شرح جامع الترمذي - الراجحي

عبد العزيز الراجحي

المقدمة

شرح جامع الترمذي_المقدمة يعد علم الحديث من أجل العلوم وأنبلها، وذلك لما له من أهمية في معرفة أحوال وحياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولما له من حاجة في حياة وشؤون الناس، وقد أفرده العلماء رحمهم الله تعالى بالتأليف والتصنيف، وذلك خدمة لسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى يتسنى للناس الاقتداء بنبيهم في كل أمر.

مقدمة المباركفوري على شرح جامع الترمذي

مقدمة المباركفوري على شرح جامع الترمذي

حد علم الحديث وموضوعه وغايته

حد علم الحديث وموضوعه وغايته هذه المقدمة من المباركفوري شارح سنن الترمذي رحمه الله. قال رحمه الله تعالى: [الحمد لله الذي شرح صدور أصفيائه بعلوم كلامه المعجز القديم، وعرف أولياءه بمعارف كتابه المهيمن الكريم، وروح أرواح أهل وداده بفوحات عرف ذكره الحكيم. والصلاة والسلام على رسوله الذي بين للناس ما نزل إليهم وهداهم إلى الصراط المستقيم، وعلى آله وأصحابه الذين هم كالنجوم في نقل أموره وأيامه وسننه وتبليغ دينه القويم. أما بعد: فهذه فوائد مهمة فريدة، ومباحث جمة مفيدة، ومعارف رائقة عجيبة، وعوارف رائعة غريبة، وتحقيقات بديعة لطيفة، وأبحاث نفيسة شريفة، لا يستغني عنها كل من يشتغل بعلم الحديث وكتبه، بل لا بد منها لمن يشتغل بالجامع الصحيح للإمام الهمام: أبي عيسى الترمذي رحمه الله، جمعها وحررها إمام العصر، مسند الوقت، شيخ المعارف وإمامها، ومن في يديه زمامها، المحقق المحدث الفقيه الأجل، الشيخ أبو العلاء محمد بن عبد الرحمن المباركفوري طيب الله ثراه، وجعل الجنة مثواه، صنفها وجعلها مقدمة لشرحه تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، وهي مشتملة على بابين: الباب الأول: في فوائد متعلقة بعلم الحديث وأهله وكتبه عموماً. الباب الثاني: في فوائد متعلقة بالإمام الترمذي وجامعه خصوصاً، تقبلها الله ونفع بها المسلمين. قال: بسم الله الرحمن الرحيم الباب الأول: فيما يتعلق بعلم الحديث وكتبه وأهله عموماً، وفيه أحد وأربعون فصلاً: الفصل الأول: في حد علم الحديث وموضوعه وغايته، قال الكرماني في شرح البخاري: اعلم أن علم الحديث موضوعه: هو ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحده: هو علم يعرف به أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله. وغايته: هو الفوز بسعادة الدارين. قال السيوطي: هذا الحد مع شموله لعلم الاستنباط غير محرر، ولم يزل شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي يتعجب من قوله: إن موضوع علم الحديث: ذات الرسول. ويقول: هذا موضوع الطب لا موضوع الحديث، كذا في التدريب. قلت: والعجب كل العجب من الكافيجي كيف أنه تعجب من قول الكرماني: إن موضوع علم الحديث: ذات الرسول. وكيف قال: إن هذا موضوع الطب لا موضوع الحديث؟! ألم يعلم أن موضوع الطب هو بدن الإنسان من حيث الصحة والمرض، لا ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قال: إن ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفراد بدن الإنسان، فبهذا الاعتبار صار ذاته صلى الله عليه وسلم موضوع الطب. قلنا: لم يقل الكرماني: إن موضوع علم الحديث ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث الصحة والمرض، بل قال: موضوع علم الحديث ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد تقييده بهذه الحيثية كيف يكون ذاته صلى الله عليه وسلم موضوع الطب؟! والعجب من السيوطي أيضاً أنه نقل كلام شيخه الكافيجي هذا وسكت. وقال صاحب كشف الظنون: علم الحديث: هو علم يعرف به أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله. فاندرج فيه معرفة موضوعه. وأما غايته: فهي الفوز بسعادة الدارين، كذا في الفوائد الخاقانية. وهو ينقسم إلى: العلم برواية الحديث. وهو علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث بالرسول عليه الصلاة والسلام، من حيث أحوال رواتها ضبطاً وعدالة، ومن حيث كيفية السند اتصالاً وانقطاعاً وغير ذلك، وقد اشتهر بأصول الحديث. العلم بدراية الحديث. وهو علم يبحث عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث، وعن المراد منها، مبنياً على قواعد العربية وضوابط الشريعة، ومطابقاً لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم. وموضوعه: أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث دلالتها على المعنى المفهوم أو المراد. وغايته: التحلي بالآداب النبوية، والتخلي عما يكرهه وينهاه، ومنفعته أعظم المنافع كما لا يخفى على المتأمل. ومبادئه: العلوم العربية كلها، ومعرفة القصص والأخبار المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الأصلين والفقه وغير ذلك، كذا في مفتاح السعادة. انتهى ما في الكشف. وقال الجزائري: قد قسموا علم الحديث إلى قسمين: قسم يتعلق بروايته، وقسم يتعلق بدرايته. قال ابن الأكفاني في إرشاد القاصد: علم رواية الحديث: علم ينقل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله بالسماع المتصل وضبطها وتحريرها. وعلم دراية الحديث: علم يتعرف منه أنواع الرواية وأحكامها وشروط الرواة وأصناف المرويات واستخراج معانيها. قال الجزائري: والأولى تسمية هذا الفن، أي: فن مصطلح الحديث، الذي سماه ابن الأكفاني بعلم دراية الحديث، باسمه المعروف، أعني: مصطلح أهل الأثر؛ فإنه أدل على المقصود، وليس فيه شيء من الإبهام والإيهام، وقد جرى على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله، فسمى رسالته المشهورة فيه: نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر. انتهى. وذكر صاحب الحطة تعريف علم الحديث في فصلين فقال: الفصل الأول: في علم الحديث رواية، وهو: علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الحديث برسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث الصحة والضعف، ومن أحوال رواتها ضبطاً وعدالة، وأحوال رجالها جرحاً وتعديلاً، ومن حيث كيفية السند اتصالاً وانقطاعاً وغير ذلك، وقد اشتهر بأصول الحديث. وقال الباجوري في حاشيته على الشمائل المحمدية: إنهم عرفوا علم الحديث رواية بأنه: علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: أو إلى صحابي أو إلى من دونه قولاً أو فعلا أو تقريراً أو صفة. وموضوعه: ذات النبي صلى الله عليه وسلم من حيث إنه نبي لا من حيث إنه إنسان مثلاً. وواضعه: أصحابه صلى الله عليه وسلم الذين تصدوا لضبط أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته. وغايته: الفوز بسعادة الدارين. ومسائله: قضاياه التي تذكر ضمناً، كقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات). فإنه متضمن لقضية قائله: (إنما الأعمال بالنيات) من أقواله صلى الله عليه وسلم. واسمه: علم الحديث رواية. ونسبته: أنه من العلوم الشرعية، وهي: الفقه، والتفسير، والحديث. وفضله: أن له شرفاً عظيماً من حيث أنه تعرف به كيفية الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. وحكمه: الوجوب العيني على من انفرد، والكفائي على من تعدد. واستمداده: من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريره وهمه وأوصافه الخلقية، وأخلاقه المرضية. فهذه هي المبادئ العشرة. الفصل الثاني: في علم الحديث دراية، وهو المراد عند الإطلاق، وهو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد، وما يتبع ذلك. وموضوعه: الراوي والمروي من الحيثية المذكورة. وغايته: معرفة ما يقبل وما يرد من ذلك. ومسائله: ما يذكر في كتبه من المقاصد، كقولك: كل حديث صحيح يقبل. وواضعه: ابن شهاب الزهري في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره، وقد أمر أتباعه بعد فناء العلماء العارفين بالحديث بجمعه، ولولاه لضاع الحديث. واسمه: علم الحديث دراية. وبقية المبادئ العشرة تعلم مما تقدم، لأنه قد شارك فيه النوع الثاني الأول. كذا في حاشية الباجوري انتهى ما في الحطة. قلت: قد ظهر من هذه العبارات أن علم الحديث يطلق على ثلاثة معان: الأول: أنه علم يعرف به أقوال رسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله، وقد قيل له: العلم برواية الحديث كما في عبارة ابن الأكفاني والباجوري. الثاني: أنه علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث بالرسول صلى الله عليه وسلم، من حيث أحوال رواتها ضبطاً وعدالة، ومن حيث كيفية السند اتصالاً وانقطاعاً وغير ذلك. وعلم الحديث بهذا المعنى الثاني هو المعروف بعلم أصول الحديث وقد قيل له: العلم برواية الحديث أيضاً كما في عبارة الكشف والحطة. وقد قيل له: العلم بدراية الحديث أيضاً، كما في عبارة ابن الأكفاني والباجوري. الثالث: أنه علم يبحث عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث وعن المراد منها، مبنياً على قواعد العربية وضوابط الشريعة، ومطابقاً لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في عبارة الكشف، فاحفظ هذا]. إذاً: علم الحديث رواية: يبحث في حال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله. وعلم الحديث دراية: يبحث في اتصال السند، وعدالة الرواة وجرحهم. والغاية هي: معرفة المعاني والأحكام المستنبطة من ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [وقال العلامة الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري في فتح الباقي شرح ألفية العراقي: الحديث ويرادفه الخبر على الصحيح: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: أو إلى صحابي أو إلى من دونه قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفة، ويعبر عن هذا بعلم الحديث رواية، ويحد بأنه علم يشتمل على نقل ذلك. وموضوعه: ذات النبي صلى الله عليه وسلم من حيث إنه نبي. وغايته: الفوز بسعادة الدارين. وأما علم الحديث دراية، وهو المراد عند الإطلاق كما في النظم، يعني: قول الناظم من الرجز: فهذه المقاصد المهمة توضح من علم الحديث رسمه فهو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد. وموضوعه: الراوي والمروي من حيث ذلك. وغايته: معرفة ما يقبل وما يرد من ذلك. ومسائله: ما يذكر في كتبه من المقاصد. انتهى. وقال العلامة عز الدين بن جماعة: علم الحديث: علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن، وقد نظمه الجلال السيوطي فقال: علم الحديث ذو قوانين تحد يدرى به أحوال متن وسند فذانك الموضوع والمقصود أن يعرف المقبول والمردود].

حد المحدث والحافظ والمسند

حد المحدث والحافظ والمسند قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فائدة في حد المحدث والحافظ والمسند. قال السيوطي في التدريب: اعلم أن أدنى درجات الثلاثة (من المحدث والحافظ والمسند) والمسند - بكسر النون - وهو من يروي الحديث بإسناده، سواء كان عنده علم به، أو ليس له إلا مجرد رواية، وأما المحدث فهو أرفع منه. قال الرافعي وغيره: إذا أوصى للعلماء لم يدخل الذين يسمعون الحديث، ولا علم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة والمتون؛ لأن السماع المجرد ليس بعلم. وقال التاج بن يونس في شرح التعجيز: إذا أوصى المحدث تناول من علم طرق إثبات الحديث وعدالة رجاله؛ لأن من اقتصر على السماع فقط ليس بعالم، وكذا قال السبكي في شرح المنهاج. وقال القاضي عبد الوهاب: ذكر عيسى بن أبان عن مالك أنه قال: لا يؤخذ العلم عن أربعة، ويؤخذ عمن سواهم: لا يؤخذ عن مبتدع يدعو إلى بدعة، ولا عن سفيه يعلن بالسفه، ولا عمن يكذب في أحاديث الناس وإن كان يصدق في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عمن لا يعرف هذا الشأن. قال القاضي: فقوله: ولا عمن لا يعرف هذا الشأن. مراده: إذا لم يكن ممن يعرف الرجال من الرواة، ولا يعرف هل زيد في الحديث شيء أو نقص؟ وقال الزركشي: أما الفقهاء فاسم المحدث عندهم لا يطلق إلا على من حفظ سند الحديث، وعلم عدالة رجاله وجرحها دون المقتصر على السماع. وقال الشيخ تقي الدين السبكي: أنه سأل الحافظ جمال الدين المزني عن حد الحفظ الذي إذا انتهى إليه الرجل جاز أن يطلق عليه الحافظ، قال: يرجع إلى أهل العرف. فقلت: وأين أهل العرف قليل جداً؟ قال: أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم؛ ليكون الحكم للغالب. فقلت له: هذا عزيز في هذا الزمان، أدركت أنت أحداً كذلك؟ فقال: ما رأينا مثل الشيخ شرف الدين الدمياطي. ثم قال: وابن دقيق العيد كان له في هذا مشاركة جيدة، ولكن أين السهى من الثرى؟ فقلت: كان يصل إلى هذا الحد. قال: ما هو إلا كان يشارك مشاركة جيدة في هذا، أعني: في الأسانيد، وكان في المتون أكثر؛ لأجل الفقه والأصول. وقال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس: وأما المحدث في عصرنا: فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه حظه، واشتهر فيه ضبطه، فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيخ شيوخه طبقة بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله منها، فهذا هو الحافظ. وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من قولهم: كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث في الإملاء فذلك بحسب أزمنتهم. انتهى. وسأل شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر شيخه أبا الفضل العراقي فقال: ما يقول سيدي في الحد الذي إذا بلغه الطالب في هذا الزمان استحق أن يسمى حافظاً، وهل يتسامح بنقص بعض الأوصاف التي ذكرها المزني وأبو الفتح في ذلك؛ لنقص زمانه أم لا؟ فأجاب: الاجتهاد في ذلك يختلف باختلاف غلبة الظن، في وقت ببلوغ بعضهم للحفظ وغلبته في وقت آخر، وباختلاف من يكون كثير المخالطة للذي يصفه بذلك، وكلام المزني فيه ضيق، بحيث لم يسم ممن رآه بهذا الوصف إلا الدمياطي، وأما كلام أبي الفتح فهو أسهل، بأن ينشط بعد معرفة شيوخه إلى شيوخ شيوخه وما فوق. ولا شك أن جماعة من الحفاظ المتقدمين كان شيوخهم التابعين، أو أتباع التابعين، وشيوخ شيوخهم الصحابة أو التابعين، فكان الأمر في هذا الزمان أسهل باعتبار تأخر الزمان، فإن اكتفي بكون الحافظ يعرف شيوخه وشيوخ شيوخه، أو طبقة أخرى، فهو سهل لمن جعله فيه ذلك دون غيره من حفظ المتون والأسانيد، ومعرفة أنواع علوم الحديث كلها، ومعرفة الصحيح من السقيم، والمعمول به من غيره، واختلاف العلماء واستنباط الأحكام، فهو أمر ممكن بخلاف ما ذكر من جميع ما ذكر، فإنه يحتاج إلى فراغ وطول عمر وانتفاء الموانع. وقد روي عن الزهري أنه قال: لا يولد الحافظ إلا في كل أربعين سنة. فإن صح كان المراد: رتبة الكمال في الحفظ والإتقان، وإن وجد في زمانه من يوصف بالحفظ، وكم من حافظ وغيره أحفظ منه. انتهى ما في التدريب مختصراً. وقيل: الحافظ من أحاط علمه بمائة ألف حديث. والحجة: من أحاط علمه بثلاثمائة ألف حديث. والحاكم: من أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متناً وإسناداً وجرحاً وتعديلاً وتاريخاً. وذكر القاري في شرح شرح النخبة عن العلامة الجزري أن الراوي: هو الناقل للحديث بالإسناد. والمحدث: من تحمل الحديث رواية واعتنى به دراية. والحافظ: من روى ما يصل إليه ووعى ما يحتاج إليه].

فضل علم الحديث وأهله

فضل علم الحديث وأهله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الفصل الثاني: في فضيلة علم الحديث وأهله. اعلم أن أنف العلوم الشرعية ومفتاحها ومشكاة الأدلة السمعية ومصباحها، وعمدة المناهج اليقينية ورأسها، ومبنى شرائع الإسلام وأساسها، ومستند الروايات الفقهية كلها، ومأخذ الفنون الدينية دقها وجلها، وأسوة جملة الأحكام وأسها، وقاعدة جميع العقائد وإسطقفها، وسماء العبادات وقطب مدارها، ومركز المعاملات ومحط جارها وقارها؛ هو علم الحديث الشريف]. قوله: (هو علم الحديث) خبر إن، أي: اعلم أن كذا هو علم الحديث، فالجملة تكون خبراً. قوله: [الذي تعرف به جوامع الكلم، وتنفجر منه ينابيع الحكم، وتدور عليه رحى الشرع بالأسر، وهو ملاك كل نهي وأمر، ولولاه لقال من شاء ما شاء، وخبط الناس خبط عشواء، وركبوا متن عمياء، فطوبى لمن جد فيه وحصل منه على تنويه، يملك من العلوم النواصي، ويقرب من أطرافها البعيد القاصي، ومن لم يرفع من دره ولم يخض في بحره ولم يقتطف من زهره، ثم تعرض للكلام في المسائل والأحكام، فقد جار فيما حكم وقال على الله تعالى ما لم يعلم] يعني: حاف في حكمه، والجور: هو الحيف والميل. قوله: [وقال على الله ما لم يعلم، كيف وهو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول أشرف الخلق كلهم أجمعين، وقد أوتي جوامع الكلم، وسواطع الحكم من عند رب العالمين، فكلامه أشرف الكلم وأفضلها، وأجمع الحكم وأكملها، وكما قيل: كلام الملوك ملك الكلام هو تلو كلام الله العلام، وثاني أدلة الأحكام، فإن علوم القرآن وعقائد الإسلام بأسرها، وأحكام الشريعة المطهرة بتمامها، وقواعد الطريقة الحقة بحذافيرها، وكذا الكشفيات والعقليات بنقيرها وقطميرها، تتوقف على بيانه صلى الله عليه وسلم، فإنها ما لم توزن بهذا القسطاس المستقيم، ولم تضرب على ذلك المعيار القويم، لا يعتمد عليها ولا يصار إليها. فهذا العلم المنصوص والبناء المرصوص، بمنزلة الصراف لجواهر العلوم عقليها ونقليها، وكالنقاد لنقود كل فنون أصليها وفرعيها، من وجوه التفاسير والفقهيات ونصوص الأحكام، ومأخذ عقائد الإسلام، وطرق السلوك إلى الله سبحانه وتعالى ذي الجلال والإكرام، فما كان منها كامل العيار في نقل هذا الصراف فهو الحري بالترويج والاشتهار، وما كان زيفاً غير جيد عند ذاك النقاد فهو القمين بالرد والطرد والإنكار، فكل قول يصدقه خبر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الأصلح للقبول، وكل ما لا يساعده الحديث والقرآن فذلك في الحقيقة سفسطة بلا برهان، فهي أي: علوم الأحاديث مصابيح الدجى، ومعالم الهدى، وبمنزلة البدر المنير، من انقاد لها فقد رشد واهتدى، وأوتي الخير الكثير، ومن أعرض عنها وتولى فقد غوي وهوى، وما زاد نفسه إلا التخسير؛ فإنه صلى الله عليه وسلم نهى وأمر، وأنذر وبشر، وضرب الأمثال وذكر، وإنها لمثل القرآن بل هي أكثر، وقد ارتبط بها اتباعه صلى الله عليه وسلم التي هي ملاك سعادة الدارين، والحياة الأبدية بلا مين، كيف وما الحق إلا فيما قاله صلى الله عليه وسلم أو عمل به، أو قرره أو أشار إليه، أو تفكر فيه أو خطر بباله، أو يحس في خلده واستقام عليه. فالعلم في الحقيقة هو علم السنة والكتاب والعمل بهما في كل إياب وذهاب، ومنزلته بين العلوم منزلة الشمس بين كواكب السماء، ومزية أهله على غيرهم من العلماء مزية الرجال على النساء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فيا له من علم سيط بدمه الحق والهدى، ونيط بعنقه الفوز بالدرجات العلى، وقد كان الإمام محمد بن علي بن حسين رضي الله عنه يقول: إن من فقه الرجل بصيرته أو فطنته بالحديث. ولقد صدق، فإنه لو تأمل المتأمل بالنظر العميق والفكر الدقيق لعلم أن لكل علم خاصية، تتحصل بمزاولته للنفس الإنسانية، كيفية من الكيفيات الحسنة أو السيئة، وهذا علم تعطي مزاولته صاحب هذا العلم معنى الصحابية؛ لأنها في الحقيقة: هي الاطلاع على جزئيات أحواله صلى الله عليه وسلم، ومشاهدة أوضاعه في العبادات والعادات كلها، وعند بعد الزمان يتمكن هذا المعنى بمزاولته في مدركة المزاول، ويرتسم في خياله بحيث يصير في حكم المشاهدة والعيان، وإليه أشار القائل بقوله: أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا]. يعني: أن أهل الحديث لم يصحبوا ذاته، لكن صحبوا أنفاسه وأحواله عليه الصلاة والسلام. قوله: [ويروى عن بعض العلماء أنه قال: أشد البواعث وأقوى الدواعي لي على تحصيل علم الحديث لفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالحاصل أن أهل الحديث -كثر تعالى سوادهم، ورفع عمادهم- لهم نسبة خاصة، ومعرفة مخصوصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركهم فيها أحد من العالمين فضلاً عن الناس أجمعين؛ لأنهم الذين لا يزال يجري ذكر صفاته العلياء وأحواله الكريمة، وشمائله الشريفة على لسانهم، ولم يبرح تمثال جماله الكريم وخياله وجهه الوسيم، ونور حديثه المستبين يتردد في حلق وسط جنانهم، فعلاقة باطنهم بباطنه العلي متصلة، ونسبة ظاهرهم بظاهره النقي مسلسلة، وقال الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71]. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة أنه يحاسب كل أمة بإمامهم وقد اختلفوا في ذلك: فقال مجاهد وقتادة: أي: نبيهم وهذا كقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [يونس:47]. وقال بعض السلف: هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث؛ لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقد ورد في فضيلة علم الحديث وأهله أحاديث كثيرة، وأنا أقتصر هاهنا على ذكر خمسة:

ذكر بعض الأحاديث التي أوردها الترمذي في فضل أهل الحديث

ذكر بعض الأحاديث التي أوردها الترمذي في فضل أهل الحديث الحديث الأول: روى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة). وقال: هذا حديث حسن غريب. قال القاري في المرقاة في شرح المشكاة: ورواه ابن حبان في صحيحه، والأحاديث في هذا الباب كثيرة. قال ابن حبان عقب هذا الحديث: في الخبر بيان صحيح على أن أولى الناس برسول صلى الله عليه وسلم في القيامة يكون أصحاب الحديث، إذ ليس في هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم. وقال غيره: لأنهم يصلون عليه قولاً وفعلاً. انتهى. وقال الخطيب في كتابه شرف أصحاب الحديث: قال لنا أبو نعيم: هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها؛ لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخاً وذكراً. وقال أبو اليمن بن عساكر: ليهن أهل الحديث هذه البشرى، فقد أتم الله نعمه عليهم بهذه الفضيلة الكبرى، فإنهم أولى الناس بنبيهم، وأقربهم إن شاء الله تعالى وسيلة يوم القيامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم يخلدون ذكره في طروسهم، ويجددون الصلاة والتسليم عليه]. قوله: (ليهن) أي: هنيئاً لهم. وقوله: (طروسهم) يعني: كتبهم الأوراق، وطرس: ما يكتب فيه، يعني: يكتبونه صلى الله عليه وسلم في كتاباتهم. قوله: [ويجددون الصلاة والتسليم عليه في معظم الأوقات، في مجالس مذاكرتهم ودروسهم، فهم إن شاء الله تعالى الفرقة الناجية، جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم. انتهى]. الحديث الثاني: روى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: (نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى له من سامع). وقال: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب أحاديث أخرى. قال القاري: خص مبلغ الحديث كما سمعه بهذا الدعاء؛ لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة، فجازاه بالدعاء بما يناسب حاله، وهذا يدل على شرف الحديث وفضله ودرجة طلابه، حيث خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء لم يشرك فيه أحداً من الأمة، ولو لم يكن في طلب الحديث وحفظه وتبليغه فائدة سوى أن يستفيد بركة هذه الدعوة المباركة لكفى ذلك فائدة وغنماً، وجل في الدارين حظاً وقسماً. انتهى. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: قال علماء الحديث: ما من أحد يطلب الحديث إلا كان على وجهه نضرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها) الحديث. قال: وهذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم لحملة علمه، ولا بد بفضل الله تعالى من نيل بركته. وإلى هذه النضرة أشار أبو العباس الزفي بقوله: أهل الحديث عصابة الحق فازوا بدعوة سيد الخلق. فوجوههم زهر منضرة لألاؤها كتألق البرق يا ليتني معهم فيدركني ما أدركوه بها من السبق الحديث الثالث: روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارحم خلفائي. قلنا: يا رسول الله! ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس). قال القسطلاني في مقدمة إرشاد الساري بعد ذكر هذا الحديث: ولا ريب أن أداء السنن إلى المسلمين نصيحة لهم من وظائف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فمن قام بذلك كان خليفة لمن يبلغ عنه، وكما لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يهملوا أعاديهم ولا ينصحوهم، كذلك لا يحسن لطالب الحديث وناقل السنن أن يمنحها صديقه ويمنعها عدوه، فعلى العالم بالسنة أن يجعل أكبر همه نشر الحديث، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه حيث قال: (بلغوا عني ولو آية). الحديث رواه البخاري. قال المظهري: أي: بلغوا عني أحاديثي ولو كانت قليلة. قال البيضاوي: قال: ولو آية، ولم يقل ولو حديثاً، لأن الأمر بتبليغ الحديث يفهم منه بطريق الأولوية، فإن الآيات مع انتشارها وكثرة حملتها تكفل الله تعالى بحفظها وصونها عن الضياع والتحريف. انتهى. وقال إمام الأئمة مالك رحمه الله تعالى: بلغني أن العلماء يسألون يوم القيامة عن تبليغهم العلم كما تسأله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقال سفيان الثوري: لا أعلم علماً أفضل من علم الحديث لمن أراد به وجه الله تعالى، إن الناس يحتاجون إليه حتى في طعامهم وشرابهم، فهو أفضل من التطوع بالصلاة والصيام؛ لأنه فرض كفاية. انتهى]. أي: أن الناس يحتاجونه في طعامهم وشرابهم، كيف يأكل؟ فيأكل بيده اليمنى، ويقول: باسم الله، ويأكل مما يليه، والشرب يشرب قائماً أو قاعداً، ويشرب بنفس واحد: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب بنفس) وإذا شرب من القدح يشرب ثلاث مرات، وهكذا نحتاج إليه في كل شيء، فهو فرض كفاية، بخلاف نوافل الصوم والصلاة، فهذه نفعها قاصر، ولا أفضل من علم الحديث لمن أراد به وجه الله؛ لأنه يدخل على الناس في كل شيء: في طعامهم وشرابهم، وفي نومهم، ومضاجعهم، ومعاملاتهم مع ربهم، ومع أسرهم، ومع الناس أجمعين. الحديث الرابع: روى البيهقي في المدخل عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين). كذا في المشكاة. قال القسطلاني بعد ذكره من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه: وهذا الحديث رواه من الصحابة علي وابن عمر وابن عمرو وابن مسعود وابن عباس وجابر بن سمرة ومعاذ، وأبو هريرة رضي الله عنهم. وأورده ابن عدي من طرق كثيرة كلها ضعيفة كما صرح به الدارقطني وأبو نعيم وابن عبد البر، لكن يمكن أن يتقوى بتعدد طرقه ويكون حسناً، كما جزم به ابن كيكلدي العلائي، وفيه تخصيص حملة السنة بهذه المنقبة العلية، وتعظيم لهذه الأمة المحمدية، وبيان لجلالة قدر المحدثين وعلو مرتبتهم في العالمين؛ لأنهم يحمون مشارع الشريعة، ومتون الروايات من تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين بنقل النصوص المحكمة يرد المتشابه إليها. وقال النووي في أول تهذيبه: هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم لصيانة هذا العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفاء من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف؛ فلا يضيع، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر، وهكذا وقع ولله الحمد، وهو من أعلام النبوة، ولا يضر كون بعض الفساق يعرف شيئاً من علم الحديث؛ فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه، لا أن غيرهم لا يعرف شيئاً منه. انتهى. على أنه قد يقال: ما يعرفه الفساق من العلم ليس بعلم حقيقة؛ لعدم عملهم كما أشار إليه المولى سعد الدين التفتازاني في تقرير قول التلخيص: وقد ينزل العالم منزلة الجاهل. وصرح به الإمام الشافعي في قوله: ولا العلم إلا مع التقى ولا العقل إلا مع الأدب ولعمري إن هذا الشأن من أقوى أركان الدين، وأوثق عرى اليقين، ولا يرغب في نشره إلا صادق تقي، ولا يزهده إلا كل منافق شقي، قال ابن القطان: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث. وقال الحاكم: لولا كثرة طائفة المحدثين على حفظ الأسانيد لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والمبتدعة من وضع الأحاديث وقلب الأسانيد. انتهى. الحديث الخامس: أخرج الترمذي في باب ما جاء في أهل الشام من أبواب الفتن. عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال: قال محمد بن إسماعيل يعني: البخاري: قال علي بن المديني: هم أصحاب الحديث. انتهى. قال الإمام البخاري في صحيحه: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) وهم أهل العلم. قال الحافظ في الفتح: قوله: وهم أهل العلم. هو من كلام المصنف. وأخرج الترمذي حديث الباب ثم قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: سمعت علي بن المديني يقول: هم أصحاب الحديث. قال: وذكر -أي البخاري - في كتاب خلق أفعال العباد عقب حديث أبي سعيد رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] هم الطائفة المذكورة في حديث: (لا تزال طائفة من أمتي) ثم ساقه. قال: وجاء نحوه عن أبي هريرة ومعاوية وجابر وسلمة بن نفيل وقرة بن إياس رضي الله عنهم. انتهى. وأخرج الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟ ومن طريق يزيد بن هارون مثله. انتهى ما في الفتح. قلت: ولأهل العلم في فضيلة الحديث وأهله أقوال كثيرة منثورة ومنظومة]. والخلاصة: أن المؤلف ذكر الأحاديث الخمسة في فضل أهل الحديث: فالحديث الأول: أنهم أولى الناس برسول

أبواب الطهارة [1]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [1] جاء ديننا الإسلامي بما يوافق الفطرة السليمة، فأمر بالطهارة عند كل صلاة، وجعلها مفتاح الصلاة، ورغب في فضل الطهور، وأرشد إلى أدعية عند الدخول والخروج من الخلاء، كما جاءت السنة النبوية بالنهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول، والنهي عن البول قائماً.

