلم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حصن المسلم المقدمة (¬1) إن الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونَسْتَعينهُ، ونَستَغْفرُهُ، ونَعُوذُ باللَّهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا، وسَيِّئَاتِ أعمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وأصْحَابِهِ ومَن تَبِعَهُمْ بإحْسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ، وسَلَّم تسْليماً كَثيراً، أمَّا بَعْدُ. فهَذا مُخْتصرٌ اخْتَصَرتُهُ منْ كِتَابي: ((الذِّكْرُ والدُّعاءُ والعِلاجُ بالرُّقَى مِنَ الكِتَابِ والسُّنَّة)) (¬2) اخًتصَرْتُ فيهِ قِسْمَ الأذْكَار؛ ليَكُونَ خَفيفَ الحَمْلِ في الأسْفَارِ. وقَدِ اقْتَصَرْتُ عَلَى مَتْنِ الذِّكْرِ، واكْتَفَيْتُ في تَخْريجِهِ بذِكْرِ مَصْدَرٍ أو مَصْدَرَيْنِ مِمَّا وُجِدَ في الأصْلِ، ومَنْ أرَادَ مَعْرِفَةَ الصَّحابِيِّ أوْ زِيَادَةً في التَّخْرِيجِ فَعَلَيْهِ بالرُّجُوعِ إلَى الأصْلِ. وأسْألُ الله - عز وجل - بأسْمَائِهِ الحُسْنَى، وصِفَاتِهِ العُلَى أنْ يَجْعَلَهُ خَالِصاً لوجههِ الكَريمِ، وأنْ يَنْفعَنِي بهِ ¬

(¬1) حذف الشارح مقدمة حصن المسلم فأثبتها [المصحح]. (¬2) وقد طبع الكتاب ولله الحمد مرات وخرجت أحاديثه في الطبعة الثالثة في أربعة مجلدات [المصحح].

في حَيَاتي وبَعْدَ ممَاتِي، وأنْ يَنْفَعَ بهِ مَنْ قَرَأهُ، أوْ طَبَعَهُ، أوْ كَانَ سَبَباً في نَشْرِهِ؛ إنَّهُ سُبْحَانَهُ وَليُّ ذلِكَ والقَادِرُ عَلَيْهِ. وصَلَّى الله وسَلَّمَ عَلَى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وأصْحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. المؤلف سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر في شهر صفر 1409هـ

- فضل الذكر

فضل الذكر ((قال الله تَعَالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (¬1)) يعني: اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة؛ فحق على الله أن يذكر من ذكره؛ فمن ذكره في طاعة ذكره الله بخير، ومن ذكره في معصية ذكره الله باللعنة وسوء الدار. وقيل: اذكروني في الرخاء أذكركم في البلاء. (({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (¬2)). يعني: اذكروا الله باللسان، واذكروه في الأحوال كلها؛ لأن الإنسان لا يخلو إما أن يكون في الطاعة، أو في المعصية، أو في النعمة أو في الشدة؛ فإذا كان في الطاعة ينبغي أن يذكر الله - تعالى - ويقر بالإخلاص، ويسأله القبول والتوفيق؛ وإذا كان في المعصية، ينبغي أن يذكر الله - تعالى - ويسأله التوبة والمغفرة؛ وإذا كان في النعمة، يذكره بالشكر؛ وإذا كان في الشدة يذكره بالصبر. وقيل: ((اذكروا الله))، أثنوا عليه بضروب الثناء، من التقديس والتمجيد والتهليل والتكبير، وما هو أهله، وأكثروا ذلك. ويجوز أن يريد بالذكر وإكثاره: تكثير الإقبال على العبادة؛ فإن كل ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 152 (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 41.

طاعة، وكل خير من جملة الذكر. (({وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬1)). يعني: الذين يذكرون الله - تعالى - باللسان من الرجال والنساء؛ وهذا في مقام المدح للذاكرين والذاكرات. والذاكر الله كثيراً من لا يكاد يخلو من ذكر الله بقلبه، أو لسانه، أو بهما. وقراءة القرآن، والاشتغال بالعلم من الذكر. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من استيقظ من نومه وأيقظ امرأته، وصليا جميعاً ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)) (¬2). وإذا واظب الإنسان على الأذكار المأثورة صباحاً ومساءً، وفي الأوقات والأحوال المختلفة ليلاً ونهاراً، كان من الذاكرين الله كثيراً. (({وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (¬3))). يعني: اقرأ يا محمد إذا كنت إماماً في نفسك {تَضَرُّعًا} أي: مستكيناً، {وَخِيفَةً} أي: خوفاً من عذابه. ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 35. (¬2) رواه أبو داود برقم (1309)، وغيره، وصححه الألباني انظر ((صحيح أبي داود)). (م) (¬3) سورة الأعراف، الآية: 205.

وقال الضحاك: ((معناه: اجهر بالقراءة في صلاة الغداة والمغرب والعشاء)). {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} يعني: لا تغفل عن القراءة في الظهر والعصر؛ فإنك تخفي القراءة فيهما. قال الزمخشري رحمه الله: ((قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا} عامٌّ في الأذكار من قراءة القرآن، والدعاء، والتسبيح، والتهليل، وغير ذلك. {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} متضرعاً وخائفاً. {وَدُونَ الْجَهْرِ} ومتكلماً كلاماً دون الجهر؛ لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص، وأقرب إلى حسن التفكر {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} لشغل هذين الوقتين، أو أراد الدوام، ومعنى {بِالْغُدُوِّ} بأوقات الغدو؛ وهي الغدوات {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} من الذين يغفلون عن ذكر الله، ويلهون عنه)). قوله: {بِالْغُدُوِّ} أي: أول النهار. قوله: {وَالْآصَالِ} جمع أصيل؛ وهو ما بين العصر إلى المغرب. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ، وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ؛ مَثَلُ الحَيِّ وَالْمَيِّتِ)) (¬1). صحابي الحديث هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس - رضي الله عنه -. ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (11/ 208) [وهو عنده برقم (6407)]، ومسلم بلفظ: ((مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت)) (1/ 539) [برقم (779)]. (ق).

قوله: ((مثل الذي)) أي: مثل الرجل الذي ((يذكر ربه)) بنوع من أنواع الذكر. ووجه التشبيه بين الميت والغافل عدم النفع والانتفاع من كل واحد منهما؛ ويمكن أن يراد من قوله: ((الحي والميت)) الموجود والمعدوم؛ بأن يكون شبه الذاكر بالموجود، والغافل بالمعدوم، فكما أن الموجود له ثمرات، فكذلك الذاكر له ثمرات في الدنيا والآخرة، وكما أن المعدوم ليس له شيء، فكذلك الغافل ليس له شيء لا في الدنيا ولا في الآخرة. والمثل في أصل كلامهم بمعنى: المِثل وهو النظير. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أعْمَالِكُمْ، وأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ؟)) قَالوُا: بَلَى. قَالَ: ((ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى)) (¬1). صحابي الحديث هو أبو الدرداء عويمر بن عامر - رضي الله عنه -. إن ذكر الله - عز وجل - أفضل من جميع الأعمال، بل وأزكى الأعمال، وأرفعها ¬

(¬1) الترمذي (5/ 459) [برقم (3377)]، وابن ماجة (2/ 1246) [برقم (3790)]، وانظر صحيح ابن ماجة (2/ 316)، وصحيح الترمذي (3/ 139). (ق).

للدرجات، وإنه أفضل من الصدقة؛ حيث قال: ((وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِقِ))، وإنه أفضل من الجهاد، حيث قال: ((وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم))، وضرب أعناق الأعداء جهاد، وأفضل من الشهادة؛ حيث قال: ((ويضربوا أعناقكم))؛ لأن الشهادة الفاضلة أن تضرب الأعناق في أيدي الأعداء، في سبيل الله تعالى. قوله: ((ألا)) كلمة تنبيه؛ كأن المتكلم ينبه المخاطب على أمر عظيم الشأن، ظاهر البرهان. قوله: ((أنبِّئكم)) من النبأ وهو الخبر، ومنه النبي؛ لأنه مُخْبَر من الله تعالى. قوله: ((وخير)) هنا بمعنى أخْيَر؛ لأن لفظة ((خير وشر)) يستعملان في موضع أفعل للتفضيل على صيغتهما هكذا. قوله: ((وأزكى)) أي: أطهر من الزكاة؛ وهي الطهارة، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} أي: تطهر، أو من النماء، يقال: زكى الزرع إذا نمى. قوله: ((المليك)) اسم من أسماء الله تعالى، والمليك والملك والمالك كلها من الملك. قوله: ((الوَرِق)) أي: الفضة. قوله: ((بلى)) أي: بلى أخبرنا؛ لأن ((بلى)) مختصة بإيجاب النفي، استفهاماً كان ذلك النفي أو خبراً، تقول في جواب من يقول: لم يقم زيد

أو: ألم يقم زيد؟ بلى؛ أي: بلى قد قام، ومنه قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أي: بلى أنت ربنا، ولو قالوا: ((نعم))، لكان كفراً؛ لأن ((نعم)) مقررة لما قبلها، نفياً كان أو إيجاباً، إلا أن يحمل على العرف. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأنَا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي؛ فَإنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإنْ تَقَرَّبَ إِليَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِليْهِ ذِرَاعَاً، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ بَاعاً، وإنْ أتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة؛ مختلف في اسمه على أقوال كثيرة، وأرجحها كما يقول البعض: عبد الرحمن بن صخر - رضي الله عنه -. قوله: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي)) أي: إن الله تعالى عند ظن عبده به؛ إن ظن خيراً فله، وإن ظن به سوى ذلك فله. وفي رواية: ((إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي؛ إن خيراً فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ)) (¬2). ¬

(¬1) البخاري (8/ 171) [برقم (7405)]، ومسلم (4/ 2061) [برقم (2675)] واللفظ للبخاري. (ق). (¬2) انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1663). (م).

و ((معنى: ((ظن عبدي بي))؛ ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القَبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكاً بصادق وعده، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)) (¬1) .. ، ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقناً بأن الله يقبله ويغفر له؛ لأنه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد؛ فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وُكِّلَ إلى ما ظن، وأما ظن المغفرة مع الإصرار؛ فذلك محض الجهل والغِرَّة)) (¬2). قوله: ((وأنا معه إذا ذكرني)) كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (¬3). وهذه المعية خاصة بالمؤمنين، وهي تقتضي الحفظ والرعاية والتوفيق والتأييد ... ، وهي غير المعية العامة التي تشمل الخلق جميعاً، وتكون بالعلم؛ كقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (¬4). ¬

(¬1) رواه الترمذي برقم (3479)، وانظر: صحيح الجامع برقم (243). (م). (¬2) انظر: فتح الباري (13/ 387). (م). (¬3) سورة النحل، الآية: 128. (¬4) سورة المجادلة، الآية: 7.

قوله: ((فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)) أي: إن ذكرني بالتنزيه والتقديس والتعظيم سراً، وبالخوف والوجل حال الخلوة، ذكرته في نفسي ذكراً يقتضي الإثابة والإنعام والحفظ والرعاية. قوله: ((وإن ذكرني في ملأ)) أي: جماعة ((ذكرته في ملأ خير منهم)) أي: في جماعة من الملائكة خير من جماعته التي ذكرني عندهم. قوله: ((وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ... إلخ)) ومعنى ذلك: أن العبد إذا تقرب إلى الله تعالى بالطاعة، وأداء ما أمر به وحث عليه، بقدر معين قليلاً كان أو كثيراً، كان تقرب الله تعالى إليه بالإثابة والإنعام والرحمة أعظم وأسرع. قوله: ((باعاً)) والباع هو قدر مَدّ اليدين. قوله: ((الهرولة)) هي ضرب من المشي السريع. وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ - رضي الله عنه - أنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ شَرَائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ؛ قَالَ: ((لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللهِ)) (¬1). ¬

(¬1) الترمذي (5/ 458) [برقم (3375)]، وابن ماجة (2/ 1246) [برقم (3793)]، وانظر صحيح الترمذي (3/ 139)، وصحيح ابن ماجة (2/ 317). (ق).

قوله: ((إن شرائع الإسلام)) هي: جمع شريعة؛ وهي: الطريقة المرضية؛ أي: إن أمور الإسلام كثُرتْ عليَّ؛ مثل: الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والجهاد ... ، وغير ذلك من الأعمال البدنية والمالية، والكف عن المحظورات، والامتناع عما فيه من العقوبات والكفارات ... ، ونحو ذلك. وقوله: ((فأخبرني بشيء أتشبث به)) أي: لَمَّا لم أقدر أن أخرج عن عهدة أمور الشريعة كما هو حقها، ولا أقدر على مواظبتها ومداومتها دائماً، فأخبرني بشيء أتشبث به، لعلي أفوز بذلك، ويكون ذلك شيئاً كثيراً في الميزان، يسيراً في الإتيان. و ((التشبُّث)) التعلُّق؛ أي: التمسك به، وأتعلق به؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله - عز وجل -))؛ يعني: لا تزال رطوبة لسانك مستمرة من الذكر، وإنما قلت هكذا لأنَّ رطوبة اللسان كناية عن اشتغاله بالذكر. وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، والحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، لا أَقُولُ: {الم} حَرْفٌ؛ وَلَكِنْ: أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ)) (¬1). ¬

(¬1) الترمذي (5/ 175) [برقم (2910)]، وانظر صحيح الترمذي (3/ 9)، وصحيح الجامع الصغير (5/ 340) [برقم (6469)]. (ق).

- صحابي الحديث هو عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. قوله: ((من قرأ حرفاً)) أي: أي حرف ((من كتاب الله عز وجل فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها)) أي: تضاعف إلى عشرة أضعاف. قوله: ((لا أقول: {الم} حرف))، وهذا تأكيد وتوضيح على أن كل حرف من كتاب الله تعالى على قراءته أجر، بل ولا يظن الظان أن {الم} حرف واحد، بل ((ألف حرف)) وعلى قراءته عشر حسنات، و ((لام حرف)) وعلى قراءته عشر حسنات، و ((ميم حرف)) وعلى قراءته عشر حسنات. وفيه حَثٌّ على الإكثار من تلاوة القرآن، الذكر العظيم، الذي يحمل الأجور المضاعفة الكثيرة. وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقالَ: ((أيُّكُمْ يُحِبُّ أنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمِ إلَى بُطْحَانَ أوْ إلى الْعَقِيقِ فَيَأْتِي مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْر إثْمٍ وَلا قَطِيْعَةِ رَحِمٍ؟)) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: ((أَفَلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَيعْلَمَ، أوْ يَقْرَأَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ - عز وجل - خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وثَلاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثٍ، وَأرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أرْبَعٍ، ومِنْ أعْدَادِهِنَّ مِنَ

الإبِلِ)) (¬1). قوله: ((ونحن في الصُّفَّة)) والصفة مكان في مؤخر المسجد، أعد لنزول من لا مأوى له ولا أهل. قوله: ((يغدو)) أي: يذهب في أول النهار. قوله: ((إلى بُطحان)) اسم وادٍ في المدينة؛ وسمي بذلك لسعته وانبساطه؛ من البطح وهو البسط. قوله: ((أو إلى العقيق)) قيل: أراد العقيق الأصغر؛ وهو على ثلاثة أميال أو ميلين من المدينة. وقوله: ((أو)) إما شك من الراوي، وإما للتنويع؛ لأنهما أي: بطحان والعقيق - أقرب المواضع التي يقام فيها أسواق الإبل في المدينة. قوله: ((كوماوين)) تثنية كوماء - قلبت الهمزة واواً -؛ وهي الناقة العظيمة السنام؛ وهي من خيار أموال العرب. قوله: ((في غير إثم)) أي: كالسرقة والغصب. قوله: ((ولا قطيعة رحم)) أي: ولا يوجب قطيعة رحم. قوله: ((ومن أعدادهن)) أي: أن الآيتين خير من ناقتين ومن أعدادهما من الإبل، وثلاث خير من ثلاث ومن أعدادهن من الإبل، وكذا أربع ... ¬

(¬1) مسلم (1/ 553) [برقم (803)]. (ق).

والحاصل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد ترغيبهم في قراءة القرآن، وتزهيدهم في الدنيا ومتاعها. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قَعَدَ مَقْعَداً لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيْهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، ومَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعاً لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. يعني: من جلس مجلساً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة؛ أي: نقص؛ أصله من وَتَرَ يَتِرُ تِرَةٌ، ومنه قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}. قال الزمخشري - رحمه الله -: ((من وَتَرْتَ الرجل إذا قَتَلْتَ له قَتيلاً من ولد أو أخ أو حميم، وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله؛ من الوتر: وهو الفرد؛ فشبه إضاعة عمل العامل، وتعطيل ثوابه بوتر الواتر، وهو من فصيح الكلام، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهله وماله)) (¬2)؛ أي: أفرد عنهما قتلاً ونهباً)). وأشار - صلى الله عليه وسلم - بذلك إلى أنه على العبد أن يستغرق جميع أوقاته، في جميع أحواله بذكر الله تعالى ولا يفتُرُ عنه؛ فإن تركهُ حسرة وندامة. ¬

(¬1) أبو داود (4/ 264) [برقم (4856)]، وغيره، وانظر صحيح الجامع (5/ 342) [برقم (6477)]. (ق). (¬2) رواه البخاري برقم (522)، ومسلم برقم (626). (م).

قوله: ((مضجعاً)) المضجع: موضع النوم، من الاضطجاع وهو النوم. وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ؛ فَإنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((ترة)) أي: نقص وحسرة وندامة. قوله: ((فإن شاء عذبهم)) أي: على تقصيرهم بعدم ذكر الله تعالى أو الصلاة على النبي في مجالسهم التي جلسوا فيها. قوله: ((وإن شاء غفر لهم)) أي: فضلاً منه ورحمة. وفيه إشارة إلى أنهم إذا ذكروا الله تعالى لم يعذبهم حتماً، بل يغفر لهم جزماً. وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ، إلاَّ قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيْفَةِ حِمَارٍ؛ وكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((عن مثل جيفة حمار)) أي: أن الذين يقومون عن مجلس فيه ¬

(¬1) الترمذي [برقم (3380)]، وانظر صحيح الترمذي (3/ 140). (ق). (¬2) أبو داود (4/ 264) [برقم (4855)]، وأحمد (2/ 389)، وانظر صحيح الجامع (5/ 176) [برقم (5750)]. (ق).

1. أذكار الاستيقاظ من النوم

جيفة حمار، لا يحصل لهم إلا روائح منتنة كريهة مضرة، ولا يقومون إلا وهم بندامة وحسرة من ذلك، فكذلك القوم الذين يقومون عن مجلس بغير ذكر الله تعالى، لا يحصل لهم إلا ذنوب الأباطيل، واللغط من الكلام، وأشياء تضر الآخرة، ولم يزالوا في ندامة وحسرة. 1 - أَذْكارُ الاسْتِيْقاظِ مِنَ النَّوْمِ 1 - (1) ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا وإِلَيْهِ النُّشُورُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو حذيفة بن اليمان، والبراء بن عازب رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. قوله: ((الحمد لله)) والحمد: هو الوصف بالجميل على الجميل، على قصد التعظيم مع المحبة، وقيل: هو الثناء. قوله: ((بعدما أماتنا)) المراد من هذه الإماتة النوم. قوله: ((وإليه النشور)) أي: الإحياء للبعث يوم القيامة. فنبه بإعادة اليقظة بعد النوم - الذي هو موت - على إثبات البعث بعد الموت. 2 - (2) ((لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ، والْحَمْدُ للَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلا قُوَّة ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (11/ 113) [برقم (6312)]، ومسلم (4/ 2083) [برقم (2711)]. (ق).

إِلاَّ بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، رَبِّ اغْفِر لِي)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -. وجاء فيه: ((من قال ذلك غُفِرَ له، فإن دعا استجيب له، فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته)). قوله: ((لا إله إلا الله)) اعلم أن هذه كلمة التوحيد بالإجماع، وهي مشتملة على النفي والإثبات؛ فقوله: ((لا إله)) نفي للألوهية عن غير الله، وقوله: ((إلا الله)) إثبات للألوهية لله تعالى، وبهاتين الصفتين صارت كلمة الشهادة والتوحيد. وخبر ((لا)) التي لنفي الجنس محذوف تقديره: لا إله حَقٌّ - أو بحقٍّ - إلا الله تعالى. قوله: ((لا شريك له)) تأكيد لقوله: ((وحده))؛ لأنَّ الواحد لا يكون له شريك. قوله: ((له الملك)) المُلك بضم الميم يعم، والمِلك بكسر الميم يخص. قوله: ((وله الحمد)) أي: جميع حمد وثناء أهل السموات والأرض، وجميع المحامد. قوله: ((سبحان الله)) سبحان: عَلَمٌ للتسبيح كعثمان علم للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره، تقديره: أُسَبِّح الله سبحانه، بمعنى ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (3/ 39) [برقم (1154) وغيره، واللفظ لابن ماجة [برقم (3878)]، وانظر صحيح ابن ماجة (2/ 335). (ق).

تسبيحاً، ثم نزل ((سبحان)) منزلة الفعل فَسَدَّ مسده، ومعنى التسبيح التنزيه عما لا يليق به سبحانه وتعالى؛ من الشريك والولد والصاحبة والنقائص مطلقاً. قوله: ((الله أكبر)) أي: هو سبحانه أكبر وأعظم من كل شيء. قوله: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) أي: لا يتوصل إلى تدبير أمر وتغيير حال إلا بمشيئته ومعونته سبحانه. قوله: ((رب اغفر لي)) أي: يا رب استر ذنوبي. 3 - (3) ((الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي عَافَانِي في جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بذِكْرِهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((عافاني في جسدي)) من المعافاة؛ وهي دفاع الله - تعالى - عن العبد الأسقاط والبلايا؛ بأن يحفظه من الهوام والحشرات القتالة، وطوارق الليل ... ونحو ذلك. وحَمدَه حيث أقامه من نومه على عافية. قوله: ((ردَّ عليَّ روحي)) وصف الله - تعالى - بذلك؛ لأن هذا المقام يقتضي ذكر هذه الصفة المناسبة. قوله: ((أَذِنَ لي بِذكره)) أي: يسر وسهل لي ذكره. ¬

(¬1) الترمذي (5/ 473) [برقم (3401)]، وانظر صحيح الترمذي (3/ 144). (ق).

4 - (4) (({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ * لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ

خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ * وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لََمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1) (¬2)). هذه الآيات ذُكِرَتْ في حديث عبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، وهو بتمامه: أنه - رضي الله عنه - بات عند ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - وهي خالته -، قال: فاضطجعتُ في عَرض الوسادة، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شَنٍّ معلقةٍ، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يُصلي، فقمتُ فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح. قوله: ((شَنَّ)) أي: القربة الخَلَق الصغيرة. ¬

(¬1) البخاري مع ((الفتح)) (8/ 237) [برقم (4572)]، ومسلم (1/ 530) [برقم (763)] (ق). (¬2) سورة آل عمران، الآيات: 190 - 200.

2. دعاء لبس الثوب

2 - دُعَاءُ لُبْسِ الثَّوْبِ 5 - ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا (الثَّوْبَ)، ورَزَقَنيهِ مِنْ غيْرِ حَولٍ منِّي ولا قُوَّةٍ ... )) (¬1). - صحابي الحديث هو معاذ بن أنس الأنصاري - رضي الله عنه -. قوله: ((ورزقنيه من غير حول مني)) أي: من غير حركة وحيلة مني. 3 - دُعَاءُ لُبْسِ الثَّوْبِ الجَدِيدِ 6 - ((اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أسْألُكَ مِنْ خَيرهِ وخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وأعوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وشَرِّ ما صُنِعَ لَهُ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري؛ سعد بن مالك - رضي الله عنه -. قوله: ((أسألك من خيره وخير ما صنع له ... )) أي: خير الثوب؛ وهو ¬

(¬1) أخرجه أهل السنن إلا النسائي [أبو داود برقم (4023) واللفظ له، والترمذي برقم (2458)، وابن ماجة برقم (3285)]، وانظر ((إرواء الغليل)) (7/ 47). (ق). (¬2) أبو داود [برقم (4020)]، والترمذي [برقم (1767)]، والبغوي، وانظر ((مختصر شمائل الترمذي)) للألباني (ص 47). (ق).

4. الدعاء لمن لبس ثوبا جديدا

بقاؤه ونقاؤه، وكونه ملبوساً للضرورة والحاجة، وخير ما صنع له هو الضرورات التي من أجلها يصنع اللباس من الحر والبرد وستر العورة. والمراد سؤال الخير في هذه الأمور، وأن يكون مبلغاً إلى المطلوب الذي صنع لأجله الثوب من العون على العبادة والطاعة لمولانا. وفي الشر عكس هذه المذكورات؛ وهو كونه حراماً ونجساً ولا يبقى زماناً طويلاً، أو يكون سبباً للمعاصي والشرور والافتخار والعجب والغرور وعدم القناعة. 4 - الدُّعَاءُ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيداً 7 - (1) ((تُبْلِي وَيُخْلِفُ الله تَعَالَى)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -. قوله: ((تبلي)) من الإبلاء؛ أي: الإخلاق؛ والمراد أن يعمر ويلبس ذلك الثوب حتى يبلى ويصير خَلَقاً. قوله: ((ويخلف الله - تعالى -)) أي: يعوضه عنه، ويبدله خيراً منه. 8 - (2) ((الْبَسْ جَدِيداً، وعِشْ حَمِيداً، وَمُتْ شَهِيداً)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (4/ 41) [تحت رقم (4020)]، وانظر ((صحيح أبي داود)) (2/ 760) (ق). (¬2) ابن ماجه (2/ 1178) [برقم (3558)]، والبغوي (12/ 41)، وانظر ((صحيح ابن ماجه)) (2/ 275). (ق).

5. ما يقول إذا وضع ثوبه

- صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. قوله: ((البس جديداً)) صيغة أمر أُريد بها الدعاء؛ بأن يرزقه الله ثوباً جديداً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الدعاء حين رأى عُمَر عليه قميصاً أبيضَ، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: ((ثوبك هذا غسيل أم جديد؟)) فقال: لا، بل غسيل، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((البس جديداً ... )). قوله: ((وعش حميداً)) كذلك صيغة أمر أُريد بها الدعاء؛ بأن تطل حياته على طاعة الله تعالى؛ فتكون حامداً لربك ومحموداً عنده وعند الناس. قوله: ((ومت شهيداً)) كذلك صيغة أمر أُريد بها الدعاء؛ بأن يرزقك الله تعالى المِيْتةَ الحسنة، وأحسنها الشهادة في سبيل الله تعالى. 5 - مَا يَقُولُ إذَا وَضَعَ ثَوْبَهُ 9 - ((بِسْمِ اللَّهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب، وأنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني ¬

(¬1) الترمذي (2/ 505) [برقم (606)]، وغيره، وانظر الإرواء برقم (50)، وصحيح الجامع (3/ 203) [برقم (3610)]. (ق).

6. دعاء دخول الخلاء

آدم إذا وَضَعَ أحدهم ثوبه؛ أن يقول: بسم الله)). قوله: ((ستر ما بين أعين)) الستر؛ أي: الحجاب. قوله: ((أن يقول: بسم الله)) لأن اسم الله تعالى كالطابع على بني آدم، فلا يستطيع الجن فكه. وقال بعض العلماء: ((لا يُزَاد عليها: ((الرحمن الرحيم)) وقوفاً مع ظاهر الخبر)). 6 - دُعَاءُ دُخُولِ الْخَلاَءِ قوله: ((الخلاء)) أي: موضع قضاء الحاجة؛ وأصله المكان الخالي، واستعمل في المكان المُعَدِّ لقضاء الحاجة. 10 - (([بِسْمِ اللهِ] اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ والخَبَائِثِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. وفي إحدى رواية البخاري: ((إذا أراد أن يدخل)) ومعناه أنه كان يقول هذا الدعاء قبل أن يدخل لا بعده. قوله: ((اللهم)) أصلها يا الله، والميم المشددة في آخره عوض من الياء. قوله: ((إني أعوذ بك)) أي: ألوذ وألتجىء. ¬

(¬1) أخرجه البخاري (1/ 45) [برقم (142)]، ومسلم (1/ 283) [برقم (375)]، وزيادة: ((بسم الله في أوله))، أخرجها سعيد بن منصور، انظر: فتح الباري (1/ 244). (ق).

7. دعاء الخروج من الخلاء

قوله: ((من الخبث - بإسكان الباء أو ضمها - والخبائث)) الخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة؛ يريد ذكران الشياطين وإناثهم. وقيل: أراد المكروه. 7 - دعاء الخُرُوج مِنَ الْخَلاَءِ أي: الدعاء الذي يكون بعد الخروج من الخلاء. 11 - ((غُفْرَانَكَ)) (¬1). - صحابية الحديث هي عائشة بنت أبي بكر الصديق - رحمه الله - وعنه. قوله: ((غفرانك)) أي: أسألك وأطلب منك المغفرة. وقيل: في تعقيبه الخروج بهذا الدعاء: أن القوة البشرية قاصرة عن الوفاء بشكر ما أنعم الله تعالى عليه من تسويغ الطعام والشراب، وترتيب الغذاء على الوجه المناسب لمصلحة البدن إلى أوان الخروج؛ فلجأ إلى الاستغفار اعترافاً بالقصور عن بلوغ حق تلك النعم، والله أعلم. 8 - الذِّكْرُ قَبْلَ الْوُضُوءِ 12 - ((بِسْمِ اللهِ)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه أصحاب السنن [الترمذي برقم (7)، وأبو داود برقم (30)، وابن ماجة برقم (300)]، إلا النسائي أخرجه في ((عمل اليوم والليلة)) [برقم (79]، وانظر تخريج زاد المعاد (2/ 386). (ق). (¬2) أبو داود [برقم (101)]، وابن ماجة [برقم (399)]، وأحمد [(2/ 418)]، وانظر إرواء الغليل (1/ 122). (ق).

9. الذكر بعد الفراغ من الوضوء

- صحابي الحديث هو أبو هريرة وغيره - رضي الله عنهم -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)). قال ولي الله الدهلوي رحمه الله في ((الحجة)): ((هو نص على أن التسمية ركن أو شرط، ويحتمل أن يكون المعنى لا يكمل الوضوء، لكن لا أرتضي بمثل هذا التأويل؛ فإنه من التأويل البعيد، الذي يعود بالمخالفة على اللفظ)). انتهى. 9 - الذِّكْرُ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الوُضُوءِ 13 - (1) ((أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ ... )) (¬1). - صحابي الحديث هو عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه -. قوله: ((أشهد)) أي: أقر بقلبي ناطقاً بلساني؛ لأن الشهادة نطق وإخبار عما في القلب. وأصلها - أي: الشهادة - من شهود الشيء؛ أي: حضوره ورؤيته؛ فكأن هذا المخبر عما في قلبه الناطق بلسانه، كأنه يشاهد الأمر بعينه. ¬

(¬1) مسلم (1/ 209) [برقم (234)]. (ق).

قوله: ((لا إله إلا الله)) أي: لا معبود حقٌّ - أو بحق - إلا الله تعالى. قوله: ((وحده)) توكيد للإثبات. قوله: ((لا شريك له)) توكيد للنفي. قوله: ((عبده)) وصفه بالعبد لأنه أعبد الناس، وأشدهم تحقيقاً لعبادة الله تعالى. قوله: ((ورسوله)) وصفه بالرسول؛ لأنه حمل الرسالة العظيمة - وهي الإسلام - إلى الناس كافة. وجاء في نهاية الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -، في جزاء من قال هذا الذكر: ((إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)). 14 - (2) ((اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابينَ، واجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. قوله: ((التَّوَّابين)) جمع توَّاب، وهي صفة مبالغة، والتوبة هي الرجوع من معصية الله تعالى إلى طاعة الله تعالى. قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي، فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية، والثاني: أن يندم على فعلها، والثالث: أن يعزم ألا يعود ¬

(¬1) الترمذي (1/ 78) [برقم (55)]، وانظر صحيح الترمذي (1/ 18). (ق).

إليها أبداً؛ فإن فُقِدَ أحدُ الثلاثة لم تصح التوبة. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من صاحبها؛ فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كانت حدَّ قذف ونحوه مَكَّنَه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحلَّهُ منها. ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها، صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي. واعلم أن التوبة لابد أن تكون في زمن تقبل فيه؛ فإن تاب في زمن لا تقبل فيه لم تنفعه التوبة. والزمن الذي لا تقبل فيه التوبة هو حين الغرغرة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - عز وجل - يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)) (¬1)؛ والغرغرة هي: وصول الروح الحلقوم، وحين طلوع الشمس من مغربها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تاب قبل أن تطع الشمس من مغربها تاب الله تعالى عليه)) (¬2). قوله: ((المتطهرين)) جمع متطهر؛ صفة مبالغة، والطهارة هي النظافة ورفع الحدث أو إزالة النجس. ولما كانت التوبة طهارة الباطن عن أدران الذنوب، والوضوء طهارة الظاهر عن الأحداث المانعة عن التقرب إلى الله تعالى، ناسب الجمع بين هذا ¬

(¬1) رواه الترمذي برقم (3537)، وابن ماجة برقم (4253)، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (1903). (م). (¬2) رواه مسلم برقم (2703). (م).

10. الذكر عند الخروج من المنزل

الحديث وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (¬1). 15 - (3) ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إلَيْكَ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري؛ سعد بن مالك - رضي الله عنه -. قوله: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) سبحان اسم أقيم مقام المصدر وهو التسبيح، منصوب بفعل مضمر تقديره أسبحك تسبيحاً؛ أي: أنزهك تنزيهاً من كل السوء والنقائص، وقيل: تقديره أسبحك تسبيحاً مقترناً بحمدك. قوله: ((أستغفرك)) أي: أطلب مغفرتك. قوله: ((أتوب إليك)) أي: أرجع إليك. وجاء في نهاية الحديث؛ قوله في جزاء مَن قال هذا الذكر: ((كتب في رق ثم طبع بطابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة)). 10 - الذِّكْرُ عِنْدَ الخُرُوجِ مِنَ المَنْزِلِ 16 - (3) ((بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلا ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 222. (¬2) النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 173) [برقم (81)]، وانظر إرواء الغليل (1/ 135) و (3/ 94). (ق).

قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. وجاء في نهاية الحديث؛ قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُقال له: كُفِيتَ وَوُقِيتَ وهُدِيتَ، وتنحَّى عنه الشيطان، فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي وكفي ووقي؟)). قوله: ((بسم الله)) أي: بسم الله أخرج. قوله: ((توكلت على الله)) أي: فوضت جميع أموري إليه - سبحانه وتعالى -. قوله: ((يقال له)) يجوز أن يكون القائل هو الله تعالى، ويجوز أن يكون ملك من الملائكة. قوله: ((كفيت)) أي: صرف عنك الشر. قوله: ((ووقيت)) أي: حفظت عن الأشياء الخفية عنك من الأذى والسوء. قوله: ((وهديت)) إلى طريق الحق والصواب، حيث وفقت على تقديم ذكر الله تعالى، ولم تزل مهدياً في جميع أفعالك، وأقوالك، وأحوالك. قوله: ((وتنحى عنه)) أي: بعد عنه الشيطان، ((فيقول لشيطان آخر)) ¬

(¬1) أبو داود (4/ 325) [برقم (5094)]، والترمذي (5/ 490) [برقم (3427)]، وانظر صحيح الترمذي (3/ 151). (ق).

يَقْصِدُ أذاه، وإخلاله: ((كيف لك برجل)) يعني: ما بقي لك يد في رجل قد هُدي بذكر الله، وكُفي شرك، وَوقي من مكرك وكيدك. 17 - (2) ((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أَضِلَّ، أوْ أُضَلَّ، أوْ أَزِلَّ، أوْ أُزَلَّ، أوْ أَظْلِمَ، أوْ أُظْلَمَ، أوْ أجْهَلَ، أوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)) (¬1). - صحابية الحديث هي أم سلمة؛ هند بنت أبي أمية المخزومية - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهما. قوله: ((أنْ أَضِلَّ)) أي: أن أضل في نفسي، والضلال الذي هو نقيض الهدى، وفي الأصل ضل الشيء إذا ضاع، وضل عن الطريق إذا حار. قوله: ((أو أُضَل)) أو أن يضلني غيري. قوله: ((أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ)) كلاهما من الزلة؛ أي: الخطأ؛ ومعنى الأول: أن أخطئ من نفسي أو أوقع غيري به، ومعنى الثاني: أن يوقعني غيري فيه. قوله: ((أو أَظلِم، أو أُظلَم)) من الظلم، وهو وضع الشيء في غير محله؛ معنى الأول: أن أظلم غيري، أو نفسي، ومعنى الثاني: أن يظلمني غيري. قوله: ((أو أَجهل، أو يُجهل عليَّ)) معنى الأول: أن أفعل فعل الجهلاء، ¬

(¬1) أهل السنن [أبو داود برقم (5094)، والترمذي برقم (3427)، والنسائي (8/ 268)، وابن ماجة برقم (3884)]، وانظر صحيح الترمذي (3/ 152)، وصحيح ابن ماجة (2/ 336). (ق).

11. الذكر عند دخول المنزل

أو أشتغل في شيء لا يعنيني، ومعنى الثاني: أن يجهل غيري علي؛ بأن يقابلني مقابلة الجهلاء بالسفاهة، والمجادلة ... ، ونحوهما. وفي هذا تعليم لأمته - صلى الله عليه وسلم -، وبيان الطريقة في كيفية استعاذتهم عند خروجهم من منازلهم. 11 - الذِّكْرُ عِنْدَ دُخُولِ المَنْزِلِ 18 - ((بِسْمِ اللهِ وَلَجْنَا، وبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وعَلَى اللَّهِ رَبِّنا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أهْلِهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو مالك الأشعري؛ مختلف في اسمه؛ قيل: عبيد، وقيل: عبد الله، وقيل: عمرو، وقيل: كعب بن كعب، وقيل: عامر بن الحارث - رضي الله عنه -. قوله: ((بسم الله ولجنا)) أي: دخلنا. قوله: ((بسم الله خرجنا)) أي: كان خروجنا أيضاً على ذكر الله تعالى. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (4/ 325) [برقم (5096)]، وحسن إسناده العلامة ابن باز في ((تحفة الأخيار)) (ص 28)، وفي ((الصحيح)): ((إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء)) مسلم برقم (2018). (ق). وقال الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على ((الكلم الطيب))، على هذا الحديث برقم (62): ((إسناده صحيح؛ ثم بدا لي أنه منقطع؛ كنت ذكرته في بعض الأحاديث التي استشهدت بها، ثم بينت ذلك في حديث آخر بهذا السند في الضعيفة (5606)، وذكرت هناك أن الحافظ ابن حجر استغرب هذا الحديث وضعفه لعلة أخرى غير قادحة، وأنه تنبه للانقطاع في حديث آخر!!)) (م).

12. دعاء الذهاب إلى المسجد

قوله: ((وعلى الله ربنا توكلنا)) أي: معتمدين في دخولنا وخروجنا، وفي كل أمرنا على الله ربنا - عز وجل -. قوله: ((ثم يسلم على أهله)) أي: أهل بيته؛ يقول لهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 12 - دُعَاءُ الذَّهَابِ إلَى المَسْجِدِ 19 - ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي لِسَانِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، ومِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ شِمَالِي نُوراً، وَمِنْ أمَامِي نُوراً، وَمِنْ خَلْفِي نُوراً، واجْعَلْ في نَفْسِي نُوراً، وأعْظِمْ لِي نُوراً، وَعَظِّمْ لِي نُوراً، واجْعَلْ لِي نُوراً، وَاجْعَلْنِي نُوراً، اللَّهُمَّ أعْطِنِي نُوراً، واجْعَلْ فِي عَصَبِي نُوراً، وَفِي لَحْمِي نُوراً، وَفِي دَمِي نُوراً، وفِي شَعْرِي نُوراً، وفِي بَشَرِي نُوراً)) (¬1). [((اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُوراً فِي قَبْرِي ... ونُوراً فِي عِظَامِي])) (¬2) ¬

(¬1) جميع هذه الخصال في البخاري (11/ 116) برقم (6316)، ومسلم (1/ 526، 529، 530) برقم (763). (ق). (¬2) الترمذي برقم (3419)، (5/ 483). (ق).

[((وَزِدْنِي نُوراً، وَزِدْنِي نُوراً، وَزِدْنِي نُوراً])) (¬1) [((وَهَبْ لِي نُوراً عَلَى نُورٍ])) (¬2). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. قال القرطبي رحمه الله تعالى: ((هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمكن حملها على ظاهرها؛ فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نوراً، يستضيء به يوم القيامة في تلك الظلم، هو ومن تبعه أو مَن شاء الله منهم. والأولى أن يقال: هي مستعارة للعلم والهداية؛ كما قال تعالى: {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} (¬3)، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} (¬4). والتحقيق في معناه أن النور مُظهِرٌ ما نسب إليه، وهو يختلف بحسبه، فنور السمع مظهر للمسموعات، ونور البصر كاشف للمبصرات، ونور القلب ¬

(¬1) أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) برقم (695)، (ص 258)، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) برقم (536). (ق). (¬2) ذكره ابن حجر في فتح الباري وعزاه إلى ابن أبي عاصم في كتاب الدعاء، وانظر الفتح (11/ 118)، وقال: فاجتمع من اختلاف الروايات خمس وعشرون خصلة. (ق). (¬3) سورة الزمر، الآية: 22. (¬4) سورة الأنعام، الآية: 122.

13. دعاء دخول المسجد

كاشف عن المعلومات، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات)). قال الطيبي رحمه الله: ((معنى طلب النور للأعضاء عضواً عضواً؛ أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما عداهما؛ فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس، فكان التخلص منها بالأنوار السادَّة لتلك الجهات. وكل هذه الأمور راجعة إلى الهداية والبيان وضياء الحق، وإلى ذلك يرشد قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى قوله تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} (¬1). 13 - دُعَاءُ دُخُولِ المَسْجِدِ 20 - ((يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ اليُمْنَى)) (¬2)، ويقول: ((أعُوذُ باللَّهِ العَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وسُلْطَانِهِ القَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)) (¬3). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. وجاء في نهاية الحديث قوله: ((فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حُفظ مني سائر اليوم)). قوله: ((بوجهه الكريم)) العرب تطلق الكريم على الشيء النافع الذي ¬

(¬1) سورة النور، الآية: 35. (¬2) لقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: ((من السنة إذ دخلت المسجد أن تَبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى))، أخرجه الحاكم، 1/ 218، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي، 2/ 442، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 5/ 624، برقم 2478. (¬3) أبو داود [برقم (466)]، وانظر صحيح الجامع برقم (4591). (ق).

يدوم نفعه، ويسهل تناوله، وكل شيء يشرف في بابه؛ فإنهم يصفونه بالكرم، ولا يستعمل الكرم في وصف أحد إلا في المحاسن الكثيرة، والعرب تقول: كرَّم الله وجهك؛ أي: أكرمك، ويستعمل الوجه في أشرف ما يقصد، وأعظم ما يُبتغى، ووجه الله الكريم أشرف ما يتوجه إليه، وأكرم ما يتوسل به. [قال المصحح: ووجه الله الكريم يليق بجلاله وهو صفة من صفاته الذاتية لا يشبهه في ذلك أحداً من خلقه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}] (¬1). قوله: ((وسلطانه القديم)) السلطان في الأصل الحجة، والمراد به هاهنا قهره وقدرته الباهرة القديمة. ومعنى اختصاص وجه الله الكريم، وسلطانه القديم بالذكر عند الاستعاذة؛ أن التعوذ إنما يصح بمن انتهى كرمه، وعلا شأنه، وكملت قدرته، فلا يَخْذِلُ المستعيذ به، ولا يُسْلِمُهُ، ولا يُخيبُ رجاءه، ولا يعجز عن أمره، ولا يحيل إلى غيره، وذلك بما لا يوجد إلا عند الله، ولا ينال إلا منه سبحانه وتعالى. قوله: ((الرجيم)) أي: المطرود من رحمة الله تعالى. قوله: ((سائر اليوم)) أي: جميع اليوم. ¬

(¬1) [المصحح].

14. دعاء الخروج من المسجد

((بسم اللهِ، وَالصَّلاةُ)) (¬1). (([وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ الله] (¬2))، ((اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ)) (¬3). [قال المصحح: البسملة والصلاة من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، والسلام وطلب فتح أبواب الرحمة من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -] (¬4). قوله: ((الصلاة والسلام على رسول الله)) ومعنى الصلاة على النبي في جميع المواضع، ذكره في الملأ الأعلى، وقيل: تعظيمه في الدنيا بإعلاء كلمته، وإحياء شريعته، وفي الآخرة برفع درجته، وتشفيعه لأمته. قوله: ((أبواب رحمتك)) أي: أنواع رحمتك. 14 - دُعَاءُ الخُرُوجِ مِنَ المَسْجِدِ 21 - - ((يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى)) (¬5) وَيَقُولُ: ((بِسْمِ اللَّهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم)) (¬6). ¬

(¬1) رواه ابن السني برقم (88)، وحسنه الألباني. (ق). (¬2) أبو داود (1/ 126) [برقم (465)]، وانظر صحيح الجامع (1/ 528) [برقم (514)]. (ق). (¬3) مسلم (1/ 494) [برقم (713)]، وفي سنن ابن ماجة، برقم 771 من حديث فاطمة رضي الله عنها: ((اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك))، وصححه الألباني لشواهده، انظر: صحيح ابن ماجة (1/ 128 - 129). (ق). (¬4) [المصحح]. (¬5) الحاكم، 1/ 218، والبيهقي، 2/ 442، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 5/ 624، برقم 2478، وتقدم تخريجه. (¬6) انظر تخريج روايات الحديث السابق رقم (20)، وزيادة: ((اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم)) لابن ماجة [برقم (773)]، وانظر صحيح ابن ماجة (1/ 129). (ق).

15. أذكار الأذان

- البسملة والصلاة من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، والسلام وطلب الفضل من حديث أبي حميد وأبي أسيد، وطلب العصمة من حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - جميعاً. قال الطيبي رحمه الله تعالى: ((لعل السر في تخصيص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج؛ أن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى ثوابه وجنته، فيناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل؛ كما قال تعالى: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (¬1). قوله: ((اعصمني)) أي: احفظني وقني. 15 - أذْكَارُ الأَذَانِ 22 - (1) يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ إلاَّ فِي ((حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ وَحَيَّ عَلَى الفَلاَحِ)) فَيَقُولُ: ((لاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ)) (¬2). فالحديث المتفق عليه الذي أشار إليه المصنف؛ هو قوله: ((إذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ؛ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ)). وهو من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. وأما الحديث الذي ذُكر فيه الحيعلة والتفصيل؛ فهو من رواية ¬

(¬1) سورة الجمعة, الآية: 10. (¬2) البخاري (1/ 152) [برقم (611)]، ومسلم (1/ 288) [برقم (383)]. (ق).

مسلم (¬1)، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قال: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)). من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. قوله: ((إذا سمعتم النداء)) أي: الأذان. قوله: ((ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله)) أي: ثم قال المؤذن. قوله: ((قال: أشهد أن لا إله إلا الله)) أي: قال أحدكم ... إلى آخره. قوله: ((حي على الصلاة)) أي: هلموا إليها. قوله: ((حي على الفلاح)) أي: أسرعوا إلى الفوز والنجاح والنجاة. قوله: ((من قلبه)) أي: خالصاً مخلصاً من قلبه، ودل هذا على أن الأعمال يشترط لها الإخلاص، ولا عمل بدون الإخلاص؛ لأن الأصل في القول والفعل الإخلاص، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (¬2). ¬

(¬1) رواه مسلم برقم (385). (م). (¬2) سورة البينة, الآية: 5.

فالحديث الأول عام مخصوص بحديث عمر - رضي الله عنه -. والمراد منه أن نقول مثل ما قاله غير الحيعلتين؛ فإنه يقول بعد قوله: حي على الصلاة وحي على الفلاح: لا حول ولا قوة إلا بالله. وأما قول المؤذن: الصلاة خير من النوم فلم يرد شيء في القول بمثل ما يقول أو غير ذلك، فتبقى على العموم، أو على عدم ذكر شيء عند سماعها، وهو الأرجح؛ لأنها مما زيد على ألفاظ الأذان في أذان الفجر فقط؛ فيحتاج القول بمثل ما يقول المؤذن عند سماعها إلى دليل، ولا دليل على ذلك. [قال المصحح: والصواب أن المستمع للأذان إذا سمع المؤذن يقول: الصلاة خير من النوم في أذان الفجر يقول مثل ما يقول المؤذن: ((الصلاة خير من النوم))؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن))] (¬1). واعلم أن إجابة المؤذن اختلف فيها؛ هل هي واجبة بالحديثين المتقدمين، أم هي سنة لحديث عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن يتشهد، قال: ((وَأنَا وأنَا)) (¬2)؟! والأظهر القول بسنِّيَّتها، والله أعلم. ¬

(¬1) [البخاري برقم 611، ومسلم، برقم 383، وانظر الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 2/ 84]. [المصحح]. (¬2) رواه أبو داود برقم (526)، وصححه الألباني، انظر: ((صحيح الجامع)) برقم (4742). (م).

