شرح حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم

عبد الكريم الخضير

شرح حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (1)

شرح حديث جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- (1) الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي أكمل الله به الدين، وجعله حجةً على الخلائق أجمعين، وبعثه رحمةً للعالمين، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم وسلك سبيلهم إلى يوم الدين، أما بعد: فيا أيها الأخوة الفضلاء، طلاب العلم، نحييكم في مجلسٍ من مجالس العلم، وإلى درسٍ من دروس العلم، وإلى عالمٍ من أهل العلم، أما درسكم في هذه الليلة، وليلتين آتيتين -إن شاء الله- فعنوانه: شرح حديث جابرٍ في صفة حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأما علمنا وعالمنا في هذه الليلة فهو فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فحيا الله فضيلته في هذا المسجد، وحيا الله الإخوة الكرام، وفي بدء المحاضرة نرحب بكم جميعاً في هذا المجلس وقبل ذلك نشكر لفضيلة شيخنا شخوصه إلى هذا المسجد، وحضوره إلينا وإليكم، ونسأل الله -جل وعلا- أن يثيبه أحسن الثواب، وأن يجعل حضوره إلينا في ميزان حسناته، كما نسأل الله -جل وعلا- أن يلهمه التوفيق والسداد والرشد، وأن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى، فإلى هذه المحاضرة وإلى هذا الدرس الكريم، وفي بدء المحاضرة سأقرأ حديث جابر على ما رواه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه:

قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبه وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حاتم قال أبو بكرٍ: حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي، وأنا يومئذٍ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي، سل عما شئت؟ فسألته وهو أعمى وحضر وقت الصلاة، فقام في نساجةٍ ملتحفاً بها كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجر فصلى بنا فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال بيده فعقد تسعاً فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجّ، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميسٍ -رضي الله عنها- محمد بن أبي بكرٍ -رضي الله عنهما- فأرسلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي)) فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، ثم ركب القصواء ثم إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكبٍ وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به، فأهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم شيئاً منه، ولزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبيته، قال جابر -رضي الله عنه-: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم -عليه السلام- فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة]

فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، ثم رجع إلى الركن فاستلمه .. بارك الله فيك. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: ففي هذه الليالي المباركة -إن شاء الله تعالى- نعرض بشيءٍ من الإيجاز والاختصار مع التوضيح حسب الإمكان لحديثٍ من أطول الأحاديث في الصحيح، وهو حديث جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحديث جابر حديث عظيم جليل عني به العلماء، وأوسعوه بحثاً، وألفوا فيه المؤلفات، وهو حري بذلك وجدير. ابن المنذر صنف كتاباً استنبط من الحديث ما يزيد على خمسين ومائة مسألة، وهو قابل لأكثر من ذلك، وشرح الحديث في ليالٍ معدودات إنما يكون من باب ما لا يدرك كله لا يترك جله، وإن كان الجل أيضاً تجوز، إنما نعرض بشرح الحديث بشيءٍ من الاختصار والإيجاز، ونقف وقوفاً نتمهل فيه قليلاً عند بعض الأحكام التي تمس إليها الحاجة. وجابر -رضي الله عنه- ضبط الحجة وأتقنها من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من داره من المدينة إلى رجوعه إليها، ولذلك يرجح كثير من أهل العلم ما يقع فيه التعارض بين حديثه وبين حديث غيره من الصحابة، ولو كان الحديث الآخر في الصحيح -في البخاري مثلاً- لأن جابراً صارت له العناية التامة بحجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالحديث عظيم، ويحتاج شرحه واستيفاء مباحثه إلى بسطٍ طويل، ووقتٍ طويلٍ جداً. حديث جابر يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أفعاله، ووصف الحجة من أولها إلى آخرها وهي مخرجة في صحيح مسلم دون البخاري، فالحديث من أفراد مسلم، وإن جاءت بعض جمله عن غير جابر من الصحابة في الصحيح، وسيأتي التنبيه على شيءٍ من ذلك -إن شاء الله تعالى-.

يقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حاتمٍ قال أبو بكر: ٍ حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني" الحديث يرويه الإمام مسلم من طريق اثنين من شيوخه، وجرت عادته -رحمه الله تعالى- إذا روى الحديث عن اثنين أنه ينص على صاحب اللفظ، يبين صاحب اللفظ، كما أنه يعنى عنايةً فائقة ببيان فروق صيغ الأداء بين الرواة، وهنا يقول: "جميعاً عن حاتم" فهل صيغة الأداء هنا العنعنة؟ هل يقصد الإمام مسلم بقوله: عن حاتم، أن كلاً من أبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم جميعاً قالا: عن حاتم، يعني يرويان الحديث بصيغة العنعنة؟ لا، بدليل أنه قال: قال أبو بكرٍ: حدثنا، وماذا عن إسحاق؟ المعروف عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، المعروف بابن راهويه أنه لا يقول في الأداء إلا أخبرنا، فهنا (عن) ليس المراد بها بيان طريقة التحمل التي يعبر عنها بصيغة الأداء هنا، نعم، صرّح بالنسبة لأبي بكر بقوله: حدثنا، فعرفنا أن أبا بكرٍ تحمّله عن حاتم بن إسماعيل بطريق السماع، وأما إسحاق بن إبراهيم فلا يقول في صيغة الأداء إلا أخبرنا، ولذا يفسر المهمل إذا جاء إسحاق مهملاً في الأسانيد، إذا كانت الصيغة أخبرنا فهو إسحاق بن راهويه، إذا كانت الصيغة غير أخبرنا فهو غيره. إذاً قوله: "جميعاً عن حاتم" هذا إخبار إجمالي عن الشيخين بأنهما تحملا الحديث عن حاتم بن إسماعيل من غير تفصيل للصيغة التي نطق بها كل منهما، وعلى هذا إذا قال أهل العلم في كتب الرجال، روى عن فلان وفلان وفلان، وروى عنه فلان وفلان وفلان، هل معنى هذا أنه لا يروي عنه إلا بصيغة العنعنة؟ لا، هو مجرد إثبات أن هذا الشيخ من شيوخه فلان وفلان وفلان، ومن تلاميذه فلان وفلان وفلان.

قال أبو بكر: "حدثنا حاتم بن إسماعيل" قد يقول قائل: لماذا أعاد الإمام مسلم أبا بكر ولم يعد إسحاق؟ عرفنا أن الإمام مسلم يعنى ببيان صاحب اللفظ، فيقول: حدثنا فلان وفلان، واللفظ لفلان، هنا ما ذكرها، لكن جاء بأسلوبٍ آخر، "حدثنا أبو بكرٍ بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حاتم قال أبو بكرٍ" أعاد أبا بكر لأنه هو صاحب اللفظ، وهذه طريقة منهج له إذا أعاد أحد الرواة فإنه يكون صاحب اللفظ، وإلا فالأصل أن الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- يبين صاحب اللفظ فينص عليه فيقول: واللفظ لفلان، وهذه مما يتميز أو يمتاز به صحيح مسلم عن غيره، العناية الفائقة بذكر الفروق بين الرواة سواء كانت في المتون أو في الأسانيد، الإمام البخاري لا يعتني بذلك كثيراً، فلا يبين صاحب اللفظ، لا يُعنى بذلك، يهمه أن يكون المتن محفوظ عن من ينقله عنه ولو بالمعنى. إذا روى الإمام البخاري الحديث عن شيخين ولم يبين صاحب اللفظ فابن حجر يقول: ظهر بالاستقراء من عادته أن اللفظ يكون للأخير منهما، للأخير وليس للأول، عادة مسلم يبين صاحب اللفظ، البخاري يكون اللفظ للأخير منهما، وهذه قاعدة ظهرت من استقراء ابن حجر لكنها أغلبية وليست كلية، بدليل أنه يوجد في الصحيح أحاديث يرويها البخاري من طريق اثنين وينص الحافظ في الشرح على أن اللفظ للأول، لفلان، وهو الأول في السياق. قد يقول قائل: إذا كان مسلم -رحمه الله تعالى- يعنى ببيان صاحب اللفظ بدقة، ويعتني بفروق الروايات فيذكر هذه الفروق وإن كان لا يترتب عليها فائدة، قد يكون الفرق لفظة بدل لفظة لا يترتب عليها كبير فائدة، أو زيادة حرف أو نقص حرف، وهذا ما يمتاز به من هذه الحيثية، فهل ينصح من أراد الحفظ أن يبدأ بصحيح مسلم كما يصنعه بعضهم؛ لأن الإمام مسلم يعنى بالألفاظ، ويتحرى فيها، ثم يأخذ ما زاد على ذلك من زوائد البخاري أو العكس؟ الإخوة الذين يعنون بالحفظ بل يشرفون على من يحفظ يوجهون الناس إلى البدء بصحيح مسلم، لما عرفنا أنه يعتني بالألفاظ بدقة، ثم يأخذون ما زاد في البخاري على مسلم، لكن هل هذا منهج صحيح؟ أو نقول: البداءة بالبخاري ثم تؤخذ زوائد مسلم؛ لأن البخاري أصح عند جماهير أهل العلم؟

أول من صنف في الصحيحِ ... محمد وخصّ بالترجيحِ ومسلم بعد .. الخ ما قال -رحمه الله تعالى-، أقول: لا بد من العناية بالبخاري أولاً، ثم تؤخذ الزيادات من صحيح مسلم، ولا يختلف الإمام البخاري عن مسلم في جواز الرواية بالمعنى، كل منهما يجيز الرواية بالمعنى، فكون اللفظ الذي بين أيدينا في صحيح مسلم اعتنى فيه مسلم ببيان فروق الروايات لا يعني أن اللفظ الموجود في صحيح مسلم هو اللفظ النبوي، نعم هو اللفظ لفلان، ويحتمل أن يكون فلان رواه بالمعنى، وجمهور أهل العلم يجيزون الرواية بالمعنى، شريطة أن يكون الراوي عارف بمدلولات الألفاظ، وما يحيل المعاني، هذا قول جمهور أهل العلم، فليس معنى هذا أن الألفاظ الموجودة في صحيح مسلم ومتون الأحاديث هي ألفاظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، هي ألفاظ من نسبت إليه من الرواة بدقة، لكن هؤلاء الرواة رووها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى، وقد تكون باللفظ، والأمر كذلك في صحيح البخاري، هي مروية بالمعنى لأن جمهور أهل العلم يجيزون الرواية بالمعنى، وقد يكون بعضها بلفظه -عليه الصلاة والسلام- أو جله. ومن باب الاستطراد أهل العلم ينصحون المتفقه إذا أراد أن يتفقه في السنة أن يقدم أبا داوود والترمذي على الصحيحين، هذا استطراد لا علاقة له بما نحن فيه، لقرب الفائدة منهما، ثم بعد ذلكم يعنى بالصحيحين، ثم المرحلة الثالثة النسائي وابن ماجة.

"قال أبو بكرٍ: حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني عن أبيه" جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق، عن أبيه: أبوه محمد الباقر –محمد بن علي بن الحسين بن علي زين العابدين بن الحسين سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن علي بن أبي طالب، والسند كما ترون فيه جعفر بن محمد وأبوه جعفر الصادق ومحمد الباقر وهما ثقتان، مخرج لهما في الصحيح وغيره، وقد عظمت عليهما الفرية عند قومٍ زاغت قلوبهم فأكثروا من الوضع عليهما، وافتروا عليهما وبنوا دينهم على ما ينقل عنهما مما كان أكثره في عداد الموضوعات، وأهل السنة أهل الإنصاف لا يقولون: جعفر الصادق روجت عليه الأحاديث ما ذنبه هو؟ فلا نروي عنه، يرووا عنا، يخرجون له في الصحيح، وروايته معتمدة عند أهل العلم. "قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم" ينبغي للمزور أن يسأل الزائرين أو الزائر عن اسمه ونسبه كي ينزله منزلته، لحديث عائشة: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، هكذا في مقدمة صحيح مسلم، وفي غيره بصريح الأمر: ((أنزلوا الناس منازلهم)) فكون الشخص يزور الآخر ثم يخرج والآخر لا يعرف من حاله شيء، ولا يعرف من هو؟ وقد يكون ممن ينبغي أن يعتنى به أو يكون عنده شيء يمكن أن يستفاد منه ويخرج كما دخل لا بد أن يسأل وهذا من منهج السلف، من أنت؟ أو من القوم؟ فيعرفون بأنفسهم، فلان بن فلان بن فلان، بما يحصل به التعريف.

ولذا قال: "فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي، وأنا يومئذٍ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي" أهوى بيده إلى رأسي يداعبه، ويتلطف معه، ويؤنسه وهذا من المودة في القربى، لأنه من بيت النبوة، فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل، من أجل أن يدخل يده، يقول: ثم وضع كفه بين ثديي، شيخ كبير صحابي جليل قد عمي يفعل هذا مع شاب، ومثل هذا إذا ترتبت عليه المصلحة، وأمنت المفسدة لا بأس به، إذا ترتبت عليه مثل هذه المصلحة، مصلحة التأنيس لا بأس، لكن هل يسوغ لكل شخص أن يدخل يده أو كفه بين ثديي شاب؟ أهل العلم صرحوا بأن النظر إلى الأمرد حرام، جمهورهم إذا كان لشهوة وأطلق بعضهم التحريم كالنووي ولو لم يكن لشهوة، لكن هذا شيخ كبير قد عمي، وهذا من بيت النبوة، يحتاج إلى مزيد عناية لوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- بأهل بيته، ثم وضع كفه بين ثديي، في هذا ما يدل على أنه يقال: الثدي بالنسبة للرجل كالمرأة، وإن قال بعضهم: أن الثدي خاص بالمرأة، ويقال للرجل ثندوة. "وأنا يومئذٍ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي" وأنا يومئذٍ غلام شاب، بلغ الحلم وإلا لا؟ لا، يعني صغير، ما يتصور أن رجل كبير قد بلغ الحلم فك أزرار وتوضع الكف بين ثدييه، هذا بالنسبة للكبار قد يكون قبيح، لكن شاب صغير يداعب بمثل هذا لا بأس، بالقيد الذي ذكرناه، ومع أمن الفتنة. محمد بن علي يروي الحديث وهو غلام شاب، ومن شرط الرواية أن يكون الراوي مكلفاً، أن يكون ناقل الخبر مكلف قد بلغ الحلم. أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر بأن يكون ضابطاً معدلاً ... أي يقظاً ولم يكن مغفلا يحفظ إن حدث حفظاً يحوي ... كتابه إن كان منه يروي إلى أن قال: قد بلغ الحلم سليم الفعل من فسقٍ ... الخ

المقصود أن بلوغ الحلم أمر لا بد منه لقبول الرواية، ولذلك يشترطون في قبول الشهادة وقبول الرواية أن يكون الراوي والشاهد مكلفاً؛ لأن الصبي لا يؤمن أن يزيد أو ينقص أو يكذب في خبره أو في شهادته؛ لأنه غير مكلف، نقول: نعم، هذا أمر نقل عليه الاتفاق لكنه في حال الأداء، لا في حال التحمل، يصح تحمل الصغير، ويصح تحمل الكافر، ويصح تحمل الفاسق، لكن إنما يطلب الكمال وتوافر الشروط عند الأداء، إذا أراد أن يؤدي ما تحمل لا بد أن تكتمل شروطه، أما في حال التحمل فتقبل رواية الصبي إذا كان مميزاً. في صحيح البخاري في حديث ابن محمود الربيع أنه عقل مجّة مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه من دلوٍ وهو ابن أربع سنين أو خمس سنين الذي في الصحيح خمس سنين، جاء في بعض الروايات خارج الصحيح ابن أربع سنين، ولذا جعل أهل العلم الحد الفاصل لقبول الرواية خمس، لكن الحديث لا يدل على التحديد، كون محمود عقل وهو ابن خمس سنين لا يعني أن غيره يعقل وهو ابن خمس سنين، فقد يعقل قبل ذلك، وقد لا يعقل إلا إذا تجاوز هذا السن. على كل حال توفر الشروط لا بد منه لكن في حال الأداء، وأما في حال التحمل يقبل تحمل الصبي الصغير وتحمل الكافر والفاسق. "وأنا يومئذٍ غلام شاب فقال: مرحباً" هذه كلمة تتبادل في التحية وهي سنة، ثبت في الصحيح أن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: السلام عليك يا رسول الله فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) وأهل العلم يختلفون في رد التحية بمرحباً، هل يكفي أو لا بد من أن ترد التحية بأحسن منها أو مثلها؟ فيقال: وعليكم السلام ورحمة الله، مرحباً، ما حفظ عنه أنه -عليه الصلاة والسلام- في حديث أم هانئ أنه قال: وعليك السلام مرحباً، ولذا قال بعضهم: يجزئ الرد بمرحباً، وقال بعضهم: أنه لا يجزئ بل لا بد أن ترد التحية بأحسن منها أو بمثلها، وكون الرواة لم ينقلوا عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: وعليك السلام، لا يعني أنه لم يقع، فإذا ثبت الحكم بدليلٍ شرعي لا يلزم أن ينقل في جميع الأدلة، لا يلزم أن تتظافر عليه الأدلة، فتركه الراوي للعلم به.