لا تقبل صلاة بغير طهور

لا تقبل صلاة بغير طهور قال المؤلف رحمه الله: [أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب ما جاء: (لا تقبل صلاة بغير طهور). حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن سماك بن حرب، ح وحدثنا هناد، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول). قال هناد في حديثه: إلا بطهور]. هذا الكتاب، أي: كتاب جامع الإمام الترمذي أحد كتب السنن، وسمي جامعاً لأنه يجمع ما يتعلق بالأحكام والآداب والتفسير وغير ذلك، وهو من الجوامع العظيمة التي جمع فيه رحمه الله أحاديث الأحكام وغيرها، وأضاف إلى ذلك تخريج الأحاديث وكلام العلماء وخلاف الفقهاء، فهو رحمه الله جمع في هذا الكتاب أقوال الفقهاء وخلاف العلماء في المسائل، وذلك بعد أن يذكر الأحاديث، فدل ذلك على أن الترمذي رحمه الله عنده علم عظيم، وإلمام عظيم بكلام العلماء وخلافهم في المسائل؛ لأنه يذكر الحديث في الترجمة، ثم يذكر الحديث ثم يخرجه، ثم يذكر كلام الفقهاء واختلافهم في المسألة. وقد بدأ رحمه الله تعالى بكتاب الطهارة على عادة المؤلفين في البدء في العبادات؛ لأنها مفتاح للصلاة وشرط يتقدم عليها، وهذا الحديث قد أخرجه مسلم في صحيحه: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بطهارة، وكذلك إذا تصدق إنسان من غلول فلا يقبل منه، والغلول هو: ما يسرقه من الغنيمة قبل القسمة. وهو من الكبائر. [قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن. وفي الباب عن أبي المليح عن أبيه وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم. وأبو المليح بن أسامة اسمه عامر، ويقال: زيد بن أسامة بن عمير الهذلي]. ومن خصائص جامع الإمام الترمذي أيضاً: أنه يتكلم على الرواة، ويذكر أيضاً ما في الباب من الأحاديث التي تعضد ما ذكره. فلو قال قائل: ما منزلة جامع الترمذي بين السنن الأربع؟ A فيه خلاف، فبعضهم قدم سنن أبي داود، وبعضهم قدم النسائي، وبعضهم قدم جامع الترمذي لهذه الميزة، ويمتاز أيضاً بذكر ما في الباب من المسائل، والكلام على بعض الرواة، ونقل كلام الفقهاء، وغيرها من الميزات التي ليست موجودة في غيره.

ما جاء في فضل الطهور

ما جاء في فضل الطهور قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في فضل الطهور. حدثنا إسحاق بن موسى بن الأنصاري، حدثنا معن بن عيسى القزاز، حدثنا مالك بن أنس، ح وحدثنا قتيبة، عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن، فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، أو نحو هذا، وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب)]. هذا الحديث فيه فضل الطهور، وأن الوضوء من أسباب تكفير الذنوب، فإذا توضأ المسلم صار وضوءه من أسباب تكفير الخطايا، فقوله: (إذا غسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، وإذا غسل رجليه خرجت من رجليه كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء) المراد بها: الصغائر إذا اجتنبت الكبائر، فإذا اجتنبت الكبائر كفر الله الخطايا، وكذلك الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا، ورمضان والجمع كما في حديث أبي هريرة عند مسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر). [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان، واسمه: ذكوان، وأبو هريرة اختلف في اسمه، فقالوا: عبد شمس، وقالوا: عبد الله بن عمرو، وهكذا قال محمد بن إسماعيل وهو الأصح]. إن المشهور أن عبد الله بن عمرو هو عبد الرحمن بن صخر، قال الحافظ ابن حجر في التقريب: أبو هريرة الدوسي، الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه واسم أبيه، فقيل: عبد الرحمن بن صخر، وقيل: ابن غنم، إلى أن ذكر تسعة عشر قولاً، ثم قال: هذا الذي وقفنا عليه من الاختلاف، واختلف في أيها أرجح، فذهب الأكثرون إلى الأول، أي: عبد الرحمن بن صخر، وذهب جمع من النسابين إلى عمرو بن عامر. انتهى. [قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وثوبان والصنابحي وعمرو بن عبسة وسلمان وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم. والصنابحي الذي روى عن أبي بكر الصديق ليس له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه: عبد الرحمن بن عسيلة، ويكنى أبا عبد الله، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: الصنابحي أيضاً، وإنما حديثه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني مكاثر بكم الأمم فلا تقتتلن بعدي)].

ما جاء من أن مفتاح الصلاة الطهور

ما جاء من أن مفتاح الصلاة الطهور قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور. حدثنا قتيبة وهناد ومحمود بن غيلان قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان، ح وحدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)]. هذا الحديث فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيئ الحفظ وفيه ضعف. [قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن. وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. قال أبو عيسى: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل. قال محمد: وهو مقارب الحديث]. فيرى البخاري الاستشهاد به إذا لم يخالف. وهذا الحديث قد أخرجه الشافعي وأحمد والبزار وأصحاب السنن إلا النسائي، وصححه الحاكم وابن السكن من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن الحنفية، عن علي رضي الله عنه. قال البزار: لا يعلم عن علي إلا من هذا الوجه. وقال أبو نعيم: تفرد به ابن عقيل عن ابن الحنفية عن علي. وقال العقيلي: في إسناده لين، وهو أصلح من حديث جابر وقد نقل المؤلف عن البخاري وقال في الشرح: هذا من ألفاظ التعديل، وقد تقدم تحقيقه في المقدمة. قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الله بن محمد بن عقيل بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين: حديثه في مرتبة الحسن. انتهى. وإذا قال: فيه نظر فهو للتضعيف؛ لأن كلمات البخاري رحمه الله ليس فيها جرح، كما في قوله عنه: هو مقارب الحديث. والظاهر أنه تعديل، أي: أنه من ألفاظ التعديل لا الجرح. قال الشارح: والراجح المعول عليه: هو أن حديث علي المذكور حسن يصلح للاحتجاج، وفي الباب أحاديث أخرى كلها يشهد له. وذكر ابن القيم رحمه الله أن عبد الله بن عقيل هو الذي روى حديث المظالم، وفيه إثبات الصوت لله عز وجل، وأن أهل البدع ردوا الحديث؛ لأنهم أنكروا أن يكون الصوت من كلام الله عز وجل، وقالوا: إن عبد الله بن عقيل سيئ الحفظ. وقال: إن هذه علة باردة، وكل أهل الحديث يردونها، وإنما ينتفي حديث هذا الضرب ما خالفوا فيه الثقات، وهذا مما وافقوا فيه الثقات، فـ عبد الله بن عقيل إذا خالف غيره، أي: إذا خالف الثقات ممكن، أما إذا وافق الثقات فالأصل فيه السلامة. قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر وأبي سعيد. حدثنا أبو بكر محمد بن زنجويه البغدادي وغير واحد، قال: حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا سليمان بن قرم، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء)]. في سند هذا الحديث سليمان بن قرم -بفتح القاف وسكون الراء- ابن معاذ أبو داود البصري النحوي، ومنهم من ينسبه إلى جده، سيئ الحفظ يتشيع. وفي سند الحديث أيضاً أبو يحيى القتات -بقاف ومثناة مثقلة وآخره مثناة أيضاً- الكوفي، اسمه: زاذان. وقيل: دينار. وقيل: مسلم. وقيل: يزيد. وقيل: زبان. وقيل: عبد الرحمن لين الحديث من السادسة.

ما يقال عند دخول الخلاء

ما يقال عند دخول الخلاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول إذا دخل الخلاء. حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك) -قال شعبة: وقد قال مرة أخرى: (أعوذ بك- من الخبث والخبيث. أو: الخبث والخبائث)]. هذا الحديث ثابت، وقد أخرجه البخاري ومسلم، ورواه أصحاب السنن أيضاً: النسائي وأبو داود، والترمذي. وفيه شرعية هذا الذكر، وأنه يستحب للإنسان أن يقول عن دخوله الخلاء: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). يقول: بسم الله -هذه من الأدلة العامة عند دخول الخلاء- ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). وقد ثبتت زيادة باسم الله مع التعوذ، فروى العمري حديث الباب بلفظ: (إذا دخلتم الخلاء فقولوا: باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث) قال الحافظ في الفتح: إسناده على شرط مسلم. والحديث الآخر يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) فإذا قال العبد هذا الدعاء لم تحضره الشياطين. والخبث: ذكران الشياطين، والخبائث: إناثهم، فإذا قال: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، زال وخرج، فهذه حماية، وهو ذكر عظيم مستحب عند دخول الخلاء، وإذا كان في الصحراء، فعند قربه لقضاء الحاجة يقول هذا الذكر. [قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي وزيد بن أرقم وجابر، وابن مسعود رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: حديث أنس أصح شيء في هذا الباب وأحسن. وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب: روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة: فقال سعيد: عن القاسم بن عوف الشيباني، عن زيد بن أرقم. وقال هشام الدستوائي: عن قتادة، عن زيد بن أرقم، ورواه شعبة ومعمر عن قتادة، عن النضر بن أنس، فقال شعبة: عن زيد بن أرقم، وقال معمر: عن النضر بن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم]. [قال أبو عيسى: سألت محمداً عن هذا؟ فقال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عبدة الضبي البصري، حدثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح]. يقال: الخبث: بإسكان الباء وضمها.

ما يقول إذا خرج من الخلاء

ما يقول إذا خرج من الخلاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول إذا خرج من الخلاء. حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل بن يونس، عن يوسف بن أبي بردة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل، عن يوسف بن أبي بردة. وأبو بردة بن أبي موسى اسمه: عامر بن عبد الله بن قيس بن الأشعري، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم]. هذا الحديث لا بأس بسنده، وفيه مشروعية هذا الدعاء عند الخروج من الخلاء، فيقول المسلم: (غفرانك) يعني: أسألك فغفرتك.

ما جاء في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

ما جاء في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول قال المؤلف رحمه الله: [باب ما جاء في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول. حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا، فقال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت مستقبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله)]. هذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما، وفيه دليل على تحريم استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة في الصحراء أو الفضاء. أما في البنيان ففيه خلاف بين العلماء، والصواب: أنه يجوز في البنيان؛ لحديث ابن عمر أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) فدل على جواز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان، وكان ابن عمر يقضي حاجته ويضع راحلته أمامه في الصحراء، فلما سئل؟ قال: إذا كان بينك وبين القبلة شيء يمنعك فلا بأس، وهذا هو الصواب الذي ذهب إليه المحققون، وقد ذهب إليه البخاري رحمه الله، والنسائي وغيرهم جمعاً بين النصوص؛ لأن النبي نهى عن استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء وفعل ذلك في البنيان، فدل على أن النهي إنما هو خاص في الصحراء. وبعض العلماء يرى: أنه لا يجوز حتى في البنيان، ومنهم أبو أيوب رضي الله عنه، حيث قال: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض، يعني: حمامات قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل. [قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، ومعقل بن أبي الهيثم ويقال: معقل بن أبي معقل، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وسهل بن حنيف رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وأبو أيوب اسمه: خالد بن زيد. والزهري اسمه: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وكنيته: أبو بكر، قال أبو الوليد المكي: قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا ببول ولا تستدبروها) إنما هذا في الفيافي، وأما في الكنف المبنية له رخصة في أن يستقبلها، وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم]. والصواب ما ذهب إليه الشافعي وإسحاق بن إبراهيم، وهو الذي ذهب إليه البخاري والنسائي وجمع من أهل العلم، أن هذا النهي يحمل على من كان في الصحراء، أما في البيوت فلا بأس؛ لأن بينك وبين القبلة حائط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: إنما الرخصة من النبي صلى الله عليه وسلم في استدبار القبلة بغائط أو بول، وأما استقبال القبلة فلا يستقبلها، كأنه لم ير في الصحراء ولا في الكنف أن يستقبل القبلة]. وهذا القول لبعض العلماء، أخذاً بحديث ابن عمر، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر الكعبة مستقبل الشام. قالوا: هذا خاص بالاستدبار فقط، أما الاستقبال فيبقى على العموم. والصواب: أن هذا في الاستقبال والاستدبار جميعاً.

ما جاء من الرخصة في استقبال القبلة واستدبارها

ما جاء من الرخصة في استقبال القبلة واستدبارها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء من الرخصة في ذلك. حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها)]. وهذا الحديث في رواية الإمام أحمد: [قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، قال: أبي عن ابن إسحاق، قال: حدثني أبان بن صالح. في مسند الإمام أحمد صرح ابن إسحاق بالتحديث]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار بن ياسر رضي الله عنه. قال أبو عيسى: حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب، وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة) حدثنا بذلك قتيبة، حدثنا ابن لهيعة. وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح من حديث ابن لهيعة، وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه]. إذاً: حديث جابر هذا لا يصح على إطلاقه، والحديث أيضاً في سنده مجاهد بن جبر، وقد لد بعد وفاة جابر، وعليه فالحديث منقطع لا يصح على إطلاقه عن مجاهد. لكن هذا الحديث قد روي عن مجاهد -بفتح الجيم وسكون الموحدة- أبو الحجاج المخزومي، مولاهم المكي، ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، ومن خواص التابعين، مات سنة إحدى أو اثنتين، أو ثلاث أو أربع ومائه، وله ثلاث وثمانون، عن جابر: هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام؛ وبذلك يكون ولادة مجاهد سنة سبع عشرة للهجرة، وقد مات جابر بالمدينة بعد السبعين، وبذلك يكون مجاهد قد أدرك جابر. لكن تبقى مسألة الترجيح، ولا شك أن حديث أبي أيوب أرجح، وذلك لو قدر أنه صحيح الإسناد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد، حدثنا عبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح]. وهذا محمول على أنه في البنيان. ولا يعترض النسيان في ذلك؛ لأن الرب سبحانه وتعالى قال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64] فهو تشريع، والرسول مشرع عن ربه عز وجل. قال الشارح: قوله: (فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) استدل به من قال: بجواز الاستقبال والاستدبار في الصحراء والبنيان، وهذا لبعض أهل العلم، وجعله ناسخاً لأحاديث المنع، وفيه ما ثبت من أنها حكاية فعل لا عموم لها، فيحتمل أن يكون لعذر. وقال في المنتقى عن هذا الحديث: رواه الخمسة إلا النسائي. انتهى. وقال في النيل: وأخرجه أيضاً البزار وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني، وحسنه الترمذي، ونقل عن البخاري تصحيحه، وحسنه أيضاً البزار، وصححه أيضاً ابن السكن، وتوقف فيه النووي لعنعنة ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد وغيره، وضعفه ابن عبد البر بـ أبان بن صالح القرشي، قال الحافظ: ووهم في ذلك، فإنه ثقة بالاتفاق، وادعى ابن حزم أنه مجهول فغلط. وعلى كل حال فهو محمول على أنه في البنيان، ولو حمل في غير البنيان فأحاديث أبي أيوب مقدمة، أي: أرجح وأصح؛ لأنه إذا تعارض الدليلان، فالقاعدة عند أهل العلم: أنه يجمع بينهما، فإن لم يمكن الجمع بينهما ينظر إلى التاريخ، فإن لم يعرف التاريخ يرجع إلى الترجيح، وإذا رجعنا للترجيح فلا شك أن حديث أبي أيوب أرجح ومقدم، هذا إذا صح، ولم يأت ما يدل على أنه في البنيان، ولأنه أصح في الصحيحين وغيرهما.

ما جاء في النهي عن البول قائما

ما جاء في النهي عن البول قائماً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في النهي عن البول قائماً. حدثنا علي بن حجر، أخبرنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعداً)]. حديث عائشة محمول على أنها أخبرت عما علمته في البيوت، وحديث حذيفة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) أصح منه. فـ حذيفة أخبر عما رآه في الصحراء، وعائشة أخبرت عما رأته في البنيان، والمثبت مقدم على النافي؛ لأن معه زيادة علم خفي على النافي، أي: على عائشة، ثم إن حديث حذيفة أصح، ويحمل حديث عائشة على أن هذا في البيوت، وأن هذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، وأما بوله قائماً فلبيان الجواز عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنه فعله لوجع في باطن الركبة، أو لوجع في صلبه، والصواب: أنه فعله لبيان الجواز؛ ولأن المكان غير مناسب للبول، إما لأنه مرتفع قد يصل إليه البول، أو لأن الأرض صلبة أو نجسة، وكون حوله حذيفة يستره يجوز للإنسان أن يبول قائماً إذا أمن النظر من الأعين، لكن الأفضل البول جالساً وقد سبق معنا ذلك في النسائي وفي أبي داود، وهنا بوب الترمذي بالنهي عن البول قائماً. ولما ذكر المؤلف: [باب ما جاء في النهي عن البول قائماً] ذكر حديث عائشة وليس فيه نهي؛ لأن عائشة إنما أخبرت بما رأت. ومن رواة حديث عائشة شريك بن عبد الله النخعي القاضي، ولما تولى القضاء ضعف، وحديث حذيفة أصح في الصحيحين، وحديث عائشة في سنده شريك القاضي، لكنه محمول على ما كان في البنيان. إذاً: حديث عائشة محمول على ما كان في البنيان، وهي أخبرت عما علمته من البيوت، لكن حذيفة أخبر عما رآه خارج البيوت، والقاعدة عند أهل العلم: أن المثبت مقدم على النافي؛ لأن معه زيادة علم خفي على النافي. ثم أيضاً هذا محمول على أن الأغلب من حاله عليه الصلاة والسلام أنه كان يبول جالساً، وإنما فعله هذا مرة لبيان الجواز، حتى ذكر بعضهم أن أهل هراة قالوا: إن من السنة البول قائماً، فكانوا يبولون في كل سنة مرة قياماً، وهذا مبالغة فيه. لكن على أي حال حديث حذيفة أصح منه، لكن تبويب الترمذي رحمه الله باب النهي غريب، يعني: الترجمة هذه؛ لأن ليس فيها نهي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: وفي الباب عن عمر وبريدة وعبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح. وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه قال: (رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً، وقال: يا عمر! لا تبل قائماً، فما بلت قائماً بعد). قال أبو عيسى: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث: ضعفه أيوب السختياني، وتكلم فيه. وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه: ما بلت قائماً منذ أسلمت. وهذا أصح من حديث عبد الكريم. وحديث بريدة في هذا غير محفوظ، ومعنى النهي عن البول قائماً: على التأديب لا على التحريم]. وهذا يحمل على أن الأفضل والأولى تركه، والنهي للتنزيه، وهذا إذا صح. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم]. إن صح هذا عن ابن مسعود فإنه محمول على أنه خفي عليه ما رواه حذيفة (أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً).

الرخصة في البول قائما

الرخصة في البول قائماً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الرخصة في ذلك. حدثنا هناد، حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال عليها قائماً، فأتيته بوضوء، فذهبت لأتأخر عنه، فدعاني حتى كنت عند عقبيه، فتوضأ ومسح على خفيه)]. فعل ذلك لعله يستره، فجاء حتى كان عند عقبيه، يعني: ولاه ظهره وكان يستره، وقد اختلف العلماء في سبب ذلك، فقال بعضهم: إنه فعل ذلك لوجع في باطن الركبة، وقيل: لوجع في صلبه، ولكن هذه كلها أقوال ضعيفة، والصواب: أنه فعل ذلك لبيان الجواز، وأنه فعل لسبب اقتضى ذلك، وهو أنه: إما خشية أن يرتد إليه البول، إذ كان مكاناً غير مناسب للجلوس، أو لأن الأرض نجسة، أو لغير ذلك من الأسباب. قال أبو عيسى: [وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يحدث بهذا الحديث عن الأعمش، ثم قال وكيع: هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح]. وفيه جواز المسح على الخفين، وقد وردت أحاديث متواترة في ذلك، وهذا إنما يكون هذا في الحدث الأصغر، أما الجنابة فتخلع الخفان. قال المصنف رحمه الله: [وسمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول سمعت وكيعاً فذكر نحوه. قال أبو عيسى: وهكذا روى منصور وعبيدة الضبي عن أبي وائل عن حذيفة مثل رواية الأعمش. وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي وائل عن حذيفة أصح، وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائماً. قال أبو عيسى: وعبيدة بن عمرو السلماني روى عنه إبراهيم النخعي. وعبيدة من كبار التابعين، يروى عن عبيدة أنه قال: أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وعبيدة الضبي صاحب إبراهيم: هو عبيدة بن معتب الضبي، ويكنى أبا عبد الكريم].

أبواب الطهارة [2]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [2] أرشدت السنة النبوية إلى بعض آداب قضاء الحاجة، ومنها: الاستتار والابتعاد عند قضاء الحاجة، وكراهية البول في المغتسل والاستنجاء باليمين، وبيان كراهية ما يستنجى به، وما جاء في الاستنجاء بالماء أو بالأحجار، وغير ذلك من الآداب الأخرى.

ما جاء في الاستتار عند الحاجة

ما جاء في الاستتار عند الحاجة قال الإمام الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله: [باب: ما جاء في الاستتار عند الحاجة. حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن الأعمش، عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض). قال أبو عيسى: هكذا روى محمد بن ربيعة عن الأعمش عن أنس هذا الحديث. وروى وكيع وأبو يحيى الحماني عن الأعمش قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) وكلا الحديثين مرسل]. والمرسل: هو ما سقط منه صحابي، وهو من النوع المنقطع، وبعض المحدثين يسمي المنقطع مرسلاً. قال المصنف رحمه الله: [ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس رضي الله عنه ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي فذكر عنه حكاية في الصلاة]. لكن معناه صحيح، وأنه ينبغي للإنسان ألا يرفع ثوبه قبل دنوه من الأرض؛ لأن الأدلة التي دلت على وجوب ستر العورة تقتضي هذا، ولأن الحاجة إلى رفع الثوب إنما تكون إذا قرب من الأرض، أما أن يرفع ثوبه قبل أن يدنو من الأرض فلا حرج، لكن لا يجوز كشف العورة إلا لحاجة، حتى ولو كان للرحل. فإن قيل: هل يجوز كشف العورة في الفضاء ونحوه؟ ف A لا يجوز كشف العورة في الفضاء أو في غيره. قال: [والأعمش اسمه: سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي، وهو مولى لهم، قال الأعمش: كان أبي حميلاً فورثه مسروق]. قال في الشرح: [قال الأعمش: كان أبي حميلاً فورَّثه مسروق، أي: جعله وارثاً]. والحميل: الذي يحمل من بلاده صغيراً إلى دار الإسلام، كذا في مجمع البحار، وفي توريثه من أمه التي جاءت معه، وقالت: إنه هو ابنها. خلاف، فعند مسروق أنه يرثها، فلذلك ورث والد الأعمش أي: جعله وارثاً، وعند الحنفية أنه لا يرث من أمه]. لأن هذه دعوى، فمن يعرف أنه ولدها، فقد تكون أخذته من غيره، والصواب: وَرِثه، وليس ورَّثه. قال: [قال الإمام محمد في موطئه: أخبرنا مالك، أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب قال: أبى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يورث أحداً من الأعاجم إلا ما ولد في العرب. قال محمد: وبهذا نأخذ، لا يورث الحميل الذي يسبى وتسبى معه امرأة، وتقول: هو ولدي أو تقول: هو أخي، أو يقول: هي أختي، ولا نسب من الأنساب يورث إلا ببينة، إلا الوالد والولد؛ فإنه إذا ادعى الوالد أنه ابنه وصدقه فإنه ابنه، ولا يحتاج في هذا إلى بينة]. قال: [قوله: (إذا أراد الحاجة) -أي: قضاء الحاجة- والمعنى: إذا أراد القعود للغائط أو للبول. وقوله: (حتى يدنو من الأرض) أي: حتى يقرب منها، محافظة على التستر، والاحتراز عن كشف العورة، وهذا من أدب قضاء الحاجة. قال الطيبي: يستوي فيه الصحراء والبنيان؛ لأن في رفع الثوب كشف العورة، وهو لا يجوز إلا عند الحاجة، ولا ضرورة في الرفع قبل القرب من الأرض]. وهذا من الآداب لكن قد يقال: إنه شبهة، يعني: لو رفع قبل؛ لأن كشف العورة الأصل أنه ممنوع، لكن قد يقال له: شبهة لكن الآن بعض الناس يتساهل، فلا ينبغي له أن يتساهل ويرفع قبل الدنو من الأرض.

ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين

ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين. حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا سفيان بن عيينة عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه)]. وهذا ثابت في الصحيحين، والنهي هنا للتحريم، والكراهة تحمل على كراهة التحريم، ولذا يحرم على الإنسان أن يستنجي بيده اليمين إلا للضرورة، كأن تكون يده اليسرى مقطوعة. قال المصنف رحمه الله: [وفي هذا الباب عن عائشة وسلمان وأبي هريرة وسهل بن حنيف. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح]. قال في الشرح: [قوله: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه الشيخان بلفظ: (قال: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه). قوله: (نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه) أي: بيده اليمنى تكريماً لليمين، والنهي في هذا الحديث مطلق غير مقيد بحالة البول، وقد جاء مقيداً، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة بلفظ: (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)]. فالاستنجاء غير مس الذكر، ومس الذكر مقيد بالبول، وقد جاء في الحديث الآخر في الصحيحين: (نهى أن يستنجي بيمينه، ونهى أن يمس ذكره وهو يبول، ونهى أن يتنفس في الإناء)، كل هذه الثلاثة جاءت في الصحيحين. فهذا مقيد بحالة البول وهو في الصحيح؛ لأنه قد يصيبه شيء من البول ومن النجاسة، واليمين تبقى محرمة، أما الاستنجاء باليمين فلا يجوز، وأما مس الذكر فمقيد في حال بوله. قال في الشرح: [وقد جاء مقيداً، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة بلفظ: (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)، وفي صحيح البخاري عنه: (إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه)، قال البخاري في صحيحه: باب: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال. قال الحافظ في الفتح: أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول، فيكون ما عداه مباحاً، وقال بعض العلماء: يكون ممنوعاً أيضاً من باب الأولى؛ لأنه نهى عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة، وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة: بأن مظنة الحاجة لا تختص بحالة الاستنجاء، وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاور الشيء يعطى حكمه، فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسماً للمادة، ثم استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم لـ طلق بن علي حين سأله عن مس ذكره: (إنما هو بضعة منك)، فدل على الجواز في كل حال، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح، وبقي ما عداها على الإباحة]. وهذا هو الصواب: أنه مقيد بحالة البول؛ لأنه قال: يصيبك شيء من البول. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأبو قتادة الأنصاري اسمه: الحارث بن ربعي، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم: كرهوا الاستنجاء باليمين].

الاستنجاء بالحجارة

الاستنجاء بالحجارة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الاستنجاء بالحجارة. حدثنا هناد، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (قيل لـ سلمان: قد علمكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء حتى الخراءة؟ فقال سلمان: أجل، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم)]. هذا الحديث أخرجه النسائي، وأخرجه أيضاً الشيخان في كراهة الاستنجاء باليمين، وفيه تحريم الاستنجاء باليمين، وفيه أيضاً تحريم الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار، أو الاستنجاء بالعظم والرجيع. وحديث تحريم استقبال القبلة رواه الشيخان وأصحاب السنن، وهو محمول على الصحراء، أما في البنيان فلا بأس، وهذا على الصحيح؛ لحديث ابن عمر. قوله: (وأن نستنجي باليمين) فيه تحريم الاستنجاء باليمين إلا عند الضرورة. وقوله: (أو أن يستنجى أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار) هذا رواه النسائي أيضاً، وهذا إذا أراد أن يكتفي به عن الماء، أما إذا أراد أن يستعمل الماء فلا بأس أن يستنجي بحجر أو حجرين. وقوله: (أو أن نستنجي برجيع أو بعظم) فيه دليل على الحرمة، والرجيع: الروثة، وهذا فيه إفساد على الجن؛ لأنه يعود إليه حبه الذي أكل، والعظم فيه إفساد على الجن؛ لأنه يعود إليه لحمه الذي أكل، كما في الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تستنجوا برجيع ولا عظم، فإنه زاد إخوانكم من الجن). وهذا إذا أراد أن يكتفي به عن الماء، فلابد من الاستجمار بثلاثة أحجار، وتكون منقية، ولا يبقى إلا شيء يسير لا يزيله إلا الماء، وألا يعدو للخارج موضع العادة، فإن تجاوز الخارج موضع العادة فلا يكفيه إلا الماء. فالاستجمار ثلاثاً، سواء كان بأحجار أو بشيء متحجر أو مناديل الورق الخشن أو خشب، إلا الشيء الأملس، كالزجاج، وكذلك العظم والروث والطعام المحترم، وذيل الدابة وكتب العلم، فهذا كله محرم لا يجوز الاستنجاء به، وقد يقال: إنها محترمة إذا كان فيها كلام لأهل العلم، وكلام مفيد ولو لم يكن فيها ذكر الله. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عائشة وخزيمة بن ثابت وجابر وخلاد بن السائب عن أبيه رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: وحديث سلمان في هذا الباب حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ، وإن لم يستنج بالماء، إذا أنقى أثر الغائط والبول، وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق].