23 - (2) يقولُ: ((وأنَا أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيْكَ لهُ، وأنَّ مُحمَّداً عبدُهُ ورَسُولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبًّا، وبمُحَمَدٍ رَسُولاً، وبالإسْلامِ دِيناً)) (¬1) ((يَقُولَ ذَلِكَ عَقِبَ تَشَهُّدِ المُؤَذِّنِ)) (¬2). - صحابي الحديث هو سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -. قوله: ((رضيت بالله ربًّا)) أي: ملكاً ومالكاً ومتصرفاً ومدبراً ... [وإلهاً حقاً] (¬3). قوله: ((وبمحمدٍ رسولاً)) أي: رسولاً من عند الله - تعالى -؛ فأتابعه بكل ما جاء به؛ أأتمر بأمره وأنتهي عما نهى. قوله: ((وبالإسلام ديناً)) أي: بأحكامه وشرائعه. قوله: ((يقول ذلك عقب تشهد المؤذن)) أي: بعد قوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. ليس هذا اللفظ لفظ رواية ابن خزيمة - رحمه الله - إنما لفظه هو، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سمع المؤذن يتشهد ... )). ¬

(¬1) مسلم (1/ 290) [برقم (386)]. (ق). (¬2) ابن خزيمة (1/ 220) [برقم (422)]. (ق). (¬3) [المصحح].

24 - (3) ((يُصَلِّي عَلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ إجَابَةِ المُؤَذِّنِ)) (¬1). هذا من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة، حلت له الشفاعة)). قوله: ((ثم صلوا عليَّ)) أي: بعد الفراغ من إجابة المؤذن صلوا علي؛ وإنما أمر بالصلاة عليه عقب الإجابة؛ لأن الإجابة دعاء وثناء، ولا يقبل الدعاء إلا بالصلاة عليه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل دعاء محجوب حتى يُصَلِّي على النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). قوله: ((فإنه)) أي: فإن الشأن أن ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشراً))، كما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات)) (¬3). ¬

(¬1) مسلم (1/ 288) [برقم (384)]. (ق). (¬2) الحديث حسنه الألباني، انظر ((الصحيحة)) برقم (2035). (م). (¬3) رواه النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) برقم (362 - 363)، وصححه الألباني، انظر ((صحيح الجامع)) برقم (6359). (م)

قوله: ((ثم سلوا الله لي الوسيلة)) والوسيلة ما يتقرب به إلى الغير؛ يقال: وَسَلَ فلان إلى ربه وسيلة، وتوسل إليه بوسيلة، إذا تقرب إليه بعمل، والمراد بها في الحديث منزلة في الجنة، حيث فسرها - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((فإنها منزلة في الجنة)). قوله: ((لا تنبغي)) أي: هذه الوسيلة ((إلا لعبد)) واحد، ((من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو)). قوله: ((حلت له)) أي: وجبت له ((الشفاعة))؛ أي: شفاعتي. 25 - (4) يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيْلَةَ والفَضِيْلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، [إنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيْعَادِ])) (¬1). - صحابي الحديث هو جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. قوله: ((رب هذه الدعوة التامة)) والمراد دعوة التوحيد؛ وقيل لدعوة التوحيد تامة لأن الشرك نقص، أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا ¬

(¬1) البخاري (1/ 152) [برقم (614)]، وما بين المعقوفتين للبيهقي (1/ 410)، وحسن إسناده العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في تحفة الأخيار (ص 38). (ق). وقال الشيخ الألباني - رحمه الله - عن هذه الزيادة التي للبيهقي رحمه الله: ((هي شاذة؛ لأنها لم ترد في جميع طرق الحديث عن علي بن عياش، اللهم إلا في رواية الكشميني لصحيح البخاري خلافاً لغيره، فهي شاذة أيضاً لمخالفتها لروايات الآخرين للصحيح .. )) انظر: الإرواء (1/ 261). (م).

تبديل، بل هي باقية إلى يوم النشور، أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للنقص. قوله: ((الصلاة القائمة)) أي: الدائمة. قوله: ((الوسيلة)) هي منزلة في الجنة. قوله: ((الفضيلة)) أي: المرتبة الزائدة على سائر الخلق. قوله: ((وابعثه مقاماً محموداً)) أي: ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاماً يحمد القائم فيه. قوله: ((الذي وعدته؛ إنك لا تخلف الميعاد)) قال الطيبي رحمه الله: ((المراد بذلك قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (¬1)، وأطلق عليه الوعد؛ لأن عسى من الله تعالى واقع)). وجاء في نهاية الحديث؛ قوله - صلى الله عليه وسلم - في جزاء من قالها: ((حلت له شفاعتي)) أي: استحقت ووجبت أو نزلت عليه. قال المهلب رحمه الله: ((في الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات؛ لأنه حال رجاء الإجابة)). 26 - (5) ((يَدْعُو لِنَفْسِهِ بَيْنَ الأَذَانِ والإقَامَةِ؛ فَإنَّ الدُّعَاءَ حِيْنَئذٍ لا يُرَدُّ)) (¬2). ¬

(¬1) سورة الإسراء, الآية: 79. (¬2) الترمذي [برقم (212)]، وأبو داود [برقم (521)]، وأحمد [(3/ 119)]، وانظر: إرواء الغليل (1/ 262). (ق).

وهذا جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)). - صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -. ولفظ الدعاء بإطلاقه شامل لكل دعاء، ولكن لابد من تقييده بما في الأحاديث الأخرى من أنه ما لم يكن دعاء بإثم أو قطيعة رحم أو اعتداء. 16 - دُعَاءُ الاسْتِفْتَاحِ قوله: ((الاستفتاح)) أي: افتتاح الصلاة. 27 - (1) ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ، بالثَّلْجِ والمَاءِ والبَرَدِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((خطاياي)) جمع خطيئة؛ وهي الذنب. وإنما شبه بعدها ببعد المشرق والمغرب مبالغة في البعد؛ لأنه ما في المشاهدات أبعد مما بين المشرق والمغرب، فيكون المراد من المباعدة محو الذنوب، وترك المؤاخذة بها، أو المنع من وقوعها، والعصمة منها. قوله: ((اللهم نقني)) أي: نظفني ((من خطاياي)) كما تنظف ((الثوب ¬

(¬1) البخاري (1/ 181) [برقم (744)]، ومسلم (1/ 419) [برقم (598)]. (ق).

الأبيض من الدنس))؛ شبه نظافة ذاته من الذنوب بنظافة الثوب الأبيض من الدنس؛ لأن زوال الدنس في الثوب الأبيض أظهر، بخلاف سائر الألوان؛ فإنه ربما يبقى فيه أثر الدنس بعد الغسل، ولم يظهر ذلك لمانع فيه بخلاف الأبيض، فإنه يظهر كل أثر فيه؛ والقصد من هذا التشبيه أن يقلع من الذنوب بالكلية، كقلع الدنس من الثوب الأبيض، بحيث لم يبق فيه أثر ما. قوله: ((اللهم اغسلني من خطاياي ... )) إلى آخره، ذَكَرَ أنواع المطهرات المنزلة من السماء، التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلا بأحدها، تبياناً لأنواع المغفرة، التي لا يخلص من الذنوب إلا بها؛ أي: طهرني من الخطايا بأنواع مغفرتك، التي هي في تمحيص الذنوب نهاية هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس، ورفع الجنابة والأحداث. والمعنى: كما جعلتها سبباً لحصول الطهارة، فاجعلها سبباً لحصول المغفرة؛ وبيان ذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء)) (¬1). 28 - (2) ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وتَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، ولاَ إلَهَ غَيْرُكَ)) (¬2). ¬

(¬1) رواه مسلم برقم (244). (م). (¬2) أخرجه أصحاب السنن الأربعة [أبو داود برقم (775 و776) , والترمذي برقم (242) ((و432)، والنسائي (2/ 133)، وابن ماجة برقم (804 و806)]، وانظر: صحيح الترمذي (1/ 77)، وصحيح ابن ماجة (1/ 135). (ق).

- صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وعائشة رَضِيَ اللهُ عَنهَا. قوله: ((وبحمدك)) أي: أحمد بحمدك، أو تقديره: وبحمدك سبَّحتك، ووفِّقْتُ لذلك. قوله: ((وتبارك)) من البركة، وهي الكثرة والاتساع، وتبارك؛ أي: تعالى وتعظم، وكثرت بركاته في السموات والأرض، إذ به تقوم، وبه تستنزل الخيرات. قوله: ((وتعالى)) أي: علا وارتفع. قوله: ((جدك)) أي: عظمتك. 29 - (3) ((وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ حَنِيفاً ومَا أنَا مِنَ المُشْرِكينَ، إنَّ صَلاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، ومَمَاتِي للَّهِ رَبِّ العَالَمينَ، لا شَرِيْكَ لَهُ، وبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وأَنَا مِنَ المُسْلِمينَ. اللَّهُمَّ أنْتَ الْمَلِكُ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ، أنْتَ رَبِّي، وأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعاً إنَّهُ لا يَغْفِرُ

الذُّنُوبَ إلاَّ أنْتَ، وَاهْدِنِي لأحْسَنِ الأخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأحْسَنِهَا إلاَّ أنْتَ، واصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلاَّ أنْتَ، لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، والْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ، والشَّرُّ لَيْسَ إليْكَ، أنَا بِكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وتَعَالَيْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوْبُ إلَيْكَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قوله: ((وجهت وجهي)) أي: أخلصت ديني وعملي، وقيل: قصدت بعبادتي ((الذي فطر السموات والأرض)) أي: خلق السموات والأرض. قوله: ((حنيفاً)) أي: مستقيماً مخلصاً؛ معناه: مائلاً إلى الدين الحق، وهو الإسلام؛ وأصل الحنف الميل، ويكون من الخير والشر، وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة. وقال أبو عبيد - رحمه الله -: ((الحنيفي عند العرب من كان على دين إبراهيم)). قوله: ((وما أنا من المشركين)) بيان الحنيف، وإيضاح معناه. و ((المشرك)) يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي، ¬

(¬1) أخرجه مسلم (1/ 534) [برقم (771)]. (ق).

ونصراني، ومجوسي، ومرتدٍّ، وزنديق ... وغيرهم. قوله: ((إن صلاتي)) أي: عبادتي. قوله: ((نسكي)) أي: تقربي كله، وقيل: ذبحي. وجمع بين الصلاة والذبح، كما في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (¬1)، وقيل: صلاتي وحجي. قوله: ((ومحياي ومماتي)) أي: وما آتيه في حياتي، وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح ((لله رب العالمين)) خالصة لوجهة ((لا شريك له، وبذلك)) من الإخلاص ((أمرت)) من الله تعالى، ((وأنا من المسلمين)). قوله: ((ظلمت نفسي)) بأن أوردتها موارد المعاصي. قوله: ((واعترفت بذنبي)) والاعتراف بالذنب بمنزلة الرجوع منه، قدمه على سؤال المغفرة أدباً، كما قال آدم وحواء - صلوات الله عليهما وسلامه: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬2). قوله: ((واهدني)) أي: ارشدني ووفقني ((لأحسن الأخلاق)) أي: لصوابها. قوله: ((واصرف عني سيئها)) أي: سيء الأخلاق؛ أي: قبيحها. ¬

(¬1) سورة الكوثر, الآية: 2. (¬2) سورة الأعراف, الآية: 23.

قوله: ((لبيك)) من اللب بالمكان إذا أقام به ولزمه؛ ومعناها: أنا مقيم على طاعتك. قوله: ((وسعديك)) أي: إسعاداً بعد إسعاد. قوله: ((والشر ليس إليك)) اعلم أن مذهب أهل الحق أن جميع الكائنات خيرها وشرها، نفعها وضرها، كلها من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته وتقديره هو - سبحانه وتعالى - وقد اختلف العلماء في تفسيره، على عدة أقوال: الأول: أن معناه: والشر لا يُتقرَّب به إليك - هو الأشهر -. والثاني: لا يصعد إليك، إنما يصعد الكلم الطيب. والثالث: لا يضاف إليك أدباً؛ فلا يقال: يا خالق الشر، وإن كان خالقه، كما لا يقال: يا خالق الخنازير، وإن كان خالقها. والرابع: ليس شرًّا بالنسبة إلى حكمتك؛ فإنك لا تخلق شيئاً عبثاً - وهذا قوي - والله أعلم. قوله: ((أنا بك وإليك)) أي: بك أستجير، وإليك ألتجئ، وبك أحيا وأموت، وإليك المرجع والمصير، أو أنا قائم بك؛ لأن جميع الموجودات الممكنة قائمة بك، وراغب إليك ... ، ونحو ذلك من التقديرات. قوله: ((تباركت)): استحققت الثناء العظيم المتزايد. قوله: ((وتعاليت)) أي: تعظمت عن مُتَوهم الأوهام، ومتصور الأفهام، وعن كل النقائص.

30 - (4) ((اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائيلَ، ومِيكَائيْلَ، وإسْرَافيْلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بإذْنِكَ، إنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) (¬1). - صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنها -. قوله: ((رب جبرائل وميكائيل وإسرافيل)) إنما خصص هؤلاء بالذكر من بين سائر المخلوقات، كما جاء في القرآن والسنة من نظائره؛ من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة، وكبير الشأن، ودون ما يستحقر ويستصغر؛ فيقال له: سبحانه رب السموات والأرض، ورب العرش الكريم، ورب الملائكة والروح، ورب المشرقين والمغربين، ورب الناس ورب كل شيء، فاطر السموات والأرض، خالق السموات والأرض، وكل ذلك وشبهه وصف له - سبحانه وتعالى - بدلائله العظيمة، وعظيم القدرة والملك. ومعنى ((جبرائيل)) عبد الله؛ لأن ((جبر)) معرب ((كبر)) وهو العبد، و ((ائيل)) هو الله تعالى، وهو: أي: جبرائيل - ملك متوسط بين الله ¬

(¬1) أخرجه مسلم (1/ 534) [برقم (770)]. (ق).

ورسله، وهو أمين الوحي، وكذلك ((ميكائيل وإسرافيل)) معناهما عبد الله، قيل: إنما خص هذه الملائكة تشريفاً لهم. قوله: ((عالم الغيب والشهادة)) أي: ما غاب عن العباد وما شاهدوه. قوله: ((اهدني لما اختلف فيه من الحق)) أي: وفقني إلى الحق الذي اختُلف فيه وثبتني عليه. قوله: ((بإذنك)) أي: بتيسيرك وفضلك. قوله: ((إلى صراط مستقيم)) أي: طريق الحق والصواب. 31 - (5) ((اللهُ أكْبَرُ كَبيراً، اللهُ أكْبَرُ كَبيراً، اللهُ أكْبَرُ كَبيراً، والحَمْدُ للَّهِ كَثيراً، والحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، وَالحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلاً (ثَلاثاً) أعُوذُ با للَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ: مِنْ نَفْحِهِ وَنَفْثِهِ، وهَمْزِهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو جبير بن مطعم - رضي الله عنه -. قوله: ((الله أكبر كبيراً)) أي: كبرت كبيراً، ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة، أو مصدراً بتقدير تكبيراً كبيراً. قوله: ((كثيراً)) أي: حمداً كثيراً. ¬

(¬1) أخرج أبو داود برقم (1/ 203) [برقم (764)]، وابن ماجه (1/ 265) [برقم (807)]، وأحمد (4/ 85)، وأخرجه مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بنحوه، وفيه قصة (1/ 420) [برقم (601)]. (ق).

قوله: ((بكرة وأصيلاً)) أي: أول النهار وآخره. قوله: ((نفخه)) فسرها الراوي بالكبر؛ وإنما فسر النفخ بالكبر؛ لأن المتكبر يتعاظم لا سيما إذا مدح. قوله: ((نفثه)) فسرها الراوي بالشعر؛ وإنما كان الشعر من نفثة الشيطان؛ لأنه يدعو الشعراء المداحين الهجائين المعظمين المحقرين ... ، وقيل: المراد شياطين الإنس؛ وهم الشعراء الذين يختلقون كلاماً لا حقيقة له. والنفث في اللغة: قذف الريق وهو أقل من التفل. قوله: ((همزه)) فسرها الراوي بالموتة؛ والمراد بها هنا الجنون. والهمز في اللغة: العصر، يقال: همزت الشيء في كفي؛ أي: عصرته. 32 - (6) ((اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ (¬1) أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فيهنَّ، [وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهنّ]، [وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهنّ] [وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ] [وَلَكَ الحَمْدُ] [أنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وقَوْلُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ الحَقُّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ ¬

(¬1) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله إذا قام من الليل يتهجد. (ق).

حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ] [اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وبِكَ آَمَنْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وإليْكَ حَاكَمْتُ. فاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، ومَا أخَّرْتُ، ومَا أسْرَرْتُ، ومَا أعْلَنْتُ] [أنْتَ المُقَدِّمُ، وأنْتَ المُؤَخِّرُ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ] [أنْتَ إلَهِي لَا إِلَهَ إلاَّ أنْتَ])) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. قوله: ((أنت نور السموات والأرض)) أي: إن كل شيء استنار منها واستضاء فبقدرتك، وأضاف النور إلى السموات والأرض للدلالة على سعة إشراقه، وفشوا ضياءه، وعلى هذا فسر قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬2). وقد ثبت أن الله تعالى سمى نفسه: ((النور)) بالكتاب والسنة، وقد ورد في الكتاب على صيغة الإضافة، وفي الحديث الصحيح (¬3) الذي جاء ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (3/ 3) و (11/ 116) و (13/ 371، 423، 465) [برقم (1120)]، ومسلم مختصراً بنحوه (1/ 532) [برقم (769)]. (ق). (¬2) سورة النور, الآية: 35. (¬3) رواه مسلم برقم (178). (م).

عن أبي ذر - رضي الله عنه - من غير إضافة، وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نور أنى أراه)) حين سأله أبو ذر - رضي الله عنه -: ((هل رأيت ربك؟)). [قال المصحح: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نور أنَّى أراه)) معناه: حجابه نور فكيف أراه، وقد فسر ذلك الحديث الآخر الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - عز وجل - لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور)) وفي رواية: ((النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) (¬1). فاسم النور بدون إضافة يحتاج إلى دليل، أما القرآن فقد جاء مضافاً نور السموات والأرض] (¬2). وقد أحصى أهل الإسلام ((النور)) في جملة الأسماء الحسنى، وقد عرفنا من أصول الدين أن حقيقة ذلك ومعناه يختص بالله سبحانه، ولا يجوز أن يفسر بالمعاني المشتركة، وصح لنا إطلاقه على الله بالتوقيف. [قال المصحح: سألت شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى: هل من أسماء الله النور؟ فقال: نور السموات والأرض] (¬3). ونقول في بيان ما أشكل: إن الله تعالى سمى القمر نوراً، وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - نوراً، وهما مخلوقات، وبينهما مباينة ظاهرة في المعنى، فتسمية القمر بالنور ¬

(¬1) [رواه مسلم، برقم 179، المصحح]. (¬2) [المصحح]. (¬3) [المصحح].

للضوء المنتشر منه في الأبصار، وتسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - به للدلالات الواضحة، التي لاحَت منه للبصائر، وسمى القرآن نوراً لمعانيه التي تُخرج الناس عن ظلمات الكفر والجهالة، وسمى نفسه نوراً لما اختص به من إشراق الجلال، [وسبحات] العظمة، التي تضمحل الأنوار دونها. وهذا الاسم على هذا المعنى لا استحقاق فيه لغيره سبحانه، بل هو المستحق له المدعو به: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (¬1). قوله: ((أنت قيم السموات)) أي: الذي يقوم بحفظها ومراعاتها، وحفظ من أحاطت به، واشتملت عليه، يؤتي كل شيء ما به قوامه، ويقوم على كل شيء من خلقه مما يراه من تدبيره. قوله: ((أنت رب السموات والأرض)) أي: أنت مالك السموات والأرض ((ومن فيهن)) والرب يأتي بمعنى المالك والسيد والمطاع والمصلح. قوله: ((أنت الحق)) الحق اسم من أسماء الله - تعالى -؛ ومعناه: الموجود حقيقة، المتحقق وجوده وإلاهيته. قوله: ((ووعدك الحق)) أي: الثابت غير الباطل؛ قال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (¬2). قوله: ((وقولك الحق)) أي: غير كذب، بل هو صدق حقاً وجزماً. ¬

(¬1) سورة الأعراف, الآية: 180. (¬2) سورة آل عمران, الآية: 9.

قوله: ((ولقاؤك الحق)) أي: واقع كائن لا محالة، والمراد من لقاء الله: المصير إلى الدار الآخرة. [قال المصحح: لقاء الله تعالى حق لا شك فيه، لكن على الوجه اللائق بالله تعالى، من غير تعطيل، ولا تحريف، ولا تكييف، ولا تمثيل، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تعالى: ((أما اللقاء فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة والمشاهدة بعد السلوك والمسير، وقال: إن لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى ... كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} فذكر أنه يكدح إلى الله فيلاقيه، والكدح إليه: يتضمن السلوك والسير إليه، واللقاء يعقبهما ... ))] (¬2). قوله: ((والجنة حق)) أي: موجودة مُعدَّة للمؤمنين. قوله: ((والنار حق)) موجودة مُعدَّة للكافرين. قوله: ((والنبيون حق)) أي: حق في أنهم من عند الله - تعالى - وأنهم أنبياء الله تعالى وعبيده. قوله: ((ومحمد حق)) أي: حق نبوته ورسالته، وأنه عبد الله ورسوله إلى العرب والعجم [والإنس والجن، ولا نبي بعده] (¬3)، وإنما أفرد نفسه بالذكر، وإن كان داخلاً في النبيين، تنبيهاً على شرفه وفضله. ¬

(¬1) سورة الشورى, الآية: 11. (¬2) مجموع الفتاوى (6/ 461 - 475) (المصحح). (¬3) [المصحح].

قوله: ((والساعة حق)) أي: واقعة كائنة لا محالة، والمراد من الساعة هو الحشر والنشر. قوله: ((اللهم لك أسلمت)) أي: انقدتُ وأطعت. قوله: ((وبك آمنت)) أي: صدقت بك وبكل ما أخبرت وأمرت ونهيت. فيه إشارة إلى الفرق بين الإيمان والإسلام. قوله: ((وعليك توكلت)) أي: فوَّضت أمري إليك، واعتمدتُ في كل شأني عليك. قوله: ((وإليك أنبت)) أي: رجعت وأقبلت بهمتي وطاعتي إليك، وأعرضت عما سواك. قوله: ((وبك خاصمت)) أي: بك أحتج وأدافع، وأقاتل من عاند فيك، وكفر بك، وأقمعه بالحجة وبالسيف. قوله: ((وإليك حاكمت)) أي: رفعت محاكمتي إليك في كل من جحد الحق، وجعلتك الحكم بيني وبينه، لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم، من صنم وكاهن ونار وشيطان .. وغيرها، فلا أرضى إلا بحكمك، ولا أعتمد على غيرك. قوله: ((فاغفر لي ما قدمت وما أخرت)) أي: من الذنوب. قوله: ((وما أسررت)) بها، ((وما أعلنت)) منها؛ أي: من المعاصي والذنوب.

17. دعاء الركوع

معلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مغفور له ومعصوم عن الذنوب؛ فيكون هذا تواضعاً منه وهضماً لنفسه، ويجوز أن يكون تعليماً لأمته، وإرشاداً إلى طريق الدعاء؛ لأنهم غير معصومين ومبتلون بالذنوب، والتقصير في الطاعة. 17 - دُعَاءُ الرُّكُوعِ 33 - (1) ((سُبْحَانَ رَبِّي العَظِيمِ)) ثَلاثَ مَرَّاتٍ (¬1). - صحابي الحديث هو حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -. قوله: ((سبحان ربي العظيم)) أي: أنزهه وأقدسه عن كل النقائص. قوله: ((ثلاث مرات)) أي: يقولها ثلاث مرات. ويستحب أهل العلم ألا ينقص الإنسان في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات. 34 - (2) ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي)) (¬2). - صحابية الحديث هي عائشة رَضِيَ اللهُ عَنهَا. ¬

(¬1) أخرجه أهل السنن [أبو داود برقم (871)، والترمذي برقم (262)، والنسائي (1/ 190)، وابن ماجة برقم (888)]، وأحمد (5/ 382، 394)، وانظر ((صحيح الترمذي)) (1/ 83). (ق). (¬2) البخاري (1/ 99) [برقم (794)]، ومسلم (1/ 350) [برقم (484)]. (ق).

بَوَّب البخاري رحمه الله على هذا الحديث: باب الدعاء في الركوع. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقاً على تبويب البخاري: ((فقيل: الحكمة في تخصيص الركوع بالدعاء دون التسبيح - مع أن الحديث واحد - أنه قصد الإشارة إلى الرد على مَن كره الدعاء في الركوع كمالك رحمه الله، وأما التسبيح فلا خلاف فيه، فاهتم هنا بذكر الدعاء لذلك. وحجة المخالف؛ الحديث الذي أخرجه مسلم (¬1) من رواية ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا مرفوعاً، وفيه: ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم))؛ لكنه لا مفهوم له؛ فلا يمتنع الدعاء في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود)). 35 - (3) ((سُبُّوحٌ، قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلائِكَةِ وَالرُّوحِ)) (¬2). - صحابية الحديث هي عائشة رَضِيَ اللهُ عَنهَا. قوله: ((سُبُّوح)) أي: المنزه عن كل عيب، من سبحت الله تعالى؛ أي: نزهته. قوله: ((القُدوس)) الطاهر من كل عيب، العظيم في النزاهة عن كل ما يستقبح. قوله: ((والروح)) قيل: جبريل عليه السلام، خص بالذكر تفضيلاً ¬

(¬1) برقم (479). (م). (¬2) مسلم (1/ 353) [برقم (487)]، وأبو داود (1/ 230) [برقم (872)]. (ق).

على سائر الملائكة؛ كما في قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} (¬1)، وقيل: الروح صنف من الملائكة، كما في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} (¬2)، ويحتمل أن يراد به الروح الذي به قوام كل حي؛ أي: رب الملائكة، ورب الروح، والله أعلم. 36 - (4) ((اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وعَصَبِي، [وَمَا اسْتَقَلَّت بهِ قَدَمي])) (¬3). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قوله: ((لك ركعت)) تأخير الفعل للاختصاص؛ والركوع؛ هو الميلان والخرور، وقد يُذكر ويُراد به الصلاة. قوله: ((خشع لك سمعي .. )) والمراد بالخشوع من هذه الأشياء هو الانقياد والطاعة؛ فيكون هذا من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم. أما تخصيص السمع والبصر من بين الحواس؛ فلأنهما أعظم الحواس، ¬

(¬1) سورة القدر, الآية: 4. (¬2) سورة النبأ، الآية: 38. (¬3) مسلم (1/ 534) [برقم (771)]، والأربعة إلا ابن ماجه [أبو داود برقم (760)، والترمذي برقم (266)، والنسائي (2/ 130)] وأما لفظة: ((وما استقلت به قدمي)) فلم يروها مسلم ولا الأربعة، وهي عند ابن حبان بلفظها، انظر: صحيح ابن حبان برقم (1901) وصحيح ابن خزيمة, برقم (607). (ق).

وأكثرها فعلاً، وأقواها عملاً، وأمسها حاجة؛ ولأن أكثر الآفات بهما، فإذا خشعتا قَلَّت الوساوس. وأما تخصيص المخ والعظم والعصب من بين سائر أجزاء البدن؛ فلأن ما في أقصى قعر البدن المخ، ثم العظم، ثم العصب؛ لأن المخ يمسكه العظم، والعظم يمسكه العصب، وسائر أجزاء البدن مركبة عليها، فإذا حصل الانقياد والطاعة، فهذه عمدة بنية الحيوان، وأيضاً العصب خزانة الأرواح النفسانية، واللحم والشحم غادٍ ورائح، فإذا حصل الانقياد والطاعة من هذه فمن الذي يتركب عليهما بطريق الأولى. ومعنى انقياد السمع: قبول سماع الحق، والإعراض عن سماع الباطل، وأما انقياد البصر: النظر إلى كل ما ليس فيه حرمة، وأما انقياد المخ والعظم والعصب: انقياد باطنه كانقياد ظاهره؛ لأن الباطن إذا لم يوافق الظاهر لا يكون انقياد الظاهر مفيداً معتبراً، وانقياد الباطن عبارة عن تصفيته عن دنس الشرك والنفاق، وتزيينه بالإخلاص والعلم والحكمة. قوله: ((وما استقلت به قدمي)) أي: جميع بدنه؛ فهو من عطف العام على الخاص. 37 - (5) ((سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ، والمَلَكُوتِ، والكِبْرِيَاءِ، والعَظَمَةِ)) (¬1). ¬

(¬1) أبو داود (1/ 230) [برقم (873)]، والنسائي [(2/ 191)]، وأحمد (6/ 24) وإسناده حسن. (ق).

- صحابي الحديث هو عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه -. قوله: ((ذي الجبروت)) الجبروت: من الجبر، وهو القهر، وهو من صفات الله تعالى ومنه الجابر؛ ومعناه: الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي. قوله: ((الملكوت)) من الملك؛ ومعنى ذي الملكوت: صاحب ملاك كل شيء. وصيغة الفعلوت للمبالغة. قوله: ((والكبرياء)) أي: سبحان ذي الكبرياء؛ أي: العظمة والملك، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات، وكمال الوجود، ولا يوصف بها إلا الله - سبحانه وتعالى -. 18 - دُعَاءُ الرَّفْع مِنَ الرُّكُوعِ 38 - (1) ((سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. 39 - (2) ((رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ، حَمْداً كَثيراً طَيِّباً مُبَاركاً فيهِ)) (¬2). - صحابي الحديث هو رِفَاعة بن رافع الزُّرقي - رضي الله عنه -. ¬

(¬1) البخاري مع ((الفتح)) (2/ 282) [برقم (795)] (ق). (¬2) البخاري مع ((الفتح)) (2/ 284) [برقم (799)] (ق).

وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث، على أن التسميع والتحميد يجمع بينهما الإمام والمأموم على السواء. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد))؛ فإنه لم يُسق لبيان ما يقول الإمام والمأموم في هذا الركن، بل لبيان أن تحميد المأموم إنما يكون بعد تسميع الإمام. وقال النووي في ((شرح مسلم)): ((وأنَّه يُستحب لكل مصلٍّ من إمام ومأموم ومنفرد؛ أن يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ويجمع بينهما فيكون قوله: سمع الله لمن حمده في حال ارتفاعه، وقوله: ربنا ولك الحمد في حال اعتداله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) (¬1). [قال المصحح: والصواب أن المأموم لا يجمع بين التسميع والتحميد، فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده؛ فإن المأموم يقول: ((ربنا ولك الحمد)) قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ترجيحه، لعدم قول المأموم سمع الله لمن حمده: (( ... فإذا قال قائل: ما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((سمع الله لمن حمده)) فالجواب على هذا سهل، وهو: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) عام، وأما قوله: ((وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) (¬2). ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (628) (م). (¬2) البخاري برقم (732)، ومسلم برقم (411)، (المصحح).

فهذا خاص، والخاص يقضي على العام، فيكون المأموم مستثنى من هذا العموم؛ بالنسبة لقوله: ((سمع الله لمن حمده))؛ فإنه يقول: ((ربنا ولك الحمد)) فقط] (¬1). قوله: ((سمع الله لمن حمده)) أي: تقبل الله منه حمده. [واستجاب له] (¬2). وَضَع السمعَ موضع القَبولِ والإجابة للاشتراك بين القبول والسمع، والغرض من الدعاء القبول والإجابة. قوله: ((ربنا ولك الحمد)) وفي رواية بلا ((واو))، والأكثر على أنه بـ ((واو)) وكلاهما حسن، ثم قيل: هذه ((الواو)) زائدة، وقيل: عاطفة؛ تقديره: ربنا حمدناك ولك الحمد. [قال المصحح: قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذكر بعد الرفع من الركوع أربعة أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: ((ربنا لك الحمد)) (¬3). النوع الثاني: ((ربنا ولك الحمد)) (¬4). النوع الثالث: ((اللهم ربنا لك الحمد)) (¬5). ¬

(¬1) الشرح الممتع على زاد المستقنع (3/ 144) (المصحح). (¬2) توضيح الأحكام للبسام (2/ 64) (المصحح). (¬3) البخاري، برقم (789)، ومسلم برقم (392) (المصحح). (¬4) البخاري، برقم (732)، ومسلم، برقم (411) (المصحح). (¬5) البخاري، برقم (796)، ومسلم، برقم (409) (المصحح).

النوع الرابع: ((اللهم ربنا ولك الحمد)) (¬1). والأفضل أن يقول كل نوع، فينوِّع: يقول: هذا تارة، وهذا تارة، وهذا تارة، وهذا تارة (¬2). قوله: ((ربنا ولك الحمد)) الحمد: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم)) (¬3)]. قوله: ((طيباً)) أي: خالصاً. قوله: ((مباركاً)) أي: متزايداً. 40 - (3) ((مِلْءَ السَّمَوَات ومِلءَ الأرضِ ومَا بَيْنَهُما، ومِلْء ما شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّناءِ والمَجْدِ، أحَقُّ ما قَالَ العَبْدُ، وكُلُّنا لَكَ عَبْدٌ، اللهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أعْطَيتَ، ولا مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ)) (¬4). - صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -. قوله: ((ملء السموات وملء الأرض وما بينهما)) إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود فيه. ¬

(¬1) البخاري، برقم (95). (المصحح). (¬2) (المصحح). (¬3) بدائع الفوائد، لابن القيم (2/ 92، 94، و ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (3/ 139) (المصحح). (¬4) مسلم (1/ 346) [برقم (477)] (ق).

قال الخطابي - رحمه الله -: ((هذا الكلام تمثيل وتقريب، والكلام لا يقدر بالمكاييل، ولا تسعه الأوعية، وإنما المراد منه تكثير العدد، حتى لو يقدر أن تكون تلك الكلمات أجساماً تملأ الأماكن، لبلغت من كثرتها ما يملأ السموات والأرض)). قوله: ((وملء ما شئت من شيء بعد)) هذه إشارة إلى أن حمد الله أعز من أن يدخل فيه الحسبان، أو يكتنفه الزمان والمكان؛ فأحال الأمر فيه على المشيئة، وليس وراء ذلك للحمد منتهى، ولم ينته أحد من خلق الله في الحمد مبلغه ومنتهاه، وبهذه الرتبة استحق نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن يسمى أحمد؛ لأنه كان أحمد ممن سواه. قوله: ((أهل الثناء)) والثناء: هو الوصف الجميل والمدح. قوله: ((والمجد)) أي: العظمة، ونهاية الشرف، يقال: رجلٌ ماجدٌ، منضال كثيرُ الخيرِ شريفٌ، والمجيد: فعيل، للمبالغة، ومنه سُمي الله مجيداً. وقوله: ((وكلنا لك عبد)) اعتراف بالعبودية لله تعالى وأنه المالك لنا. وكون هذا أحق ما يقوله العبد؛ لأن فيه التفويض إلى الله تعالى، والإذعان له، والاعتراف بوحدانيته. قوله: ((ولا ينفع ذا الجَد منك الجد)) أي: لا ينفع الغنى صاحبَ الغنى منك غناه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك. والجد في اللغة الحظ، والسعادة، والغنى، ومنه ((تعالى جدك))؛ أي: علت عظمتك، ويجيء بمعنى أب الأب.

19. دعاء السجود

19 - دُعَاءُ السُّجُودِ 41 - (1) ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى)) (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) (¬1). - صحابي الحديث هو حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -. قوله: ((سبحان ربي الأعلى)) أي: أنزهه وأقدسه عن كل النقائص. قوله: ((ثلاث مرات)) أي: يقولها ثلاث مرات. ويستحب أهل العلم ألا ينقص الإنسان في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات، بل يزيد على ذلك. والحكمة في تخصيص الركوع بالعظيم والسجود بالأعلى؛ أن السجود لمَّا كان فيه غاية التواضع، لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام كان أفضل من الركوع، فحسن تخصيصه بما فيه صيغة أفعل التفضيل، وهو الأعلى بخلاف العظيم. 42 - (2) ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي)) (¬2). تقدم شرحه؛ انظر حديث رقم (34). ¬

(¬1) أخرجه أهل السنن [أبو داود برقم (871)، والترمذي برقم (262)، والنسائي (1/ 190)، وابن ماجة برقم (888)]، وأحمد (5/ 382، 394)، وانظر: صحيح الترمذي (1/ 83). (ق). (¬2) البخاري ومسلم، وتقدم تخريجه برقم (34). (ق).

43 - (3) ((سُبُّوحٌ، قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ)) (¬1). تقدم شرحه؛ انظر حديث رقم (35). 44 - (4) ((اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخَالِقينَ)) (¬2). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قوله: ((وشق سمعه وبصره)) من الشَّق - بفتح الشين - أي: فلق وفتح، والشِّق - بكسر الشين - نصف الشيء. قوله: ((أحسن الخالقين)) أي: المقدرين والمصورين. 45 - (5) ((سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ، والمَلَكُوتِ، والكِبْرِيَاءِ، والعَظَمَةِ)) (¬3). تقدم شرحه؛ انظر حديث رقم (37). 46 - (6) ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلّهُ، وَأوَّلَهُ ¬

(¬1) مسلم (1/ 533)، وتقدم برقم (35). (ق). (¬2) مسلم (1/ 534) [برقم (771)] وغيره. (ق). (¬3) أبو داود (1/ 230) [برقم (873)]، وأحمد [(6/ 24)]،والنسائي [(2/ 191)]، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/ 166). (ق).

وآخِرَهُ، وعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((دِقَّه)) أي: قليله. قوله: ((جِلّه)) أي: كثيره. قوله: ((دقه وجله ... )) إلى آخره، تفصيل بعد إجمال؛ لأنه لما قال: ((اغفر لي ذنبي كله)) تناول جميع ذنوبه مجملاً، ثم فصله بقوله: دقه وجله ... ، وهذا أعظم بالاعتراف والإقرار بما اقْتُرِفَ. 47 - (7) ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوْذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) (¬2). - صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنها -. قال الخطابي - رحمه الله -: ((استعاذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضا والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له استعاذ به منه لا غير. ¬

(¬1) مسلم (1/ 350) [برقم (483)]. (ق). (¬2) مسلم (1/ 352) [برقم (486)]. (ق).

20. دعاء الجلسة بين السجدتين

ومعنى ذلك: الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب في حق عبادته، والثناء عليه)). قوله: ((أعوذ بك منك)) أي: أعوذ بك من سخطك، أو من عذابك. قوله: ((لا أحصي ثناء عليك)) أي: لا أطيقه ولا أبلغه. قوله: ((أنت كما أثنيت على نفسك)) اعتراف بالعجز عن الثناء، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، فكما أنه لا نهاية لصفاته فكذلك لا نهاية للثناء عليه؛ لأن الثناء تابع للمثنى عليه. فكل ثناء أثنى به عليه - وإن كثر، وطال، وبالغ فيه - فقدر الله أعظم، وسلطانه أعز، وصفاته أكثر وأكبر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ. 20 - دُعَاءُ الجَلسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَينِ 48 - (1) ((رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ لِي)) (¬1). - صحابي الحديث هو حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -. جاء في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل، وقيامه الطويل بالبقرة، والنساء، وآل عمران، وركوعه الذي هو نحو قيامه، وسجوده نحو ذلك .. ، وأنه كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي ... ، ويجلس بقدر سجوده. ¬

(¬1) أبو داود (1/ 231) [برقم (874)]، وانظر صحيح ابن ماجه (1/ 148). (ق).

وهذا يدل على أنه كان يقول: ((رب اغفر لي)) أكثر من المرتين المذكورتين في الحديث، بل كان يكرر ويلح في طلب المغفرة. 49 - (2) ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَاجْبُرنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي، وارْفَعْنِي)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. قوله: ((اللهم اغفر لي)) أي: ذنوبي أو تقصيري في طاعتك. قوله: ((وارحمني)) أي: من عندك لا بعملي، أو ارحمني بقبول عبادتي. قوله: ((واهدني)) أي: وفقني لصالح الأعمال. قوله: ((واجبرني)) من جبر العظم المكسور، لا من الجبر الذي هو القهر؛ والمعنى: أن تسدّ مفاقري، وتغنني. قوله: ((وعافني)) أي: من البلاء في الدارين، أو من الأمراض الظاهرة والباطنة. قوله: ((وارزقني)) أي: بفضلك وَمَنّك. قوله: ((وارفعني)) أي: في الدارين بالعلم النافع والعمل الصالح. ¬

(¬1) أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي [أبو داود برقم (850)، والترمذي برقم (284)، وابن ماجة برقم (898)]، وانظر صحيح الترمذي (1/ 90)، وصحيح ابن ماجة (1/ 148). (ق).

21. دعاء سجود التلاوة

21 - دُعَاءُ سُجُوْدِ التِّلاوَةِ 50 - (1) ((سَجَدَ وَجْهِيَ للَّذِي خَلَقَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ})) (¬1). - صحابية الحديث هي عائشة رَضِيَ اللهُ عَنهَا. قوله: ((للذي خلقه وشق سمعه وبصره)) تخصيص بعد تعميم؛ أي: فتحهما وأعطاهما الإدراك. قوله: ((بحوله)) أي: بتحويله وصرفه الآفات عنهما. قوله: ((وقوته)) أي: قدرته بالثبات والإعانة عليهما. 51 - (2) ((اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أجْراً، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرَاً، واْجعَلْهَا لِي عِنْدِكَ ذُخْراً، وتَقَبَّلَهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ)) (¬2). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. قوله: ((اللهم اكتب لي)) أي: أثبت لي بها - أي: السجدة - ((أجراً)). قوله: ((وضع)) أي: حُطَّ. ¬

(¬1) الترمذي (2/ 474) [برقم (580)]، وأحمد (6/ 30)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/ 220)، والزيادة له. [والآية رقم 14 من سورة المؤمنين]. (ق). (¬2) الترمذي (2/ 473) [برقم (579)]، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/ 219). (ق).

قوله: ((وزراً)) أي: ذنباً. قوله: ((ذخراً)) أي: كنزاً، وقيل: أجراً؛ وكرر لأن مقام الدعاء يناسب الإطناب، وقيل: الأول طلب كتابة الأجر، وهذا طلب بقائه سالماً من محبط أو مبطل. قوله: ((كما تقبلتها من عبدك داود)) حين {خَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (¬1)؛ وهو طلب القبول المطلق. قال ابن حزم - رحمه الله - في ((المحلى)): ((في القرآن أربع عشرة سجدة؛ أولها في آخر ختمة سورة الأعراف، ثم في الرعد، ثم في النحل، ثم في سبحان [أي: الإسراء]، ثم في كهيعص [أي: مَريم]، ثم في الحج في الأولى، وليس قرب آخرها سجدة، ثم في الفرقان، ثم في النمل، ثم في ألم تنزيل [أي: السجدة]، ثم في ص، ثم في حم فصلت، ثم في والنجم في آخرها، ثم في إذا السماء انشقت عند قوله تعالى ((لا يسجدون))، ثم في اقرأ باسم ربك في آخرها)). [قال المصحح: والصواب: أن السجدات في القرآن خمس عشرة سجدة؛ لأن سورة الحج فيها سجدتان؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله، فُضِّلت سورة الحج بسجدتين؟ قال: ((نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)) (¬2)]. ¬

(¬1) سورة ص, الآية: 24. (¬2) [أبو داود، برقم (1402)، والترمذي برقم (578)، وحسَّنه العلامة الألباني - رحمه الله - في ((صحيح سنن أبي داود (1/ 388)، وفي صحيح سنن الترمذي (1/ 319) (المصحح).

قال ابن قدامة في ((المغني)): ((يشترط للسجود ما يشترط لصلاة النافلة؛ من الطهارتين من الحدث والنجس، وستر العورة، واستقبال القبلة، والنية، ولا نعلم فيه خلافاً، إلا ما رُوي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في الحائض تسمع السجدة تومئ برأسها، وبه قال سعيد ابن المسيب، قال: ويقول: اللهم لك سَجَدتُ ... ، وعن الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء: يسجد حيث كان وجهه، ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور))؛ فيدخل في عمومه السجود، ولأنه صلاة فيشترط له ذلك كذات الركوع)). أ. هـ. وقال الشوكاني - رحمه الله - في ((النيل)): ((ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئاً، وهكذا ليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار طهارة الثياب والمكان، وأما ستر العورة، واستقبال القبلة مع الإمكان؛ فقيل: إنه معتبر اتفاقاً، قال ابن حجر في ((الفتح)): لم يوافق ابن عمر - رضي الله عنه - أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي، أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح، وأخرج أيضاً عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء إلى غير القبلة، وهو يمشي يومئ إيماءً)) انتهى بتصرف. قلت: والأقرب إلى الصواب فيما يظهر لي؛ الأخذ بما قاله ابن قدامة - رحمه الله -، والله أعلم.

22. التشهد

وأزيد أيضاً على ما ذكره من الشروط أمراً، وهو عدم فعلها في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها. [قال المصحح: والصواب: أن سجود التلاوة لا يشترط له ما يشترط لصلاة النفل: من الطهارة عن الحدث والنجس، وستر العورة، واستقبال القبلة، ولكن يُستحب ذلك وهو الأفضل، كما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم، والشيخ ابن باز، وابن عثيمين رحمهم الله تعالى، أما الجنب فلا يقرأ شيئاً من القرآن حتى يتطهر (¬1)؛ ولهذا كان ابن عمر - رضي الله عنهما -، مع شدة اتباعه للسنة ((ينزل عن راحلته فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد)) (¬2)]. 22 - التَّشَهُّدُ هو قوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ ولأن هذا الجزء هو الأشرف من هذا الذكر سمي به. 52 - ((التَّحيَّاتُ لِلَّه، والصَّلواتُ، والطِّيِّباتُ، السَّلامُ عَليْكَ أيُّها النَّبيُّ ورَحمةُ اللَّهِ وبَركاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وعَلَى ¬

(¬1) [انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (23/ 165 - 170)، وتهذيب السنن لابن القيم (14/ 53 - 56)، ومجموع فتاوى ابن باز، (11/ 406 - 415)، والشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (4/ 126)، وتمام المنة في التعليق على فقه السنة للألباني (ص 270)] (المصحح). (¬2) البخاري بصيغة الجزم، في كتاب سجود القرآن، باب سجود المسلمين مع المشركين. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/ 645): ((وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح))]. (المصحح).

عِبَادِ اللَّهِ الصَّالحينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأشْهَدُ أنَّ مُحمداً عَبْدُهُ ورَسُولُه)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. قوله: ((التحيات)) جمع تحية؛ ومعناها السلام، وقيل: البقاء، وقيل: العظمة، وقيل: الملك. قال المحب الطبري - رحمه الله -: ((يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركاً بين هذه المعاني)). وقال الخطابي والبغوي - رحمهما الله -: ((المراد بالتحيات لله أنواع التعظيم له)). قوله: ((الصلوات)) قيل: المراد الخمس، أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل، وقيل: العبادات كلها. قوله: ((الطيبات)) أي: ما طاب من الكلام، وحسن أن يثنى به على الله - تعالى - دون ما لا يليق بصفاته، وقيل: الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء، وقيل: الأعمال الصالحة، وهو أعم. قوله: ((السلام عليك أيها النبي)) السلام بمعنى السلامة، والسلام من أسماء الله تعالى؛ والمعنى أنه سالم من كل عيب وآفة ونقص وفساد؛ ¬

(¬1) البخاري مع ((الفتح)) (2/ 311) [برقم (831)،] ومسلم (1/ 301) [برقم (402)]. (ق).