"فقال: مرحباً بك يا ابن أخي، سل عما شئت، فسألته وهو أعمى وحضر وقت الصلاة، فقام في نساجةٍ" في بعض الأصول الموثقة في ساجة بدون نون، وصححها بعضهم وخطأ النون، خطأ ما عندنا في نساجة، لكنها ثابتة في بعض الروايات المعتمدة. "فقام في نساجة ملتحفاً بها" يقول: "فصلى بنا" وهو أعمى، فصلاة الأعمى وإمامة الأعمى صحيحة لا إشكال فيها، والمفاضلة بينه وبين المبصر مسألة خلافية بين أهل العلم فمنهم من يرى أن الأعمى أفضل من المبصر للإمامة، لأنه لا يرى ما حوله فلا ينشغل بل يقبل على صلاته، ومنهم من يقول: لا، المبصر أولى، وصلاته أكمل؛ لأنه هو الذي يتحرز عن النجاسات، وما يؤثر على الصلاة. والقول المرجح في هذه المسألة أن مرد التفضيل إلى حديث أبي مسعود: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) .. إلى آخر ما في الحديث، وليس فيه كونه مبصر، ولا كونه أعمى، وبهذا نعرف ضعف من يقول من أهل العلم بأمورٍ بنوا عليها التفضيل ولا دليل فيها، حتى قال بعضهم: أفضلهم أجملهم وجهاً، بعضهم قال: أكبرهم رأساً، بعضهم قال: أجمل امرأة، بعضهم قال: .. الخ، أشياء مضحكة، لا وزن لها في الشرع، فكيف يفضل فيها في أفضل مقام في الصلاة؟! "فقام في نساجة" النساجة كساء يشبه الطيلسان، "ملتحفاً بها كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغره ورداؤه إلى جنبه" عنده رداء آخر لكن يريد أن يبين لهم القدر المجزئ في السترة، وأنه لا بد أن تستر العورة، وستر العورة شرط عند أهل العلم. "كلما وضعها على منكبه" أيضاً ستر المنكب واجب في الصلاة، وفرق بين الشرط والواجب، ستر العورة شرط، وستر المنكب واجب، جاء في الحديث الصحيح: ((لا يصلِ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) والمراد هنا بالعاتق الجنس، بدليل الرواية الأخرى: ((ليس على عاتقيه منه شيء)) فلا بد من ستر العاتقين، وإن كان المعروف عن الإمام أحمد أنه يكفي أحد العاتقين بناءً على رواية: ((ليس على عاتقه)) كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها، المنكب هو الكتف، أو هو مجتمع رأس العضد مع الكتف، رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب، المشجب ما تعلق عليه الثياب، كالشماعة.

"فصلى بنا، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال بيده فعقد تسعاً" طريقة الحساب بالأصابع جاء بعضها في المرفوع وبعضها في الموقوف، وهي طريقة عربية تعرف فيها الأعداد من غير نطق، بالأصابع، أصابع اليد اليمنى لها أرقام، وأصابع اليد اليسرى لها أرقام، وعقود كل إصبع له رقم، كل عقد له رقم، وهي طريقة مهجورة، هجرت، كانت معروفة ثم هجرت، من أراد معرفة شيء عنها فليرجع إلى فتح الباري في الجزء الثالث عشر صفحة (ص108) وسبل السلام والتلخيص وغيرها من كتب أهل العلم. "فعقد تسعاً" يريد أن يبين أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مكث تسع سنين، وقد بين. "فقال: أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن بالناس في العاشرة" الرسول -عليه الصلاة والسلام- حج قبل الهجرة، وهذه الحجة على طريقة قومه مما ورثوه عن ملة إبراهيم -عليه السلام- وإن خالف قومه في الوقوف بعرفة، وهذه الحجة يدل عليها حديث جبير بن مطعم في الصحيح وهو أنه أضل بعيراً له فوجده بعرفه، وجد النبي -عليه الصلاة والسلام- واقف مع الناس وتعجب فقال: ما بال هذا يقف هنا وهو من الحُمس؟ الحمس لا يخرجون من الحرم، فكونه يتعجب يدل على أنه قبل أن يسلم؛ لأن جبير بن مطعم إنما وقر الإيمان في قلبه لما جاء في فداء أسرى بدر في السنة الثانية للهجرة، والحجة هذه كانت قبل الهجرة، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما هاجر، والخلاف في الثانية أيضاً، الحجة ثانية، لكن هناك من النصوص ما يدل على أنه حجة ثانية، وهل كانت قبل الهجرة أو بعدها؟ على كلٍ ليست هي حجة الإسلام، إنما حجة الإسلام التي وقعت بعد فرض الحج إنما هي التي شرحها جابر في هذا الحديث. "فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاج" أُعلم الناس، وأبلغوا الخبر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حاج في هذه السنة، يعني يريد الحج، من أجل أن يحضر المسلمون ليقتدوا به.

"فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الرسول حج في السنة العاشرة، والخلاف بين أهل العلم في الحج هل فرض في السادسة أو التاسعة أو العاشرة معروف؟ لكن المرجح عند أهل التحقيق أنه إنما فرض في السنة التاسعة، ولم يحج النبي -عليه الصلاة والسلام- في السنة التاسعة بل بعث أبا بكر لكي يؤذن بالناس أن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره هذه المناظر ولا يطيق مشاهدتها، فإذا نظف البيت من هذه المناظر حجّ كما هو الواقع. يترتب على الخلاف في وقت فرض الحج الخلاف في الحج نفسه، هل هو على الفور أو على التراخي؟ من قال: أنه فرض سنة ست قال: أنه على التراخي؛ لأن النبي مكث سنين -عليه الصلاة والسلام- لم يحج، لم يحج إلا سنة عشر، ومن قال: أنه فرض سنة تسع، وأخر الحج عن تسع إلى عشر للعلة المذكورة أو قال: فرض سنة عشر قال: إن الحج على الفور، وكونه على الفور هو المرجح عند أهل العلم. والحج ركن من أركان الإسلام إجماعاً، لحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وغيره: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج)) أو: ((والحج وصوم رمضان)) على الخلاف بين الرواة في ذلك. الإمام البخاري -رحمه الله- قدم الحج على الصيام لكونه أهم عنده، والرواية الثابتة عنده في تقديم الحج على الصيام من حديث عبد الله بن عمر أرجح من تقديم الصيام على الحج.

"يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاج فقدم المدينة بشر كثير" يقربون من مائة وعشرين ألفاً، حزروا بهذا العدد، منهم من زاد ومنهم من نقص، لكن هذا هو المعدل بين الأقوال، بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله، هذا الأصل في العبادات أن تأتي مطابقة لفعله -عليه الصلاة والسلام-، إذ شرط كل عبادة أن تكون خالصة لوجه الله -سبحانه وتعالى-، وأن تكون على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان أهل العلم يوصون الحجاج، وهذا مستفيض في المناسك، أن يكون الحاج بصحبة طالب علم أو عالم لتكون أفعاله على المطلوب شرعاً، فإذا كان هذا بالنسبة لمن يعرف شيئاً من العلم، فكيف بالائتساء بمن أمرنا بالاقتداء به والائتساء به؟! استجاب الصحابة لما أذن بهم، فأعلن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حاج. "فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله". يقول: "فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر" ولدت، خرجت إلى الحج وهي على أبواب الولادة -مشارف الولادة- ولدت بعد بضعة أميال، وهذا من حرصهم -من حرص الصحابة- على المسارعة إلى إبراء الذمة من الواجبات من جهة، ومن جهةٍ أخرى الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، فرصة قد لا تتكرر وقد حصل، لو تأخرت بسبب الحمل، والذي يغلب على الظن أنها قد وصلت إلى حد الطلق قبل خروجها من بيتها، الآن ومع تراخي الناس وتساهلهم في المسارعة والمبادرة إلى الخيرات تجد الشخص يتعلل بعللٍ واهية، يتأخر عن الحج بسبب إكمال الدراسة، إيش علاقة الدراسة بالحج؟ يتعلل بتأخير الحج وهو على الفور كما سمعنا بسبب الزواج مثلاً، أو لأنه مشغول، وقد يتعلل بعضهم بأن وقت الحج يأتي في إجازة، والإجازة فرصة بأن يخرج هو وزملاؤه وأقرانه في رحلة مثلاً، كل هذه علل واهية تدل على رقةٍ في الدين.

بعض النساء أو بعض الرجال يقول: المرأة مجرد ما تحلل وتبين لها أنها حملت أو حبلت خلاص ما يحتاج تحج السنة هذه، تنتظر إلى سنةٍ أخرى لئلا يسقط هذا الحمل، أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق أفضل الأمة بعد نبيها، خرجت وولدت بعد بضعة أميال محمد بن أبي بكر. "فأرسلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي واستثفري)) " والسنة الاغتسال عند الإحرام؛ لأن هذه وهي نفساء قيل لها: اغتسلي، أمرت به، فهو في حق الطاهر آكد، واستثفري يعني ضعي على موضع الدم شيئاً يمنع خروجه لئلا يتلوث البدن والثوب والبقعة بالدم، يعني تحفظي، وأحرمي، وهذا الحكم بالنسبة للحائض والنفساء، حكمهما واحد، تغتسلان وتحرمان وتفعلان كل ما يفعله الحاج، غير أنهما لا تطوفان بالبيت، كما في حديث عائشة. "فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد ثم ركب القصواء" هذه الصلاة يقول النووي: أنها صلاة الصبح؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر بالمدينة ثم خرج فصلى بالحليفة العصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم أحرم بعد ركعتي الفجر، الفريضة، هذا على قول النووي، والذي رجحه ابن القيم أنه انتظر إلى الظهر، صلى الظهر ركعتين ثم أحرم بعدهما، فيكون مكث يوم وليلة في الميقات، وهو بضعة أميال عن المدينة، قد يقول قائل: لماذا يشق على الناس فيخرج بهم من بيوتهم ويجلس يوم كامل بعد بضعة أميال؟ هذا فعل المعصوم -عليه الصلاة والسلام- وله فوائد، ولعل منها: أن يتذكر من تذكر شيئاً نسيه، أو يلحق بهم من تخلف، ولغير ذلك من الفوائد المرتبة على فعله -عليه الصلاة والسلام-. المقصود أن هذا هو الحاصل.

"فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد ثم ركب القصواء" الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحرم بعد الصلاة، وهي صلاة الصبح على قول النووي أو صلاة الظهر على قول ابن القيم، فدل على أنه ينبغي أن يكون الإحرام بعد صلاة، وجاء الأمر بالصلاة قبل الإحرام، في صحيح البخاري: ((صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة)) ولا نعلم ما لو لم تكن أو لم يكن إحرامه -عليه الصلاة والسلام- بعد الفريضة ماذا سيصنع؟ ولذا يرى جمهور أهل العلم أن الإحرام له صلاة فإن وقع بعد فريضةٍ فهو أولى، وإن لم يقع بعد فريضة صلى ركعتين للإحرام، وهذا مذهب العلماء كافة، كما قال النووي وابن عبد البر وغيرهما، نقل الخلاف عن الحسن البصري وبعض التابعين، من أهل العلم من يقول: أنه ليس هناك صلاة للإحرام، وإنما وقع اتفاقاً أنه صلى الفريضة ثم أحرم، لكن الأمر: ((صل في هذا الوادي المبارك)) يعني غاية ما في الأمر أنها تداخلت صلاة الإحرام مع صلاة الظهر، ومعلوم أنه إذا اجتمع هناك عبادتان، صغرى وكبرى، لم تكن إحداهما متعلقة بالأخرى، ولا يكون فعلها على جهة القضاء، فإنها تدخل إحداهما في الأخرى، تدخل الصغرى في الكبرى، وهذه قاعدة عند أهل العلم، على أن من الشافعية من يرى أنها صلاة خاصة فلا تدخل في الفرض، ولا تجزئ عنها الفريضة، بل لا بد من هاتين الركعتين للإحرام. على كل حال جماهير أهل العلم بل هو مذهب أهل العلم كافة فيما نقله النووي وغيره ولم يخالف في ذلك إلا نفر يسير أن الإحرام له صلاة، وعلى كل حال إن وافق فريضة فبها ونعمت وهو الأولى والأكمل خروجاً من الخلاف، وإن لم يوافق ويصادف فريضة وكان الوقت وقت مطلق غير وقت نهي فالأولى أن يصلي الإنسان ركعتين ليقع إحرامه بعد الصلاة، إن كان الوقت وقت نهي ثبت في الصحيح عن عقبة بن عامر من حديث عمر وغيره النهي عن الصلاة في أوقات النهي، فلا تعارض هذه النواهي بمثل هذه السنة. طالب:. . . . . . . . .

ما يلزم، المقصود أنه جاء الأمر: ((صل في هذا الوادي المبارك)) هل المقصود في هذا الوادي نفسه؟ بمعنى أنه كل من مر بهذا الوادي المبارك ينبغي أن يصلي سواء أراد أن يحرم أو لا؟ قال بهذا أحد من أهل العلم؟ أو نقول: المراد بـ (صل) في هذا الوادي صل الفريضة أو صل للإحرام؟ احتمال، وأهل العلم يقولون: إذا كان الأمر يحتمل التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى؛ لأن التأكيد يفقده معناه، إيش معنى هذا الكلام؟ لو قلنا: أن معنى قوله: ((صل في هذا الوادي المبارك)) صلي الظهر، تأكيد لأوامر سابقة لا بد أن يصلي الظهر، وإذا قلنا: أن المراد بقوله: ((صل في هذا الوادي المبارك)) صل للإحرام، صار تأسيس حكم جديد، وأهل العلم يقولون: التأسيس خير وأولى من التأكيد؛ لأن التأكيد يفقد الحديث فائدته، كيف يصلي وقد أمر بالصلاة؟ فهو مصلي مصلي، هذا فرض لا بد أن يصلي. وعلى كل حال البحث في هذه المسألة يطول، ومثل ما ذكرنا ينبغي أن يصلي الإنسان إذا كان الوقت من الأوقات المطلقة، وليس من أوقات النهي. "فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته في البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكبٍ وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا" ... إلى أن قال: "فأهلّ بالتوحيد" (فأهل) العطف على إيش؟ على ركب، ثم ركب فأهل، معنى هذا أنه لم يهل حتى ركب؛ لأن العطف بالفاء إيش يقتضي؟ الترتيب، معنى هذا أنه لم يهل إلا بعد أن ركب القصواء.

واستوت به على البيداء، وجاء في الحديث الصحيح من حديث ابن عمر: "بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقول: أنه أهل من البيداء، إنما أهل من المسجد" فالرسول -عليه الصلاة والسلام- لما صلى أهل، لما ركب ناقته أهلّ، أهلّ على البيداء، أهلّ عند الشجرة، جاءت بذلك الروايات في الصحيح، ولا تعارض بين هذه الروايات كلها، أهل النبي -عليه الصلاة والسلام- لبى-عليه الصلاة والسلام-، والإهلال رفع الصوت بالتلبية في هذه المواضع كلها، فكل من سمعه في مكانٍ نقل عنه أنه أهلّ منه، فمن سمعه أهل بالمسجد نقل أنه أهل بالمسجد، ومن سمعه أهلّ على البيداء بعد أن ركب الدابة حينما استوت به دابته إنما سمعه في ذلك الوقت، ولم يسمعه قبل ذلك، وهكذا، فلا تعارض بين هذه الروايات. طالب:. . . . . . . . . حديث ابن عمر في الصحيح، ما يحتاج. طالب:. . . . . . . . . التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما أهلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد؛ لأنه يفهم، فهم ابن عمر من قولهم إنما أهلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من البيداء، أنه لم يهل قبل ذلك، فأراد أن يبين أنه أهلّ قبل ذلك، ولا ينفي ابن عمر أنه أهل على البيداء أو إلى الشجرة، أو بعدما ركب دابته، لا، لا ينفي هذا. "حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري" مد نهاية البصر، غاية ما يدركه البصر، وبعضهم يقول: الأفصح أن يقول: مدى بصري، ولا يقال: مد بصري، إلى مد بصري بين يديه. إيش المشكلة؟ أيهما أصح؟ أحد المشايخ الحضور في الدرس: منكم نستفيد يا شيخ. لا بعض الشراح يقول: مدى بصري أفصح من مد، على كل حال هي ثابتة في النص الصريح الصحيح. "إلى مد بصري بين يديه من راكبٍ وماشي" فالصحابة منهم الراكب ومنهم الماشي، بإقراره -عليه الصلاة والسلام-، وجاء: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] رجالاً الواو: هنا للتخيير أو للتقسيم؟ أحد المشايخ الحضور في الدرس: منكم نستفيد يا شيخ. ما يمنع يا شيخ، شيخنا في هذا الباب أحد المشايخ الحضور في الدرس: لا نتكلم هنا أبداً بين يديكم.

الواو هنا للتقسيم، يعني قسم منهم راكب، قسم منهم رجال وقسم منهم ركبان، وهنا "بين يديه من راكبٍ وماشٍ" فالحج ماشياً جائز، والحج راكب جائز، والمفاضلة بينهما عند أهل العلم معروفة، منهم من يفضل الحج ماشياً، يقول: أنه أكثر مشقة، ومنهم من يقول: الحج راكباً أفضل لكونه -عليه الصلاة والسلام- حج راكباً، ولا شك أن المشقة الناشئة عن المشي ليست مقصودة، ليست بمقصدٍ شرعي، المشقة لذاتها، نعم إذا ثبتت تبعاً لعبادة، تبعاً لما أمر به أجر عليها الإنسان، فالأجر على قدر المشقة، على قدر النصب، هذا إذا كان مما أمر به، أو جاء تبعاً لما أمر به، أما أن يقصد، تقصد المشقة ويقصد التعب، ويقصد الإنسان بذلك الأجر؟ وعلى هذا إذا استطاع أن يركب فالأفضل في حقه أن يركب، والله -سبحانه وتعالى- عن تعذيب هذا نفسه لغني؟ يقول: "بين يديه من راكبٍ وماشٍ، وعن يمنيه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك" من جميع الجهات إلا أنه لم يذكر أمامه، هل ذكر أمامه؟ قال: "بين يديه" وبين يديه هذا أمامه، بين يديه وين بيكون؟ أمامه، يعني من جميع الجهات مد البصر، خلق كثير، أكثر من مائة ألف جاؤوا ليحجوا معه -عليه الصلاة والسلام- ويقتدوا به ويأتسوا به. "ورسول الله بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله" نعم، الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يعرف تأويل القرآن، ويتأول القرآن، وعليه ينزل لا على غيره، وتأويل النبي -عليه الصلاة والسلام- للقرآن يجب المصير إليه، وحينئذٍ لا يجوز الاجتهاد في التفسير مع وجود النص المرفوع عنه -عليه الصلاة والسلام-. "وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيءٍ عملنا به" جابر يغري بهذا السامع أن يأخذ بما يرويه جابر -رضي الله عنه- أنه لا يقول شيء عن اجتهاده، وإنما ينقل ما عمل به النبي -عليه الصلاة والسلام- وعملوه معه. "فأهلّ بالتوحيد" الإهلال رفع الصوت، والتوحيد هي التلبية المتضمنة للتوحيد ونفي الشرك، وصيغة التلبية التي أهلّ بها -عليه الصلاة والسلام- ما ذكره جابر -رضي الله عنه-، فأهل بالتوحيد: لبيك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

"وأهلّ الناس بهذا الذي يهلون به" زادوا على تلبيته -عليه الصلاة والسلام-، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لزم هذه التلبية التي هي التوحيد، وفيها التنصيص على نفي الشرك، لا شريك لك، وهو في ذلك يخالف ما جاء عن المشركين الذين يقولون: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، هذا الشرك بعينه -نسأل الله العافية- فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يهلّ بالتوحيد لله -سبحانه وتعالى- ويقول: لا شريك لك. "وأهل الناس بهذا الذي يهلون به" فحفظ عن عمر ألفاظ وعن ابنه ألفاظ، وعن أبي موسى وعن غيره من الصحابة صيغ للتلبية، يسمعهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا ينكر عليهم، ولذا قال جابر: "وأهلّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً منه، ولزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبيته" لزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبيته التي ذكرت هنا، فالزيادة على هذه الصيغة مما جاء عن الصحابة لا بأس بها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سمعها وأقرها، ولا بأس بذلك، لكن التزام ما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- ولزمه ولم يزد عليه أولى، فكونه يقر الجائز غير كونه -عليه الصلاة والسلام- يبدأ بالمشروع، لا شك أن ما حفظ عنه -صلى الله عليه وسلم- أولى مما أقره، وإن كان الكل في حيّز الجواز. قال جابر -رضي الله عنه-: "لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة" لا يعرفون العمرة يعني في أشهر الحج، وإلا فالرسول -صلى الله عليه وسلم- اعتمر قبل ذلك، فهم يعرفون العمرة، اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة قبل ذلك، فهم يعرفون أصل العمرة، مشروعية العمرة، لكن مع الحج لا يعرفونها، في أشهر الحج لا يعرفونها؛ لأن العمرة في أشهر الحج عند العرب من أفجر الفجور. "لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ًومشى أربعاً" حتى إذا أتينا البيت استلم الركن، والاستلام سنة، يستلمه بيده، وإن تيسر تقبيله فهو سنة، ومشروع إن لم يتيسر التقبيل استلمه باليد، إن لم يتيسر الاستلام باليد أشار إليه بما في يده من محجن ونحوه وإلا فباليد، ومع هذا الاستلام يكبر.