ما جاء في الاستنجاء بالحجرين

ما جاء في الاستنجاء بالحجرين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين. حدثنا هناد وقتيبة قالا: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، فقال: التمس لي ثلاثة أحجار، قال: فأتيته بحجرين وروثة فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: إنها ركس)]. هذا حديث ضعيف منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه عبد الله، وقال النسائي: ليس أبو عبيدة رواه، وإنما رواه عبد الرحمن بن عبد الله. فقوله: ليس أبو عبيدة رواه، يعني: مقصوده أن أبا عبيدة لم يدرك أباه، فيكون منقطعاً، وهذا الحديث رواه عبد الرحمن متصلاً، أما أبو عبيدة هذا فقد رواه منقطعاً، فهو حديث ضعيف؛ لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه، لكن رواه أخو عبد الرحمن، وهو قد سمع من أبيه، فيكون متصلاً، لكن لا يدل لما ترجم له المؤلف رحمه الله بأنه يكتفى بحجرين؛ لأنه طلب ثلاثة، قال: (والثالثة روث فألقاها، وقال: إنها ركس)، وجاء في رواية أحمد بسند جيد لا بأس، قال: (ائتني بغيرها) فدل ذلك على أنه لا يكتفى بحجرين، وقول المؤلف: باب الاكتفاء بحجرين ليس بجيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأتي بثلاث، فالثالثة روثة، (فألقاها وقال: إنها ركس) أي: نجس، وجاء في بعض الروايات أنها روثة حمار، ومفهومه: أنه لابد أن يأتي بحجر ثالث بدلها، وهذا المفهوم جاء مصرحاً به في رواية الإمام أحمد قال: (ائتني بغيرها) فدل على أنه لا يكتفي بحجرين إذا أراد أن يجتزئ بالحجارة عن الماء، فلابد من ثلاثة أحجار إذا لم يستعمل الماء، وأن تكون هذه الثلاثة الأحجار منقية، فإن لم تنقِ زاد رابعاً، فإن زاد رابعاً وأنقى فيستحب أن يزيد الخامسة حتى يقع على وتر، لحديث: (من استجمر فليوتر)، فإن لم تنق زاد سادساً، فإن أنقى بالسادس يستحب أن يزيد سابعاً حتى يقطع على وتر. قال المؤلف رحمه الله: [وهكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه نحو حديث إسرائيل. وروى معمر وعمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله، وروى زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه - الأسود بن يزيد - عن عبد الله، وروى زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود بن يزيد عن عبد الله، وهذا حديث فيه اضطراب. حدثنا محمد بن بشار العبدي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله: هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا. قال أبو عيسى: سألت عبد الله بن عبد الرحمن أي: الروايات في هذا الحديث عن أبي إسحاق أصح؟ فلم يقض فيه بشيء، وسألت محمداً عن هذا؟ فلم يقض فيه بشيء، وكأنه رأى حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبه، ووضعه في كتاب الجامع]. قوله: (وسألت محمداً) يعني: البخاري، فـ الترمذي من تلاميذ البخاري. قال أبو عيسى: وأصح شيء في هذا عندي حديث إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء، وتابعه على ذلك قيس بن الربيع. قال أبو عيسى: وسمعت أبا موسى محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان الثوري عن أبي إسحاق إلا لما اتكلت به على إسرائيل؛ لأنه كان يأتي به أتم. قال أبو عيسى: وزهير في أبي إسحاق ليس بذاك؛ لأن سماعه منه بآخرة. قال: وسمعت أحمد بن الحسن الترمذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تبالي ألا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبي إسحاق. وأبو إسحاق اسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني. وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه ولا يعرف اسمه].

ما جاء في كراهية ما يستنجى به

ما جاء في كراهية ما يستنجى به قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به. حدثنا هناد، حدثنا حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن)]. فيه تحريم الاستنجاء بالروث والعظام، وهذا حديث ثابت صحيح، والعلة أنه زاد إخواننا من الجن، وفي اللفظ الآخر: (أن الجن جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه الزاد؟ فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يعود أوفر ما كان عليه لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم يعود إليه حبه الذي أخذ -قال عليه الصلاة والسلام-: فلا تستنجوا بالروث والعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن). قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وجابر وابن عمر. قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم وغيره عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن) الحديث بطوله، فقال الشعبي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن). وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث. والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم. وفي الباب عن جابر وابن عمر رضي الله عنهما]. قال في الشرح: [أخرجه النسائي في الكبرى، وقال في موضع آخر: أخرج الترمذي هذا الحديث بطوله في تفسير سورة الأحقاف، ومسلم في كتاب الصلاة في باب: الجهر بالقراءة في الصبح، والقراءة على الجن]. وقال الترمذي في التفسير: [حدثنا علي بن حجر، قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم -رواية إسماعيل - عن داود عن الشعبي عن علقمة: قال: قلت لـ ابن مسعود: هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد؟ قال: ما صحبه منا أحد].

ما جاء في الاستنجاء بالماء

ما جاء في الاستنجاء بالماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الاستنجاء بالماء. حدثنا قتيبة ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب البصري قالا: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله]. وهذا فيه جواز الاستنجاء بالماء، وفيه الرد على من أنكر من بعض العرب أنهم كانوا يكرهونه، ويقول: إذا استنجى الإنسان بيده بالماء لم يزل النتن في يده، فكانوا يستجمرون بالحجارة، والصواب: أنه جائز، بل الاستنجاء بالماء أبلغ، وإذا جمع بين الحجارة والماء كان أفضل. قال المصنف رحمه الله: [وفي الباب عن جرير بن عبد الله البجلي وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وعليه العمل عند أهل العلم: يختارون الاستنجاء بالماء، وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم، فإنهم استحبوا الاستنجاء بالماء، ورأوه أفضل، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق]. وهذا هو الصواب، وهو أبلغ في إزالة النتن، والاستنجاء بالحجارة جائز إذا وجدت الشروط؛ بأن تكون ثلاثة أحجار منقية فأكثر، ولا يتجاوز الخارج موضع العادة، وغيرها من الشروط التي ذكرها. وإذا جمع بينهما فهو الأفضل، وإذا اقتصر على أحدهما فالماء أفضل، والحجارة تكفي إذا وجدت الشروط.

ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب

ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب. حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته فأبعد في المذهب)]. يعني: أبعد في المكان، وهذه عادته في البر، فكان يبعد حتى لا ترى له عورة ولا يسمع له صوت، لكن قد يخالف هذا أحياناً كما ثبت في الصحيحين من حديث حذيفة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً)، والسباطة: محل الكناسة، وهي قريب من البلد، وفعل هذا لأسباب، لعله أطال المكث في مكان فاحتاج إلى هذا. قال: [وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي قراد وأبي قتادة وجابر ويحيى بن عبيد عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وبلال بن الحارث رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح]. فقد أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يرتاد لبوله مكاناً كما يرتاد منزلاً). وأبو سلمة اسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري]. قوله: (يرتاد) يعني: يختار مكاناً ليناً ضحلاً حتى لا يصيبه شيء من رشاش البول. قال في الشرح: [وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يرتاد لبوله مكاناً) أي: يطلب مكاناً ليناً، ولم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ، وقد أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله). قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد بعد ذكره: هو من رواية يحيى بن عبيد بن رجاء عن أبيه، قال: ولم أرَ من ذكرهما، وبقية رجاله موثوقون. وأخرج أبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دنساً في أصل جدار فبال، ثم قال: إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله)].

ما جاء في كراهية البول في المغتسل

ما جاء في كراهية البول في المغتسل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل. حدثنا علي بن حجر وأحمد بن محمد بن موسى مردويه قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يبول الرجل في مستحمه. وقال: إن عامة الوسواس منه)]. وهذا الحديث أيضاً أخرجه أبو داود والنسائي، وهذا عند العلماء إذا كان المكان مستحماً ليناً، أما إذا كان صلباً مبلطاً يزول بصب الماء، أو كان له طريق فإنه يزول المحذور، لكن إذا كان مكان ضحلاً، ثم صب عليه الماء، فقد يحصل عنده خواطر؛ لأنه أصابه شيء من رشاش البول إذا صب الماء عليه. قال: [وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أشعث بن عبد الله. ويقال له: أشعث الأعمى. وقد كره قوم من أهل العلم: البول في المغتسل، وقالوا: عامة الوسواس منه، ورخص فيه بعض أهل العلم، منهم ابن سيرين، وقيل له: إنه يقال: إن عامة الوسواس منه؟ فقال: ربنا الله لا شريك له، وقال ابن المبارك: قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء. قال أبو عيسى: حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي عن حبان عن عبد الله بن المبارك].

أبواب الطهارة [3]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [3] أرشدنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى بعض آداب وسنن الوضوء، منها: السواك عند كل وضوء، والتسمية والمضمضة والاستنشاق، وتخليل اللحية، والنهي عن غمس اليد في الإناء بعد الاستيقاظ من النوم.

ما جاء في السواك

ما جاء في السواك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في السواك. حدثنا أبو كريب، حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)]. وقد سبق أن هذا الحديث في الصحيح بلفظ آخر: (عند كل وضوء) في فضل السواك وتأكده. قوله: (لأمرتهم) يعني: أمر إيجاب، وإلا فقد أمرهم أمر استحباب. قال: [قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه إنما صح؛ لأنه قد روي من غير وجه. وأما محمد بن إسماعيل فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح. قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعلي وعائشة وابن عباس وحذيفة وزيد بن خالد وأنس وعبد الله بن عمرو وأم حبيبة وابن عمر وأبي أمامة وأبي أيوب وتمام بن عباس وعبد الله بن حنظلة وأم سلمة وواثلة بن الأسقع وأبي موسى]. قال في الشرح: [قوله: وأما محمد بن إسماعيل البخاري فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح، قال الحافظ في فتح الباري: حكى الترمذي عن البخاري أنه سأله عن رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد، فقال: رواية محمد بن إبراهيم أصح، قال الترمذي: كلا الحديثين صحيح عندي. قلت: ورجح البخاري طريق محمد بن إبراهيم لأمرين: أحدهما: أن فيه قصة، وهي قول أبي سلمة: فكان زيد بن خالد يضع السواك منه موضع القلم من أذن الكاتب، فكلما قام إلى الصلاة استاك. ثانيهما: أنه توبع، فأخرج الإمام أحمد من طريق يحيى بن أبي كثير، قال: حدثنا أبو سلمة عن زيد بن خالد فذكر نحوه، انتهى كلام الحافظ]. وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد، حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل، قال: فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد، وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح]. وهذا الحديث أخرجه أبو داود، وابن ماجة.

ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها

ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء: (إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها). حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار الدمشقي، يقال: هو من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده)]. في هذا الحديث دليل على وجوب غسل اليدين ثلاثاً قبل غمسهما في الإناء إذا استيقظ من نوم الليل، وهذا خاص بنوم الليل، لقوله: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، فالبيتوتة إنما تكون في الليل، لكن إن غمسهما أثم والماء طاهر. وذهب بعضهم إلى أنه يكون مستعملاً، وعليه فلا يجوز استعماله، والصواب: أن الماء طاهر لكنه يأثم؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، والأصل في النهي التحريم. وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأحمد ومالك. وغسل اليدين ثلاثاً من باب النظافة كما مر معنا في أبي داود والنسائي في غسل السواك، وأن عائشة كانت تغسله من باب النظافة. وغسل اليدين ثلاثاً قبل الوضوء سنة مستحبة في كل وضوء، لكن عند الاستيقاظ من نوم الليل يكون متعيناً وجوباً، وسواء مست أو لم تمس، لكن: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، يعني: قد يتعلق بها شيء، وقد يمس بها فرجه، وقد يمس بعض الحيوانات أو بعض الحشرات وبها دم، وقال بعضهم: إن هذا خاص بأهل الحجاز، لأن بلادهم حارة ولا يستجمرون، فقد يمس فرجه بيده. والنهي الأصل فيه التحريم، لكن بعضهم حمله على الاستحباب، وهو الصواب. قال المصنف رحمه الله: [وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعائشة. قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح. قال الشافعي: وأحب لكل من استيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها: ألا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له، ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة. وقال أحمد بن حنبل: إذا استيقظ من النوم من الليل، فأدخل يده في وضوئه قبل أن بغسلها فأعجب إلي أن يهريق الماء. وقال إسحاق: إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار، فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها]. والصواب: أنه لا يجب عليه إهراق الماء كما قال الشافعي، وإنما يأثم، إلا إذا كان في يده نجاسة، أما إذا لم يكن في يده نجاسة فإنه يأثم لمخالفته النهي، والماء بقا على طهورتيه، وغسل يديه في نوم النهار مستحب. قال في الشرح: [قول الشافعي، قال ابن تيمية في المنتقى: فحمل الشافعي حديث الباب على الاستحباب، وهو قول الجمهور، وقال ابن تيمية في المنتقى: وأكثر العلماء حملوا هذا -يعني: حديث الباب- على الاستحباب مثلما روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه)، متفق عليه. انتهى. قال الشوكاني في النيل: وإنما مثل المصنف محل النزاع بهذا الحديث؛ لأنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ، ولم يذهب إلى وجوبه أحد. انتهى. وقال أحمد بن حنبل: إذا استيقظ من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها فأعجب إلي أن يهريق الماء، قال في المرقاة: ذهب الحسن البصري والإمام أحمد في إحدى الروايتين إلى الظاهر، وأوجبا الغسل، وحكما بنجاسة الماء؛ كذا نقله الطيبي. قال الشمني: عن عروة بن الزبير وأحمد بن حنبل وداود أنه يجب على المستيقظ من نوم الليل غسل اليدين]. وقال النووي في شرح مسلم تحت حديث الباب: فيه النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها، وهذا مجمع عليه؛ لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنزيه لا تحريم، فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس، وحكى أصحابنا عن الحسن البصري أنه ينجس إن كان قام من نوم الليل، وحكوه أيضاً عن إسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وهو ضعيف جداً، فإن الأصل في الماء واليد الطهارة، فلا ينجس بالشك، وقواعد الشرع متظاهرة على هذا. قال: ثم مذهبنا ومذهب المحققين: أن هذا الحكم ليس مخصوصاً بالقيام من النوم، بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كُره له غمسها في الإناء قبل غسلها، سواء قام من نوم الليل أو النهار، أو شك في نجاستها من غير نوم، وهذا مذهب جمهور العلماء. وحكي عن أحمد بن حنبل رواية: أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم، وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه، ووافقه عليه داود الظاهري اعتماداً على لفظ المبيت في الحديث، وهذا مذهب ضعيف جداً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله: (فإنه لا يدري أين باتت يده)، ومعناه: أنه لا يأمن النجاسة على يده، وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة، وذكر الليل أولاً لكونه الغالب، ولم يقتصر عليه خوفاً من توهم أنه مخصوص به، بل ذكر العلة بعده. انتهى كلام النووي. وقال إسحاق: هو ابن راهوية: إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها. فلم يخص إسحاق بن راهويه الحكم بالاستيقاظ من نوم الليل كما خصه به الإمام أحمد]. والصواب: ما ذهب إليه الإمام أحمد وداود الظاهري: أن الأمر للوجوب والنهي للتحريم، وأنه لا يجوز للإنسان أن يغمس يده في الإناء إذا استيقظ من نوم الليل، والجمهور على أنه مستحب، والصواب: أنه للوجوب؛ لأن هذا هو فالأصل، ولأن الأصل في الأوامر الوجوب، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63]، والأصل في النواهي التحريم، إلا ما دل الدليل على صرف الأمر للوجوب وصرف النهي للتحريم؛ لكنه لا يكون مستعملاً، وإنما يأثم مادام أن يده ليست فيها نجاسة، لكنه خالف الأمر فيأثم. قال في الشرح: [قلت: القول الراجح عندي: هو ما ذهب إليه إسحاق والله تعالى أعلم، وأما إذا أدخل يده في الإناء قبل غسلها فهل صار الماء نجساً أم لا؟ فالظاهر أن الماء صار مشكوكاً، فحكمه حكم الماء المشكوك، والله تعالى أعلم. واعلم أن الجمهور اعتذروا عن حمل حديث الباب على الوجوب بأعذار لا يطمئن قلبي بواحد منها، فمن اطمأن بها قلبه فليقل بما قال به الجمهور].

ما جاء في التسمية عند الوضوء

ما جاء في التسمية عند الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء. حدثنا نصر بن علي الجهضمى وبشر بن معاذ العقدي قالا: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)]. قوله: [عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها قالت: سمعت رسول الله]. يعني: هي التي روت عن أبيها أنه قال، ولم ترو الحديث بنفسها. وهذا الحديث ضعيف عند أهل العلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) ولا يصح في التسمية حديث، لكن قد ساق الحافظ ابن كثير رحمه الله في سورة المائدة الآثار الكثيرة في هذا، وكلها ضعيفة، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله وكذلك الحافظ ابن كثير: إنها يشد بعضها بعضاً، ويقوي بعضها بعضاً، فترتقي إلى درجة الحسن لغيره، فتفيد وجوب التسمية عند الوضوء، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن التسمية في الوضوء واجب مع الذكر، فإن نسي فلا حرج عليه. وذهب الجمهور إلى أن التسمية مستحبة؛ لأن الأحاديث في هذا ضعيفة، فيستحب للإنسان أن يقول: باسم الله. أما هذا الحديث فهو ضعيف. قال: [قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد وأنس. قال أبو عيسى: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد. وقال إسحاق: إن ترك التسمية عامداً أعاد الوضوء، وإن كان ناسياً أو متأولاً أجزأه]. وهذا مذهب الإمام أحمد، يعني: قول إسحاق، فيقول: إذا ترك الوضوء عامداً لم يصح الوضوء، وإن تركه ناسياً أو جاهلاً أو متأولاً أو مقلداً لمذهب من لم يقل بوجوبها فهو صحيح. قال المصنف رحمه الله: [محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب، حديث رباح بن عبد الرحمن. قال أبو عيسى: ورباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها، وأبوها: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وأبو ثفال المري اسمه: ثمامة بن حصين. ورباح بن عبد الرحمن هو أبو بكر بن حويطب، منهم من روى هذا الحديث فقال: عن أبي بكر بن حويطب فنسبه إلى جده]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي الحلواني، حدثنا يزيد بن هارون عن يزيد بن عياض عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته بنت سعيد بن زيد عن أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم: مثله]. قال في الشرح: [قلت: أحاديث هذا الباب كثيرة يشد بعضها بعضاً، فمجموعها يدل على أن لها أصلاً. قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً]. وكذلك الحافظ ابن كثير ذكر مثل هذا. قال: وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. وقال ابن سيد الناس في شرح الترمذي: لا يخلو هذا الباب من حسن صريح وصحيح غير صريح. انتهى. وقال الحافظ المنذري في الترغيب: وفي الباب أحاديث كثيرة لا يسلم شيء منها عن مقال، وقد ذهب الحسن وإسحاق بن راهويه وأهل الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء، حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء، وهو راوية عن الإمام أحمد، ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها -وإن كان لا يسلم شيء منها عن مقال- تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة. انتهى كلام المنذري. وحديث الباب -أعني: حديث سعيد بن زيد - أخرجه أيضاً أحمد وابن ماجة والبزار والدارقطني والعقيلي والحاكم وأُعل بالاختلاف والإرسال، وفي إسناده أبو ثفال عن رباح مجهولان، فالحديث ليس بصحيح، قاله أبو حاتم وأبو زرعة، وقد أطال الكلام على حديث سعيد بن زيد الحافظ ابن حجر في التلخيص].

ما جاء في المضمضة والاستنشاق

ما جاء في المضمضة والاستنشاق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المضمضة والاستنشاق. حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد بن زيد وجرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأت فانتثر، وإذا استجمرت فأوتر)]. فيه ما يدل على الأمر بالانتثار، وهذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد، والإيتار والانتثار واجب، وكذلك الاستنشاق على الصحيح، فالمضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وفي الغسل في أصح أقوال أهل العلم، وقيل: إنهما مستحبان. وقيل: واجبان في الوضوء دون الغسل. وقيل: إنما يجب الاستنشاق والانتثار ولا يجب المضمضة، والصواب: أنهما واجبان في الوضوء وفي الغسل، والإيتار في الاستجمار مستحب، إلا إذا أراد أن يكتفي بالحجارة دون الماء، فلابد أن يكون أقل الأحجار ثلاثة. قال: [وفي الباب عن عثمان ولقيط بن صبرة وابن عباس والمقدام بن معدي كرب ووائل بن حجر وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح. واختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق، فقالت طائفة منهم: إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد الصلاة]. وهذا هو الصواب، فيعيد الوضوء والصلاة. قال المصنف رحمه الله: [ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء]. وهذا هو الصواب: أنهما واجبان في الوضوء وفي الجنابة. قال المصنف رحمه الله: [وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال أحمد: الاستنشاق أوكد من المضمضة. قال أبو عيسى: وقالت طائفة من أهل العلم: يعيد في الجنابة، ولا يعيد في الوضوء، وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة]. يعني: واجبان في غسل الجنابة، وليسا واجبين في الوضوء، وهذا القول الثاني. قال المصنف رحمه الله: [وقالت طائفة: لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة؛ لأنهما سنة من النبي صلى الله عليه وسلم]. وهذا القول الثالث: ليسا واجبين لا في الوضوء ولا في الغسل. قال المصنف رحمه الله: [فلا تجب الإعادة على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة، وهو قول مالك والشافعي في آخره]. والصواب: القول الأول: أنهما واجبان في الوضوء وفي الغسل، والأصل في الأوامر الوجوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فليجعل في أنفه ماء ولينتثر). والمضمضة والاستنشاق مطلوبة إلا للصائم، فإنها مستحبة في حقه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستشاق إلا أن تكون صائماً).

المضمضة والاستنشاق من كف واحد

المضمضة والاستنشاق من كف واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: المضمضة والاستنشاق من كف واحد. حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، حدثنا خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثاً)]. وهذا هو الأفضل أن يتمضمض ويستنشق من كف واحد، وإن تمضمض بكف واستنشق بكف آخر فلا بأس، وهذا الحديث أخرجه الشيخان. قال: [قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن عباس. قال أبو عيسى: وحديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب. وقد روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو بن يحيى، ولم يذكروا هذا الحرف: أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وخالد بن عبد الله ثقة حافظ عند أهل الحديث]. والمقصود: أن لفظة: (مضمض واستنشق من كف واحدة) ما رواها إلا خالد بن عبد الله والمضمضة والاستنشاق ثلاث مرات، وكل مرة من كف واحدة، وهذا هو السنة، ورواه النسائي بلفظ: من كف واحدة. قال في الشرح: [قال: روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو بن يحيى ولم يذكروا هذا الحرف: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد)، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وخالد بن عبد الله ثقة حافظ عند أهل الحديث]. وقال الترمذي في كتاب العلل: [ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه]. وهذا صحيح، لاسيما إذا كان الرواة الذين تفردوا في أول الإسناد كحديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فقد تفرد فيه ثلاثة على نسق؛ يحيى بن سعيد تفرد عن إبراهيم بن يحيى التيمي، وإبراهيم تفرد عن علقمة بن وقاص الليثي، وعلقمة تفرد عن عمر بن الخطاب، وهو مع ذلك من أصح الأحاديث، فلا يضر التفرد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال بعض أهل العلم: المضمضة والاستنشاق من كف واحد يجزئ، وقال بعضهم: تفريقهما أحب إلينا، وقال الشافعي: إن جمعهما في كف واحد فهو جائز، وإن فرقهما فهو أحب إلينا]. والأمر في هذا واسع، والأفضل من كف واحدة، وهو الصواب.

ما جاء في تخليل اللحية

ما جاء في تخليل اللحية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: في ما جاء في تخليل اللحية. حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية عن حسان بن بلال قال: (رأيت عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته، فقيل له، أو قال: فقلت له: أتخلل لحيتك؟ قال: وما يمنعني؟ ولقد رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته)]. هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي وأحمد وابن خزيمة. والحديث ضعيف؛ لأن في سنده عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف. قال في الشرح: [عبد الكريم بن أبي المخارق -بضم الميم وبالخاء المعجمة- المعلم البصري، نزيل مكة، واسم أبيه: قيس، وقيل: طارق، ضعيف]. وأما حسان بن بلال فهو المزني البصري، روى عن عمار بن ياسر وحكيم بن حزام، وعنه أبو قلابة وأبو بشر وغيرهما، وثقه ابن المديني. وعلى كل إذا كانت اللحية خفيفة ترى من وراء البشرة فيجب غسلها وإدخال الماء إلى البشرة، أما إذا كانت اللحية تستر البشرة، فإن الواجب غسل ظاهر الشعر، والتخليل مستحب وليس بواجب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم: مثله. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان وعائشة وأم سلمة وأنس وابن أبي أوفى وأبي أيوب. قال أبو عيسى: وسمعت إسحاق بن منصور يقول: قال أحمد بن حنبل: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم من حسان بن بلال حديث التخليل]. الصحيح أن هذا الحديث منقطع، وهو ضعيف في نفسه أيضاً. قال المصنف رحمه الله: [وقال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان. قال أبو عيسى: وقال بهذا أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: رأوا تخليل اللحية، وبه يقول الشافعي. وقال أحمد: إن سها عن تخليل اللحية فهو جائز. وقال إسحاق: إن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه، وإن تركه عامداً أعاده. حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا عبد الرزاق عن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان بن عفان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح]. قال في الشرح: [قوله: هذا حديث صحيح، وقال الترمذي في علله الكبير: قال محمد بن إسماعيل -يعني: البخاري - أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان، وهو حديث حسن. انتهى. ]. أما قول إسحاق، فقال في الشرح: [أي: أعاد الوضوء، فعند إسحاق تخليل اللحية واجب في الوضوء، واستدل من قال بالوجوب ببعض أحاديث التخليل الذي وقع فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (هكذا أمرني ربي). وأجاب عنه من قال بالاستحباب: بأنه لا يصلح للاستدلال به على الوجوب، لما فيه من المقال، وقال الشوكاني في النيل: والإنصاف أن أحاديث الباب بعد تسليم انتهاضها للاحتجاج وصلاحيتها للاستدلال لا تدل على الوجوب؛ لأنها أفعال، وما ورد في بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم: (هكذا أمرني ربي) لا يفيد الوجوب على الأمة؛ لظهوره في الاختصاص به، وهو يتخرج على الخلاف المشهور في الأصول، هل يعم الأمة ما كان ظاهر الاختصاص به أم لا؟ والفرائض لا تثبت إلا بيقين، والحكم على ما لم يفرضه الله بالفرضية كالحكم على ما فرضه بعدمها لا شك في ذلك؛ لأن كل واحد منهما من التقوّل على الله بما لم يقل، ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي كث اللحية لغسل وجهه وتخليل لحيته، ودفع ذلك كما قال بعضهم بالوجدان مكابرة منه، نعم الاحتياط والأخذ بالأوثق لا شك في أولويته، لكن بدون مجاراة على الحكم بالوجوب. انتهى كلام الشوكاني. وقد استدل من قال: بعدم الوجوب بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه توضأ فغسل وجهه، فأخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى) الحديث رواه البخاري. وإلى هذا الاستدلال أشار الشوكاني بقوله: ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي لغسل وجهه وتخليل لحيته. وقد استدل ابن تيمية بحديث ابن عباس رضي الله عنهما هذا: على عدم وجوب إيصال الماء إلى باطن اللحية الكثة، فقال: وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية، وأن الغرفة الواحدة وإن عظمت لا تكفي غسل باطن اللحية الكثة مع غسل جميع الوجه، فعلم أنه لا يجب. انتهى]. فالصواب: أنه لا يجب بل مستحب. وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بالمد، وجاء أنه توضأ بثلثي المد، والمعلوم أن هذا لا يكفي في تخليل اللحية، وكان عليه الصلاة والسلام كث اللحية.

أبواب الطهارة [4]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [4] جاءت السنة النبوية مفصلة ومبينة لكيفية مسح الرأس، وتخليل الأصابع، والتشديد والوعيد على التهاون في غسل الأعقاب، وبيان الواجب والجائز في الوضوء، وبيان هيئات وصفة الوضوء.

ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره

ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره. حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، حدثنا معن بن عيسى القزاز، حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه)]. هذا الحديث ثابت في الصحيحين، وفيه: أن الأفضل أن يبدأ بمقدم رأسه إلى القفا، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وهذا يعتبر مسحاً واحداً؛ لأنه حين يمسح هكذا يكون بعض أصول الشعر لم يصبها شيء، فإذا ردهما مسح بعض أصول الشعر، لأن بعض أصول الشعر لم تمسح في المسحة الأولى، ثم يردها إلى المكان الذي بدأ منه، وإن مسح وعمم رأسه بالمسح على أي كيفية أجزأه. قال أبو عيسى: [وفي الباب عن معاوية، والمقدام بن معدي كرب وعائشة رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أصح شيء في الباب وأحسن، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق].

ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس

ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس. حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بشر بن المفضل، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما: ظهورهما وبطونهما)]. هذا الحديث فيه عبد الله بن عقيل، وفي حفظه شيء. وقوله: (مرتين) ليس بجيد؛ لأن المسح مرة واحدة وليس مرتين، من مقدم رأسه إلى القفا، ثم قوله أيضاً فيه من النكارة: (بدأ بمؤخر رأسه) والمعروف في الأحاديث الصحيحة: أنه بدأ بمقدم رأسه لا بمؤخره. [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أصح من هذا وأجود إسناداً. وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث، منهم وكيع بن الجراح]. قال في الشرح: [قوله: هذا حديث حسن، حديث ربيع بنت معوذ هذا له روايات وألفاظ مدار الكل على عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه مقال مشهور، لاسيما إذا عنعن، وقد فعل ذلك في جميعها. قاله الشوكاني. قلت: عبد الله بن محمد بن عقيل مدلس كما صرح به الحافظ في طبقات المدلسين، ولذا قال الشوكاني: لاسيما إذا عنعن].

ما جاء أن مسح الرأس مرة

ما جاء أن مسح الرأس مرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة. حدثنا قتيبة، حدثنا بكر بن مضر، عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء: (أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، قالت: مسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرة واحدة)]. قال في الشرح: [الربيع -بالتصغير والتسكين- بنت معوذ بن عفراء الأنصارية النجارية، من صغار الصحابة]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن علي وجد طلحة بن مصرف بن عمرو. قال أبو عيسى: وحديث الربيع حديث حسن صحيح. وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه مسح برأسه مرة). والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. وبه يقول جعفر بن محمد وسفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق: رأوا مسح الرأس مرة واحدة]. قال في الشرح: [قال الشوكاني: وفي تصحيحه نظر، فإنه رواه من طريق ابن عقيل. انتهى]. وقول الشوكاني قول صحيح، لكن قد يقال: إن ابن عقيل هنا لم يخطئ؛ لأنه وافق الثقات في أن المسح مرة واحدة؛ ولأنه وافق الأحاديث الصحيحة في هذا. فالمسح لا يكرر، إنما التكرار أو التثليث في الأعضاء ثلاثاً: الوجه واليدين والرجلين، أما الرأس فهو مرة واحدة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن منصور المكي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سألت جعفر بن محمد عن مسح الرأس: أيجزئ مرة؟ فقال: إي والله]. قال في الشرح: [قال محمد بن منصور بن داود الطوسي أبو جعفر العابد: وسألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بـ الصادق].

ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديدا

ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماءً جديداً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديداً. حدثنا على بن خشرم، أخبرنا عبد الله بن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه)]. وهذا لا شك فيه، بل هو واجب أن يأخذ ماء جديداً للرأس. قال أبو عيسى: [هذا حديث حسن صحيح. وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه). ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماء جديداً). والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: رأوا أن يأخذ لرأسه ماء جديداً]. قال في الشرح: [واستدلوا على ذلك بحديث الباب، قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: وبه أخذ علماؤنا -يعني: الحنفية- غير أنهم قالوا: هذا إذا أصابت يده شيئاً بحيث لم يبق البلل في يده، وهو لا ينافي الحديث، بل العلة تقتضيه، نعم ظاهر هذا الحديث الإطلاق، فيأخذ ماء جديداً على كل حال، لكن الحديث الثاني مسح رأسه بماء غبر، أي: بقي من فضل يديه، يدل على الذي ذهب إليه علماؤنا، فهم حملوا أحد الحديثين على حالة، والآخر على حالة أخرى، ففيه جمع بين حديثين، ولا شك أن الجمع أولى]. والحديث الثاني يحتاج إلى ثبوت، وكأن الأحناف يرون أنه لا بأس أن يمسح رأسه إذا بقي في يديه بلل من غسل يديه، وهذا يحتاج إلى دليل، فالأفضل أنه يأخذ ماءً جديداً، فيأخذ ماءً للوجه وماءً لليدين وماءً للرأس، وماءً للرجلين، أما أن يمسح الرأس بما بقي من البلل في يديه فهذا يحتاج إلى دليل. قال في الشرح: [قلت: رواية: (مسح بما غبر) تفرد بها ابن لهيعة وهو ضعيف، وخالف فيها عمرو بن الحارث، وهو ثقة حافظ، فهذه الرواية غير محفوظة، نعم أخرج أبو داود عن الربيع بنت معوذ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده)، قال السيوطي في مرقاة الصعود: احتج به من رأى طهورية الماء المستعمل، وتأوله البيهقي على أنه أخذ ماء جديداً وصب نصفه، ومسح ببلل يده ليوافق حديث عبد الله بن زيد، ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، أخرجه مسلم والمصنف يعني: أبا داود والترمذي. انتهى كلام السيوطي. قلت: إن صح حديث الربيع بنت معوذ هذا فلا حاجة إلى تأويل البيهقي، بل يقال: كلا الأمرين جائزان، إن شاء أخذ لرأسه ماء جديداً، أو إن شاء مسحه بفضل ما يكون في يده، لكن في سنده ابن عقيل وفيه مقال مشهور كما عرفت، وفي متنه اضطراب، فإن ابن ماجة أخرج من طريق شريك عن عبد الله بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة فقال: اسكبي، فسكبت فغسل وجهه وذراعيه، وأخذ ماء جديداً فمسح به رأسه مقدمه ومؤخره). فالقول الراجح: هو أن يؤخذ لمسح الرأس ماءً جديداً. والله تعالى أعلم]. وقد أخرج ابن ماجة من طريق شريك عن عبد الله بن عقيل عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة فقال: اسكبي، فسكبت، فغسل وجهه وذارعيه، وأخذ ماء جديداً، فمسح به رأسه: مقدمه ومؤخره). فالقول الراجح هو أن يؤخذ لمسح الرأس ماءً جديداً، بل هو الصواب والمتعين؛ لأن الأحاديث التي فيها: أنه مسح رأسه بما بقي من البلل من ماء يده لم تصح.

ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما

ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما

شرح حديث: (مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما)

شرح حديث: (مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما. حدثنا هناد حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما). قال أبو عيسى: وفي الباب عن الربيع. قال أبو عيسى: وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما]. وصححه أيضاً ابن خزيمة وابن مندة كما تقدم. وعبد الله بن إدريس هو عبد الله بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي، ثقة فقيه عابد، من الثامنة. وابن عجلان هو محمد، صدوق، إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة. وزيد بن أسلم ثقة. وعطاء بن يسار ثقة. ومسح الأذنين ثابت في الأحاديث الصحيحة، ولا يصح الوضوء إلا بمسح الأذنين، ومن لم يمسح أذنيه لم يصح وضوؤه؛ لأنهما من الرأس، فيمسح باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بالإبهامين.

ما جاء أن الأذنين من الرأس

ما جاء أن الأذنين من الرأس

شرح حديث: (الأذنان من الرأس)

شرح حديث: (الأذنان من الرأس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء أن الأذنين من الرأس. حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً، ومسح برأسه، وقال: الأذنان من الرأس). قال أبو عيسى: قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي أمامة. قال: وفي الباب عن أنس. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، ليس إسناده بذاك القائم. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: أن الأذنين من الرأس، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ما أقبل من الأذنين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس. قال إسحاق: وأختار أن يمسح مقدمهما مع الوجه ومؤخرهما مع رأسه. قال الشافعي: هما سنة على حيالهما: يمسحهما بماء جديد]. هذا قول، لكن الصواب أنه لا يأخذ لهما ماءً جديداً، وإنما يمسحهما تبعاً للرأس. وقول المصنف: (ليس إسناده بذاك القائم) أي: ليس بالقوي، لأن فيه شهر بن حوشب، وفيه كلام. قال ابن دقيق العيد في الإلمام: وهذا الحديث معلول من وجهين: أحدهما الكلام في شهر بن حوشب، والثاني: الشك في رفعه -يعني: هذا من قول أبي أمامة أو من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن شهراً وثقه أحمد ويحيى والعجلي ويعقوب بن شيبة. وسنان بن ربيعة أخرج له البخاري، وهو وإن كان قد لُيّن، فقد قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال ابن معين: ليس بالقوي. فالحديث عندنا حسن، والله أعلم. اهـ.

ما جاء في تخليل الأصابع

ما جاء في تخليل الأصابع

شرح حديث: (إذا توضأت فخلل الأصابع)

شرح حديث: (إذا توضأت فخلل الأصابع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في تخليل الأصابع. حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي هاشم عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأت فخلل الأصابع). قال: وفي الباب عن ابن عباس والمستورد -وهو ابن شداد الفهرى - وأبي أيوب الأنصاري. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أهل العلم: أنه يخلل أصابع رجليه في الوضوء، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال إسحاق: يخلل أصابع يديه ورجليه في الوضوء. وأبو هاشم اسمه: إسماعيل بن كثير المكي. تكملة الحديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً). فيه مشروعية تخليل الأصابع حتى يبلغها الماء، فيخلل ما بين أصابع اليدين والرجلين، وكذلك المبالغة في الاستنشاق إلا إذا كان صائماً؛ لئلا يصل شيء من الماء إلى جوفه. والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والشافعي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي مطولاً ومختصراً، وصححه أيضاً البغوي وابن القطان. والتخليل مستحب؛ حتى يبلغ الماء إلى جميع الأصابع، وهذا من إسباغ الوضوء، وإذا وصل الماء إلى ما بين الأصابع كفى، فالمهم وصول الماء إلى ما بين الأصابع، وإن لم يصل إلا بالتخليل -وكان الماء قليلاً- فلابد أن يخلل حتى يبلغ الماء ما بين الأصابع.

شرح حديث: (إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك)

شرح حديث: (إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن سعيد -هو الجوهري - حدثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأت فخلّل بين أصابع يديك ورجليك). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب]. قال الشوكاني في (نيل الأوطار): فيه صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف، ولكن حسنه البخاري؛ لأنه من رواية موسى بن عقبة عن صالح، وسماع موسى عنه قبل أن يختلط.

شرح حديث دلك النبي أصابع رجليه بخنصره في الوضوء

شرح حديث دلك النبي أصابع رجليه بخنصره في الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد الفهري قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ دلك أصابع رجليه بخنصره). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة]. وابن لهيعة ضعيف، لكن الأحاديث يشد بعضها بعضاً، فهذا الحديث يشده الحديث الأول: حديث لقيط، وإذا وصل الماء إلى ما بين الأصابع فالتخليل مستحب، فإن لم يصل فلابد من التخليل، وهو حينئذٍ واجب. وغرابة هذا الحديث والذي قبله ترجع إلى الإسناد، ولا ينافي ذلك الحسن، قاله ابن سيد الناس، وقد شارك ابن لهيعة في روايته عن ابن عمرو، والليث وعمرو بن الحارث. فالحديث إذاً صحيح سالم عن الغرابة. كذا في النيل. وعلى كل حال فالحديث الأول كافٍ، وإذا لم يصح فيكون من الشواهد، فالحديثان شاهدان للحديث الأول.

ما جاء (ويل للأعقاب من النار)

ما جاء (ويل للأعقاب من النار)

شرح حديث: (ويل للأعقاب من النار)

شرح حديث: (ويل للأعقاب من النار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء (ويل للأعقاب من النار). حدثنا قتيبة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للأعقاب من النار)]. قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعائشة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن الحارث -هو ابن جزء الزبيدي - ومعيقيب وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار). قال: وفقه هذا الحديث: أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان]. وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، وفيه أنه ينبغي للإنسان أن يلاحظ العقب. وقوله: (ويل)، أي: شدة العذاب. والعقب هو: مؤخر القدم. وفي اللفظ الآخر: (ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار) فينبغي للإنسان أن يبلغ الماء، وسبب الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على بعض الصحابة وقد تقدموا، فأدركتهم الصلاة فجعلوا يمسحون أعقابهم، فنادى النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار). وهذا التعريف الذي أشار إليه الترمذي رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مرفوعاً، ورواه أحمد موقوفاً عليه. وأما أصل الحديث الذي قرره الشيخان فلفظه: (ويل للأعقاب من النار). وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة. قوله: (وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان). خلافاً للرافضة، فهم يرون أنه يمسح على ظاهر القدمين إذا كانتا مكشوفتين، وإذا كان عليهما الخفان فتنزعان ويمسح ظهور القدمين! وهذا من أبطل الباطل. فإذا كانت الرجلان مكشوفتين فلابد من غسلهما، وإن كانتا مستورتين ولبس الخف على طهارة بالشروط فإنه يمسح عليهما، والأحاديث في المسح على الخفين متواترة، روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من صحابي.

ما جاء في الوضوء مرة مرة

ما جاء في الوضوء مرة مرة

شرح حديث توضؤ النبي مرة مرة

شرح حديث توضؤ النبي مرة مرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الوضوء مرة مرة. حدثنا أبو كريب وهناد وقتيبة قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان ح قال: وحدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان عن يزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة). قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر وجابر وبريدة وأبي رافع وابن الفاكه. قال أبو عيسى: وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أحسن شيء في هذا الباب وأصح. وروى رشدين بن سعد وغيره هذا الحديث عن الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة). قال: وليس هذا بشيء، والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم]. هذا رواه البخاري في الصحيح، وفيه دليل على جواز الوضوء مرة مرة. ومعنى: (مرةً مرةً): أنه يعمم أعضاء الوضوء في غسلها مرة واحدة، فيغسل وجهه مرة واحدة، ويغسل كل يد إلى المرفق مرة واحدة، ويمسح رأسه مرة واحدة، ويغسل كل رجل مرة واحدة. والمراد بالمرة: تعميم العضو بالماء، سواء كان بغرفة أو بغرفتين، وإذا لم يعمم إلا بأن يأخذ عدة غرفات فيعتبر مرة واحدة إذا عمم الوضوء في الغسل، فسواء كان مرة بغرفة أو غرفتين أو ثلاث، فإنه يعتبر مرة، وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ مخالفاً.

ما جاء في الوضوء مرتين مرتين

ما جاء في الوضوء مرتين مرتين

شرح حديث توضؤ النبي مرتين مرتين

شرح حديث توضؤ النبي مرتين مرتين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الوضوء مرتين مرتين. حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع قالا: حدثنا زيد بن حباب عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال حدثني عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن بن هرمز -هو الأعرج - عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين). قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل، وهو إسناد حسن صحيح. قال أبو عيسى: وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً)]. وهذا أيضاً ثابت في الصحيح، وفيه صفة ثانية للوضوء، وأنه توضأ مرتين مرتين، بمعنى: أنه عمم كل عضو مرتين مرتين، ففي الحديث الأول يعمم كل عضو مرة مرة، وفي هذا الحديث يعمم كل عضو من أعضاء الوضوء الأربعة مرتين مرتين، إلا الرأس فإنه لا يمسحه إلا مرة.

ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا

ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً

شرح حديث توضؤ النبي ثلاثا ثلاثا

شرح حديث توضؤ النبي ثلاثاً ثلاثاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حية عن علي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً). قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان وعائشة والربيع وابن عمر وأبي أمامة وأبي رافع وعبد الله بن عمرو ومعاوية وأبي هريرة وجابر وعبد الله بن زيد وأبي بن كعب. قال أبو عيسى: حديث علي أحسن شيء في هذا الباب وأصح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن علي رضوان الله عليه. والعمل على هذا عند عامة أهل العلم؛ أن الوضوء يجزئ مرة مرة، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاث، وليس بعده شيء. وقال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم. وقال أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى]. وهذه صفة ثالثة من صفات الوضوء، وهي أن يعمم العضو ثلاثاً، فيغسل وجهه ثلاثاً، ثم يغسل يده اليمنى ثلاثاً، ثم يده اليسرى ثلاثاً ثم يمسح رأسه مرة، ثم يغسل رجله اليمنى ثلاثاً، ثم رجله اليسرى ثلاثاً، وهذا أكمل أنواع الوضوء، فأكملها أن يعمم كل عضو ثلاثاً، وليس له أن يزيد على الثلاث. وهذا أيضاً ثابت في الصحيحين. قوله: (حديث علي أحسن شيء في هذا الباب وأصح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن علي رضي الله عنه، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم: أن الوضوء يجزئ مرة مرة، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاث، وليس بعده شيء) وهو كما قال أبو عيسى رحمه الله: يجزئ عن الوضوء مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وهو الأفضل، وليس بعده شيء. وهناك صفة رابعة، وهي الوضوء مخالفاً، بأن يغسل بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً، وهذا جائز أيضاً. قوله: (إلا رجل مبتلى) أي: مبتلى بالوسواس، ولذا فلا ينبغي للإنسان أن يزيد على الثلاث، وقد جاء في بعض الروايات: (من زاد فقد تعدى وأساء وظلم).

ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا

ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً

شرح حديث توضؤ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا

شرح حديث توضؤ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً. حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري حدثنا شريك عن ثابت بن أبي صفية قال: قلت لـ أبي جعفر: حدثك جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً)؟ قال: نعم. قال أبو عيسى: وروى وكيع هذا الحديث عن ثابت بن أبي صفية قال: قلت لـ أبي جعفر: (حدثك جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة؟ قال: نعم، وحدثنا بذلك هناد وقتيبة؟ قال: حدثنا وكيع عن ثابت بن أبي صفية). قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث شريك؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا عن ثابت نحو رواية وكيع، وشريك كثير الغلط. وثابت بن أبي صفية هو أبو حمزة الثمالي]. وهذه هي الصفة الرابعة للوضوء، وهي أن يتوضأ مخالفاً، فيغسل بعض الأعضاء مرة، ويغسل بعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً، فهذه الصفات الأربع السابقة كلها جائزة، وأكملها أن يتوضأ ثلاثاً ثلاثاً.

ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا

ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً

شرح حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

شرح حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً. حدثنا محمد بن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه مرتين مرتين، ومسح برأسه، وغسل رجليه مرتين). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقد ذكر في غير حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بعض وضوئه مرة وبعضه ثلاثاً). وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك: لم يروا بأساً أن يتوضأ الرجل بعض وضوئه ثلاثاً، وبعضه مرتين أو مرة]. وهذا فيه جواز أن يغسل بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثاً. والحديث أخرجه الشيخان.

أبواب الطهارة [5]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [5] بينت السنة النبوية أكمل صفات الوضوء، وكيف كان وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكرت بعض الأحكام المتعلقة بالوضوء، كحكم وضوء الرجل بفضل طهور المرأة، وحكم الإسراف بالماء في الوضوء، وحكم التمندل بعد الوضوء.

ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان

ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان؟ حدثنا هناد وقتيبة قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت علياً توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما، ثم مضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه مرة، ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان وعبد الله بن زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو والربيع وعبد الله بن أنيس وعائشة رضوان الله عليهم]. هذا الحديث فيه مشروعية استحباب الوضوء ثلاثاً، حيث يغسل كل عضو ثلاثاً ثلاثاً، وهي أكمل ما ورد في الوضوء من الصفات، ولم يذكر هنا أنه غسل الرجلين ثلاثاً، ولا شك أنه يعمل على أنه غسل رجليه ثلاثاً، وهذا الكيفية ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في النسائي وفي الصحيح وفي غيره، وهو ثابت أيضاً من حديث حمران وزيد وعبد الله بن زيد وعبد الله بن برجس، وفيه مشروعية الغسل ثلاثاً، وهذا مستحب، ويجوز الوضوء مرتين مرتين، ومرة مرة، ويجوز مخالفاً. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد خير ذكر عن علي مثل حديث أبي حية إلا أن عبد خير قال: (كان إذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربه). وفيه جواز الشرب قائماً، وأن النهي محمول على التنزيه، وفيه استعمال فضل الوضوء في الشرب، ولهذا شرب علي فضله قائماً، وقال: إن ناساً يكرهون هذا. فبين لهم أن هذا لا كراهة فيه. [قال أبو عيسى: حديث علي رواه أبو إسحاق الهمداني عن أبي حية وعبد خير والحارث عن علي. وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه حديث الوضوء بطوله، وهذا حديث حسن صحيح. قال: وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه، فقال: مالك بن عرفطة عن عبد خير عن علي. قال: وروي عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي. قال: وروي عنه: عن مالك بن عرفطة، مثل رواية شعبة. والصحيح: خالد بن علقمة]. وهذا الحديث ثابت.

ما جاء في النضح بعد الوضوء

ما جاء في النضح بعد الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في النضح بعد الوضوء. حدثنا نصر بن علي الجهضمي وأحمد بن أبي عبيد الله السليمي البصري قالا: حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاءني جبريل فقال: يا محمد! إذا توضأت فانتضح). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب. قال: وسمعت محمداً يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث. قال: وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان وابن عباس وزيد بن حارثة وأبي سعيد الخدري. وقال بعضهم: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان. واضطربوا في هذا الحديث]. قوله: (هذا حديث غريب) قد أخرجه ابن ماجة. وقوله: (وسمعت محمداً يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث). قال في شرح النخبة: قولهم: متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط، أو منكر الحديث، أشد من قولهم: ضعيف، أو: ليس بالقوي، أو: فيه مقال. اهـ. قال الذهبي في الميزان: ضعفه أحمد والنسائي وأبو حاتم والدارقطني، وقال البخاري: منكر الحديث. اهـ. قلت: حديث الباب ضعيف، وفي الباب أحاديث عديدة، يدل بمجموعها على أن له أصلاً. وقد بوب الترمذي: النضح بعد الوضوء، والنسائي قال في سننه: باب النضح، والأحاديث في هذا ضعيفة، لكن الشارح يرى أن مجموعها يدل على أن له أصل؛ لأن هذا إنما يفعل إذا كان عنده وسواس، فيرش ما حوله حتى تزول عنه الوساوس، لئلا يتوهم أنه خرج من ذكره شيء. قال أبو بكر بن العربي: اختلف العلماء في تأويل الحديث على أربعة أقوال: معناه: إذا توضأت فصُبَّ الماء على العضو صباً، ولا تقتصر على مسحه؛ فإنه لا يجزئ فيه إلا الغسل. معناه: استبرئ الماء -أي: استبرئ البول -بنثر الذكر والتنحنح، يقال: نضحت: استبرأت، وانتضحت: تعاطيت الاستبراء له. الثالث معناه -وهذا هو المتبادر إلى الذهن-: إذا توضأت فرُشَّ الإزار الذي يلي الفرج؛ ليكون ذلك مُذهباً للوسواس. الرابع معناه: الاستنجاء بالماء إشارة إلى الجمع بينه وبين الأحجار، فإن الحجر يخفف الوسخ، والماء يطهره، وقد حدثني أبو مسلم المهدي قال: من الفقه الرائق: الماء يذهب الماء، معناه: أن من استنجى بالأحجار لا يزال البول يرشح فيجد منه البلل، فإذا استعمل الماء نسب الخاطر ما يجد من البلل إلى الماء، وارتفع الوسواس. انتهى كلام ابن العربي ملخصاً. وقال الخطابي في معالم السنن: الانتضاح هاهنا: الاستنجاء بالماء، وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة ولا يمسون الماء، وقد يتأول الانتضاح أيضاً على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء؛ ليدفع بذلك وسوسة الشيطان. اهـ. وذكر النووي عن الجمهور أن الثاني هو المراد هاهنا، وهو: رش الفرج، والانتضاح: رش الماء. وفي جامع الأصول: الانتضاح: رش الماء على الثوب ونحوه، والمراد به أن يرش على فرجه بعد الوضوء ماءً؛ ليذهب عنه الوسواس الذي يعرض له، لتوهمه خروج شيء من ذكره، فإذا كان ذلك المكان بللاً ذهب ذلك الوسواس. وقيل: أراد بالانتضاح: الاستنجاء بالماء؛ لأن الغالب أنه كان من عادتهم أنهم يستنجون بالحجارة. اهـ. قلت: والحق أن المراد بالانتضاح في هذا الحديث هو الرش على الفرج بعد الوضوء، وكما يدل عليه ألفاظ أكثر الأحاديث الواردة في هذا الباب. قوله: (وقال بعضهم) -أي: بعض الرواة-: (سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان) بالشك. وقوله: (واضطربوا في الحديث) أي: في إسناد هذا الحديث. قال الحافظ ابن الأثير: ورواه روح بن القاسم وشعبة وشيبان ومعمر وأبو عوانة وزائدة وجرير بن عبد الحميد وإسرائيل وهري بن سفيان مثل سفيان على الشك، وقال شعبة وأبو عوانة وجرير: عن الحكم أو ابن الحكم. ورواه عامر وأصحاب الثوري على الشك، إلا عفيف بن سالم والفريابي، فإنهما روياه فقالا: الحكم بن سفيان من غير شك، ورواه زيد بن خالد عن منصور عن الحكم عن أبيه، ورواه مسعر عن منصور فقال: عن رجل من ثقيف. ولم يسمّه. وممن رواه ولم يشك: سلام بن أبي مطيع وقيس بن الربيع وشريك، فقالوا: عن الحكم بن سفيان، ولم يشكوا. فالأرجح أنه الحكم بن شريك.

ما جاء في إسباغ الوضوء

ما جاء في إسباغ الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في إسباغ الوضوء. حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط)]. والإسباغ: الإبلاغ، وهو الإتمام حتى يعمم العضو. قوله: (وكثرة الخطا إلى المساجد) أي: أن يمشي إلى المساجد، فيكون المسجد بعيداً عنه فيكثر الخطا إليه. وقوله: (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) أي: انتظارها بقلبه وعنايته به، ويبدو أن معناه: أن يكون جالساً في المسجد، لكن قد ينتظرها وهو يذهب لحوائجه، وكل هذا بعنايته وقلبه، فيكون قلبه معلقاً بالمسجد حتى يعود إليه، كما في الحديث الآخر: (ورجل قلبه معلق بالمساجد)، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في المسجد، بل كان يخرج من المسجد يبلغ الدين، ويقابل الوفود، ويصل الرحم، ويدعو إلى الله، وهكذا الإنسان يخرج لقضاء حوائجه، والكسب لأولاده، وصلة رحمه، ومقابلة إخوانه، وإذا جاء وقت الصلاة ذهب إلى المسجد، وإذا جلس في المسجد في وقت فراغه فهذا نور على نور. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وحدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء نحوه. وقال قتيبة في حديثه: (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) ثلاثاً. قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعَبيدة ويقال عُبيدة بن عمرو وعائشة وعبد الرحمن بن عائش الحضرمي وأنس. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. والعلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني الحرقي، وهو ثقة عند أهل الحديث].

ما جاء في التمندل بعد الوضوء

ما جاء في التمندل بعد الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء. حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح حدثنا عبد الله بن وهب عن زيد بن حباب عن أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء). قال أبو عيسى: حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء. وأبو معاذ يقولون هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيف عند أهل الحديث. قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل]. وهذا الحديث ضعيف؛ لكن الذي جاء هو التنشف في الغسل، أما التنشف في الوضوء فمسكوت عنه، وعلى هذا فلا يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منديل يتنشف به، بل العلماء يقولون: ويباح أن ينشف أعضاءه. وهذا في الوضوء، أما في الغسل فالأصل ألا يتنشف، كما في حديث ميمونة قالت: (فأتيته بخرقة فلم يردها، فجعل ينثر الماء بيديه في الغسل)، وإن تنشف فلا حرج. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه)]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه رشدين بن سعد، وفيه أيضاً عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهما ضعيفان. وفيه أنه إذا توضأ مسح وجهه بثوبه. [قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف]. وصدق المصنف في ذلك. [ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعفان في الحديث. وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في المنديل بعد الوضوء]. يعني أنه مباح، لكن هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: رشدين بن سعد ليس يبالي عمن روى، لكنه رجل صالح. أي: صالح في نفسه، بمعنى: أنه عابد صالح، لكن روايته ضعيفة. قال المصنف رحمه الله: [ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري]. يعني: أن من كره التمسح والتنشف بعد الوضوء، إنما كرهه لإزالته القطرات، وهي توزن، فهذا وجه من كره التنشف: أنه يرى أن الوضوء يوزن. والله أعلم بالصواب. وبعضهم أعلّه، وهذا يحتاج إلى دليل. قال المصنف رحمه الله: [حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا جرير قال حدثنيه علي بن مجاهد عني، وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري قال: إنما كره المنديل بعد الوضوء؛ لأن الوضوء يوزن]. بعض الرواة قد يحدث بالحديث ثم تمضي مدة طويلة وينسى، فيقال له: هل حدثت بهذا قبل إحدى عشرة سنة؟ فيقول: ما حدثت بهذا، فيقال له: بل حدثت به، لأنه من الضابطين، ثم يروي الحديث عن تلميذه ويحدث به، فيقول: حدثني تلميذي عني أني أخبرته، فيريوه عنه تلميذه عن نفسه، وهذا كما حصل هنا. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه ابن حميد الرازي، وهو حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه.

فيما يقال بعد الوضوء

فيما يقال بعد الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيما يقال بعد الوضوء. حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فُتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)]. قال أبو عيسى: وفي الباب عن أنس وعقبة بن عامر. قال أبو عيسى: حديث عمر قد خولف زيد بن حباب في هذا الحديث. قال: وروى عبد الله بن صالح وغيره عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر، وعن ربيعة عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عمر. وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء، قال محمد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئاً]. وهذا الحديث في الصحيح، ولفظه في الصحيح: (من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)، وزيادة الترمذي: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين). وقد أخطأ الترمذي فيما زعم من اضطراب الإسناد في هذا الحديث، وبأنه لا يصح في الباب كثير شيء، وأصل الحديث صحيح مستقيم الإسناد، وإنما جاء الاضطراب في الأسانيد التي نقلها الترمذي منه أو ممن حدثه بها. قال أحمد بن حنبل في المسند: حدثنا أبو العلاء الحسن بن سوار حدثنا ليث -يعني الليث بن سعد - عن معاوية -هو معاوية بن صالح - عن أبي عثمان عن جبير بن نفير وربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وعبد الوهاب بن بخت عن الليث بن سليم الجهني، كلهم يحدث عن عقبة بن عامر قال: قال عقبة: (كنا نخدم أنفسنا، وكنا نتداول رعية الإبل بيننا فأصابني رعية الإبل فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يحدث الناس، فأدركت من حديثه وهو يقول: ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة وغفر له، قال: فقلت: ما أجود هذا! قال: فقال قائل بين يدي: التي كان قبلها يا عقبة! أجود منها، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، قال: فقلت: وما هي يا أبا حفص؟ قال: إنه قال قبل أن تأتي: ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). فهذا أصل الحديث، وهذا أجود أسانيده وأوضحها. وحديث عمر هذا أخرجه مسلم في صحيحه من وجه آخر بدون زيادة: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)، وذكر الترمذي أن في إسناده اضطرب ولا يصح فيه شيء كبير. قال الحافظ في (التلخيص) بعد ذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه: لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض.

ما جاء في الوضوء بالمد

ما جاء في الوضوء بالمد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الوضوء بالمد. حدثنا أحمد بن منيع وعلي بن حجر قالا: حدثنا إسماعيل بن علية عن أبي ريحانة عن سفينة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع)]. وهذا ثابت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع). والمد: حفنة ملئ كفي الرجل المتوسط. والصاع: أربعة أمداد. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه توضأ بثلثي المد)، وقد اغتسل بالمد إلى خمسة أمداد. قال المصنف رحمه الله: [قال: وفي الباب عن عائشة وجابر وأنس بن مالك. قال أبو عيسى: حديث سفينة رضي الله عنه حديث حسن صحيح]. والحديث قد أخرجه مسلم. قال المصنف رحمه الله: [وأبو ريحانة اسمه: عبد الله بن مطر. وهكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد والغسل بالصاع. قال الشافعي وأحمد وإسحاق: ليس معنى هذا الحديث على التوقيت: أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه: وهو قدر ما يكفي]. هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا اكتفى الإنسان بالصاع فلا بأس، وإلا زاد، لكن بلا يسرف.

ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء

ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء. حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للوضوء شيطاناً يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء). قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مغفل. قال أبو عيسى: حديث أبي بن كعب رضي الله عنه حديث غريب، وليس إسناده بالقوي، والصحيح عند أهل الحديث؛ لأنّا لا نعلم أحداً أسنده غير خارجة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن: قوله -يعني: من قول الحسن - ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا، وضعفه ابن المبارك]. قوله: (لأنا لا نعلم أحداً أسنده) أي: رواه مرفوعاً. وقوله: (وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا) أي: عند أهل الحديث، قاله الطيبي. قال الذهبي عن خارجة في الميزان: وهّاه أحمد، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال أيضاً: كذاب، وقال البخاري: تركه ابن المبارك ووكيع، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف. قال الذهبي: انفرد بخبر: (إن للوضوء شيطاناً يقال له الولهان). وهذا إنما ثابت في الشيطان الذي في الصلاة، وهو شيطان يقال له: خنزب، لما قال له عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: إن الشيطان يلبس علي الصلاة، قال: (ذاك شيطان يقال له خنزب)، فهذا ثابت، وأما الشيطان الذي يقال له: الولهان. فحديثه ضعيف. وخارجة بن مصعب أبي الحجاج الثقفي متروك، وكان يدلس عن الكذابين.