ومعنى قولنا: السلام عليك ... الدعاء؛ أي: سلمت من المكاره، وقيل: معناه اسم الله عليك. وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمان حياته - صلى الله عليه وسلم -، وزمان وفاته - صلى الله عليه وسلم -. وهو قوله - رضي الله عنه -: ((وهو بين ظهرانينا، فلما قُبض قلنا: السلام على النبي)). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((هذه الزيادة ظاهرها أنهم كانوا يقولون: ((السلام عليك أيها النبي)) بكاف الخطاب في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - تركوا الخطاب، وذكروه بلفظ الغيبة؛ فصاروا يقولون: ((السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -)). وقال العلامة الألباني - رحمه الله - في ((الصفة)): ((وقول ابن مسعود: ((قلنا: السلام على النبي))؛ يعني: أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يقولون ((السلام عليك أيها النبي)) في التشهد والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي، فلما مات عدلوا عن ذلك، وقالوا: ((السلام على النبي)) ولا بد أن يكون ذلك بتوقيف منه - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيده أن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنهَا كذلك كانت تعلمهم التشهد في الصلاة: ((السلام على النبي)). قلت: في ظاهر ما نقلته عن العالمين الفاضلين ما يدل على اتفاق الصحابة على ما ذكروه ... ولكن فيما يظهر لي في هذه المسألة: أن أقل ما يقال فيها: أنها مسألة مختلف فيها، وأما الراجح:

فالراجح الأخذ بصفة التشهد الذي كان ينطق به النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته - صلى الله عليه وسلم - وفعله كثير من الصحابة بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -؛ كمثل ما ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬1) أنه كان يخطب على المنبر يعلم الناس التشهد، يقول: قولوا: ... السلام عليك أيها النبي، وكلهم يسمع الخطبة ويتعلم من عمر - رضي الله عنه - صفة التشهد ولا ينكر عليه أحد، والصحابة متوافرون في زمنه - رضي الله عنه - وأيضاً ما جاء عن عائشة - رضي الله عنها -، وعن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، وأبي موسى الأشعري - رضي الله عنهم - أجمعين. وقال الطيبي - رحمه الله -: ((نحن نتبع لفظ الرسول الذي كان علَّمه الصحابة))، والله أعلم. [قال المصحح: وهذا هو الصواب وهو أن المصلي يقول في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)) بلفظ المخاطب الحاضر: ((السلام عليك أيها النبي)) قال العلامة البسام رحمه الله: ((لم يقصد بهذه الكاف ((عليك)) المخاطب الحاضر، وإنما قصد بها مجرد السلام: سواء كان حاضراً أو غائباً، بعيداً أو قريباً، حياً أو ميتاً؛ ولذا فإنها تُقال سراً، وإنما اختص النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخطاب، لقوة استحضار المرء هذا السلام الذي كأن صاحبه حاضراً، واختص - صلى الله عليه وسلم - بكاف الخطاب بالصلاة، وكل ¬

(¬1) انظر الموطأ برقم (202). (م).

23. الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد

هذا من علو شأنه، ومن رفع ذكره واسمه)) (¬1)]. قوله: ((ورحمة الله)) إحسانه ورأفته. [قال المصحح: وهذا تأويل فاسد، والصواب أن الرحمة هنا: صفةٌ لله تعالى تليق بجلاله يرحم بها عباده، وينعم عليهم] (¬2). قوله: ((وبركاته)) أي: زيادته من كل خير. قوله: ((السلام علينا)) استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء. قوله: ((وعلى عباد الله الصالحين)) الأشهر في تفسير الصالح؛ أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وتتفاوت درجاته. قال الحكيم الترمذي - رحمه الله -: ((من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبداً صالحاً، وإلا حُرِمَ هذا الفضل العظيم)). 23 - الصَّلاةُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ التَّشهُّدِ 53 - (1) ((اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمَّدٍ وعلَى آلِ مُحمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إبْرَاهِيْمَ وعَلَى آلِ إبراهِيْمَ، إنَّكَ حَميدٌ ¬

(¬1) توضح الأحكام للبسام (2/ 97) (المصحح). (¬2) [انظر شرح العقيدة الواسطية مع شرحها لابن عثيمين (ص 205)، والعقيدة الواسطية مع شرحها لمحمد خليل الهراس (ص 106)، وتوضح الأحكام من بلوغ المرام، للبسام (2/ 97)] (المصحح).

مَجيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحمَّدٍ وعَلى آلِ مُحمَّدٍ، كمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهِيْمَ وعَلَى آلِ إبْراهيمَ، إنَّك حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)) (¬1). - صحابي الحديث هو كعب بن عُجرة - رضي الله عنه -. 54 - (2) ((اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وعَلَى أزواجِهِ وذُرِّيتهِ، كمَا صَلَّيْتَ علَى آلِ إبْراهيمَ، وبَارِكْ عَلى مُحمَّدٍ، وَعَلَى أزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ، كمَا بَاركْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيْمَ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو حميد الساعدي المنذر بن سعد بن المنذر - رضي الله عنه -. قوله: ((اللهم صلِّ على محمد)) قال ابن الأثير - رحمه الله - في ((النهاية)): ((معناه: عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته))، وقيل: المعنى لما أمر الله - تعالى - بالصلاة عليه، ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله، وقلنا: اللهم صل أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق به. ¬

(¬1) البخاري مع ((الفتح)) (6/ 408) [برقم (3370)]. (ق). (¬2) البخاري مع ((الفتح)) (6/ 407) [برقم (3369)]، ومسلم (1/ 306) [برقم (407)]، واللفظ له. (ق).

وقيل: صلاة الله - سبحانه - على محمد رسوله وعبده؛ هي ذكره في الملأ الأعلى. قال الخطابي - رحمه الله -: ((الصلاة التي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره، والتي بمعنى الدعاء والتبرك تقال لغيره؛ ومنه الحديث: ((اللهم صلِّ على آل أبي أوفى)) (¬1) أي: ترحم وبرك)). قوله: ((على آل محمد)) قال ابن الأثير - رحمه الله - في ((النهاية)): ((اختلف في آل النبي - صلى الله عليه وسلم - فالأكثر على أنهم أهل بيته، قال الشافعي: دل هذا الحديث - يعني حديث: لا تحل الصدقة لمحمد وآل محمد (¬2)، أن آل محمد هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وعُوِّضوا منها الخمس، وهم صليبة بني هاشم وبني المطلب، [و] قيل: آله أصحابه ومن آمن به، وفي اللغة يقع على الجميع)). [قال المصحح: والصواب: أن ((آله صلى الله عليه وسلم)) إذا ذكرت وحدها أو مع أصحابه، فإنها تكون بمعنى أتباعه على دينه منذ بُعث إلى يوم القيامة، أما إذا قرنت بالأتباع، فقيل: ((آله وأتباعه)) فالآل: هم المؤمنون من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3)]. ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (1497)، ومسلم برقم (1078). (م). (¬2) رواه أبو داود برقم (1650)، والترمذي برقم (657). (م). (¬3) [انظر: شرح العقيدة الواسطة لابن عثيمين (ص 34)، وتوضيح الأحكام للبسام (2/ 105)] (المصحح).

قوله: ((وعلى أزواجه وذريته)) أي: نسله؛ وهم هنا أولاد فاطمة - رضي الله عنها -، وكذا غيرها من البنات، ولكن بعضهن لم يعقب وبعضهن انقطع عقبه. قوله: ((كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) اشتهر الخلاف والتساؤل بين العلماء عن وجه التشبيه في قوله: ((كما صليت))؛ لأن المقرر أن المشبه دون المشبه به، والواقع هنا عكسه؛ إذ أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - أفضل من إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وقضية كونه أفضل؛ أن تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل. واستحسن كثير من العلماء قول من قال: ((إن آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم، فإذا طُلب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولآله من الصلاة عليه مثل ما لإبراهيم وآله وفيهم الأنبياء؛ حصل لآل محمد من ذلك ما يليق بهم؛ فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي للأنبياء - وفيهم إبراهيم - لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فيحصل له من المزية ما لا يحصل لغيره)). قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - معلقاً على هذا القول: ((وهذا أحسن ما قيل، وأحسن منه أن يقال: محمد - صلى الله عليه وسلم - هو من آل إبراهيم، بل هو خير آل إبراهيم، كما روى علي بن طلحة عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (¬1)؛ قال ابن عباس: ((محمد من آل إبراهيم))، وهذا نص [فإنه] ¬

(¬1) سورة آل عمران, الآية: 33.

إذا دخل (¬1) غيره من الأنبياء الذين هم من ذرية إبراهيم في آله؛ فدخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى؛ فيكون قولنا: ((كما صليت على آل إبراهيم)) متناولاً للصلاة عليه وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم، ثم قد أمرنا الله تعالى أن نصلي عليه وعلى آله خصوصاً؛ بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموماً وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له - صلى الله عليه وسلم -. قال: ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم أكمل من الصلاة الحاصلة له دونهم، فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم الذي هو أفضل مما لإبراهيم قطعاً، ويظهر حينئذ فائدة التشبيه وجريه على أصله، وأن المطلوب له من الصلاة بهذا اللفظ أعظم من المطلوب له بغيره؛ فإنه إذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به، وله أوفر نصيب منه؛ صار له من المشبه المطلوب أكثر مما لإبراهيم وغيره، وانضاف إلى ذلك مما له من المشبه به من الحصة التي لم تحصل لغيره، فظهر بهذا من فضله وشرفه على إبراهيم، وعلى كلٍّ من آله - وفيهم النبيون - ما هو اللائق به، وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له، وهي من موجباته ومقتضياته)). قوله: ((بارك)) من البركة؛ وهي الزيادة والثبوت والدوام؛ أي: أدم شرفه وكرامته وتعظيمه وزد له في ذلك. ¬

(¬1) [انظر: جلاء الأفهام، لابن القيم (ص 290) (المصحح)].

24. الدعاء بعد التشهد الأخير قبل السلام

قوله: ((إنك حميد)) أي: محمود الأفعال والصفات، مستحق لجميع المحامد، ((مجيد)) أي: عظيم كريم. 24 - الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ قَبْلَ السَّلامِ 55 - (1) ((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحيَا والمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((المحيا)) بمعنى الحياة، و ((الممات)) بمعنى الموت، وفتنة الحياة التي تعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا، والشهوات، والجهالات، وأشدها وأعظمها - والعياذ بالله - أمر الخاتمة عند الموت، واختلفوا في فتنة الممات، قيل: فتنة القبر، وقيل: يحتمل أن يراد به الفتنة عند الاحتضار؛ أضاف الفتنة إلى الموت لقربها منه. وإذا كان المراد من قوله: ((وفتنة الممات)) فتنة القبر فيفهم منه التكرار؛ لأن قوله: من عذاب القبر يدل على هذا. ¬

(¬1) البخاري (2/ 102)، لعله يقصد حديث برقم (832) وهو عن عائشة - رضي الله عنها -، وسيأتي بعد هذا الحديث، وأما هذا الحديث فقد تفرد به مسلم، [قال المصحح: لقد وهم الشارح، والصواب أن الحديث أخرجه البخاري، برقم 1377]، ومسلم (1/ 412) [برقم (588)] واللفظ لمسلم. (المصحح).

والظاهر أن ليس فيه تكرار؛ لأن العذاب يزيد على الفتنة، والفتنة سبب له. قوله: ((المسيح الدجال)) أما تسميته بالمسيح؛ فلأن الخير مُسِحَ منه، فهو مسيح الضلالة، وقيل: سمي به؛ لأن عينه الواحدة ممسوحة، ويقال: رجل ممسوح الوجه ومسيح، وهو أن لا يبقى على أحد شِقَّي وَجْهِهِ عينٌ، ولا حاجب إلا استوى، وقيل: لأنه يمسح الأرض؛ أي: يقطعها. وقيل: إنه الذي مُسح خَلْقهُ؛ أي: شُوهَ، فكأنه هرب من الالتباس بالمسيح ابن مريم - عليهما السلام - ولا التباس؛ لأن عيسى - عليه السلام - إنما سمي مسيحاً؛ لأنه كان لا يمسح بيده المباركة ذا عاهة إلا برأ، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بدهن، وقيل: المسيح الصديق. وأما تسميته بالدجال؛ فلأنه خدَّاع، ملبِّس. والدجل: الخلط، ويقال: الطلي والتغطية، ودجلة نهر بغداد، سميت بذلك؛ لأنها تغطي الأرض بمائها، وهذا المعنى - أيضاً - في الدجال؛ لأنه يغطي الأرض بكثرة أتباعه، وقيل: لأنه مطموس العين من قولهم: دجل الأثر، إذا عفى ودرس، وقيل: من دجل؛ أي: كذب؛ والدجال: الكذاب. وفائدة التعوذ من شر الدجال في ذلك الوقت، مع علمه بأن الدجال

متأخر عن ذلك الزمان بكثير؛ أن ينتشر الخبر، ويشيع بين الأمة من جيل إلى جيل، وجماعة إلى جماعة بأنه كذاب، مبطل، مفتري، ساعٍ على وجه الأرض بالفساد، ومموه ساحر، حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه، ويتحقق أمره، ويعرفوا أنه على الباطل، كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 56 - (2) ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ المَأثَمِ والمَغْرَمِ)) (¬1). - صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنها -. وجاء فيه؛ أنه قال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله، فقال: ((إن الرجل إذا غرم، حدث فكذب، ووعد فأخلف)). قوله: ((المأثم)) معناه: الإثم. وقوله: ((المغرم)) هو الغُرم، وهو الدَّين، وقيل: الغرم والمغرم ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه. قوله: ((قال له قائل ... )) وإنما سأل هذا عن وجه الحكمة في كثرة ¬

(¬1) البخاري (2/ 102) [برقم (832)]، ومسلم واللفظ له، (1/ 412) [برقم (589)]. (ق).

استعاذته - صلى الله عليه وسلم - من المغرم؛ فأجاب رسول الله بأن الرجل إذا غرم، أي: إذا لحقه دين حدَّث فكذب، بأن يتعلل لصاحب الدَّين بعلل شتَّى، وهو كاذب فيها، وغرضه الدفع، ووعد فأخلف، بأن يقول: أوفي حقك اليوم الفلاني، والساعة الفلانية، ولم يوفه، فيقترف من أجل الدين الكذب، والخلف في الوعد، وهذا من صفات المنافقين - نعوذ بالله من ذلك -. وكلمة ((ما)) في قوله: ((ما أكثر ما تستعيذ)) للتعجب؛ أي: ما أكثر استعاذتك من المغرم. 57 - (3) ((اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثيراً، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وارْحَمْنِي إنَّك أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -. قوله: ((ظلماً كثيراً)) بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم ((كبيراً)) بالباء الموحدة، وكلاهما حسن، وقال النووي - رحمه الله - في ((الأذكار)): ((ينبغي أن يجمع بينهما، فيقال: ظلماً كثيراً كبيراً)). أو يأتي بهذه أحياناً وبالأخرى أحياناً. ¬

(¬1) البخاري (8/ 168) [برقم (7387)]، ومسلم (4/ 2078) [برقم (2705)]. (ق).

وفي هذا دليل على أن الإنسان لا يعرى من ذنب وتقصير؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((استقيموا ولن تحصوا)) (¬1)، وفي الحديث: ((كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)) (¬2). قوله: ((لا يغفر الذنوب إلا أنت)) إقرار بوحدانية الله تعالى، واستجلاب لمغفرته بهذا الإقرار، كما قال تعالى في الحديث القدسي: ((عَلِمَ أنَّ له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب)) (¬3). وفي هذا امتثال لما أثنى الله عليه في قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. (¬4). فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا يغفر الذنوب إلا أنت))؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}. قوله: ((فاغفر لي مغفرة)) إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها من عند الله تعالى، لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره، فهي رحمة من عنده سبحانه. قوله: ((إنك أنت الغفور الرحيم)) من باب المقابلة، والختم للكلام، ¬

(¬1) رواه أحمد (5/ 277، 282)، وابن ماجة برقم (277)، وصححه الألباني، انظر ((الإرواء)) برقم (412). (م). (¬2) رواه أحمد (3/ 198)، والترمذي برقم (2499)، وابن ماجه برقم (4251)، وحسنه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (4515). (م). (¬3) رواه البخاري برقم (7507)، ومسلم برقم (2758). (م). (¬4) سورة آل عمران, الآية: 135.

فالغفور مقابل لقوله: ((اغفر لي))، والرحيم مقابل لقوله: ((ارحمني)). 58 - (4) ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، ومَا أخَّرْتُ، ومَا أسْرَرْتُ، ومَا أعْلَنْتُ، ومَا أسْرَفْتُ، ومَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأنْتَ المُؤَخِّرُ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. أقول: هذا أيضاً لتعليم الأمة، ولتعظيم الله سبحانه وتعالى، حيث لم يقطع سؤاله منه. قوله: ((ما قدمت)) أي: من الذنوب. قوله: ((وما أخرت))، أي: من الطاعات، [وقيل: إن وقع مني ذنب فاغفره لي] (¬2). قوله: ((وما أسرفت)) أي: وما أكثرت من الذنوب والخطايا، والأوزار والآثام. قوله: ((أنت المقدِّم وأنت المؤخر)) معنى التقديم والتأخير فيهما هو تنزل الأشياء منازلها، وترتيبها في التكوين والتفضيل، وغير ذلك على ما تقتضيه الحكمة. ¬

(¬1) مسلم (1/ 534) [برقم (771)]. (ق). (¬2) [مرقاة المفاتيح (2/ 534)]. [المصحح].

59 - (5) ((اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو معاذ بن جبل - رضي الله عنه -. قوله: ((ذكرك)) يشتمل جميع أنواع الثناء حتى قراءة القرآن، والاشتغال بالعلم الديني. وإنما قدم الذكر على الشكر؛ لأن العبد إذا لم يكن ذاكراً لم يكن شاكراً، كما قدم في قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي} (¬2). قوله: ((وحسن عبادتك)) قيد بالحسن؛ لأن العبادة الحسنة هي العبادة الخالصة، فالعبادة إذا لم تكن خالصة [صواباً على السنة] لا تقبل، ولا تنفع صاحبها. 60 - (6) ((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَلِ العُمْرِ، وأعُوْذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)) (¬3). - صحابي الحديث هو سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -. ¬

(¬1) أبو داود (2/ 86) [برقم (1522)]،والنسائي (3/ 53)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/ 284). (ق). (¬2) سورة البقرة, الآية: 152. (¬3) البخاري مع الفتح (6/ 35) [برقم (2822)]. (ق).

قوله: ((البخل)) أي: منع إنفاق المال، بعد الحصول عليه، وحبه وإمساكه. قوله: ((الجبن)) أي: تَهَيُّب الإقدام على ما لا ينبغي أن يُخاف. قوله: ((أن أردَّ إلى أرذلِ العمر)) هو البلوغ إلى حد في الهرم، يعود معه كالطفل؛ في سخف العقل، وقلة الفهم، وضعف القوة. والأرذل: هو الرَّديء من كل شيء. قوله: ((فتنة الدنيا)) ومعنى الفتنة الاختبار، قال شعبة رحمه الله: ((يعني: فتنة الدَّجَّال))، وفي إطلاق الدنيا على الدجال، إشارة إلى أن فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدنيا، وقد ورد ذلك صريحاً في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم، أعظم من فتنة الدجال)) (¬1). ومعنى ((ذرأ)) خلق. قوله: ((عذاب القبر)) فيه إثبات لعذاب القبر؛ فأهل السنة والجماعة يؤمنون بفتنة القبر وعذابه ونعيمه؛ فأما الفتنة: فإن الناس يفتنون في قبورهم، فيقال للرجل: من ربك؟ ومَا دينك؟ ومَن نبيك؟ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (¬2)؛ فيقول المؤمن: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، وأما المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضرب بمرزبةٍ من حديد، فيصيح ¬

(¬1) رواه ابن ماجه برقم (4077)، وصححه الألباني، انظر قصة المسيح الدجال له (ص 49). (م). (¬2) سورة إبراهيم، الآية: 27.

صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين - الإنس والجن - ولو سمعوا لصعقوا (¬1)، ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب!! 61 - (7) ((اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. أي: اللهم إني أطلب منك الفوز بالجنة، وأن تجيرني من عذاب النار. ويتضمن هذا الدعاء طلب التوفيق والهداية إلى الأعمال الصالحة المبتغى بها وجه الله تعالى، التي هي سبب للفوز بالجنة، وطلب البعد عن الأعمال السيئة، التي هي سبب لعذاب النار. 62 - (8) ((اللَّهُمَّ بعِلْمِكَ الغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الخَلْقِ؛ أحْيِني مَا عَلِمْتَ الحَيَاةَ خَيْراً لِي، وتَوَفَّنِي إذَا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لي، اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، وأسْألُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا والغَضَبِ، وأسْألُكَ القَصْدَ فِي الغِنَى والفَقْرِ، وأسْألُكَ نَعِيماً لا يَنْفَدُ، وأسْألُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ ¬

(¬1) هذا معنى حديث رواه البخاري برقم (1338)، ومسلم برقم (2870). (م). (¬2) أبو داود [برقم (792)]، وابن ماجه، وانظر صحيح ابن ماجة (2/ 328). (ق).

لا تَنْقَطِعُ، وأسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ القَضَاءِ، وأسْألُكَ بَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وأسْألُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ولاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِيْنَةِ الإيْمَانِ، واجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عمار بن ياسر - رضي الله عنه -. قوله: ((ما علمت الحياة خيراً لي)) أي: إذا كانت الحياة خيراً لي في علمك للغيب، وكذلك التقدير في قوله: ((وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي)) أي: إذا كانت الوفاة خيراً لي في علمك. قوله: ((خشيتك في الغيب والشهادة)) أي: فيما غاب عني وفيما أشاهده، والمراد منه: الخشية في جميع الأحوال. قوله: ((كلمة الحق)) أي: التكلم بالحق؛ والمراد: العون والتوفيق على التكلم بالحق. قوله: ((في الرضا والغضب)) أي: في حالة الرضا وحالة الغضب، أو المعنى: عند رضاء الراضي، وعند غضب الغاضب. قوله: ((القصد)) القصد من الأمور؛ أي: المعتدل الذي لا يميل على أحد طرفي التفريط والإفراط؛ يعني: أسألك الاعتدال والوسط في الفقر ¬

(¬1) النسائي (4/ 54، 55)، وأحمد (4/ 364)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1/ 281). (ق).

والغنى، لا فقراً بالتفريط، ولا غنىً بالإفراط؛ لأن الفقر جداً يستدعي ترك الصبر، المؤدي إلى ارتكاب الطعن في التقدير، والتكلم بأنواع البشاعة، والغنى جداً يؤدي إلى الطغيان والفساد، وخير الأمور أوسطها. قوله: ((نعيماً لا ينفد)) أي: لا يفرغ، وهو نعيم الجنة. قوله: ((قرة عين لا تنقطع)) كناية عن السرور والفرح، يقال: قرَّتْ عيناه؛ أي: سر بذلك وفرح، وقيل معناه: بلوغ الأمنية حتى ترضى النفس، وتسكن العين، ولا تستشرف إلى غيره. قوله: ((وأسألك الرضا بعد القضاء)) أي: بعد قضائك عليَّ بشيء من الخير والشر؛ أما في الخير فيرضى به ويقنع به، ولا يتكلف في طلب الزيادة، ويشكر على ما أوتي به، وأما في الشر فيصبر عليه ولا يكفر. قوله: ((وأسألك برد العيش بعد الموت)) كناية عن الراحة بعد الموت. قوله: ((وأسألك لذة النظر إلى وجهك)) إنما سأل هنا لذة النظر ولم يكتف بسؤال النظر، مبالغة في الرؤية وكثرتها؛ لأنه فرق بين رؤية ورؤية. قوله: ((والشوق)) أي: أسألك لذة الشوق إلى لقائك؛ والشوق هو تعلق النفس بالشيء. قوله: ((في غير ضراء)) متعلق بقوله: ((أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي)) أي: أحيني إذا أردت حياتي في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، وتوفني إذا أردت وفاتي في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة عند الموت. والضراء: الحالة التي تضر، وهي نقيض السراء.

ووصف الضراء بالمضرة، والفتنة بالمضلة للتأكيد والمبالغة. قوله: ((اللهم زينا بزينة الإيمان)) أي: بشرائعه؛ لأن الشرائع زينة الإيمان؛ يعني: وفقنا لأداء طاعتك وإقامة شرائعك، حتى تكون لنا زينة في الدنيا والآخرة. قوله: ((هداة)) جمع هادي؛ أي: اجمع لنا فينا بين الهدى والاهتداء. 63 - (9) ((اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ يَا أللهُ بأنَّكَ الوَاحِدُ الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، أنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو مِحْجَن بن الأرْدَع - رضي الله عنه -. قوله: ((بأنك)) الباء سببية؛ أي: بسبب أنك الواحد. قوله: ((الواحد الأحد)) لا فرق بين الواحد والأحد؛ أي: الفرد الذي لا نظير له، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله تعالى؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله. قوله: ((الصمد)) هو الذي يُصمد إليه في الحاجات؛ أي: يقصد لكونه قادراً على قضائها، قال الزجاج رحمه الله: ((الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد، فلا سيد فوقه))، وقيل: هو المستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه ¬

(¬1) أخرجه النسائي بلفظه (3/ 52)، وأحمد (4/ 238)، وصححه الألباني ففي ((صحيح النسائي)) (1/ 280). (ق).

كل أحد، وقيل: هو الذي لا جوف له؛ قال الشعبي رحمه الله: ((هو الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب)). قوله: ((الذي لم يلد ولم يولد)) أي: ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة. قوله: ((كفواً)) أي: مثلاً ونداً ونظيراً. 64 - (10) ((اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بأنَّ لَكَ الحَمْدَ، لَا إلَهَ إلاَّ أنْتَ، وَحْدَكَ لا شَرِيْكَ لَكَ، المَنَّانُ، يَا بَدِيْعَ السَّمَاواتِ والأرْضِ، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إنِّي أسْألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. قوله: ((المنان)) أي: كثير العطاء، من المنة بمعنى النعمة، والمنة مذمومة من الخلق؛ لأنهم لا يملكون شيئاً، قال صاحب ((الصحاح)): ((مَن عليه هنا؛ أي: أنعم، والمنان من أسماء الله تعالى)). قوله: ((يا بديع السموات والأرض)) أي: مبدعها ومخترعها لا على مثال سبق. قوله: ((يا ذا الجلال والإكرام)) أي: صاحب العظمة والسلطان ¬

(¬1) رواه أهل السنن [أبو داود برقم (1495)، والنسائي (3/ 52)، وابن ماجة برقم (3858)، أما الترمذي فلم أقف عليه عنده]، [قال المصحح: هو عند الترمذي، برقم (3544)]، وانظر: ((صحيح ابن ماجه)) (2/ 329). (ق).

والإنعام والإحسان. وجاء في نهاية الحديث؛ قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد دعا الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعْطَى)). قال الطيبي - رحمه الله -: ((فيه دلالة على أن لله تعالى اسماً أعظم إذا دعي به أجاب)). قال الشوكاني - رحمه الله -: ((قد اختلف في تعيين الاسم الأعظم على نحو أربعين قولاً)). قال ابن حجر - رحمه الله -: ((وأرجحها من حيث السند: الله لا إله إلا هو الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد)). وقال الجزري - رحمه الله -: ((وعندي أن الاسم الأعظم: لا إله إلا هو الحي القيوم)). ورجح ذلك ابن القيم وغيره، والله أعلم. 65 - (11) ((اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بأَنِّي أشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ)) (¬1). ¬

(¬1) أبو داود (2/ 62) [برقم (1493)]، والترمذي (5/ 515) [برقم (3475)]، وابن ماجة (2/ 1267) [برقم (3857]، وأحمد (5/ 360)، وانظر ((صحيح ابن ماجة)) (2/ 329)، و ((صحيح الترمذي)) (3/ 163). (ق).

25. الأذكار بعد السلام من الصلاة

- صحابي الحديث هو بريدة بن الحُصَيْب الأسلمي - رضي الله عنه -. قد تقدم شرحه قريباً؛ انظر شرح حديث رقم (63). 25 - الأذْكَارُ بَعْدَ السَّلاَمِ مِنَ الصَّلاَةِ 66 - (1) ((أسْتَغْفِرُ اللهَ - ثَلاثاً - اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو ثَوبان الهاشمي - رضي الله عنه -. قوله: ((أستغفر الله ثلاثاً)) أي: ثلاث مرات؛ قيل للأوزاعي - وهو أحد رواة الحديث -: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله. قوله: ((أنت السلام)) أي: السالم من المعايب والحوادث، والتغير والآفات، وهو اسم من أسماء الله تعالى؛ فالله هو السلام، وصف به نفسه في كونه سليماً من النقائص، أو في إعطائه السلامة. قوله: ((ومنك السلام)) أي: السلامة، والمعنى: أنه منك يرجى ويستوهب ويستفاد. قوله: ((تباركت)) أي: تعاليت وتعاظمت، وأصل المعنى: كثرت خيراتك واتسعت، وقيل معناه: البقاء والدوام. ¬

(¬1) مسلم (1/ 414) [برقم (591)]. (ق).

قوله: ((يا ذا الجلال والإكرام)) أي: المستحق لأن يهاب لسلطانه وجلاله، ويثنى عليه بما يليق بعلو شأنه، والجلال مصدر الجليل، يقال: جليل بيِّنُ الجلالة؛ والجلال: عِظَم القدر؛ فالمعنى: أن الله تعالى مستحق أن يُجَلَّ ويكرم، فلا يجحد، ولا يكفر به، وهو الرب الذي يستحق على عباده الإجلال والإكرام. 67 - (2) ((لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ [ثلاثاً]، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، ولاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ)) (¬1). - صحابي الحديث هو المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -. قوله: ((لا مانع لما أعطيت)) أي: لا أحد يقدر على منع ما أعطيت أحداً من عبادك، فإذا أراد الله تعالى أن يعطي أحداً شيئاً، واجتمع الإنس والجن على منعه، لعجزوا عن ذلك. قوله: ((ولا معطي لما منعت)) أي: ولا أحد يقدر على إعطاء ما منعت. قوله: ((ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) أي: لا يمنع ذا الغنى غناؤه من عذابك. ¬

(¬1) البخاري (1/ 255) [برقم (844)]، ومسلم (1/ 414) [برقم (593)]. وما بين المعقوفين زيادة من البخاري، برقم 6473. (ق).

68 - (3) ((لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَلا نَعْبُدُ إلاَّ إيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ ولَهُ الفَضْلُ ولَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّيْنَ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه -. قوله: ((ولا نعبد إلا إياه)) أي: عبادتنا مقصورة على الله تعالى، غير متجاوز عنه. قوله: ((له النعمة)) أي: النعمة الظاهرة والباطنة، وهي بكسر النون، ما أنعم به من رزق ومال وغيره، وأما بفتحها: فهي المسَرَّة والفرح وطيب العيش. قوله: ((وله الفضل)) أي: في كل شيء، {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (¬2). قوله: ((وله الثناء الحسن)) والثناء يشمل أنواع الحمد والمدح والشكر. والثناء على الله تعالى كله حسن، وإن لم يوصف بالحسن. ¬

(¬1) مسلم (1/ 415) [برقم (594)]. (ق). (¬2) سورة البقرة, الآية: 105.

والمراد بـ ((الدين)): التوحيد. قوله: ((ولو كره الكافرون)) أي: وإن كره الكافرون كوننا مخلصين الدين لله، وكوننا عابدين. 69 - (4) ((سُبْحَانَ اللَّهِ، والحَمْدُ للهِ، واللهُ أكْبَرُ (ثَلاثاً وثَلاثِينَ) لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. وجاء فيه: ((فتلك تسعة وتسعون، وتمام المئة: لا إله إلا الله ... )). وجاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في فضل هذا الذكر وصفته: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا، والنعيم المقيم؛ يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم؛ إلا من صنع مثل ما صنعتم؟))، قالوا: بلى ¬

(¬1) مسلم (1/ 418) [برقم (597)]، ((من قال ذلك دبر كل صلاة غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)). (ق). وقوله: زبد البحر أي: كرغوة البحر، وهذا خارج مخرج المبالغة؛ أي: لو فرض أن لذنوبه أجساماً، وكانت مثل زبد البحر يغفرها الله بهذا القول. (م).

يا رسول الله، قال: ((تسبحون، وتحمدون، وتكبرون، خلف كلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين)). قال أبو صالح: يقول: ((سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاثاً وثلاثين)) (¬1). قوله: ((الدثور)) جمع دثر؛ وهو المال الكثير، ويقع على: الواحد، والإثنين، والجمع. قوله: ((بالدرجات العلا)) أي: إنهم حصَّلُوا الدرجات العلا، والنعيم المقيم وهو الجنة، بسبب حجهم وعمرتهم وجهادهم وصدقاتهم، وذلك كله بسبب قدرتهم على الدنيا، ونحن ما لنا دنيا!! فكيف نعمل حتى ندركهم؟ فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أعلمكم ... )) إلى آخره؛ يعني: متى قلتم هذا القول تدركونهم وتشاركونهم فيما أوتوا به، وتسبقون به من بعدكم. قوله: ((كما نصلي)) أي: كصلاتنا بشرائطها مع الجماعة؛ والمعنى: إنهم شاركونا فيما نعمل من الصلاة والصوم، ولهم مزية علينا بأموالهم، حيث يحجون، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون بفضول أموالهم. قوله: ((ألا أعلمكم)) ألا كلمة تنبيه، تنبه المخاطب على أن الأمر عظيم الشأن. ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (843) , ومسلم برقم (595). (م).

قوله: ((تدركون)) أي: بذلك الشيء وبسببه. قوله: ((من سبقكم)) والمراد السبق المعنوي؛ وهو السبق في الفضيلة. قوله: ((من بعدكم)) أي: من بعدكم في الفضيلة ممن لا يعمل هذا العمل. قوله: ((ولا يكون أحد أفضل منكم)) يدل على ترجيح هذه الأذكار على غيرها من الأعمال. قوله: ((قال أبو صالح)) يعني: لما سُئل أبو صالح ذكوان السمان الزيات الراوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن كيفية ذكرها؟ قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاثاً وثلاثين؛ وهذا يقتضي أن يكون العدد في الجميع ثلاثاً وثلاثين مرة، بأن يقول: ((سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر))، هذه مرة، وهكذا حتى يصل إلى ثلاثٍ وثلاثين مرة. وذكر في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - من طريق آخر غير طريق أبي صالح: ((يسبح ثلاثاً وثلاثين - مستقلة - ويكبر ثلاثاً وثلاثين - مستقلة - ويحمد ثلاثاً وثلاثين - مستقلة -))، وهذا يقتضي أن يكون الجميع تسعة وتسعين. وحديث أبي صالح محمول على هذا؛ ولأجل هذا قال القاضي عياض رحمه الله: ((هذا أولى من تأويل أبي صالح)). وجاء في رواية: ((تسبحون في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدون عشراً،

وتكبرون عشراً)) (¬1)، وهذه الرواية لا تنافي رواية الأكثر. وفي رواية أن تمام المئة: ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) (¬2). وفي رواية: أن التكبيرات أربع وثلاثون (¬3). وكلها صحيحة ويجب قبولها، فينبغي على الإنسان أن يجمع بين الروايات من حيث العمل؛ فيعمل بهذه تارة وبهذه تارة وهكذا ... [قال المصحح: التسبيح، والتحميد، والتكبير أدبار الصلوات جاء على أنواع ستة على النحو الآتي: النوع الأول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر (ثلاثاً وثلاثين) ويختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (¬4). النوع الثاني: سبحان الله (ثلاثاً وثلاثين) الحمد لله (ثلاثاً وثلاثين) الله أكبر (أربعاً وثلاثين) (¬5). النوع الثالث: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر (ثلاثاً وثلاثين) (¬6). ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (6329). (م). (¬2) رواه مسلم برقم (597). (م). (¬3) رواه مسلم برقم (596). (م). (¬4) مسلم، برقم (597). (المصحح). (¬5) مسلم، برقم (596). (المصحح). (¬6) البخاري برقم (843)، ومسلم برقم (595) (المصحح).

النوع الرابع: سبحان الله (عشراً) والحمد لله (عشراً) والله أكبر (عشراً) (¬1). النوع الخامس: سبحان الله (إحدى عشرة)، والحمد لله (إحدى عشرة) والله أكبر (إحدى عشرة) (¬2). النوع السادس: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر (خمساً وعشرين) (¬3). والأفضل أن يقول هذا تارة، وهذا تارة، فينوِّع بين هذه التسبيحات] (¬4). وجاء عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أنه قال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها بيمينه - وفي رواية: يعقد التسبيح بيمينه - (¬5). وفيه صفة التسبيح؛ وهو أن يكون باليد اليمنى فقط، وبطريقة العقد؛ أي: شد الإصبع إلى باطن الكف. 70 - (5) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ¬

(¬1) البخاري برقم (6329) (المصحح). (¬2) مسلم، برقم (43 - 595) (المصحح). (¬3) النسائي برقم (1350 و1351)، والترمذي برقم (3413)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1/ 191) (المصحح). (¬4) (المصحح). (¬5) رواه أبو داود برقم (5065)، والترمذي برقم (3410)، والنسائي (3/ 74). (م).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسدَ} بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بَعْدَ كُلِّ صَلاةٍ (¬1))). - صحابي الحديث هو عقبة بن عامر - رضي الله عنه -. والحديث بلفظ: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ بالمعوذات دُبُرَ كل صلاة. وقوله: ((المعوذات)) قد فسرها المصنف بذكر السور الثلاث كاملة. والحكمة في هذا أن الشيطان لم يزل يوسوس به وهو في الصلاة، ويسعى لقطعه عن الصلاة، ثم عندما يفرغ منها يقبل إليه إقبالاً كليًّا؛ فأمر - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك أن يستعيذ بالمعوذات من الشيطان حتى لا يظفر عليه، ولا يتمكن منه. وقد مر توضيح كلمات سورة الإخلاص؛ انظر شرح حديث رقم (63). ¬

(¬1) أبو داود (2/ 86) [برقم (1523)]، والنسائي (3/ 68)، وانظر صحيح الترمذي (2/ 8)؛ والسور الثلاث يقال لها المعوذات، وانظر فتح الباري (9/ 62). (ق).

وهي سورة مشتملة على توحيد الله عز وجل. قوله: {قُلْ} أمر؛ أي: آمرك أن تقول: .... قوله: {أَعُوذُ} أي: ألجأ وأعتصم وألوذ. قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} وهذا يشمل جميع ما خلق الله عز وجل، من إنس وجن وحيوانات. قوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} وهذا تخصيص بعد تعميم؛ أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس النعاس، وتنتشر فيه الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية. و ((الغاسق)) الليل إذا أقبل بظلمته. و ((الوقب)) الدخول؛ وهو دخول الليل بغروب الشمس. قوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} أي: من شر السواحر اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في عقد الخيط، التي يعقدنها على السحر. قوله: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} والحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود، فيسعى في زوالها، بما يقدر عليه من الأسباب. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ((الحسد كراهة نعمة الله على الغير)). إذاً فالحسد يشمل التمني لزوال النعمة، أو السعي في إزالتها، أو الكراهة لها على الغير.

أما لو تمنى أن يرزقه الله تعالى مثل ما أنعم على الآخرين، فهذا ليس من الحسد بل هو من الغبطة. ويدخل في الحاسد العائن؛ [لأن العين] لا تصدر إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس. وقوله: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قال الزجاج رحمه الله: ((يعني: الشيطان ذا الوسواس، الخناس الرجاع؛ وهو الشيطان جاثم على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله تعالى خنس، وإذا غفل وسوس)). قوله: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} ظاهر قوله: ((الناس)) أنه يختص ببني آدم، ولكن قوله: ((من الجنة والناس)) يرجح دخول الجنة فيهم. ووسوسة الشيطان تكون بكلام خفي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع. 71 - (6) (({اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (¬1) عَقِبَ ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 255.

كُلِّ صَلاةٍ (¬1)). - صحابي الحديث هو أبو أمامة الباهلي، صُدَيُّ بن عجلان - رضي الله عنه -. والحديث هو قوله: ((من قرأ آية الكرسي دُبُر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)). وهذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله تعالى؛ فقد قال رسول الله: ((يا أبا المنذر - أَي: أُبي بن كعب - أيُّ آية في كتاب الله أعظم؟)) قال: قال أُبي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال أبي: فضرب في صدري، ثم قال: ((ليهنك العلم))، ثم قال: ((والذي نفس محمد بيده، إن لهذه الآية لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش)) (¬2). وقوله: ((ليهنك)) أي: ليكن العلم هنيئاً لك؛ فتُسرّ به وتَسعد. قوله: {سِنَةٌ} أي: النعاس؛ وهو النوم الخفيف. قوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أي: ما مضى، {وَمَا خَلْفَهُمْ} ما يكون بعدهم. قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي: سعته مثل سعة ¬

(¬1) ((من قرأها دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)). النسائي في عمل اليوم والليلة برقم (100)، وابن السني برقم (121)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5/ 339) [برقم (6464)]، و ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2/ 697)، برقم (972). (ق). (¬2) رواه مسلم برقم (810). (م).

السموات والأرض. قوله: {وَلَا يَئُودُهُ} أي: لا يثقله ولا يشق عليه، {حِفْظُهُمَا} أي: السموات والأرض. قوله: {الْعَلِيُّ} أي: الرفيع فوق خلقه، والمتعالي عن الأشباه والأنداد. [قال المصحح: والعلو وصف من صفات الله تعالى الذاتية، فله العلو المطلق: علو الذات، وأنه تعالى مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله، وله علو القدر، وله علو القهر)) (¬1)]. قوله: {الْعَظِيمُ} أي: الكبير الذي لا شيء أكبر منه. 72 - (7) ((لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، يُحيي ويُميتُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ (عَشْرَ مرَّاتٍ بَعْدَ صلاةِ المَغْربِ والصُّبْحِ))) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو ذر الغفاري، جُندب بن جُنادة وغيره - رضي الله عنهم أجمعين -. ¬

(¬1) [انظر: العقيدة الواسطية مع شرحها للهراس، (ص 142)، والعقيدة الواسطية مع شرحها لابن عثيمين رحمه الله، (ص 327)]. (المصحح). (¬2) رواه الترمذي (5/ 515) [برقم (3474)]، وأحمد (4/ 227)، وانظر تخريجه في ((زاد المعاد)) (1/ 300). (ق).

وجاء فيه: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال في دبر صلاة الصبح، وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم: ... ، عشر مرات كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورُفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه، وحُرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله تعالى)). قوله: ((حرز)) الحرز هو المكان الذي يحفظ فيه؛ والمراد أنه في وقاية وحفظ. وقوله: ((بعد صلاة المغرب)) قد جاءت في طرق أخرى للحديث. 73 - (8) ((اللَّهمُّ إنِّي أسأَلُكَ عِلماً نَافِعاً، ورِزْقاً طَيِّباً، وعَمَلاً مُتَقَبَّلاً (بعد السَّلامِ مِنْ صَلاةِ الفَجْرِ))) (¬1). - صحابية الحديث هي أم سلمة - رضي الله عنها -. قوله: ((علماً نافعاً)) أي: أنتفع به وأنفع غيري. قوله: ((ورزقاً طيباً)) أي: حلالاً. قوله: ((وعملاً متقبلاً)) أي: عندك؛ فتُثيبني وتأجرني عليه أجراً حسناً. ¬

(¬1) ابن ماجة [برقم (925)]، وغيره، انظر ((صحيح ابن ماجة)) (1/ 152)، و ((مجمع الزوائد)) (10/ 111) وسيأتي برقم (95). (ق).

26. دعاء صلاة الاستخارة

26 - دُعاءُ صَلاةِ الاستِخَارَةِ 74 - ((قالَ جَابِرُ بنُ عبدِ الله - رضي الله عنهما -: كانَ رَسولُ الله يُعَلِّمُنا الاسْتِخَارَةَ في الأمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: ((إذا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَينِ مِنْ غَيْر الفَريْضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللهُمَّ إنِّي أسْتَخيرُكَ بعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأسْألُكَ مِنْ فضلِكَ العَظِيم، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولا أعْلَمُ، وأنْتَ عَلاَّمُ الغُيوبِ، اللهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أن هذَا الأمرَ - ويُسمِّي حَاجَتَه - خَيرٌ لي في دِيني ومَعَاشي وعَاقِبَةِ أمْري - أو قالَ: عَاجِلهِ وآجِلِهِ - فاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لي، ثمَّ بَارِكْ لي فيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومَعَاشي وعَاقِبَةِ أمري - أوْ قالَ: عَاجِلِهِ وآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، واقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي بِهِ)) (¬1). ¬

(¬1) البخاري (7/ 162) [برقم (1162)]. (ق).

ومَا نَدِمَ مَنْ اسْتَخَارَ الخَالِقَ، وَشَاوَرَ المَخْلُوْقينَ المُؤمِنينَ، وتَثَبَّتَ في أمْرِهِ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (¬1). قوله: ((في الأمور كلها)) أي: أمور الدنيا؛ لأن أمور الآخرة لا يحتاج فيها إلى الاستخارة؛ لأن الرجل إذا أراد أن يصلي، أو يصوم، أو يتصدق، لا حاجة [له] إلى الاستخارة، ولكن يحتاج إلى الاستخارة في أمور الدنيا، مثل: السفر، والنكاح، وشراء المركب، وبيعه، وبناء الدار، والانتقال إلى وطن آخر ... ، ونحو ذلك. قوله: ((كما يعلمنا السورة من القرآن)) يدل على شدة اعتنائه - صلى الله عليه وسلم - بتعليم الاستخارة. قوله: ((إذا هم بالأمر)) أي: إذا عزم على القيام بعمل ولم يفعله. قوله: ((فليركع ركعتين)) أي: ليصلي ركعتين، وقد يُذكر الركوع ويُراد به الصلاة، كما يُذكر السجود ويُراد به الصلاة، من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل. قوله: ((من غير الفريضة)) أي: الصلوات الخمس المكتوبة؛ والمراد النوافل؛ بأن تكون تلك الركعتان من النافلة؛ قال النووي - رحمه الله -: ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 159.

((الظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وتحية المسجد ... ، وغيرها من النوافل)). قوله: ((أستخيرك)) أي: أطلب الخير أن تختار لي أصلح الأمرين؛ لأنك عالم به وأنا جاهل. قوله: ((وأستقدرك)) أي: أطلب أن تُقْدِرَني على أصلح الأمرين، إذ أطلب منك القدرة على ما نويته، فإنك قادر على إقداري عليه، أو أن تقدرَ لي الخير بسبب قدرتك عليه. قوله: ((ويسمي حاجته)) أي: يسمي أمره الذي قصده؛ مثلاً يقول: ((اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر خير لي ... ، أو هذا النكاح ... ، أو هذا البيع ... ، ونحو ذلك. قوله: ((في ديني ... )) أي: إن كان فيه خير يرجع لديني، ولمعاشي، وعاقبة أمري، وإنما ذكر عاقبة الأمر؛ لأنه رُبَّ شيء يقصد فعله الإنسان يكون فيه خير في ذلك الحال، ولكن لا يكون خيراً في آخر الأمر، بل ينقلب إلى عكسه. قوله: ((معاشي)) أي: العيش والحياة. قوله: ((فاقدُرْهُ)) أي: اقضِ لي به وهيئه. قوله: ((فاصرفه عني)) أي: لا تقضِ لي به، ولا ترزقني إياه. قوله: ((واصرفني عنه)) أي: لا تيسر لي أن أفعله، وأقلعه من خاطري.

27. أذكار الصباح والمساء

قوله: ((حيث كان)) أي: الخير؛ والمعنى: اقضِ لي بالخير حيث كان الخير. قوله: ((ثم أرضني به)) أي: اجعلني راضياً بخيرك المقدور، أو بِشرِّك المصروف. قوله: ((نَدِمَ)) أي: فعل الشيء ثم كرهه. والاستخارة تكون مع الله تعالى بطلب الخير منه، والمشاورة تكون مع أهل الرأي والفطنة والصلاح والأمانة بطلب آرائهم في أمره، وليست مع جميع المخلوقين. والتثبت في الأمر يكون ببذل الجهد، في تحري الأمر الذي يهم بفعله، من حيث صلاحه أو عدم صلاحه. قوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} الآية؛ أمرٌ من الله تعالى لمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستعرض آراء أصحابه؛ فيُشرك الجميع في الأمر الذي يَهِم بفعله، ثم يختار ما أشار إليه أكثرهم وأعقلهم، متوكلاً على الله تعالى بهمةٍ عالية. 27 - أذْكَارُ الصَّبَاحِ والمَسَاءِ ((الحمدُ للهِ وَحْدَهُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى مَنْ لا نبيَّ بَعْدهُ)). أراد المصنف من هذا القول؛ الاشتغال بذكر الله تعالى - والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأوقات.