"فرمل ثلاثاً" رمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً ومشى أربعاً، والرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، ومشى أربعاً، والسبب في هذا الرمل، المشركون في عمرة القضاء قالوا: إنه يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فجلسوا مما يلي الحجر، ولذا كان -عليه الصلاة والسلام- يرمل من الركن إلى اليماني ويمشي بينهما، رمل ثلاثة أشواط، ومشى أربعة إبقاءً عليهم، ثم رمل بعد ذلك من الركن إلى الركن في حجة الوداع، فأصل الرمل شرع لسبب، وهو قول المشركين: يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، لكن في حجة الوداع هل هناك من يقول: يقدم محمد ... الخ، ليس هناك من يقول، فالحكم شرع لسبب وارتفع السبب، وأهل العلم يقولون: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، العلة ارتفعت والسبب انتهى، ليس هناك من يقول: يقدم محمد وأصحابه ... الخ. لكنه -عليه الصلاة والسلام- رمل في حجة الوداع من الركن إلى الركن فيكون هذا من الأحكام التي شرعت لسبب فارتفع السبب وبقي الحكم، كالقصر في الصلاة، القصر في الصلاة سببه الخوف، وقد نص عليه في الآية {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] إن خفتم بهذا القيد، شرع القصر بسبب الخوف في السفر ثم ارتفع، فصار القصر صدقة تصدق الله بها، فيقصر الإنسان وهو آمن ما يكون، ومثله ما معنا، شرع الرمل لعلة فارتفعت العلة، ارتفع السبب وبقي الحكم. "ثم نفذ إلى مقام إبراهيم -عليه السلام- فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] فجعل المقام بينه وبين البيت".

"نفذ إلى مقام إبراهيم" المقام هو الحجر الذي فيه أثر القدمين لإبراهيم -عليه السلام-، والصيغة تحتمل الحجر ومكان الحجر، يعني الموضع الذي قام فيه إبراهيم -عليه السلام-، أو الحجر الذي قام عليه إبراهيم -عليه السلام-، فهو مقام، مقامك يعني مكانك الذي قمت فيه، فقيل: المراد الحجر، الحصاة التي فيها أثر القديمين، وقيل: المراد به المكان، وقيل: المراد بمقام إبراهيم جميع المشاعر التي وقف فيها إبراهيم -عليه السلام-، لكن كونه -عليه الصلاة والسلام- يعمد إلى هذا المكان الخاص من البيت ويقرأ الآية دل على أن المقام في الحرم، وإذا قلنا: أن المراد من المقام الحصاة تعلقت المشروعية بها، وإذا قلنا: أن المراد المقام المكان تعلقت المشروعية به، {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ} يعني المكان الذي قام فيه، المقام كان ملاصقاً للكعبة، أبعد عنها في عهد عمر -رضي الله عنه- من أجل حاجة الطائفين، أو أبعده السيل كما في بعض الروايات، المقصود أنه ليس في مكانه الأصلي، فإذا قلنا: أن المراد بالمقام الحجر قلنا: أن مشروعية الصلاة خلف هذا الحجر وجعله بين المصلي وبين الكعبة، ولو أخر عن الكعبة يعني لو اقتضت المصلحة أن يؤخر الحجر أيضاً عن مكانه إلى أروقة مثلاً، هل نقول: أن ركعتي الطواف متعلقة بهذا الحجر؟ ولو أبعد عن الكعبة؟ أو نقول: المراد المكان، فنقصد المكان الذي قام فيه إبراهيم وهو مقامه فنصلي فيه بغض النظر عن الحجر الذي فيه أثر القدمين، والصيغة محتملة، لكن الأكثر على أن المراد بالمقام الحجر، وعلى هذا لو صلى الإنسان تأخر عن أساس الكعبة متر واحد وصلى؟ جعل المقام الحجر خلفه، هل نقول: أنه أصاب السنة وامتثل الأمر: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة]؟ هذا المكان الذي قام فيه إبراهيم؟ أو نقول: لا بد أن تستقبل هذا الحجر وتضعه بينك وبين الكعبة؟ أقول: اللفظ محتمل، ولو قيل: بأن المراد الأمران معاً، الحجر الموجود في هذا المكان، لئلا يلزم عليه أنه لو أخرج الحجر عن الكعبة، لو اجتهد والي من الولاة، وقال: يبعد لأنه يعوق الطائفين فيبعد، اقتضى نظره ذلك، نتبع هذا الحجر؟ أو المراد به الحجر

الموجود في هذا المكان الذي قام عليه إبراهيم -عليه السلام-؟. ولذا يختلف أهل العلم في جواز إبعاد المقام عن مكانه، إذا كان الذي أبعده أول مرة عمر -رضي الله عنه- اجتهد وأبعده، وهو خليفة راشد، أمرنا بالاقتداء به، ((عليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) ((اقتدوا بالذين من بعدي)) خليفة راشد، لكن لو جاء غيره؟ وألف في المقام رسائل بين مجيز ومانع، فلتراجع هذه الرسائل. "فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فجعل المقام بينه وبين البيت". طالب:. . . . . . . . . إذاً فاتت الركعتان يأتي حكمهما -إن شاء الله-. "فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول" فكان أبي جعفر الصادق يقول: فكان أبي يعني أبوه الباقر يقول: "ولا أعمله ذكره إلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون" وثبت الرفع صريحاً بسندٍ صحيح عند البيهقي وغيره، وهنا يقول: لما جاء فيه بلفظ العلم انتفى الشك للتنافي وللتنافر بين الشك والعلم، نعم هناك تنافر بين الشك والعلم المثبت، لكن العلم المنفي، الآن: "ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ" هذا تفيد شك وإلا ما تفيد شك؟ هذا علم، والعلم هو الاعتقاد الجازم الذي لا يساوره أدنى شك، إن احتمل النقيض ولو بنسبةٍ يسيرة نزل عن مرتبة العلم إلى الظن، إذا استوى الأمران صار شكاً، إذا نزل عن حد الاستواء الطرف المقابل للظن هو الوهم، والمقابل للعلم هو الكذب.

"فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون" هو يقرأ في الركعتين، فيقرأ في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون، وفي الركعة الثانية قل هو الله أحد، وهنا الواو عاطفة، لكنها لا تدل على الترتيب، هي لمطلق الجمع وليست للترتيب هنا، كما هو الأصل فيها، فكان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، وهما سورتا الإخلاص، يستحب قراءتهما في ركعتي الطواف، وفي ركعتي الصبح، ركعتي المغرب، في آخر الوتر؛ لأن الإنسان وهو يطوف بالبيت والبيت من حجارة قد يتوهم متوهم أن لهذه الحجارة شيئاً من هذا العمل، فإذا انتهى من طوافه وصلى الركعتين وقرأ بهاتين السورتين –سورتي الإخلاص- انتفى وارتفع ما كان يتوهمه، ولو من بعد. "كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، ثم رجع إلى الركن فاستلمه". أولاً: الطواف هذا الذي طافه النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الصواب في حجه على ما سيأتي أنه كان قارناً، فالطواف طواف القدوم، وهو سنة عند جمهور العلماء، ويشرع فيه الرمل والاضطباع، والرمل أشرنا إليه وجاء ذكره في الحديث، والاضطباع جعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن ورمي طرفي الرداء على الكتف الأيسر، وهو سنة. وركعتا الطواف عند جمهور العلماء سنة لا شيء في تركهما، لكنها من السنن المؤكدة، ومنهم من يقول: بوجوبهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هكذا فعل وقال: ((خذوا عني مناسككم)) ومنهم من يفصل، فيقول: هما تبع للطواف، إن كان الطواف واجباً فهما واجبتان، وإن كان الطواف مسنوناً فهما سنة، وعلى كل حال قول جماهير أهل العلم أنهما من السنن المؤكدة، ويكون فعلهما في هذا المكان خلف المقام هذا الأفضل، وفي أي مكانٍ من الحرم فعلهما جاز، وفي خارج الحرم أيضاً يجوز؛ لأن عمر صلاهما بذي طوى. طالب:. . . . . . . . .

لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- نفذ إلى مقام إبراهيم -عليه السلام- فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] .. وهناك فوق الصفا قال: ((ابدؤوا ما بدأ الله به)) –على ما سيأتي- فقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [(158) سورة البقرة]. طالب:. . . . . . . . . الرسول فعل -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة. طالب: ثم رجع إلى الركن فاستلمه إيش المقصود من الرجوع؟ نشوفها -إن شاء الله-. طالب:. . . . . . . . . يصليهما في أي مكان، لأنها سنة خاصة متعلقة بفعل، لذا عمر -رضي الله عنه- صلاهما بذي طوى؛ لأن عمر -رضي الله عنه- طاف بعد الصبح ثم خرج من المسجد فلما وصل ذا طوى صلى الركعتين في حديث جابر عند أحمد وغيره أنهم لم يكونوا يطوفون بعد الصبح وبعد العصر، وبفعل عمر -رضي الله عنه- استدل البخاري على أن ركعتي الطواف لا تفعلان في وقت النهي، للطائف أن يطوف لكن الصلاة يتأخر فيهما حتى يخرج وقت النهي، وهذه مسألة يطول بحثها، فهذه إشارة فقط.

من العلماء من قال في قوله: "ثم رجع إلى الركن فاستلمه" أن هذا خاص بطواف القدوم، إذا فرغ من طواف القدوم صلى الصلاة خلف المقام رجع إلى الحجر الأسود ثم استلمه، ومنهم من يقول: يسن استلامه بعد كل طواف، يصلي ركعتين ثم يستلم، وإذا طاف الشروط معروفة والهيئات أيضاً معلومة هيئة الطواف، والتكبير كما جاء في الحديث الصحيح "كلما حاذ الحجر كبر" فيدخل في ذلك بداية الطواف ونهايته، أما بداية كل شوط فهذا لا إشكال فيه، ولا يخالف فيه أحد، لكن إذا فرغ من الطواف يكبر وإلا ما يكبر؟ مقتضى قوله: "كلما حاذ الركن كبر" أنه يكبر في نهاية السابع، وفي حديث جابر عند أحمد، قال ابن حجر بإسنادٍ حسن: كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فنستلم الحجر الفاتحة والخاتمة، يعني في بداية الطواف وفي نهايته، ومعلوم أن الاستلام هو الأصل، فإذا لم يتمكن الطائف من الاستلام فإنه يستلم بشيء في يده إما محجن أو غيره، أو يشير إذا لم يستطع ذلك، فالإشارة المقرونة بالتكبير نائبة مناب الاستلام، وإذا كانوا يمسحون الركن الفاتحة والخاتمة فعلى هذا يشرع التكبير في الفاتحة والخاتمة؛ لأنه بدل. نقف عند السعي، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب: استقبال الحجر هل. . . . . . . . . جاء ما يدل على الاستقبال عند البيهقي، لكن كون التكبير والإشارة باليد، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما كان راكباً يشير إلى الحجر بمحجن فهل معنى هذا أنه يقف أذا حاذ الحجر ويستقبل وهو راكب أو مجرد إشارة فقط؟ الاستقبال بجميع البدن؟ لعله لو استقبله بوجهه وأشار إليه كفاه. اللهم صل على محمد. طالب:. . . . . . . . . ما يستقبله بكامل جسمه، لو استقبله بوجهه وأشار إليه بيده كفى. طالب:. . . . . . . . . هنا عندنا حديث، حديث النبي معنا، هذا الذي معنا، يعني لو قلنا: بأن الواو تقتضي الترتيب دل على ما قلت، لكن الواو لمطلق الجمع، لا تقتضي الترتيب، وبينته الرواية الأخرى عند البيهقي بسندٍ على شرط مسلم: "أنه قرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية: قل هو الله أحد". اللهم صل على عبدك ورسولك محمد.

هذا يسأل عن صلاة ركعتي الإحرام في وقت النهي؟ أولاً: ركعتا الإحرام فيهما من الخلاف ما سمعتم، وأن القول بمشروعة صلاة الركعتين للإحرام، قول جماهير أهل العلم حتى قال النووي: هو قول عامة أهل العلم، ومن يقول: بأنه لا تشرع صلاة الإحرام وإنما النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم بعد فريضة هي الصبح على قول النووي أو الظهر على ما اختاره ابن القيم ورجحه، ليس المراد من تأكيدنا على ركعتي الإحرام أو وقوع الإحرام بعد صلاة والترجيح لقول عامة أهل العلم مهم بقدر ما يهمنا احترام أهل العلم؛ لأن بعض الناس إذا اتجه له رأي وقلد فيه شخص ممن يثق به وأسلم له القياد ازدرى غيره، وتكلم في غيره، فإذا قلت: الأئمة الأربعة على مشروعية صلاة الإحرام، صلاة ركعتي الإحرام، قال: يقول الشيخ الفلاني، هذا الكلام ما هو صحيح، صحيح النبي أحرم بعد الفريضة، لكن لم يذكر أن للإحرام صلاة، ثم يناقش في كون الإحرام قد يقع بعد ركعتين ينوى بهما سنة الوضوء، شخص ما اعتاد سنة الوضوء في عمره كله، يغالط نفسه ويقول: هذه سنة الوضوء، وليس معنى هذا أننا نحط من قدر الطرف الآخر ممن قال: بأنه لا صلاة للإحرام شيخ الإسلام، شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو شيخ الإسلام كما هو معروف، وقال به بعض أئمة العصر كما هو معروف، وشاع هذا القول، وصار هو المتقرر في ذهن كثير من المتعلمين بحيث صاروا ينكرون على من يصلي ركعتين للإحرام، إذا عرفنا أن القول الآخر هو قول عامة أهل العلم فأهل العلم لهم قدرهم، ولهم شأنهم، وسواء رجح قول أو آخر لا شك أن العمدة والمرجح والأصل هو الدليل.

لكن ينبغي أن يحفظ لأهل العلم مكانتهم وكرامتهم ولا يزدرى أحد على حساب أحد، ولعل هذا من إفرازات ما شاع قبل عشرين سنة أو أكثر من نبذ التقليد والتقليل من شأن فقهاء الأمة وكتب الفقه، صاروا يبحثون عمن يعتني بالدليل وهذا أمر مطلوب، لكن الأئمة الكبار فقهاء الإسلام وعلماء الأنصار هم أهل الدليل في الجملة، الإمام مالك، الإمام أحمد، الشافعي، إسحاق، غيرهم من الأئمة، هؤلاء هم المحدثون وفي الوقت نفسه هم الفقهاء، فلا انفكاك بين الفقه والحديث، فإذا قال قائل بركعتي الإحرام ليس معناه أنه يستهين بالقول الآخر، أو يستهين بمن قاله؟ لا، أو قال بعدم صلاة النافلة في وقت النهي، الأمر كذلك، لكن ينبغي التوسط في الأمور كلها، وإنزال الناس منازلهم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وعائشة تقول: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" وهذا مر بنا بالأمس. يقول: هل يصلي ركعتي الإحرام في وقت النهي؟ نقول: لا، لا يصلي ركعتي الإحرام في وقت النهي، أوقات النهي الخمسة لا تصلى فيها ركعتا الإحرام، لثبوت النهي، عقبة بن عامر يقول: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" حديث عمر وغيره في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر معروف، فللتعارض المذكور يغلب جانب الحظر فتمنع الصلاة في هذه الأوقات على تفصيلٍ طويل في هذه المسألة، لأن من يتصدر للإجابة على أسئلة الناس من يقول: أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، نعلم أن المنع من التنفل في أوقات النهي هو قول الجمهور، المالكية والحنفية والحنابلة، ويقول الشافعية بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، فإذا قال الشافعي ومن يقول بقوله: تفعل ذوات الأسباب؛ لأن أدلتها خاصة وأحاديث النهي عامة، قال الطرف الآخر: بالعكس، يمنع من التنفل في هذه الأوقات؛ لأن أحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، فليس قول أحدهما بأولى بالقبول من قول الآخر. وعلى كل حال هذا التعارض بين النصوص من باب العموم والخصوص الوجهي، ولذا تعد هذه المسألة من عضل المسائل والترجيح فيها في غاية الصعوبة، يعني لا يجرؤ طالب أو متعالم ....