ما جاء في الوضوء لكل صلاة

ما جاء في الوضوء لكل صلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة. حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن حميد عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر، قال: قلت لـ أنس: فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءاً واحداً). قال أبو عيسى: وحديث حميد عن أنس حديث حسن غريب من هذا الوجه، والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر الأنصاري عن أنس رضي الله عنه. وقد كان بعض أهل العلم يرى الوضوء لكل صلاة استحباباً، لا على الوجوب]. محمد بن حميد الرازي حافظ ضعيف، وحميد مدلس. وسلمة بن الفضل الأبرش -بالمعجمة- مولى الأنصار، صدوق، وابن إسحاق هو: صاحب المغازي. قوله: (حسن غريب) تفرد به محمد بن إسحاق وهو مدلس، وقد رواه عن حميد معنعناً. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روي في حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات). قال: وروى هذا الحديث الإفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. حدثنا بذلك الحسين بن حريث المروزي حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن الإفريقي وهو إسناد ضعيف]. وسند هذا الحديث قد مر في أبي داود أنه ضعيف، وكذلك زيادة زيد بن جدعان عند السيوطي، وهو ضعيف. قال المصنف رحمه الله: [قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد القطان: ذكر لـ هشام بن عروة هذا الحديث فقال: هذا إسناد مشرقي]. يعني: رواته من أهل المشرق. قال المصنف رحمه الله: [قال: سمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان]. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن -هو ابن مهدي - قالا: حدثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن عامر الأنصاري قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، قلت: فأنتم ما كنتم تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وحديث حميد عن أنس حديث جيد غريب حسن]. وهذا الحديث رواه البخاري. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح جمع الصلوات كلها بوضوء واحد، ولما سأله عمر قال: (عمداً فعلته يا عمر!) أي: أنه فعله لبيان الجواز.

ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد

ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد. حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر: إنك فعلت شيئاً لم تكن فعلته، قال: عمداً فعلته)]. في هذا الحديث دليل على جواز أن تصلى الصلوات المتعددة بوضوء واحد، سواء صلى صلاتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة والنسائي والدارمي وابن خزيمة وأحمد. قال المصنف رحمه الله: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وروى هذا الحديث علي بن قادم عن سفيان الثوري، وزاد فيه: (توضأ مرة مرة). قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضاً عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة). قال: ورواه وكيع عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه. قال: ورواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وهذا أصح من حديث وكيع. والعمل على هذا عند أهل العلم؛ أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث، وكان بعضهم يتوضأ لكل صلاة استحباباً وإرادة الفضل. ويروى عن الإفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)، وهذا إسناد ضعيف. وفي الباب عن جابر بن عبد الله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بوضوء واحد)]. حديث ابن عمر المذكور هو في سنن أبي داود، وقد رواه أبو داود بسند ضعيف بلفظ: (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات)، يعني: توضأ وهو على وضوء؛ وهذا من باب النشاط إذا كان عنده كسل مثلاً، ولابد في تجديد الوضوء أن يكون بين الوضوءين مدة، أما أن يعيد الوضوء بعد وضوئه الأول مباشرة فهذا لا يشرع.

ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد. حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني ميمونة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وهو قول عامة الفقهاء: أن لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد. قال: وفي الباب عن علي وعائشة وأنس وأم هانئ وأم صبية الجهنية وأم سلمة وابن عمر. قال أبو عيسى: وأبو الشعثاء اسمه: جابر بن زيد]. وفيه جواز اغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، لأنها حل له وهو حل لها، وقد جاء أيضاً: (أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وعائشة من إناء واحد، وإذا بقي بقية تقول: دع لي، فيقول لها: دعي لي). وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم. وجاء أيضاً في الحديث: (كان الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً)، ورواه البخاري في الصحيح، وهو محمول على أحد أمرين: إما أن المراد بالرجال مع النساء من محارمه، أو أن المراد بذلك: غسل الأطراف قبل الحجاب؛ لأن الوضوء هو: غسل الأطراف، يعني: غسل الوجه واليدين.

ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة

ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة. حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع عن سفيان عن سليمان التيمي عن أبي حاجب عن رجل من بني غفار قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل طهور المرأة). قال: وفي الباب عن عبد الله بن سرجس. قال أبو عيسى: وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة، وهو قول أحمد وإسحاق: كرها فضل طهورها ولم يريا بفضل سؤرها بأساً]. وهذا النهي محمول على التنزيه؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل بفضل ماء ميمونة، ففعله عليه الصلاة والسلام للشيء يدل على أن النهي للتنزيه، لكن تركه أولى، إلا إذا احتاج الإنسان إليه فلا حرج. قوله: (فضل سؤرها) يعني: بقية الأكل والشرب، فالسؤر: ما بقي في الإناء الذي شربت منه، أو من الطعام الذي أكلت منه، لكن هذا إنما هو في فضل الطهور في الوضوء. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو داود عن شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا حاجب يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) أو قال: (بسؤرها). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وأبو حاجب اسمه: سوادة بن عاصم. وقال محمد بن بشار في حديثه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة). ولم يشك فيه محمد بن بشار].

ما جاء في الرخصة بالتطهر بفضل طهور المرأة

ما جاء في الرخصة بالتطهر بفضل طهور المرأة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الرخصة في ذلك. حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه، فقالت: يا رسول الله! إني كنت جنباً، فقال: إن الماء لا يجنب). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي]. وهذا يدل على أن النهي للتنزيه وليس للتحريم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضلها، وفعله عليه الصلاة والسلام للشيء الذي نهى عنه يدل على أن النهي للتنزيه، والقاعدة: أنه إذا نهى عن شيء ثم فعله دل ذلك على أن النهي ليس للتحريم، وإنما هو للتنزيه، والقاعدة أيضاً يقول: أنه إذا أمكن الجمع بين الحديثين فلا يعدل للنسخ. والحنابلة يقولون: لا يجوز الوضوء بفضل المرأة، بشرط أن تكون بالغة، وتخلو به، وتتطهر منه طهارة شاملة من حدث، واختلال شرط من هذه الشروط لا يمنع التطهر به. ولا يقال: إن فعله صلى الله عليه وسلم خاص به إلا بدليل يدل على الخصوصية، لأن الشريعة عامة في الأصل. والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، وقال الحافظ في البلوغ: وصححه ابن خزيمة، وقال في الفتح: وقد أعله قوم بـ سماك بن حرب راويه عن عكرمة؛ لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم. اهـ

أبواب الطهارة [6]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [6] جاءت السنة النبوية ببيان أن الأصل في الماء الطهارة، وأنه إذا كان قلتين لم يحمل الخبث، كما جاءت أيضاً بالنهي عن البول في الماء الراكد، وطهورية ماء البحر، ونضح بول الغلام قبل أن يطعم، وحكم بول ما يؤكل لحمه.

ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء

ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء. حدثنا هناد والحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (قيل: يا رسول الله! أنتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء طهور لا ينجسه شيء). [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث، فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد. وفي الباب عن ابن عباس وعائشة]. حديث أبي سعيد هذا يدل على أن الأصل في الماء الطهارة، وأن الماء طهور لا ينجسه شيء، أي: إذا لم تتغير أحد أوصافه، فإذا تغيرت أحد أوصافه بالنجاسة تنجس، وليس المقصود أن المراد ما يلقى فيها، بل المراد: أنها تأتي الريح وتلقي فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء).

ما جاء أن الماء إذا كان قلتين لم يحمل الخبث

ما جاء أن الماء إذا كان قلتين لم يحمل الخبث قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد قال حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)]. هذا هو حديث القلتين، وقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، والراجح أنه لا بأس بسنده، وقد أخذ به جمهور العلماء والفقهاء، وقالوا: إن القلتين حد فاصل، فإذا بلغ الماء القلتين فإنه لا يحمل الخبث ولا يتنجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة، أما إذا كان دون القلتين فإنه ينجس ولو لم تتغير أوصافه، فعملوا بمفهوم الحديث. فقالوا: إن الحديث له منطوق وله مفهوم، فمنطوقه: أن الماء إذا بلغ القلتين فإنه لا ينجس ولا يحمل الخبث إلا إذا تغير أحد أوصافه، وهذا بالإجماع، أما إذا لم يبلغ القلتين فإنه ينجس بمجرد الملاقاة ولو لم تتغير أوصافه؛ عملاً بمفهوم الحديث. وذهب بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة من أهل العلم: إلى أن الماء لا ينجس إلا بالملاقاة، قليلاً كان أو كثيراً، وقالوا: إن مفهوم حديث القلتين ألغاه حديث أبي سعيد: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء)، فهذا الحديث ألغى مفهوم حديث القلتين، والمنطوق مقدم على المفهوم، وهذا هو الصواب. وجمهور العلماء قد أخذوا بحديث القلتين كما ذكرنا -حديث ابن عمر - وقالوا: إن ما كان دون القلتين فإنه ينجس، والقلة تقارب قربتين ونصف، يعني: تكون إلى خمس قرب، وقد حددها بعضهم بأنها: ذراع وربع، طولاً وعرضاً وعمقاً، فإذا كان هناك حفرة طولها ذراع وربع، وعرضها ذراع وربع، وعمقها ذراع وربع، فهذه هي القلتان. والحديث يفيد أنه ينبغي للإنسان أن ينتبه ويتأمل في الماء القليل إذا أصابه نجاسة، هل تغير أو لا؟ فأما إذا كان أكثر من القلتين فالغالب في هذه الحالة أنه لا يتغير. وبعض المساجد يكون فيها خزان واسع، فتسقط فيه طيور أو حمام، فإذا تغير الطعم أو اللون أو الريح فإنه ينجس، ويلزم إزالة هذا الماء كله، وأما ما جاء في الفأرة لما وقعت في السمن، قال: (ألقوها وما حولها وكلوه) فهذا في السمن الجامد، والمعروف أن السمن أقل ميوعة من الماء، فالماء ما فيه إشكال، وفي رواية: (إن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان ذائباً فلا تقربوه)، لكن هذه رواية ضعيفة. قال المصنف رحمه الله: [قال عبدة: قال محمد بن إسحاق: القلة هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها. قال أبو عيسى: وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء، ما لم يتغير ريحه أو طعمه، وقالوا: يكون نحواً من خمس قرب]. واستدلوا بحديث الباب، وأما حديث الشافعي وأحمد، فهو حديث صحيح قابل للاحتجاج، وقد ضعفه جماعة، لكن الحق أنه صحيح، قال الحافظ أبو بكر العراقي في أماليه: قد صحح هذا الحديث الجم الغفير من الأئمة الحفاظ: الشافعي وأبو عبيد وأحمد وإسحاق ويحيى بن معين وابن خزيمة والطحاوي وابن حبان والدارقطني وابن مندة والحاكم والخطابي والبيهقي وابن حزم وآخرون. وقال الحافظ في (فتح الباري): رواته ثقات، وصححه جماعة من أهل العلم. وقال فيه أيضاً: الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه، وقد اعترض الطحاوي من الحنفية بذلك، وقال في بلوغ المرام: صححه ابن خزيمة وابن حبان. وقال في (التلخيص): قال الحاكم: صحيح على شرطهما، وقد احتج بجميع رواته، وقال ابن مندة: إسناده على شرط مسلم، وقال ابن معين: الحديث جيد الإسناد، وقال ابن دقيق العيد: هذا الحديث قد صححه بعضهم، وهو صحيح على طريق الفقهاء؛ لأنه وإن كان مضطرب الإسناد مختلفاً في بعض ألفاظه، فإنه يجاب عنه بجواب صحيح بأن يمكن الجمع بين الروايات. انتهى ما في (التلخيص). والذين لم يقولوا بحديث القلتين، فمنهم من صرح بصحته، واعتبر العمل به من الإجمال في معنى القلة، قال الحافظ في (الفتح) قول: من لا يعتبر إلا التغير وعدمه قوي، لكن الفصل بالقلتين أقوى؛ لصحة الحديث، وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك، لكنه اعتذر عن القول به، فإن القلة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة، كالجرة، ولم يثبت من الحديث تقديرهما، فيكون، مجملاً فلا يعمل به، وقواه ابن دقيق العيد، لكن استدل له غيرهما، فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: المراد القلة الكبيرة، إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد، فإن الصغير بين].

ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد. حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن جابر]. فيه دليل على تحريم البول في الماء الراكد، وأن النهي هنا للتحريم، فلا يجوز للإنسان أن يبول في الماء الراكد. والمعنى: لا يبولن في الماء الراكد ولو لم يغتسل فيه؛ لأنه قد يحتاج إلى الاغتسال فيه؛ فيقذره على غيره، فإذا بال هذا وهذا تقذر هذا الماء. ونقل عن مالك: أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير، وهو قول الباقين في الكثير، قال القرطبي: يمكن حمله على التحريم مطلقاً على قاعدة سد الذريعة؛ لأنه يفضي إلى تنجيس الماء، وهذا هو الصواب.

ما جاء في ماء البحر أنه طهور

ما جاء في ماء البحر أنه طهور قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور. حدثنا قتيبة عن مالك ح وحدثنا الأنصاري إسحاق بن موسى قال حدثنا معن قال حدثنا مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة -من آل ابن الأزرق- أن المغيرة بن أبي بردة -وهو من بني عبد الدار - أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته)]. هذا الحديث فيه دليل على طهورية ماء البحر وفيه أنه ينبغي للمفتي أن يزيد السائل إذا كان يحتاج لذلك، فإن السائل قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن التطهر بماء البحر، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بحكم ميتته؛ لأنه قد يحتاج إلى معرفة حكم الميتة ما دام أنه يركب البحر، فلهذا قال: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)، ففيه زيادة المفتي على سؤال المستفتي إذا كان متعلقاً به ويحتاج إليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن جابر والفراسي رضي الله عنهما. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكر وعمر وابن عباس رضي الله عنهم، لم يروا بأساً بماء البحر. وقد كره بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء بماء البحر، منهم: ابن عمر وعبد الله بن عمرو، وقال عبد الله بن عمرو: وهو نار]. يعني: أصل النار. قال المباركفوري في شرح الترمذي: قوله: (وقال عبد الله بن عمرو: وهو نار) قال القاضي أبو بكر بن العربي: أراد به طبق النار؛ لأنه ليس بنار في نفسه. انتهى. وقيل: إنه أراد أنه ضار يورث المرض. ما قال ابن العربي هو الراجح وهو الظاهر، قال الشوكاني في (النيل): فإن قيل: كيف شكّوا في جواز الوضوء بماء البحر؟ قلنا: يحتمل أنهم لما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تركب البحر إلا حاجاً، أو معتمراً، أو غازياً في سبيل الله؛ فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً) أخرجه أبو داود وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً؛ فظنوا أنه لا يجزئ التطهر به، وقد روي موقوفاً على ابن عمر بلفظ: (ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة؛ إن تحت البحر ناراً، ثم ماءً، ثم ناراً حتى عدّ سبعة أبحر وسبعة أنيار). وروي أيضاً عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه لا يجزئ التطهر به، ولا حجة في أقوال الصحابة، لاسيما إذا عارضت المرفوع والإجماع. وحديث ابن عمر المرفوع قال فيه أبو داود: رواته مجهولون، وقال الخطابي: ضعفوا إسناده، وقال البخاري: ليس هذا الحديث بصحيح، وله طريق أخرى عند البزار، وفيها ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف. قال الشيخ أحمد شاكر: هذا رأي لـ عبد الله بن عمر إن صح إسناده إليه. قال صاحب التحفة: وقد صحح هذا الحديث غير الترمذي، كـ ابن المنذر وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن مندة وأبو محمد البغوي، كذا في (قوت المفتدي)، والحديث أخرجه أيضاً مالك والشافعي عنه، والأربعة، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي، وصححه البخاري فيما حكى عنه الترمذي، كذا (في التلخيص).

التشديد في أمر البول

التشديد في أمر البول قال المصنف رحمه الله: [باب: ما جاء في التشديد في البول. حدثنا هناد وقتيبة وأبو كريب قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة)]. فيه بيان أن هذين الأمرين من أسباب عذاب القبر، فالمشي بالنميمة، وعدم الاستبراء من البول أمران محرمان، وهما من كبائر الذنوب، فيجب التنزه من البول والاستتار منه، جاء في الحديث: (تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه). وكذلك النميمة، وهي: نقل الكلام من شخص إلى شخص، أو من جماعة إلى جماعة على وجه الإفساد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي بكرة وأبي هريرة وأبي موسى وعبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس، ولم يذكر فيه: عن طاوس، ورواية الأعمش أصح. قال: وسمعت أبا بكر محمد بن أبان البلخي مستملي وكيع يقول: سمعت وكيعاً يقول: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور]. قال الخطابي في (معالم السنن): قوله: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا): فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي عليه الصلاة والسلام، ودعائه بالتخفيف عنهم, وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حداً لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنىً ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان أن تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه. قلت: وهذا خطأ، والصواب أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس). منصور هذا هو ابن المعتمر، (ورواية الأعمش أصح، أي: رواية الأعمش بذكر طاوس بين مجاهد وابن عباس أصح من رواية منصور، ثم بيَّن الترمذي وجه كونه أصح بقوله: سمعت أبا بكر إلى آخره. وروى البخاري هذا الحديث في صحيحه على الوجهين، قال الحافظ في (الفتح): وإخراجه له على الوجهين يقتضي صحتهما عنده، فيحمل على أن مجاهداً سمعه من طاوس عن ابن عباس، ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس، ويؤيده أن في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن ابن عباس، وصرح ابن حبان بصحة الطريقين معاً. وقال الترمذي: رواية الأعمش أصح. انتهى. قلت: وقال البخاري أيضاً: إن رواية الأعمش أصح، قال الترمذي في (العلل): سألت محمداً: أيهما أصح؟ فقال: رواية الأعمش أصح. انتهى. ويؤيد صحة الروايتين: أن شعبة بن الحجاج رواه عن الأعمش كما رواه منصور، ولم يذكر طاوساً، قاله العيني. قلت: شعبة إمام النقد.

ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم

ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم [باب: ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم. حدثنا قتيبة وأحمد بن منيع قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها قالت: (دخلت بابن لي على النبي صلى الله عليه وسلم: لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء فرشه عليه)]. فيه دليل على أن بول الغلام الذي لم يأكل الطعام نجاسته مخففة، وأنه يكفيه الرش، ولا يلزم فيه الغسل، وهذا بخلاف ما إذا أكل الطعام، فإنه لابد من غسله، ولا يكفي فيه الرش والنضح، وكذلك الجارية الأنثى. وقد اختلف العلماء في سبب الفرق بينهما، فقيل: إن سبب التفريق: أن الغلام بوله ينتشر ويتفرق في عدة مواضع، بخلاف الأنثى فإن بولها لا يتفرق، فكانت المشقة في غسل بول الغلام أكبر، فلذلك يكتفي فيه بالرش. وقيل: إن الناس يكثرون من حمل الذكر ويحبونه أكثر من الأنثى، فتعم به البلوى في بوله فاكتفي بالرش. وقيل: إن الأنثى مخلوقة من لحم؛ لأن حواء مخلوقة من آدم، وآدم من طين، وقيل غير ذلك، وكل هذه مجرد تعاليل، والمهم هو الحكم الشرعي، فنقول: سمعنا وأطعنا. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: وفي الباب عن علي وعائشة وزينب ولبابة بنت الحارث وهي: أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب وأبي السمح وعبد الله بن عمرو وأبي ليلى وابن عباس رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، ومن بعدهم مثل أحمد وإسحاق، قالوا: ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية، وهذا ما لم يطعما، فإذا طعما غُسلا جميعاً]. قال العلامة ابن القيم في (إعلام الموقعين): وهذا من محاسن الشريعة وتمام حكمتها ومصلحتها، والفرق بين الصبي والصبية من ثلاثة أوجه: أحدها: كثرة حمل الرجال والنساء للذكر، فتعم البلوى ببوله، فيشق عليهم غسله. الثاني: أن بوله لا يَنْزل في مكان واحد، بل ينزل متفرقاً ههنا وههنا، فيشق غسل ما أصابه كله، بخلاف بول الأنثى]. الثالث: أن بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذكر، وسببه حرارة الذكر ورطوبة الأنثى، فالحرارة تخفف من نتن البول، وتذيب منها ما يحصل مع الرطوبة، وهذه معان مؤثرة يحسن اعتبارها في الفَرْق. قلت: وهذه التعليلات لا يجزم بأنها هي الفوارق قطعاً. وعقَّب أحمد شاكر بقوله: وسواء سُلِّم لـ ابن القيم هذا التعليل أم لم يسلِّم، وسواء عرفنا الحكمة في الفرق بينهما أم لم نعرف، فإن الواجب على الفقيه أن يتبع أمر رسول الله حيث وجده، ولا يضرب له الأمثال. قلت: الواجب هو اتباع الدين، وأما الحكمة فإن عرفت فالحمد لله، وإلا صرنا إلى الدليل وإن لم نعرفها.

حكم بول ما يؤكل لحمه

حكم بول ما يؤكل لحمه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه. حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا حميد وقتادة وثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة، وقال: اشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام، فأُتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمل أعينهم، وألقاهم بالحرة قال أنس: فكنت أرى أحدهم يكدُّ الأرض بفيه حتى ماتوا. وربما قال حماد: يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا)]. وفي لفظ آخر: أن أنس قال: (إن هؤلاء سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله وارتدوا). وفي هذا دليل على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يشربوا من أبوال الإبل، ولم يأمرهم بغسل أفواههم لكونها نجسة، فدل هذا على أنها طاهرة، أعني: بول الإبل والبقر والغنم وكل ما يؤكل لحمه. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام عليهم حد الحرابة، فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمرت أعينهم كما فعلوا بالراعي، فقد سمروا عينه، وتُركوا في الحرة يَستسقون ولا يُسقون. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أنس رضي الله عنه]. قلت: هو في الصحيحين، وعند أبي داود والنسائي وابن ماجة. والسمر هو: أن يحمى المسمار من الحديد بالنار ويوضع على أعينهم. كما فعلوا بالراعي. والمحاربون إذا تابوا بينهم وبين ربهم بعدما أخذوا تصح توبتهم، ويكون الحد مطهراً لهم. فمن ارتد عن الإسلام ثم تاب بعد الردة وقبل الموت صحت توبته؛ لكن يقام عليه حد الحرابة؛ لقوله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة:33]، فكل واحد تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، فأقام عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حد القصاص والحرابة والردة جميعاً، فالقصاص كان في سمر أعينهم، والحرابة في قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، والردة تركوا حتى ماتوا، ولما قطعت أيديهم وأرجلهم لم تحسم بالزيت، بل تركت تنزف دماً حتى ماتوا؛ لأنهم ارتدوا. فإذا فعل شيئاً اقتص منه، وأما إذا قطع الطريق ولم يفعل شيئاً فتقطع يده ورجله من خلاف فقط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو قول أكثر أهل العلم، قالوا: لا بأس ببول ما يؤكل لحمه]. وهذا خلافاً للشافعي، فإنه يقول: بنجاسة بول ما يؤكل لحمه، وهذا قول ضعيف، والصواب قول أكثر العلماء. وأما قول الشارح: وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، ووافقهم من الشافعية: ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخري والروياني، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره. فلعله يعني بالجمهور هنا جمهور الشافعية، وأما جمهور العلماء فهم على خلاف هذا. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سليمان التيمي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ عن يزيد بن زريع. وهو معنى قوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45]، وقد روي عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن تنزل الحدود]. وهذا الحديث أخرجه مسلم في كتاب القسامة من صحيحه.

أبواب الطهارة [7]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [7] لقد بينت الشريعة المطهرة جملة من نواقض الوضوء، ومن ذلك خروج الريح والصوت من الدبر، ومس الذكر، والأكل من لحم الإبل، والنوم المستغرق، وغير ذلك مما لا يسع المسلم جهله لتعلقه بمعرفة ما تصح به صلاته.

ما جاء في الوضوء من الريح

ما جاء في الوضوء من الريح

شرح حديث: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)

شرح حديث: (لا وضوء إلّا من صوت أو ريح) قال المصنف رحمه الله: [باب: ما جاء في الوضوء من الريح. حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح]. قلت: هذا الحديث أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة. وهذا يدل على ما دل عليه الحديث الآخر في الصحيح، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وفسر أبو هريرة الحدث بالفساء أو الضراط.

شرح حديث: (إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحا بين إليتيه)

شرح حديث: (إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً بين إليتيه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً بين إليتيه فلا يخرج حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)]. أي: أن المقصود حتى يتحقق؛ لأنه دخل في الوضوء بيقين، فلا يخرج منه بشك، فاليقين لا يزول بالشك، وقد جاء في الحديث الصحيح عند أبي داود: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه فلا يخرج حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً). قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول العلماء أن لا يجب عليه الوضوء إلا من حدث، يسمع صوتاً أو يجد ريحاً]. أي أن المراد التحقق، وذلك بسماع صوت، أو أن يجد ريحاً، أو أن يجد بللاً على ذكره مثلاً، فالمراد أن يتحقق. قال رحمه الله تعالى: [وقال عبد الله بن المبارك: إذا شك في الحدث؛ فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقاناً يقدر أن يحلف عليه. وقال: إذا خرج من قُبُل المرأة الريح وجب عليها الوضوء، وهو قول الشافعي وإسحاق]. قلت: الريح إنما تخرج من الدبر فقط لا من القبل، فإذا خرج من قبل المرأة فليس بريح. قال صاحب (تحفة الأحوذي): وقال أصحاب أبي حنيفة: خروج الريح من القبل لا يوجب الوضوء. وقال القاري في (المرقاة): توجيه قول الحنفية أنه نادر فلا يشمله النص، كذا قيل، والصحيح ما قاله ابن الهمام من أن الريح الخارج من الذكر اختلاج لا ريح، فلا ينقض، كالريح الخارجة من جراحة في البطن. انتهى. قلت: وكذلك إذا خرج من قبل المرأة فليس بريح. قال: وقال بعض علماء الحنفية في شرحه (لشرح الوقاية): اتفق أصحابنا على أن الريح الخارجة من الدبر ناقضة، واختلفوا في الخارجة من الذكر وقبل المرأة: فروى القدوري عن محمد: أنه يوجب الوضوء، وبه أخذ بعض المشايخ. وقال أبو الحسن: لا وضوء فيهما، إلا أن تكون المرأة مفضاة، والمفضاة: هي التي اختلط سبيلاها: القبل والدبر، وقيل: مسلك البول والحيض، فيستحب لها الوضوء، وكان الشيخ أبو حفص الكبير يقول: إذا كانت المرأة مفضاة يجب عليها الوضوء، وإن لم تكن مفضاة لا يجب، وهكذا ذكر هشام في نوادره عن محمد. قلت: هذا صحيح؛ لاحتمال أن تكون من الدبر، وفي هذه الحالة يجب الوضوء. قال: ومن المشايخ من قال في المفضاة: إذا كان الريح منتناً يجب الوضوء، وما لا فلا، كذا في (الذخيرة)]. قلت: خروج الريح من قبل المرأة لا يوجب الوضوء، لكن ذلك من باب الاحتياط، ولاسيما إذا كان يخرج بدون اختيارها، فهذا أمر لا حيلة لها فيه، فلعل عبد الله بن المبارك ذكر ذلك من باب الاحتياط. وذكر المسجد في هذا الحديث ليس بقيد، فلو كان خارج المسجد فلا يجب عليه الوضوء إلا إذا تيقن أو غلب على ظنه الحدث.

شرح حديث: (إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)

شرح حديث: (إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)]. قلت: وهذا رواه الشيخان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن عبد الله بن زيد وعلي بن طلق وعائشة وابن عباس وابن مسعود وأبي سعيد رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح].

ما جاء في الوضوء من النوم

ما جاء في الوضوء من النوم

شرح حديث ابن عباس في صلاة النبي بعد نومه في سجود غط فيه

شرح حديث ابن عباس في صلاة النبي بعد نومه في سجود غط فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الوضوء من النوم. حدثنا إسماعيل بن موسى كوفي وهناد ومحمد بن عبيد المحاربى -المعنى واحد- قالوا: حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ، ثم قام يصلى، فقلت: يا رسول الله! إنك قد نمت؟! قال: إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله)]. قلت: هذا الحديث ضعيف. قال صاحب (تحفة الأحوذي): قال أبو داود: قوله في الوضوء: (وأنه نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة، وروى أوله جماعة عن ابن عباس لم يذكروا شيئاً من هذا. قلت: ليست بصحيحة نسبته إليه، فهو ليس من كلامه. وقد صح الحديث: (ولكن من غائط وبول ونوم)، فالمهم هو الاستغراق، فإذا نام واستغرق انتقض وضوؤه، سواء أكان مضطجعاً أم غير مضطجع، فالعبرة في النوم بالاستغراق. قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: وأبو خالد اسمه يزيد بن عبد الرحمن. قال: وفي الباب عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهم]. قال الشارح: واعلم أن الترمذي لم يحكم على حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور بشيء من الصحة أو الضعف ههنا، وقد تكلم عليه في علله المفرد، وقد تكلم عليه غيره من أصحاب الحديث. قال الحافظ في (التلخيص): مداره على يزيد أبي خالد الدالاني وعليه اختلف في ألفاظه، وضعف الحديث من أصله أحمد والبخاري فيما نقله الترمذي في (العلل المفرد)، وأبو داود في السنن والترمذي وإبراهيم الحربي في علله وغيرهم. وقال البيهقي في (الخلافيات): تفرد به أبو خالد الدالاني، وأنكره عليه جميع أئمة الحديث. وقال في (السنن): أنكره عليه جميع الحفاظ، وأنكروا سماعه من قتادة، وقال الترمذي: رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية، ولم يرفعه. انتهى. قلت: صح الحديث: (ولكن من غائط وبول ونوم). قال أبو داود: وذكرت حديث يزيد الدالاني لـ أحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له، فقال: ما لـ يزيد الدالاني يُدخِل على قتادة؟! ولم يعبأ بالحديث. يقول الترمذي في (العلل): وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء، رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس، ولم يذكر فيه أبا العالية، ولا أعرف لـ أبي خالد الدالاني سماعاً من قتادة. قلت: ذكر شعبة أن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، ثم ذكرها ولم يذكر هذا فيها.