[قال المصحح: أردتُ أن يبدأ المسلم بالحمد لله تعالى والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم يذكر الله تعالى] (¬1). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس، أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعة)) (¬2). قوله: ((من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل)) أي: أحررها وأخلصها إذ هي من أنفس وأغلى الأنفس. 75 - (1) ((أعوذ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الَّرجيمِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (¬3) (¬4)). ¬

(¬1) [المصحح]. (¬2) أبو داود برقم (3667)، وحسنه الألباني، ((صحيح أبي داود)) (2/ 698). (ق). (¬3) سورة البقرة, الآية: 255. (¬4) أخرجه الحاكم (1/ 562)، وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (1/ 273) [برقم (655)]، وعزاه إلى النسائي [في ((عمل اليوم والليلة)) برقم (960)]، والطبراني [في ((الكبير)) برقم (541)]، وقال: إسناد الطبراني جيد. (ق).

- صحابي الحديث هو أُبي بن كعب - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو أن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - كان له جُرْنٌ من تمر، فكان ينقص، فحرسه ذات ليلة، فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم، فسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال: ما أنت؟ جنيٌّ أم إنسيٌّ؟ قال: جني، قال: فناولني يدك، فناوله يده، فإذا يدُه يدُ كلبٍ، وشعرُه شعرُ كلب، قال: هذا خَلْقُ الجِنِّ؟! قال: قد علمتِ الجنُّ أن ما فيهم رجلاً أشد مني، قال: فما جاء بك؟ قال: بلغنا أنك تحبُّ الصدقة، فجئنا نُصيبُ من طعامك، قال: فما ينجينا منكم؟ قال: هذه الآية التي في سورة البقرة: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ... } من قالها حين يُمسي أجير منا حتى يصبح، ومن قالها حين يُصْبِحُ أُجيرَ منا حتى يُمسي. فلما أصبح أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك له؟! فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((صدق الخبيث)). قوله: ((جُرن)) الجرن هو موضع تجفيف التمر. قوله: ((بدابة شبه الغلام المحتلم)) أي: البالغ؛ والمعنى: أنه رأى مخلوقاً حجمه كحجم الغلام البالغ.

قوله: ((أُجير)) أي: حُفِظَ ووُقي. وقد تقدم شرح الآية؛ انظر شرح حديث رقم (71). 76 - (2) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ثلاث مرات)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن خُبَيب - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: من قالها ثلاث مرات حين يصبح وحين يمسي؛ كَفَتْهُ من كل شيء. وقد تقدم شرح الآيات؛ انظر شرح حديث رقم (70). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (4/ 322) [برقم (5082)]، والترمذي (5/ 567) [برقم (3575)]، وانظر ((صحيح الترمذي)) (3/ 182). (ق).

77 - (3) ((أصْبَحْنَا وَأصْبَحَ المُلْكُ للهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أسْألُكَ خَيْرَ مَا في هَذَا اليَوْمِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهُ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذَا اليَوْمِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ، وسُوءِ الكِبَرِ، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وعَذَابٍ فِي القَبْرِ)) (¬1). وإذَا أمْسَى قَالَ: أمْسَيْنَا وأمْسَى المُلْكُ لِلَّهِ. وإذَا أمْسَى قَالَ: رَبِّ أسْألُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وشَرِّ مَا بَعْدَهَا. - صحابي الحديث هو عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. قوله: ((أصبحنا)) أو ((أمسينا)) أي: دخلنا في الصباح، أو دخلنا في المساء متلبسين بنعمةٍ وحفظٍ من الله تعالى. قوله: ((إذا أمسى)) أي: إذا دخل في [المساء]، وفي لفظ ((إذا أصبح)) أي: إذا دخل [في الصباح]. ¬

(¬1) مسلم (4/ 2088) [برقم (2723)]. (ق).

قوله: ((وأصبح الملك لله))، وأيضاً قوله: ((وأمسى الملك لله)) أي: استمر دوام الملك والتصرف لله تعالى. قوله: ((رب)) أي: يا رب. قوله: ((خير ما في هذا اليوم - أو هذه الليلة -)) أي: الخيرات التي تحصل في هذا اليوم - أو هذه الليلة - من خيرات الدنيا والآخرة؛ أما خيرات الدنيا فهي حصول النعم والأمن والسلامة من طوارق الليل وحوادثه ... ونحوها، وأما خيرات الآخرة فهي حصول التوفيق لإحياء اليوم والليلة بالصلاة والتسبيح، وقراءة القرآن ... ونحو ذلك. قوله: ((وخير ما بعده - أو ما بعدها -)) أي: أسألك الخيرات التي تعقب هذا اليوم أو هذه الليلة. قوله: ((من الكسل)) وهو عدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة، فلا يكون معذوراً، بخلاف العاجز؛ فإنه معذور لعدم القوة وفقدان الاستطاعة. قوله: ((وسوء الكِبَر)) أراد به ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل، والتخبط في الرأي، وغير ذلك مما يسوء به الحال. قوله: ((رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر)) وإنما خصَّ عذابي النار والقبر، من بين سائر أعذبة يوم القيامة؛ لشدتهما، وعظم شأنهما؛ أما القبر: فلأنه أول منزل من منازل الآخرة؛ فإن من سلم فيه سلم في الجميع؛ وأما النار: فإن عذابها شديد، نعوذ بالله من ذلك، يا ربّ سلِّم سلِّم.

78 - (4) ((اللَّهُمَّ بِكَ أصْبَحْنَا، وبِكَ أمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وإلَيْكَ النُّشُورُ)) (¬1). ((وإذَا أمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أمْسَيْنَا، وَبِكَ أصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوْتُ، وَإليْكَ المَصِيْرُ)). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((بك أصبحنا)) متعلق بمحذوف؛ فكأنه يريد: بنعمتك أصبحنا، أو بحفظك ... أو بذكرك ... ، وكذلك التقدير في قوله: ((وبك أمسينا)). قوله: ((وبك نحيا)) يكون في معنى الحال؛ أي: مستجيرين ومستعيذين بك في جميع الأوقات، وسائر الأحوال، في الإصباح والإمساء، والمحيا والممات. قوله: ((وإليك النشور)) أي: الإحياء للبعث يوم القيامة. قوله: ((وإليك المصير)) أي: المرجع. وإنما قال في الإصباح: ((وإليك النشور))، وفي الإمساء: ((وإليك المصير))؛ لأن الإصباح يشبه النشر بعد الموت، والإمساء يشبه الموت بعد الحياة؛ فلذلك قال فيما يشبه الحياة: ((وإليك النشور))، وفيما يشبه الممات: ((وإليك المصير)) رعاية للتناسب والتشاكل، والله أعلم. ¬

(¬1) الترمذي (5/ 466) [برقم (3391)]، وانظر ((صحيح الترمذي)) (3/ 142). (ق).

79 - (5) ((اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنَا عَبْدُكَ، وأَ نَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوْذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبُوْءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأبُوْءُ بِذَنْبِي فَاغْفِر لِي فَإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو شدَّاد بن أوس - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: أن من قالها موقناً بها حين يمسي، فمات من ليلته دخل الجنة، وكذلك إذا أصبح. قوله: ((لا إله إلا أنت خلقتني)) اعتراف بالوحدانية والخالقية. قوله: ((وأنا عبدك)) اعتراف بالعبودية. قوله: ((وأنا على عهدك ووعدك)) أي: عهدك إليَّ بأن أوحدك، وأعترف بألوهيتك ووحدانيتك، ووعدك الجنة لي على هذا؛ يعني: أنا مقيم على توحيدك، وعلى حقيقة وعدك لي. قوله: ((ما استطعت)) أي: قدر استطاعتي؛ لأن العبد لا يقدر على الشيء إلا قدر استطاعته. قوله: ((أبوء لك بنعمتك علي)) أي: أعترف وأقر لك بما أنعمت به علي. قوله: ((وأبوء بذنبي)) أي: أُقِرُّ وأعترف بما اجترحت من الذنب. ¬

(¬1) أخرجه البخاري (7/ 150) [برقم (6306)]. (ق).

قوله: ((فإنه)) أي: فإن الشأن أنه ((لا يغفر الذنوب إلا أنت))؛ لأن غفران الذنوب مخصوص لله تعالى. 80 - (6) ((اللَّهُمَّ إنِّي أصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ، وأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ، ومَلائِكَتِكَ، وجَميْعَ خَلْقِكَ، أنَّكَ أنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيْكَ لَكَ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ ورَسُولُكَ)) (أرْبَعَ مَرَّاتٍ) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: أن مَن قالها حين يصبح أو يمسي أربع مرات، أعتقه الله من النار. قوله: ((وأُشْهد حملة عرشك))؛ قال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (¬2). قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (({فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} أي: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدَّتهم إلا الله)). وكذا قال الضحَّاك - رحمه الله -. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (4/ 317) [برقم (5069)]، والبخاري في الأدب المفرد برقم (1201)، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (9)، وابن السني برقم (70)، وحسَّن سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - إسناد النسائي وأبي داود في تحفة الأخيار (ص 23). (ق). وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله، انظر: ((الكلم الطيب)) برقم (25) (م). (¬2) سورة الحاقة, الآية: 17.

وقال الحسن البصري - رحمه الله -: ((الله أعلم كم هم؟ أثمانية أم ثمانية آلاف؟)). قوله: ((وملائكتك))؛ الملائكة خلق عظيم، خلقهم الله تعالى من نور؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خُلِقَت الملائكةُ من نورٍ، وخُلِقَ الجانُّ من مارج من نارٍ، وخُلِقَ آدمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُم)) (¬1). وعطفه ((جميع خلقك)) على ((ملائكتك))؛ من باب عطف العام على الخاص؛ لأن جميع الخلق تتناول الملائكة وغيرهم. والمراد هنا من تخصيص الملائكة من بين سائر المخلوقات: هو الدلالة على أن الملائكة أفضل من البشر، أو أن المقام مقام الإشهاد، والملائكة أولى بذلك من غيرهم؛ إما لأنهم عرفوا أن الله لا إله إلا هو، وأن محمداً عبده ورسوله، قبل سائر المخلوقات، وإما لأن الأصل في الشهود العدالة، وهي أتمّ فيهم. قوله: ((أعتق الله)) الإعتاق هنا هو التخلُّص عن ذل النار. 81 - (7) ((اللَّهُمَّ مَا أصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ، أوْ بِأحَدٍ مِنْ خَلقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيْكَ لَكَ، فَلَكَ الحَمْدُ ولَكَ الشُّكْرُ)) (¬2). ¬

(¬1) رواه مسلم برقم (2996). (م). (¬2) أخرجه أبو داود (4/ 318) [برقم (5073)]، والنسائي في ((عمل اليوم والليلة)) برقم (7)، ((وابن السني برقم (41)، وابن حبان ((موارد)) رقم (2361)، وحسن ابن باز إسناده في ((تحفة الأخيار))، (ص 24). (ق). وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله، انظر: الكلم الطيب برقم (26). (م).

وإذَا أمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ مَا أمْسَى بِي ... - صحابي الحديث هو عبد الله بن غنَّام - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: أن من قالها: فقد أدَّى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي؛ فقد أدى شكر ليلته. قوله: ((ما أصبح بي)) أي: ما صار مصاحباً بي من نعمة. قوله: ((فمنك)) أي: فمن عندك ومن فضلك. قوله: ((وحدك)) توكيد لقوله: ((فمنك))؛ وأيضاً: ((لا شريك لك)) توكيد لـ ((وحدك))؛ بمعنى كل ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك، لا يشاركك في إعطائها غيرك. قوله: ((لك الحمد ولك الشكر)) أي: لك الحمد بلساني على ما أعطيت، ولك الشكر بجوارحي على ما أوليت، وإنما جمع بين الحمد والشكر؛ لأن الحمد رأس للشكر، والشكر سبب للزيادة، قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (¬1)، وشكر المنعم واجب؛ قال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (¬2). ¬

(¬1) سورة إبراهيم، الآية: 7. (¬2) سورة البقرة, الآية: 152.

82 - (8) ((اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إلَهَ إلاَّ أنْتَ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالفَقْرِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ)) (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو بكرة، نُفَيْع بن الحارث بن كَلَدَة - رضي الله عنه -. قوله: ((اللهم عافني في بدني)) أي: سلِّمْني من الآفاتِ والأمراض في بدني. قوله: ((عافني في سمعي ... وفي بصري)) خاص بعد عام؛ فقوله بدني شامل لكل الجسم، ولكن خصص هاتين الحاستين؛ لأنهما الطريق إلى القلب؛ الذي بصلاحه يصلح الجسد كله، وبفساده يفسد الجسد كله. 83 - (9) ((حَسْبِيَ اللهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ)) (سَبْعَ مَرَّاتٍ) (¬2). ¬

(¬1) أبو داود (4/ 324) [برقم (5090)]، وأحمد (5/ 42)، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (22)، وابن السني برقم (69)، والبخاري في الأدب المفرد، وحسَّن العلامة ابن باز إسناده في تحفة الأخيار (ص 26). (ق). وقد ضعفه الشيخ الألباني - رحمه الله -، انظر: ((ضعيف الجامع)) برقم (1210). (م). (¬2) أخرجه ابن السني برقم (71) مرفوعاً، وأبو داود موقوفاً (4/ 321) [برقم (5081)]، وصحح إسناده شعيب وعبد القادر الأرناؤوط، وانظر: ((زاد المعاد)) (2/ 376). (ق). وقد ضعفه الشيخ الألباني - رحمه الله -، انظر: ((ضعيف أبي داود)). (م).

- صحابي الحديث هو أبو الدرداء - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: أن من قالها حين يصبح وحين يمسي سبع مرات، كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. قوله: ((حسبي الله)) أي: كفاني الله تعالى في كل شيء. قوله: ((عليه توكلت)) أي: اعتمدت. 84 - (10) ((اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ العَفْوَ والعَافيةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ العَفْوَ والعَافيةَ في دِيْني ودُنْيَاي، وأهْلِي، ومَالي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتي، وآمِنْ رَوْعَاتي، اللهُمَّ احْفَظْني مِنْ بيْنِ يَدَيَّ، ومِنْ خَلْفِي، وعَنْ يَميني، وعَنْ شِمَالي، ومِنْ فَوْقِي، وأعُوذُ بِعَظَمَتكَ أنْ أُغْتالَ مِنْ تَحْتي)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. قوله: ((العافية)) من عافاه الله وأعفاه، والاسم عافية؛ وهي: دفاع الله عن العبد الأسقام والبلايا. أما سؤال العافية في الدين؛ فهي: دفاع الله كل ما يشين الدين ¬

(¬1) أبو داود [برقم (5074)]، وابن ماجة [برقم (3871)]، وانظر ((صحيح ابن ماجة)) (2/ 332). (ق).

ويضره، وأما في الدنيا؛ فهي: دفاع الله كل ما يضر دنياه، وأما في الأهل؛ فهي: دفاع الله كل ما يلحق أهله من البلايا والأسقام ... وغير ذلك، وأما في المال؛ فهي: دفاع الله كل ما يضر ماله من الغرق والحرق والسرقة ... وغير ذلك من أنواع العوارض المؤذية. قوله: ((عوراتي)) وهي: كل ما يستحي منه إذا ظهر؛ والعورة من الرجل ما بين سرته إلى ركبته، ومن الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين والأفضل تغطيتهما، وفي القدمين قولان، وقيل: جميع بدنها دون استثناء، ومن الأمة مثل الرجل مع بطنها وظهرها. [قال المصحح: والقول الحق: أن المرأة كلها عورة حتى وجهها وكفيها؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬1)، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة)) (¬2). وقال - عز وجل -: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} (¬3). وأعظم جمال المرأة وزينتها في وجهها وكفيها. وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ ¬

(¬1) سورة الأحزاب, الآية: 59. (¬2) [تفسير ابن كثير لآية 59 من سورة الأحزاب. (المصحح). (¬3) سورة النور, الآية: 31.

وَقُلُوبِهِنَّ} (¬1). وقالت عائشة - رضي الله عنها - في شأن صفوان بن المعطل في قصة الإفك: (( ... فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فَخَمَّرتُ وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ... )) (¬2) وهذه القصة تدل دلالة صريحة على تغطية الوجه، وكذلك في قصة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفية أثناء عودته من خيبر في الطريق إلى المدينة، وأنه أردفها خلفه على راحلته فاحتجبت حجاباً كاملاً، ومما يدل دلالة صريحة على أن جميع بدن المرأة عورة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) (¬3). وهذه الأدلة الصريحة تدل على وجوب تغطية المرأة لوجهها وكفيها عند حضرة الرجال الأجانب، أما في الصلاة، فإنها لا تغطي وجهها إلا إذا كان عندها رجال ليسوا من محارمها. وأما عورة الأمة المملوكة فالأقرب أن عورتها مثل عورة الحرة، وفي الصلاة مثل الحرة؛ لأنها قد تكون أجمل من الحرة فتفتن الناس، وقد سمعت شيخنا ابن باز - رحمه الله - يقول ذلك (¬4)]. ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 53. (¬2) البخاري برقم (4750). (المصحح). (¬3) الترمذي برقم (1173) وقال: ((هذا حديث حسن صحيح)). وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 303). (المصحح). (¬4) [المصحح].

والمراد منها هاهنا: كل عيب وخلل في شيء؛ فهو عورة. قوله: ((وآمن)) من قولك: أمن يؤمن من الأمن. قوله: ((روعاتي)) جمع روعة؛ وهي: المرة الواحدة من الروع؛ وهو الفزع والخوف. قوله: ((اللهم احفظني من بين يدي ... )) إلى آخره، طلب من الله أن يحفظه من المهالك، التي تعرض لابن آدم على وجه الغفلة، من الجهات الست بقوله: ((من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي)) ولاسيما من الشيطان، وهو المزعج لعباد الله بدعواه في قوله: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} (¬1). وأما من جهة الفوق؛ فإن منها ينزل البلاء والصواعق والعذاب. وإنما أفرد الجهة السادسة بقوله: ((وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)) إشارة إلى أنه ما ثم مهلكة من المهالك، أشد وأفظع من التي تعرض لابن آدم من جهة التحت، وذلك مثل الخسف؛ لأن الخسف يكون من التحت. وأما قوله: ((أغتال)) والاغتيال أن يؤتى الأمر من حيث لا يشعر، وأن يدهى بمكروه لم يرتقبه. قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ¬

(¬1) سورة الأعراف, الآية: 17.

أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} (¬1). 85 - (11) ((اللَّهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّموَاتِ والأرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيءٍ ومَلِيْكَهُ، أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وأنْ أقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءاً، أوْ أجُرَّهُ إلَى مُسْلِمٍ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((عالم الغيب)) منصوب على النداء، وحرف النداء محذوف، تقديره: يا عالم الغيب، ويجوز أن يكون مرفوعاً على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت عالم الغيب والشهادة. والغيب: المعدوم، والشهادة: الموجود المدرك كأنه يشاهده. وقيل: الغيب ما غاب عن العباد، والشهادة ما شاهدوه، وقيل: الغيب السر، والشهادة العلانية، وقيل: الغيب الآخرة، والشهادة الدنيا، وقيل: عالم الغيب والشهادة؛ أي: عالم ما كان وما يكون. قوله: ((فاطر السموات والأرض)) أي: خالق السموات والأرض، يقال: فطر الشيء إذا بدأ وخلق. ¬

(¬1) سورة الأنعام، الآية: 65. (¬2) الترمذي [برقم (3392)]، وأبو داود [برقم (5067)]، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 142). (ق).

والكلام فيها، وفي قوله: ((رب كل شيء)) مثل الكلام في ((عالم الغيب))؛ من حيث التقدير. قوله: ((ومليكه)) أي: مالكه. قوله: ((من شر نفسي)) إنما استعاذ بربه من شر النفس؛ لأن النفس أمارة بالسوء، ميالة إلى الشهوات واللذات الفانية. والنفس لها معانٍ، والمراد هاهنا المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ومن شر نفسي)). وأما نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - فمجبولة على الخير، وهي نفس مطمئنة، فكيف يتصور منها الشر حتى استعاذ من شرها؟ يجوز أن يكون المراد منه الدوام والثبات على ما هي عليه، أو المراد تعليم الأمة وإرشادهم إلى طريق الدعاء، وهو الأظهر. قوله: ((وشر الشيطان)) الشيطان اسم لإبليس من شطن إذا بعد؛ سمي به؛ لأنه بَعُد من الرحمة. وقيل: من شاط؛ أي: بطل؛ سمي به لأنه مبطل، والألف والنون فيه للمبالغة. قوله: ((وشركه)) أي: شرك الشيطان، يروى هذا على وجهين؛ أحدهما: شِرْكه بكسر الشين وسكون الراء؛ ومعناه ما يدعو له الشيطان، ويوسوس له من الإشراك بالله سبحانه، والثاني: وشَرَكه بفتح الشين والراء، يريد حبائل الشيطان ومصايده.

قوله: ((أن أقترف)) أي: أكتسب. قوله: ((أو أجُرَّه)) أي: أو أجر السوء. قوله: ((وإذا أخذت مضجعك)) أي: عند النوم. 86 - (12) ((بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيءٌ في الأرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وهُوَ السَّمِيعُ العَلِيْمُ)) (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) (¬1). - صحابي الحديث هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: أن من قالها ثلاثاً إذا أصبح، وثلاثاً إذا أمسى؛ لم يضره شيء. قوله: ((بسم الله)) أي: بسم الله أستعيذ. قوله: ((مع اسمه)) أي: مع مصاحبة اسمه. قوله: ((ولا في السماء)) أي: ولا يضر مع اسمه شيء في السماء؛ يعني: كما أن أهل الأرض في الأمن والسلامة ببركة اسم الله تعالى ومصاحبته، كذلك أهل السماء، والذي يصحب اسم الله ويلازمه، لا يضره شيء؛ أو معناه: الذي لا يضر مع اسمه شيء من جهة الأرض ولا من جهة السماء. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (4/ 323) [برقم (5088، 5089)]، والترمذي (5/ 465) [برقم (3388)]، وابن ماجه [برقم (3869)]، وأحمد (1/ 72)، وانظر: صحيح ابن ماجة (2/ 332)، وحسن إسناده العلامة ابن باز في تحفة الأخيار (ص 39). (ق).

قوله: ((وهو السميع العليم)) أي: السميع بكل المسموعات، والعليم بكل شيء. 87 - (13) ((رَضِيْتُ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِيْناً، وبِمُحَمَّدٍ نَبيًّا)) (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) (¬1). - صحابي الحديث هو ثوبان بن بُجْدُد - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: أن من قالها ثلاثاً حين يصبح، وثلاثاً حين يُمسي، كان حقًّا على الله أن يرضيه يوم القيامة. قوله: ((رضيت بالله ربًّا)) أي: قنعت به، واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره. [قال المصحح: فلا إله غيره ولا رب سواه فهو ربي ومعبودي] (¬2). قوله: ((وبالإسلام ديناً)) أي: رضيت بالإسلام ديناً؛ بمعنى لم أسْعَ في غير طريق الإسلام، ولم أسلك إلا ما يوافق شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -. قوله: ((وبمحمد)) أي: رضيت بمحمد نبياً. قوله: ((كان حقاً على الله أن يرضيه)) أي: كان واجباً أوجب الله على نفسه أن يرضيه. ¬

(¬1) أحمد (4/ 337)، والنسائي في ((عمل اليوم والليلة)) برقم (4)، وابن السني برقم (68)، وأبو داود (4/ 318)، [برقم (5072)]، والترمذي (5/ 465) [برقم (3389)]، وحسنه ابن باز في ((تحفة الأخيار)) (39). (ق). وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله، انظر: ((الكلم الطيب)) برقم (24). (م). (¬2) (المصحح).

88 - (14) ((يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ، أصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. قوله: ((يا حي)) أي: الدائم البقاء. قوله: ((يا قيوم)) أي: المبالغ في القيام على شؤون خلقه. قوله: ((أصلح لي شأني كله)) أي: حالي وأمري. قوله: ((ولا تكلني)) أي: لا تتركني. قوله: ((إلى نفسي طرفة عين)) أي: لحظة ولمحة. 89 - (15) ((أصْبَحْنَا وأصْبَحَ المُلْكُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَيْرَ هَذَا اليَوْمِ: فَتْحَهُ، ونَصْرَهُ، وَنُورَهُ، وبَرَكَتَهُ، وهُدَاهُ، وأعُوْذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيْهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ)) (¬2). ¬

(¬1) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/ 545)، وانظر: صحيح الترغيب والترهيب (1/ 273) [برقم (654)]. (ق). (¬2) أبو داود (4/ 322) [برقم (5084)]، وحسَّن إسناده شعيب وعبد القادر الأرناؤوط في تحقيق ((زاد المعاد)) (2/ 273). (ق). وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله، انظر: ((ضعيف أبي داود)). (م).

وإذَا أمْسَى قَالَ: أمْسَيْنَا وأمْسَى المُلْكُ للَّهِ رَبِّ العَالَمينَ. وإذَا أمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَتْحَهَا، ونَصْرَهَا ونُوْرَهَا، وبَرَكَتهَا، وَهُدَاهَا، وأعُوْذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فيْهَا وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا)). - صحابي الحديث هو أبو مالك الأشعري - رضي الله عنه -. قوله: ((فتحه)) أو ((فتحها)) أي: الظفر على المقصود. قوله: ((نصره)) أو ((نصرها)) أي: النصرة على العدو. قوله: ((نوره)) أو ((نورها)) أي: بالتوفيق إلى العلم والعمل. قوله: ((بركته)) أو ((بركتها)) أي: بتيسير الرزق الحلال الطيب. قوله: ((هداه)) أو ((هداها)) أي: الثبات على متابعة الهدى ومخالفة الهوى. قال الطيبي رحمه الله: ((قوله: فتحه ... وما بعده بيان لقوله: خير هذا اليوم)). قوله: ((من شر ما فيه - أو ما فيها -)) أي: في هذا اليوم أو هذه الليلة. قوله: ((شر ما بعده - أو ما بعدها -)) واكتفى به عن سؤال خير ما بعده - أو ما بعدها -؛ إشارة بأن درء المفاسد أهم من جلب المنافع.

90 - (16) ((أصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلامِ، وعَلَى كَلِمَةِ الإخْلاصِ، وعَلَى دِيْنِ نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعَلَى مِلَّةِ أبِينَا إبْرَاهيمَ، حَنيفاً مُسْلِماً ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)) (¬1). وإذَا أمْسَى قَالَ: أمْسَيْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلامِ. - صحابي الحديث هو عبد الرحمن بن أبي أبزى - رضي الله عنه -. قوله: ((على فطرة الإسلام)) أي: دينه الحق، وقد تَرِد الفطرة بمعنى السنة. قوله: ((كلمة الإخلاص)) وهي كلمة الشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. قوله: ((ودين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -)) الظاهر أنه قالها تعليماً لغيره، قال النووي رحمه الله في ((الأذكار)): ((لعله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك جهراً ليسمعه غيره، ليتعلم غيره)). قوله: ((حنيفاً)) أي: مائلاً إلى الدين المستقيم. 91 - (17) ((سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ)) (مِئَةَ مَرَّةٍ) (¬2). ¬

(¬1) أحمد (3/ 406 و407)، وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (34)، وانظر صحيح الجامع (4/ 209) [برقم (4674)]. (ق.). (¬2) مسلم (4/ 2071) [برقم (2723)]. (ق).

- صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: ((من قالها مئة مرة حين يصبح وحين يمسي، لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه)). قوله: ((مئة مرة)) تعيين المئة لحكمة يعلمها الشارع، وخفي وجهها علينا. قوله: ((بأفضل)) أي: بشيء أفضل مما جاء به هذا القائل. قوله: ((أو زاد عليه)) يدل على أن الزيادة لا تضر في تعيين العدد، بخلاف النقصان. 92 - (18) ((لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ)). [عشر مرات] (¬1) أو ((مرة واحدة)) (¬2). ¬

(¬1) النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) برق (24) من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، ولفظه: (من قال غدوة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، وكن له بقدر عشر رقاب، وأجاره الله من الشيطان، ومن قالها عشية كان له مثل ذلك)، وانظر: صحيح الترغيب والترهيب (1/ 272) برقم (650)، وتحفة الأخيار لابن باز (ص 55) (ق). (¬2) أبو داود (4/ 319) [برقم (5077)]، وابن ماجة [برقم (3867)]، وأحمد (4/ 60)، وانظر: ((صحيح الترغيب والترهيب)) (1/ 270)، و ((صحيح أبي داود)) (3/ 957)، و ((صحيح ابن ماجة)) (2/ 331)، و ((زاد المعاد)) (2/ 377) [وعنده بلفظ: ((عشر مرات)).

- صحابي الحديث هو أبو عيَّاش؛ قيل: اسمه زيد بن الصامت، وقيل: زيد بن النعمان، وقيل: غير ذلك - رضي الله عنه - (¬1). وجاء في الحديث: ((أن مَن قالها حين يصبح وحين يمسي؛ كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل، وكُتِب له عشر حسنات، وحُطّ عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان في حرز من الشيطان حتى يُمسي)) (¬2). قوله: ((عدل رقبة)) أي: ما يساوي إعتاق رقبة. 93 - (19) ((لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شريكَ لهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، وهُوَ علَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ)) (مئةَ مَرَّةٍ إذَا أصْبَحَ) (¬3). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: أن مَن قالها مئة مرة في يوم كانت له عدل عشر رقاب، وكُتِبَ له مئة حسنة، ومُحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك. ¬

(¬1) [هذا صحابي الحديث الثاني الذي فيه فضل من قالها مرة واحدة. (المصحح). (¬2) [هذا فضل من قالها مرة واحدة من حديث أبي عياش] (المصحح). (¬3) البخاري مع ((الفتح)) (4/ 95) [برقم (3293)]، ومسلم (4/ 2071) [برقم (2691)]. (ق).

94 - (20) ((سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، ورِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ ومِدَادَ كَلِمَاتهِ)) (ثلاثَ مَرَّاتٍ إذَا أصْبَحَ) (¬1). - صحابية الحديث هي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها. والحديث بتمامه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: ((ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟!)) قالت: نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد قُلتُ بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات لو وُزِنَتْ بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن ... )) قوله: ((في مسجدها)) أي: موضع صلاتها. قوله: ((سبحان الله وبحمده ... مداد كلماته)) أي: مثلها في العدد، وقيل: مثلها في أنها لا تنفد، وقيل: في الثواب؛ والمداد هنا مصدر بمعنى المدد؛ وهو ما كثرت به الأشياء. والمراد هنا المبالغة به في الكثرة؛ لأنه ذكر أولاً ما يحصره العد الكثير من عدد الخلق، ثم زنة العرش؛ ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك، وعبر عنه بهذا؛ أي: ما لا يحصيه عدٌّ كما لا تحصى كلمات الله - تعالى -. ¬

(¬1) مسلم (4/ 2090) [برقم (2726)]. (ق).

95 - (21) ((اللهُمَّ إنِّي أَسْألُكَ عِلْماً نافِعاً، ورِزْقاً طَيِّباً، وعَملاً مُتقَبَّلاً)) (إذا أصْبَحَ) (¬1). - صحابية الحديث هي أم سلمة - رضي الله عنها -. قد تقدم شرحه؛ انظر حديث رقم (73). 96 - (22) ((أستَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إليهِ)) (مِئَةَ مَرَّةٍ في اليَوْمِ) (¬2). - صحابي الحديث هو الأغر بن يسار المزني - رضي الله عنه -. قوله: ((أستغفر الله وأتوب إليه)) ظاهر [هُ] أنه يطلب المغفرة، ويعزم على التوبة. وقد استُشْكِل وقوع الاستغفار من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المعصوم، والاستغفار يستدعي وقوع معصية؟ وأجيب بعدة أجوبة؛ منها قول ابن بطال رحمه الله: الأنبياء أشد الناس اجتهاداً في العبادة، لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة، فهم دائبون في شكره، معترفون له بالتقصير؛ أي: أن الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى، ويحتمل أن يكون ¬

(¬1) أخرجه ابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) برقم (54)، وابن ماجة برقم (925)، وحسن إسناده عبد القادر وشعيب الأرناؤوط، في تحقيق ((زاد المعاد)) (2/ 375). (ق). (¬2) البخاري مع ((الفتح)) (11/ 101) [برقم (6307)]، ومسلم (4/ 2075) [برقم (2702)]. (ق). فهذا الحديث مما تفرد به كل واحد منهما عن الآخر؛ فحديث البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وبلفظ: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه، في اليوم أكثر من سبعين مرة))، والله أعلم. (م).

لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع ... وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكره ومنها أن استغفاره تشريع لأمته، والله أعلم. 97 - (23) ((أَعُوْذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)) (ثَلاثَ مَرَّاتٍ إذَا أمْسَى) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. وجاء في الحديث: أن من قالها حين يمسي ثلاث مرات لم تضره حُمَةٌ تلك الليلة. قوله: ((بكلمات الله)) أي: أسماء الله تعالى وكتبه. قوله: ((التامات)) أي: الخالية من النقص. قوله: ((حُمَةٌ)) أي: سُمٌّ؛ والمعنى: أنه لا يضرك سمٌّ في تلك الليلة التي قلت فيها هذا الدعاء. 98 - (24) ((اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ)) (عَشْرَ مَرَّاتٍ) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه أحمد (2/ 290)، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (590)، وابن السني برقم (68)، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 187)، وصحيح ابن ماجه (2/ 266)، وتحفة الأخيار (ص 45). (ق). (¬2) أخرجه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد، انظر: مجمع الزوائد (10/ 120)، وصحيح الترغيب والترهيب (1/ 273) [برقم (656)]. (ق).

28. أذكار النوم

صحابي الحديث هو أبو الدرداء - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه: قوله: ((من صلى علي حين يصبح عشراً، وحين يمسي عشراً، أدركته شفاعتي يوم القيامة)). وقد تقدم شرح الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ انظر شرح الحديث رقم (53 - 54). 28 - أذْكَارُ النَّوْمِ 99 - (1) ((يَجْمَعُ كَفَّيْهِ ثُمَّ يَنْفُثُ فيهمَا فيَقْرأ فِيْهمَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ثُمَّ يَمْسَحُ بهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ؛ يَبْدأُ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ)) (يَفْعَلُ ذَلِكَ

ثَلاثَ مَرَّاتٍ) (¬1). - صحابية الحديث عائشة - رضي الله عنها -. قوله: ((ثم ينفث)) النفث بالفم شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل؛ لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق، أما النفث قد يكون معه قليل من الريق وقد لا يكون. قوله: ((فيهما)) أي: في يديه. والحكمة في هذا الدعاء: أنه استعاذة بالله تعالى مما يحدث من المهالك، ولاسيما من الهوام، والحشرات القتالة، وهو نائم في فراشه، غافل عما يجيء إليه، وعما يحدث له، فإذا انشغل العبد بهذه الآيات عند دخوله في الفراش، كان في حفظ الله تعالى ليلته تلك أجمع. وقد تقدم شرح الآيات؛ انظر حديث رقم (70). 100 - (2) (({اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (9/ 62) [برقم (5017)]، ومسلم (4/ 1723) [برقم (2192)]. (ق).

وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (¬1))) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قول أبي هريرة - رضي الله عنه -: وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، فقال: إني محتاج، وعليَّ عيال، ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟!)) قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة فرحمته، فخليت سبيله، فقال: ((أما إنه سيعود))، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، قال: دعني فإني محتاج، وعليَّ عيال، ولي حاجة شديدة، قال: فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟!)) قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة، وعيالاً، فرحمته، فخليت سبيله، فقال: ((أما إنه كذبك وسيعود))، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم لا تعود، ثم تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حتى تختم الآية، فإنك لن ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 255. (¬2) البخاري مع الفتح (4/ 487) [برقم (2311)]. (ق).

يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله: ((ما فعل أسيرك؟))، قلت: زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، قال: ((أما إنه صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال؟ ذلك شيطان)). قوله: ((يحثو)) من حثا يحثو، يقال: حثوت له إذا أعطيته شيئاً يسيراً؛ والمراد هنا أنه كان يأخذ من الصدقة. قوله: ((فرصدته)) أي: ترقبته. قوله: ((صدقك وهو كذوب)) أي: صدقك في هذا القول، والحال أنه كذوب. وقد تقدم شرح الآية؛ انظر حديث رقم (71). 101 - (3) (({آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا

وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬1) (¬2))). - صحابي الحديث هو أبو مسعود الأنصاري؛ عقبة بن عمرو ابن ثعلبة - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة؛ كفتاه)). قوله: ((كفتاه)) أي: كفتاه من الآفات في ليلته. 102 - (4) ((باسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أرْفَعُهُ، فَإنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وإنْ أرْسَلْتَهَا فاحْفَظْهَا، بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحينَ)) (¬3). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. وجاء في بداية الحديث؛ قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قام أحدكم عن فراشه، ثم رجع إليه، فلينفضه بصنفة إزاره ثلاث مرات؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده، وإذا اضطجع؛ فليقل: ... )). قوله: ((بِصَنفَةِ إزَارِهِ)): الصَّنفَةُ: طرف الإزار مما يلي طُرَّته، وقيل: حاشيته؛ أي جانب كان، والمراد هاهنا الطرف مطلقاً، وأما في الرواية ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (9/ 94) [برقم (4008)]، ومسلم (1/ 554) [برقم (808)]. (ق). (¬2) سورة البقرة, الآيتان: - 286. (¬3) البخاري (11/ 126) [برقم (6320)]، ومسلم (4/ 2084) [برقم (2714)]. (ق).

التي جاءت فيها: ((بداخلة إزاره))؛ فقد قيل: لم يأمره بداخلة الإزار دون خارجته؛ لأن ذلك أبلغ وأجدى؛ لأن المؤتزر إذا ائتزر يأخذ أحد طرفي إزاره بيمينه، والآخر بشماله، فيرد ما أمسكه بشماله على جسده، وذلك داخلة إزاره، ويرد ما أمسكه بيمينه على ما يلي جسده من الإزار، فإذا صار إلى فراشه فحل إزاره، فإنما يحل بيمينه خارجة الإزار، ويبقى الداخلة بعلقه، وبها يقع النفض. قوله: ((مما خَلَفَهُ عليه)) أي: ما جاءه من بعد؛ يعني: لعل هامة دنت فصارت فيه بعده. قوله: ((فإن أمسكت نفسي)) أي: روحي؛ والمراد من النفس هاهنا الروح، لقيام القرينة على ذلك؛ أي: إن حبستها عندك بأن أمتها فارحمها، وإن أرسلتها إلى بدني فاحفظها من شر الشيطان، ومهالك الدنيا بما تحفظ به عبادك الصالحين. 103 - (5) ((اللَّهُمَّ إنَّكَ خَلَقْتَ نَفْسِي وأَنْتَ تَوَفَّاهَا، لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا، إنْ أحْيَيْتَها فَاحْفَظْها، وَإنْ أمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ العَافِيةَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. قوله: ((نفسي)) أي: روحي. ¬

(¬1) أخرجه مسلم (4/ 2083) [برقم (2712)]، وأحمد بلفظه (2/ 79). (ق).

قوله: ((لك مماتها ومحياها)) أي: بيدك قدرة إماتتها وإحيائها، ولا يقدر على ذلك غيرك، أنت المحيي، وأنت المميت، وأنت على كل شيء قدير. قوله: ((إن أحييتها)) أي: إن أبقيتها على حياتها ((فاحفظها)) من كل ما يضر ويشين. قوله: ((وإن أمتها)) أي: فارقتها عن بدني؛ لأن إمَاتة الروح عبارة عن مفارقته البدن. قوله: ((أسألك العافية)) العافية هي دفاعُ الله عن العبد الأسقامَ والبلايا. 104 - (6) ((اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ، يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ)) (¬1). - صحابية الحديث هي أم المؤمنين حفصة بنت عمر - رضي الله عنها -. وجاء في بداية الحديث؛ قولها - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يرقد، وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: ... قوله: ((أن يرقد)) أي: ينام. قوله: ((قني)) أي: احفظني. قوله: ((يوم تبعث عبادك)) أي: يوم القيامة. 105 - (7) ((بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وَأحْيَا)) (¬2). ¬

(¬1) أبو داود بلفظه (4/ 311) [برقم (5045)]، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 143). (ق). (¬2) البخاري مع الفتح (11/ 113) [برقم (6312)]، ومسلم (4/ 2083) [برقم (2711) من حديث البراء - رضي الله عنه -]. (ق).

- صحابي الحديث هو حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -. قوله: ((باسمك اللهم أموت)) أي: على ذكر اسمك أموت. قوله: ((وأحيا)) أي: باسمك اللهم وبذكرك أحيا، وقيل: معناه: أنت تميتني وأنت تحييني. 106 - (8) ((سُبْحَانَ اللَّهِ (ثَلاثاً وثَلاثِينَ) وَالحَمْدُ للَّهِ (ثَلاثاً وَثَلاثينَ) وَاللَّهُ أكْبَرُ (أرْبَعاً وَثَلاثينَ) (¬1))). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قول علي - رضي الله عنه -: أن فاطمة - رضي الله عنها - أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله خادماً، فلم تجده ووجدت عائشة فأخبرتها. قال علي: فجاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخذنا مضاجعنا، فقال: ((ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟! إذا أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبِّرا أربعاً وثلاثين؛ فإنه خير لكما من خادم)). قوله: ((تسأله خادماً)) من شدة التعب، وكثرة الطحن بالرحى، ونقل الماء بالقربة، والخادم يطلق على الذكر والأنثى. قوله: ((وقد أخذنا مضاجعنا)) أي: دخلنا في فراشنا للنوم. ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (7/ 71) [برقم (3705)]، ومسلم (4/ 2091) [برقم (2727)]. (ق).

قوله: ((فسبحا ثلاثاً وثلاثين ... )) أي: قولوا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة، والله أكبر أربعاً وثلاثين مرة، فصارت مئة. قوله: ((فإنه)) أي: هذا القول: ((خير لكما من خادم)) معناه: أنكما تتقويان بالذكر، وتستغنيان عن الخادم. 107 - (9) ((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، ورَبَّ الأرْضِ، ورَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا ورَبَّ كُلِّ شَيءٍ، فالِقَ الحَبِّ والنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ والإنْجِيلِ والفُرْقَانِ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيءٍ أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيتهِ، اللَّهُمَّ أنْتَ الأوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وأنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وأنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيءٌ، وأنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((فالق الحب)) صفة لقوله: ((ربَّ))، وكذلك ((منزل))؛ و ((الفالق)) من الفلق، وهو الشق؛ ومعنى قوله: ((فالق الحب والنوى)) ¬

(¬1) مسلم (4/ 2084) [برقم (2713)]. (ق).

الذي يشق حبة الطعام، ونوى التمر للإنبات. قوله: ((منزل التوراة والإنجيل)) وهما اسمان أعجميان، واشتقاق التوراة من ((ورى الزند))؛ وهو ما يظهر منه من النور والضياء؛ فسمي التوراة بذلك؛ لأنه قد ظهر به النور والضياء لبني إسرائيل ومن تابعهم، والإنجيل من ((النجل))؛ سمي بالإنجيل؛ لأنه أظهر الدين بعدما درس. قوله: ((والقرآن)) اسم للمنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ من ((قرأ)) إذا جمع؛ سمي القرآن بذلك؛ لأنه يجمع الحروف والكلمات. قوله: ((أنت آخذ بناصيته)) كناية عن تمكنه من المخلوقات، وأنهم تحت قدرته، وقهره، وسلطته. قوله: ((أنت الأول فليس قبلك شيء)) والأول هو الذي لا شيء قبله ولا معه؛ فكأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فليس قبلك شيء)) تفسيراً للأول. قوله: ((أنت الآخر فليس بعدك شيء)) الآخر: الباقي بعد فناء الخلق، المتعالي في أوليته عن الابتداء، كما هو المتعالي في آخريته عن الانتهاء. قوله: ((وأنت الظاهر فليس فوقك شيء)) معنى الظهور: القهر، والغلبة، وكمال القدرة، وكأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فليس فوقك شيء)) تفسيراً لها، وقيل: الظاهر بآياته الباهرة الدالة على وحدانيته وربوبيته. قوله: ((وأنت الباطن فليس دونك شيء)) أي: المحتجب عن خلقك، الذي ليس ورائك شيء يكون أبطن منك، حتى لا يقدر أحد على إدراك ذاتك مع كمال ظهورك، وقيل: العالم بالخفيات.

قوله: ((اقض عنا الدين)) المراد بالدين هاهنا؛ حقوق الله، وحقوق العباد كلها من جميع الأنواع. قوله: ((واغننا من الفقر)) أي: من السؤال الذي يؤدي إلى الذل الناشئ عن الفقر والاحتياج. 108 - (10) ((الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أطْعَمَنَا وسَقَانَا، وكَفَانَا، وآوَانا؛ فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. قوله: ((كفانا)) أي: أغنانا وقَنَّعنا. قوله: ((آوانا)) أي: ردنا إلى مأوى لنا، ولم يجعلنا منتشرين كالبهائم؛ والمأوى: المنزل؛ قال النووي رحمه الله: ((آوانا، قيل معناه: رحمنا)). قوله: ((فكم ممن لا كافي له)) أي: لا كافي له شأنه. قوله: ((ولا مؤوي)) أي: لا راحم له، ولا عاطف عليه، قيل معناه: لا وطن له، ولا سكن يأوي إليه. 109 - (11) ((اللَّهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيءٍ ومَلَيْكَهُ، أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ، أعُوْذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، ومِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ ¬

(¬1) مسلم (4/ 2085) [برقم (2715)]. (ق).

وَشِرْكِهِ، وأنْ أقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءاً، أوْ أَجُرَّهُ إلَى مُسْلِمٍ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -. قوله: ((فاطر)) أي: خالق. قوله: ((وشركه)) أي: ما يدعو إليه من الإشراك بالله، وقيل: إنها بفتحتين - شَرَكه - أي: حبائله ومصائده. قوله: ((وأن أقترف)) أي: أكتسب وأعمل. قوله: ((أو أجره)) من الجر؛ أي: الجذب، والضمير عائد إلى السوء. 110 - (12) ((يَقْرَاُ {ألـ+ـم+} تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ، وتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكَ)) (¬2). - صحابي الحديث هو جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. قوله: ((يقرأ {ألم} تنزيل السجدة)) أي: سورة السجدة. قوله: ((وتبارك ... )) أي: سورة الملك. والمعنى: لم يكن من عادته - صلى الله عليه وسلم - النوم قبل القراءة لهاتين السورتين. ¬

(¬1) أبو داود (4/ 317) [برقم (5083)]، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 142). (ق). (¬2) الترمذي [برقم (3404)]، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (707)، وانظر: صحيح الجامع (4/ 255) [برقم (4873)]. (ق).

111 - (13) ((اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وألْجَأتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لاَ مَلْجَأ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وَبِنَبيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو البراء بن عازب - رضي الله عنه -. وجاء في بداية الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شِقِّكَ الأيمن، وقل: ... )). قوله: ((إذا أتيت مضجعك)) أي: فراشك للنوم. قوله: ((فتوضأ وضوءك للصلاة)) أي: الوضوء الكامل بأركانه وشرائطه. وفي هذا الحديث ثلاث سنن مستحبة ليست واجبة؛ إحداها: الوضوء عند إرادة النوم؛ فإن كان متوضئاً كفاه ذلك الوضوء، والحكمة فيه أن يكون على طهارة مخافة أن يموت من ليلته، وأن يكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلاعب الشيطان به في منامه، وترويعه إياه. ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (11/ 113) [برقم (6313، 6315، 7488]، ومسلم (4/ 2081) [برقم (2710)]. (ق).

الثانية: النوم على الشق الأيمن؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن؛ ولأنه أسرع إلى الانتباه. الثالثة: ذِكْرُ الله تعالى ليكون خاتمة عملهِ. قوله: ((اللهم أسلمت نفسي إليك))، أي: استسلمت، وجعلت نفسي منقادة لك، وطائعة بحكمك. قوله: ((وألجأت ظهري إليك)) يقال: ألجأت إلى الشيء؛ أي: اضطررت إليه، ويستعمل في مثل هذا الموضع بمعنى الإسناد، يقال: ألجأت أمري إلى الله؛ أي: أسندته، وقال النووي رحمه الله: ((أي: توكلت عليك، واعتمدتك في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده إليه)). قوله: ((رغبة ورهبة إليك)) الرغبة: الحرص والطمع مع الحب، والرهبة: المخافة مع تحرز واضطراب، ومعنى ((إليك)): صرفت رغبتي فيما أريده إليك، وحاصل المعنى: طمعاً في ثوابك، وخوفاً من عذابك. قوله: ((لا ملجأ)) أي: لا حصن. قوله: ((ولا منجا)) أي: لا خلاص. قوله: ((منك إلا إليك)) أي: لا حصن أعتصم به، ولا خلاص من عذابك، وأخذك إلا إليك. قوله: ((آمنت بكتابك الذي أنزلت)) أي: صدقت بكتابك الذي أنزلته على نبيك.