شرح حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (2)

شرح حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (2) الشيخ/ عبد الكريم الخضير ولذا تعد هذه المسألة من عضل المسائل والترجيح فيها في غاية الصعوبة، يعني لا يجرؤ طالب أو متعالم يقول: هذا خاص وعام والخاص مقدم على العام، لا، ليس الأمر كذلك، لأن للطرف الآخر أن يقول مثل هذا الكلام سواء، فلهذا ننصح طلاب العلم أن لا يتجرؤوا على الأئمة؛ لأن الأمة ما تزال بخير إذا احترمت علماءها وكبارها، مثل تحية المسجد، تحية المسجد والذي ترجح لدي أنه في الوقتين الموسعين لا مانع من فعل ذوات الأسباب، وفي الأوقات الثلاثة المضيقة لا تفعل ذوات الأسباب ومن باب أولى النوافل المطلقة، يعني عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، مقدار ربع ساعة أو أقل بقليل 12 دقيقة، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وهو يقرب من ذلك مقدار ربع ساعة، وحين تتضيق الشمس للغروب حتى تغرب، وهذه الأوقات الثلاثة هي المضيقة وأمرها أشد. طالب: قضاء الفرائض؟ قضاء الفرائض ما فيها شيء، النائم عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، هذا وقتها، الفرائض لا تدخل فيها، خلافاً للحنفية. طالب:. . . . . . . . . إذا أحرمت في وقتٍ مضيق لا تتسنن، لا تصلي، حتى الموسع أنا عندي مثل هاتين الركعتين ليس من القوة بحيث تعارض بهما أحاديث النهي. طالب:. . . . . . . . . سجود التلاوة على خلاف؟ إن كان صلاة فحكمها حكم النوافل، وعند من يقول: بأن سجود التلاوة ليست بصلاة يسجد متى شاء في أي وقت، قول ابن عمر في الصحيح أنه ليس بصلاة، يسجد لغير القبلة، ويسجد على غير طهارة، ولا تشمله أحكام الصلاة. يقول: ألا ترى يا شيخ أن ركعتي الإحرام خاصة بمن أحرم من ذي الحليفة؟ لا وجه للتخصيص هنا، لأن من أحرم أخذ الوصف الذي هو الإحرام، من أي ميقاتٍ كان على حدٍ سواء. يقول: هل تصح التلبية التي وردت في ابن ماجة أنه قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لبيك إله الحق)).

الرسول -عليه الصلاة والسلام- في هذا الكتاب لزم تلبيته، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، والناس يلبون بألفاظٍ أخرى وبصيغٍ لا محظور فيها، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يسمعهم ولا ينكر عليهم، ولكنه لزم تلبيته -عليه الصلاة والسلام-. هنا في أيضاً أسئلة: هل الرمل بخطىً قصيرة في الازدحام يشرع أم لا؟ الأصل في الرمل أنه الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، إن تيسر فهو مشروع مسنون وإلا يسقط. بعض الناس يهز المنكبين وهو يمشي مشي؟ هذا ليس برمل. طالب:. . . . . . . . . على كل حال، الطهارة شرط عند جماهير أهل العلم، الطهارة شرط عند جمهور أهل العلم، وعلى هذا عليه أن يتوضأ. طالب:. . . . . . . . . على كل حال إذا تيسر الإسراع في المشي فهو المطلوب، لكن من قدر على بعض العبادة وعجز عن بعضها فإن كان البعض المقدور عليه مقصود لذاته أتي به وإلا فلا، الذي يعجز عن قراءة الفاتحة نقول له: يلزمك القيام؛ لأنك تقدر عليه، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) يقول: أنا لا اقرأ، الوقوف من أجل القراءة، نقول: لا، القيام مقصود لذاته، الذي لا يعرف القراءة يقول: أنا لا أستطيع لا أعرف أن اقرأ ولا آية من كتاب الله، لكن أستطيع أن أحرك لساني مثل الذين يقرؤون، نقول: تحريك اللسان ليس مقصود لذاته، لا تحرك لسانك. الأصلع الذي لا شعر في رأسه، قال بعضهم: بإمرار الموس على رأسه؛ لأنه مقدور عليه، نقول: لا داعي له لأن مجرد إمرار الموس غير مقصود لذاته، وإنما هو تبع. طالب:. . . . . . . . . المقصود أنه ما دام يسمى شعر يلزمه، ما دام يسمى شعر يلزمه. يقول: ما الفرق بين الأداء والتحمل؟ مرّ بنا بالأمس أن تحمل الصغير والكافر والفاسق صحيح دون أدائهما، فعند الأداء لا بد من توافر الشروط، التحمل تلقي الحديث عن الشيوخ، والأداء هو أداء الحديث للطلاب والتلاميذ، يعني تبليغ الحديث هذا الأداء، وحين الأداء لا بد من اكتمال الشروط.

يقول: امرأة تضحي كل سنة عنها وعن والديها فهل لها أن تضع ثمن هذه الأضحية بترميم مسجد بقصد الأجر لهؤلاء الأشخاص أم تضعها في أضحية رغم أن أخوتها يضحون سنوياً عن والديهم، وأولاده يضحون عن أنفسهم؟ على كل حال إن دخلت تبعاً لغيرها كزوجها مثلاً فالصدقة بثمن هذه الأضحية لأنها سقطت التضحية عنها، الصدقة بثمن هذه الأضحية أو جعلها بمشروعٍ متعدي النفع أولى، وإلا فالأصل أن التضحية أفضل من الصدقة بثمنها، ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها. الأسئلة كثيرة بعضها لا علاقة له بالموضوع. يقول: ما رأيكم بالذي يقرأ كتب في الحج سواء أيام التشريق أو قبل العيد؟ على كل حال الحج باب من أبواب العلم بل من أهم أبوابه، والتفقه في الدين أمر مطلوب شرعاً، ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) كما في الحديث الصحيح، فالقراءة في كتب العلم عموماً ككتب التفسير والحديث والفقه والعقائد وغيرها مما يخدمها كله عبادة، بل من أفضل العبادات، ويستوي في ذلك يوم العيد قبله وبعده. يقول: طالب علمٍ يجد في نفسه العجب وهو يجاهد نفسه في دفعه فما العلاج جزاكم الله خيراً؟ لا شك أن العلاج شاق في أول الأمر، سواء كان ذلك العجب أو الرياء أو التشريك، طلب دنيا أو غيره، فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه، والعجب محبط للعمل -نسأل الله العافية-. والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌٌ ... أعمال صاحبه في سيله العرمِ يقول الشيخ حافظ -رحمه الله-. فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه ويعودها التواضع ويذكرها بما اشتملت عليه من نقائص، لو تذكر الإنسان وتصور حاله ووضعه من بداية عمره إلى أن شبّ وترعرع وجد من النقص الشيء الكثير الذي يصل به إلى أن يزدري نفسه فضلاً عن أن يعجب بها، والله المستعان. فعلى كل حال الجهاد لا بد منه، قد يقول قائل: أنه لا يستطيع أن يجاهد نفسه لتصحيح نيته؟ فهل يترك التعلم؟ الجواب: لا، عليه أن يتعلم، وعليه أن يجاهد، والعلم الشرعي كفيل بإذن الله -سبحانه وتعالى- أن يدعو إلى تصحيح النية، وإذا حرص المرء وجاهد نفسه وعلم الله -سبحانه وتعالى- منه صدق النية أعانه على الإخلاص، والله المستعان. هذا يقول: ما المقصود بالتحمل والأداء؟

يقول في حديث جابر قال: النبي -عليه الصلاة والسلام-: لما انتهى من طوافه قال: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] هل هذا للتعليم أم من السنة أن تقرأ هذه الآية عند التوجه لصلاة الركعتين؟ أهل العلم من شراح الحديث وغيرهم قالوا: يسن أن يقرأ مثل هذه الآية إذا فرغ من طوافه واتجه إلى المقام لصلاة الركعتين، وكذلك إذا رقي على الصفا يقرأ: أبدأ بما بدأ الله به كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [(158) سورة البقرة] ... الخ. يقول: ماذا فعلت أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- بطواف الإفاضة هل رجعت إلى المدينة وعادت أم انتظرت حتى طهرت؟ وكيف تفعل الحاجة إذا خافت فوات الرفقة وهي حائض أو نفساء، سواء طواف الإفاضة أو وداع؟ أما بالنسبة لطواف الوداع ما في إشكال، يسقط عن الحائض والنفساء، وأما أسماء بنت عميس فلم يذكر من أمرها شيء، فعلها طهرت قبل الانصراف؛ لأنه لا حد لأقل النفاس، لا حد لأقله، قد تلد المرأة بدون دم، فلا يلزمها نفاس، وقد تلد مع دم ينقطع بعد يوم أو يومين أو أكثر إلى أربعين يوماً على قول، أو إلى ستين كما هو معروف في القول الثاني، على كل حال يقول: هل رجعت إلى المدينة وعادت أم انتظرت حتى طهرت؟ ما ذكر عنها شيء، لكن على كل حال يلزمها طواف الإفاضة بعد أن تطهر كالحائض، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) فلا بد أن تطهر لتؤدي طواف الإفاضة، وهو ركن لركن، ما نقول أنها خافت رفقة، تتضرر ما تتضرر ما علينا، هي جاءت بعد تمام الاستطاعة، وإلا فالأصل أن الحج إنما هو مع الاستطاعة.

وطواف الإفاضة ركن والحج ركن من أركان الإسلام كما هو معروف، إذاً يلزمها أن تطوف كما وجه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) الاحتمالات التي ذكرها شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى لا شك أن شيخ الإسلام هو شيخ الإسلام، وهذا اجتهاد منه، وكل يؤخذ من قوله ويترك، ما دام عندنا نصح صحيح صريح ((افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) ولذا قال في حديث صفية: ((أحابسة هي؟ )) فدل على أن الحائض تحبس الرفقة. طالب:. . . . . . . . . تخرج وترجع؛ لأنه لا حد لآخره، لكن ما ترتكب المحظور المرتب على التحلل الثاني، ترجع لطواف الإفاضة بس على أن لا يقربها زوجها؛ لأنها ما حلت إلى الآن. لكن قبل أن نقرأ يا إخوان نرغب إن سمح لنا فضيلة الشيخ أن الإخوان يرجئون الأسئلة، يعني إما أن يكتبوها ويعطوها الشيخ أو يرجئوا الأسئلة إلى آخر الوقت حفاظاً على الدرس وتحقيقاً لرغبة الإخوان؛ لأن كثيراً من الإخوان جاؤوا إليّ وقالوا: نريد أن تكون الأسئلة في آخر الوقت. نحن أشرنا بالأمس إلى أن الأسئلة حتى يجتمع الإخوان يصلون في الطريق أو أئمة مساجد حتى يجتمع الجميع تقرأ الأسئلة في أول الوقت. طالب: الشفوية .. إيه الشفوية، يعني ربع ساعة، لا بأس، الشفوية وأيضاً المقاطعة في الدرس، يعني لو كتب السؤال ويسلم لي ويجاب عنه في الغد -إن شاء الله تعالى-. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله:

قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- في صفة حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [(158) سورة البقرة] ((أبدأ بما بدأ الله به)) فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)) ثم دعا بين ذلك: قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى على المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة)) فقام سراقة بن مالك بن جعشمٍ فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبدٍ؟ فشبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصابعه واحدةً في الأخرى، وقال: ((دخلت العمرة في الحج -مرتين- لا بل لأبد الأبد)) وقدم عليّ من اليمن ببدن النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجد فاطمة -رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي -رضي الله عنه- يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرشاً على فاطمة للذي صنعت، مستفتياً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال: ((صدقتْ صدقتْ، ماذا قلت: حين فرضت الحج؟ )) قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فإن معي الهدي فلا تحل)) قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي إلى اليمن، والذي أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة، قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بنا الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبةٍ من شعر

تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيءٍ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول بيتٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فروشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ )) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

تقدم في أول الحديث الإحرام، وهو ركن من أركان الحج كما تقدم أيضاً الطواف، والطواف الذي طافه النبي -عليه الصلاة والسلام- هو طواف القدوم، وهو سنة عند جماهير أهل العلم، وقيل بوجوبه، ثم خرج بعد ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [(158) سورة البقرة] ((أبدأ بما بدأ الله به)) الله -سبحانه وتعالى- بدأ بالصفا ذكراً، وبدأ به النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلاً، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} فبدأ بالصفا ذكراً وبدأ النبي -عليه الصلاة والسلام- به فعلاً، فرقي على الصفا حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، واتجه اتجاه الكعبة، ونظر إليها، وهذا سنة إن تيسر، وإلا فالجهة كافية؛ لأنه في هذه الأزمان مع كثرة العمد، وكثرة البنايات قد لا يتيسر، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وفسر ذلك بقوله: قال: ((لا إله إلا الله وحده -هذا التوحيد- لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير)). وهذا التوحيد من أفضل ما يقوله المسلم، بل أفضل ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- والنبيون من قبله، ((أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير)) ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، في يومٍ مائة مرة حصل له أمور، واحد منها يكفي، كتب له مائة حسنة، وحطّ عنه مائة خطيئة، وحذر من الشيطان حتى يمسي ... الخ. فالمحروم من حرم مثل هذه الأذكار، والناس في غفلةٍ عن مثل هذا، إذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، كان كمن أعتق أربعةً من ولد إسماعيل، شيء لا يكلف، يعني عشر مرات تقال بدون مبالغة في دقيقة، لكن الحرمان لا نهاية له، من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطّت عنه خطاياه، خطايا جمع مضاف فيفيد العموم، وإن كانت مثل زبد البحر.

على كل حال هذه مناسبة لذكر هذا الذكر فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من الذكر، والذكر في موطنه أفضل من غيره، فقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له في هذا الموضع أفضل من قراءة القرآن، كما أن التسبيح بالركوع والسجود أفضل من التلاوة، بل التلاوة حرام في حال الركوع والسجود كما هو معروف، لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، أنجز وعده، بنصر الدين وتحقيق ما وعده الله نبيه من إعلاء كلمته، ونصر عبده، يعني نفسه -عليه الصلاة والسلام-، وهزم الأحزاب وحده، في غزوة الأحزاب لما تحزبوا واجتمعوا لحربه -عليه الصلاة والسلام- هزمهم الله -سبحانه وتعالى-. "ثم دعا بين ذلك" صيغة التكبير: الله أكبر، كما هو معروف، ثم دعا بين ذلك، دعا بين التوحيد والتكبير، قال مثل هذا ثلاث مرات، فأعاد التوحيد والتكبير والدعاء ثلاثاً، ومنهم من يقول: يوحد ويكبر ثلاثاً ويدعو مرتين، لكن الحديث صريح في كون الدعاء يكرر ثلاثاً كالتوحيد والتكبير، ثم نزل إلى المروة، بدأ بالصفا، والسعي هذا منه -عليه الصلاة والسلام- هو سعي الحج والعمرة، سعي القران، وهو ركن من أركان الحج، كما ِأنه ركن من أركان العمرة، والقارن لا يلزمه إلا سعي واحد، كما هو معروف، فهذا السعي ركن عند جماهير أهل العلم، وإن لم يره الحنفية ركناً، ومن العجب أن يستدل الحنفية بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} [(158) سورة البقرة] يقول: يرفع الجناح يرفع الإثم فقط، ومع ذلكم يوجبون القصر مع أن دليله في القرآن بهذه الصيغة، {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [(101) سورة النساء] مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سعى وقال: ((خذوا عني مناسككم)) بل أمر بالسعي. "ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى" هو يسعى من الصفا إلى المروة هذا كله سعي، فكيف يقول: "حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى؟ " السعي هو الجري، الركض، وجاء في بعض الروايات أن إزاره يرتفع عن ركبته -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أنه سعي شديد.

"حتى إذا صعدتا مشى" فالسعي بين العلمين في الوادي فقط، قبله لا يسن السعي وبعده لا يسن السعي، كما أن السعي خاص بالرجال، كما قرره جمهور أهل العلم، وإن قال بعضهم بأن الاقتداء كما هو للرجال هو أيضاً للنساء، لكن النساء مطلوب منهن الستر، والسعي يعرضهن لما يخل بهذا الستر ويفتشه. "صعدتا حتى إذا أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طوافه على المروة ... " الخ، هذا السعي بدءً من الصفا، وقد صعد النبي -عليه الصلاة والسلام- على الصفا، "ثم أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا" يعني صعد عليها، والصعود سنة عند الأكثر، وقال بعضهم بوجوبه، وأنه لا بد منه، وأنه من تمام السعي. "حتى إذا كان آخر طوافه" يعني آخر سعيه بين الصفا والمروة كان آخره على المروة، فدل على أن الذهاب سعية والرجوع سعية، وإلا لو كان الذهاب والرجوع سعية واحدة لكان آخر طوافه على الصفا، وشذ من قال بأن السعي الذهاب والرجوع، كامل الذهاب من الصفا إلى المروة والرجوع من المروة إلى الصفا شوط واحد، شذ من قال بهذا، على كل حال الأدلة الصحيحة الصريحة تدل على أن الذهاب سعية من الصفا إلى المروة، والرجوع من المروة إلى الصفا سعية أخرى، وحينئذٍ ينتهي السعي على المروة. "حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل)) ".

الرسول -عليه الصلاة والسلام- جاء عنه أنه حج مفرداً، وثبت أنه تمتع، وثبت في رواية الأكثر أنه حج قارناً، وهذا الكلام يؤيد القول بأنه كان قارناً، فقال: ((لو أني استقبلت من أمري لم أسق الهدي وجعلتها عمرة)) دل على أنه لم يعتمر عمرة كاملة بطوافها وسعيها وتقصيرها والتحلل الكامل منها، فهذا يؤيد أنه -عليه الصلاة والسلام- كان قارناً، إذاً كيف يصح عنه أنه حج مفرداً؟ وكيف يثبت عن الصحابة أنهم قالوا: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه؟ ثم نقول هذا الكلام أنه كان قارناً؟ هل نقول: بتعدد القصة؟ يعني مرة متمتع ومرة قارن مرة مفرد، النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج إلا مرة واحدة بعد فرض الحج إجماعاً، وأشرنا في درس الأمس أنه حج قبل الهجرة مرة أو مرتين على عادة قومه، وإرثهم من أبيهم إبراهيم. وحديث جبير بن مطعم في الصحيحين، وأنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعرفة واستنكر حديث ابن مطعم أن يقف النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو من الحمص، لكن هذه الحجة قبل حجة الوداع، قبل الهجرة، إذاً الرسول -عليه الصلاة والسلام- حج بعد فرض الحج مرة واحدة إجماعاً فلا بد من التوفيق بين هذه الروايات، بعض أهل العلم ممن يجبن عن توهيم الرواة يقول: بتعدد القصة، كما هو الشأن في صلاة الكسوف ففي الصحيحين أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى صلاة الكسوف ركعتين، في كل ركعة ركوعان، وفي صحيح مسلم ثلاث ركوعات، وجاء أربع ركعات، في سنن أبي داوود خمسة ركوعات في كل ركعة، قال بعضهم: بتعدد القصة، وأنه صلى صلاة الكسوف على وجوه وصور مختلفة، كما صلى صلاة الخوف كذلك، وشيخ الإسلام يقسم أنه ما صلاها إلا مرة وأن إبراهيم لم يمت إلا مرة؛ لأن النصوص كلها تنص على أنه لما مات إبراهيم كسفت الشمس، فالذي يجبن تخطئة الرواة الثقاة يقول: بتعدد القصة، والذي يجرؤ ويقول: لا مانع من أن يخطئ الثقة والأمر كذلك، فالراوي مهما بلغ من الحفظ والضبط والإتقان يخطئ، يتطرق إليه السهو والغفلة والنسيان ليس بمعصوم.