شرح حديث أنس: (كان أصحاب رسول الله ينامون ثم يقومون ولا يتوضئون)

شرح حديث أنس: (كان أصحاب رسول الله ينامون ثم يقومون ولا يتوضئون) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون]. والمراد بالنوم هنا أنهم كانوا ينعسون، والنعاس لا يضر. قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. قال: وسمعت صالح بن عبد الله يقول: سألت عبد الله بن المبارك عمن نام قاعداً معتمداً فقال: لا وضوء عليه. قال أبو عيسى: وقد روى حديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية، ولم يرفعه. واختلف العلماء في الوضوء من النوم، فرأى أكثرهم أنه لا يجب عليه الوضوء إذا نام قاعداً أو قائماً حتى ينام مضطجعاً، وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد. وقال بعضهم: إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء، وبه يقول إسحاق]. قلت: هذا هو الأصل، فإذا نام واستغرق ولم يسمع من حوله، وصار لا يدري ما يجري حوله؛ فهذا يجب عليه الوضوء، وأما إذا نعس نعاساً يسمع معه ما يجري حوله فهذا لا وضوء عليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال الشافعي: من نام قاعداً فرأى رؤيا، أو زالت مقعدته لوسن النوم فعليه الوضوء]. فهذا يستدل به على أنه نوم مستغرق. قلت: الراجح أنه إذا نام واستغرق بحيث لا يفهم ما يجري حوله بسبب الاستغراق؛ انتقض وضوؤه، وأما إذا كان نومه نعاساً فلا ينقض الوضوء؛ لأن الصحابة كانوا ينعسون ويغطون في النعاس ثم يقومون إلى الصلاة ولا يتوضئون، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك. والاستغراق يكون غالباً في نوم المضطجع، وبعض الناس قد يستغرق وهو قائم. والمراد بالاستغراق هنا الاستغراق في النوم، وأما إذا استغرق ليستريح ولم ينم فلا يعد مستغرقاً في النوم.

ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

شرح حديث: (الوضوء مما مست النار ولو من ثور أقط)

شرح حديث: (الوضوء مما مست النار ولو من ثور أقط) قال المصنف رحمه الله: [باب: ما جاء في الوضوء مما غيرت النار. حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوضوء مما مست النار ولو من ثور أقط. قال: فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: يا أبا هريرة! أنتوضأ من الدهن؟! أنتوضأ من الحميم؟! قال: فقال أبو هريرة: يا ابن أخي! إذا سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلاً)]. الحميم: هو الماء الحار، وهذا كان في أول الإسلام، فكان الناس يتوضئون مما مسته النار، فإذا شربوا حميماً -كالقهوة والشاي اليوم أو غيرهما مما مسته النار-، أو أكلوا طعاماً؛ فإنهم يتوضئون، ثم نسخ الوضوء مما مست النار إلا لحم الإبل، فهو مستثنى من ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضئوا من لحوم الغنم) كما في حديث جابر، وفي الحديث الآخر: (سئل صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئتم، قالوا: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم). فلحم الإبل مستثنى مما سبق، فيتوضأ منه سواء أكان نيئاً أم مطبوخاً، والصواب أن جميع أجزاء الإبل تنقض الوضوء، وبعض العلماء يرى أن الذي ينقض هو اللحم الأحمر دون الشحم والأمعاء والكرش وغيرها مما ليس بلحم أحمر. والصواب الأول، فالله تعالى لما حرم لحم الخنزير قال: {وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} [البقرة:173] فشمل جميع أجزاء الخنزير، فكلها محرمة حتى شحمه وعصبه، وكذلك الحال في الوضوء من لحم الإبل. وفي هذا الحديث نجد أن أبا هريرة يرى أن الحكم الأول من الوضوء مما مست النار ما زال باقياً. والثور من الأقط هو اللبن إذا أحمي عليه بالنار فصار قطعاً. وقوله: [(فقال له ابن عباس: يا أبا هريرة: أنتوضأ من الدهن؟! أنتوضأ من الحميم؟! قال: فقال أبو هريرة: يا ابن أخي! إذا سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلاً)]. صدق في ذلك أبو هريرة رضي الله عنه، فينبغي للإنسان المسلِّم لله ولرسوله إذا سمع الحديث أن يقول: سمعنا وأطعنا، ولا يضرب الأمثال، ولا يعارض النص برأي ولا بفهم. وقد ذكر الشيخ أحمد شاكر رواية عن ابن عباس في (المسند) تشبه هذه الرواية في المعنى، قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني محمد بن يوسف أن سليمان بن يسار أخبره أنه سمع ابن عباس ورأى أبا هريرة وهو يتوضأ، فقال: أتدري مما أتوضأ؟ قال: لا، قال: أتوضأ من أثوار أقط أكلتها، قال ابن عباس: ما أبالي مما توضأت، أشهد لرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف لحم ثم قام إلى الصلاة وما توضأ: قال: وسليمان حاضر ذلك منهما جميعاً]. قال: وهذا إسناده صحيح، رواته أئمة ثقات، وهو مع رواية الترمذي يدلان على أن الجدل في هذا كان شديداً بين ابن عباس وأبي هريرة، وأنه لم يقتنع أحدهما بحجة الآخر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن أم حبيبة وأم سلمة وزيد بن ثابت وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي موسى رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء مما غيرت النار، وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار]. قال الحازمي في كتاب (الاعتبار): قد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فبعضهم ذهب إلى الوضوء مما مست النار، وممن ذهب إلى ذلك ابن عمر وأبو طلحة وأنس بن مالك وأبو موسى وعائشة وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو غرة الهذلي وعمر بن عبد العزيز وأبو مجلز لاحق بن حميد وأبو قلابة ويحيى بن يعمر والحسن البصري رحمهم الله. وذهب أكثر أهل العلم وفقهاء الأمصار إلى ترك الوضوء مما مست النار، ورأوه آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهو الصواب، فهو آخر الأمرين، ويدل على هذا حديث جابر: (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار). قال: وممن لم ير منه الوضوء: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي بن كعب وأبو أمامة وأبو الدرداء والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومن التابعين: عبيدة السلماني وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد ومن معهم من فقهاء أهل المدينة، ومالك بن أنس والشافعي وأصحابه، وأهل الحجاز وعامتهم، وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأهل الكوفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق. انتهى كلام الحازمي. قلت -القائل صاحب التحفة-: والظاهر الراجح ما ذهب إليه أكثر أهل العلم، والله تعالى أعلم. اهـ قلت: وظاهر الكلام أن أبا هريرة بقي على الأمر الأول من الوضوء مما مست النار، وخالفه ابن عباس في هذا، واشتد النزاع بينهما.

ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

شرح حديث جابر في صلاة الرسول الظهر والعصر بعد أكله من شاة

شرح حديث جابر في صلاة الرسول الظهر والعصر بعد أكله من شاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في ترك الوضوء مما غيَّرت النار. حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل سمع جابراً رضي الله عنه، قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقناع من رطب فأكل منه، ثم توضأ للظهر وصلى، ثم انصرف فأتته بُعلَالة من عُلالة الشاة فأكل، ثم صلى العصر ولم يتوضأ)]. عبد الله بن محمد بن عقيل في حفظه شيء، ولكنه هنا متابَع من قبل محمد بن المنكدر، فزال ما كنا نخشاه من خطأ عبد الله بن محمد بن عقيل. قال الشيخ أحمد شاكر: هذا حديث صحيح ليست له علة. وقد حاول بعضهم أن يعله، فنقل البيهقي في (المعرفة) عن الشافعي أنه قال: لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر، وإنما سمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر، وهو مردود برواية ابن جريج عند أحمد وأبي داود. قلت: ومحمد بن المنكدر مدلس وقد عنعن هنا، لكن في السند الآخر عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه ضعف، فرواية كل منهما تقوي رواية الآخر وتجبرها. قال الشيخ أحمد شاكر: والذي دفعهم إلى هذه الشبهة في التعليل -يعني الذين أعلوا هذا الحديث- أن سفيان بن عيينة شك في سماع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر، كما روى أحمد عن سفيان: سمعت ابن المنكدر غير مرة يقول: عن جابر، وكأني سمعته مرة يقول: أخبرني من سمع جابراً، وظننته سمعه من ابن عقيل، وابن المنكدر وعبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر فهذا الإسناد يفهم منه أن سفيان سمعه من ابن المنكدر وابن عقيل كلاهما عن جابر، ثم شك في أن ابن المنكدر سمعه من جابر، ولكن غيره لم يشك، واليقين مقدم على الشك. انتهى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن أبي بكر الصديق وابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وأبي رافع وأم الحكم وعمرو بن أمية وأم عامر وسويد بن النعمان وأم سلمة رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: ولا يصح حديث أبي بكر في هذا الباب من قبل إسناده، إنما رواه حسام بن مصك عن ابن سيرين عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح إنما هو عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا روى الحفاظ. قلت: وحديث أبي بكر ذكره الشارح فقال: قوله: (وفي الباب عن أبي بكر الصديق) قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)، أخرجه أبو يعلى والبزار، وفيه حسام بن مصك وقد أجمعوا على ضعفه، كذا في (مجمع الزوائد). قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروي من غير وجه عن ابن سيرين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه عطاء بن يسار وعكرمة ومحمد بن عمرو بن عطاء وعلي بن عبد الله بن عباس وغير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه (عن أبي بكر الصديق)، وهذا أصح. قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، رأوا ترك الوضوء مما مست النار، وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار]. قلت: وهذا هو الصواب، فيكون ناسخاً له، أو ناسخاً للوجوب مع بقاء الاستحباب، فيجمع بينهما بأن هذا محمول على استحباب الوضوء، وهذا محمول على الجواز، أو على النسخ، وحمله على الاستحباب أولى؛ لأن فيه العمل بالدليلين معاً.

ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

شرح حديث: (سئل رسول الله عن الوضوء من لحوم الإبل)

شرح حديث: (سئل رسول الله عن الوضوء من لحوم الإبل) قال المصنف رحمه الله: [باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل. حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها، وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: لا تتوضئوا منها)]. هذا الحديث دليل على وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل، وهو حديث صحيح ثابت، ومثله حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، وهذا خاص بلحم الإبل، سواءٌ أكان نيئاً أم مطبوخاً، وأما حديث جابر بن عبد الله (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) فهو عام يستثنى منه لحوم الإبل. وذهب الجمهور إلى أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وظنوا أنه داخل في عموم حديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، والصواب أن لحم الإبل مخصص من هذا العموم للأدلة السابقة، لذا فأكل لحوم الإبل ينقض الوضوء مطبوخاً كان أو نيئاً، ولو لم تمسه النار، وإلى هذا ذهب طائفة من أهل الحديث ومنهم: الإمام أحمد وابن خزيمة وجماعة من أهل الحديث. والصواب أن هذا النقض عام بجميع أجزاء الإبل، فالله تعالى لما حرم لحم الخنزير قال: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [الأنعام:145] فشمل شحمه بالإجماع. وقال بعض العلماء: إن النقض خاص بلحم الإبل الأحمر فقط، وأما الكرش والشحم والرأس والعصب فلا ينقض، والصواب أن جميع أجزاء الإبل تنقض، وأما مرق الإبل ولبنها فلا ينقض الوضوء. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن جابر بن سمرة وأسيد بن حضير. قال أبو عيسى: وقد روى الحجاج بن أرطاة هذا الحديث عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، والصحيح حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، هو قول أحمد وإسحاق، وروى عبيدة الضبي عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة الجهني. وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة فأخطأ فيه، وقال فيه: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أسيد بن حضير، والصحيح: عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب. قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حديث البراء، وحديث جابر بن سمرة. وهو قول أحمد وإسحاق، وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم أنهم لم يروا الوضوء من لحوم الإبل، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة]. قلت: وهو قول غيرهم أيضاً، كـ مالك والشافعي وجماعة. قال في (تحفة الأحوذي): قوله: (فقال: توضئوا منها) فيه دليل على أن أكل لحوم الإبل ناقض للوضوء. قال النووي: اختلف العلماء في أكل لحوم الجزور، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء. قلت: الأكثرون هنا هم الجمهور، وكلام الترمذي السابق: [وقد روي عن بعض التابعين]، كأنه يشير به إلى أنه قول الأقل. قال النووي: اختلف العلماء في أكل لحوم الجزور، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء، وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين، ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم. وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة، واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحُكيَ عن أصحاب الحديث مطلقاً، وحكي عن جماعة من الصحابة. واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم، قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان: حديث جابر وحديث البراء، وهذا المذهب أقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه. قلت: صدق، وقوله بأن هذا قول الخلفاء الأربعة فيه نظر؛ فإن ذلك يحتاج إلى ثبوت النقل عنهم، ثم كيف يخفى هذا على الخلفاء الأربعة ولاسيما الشيخين؟! فبعيد أن يخفى عليهم مثل هذا الحكم. قال: وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، ولكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، والخاص مقدَّم على العام. انتهى. قال الحافظ في (التلخيص): قال البيهقي: حكى بعض أصحابنا عن الشافعي قال: إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به. قال البيهقي: قد صح فيه حديثان: حديث جابر بن سمرة وحديث البراء، قاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. انتهى. قلت: فيكون مذهباً له.

الوضوء من مس الذكر

الوضوء من مس الذكر

شرح حديث: (من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ)

شرح حديث: (من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من مس الذكر. حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ). قال: وفي الباب عن أم حبيبة وأبي أيوب وأبي هريرة وأروى بنت أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم]. قلت: قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب. أي: حديث بسرة بنت صفوان، وهو يوجب الوضوء من مس الذكر إذا مس اللحم اللحم من دون حائل، وأما إذا مسه من وراء قفازين، أو من وراء الثوب فلا. والمراد بالكف هنا ظاهر الكف أو باطنه، فإذا مس ذكره بظهر كفه أو بطنها انتقض وضوؤه، وأما إذا مسه بذراعه، أو برجله، أو مسه من وراء حائل فلا. وهو أصح من حديث طلق بن علي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا مس ذكره فقال: (هو بضعة منك) فهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم قديماً حين جاءه طلق بن علي وهو يبني مسجده عليه الصلاة والسلام، فهو منسوخ بحديث بسرة عند جمع من أهل العلم، وهو أرجح وأصح عند آخرين، ولهذا قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب. قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهكذا روى غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة. وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، حدثنا بذلك إسحاق بن منصور حدثنا أبو أسامة بهذا. وروى هذا الحديث أبو الزناد عن عروة عن بسرة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم. حدثنا بذلك علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن بسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، قال محمد: وأصح شيء في هذا الباب حديث بسرة]. قلت: محمد هو البخاري. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب أصح، وهو حديث العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة رضي الله عنها. وقال محمد: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، وروى مكحول عن رجل عن عنبسة غير هذا الحديث، وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحاً]. قال صاحب التحفة: قوله: (وفي الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأروى بنت أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو)، وأيضاً في الباب عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وطلق بن علي والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة. فأما حديث أم حبيبة فأخرجه ابن ماجه والأثرم، وصححه أحمد وأبو زرعة، كذا في (المنتقى). وقال الخلال في العلل: صحح أحمد حديث أم حبيبة، وقال ابن السكن: لا أعلم به علة. كذا في (التلخيص). وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن ماجة. وأما حديث أبي هريرة فتقدم تخريجه، وأما حديث أروى ابنة أنيس -بضم الهمزة وفتح النون مصغراً- فأخرجه البيهقي، قال الحافظ في (التلخيص): وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: ما تصنع بهذا؟! لا تشتغل به. وأما حديث عائشة فأخرجه الدارقطني وضعفه، قال الحافظ: وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو. وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه والأثرم، وقال ابن عبد البر: إسناده صالح. وقال الضياء: لا أعلم بإسناده بأساً. وقال الشافعي: سمعت جماعة من الحفاظ غير ابن نافع يرسلونه. وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه أحمد والبزار. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والبيهقي من طريق بقية حدثني محمد بن الوليد الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: (أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ). قال الترمذي في (العلل) عن البخاري: هو عندي صحيح. وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الحاكم. وأما حديث أم سلمة فذكره الحاكم. وأما حديث ابن عباس فأخرجه البيهقي، وفي إسناده الضحاك بن حمزة، وهو منكر الحديث. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني والبيهقي. وأما حديث طلق بن علي فأخرجه الطبراني وصححه. وأما حديث النعمان بن بشير فذكره ابن منده. قلت: قال الطبراني: حدثنا الحسن بن علي الفسوي حدثنا محمد بن محمد الحنفي حدثنا حماد بن محمد الحنفي قال: حدثنا أيوب بن عتبة عن قيس بن أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس فرجه فليتوضأ)]. وقال: لم يروه عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد، وهما عندي صحيحان، ويشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم -يعني السابق قبل هذا- ثم سمع هذا بعد، فوافق حديث بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني. قلت: وكل هذه الروايات تقوي حديث بسرة، وتدل على أن العمل عليه دون حديث طلق بن علي: (إنما بضعة منك)، بل قد روي عن طلق بن علي نفسه حديث: (من مس فرجه فليتوضأ)، وفيه بعض الضعف، وهو يوافق حديث بسرة، فهو يؤيد أن حديث طلق بن علي الأول إما منسوخ، أو مرجوح بتقديم حديث بسرة بنت صفوان عليه. وأما من قال: إن هذا الحديث يدل على الاستحباب جمعاً بينه وبين حديث طلق بن علي فليس بظاهر؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على الاستحباب. فالصواب أن حديث طلق إما منسوخ أو ضعيف، وأنه يجب الوضوء من ذلك، فالأحاديث صريحة في وجوب الوضوء. قال الشارح: وقال الحافظ الحازمي في كتاب (الاعتبار): وممن روي عنه الإيجاب -يعني إيجاب الوضوء من مس الذكر- من الصحابة: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص -في إحدى الروايتين- وابن عباس -في إحدى الروايتين- رضوان الله عليهم أجمعين، ومن التابعين: عروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن كثير عن رجال من الأنصار، وسعيد بن المسيب -في أصح الروايتين- وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق، والمشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء. اهـ قلت: وهذا الحكم عام؛ لأن الأحاديث التي فيها لفظة: (فرج) تشمل الرجال والنساء، ويجب الوضوء من المس ولو كان بدون قصد. وبعضهم يسأل عن القابلة تضع قضيباً في يدها فتولد المرأة الحامل، فهل ينتقض وضوءها؟ فنقول: نعم ينتقض، وهذه حالة ليست دائمة، بل هي نادرة، فينبغي لها أن تتوضأ ولا يكلفها ذلك شيء.

ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

شرح حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر

شرح حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر. حدثنا هناد حدثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي -هو الحنفي - عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وهل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه). وفي الباب عن أبي أمامة رضي الله عنه. قال أبو عيسى: وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك]. قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (وفي الباب عن أبي أمامة). أخرجه ابن ماجه، وفي سنده جعفر بن الزبير، وهو متروك والقاسم وهو ضعيف. قال الحافظ الزيلعي: وهو حديث ضعيف، قال البخاري والنسائي والدارقطني في جعفر بن الزبير: متروك، والقاسم أيضاً ضعيف. قوله: (وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) وبعض أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك. قال الحازمي في كتاب (الاعتبار): وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فذهب بعضهم إلى حديث طلق بن علي، ورأوا ترك الوضوء من مس الذكر، روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين، وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين، وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وربيعة بن عبد الرحمن وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ويحيى بن معين وأهل الكوفة. اهـ واستدل هؤلاء بحديث طلق بن علي المذكور في هذا الباب. وأجاب ابن الهمام عن حديث بسرة بنت صفوان المذكور في الباب المتقدم بأن حديث طلق بن علي يترجح عليه بأن حديث الرجال أقوى؛ لأنهم أحفظ للعلم وأضبط، ولهذا جُعلت شهادة امرأتين بمنزلة رجل. قلت: وهذه دعوى تحتاج إلى دليل. قال: وفيه أن بسرة بنت صفوان لم تنفرد بحديث إيجاب الوضوء من مس الذكر، بل رواه عدة من رجال الصحابة، منهم: أبو هريرة، وحديثه صحيح كما عرفت، ومنهم عبد الله بن عمرو، وحديثه -أيضاً- صحيح كما عرفت، ومنهم جابر، وإسناد حديثه صالح كما عرفت، ومنهم زيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن عمر وغيرهم، وتقدم تخريج أحاديثهم. قلت: إذاً: فالقول بأن بسرة انفردت به من تعصب الحنفية المعروف، فقد رواه عدة من الصحابة. قال: وأجاب بعضهم بأن حديث طلق أثبت من حديث بسرة، فقد أسند الطحاوي إلى ابن المديني أنه قال: حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة، وعن عمرو بن علي الفلاس أنه قال: حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة. وفيه أن الظاهر أن حديث بسرة هو الأثبت والأقوى والأرجح، قال البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يخرجه الشيخان، ولم يحتجا بأحد من رواته، وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته، كذا في (التلخيص). وقال في حاشيته على شرح الوقاية: إن أحاديث النقض أكثر وأقوى من أحاديث الرخصة. اهـ وأجاب بعضهم بأن حديث بسرة منسوخ بحديث طلق، وفيه أن هذا دعوى من غير دليل، بل الدليل يقتضي خلافه كما ستعرف عن قريب. وأجاب بعضهم بأن المراد بالوضوء في حديث بسرة الوضوء اللغوي، أو غسل اليد. وفيه أن الواجب أن تحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية، على أنه قد وقع في حديث ابن عمر عند الدارقطني: (فليتوضأ وضوءه للصلاة). وقال بعضهم: إن حديث بسرة وحديث طلق تعارضا فتساقطا، والأصل عدم النقض. وذكر في المغني رواية عن أحمد في تعمد مس الذكر، فقال: فصل: فعلى رواية النقض لا فرق بين العامد وغيره، وبه قال الأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو أيوب وأبو خيثمة؛ لعموم الخبر، وعن أحمد: لا ينتقض الوضوء إلا بمسه قاصداً مسه. قال أحمد بن الحسين: قيل لـ أحمد: الوضوء من مس الذكر؟ فقال: هكذا، فقبض على يده، وهذا قول مكحول وطاوس وسعيد بن الجبير وحميد الطويل، قالوا: إن مسه يريد وضوءاً وإلا فلا شيء عليه؛ لأنه لمس، فلا ينقض الوضوء من غير قصد، كلمس النساء. قلت: هذه رواية مرجوحة. قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك، وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب]. قلت: وهذا كما قال البخاري. قال رحمه الله تعالى: [وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه، وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر وأيوب بن عتبة، وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن]. قوله: [وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب]. قال في الشرح: وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن حبان والطبراني وابن حزم، وقال ابن المديني: هو أحسن من حديث بسرة، وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي، وادعى فيه النسخ ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون، كذا في (التلخيص). قلت: الخلاف مشهور، لكن حديث بسرة أصح. قلت: والصواب أن المس خاص باليد، ففي بعض الروايات: (من مس فرجه بيده فليتوضأ)، واليد إذا أطلقت فالمراد بها الكف، كما قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38]، والمراد الكف إلى الرسغ، والمراد بالكف ظاهره وباطنه. وهذا قول عطاء والأوزاعي، وقال مالك والليث والشافعي وإسحاق: لا ينقض مسه إلا بباطن كفه؛ لأن ظاهر الكف ليس بآلة اللمس، فأشبه ما لو مسه بفخذه. ولكن الصواب أن الباطن والظاهر سواء، فلا فرق في الكف بين ظاهرها وباطنها، وأما المس بالذراع أو الرجْل أو الفخذ فلا ينقض الوضوء.

أبواب الطهارة [8]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [8] من الأحكام الشرعية الثابتة في ديننا ما يتعلق بنواقض الوضوء، وفي جملة منها وفاق بين أهل العلم، وفي جملة منها نزاع بينهم، ومن ذلك القبلة، والقيء، والرعاف، كما أن من أحكام الوضوء وجوب حصوله بالماء المطلق دون المقيد، ويتصل بذلك معرفة طهارة المياه، ومن جملتها مياه آسار الحيوانات.

ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

شرح حديث عائشة: (أن النبي قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ)

شرح حديث عائشة: (أن النبي قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) قال المصنف رحمه الله: [باب: ما جاء في تَرك الوضوء من القبلة. حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار الحسين بن حريث قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت). قال أبو عيسى: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، قالوا: ليس في القبلة وضوء. وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في القبلة وضوء، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين]. قلت: لأن القبلة مس، فالقبلة بالفم مس للمرأة، وفاعل ذلك ينتقض وضوؤه عند الشافعية والحنابلة، وكذلك ينتقض وضوؤه إذا كان عن شهوة، والمعروف أن القبلة إنما تكون عن شهوة، والصواب أن المس لا ينقض الوضوء، سواء أكان عن شهوة أم عن غير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء فإنه ينتقض الوضوء، وأما قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43] فالمراد به الجماع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم؛ لحال الإسناد]. قال صاحب (تحفة الأحوذي): فهو ضعيف، لكن قال الشوكاني في (النيل): الضعيف منجبر بكثرة رواياته، وبحديث لمس عائشة رضي الله عنها لبطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم، والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها لقدمه بما ذكره ابن حجر في (الفتح) من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل، أو أن ذلك خاص به تكلف ومخالفة للظاهر. انتهى كلامه. وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة. قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (عن عروة) قال الحافظ الزيلعي في (نصب الراية): لم ينسب الترمذي عروة في هذا الحديث أصلاً، وأما ابن ماجة فإنه نسبه فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة فذكره، وكذلك رواه الدارقطني، ورجال هذا السند كلهم ثقات. انتهى وكذلك قال الحافظ ابن حجر، وقال: وأيضاً فالسؤال الذي في رواية أبي داود ظاهر في أنه ابن الزبير؛ لأن المزني -يعني عروة المزني - لا يجسر أن يقول ذلك الكلام لـ عائشة. انتهى كلام الحافظ. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؛ لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد، قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جداً، وقال: هو شبه لا شيء، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة]. قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (وقال: هو شبه لا شيء) يعني أنه ضعيف، والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة. قال ابن أبي حاتم في كتاب (المراسيل): ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: لم يسمع حبيب بن أبي ثابت عن عروة، وكذلك قال أحمد: لم يسمع من عروة. انتهى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ)، وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لـ إبراهيم التيمي سماعاً من عائشة، وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء]. قلت: حبيب بن أبي ثابت ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، كما في (التقريب). وقد اختلف في عروة هذا هل هو ابن الزبير أو المزني، والصواب أنه عروة بن الزبير؛ لأن عروة المزني لا يجرؤ على أن يسأل عائشة هذا السؤال. وقال أبو داود: ولقد ثبت في أحاديث أخر أن حبيب بن أبي ثابت يروي عن عروة بن الزبير.

ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

شرح حديث: (قاء فأفطر فتوضأ)

شرح حديث: (قاء فأفطر فتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف. حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر -وهو أحمد بن عبد الله الهمداني الكوفي - وإسحاق بن منصور -قال أبو عبيدة: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا- عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له، فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه)]. قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة. قال أبو عيسى: وابن أبي طلحة أصح]. قال أبو عيسى: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي. وقد جود حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب، وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان، وإنما هو معدان بن أبي طلحة]. وهذا -إن صح- محمول على تعمد القيء، وأنه قد يكون مريضاً، والمريض له أن يتقيأ إن كان مضطراً حتى يزول ما يحس به من التعب والألم، أما إن عصر بطنه، أو أدخل أصابعه في حلقه فتقيأ متعمداً فهذا يفطر. وأما إذا غلبه القيء وذرعه فلا يفطر، وفي الحديث: (من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه). قال الشارح رحمه الله تعالى: وأورده الحافظ في التلخيص بهذا اللفظ، حيث قال: حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر رواه أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم من حديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر. قال معدان: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق إلخ، ورواه الطحاوي بهذا اللفظ في شرح الآثار. فمن يروم الاستدلال بحديث الباب على أن القيء ناقض للوضوء لا بد له من أن يثبت أن لفظ (توضأ) بعد لفظ (قاء) محفوظ، فما لم يثبت هذان الأمران لا يتم الاستدلال. وقال الشارح: قلت: الاستدلال بحديث الباب موقوف على أمرين: الأول: أن تكون الفاء في (فتوضأ) للسببية، وهو ممنوع كما عرفت، والثاني: أن يكون لفظ (فتوضأ) بعد لفظ (قاء) محفوظاً، وهو محل تأمل، فإنه روى أبو داود هذا الحديث بلفظ (قاء فأفطر)، وبهذا اللفظ ذكر الترمذي في كتاب الصيام حيث قال: وروي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر. قال: وإنما معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً فقاء، فضعف (فأفطر) لذلك]. إذاً: المحفوظ في الصيام بلفظ قاء فأفطر، أما (فتوضأ) ففي ثبوتها نظر، ويحتمل أنه توضأ بعد ذلك لسبب آخر غير القيء، وقد تكون فاء (فتوضأ) للسببية، أي: قاء فتوضأ من أجل القيء، فإذا ثبت أن الفاء سببية صار القيء يوجب الوضوء، وفي ثبوتها نظر، لكن في الصيام يحمل على أنه تقيأ متعمداً فأفطر، أما وجوب الوضوء ففيه نظر.

ما جاء في الوضوء بالنبيذ

ما جاء في الوضوء بالنبيذ

شرح حديث الوضوء بالنبيذ

شرح حديث الوضوء بالنبيذ قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ: حدثنا هناد حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألني النبي صلى الله عليه وسلم: ما في إداوتك؟ فقلت: نبيذ، فقال: تمرة طيبة وماء طهور، قال: فتوضأ منه). قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا تعرف له رواية غير هذا الحديث]. هذا حديث ضعيف رواه الإمام أحمد أيضاً في المسند، وقال: لا يعمل به ولا يصح العمل به، والنبيذ هو العصير، والعصير لا يتوضأ به؛ لأنه ليس ماءً مطلقاً، وإنما هو مقيد، والله تعالى يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، ويقال له: ماء نبيذ، والماء المقيد يسلب عنه اسم الماء المطلق إذا كان معصوراً مع بعض الأشجار، أو الفواكه، أو كان فيه لبن أو ما أشبه ذلك فتغير اسمه، أي: سلب الاسم بسب اختلاطه بشيء آخر، فلا يصح الوضوء به. والسند فيه أبو زيد، وهو مجهول، وشريك، وهو شريك القاضي ساء حفظه لما تولى القضاء.