29. الدعاء إذا تقلب ليلا

قوله: ((ونبيك الذي أرسلت))، وفي بعض طرق هذا الحديث، عن البراء - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: وبرسولك الذي أرسلت؟ قال: ((ونبيك)). قيل: إنما ردَّ قوله؛ لأن البيان صار مكرراً من غير إفادة زيادة في المعنى، وذلك مما يأباه البليغ؛ لأنه كان نبيًّا قبل أن كان رسولاً. وقيل أيضاً: إن هذا ذكر ودعاء، فينبغي الاقتصار على اللفظ الوارد، ويتعيَّن أداؤها بحروفها من غير تغيير. واحتجَّ بعض العلماء بهذا الحديث لمنع الرواية بالمعنى، والجمهور على الجواز من العارف العالم. وجاء في نهاية الحديث قوله: ((فإن مت من ليلتك مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول)). قوله: ((فإن مُت من ليلتك مُت على الفطرة)) أي: على الإسلام؛ فإن قيل: إذا مات الإنسان على إسلامه، ولم يكن ذكر من هذه الكلمات شيئاً فقد مات على الفطرة لا محالة، فما فائدة ذكر هذه الكلمات؟ أُجيبَ بتنويع الفطرة؛ ففطرة القائلين فطرة المقربين والصالحين، وفطرة الآخرين فطرة عامة المؤمنين، والله أعلم. 29 - الدُّعَاءُ إذَا تَقَلَّبَ لَيْلاً أي: إذا تقلَّب وتلوَّى من جنب إلى جنب [على فراشه].

30. دعاء الفزع في النوم ومن بلي بالوحشة

112 - ((لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ، ربُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا العَزِيْزُ الغَفَّارُ)) (¬1). - صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنها -. قوله: ((القهار)) هو الذي قهر وغلب كل المخلوقات وذلت له كيف شاء. قوله: ((العزيز)) هو الذي له العزة الكاملة؛ التي بها يعز من يشاء ويذل من يشاء. قوله: ((الغفار)) هو الذي له المغفرة والتجاوز الكامل، الذي وسع جميع ذنوب عباده التائبين. ويتضمن هذا الذكر؛ سؤال الله تعالى أن يصرف عنه ما يجده من أرق وقلق وانزعاج. 30 - دُعَاءُ الفَزَعِ فِي النَّوْمِ، ومَنْ بُلِيَ بالوَحْشَةِ قوله: ((بالوَحشة)) قيل: الهَمُّ، وقيل: الخَلوة، وقيل: الخوف. 113 - ((أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ، مِنْ غَضَبِهِ ¬

(¬1) أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي (1/ 540)، والنسائي في عمل اليوم والليلة [برقم (864)]، وابن السني في عمل اليوم والليلة (757)، وانظر: صحيح الجامع (4/ 213) [برقم (4693)]. (ق).

وَعِقَابِهِ، وشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وأنْ يَحْضُرُونِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -. قوله: ((أعوذ بكلمات الله)) والمراد بكلمات الله أسماؤه الحسنى، وكتبه المنزلة، وإنما وصفها بالتامات لكونها خالية عن النقص والعوارض، أو بمعنى المحكمات؛ لأن أسماء الله محكمة لا يجري فيها النسخ، والتغيير، والتبديل ... ونحو ذلك. قوله: ((من غضبه)) والغضب نفسه؛ شدة غليان الدم عند حصول أمر مكروه، وذلك بحق المخلوق، وهذا المعنى محال على الله - تعالى - ولكن نَصِفه بما وصفَ به نفسه من غير تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل. [قال المصحح: الصواب الحق: أن غضب الله تعالى من صفاته الفعلية التي يفعلها إذا شاء على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، فهو يغضب إذا شاء على من يشاء، ولا يشبه غضبه غضب أحد من خلقه، ونصفه تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تعطيل، ولا تحريف، ولا تكييف ولا تمثيل] (¬2). ¬

(¬1) أبو داود (4/ 12) [برقم (3893)]، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 171). (ق). (¬2) انظر: شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص 103)، والعثيمين (ص 217) (المصحح).

31. ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

قوله: ((ومن همزات الشياطين)) والهمزات جمع همزة، والهمزة النخس؛ والمعنى أن الشياطين يحثون الناس على المعاصي، ويغرونهم عليها، فاستعاذ من نخساتهم، ومن أن يحضروه أصلاً، ويحوموا حوله. قوله: ((وأن يحضرون)) أصله يحضروني، سقطت الياء للتخفيف؛ أي: وأن يحضر الشياطين عندي في جميع الأحوال. 31 - مَا يَفْعَلُ مَنْ رَأَى الرُّؤْيا أوِ الحُلْمَ 114 - (1) ((يَنْفُثُ عَن يَسارِهِ)) (ثَلاثاً). (2) ((يستعيذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ومِنْ شَرِّ مَا رَأَى)) (ثَلاثَ مَرَّاتٍ). (3) ((لَا يُحَدِّثُ بِهَا أحَداً)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو قتادة بن رِبْعي، قيل: اسمه الحارث، وقيل: عمرو - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره)). ¬

(¬1) [هذه الفقرات ضمن حديث أخرجه] مسلم (4/ 1772) [برقم (2261)، والبخاري برقم (7044)]. (ق).

وفي رواية أخرى: ((الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث به إلا من يحب، وإن رأى ما يكره فلا يحدث به، وليتفل عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من شر ما رأى؛ فإنها لن تضره)). (4) ((يتحَوَّلُ عَنْ جَنْبِهِ الذي كَانَ عَلَيْهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه)). 115 - (5) ((يَقومُ يُصَلِّي إنْ أرَادَ ذَلِكَ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاث: [فالرؤْيا] الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يُحدِّثُ المرء نفسه؛ فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصل، ولا يُحدِّثُ بها الناس)). ¬

(¬1) مسلم (4/ 1773) [برقم (2262)]. (ق). (¬2) مسلم (4/ 1773) [برقم (2263)]. (ق).

قوله: ((الرؤيا من الله)) الرؤيا كالرؤية، جعل ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث، للتفريق بين ما يراه في المنام، وبين ما يراه في اليقظة، والحُلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا؛ ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بينهما، فجعل الرؤيا من الله - تعالى - والحُلم من الشيطان، كأنه كره أن يسمي ما كان من الله - تعالى - وما كان من الشيطان باسم واحد، فجعل الرؤيا عبارة عن القسم الصالح، لِمَا في صيغة لفظها من الدلالة على مشاهدة الشيء بالبصر، أو البصيرة، وجعل الحُلم عبارة عما كان من الشيطان؛ لأن أصل الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل إلى الحالم في منامه، ولهذا خص الاحتلام بما يخيل إلى المحتلم في منامه من قضاء الشهوة، وذلك بما لا حقيقة له. هذا إن أتت الرؤيا غير مقيدة، أما إذا جاءت مقيدة، كقوله: ((الرؤيا يكرهها)) أو قوله: ((الرؤيا ثلاث ... ))، فهذا يرجع إلى استعمال العرب ولا كراهة فيه، والله أعلم. قوله: ((فإذا رأى أحدكم الرؤيا ... )) إلى آخره؛ تفسير للحلم؛ لأن الحلم هو المكروه، والرؤيا هي المحبوبة. قوله: ((فلينفث عن يساره)) النفث نفخ لطيف قد يصاحبه شيء قليل من الريق. وإنما أمر أن ينفث عن اليسار؛ لأن الشيطان يأتي ابن آدم من قبل اليسار ليوسوس له في قلبه، والقلب قريب من جهة اليسار، فيأتي الشيطان من جهته القريبة.

قوله: ((من شرها)) الضمير راجع إلى الرؤيا المكروهة. وفيها ثلاثة أوامر: الأول: البصق عن اليسار؛ وذلك ترغيماً للشيطان، وزجراً له. والثاني: الاستعاذة بالله ليأمن من شره، ووسواسه. والثالث: التحول عن جنبه الذي كان عليه حين رأى الرؤيا المكروهة، تفاؤلاً بالقلب من جنب إلى جنب للتحول من هذه الحالة المسيئة إلى الحالة المسرة، كتقليب الرداء في صلاة الاستسقاء، والله أعلم. قوله: ((لا يحدث بها الناس)) قيل: إنه إذا حدث بها رُبَّما تُفسر تفسيراً مكروهاً على ظاهر صورتها، ويكون محتملاً لوقوعها كذلك بتقدير الله تعالى. واستثنى من ذلك الرؤيا المحبوبة؛ فإنه يحدث بها من يحب؛ لعله يجد تفسيراً يزيده اطمئناناً وتفاؤلاً وسعادة. وأما قوله: ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب)) قيل: المراد إذا قارب الزمان أن يعتدل ليله ونهاره، وقيل: إذا قارب وقت القيامة. قوله: ((وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً)) ظاهره على إطلاقه في كل زمان؛ لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها، وقيل: إن هذا يكون في آخر الزمان عند انقطاع العلم وموت العلماء والصالحين. والأول أظهر وأقوى.

32. دعاء قنوت الوتر

قوله: ((ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوة)) وهذا الجزء من النبوة؛ وهو الإخبار بالغيب إذا وقع لا يكون إلا صدقاً. قال الخطابي - رحمه الله -: ((هذا الحديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها)). وقال بعض العلماء: ((معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة؛ لأنها جزء باق من النبوة))، والله أعلم. 32 - دُعَاءُ قُنُوتِ الوِتْرِ أي: دعاء القيام في صلاة الوتر. ومعنى الوتر الفرد. 116 - (1) ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيْمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِنِي فِيْمَنْ عَافَيْتَ، وتَولَّنِي فِيْمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيْمَا أعْطَيْتَ، وقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ؛ فَإنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، إنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، [وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ]، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ)) (¬1). ¬

(¬1) أخرجه أصحاب السنن الأربعة [أبو داود برقم (1425)، والترمذي برقم (464)، والنسائي (1/ 252)، وابن ماجه برقم (1178)]، وأحمد [(1/ 200)]، والدارمي [(1/ 373)]، والحاكم [(3/ 172)]، والبيهقي [(2/ 209 و497 و498)]، وما بين المعقوفتين للبيهقي، وانظر ((صحيح الترمذي)) (1/ 144)، و ((صحيح ابن ماجة)) (1/ 194)، و ((إرواء الغليل)) للألباني (2/ 172). (ق).

صحابي الحديث هو الحسن بن علي - رضي الله عنه -. قوله: ((اللهم اهدني)) أي: ثبتني على الهداية، أو زدني من أسباب الهداية إلى الوصول بأعلى المراتب. قوله: ((فيمن هديت)) أي: في جملة من هديتهم، أو هديته من الأنبياء والأولياء. قوله: ((وعافني فيمن عافيت)) أي: بَرِّئني وادفع عني أسوأ الأدواء والأخلاق والأهواء. قوله: ((وتولني فيمن توليت)) أي: تَوَلَّ أمري ولا تكلني إلى نفسي في جملة من تفضلت عليهم. قوله: ((وبارك لي)) أي: أكثر الخير لمنفعتي. قوله: ((فيما أعطيت)) أي: فيما أعطيتني من العز والمال والعلوم والأعمال الصالحة. قوله: ((وقني)) أي: احفظني. قوله: ((شر ما قضيت)) أي: ما قدَّرت لي. قوله: ((فإنك تقضي)) أي: تقدر أو تحكم بكل ما أردت. قوله: ((ولا يقضى عليك)) فإنه لا معقب لحكمك، ولا يجب عليك شيء. قوله: ((وإنه لا يذل)) أي: لا يصير ذليلاً. قوله: ((من واليت)) من الموالاة ضد المعاداة، قال ابن حجر - رحمه الله -:

((أي: لا يذل من واليت من عبادك في الآخرة أو مطلقاً؛ وإن ابتلي بما ابتلي به، وسلط عليه مَن أهانه، وأذله باعتبار الظاهر؛ لأن ذلك غاية الرفعة والعزة عند الله تعالى، وعند أوليائه، ولا عبرة إلا بهم، ومن ثم وقع للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الامتحانات العجيبة ما هو مشهور)). قوله: ((لا يعز من عاديت)) أي لا يعز في الآخرة أو مطلقاً، وإن أعطي من نعيم الدنيا وملكها ما أعطي؛ لكونه لم يمتثل أوامر الله تعالى ولم يجتنب نواهيه. قوله: ((تباركت)) أي: تكاثر خيرك في الدارين. قوله: ((ربنا [وَ] تعاليت)) أي: يا ربنا ارتفعت عظمتك، وظهر قهرك وقدرتك على من في الكون، وارتفعت عن مشابهة كل شيء. 117 - (2) ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوْذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأعُوْذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قد تقدم شرحه؛ انظر حديث رقم (47). ¬

(¬1) أخرجه أصحاب السنن الأربعة [أبو داود برقم (1427)، والترمذي برقم (3561)، والنسائي (1/ 252)، وابن ماجه برقم (1179)]، وأحمد [(1/ 96 و118، و150)]، وانظر ((صحيح الترمذي)) (3/ 180)، و ((صحيح ابن ماجه)) (1/ 194)، و ((الإرواء)) (2/ 175). (ق).

33. الذكر عقب السلام من الوتر

118 - (3) ((اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، ولَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، ونَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ بالكَافِريْنَ مُلْحَقٌ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ، ونَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الخَيْرَ، وَلا نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنخْضَعُ لَكَ، وَنخْلَعُ مَنْ يَكْفُرُكَ)) (¬1). هذا أثر من قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. قوله: ((نَحْفِد)) أي: نسارع. قوله: ((ملحق)) بكسر الحاء أو فتحها والأول أشهر: أي: واقع لا محالة بهم. قوله: ((نخلع)) أي: نترك. 33 - الذِّكْرُ عَقِبَ السَّلاَمِ مِنَ الوِتْرِ 119 - ((سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ)) (ثَلاثَ مَرَّاتٍ، والثَّالِثَةُ يَجْهَرُ بِهَا ويَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ يَقُولُ: [رَبِّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ]))) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى وصحح إسناده (2/ 211)، وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل: وهذا إسناد صحيح (2/ 170)، وهو موقوف على عمر - رضي الله عنه -. (ق). (¬2) رواه النسائي (3/ 244)، والدارقطني وغيرهما، وما بين المعقوفتين زيادة للدارقطني (2/ 31)، وإسناده صحيح، انظر: زاد المعاد بتحقيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط (1/ 337). (ق).

34. دعاء الهم والحزن

- صحابي الحديث هو عبد الرحمن بن أبزى - رضي الله عنه -. وقد تقدم شرح معانيه؛ انظر حديث رقم (35). 34 - دُعَاءُ الهَمِّ والحُزْنِ وسيأتي بعده باب دعاء الكرب: والفرق بين الكرب والحزن؛ أن الكرب حزن مع شدة، وبين الهم والحزن، قيل: هما واحد، وليس كذلك؛ فإن الهم إنما يكون في الأمر المتوقع، والحزن فيما قد وقع، والهم: هو الحزن الذي يذيب الإنسان، يقول: همني الشيء؛ أي: أذابني. 120 - (1) ((اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبدِكَ، ابْنُ أمَتِكَ، نَاصِيَتي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بهِ نَفْسَكَ، أوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أوْ عَلَّمْتَهُ أحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أوِ اسْتأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيْعَ قَلبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وجَلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. قوله: ((إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك)) إظهار التذلل والخضوع، ¬

(¬1) أحمد (1/ 391)، وصححه الألباني [في الكلم الطيب برقم (124)]. (ق).

والاعتراف بالعبودية؛ وإنما لم يكتف بقوله: ((إني عبدك)) بل زاد فيه: ((ابن عبدك، ابن أمتك ... ))؛ لأن هذا أبلغ وآكد في إظهار التذلل والعبودية؛ لأن من ملك رجلاً ليس مثل من ملكه مع أبويه. قوله: ((ناصيتي بيدك)) كناية عن نفوذ حكمه فيه، وأنه تحت قدرته وقهره. قوله: ((ماضٍ فيَّ حكمك)) أي: نافذ فيَّ حكمك. قوله: ((عدل فيَّ قضاؤك)) أي: كل ما تحكم فيَّ فهو عدل؛ لأن العدل صفتك، والظلم محال عليك؛ والعدل: وضع الشيء في محله، والظلم خلافه. قوله: ((أسألك)) إلى آخره، شروع في الدعاء بعد إظهار التذلل والخضوع، وهذا من آداب السائلين، وهذه الحالة أقرب إلى إجابة السؤال، لا سيما إذا كان المسؤول منه كريماً، والله تعالى أكرم الأكرمين، إذا تضرع إليه عبده، وتذلَّلَ له، وأظهر الخضوع والخشوع، ثم سأل حاجة ينفذها في ساعته، على ما هو اللائق بكرمه وجوده. قوله: ((بكل اسم)) أي: بحق كل اسم. قوله: ((هو لك)) احترز به عن غير اسم الله؛ لأنه لما أقسم بكل اسم، وهو عام لجميع الأسماء، أخرج عنه ما هو اسم لغيره بقوله: ((هو لك))؛ لأن القسم بغير اسم الله لا يجوز. قوله: ((سميت به نفسك)) فكأن هذا تفسير لما [قبله]؛ لأن كون الاسم له أن يكون اسماً لنفسه.

قوله: ((أو أنزلته في كتابك)) أي أنزلته على أحد من أنبيائك في كتابك الكريم. قوله: ((أو علمته أحداً من خلقك)) أي: من الأنبياء والملائكة. قوله: ((أو استأثرت به)) أي: أو خصصت به نفسك في علم الغيب؛ بحيث أنه لا يعرفه إلا أنت، ولا يطلع عليه غيرك، وهذا كله تقسيم لقوله: ((بكل اسم هو لك)). وقد استفيد من هذا أن لله أسماء خلاف ما ذكر في القرآن، وعلى لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحدة)) (¬1) للحصر. قوله: ((أن تجعل القرآن ربيع قلبي)) أي: فرح قلبي وسروره، وجعله ربيعاً له؛ لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه، ويخرج من الهم والغم، ويحصل له النشاط والابتهاج والسرور. قوله: ((ونور صدري)) أي: انشراح صدري؛ لأن الصدر إذا كان منشرحاً يكون منوراً. قوله: ((وجلاء حزني)) أي: انكشاف حزني. قوله: ((وذهاب همي)) أي: زواله عني. وجاء في نهاية الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً)). ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (2736)، ومسلم برقم (2677). (م).

121 - (2) ((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبَةِ الرِّجَالِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. وجاء في بداية الحديث؛ قول أنس - رضي الله عنه -: فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: ... قوله: ((الهم والحزن)) قال الطيبي رحمه الله: ((الهم في المتوقع، والحزن فيما فات)). قوله: ((وضَلَع الدَّيْن)) أصل الضَلَع الاعوجاج، يقال: ضَلَعَ يَضْلَع؛ أي: مال؛ والمراد به هنا ثقل الدين وشدته؛ وذلك حيث لا يجد مَن عليه الدين وفاء، ولا سيما مع المطالبة. وقال بعض السلف: ((ما دخل هَمُّ الدَّين قلباً، إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه)). قوله: ((وغلبة الرجال)) أي: قهرهم وشدة تسلطهم عليه؛ والمراد بالرجال الظلمة أو الدائنون، واستعاذ - صلى الله عليه وسلم - من أن يغلبه الرجال لما في ذلك من الوهن في النفس. ¬

(¬1) البخاري (7/ 158) [برقم (6363)]، انظر البخاري مع الفتح (11/ 173). (ق).

35. دعاء الكرب

قال الكرماني رحمه الله: ((هذا الدعاء من جوامع الكلم؛ لأن أنواع الرذائل ثلاثة: نفسانية وبدنية وخارجية؛ فالأولى بحسب القوى التي للإنسان؛ وهي ثلاثة: العقلية والغضبية والشهوانية؛ فالهم والحزن يتعلق بالعقلية، والجبن بالغضبية، والبخل بالشهوانية، والعجز والكسل بالبدنية، والضَلع والغلبة بالخارجية؛ والدعاء مشتمل على جميع ذلك)) بتصرف. 35 - دُعَاءُ الكَرْبِ 122 - (1) ((لَا إلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمُ، لَا إلَهَ إلا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَريْمِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. وفي رواية لمسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر؛ أي: نزل به أمر مهم، أو أصابه غم. قوله: ((العظيم)) صفة الرب سبحانه، ومعناه: الذي جل عن حدود العقول، حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته. قوله: ((الحليم)) هو الذي لا يستخفّه شيء من عصيان العباد، ولا ¬

(¬1) البخاري (7/ 154) [برقم (6346)]، ومسلم (4/ 2092) [برقم (2730)]. (ق).

يستفزه الغضب عليهم، ولكنه جعل لكل شيء مقداراً، فهو منته إليه. قوله: ((رب العرش الكريم)) الكريم صفة للرب سبحانه وتعالى؛ ومعناه: الجواد المعطي، الذي لا ينفذ عطاؤه، وهو الكريم المطلق؛ والكريم: الجامع أنواع الخير والشرف والفضائل. 123 - (2) ((اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو، فَلا تَكِلني إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إلاَّ أنْتَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو بكرة، نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه -. قوله: ((رحمتك أرجو)) تأخير الفعل للاختصاص؛ أي: نخصك برجاء الرحمة، فغيرك لا يرحم. قوله: ((فلا تكلني إلى نفسي)) أي: لا تسلمني ولا تتركني إلى نفسي، فأنصرف عن طاعتك باتباعها. قوله: ((طرفة عين)) خارج مخرج المبالغة؛ يعني: لا تكلني إلى نفسي أصلاً في أي حالة من الأحوال. قوله: ((شأني)) أي: أمري وحالي. 124 - (3) ((لَا إِلَه إِلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ ¬

(¬1) أبو داود (4/ 324) [برقم (5090)]، وأحمد (5/ 42)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3/ 959). (ق).

الظَّالِمينَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه، هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوة ذي النون إذ دعا بها، وهو في بطن الحوت: ((لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)) لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط؛ إلا استُجيب له)). قوله: ((دعوة ذي النون)) أي: دعاؤه، وذو النون اسم النبي يونس عليه السلام، ومن الأنبياء جماعة لهم اسمان، مثل عيسى والمسيح، وذي الكفل واليسع، وإبراهيم والخليل، ومحمد وأحمد ... ، والنون اسم الحوت، ومعنى ذي النون: صاحب النون. قوله: ((إذ دعا بها)) أي: حين دعا بها ربه، ((وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)) بمعنى: سبحانك إني تبت إليك، إني كنت من الظالمين لنفسي. قوله: ((في شيء قط)) أي: في شيء من الأشياء، وكلمة ((قط)) للماضي المنفي، ويجوز فيه تسكين الطاء بالتشديد، والتخفيف، وضمها بهما. 125 - (4) ((اللهُ اللهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بهِ شَيْئاً)) (¬2). ¬

(¬1) الترمذي (5/ 529) [برقم (3505)]، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/ 505)، وانظر صحيح الترمذي (3/ 168). (ق). (¬2) أخرجه أبو داود (2/ 87) [برقم (1525)]، وانظر صحيح ابن ماجه (2/ 335). (ق).

36. دعاء لقاء العدو وذي السلطان

- صحابية الحديث هي أسماء بنت عميس - رضي الله عنها -. وجاء في بداية الحديث؛ قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب ... )). قوله: ((الله الله)) تأكيد لفظي؛ وهو مناداة حذف منه حرف النداء (يا) في اللفظين، وتقدير الكلام: يا الله، يا الله. ولا دليل في هذا الحديث على جواز إفراد اسم الله تعالى في الذكر؛ كقولهم: الله الله الله الله ... وهكذا، بدون طلب من المنادى. وأما الحديث فإن سياقه يدلُّ على أنَّ الذي يدعو مصاب بكرب؛ فيكون تقديره: يا الله يا الله فرج عني ما بي من الكرب، فأنت ربي ولا أشرك بك شيئاً. 36 - دُعَاءُ لِقَاءِ العَدُوِّ وذِي السُّلْطَانِ قوله: ((ذي السلطان)) أي: ذي قوة وقدرة؛ وهو كل مَن له يد قاهرة على الناس. 126 - (1) ((اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُوْرِهِمْ، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ)) (¬1). ¬

(¬1) أبو داود (2/ 89) [برقم (1537)]، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (2/ 142). (ق).

- صحابي الحديث هو أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -. وجاء في بدايته: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قوماً، قال: ... قوله: ((نجعلك في نحورهم)) يقال: جعلت فلاناً في نحر العدو؛ أي: قبالته وحذاءه، وتخصيص النحر بالذكر؛ لأن العدو يستقبل بنحره عند المناهضة للقتال؛ والمعنى: نسألك أن تتولانا في الجهة التي يريدون أن يأتونا منها، ونتوقى بك عما يواجهوننا به، فأنت الذي تدفع شرورهم، وتكفينا أمرهم، وتحول بيننا وبينهم، ولعله اختار هذا اللفظ تفاؤلاً بقتل العدو، والله أعلم. 127 - (2) ((اللَّهُمَّ أنْتَ عَضُدِي، وأنْتَ نَصِيري، بِكَ أحُولُ، وَبِكَ أصُولُ، وَبِكَ أقَاتِلُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. وجاء في بدايته: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند لقاء العدو: ... قوله: ((أنت عضدي)) أي: عوني. قوله: ((أحول)) بالحاء المهملة؛ أي: أتحرك. قوله: ((وبك أصول)) أي: بك أحمل على العدو، من الصولة وهي الحملة. قوله: ((وبك أقاتل)) أي: بعونك وتأييدك أقاتل. ¬

(¬1) أبو داود (3/ 42) [برقم (2632)]، والترمذي (5/ 572) [برقم (3584)]، وانظر صحيح الترمذي (3/ 183). (ق).

128 - (3) ((حَسْبُنَا اللهُ، ونِعْمَ الوَكِيلُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. وجاء فيه: ((قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقاله محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قال له الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (¬2). قوله: ((قالها إبراهيم)) أي: قال هذه الكلمة ((حين أُلقي في النار))، عقاباً له من قومه، لما فعل من تحطيم أصنامهم التي يعبدونها من دون الله تعالى. قوله: ((وقالها محمد)) أي: قال هذه الكلمة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قال نعيم بن مسعود: إن الناس قد جمعوا لكم؛ يعني: أبا سفيان وأصحابه، فاخشوهم ولا تخرجوا إليهم، ولم تسمع الصحابة منه، فخرجوا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، وأيقنوا أن الله لا يخذل محمداً، فلا جرم رجعوا غانمين سالمين، وذلك قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (¬3). قوله: ((حسبنا الله)) أي: يكفينا الله تعالى في كل شيء، و ((نعم الوكيل)) يعني: نعم الثقة، وهو اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: القيم الكفيل بأرزاق العباد. وكلمة ((نعم)) للمدح، كما أن كلمة ((بئس)) للذم. ¬

(¬1) البخاري (5/ 172) [برقم (4563)]. (ق). (¬2) سورة آل عمران، الآية: 173. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 174.

37. دعاء من خاف ظلم السلطان

37 - دُعَاءُ مَنْ خَافَ ظُلْمَ السُّلْطَانِ 129 - (1) ((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَواتِ السَّبْعِ، ورَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، كُنْ لِي جَاراً مِنْ فُلاَنِ بْنِ فُلانٍ، وأحْزَابِهِ مِنْ خَلائِقِكَ؛ أنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحدٌ مِنْهُمْ أوْ يَطْغَى، عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنُاؤُكَ، ولا إِلَهَ إلاَّ أنْتَ)) (¬1). هذا أثر من قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. قوله: ((كُن لي جاراً)) أي: مجيراً ومعيناً. قوله: ((أن يفرط علي أحد منهم أو يطغى)) كقوله تعالى فيما حكاه عن موسى وهارون: {أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} (¬2). أي: يعجل علينا بالقتل والعقوبة، ويقال: فرط عليه فلان إذا عجل. ((أو يطغى)) أي: يتجاوز الحد في الإساءة. قوله: ((عز جارك)) أي: قوي من استجار بك. قوله: ((جل ثناؤك)) أي: عظم الثناء عليك. ¬

(¬1) البخاري في ((الأدب المفرد)) برقم (707)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم (545). (ق). (¬2) سورة طه، الآية: 45.

130 - (2) ((اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أعَزُّ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعاً، اللهُ أعَزُّ مِمَّا أخَافُ وأحْذَرُ، أعُوذُ باللهِ الذِي لَا إِلَهَ إلاَّ هُوَ، المُمْسِكِ السَّمَواتِ السَّبْعِ أنْ يَقَعْنَ عَلَى الأرْضِ إِلاَّ بإذْنِهِ، مِنْ شَرِّ عَبْدِكَ فُلانٍ، وُجُنُودِهِ وَأتْبَاعِهِ وأشْيَاعِهِ، مِنَ الجِنِّ والإنْسِ، اللَّهُمَّ كُنْ لِي جَاراً مِنْ شَرِّهِمْ، جَلَّ ثَنَاؤُكَ، وَعَزَّ جَارُكَ، وتَبَارَكَ اسْمُكَ: وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ)). (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) (¬1). هذا أثر من قول عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. قوله: ((الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعاً)) أي: مهما كَبُر مقام السلطان وَعظُمَتْ قُوَّتُهُ، فالله - عز وجل - أكبر وأعز وأعظم منه ومن جميع الخلق. قوله: ((الله أعز مما أخاف وأحذر)) أي: الله تعالى أقوى وأعظم من هذا المخلوق الذي في قلبي خوف وحذر منه. قوله: ((أعوذ)) أي: أستجير. قوله: ((من شر عبدك فلان)) أي: يذكر اسم الذي يأتيه منه الشر. ¬

(¬1) البخاري في الأدب المفرد برقم (708)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم (546). (ق).

38. الدعاء على العدو

قوله: ((أشياعه)) الأشياع جمع شيعة؛ والمراد: الأتباع والأنصار والأعوان. قوله: ((كن لي جاراً)) أي: حامياً وحافظاً. قوله: ((تبارك اسمك)) أي: كثرت بركة اسمك، أي: وجد كل خير من ذكر اسمك. 38 - الدُّعَاءُ عَلَى العَدُوِّ 131 - ((اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيْعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -. قوله: ((منزل الكتاب)) أي: القرآن. قوله: ((وهازم الأحزاب)) أي: أصناف الكفار. قوله: ((اهزمهم وزلزلهم)) أي: اكسر شوكتهم وازعجهم، وحركهم بالشدائد؛ قال أهل اللغة: الزلزال والزلزلة الشدائد التي تحرك الناس. 39 - مَا يَقُولُ مَنْ خَافَ قَوْماً 132 - ((اللَّهُمَّ اكْفِنِيْهِمْ بِمَا شِئْتَ)) (¬2). ¬

(¬1) مسلم (3/ 1362) [برقم (1742) (21)]. (ق). (¬2) مسلم (4/ 2300) [برقم (3005)]. (ق).

40. دعاء من أصابه وسوسة في الإيمان

- صحابي الحديث هو صهيب بن سنان، أبو يحيى الرومي - رضي الله عنه -. وهذا الدعاء جاء في قصة الغلام والراهب المشهورة. قوله: ((اكفينهم)) أي: احفظني واحمني منهم. قوله: ((بما شئت)) أي: بالذي تشاء من أسباب الوقاية والحماية. 40 - دُعَاءُ مَنْ أصَابَهُ وَسْوَسَةٌ في الإيْمَانِ 133 - (1) ((يَسْتَعِيْذُ بِاللَّهِ)). (2) ((يَنْتَهِي عَمَّا وَسْوَسَ فِيهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. 134 - (3) يَقُولُ: ((آمَنْتُ باللهِ وَرُسُلِهِ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ ... ، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغهُ فليستعذ بالله ولينتهِ)). والحديث الآخر؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خَلَقَ الله الخَلْقَ، فمن خَلَقَ الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً ¬

(¬1) [هاتان الفقرتان في حديث واحد أخرجه] البخاري مع الفتح (6/ 336) [برقم (3276)]، ومسلم (1/ 120) [برقم (134) (214)]. (ق). (¬2) مسلم (1/ 119 - 120) [برقم (134) (212)]. (ق).

فليقل: ((آمنت بالله))، وفي رواية: ((ورسله)). ومعناها: الإعراض عن هذا الخاطر الباطل، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها. قال المازري رحمه الله: ((والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين؛ فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي التي تُدْفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث، وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمراً طائراً بغير أصل دفع بغير نظر في دليل؛ إذ لا أصل له ينظر فيه؛ وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة؛ فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها والله أعلم)). 135 - (4) ((يَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬1) (¬2))). هذا أثر عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. وجاء في بدايته؛ قال أبو زميل وهو سماك بن الوليد - أحد التابعين - قلت لابن عباس - رضي الله عنهما -: ما شيء أجده في نفسي - يعني شيئاً من شك -؟ فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: ... قوله: ((ما شيء أجده)) أي: أي شيء أجده. ¬

(¬1) أبو داود (4/ 329) [برقم (5110)]، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3/ 962). (ق). (¬2) سورة الحديد, الآية: 3.

41. دعاء قضاء الدين

وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأسماء الأربعة التي وردت في الآية بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)) (¬1). وهذه الأسماء متضمنة معنى الإحاطة المطلقة؛ سواء الزمنية في الأول والآخر، أم المكانية في الظاهر والباطن. وقد تقدم شرحه؛ انظر حديث رقم (107). 41 - دُعَاءُ قَضَاءِ الدَّيْنِ 136 - (1) ((اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وأَغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ)) (¬2). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وجاء في بدايته: أن مكاتباً جاء علياً فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني، قال علي - رضي الله عنه -: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لو كان عليك مثل جبل صِيْرٍ دَيناً أدَّاه الله عنك، قال: قل: .... قوله: ((مكاتباً)) المكاتب: العبد الذي قال له مولاه: إن أديت إلي ألفاً مثلاً، كل شهر مئة فأنت حر؛ فقبله؛ فهذا عقد الكتابة، فإذا أدى المال المشروط عتق، والولاء له، فإذا عجز رُدَّ إلى الرق. ¬

(¬1) رواه مسلم برقم (2713). (م). (¬2) الترمذي (5/ 650) [برقم (3563)]، وانظر ((صحيح الترمذي)) (3/ 180). (ق).

42. دعاء الوسوسة في الصلاة والقراءة

قوله: ((لو كان عليك مثل جبل صير ديناً)) فرض وتقدير خارج مخرج المبالغة، و ((صير)): جبل في ((أجإ)) بوزن ((فَعَلٍ)) في ديار طيء، فيه كهوف شبه البيوت، كما قال ياقوت. قوله: ((اكفني)) من كف؛ أي: اصرفني وابعدني. قوله: ((بحلالك عن حرامك)) برزقك الحلال عن الوقوع في الحرام، واجعلني مستغنياً به عمن سواك. 137 - (2) ((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلعِ الدَّيْنِ وغَلَبَةِ الرِّجَال)) (¬1). قد تقدم شرحه؛ انظر حديث رقم (121). 42 - دُعَاءُ الوَسْوَسَةِ في الصَّلاةِ والقِرَاءَةِ أي: ماذا تقول وتفعل عند وسوسة الشيطان في الصلاة، وقراءة القرآن. 138 - ((أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، واتْفُلْ عَلَى يَسَارِكَ)) (ثَلاثاً) (¬2). ¬

(¬1) البخاري (7/ 158) [برقم (6363)]. (ق). (¬2) مسلم (4/ 1729) [برقم (2203)]. (ق).

صحابي الحديث هو عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قول عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه -: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يلبسها عليَّ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذلك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً))، قال - رضي الله عنه -: ففعلت ذلك فأذهبه الله عنِّي. قوله: ((حال بيني وبين صلاتي)) أي: صار حائلاً، والحائل: الحاجز بين الشيئين والمعنى: أنه صرفه وألْهَاه عن أداء عبادته بشكل حسن. قوله: ((يلبسها)) أي: يخلطها عليَّ، من اللَّبس وهو الخلط. قوله: ((خِنْزَبٌ)) واختلفوا في ضبط الخاء، فمنهم من فتحها، ومنهم من كسرها، ويعدان مشهوران، ومنهم من ضمها؛ حكاه ابن الأثير في ((النهاية))، والمعروف الفتح والكسر. خنزب هو لقب لذاك الشيطان، وهو في اللغة قطعة لحم منتنة. قوله: ((واتفل على يسارك)) إنما أمر باليسار؛ لأن الشيطان يأتي من قبل اليسار؛ لأن القلب أقرب إلى اليسار، ولا يقصد الشيطان إلا القلب. قال النووي - رحمه الله -: ((في هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وسوسته مع تفل على اليسار ثلاثاً)).

43. دعاء من استصعب عليه أمر

43 - دُعَاءُ مَنِ اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ أمْرٌ 139 - ((اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إلاَّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وأنْتَ تَجْعَلُ الحَزْنَ إذَا شِئْتَ سَهْلاً)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. قوله: ((لا سهل)) أي: لا شيء لين ولا هين إلا ما جعلته ليناً وهيناً. قوله: ((الحزن)) أي: ما غلظ وصعب. 44 - مَا يَقُولُ وَيَفعَلُ مَنْ أذْنَبَ ذَنْباً 140 - ((مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْباً فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -. قوله: ((ما من عبدٍ)) سواء كان ذكراً أم أنثى. قوله: ((يذنب ذنباً)) أي: أي ذنب كان. قوله: ((فيحسن الطَّهور)) أي: الوضوء أو الاغتسال. قوله: ((ثم يستغفر الله)) أي: لذلك الذنب؛ والمراد بالاستغفار ¬

(¬1) رواه ابن حبان في صحيحه برقم (2427) موارد، وابن السني برقم (351)، وقال الحافظ: هذا حديث صحيح، وصححه عبد القادر الأرناؤوط في تخريج الأذكار للنووي (ص 106). (ق). (¬2) أبو داود (2/ 86) [برقم (1521)]، والترمذي (2/ 257) [برقم (406 و3006)]، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/ 283). (ق).

45. دعاء طرد الشيطان ووساوسه

التوبة: بالندامة، والإقلاع، والعزم على أن لا يعود إليه أبداً، وأن يتدارك الحقوق، إن كانت هناك. وجاء في نهاية الحديث: ثم قرأ - صلى الله عليه وسلم -، أو أبو بكر - رضي الله عنه -، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (¬1). 45 - دُعَاءُ طَرْدِ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ 141 - (1) ((الاسْتِعَاذَةُ باللهِ مِنْهُ)) (¬2). والمراد أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} (¬3). 142 - (2) ((الأَذَانُ)). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. ¬

(¬1) سورة آل عمران, الآيتان: 135, 136. (¬2) أبو داود (1/ 206)، والترمذي، وانظر صحيح الترمذي (1/ 77). (ق). (¬3) سورة المؤمنون, الآيتان: 97 - 98.

ومما يطرد الشيطان الأذان؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى التأذين، أقبل، فإذا ثوِّب بالصلاة، أدبر فإذا قضى التثويب، أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى)) (¬1). قوله: ((إذا نودي للصلاة)) أي: إذا أذن. قوله: ((أدبر الشيطان)) هذا تمثيل لحال الشيطان عند هروبه من سماع الأذان بحال من خرقه أمر عظيم، واعتراه خطب جسيم، حتى يحصل له الضراط من شدة ما هو به؛ لأن الواقع في الشدة العظيمة من خوف وغيره؛ تسترخي مفاصله، ولا يقدر على أن يحفظ نفسه فينفتح مخرج البول والغائط، ولما كان الشيطان - عليه اللعنة - يعتريه شدة عظيمة، وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة، حتى يتوجه إلى الهروب، حتى لا يسمع الأذان، شبه حاله بحال ذلك الرجل. فإن قيل: ما الحكمة من أن الشيطان يهرب من الأذان، ولا يهرب من قراءة القرآن، وهي أفضل من الأذان؟ قيل له: إنما يفر من الأذان، وله ضراط لئلا يسمعه، فيحتاج أن يشهد بما يسمع إذا استشهد يوم القيامة؛ لأنه جاء في الحديث: ((لا يسمع مدى صوت المؤذن جن، ولا إنسان ولا شيء إلا شهد يوم القيامة)) والشيطان أيضاً شيء. ¬

(¬1) البخاري (1/ 151) [برقم (608)]، ومسلم (1/ 291) [برقم (389)]. (ق).

46. الدعاء حينما يقع ما لا يرضاه أو غلب على أمره

والأحسن فيه أن يقال: إنما يدبر الشيطان لعظم أمر الأذان؛ لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار شعار الإسلام، وإعلانه، وقيل: إنما يدبر ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد. قوله: ((فإذا قضى التأذين أقبل)) أي: فإذا فرغ من الأذان أقبل الشيطان، لزوال ما يلحقه من الشدة والداهية. 143 - (3) ((الأذْكَارُ وَقِراءَةُ القُرْآنِ)). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة (¬1))). ومما يطرد الشيطان أذكار الصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ، وأذكار دخول المنزل والخروج منه، وأذكار دخول المسجد والخروج منه، وغير ذلك من الأذكار المشروعة مثل قراءة آية الكرسي عند النوم، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مئة مرة، كانت له حرزاً من الشيطان يومه كله. 46 - الدُّعَاءُ حيْنَمَا يَقَعُ مَا لا يَرْضَاهُ أوْ غُلِبَ عَلَى أمْرِهِ 144 - ((قَدَرُ اللَّهِ ومَا شَاءَ فَعَلَ)) (¬2). ¬

(¬1) رواه مسلم (1/ 539) [برقم (780)]. (ق). (¬2) مسلم (4/ 2052) [برقم (2664)]. (ق).

- صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله - عز وجل -، ولا تعجز وإن أصابك شيء؛ فلا تقل: لو أني فعلت، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان)). قوله: ((المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف)) أي: المؤمن الذي له عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، ويكون له كثرة الإقدام على العدو في الجهاد، وسرعة الخروج والذهاب في طلبه، وشدة العزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وشدة الرغبة في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، والنشاط في طلبها، والمحافظة عليها ... ونحو ذلك. قوله: ((وفي كلٍّ خير)) أي: في كلٍّ واحد من القوي والضعيف خير؛ لاشتراكهما في الإيمان. قوله: ((احرِص)) أي: احرص على طاعة الله تعالى، والرغبة فيما عنده. قوله: ((واستعن بالله)) أي: اطلب العون من الله تعالى. قوله: ((ولا تعجز)) بكسر الجيم، وحكي فتحها؛ أي: لا تعجز [عن] الطاعات، ولا تكسل عنها، ويحتمل العموم في أمور الدنيا والآخرة؛ والمراد منه أن لا يترك النشاط. قوله: ((وإن أصابك شيء)) أي: شيء مما تكرهه.

قوله: ((ولكن قل: قدر الله)) أي: هذا قَدَرُ الله، أو قَدَرُ الله هكذا. قوله: ((ما شاء فعل)) أي: ما شاء الله أن يفعل فعل، فإن المشيئة له، والذي قدره كائن لا محالة، ولا ينفع قول العبد: لو كان كذا لكان كذا. قوله: ((فإن لو)) تعليل لقوله: ((لا تقل لو))؛ أي: التلفظ بكلمة ((لو)) ((تفتح عمل الشيطان)). واعلم أن المراد بقوله: ((فإن لو تفتح عمل الشيطان))؛ الإتيان بها في صيغة تكون فيها منازعة القدر على ما فاته من أمور الدنيا، ولم يكن المراد به كراهة التلفظ بكلمة ((لو)) في جميع الأحوال، وسائر الصور، ويبين هذا المعنى قوله تعالى: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (¬1)؛ فأتت الآية على قسمين: ما يحمد منه وما يذم؛ وقوله: ((ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت)) (¬2). وما أشبهه من كلامه غير داخل في هذا الباب؛ لأنه لم يرد به المنازعة في القدر، وكلمة ((لو)) في قوله تعالى: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} من قبيل رد القدر، والمنازعة فيه، ولذلك ذمهم الله تعالى، وجعل ذلك حسرة في قلوبهم، فعرفنا أن التلفظ بكلمة ((لو)) إنما يكون مذموماً إذا كان مفضياً بالعبد إلى التكذيب بالقدر، وعدم الرضا بصنع الله تعالى. ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 154. (¬2) رواه البخاري برقم (2505)، ومسلم برقم (1218). (م).

47. تهنئة المولود له وجوابه

47 - تَهْنِئَةُ المَوْلُودِ لَهُ وَجَوَابُهُ 145 - ((بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي المَوْهُوبِ لَكَ، وَشَكَرْتَ الوَاهِبَ، وبَلَغَ أشُدَّهُ، وَرُزِقْتَ بِرَّهُ)). ويَرُدُّ عَلَيْهِ المُهَنَّأُ فَيَقُولُ: ((بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وبَارَكَ عَلَيْكَ، وجَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً، ورَزَقَكَ اللَّهُ مِثْلَهُ، وأجْزَلَ ثَوَابَكَ)) (¬1). هذه التهنئة تنقل عن الحسن البصري - رحمه الله -؛ وأما الجواب فالظاهر أنه لأحد العلماء. وجاء فيه: أن رجلاً جاء إلى الحسن، وعنده رجل قد ولد له غلام؛ فقال له: يهنك الفارس، فقال له الحسن: ما يدريك فارس هو أو حمار؟! قال: قل: ... (¬2) قوله: ((بارك الله لك في الموهوب لك)) أي: أكثر الله تعالى الخير لك في الذي رزقك. ¬

(¬1) انظر: ((الأذكار للنووي)) (ص 349)، و ((صحيح الأذكار للنووي))، لسليم الهلالي (2/ 713). (ق). (¬2) انظر: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص 29). (م).

48. ما يعوذ به الأولاد

و ((الموهوب)) أي: المرزوق؛ أي: الذي أعطي لك من الله ومَنَّ به عليك. قوله: ((وشكرت الواهب)) الواهب هو الله سبحانه وتعالى؛ أي: جعلك الله راضياً بما رزقك، فتشكره على ذلك وتحمده. قوله: ((وبلغ أشده)) أي: اللهم بَلِّغه الشباب والقوة، وطول العمر؛ فيكن عونك في شأنك كله، فتنتفع به. قوله: ((ورزقت بره)) أي: جعله الله تعالى لك طائعاً. قوله: ((أجزل)) أي: أعظم وأكثر. 48 - مَا يُعَوَّذُ بهِ الأوْلادُ 146 - كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ - رضي الله عنهما -: ((أُعِيذُكُمَا بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. قوله: ((بكلمات الله التامة)) المراد من الكلمات: أسماؤه الحسنى، وكتبه المنزلة، ووصفها بالتمام، لخلوها عن العوارض والنواقص. قوله: ((هامَّة)) هي كل ذات سم يقتل؛ كالحية والعقرب ... وغيرهما، والجمع: الهوام. قوله: ((عين لامَّة)) هي التي تصيب ما نظرت إليه بسوء. ¬

(¬1) البخاري (4/ 119) [برقم (3371)]. (ق).

49. الدعاء للمريض في عيادته

49 - الدُّعَاءُ للمَرِيضِ فِي عِيَادَتِهِ 147 - (1) ((لا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللهُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على مريض يعوده، قال له: ... قوله: ((لا بأس)) أي لا شدة عليك ولا أذى. قوله: ((طهور)) أي: هذا طهور لك من ذنوبك؛ أي: مطهرة. قوله: ((إن شاءالله)) هذه جملة خبرية، وليست جملة دعائية؛ لأن الدعاء ينبغي للإنسان أن يجزم به، لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول الرجل: ((اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت)) (¬2). 148 - (2) ((أسَألُ اللَّهَ العَظِيمَ، رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، أنْ يَشْفِيَكَ)) (سَبْعَ مَرَّاتٍ) (¬3). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد مسلم يعود مريضاً، لم ¬

(¬1) البخاري مع ((الفتح)) (10/ 118) [برقم (3616)]. (ق). (¬2) رواه البخاري برقم (6339)، ومسلم برقم (2679). (م). (¬3) أخرجه الترمذي [برقم (2083)]، وأبو داود [برقم (3106)]، وانظر ((صحيح الترمذي)) (2/ 210)، و ((صحيح الجامع)) (5/ 180) [برقم (5766)]. (ق).