على كل حال جمع أهل العلم بينما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في أنواع النسك الثلاثة، من قال: أنه كان مفرداً نظر إلى إحرامه أولاً، فهم لما خرجوا من المدينة ما كانوا يعرفوا إلا الحجة، ما كانوا يعرفون العمرة، يعني مع الحج، نظر إلى إحرامه أولاً وأنه أحرم مفرداً ثم أمر بالقران، فقيل له: (صل في هذا الوادي المبارك وقل كذا) عمرة في حجة، أو نظر إلى صورة فعله -عليه الصلاة والسلام-، من قال أفرد نظر إلى صورة الفعل، وصورة الفعل لا فرق فيها بين القارن والمفرد، لا فرق بين حج القارن والمفرد إلا الهدي، لو أن شخص وصل إلى مكة يوم عرفة، أو آخر يوم عرفة فخشي فوات الحج فتردد هل يحرم مفرد وإلا يحرم قارن؟ نقول: لا فرق، في الصورة لا فرق، ولن يعوقك القران عن شيء، اللهم إلا أنه يلزمك الهدي، أقول: من قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد نظر إلى صورة الفعل، وأنه لا فرق بين صورة حج القارن وصورة الحج المفرد، من قال: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى المعنى الأعم للتمتع، فالمعنى الأعم للتمتع يشمل القران والتمتع معاً، معنى تمتع يعني أتى بالنسكين في سفرةٍ واحدة، ولذا الآية في قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] يشمل النسكين، يشمل التمتع ويشمل القران، فالتمتع بمعناه الأعم يشمل النوعين، ومن قال: قرن فقد حكى الواقع، وهذه رواية الأكثر، فقال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت)) (لو) جاء في الحديث الصحيح أنها تفتح عمل الشيطان، يعني الشخص الذي يقول: لو أني فعلت كذا، لو خرجت اليوم كسبت، لو ما خرجت اليوم ما بردت، لو فعلت كذا، لو فعلت كذا، هذا مذموم؛ لأن (لو) تفتح عمل الشيطان. هنا النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت)) هذا تمني، فعل خير، وحينئذٍ لا يكره، فقد تمنى النبي -عليه الصلاة والسلام- الشهادة، وأنه يقتل ثم يحيا ثم يقتل، ولا يدخل أيضاً في النهي عن التمني المذكور في قوله: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة النساء].

((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة)) الذي معه الهدي ألا يستطيع أن يتمتع؟ بمعنى أنه يسوق الهدي معه، ثم يطوف ويسعى للعمرة، لكنه لا يحل؛ لأنه لا يجوز له أن يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي المحل، لا يحل إلا في يوم العيد، وليس بينه وبين التمتع إلا الحلق أو التقصير الذي نهي عنه، فهل يمكن لمن ساق الهدي أن يتمتع؟ ويكون الحلق مما نهي عنه فيعذر، أو نقول: من ساق الهدي يلزمه القران؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه، من كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة، أو نقول: من ساق الهدي يلزمه القران؟ يجوز لمن ساق الهدي أن يتمتع؟ ونقول: ما لا يقدر عنه يسقط عنه كالتقصير؟ نعم يمنعه من التمتع ولم يفعل، وأيضاً التمتع بمعناه الأخص، التمتع بما منع منه بين النسكين، وهذا الذي يحصل له، وإن كان التمتع بمعناه الأعم كما أشرنا يشمل التمتع والقران، لكن بمعناه الأخص لا يمكن مع سوق الهدي، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل)) هذا أمر، والأصل في الأمر، هنا اللام لام الأمر، ((فليحل وليجعلها عمرة)) الأصل في الأمر الوجوب عند أهل العلم، لأدلةٍ كثيرة، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [(63) سورة النور] عن أمره، فرتب على مخالفة الأمر عقاب، إذاً الأمر في هذا الأمر لازم وواجب، ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) الذي لم يسق الهدي يشرع له أن يجعل نسكه عمرة، لكن هل يجب أو يستحب؟ قيل: بالوجوب، قول ابن عباس ونصره ابن القيم، وقيل: باستحبابه، وهذا هو المذهب عند الحنابلة كما هو معروف، وغيرهم يقولون: أن هذا الأمر خاص بالصحابة، فمن أحرم بشيءٍ لزمه إتمامه ولا ينتقل إلى غيره، وهذا الأمر خاص بالصحابة.

" ((فليحل وليجعلها عمرة)) فقام سراقة بن مالك بن جعشمٍ فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبدٍ؟ " يقول: من ينصر الوجوب أن الله -سبحانه وتعالى- ألهم سراقة بن مالك فسأل هذا السؤال، ألهمه أن يسأل هذا السؤال للرد على من يقول: أنه خاص بالصحابة، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: ألعامنا هذا؟ المستفهم عنه؟ الانتقال من نسك إلى نسك، أو التمتع؟ أو العمرة مع الحج؟ هذا الذي لأبد؟ وقلب الإحرام؟ طالب:. . . . . . . . . والآن حجته -عليه الصلاة والسلام- كما قرر أهل العلم وجاء في الروايات الصحيحة أنه قارن، والعرب تعتبر العمرة مع الحج من أفجر الفجور، بل تعتبر العمرة مع الحج من أفجر الفجور. فقوله: ألعامنا هذا أم لأبد؟ يعني فعل العمرة في أشهر الحج لأبد الأبد، دخلت العمرة في الحج مرتين، دخلت العمرة في الحج؟ أو نقول: أنه يجوز الانتقال من مفضولٍ إلى فاضل لأبد الأبد؟ وهذا لا يختص في عامه -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا رد على من يقول: أن الانتقال من نسك إلى نسك أفضل منه خاص بالصحابة، ولذا يقول من يقول بالوجوب أن الله -سبحانه وتعالى- ألهم سراقة بن مالك من أجل الرد على مثل هؤلاء. وعلى كل حال إذا أحرم شخص بالحج مفرداً، وقبل أن يبدأ بطواف القدوم وأراد أن يجعلها عمرة، له ذلك أو ليس له ذلك؟ الجمهور لا، الأكثر لا؛ لأن هذا خاص بالصحابة، ليزيل ما علق بأذهانهم من أعمال الجاهلية، لكن القول المرجح أن له ذلك، فينتقل من المفضول إلى الأفضل، فإذا أهلّ مفرداً أو قارناً ثم قبل شروعه بطواف القدوم قال: أريد أن أجعلها عمرة، وقد حجّ قبل ذلك، حجّ حجة الإسلام سقطت عنه، ويريد أن يحج نفل فقلب إحرامه من الإفراد أو القران إلى عمرة مفردة، تحلل منها التحلل الكامل، فلما تحلل منها التحلل الكامل قال: أنا بالخيار، ثم رأى الزحام الشديد قال: أنا ما بعد تلبست بالحج، أريد أن أرجع إلى أهلي، الآن حل الحل كله، هل له أن يرجع قبل أن يحرم بالحج؟ طالب:. . . . . . . . . يجب عليه المضي في الحج ما بعد أحرم للحج على شان نقول: أتموا الحج؟ طالب:. . . . . . . . .

قلنا له ما أهلّ بالحج هو أهلّ بعمرة، الآن قلنا له: يسوغ لك أن تجعل إحرامك عمرة، وحل الحل كله، بمعنى أنه يجوز له أن يصيب من زوجته ما يصيبه الحلال، هل له أن يرجع؟ لأنه يقول: أنا متطوع بالحج، والمتطوع أمير نفسه، إذا كان ذلك على سبيل الاحتيال يعامل بنقيض قصده، وإذا كان لا على سبيل الحيلة؟. طالب:. . . . . . . . . نعم هذا كلامه -رحمه الله-، من حين أحرم بالعمرة فهو متلبس بالحج، العمرة عمرة التمتع إذا أحرم بها فهو متلبس بالحج قالوا: بلا نزاع. طالب:. . . . . . . . . إيه جعلها عمرة. طالب:. . . . . . . . . لا، نفترض مسألة أخرى غير هذا، شخص جاء من بلده يريد التمتع، يريد أن يحج متمتع فأحرم بالعمرة من المحرم، ثم طاف وسعى وحلق أو قصر وحل الحل كله، ثم رأى الزحام أو سمع إشاعات أو بلغه خبر عن أهله في بلده أو ما أشبه ذلك يقتضي رجوعه إلى بلده، قال: أنا إلى الآن متطوع، والمتطوع أمير نفسه، إلى الآن ما بعد تلبست بالحج، لكي يلزمني الإتمام؟ نعم، كلام شيخ الإسلام صريح في هذا، وأنه من تلبس بالعمرة التي ينوي الحج بعدها فقد تلبس بالحج، شاء أم أبى، تحايل أو لا، ولذا يلزمه الهدي، هدي التمتع، وسبب الوجوب لهدي التمتع الإحرام بالعمرة، كما قرر أهل العلم في القاعدة المعروفة أن كل عبادة أو عقد له سبب وجوب ووقت وجوب، كما هو معروف والقاعدة واضحة، معروفة، وذكرناها مراراً، والإخوان ما هم غرباء، فنقول له: لا يجوز لك أن ترجع، ولو حللت الحل كله، حتى تحج. شخص خرج من بيته من الرياض يريد أن يحج، لما وصل الطائف بلغته هذه الإشاعات فرجع، نقول: أنت عازم على الحج من بلدك؟ إيش معنى هذا أنك ترجع من قرب الميقات؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز؛ لأنه لم يتلبس بالحج إلى الآن، فهذه الصورة تختلف عن تلك الصورة.

"فشبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصابعه واحدة في الأخرى وقال: ((دخلت العمرة في الحج –مرتين- قال: لا، بل لأبد الأبد)) دخلت العمرة في الحج، إيش معنى دخول العمرة في الحج؟ دخولها ضمن أفعاله بالنسبة لمن؟ للمفرد أو المتمتع؟ للقارن، بالنسبة للقارن، دخلت العمرة في الحج مرتين، لا، بل لأبد الأبد، ومنهم من يقول: أن حكم العمرة دخل في حكم الحج، وعلى هذا لا تلزمه العمرة ولا تجب، يجزي عنها الحج، والعمرة المرجح فيها أنها واجبة، نعم وجوبها ليس مثل وجوب الحج، ركن من أركان الإسلام، يأثم بتركها، لكن الأمر فيها أخف، والخلاف بين أهل العلم معروف. وقدم علي من اليمن ببدن النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجد فاطمة -رضي الله عنها- زوجته، ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً، ما تصور أن الناس بيحلون قبل أن يبلغ الهدي محله، قبل يوم العيد، ولذا حلت الحل كله، فأنكر عليها.

"فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا" تعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فكان علي يقول بالعراق بعد أن ذهب إلى العراق وحال إمارته على المؤمنين. يقول: "فذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرشاً يغري النبي -عليه الصلاة والسلام- بها، محرشاً يغريه بها، انظر ما صنعت، حلت ولبست ثياب صبيغة واكتحلت، كأنها ما تلبست بنسك، محرشاً على فاطمة التي صنعت مستفتياً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكرت عنه، يقول: فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال: ((صدقت صدقت)) نعم، من طاف وسعى وقصر يحل الحل كله إذا لم يسق الهدي ((ماذا قلت حين فرضت الحج؟ )) يعني يا علي ماذا قلت حين أهللت؟ فأخبر أنه أهل بإهلالٍ معلق، اللهم إني أهل بما أهل بك رسولك -صلى الله عليه وسلم-، فيجوز الإهلال مطلق، ويصرفه لما شاء من الأنساك، ويجوز الإحرام معلق، كإحرام فلان مثلاً، لكن إذا قال: أحرمت بما أحرم به زيد، أو أهللت بما أهل به زيد، ثم تبين أن زيد لم يحج؟ أو زيد ساق الهدي وهذا لم يسق الهدي، نقول: يلزمه أن يفعل مثل ما يفعل زيد، أو كل له وضعه؟ كل له ظرفه؟ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ساق الهدي، فلزمه القران، أهلّ بهما معاً، وعلي -رضي الله عنه- ساق الهدي كذلك، فلزمه القران، لكن أبا موسى الأشعري وقد قال: أهللت بما أهل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن معه هدي جعلها عمرة، أمر بما أمر به غيره من الصحابة أن يحل. قال: "فإن معي الهدي فلا تحل" قال: "فكان جماعة الهدي" يعني مجموع الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة من البدن، قال: "فحل الناس كلهم، وقصروا إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن كان معه هدي" وهذا وإن كان لفظه العموم حل الناس وأكد بكل، إلا أنه لا يشمل مثل عائشة، وليس معها هدي، لماذا؟ يقول: "فحل الناس كلهم إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي" عائشة ليس معها هدي، ولم تحل؛ لأنها لما حاضت خشيت فوات الحج أمرت بإدخال الحج على العمرة فصارت قارنة، ولم تحج.

"فلما كان يوم التروية" وهو الثامن من ذي الحجة توجهوا إلى منىً فأهلوا بالحج، فالسنة أن يتوجه الناس يوم التروية وهو اليوم الثامن إلى منى، ويصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمسة أوقات، ويهلون في ذلك اليوم، والإهلال قبل يوم التروية وبعده خلاف السنة، وماذا عمن لم يجد الهدي؟ ويؤمر بصيام ثلاثة أيام في الحج، متى يصوم؟ طالب:. . . . . . . . . قبل إحرامه بالحج؟ قبل تلبسه بالحج؟ نعم، هو متلبس بالحج، وعلى هذا يصوم الثلاثة الأيام في السادس والسابع والثامن، ولو كان صيامه يومين قبل أن يتلبس بالحج، إذا أردنا أن نطبق القاعدة، سبب الوجوب الإحرام بالعمرة التي ينوي بها التمتع إلى الحج، ووقت الوجوب متى؟ فجر يوم العيد أو طلوع الشمس من يوم العيد؟ على الخلاف المعروف عند أهل العلم، وإذا قلنا: يجوز الفعل بعد السبب وقبل الوقت، قلنا: أنه يصوم قبل يوم العيد، يوم العيد معروف حكم صيامه حرام، ولا يستثنى أحد بخلاف أيام التشريق يحرم صومها لكن يستثنى من لم يجد الهدي ولم يستطع الصيام قبل ذلك، يوم عرفة يكره صيامه عند الأكثر، وقال بعضهم بتحريم صيامه، وجاء في الحديث وإن كان فيه مقال: نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، فعلى هذا يصوم قبل عرفة، السادس والسابع والثامن، أو يصوم قبل ذلك إن كان قد أتى إلى مكة في أول العشر مثلاً، يصوم الثالث والرابع والخامس، قبل أن يتهيأ للحج، إن لم يتمكن من الصيام ممن عجز عن الهدي قبل يوم عرفه يصوم أيام التشريق، إن لم يتمكن في أيام التشريق فإنه متى يصومها؟ إذا رجع إلى أهله أو في مكة في الحج، يعني في أشهر الحج على رأي مالك، أشهر الحج يوم العيد خلاص انتهت عند الجمهور، وعن مالك تستمر إلى نهاية الحجة، وعلى هذا إذا صام الثلاثة الأيام لا شيء عليه، صامها في وقتها، وإذا عجز عن الصيام في وقته، هل يرجع إلى الأصل الذي هو الدم وجوباً؟ أو يصوم، لا سيما وقد انتقل إلى الصيام بمسوغٍ شرعي، وهو عدم القدرة على الهدي؟ مسألة طويلة الذيول، ومسألة خلافية بين أهل العلم، لعله يتيسر شرحها إن بقي في الوقت شيء.

"فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منىً فأهلوا بالحج" أحرموا به "وركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بنا الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس" هذه السنة، "وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وكل هذا على سبيل الاستحباب، يعني لو أن شخص من غير مانع لم يحرم بالحج إلا يوم عرفة، وخرج مباشرةً إلى عرفة، ما جلس بمنى وبات بها إلى ليلة التاسع، وجلس بنمرة كفعله -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن الاقتداء به، والائتساء به أكمل، لكن هذه سنن، من تركها لا شيء عليه، من تركها لا شيء عليه. "وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية" يزعمون أنهم أهل الحرم، فلا يخرجون منه وعرفة من الحل ليست من الحرم، ومزدلفة كما هو معروف من الحرم، كانت قريش ومن يدين بدينها من الحمس يقفون بالمشعر، ولا يخرجون إلى عرفة، بينما غيرهم من القبائل يخرجون إلى عرفة، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- خالفهم في هذا ووقف بعرفة {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [(199) سورة البقرة] "حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء" ونمرة بجنب عرفات وليست منها، ولذا لا يجزئ الوقوف فيها، "فنزل به حتى إذا زاغت الشمس فأمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي -وادي عرنة- فخطب الناس" وهو أيضاً ليس من عرفة، ولا يجزئ الوقوف فيه عند جمهور العلماء، وإن قال مالك بالإجزاء مع الإثم، وادعى أنه من عرفة، ودليل الجميع حديث واحد، دليل الجمهور ودليل مالك حديث واحد، هو قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ارفعوا عن بطني عرنة)) الجمهور يقول: أمرنا بأن نرفع عنه ولا نقف فيه؛ لأنه ليس من عرفة، ومالك يقول: لولا أنه من عرفة لم يذكر، ما يحتاج إلى ذكر لو لم يكن من عرفة فيجزئ الوقوف فيه مع الإثم، وقد يلزمون الواقف فيه بدم، لكن يجزئه الوقوف، والصواب هو قول الجمهور كما هو معروف.