50. فضل عيادة المريض

يحضر أجله فيقول عنده سبع مرات: .... ؛ إلا عافاه الله)). قوله: ((يشفيك)) بفتح الياء؛ أي: يبرئك، ويذهب عنك ما تجد. والمعنى: أن الرجل إذا عاد مريضاً، وقرأ عنده هذا الدعاء سبع مرات، وكان هذا المريض في علم الله لم يحضر أجله، يعافى له بفضل الله - عز وجل -، وإلا إذا كان الأجل حاضراً لم ينفع الدعاء إلا في ثواب القراءة خاصة، والله أعلم. 50 - فَضْلُ عِيَادةِ المَرِيضِ 149 - قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا عَادَ الرَّجُلُ أخَاهُ المُسْلِمَ، مَشَى فِي خِرَافَةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وإنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قوله: ((خِرَافَة)) بكسر الخاء، وفتحها؛ أي: في اجتناء ثمارها، وفي ((القاموس)) الخُرفة، بالضم، المخترف والمجتنى، كالخرافة، وفي بعض الروايات: ((في خُرفة الجنة)). ¬

(¬1) رواه الترمذي [برقم (969)]، وابن ماجه [برقم (1442)]، وأحمد [(1/ 97)]، وانظر صحيح ابن ماجه (1/ 244)، وصحيح الترمذي (1/ 286)، وصححه أيضاً أحمد شاكر. (ق).

51. دعاء المريض الذي يئس من حياته

قال الهروي - رحمه الله -: ((هو ما يخترف من النخل حين يدرك ثمره)). وقال أبو بكر بن الأنباري رحمه الله: ((يشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يحرزه عائد المريض من الثواب، بما يحرزه المخترف من الثمر)). وقيل: إن المراد بذلك الطريق؛ فيكون معناه: إنه في طريق تؤديه إلى الجنة. قوله: ((غمرته)) أي: علته وغطته وسترته. قوله: ((غدوة)) أي: أول النهار. قوله: ((صلى عليه)) أي: دعا له بالمغفرة والخير. قوله: ((حتى يمسي)) أي: لا يزالون يدعون له بالمغفرة والخير، حتى يأتي وقت المساء. قوله: ((حتى يصبح)) أي: لا يزالون يدعون له بالمغفرة والخير، حتى يأتي وقت الصباح. 51 - دُعَاءُ المَرِيْضِ الذِي يَئِسَ مِنْ حَيَاتِهِ قوله: ((يئس)) أي: انقطع أمله في الحياة. 150 - (1) ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وارْحَمْنِي، وأَلْحِقْنِي بالرَّفِيقِ الأعْلَى)) (¬1). ¬

(¬1) البخاري (7/ 10) [برقم (4440)]، ومسلم (4/ 1893) [برقم (2444)]. (ق).

- صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنها -. قوله: ((الرفيق الأعلى)) المراد به ما جاء في قوله تعالى: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (¬1). وقيل: الرفيق الأعلى: الجنة، وقيل: الله - سبحانه وتعالى -. 151 - (2) ((جَعَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِندَ مَوْتِهِ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، ويَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ إِنَّ للمَوْتِ سَكَرَاتٍ)) (¬2). - صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنها -. قوله: ((عند موته)) أي: قرب ساعة موته. قوله: ((يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه)) دفعاً لحرارة الموت، أو دفعاً للغشيان وكربه. قوله: ((إن للموت سكرات)) أي: شدائد. 152 - (3) لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ واللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لَهُ المُلْكُ ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 69. (¬2) البخاري مع الفتح (8/ 144) [برقم (4449)]. (ق). وفي الحديث ذكر السواك.

وَلَهُ الحَمْدُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري وأبو هريرة - رضي الله عنهما -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: لا إله إلا الله والله أكبر، صدَّقه ربه؛ فقال: لا إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، قال: يقول لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال الله: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال: لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله: لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي)). وكان يقول: ((من قالها في مرضه، ثم مات لم تَطْعَمْهُ النار)). قوله: ((صدقه ربه)) أي: وقال الرب بياناً لتصديقه؛ أي: قرره بأن قال: لا إله إلا أنا وأنا أكبر. قوله: ((من قالها)) أي: هذه الكلمات من دون الجوابات؛ أي: كما جاءت بنص المصنف حفظه الله تعالى. قوله: ((ثم مات)) أي: من ذلك المرض. قوله: ((لم تطعمه النار)) أي: لم تأكله وتحرقه. ¬

(¬1) أخرجه الترمذي [برقم (3430)]، وابن ماجه [برقم (3794)]، وصححه الألباني، وانظر صحيح الترمذي (3/ 152)، وصحيح ابن ماجه (2/ 317). (ق).

52. تلقين المحتضر

52 - تَلْقِينُ المُحْتَضِرِ 153 - ((مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، دَخَلَ الجَنَّة)) (¬1). - صحابي الحديث هو معاذ بن جبل - رضي الله عنه -. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((والمراد بقوله: لا إله إلا الله، في هذا الحديث وغيره، كلمتا الشهادة)). قال الكرماني رحمه الله: ((قوله: لا إله إلا الله؛ أي: هذه الكلمة، والمراد هي وضميمتها محمد رسول الله)). 53 - دُعَاءُ مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ 154 - ((إنَّا للهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أجُرْنِي فِي مُصِيْبَتي، وأخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا)) (¬2). - صحابية الحديث هي أم سلمة - رضي الله عنها -. جاء في الحديث قوله: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: ... ، إلا أجَرَهُ الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها)). ¬

(¬1) أبو داود (3/ 190) [برقم (3116)]،وانظر ((صحيح الجامع)) (5/ 432) [برقم (6479)]. (ق). (¬2) مسلم (2/ 632) [برقم (918)]. (ق).

54. الدعاء عند إغماض الميت

قالت أم سلمة - رضي الله عنها -: فلما توفي أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخلف الله لي خيراً منه؛ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: ((وأخلف لي)) أي: عوض لي ((خيراً منه))؛ أي: من تلك المصيبة؛ والمصيبة عام، سواء كانت في النفوس أو في الأموال. قوله: ((فلما توفي أبو سلمة)) وهو: عبد الله بن عبد الأسد، وكانت أم سلمة تحته، فلما توفي زوجها عبد الله، قالت كما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها))؛ فأخلف الله لها خيراً منه، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 54 - الدُّعَاءُ عِنْدَ إغْمَاضِ المَيِّتِ 155 - ((اللَّهمَّ اغْفِرْ لِفُلانٍ (باسْمِهِ)، وارْفَعْ دَرَجَتهُ فِي المَهْدِيِّيْنَ، واخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِريْنَ، واغْفِرْ لَنَا ولَهُ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ، وافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيْهِ)) (¬1). - صحابية الحديث هي أم سلمة - رضي الله عنها -. وجاء في بدايته؛ قول أم سلمة - رضي الله عنها -: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر))، فضج ناس من أهله، فقال: ((لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ ¬

(¬1) مسلم (2/ 634) [برقم (920)]. (ق).

فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)) ثم قال: ((اللهم اغفر لأبي سلمة ... )). قوله: ((وقد شُق بصره)) أي: شَخَصَ، وقال ابن السكيت: ((يقال: شق بصر الميت، ولا يُقال: شقّ الميت بصره؛ وهو الذي حضره الموت، وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه)). قوله: ((فأغمضه)) أي: أغمض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره، ولعل الحكمة أن لا يقبح منظره إذا ترك إغماضه. قوله: ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر)) أي: إذا خرج الروح من الجسد، يتبعه البصر ناظراً أين يذهب. قوله: ((تبعه)) أي: تبع الروح البصر، الروح يذكر ويؤنث، والأصل التذكير فلذلك جاء في الحديث بالتذكير، وذكر بعض العلماء أن قوله: ((إذا قبض تبعه البصر)) يحتمل وجهين: أحدهما: أن الروح إذا قبض تبعه البصر في الذهاب؛ فلهذا أغمضه؛ لأن فائدة الانفتاح ذهب بذهاب البصر عند ذهاب الروح، والوجه الآخر: أن روح الإنسان إذا قبضها الملائكة نظر إليها الذي حضره الموت نظراً شزراً، لا يرتد إليه طرف، حتى تضمحل بقية القوة الباصرة الباقية بعد مفارقة الروح الإنسان، التي يقع بها الإدراك والتمييز، دون الحيواني التي به الحس والحركة، وغير مستنكر من قدرة الله سبحانه أن يكشف عنده الغطاء ساعة ئذٍ، حتى يبصر ما لم يكن يبصر.

55. الدعاء للميت في الصلاة عليه

قوله: ((فضج ناس)) أي: صاحوا بصوت شديد؛ والضجة: الصيحة. قوله: ((فقال: لا تَدْعُوا على أنفسكم)) إشارة إلى نهيه - صلى الله عليه وسلم - إياهم عن الضجة؛ كأنهم قالوا: يا ويلاه علينا، ويا مصيبتاه علينا، فنهاهم عن ذلك، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير. قوله: ((فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)) إشارة إلى أن كل داع يؤمن في دعائه الملائكة لا يرد. قوله: ((في الغابرين)) أي: الباقين. قوله: ((وافسح)) أي: وسع قبره. ينبغي أن يقال بعد إغماض الميت: ((اللهم اغفر لفلان - ويسميه باسمه - وارفع درجته ... )) إلى آخر ما قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي سلمة - رضي الله عنه - كما ذكر المصنف. 55 - الدُّعَاءُ للمَيِّتِ فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ 156 - (1) ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وارْحَمْهُ، وعَافِهِ، واعْفُ عَنْهُ، وأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، واغْسِلهُ بالمَاءِ والثَّلْجِ والبَرَدِ، ونَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وأبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وأهْلاً خَيْراً مِنْ أهْلِهِ، وزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وأدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ

القَبْرِ [وَعَذَابِ النَّارِ])) (¬1). - صحابي الحديث هو عوف بن مالك - رضي الله عنه -. قوله: ((عافه)) من المعافاة؛ أي: خلِّصه من المكاره. قوله: ((وأكرم نزله)) النُّزل هو ما يعد للنازل من الزاد؛ أي: أحسن نصيبه من الجنة. قوله: ((ووسِّع مدخله)) أي: قبره. قوله: ((واغسله بالماء والثلج والبرد)) قال الخطابي - رحمه الله -: ((ذكر الثلج والبرد تأكيداً، أو لأنهما ماءان لم تمسهما الأيدي، ولم يمتهنهما الاستعمال)). وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: ((عبر بذلك عن غاية المحو؛ فإن الثوب الذي تتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية؛ يكون في غاية النقاء. والمراد طهره من المعاصي والذنوب، بأنواع الرحمة التي بمنزلة الماء في إزالة الوسخ)). قوله: ((كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس)) ولما كان الدنس في الثوب الأبيض أظهر من غيره من الألوان وقع التشبيه به. قوله: ((وأبدله داراً)) في الجنة ((خيراً من داره)) التي كانت له في الدنيا. قوله: ((وأهلاً خيراً من أهله)) والأهل هنا تشمل أقاربه وخدمه. ¬

(¬1) مسلم (2/ 663) [برقم (963)]. (ق).

قوله: ((وزوجاً خيراً من زوجه)) هذا من عطف الخاص على العام؛ فإن الأهل عام تشمل الزوج وغيرها؛ ولكن خص ذكرها لما جبل عليه الرجال من شهوة تجاهها. وفيه إطلاق الزوج على المرأة؛ قيل: هو أفصح من الزوجة فيها. قال بعض العلماء: ((هذا اللفظ من الدعاء خاص بالرجال، ولا يقال في الصلاة على المرأة أبدلها زوجاً خيراً من زوجها؛ لجواز أن تكون لزوجها في الجنة؛ فإن المرأة لا يمكن الاشتراك فيها، والرجل يقبل ذلك؛ أي: من اشتراك النساء فيه)). 157 - (2) ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا، ومَيِّتِنَا، وشَاهِدِنَا، وَغَائِبِنَا، وصَغِيْرِنَا، وكَبيرِنَا، وذَكَرِنَا، وأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أحْيَيْتَهُ مِنَّا فأَحْيِهِ عَلَى الإسْلامِ، ومَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوفَّهُ عَلَى الإيْمانِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أجْرَهُ، ولا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((وصغيرنا وكبيرنا)) قال ابن حجر المكي - رحمه الله -: ((الدعاء في حق الصغير لرفع الدرجات)). ¬

(¬1) ابن ماجه (1/ 480) [برقم (1498)]، أبو داود برقم (3201)، والترمذي برقم (1024)، والنسائي برقم (1988)]، وأحمد (2/ 368)، وانظر صحيح ابن ماجة (1/ 251). (ق).

قوله: ((شاهدنا)) أي: حاضرنا. قال الطيبي رحمه الله: ((المقصود من القرائن الأربع أي: قوله: لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، الشمول والاستيعاب، فلا يحمل على التخصيص نظراً إلى مفردات التركيب؛ كأنه قال: اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات كُلهم)). قوله: ((فأحيه على الإسلام))، وقوله: ((فتوفه على الإيمان))؛ وفي رواية أخرى عكس ذلك؛ أي: أحيه على الإيمان، وتوفه على الإسلام؛ قال ملا علي القاري رحمه الله: ((الانقياد والتسليم لأن الموت مقدمة: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. وقيل في الرواية الأولى: لأن الإسلام هو التمسك بالأركان الظاهرية، وهذا لا يتأتى إلا في حالة الحياة، وأما الإيمان فهو التصديق الباطني وهو المطلوب الذي عليه الوفاة. والظاهر من لفظ الحديث أن الإسلام والإيمان معناهما واحد؛ وهو الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان والعمل بالجوارح والأركان؛ فدعا - صلى الله عليه وسلم - أن نحيى ونموت عليه. 158 - (3) ((اللَّهُمَّ إِنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ فِي ذِمَّتِكَ، وحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، وأَنْتَ أهْلُ الوَفَاءِ والحَقِّ، فاغْفِرْ لَهُ، وارْحَمْهُ، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ

الرَّحِيمُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه -. قوله: ((في ذمتك)) أي: في أمانتك وعهدك وحفظك. قوله: ((وحبل جوارك)) قيل: كان من عادة العرب أن يخيف بعضهم بعضاً، وكان الرجل إذا أراد سفراً أخذ عهداً من سيد كل قبيلة، فيأمن به مادام في حدودها، حتى ينتهي إلى الأخرى، فيأخذ مثل ذلك؛ فهذا حبل الجوار؛ أي: العهد والأمان مادام مجاوراً أرضه، أو هو من الإجارة والأمانة والنصرة. 159 - (4) ((اللَّهُمَّ عَبْدُكَ وابْنُ أمَتِكَ، احْتَاج إِلَى رَحْمَتِكَ، وأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، إِنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ فِي حَسَنَاتِهِ، وإنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. والمعنى: أنه اعترف بأنه عبدٌ لله تعالى، مملوك هو وأمه، مفتقر إلى رحمته، طالب رحمته، وأن لا يعذبه، ويتجاوز عن سيئاته، ويزيده في حسناته. ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه [برقم (1499)]، وأبو داود, (3/ 211)، وانظر صحيح ابن ماجه (1/ 251). (ق). (¬2) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/ 359)، وانظر: أحكام الجنائز للألباني (ص 125). (ق).

56. الدعاء للفرط في الصلاة عليه

56 - الدُّعَاءُ للفَرَطِ فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ الفرط هو السابق المتقدم؛ والمراد هنا مَن مات وهو طفل صغير. 160 - (1) ((اللَّهُمَّ أعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)) (¬1). هذا أثر من قول أبي هريرة - رضي الله عنه -. قال سعيد بن المسيب: صليت وراء أبي هريرة - رضي الله عنه - على صبيٍّ ليست له خطيئة قط، فسمعته يقول: ... وَإنْ قَالَ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطَاً وَذُخْراً لِوَالِدَيْهِ، وشَفِيعاً مُجَاباً، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِيْنَهُمَا، وأعْظِمْ بهِ أُجُورَهُمَا، وألْحِقْهُ بِصَالِحِ المُؤْمِنينَ، واجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الجَحِيمِ، وأبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأسْلاَفِنَا، وَأَفْرَاطِنَا، وَمَنْ سَبَقَنا بالإيْمَانِ)). فَحَسَنٌ (¬2). قال ابن قدامة - رحمه الله - بعد ذكره هذا الدعاء: ((ونحو ذلك، وبأي ¬

(¬1) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 288)، وابن أبي شيبة في المصنف (3/ 217)، والبيهقي (4/ 9)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لشرح السنة للبغوي (5/ 357). (ق). (¬2) انظر: المغني لابن قدامة (3/ 416)، والدروس المهمة لعامة الأمة، للشيخ عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - (ص 15). (ق).

57. دعاء التعزية

شيء دعا مما ذكرنا أو نحوه أجزأه، وليس فيه شيء موقت)). قوله: ((اجعله فرطاً وذخراً لوالديه)) أي: أجراً متقدماً ومحتفظاً به عندك لوالديه. قوله: ((شفيعاً مجاباً)) أي: مقبولاً في التوسط عندك، ومجاباً فيما توسط به. قوله: ((لأسلافنا)) أي: مَن تقدمونا بالموت من آبائنا وذوي قرابتنا ... 161 - (2) ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطَاً، وَسَلَفاً، وَأَجْراً)) (¬1). هذا أثر عن الحسن البصري - رحمه الله -. كان الحسن - رحمه الله - يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب، ويقول: ... 57 - دُعَاءُ التَّعْزِيَةِ العزاء هو الصبر، والتعزية هي التصبير والحمل على الصبر بذكر ما يسلي المصاب، ويخفف حزنه ويهون عليه. 162 - ((إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّىً ... فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (5/ 357)، وعبد الرزاق برقم (6588)، وعلقه البخاري في كتاب الجنائز (65) باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة (2/ 113). (ق). (¬2) البخاري (2/ 80) [برقم (1284)]، ومسلم (2/ 636) [برقم (923)]. (ق).

- صحابي الحديث هو أسامة بن زيد - رضي الله عنه -. والحديث هو قوله - رضي الله عنه -: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه، وتخبره أن صبياً لها - أو ابناً لها - في الموت، فقال للرسول: ((ارجع إليها، فأخبرها ... ))، فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها، قال: فقام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل، وانطلقت معهم، فَرُفِعَ إليه الصبي، ونفسه تَقَعْقَع كأنها في شنة، ففاضت عيناه، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: ((هذه رحمة جعلها الله في قلب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)). قوله: ((فأرسلت إليه إحدى بناته)) هي زينب كما وقع في بعض الروايات. قوله: ((إن لله ما أخذ وله ما أعطى))؛ قدم ذكر الأخذ على الإعطاء، وإن كان متأخراً في الواقع، لما يقتضيه المقام؛ والمعنى أن الذي أراد الله تعالى أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له. قوله: ((وكل شيء عنده بأجل مسمى)) أي: من الأخذ والإعطاء، أو ما هو أعم من ذلك. و ((بأجل مسمى)) أي: معلوم. قوله: ((ولتحتسب)) أي: تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها، ليحسب لها ذلك من عملها الصالح. قوله: ((إنها قد أقسمت لتأتينها))؛ والظاهر أنه امتنع أولاً مبالغة في

58. الدعاء عند إدخال الميت القبر

إظهار التسليم، ولكنها ألحت وأقسمت عليه أن يحضر ليدفع عنها ما هي فيه من الألم. قوله: ((ونفسه تَقَعْقَع)) القعقعة حكاية صوت الشيء اليابس إذا حُرِّك. قوله: ((كأنها في شنة)) والشن القربة الخلقة اليابسة؛ فشبه البدن بالجلد اليابس الخلق، وحركة الروح فيه بما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها. وَإنْ قَالَ: ((أعْظَمَ اللهُ أجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتكَ))؛ فَحَسَنٌ (¬1). قال النووي - رحمه الله - في ((الأذكار)) قبل ذكره هذا الدعاء: ((وأما لفظة التعزية فلا حجر فيه، فبأي لفظ عزاه حصلت، واستحب أصحابنا - أي: الشافعية - أن يقول في تعزية المسلم بالمسلم: ... )). والأحسن أن يعزي بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد سبق ذكره. 58 - الدُّعَاءُ عِندَ إدْخَالِ المَيِّتِ القَبْرَ 163 - ((بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ الله)) (¬2). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. ¬

(¬1) الأذكار، للنووي (ص 126). (ق). (¬2) أبو داود (3/ 314) [برقم (3213)]، بسند صحيح، وأحمد [(2/ 40)] بلفظ: ((بسم الله وعلى ملة رسول الله))، وسنده صحيح. (ق).

59. الدعاء بعد دفن الميت

قوله: ((وعلى سنة رسول الله)) أي: شريعته وطريقته. وفي رواية: ((وعلى ملة .. )) والمعنى واحد. 59 - الدُّعَاءُ بَعْدَ دَفْنِ المَيِّتِ 164 - ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: ((استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسْأل)). قوله: ((وقف عليه)) أي: على مقربة من قبر الميت. قوله: ((التثبيت)) أي: أن يثبته الله في الجواب عند السؤال في القبر؛ مَن ربك؟ وما دينك؟ ومَن نبيك؟ 60 - دُعَاءُ زِيَارَةِ القُبُورِ 165 - ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الدِّيَارِ، مِنَ المُؤْمِنِينَ، والمُسْلِمِينَ، وَإنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، [وَيَرْحَمُ اللَّهُ المُستَقْدِمينَ مِنَّا والمُستأخِرينَ] أسألُ اللَّهَ لنَا وَلَكُمُ ¬

(¬1) أبو داود (3/ 315) [برقم (3221)]، والحاكم صححه ووافقه الذهبي (1/ 370). (ق).

العَافِيَةَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو بُرَيدَة بن الحُصيف - رضي الله عنه -. قوله: ((نسأل الله لنا ولكم العافية)) أما وجه سؤال العافية للأحياء فظاهر، وأما وجه السؤال للموتى؛ فالمراد بها أن يدفع الله عنهم العذاب، ويخفف عليهم الحساب، ومن هذا الباب ما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كيف أقول يا رسول الله؟ يعني: في زيارة القبور، قال: ((قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منكم ومنا والمستأخرين، وإنا إن شاءالله بكم لاحقون)). ويستحب للزائر الإكثار من الدعاء لأهل تلك القبور، وسائر الموتى والمسلمين أجمعين، ويُستحب أن يمشي في المقبرةحافياً؛ لما جاء عن بشير بن معبد - رضي الله عنه - قال: بينما أنا أماشي النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر فإذا رجل يمشي بين القبور عليه نعلان، فقال: ((يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك)) (¬2)؛ السبتية: النعل الذي لا شعر عليها، وهو بكسر السين المهملة، وإسكان الباء الموحدة. ¬

(¬1) مسلم (2/ 671) [برقم (975)]، وابن ماجة واللفظ له (1/ 494) [برقم (1547)]، عن بريدة - رضي الله عنه -، وما بين المعقوفتين من حديث عائشة - رضي الله عنها - عند مسلم (2/ 671) [برقم (974)]. (ق). (¬2) رواه أبو داود برقم (3230)، والنسائي (4/ 96)، وابن ماجه برقم (1568)، وصححه الألباني، انظر: الإرواء برقم (760). (م).

61. دعاء الريح

61 - دُعَاءُ الرِّيْحِ أي: الدعاء الذي يقال عند هبوب الريح. 166 - (1) ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب؛ فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واسألوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها)). قوله: ((الريح من رَوح الله)) أي: من رحمة الله تعالى لعباده. قوله: ((تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب)) أي: تارة تكون رحمة إذا أتت بمطر في الجدب، أو هبت في وقت حر، ... ونحو ذلك، وتارة تكون عذاباً، بأن تهد البيوت والأبنية، وتثير الغبار، وتكسر الأشجار، وتفرق السحاب، الذي يُطمع فيه المطر ... ، ونحو ذلك. قوله: ((فلا تسبّوها)) إنما نهاهم عن ذلك؛ لأنها آية من آيات الله تعالى، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} (¬2)، قال ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (4/ 326) [برقم (5097)]، وابن ماجه (2/ 1228) [برقم (3727)]، وانظر: صحيح ابن ماجه (2/ 305). (ق). (¬2) سورة الروم, الآية: 46.

الشافعي رحمه الله: ((لا ينبغي لأحد أن يسبَّ الرياح؛ فإنها خلق الله مطيع، وجند من أجناده، يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء)). ولكن أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نسأل الله تعالى خيرها، ونعوذ بالله تعالى من شرها. 167 - (2) ((اللَّهُمَّ إِنِّي أسْألُكَ خَيْرَهَا، وخَيْرَ مَا فِيْهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيْهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ)) (¬1). - صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنها -. المسؤول عنه ثلاث خيرات: الأول: خير نفس الريح، والثاني: خير ما فيها، والثالث: خير ما أرسلت به. أما خير نفس الريح مثل تلذذ بني آدم ببرودتها في الحر، وإعطائها الطراوة، والبدارة للنباتات، وذهابها بالروائح الكريهة ... ، ونحو ذلك. وأما خير ما فيها مثل نزول المطر النافع؛ لأن المطر لا يجيء إلا ويسبقها الريح. وأما خير ما أرسلت به مثل السحاب؛ لأنه يجيء بالريح وله خير وشر، خيره مثل: المطر النافع وشره مثل: المطر الضار. ¬

(¬1) مسلم (2/ 616) [برقم (899)]، والبخاري (4/ 76) [برقم (3206)]. (ق).

62. دعاء الرعد

وكذلك المُستَعاذ منه ثلاثة شرور؛ وهم بعكس ما سبق ذكره من الخير. 62 - دُعَاءُ الرَّعْدِ أي: الدعاء الذي يقال عند وقوع الرعد. 168 - ((سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، والمَلائِكَةُ مِنْ خِيْفَتِهِ)) (¬1). كان عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - إذا سمع الرعد ترك الحديث؛ وقال: سبحان الذي يُسَبح {الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} (¬2). أي: إنه إذا سمع صوت الرعد ترك الكلام مع الآخرين، وتلا الآية. قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين: ((الرعد)) اسم ملك يسوق السحاب. وجاء عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: أتت يهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسألوه عن الرعد ما هو؟ قال: ((ملك من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق من نور، يسوق بها السحاب حيث شاءالله تعالى))، قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: ((زجرة السحاب، يزجره إلى حيث أمره))، قالوا: صدقت (¬3). ¬

(¬1) الموطأ (2/ 992)، وقال الألباني: صحيح الإسناد موقوفاً. (ق). (¬2) سورة الرعد, الآية: 13. (¬3) رواه أحمد (1/ 274)، والترمذي برقم (3117)، وصححه الألباني، انظر: الصحيحة برقم (1872). (م).

63. من أدعية الاستسقاء

63 - مِنْ أدْعِيَةِ الاسْتِسْقَاءِ قوله: ((الاستسقاء)): هو طلب السقيا، أي: المطر. 169 - (1) ((اللَّهُمَّ أَسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيئاً مَرِيعاً، نَافِعاً، غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ)) (¬1). - صحابي الحديث هو جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. قوله: ((غيثاً)) أي: مطراً. قوله: ((مغيثاً)) من الإغاثة، وهي الإعانة. قوله: ((مريئاً)) أي: هنيئاً صالحاً؛ كالطعام الذي يمرؤ، ومعناه: الخلو عن كل ما ينغصه كالهدم والغرق ... ونحوهما. قوله: ((مريعاً)) أي: مخصباً ناجعاً، من قولهم: أمرع المكان إذا أخصب، وإذا جُعل من المراعة فُتحت ميمه، وعلى هذا الوجه فسره الخطابي، ويقال: مكان مريع؛ أي: خصيب. 170 - (2) ((اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا)) (¬2). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. ¬

(¬1) أبو داود (1/ 303) [برقم (1169)]، وصححه الألباني في صحيح أبو داود (1/ 216). (ق). (¬2) البخاري (1/ 224) [برقم (1013)]، ومسلم (2/ 613) [برقم (897)]. (ق).

والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: دخل رجل المسجد يوم جمعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه، ثم قال: ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا))، قال أنس: والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بنيان ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة، فلما توسطت السماء، انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه، ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر))، فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس. قوله: ((هلكت الأموال، وانقطعت السبل)) يعني: من عدم نزول المطر. قوله: ((يغيثنا)) أي: يبعث لنا الغيث؛ أي: المطر. قوله: ((ولا قزعة)) أي: قطعة من الغيم، وجمعها قُزع. قوله: ((سَلْع)) وهو جبل بقرب المدينة. قوله:)) سبتاً)) أي: أسبوعاً. قوله: ((هلكت الأموال وانقطعت السبل)) يعني: من كثرة المطر. قوله: ((يمسكها)) أي: يحبسها ويمنعها. قوله: ((حوالينا ولا علينا)) يقال: رأيت الناس حوله وحواليه؛ أي:

64. الدعاء إذا رأى المطر

متصففين من جوانبه؛ يريد: اللهم أنزل الغيث في مواضع النبات، لا في مواضع الأبنية. قوله: ((على الآكام)) جمع أكمة، وهي الرابية؛ أي: الأرض المرتفعة. قوله: ((والظراب)) الجبال الصغار، وأحدها ظَرِبٌ. قوله: ((وانقلعت)) من أقلع المطر إذا كف وانقطع. 171 - (3) ((اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ، وبَهَائِمكَ، وانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأحْيِي بَلَدَكَ المَيِّتَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. قوله: ((بهائمك)) أي: جميع دواب الأرض، وحشراتها. قوله: ((وانشر)) أي: ابسط. قوله: ((وأحيي بلدك الميت)) أي: بإنبات الأرض بعد موتها - أي: يبسها - وفيه تلميح إلى قوله تعالى: {فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}. 64 - الدُّعَاءُ إذَا رَأَى المَطَرَ 172 - ((اللَّهُمَّ صَيِّباً نَافِعَاً)) (¬2). - صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنها -. ¬

(¬1) أبو داود (1/ 305) [برقم (1176)]، وحسنه الألباني في صحيح أبو داود (1/ 218). (ق). (¬2) البخاري مع الفتح (2/ 518) [برقم (1032)]. (ق).

65. الذكر بعد نزول المطر

وجاء في بدايته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى المطر، قال: ... قوله: ((صيباً)) وهو المطر الكثير، وقيل: المطر الذي يجري ماؤه، وهو منصوب بفعل محذوف، تقديره: أسألك أو اجعله. قوله: ((نافعاً)) صفة للصيب؛ كأنه احترز بها عن الصيب الضار. 65 - الذِّكْرُ بَعْدَ نُزُولِ المَطَرِ 173 - ((مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف، أقبل على الناس، فقال: ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر؛ فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب؛ وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكواكب)). قوله: ((بالحديبية)) فيها لُغتان: تخفيف الياء وتشديدها، والتخفيف هو الصحيح المختار، والحديبية بئر قريب من مكة. قوله: ((في إثر السماء)) إثر بكسر الهمزة وإسكان الثاء، وبفتحهما جميعاً لغتان مشهورتان، والسماء أي: المطر. ¬

(¬1) البخاري (1/ 205) [برقم (846)]، ومسلم (1/ 83) [برقم (71)]. (ق).

قوله: ((فلما انصرف)) أي: من صلاته أو من مكانه. قوله: ((مُطِرنا بفضل الله ورحمته)) أي: رزقنا الله تعالى المطر بفضل منه ورحمة. قوله: ((بنوء كذا)) قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: ((النوء في نفسه ليس هو الكوكب؛ فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءاً؛ أي: سقط وغاب))، وقيل: نهض وطلع. وبيان ذلك أنها ثمانية وعشرون نجماً معروفة المطالع في أزمنة السنة كُلها، وهي المعروفة بـ: ((منازل القمر الثمانية والعشرين))، يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منه نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته، فكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منها. واختلف العلماء في كفر من قال: مطرنا بنوء كذا على قولين: أحدهما: هو كفر بالله سالب لأصل الإيمان، مخرج من ملة الإسلام؛ وقالوا: هذا فيمن قال ذلك معتقداً أن الكوكب فاعل مدبر، منشئ للمطر، كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم، ومن اعتقد ذلك فلا شك في كفره، وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء، وهو ظاهر الحديث؛ قالوا: وعلى هذا لو قال: مطرنا بنوء كذا، معتقداً أنه بفضل الله ورحمته، وأن النوء ميقات له وعلامة، فهذا لا يكفر، واختلفوا في كراهته، والأظهر كراهيته؛ وسبب الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر

66. من أدعية الاستصحاء

وغيره، فيساء الظن بصاحبها. والقول الثاني: أن المراد كفر نعمة الله، لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب، ويؤيد هذا التأويل الرواية الأخرى في ((صحيح مسلم)): ((أصبح من الناس شاكر وكافر))، والله أعلم. 66 - مِنْ أدْعِيَةِ الاسْتِصْحَاءِ قوله: ((الاستصحاء)) وهو توقف المطر، وطلوع الشمس مشرقة. 174 - ((اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ والظِّرَابِ، وبُطُونِ الأوْدِيَةِ، ومَنَابِتِ الشَّجَرِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. قد تقدم شرحه قريباً؛ انظر حديث رقم (170). 67 - دُعَاءُ رُؤْيَةِ الهِلاَلِ [أي: الدعاء الذي يُقال عند رؤية الهلال في أول الشهر] (¬2). 175 - ((اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأمْنِ والِإيْمَانِ، ¬

(¬1) البخاري (1/ 224) [برقم (1013)]، ومسلم (2/ 614) [برقم (897)]. (ق). (¬2) (المصحح).

وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، وَالتَّوْفِيْقِ لِمَا تُحِبُّ رَبَّنَا وَتَرْضَى، رَبُّنَا ورَبُّكَ اللَّهُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: ... الهلال: يكون أول ليلة، والثانية، والثالثة، ثم هو قمر، وإنما قيل له هلال؛ لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه من الإهلال، الذي هو رفع الصوت. قوله: ((أهلَّه)) أي: أطلعه علينا، وأرنا إياه؛ والمعنى: اجعل رؤيتنا له مقترناً بالأمن والإيمان. قوله: ((بالأمن)) أي: مقترناً بالأمن من الآفات والمصائب. قوله: ((والإيمان)) أي: بثبات الإيمان فيه. ¬

(¬1) الترمذي (5/ 405) [برقم (3451)]، والدارمي بلفظه (1/ 336)، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 157). (ق). قال الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على الكلم الطيب برقم (162): تنبيه: يستقبل كثير من الناس الهلال عند الدعاء، كما يستقبلون بمثله القبر، وكل ذلك لا يجوز؛ لما تقرر في الشرع أنه: (لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة)، وما أحسن ما روى ابن أبي شيبة (12/ 8/11) عن علي - رضي الله عنه - قال: إذا رأى الهلال فلا يرفع إليه رأسه، وإنما يكفي من أحدكم أن يقول: ربي وربك الله، وعن ابن عباس: أنه كره أن ينتصب للهلال، ولكن يعترض ويقول: (الله أكبر ... ). (م).

68. الدعاء عند إفطار الصائم

قوله: ((والسلامة)) أي: السلامة عن آفات الدنيا والدين. قوله: ((وربك)) خطاب للهلال الذي استهل، وهذه إشارة إلى تنزيه الخالق أن يشاركه شيء في ما خلق. 68 - الدُّعَاءُ عِِنْدَ إفْطَارِ الصَّائِمِ 176 - (1) ((ذَهَبَ الظَّمَأُ، وابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَاللهُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. وجاء في بدايته؛ قوله - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر، قال: ... قوله: ((إذا أفطر)) أي: بعد الإفطار. قوله: ((ذهب الظمأ)) أي: العطش. قوله: ((وابتلت العروق)) أي: بزوال اليُبوسة الحاصلة بالعطش. قوله: ((وثبت الأجر)) أي: زال التعب وحصل الثواب؛ وهذا حث على العبادات؛ فإن التعب يسير لذهابه وزواله، والأجر كثير لثباته وبقائه. قال الطيبي رحمه الله: ((ذكر ثبوت الأجر بعد زوال التعب، استلذاذ ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (2/ 306) [برقم (2357)]، وغيره، وانظر: صحيح الجامع (4/ 209) [برقم (4678)]. (ق).

69. الدعاء قبل الطعام

أي استلذاذ)). قوله: ((إن شاءالله)) متعلق بالأجر؛ لئلا يجزم كل أحد؛ فإن ثبوت أجر الأفراد تحت المشيئة. 177 - ((اللَّهُمَّ إنِّي أَسْألُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، أنْ تَغْفِرَ لِي)) (¬1). هذا أثر من قول عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. قوله: ((برحمتك التي وسعت كل شيء)) أي: وسعت ما في الدنيا كلها، وكلٌّ حظي برحمة منك. 69 - الدُّعَاءُ قَبْلَ الطَّعَامِ 178 - (1) ((إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ طَعَاماً؛ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أوَّلِهِ وآخِرِهِ)) (¬2). - صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنها -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أكل أحدكم؛ فليذكر اسم الله ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه (1/ 557) [برقم (1753)]، وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار، انظر: شرح الأذكار (4/ 342). (ق). (¬2) أخرجه أبو داود (3/ 347) [برقم (3767)]، والترمذي (4/ 288) [برقم (1858)]، وانظر صحيح الترمذي (2/ 167). (ق).

تعالى في أوله، فإن نسي أن يذكر الله تعالى في أوله؛ فليقل: بسم الله في أوله وآخره)). قوله: ((فإن نسي أن يذكر الله تعالى في أوله)) أي: إذا أنساه الشيطان أن يذكر اسم الله في بداية الأكل، وتذكر أثناءه أنه لم يقل: ((بسم الله))، فليقل: ((بسم الله أوله وآخره))؛ فإنها تجزئ. ولقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان جالساً ورجل يأكل، فلم يسم الله تعالى حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فمه، قال. بسم الله أوله وآخره، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: ((ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه)) (¬1). 179 - (2) ((مَنْ أطْعَمَهُ اللهُ الطَّعَامَ؛ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيْهِ، وأطْعِمْنَا خَيْراً مِنْهُ، ومَنْ سَقَاهُ اللهُ لَبَناً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيْهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ)) (¬2). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: دخلت مع رسول الله أنا وخالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتنا بإناء فيه لبن، فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا عن ¬

(¬1) رواه أبو داود برقم (3767)، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (282)، وضعفه الألباني، انظر: الكلم الطيب برقم (184). (م). (¬2) الترمذي (5/ 506) [برقم (3455)]، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 158). (ق).

70. الدعاء عند الفراغ من الطعام

يمينه وخالد عن شماله، فقال لي: ((الشربة لك، فإن شئت آثرت بها خالداً))، فقلتُ: ما كنت أوثِرُ على سُؤْرِكَ أحداً، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن)). قوله: ((والشربة لك)) أي: أنت مستحق لها؛ لأنك على جهة يَميني. قوله: ((فإن شئت آثرت بها خالداً)) أي: اخترت بالشربة على نفسك خالداً. قوله: ((على سؤرك)) السؤر البقية والفضلة؛ والمعنى: ما كنت لأختار على نفسي بفضل منك أحداً. قوله: ((من أطعمه)) أي: إذا أكل أحدكم ((طعاماً))؛ أي: غير لبن. قوله: ((بارك لنا فيه)) من البركة؛ وهي زيادة الخير ونموه ودوامه. قوله: ((وأطعمنا خيراً منه)) أي: من طعام الجنة. قوله: ((ليس شيء يجزئ)) أي: يكفي في دفع الجوع والعطش معاً ((غير اللبن)). 70 - الدُّعَاءُ عِنْدَ الفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ 180 - (1) ((الحَمْدُ للهِ الَّذِي أطْعَمَنِي هَذَا، ورَزَقَنِيهِ، مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي ولا قُوَّةٍ)) (¬1). ¬

(¬1) أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي [أبو داود برقم (4023)، والترمذي برقم (3458)، ((وابن ماجه برقم (3285)]، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 159). (ق).

71. دعاء الضيف لصاحب الطعام

- صحابي الحديث هو معاذ بن أنس - رضي الله عنه -. قوله: ((من غير حول)) أي: طاقة، وهذا اعتراف بالعجز والتقصير، وعدم القدرة في تحصيل هذا الطعام، بل هذا من فضل الله، ورزق عباده، والله ذو الفضل العظيم. 181 - (2) ((الحَمْدُ للهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ، غَيْرَ [مَكْفِيٍّ ولا] مُوَدَّعٍ، ولا مُسْتَغْنَىً عَنْهُ رَبَّنَا)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو أمامة - رضي الله عنه -. قوله: ((طيباً)) أي: خالصاً صالحاً. قوله: ((غير مكفي)) من الكفاية؛ أي: غير منتهي. قوله: ((ولا مودع)) أي: ولا متروك ولا مستغنى عنه. قوله: ((ربنا)) أي: يا ربنا. 71 - دُعَاءُ الضَّيْفِ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ 182 - ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ، واغْفِرْ لَهُمْ، وارْحَمْهُمْ)) (¬2). ¬

(¬1) البخاري (6/ 214) [برقم (5458)]، والترمذي بلفظه (5/ 507) [برقم (3456)]. (ق). (¬2) مسلم (3/ 1615) [برقم (2042)]. (ق).

72. التعريض بالدعاء لطلب الطعام أو الشراب

- صحابي الحديث هو عبد الله بن بُسر - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي، قال: فقربنا إليه طعاماً وَوَطبةً، فأكل منها، ثم أتي بتمر، فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعين، ويجمع السبابة والوسطى، ثم أُتي بشراب فشربه، ثم ناوله الذي عن يمينه، قال: فقال أبي وأخذ بلجام دابته، ادع الله لنا. فقال: ((اللهم بارك لهم في ما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم)). قوله: ((وَطبة)) وهي قربة لطيفة فيها السمن واللبن، وقال ابن الأثير رحمه الله: ((قال النضر: ((الوَطبةُ)) الحيس يُجمع بين التمر والأقط والسمن)). قوله: ((بلجام)) واللجام هو الحديدة في فم الفرس، ثم سموها مع ما يتصل بها من سيور وآلة لجاماً. قال النووي رحمه الله: ((وفيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل، ودعاء الضيف بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة، وقد جمع - صلى الله عليه وسلم - في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة)). 72 - التَّعْرِيضُ بِالدُّعَاءِ لِطَلَبِ الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ 183 - ((اللَّهُمَّ أطْعِمْ مَنْ أطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي)) (¬1). - صحابي الحديث هو المقداد بن الأسود - رضي الله عنه -. ¬

(¬1) مسلم (3/ 1626) [برقم (2055)]. (ق).

والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نَعْرِضُ أنفسنا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فليس أحد منهم يقبلنا، فأتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثةُ أعنز، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((احتلبوا هذا اللبن بيننا))، قال: فكنا نحتلب فيشرب كلُ إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فيجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً، ويسمع اليقظان، ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي، فقال: محمدٌ يأتي الأنصار فَيُتْحِفونَهُ، ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتها فشربتها، فلما أن وَغَلَتْ في بطني، وعلمتُ أنه ليس إليها سبيل، قال: ندَّمني الشيطان؛ فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمد؟! فيجئ فلا يجده، فيدعو عليك، فتهلك، فتذهب دنياك وآخرتك، وعليّ شملة إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت، قال: فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم كما كان يسلم، ثم أتى المسجد فصلى، ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئاً، فرفع رأسه إلى السماء، فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك، فقال: ((اللهم أطعم من أطعمني، واسقِ من أسقاني)) قال: فعمدت إلى الشملة فشددتها عليَّ، وأخذت الشفرة، فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا هي حافلة، وإذا هُنَّ حُفَّلٌ كلهن، فعمدت إلى إناء لآل محمد

- صلى الله عليه وسلم - ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتى علته رغوة، فجئت إلى رسول الله فقال: ((أشربتم شرابكم الليلة؟))، قلت: يا رسول الله اشرب، فشرب ثم ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب، فشرب ثم ناولني، فلما عرفت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رَوِي، وأصبتُ دعوته، فضحكت حتى ألقيت إلى الأرض، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إحدى سوآتك يا مقداد)) فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما هذه إلا رحمة من الله، أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها))، فقلت: والذي بعثك بالحق، ما أبالي إذا أصبتها وأصبتُها معك، من أصابها من الناس. قوله: ((الجهد)) أي: المشقة والجوع. قوله: ((فليس أحد يقبلنا)) هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم، كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به. قوله: ((الجرعة)) بضم الجيم وفتحها؛ وهي الحثوة من المشروب. قوله: ((وَغَلَتْ في بطني)) أي: دخلت وتمكنت. قوله: ((حُفَّل)) أي: مجتمع فيهن اللبن؛ وهذا من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: ((رغوة)) أي: زبد اللبن الذي يعلوه. قوله: ((إحدى سوآتك)) أي: إنك فعلت سوءة من الفعلات ما هي، فأخبره الخبر ...

73. الدعاء إذا أفطر عند أهل بيت

وأما قوله: ((اللهم أطعم مَن أطعمني، واسقِ من سقاني)) أي: اللهم أطعم من سيطعمني، واسق من سيسقيني؛ هذا هو الذي يظهر من سياق الحديث، إذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بهذا الدعاء، ولم يكن طعم شيئاً، وأيضاً هذا الذي فهمه المقداد - رضي الله عنه - حين قام وفعل ما فعل، وقال: لما عرفت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رَوِيَ وأصبت دعوته ... ، والله الموفق وهو سبحانه أعلم. 73 - الدُّعَاءُ إذَا أَفْطَرَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتٍ 184 - ((أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلائِكَةُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. وجاء في رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله إذا أفطر عند أهل بيت. اشتمل هذا الحديث على ثلاث دعوات كلها موجبة للأجر والبركة. الأولى: أن من أفطر عنده الصائمون استحق الأجر الموعود به فيمن فطَّر صائماً. الثانية: أن من أكل طعامه الأبرار كان له أجر الإطعام موفوراً لكون ¬

(¬1) سنن أبي داود (3/ 367) [برقم (3854)]، وابن ماجة (1/ 556) [برقم (1747)]، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (296 - 298)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 730). (ق).

74. دعاء الصائم إذا حضر الطعام ولم يفطر

الآكلين له من الأبرار. الثالثة: أن من صلت عليه الملائكة فقد فاز؛ لأن دعوتهم له بالرحمة مقبولة عند الله تعالى. 74 - دُعَاءُ الصَّائِم إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَلَمْ يُفْطِر 185 - ((إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ، وَإنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ)) (¬1). ومَعنَى فَلْيُصَلِّ؛ أيْ: فَلْيَدْعُ. - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((فليصلِّ)) اختلف أهل العلم في معناها؛ قال الجمهور: معناها فليدعُ لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ... ونحو ذلك، وأصل الصلاة في اللغة الدعاء، ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} وهذا ما ذكره المصنف. وقيل: المراد الصلاة الشرعية بالركوع والسجود؛ أي: يشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها. [قال المصحح: الصائم المتطوع إن كان صيامه لا يشق على من دعاه وأذن له فصيامه أفضل ويدعو، أما إن كان صيامه يشق على أخيه الداعي ¬

(¬1) مسلم (2/ 1054) [برقم (1431)]. (ق).

75. ما يقول الصائم إذا سابه أحد

فإفطاره أفضل؛ لأن المُطَّوِّع أمير نفسه؛ ولأنه يُدخِل السرور على أخيه، والأفضل أن يقضي يوماً مكانه] (¬1). وأما المفطر فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((فإن شاء طعم، وإن شاء ترك)) (¬2)؛ فهو مُخيَّر، ولكن يستحب له الأكل لما جاء عنه من الحث على ذلك، والله أعلم. 75 - مَا يَقُولُ الصَّائِمُ إذَا سَابَّهُ أحَدٌ 186 - ((إِنِّي صَائِمٌ، إنِّي صَائِمٌ)) (¬3). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصيام جُنَّة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه؛ فليقل: إني صائم - مرتين - والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؛ يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)). قوله: ((الصيام)) هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع نهاراً مع النية. ¬

(¬1) (المصحح). (¬2) مسلم برقم (1430). (م). (¬3) البخاري مع الفتح (4/ 103) [برقم (1894)]، ومسلم (2/ 806) [برقم (1151)]. (ق).

76. الدعاء عند رؤية باكورة الثمر

قوله: ((جنة)) أي: وقاية وستر. قوله: ((فلا يرفث)) أي: لا يتكلم بالكلام الفاحش. قوله: ((ولا يجهل)) أي: لا يفعل شيئاً من أفعال أهل الجهل، كالصياح والسفه ... ونحو ذلك. قوله: ((قاتله أو شاتمه)) قيل: إن المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين، والصائم لا تصدر منه الأفعال التي رتب عليها قوله: إني صائم؛ والجواب عن ذلك: أن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها؛ أي: إن تهيأ أحد لمقاتلته أو مشاتمته، فليقل: إني صائم؛ فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكف عنه. فالمراد من الحديث: أنه لا يعامله بمثل عمله؛ بل يقتصر على قوله: ((إني صائم)). أما إن أصر على مقاتلته حقيقة، دفعه بالأخف فالأخف كدفع الصائل. 76 - الدُّعَاءُ عِنْدَ رُؤْيَةِ بَاكُورَةِ الثَّمَرِ قوله: ((باكورة الثمرة)) أي: أول الثمرة. 187 - ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وبَارِكْ لَنَا فِي مَدِيْنَتِنَا، وبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا)) (¬1). ¬

(¬1) مسلم (2/ 1000) [برقم (1373)]. (ق).

77. دعاء العطاس

- صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((صاعنا)) الصاع هو أربعة أمداد؛ والمد: حفنة بكفي الرجل المعتدل الكفين. فيه دليل على جواز الطواف بالباكورة على الناس، ويستحب لمن يراها أن يدعو لصاحبها، ولثمر مدينته، وصاعها ومدها. 77 - دُعَاءُ العُطَاسِ 188 - ((إِذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ للَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، ويُصْلِحُ بَالَكُمْ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((وليقل له أخوه أو صاحبه)) شكٌّ من الراوي. قوله: ((يرحمك الله)) يحتمل أن يكون دعاء بالرحمة، ويحتمل أن يكون إخباراً على البشارة؛ أي: هي رحمة لك. قوله: ((فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم)) مقتضاه أنه لا يشرع ذلك إلا لمن شُمّت، وأن هذا اللفظ هو جواب التشميت. ¬

(¬1) البخاري (7/ 125) [برقم (6224)]. (ق).

78. ما يقال للكافر إذا عطس فحمد الله

وفي لفظ آخر قوله: ((الحمد لله على كلِّ حال)) (¬1)؛ وهو جواب التشميت أيضاً، وعليه أن يأتي بهذا تارة وهذا تارة. قوله: ((بالكم)) أي: شأنكم وحالكم في الدين والدنيا بالتوفيق والتسديد والتأييد. 78 - مَا يُقَالُ لِلْكَافِرِ إِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ 189 - ((يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، ويُصْلِحُ بَالَكُمْ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -. وجاء فيه قوله - رضي الله عنه -: كانت اليهود تعاطس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجاء أن يقول لها: يرحمكم الله، فكان يقول: ... قوله: ((تعاطس)) بحذف إحدى التائين؛ أي: يطلبون العطسة من أنفسهم. قوله: ((يقول لها)) أي: لجماعة اليهود. قوله: ((يهديكم الله ويصلح بالكم)) أي: ولا يقول لهم يرحمكم الله؛ لأن الرحمة مختصة بالمؤمنين، بل يدعو لهم بما يصلح بالهم من الهداية والتوفيق للإيمان. ¬

(¬1) رواه أبو داود برقم (5033). (م). (¬2) الترمذي (5/ 82) [برقم (2739)]، وأحمد (4/ 400)، وأبو داود (4/ 308) [برقم (5038)]، وانظر: صحيح الترمذي (2/ 354). (ق).

79. الدعاء للمتزوج

79 - الدُّعَاءُ للمُتَزَوِّجِ 190 - ((بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وبَارَكَ عَلَيْكَ، وجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. وجاء فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج، قال: ... فيه تنبيه على أن المستحب أن يقال للزوج بعد عقد النكاح: ((بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير)). قوله: ((إذا رفأ الإنسان)) أي: إذا هنأه ودعا له، والرفاء: الالتئام والاتفاق والبركة، وكانوا يقولون للمتزوج: بالرفاء والبنين، فنهى عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 80 - دُعَاءُ المُتَزوِّجِ وَشِرَاءِ الدَّابَةِ 191 - ((إذَا تَزَوَّجَ أحَدُكُمُ امْرَأةً، أوْ إذَا اشْتَرَى خَادِماً؛ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَيْرَهَا، وخَيْرَ مَا جَبَلتَها عَلَيْهِ، وأعُوْذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وإذَا ¬

(¬1) أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي [أبو داود برقم (2130)، والترمذي برقم (1091)، وابن ماجة برقم (1905)]، وانظر: ((صحيح ابن ماجة)) (1/ 324). (ق).

81. الدعاء قبل إتيان الزوجة

اشْتَرى بَعِيْراً؛ فَلْيَأخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ؛ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. وفي هذا الحديث تنبيه على أن المستحب للزوج إذا دخل على امرأته ليلة الزفاف؛ أن يدعو بهذا الدعاء. قوله: ((أسألك خيرها)) وهو حسن معاشرتها معه، وحفظ فراشه، والأمانة في ماله ... ، ونحو ذلك. قوله: ((وخير ما جبلتها عليه)) أي: خلقتها عليه من الأخلاق الحسنة، والطباع المرضية ... قوله: ((بذروة سنامه)) الذروة أعلى سنام البعير، وذروة كل شيء أعلاه؛ أمر أن يأخذ بذروة سنامه، ويدعو بهذا الدعاء، طرداً للشيطان؛ لأن ذروة البعير مجلس الشيطان، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((على ذروة كل بعير شيطان)) (¬2). 81 - الدُّعَاءُ قَبْلَ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ 192 - ((بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ ¬

(¬1) أبو داود (2/ 248) [برقم (2160)]، وابن ماجه (1/ 617) [برقم (1918)]، وانظر صحيح ابن ماجه (1/ 324). (ق). (¬2) رواه أحمد (3/ 494)، والحاكم (1/ 444)، وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع برقم (4030 - 4031). (م).

82. دعاء الغضب

الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. والحكمة أن الشيطان له مشاركة في الأموال والأولاد؛ فيدعو الله تعالى عند الجماع، حتى يسلم من شره. قوله: ((جنبنا الشيطان)) أي: أبعده عنا. قوله: ((وجنب الشيطان ما رزقتنا)) أي: أبعده عما رزقتنا. 82 - دُعَاءُ الغَضَبِ أي: ما تقول عند الغضب. 193 - ((أعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) (¬2). - صحابي الحديث هو سليمان بن صُرَدٍ - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: كنت جالساً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمرَّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد؛ لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ذهب عنه ما يجد)). قوله: ((يستبان)) أي: يتشاتمان. ¬

(¬1) البخاري (6/ 141) [برقم (3271)]، ومسلم (2/ 1028) [برقم (1434)]. (ق). (¬2) البخاري (7/ 99) [برقم (6048)]، ومسلم (5/ 2015) [برقم (2610)]. (ق).

83. دعاء من رأى مبتلى

قوله: ((أوداجه)) جمع وَدَج؛ وهي: ما أحاط من العنق، من العروق التي يقطعها الذابح، والودجان: عرقان غليظان عن جانبي نقرة النحر. وفيه دليل على أن الذي يثير الغضب في الإنسان هو الشيطان، وبالاستعاذة بالله تعالى طرده؛ وذهاب كل ما وُجِدَ. والمقصود بالغضب هنا: ما كان لغير الله تعالى؛ وأما الذي لله تعالى فهو ممدوح. 83 - دُعَاءُ مَنْ رأى مُبْتَلى 194 - ((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. وجاء فيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من رأى مبتلى فقال: ... ، لم يصبه ذلك البلاء)). قوله: ((من رأى مبتلى)) أي مبتلى بنوع من الأمراض والأسقام، أو مبتلى بالبعد عن الله تعالى وعن دينه الحنيف. قوله: ((وفضلني على كثير ممن خلق)) يجوز أن يكون المراد به الجماعة المبتلون، وتفضيل الله تعالى إياه عليهم، بحيث إنه سلمه من هذا البلاء، الذي ابتلاهم به. وينبغي أن يقول هذا الذكر سراً، بحيث يُسمع نفسه، ولا يُسمعه ¬

(¬1) الترمذي (5/ 494)، (5/ 493) [برقم (3432)]، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 153). (ق).

84. ما يقال في المجلس

المبتلى؛ لئلا يتألم قلبه بذلك، إلا أن تكون بليته معصية، فلا بأس أن يُسمعه ذلك، من باب الزجر له إن لم يخف من ذلك مفسدة، والله أعلم. 84 - مَا يُقَالُ فِي المَجْلِسِ 195 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ يُعَدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَجْلِس الوَاحِدِ مِئَةُ مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَقُومَ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي، وتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ)) (¬1). قوله: ((وَتُبْ عليَّ)) أي: ارجع عليّ بالرحمة، أو وفقني للتوبة أو اقبل توبتي. وانظر الكلام على التوبة والاستغفار حديث رقم (14) ورقم (96). 85 - كَفَّارَةُ المَجْلِسِ 196 - ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْكَ)) (¬2). ¬

(¬1) الترمذي [برقم (3432)]، وغيره، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 153)، وصحيح ابن ماجة (2/ 321)، ولفظه للترمذي. (ق). (¬2) أخرجه أصحاب السنن [أبو داود برقم (4859)، والترمذي برقم (3433)، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (397)]، وانظر: صحيح الترمذي (3/ 153)، وقد ثبت أن ((عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما جلس رسول الله - رضي الله عنهما - مجلساً، ولا تلا قرآنا، ولا صلى صلاة إلا ختم ذلك بكلمات ... )) الحديث، أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة برقم (308)، وأحمد (6/ 77)، وصححه الدكتور فاروق حمادة في تحقيقه لـ ((عمل اليوم والليلة)) للنسائي (ص 273). (ق).

86. الدعاء لمن قال غفر الله لك

- صحابي الحديث هو أبو هريرة وغيره - رضي الله عنهم -. وجاء فيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من جلس في مجلس، فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذاك: ... ، إلا كفر الله له ما كان في مجلسه ذلك)). وللحديث ألفاظ أخرى، عن صحابة آخرين. قوله: ((لغطه)) اللَّغط: الصوت والجلبة، وأراد به الهراء من القول، وما لا طائل تحته من الكلام، في ذلك نهي عن الصوت العري عن المعنى، والجلبة الخالية عن الفائدة. فيه بيان كفارة المجلس؛ وأنَّ الدعاء يكون في نهاية المجلس. والدعاء مشتمل على تنزيه الله تعالى من العيوب والنقائص، وفيه إثبات الألوهية لله وحده لا شريك له، ثم الرجوع إلى الله تعالى معترفاً بالذنب طالباً المغفرة والتوبة. قوله: ((ما كان في مجلسه ذلك)) أي: من الذنوب من غير مظالم العباد. 86 - الدُّعَاءُ لِمَنْ قَالَ: غَفَرَ اللهُ لَكَ 197 - ((وَلَكَ)) (¬1). ¬

(¬1) أحمد (5/ 82)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 218) برقم (421)، تحقيق الدكتور فاروق حمادة. (ق).

87. الدعاء لمن صنع إليك معروفا

- صحابي الحديث هو عبد الله بن سرجس - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكلت من طعامه، قلت: غفر الله لك يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ولك))، قال: قلت لعبد الله: استغفر لك؟ قال: نعم ولكم، ثم تلا هذه الآية: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}. 87 - الدُّعَاءُ لِمَنْ صَنَعَ إلَيْكَ مَعْرُوفاً 198 - ((جَزَاكَ اللهُ خَيْراً)) (¬1). - صحابي الحديث هو أسامة بن زيد - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صُنِع إليه معروف، فقال لصاحبه: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء)). قوله: ((جزاك الله خيراً)) أي: خير الجزاء، أو أعطاء خيراً من خيري الدنيا والآخرة. قوله: ((فقد أبلغ في الثناء)) أي: بالغ في أداء شكره، وذلك أنه اعترف بالتقصير، وأنه ممن عجز عن جزائه وثنائه، ففوض جزاءه إلى الله، ليجزيه الجزاء الأوفى. قال بعضهم: إذا قصرت يداك بالمكافأة، فليطل لسانك بالشكر والدعاء. ¬

(¬1) أخرجه الترمذي برقم (2035)، وانظر: صحيح الجامع (6244)، وصحيح الترمذي (2/ 200). (ق).

88. ما يعصم الله به من الدجال

88 - مَا يَعْصِمُ اللهُ بِهِ مِنَ الدَّجَّالِ 199 - ((مَنْ حَفِظَ عَشْر آيَاتٍ مِنْ أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو الدرداء - رضي الله عنه -. قوله: ((عُصِمَ)) أي: وُقِي وحُفِظَ. قال النووي رحمه الله: ((قيل: سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات، فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال، وكذا في آخرها؛ قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا} الآيات)). ((والاسْتِعَاذَةُ باللهِ مِنْ فِتْنَتِهِ، عَقِبَ التَّشَهُّدِ الأخيرِ، مِنْ كُلِّ صَلاةٍ)). هذه إشارة إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) (¬2). وقوله: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) (¬3). ¬

(¬1) مسلم (1/ 555) [برقم (809)]، وفي رواية: ((من آخر سورة الكهف)) (1/ 556). (ق). (¬2) قد تقدم تخريجه برقم (55). (م). (¬3) قد تقدم تخريجه برقم (56). (م).

89. الدعاء لمن قال إني أحبك في الله

وقد تقدم شرحهما؛ انظر حديث رقم (55) و (56). 89 - الدُّعَاءُ لِمَنْ قَالَ: إنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ 200 - ((أحَبَّكَ الَّذِي أحْبَبْتَنِي لَهُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: أن رجلاً كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمر به رجل، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أعلمته؟))، قال: لا، قال: ((أعلمه))، قال: فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له. قوله: ((أعلمته)) استفهام بحذف أداة الاستفهام؛ أي: أأعلمته، أو هل أعلمته. قوله: ((أحبك الله الذي أحببتني له)) أي: لأجله، وهذا دعاء وليس إخباراً. قال الخطابي رحمه الله: ((معناه الحث على التودد والتآلف، وذلك أنه إذا أخبره أنه يحبه استمال بذلك قلبه، واجتلب به وُدّه)). 90 - الدُّعَاءُ لِمَنْ عَرَضَ عَلَيْكَ مَالَهُ 201 - ((بَارَك اللَّهُ لَكَ فِي أهْلِكَ ومَالِكَ)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (4/ 333) [برقم (5125)]، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 965). (ق). (¬2) البخاري مع الفتح (4/ 288) [برقم (2049)]. (ق).

91. الدعاء لمن أقرض عند القضاء

هذا أثر من قول عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -. ... وهو بتمامه؛ عن أنس - رضي الله عنه - قال: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة، فآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وكان سعد ذا غِنى؛ فقال لعبد الرحمن: أُقاسمك مالي نصفين وأُزَوِّجك، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلُّوني على السوق، فما رجع حتى اسْتفضَل أقطاً وسمناً، فأتى به أهل منزله، فمكثنا يسيراً - أو ما شاء الله - فجاء وعليه وضرٌ من صُفرة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَهْيَمْ؟!))، قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار، قال: ((ما سُقْتَ إليها؟)) قال: نواة من ذهب - أو وزن نواة من ذهب - قال: ((أوْلِمْ ولو بشاة)). قوله: ((وضر)) أي: أثر ((من صُفرة)) أي: طيب يصنع من زعفران وغيره. قوله: ((مهيم)) أي: ما شأنك أو ما هذا؟! وهي كلمة استفهام مبنية على السكون، وقال ابن مالك رحمه الله: ((هي اسم فعل بمعنى أخبر)). قوله: ((بارك الله لك في أهلك ومالك)) أي: اللهم اجعل في أهله كثرة الخير وزيادة في الفضل، واجعل ماله في زيادة وكثرة. 91 - الدُّعَاءُ لِمَنْ أقْرَضَ عِنْدَ القَضَاءِ 202 - ((بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أهْلِكَ وَمَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ

92. دعاء الخوف من الشرك

السَّلَفِ الحَمْدُ والأدَاءُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن أبي ربيعة - رضي الله عنه -. وجاء فيه؛ قوله - رضي الله عنه -: استقرض مني النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين ألفاً، فجاءه مال فدفعه إليَّ، وقال: ... قوله: ((إنما جزاء السلف)) أي: القرض، ((الحمد والأداء)) أي: أن تقوم بأداء ما كنت اقترضته، وتشكر الذي أقرضك على معروفه، وتدعو له بأن يكثر الله الخير في أهله وماله. 92 - دُعَاءُ الخَوْفِ مِنَ الشِّرْكِ 203 - ((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أُشْرِكَ بِكَ وأنَا أعْلَمُ، وأسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أعْلَمُ)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو موسى الأشعري وغيره - رضي الله عنهم -. وجاء فيه؛ قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل))، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه؛ وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: ((قولوا: ... )). ¬

(¬1) أخرجه النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) (ص 300) [برقم 372)]، وابن ماجه (2/ 809) [برقم (2424)]، وانظر ((صحيح ابن ماجه)) (2/ 55). (ق). (¬2) أحمد (4/ 403)، وغيره، وانظر صحيح الجامع (3/ 233) [برقم (3731)]، وصحيح الترغيب والترهيب للألباني (1/ 122) [برقم (36)]. (ق).

قوله: ((يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك)) الشرك نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر؛ الشرك الأكبر هو كل شرك أطلقه الشارع، وكان متضمناً لخروج الإنسان عن دينه؛ والشرك الأصغر هو كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشارع وصف الشرك، ولكنه لا يخرجه عن الملة. [قال المصحح: والصواب أن الشرك الأكبر: هو صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى. وأما الشرك الأصغر فهو كل وسيلة: قولية، أو فعلية، أو إرادية يتطرق منها إلى الشرك الأكبر، ولكن لم تبلغ رتبة العبادة] (¬1). قوله: ((أخفى من دبيب النمل)) أي: حركته ومشيه على الأرض. قوله: ((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك ... )) يحتمل أن تقال كل يوم، ويحتمل كلما سبق إلى النفس الوقوف مع الأسباب؛ وذلك لأنه لا يدفع عنك إلا من وَليَ خَلْقَك، فإذا تعوذت به أعاذك؛ لأنه لا يخيب من التجأ إليه. وإنما أرشد إلى هذا التعوذ؛ لئلا يتساهل الإنسان في الركون إلى الأسباب ويرتبك فيها، فلا يزال يضيع الأمر ويهمل، حتى تحل العقدة منه عقله الإيمان فيكفر، وهو لا يشعر؛ فأرشده إلى الاستعاذة بربه ليشرق نور اليقين على قلبه. ¬

(¬1) القول السديد في مقاصد التوحيد، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (ص 31، 32، 54) [المصحح].

93. الدعاء لمن قال بارك الله فيك

93 - الدُّعاءُ لِمَنْ قالَ: بَارَكَ اللهُ فيكَ 204 - ((وَفِيكَ بَارَكَ اللَّهُ)) (¬1). هذا أثر عن عائشة - رضي الله عنها -. وهو بتمامه؛ قالت - رضي الله عنها -: أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة، قال: ((اقسميها))، فكنت إذا رجع الخادم أقول: ما قالوا؟ قال: يقولون: بارك الله فيكم، فأقول: وفيهم بارك الله، نردّ عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرنا لنا. قوله: ((إذا رجع الخادم)): الخادم واحد الخدم، يقع على الذكر والأنثى منهم. وفيه جواز الهدية وقبولها، واستحباب قسمتها بين الأقارب والأصحاب والجيران، إن كانت مما يجوز فيه القسمة. وفيه استحباب الدعاء بالبركة للمُهدي، وكذلك دعاء المُهْدي للمُهدَى له. 94 - دُعَاءُ كَرَاهِيةِ الطِّيَرَةِ 205 - ((اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، ¬

(¬1) أخرجه ابن السني (ص 138) برقم (278)، وانظر: ((الوابل الصيب)) لابن القيم (ص 304) تحقيق بشير محمد عيون. (ق).

وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -. وجاء فيه؛ قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أرجعته الطيرة من حاجته؛ فقد أشرك))، قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: ((يقول أحدهم: ... )). قوله: ((الطيرة)) أي: التفاؤل بالطير والتشاؤم بها؛ كانوا يجعلون العبرة في ذلك الجهات ... وغيرها، وكانوا يهيجونها من أماكنها لذلك. وهذا لاعتقادهم أن الطيرة تجلب لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضرًّا؛ فإذا عملوا بموجبها، فكأنهم أشركوا بالله في ذلك. قال القاضي - رحمه الله -: ((إنما سماها شركاً؛ لأنهم كانوا يرون ما يتشاءمون به سبباً مؤثراً في حصول المكروه)). قوله: ((وما كفارة ذلك)) أي: ما الذي يستغفر به عن ذلك، وما الخصلة والفعلة التي تمحو الخطيئة وتسترها. قوله: ((لا طير إلا طيرك)) أي: إن الطير من مخلوقاتك لا يضر ولا ينفع، وإنما الذي يضر وينفع هو أنت سبحانك. قوله: ((ولا خير إلا خيرك)) أي: ولا خير يرجى ويسعى إليه إلا خيرك. ¬

(¬1) أحمد (2/ 220)، وابن السني برقم (292)، وصححه الألباني في ((الأحاديث الصحيحة)) (3/ 54) رقم (1065)، أما الفأل فكان يعجب النبي - رضي الله عنهما -، ولهذا سمع من رجل كلمة طيبة، فأعجبته فقال: ((أخذنا فألك من فيك))، أبو داود [برقم (3917)]، وأحمد، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (2/ 363) عند أبي الشيخ في ((أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (ص 270). (ق).

95. دعاء الركوب

قوله: ((ولا إله غيرك)) أي: لا إله يدفع الضر ويجلب الخير غير الله - سبحانه وتعالى - هو المتصرف والمدبر لجميع شؤون خلقه. [قال المصحح: وهو المستحق للعبادة وحده، فلا إله حق إلا هو - عز وجل -] (¬1). 95 - دُعَاءُ الرُّكُوبِ 206 - ((بِسْمِ اللهِ، الحَمْدُ للهِ {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} الحَمْدُ لِلَّهِ، الحَمْدُ لِلَّهِِ، الحَمْدُ لِلَّهِِ، اللَّهُ أكبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أنْتَ)) (¬2). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} أي: أسبح الله الذي جعل هذا مسخراً مطيعاً لنا. قوله: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي: مطيقين، وقيل: مالكين. قوله: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} أي: راجعون إليه في الآخرة، ¬

(¬1) [المصحح]. (¬2) أبو داود (3/ 34) [برقم (2602)]، والترمذي (5/ 510) [برقم (3446)]، وانظر ((صحيح الترمذي)) (3/ 156). (ق).

96. دعاء السفر

والانقلاب الانصراف. قوله: ((إني ظلمت نفسي)) اعتراف بالتقصير والذنب. 96 - دُعَاءُ السَّفَرِ 207 - ((اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ والتَّقْوى، ومِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، والخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكآبَةِ المَنْظَرِ، وسُوءِ المُنْقَلَبِ فِي المَالِ والأهْلِ))، وإذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وزَادَ فِيهِنَّ: ((آيبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. قوله: ((أنت الصاحب)) أي: الملازم، أراد بذلك مصاحبة الله تعالى إياه بالعناية والحفظ؛ وذلك أن الإنسان أكثر ما يبغي الصحبة في السفر؛ يبغيها للاستئناس بذلك، والاستظهار به، والدفاع لما ينوبه من النوائب، ¬

(¬1) مسلم (2/ 998) [برقم (1342)]. (ق).

97. دعاء دخول القرية أو البلدة

فنبه بهذا القول على أحسن الاعتماد عليه، وكمال الاكتفاء به عن كل صاحب سواه. قوله: ((والخليفة)) أي: الذي ينوب عن المستخلف فيما يستخلفه فيه؛ والمعنى: أنت الذي أرجوه، وأعتمد عليه في غيبتي عن أهلي، أن تلم شعثهم، وتداوي سقمهم، وتحفظ عليهم دينهم وأمانتهم. قوله: ((من وعثاء السفر)) أي: مشقته، أخذ من الوعث؛ وهو المكان السهل، الكثير الدهس، الذي يتعب الماشي، ويشق عليه. قوله: ((وكآبة المنظر)) الكابة والكآبة والكأب: سوء الهيئة، والانكسار من الحزن؛ والمراد منه: الاستعاذة من كل منظر يعقب الكآبة. قوله: ((وسوء المنقلب)) وهو الانقلاب بما يسوءه، بأن ينقلب في سفره بأمر يكتب منه مما أصابه في سفره، أو مما قدم عليه في نفسه وذويه وماله وما يصطفيه، والمنقلب هو المرجع. قوله: ((وإذا رجع)) أي: من السفر. قوله: ((قالهن)) أي: قال هذه الكلمات، ((وزاد فيهن: آيبون)) أي: راجعون بالخير، من آب إذا رجع؛ أي: نحن آيبون، و ((تائبون)) من الذنب، و ((عابدون)) أي: مخلصون ((لربنا)) وله ((حامدون)) على ما أنعم به علينا. 97 - دُعَاءُ دُخُولِ القَرْيَةِ أوِ البَلْدَةِ 208 - ((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ ومَا أظْلَلْنَ،

ورَبَّ الأرْضِينَ السَّبْعِ ومَا أقْلَلْنَ، ورَبَّ الشَّيَاطِينِ ومَا أضْلَلْنَ، ورَبَّ الرِّيَاحِ ومَا ذَرَيْنَ، أسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ وخَيْرَ أهْلِهَا، وخَيْرَ مَا فِيهَا، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وشَرِّ أهْلِهَا، وشَرِّ مَا فِيْهَا)) (¬1). - صحابي الحديث هو صهيب بن سنان الرومي - رضي الله عنه -. قوله: ((وما أظللن)) من الإظلال؛ والمراد منه كل شيء السموات مكتنفة به، قال ابن الأثير رحمه الله: ((أظلت السماء الأرض؛ أي: ارتفعت عليها، فهي لها كالظلة)). قوله: ((وما أقللن)) من الإقلال، وهو الارتفاع والاستبداد؛ والمراد منه كل شيء تستبد به الأرض، ويستعمل به مما عليه من المخلوقات. قوله: ((وما أضللن)) من الإضلال، وهو الحمل على الضلال، وهو ضد الهدى. قوله: ((وما ذرين)) أي: ما أطارته. قوله: ((خير هذه القرية)) أي: السلامة فيها. قوله: ((وخير أهلها)) أي: الاجتماع مع العلماء والصالحين والتعرف بهم. ¬

(¬1) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (2/ 100)، وابن السني برقم (524)، وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار (5/ 154)، قال ابن باز: ورواه النسائي [في عمل اليوم والليلة برقم (547 - 548)] بإسناد حسن، انظر: تحفة الأخيار (ص 37). (ق).

98. دعاء دخول السوق

قوله: ((وخير ما فيها)) من العلم والحكمة، وكل الأمور الراجعة إلى المنافع الدينية والدنيوية. قوله: ((وأعوذ بك من شرها .. )) إلى آخره يفسر بعكس ما ذكر في الخير. 98 - دُعَاءُ دُخُولِ السُّوقِ 209 - ((لَا إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وجاء فيه؛ قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من دخل السوق، فقال: ... ، كَتبَ الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة)). قوله: ((من دخل السوق)) أي: سوقاً من الأسواق. قوله: ((يحيي ويميت)) أي: المتصرف في ملكه كيف يشاء، تارة بالإحياء وتارة بالإماتة، وهو قادر على ذلك، ولا يعجزه معجز، ولا يمنعه مانع. ¬

(¬1) الترمذي (5/ 291) [برقم (3429)]، والحاكم (1/ 538)، وابن ماجه، برقم (2235)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة (2/ 21)، وفي صحيح الترمذي (3/ 152). (ق).

قوله: ((وهو حي لا يموت)) يعني: لا يعتريه آفة الموت، بل هو حي قيوم، أبدي سرمدي، لم يزال ولا يزال. قوله: ((بيده الخير)) من باب الاكتفاء؛ تقديره: بيده الخير والشر؛ لأن الخير والشر كله من الله تعالى، ولكن طوى ذكر الشر تأدباً حتى لا ينسب إليه الشر، وإن كان في الحقيقة جميع الأشياء منه سبحانه وتعالى. قوله: ((وهو على كل شيء قدير)) أي: قدير على الإحياء والإماتة، والخير والشر، وغير ذلك من جميع الأشياء. قوله: ((كتب له ألف ألف حسنة)) أي: في ديوانه وصحيفته، التي بيد الكرام الكاتبين، وكذلك مُحِيَ عنه من ديوانه ألف ألف سيئة. قوله: ((ورفع له ألف ألف درجة)) أي: في الجنة؛ ومعنى رفع الدرجة: هو إعطاؤه من المنازل التي فوق منزلته، التي حصلت له قبل هذا القول؛ لأن ارتفاع المنازل والدرجات، وزيادتها بارتفاع الأعمال وزيادتها. والحكمة في حصول هذا الأجر العظيم؛ كأنه لما كان أهل السوق مشتغلين بالتجارات والمكاسب، وهم في غفلة عن ذكر ربهم، بل أكثرهم مبتلون بالأيمان الفاجرة والكذبات، وكان هذا بينهم ممن ذكر الله تعالى، واشتغل بأمر الآخرة مخالفة لهم، وتعظيماً لربه - عز وجل -، لا جرم حصل له هذا الأجر العظيم، وما ذلك على الله بعزيز، ويختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وباعتبار أن هذه الكلمات مشتملة على التهليل والتوحيد والثناء على الله تعالى بالصفات الجميلة.

99. الدعاء إذا تعس المركوب

99 - الدُّعَاءُ إذَا تَعِسَ المَرْكُوبُ 210 - ((بِسْمِ اللَّهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أسامة بن عُمَير - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فعثرت دابته، فقلت: تعس الشيطان، فقال: ((لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك، تعاظم، حتى يكون مثل البيت، ويقول: بقوتي، ولكن قل: بسم الله؛ فإنك إذا قلت ذلك، تصاغر، حتى يكون مثل الذباب)). قوله: ((فعثرت)) أي: زلقت. قوله: ((تعس الشيطان)) أي: هلك، وقيل: سقط، وقيل: عثر، وقيل: لزمه الشر. قوله: ((تَعَاظَم)) وتَعَاظُم الشيطان، وكونه مثل البيت قد يكون بالحجم أو يكون كناية عن فرحه ونخوته. قوله: ((تصاغر)) وتصاغره كذلك؛ قد يكون بالحجم أو كناية عن ذله وقهره. واعلم أن ذكر ((اسم الله)) يذيب الشيطان، كما يذيب الماءُ الملحَ. ¬

(¬1) أبو داود (4/ 296) [برقم (4982)]، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3/ 941). (ق).

100. دعاء المسافر للمقيم

100 - دُعَاءُ المُسَافِرِ للمُقِيمِ 211 - ((أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ، الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. وجاء فيه، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أراد أن يسافر فليقل لمن يُخَلِّف: ... )). قوله: ((فليقل لمن يخلف)) أي: من أهله وأحبابه. قوله: ((أستودعكم الله)) أي: أستحفظكم الله تعالى؛ أجعلكم في حفظ الله تعالى ورعايته. قوله: ((ودائعه)) جمع وديعة، والوديعة في الأصل اسم للمال المتروك عند أحد، من الودع وهو الترك. 101 - دُعَاءُ المُقِيْمِ للمُسَافِر 212 - (1) ((أَسْتَودِعُ اللهَ دِيْنَكَ، وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ)) (¬2). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. وجاء فيه؛ قال سالم بن عبد الله بن عمر: كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول ¬

(¬1) أحمد (2/ 403)، وابن ماجة (2/ 943) [برقم (2825)]، وانظر ((صحيح ابن ماجة)) (2/ 133). (ق). (¬2) أحمد (2/ 7)، والترمذي (5/ 499) [برقم (3443)]، وانظر صحيح الترمذي (2/ 155). (ق).

للرجل إذا أراد سفراً: ادْنُ مني أودعك كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يودعنا، فيقول: ... قال الإمام الخطابي - رحمه الله -: ((الأمانة هنا: أهله ومن يخلفه، وماله الذي عند أمينه، قال: وَذَكَر الدين هنا؛ لأن السفر مظنة المشقة، فربما كان سبباً لإهمال بعض أمور الدين)). 213 - (2) ((زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، ويَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه؛ هو قوله - رضي الله عنه -: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إني أريد سفراً، زودني، فقال: ((زودك الله التقوى))، قال: زدني، قال: ((وغفر ذنبك))، قال: زدني. قال: ((ويسر لك الخير حيثما كنت)). في هذا الحديث أيضاً تنبيه على أن الذي يودع المسافر مخير بين أن يقول مثل ما ذكر في حديث ابن عمر، وبين أن يقول مثل ما ذكر في هذا الحديث، والأولى أن يجمع بينهما؛ فيقول هذا تارة وهذا تارة. قوله: ((زودك الله التقوى)) دعاء في صورة الإخبار؛ معناه: اللَّهُمَّ زوده التقوى، وكذلك التقدير في ((غفر ذنبك))، و ((يسر لك الخير)). ¬

(¬1) الترمذي [برقم (3444)]، وانظر ((صحيح الترمذي)) (3/ 155). (ق).

102. التكبير والتسبيح في سير السفر

قوله: ((حيثما كُنْتَ)) أي: في سفرك وحضرك. وإنما قدم التقوى في الدعاء؛ لأن التقوى أصل في جميع الأشياء، فالعبد الموفق هو المتقي؛ فكأنه - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى السفر لما كان مظنة المشقة، وربما يحصل من المسافر تقصيره [في] العبادة، وكلام سخيف، ومجادلة مع الرفقة، فدعا له بأن يزوده التقوى؛ أي: الحفظ والصيانة من هذه الأشياء، والصبر على إقامة فرائض الله تعالى. 102 - التَّكْبِيْرُ والتَّسْبِيحُ فِي سَيْرِ السَّفَرِ 214 - قال جابر - رضي الله عنه -: ((كُنَّا إذَا صَعَدْنَا كَبَّرْنَا، وَإذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا)) (¬1). قوله: ((كنا إذا صعدنا كبرنا)) أي: كنا كلما صعدنا الأماكن المرتفعة من الأرض، قلنا: الله أكبر. قوله: ((وإذا نزلنا سبحنا)) أي: كنا كلما نزلنا الأماكن المنخفضة من الأرض، قلنا: سبحان الله. والتكبير عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله تعالى وعظمته، والتسبيح عند الانخفاض استشعار لتنزيه الله تعالى عن كل نقص. ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (6/ 135) [برقم (2993)]. (ق).

103. دعاء المسافر إذا أسحر

103 - دُعَاءُ المُسَافِرِ إذَا أسْحَرَ 215 - ((سَمَّعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنَا، رَبَّنَا صَاحِبْنَا، وَأفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذاً بِاللهِ مِنَ النَّارِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((سمَّع سامع)) قال النووي رحمه الله: ((روي بوجهين: أحدهما فتح الميم وتشديدها، والثاني كسرها مع تخفيفها)). ومعنى سَمِعَ سَامِعٌ: أي: شهد شاهدٌ على حمدنا لله تعالى على نعمه وحسن بلائه. ومعنى سَمَّعَ سامعٌ: بلَّغ سامع قولي هذا لغيره، وقال مثله تنبيهاً على الذكر في السحر والدعاء. قوله: ((ربنا صاحبنا وأفضل علينا)) أي: احفظنا وأفضل علينا بجزيل نعمك، واصرف عنا كل مكروه. [قال المصحح: معية الله تعالى معيَّتان: معية عامة لجميع المخلوقات وهي: العلم، والاطلاع، والقدرة، والإحاطة، ومعية خاصة بالمؤمنين، والمتقين، والصابرين، وهي: الحفظ، والتوفيق، والتسديد، والنُّصرة والإعانة، والله تعالى في جميع الأحوال على عرشه مستوٍ عليه استواء يليق ¬

(¬1) مسلم (4/ 2086) [برقم (2718)]. (ق).

104. الدعاء إذا نزل منزلا في سفر أو غيره

بجلاله، ومع ذلك لا يخفى عليه شيء فطلب المصاحبة في السفر هو طلب للمعية الخاصة، والله تعالى الموفق] (¬1). قوله: ((عائذاً بالله من النار)) منصوب على الحال؛ أي: أقول هذا في حال استعاذتي واستجارتي بالله من النار. 104 - الدُّعَاءُ إذَا نَزَل مَنْزِلاً فِي سَفرٍ أوْ غَيْرِهِ 216 - ((أعُوْذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)) (¬2). - صحابية الحديث هي خولة بنت حكيم رَضِيَ اللهُ عَنهَا. والحديث بتمامه؛ هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نزل منزلاً، ثم قال: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك)). والمراد: أنه إذا نزل منزلاً وقال فيه الدعاء المذكور؛ لا يزال في حفظ الله تعالى حتى يرتحل منه. 105 - ذِكْرُ الرُّجُوعِ مِنَ السَّفَرِ 217 - يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ ثَلاثَ تَكْبيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ ¬

(¬1) [المصحح]. (¬2) مسلم (4/ 2080) [برقم (2708)]. (ق).

الحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، آيبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَه)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. وجاء فيه؛ قوله - رضي الله عنه -: أن رسول الله كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة قال: ... قوله: ((قفل)) أي: رجع. قوله: ((يكبر على كل شرف)) أي: عالي ومرتفع، ((ثلاث تكبيرات))؛ قال المهلب - رحمه الله -: ((تكبيره - صلى الله عليه وسلم - عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله - عز وجل -، أنه أكبر من كل شيء)). قوله: ((آيبون)) أي: راجعون. قوله: ((صدق الله وعده)) أي: في إظهار الدين، وكون العاقبة للمتقين، وغير ذلك من وعده سبحانه إنه لا يخلف الميعاد. قوله: ((وهزم الأحزاب وحده)) أي: من غير قتال من الآدميين؛ والمراد الأحزاب الذين اجتمعوا يوم الخندق، وتحزبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل الله تعالى عليهم ريحاً وجنوداً لم يروها، وقيل: يحتمل أن المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن، والله أعلم. ¬

(¬1) البخاري (7/ 163) [برقم (1797)]، ومسلم (2/ 980) [برقم (1344)]. (ق).

106. ما يقول من أتاه أمر يسره أو يكرهه

106 - مَا يَقُولُ مَنْ أتَاهُ أمْرٌ يَسُرُّهُ أوْ يَكْرَهُهُ 218 - كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَتَاهُ الأمْرُ يَسُرُّهُ، قَالَ: ((الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ))، وإذَا أتَاهُ الأمْرُ يَكْرَهُهُ، قَالَ: ((الحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ)) (¬1). - صحابية الحديث هي عائشة - رضي الله عنهما -. قوله: ((بنعمته)) المراد من النعمة هاهنا النعمة الخاصة، وهي رؤية الشيء الذي يسره؛ ورؤية الشخص ما يحبه ويسره نعمة؛ فلأجل ذلك قال: ((بنعمته تتم الصالحات)) أي: الأشياء الصالحات؛ وهي تتناول كل شيء صالح من الدنيا والآخرة. قوله: ((وإذا أتاه الأمر يكرهه)) ويبغضه، قال: ((الحمد لله على كل حال)) يعني: في السراء والضراء، والفرح والترح، والفقر والغنى، والصحة والمرض ... ، وجميع الأحوال والأفعال والأوقات. ففي الأول خص الحمد على شيء، وفي الثاني عممه، رعاية لمقتضى المقام والمقال. ¬

(¬1) أخرجه ابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) [برقم (378)]، والحاكم وصححه (1/ 499)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4/ 201) [برقم (4640)]. (ق).

107. فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -

وفيه دليل على أن العبد ينبغي أن يحمد لله تعالى في جميع الأحوال، في حالة السراء وحالة الضراء. 107 - فَضْلُ الصَّلاةِ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 219 - (1) قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قال سفيان الثوري، وغير واحد من أهل العلم: ((صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار)). وقال البخاري في ((صحيحه)): ((قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء)) [قال المصحح: وهذا هو الصواب] (¬2). وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: ((يصلون؛ يبركون))؛ أي: يدعون له بالبركة. قال القاضي - رحمه الله -: معناه رحمته وتضعيف أجره؛ كقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} قال: وقد تكون الصلاة على ¬

(¬1) أخرجه مسلم (1/ 288) [برقم (408)]. (ق). (¬2) [المصحح].

وجهها وظاهرها تشريفاً له بين الملائكة؛ كما جاء في الحديث: ((وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)). 220 - (2) وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عيداً وَصَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((عيداً)) العيد ما يعاد إليه؛ أي: لا تجعلوا قبري عيداً تعودون إليه متى أردتم أن تصلوا عليَّ. قوله: ((وصلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) أي: لا تتكلفوا المعاودة إليَّ، فقد استغنيتم بالصلاة علي حيث كنتم. وظاهره أنهم كانوا يظنون أن دعاء الغائب له لا يصل إليه. قال ابن تيمية رحمه الله: ((الحديث يشير إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم عنه، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً)). وقال أيضاً: ((وفي الحديث دليل على منع شد الرحال إلى قبره وإلى قبر غيره من القبور والمشاهد؛ لأن ذلك من اتخاذها أعياداً)). 221 - (3) وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((البَخِيْلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ ¬

(¬1) أبو داود (2/ 218) [برقم (2042)]، وأحمد (2/ 367)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 383). (ق).

يُصَلِّ عَلَيَّ)) (¬1). - صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قال ملا علي القاري رحمه الله: ((فمن لم يصل عليه فقد بخل ومنع نفسه من أن يكتال بالمكيال الأوفى، فلا يكون أحد أبخل منه)). قال المناوي - رحمه الله -: ((فلم يُصَلِّ عليّ))؛ لأنه بخل على نفسه حيث حرمها صلاة الله عليه عشراً إذا هو صلى واحدة)). 222 - (4) وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ للهِ مَلائكةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ، يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلامَ)) (¬2). - صحابي الحديث هو عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. قوله: ((سياحين)) صفة مبالغة للملائكة؛ يقال: ساح في الأرض إذا ذهب فيها، وأصله من السيح، وهو الماء الجاري المنبسط على الأرض. فيه حثٌّ على الصلاة والسلام عليه، والتعظيم له والإجلال لمنزلته حيث سخر الملائكة الكرام لهذا الشأن الفخم. 223 - (5) وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا مِنْ أحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ، إلاَّ رَدَّ ¬

(¬1) الترمذي (5/ 551) [برقم (3546)] وغيره، وانظر: صحيح الجامع (3/ 25) [برقم (2787)]، وصحيح الترمذي (3/ 177). (ق). (¬2) النسائي [(3/ 43)]، والحاكم (2/ 421)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1/ 274). (ق).

108. إفشاء السلام

اللهُ عَلَيَّ رُوْحِي، حَتَّى أرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قال البيهقي - رحمه الله -: ((الأنبياء بعدما قُبِضُوا رُدَّتْ إليهم أرواحهم، فهم أحياء عند ربهم)). وقال أيضاً: ((وقوله: ((رد الله عليَّ روحي)) معناه والله أعلم إلا وقد رد الله علي روحي، فأرد عليه السلام، فأحدث الله عوداً على بدء)). وقال العظيم آبادي - رحمه الله - في ((عون المعبود)): ((وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا صدرت بفعل ماض قدرت فيه؛ كقوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: قد حصرت، وكذا هاهنا يقدر قد، والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد، وحتى ليست للتعليل، بل لمجرد العطف، بمعنى الواو؛ فصار تقدير الحديث: ما من أحد يُسَلِّمُ عليَّ إلَّا قد رد الله علي روحي قبل ذلك وأرد عليه، والله أعلم)). 108 - إِفْشَاءُ السَّلاَمِ 224 - (1) قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أدُلُّكُمْ عَلَى ¬

(¬1) أبو داود برقم (2041)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1/ 283). (ق).

شَيءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. إن إفشاء السلام سببٌ لوقوع المحاببة؛ لأن السلام لا يكون إلا من صفاء القلب، والتواضع والمسكنة، فكل من عنده صفاء القلب، والتواضع والمسكنة، يحبه الناس؛ ألا ترى أن الظَلمة المتكبرين لا يسلمون على الناس إلا قليلاً، وذلك من كبرهم وافتخارهم، فلا جرم أن الناس يبغضونهم، فيكون تركهم السلام سبباً للعداوة والبغضاء. قوله: ((أفشوا)) من الإفشاء؛ وهو الإشاعة والإكثار، وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام، وبذله للمسلمين كُلهم، من تعرفه ومن لم تعرفه. والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، ومن إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم عن غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين. 225 - (2) ((ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإيْمَانَ: الإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وبَذْلُ السَّلاَمِ للعَالَمِ، والإنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ)) (¬2). ¬

(¬1) مسلم (1/ 74) [برقم (54)]، وغيره. (ق). (¬2) البخاري مع الفتح (1/ 82) [قبل حديث رقم (28)]. (ق).

هذا أثر عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه -. قوله: ((ثلاث)) أي: ثلاث خصال ((من جمعهن فقد جمع الإيمان)) أي: فقد جمع فضائل الإيمان وخصائله. قوله: ((الإنصاف من نفسك)) وهو الأول؛ فإن الإنصاف يقتضي أن يؤدي إلى الله جميع حقوقه، وما أمره به، ويجتنب ما نهاه عنه، وأن يؤدي إلى الناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن ينصف أيضاً، فلا يوقعها في قبيح أصلاً. قوله: ((بذل السلام للعالم)) وهو الثاني؛ فمعناه لجميع الناس، وهذا يتضمن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء، يمتنع بسببه من السلام عليه. قوله: ((الإنفاق من الإقتار)) وهو الثالث؛ أي: التضييق عليه في الرزق، يقال: أقتر الله رزقه؛ أي: ضيقه وقلله؛ والإنفاق من الإقتار يقتضي كمال الوثوق بالله تعالى، والتوكل عليه، والسعة على المسلمين .. وغير ذلك. 226 - (3) وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: أنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لَمْ تَعْرِف)) (¬1). ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (1/ 55) [برقم (12)]، ومسلم (1/ 65)]. برقم (39) (ق).

109. كيف يرد السلام على الكافر إذا سلم

قوله: ((أي الإسلام خير)) أي: أيُّ آداب الإسلام؟ وأيُّ خصال أهله خير؟ وإنما قال: ((تطعم الطعام ... )) ولم يقل: إطعام الطعام، وإلقاء السلام؛ ليعلم بذلك أن الناس متفاوتون في تلك الخصال على حسب أوضاعهم ومراتبهم في المعارف، وأن الخصلتين المذكورتين تناسبان حال السائل، وأنهما خير له بالنسبة إليه لا إلى سائر المسلمين، أو نقول: إنه أجاب عن سؤاله بإضافة الفعل إليه ليكون أدعى إلى العمل، والخبر قد وقع موقع الأمر؛ أي: أطعم الطعام، وأقرئ السلام. قوله: ((تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) أي: تسلم على كل من لقيت، عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه كما يفعل كثير من الناس. ثم إن هذا العموم مخصوص بالمسلمين، فلا يسلم ابتداء على الكافر. 109 - كَيْفَ يَرُدُّ السَّلامَ عَلَى الكَافِرِ إذَا سَلَّمَ 227 - ((إذَا سَلَّم عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتَابِ؛ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ)) (¬1). صحابي الحديث: هو أنس بن مالك - رضي الله عنه -. ولقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: ردوا السلام على من كان ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (11/ 42) [برقم (6258)]، ومسلم (4/ 1705) [برقم (2163)]. (ق).

يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً؛ ذلك بأن الله يقول: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (¬1) (¬2). أي: إذا ألقوا عليكم السلام واضحاً بيِّناً؛ فليكن ردكم بالمثل أو أحسن منه، هذا الذي يفهم من قول ابن عباس - رضي الله عنهما - ولأنه الأصل في الآية التي استدل بها - رضي الله عنه -. وأما إذا سلموا سلاماً غير واضح، فأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نقول لهم: ((وعليكم)). قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سلم عليكم اليهود، فإنما يقول أحدهم: ((السام عليكم، فقولوا: وعليك)) (¬3). [قال المصحح: والصواب الأخذ بظاهر كلام النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم)) (¬4) سواء كان سلامهم واضحاً أو غير واضح] (¬5). وجاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السام عليك، ففهمتُها فقلت: عليكم السامُ ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 86. (¬2) البخاري في ((الأدب المفرد)) برقم (1107). (م). (¬3) رواه البخاري برقم (6257)، ومسلم برقم (2164). (م). (¬4) رواه البخاري برقم (6258)، ومسلم برقم (2163). (المصحح). (¬5) (المصحح).