"فخطب الناس، وقال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) هذا تشبه، التشبيه بهذه الحرمات أو المحرمات المجتمعة يدل على شدة التحريم في هذه الأشياء، في الدماء والأموال، ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) يعني التشبيه بالمحرم شديد الحرمة يدل على شدة التحريم، لكن التشبيه بالأمر السهل يدل على أن المشبه أمره يسير، يعني ولو ظن المتكلم أنه شديد، كشخص قال لزوجته: هي عليه حرام كحرمة الكلاب على مكة، هذا وقع، تحرم عليه زوجته وإلا ما تحرم؟ لكن هو في ظنه وزعمه أن هذا أعظم شيء؟ هذه مسألة واقعة، شخص قال لزوجته: هي حرام علي كحرمة الكلاب على مكة، طالب:. . . . . . . . . كيف؟ لكن هو يقصد التحريم، كونه أخطأ في التشبيه شيء آخر، ولذا يلزم بأي شيء؟ طالب:. . . . . . . . . أو كفارة يمين؟ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [(1) سورة التحريم] مسألة خلافية كما هو معروف، على كل حال. "كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع" كل شيء من أمر الجاهلية موضوع، بيعهم وشراؤهم، أنكحتهم، تملكم للعبيد وغيره، نقول: موضوع ليس بصحيح؟ أو هي أمور صحيحة؟ يعني مما لم يأت الإسلام بتقريره.

"ألا كل شيء من أمر الجاهلية -هذا عموم أريد به الخصوص- تحت قدمي موضوع" هذا تعبير على أنه لا يستحق أي تقدير ولا احترام مما فعل في الجاهلية مما يخالف الإسلام، "ودماء الجاهلية موضوعة، وأن أول دمٍ أضع من دماءنا دم ابن ربيعة بن الحارث" وجاء في بعض النسخ الصحيحة من صحيح مسلم: "دم ربيعة بن الحارث" بدون ابن، المقتول ابن لربيعة بن الحارث، اسمه: إياس، أو آدم، أو الحارث، كان مسترضع في بني سعد فقتلته هذيل، جاءه حجر طائش فقتله، فمن قال، يعني من روى أنه دم ربيعة بن الحارث فقد عنى بذلك المستحق للدم، المطالب به، صاحب الدم الذي يطالب به هو ربيعة بن الحارث الأب، وإلا فربيعة عُمّر وعاش إلى خلافة عمر -رضي الله عنه-، والمقتول ابنه كان مسترضعاً في بني سعد، ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-. طالب:. . . . . . . . . ضبطت بهذا وهذا، هو راضع ومرضع، من حيث الصياغة، راضع ومرضع، لكن السين والتاء هنا لها أثر وإلا ما لها أثر؟ يعني نقول: أنه مسترضع يعني طلب رضاعه في بني سعد؟ ليت الشيخ يسعفنا في مثل هذا؟ أحد المشايخ الحاضرين في الدرس: منكم نستفيد يا شيخ.

لكن الإخوان أيضاً منكم يطلبون، على كل حال الروايات ثبتت بهذا وهذا، والخطب سهل -إن شاء الله تعالى-، فقتله هذيل، "وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب" العباس عمه، وعم الرجل صنو أبيه، مثل أبيه، والابن شريك لأبيه في المال، فكونه رباً للعباس فهو ربا للعم والعم مثل الأب والابن شريك للأب، إذاً إضافته إليه -عليه الصلاة والسلام- حقيقية، كونه -عليه الصلاة والسلام- "أول دمٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة" ابن عمه، وأول ربا يضعه -عليه الصلاة والسلام- ربا عباس بن عبد المطلب، هذا يدل على أن القدوة ينبغي أن يبدأ بنفسه وبأقرب الناس إليه، ولذا جاء في الحديث: ((لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها)) هكذا يفعل من يريد الامتثال، أما الذي يأمر الناس وينهاهم ويجبرهم على أشياء هو يخالفها مثل هذا حري وجدير بأن يخالف ولا يطاع أمره، ولو فرض ما فرض، فرض الأوامر بالسيف، إذا لم يتمثل الإنسان نفسه، ويبدأ بنفسه وأقرب الناس إليه فإن أوامره لا بد أن تعصى، وعلى هذا يقال لمن دعا الناس إلى الخير ينبغي أن يكون أسبق الناس إلى فعل الخير، من نهاهم عن فعل المنكرات ينبغي أن يكون أبعد الناس عنها، ولا تتصور العصمة في غيره -عليه الصلاة والسلام-، فلا إفراط ولا تفريط، لا نقول: أنه لا يأمر ولا ينهى إلا المعصوم، كما أننا لا نقول: بانفكاك الجهة من كل وجه، كما يقول بعض الأشعرية: ينبغي للزاني أن يغض، أو يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها، الجهة منفكة، هو منهي عن الزنا ومأمور بالغض، ما استطاع أن يجتنب المنهي يفعل المأمور؟ نقول: لا، هذا تلاعب، فلا نطلب من الآمر والناهي والمرشد والموجه والمعلم والداعية أن يكون معصوماً، لكن عليه أن لا يأمر بشيء إلا ويسارع إلى فعله ليكون قدوة ليتم الاقتداء به، بفعله قبل قوله. قد يقول قائل: هناك أشياء الآمر والناهي لا يستطيع تركها، أب مدخن هل له يزجر أولاده ومن تحت يده عن الدخان؟ طالب:. . . . . . . . . يقول: لا أستطيع، أنا أقول: يستطيع، أنت تتحدث بلسان غيرك؟ هو يقول: لا أستطيع. طالب:. . . . . . . . .

هو مأمور بالنهي، ويبذل جهده ويستفرغ وسعه في الإقلاع، على كل حال الآن مثلما ذكرنا، مثلما دلّ عليه هذا الحديث العظيم، أن من أمر أو نهى أو أرشد أو وجه ينبغي أن يكون أسبق الناس إلى فعل ما يأمر به، وقد جاء في الحديث: الناس يرون من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر في النار، فيقول: ما بالك يا فلان كنت تنهانا عن كذا وتأمرنا بكذا؟ قال: نعم، كنت آمركم بكذا ولا أفعل، وكنت أنهاكم عن كذا وأرتكب، نسأل الله العافية.

"فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء" عناية شرعية بالنساء؛ لأن الضعف ملازم لهن، "اتقوا الله في النساء" فعلى المسلم أن يتقي الله -سبحانه وتعالى- ويمتثل هذه الوصية، ويعنى بمن تحت يده من الضعفة، من النساء والصبيان وغيره، فالشرع اعتنى بالبنات، وحث على العناية بهن، وكذلك أوصانا بالنساء، ((استوصوا بالنساء خيراً)) ((فاتقوا الله في النساء)) لأن المعاملة والمعاشرة تكون في البيوت غالباً ما يعز فيها البينات، فإذا ظلمت المرأة في بيتها من أين لها أن تأتي ببينة لترفع الظلم عنها؟ فخوطب ضمير الإنسان في مثل هذا، والمسألة مفترضة في مسلم يتمثل الأوامر ويجتنب النواهي، ((اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)) إما بكلمة التوحيد التي تحرم المسلم على الكافر والعكس، أو بالعقد بالإيجاب والقبول أو بذلك كله، نعم عليك حقوق ولك حقوق، فأدّ الذي عليك، وعلى المرأة أن تؤدي ما عليها، ((ولكم عليهن أن لا يوطئن فروشكم أحد تكرهونه)) يعني لا تأذن لأحدٍ مطلقاً أنت تكرهه ولو كان من المحارم، ((فإن فعلن ذلك -يعني خالفن- فاضربوهن ضرباً غير مبرح)) تؤدب المرأة كما يؤدب الولد، والمعلم يعلم المتعلم، لكن كل هذا حسب التوجيه الشرعي غير مبرح، لا يكسر عظم، ولا يجرح ولا يخدش، يفعل ما يتم به المقصود من غير زيادة؛ لأن الزيادة على ما أذن به شرعاً حرام، فالذي يؤدي الغرض هو المطلوب، ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) فالكسوة والنفقة والسكنى واجبة على الزوج لزوجته، للزوجة على زوجها، كل هذا واجب للنساء على أزواجهن، من تنازل عن شيءٍ من ذلك من النساء كما لو تنازلت عن شيءٍ من مهرها فكلوه عن طيب نفس، كل هذا عن طيب نفس من غير إكراه، {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [(4) سورة النساء] إذا تنازلت عن شيءٍ من حقوقها بطوعها واختيارها فالأمر لا يعدوها.

" ((وقد تركت فيكم ما لم تضلوا به إذا اعتصمتم به كتاب الله)) " ترك النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو مصون محفوظ من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] فهو كما تركه إلى أن يرفع في آخر الزمان، والاعتصام به هو المخرج من الفتن، وهو حل المشكلات والمعضلات، وهو دواء وعلاج لأمراض القلوب والأبدان، فمن تمسك بكتاب الله واعتصم به لن يضل في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يشقى في الآخرة، وأنتم والكلام عن القرآن والعناية به أمر جاءت به النصوص، فجاء الحث على قراءة القرآن، وعلى فهم القرآن، وعلى إقراء القرآن، وعلى تدبر القرآن، قراءة القرآن بالنسبة للمسلم أمر مطلوب، جاء الترغيب فيه، بكل حرف عشر حسنات، وعلى طالب العلم على وجه الخصوص من يعنى بالعلم الشرعي آكد، ومن المؤسف أن بعض من ينتسب إلى العلم مهمل للقرآن، يهمه ما يشتمل بزعمه على الأحكام العملية، تجده من حلقة إلى حلقة يتتبع دروس الحديث والفقه وهو هاجر لكتاب الله، والعلم والنور كله في كتاب الله، وزيادة الإيمان واليقين إنما تنشأ عن تدبر القرآن. فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [(24) سورة محمد] والأمر بالتدبر في أربع آيات، وجاء الأمر بالترتيل، وعلى كل حال وضع طلاب العلم بالنسبة للقرآن غير مرضي، كثير منهم لا أقول كلهم، يوجد -ولله الحمد- من له ورد يومي من القرآن، لا يخل به سفراً ولا حضراً هذا موجود، لكن علينا أن نعنى بالقرآن، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقول: من قرأ القرآن على الوجه المأمور به -يعني بالترتيل والتدبر والتفهم والتغني وتحسين الصوت- يورث القلب من الإيمان واليقين والطمأنينة ما لا يدركه إلا من فعله" هذا شيء ذكره شيخ الإسلام وأكد عليه هو وابن القيم وكتبهم مملوءة من هذا، وغيرهم ممن يعنى بأدوية القلوب.

ولذا تجد من يتتبع الأحكام في الظاهر ويغفل عن هذا الجانب المهم والعلاج الناجع لأدوية القلوب تجده في غفلة، كثير من الناس يشكو قسوة القلب، عامة الناس يشكو الغفلة وعدم الخشوع في الصلاة، سبب هذا ومرده هجر القرآن، هجراً حقيقياً أو حكمياً، على كل حال القرآن والعناية به أمر مستفيض بالنصوص الشرعية وأهل العلم أفاضوا في هذا وبينوا ولم يبق إلا العمل. يقول: ((وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ )) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت" ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ من الأسئلة التي لا بد منها، بل من الأصول التي يجب على كل مسلم معرفتها والعناية بها، وليس معنى هذا أنا نرددها باللسان دون معرفة محتواها والعمل بمقتضاها، نشهد أن الرسول بلغ وأدى ونصح ومع ذلك نخالفه، يأمر بلا نأتمر، وينهى فلا ننتهي، هذا التصديق باللسان إن لم يصدقه العمل فهو إلى التكذيب أقرب، نعم التصديق باللسان مع الاعتقاد أمر لا بد منه، والعمل أيضاً لا بد منه. "فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات، يرفعها إلى السماء" وهذا من أدلة علو الله -سبحانه وتعالى- على خلقه، وأنه بائن من خلقه، وأنه مستوٍ على عرشه، استواءً يليق بجلاله ويناسب عظمته -عز وجل-، واستواؤه لا ينافي نزوله كما جاءت بذلك النصوص، كما أن نزوله لا يناقض استوائه كما هو مقرر في كتب أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وعلى كل حال العلو متواتر، إثبات العلو هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو مذهب سلف الأئمة وأئمتها، ولا ينكره إلا مبتدع، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أصحاب المطابخ إذا كانوا من المسلمين يجزئ ذبحهم. يقول: ما حكم من ذهب إلى الحج وضحى في مكة، هل تجزئ عن أهله في الرياض أم يلزمه أيضاً أضحية؟ الأولى أن تكون أضحيته في بيته وعند أهله، لكن إذا ضحى في مكة فله أجرها -إن شاء الله تعالى-. يقول: هل من ولدت في الحج تفعل مثلما فعلت أسماء بنت عميس؟ وتحرم؟ نعم تحرم، تغتسل وتستثفر وتحرم، وتفعل جميع ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت.

يقول: هل الرمل يحرم في حق النساء أم يكره؟ أهل العلم أو عامتهم، جمهورهم على أن الرمل لا يشرع في حق النساء، كذلك السعي الشديد في المسعى، وإن قال الشوكاني وبعض أهل العلم أن النساء في هذا حكمهن حكم الرجال. هل يصح استلام الحجر الأسود من أي خط بعيد؟ الاستلام مماسة، يستلمه بيده أو بما يكون في يده من محجنٍ أو عصا أو نحوه، أما الإشارة إليه فما دام داخل المسجد ولو بعد يصح هذا والطواف مجزي، ما دام داخل المسجد، ولنعلم أن المسعى خارج المسجد. يقول: جمع الشيخ الألباني -رحمه الله- تعالى لأطراف حديث جابر في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع شامل في الجملة، وإن كان يفوته بعض الروايات في بعض الأجزاء والفوائد. يقول: ماذا تكشف المرأة عند الصلاة في الحرم، وإذا كانت عجوز ماذا تكشف؟ تكشف في الحرم إن كانت في مكانٍ مستقل بالنساء خاص بهن، فتكشف الوجه؛ لأن عورة المرأة في الصلاة لا يدخل فيها الوجه، فهي كلها عورة إلا وجهها، أما إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب، فتغطية الوجه لا بد منها. يقول: إذا كانت عجوز ماذا تكشف؟ إذا كانت من القواعد فلا مانع أن تكشف الوجه. يقول: وهل الكفين ... ؟ الكفين أو الكفان؟ من أهل العلم من يرى كشف الكفين مع الوجه في الصلاة، كالحنفية ويميل إليه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، والرجلين أيضاً هو رأى الحنفية، على كل حال الاحتياط عدم كشف ما عدا الوجه، فيستر ما عدا الوجه. سؤال طويل. . . . . . . . . في أشياء مكررة، ما المقصود بالتحمل والأداء، كثر عنه السؤال. هذه كلها سبقت هذه يا شيخ، كثير منها سبق. يقول: ذكرتم نقلاً عن بعض الشراح أنه يستقبح وضع اليد بين الثدي للرجل الكبير، ولكن لم يرد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل ذلك في بعض الأحاديث من قيام وضع. . . . . . . . . ما ذكرنا عن بعض الشراح ولا شيء، قلنا: أن جابر -رضي الله عنه- رجل كبير قد عمي، وفعل هذا من باب المداعبة والملاطفة للراوي عنه، الباقر محمد بن علي بن الحسين، مداعبةً له، لكن إذا كان أهل العلم يحرمون النظر إلى الشاب الأمرد فوضع اليد بين ثدييه من باب أولى، فإذا أمنت الفتنة فلا بأس حينئذٍ.

يقول: هل ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صام العشر؟ أثبته الإمام أحمد عن بعض نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، صححه الإمام أحمد، وأثبت منه حديث عائشة في مسلم: أن النبي –عليه الصلاة والسلام- لم يصم العشر، تحدثنا عن هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يكون في سنة من السنوات شغل عنها لتعلق مصالح الأمة به، فإذا كان الإنسان بهذه المثابة، يعني لو قدر أن شخص يحتاجه الناس كلهم فإذا صام احتجب عنهم، نقول: لا تصوم، السنة في حقك: عدم الصيام، ما أنت فيه من الجهاد أعظم أجراً من الصيام الذي نفعه لازم. يقول: متى يكون تكميل كتاب المناسك -إن شاء الله تعالى-؟ بالنسبة لحديث جابر، ننهيه اليوم على أي وجهٍ كان، وبالنسبة للمناسك من الزاد، الدورة السابقة ذكرنا مراراً أنه سيكمل في المسجد الذي بحي السلام، مسجد. . . . . . . . . الخيل، بدءً من (1/ 12) يوم الأربعاء ليلة الخميس، إلى (7) لمدة أسبوع، بعد صلاة العشاء. يقول: هل تجوز إنابة المكي لرجلٍ آفاقي والعكس؟ إنابة المكي لرجلٍ آفاقي لا بأس؛ لأن فيها زيادة عمل، أما إنابة الآفاقي للمكي أو من كان مسكنه بين مسكن المنيب والميقات، أهل العلم يوجبون على من أراد الإنابة أن ينيب من حيث وجب عليه، وجب عليه في الرياض أن ينيب من الرياض، وجب عليه من مكة ينيب من مكة وهكذا، لكن نعلم أن المسافة التي بين بلده وبين الميقات ليست مقصد من مقاصد الشرع، فإذا أناب شخص أن يحرم من الميقات نفسه وأدى النسك على الوجه المطلوب كفى. هل يشرع استلام الحجر وتقبيله في كل شوط؟ أما استلامه نعم، والتقبيل حسب التيسير، وجاء فضله مستقل. يقول: هل تجوز خياطة الإزار بحيث أجعل له. . . . . . . . .