110. الدعاء عند سماع صياح الديك ونهيق الحمار

واللعنةُ، فقال رسول الله: ((مهلاً يا عائشة؟ فإن الله يحب الرفق في الأمر كله))، فقلت: يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فلقد قلت: وعليكم)) (¬1). ولقد نهانا النبي أن نبدأهم بالسلام؛ فقال: ((لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)) - وفي حديث جرير: ((إذا لقيتموهم)) ولم يسمِّ أحداً من المشركين (¬2). قوله: ((اضطروهم)) أي: ألجئوهم. 110 - الدعاءُ عِنْدَ سَمَاعِ صِيَاحِ الدِّيْكِ ونَهيقِ الحِمَارِ 228 - ((إذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْألُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكَاً، وَإذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الحِمَارِ فَتَعوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهُ رَأى شَيْطَاناً)) (¬3). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((نهيق)) النهيق والنهاق والنهق؛ هو صوت الحمار. وقوله: ((الديكة)) جمع ديك. ¬

(¬1) رواه البخاري برقم (7256)، ومسلم برقم (2165). (م). (¬2) رواه مسلم برقم (2167). (م). (¬3) البخاري مع الفتح (6/ 350) [برقم (3303)]، ومسلم (4/ 2092) [برقم (2729)]. (ق).

111. الدعاء عند سماع نباح الكلاب بالليل

[أما] الأمر بالاستعاذة عند نهيق الحمار؛ فلحضور الشيطان هناك، فذكر الله تعالى يطرده. وأما السؤال من فضل الله تعالى عند صياح الديك؛ فلحضور الملك هناك، فالدعاء أقرب إلى الإجابة في ذلك الوقت؛ لأنه ربما يُؤمِّن الملك على دعائه فيستجيب الله تعالى دعاءه. 111 - الدُّعَاءُ عِنْدَ سَمَاعِ نُبَاحِ الكِلاَبِ بِاللَّيلِ 229 - ((إذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الكِلاَبِ ونَهِيقَ الحَمِيرِ بِاللَّيْلِ، فَتَعَوَّذُوا مِنْهُنَّ فإنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لا تَرَوْنَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. وإنما قيد التعوذ إذا سمعوا نباح الكلب ونهيق الحمار بالليل؛ لأن الليل وقت انتشار الشياطين؛ فلذلك قال: ((فإنهن يرين)) من الشياطين والجن ((ما لا ترون)) أنتم، وأما بالنهار فيمكن أن يكون النباح والنهيق لعلة أخرى، وإن كانت هذه العلة موجودة في الليل، ولكن الغالب في الليل رؤية الشياطين، والحكم يدور على الغالب، والله أعلم. 112 - الدُّعَاءُ لِمَنْ سَبَبْتَهُ 230 - قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهُمَّ فَأَ يُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ؛ فَاجْعَلْ ¬

(¬1) أبو داود (4/ 327) [برقم (5103)]، وأحمد (3/ 306)،وصححه الألباني في صحيح أبو داود (3/ 961). (ق).

113. ما يقول المسلم إذا مدح المسلم

ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قال القاضي عياض - رحمه الله -: ((يحتمل أن يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي، ولكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها، وصلة خطابها عند الحرج، والتأكيد للعتب، لا على نية وقوع ذلك؛ كقوله: عَقْرَى حَلْقى، وتربت يمينك ... ، فأشفق من موافقة أمثالها القدر، فعاهد ربه ورغب إليه أن يجعل ذلك القول رحمة وقربة)). 113 - مَا يَقُولُ المُسْلِمُ إذَا مَدَحَ المُسْلِمَ 231 - قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا كَانَ أحَدُكُمْ مَادِحاً صَاحِبَهُ لاَ مَحَالَةَ؛ فَلْيَقُل: أحْسِبُ فُلاناً: واللهُ حَسِيْبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أحَداً: أحْسِبُهُ - إنْ كَانَ يَعْلمُ ذَاكَ - كَذَا وكَذَا)) (¬2). - صحابي الحديث هو أبو بكرة - رضي الله عنه -. وجاء فيه؛ قوله - رضي الله عنه -: مدح رجلٌ رجلاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ويحك، قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك - مراراً - ثم قال: ... )). ¬

(¬1) البخاري مع ((الفتح)) (11/ 171) [برقم (6361)]، ومسلم (4/ 2007) [برقم (2601)] ولفظه: ((فاجعلها له زكاة ورحمة)). (ق). (¬2) رواه مسلم (4/ 2296) [برقم (3000)، والبخاري برقم (2662)]. (ق).

114. ما يقول المسلم إذا زكي

قوله: ((قطعت عنق صاحبك)) أي: أهلكته؛ وهذا استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك؛ لكن هلاك هذا الممدوح في دينه، وقد يكون من جهة الدنيا لما يشتبه عليه من حاله بالإعجاب. قوله: ((ولا أزكي على الله أحداً)) أي: لا أقطع على عاقبة أحد ولا ضميره؛ لأن ذلك مغيب عنا، ولكن أحسب وأظن لوجود الظاهر المقتضي لذلك. قال النووي - رحمه الله -: ((وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين بالمدح في الوجه؛ قال العلماء: وطريق الجمع بينها؛ أن النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه، إذا سمع المدح، وأما من لا يخاف عليه ذلك، لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته، فلا نهي في مدحه في وجهه؛ إذا لم يكن فيه مجازفة، بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير، والازدياد منه، والدوام عليه، أو الاقتداء به، كان مستحباً، والله أعلم)). 114 - مَا يَقُولُ المُسْلِمُ إِذَا زُكِّيَ 232 - ((اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، واغْفِر لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ [واجْعَلْنِي خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ])) (¬1). ¬

(¬1) البخاري في الأدب ((المفرد)) برقم (761)، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) برقم (585)، وما بين المعقوفتين زيادة للبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4/ 228) من طريق آخر. (ق).

115. كيف يلبي المحرم في الحج أو العمرة

- هذا أثر عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. قال عدي بن أرطأة - رحمه الله -: ((كان الرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا زُكِّي، قال: ... )). قوله: ((إذا زُكِّي)) أي: وُصِف بالأوصاف الحسنة وأثني عليه. قوله: ((لا تؤاخذني)) أي: لا تعاقبني. قوله: ((بما يقولون)) أي: من ثناء ووصف لي بالحسن والخير. قوله: ((واغفر لي ما لا يعلمون)) أي: مما ارتكبته من الذنوب والآثام. فيه دليل على عظم خُلُق الصحابة؛ وأنهم لا يغرهم ولا يضرهم مدح المادحين، ومعرفتهم لقدر أنفسهم، واعترافهم بذنوبهم وتقصيرهم، وأنهم محتاجون إلى مغفرة الله تعالى ورحمته وإحسانه. 115 - كَيْفَ يُلَبِّي المُحْرِمُ فِي الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ 233 - ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ، والنِّعْمَةَ، لَكَ والمُلْكَ، لا شَرِيْكَ لَكَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -. قوله: ((لبيك اللهم لبيك)) معناه: إجابة بعد إجابة ولزوماً لطاعتك، وقيل: اتجاهي وقصدي إليك، وقيل: أنا مقيم على إجابتك وطاعتك، وقيل: قرباً منك وطاعة إليك. ¬

(¬1) البخاري مع ((الفتح)) (3/ 408) [برقم (1549)]، ومسلم (2/ 841) [برقم (1184)]. (ق).

116. التكبير إذا أتى الحجر الأسود

116 - التَّكْبيرُ إذَا أتَى الحَجَرَ الأسْوَدَ 234 - ((طَافَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أتَى الرُّكْنَ أشَارَ إلَيْهِ بِشَيءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. قوله: ((الركن)) أي: الذي فيه الحجر الأسود. قوله: ((بشيء عنده)) هو المِحْجَن؛ وهو عصا محنية الرأس. 117 - الدُّعَاءُ بَيْنِ الرُّكْنِ اليَمَانِي والحَجَرِ الأسْوَدِ 235 - (({رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬2))) (¬3). - صحابي الحديث هو عبد الله بن السائب - رضي الله عنه -. قوله: {رَبَّنَا آتِنَا} أي: أعطنا. قوله: {فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} أي: العلم والعمل، أو العفو والعافية، والرزق الحسن، أو الحياة الطيبة، أو القناعة، أو ذرية صالحة. ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (1/ 476) [برقم (1612)]. (ق). (¬2) أبو داود (2/ 179) [برقم (1892)] وأحمد، (3/ 411)، والبغوي في شرح السنة (7/ 128)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (1/ 354). (ق). (¬3) سورة البقرة, الآية: 201.

118. دعاء الوقوف على الصفا والمروة

قوله: {وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} أي: المغفرة والجنة والدرجة العالية، أو مرافقة الأنبياء، أو الرضا، أو الرؤية أو اللقاء. قوله: {وَقِنَا} أي: احفظنا. قوله: {عَذَابَ النَّارِ} أي: شدائد جهنم؛ من حرها، وزمهريرها - شدة بردها -، وسمومها - ريحها الحارة - وجوعها، وعطشها، ونتنها، وضيقها ... 118 - دُعَاءُ الوُقُوفِ عَلَى الصَّفَا والمَرْوَةِ 236 - ((لَمَّا دَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الصَّفَا قَرَأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ((أبْدَأ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ)) فَبَدأ بالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى البَيْتَ، فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: ((لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، لَا إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ ... ، الحَديْثُ، وَفيهِ: فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا)) (¬1). ¬

(¬1) مسلم (2/ 888) [برقم (1218)]. (ق).

- صحابي الحديث هو جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. ولتمام الفائدة أذكر الحديث بطوله؛ وهو قوله - رضي الله عنه -: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجّاً، فَقَدِمَ المدينة بَشَرٌ كثيرٌ، كلُّهم يلتمس أن يَأْتمَّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحُلَيْفَةِ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي، واسْتَثْفِري بثوب وأحرمي))، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ثم ركب القَصْواءَ، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرتُ إلى مَدِّ بصري بين يديه، من راكب وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فَأَهَلَّ بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة، لك والمُلْكَ، لا شريك لك))، وأهلَّ الناس بهذا الذي يُهِلُّونَ به، فلم يَرُدَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم شيئاً منه، ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته، قال جابر - رضي الله عنه -: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرَمَل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدَّم إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬1) فجعل المقام بينه وبين البيت، كان يقرأ في الركعتين {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 125.

و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬1) ((أبدأ بما بدأ الله به)) فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فَوَحَّدَ الله، وَكَبَّرهُ، وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده))، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انْصَبَّتْ قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة))، فقام سُراقَةَ بن مالك بن جُعْشُمٍ، فقال: يا رسول الله! أَلِعَامِنا هذا أم لأبدٍ؟ فشبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: ((دخلت العمرة في الحج)) مرتين ((لا بل لأبد أبد)) وقدم عليٌّ من اليمن ببدن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوجد فاطمة - رضي الله عنها - ممن حل، ولبست ثياباً صبيغاً، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله محرشاً على فاطمة، للذي صنعت، مستفتياً لرسول الله ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 158.

- صلى الله عليه وسلم - فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال: ((صدقتْ صدقتْ، ماذا قلت حين فرضت الحج؟)) قال: قلت: اللهم إني أُهِلَّ بما أهل به رسولك، قال: ((فإن معي الهدي فلا تحل)) قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليٌّ من اليمن، والذي أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - مئة، قال: فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طَلَعَتِ الشمس، وأمر بِقُبَّةٍ من شعر تُضرب له بنمرة، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضُرِبَتْ له بِنَمِرَةَ، فنزل بها، حتى إذا زاغَتِ الشمس أمر بالقصواء، فَرُحِلتْ له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مُستَرْضعاً في بني سعد فقتلته هُذيل، ورِبَا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك

فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت وأدَّيت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وَيَنْكتُها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات، ثم أذّن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مَوْرِك رحله، ويقول بيده اليمنى: ((أيها الناس! السَّكينَةَ السَّكِينَةَ)) كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً، حتى تصعد، حتى أتى المُزْدَلِفةَ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طلع الفجر، وصلى الفجر، حين تبيَّن له الصُّبح، بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلما دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت به ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده من الشق الآخر على وجه الفضل، فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن مُحَسِّر، فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات، يُكَبِّر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى عليّاً، فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببَضْعَةٍ، فجعلت في قِدْرٍ، فطُبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلى البيت، فصلَّى بمكَّة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: ((انزعوا، بني عبد المطلب! فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم))، فناولوه دلواً فشرب منه. قوله: ((واستثفري)) والاستثفار هو أن تشد المرأة في وسطها شيئاً، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم، وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها. قوله: ((القصواء)) اسم لناقة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: ((يوم التروية)) هو اليوم الثامن من ذي الحجة؛ وسمي بذلك لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بَعْدُ.

119. الدعاء يوم عرفة

قوله: ((نمرة)) موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات. قوله: ((بطن الوادي)) هو وادي عُرَنة؛ وهي قبيل عرفات وليست منها. قوله: ((غاب القرص)) أي: قرص الشمس. قوله: ((مورك رحله)) أي: الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مَلَّ من الركوب. قوله: ((ويقول بيده السكينة السكينة)) أي: الزموا السكينة ... ؛ وهي الرفق والطمأنينة. قوله: ((المزدلفة)) سُمِّيَتْ بذلك من التزلف والازدلاف؛ وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها؛ أي: مضوا إليها وتقربوا منها، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف الليل؛ أي: ساعات. قوله: ((مرت به ظُعُن يجرين)) الظعن جمع ظعينة؛ وهي البعير الذي عليه امرأة، ثم سميت به المرأة. قوله: ((بطن مُحَسِّر)) سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر؛ أي: أعي وكَلَّ. 119 - الدُّعَاءُ يَوْمَ عَرَفَةَ 237 - ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وخَيْرُ مَا قُلْتُ أنَا وَالنَّبيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ

120. الذكر عند المشعر الحرام

المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. قوله: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة)) أي: لأنه أجزل إثابة وأعجل إجابة. والمراد أن خير الدعاء ما يكون يوم عرفة؛ أي دعاء كان. وقوله: ((وخير ما قلت)) إشارة إلى ذكر غير الدعاء، فلا حاجة إلى جعل ((ما قلت)) بمعنى ما دعوت، ويمكن أن يكون هذا الذكر توطئة لتلك الأدعية، لما يستحب من الثناء على الله قبل الدعاء، والله أعلم. 120 - الذِّكْرُ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ 238 - ((رَكِبَ - صلى الله عليه وسلم - القَصْوَاءَ حَتَّى أتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ (فَدَعاهُ، وكَبَّرَهُ، وهَلَّلَهُ، ووَحَّدَهُ) فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى أسْفَرَ جِدّاً، فَدَفَعَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ)) (¬2). قد تقدم قريباً؛ من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - الطويل، وانظر حديث رقم (236). ¬

(¬1) الترمذي [برقم (3585)]، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (3/ 184)، وفي الأحاديث الصحيحة (4/ 6). (ق). (¬2) مسلم (2/ 891) [برقم (1218)]. (ق).

121. التكبير عند رمي الجمار مع كل حصاة

121 - التَّكْبِيرُ عِنْدَ رَمْي الجِمَارِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ 239 - ((يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ عِنْدَ الجِمَارِ الثَّلاثِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، وَيَقِفُ يَدْعُوْ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، رَافِعاً يَدَيْهِ بَعْدَ الجَمْرَةِ الأوْلَى والثَّانِيةِ، أمَّا جَمْرَةُ العَقَبَةِ فيَرْمِيهَا، ويُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ويَنْصَرِفُ، ولا يَقِفُ عِنْدَهَا)) (¬1). - صحابي الحديث هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. وهذا معنى ما جاء عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -؛ أنه كان يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيات، ثم يُكبر على إثَر كلِّ حصاةٍ، ثم يتقدمُ فيُسهلُ، فيقومُ مُستقبل القبلة قياماً طويلاً، فيدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك، فيأخذ ذات الشمال فيُسهل، ويقوم مُستقبل القبلة قياماً طويلاً، فيدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة ذات العقبةِ من بطن الوادي ولا يقفُ عندها. ويقول: هكذا رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل. وجاء أيضاً: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رمى الجمرةَ التي تلي مسجد منىً يرميها بسبع حصياتٍ، يُكبر كُلَّما رمى بحصاة، ثم تَقَدَّمَ أمامها ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (3/ 583 - 584) [برقم (1752 و1753)]، وانظر لفظه هناك، والبخاري مع الفتح (3/ 581) [برقم (1750)]، ورواه مسلم أيضاً [(برقم (1296) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -]. (ق).

122. ما يقول عند التعجب والأمر السار

فوقف مُستقبل القبلة، رافعاً يديه يدعو، وكان يُطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرةَ الثانيةَ فيرميها بسبع حصياتٍ يُكبِّر كُلَّما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مُستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصياتٍ يُكبِّر عند كل حصاة، ثم يَنْصَرِفُ ولا يقف عندها. 122 - مَا يَقُوْلُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ والأمْرِ السَّارِّ 240 - (1) ((سُبْحَانَ اللهِ!)) (¬1). 241 - (2) ((اللهُ أكْبَرُ)) (¬2). لقد جاءت هذه الألفاظ، في عدة أحاديث، أذكر منها: عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فقال: ((سبحان الله، ماذا أُنْزِلَ الليلة مِنَ الفِتَنِ، وماذا فُتِحَ مِنَ الخزائن، أيقظوا صواحبات الحُجر، فَرُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)). قوله: ((صواحبات الحجر)) أي: منازل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما خصهن بالإيقاظ لأنهن الحاضرات حينئذ. ¬

(¬1) البخاري مع ((الفتح)) (1/ 210) [برقم (155)]، و390 [برقم (283) ومسلم برقم (371)]، و414 [برقم (314)]، ومسلم (4/ 1857) [برقم (332)]. (ق). (¬2) البخاري مع ((الفتح)) (8/ 441) [برقم (4741)]، وانظر: ((صحيح الترمذي)) (2/ 103)، و (2/ 235)، ومسند أحمد (5/ 218). (ق).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، فانخنس منه، فذهب فاغتسل ثم جاء، فقال: ((أين كنت يا أبا هريرة؟)) قال: كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: ((سبحان الله، إن المسلم لا ينجس)). قوله: ((فانخنس)) أي: مضى عنه مستخفياً. وعن عائشة - رضي الله عنها -: أن امرأة سألتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن غُسلها مِنَ المحيض، فأمرها كيف تغتسل، قال: ((خُذي فِرْصة من مِسْكٍ فتطهَّري بها)) قالت: كيف أتطهر؟ قال: ((تطهري بها)) قالت: كيف؟ قال: ((سبحان الله، تطهَّري))، فاجتبذتها إليّ فقلت: تتبعي بها أثر الدم. قوله: ((فرصة)) أي: قطعة من صوف، أو قطن، أو جلدة عليها صوف. قوله: ((مسك)) بفتح الميم؛ أي: قطعة جلد، وفي رواية: بالكسر؛ وهي الطيب، وهي الأرجح. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تُخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: يا رب وما بَعْثُ النار؟ قال: من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحمل حملها، ويشيب الوليد {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}؛ فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

123. ما يفعل من أتاه أمر يسره

((من يأجوج ومأجوج تسع مئة وتسعة وتسعين، ومنكم واحدٌ، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة)) فكبرنا، ثم قال: ((ثلث أهل الجنة))، فكبرنا، ثم قال: ((شطر أهل الجنة))، فكبرنا. وغير ذلك من الأحاديث والآثار التي تدل على جواز استخدام التسبيح والتكبير عند التعجب، أو استخدامهما عند الأمر السار. 123 - مَا يَفْعَلُ مَنْ أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ 242 - ((كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ يُسَرُّ بِهِ؛ خَرَّ سَاجِداً شُكْراً لِلهِ تَبَاركَ وَتَعَالى)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو بكرة - رضي الله عنه -. فيه مشروعية سجود الشكر عند النعم المتجددة والنقم المندفعة. وقد اختلف أهل العلم؛ هل يشترط له شروط الصلاة أم لا؟! فقيل: يشترط قياساً على الصلاة، وقيل: لا يشترط، والأول أقرب، والله أعلم. ¬

(¬1) رواه أهل السنن إلا النسائي [أبو داود برقم (2774) والترمذي برقم (1578)، وابن ماجة برقم (1394)]، وانظر: ((صحيح ابن ماجة)) (1/ 233)، و ((إرواء الغليل)) (2/ 226). (ق).

124. ما يقول ويفعل من أحس وجعا في جسده

[والصواب أن سجود الشكر كسجود التلاوة، فلا يشترط له ما يشترط للصلاة] (¬1). 124 - مَا يَقُولُ ويَفْعَلُ مَنْ أَحَسَّ وَجَعاً في جَسَدِهِ 243 - ((ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَألَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِسْمِ اللهِ (ثَلاثاً) وَقُلْ (سَبْعَ مَرَّاتٍ): أَعُوذُ باللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أجِدُ وَأُحَاذِرُ)) (¬2). - صحابي الحديث هو عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه -. وجاء فيه؛ أنه - رضي الله عنه - شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - ... قوله: ((بعزة الله)) العزة: الغلبة والقهر، ومنه العزيز الغالب القاهر. قوله: ((وقُدْرَتِهِ)) مِن قَدِرَ يَقْدِرُ؛ أي: أطاق. قوله: ((ما أجد)) أي: من الألم والوجع. قوله: ((وأُحَاذِر)) من الحذر. 125 - دُعَاءُ مَنْ خَشِيَ أنْ يُصِيبَ شَيئاً بِعَيْنِهِ 244 - ((إذَا رَأى أحَدُكُمْ مِنْ أخِيِهِ، أوْ مِنْ نَفْسِهِ، أوْ ¬

(¬1) انظر: التفصيل في ذلك ((صلاة المؤمن)) للمصحح، (1/ 398). [المصحح]. (¬2) مسلم (4/ 1728) [برقم (2202)]. (ق.)

مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ [فَلْيَدْعُ لَهُ بالبَرَكَةِ] فَإنَّ العَيْنَ حَقٌّ)) (¬1). - صحابي الحديث هو عامر بن ربيعة، وسهل بن حنيف - رضي الله عنهما -. قوله: ((فَلْيَدعُ له بالبركة)) أي: يقول له: بارك الله عليك أو اللهم بارك فيك. وجاء عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، قال: رأى عامرُ بنُ ربيعة سهلَ بن حنيف يغتسل، فقال: والله ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأة، فَلُبط بسهل، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل: يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف؟ والله ما يرفع رأسه؛ فقال: ((اتهموا له أحداً))، قالوا: نتهم له عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عامراً، فتغيظ عليه، وقال: ((علام يقتل أحدكم أخاه؟! أَلَا بَرَّكْتَ؟! اغتسل له))؛ فغسل له عامر وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجله، وداخل إزاره في قدح، ثم صب عليه، فراح مع الناس ليس به بأس. وقوله: ((ولا جلد مخبأة)) المخبأة: الجارية التي لم تتزوج بعد؛ لأن صيانتها أبلغ من صيانة المتزوجة، وهو جلد سهل بن حنيف؛ لأن جلده كان لطيفاً. ¬

(¬1) مسند أحمد (4/ 447)، وابن ماجة [برقم (3509)]، ومالك [برقم (1697 - 1698)]، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 212) [برقم (556)]، وانظر تحقيق ((زاد المعاد)) للأرناؤوط (4/ 170). (ق).

قوله: ((فلُبِط بسهل)) أي: صُرع وسقط إلى الأرض من تأثير إصابة عين عامر. قوله: ((هل لك)) أي: من خير أو مداواة. قوله: ((فتغيظ عليه)) أي: بالكلام. قوله: ((أَلَا بَرَّكْتَ)) أي: هلَّا دعوت له بالبركة؛ بأن تقول: بارك الله عليه، أو اللهم بارك فيه؛ حتى لا تؤثر العين فيه؟! قوله: ((وداخل إزاره)) قيل: المذاكير، وقيل: الأفخاذ والورك، وقيل: طرف الإزار الذي يلي الجسد مما يلي الجانب الأيمن. قوله: ((فإن العين حق))؛ فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، لسبقته العين)) (¬1). و ((العين حق)) أي: الإصابة بالعين من جملة ما تحقق كونه، وقيل: أثرها. قوله: ((ولو كان شيء سابق القدر)) كالمؤكد للقول الأول؛ أي: لو كان شيء مهلكاً أو مضراً بغير قضاء الله تعالى، لكان العين؛ أي: أصابته لشدة ضررها. وفيه تنبيه على سرعة نفوذها وتأثيرها في الذوات؛ ولذلك تلفظ به النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا تعظيماً لشأن تأثير العين، وللمبالغة في أن يحفظ الناس أعينهم من أن يصيبوا أحداً بها، وإذا اتفق لأحد أن أعجبه شيء، وخشي أن يصيب بعينه أحداً؛ فليقل: بارك الله عليك، أو اللهم بارك فيه. ¬

(¬1) رواه مسلم برقم (2188). (م).

126. ما يقال عند الفزع

126 - مَا يُقَالُ عِنْدَ الفَزَعِ 245 - ((لَا إِلَهَ إلاَّ اللهُ!)) (¬1). - صحابية الحديث هي زينب بنت جحش رَضِيَ اللهُ عَنهَا. والحديث بتمامه؛ هو قولها - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعاً يقول: ((لا إله إلا الله، وَيْلٌ للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها))، فقلت: يا رسول الله أنْهَلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كَثُرَ الخبث)). قوله: ((فزعاً)) أي: خائفاً ذعراً. قوله: ((وَيْلٌ للعرب من شرٍّ قَدِ اقترب)) خصَّ العربَ بذلك؛ لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم؛ والمراد بالـ ((شر)) ما وقع بعده من فِتَنٍ بين الصحابة، ثم تَوَالَتِ الفتن، حتى صارت العرب بين الأمم كالقَصْعَة بين الأكلة. قوله: ((فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج)) الردم هو السد الذي بناه ذو القرنين. قوله: ((حلَّق بإصبعيه)) أي: جعلهما مثل الحلقة. قوله: ((الخبث)) أي: الفسق والفجور والفساد. فيه مشروعية قول: لا إله إلا الله عند الفزع والخوف. ¬

(¬1) البخاري مع ((الفتح)) (6/ 381) [برقم (3346)]، ومسلم (4/ 2208) [برقم (2880)]. (ق).

127. ما يقول عند الذبح أو النحر

127 - مَا يَقُولُ عِنْدَ الذَّبْحِ أوِ النَّحْرِ قوله: ((الذبح)) هو فري الأوداج وقطع الحلقوم والمريء. قوله: ((النحر)) هو الطعن في لبة الإبل؛ وهي التي فوق الترقوة وتحت الرقبة. 246 ((بِسْمِ اللَّهِ وَاللهُ أكْبرُ [اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ] اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي)) (¬1). قوله: ((بسم الله والله أكبر)) جاء من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وهذا لفظه. قوله: ((اللهم منك ولك)) جاء من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، وهو قوله - رضي الله عنه -: ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجئين، فلما وجههما، قال: ((إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض، على ملة إبراهيم حنيفاً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أُمِرْتُ، وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر)) ثم ذبح (¬2). ¬

(¬1) مسلم (3/ 1557) [برقم (1966) (18)]، والبيهقي (9/ 287)، وما بين المعقوفتين للبيهقي وغيره، والجملة الأخيرة سقتها بالمعنى من رواية مسلم. (ق). (¬2) رواه أبو داود برقم (2795)، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود. (م).

128. ما يقول لرد كيد مردة الشياطين

وقوله: ((أقرنين)) أي: لهما قرنان حسنان. قوله: ((أملحين)) أي: لونهما أبيض يخالطه السواد. قوله: ((موجئين)) أي: خصيين. قوله: ((فلما وجههما)) أي: نحو القبلة. قوله: ((حنيفاً)) أي: مائلاً عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق. قوله: ((اللهم تَقَبَّل مني)) جاء معناه في حديث عائشة - رضي الله عنها -؛ وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بسم الله، اللهم تقبل من محمدٍ وآل محمد، ومن أمة محمد)). 128 - مَا يَقُولُ لِرَدِّ كَيْدِ مَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ 247 - ((أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ، الَّتِي لا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وبَرَأَ وذَرَأ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، ومِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَارَحْمنُ)) (¬1). ¬

(¬1) أحمد (3/ 419) بإسناد صحيح، وابن السني برقم (637)، وصحح إسناده الأرناؤوط في تخريجه للطحاوية (ص 133)، وانظر: مجمع الزوائد (10/ 127). (ق).

- صحابي الحديث هو عبد الرحمن بن خنيس - رضي الله عنه -. وجاء فيه؛ أن رجلاً سأل عبد الرحمن بن خنيس - رضي الله عنه - فقال: كيف صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كادته الشياطين؟ فقال: انحدرت الشياطين من الأودية والشعاب يريدون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهمَّ شيطان معه شعلة من نار أن يحرق بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآهم فزع، فجاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، قل: ... قوله: ((لا يتجاوزهن)) أي: لا يتعداهن. قوله: ((بَرٌّ)) أي: تقي. قوله: ((من شر ما يَنْزِل من السماء)) أي: من العقوبات؛ كالصواعق والأمطار ... قوله: ((ومن شر ما يعرج فيها)) أي: من الأعمال السيئة التي توجب العقوبة. قوله: ((ومن شر ما ذَرَأَ في الأرض)) أي: من شر ما خلق على ظهرها، كالوحوش والجن ... قوله: ((ومن شر ما يخرج منها)) أي: من شر ما خلق في بطنها، كالحشرات والهوام. قوله: ((ومن شر فتن الليل والنهار)) أي: من شر ما يقع فيهما. قوله: ((ومن شر كل طارق)) أي: من شر ما يأتي من الحوادث ليلاً.

129. الاستغفار والتوبة

129 - الاسْتِغْفَارُ والتَّوْبَةُ 248 - (1) قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((واللهِ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إلَيْهِ فِي اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةٍ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ((ما رأيت أكثر استغفاراً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)). قال العلماء: ((الاستغفار المطلوب، هو الذي يحل عَقْدَ الإصرار، ويثبت معناه في الجَنان، لا التلفظ باللسان)). قد تقدم سابقاً الكلام على الاستغفار؛ انظر شرح حديث رقم (96). 249 - (2) وَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَا أيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلَى اللهِ، فَإنِّي أتُوبُ إلَيْهِ مِئَةَ مَرَّةٍ)) (¬2). قد تقدم الحديث برقم (96)؛ وانظر الكلام على التوبة في شرح حديث رقم (14). 250 - (3) وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قَالَ أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ الَّذِي لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وأتُوبُ إلَيْهِ، ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (11/ 101) [برقم (6307)]. (ق). (¬2) مسلم (4/ 2076). [برقم (2702)]. (ق).

غَفَرَ اللهُ لَهُ، وَإنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو زيد بن بَوْلا ((والد يسار، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) - رضي الله عنه -. قوله: ((فر من الزحف)) قال الطيبي - رحمه الله -: ((الزحف الجيش الكثير الذي يُرى لكثرته كأنه يزحف)). وقال المظفر رحمه الله: ((هو اجتماع الجيش في وجه العدو؛ أي: من حرب الكفار حيث لا يجوز الفرار)). 251 - (4) ((وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((أقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ، فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ؛ فَإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ؛ فَكُنْ)) (¬2). - صحابي الحديث هو عمرو بن عبسة - رضي الله عنه -. قوله: ((أقرب ما يكون الرب من العبد)) والحكمة في قرب الرب من العبد في هذا الوقت؛ أن هذا الوقت وقت نداء الرب، ألا ترى إلى ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (2/ 85) [برقم (1517)]، والترمذي (5/ 569) [برقم (3577)]، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/ 511)، وصححه الألباني، انظر: ((صحيح الترمذي)) (3/ 182)، و ((جامع الأصول لأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -))، (4/ 389 - 390) بتحقيق الأرناؤوط. (ق). (¬2) أخرجه الترمذي [برقم (3579)]، والنسائي (1/ 279)، والحاكم وانظر: ((صحيح الترمذي)) (3/ 183)، و ((جامع الأصول)) بتحقيق الأرناؤوط (4/ 144). (ق).

حديث: ((ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر))، فيكون الرب في هذا الوقت قريباً من عبده، ولا ينال هذا الحظ الوافر إلا من له استعداد، وترقب لتحصيل هذه الفائدة العظيمة، التي تنبني عليها المنافع الدينية والدنيوية. 252 - (5) وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((أقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ فأكْثِرُوا الدُّعَاءَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((أقرب)) استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن السجود أفضل من القيام، وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: ((إن كثرتهما، أفضل من طول القيام على الصحيح))، ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود، وبه قال الشافعي؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصلاة طول القنوت)) (¬2) ومعناه: القيام؛ ولأن ذِكْرَ القيام هو القرآن، وذكر الركوع والسجود هو التسبيح، والقرآن أفضل؛ لأن ما طول به أفضل، وقال إسحاق - رحمه الله -: ((أما بالنهار فكثرة الركوع والسجود، وأما بالليل فطول القيام، إلا أن يكون رجل له حزب بالليل يأتي عليه، فكثرة الركوع، والسجود في هذا أحب إلي؛ لأنه يأتي على ¬

(¬1) مسلم (1/ 350) [برقم (482)]. (ق). (¬2) رواه مسلم برقم (756). (م).

130. فضل التسبيح والتحميد، والتهليل، والتكبير

حزبه))، قال الترمذي رحمه الله: ((وإنما قال إسحاق هذا؛ لأنه وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل، ووصف طول القيام، وأما بالنهار فلم يوصف من صلاته من طول القيام ما وُصِفَ بالليل. ومعنى كون العبد أقرب إلى الله تعالى حالة السجود من بين سائر أحواله؛ لأن حاله يدل على غاية تذلل واعتراف بعبودية نفسه، وربوبية ربه، فكانت مظنة للإجابة، فلذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإكثار الدعاء، والله أعلم. 253 - (6) وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلبِي، وَإنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ)) (¬1). - صحابي الحديث هو الأغر المزني - رضي الله عنه -. قوله: ((لَيُغان)) قال ابن الأثير: ((ليُغان على قلبي؛ أي: ليُغطى ويُغشى؛ والمراد به: السهو؛ لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - لا يزال في مزيد من الذكر والقربة ودوام المراقبة؛ فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات، أو نسي، عَدَّهُ ذنباً على نفسه، ففزع إلى الاستغفار)). 130 - فَضْلُ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ، والتَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ 254 - (1) قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِه ¬

(¬1) أخرجه مسلم (4/ 2075) [برقم (2702)]، وانظر: جامع الأصول (4/ 386). (ق).

فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. قوله: ((حطت)) أي: وضعت عنه. قوله: ((زبد البحر)) أي: كرغوة البحر، وهذا خارج مخرج المبالغة؛ أي: لو فرض أن لذنوبه أجساماً وكانت مثل زبد البحر يغفرها الله تعالى بهذا القول. 255 - (2) وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ)) (¬2). قد تقدم الحديث رقم (92). 256 - (2) وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيْبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ ¬

(¬1) البخاري (7/ 168) [برقم (6405)]، ومسلم (4/ 2071) [برقم (2691)]. (ق). (¬2) البخاري (7/ 67)، ومسلم بلفظه (4/ 2017). (ق).

وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. إنما كانت هاتان الكلمتان خفيفتين على اللسان؛ باعتبار قلة كلماتها، وسهولة تعلمها. وكونهما ثقيلتين في الميزان؛ فلأنه جاء في الحديث: ((الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله يملأن ما بين السموات والأرض وما بينهما)) (¬2). 257 - (4) وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((لَأَنْ أقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، والْحَمْدُ للهِ، وَلا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، أحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)) (¬3). - صحابي الحديث هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته على التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، واستغراق الوقت له، وأنه سبب إلى نجاة العبد، ووصوله إلى الجنة؛ فلذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن أقول: ... )) هذا القول؛ ((أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس)) يعني: أحب إليَّ من الدنيا؛ لأنه يفضي إلى درجات الآخرة، ¬

(¬1) البخاري (7/ 168) [برقم (3462)]، ومسلم (4/ 2072) [برقم (2694)]. (ق). (¬2) رواه مسلم برقم (223). (م). (¬3) مسلم (4/ 2072) [برقم (2695)]. (ق).

وكل ما كان مفضياً إلى درجات الآخرة، يكون أفضل وأحب من الدنيا؛ لأن الدنيا مفضية إلى الهلاك. 258 - (5) وَقالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ)) فَسَألَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أحَدُنَا ألْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: ((يُسَبِّحُ مِئَةَ تَسْبِيْحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أوْ يُحَطُّ عَنْهُ ألْفُ خَطِيْئَةٍ)) (¬1). - صحابي الحديث هو سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -. قوله: ((أيعجز أحدكم)) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار، وهذا في قوة النهي؛ معناه: لا يعجز أحدكم عن الكسب في كل يوم ألف حسنة. وإنما يكتب له ألف حسنة بالتسبيح مئة مرة؛ لأن كل حسنة بعشر أمثالها، قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬2). 259 - (6) ((مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ)) (¬3). ¬

(¬1) مسلم (4/ 2073) [برقم (2698)]. (ق). (¬2) سورة الأنعام، الآية: 160. (¬3) أخرجه الترمذي (5/ 511) [برقم (3464 - 3465)]، والحاكم (1/ 501) وصححه ووافقه الذهبي، وانظر: صحيح الجامع (5/ 531) [برقم (6429)]، وصحيح الترمذي (3/ 160). (ق).

- صحابي الحديث هو جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. قوله: ((غرست)) يقال غرست الشجرة غرساً؛ إذا نصبتها في الأرض. قوله: ((نخلة)) أي: غرست له بكل مرة يقول فيها هذا الذكر ((نخلة في الجنة)). خصت النخلة لكثرة منفعتها، وطيب ثمرها، والله أعلم. 260 - (7) وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ، أَلاَ أدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟)) فَقُلتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((قُلْ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ)) (¬1). قوله: ((يا عبد الله بن قيس)) هو أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -. قوله: ((ألا)) كلمة تنبيه، ينبه المتكلم السامع على أمر عظيم الشأن. قوله: ((على كنز)) والكنز في اللغة: ما دفن من الأموال والأمتعة، ومعناه هنا: أن هذا القول يعد لقائله، ويدخر له من الثواب، ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا؛ لأن من شأن الحائزين أن يسعدوا به، ويستظهروا بوجدان ذلك عند الحاجة إليه. قال النووي رحمه الله في ((شرح مسلم)): ((قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام، وتفويض إلى الله، واعتراف بالإذعان له، وأنه لا ¬

(¬1) البخاري مع الفتح (11/ 213) [برقم (4205)]، ومسلم (4/ 2076) [برقم (2704)]. (ق).

صانع غيره، ولا راد لأمره، وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر)). 261 - (8) وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((أحَبُّ الكَلامِ إلَى اللهِ أرْبعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلا إلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أكْبَرُ، لا يَضُرُّكَ بأيِّهِنَّ بَدأْتَ)) (¬1). - صحابي الحديث هو سمرة بن جُندب - رضي الله عنه -. قوله: ((أحب الكلام)) قال النووي رحمه الله في ((شرح مسلم)): ((هذا محمول على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال ... أو نحو ذلك، فالاشتغال به أفضل)). وهذا لأنها جامعة لمعاني التنزيه والتوحيد. 262 - (9) جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلاماً أقُولُهُ؟ قَالَ: ((قُلْ: لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، اللهُ أكْبَرُ كَبيراً، وَالحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ، لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ))، قَالَ: فَهَؤُلاءِ لِرَبِّي فَمَا لِي؟ قَالَ: ((قُلْ: اللَّهُمَّ ¬

(¬1) مسلم (3/ 1685) [برقم (2137)]. (ق).

اغْفِر لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي)) (¬1). - صحابي الحديث هو سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -. وجاء في رواية أخرى (¬2): لما ولَّى الأعرابي، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد ملأ يديه من الخير)). قوله: ((رب العالمين)) ولا يطلق الرب إلا على الله وحده، وفي غيره على التقييد بالإضافة، كقولهم ((رب الدار، ورب الناقة؛ والرب: بمعنى المالك، وبمعنى السيد، وبمعنى المصلح، والعالمين: جمع عالم، وهو اسم لما سوى الله، وإنما جمع ليشمل كل الجنس، ولما كان فيه معنى الوصفية؛ وهي الدلالة على معنى العلم، جمع بالواو والنون، وإن كان لا يجمع بهما إلا صفات العقلاء، أو ما في حكمها من الأعلام. قوله: ((العزيز الحكيم)) اسمان من أسماء الله تعالى؛ والعزيز: هو الذي له العزة الكاملة التي بها يعز من يشاء ويذل من يشاء؛ يقال: عَزّ فلان فلاناً يعزه عزًّا إذا غلبه، قال الله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} (¬3) أي: غلبني، والحكيم: هو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في جميع أمره وخلقه. ¬

(¬1) مسلم (4/ 2072) [برقم (2696)]. (ق). (¬2) أبو داود (1/ 220) [رقم (832)]. (ق). (¬3) سورة ص, الآية: 23.

قوله: ((قال هؤلاء)) أي: قال الأعرابي: هؤلاء الكلمات ((لربي)) أي لشأن ربي؛ أي: حقه؛ لأنها: أوصافه؛ لأنها تهليل، وتوحيد، وتحميد، وتسبيح، وثناء، وتمجيد وذلك كله حقه. قوله: ((فما لي)) أي: أي شيء يكون لي وأذكره لحقي. قوله: ((اللهم)) أصل اللهم يا الله، والميم المشددة في آخره عوض من الياء. قوله: ((اغفر لي)) الغَفْر معناه: الستر، ومنه: المَغْفَر هو ما يُلبس على الرأس تحت البيضة أو القلنسوة؛ والمراد هنا: ستر الذنوب. قوله: ((وارحمني)) الرحمة معناها: العطف والحنو، وهي متضمنة إنعامه وإحسانه؛ لأن مآل العطف والحنو يفضي إلى هذا. [قال المصحح: ورحمة الله تعالى صفة من صفاته تليق بجلاله، يرحم بها عباده ويُنعم عليهم] (¬1). قوله: ((واهدني)) الهدى نقيض الضلال، وهو الدلالة الموصلة إلى البغية. قوله: ((وعافني)) من المعافاة؛ وقد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعليمه هذا الدعاء بين ما يجلب المنافع الأخروية، وبين ما يجلب المنافع الدنيوية؛ لأن المغفرة والرحمة والهداية من المنافع الأخروية، والمعافاة والرزق من المنافع الدنيويَّة، وقَدَّمَ المنافع الأخروية لكونها هي المقصود بالأصل، وهذا التعليم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعليم إرشاد، ودلالة إلى طريق الخير. ¬

(¬1) انظر: شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين (ص 205)، وشرحها للهراس (ص 106)، وتوضيح الأحكام للبسام (2/ 97). [المصحح].

263 - (10) كَانَ الرّجُلُ إذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ، ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ: ((اللهُمَّ اغْفِر لي، وارْحَمْنِي، واهْدني، وعافِني، وارْزُقني)) (¬1). - صحابي الحديث هو طارق بن أشيم الأشجعي - رضي الله عنه -. وجاء في رواية أخرى: ((فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك)). 264 - (11) ((إِنَّ أَفْضَلَ الدُّعَاءِ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وأفْضَلُ الذِّكْرِ: لَا إِلَهَ إِلاَّ الله)) (¬2) - صحابي الحديث هو جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -. قوله: ((أفضل الذكر: لا إله إلا الله)) لأنها كلمة التوحيد؛ والتوحيد لا يماثله شيء، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان؛ ولأنها أشد تزكية للنفس وتصفية للباطن، وتنقية للخاطر، من خبث النفس، وَأَطْرَد للشيطان. قوله: ((وأفضل الدعاء: الحمد لله)) لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله - تعالى - وأن تطلب منه الحاجة، والحمد لله يشملهما؛ فإن من حمد الله على نعمته، يتضمن حمده طلب المزيد {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}. ¬

(¬1) مسلم (4/ 2073) [برقم (2697)]. (ق). (¬2) الترمذي (5/ 462) برقم (3383)، وابن ماجه (2/ 1249) برقم (3800)، والحاكم (1/ 503)، وصححه ووافقه الذهبي، وانظر ((صحيح الجامع)) (1/ 362) برقم (1104). (ق).

131. كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسبح

265 - (12) ((البَاقِيَاتُ الصَّالحَاتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ)) (¬1). - صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -. قوله: ((الباقيات الصالحات)) أي: الأعمال الصالحة التي يُبتغى بها وجه الله تعالى، ويبقى لصاحبها أجرها أبد الآباد؛ قال تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (¬2). 131 - كَيْفَ كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسَبِّحُ؟ 266 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: ((رأيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ بِيَمِينهِ)) (¬3). ¬

(¬1) أحمد [(3/ 75)] برقم (513) بترتيب أحمد شاكر، وإسناده صحيح، وانظر: ((مجمع الزوائد)) (1/ 297)، وعزاه ابن حجر في بلوغ المرام من رواية أبي سعيد إلى النسائي في ((عمل اليوم والليلة))، برقم (848)]، وقال: صححه الحاكم [(1/ 512)]، وابن حبان [برقم (840)]. (ق). (¬2) سورة الكهف، الآية: 46. (¬3) أخرجه أبو داود بلفظه (2/ 81) [برقم (1502)]، والترمذي (5/ 521) [برقم (3486)]، وانظر: ((صحيح الجامع)) (4/ 271) برقم (4865). (ق).

132. من أنواع الخير والآداب الجامعة

وقد علل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ بقوله: ((إنهن مسؤولات مستنطقات)) (¬1)، كما جاء في حديث آخر. والمعنى أنهن يشهدن يوم القيامة بذلك؛ فكان عقدهن بالتسبيح؛ أي: شدهن إلى باطن اليد، أولى من السبحة والحصى. 132 - مِنْ أنْوَاعِ الخَيْرِ والآدَابِ الجَامِعَةِ 267 - ((إذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْل - أوْ أمْسَيْتُم - فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِيْنَ تَنْتَشِرُ حِيْنَئذٍ، فَإذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وأغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَاباً مُغْلَقاً، وَأوْكُوا قِرَبَكُمْ، واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أنْ تَعْرِضُوا عَلَيْهَا شَيْئاً، وَأطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ)) (¬2). - صحابي الحديث هو جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -. قوله: ((جنح الليل)) أي: ظلامه، ويقال: أجنح الليل؛ أي: أقبل ظلامه، وأصل الجنوح الميل. ¬

(¬1) رواه أبو داود برقم (1501)، والترمذي برقم (3577). (م). (¬2) البخاري مع ((الفتح)) (10/ 88) [برقم (5623)]، ومسلم (3/ 1595) [برقم (2012)]. (ق).

قوله: ((فكفوا صبيانكم)) أي: امنعوهم من الخروج في ذلك الوقت. قوله: ((فإن الشياطين تنتشر)) فيُخاف على الصبيان في ذلك الوقت من إيذائهم وشرهم. قوله: ((وأغلقوا الأبواب)) فيه مصلحة دينية ودنيوية؛ حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولاسيما الشياطين. قوله: ((وأوكوا قربكم)) أي: شدوا واربطوا رأس قربكم. قوله: ((وخمروا آنيتكم)) أي: غطوا. قوله: ((ولو أن تعرضوا عليها شيئاً)) أي: الآنية؛ وجاء في لفظ: ((وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه)). قال النووي - رحمه الله - في ((شرح مسلم)): ((هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والآداب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا، فأمر - صلى الله عليه وسلم - بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله - عز وجل - هذه الأسباب أسباباً للسلامة من إيذائه، فلا يقدر على كشف إناء، ولا حلِّ سقاء، ولا فتح باب، ولا إيذاء صبي وغيره، إذا وجدت هذه الأسباب)). والله المُوفِّقُ وصَلَّى اللهُ وسلَّمَ وبَارَكَ عَلى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ وعَلَى آلهِ وأصْحَابِهِ أجْمَعينَ. وآخِرُ دَعْوَانا أن الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ.

[قال المصحح: تم بحمد الله تعالى التصحيح لهذا الشرح والتعليق عليه في 15/ 11/1426هـ وقد راجعنا الشرح مع تصحيحه والتعليق عليه مرات كان آخرها ليلة السبت الموافق 4/ 1/1427هـ والحمد لله على التمام، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أبو عبد الرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني

§1/1