شرح حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (3)

شرح حديث جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- (3) الشيخ/ عبد الكريم الخضير يقول: هل تجوز خياطة الإزار بحيث أجعل له مقاطف مثل التي تجعل في السراويل، وأجعل في الفتحة الطولية شبابيك؟ لم يستثنِ أهل العلم من ذلك إلا ما لا بد منه، إذا كان الإزار لا يثبت لا مانع من عقده وربطه، أما أن يجعل فيه مثلما ذكر مغاط، وتجعل شبابيك إلى آخره، من أوله إلى آخره أو يخاط كما يُشاهد على بعض الناس هذا نصف إزار، يعني مثل تنورة النساء يصير، بعض الناس يلبس هكذا، هذا ممنوع منه المحرم. يقول: هذا النوع من الإزار موجود ويباع. ولو وجد ولو بيع، ولو أفتى به من أفتى، العبرة في الحلال والحرام بما جاء عن الشرع، أما أن يقال: هذا أيسر للناس، وهذا أسهل لهم، ما يكفي، وهو أيضاً مما يلبسه الحلال، وحينئذٍ يمنع منه المحرم. هل يلزم الرجل بتحجيج أبنائه وبناته إذا كان قادراً على ذلك؟ يلزم بالنفقة عليهم، الأب ملزم بالنفقة عليهم إذا لم يكن لهم كسب، وأما الحج فلا يلزم به الأب. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فقال جابر -رضي الله عنه- في صفة حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى ضربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، وأردف أسامة -رضي الله عنه- خلفه، ودفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة، كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بنا المغرب والعشاء بأذانٍ واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذانٍ وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس -رضي الله عنهما-، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلما دفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرت به ضعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج عن الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاةٍ منها، حصى الخذف، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بيده -صلى الله عليه وسلم-، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنةٍ ببضعة، فجعلت في قدرٍ فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: ((انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم)) فناولوه دلواً فشرب منه -صلى الله عليه

وسلم-. قال مسلم -رحمه الله تعالى-: وحدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي حدثنا جعفر بن محمدٍ، حدثني أبي قال: أتيت جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فسألته عن حجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وساق الحديث بنحو حديث حاتم بن إسماعيل، وزاد في الحديث: وكانت العرب يدفع بهم أبو سيارة على حمارٍ عري، فلما أجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المزدلفة بالمشعر الحرام لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه، ويكون منزله ثَمّ، فأجاز ولم يعرض له حتى أتى عرفاتٍ فنزل -صلى الله عليه وسلم-. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول جابر -رضي الله عنه-: "ثم أذن" يعني بعد أن انتهت الخطبة، أذن يعني أمر بالأذان ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، صلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين جمعاً بأذان واحد وإقامتين، وهذا هو الأفضل، وهل الجمع في عرفة ومزدلفة للسفر أو للنسك؟ قولان لأهل العلم، والرسول -عليه الصلاة والسلام- اجتمع فيه الوصفان، فهو مسافر يسوغ له الجمع والقصر، وهو أيضاً متلبس بإحرام وبنسك يسوغ له الجمع والقصر عند من يقول بأن هذا الجمع للنسك. الرسول -عليه الصلاة والسلام- في مكة لما سلم من ركعتين قال: ((أتموا، فإنا قوم سفر)) وهنا في عرفة ومزدلفة لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((أتموا)) فهل جميع من حضر هذه الصلاة سواء كانت في عرفة أو في مزدلفة قصروا معه وجمعوا؟ أو اختص هذا الأمر بمن كان على مسافة قصر من الموقع؟ على كل حال هما قولان لأهل العلم ولم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أمر أحداً بالإتمام، فالمتجه أن الكل يجمع ويقصر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو أمر أحداً بذلك لاستفاض ونُقل، والفائدة من الجمع وإن كانت العادة المطردة منه -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يجمع إلا إذا جد به السير، وهنا لم يجد به السير، ليتوفر له الوقت الكافي للوقوف بعرفة والدعاء والذكر.

"ولم يصل بينهما شيئاً" هذه السنة، أن لا يصلي بين الصلاتين المجموعتين "ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتى الموقف" لكن إذا كان ممن يسوغ له الجمع، ثم ذكر فائتة هل يصليها بين هاتين الصلاتين المجموعتين؟ ذكر هذه الصلاة الفائتة بعد سلامه من الصلاة الأولى من الظهر أو المغرب، ذكر فائتة، وأهل العلم يقولون: ويجب قضاء الفوائت فوراً، أو نقول: أن هاتين الصلاتين الأصل فيهما أن يصليان على التوالي ولا يفصل بينهما؟ ابن مسعود كما في الصحيح في جمع مزدلفة لما صلى المغرب وضع الرحل وصلى ركعتين، لكن لا منقول عنه -عليه الصلاة والسلام- والثابت من فعله أنه لم يسبح بينهما، لم يصلِ بينهما، والعبرة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، فهل نقول: بالنسبة لمن ذكر فائتة يلزمه أن يصلي هذه الفائتة فوراً قبل الصلاة الثانية، أو يصلي الثانية قبل هذه الفائتة ثم يقض هذه الفائتة؟ أهل العلم يقولون: يجب قضاء الفوائت فوراً، ويوجبون الترتيب، فمثل هذا، أو في مثل هذه الحالة يصلي الفائتة قبل الثانية أو يصلي الثانية ثم يصلي الفائتة؟ لأن عندنا شيئين، كون الفائتة تقضى فوراً، وأيضاً الترتيب أمر لا بد منه، والفائتة قبل الصلاتين معاً فضلاً عن كونها قبل الثانية. طالب:. . . . . . . . . هم يقولون: يسقط الترتيب بنسيانه، كونه صلى الأولى قبل أن يذكر الفائتة سقط الترتيب بنسيانه، لكن الثانية ذكرها، فهل نقول: يلزمه الترتيب ويقضي فوراً؟ هم يقولون: يسقط الترتيب بنسيانه أو بخشية فوات وقت اختيار الحاضرة، هذا كلام أهل العلم، وهنا لن يفوت وقت الاختيار، في مثل هذه الصورة لن يفوت وقت الاختيار؛ لأن الصلاة هنا في أول وقت صلاة الظهر، فلن يفوت وقت الاختيار، هل نقول: يصلي الفائتة؟ هذا مسألة افتراضية، لكن وش اللي يمنع أن تقع؟ يعني وقوعها محتمل، يعني كل من ساغ له الجمع ثم ذكر بين الصلاتين صلاةً فائتة، ذكر أنه ما صلى الصلاة، صلاة البارحة أو الأمس هل نقول كما يقول بعضهم: أن الصلاتين المجموعتين في حكم الواحدة، بحكم أجزائها، ولذا لا يجوز التفريق بينهما؟ لا سيما إذا كانتا في وقت الأولى، أما في وقت الثانية يجوزون التفريق بينهما، هذه محل بحث.

يقول: "ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات" إلى الجبل في أسفل الجبل المعروف هناك بجبل الرحمة، تسميته استفاضت عند أهل العلم في مناسكهم، وإن لم يرد بذلك دليل، "وجعل حبل المشاة بين يديه -يعني مجتمع المشاة بين يديه- واستقبل القبلة -استقبال القبلة أمر مشروع، كل وقت إذا تيسر- فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس" يعني على دابته، وعلى هذا فالركوب أفضل إذا لم يشق على الدابة، وعلى هذا نقول: ينبغي لأرباب السيارات أن يجعلوا تجاه السيارات إلى جهة القبلة، ويكون الدعاء في حال الركوب. "فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص" هل تذهب الصفرة قبل مغيب القرص؟ حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً يعني بعد غروب الشمس، ذهبت الصفرة قليلاً يعني بعد غروب الشمس، فقوله: "حتى غاب القرص" في بعض الروايات الصحيحة في صحيح مسلم: "حين غاب القرص" وعلى هذا هل يلزم أن يفعل الحاج مثلما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فيستوعب الوقت من الزوال إلى غروب الشمس؟ وهل يجزئ الوقوف قبل الزوال؟ وبعد غروب الشمس؟ وهل يجوز الانصراف قبل غروب الشمس؟ أما الوقوف قبل الزوال فقال به الحنابلة، والجمهور يخالفونهم في هذا، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتظر، ما دخل الموقف حتى زالت الشمس، وصلى الظهر والعصر، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) فدل على أن ما قبل الزوال ليس وقتاً للوقوف، الحنابلة يستدلون بحديث عروة بن مضرس: ((من شهد صلاتنا، وكان قد وقف قبل ذلك أية ساعةٍ من ليلٍ أو نهار)) فأية ساعة من نهار تشمل ما قبل الزوال، هذا دليل الحنابلة، والجمهور يقولون: لا يصح الوقوف، ولا يبدأ الوقوف إلا من زوال الشمس.

وأما الوقوف إلى غروب الشمس فهو واجب عند أكثر العلماء، فمن انصرف قبل الغروب يلزمه دم عندهم، ومن أهل العلم من لا يلزمه بدم، بل يكفيه إذا وقف وانصرف قبل الغروب؛ لأنه صدق عليه أنه قف ساعةً من نهار، وعلى كل حال الاحتياط أن يمكث الشخص، وأن يقتدي به -عليه الصلاة والسلام- فلا ينصرف حتى تغرب الشمس، ويتحقق من ذلك وتذهب الصفرة قليلاً، أرباب الحملات نظراً لكثرة حجاجهم ويحتاجون إلى تنظيم وترتيب ينشغلون في آخر الوقت، الذي يقول عنه عامة الناس وقت اللزوم، عشية عرفة، ينشغلون ويشغلون الحجاج بالتأهب والركوع وحمل الأمتعة، نظراً كونهم يحتاجون إلى ذلك وإلا ما اضطروا إلى التأخير. فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، وأن يستغل كل لحظة من لحظات هذا الموقف، ويحرص على العشي في آخر النهار، ويجتهد في الدعاء، ويخلص العمل لله -سبحانه وتعالى- ويقدم بين يدي ذلك توبةً نصوحاً. "وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه" يقول أهل العلم: في هذا جواز الإرداف على الدابة شريطة أن تكون مطيقةً لذلك، والأدلة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك متظافرة على هذا، أردف مراراً، لا شك أن الإرداف يدل على التواضع، الشخص الذي لا يرضى أن يركب معه أحد، أو يدنو منه أحد، من الكبر نسأل الله العافية. "وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد شنق للقصواء الزمام" يعني ضمه، ورد الزمام الذي هو الحبل، يقول: "حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله" إذا رد الحبل وهو الزمام الذي تخطم به الناقة حتى يصيب مورك الرحل، لكي لا تسرع بالمشي.

"ويقول بيده اليمنى: ((أيها الناس: السكينة السكينة)) " هذا هو المطلوب، السكينة والرفق، لا العجلة، وما يشاهد من كثيرٍ من الناس في وقت الانصراف من السرعة الجنونية التي تسبب الحوادث، هذا موجود، كثير من الناس يصنع هذا، مجرد ما تغرب الشمس تجده يسرع سرعةً تضر به وتضر بالآخرين، والرفق هو المطلوب، وإذا كان الرفق في حال الجهاد مطلوب، الذي فيه بذل النفس، وفيه التعرض للأخطار، فكيف بحال الأمن؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لعلي بن أبي طالب يوم خيبر: ((انفذ على رسلك)) لأن الذي ينفذ على رسله ويتأنى ولا يستعجل يتصرف على مقتضى العقل، لكن الذي يستعجل في أموره تجده يتصرف في كثيرٍ من الأحيان على خلاف ما يقتضيه الشرع والعقل. " ((السكينة السكينة -الزموا السكينة السكينة- كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً" هناك حبل المشاة وهو مجتمعهم، وهنا: كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً، وهو الكثيب من الرمل، يعني المرتفع، هضبة وإلا شبهها، إما من رملٍ أو نحوه، "كما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً"، يعنى أرخى الزمام قليلاً لكي تستعد لطلوع هذا المرتفع، وهذا شيء مشاهد، حتى في السيارات، إذا أقبلت على شيءٍ مرتفع تزيد في السرعة قليلاً لكي تطلع السيارة ومثلها الدابة، وهي المرتفع تأخذ عزم. "أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء" مزدلفة وهي من الحرم، تسمى جمع، "فصلى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحد وإقامتين" وجاء بأذانين وإقامتين، وجاء بأذانٍ وإقامة، ولذا يختلف العلماء في اختيار الأفضل، لكن الأكثر على اختيار ما جاء في حديث جابر، هنا بأذانٍ واحد وإقامتين. "ولم يسبح بينهما شيئاً" وثبت في الصحيح أن ابن مسعود وضع رحله وسبح بينهما، لكن العبرة بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-. "ثم اضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى طلع الفجر" بعد أن صلى المغرب والعشاء اضطجع

-عليه الصلاة والسلام- حتى طلع الفجر، هكذا يقول جابر -رضي الله عنه-، ومفهوم هذا الكلام أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتنفل، ما صلى ولا قام من الليل ولا صلى ولا الوتر الذي ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان لا يتركه حضراً ولا سفراً، لأن الأعمال في يوم النحر كثيرة وتحتاج إلى شيءٍ من المشقة والتعب، على ما سيأتي في فعله -عليه الصلاة والسلام-، فيستعد لهذا اليوم بالنوم ليلة جمع، فهل يشرع الوتر في هذه الليلة؟ أو نقول كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا توتر؟ لا شك أن جابراً -رضي الله عنه- خفي عليه كون النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ونهى في تلك الليلة، وأذن للضعفة بالانصراف، فكونه لم يذكر الوتر لا يعني أنه لم يقع، وعلى كل حال العلة معروفة ومعقولة، وهي الاستعداد ليوم النحر بالراحة، فلو افترضنا أن شخصاً وضع رأسه على الوسادة فنام إلى الصبح، نقول: لا تدري نقل جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اضطجع حتى طلع الفجر، نقول: شخص لما صلى المغرب والعشاء وضع رأسه في الفراش ونام حتى طلع الفجر، عملاً بحديث جابر، نقول: أحسنت، وشخص آخر أرق فبدلاً من أن يتقلب في الفراش أو يتحدث مع الناس قام يصلي، نقول له: أحسنت؛ لأن هذه الليلة يشملها ما جاء في غيرها في الحث على قيام الليل، {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] وإذا عرفنا العلة أنه إنما نام -عليه الصلاة والسلام- حتى طلع الفجر، هذا على القول بأنه ما أوتر، لا يعني هذا أن الوتر غير مشروع، ثبتت به النصوص وأوجبه بعض العلماء، وقيام الليل جاءت فيه النصوص من الكتاب والسنة، {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] وهذا يشمل هذه الليلة أو غيرها، لكن المسألة في الأفضل، إذا نام واستعد على ما أمامه من أعمال يوم النحر أحسن، وإذا أرق وما استطاع أن ينام وقام إلى مصلاه أحسن أيضاً.

"حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح" تسن المبادرة بصلاة الفجر من يوم النحر حتى يتسع وقت الذكر بعدها قبل الإسفار، حتى تبين له الصبح، لكن لا بد من التأكد من طلوع الصبح. "بأذانٍ وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام" المشعر الحرام جبل صغير بالمزدلفة يقال له: قزح، وقال بعضهم: أن جمعاً كلها يطلق عليها المشعر الحرام، لكن ظاهر الحديث يدل على أن المشعر غير مزدلفة، يعني هو في مزدلفة لكن لا يشمل مزدلفة كلها. "ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر" لو كانت المزدلفة كلها المشعر لا يحتاج أن يقال: ركب القصواء حتى أتى المشعر، هو في المشعر، هو في مزدلفة، فكونه انتقل من مكانه حتى أتى المشعر، دل على أن المشعر شيء أخص من مزدلفة. "فاستقبل القبلة فدعاه -دعا الله -سبحانه وتعالى- وكبره وهلله ووحده" أكثر من الذكر -عليه الصلاة والسلام-.

"فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس" وهو في ذلك يخالف عمل المشركين الذين ينتظرون طلوع الشمس ويقولون: "أشرق ثبير كيما نغير". "وأردف الفضل بن عباس" هناك بين عرفة ومزدلفة أردف أسامة، وهنا بين مزدلفة ومنى أردف الفضل، الفضل بن عباس "وكان رجل حسن الشعر أبيض وسيماً" وبمثله تفتتن النساء، "فلما دفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرت به ضُعن" الضعن جمع ضعينة، والأصل أن الضعينة الناقة التي تحمل المرأة، ثم أطلق على المحمول "مرت به ضعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن" والنظر غير مشروع، بل ممنوع {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] "ينظر إليهن، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر" وفي ذلك مخالف للأمر الإلهي، "فحول رسول الله -صلى الله عليه وسلم من الشق الآخر"، وفي رواية: "لوى عنقه"، فقال له العباس: "لويت عنق ابن أخيك"، لكن هل يؤثر هذا الكلام بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يؤثر؛ لأن هذا من باب إنكار المنكر، فلا ينظر فيه إلى عم، ولا إلى ابن عم، لا ينظر في مثل هذا إلى عم ولا إلى ابن عم، فإذا أمكن إزالة المنكر باليد، مع الأمن من الآثار المترتبة على الإزالة، المفاسد، تعيّن ولا يعدل عن الإنكار باليد إلا مع العجز، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) أمر، والأصل في الأمر الوجوب، ((فإن لم يستطع فبلسانه)) أما مع القدرة فالمتعين التغيير باليد، إذا أمكن لأحد إيش المانع؟ إذا أمكن بهذا الشرط، الذي لا يمكنه التغيير باليد يكون غير مستطيع، وحينئذٍ ينتقل إلى اللسان، وهذا أيضاً حسب الإمكان، فإذا ترتب على التغيير باللسان مفسدة أعظم من هذا المنكر ينتقل إلى ما يليه، وهو التغيير بالقلب. "يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن محسر" وادٍ بين مزدلفة ومنى، ليس من مزدلفة ولا من منى، وبعضهم يقول: هو من منى، سمي بذلك لأن الفيل حسر فيه، أي أعيى وتعب وعجز.

"فحرك قليلاً –أسرع- ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة" والجمرة الحد الفاصل بين مكة ومنى، وهل هي في مكة أو في منى؟ خلاف بين أهل العلم، من الطرائف قول بعضهم أنها من منى مستدلاً بأن رميها تحية منى، فكيف يكون الرمي خارج موضع التحية؟ واستدل بعضهم أنها من منى قال: لأن رميها تحية منى، إذاً لا بد أن تكون في منى وإلا إيش معنى تحية منى؟ قال الآخر -الذي أرى أنها من مكة-: تُحيا والتحية تكون في خارج الشيء، كما أن الطواف تحية البيت وهو خارج البيت، هذه من الطرائف، والله المستعان. على كل حال هي من الحرم بلا شك، وكونها من منى أو خارج المنى الاحتياط أن لا يبيت عندها، ليالي منى، وإن بات عندها على القول الآخر فلا بأس حينئذٍ، "حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصياتٍ يكبر مع كل حصاة" هذا يدل على أن الحصى إنما ترمى متوالية، ولا يجوز رميها دفعةًَ واحدة؛ لأنه لو رماها دفعةً واحدة كان التكبير مرة واحدة، مثل حصى الخذف، مثل حبة الحمص أو الباقلا من غير زيادةٍ ولا نقصان؛ لأن الزيادة غلو ((بمثل هذا فارموا)) ((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) وتجد بعض الجهال يرمي بالحجارة الكبيرة وبالنعال وغيرها، "ورمى من بطن الوادي ثم انصرف" رمى من بطن الوادي، هذه الجمرة التي هي جمرة العقبة معروف أنها ملاصقة للجبل ولا يمكن رميها إلا من جهةٍ واحدة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- حين رماها جعل منىً عن يمينه، والبيت عن يساره واستقبلها فرماها، وإن كان بعضهم يختار أن يستقبل القبلة وهو يرمي، ويجعلها عن يمنيه.

وعلى كل حال إذا وقع الحصى في المرمى أجزى من أي جهةٍ كان الرمي، لكن السنة هكذا، أن يجعلها أمامه ويجعل منى عن يمنيه والبيت عن يساره، "رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده -عليه الصلاة والسلام -وهذا القدر الذي جاء به من المدينة- ثم أعطى علياً فنحر ما غبر" يعني الذي جاء به من اليمن، وكله أو وكله به علياً فنحر -عليه الصلاة والسلام- ثلاثاً وستين، عدد سني عمره، "ثم أعطى علياً فنحر ما غبر" ما غبر يعني ما بقي، عبر مضى، وغبر بقي، في كتاب اسمه: (العبر في خبر من غبر) صح وإلا خطأ؟ صوابه: من عبر، يعني من مضى، أما من غبر من بقي؟ ما يترجم لمن بقي. "وأشركه في هديه" وقد جاء أن علي -رضي الله عنه- ساق الهدي معه، ولذا لما أحرم بإحرامٍ كإحرامه -عليه الصلاة والسلام- لم يحل، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا موسى الأشعري، الذي هو الآخر أهل بما أهل به النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه لما لم يسق الهدي حل، جعلها عمرة، ثم أمر من كل بدنةٍ ببضعةٍ أو بضعةٍ فجعلت في قدر، يسن الأكل من الهدي والأضحية، وأوجبه بعضهم، لكن الأكل من مائة متيسر وإلا مستحيل؟ ما يمكن، فعلى هذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ببضعة يعني بقطعة من كل واحدة من هذه البدن، فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها.

"ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأفاض إلى البيت" مكث في مزدلفة عند المشعر إلى أن أسفر جداً ثم دفع إلى منىً، فرمى الجمرة، ثم نحر، ثم بعد ذلكم أفاض إلى البيت، متى حلق؟ متى حلق النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ بعدما نحر "فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر" أفاض ذهب إلى البيت فطاف طواف الإفاضة، فصلى بمكة الظهر، فعل جميع هذه الأعمال، البركة في عمره -عليه الصلاة والسلام-، وإلا من يتصور أن تذبح مائة بدنة وتسلخ ويطبخ من لحمها ويشرب من مرقها؟ مائة بدنة، نحر بيده -عليه الصلاة والسلام- ثلاثاً وستين، متى سلخت؟ متى طبخت؟ كل هذا بعد الرمي، وأفاض إلى البيت ولا تتصور أن حاله مثل حال غيره، الآن قدامه السيارات التي تيسر له الطرق وتشقها له؟ لا، -عليه الصلاة والسلام- على دابته، فأفاض، طاف طواف الإفاضة قبل صلاة الظهر، فصلى بمكة الظهر، هذا حديث جابر، في حديث ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر يوم النحر بمنى، هنا يقول: صلى بمكة الظهر، في حديث ابن عمر وهو صحيح أيضاً: صلى الظهر بمنى بعد طواف الإفاضة، فنقول هنا: صلى الظهر بمكة ثم رجع في أول الوقت إلى منى، فإما أن يكون صلى بهم -عليه الصلاة والسلام- الظهر، تكون له نافلة ولهم فريضة، أو صلى معهم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر من صلى ثم أقيمت الصلاة وهو موجود أن يصلي، وتكون له نافلة. "فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: ((انزعوا بني عبد المطلب)) " يحثهم على سقي الناس، ويبين لهم الفضل ((انزعوا بني عبد المطلب)) يا بني عبد المطلب ((فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم)) يعني شاركت معكم في النزع، في الاستقاء، بإخراج الماء بالدلاء من البئر. لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لو شاركهم لظنه الناس من النسك، صار كل حاج يقتدي به -عليه الصلاة والسلام- في هذا النزع، فيغلب الناس بني عبد المطلب على هذا.

" ((فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم)) فناولوه دلواً فشرب منه" النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب من زمزم، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه شرب قائماً من زمزم، وثبت النهي عن الشرب قائماً، ثبت الأمر بالاستقاء لمن شرب قائماً، فإما أن يقال: هذا خاص بزمزم، أو لأن ما حولها من الرطوبات لا تمكنه من الجلوس، أو يقال: أن النهي للكراهة فقط، والفعل لبيان الجواز. يقول الإمام مسلم: "وحدثنا عمر بن حفص بن غياث قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا جعفر بن محمد -يعني الصادق- قال: حدثني أبي قال: أتيت جابر بن عبد الله" جعفر بن محمد وهو الباقر، محمد بن علي- قال: أتيت جابر بن عبد الله، الآن هذه متابعة وإلا شاهد؟ متابعة تامة وإلا قاصرة؟ تامة من بداية السند، أيهما أعلى هذا السند أو الذي قبله؟ هذا السند أعلى من الأول لماذا؟ طالب: عمر بن حفص بن غياث عن جعفر الصادق عن محمد الباقر. . . . . . . . . عمر بن حفص بن غياث قال: حدثني أبي، ها استذكر السند الأول؟ إسحاق؟ إسحاق بن أبي شيبة عن حاتم، العدد مستوي وإلا ما هو مستوي؟ عن جعفر. طالب: إذاً مستوي يا شيخ. هما في العلو سواء، في منزلة واحدة في العلو، وحينئذٍ المتابعة تامة وإلا قاصرة؟ طالب: تامة. الآن المدار على ماذا؟ على من؟ على جعفر، حاتم وحفص بن غياث كلاهما عن جعفر، متى تكون المتابعة تامة؟ ومتى تكون قاصرة؟ طالب: الأول في السند تام. الآن من أول وإلا من أثنائه؟ المتابعة في أثنائه وإلا من أوله؟ هنا؟ طالب: متابعة، عمر تابع. . . . . . . . . عمر وحفص تابع إسحاق وأبو بكر بن شيبة، وإلا حفص بن غياث تابع حاتم بن إسماعيل؟ طالب:. . . . . . . . . إذاً ليست تامة، ويقصد منها التقوية، تقوية الخبر، وتختلف عن الشاهد، فالشاهد ما جاء عن صحابي آخر، والمتابعة ما جاء عن نفس الصحابي من طريقٍ آخر، وبعضهم يقول: لا ينظر إلى الصحابي اختلافاً واتحاداً، وإنما ينظر إلى اللفظ والمعنى، فإن كانت باللفظ متابع، وإن كانت بالمعنى فشاهد، وعلى كل حال الخطب سهل، سواء قلنا: متابع أو شاهد المقصود به والمراد به التقوية.

"حدثني أبي قال: أتيت جابر بن عبد الله فسألته عن حجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وساق الحديث بنحو حديث حاتم بن إسماعيل" بنحوه، يعني بلفظه أو بمعناه؟ إذاً معناه، "وزاد في الحديث: "وكانت العرب يدفع بهم أبو سيارة" يدفع بهم في الجاهلية، لما أجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مزدلفة من المشعر الحرام، يقول: "لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه، ويكون منزله ثّم" لأن العرب الذين يخرجون إلى عرفة يدفع بهم أبو سيارة، "على حمارٍ عريٍ" إيش معنى عريٍ؟ ليس عليه سرج أو شبه، مما يركب عليه، "فلما أجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المزدلفة في المشعر الحرام لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه" لأنه من قريش وهو من الحمس، والحمس أهل الحرم لا يخرجون منه، لكن هذه شريعة الجاهلية، وجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- بمخالفتهم، وهذه من المسائل التي خالف فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل الجاهلية. "لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه، ويكون منزله ثّم" يعني هناك "فأجاز ولم يعرض له حتى أتى عرفات فنزل" يعني جاوز المشعر، جاوز مزدلفة إلى أن أتى عرفات فنزل فيها، امتثالاً لقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [(199) سورة البقرة] والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . ورد ((يحيي ويميت)) في ذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد، أما بالنسبة للمائة فلا، وبالنسبة للعشر التي تقال بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب فنعم. طالب: وبالنسبة ليوم عرفة؟ ((أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي)) فيه يحيي ويميت؟ على كل حال الشيء المعروف، المائة ليس فيها يحيي ويميت، والعشر فيها يحيي ويميت. طالب: من الملاحظ دقة الصحابة في الوصف، حدود المائة ألف أو يزيدون،. . . . . . . . . على كل حال إذا ثبت الحكم بخبر تقوم به الحجة، ورفع اليدين في الدعاء متواتر، ما لم يكن في عبادة، فيحتاج إلى نص، وما عدا ذلك من الأدعية المطلقة يكفينا فيها الأدلة التي تدل على رفع اليدين في الدعاء، وألفت فيه مؤلفات.

طالب: أحسن الله إليك، يوم الجمعة ممن وصفوا النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: ما كان يرفع إلا عند الاستغاثة. فقط نعم، ولذلك ما رفع، لأن هذه عبادة. طالب: يدعو من دون رفع اليدين. أما خارج العبادات فارفع يديك؛ لأن الرفع مشروع تواترت به الأحاديث في أكثر من مائة حديث، والسيوطي له رسالة اسمها: (فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء) وله فيه مسائل أخرى، على كل حال رفع اليدين خارج العبادات في الأدعية المطلقة مشروع، وأما ما كان في عبادة فيحتاج إلى نصٍ خاص كالاستسقاء. إذا اعتمر المتمتع في اليوم السابع من ذي الحجة فهل يأخذ من شعره إذا كان قصيراً جداً؟ اعتمر متمتع في اليوم السابع يأخذ من شعره؛ لأن هذا نسك لا بد منه، ولو كان قصيراً جداً، ويترك ما بقي للحج. هذا سبق يقول: هل الأفضل للحاج الأضحية في بلده أو في مكة والأفضل له الهدي المطلق في مكة؟ جاء في النصوص ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الهدي والأضحية، ولو لم يثبت هذا فنصوص الأضحية ثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام- والحث عليها ثابت، وجاء في فضلها النصوص الصحيحة الصريحة، وهذه عبادة مستقلة والحج وما يترتب عليه من هدي عبادة مستقلة، فيُضحى، ويضحي في بلده ويوكل من يضحي له ولأهل بيته، ويهدي هناك في مكة، ولو قال شيخ الإسلام -رحمه الله- وابن القيم أنها لا تشرع التضحية لمن حج. طالب:. . . . . . . . . بعض الروايات حتى في صحيح مسلم تدل على هذا، وإن قال بعضهم: أن المراد بالتضحية هنا الهدي. طالب:. . . . . . . . . على كل حال ثبت من حديث أسامة وابن مسعود وغيرهما أنه صلى الظهر والعصر بأذانين وإقامتين، لكن أهل العلم يرجحون ما جاء في حديث جابر ولو لم يكن في البخاري؛ لأن جابر -رضي الله عنه- ضبط الحجة وأتقنها، ضبطها هذه الحجة وأتقنها ووصفها بدقة، فأهل العلم وإن كانوا يقررون أن ما في صحيح البخاري أرجح إلا أن هذا حكم أغلبي، وليس بحكم كلي، فقد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، ومن هذا هناك أحاديث في صحيح مسلم رجحت على أحاديث في صحيح البخاري، إلا أن الأصل في الجملة أن ما يرويه البخاري أرجح مما يرويه مسلم.

يقول: ما حكم جعل طواف الإفاضة والوداع طوافاً واحداً؟ هذا من العبادات التي يمكن تداخلها ما لم يقع بعد طواف الإفاضة سعي، إذا وقع بعد طواف الإفاضة سعي فلا بد من طواف الوداع، منهم من يقول: إذا كان هناك مشقة شديدة يكتفي به، شريطة أن ينوي بذلك الإفاضة لا ينوي به الوداع، إن نوى به الوداع نسي طواف الإفاضة طاف للوداع، الشافعية يقولون: يجزي، وحينئذٍ ينصرف للإفاضة، نعم، والجمهور يقولون: لا، لا بد من نيته، لو حج نفل بعد أن بلغ ولم يحج حجة الإسلام، أو حج نذر؟ يقول: هذا يقع بحجة الإسلام، لو حج عن غيره ولم حج وقع عن نفسه، فالطواف عند الشافعية قياساً على هذا يقع عن طواف الإفاضة ولو كان بنية الوداع، والجمهور على أنه لا بد أن ينوي، فإذا طاف الوداع لا بد أن يأتي بطواف الإفاضة، ويبقى هذا الركن؛ لأنه من أعظم أركان الحج ديناً في ذمته لا بد أن يأتي به. طالب: الركوب مثل ركوب السيارة؟ مثله مثله، الركوب سواء كان على الدابة أو على السيارة واحد. طالب:. . . . . . . . . إيه أفضل توجه إلى القبلة ويدعو فيها. يقول: إذا حج الإنسان قارناً ولم يسق معه الهدي وإنما اشترى ذلك من مكة فما حكم هذا الفعل؟ وإن لم يشترِ فماذا يفعل؟ الهدي الواجب كهدي المتعة والقران وما يكون بسبب ارتكاب محظور أو ترك مأمور فإنه يجزئ، من أي مكان جاء فيه، والأصل في سوق الهدي أنه يساق من الحل، هذا الأصل، لكن متى هذا؟ هذا إذا تيسر، في الظروف الراهنة ما يتيسر أن يسوق الإنسان الهدي معه من بلده أو من الحل، ما يظن يدخل المشاعر ينقله معه إلى عرفة ومزدلفة ثم يأتي به إلى منى وينحره هناك، هذا ما يتيسر، لكن إن تيسر فهي السنة. طالب:. . . . . . . . . نعم، من شرب قائماً فليستقئ، فليقئ، هذه ثابتة بلا شك، هذا فيه الزجر الشديد عن الشرب قائماً، فإما أن نقول: أن آخر الأمرين منه -عليه الصلاة والسلام- شرب قائماً من زمزم فيكون هذا منسوخ، أو نقول: أنه للكراهة، وفعله -عليه الصلاة والسلام- يدل على الجواز، أو كما قال بعض أهل العلم: أنه من زمزم يشرب قائماً، ومن غيرها لا بد أن يشرب جالساً. طالب:. . . . . . . . .

عند الشافعية إذا نحر خارج الحرم ووزعه على مساكين الحرم أجزأ، لكن غيرهم يقول: لا بد إذا كان هدي متعة أو قران لا بد أن يكون في الحرم، أما هدي الإحصار وهدي الإخلال أو ارتكاب المحظور فحيث وجد سببه عند أهل العلم. هل الجمع في عرفة ومزدلفة للسفر أو للنسك؟ هذا ذكرناه، أهل العلم كل على مذهبه، فالذين يشترطون المسافة يقولون: لا بد من المسافة المحددة في السفر، فإذا وجد المسافة، ووجد الوصف المؤثر في الحكم يجمع ويقصر وإلا فلا؟ ومنهم من يقول: أن هذا للنسك، كأن هذا في عرفة ومزدلفة كأنه هو المتجه؛ لأنه لم يحفظ أنه -عليه الصلاة والسلام- أمر أحداً أن يتم كما أمر أهل مكة. طالب:. . . . . . . . . على كل حال على حسب الثقة، على حسب ثقتك بهذا الوكيل، علماً بأنه لا بد أن يذبح في الحرم، والأصل فيه أنه لمساكين الحرم، مساكين الحرم، فإذا كانت المفاضلة بين مساكين الحرم وبين غيرهم فلا نسبة، وإن كانت المفاضلة بين دفن هذه اللحوم بالشيولات كما كان يحصل وبين توزيعه على فقراء المسلمين في أنحاء العالم فأيضاً هنا لا نسبة، فإن كان إن أمكن إيصاله إلى مساكين الحرم. . . . . . . . . هم الأصل، لكن إذا قالوا: بدلاً من أن تدفن ورأيناها ورآها غيرنا يحفر لها بالشيولات وتدفن. طالب:. . . . . . . . . نعم نعم، مساكين الحرم من ساكن ووافد وحاج وغيره. طالب:. . . . . . . . . على كل حال الأولى أن يباشر الإنسان عبادته بنفسه، هذا الأولى، لكن كثير من الناس يكسل عن هذا، ويحب أن يُناب عنه في جميع أموره ولو تيسر له من ينوب عنه في كثير من أموره ما صنع شيئاً، والله المستعان. طالب:. . . . . . . . . التكبير المطلق في العشر معروف أنه يبدأ من غروب الشمس ليلة الأول من ذي الحجة، ويكون في الأسواق وفي المساجد وفي البيوت وفي غيرها، سنة وشعيرة لا بد من إظهارها بين الناس. يقول: هل يقال عند دخول المسجد وبعد سلام الإمام؟

بعد سلام الإمام يشتغل بالأذكار الموقوتة بوقتها بعد السلام ثم بعد ذلك إذا انتهت هذه الأذكار لا مانع من أن يأتي بالتكبير المطلق، أما المقيد الذي يقيده أهل العلم من فجر يوم عرفة إلى عصر أيام التشريق بأدبار الصلوات فهو محل أخذ ورد بين أهل العلم فمن قائلٍ يقول: بوجوبه، ومن قائلٍ يقول: ببدعيته، وعلى كل حال هو ثابت عن بعض السلف، هو ثابت، ليس فيه حديث مرفوع لكنه ثابت عن بعض الصحابة والتابعين، حتى قال الحسن البصري: أن المسبوق -وهذه من الغرائب بل من الشواذ- المسبوق يكبر مع الإمام، بعد سلام الإمام يكبر التكبير المقيد ثم يأتي بما سبق به، وهذا من الشواذ فيه، هذا من حرصهم على مثل هذه الأذكار. يقول: هل يجوز لشخص أن يقول: أريد أن أطبق السنة فيقول مثلما قال علي: "اللهم إني أهل بما أهل به رسولك؟ " طيب، تهل مع الرسول، قد يكون الباعث لعلي وأبي موسى عدم علمهم بالمناسك، ويريدان أن يقتديا، ولا هناك وسائل اتصال يتصل بالجوال وش أهللت؟ لا لا، الآن كل شيءٍ واضح، كل شيء واضح، الأنساك معروفة، والمفاضلة عند أهل العلم بينها معروفة، ولا يحتاج أن. . . . . . . . .

§1/1