أقوال العلماء في الوضوء بالنبيذ

أقوال العلماء في الوضوء بالنبيذ قال الشارح رحمه الله تعالى: وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ، منهم: سفيان الثوري وغيره. وهذا ضعيف، وأظنه مذهب الأحناف. قال: وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. قلت: وهو الصواب؛ لأنه ليس ماءً مطلقاً وإنما هو ماء مقيد، ولا يتوضأ إلا بالماء المطلق، أما المقيد -كعصير الأشجار وعصير الفواكه، والماء الذي اختلط باللبن أو صب فيه حبر فتغير، وصار لا يسمى ماءً إلا بالقيد- فلا يتوضأ به. قال: وقال إسحاق: إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي. قلت: لأنه مشكوك فيه، أي: توضأ بالنبيذ ثم تيمم لأنه شاك؛ فيتيمم من باب الاحتياط؛ لاحتمال أنه لا يجوز الوضوء به فيجمع بين الأمرين. والصواب أنه إذا لم يجد ماء تيمم، فإن كان عنده عصير فواكه ولم يجد ماء فلا يتوضأ من العصير، بل يتيمم. قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: وقول من يقول: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]]. والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة. قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ، منهم سفيان وغيره) ومنهم أبو حنيفة، قال في شرح الوقاية: فإن عدم الماء إلا نبيذ التمر، قال أبو حنيفة بالوضوء به فقط، وأبو يوسف بالتيمم فحسب، ومحمد بهما، انتهى. واستدل لهم بحديث عبد الله بن مسعود المذكور في الباب، وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وروي أن الإمام أبا حنيفة رجع إلى قول أبي يوسف، قال القاري في المرقاة: وفي (خزانة الأكمل) قال: التوضؤ بنبيذ التمر جائز من بين سائر الأشربة عند عدم الماء، ويتيمم معه عند أبي حنيفة، وبه أخذ محمد، وفي رواية عنه: يتوضأ ولا يتيمم، وفي رواية: يتيمم ولا يتوضأ. وبه أخذ أبو يوسف وروى نوح الجامع أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول، انتهى. وقال العيني في شرح البخاري (ص849، ج1) ما لفظه: وفي أحكام القرآن لـ أبي بكر الرازي عن أبي حنيفة في ذلك ثلاث روايات: إحداها: يتوضأ به ويشترط فيه النية ولا يتيمم، وهذه هي المشهورة. قال قاضي خان: هو قوله الأول، وبه قال زفر، والثانية: يتيمم ولا يتوضأ. رواها عنه نوح بن أبي مريم وأسد بن عمر والحسن بن زياد، قال قاضي خان: وهو الصحيح عنه والذي رجع إليه، وبها قال أبو يوسف وأكثر العلماء، واختار الطحاوي هذا. والثالثة: روي عنه الجمع بينهما، وهذا قول محمد انتهى. وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وبه قال أكثر العلماء وجمهورهم، ودليلهم أن النبيذ ليس بماء، قال الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43] وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وضعف الطحاوي -أيضاً- حديث عبد الله بن مسعود، واختار أنه لا يجوز بالنبيذ الوضوء في سفر ولا في حضر، وقال: إن حديث ابن مسعود روي من طرق لا تقوم بمثلها حجة، وقد قال عبد الله بن مسعود: إني لم أكن ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووددت أني كنت معه). [وقول من قال: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43] أي: والنبيذ ليس بماء. قال ابن العربي في العارضة: والماء يكون في تصفيته ولونه وطعمه، فإذا خرج عن إحداها لم يكن ماء. وقال: فلم يجعل بين الماء والتيمم واسطة، وهذه زيادة على ما في كتاب الله عز وجل، والزيادة عندهم على النص نسخ، ونسخ القرآن عندهم لا يجوز إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر، ولا ينسخ الخبر الواحد إذا صح، فكيف إذا كان ضعيفاً مطعوناً فيه؟! انتهى. تنبيه: قال صاحب العرف الشذي: وأما قول: إنه يلزم الزيادة على القاطع بخبر الواحد، فالجواب أنه وإن كان الماء المنبذ مقيداً في بادئ الرأي إلا أن العرب يستعملون النبيذ موضع الماء المطلق، فلم يكن على طريق التفكه، بل يكون مثل الماء المخلوط بالثلج المستعمل في زماننا، فإنه لا يقول أحد بأنه ماء مقيد. انتهى. قال الشارح: قلت: هذا الجواب واه جداً؛ فإن النبيذ لو كان مثل الماء المخلوط بالثلج لم يقع الاختلاف في جواز التوضؤ به عند عدم الماء. قلت: الثلج هو ماء منعقد، وليس مثل النبيذ، بل الثلج ينعقد من الماء ويذوب فيكون ماء، فليس مثل النبيذ. قال الشارح رحمه الله تعالى: والعجب كل العجب أنه كيف تفوه بأن النبيذ مثل الماء المخلوط بالثلج، ومعلوم أن الثلج نوع من أنواع من المياه الصرفة، فالماء المخلوط به ماء صرف، وأما النبيذ فليس بماء صرف، بل هو ماء اختلط به أجزاء ما ألقي فيه من التمر وغيره.

ما جاء في المضمضة من اللبن

ما جاء في المضمضة من اللبن

شرح حديث تمضمض النبي بعد شربه اللبن

شرح حديث تمضمض النبي بعد شربه اللبن قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في المضمضة من اللبن: حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فدعا بماء فمضمض، وقال: إن له دسماً). قال: وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وأم سلمة رضي الله عنهما. قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح. وقد رأى بعض أهل العلم المضمضة من اللبن، وهذا عندنا على الاستحباب، ولم ير بعضهم المضمضة من اللبن]. المضمضة من اللبن مستحبة وليست بواجبة، وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا ولم يتمضمض، فدل على الجواز.

كراهة رد السلام غير متوضئ

كراهة رد السلام غير متوضئ

شرح حديث ابن عمر: (أن رجلا سلم على النبي وهو يبول فلم يرد عليه)

شرح حديث ابن عمر: (أن رجلاً سلم على النبي وهو يبول فلم يرد عليه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهة رد السلام غير متوضئ: حدثنا نصر بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا أبو أحمد ومحمد بن عبد الله الزبيري عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فلم يرد عليه). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسر بعض أهل العلم ذلك، وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب. قال أبو عيسى: وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ وعبد الله بن حنظلة وعلقمة بن الفغواء وجابر والبراء رضي الله عنهم]. والحديث أخرجه مسلم. قال الشارح رحمه الله تعالى: أما حديث المهاجر بن قنفذ فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة بلفظ: (إنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه، وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة)، وفي لفظ أبي داود: (وهو يبول). وأما حديث عبد الله بن حنظلة فأخرجه أحمد بلفظ: (إن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بال، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال بيده إلى الحائط، يعني أنه تيمم). قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه رجل لم يسم. انتهى. وأما حديث علقمة بن الفغواء فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهرق الماء نكلمه فلا يكلمنا حتى يأتي منزله فيتوضأ وضوءه للصلاة، قلنا: يا رسول الله! نكلمك فلا تكلمنا ونسلم عليك فلا ترد علينا حتى نزلت آية الرخصة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6]). قال الهيثمي: وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف. انتهى. وأما حديث جابر -وهو ابن عبد الله رضي الله عنهما- فأخرجه ابن ماجة وقد تقدم لفظه، وفي الباب عن جابر بن سمرة أيضاً قال: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه فلم يرد علي، ثم دخل بيته ثم خرج، فقال: وعليكم السلام)، أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، وقال: تفرد به الفضل بن أبي حسان. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: لم أجد من ذكره. وأما حديث البراء -وهو ابن عازب رضي الله عنهما- فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: (إنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه السلام حتى فرغ)، قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه. انتهى. قال الشارح رحمه الله: قوله: (فلم يرد عليه) في هذا دلالة على أن المسلم في هذه الحالة لا يستحق جواباً، وهذا متفق عليه بين العلماء، بل قالوا: يكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط، فإن سلم كره له رد السلام، ويكره للقاعد لقضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشيء من الأذكار، فلا يرد السلام، ولا يشمت العاطس، ولا يحمد الله تعالى إذا عطس. قلت: الكراهة للتحريم، فلا يجوز له أن يتكلم إلا للضرورة، كأن يتكلم -مثلاً- إذا قرب أعمى من حفرة أو ما أشبه ذلك، أما رد السلام فليس له أن يرد وهو على هذه الحالة. قال الشارح رحمه الله تعالى: وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن ماجة: (أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت ذلك لن أرد عليك) ا. هـ. وهل يسلم على المتوضئ في المغاسل؟ و A لا بأس إذا كانت المغاسل خارج الحمام، أما إذا كانت داخل الحمام فيكون الأمر من هذا الباب. قال البوصيري في الزوائد: إسناد حديث جابر حسن. قال المصنف رحمه الله تعالى: [إنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسر بعض أهل العلم ذلك. يريد حديث: (لا يذكر الله إلا على طهر) والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سلم عليه أتى الحائط وتيمم، ثم رد السلام، وكراهة التنزيه تشمل غير المتوضئ، لكن جاء في بعض الأحاديث أن هذا قبل أن تنزل آية الوضوء. قال الشارح رحمه الله: قوله (وإنما يكره هذا) أي: رد السلام (إذا كان) أي الذي سلم عليه (على الغائط والبول)، وأما إذا فرغ وقام؛ فلا كراهة في رد السلام، وعلى هذا فلا مطابقة بين الحديث والباب، إذ الحديث خاص والباب عام. قلت: لكن لعله يريد أن العموم يشمل كراهة التنزيه، وأن الأولى أن لا يرد عليه السلام حتى يتوضأ، لكن كون الإنسان لا يرد السلام إلا إذا كان على وضوء، وأن الكراهة في حقه كراهة تنزيه فيه نظر، فأرى أنه لا بأس برد السلام ولا حرج في ذلك، ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه، والسلام من الذكر.

ما جاء في سؤر الكلب

ما جاء في سؤر الكلب

شرح حديث (يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات)

شرح حديث (يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات) قال المصنف رحمه الله: [باب ما جاء في سؤر الكلب: حدثنا سوار بن عبد الله العنبري حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت أيوب يحدث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات، أولاهن أو أخراهن بالتراب، وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة)]. أخرج الشيخان وغيرهما أن الكلب إذا ولغ في الإناء يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب، وفي لفظ: (إحداهن بالتراب) والأولى أن تكون الأولى حتى يغسلها ما بعدها. أما الهرة فسؤرها طاهر؛ لأنها ليست بنجسة، أما حديث (أمرت بغسل الأنجاس سبعاً) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم، والحديث ثابت في شأن الكلب. قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولم يذكر فيه: (إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة)]. وغسل الكلب سبع مرات ثابت في الصحاح والسنن والمسانيد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: وفي الباب عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه]. قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولم يذكر فيه: (إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة)، قال الحافظ في الدراية بعد نقل هذا الحديث عن جامع الترمذي، وذكر قوله هذا: وقد أخرجه أبو داود وبين أن حديث الهر موقوف. انتهى. أي: موقوف على أبي هريرة. قال الشارح رحمه الله تعالى: وقال البيهقي في المعرفة: حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة: (إذا ولغ الهر غسل مرة)، فقد أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ولوغ الكلب ووهموا فيه، والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع، وفي ولوغ الهر موقوف، ميزه علي بن نصر الجهضمي عن قرة بن خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة ووافقه عليه جماعة من الثقات. وروى الدارقطني هذا الحديث في سننه من طريق أبي بكر النيسابوري عن حماد وبكار عن أبي عاصم عن قرة بن خالد عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طهور الإناء إذا ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرات، الأولى بالتراب، والهرة مرة أو مرتين)، قرة يشك. ثم قال الدارقطني: قال أبو بكر: كذا رواه أبو عاصم مرفوعاً، ورواه غيره عن قرة ولوغ الكلب مرفوعاً، وولوغ الهر موقوفاً. انتهى.

ما جاء في سؤر الهرة

ما جاء في سؤر الهرة

شرح حديث: (إنها ليست بنجس)

شرح حديث: (إنها ليست بنجس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في سؤر الهرة: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك -وكانت عند ابن أبي قتادة - أن أبا قتادة دخل عليها، قالت: فسكبت له وضوءاً، قالت: فجاءت هرة تشرب، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟! فقلت: نعم. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس؛ إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات). وقد روى بعضهم عن مالك: (وكانت عند أبي قتادة) والصحيح (ابن أبي قتادة). قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، مثل الشافعي وأحمد وإسحاق، لم يروا بسؤر الهرة بأساً، وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب، وقد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأت به أحد أتم من مالك]. قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (هذا حديث حسن صحيح)، وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني. قال الحافظ في بلوغ المرام: صححه الترمذي وابن خزيمة، وقال في التلخيص: وصححه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني. قلت: وهو دليل على طهارة سؤر الهرة، وأما قول أبي هريرة: إن سؤر الهر يغسل مرة؛ فهو اجتهاد منه، وإلا فالحديث يدل على أن سؤر الهرة طاهر، ولا يغسل الإناء إن شربت منه. ولهذا قال بعض العلماء -كـ ابن حبان وغيره-: إن سؤر الهرة وما دونها في المشقة طاهر، مثل الفأرة وما أشبهها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين العلة لدفع المشقة، فقال: (إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات)، فلكثرة دورانها وطوافها على أهل البيت يشق التحرز منها؛ فلهذا كان سؤرها طاهر. واجتهاد أبي هريرة خالف ما دل عليه الحديث، فهو يرى أن سؤر الهرة يجب غسله مرة، لأنه نجس، والحديث يدل على أن سؤرها طاهر. قال الشارح رحمه الله تعالى: قال الشوكاني في النيل: والحديث يدل على وجوب الغسلات السبع من ولوغ الكلب، وإليه ذهب ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وجماعة. وقال النووي: فيه وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات، وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجماهير، وقال أبو حنيفة: يكفي غسله ثلاث مرات. انتهى. وقال الحافظ في الفتح: أما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب، واعتذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور، منها: كون أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات، فثبت بذلك نسخ السبع، وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها، أو كان نسي ما رواه، ومع الاحتمال لا يثبت النسخ. وأيضاً فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعاً، ورواية من روى عنه موافقة فتياه، وروايته أصح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر. أما النظر فظاهر، وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه، وهذا من أصح الأسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه، وهو دون الأول في القوة بكثير، ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب]. قال الشارح رحمه الله: قوله: (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة بأساً) يعني أن سؤر الهرة طاهر من غير كراهة عند هؤلاء الأئمة، وهو قول مالك وغيره من أهل المدينة، والليث وغيره من أهل مصر، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، والثوري ومن وافقه من أهل العراق، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وعلقمة وإبراهيم وعطاء بن يسار وجماعة، وهو رواية عن محمد، ذكره الزاهدي في شرح مختصر القدوري والطحاوي، كذا في التعليق الممجد، وقال الحنفية: إن سؤر الهرة طاهر مع الكراهة. واحتج الأولون بأحاديث الباب، وقولهم هو الحق والصواب. واحتج الحنفية بأن أحاديث الباب تدل على طهارته، والأمر بغسل الإناء لولوغ الهرة -وكذلك كونها سبعاً- يدل بظاهره على نجاسته، فأثبتوا حكم الكراهة عملاً بهما. ورد احتجاجهم هذا بأن الأمر بغسل الإناء لولوغ الهرة لم يثبت، وأما ما ورد في حديث أبي هريرة المذكور في الباب المتقدم من الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة بلفظ: (وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة)، فقد عرفت أنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مدرج. وقال القاري في المرقاة بعد ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه: وأما خبر (يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً ومن ولوغ الهرة مرة) فمدرج من قول أبي هريرة كما بينه البيهقي وغيره، وإن خفي على الطحاوي، ولذا قال: سؤر الهرة مكروه كراهة تحريم. قال: وأما ما اشتهر بين الناس من أنه صلى الله عليه وسلم قطع ذيل ثوبه الذي رقدت عليه هرة فلا أصل له. انتهى]. قلت: الحاصل أنه يحمل على أنه اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه، والصواب أن سؤر الهرة طاهر. قال الشارح رحمه الله تعالى: وأما حديث: (حب الهرة من الإيمان) فموضوع على ما قاله جماعة كـ الصنعاني، ذكره القاري. قلت: قوله: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات)، أي: يشق دورانها وطوافها، ولم يذكر استحباب تربيتها، وأقل أحوال ذلك هو الإباحة إذا احتاج إلى ذلك. فإن قيل: هل جسد الهرة طاهر؟ فالجواب أن الجسد طاهر، أما بولها فنجس.

أبواب الطهارة [9]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [9] لقد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، وتمتاز شرعته المطهرة بمراعاة المكلفين والتيسير لهم، ومما يوضح ذلك تشريع المسح على الخفين -وكذا الجوربين- للمشقة الحاصلة في نزعهما عند كل وضوء، ويلحق بالخفين العمامة المحنكة، فإنه يجوز الاكتفاء بالمسح عليها عن مسح الرأس؛ دفعاً لمشقة نزعها على المكلف.

ما جاء في المسح على الخفين

ما جاء في المسح على الخفين

شرح حديث المسح على الخفين

شرح حديث المسح على الخفين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المسح على الخفين: حدثنا هناد حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: (بال جرير بن عبد الله رضي الله عنه، ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أتفعل هذا؟! قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله). قال إبراهيم: وكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة. هذا قول إبراهيم، يعني: كان يعجبهم]. أحاديث المسح على الخفين بلغت حد التواتر، رواها من الصحابة نحو سبعين صحابياً، وكان يعجبهم قول جرير؛ لأن جريراً أسلم بعد آية المائدة، وآية المائدة هي آية الوضوء، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] وهناك من يقول: إن المسح على الخفين كان قبل نزول آية الوضوء، ويرد عليهم بأن جريراً أسلم بعد ذلك، ولما قيل لـ جرير: أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ قال: وهل أسلمت إلا بعد المائدة. وقد خالف في ذلك الرافضة فأنكروا المسح على الخفين، وقالوا: يجب على من عليه خفين أن يخلعهما، وأن يمسح ظهور القدمين، وإن كانت الرجلان مكشوفتين فلا يجوز غسلهما، وإنما يمسح ظاهر الرجلين إلى الكعبين، وليس الكعبان هما العظمين الناتئين في جانب القدمين، وإنما هما عند معقد الشراك. ولهذا ذكر العلماء هذا في العقائد، يقول العلماء في العقائد: (ونرى المسح على الخفين) مع أن المسح من الفروع، والقصد من ذلك الرد على الرافضة الذين أنكروا المسح على الخفين. قال رحمه الله تعالى: [قال: وفي الباب عن عمر وعلي وحذيفة والمغيرة وبلال وسعد وأبي أيوب وسلمان وبريدة وعمرو بن أمية وأنس وسهل بن سعد ويعلى بن مرة وعبادة بن الصامت وأسامة بن شريك وأبي أمامة وجابر وأسامة بن زيد وابن عبادة -ويقال: ابن عمارة - وأبي بن عمارة رضي الله عنهم. قال أبو عيسى: حديث جرير حديث حسن صحيح. ويروى عن شهر بن حوشب قال: (رأيت جرير بن عبد الله رضي الله عنه توضأ ومسح على خفيه، فقلت له في ذلك؟ فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه، فقلت له: أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة). حدثنا بذلك قتيبة حدثنا خالد بن زياد الترمذي عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير]. هذا فيه إزالة الشبهة لمن اشتبه عليه الأمر، وهو أن المسح على الخفين كان بعد نزول آية المائدة. قال رحمه الله تعالى: [قال: وروى بقية عن إبراهيم بن أدهم عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير. وهذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين بعد نزول المائدة].

ما جاء في المسح على الخفين للمسافر والمقيم

ما جاء في المسح على الخفين للمسافر والمقيم

شرح حديث مدة مسح المسافر والمقيم على الخفين

شرح حديث مدة مسح المسافر والمقيم على الخفين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم: حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه سئل عن المسح على الخفين فقال: للمسافر ثلاثة وللمقيم يوم)]. ومثله حديث علي: (للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة). قال المصنف رحمه الله تعالى: [وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت في المسح، وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد، ويقال: عبد الرحمن بن عبد. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن علي وأبي بكرة وأبي هريرة وصفوان بن عسال وعوف بن مالك وابن عمر وجرير رضي الله عنهم]. قال الشارح: قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجه. اهـ.

شرح حديث صفوان: (كان رسول الله يأمرنا إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن)

شرح حديث صفوان: (كان رسول الله يأمرنا إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح]. قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي، قاله الحافظ في التلخيص، وقال فيه: قال الترمذي عن البخاري: حديث حسن، وصححه الترمذي والخطابي ومداره عندهم على عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه، وذكر ابن منده أبو القاسم أنه رواه عن عاصم أكثر من أربعين نفساً، وتابع عاصماً عليه عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو ومحمد بن سوقة، وذكر جماعة معه. ومراده أصل الحديث؛ لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة، والمرء مع من أحب، وغير ذلك، لكن حديث طلحة عند الطبراني بإسناد لا بأس به، انتهى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روى الحكم بن عتيبة وحماد عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت، ولا يصح. قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح]. أي أنه منقطع، لكن قد ينجبر هذا الانقطاع بحديث علي. قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (ولا يصح) بين الترمذي وجه عدم الصحة بقوله: (قال علي بن المديني) وهذا الحديث بهذا السند أخرجه أبو داود في سننه، قال الحافظ في التخليص: حديث خزيمة بن ثابت: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن ولو استزدناه لزاد) رواه أبو داود بزيادة، وابن ماجه بلفظ: (ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمساً). ورواه ابن حبان باللفظين معاً، ورواه الترمذي وغيره بدون زيادة، قال الترمذي: قال البخاري: لا يصح عندي؛ لأنه لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة. وذكر عن يحيى بن معين أنه قال: هو صحيح، وقال ابن دقيق العيد: الروايات متظافرة متكاثرة برواية التيمي له عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة، وقال ابن أبي حاتم في العلل: قال أبو زرعة: الصحيح من حديث التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة مرفوعاً، والصحيح عن النخعي عن الجدلي بلا واسطة، وادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على ضعف هذا الحديث، وتصحيح ابن حبان له يرد عليه، مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضاً كما تقدم، والله أعلم، انتهى ما في التلخيص. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال زائدة عن منصور: كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي، فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين. قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي. قال أبو عيسى: وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن. قال أبو عيسى: وقد روي عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس. وقال أبو عيسى: والتوقيت أصح، وقد روي هذا الحديث عن صفوان بن عسال -أيضاً- من غير حديث عاصم]. الصواب التوقيت، أما قول المالكية في عدم التوقيت فهو ضعيف. قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (وقد روي عن بعض أهل العلم) قال الشوكاني في النيل: قال مالك والليث بن سعد: لا وقت للمسح على الخفين، ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له، والمقيم والمسافر في ذلك سواء. وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري. انتهى. ويروى ذلك عن الشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك، ذكره العيني، والحجة لهم في هذا حديث أبي بن عمارة أنه قال: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوماً؟ قال: نعم، قال: ويومين؟ قال: نعم، قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئت)، أخرجه أبو داود، وقال: ليس بقوي. قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث: أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم في المستدرك، قال أبو داود: ليس بالقوي، وضعفه البخاري فقال: لا يصح، وقال أبو داود: اختلف في إسناده وليس بالقوي، وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد: رجاله لا يعرفون. وقال أبو الفتح الأزدي: هو حديث ليس بالقائم، ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه، قلت: وبالغ الجوزقاني فذكره في الموضوعات، انتهى. ولهم في عدم التوقيت أحاديث أخرى لكن ليس فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل، فإن منها ما هو صحيح فليس بصريح في المقصود، وما هو صريح فليس بصحيح (والتوقيت أصح) يعني: التوقيت هو الصحيح، فإن أحاديثه كثيرة صحيحة، وليس في عدم التوقيت حديث صحيح]. الصواب هو التوقيت الذي عليه أهل العلم، ويمكن أن يكون فيه شيء خاص للضرورة، لكن ليس معناه أنهم لا يرون التوقيت، ولو صح لكان اجتهاداً، ومن المعلوم أنه قد يجتهد بعض الصحابة.

ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

شرح حديث: (مسح أعلى الخف وأسفله)

شرح حديث: (مسح أعلى الخف وأسفله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله: حدثنا أبو الوليد الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله). قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق. وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم. قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة قال: حدثت عن كاتب المغيرة، مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه المغيرة]. هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه كاتب بن المغيرة، وثور بن يزيد تكلم عليه الشافعي. وما ذهب إليه بعض أهل العلم من مسح ظاهر الخف هو الراجح، وقد ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على أعلى ظاهر الخف). وكاتب المغيرة هو وراد -بتشديد الراء- الثقفي أبو سعيد، أو أبو الورد الكوفي كاتب المغيرة ومولاه، ثقة من الثالثة. وقوله: [حدثت عن كاتب المغيرة] فيه جهالة من حدثه. أما رواية الوليد بن مسلم قال: [أخبرني ثور بن يزيد] فمسندة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة. قال الشارح رحمه الله تعالى: (قال: حدثت عن كاتب بن المغيرة) بصيغة المجهول، ففيه انقطاع (مرسل)، أي: فهو مرسل، وفي بعض النسخ: مرسلاً. قال الحافظ في التلخيص: حديث المغيرة: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وابن الجارود من طريق ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة، وفي رواية ابن ماجة عن وراد كاتب المغيرة قال الأثرم عن أحمد: إنه كان يضعفه، ويقول: ذكرته لـ عبد الرحمن بن مهدي فقال: عن ابن المبارك عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة، ولم يذكر المغيرة، قال أحمد: وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور، فقلت له: إنما يقول هذا الوليد، فأما ابن المبارك فيقول: حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة، فقال لي نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه، فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق، فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة، فأوقفته عليه، وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها، فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث. وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة: حديث الوليد ليس بمحفوظ، وقال موسى بن هارون وأبو داود: لم يسمع ثور من رجاء. حكاه قاسم بن أصبغ عنه اهـ. الوليد يدلس في حديثه، لكنه صرح بالتحديث في هذه الرواية. وابن المبارك رواه عن ثور وأرسل الحديث، وقال فيه: حدثت عن رجاء. قال الشارح رحمه الله تعالى: وقال البخاري في التاريخ الأوسط: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما)، قال: وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة، وكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن أبي الزناد. ورواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي الزناد فقال: عن عروة بن المغيرة عن أبيه، وكذا أخرجه البيهقي من رواية إسماعيل بن موسى عن ابن أبي الزناد. وقال الترمذي: هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد، قلت: رواه الشافعي في الأم عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ثور مثل الوليد. وذكر الدارقطني في العلل أن محمد بن عيسى بن سميع رواه أبو ثور كذلك، قال الترمذي: وسمعت أبا زرعة ومحمداً يقولان: ليس بصحيح. وقال أبو داود: لم يسمعه ثور من رجاء، وقال الدارقطني: روى عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة ولم يذكر أسفل الخف، وقال ابن حزم: أخطأ فيه الوليد في موضعين، فذكرهما كما تقدم. قلت: الحاصل أن الحديث هذا معل، والصواب أن المسح يكون على ظاهرها.

ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما

ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما

شرح حديث المغيرة: (رأيت النبي يمسح على الخفين على ظاهرهما)

شرح حديث المغيرة: (رأيت النبي يمسح على الخفين على ظاهرهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما). قال أبو عيسى: حديث المغيرة حديث حسن، وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة (على ظاهرهما) غيره]. السنة المسح على ظاهر الخفين، أما حديث المسح على ظاهر الخفين وأسفلهما فقد سبق بيان ضعفه وأنه لا يصح. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وأحمد. قال محمد: وكان مالك بن أنس يشير بـ عبد الرحمن بن أبي الزناد. قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة (على ظاهرهما) غيره أي: غير عبد الرحمن بن أبي الزناد، يعني: (لفظ على ظاهرهما) تفرد بذكره عبد الرحمن.

ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

شرح حديث: (توضأ النبي ومسح على الجوربين والنعلين)

شرح حديث: (توضأ النبي ومسح على الجوربين والنعلين) الملقي: [باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين: حدثنا هناد ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين والنعلين). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم تكن نعلين إذا كانا ثخينين. قال: وفي الباب عن أبي موسى رضي الله عنه]. إن شاء الإنسان مسح على الجوربين مع النعلين، وإن شاء مسح على الجوربين بدون النعلين، أما النعلان وحدهما فلا يمسح عليهما، والجورب إذا كان ثخيناً يستر الكعب يمسح عليه، وهو في معنى الخف. قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: سمعت صالح بن محمد الترمذي قال: سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول: دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئاً لم أكن أفعله، مسحت على الجوربين وهما منعلين]. وفي نسخة أخرى: [وهما غير منعلين] بزيادة (غير). قال الشارح رحمه الله تعالى: قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم يكن نعلين أي: وإن لم يكن كل واحد من الجوربين نعلين، أي: منعلين، وفي بعض النسخ: (وإن لم يكونا نعلين)، وهو الظاهر. والظاهر أن الترمذي أراد بقوله: (نعلين): منعلين، وقد وقع في بعض النسخ: (منعلين)، على ما ذكره الشيخ سراج أحمد في شرح الترمذي، والمنعل من (التنعيل) وهو ما وضع الجلد على أسفله (إذا كانا ثخينين) أي: غليظين. قلت: فسرها على أنهما غير النعلين، والشارح كأنه ما اطلع على قوله: (وهما غير منعلين). قال الشارح رحمه الله تعالى: اعلم أن الترمذي حسن حديث الباب وصححه، ولكن كثيراً من أئمة الحديث ضعفوه، قال النسائي في سننه الكبرى: لا نعلم أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية. والصحيح عن المغيرة: (أنه عليه السلام مسح على الخفين). انتهى، وقال أبو داود في سننه: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين). قال: وروى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه مسح على الجوربين)، وليس بالمتصل ولا بالقوي. وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال: إنه حديث منكر ضعفه سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين، ويروى عن جماعة أنهم فعلوه. قال النووي: كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي، مع أن الجرح مقدم على التعديل، قال: واتفق الحفاظ على تضعيفه، ولا يقبل قول الترمذي: إنه حسن صحيح]. قلت: هذا جزم بأنهم ضعفوا حديث المسح على الجوربين، وما ثبت أنه مسح على الجوربين، لكن الذين يرون المسح على الجوربين قالوا: نقيهما على الخفين، والمعنى واحد، أما الأحاديث ففيها المسح على الخفين، وحديث المغيرة معروف أنه مسح على الخفين. قال الشارح رحمه الله تعالى: أبو قيس اسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي، مشهور بكنيته، وثقه ابن معين والعجلي، والدارقطني، وقال أحمد: يخالف في أحاديثه، وقال أبو حاتم ليس بالقوي، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق ربما خالف، (عن هزيل) بالتصغير ابن شرحبيل -بضم المعجمة وفتح الراء المهملة وسكون الحاء المهملة بعدها باء موحدة- الكوفي، ثقة مخضرم. قوله: (وفي الباب عن أبي موسى) أما حديث أبي موسى فأخرجه الطحاوي في شرح الآثار من طريق أبي سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه)، وأخرجه -أيضاً- ابن ماجه والبيهقي من طريق عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى، وقد تقدم أن أبا داود حكم على هذا الحديث بأنه ليس بالمتصل ولا بالقوي. وقال البيهقي بعد رواية الحديث: له علتان، إحداهما: أن الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، والثانية: أن عيسى بن سنان ضعيف. انتهى. المعروف أن الأحاديث صحيحة عن النبي في المسح على الخفين، لكن العلماء قالوا: إن الجوربين في معنى الخفين، وبعض العلماء منع المسح على الجوربين وقال: أن المسح خاص بالخفين. قال الشارح رحمه الله تعالى: فإن قلت: قد ضعف الإمام أحمد حديث المسح على الجوربين، ومع تضعيفه قد قال بجواز المسح على الجوربين ولم يقيدها بشيء من هذه القيود، كما يظهر من كلام ابن العربي! قلت: قد قيدهما الإمام أحمد -أيضاً- بقيد الثخونة، كما صرح به الترمذي، وقال ابن قدامة في المغني: قد قال أحمد في موضع: لا يجزيه المسح على الجورب حتى يكون جورباً صفيقاً يقوم قائماً في رجله لا ينكسر مثل الخفين، إنما مسح القوم على الجوربين لأنه كان عندهم بمنزلة الخف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجيء. انتهى كلامه]. قلت: وهذا يدل على أن بعض الناس يتساهلون في المسح على الشراب الخفيف، وهو لا يقوم مقام الخف، ولا يمكن متابعة المشي عليه، فلا ينبغي الاستخفاف بمثل هذا. وقوله: (ولا ينكسر) أي: يكون ثخيناً بحيث إنه يتابع المشي عليه ويقوم مقام الخف. قال الشارح رحمه الله تعالى: وقد قال قبل هذا: سئل أحمد عن جورب الخرق يمسح عليه فكره الخرق، ولعل أحمد كرهها لأن الغالب عليها الخفة، وأنها لا تثبت بأنفسها، فإن كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة فلا فرق. انتهى كلامه. على أنه لم يعتمد على حديث الجوربين، بل اعتمد على آثار الصحابة رضي الله عنهم، قال الحافظ ابن القيم في تلخيص السنن: قد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين، وعلل رواية أبي قيس، وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله، وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه. انتهى كلام ابن القيم. أي أن الحجة أو الدليل في المسح على الجوربين هو القياس وآثار الصحابة، أما الحديث فهو حديث ضعيف، لكن ينبغي أن يكون ثخينا صفيقاً، ولا ينبغي التساهل في هذا، فكونه يأتي بشراب خفيف يمسح عليه لا يصح. قال الشارح رحمه الله تعالى: تنبيه آخر: قال الحافظ ابن تيمية في فتاواه ما لفظه: يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما، سواء كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء. قلت: بعض العلماء يقولون: لابد من أن يكونا من جلد، والصواب أنه يصلح المسح ولو كانا من قطن، بشرط المشي عليهما، أما إذا كانا خفيفين لا يمكن أن يتابع المشي عليهما بحيث لو مشى خطوة خرقهما، فلا يمكن المسح عليهما. قال الشارح رحمه الله تعالى: ولو سلم أنه لا يظهر الفرق بينهما وبين الخفين فلا شك في أن الجوربين الرقيقين ليسا داخلين تحت أحاديث الخفين؛ لأن الجورب ليس من أفراد الخف. قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (في أصح قولي العلماء) ففي السنن (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه)، وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك، فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود، ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة. فلا فرق بين أن يكون جلوداً أو قطناً أو كتاناً أو صوفاً، كما لم يفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه، وغايته أن الجلد أبقى من الصوف، وهذا لا تأثير له، كما لا تأثير لكون الجلد قوياً، بل يجوز المسح على ما يبقى وما لا يبقى. وأيضاً: فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواء، ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقاً بين المتماثلين، وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة، وما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله. انتهى كلامه. قلت: كلام الحافظ ابن تيمية هذا ليس مخالفاً لما اخترنا من أن الجوربين إذا كانا ثخينين صفيقين يمكن تتابع المشي فيهما يجوز المسح عليهما، فإنهما في معنى الخفين، فإنه -رحمه الله- قيد جواز المسح على الجوربين بقوله: إذا كان يمشي فيهما، وظاهر أن تتابع المشي فيهما لا يمكن فيهما إلا إذا كانا ثخينين. وأما قوله: (ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقاً بين المتماثلين). فإنما يستقيم إذا كان الجوربان ثخينين بحيث يمكن تتابع المشي فيهما، وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يمكن تتابع المشي فيهما فلا، كما عرفت فيما تقدم

ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة

ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة

شرح حديث: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين)

شرح حديث: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه رضي الله عنه قال: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة). قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة]. أي: قال بكر الراوي عن الحسن: سمعته من ابن المغيرة، فهو روى عن الحسن وعن ابن المغيرة، والعمدة على روايته عن ابن المغيرة؛ لأن الحسن مدلس، لكن هذا يدل على أنه سمعه، والحديث أخرجه مسلم. قال رحمه الله تعالى: [قال: وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر: (أنه مسح على ناصيته وعمامته)، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة، ذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة، ولم يذكر بعضهم الناصية. وسمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان. قال: وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة رضي الله عنهم]. والحديث أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي. أما المسح على الخفين فمتواتر، وفي هذا جواز المسح على الخفين وعلى العمامة، إذا كانت مدارة تحت الحنك يشق نزعها، أما إذا كانت ليست مدارة فإنها تنزع ويمسح على الرأس. وقال الحنابلة: أو عمامة ذات ذؤابة، أي: لها ذؤابة إلى الخلف؛ لأنه لا يشق نزعها، فإذا كانت صماء أو ذات ذؤابة فإنها تنزع، لكن إذا كانت محنكة مدارة فإنه قد يشق نزعها. قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أبو بكر وعمر وأنس رضي الله عنهم، وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح على العمامة. قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه؛ للأثر]. قال الشارح رحمه الله تعالى: وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: ومسح على العمامة مقتصراً عليها، ومع الناصية، وثبت عنه ذلك فعلاً وأمراً في عدة أحاديث، لكن في قضايا أعيان يحتمل أن يكون خاصة بحال الحاجة والضرورة، ويحتمل العموم كالخفين، وهو أظهر. انتهى. قلت: يحمل القول بالمسح على الناصية والعمامة على أنه مسح على الناصية مع العمامة، وإذا بدا شيء من الناصية ومن الرأس يمسح عليه، وإذا كانت العمامة كافية ولا يبدو شيء من الرأس مسح على العمامة فقط. والأحاديث متواترة في هذا الباب، والمشهور في مذهب الحنفية المسح. لكن بعض المتأخرين يخالفون، ولابد من أن تلبس على طهارة، ومثلها الجبيرة. أما خمار المرأة فإنه إن كان مداراً تحت الحلق فقد قالوا: إنه من جنس عمامة الرجل، أما إذا كان غير مدار أو كانت العمامة غير محنكة فلا.

شرح حديث بلال في مسح النبي على الخفين والخمار

شرح حديث بلال في مسح النبي على الخفين والخمار قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار). حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق -هو القرشي - عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين فقال: السنة يا ابن أخي. قال: وسألته عن المسح على العمامة، فقال: أمسَّ الشعر الماء)]. قوله: (مسح على الخفين والخمار) أي: العمامة، سمي خماراً لأنه يخمر الرأس، أي: يستره ويغطيه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي]. قال الشارح رحمه الله تعالى: قال الحافظ في الفتح: اختلف السلف في معنى المسح على العمامة، فقيل: إنه كمل عليها بعد مسح الناصية، وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك، وإلى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور. وقال الخطابي: فرض الله مسح الرأس، والحديث في مسح الرأس محتمل للتأويل؛ فلا يترك المتيقن للمحتمل، قال: وقياسه على مسح الخف بعيد؛ لأنه يشق نزعه، بخلافها. قلت: والحديث عن كعب بن عجرة عن بلال أخرجه مسلم، وحديث أبي عبيدة قال: سألت جابر، أخرجه بروايته الترمذي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق - وهو القرشي - عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين فقال: السنة يا ابن أخي]. عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث روى عن أبيه والزهري، وعنه إبراهيم بن طهمان، وثقه ابن معين، قال أبو داود: ثقة قدري وقال الفسوي وابن خزيمة: ليس به بأس وقال ابن عدي: أكثر أحاديثه صحاح وله ما ينكر، كذا في الخلاصة. قوله: [عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر]، قال في التقريب: أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أخو سلمة، وقيل: هو هو، مقبول. اهـ وقال في الخلاصة: وثقه ابن معين، واختلف فيه كلام أبي حاتم. اهـ وقوله: [أمس الشعر الماء] مجمل، ويحمل على أنه إذا بدا شيء من الناصية. وقال محمد في موطئه: أخبرنا مالك قال: بلغني عن جابر بن عبد الله أنه سئل عن العمامة فقال: لا، حتى يمس الشعر الماء. هذا -على كل حال- مجمل تبينه الأحاديث، وظاهر السنة أنه يمسح على العمامة إذا كانت يشق نزعها، أما إذا كان لا يشق نزعها فتنزع ويمسح على الرأس. والعمامة التي يمسح عليها هي التي يشق نزعها، ويقول علماء الحنابلة: إنها المحنكة، سواءٌ أكانت ذات ذؤابة أم لم تكن ذات ذؤابة، ونفس الذؤابة لا يشق نزعها، وهي التي يكون لها طرفان.

أبواب الطهارة [10]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [10] من أحكام الشرع ما يتعلق بجنابة المكلف، فقد جاء الشرع ببيان صفة الغسل من الجنابة في حق الرجل والمرأة، وبيان موجبات الغسل، وتعليق ذلك برؤية الماء بعد النوم، وبالتقاء الختانين حال الجماع.

ما جاء في الغسل من الجنابة

ما جاء في الغسل من الجنابة

شرح حديث ميمونة في صفة غسل النبي

شرح حديث ميمونة في صفة غسل النبي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الغسل من الجنابة. حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنه عن خالته ميمونة قالت: (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً فاغتسل من الجنابة، فأكفأ الإناء بشماله على يمينه، فغسل كفيه، ثم أدخل يده في الإناء، فأفاض على فرجه، ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض على سائر جسده، ثم تنحى فغسل رجليه). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة]. هذا هو الغسل الكامل، وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث ميمونة، وفيه بيان الغسل الكامل، وهو أنه ينوي الغسل عن الجنابة ثم يسمي، والنية معروف أنه لا بد منها؛ لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، والإنسان إذا دخل الحمام قاصداً الغسل كان قصده هو النية، فلو اغتسل بدون نية رفع الجنابة، أو نوى التبرد؛ لم يرتفع الحدث، فلا بد من النية، ثم يسمي ويقول: (باسم الله) في الوضوء وفي الغسل، ثم يغسل يديه ثلاثاً بنية رفع الحدث عنهما، ثم يغسل فرجه وما حوله، ثم يستنجى، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يتمضمض ويستنشق، ويغسل وجهه، ويغسل ذراعيه، ثم يفيض الماء على رأسه، ويغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ثم يغسل رجليه بعد ذلك، وفي حديث عائشة أنه أكمل الوضوء، وأنه توضأ وغسل رجليه، ثم أكمل الغسل، فالإنسان مخير بين أن يكمل الوضوء على ما في حديث عائشة، وبين أن يؤخر غسل الرجلين حتى يغسل جسده؛ لأنهم في الزمن الأول كانوا يغتسلون في أماكن وليس لهم أحذية، وليست الأرض مبلطة، فيؤخر أحدهم غسل رجليه حتى يغسل ما أصابه من الطين ثم ينتهي، وهذا هو الغسل الكامل. أما الغسل المجزئ فإنه يسمي وينوي رفع الحدث ويعمم جسده بالماء، فالغسل غسلان: غسل كامل وغسل مجزئ، فالكامل أن: ينوي ثم يسمي ثم يغسل كفيه ثلاثاً ثم يستنجي ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يصب الماء على رأسه ثم على شقه الأيمن وشقه الأيسر. وأما المجزئ فإنه بعد النية والتسمية يعمم جسده بالماء. وتشترط النية في الوضوء، فمن لم يقصد الوضوء لا يكون متوضئاً، كأن قصده ليتبرد، وعليه أن يعرف لماذا يتوضأ هل لأجل أن يصلي؟ أو ليكون على طهارة ليصلي؟ فإذا كان ناوياً الوضوء فهذه النية هي الأصل، وإذا غسل أعضاءه قاصداً التبرد فهذا الغسل لا يجزئ، أما إذا اغتسل وتوضأ لأجل أن يرفع الحدث فهذه هي النية. ولا بد من المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل، ولا يتم الغسل إلا بهما على الصحيح. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم غسل فرجه، ويتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة، أنه يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفرغ على رأسه ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ثم يغسل قدميه، والعمل على هذا عند أهل العلم]. هذا هو الغسل الكامل. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق]. أجزأه إذا نوى رفع الحدثين عند بعضهم، فإذا انغمس ناوياً رفع الحدثين أجزأه. وقال آخرون: لا يجزئه، بل لابد من أن يتوضأ، فإن لم يتوضأ قبل ذلك فلا بد من أن يتوضأ لذلك. أي أن الوضوء ليس بواجب في غسل الجنابة، وهو قول الشافعي وأحمد، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وقال الشافعي في الأم: فرض الله تعالى الغسل مطلقاً، ولم يذكر فيه شيئاً يبدأ به قبل شيء، فكيفما ما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى الغسل على جميع بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة. ثم حديث عائشة عند مالك بسنده. وقال ابن عبد البر: هو أحسن حديث روي في ذلك، فإن من لم يتوضأ قبل الغسل، ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل، كذا ذكره الزرقاني في شرح الموطأ. وقال الحافظ في الفتح: نقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وهو مردود، فقد ذهب جماعة -منهم أبو ثور وداود وغيرهما- إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث. انتهى كلام الحافظ. فالظاهرية وأبو ثور يقولون: إنه لا بد من الوضوء للاحتياط، فعليه أن يتوضأ ثم يكمل الغسل. والوضوء يدخل في الغسل؛ لأن الأصغر يدخل في الأكبر إذا نواهما.

ما جاء في نقض المرأة شعرها عند الغسل

ما جاء في نقض المرأة شعرها عند الغسل

شرح حديث: (إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات)

شرح حديث: (إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات) قال المصنف رحمه الله: [باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل. حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضين على سائر جسدك الماء فتطهرين، أو قال: فإذا أنت قد تطهرت). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح]. الأصل (أن تحثي)؛ لأنه مجزوم بحذف النون، وقد يكون بالنون على لغة، لكن الأكثر (أن تحثي). والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري. وفيه دليل على أنه لا يجب على المرأة نقض شعرها من الجنابة، وإنما تروي أصول الشعر ويكفي، وفي رواية: (أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة)، فلغسل الحيض الأفضل أن تنقضه؛ لأن الحيض مدته تطول، أما الجنابة فإنها تتكرر، فلا تحتاج إلى نقض شعر الرأس، ونقضه في غسل الحيض والنفاس مستحب، وإذا لم تنقضه فلا حرج، لكن الأفضل أنها تنقضه في غسل النفاس والحيض؛ لأن مدتهما تطول، أما الجنابة فلا، لما في الحديث: (أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا). ولا يجب للغسل الوضوء، لعموم الحديث السابق، وقد ذكر الله في القرآن الغسل من الجنابة ولم يذكر الوضوء، وكل هذه من أدلة من قال: إنه يدخل الحدث الأصغر في الأكبر إذا نواهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعمل على هذا عند أهل العلم، أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها]. فيكفي أن تحثو على رأسها الماء ولو كان الشعر كثيراً، إذا وصل الماء إلى أصول الشعر. وقوله: (أن تحثين) بكسر ثائه وسكون يائه، وأصله (تحثيين) كـ (تضربين) أو تنصرين، فحذف حرف العلة بعد نقل حركته أو حذفها وحذف النون للنصب، كذا في مجمع البحار، قال القارئ: ولا يجوز النصب فيه. وقولها: (أفأنقضه لغسل الجنابة) معناه: أفرقه حتى يصل الماء إلى باطنه، وفي رواية مسلم: (أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال: لا). والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها، ومذهب الجمهور أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة أو الحيض يكفيها أن تحثو على رأسها ثلاث حثيات، ولا يجب عليها نقض شعرها. وقال الحسن وطاوس: يجب النقض في غسل الحيض دون الجنابة، وبه قال أحمد، ورجح جماعة من أصحابه أنه للاستحباب في الجماع. واستدل من قال بوجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة بقوله صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (وانقضي رأسك وامتشطي). واستدل الجمهور بحديث أم سلمة المذكور في الباب، وبالرواية التي لـ مسلم: (للحيضة والجنابة)، وحملوا الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: (وانقضي رأسك) على الاستحباب جمعاً بين الروايتين، أو يجمع بالتفصيل بين ما لا يصل الماء إلى أصوله بالنقض فيلزم وإلا فلا، وهذا خلاصة ما ذكره الحافظ. والصواب الذي ذكره عند الجمهور أنه لا يجب النقض، أما القول بوجوب النقض فهو مذهب الحسن، ورواية عن الإمام أحمد، وأما استدلالهم بحديث عائشة: (وانقضي رأسك) فهذا في الاغتسال للحج وليس للجنابة، وعليه العادة الآن، فالصواب ما عليه الجمهور، أنه لا يجب النقض وأنه مستحب في غسل الحيض؛ لأن المدة تطول.

ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

شرح حديث: (تحت كل شعرة جنابة)

شرح حديث: (تحت كل شعرة جنابة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة. حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا الحارث بن وجيه قال: حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر). قال: وفي الباب عن علي وأنس. قال أبو عيسى: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار، ويقال: الحارث بن وجيه، ويقال: ابن وجبة]. قوله: (تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر) حديث ضعيف عند أهل العلم، وفي بعضها أن علياً قال: ومن ثم عازيت رأسي، أي: جعل يحلقه، وهو ضعيف، فالواجب أن يغسل الإنسان الشعر، ويروي أصول شعره، أما قوله: (تحت كل شعرة جنابة) فضعيف، فقد تفرد به الحارث بن وجيه عن مالك بن دينار، والحارث بن وجيه -بالواو والجيم والياء التحتانية والهاء بوزن فعيل وقيل: بفتح الواو وسكون الجيم بعدها موحدة- الراشدي أبو محمد البصري، ضعيف، كذا في التقريب. قال في الشرح: قوله: (تحت كل شعرة جنابة) فلو بقيت شعرة واحدة لم يصل إليها الماء بقيت جنابة، والشعر بفتح الشين وسكون العين للإنسان وغيره، فيجمع على شعور، مثل: فلس وفلوس، وبفتح العين فيجمع على أشعار، مثل: (سبب) و (أسباب)، وهو مذكر، الواحد شعرة، والشعرة -بكسر الشين- على وزن سدرة، شعر الركب للنساء خاصة، قاله في العباب. وقوله: فاغسلوا الشعر -بفتح العين وسكونها-، أي: جميعه، قال الخطابي: ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال من الجنابة؛ لأنه لا يكون شعره مغسولاً إلا أن ينقضها. وهذا ليس بصحيح؛ إذ قد سبق في الحديث الصحيح عن أم سلمة: (أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا)، وهذا الحديث يقول: (تحت كل شعرة جنابة)، أي: لا بد من النقض، وهو ضعيف، ومعارض للحديث السابق حديث أم سلمة الذي فيه أنه لا يجب النقض. قال الخطابي: ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال من الجنابة؛ لأنه لا يكون شعره مغسولاً إلا أن ينقضها. وما قاله الخطابي ذهب إليه إبراهيم النخعي، وقال عامة أهل العلم: إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزئه، والحديث ضعيف. فالسند ضعيف؛ لأن فيه الحارث بن وجيه، وهو كذلك مخالف للحديث الصحيح. فإن قيل: لو أفاض الماء على جسده هل يكفي ذلك عن الوضوء؟ ف A لا يكفي عن الوضوء، إذ لا بد من الترتيب في الوضوء.

ما جاء في الوضوء بعد الغسل

ما جاء في الوضوء بعد الغسل

شرح حديث عائشة: (كان لا يتوضأ بعد الغسل)

شرح حديث عائشة: (كان لا يتوضأ بعد الغسل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل. حدثنا إسماعيل بن موسى حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ بعد الغسل). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم -أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين- ألا يتوضأ بعد الغسل]. كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ قبل الغسل، وكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد الاغتسال غسل كفيه ثلاثاً واستنجى، ثم توضأ وضوءه للصلاة، وفي حديث عائشة أنه غسل وجهه ويديه وغسل رجليه، وأكمل الوضوء، وفي حديث ميمونة أنه أخر رجليه، فغسل الرجلين في آخر الغسل، فكان عليه الصلاة والسلام يتوضأ قبل الغسل ولا يتوضأ بعد الغسل، وهذا هو الغسل الكامل. والغسل المجزئ أن ينوي رفع الحدثين بعد أن يستنجي، ويدخل الأصغر في الأكبر عند كثير من العلماء، وبعض العلماء يرى أنه لا بد من الوضوء. والحديث فيه شريك، وعنعنة ابن إسحاق وإن كان ظاهره السلامة فـ شريك بن عبد الله النخعي القاضي ضعيف؛ لأنه ساء حفظه لما تولى القضاء. قال في النيل: قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: ليس في النسخ الموجودة عندنا قول الترمذي، وقال القاضي الشوكاني: قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي: تختلف نسخ الترمذي في تصحيح حديث عائشة، وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة. قلت: كيف يكون حديث الباب صحيحاً وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي، وهو وإن كان صدوقاً لكنه يخطئ كثيراً، وتغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة؟ قلت: قال أحمد: هو في أبي إسحاق أثبت من زهير، وقد روي حديث الباب عن أبي إسحاق، ثم لم ينفرد هو في روايته، بل تابعه زهير في رواية أبي داود، وأخرجه البيهقي بأسانيد صحيحة كما عرفت. ولعل النسخة التي فيها (حسن صحيح) لكون الترمذي لاحظ الطريق الأخرى، فلذلك قال: حسن صحيح. وتختلف نسخ الترمذي، فبعضها كأن فيه (حسن صحيح)، وبعضها (حسن). وهذا يحمل على أن الترمذي رحمه الله أراد الطرق الأخرى؛ لأن زهيراً تابع شريكاً، وكذلك البيهقي رواه بأسانيد أخرى، فلاحظ الطريق الثاني للحديث، فلهذا حكم عليه بأنه حسن صحيح. وأبو إسحاق تدليسه قليل، وهو ثقة.

ما جاء في التقاء الختانين

ما جاء في التقاء الختانين

شرح حديث: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)

شرح حديث: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل. حدثنا أبو موسى محمد بن مثنى قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا). قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ورافع بن خديج]. وهذا الحديث رواه الشيخان، وفي لفظ لـ مسلم: (إذا التقى الختانان وجب الغسل وإن لم ينزل) والمراد بالتقاء الختانين: مجاوزة الختان الختان، وهي: إدخال طرف الذكر في الفرج، فإذا غيب طرف الذكر والحشفة فهو التقاء الختانين، وليس المراد بالالتقاء المس فقط؛ لأنه لا يلتقي الختانان إلا بالإدخال، فلا بد من أن يدخل طرف الذكر في فرج المرأة، فإذا غيب الحشفة التقى الختانان، فيجب الغسل وإن لم ينزل، وبعض الناس يظن أنه إذا لم ينزل لا يجب الغسل، لا، بل يجب الغسل، وهذا كان في أول الإسلام، وهو أنه إذا لم ينزل لا يجب عليه الغسل، وإنما يغسل ذكره ويتوضأ، ثم نسخ ذلك بما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) ولـ مسلم وأحمد: (وإن لم ينزل) وهذه الزيادة (فعلته أنا ورسول الله) ليست موجودة في الصحيحين، وأصل الحديث في الصحيحين. وكذلك حديث الماء، وهذا قال عنه بعضهم: إنه منسوخ، ولكنه باقٍ في الاحتلام، والاحتلام لا بد فيه من الإنزال، فقوله: (الماء) أي: ماء الغسل، و (من الماء) ماء المني، فهذا نسخ بحديث: (إذا التقى الختانان) وبقي (الماء من الماء) في الاحتلام. والغسل له موجبات، منها الجماع ومنها الإنزال، ويجب الغسل من الإنزال ولو لم يجامع، فإذا أنزل في اليقظة أو في النوم وجب عليه الغسل، فهذا موجب وهذا موجب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل). قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح]. هذا الحديث فيه: علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، لكن الحديث أصله في الصحيحين. والترمذي رحمه الله يتساهل في الحكم، فلا يضعف علي بن زيد، والجمهور على أنه ضعيف. وعلي بن زيد بن جدعان التيمي البصري أصله حجازي، وهو ضعيف، روى عن ابن المسيب، وعنه قتادة والسفيانان والحمادان وخلق. وقال أحمد وأبو زرعة: ليس بالقوي، وقال ابن خزيمة: سيئ الحفظ. وقال شعبة: حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة. وقد صححه ابن حبان وابن القطان، وأعله البخاري؛ لأن الأوزاعي أخطأ فيه. وكذلك أحمد شاكر مثل الترمذي متساهل في الحكم رحمهما الله، فكلاهما كانا يتساهلان في علي بن زيد بن جدعان وغيره من الضعفاء، فيتساهلون في تحسين أحاديثهم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روي هذا الحديث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل). وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة والفقهاء من التابعين، ومن بعدهم، مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا التقى الختانان وجب الغسل]. قال الشارح: والحديث صححه ابن حبان وابن القطان، وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه، ورواه غيره عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلاً، واستدل على ذلك بأن أبا الزناد قال: سألت القاسم بن محمد: سمعت في هذا الباب شيئاً؟ قال: لا. وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم قد نسيه، ثم تذكر فحدث به ابنه، أو كان حدث به ثم نسي، ولا يخلو الجواب عن نظر، قال الحافظ وأصله في مسلم بلفظ: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل). وقال النووي: هذا الحديث أصله صحيح، لكن فيه تغير، وتبع في ذلك ابن الصلاح. والمقصود أن الحديث ثابت، وأن مجاوزة الختان الختان توجب الغسل، والجماع يوجب الغسل، بمعنى: تغييب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل. وأما زيادة علي فالحديث ثابت من غيرها، والحديث يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره، والقول أبلغ من الفعل.

ما جاء أن الماء من الماء

ما جاء أن الماء من الماء

شرح حديث: (إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام)

شرح حديث: (إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء أن الماء من الماء. حدثنا أحمد بن منيع حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب قال: إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها]. هذا هو الصواب، كان في أول الإسلام إذا جامع الإنسان ولم ينزل، فإنه لا يجب عليه الغسل، وإنما يغسل ذكره ويتوضأ، ثم نسخ هذا، وبقي (إنما الماء من الماء) في الاحتلام، وكذلك أيضاً في الإنزال في اليقظة، فإذا أنزل يجب عليه الغسل. قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن منيع حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك. وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أبي بن كعب ورافع بن خديج]. قوله: (حسن صحيح)، وقد رواه البخاري فيما أظن، وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي. وقال الحافظ في الفتح: إسناده صالح لأن يحتج به، وقال فيه: صححه ابن خزيمة وابن حبان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا]. هذا هو الصواب الذي تدل عليه الأحاديث، والذي عليه الجماهير.

شرح حديث: (إنما الماء من الماء في الاحتلام)

شرح حديث: (إنما الماء من الماء في الاحتلام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس قال: (إنما الماء من الماء في الاحتلام)]. الحديث باقٍ في الاحتلام، وكذلك في اليقظة، فإذا أنزل المني يجب عليه الغسل للإنزال، وإذا استمنى كذلك وجب عليه الغسل مع التوبة، سواء استمنى باليد أو بغيرها، وهو ما يسمى بالعادة السرية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك. قال أبو عيسى: وأبو الجحاف اسمه داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري قال: حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الماء من الماء)].

ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما

ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً

شرح حديث عائشة في رؤية البلل بغير ذكر الاحتلام

شرح حديث عائشة في رؤية البلل بغير ذكر الاحتلام قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً حدثنا أحمد بن منيع حدثنا حماد بن خالد الخياط عن عبد الله بن عمر -هو العمري - عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً، قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً، قال: لا غسل عليه. قالت أم سلمة: يا رسول الله! هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: نعم؛ إن النساء شقائق الرجال). قال أبو عيسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث]. عبد الله بن عمر المكبر ضعيف، والمصغر ثقة، وعبد الله بن عمر يروي عن أخيه عبيد الله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل، وهو قول سفيان الثوري وأحمد. وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول الشافعي وإسحاق. وإذا رأى احتلاماً ولم ير بلة، فلا غسل عليه عند عامة أهل العلم]. هذا هو الصواب والمعتمد، وهو أنه إذا استيقظ ووجد بللاً، وتيقن أنه مني وجب عليه الغسل، ولو لم يذكر احتلاماً. أما إذا احتلم ولم ير بللاً في ثوبه أو في فخذيه فلا يجب عليه الغسل. وحال النوم يختلف عن حال اليقظة، ففي اليقظة إذا جامع وجب عليه الغسل ولو لم ينزل، وفي النوم إذا جامع ولم يجد بللاً لا يجب عليه الغسل، وإن وجد بللاً وجب عليه الغسل إذا تحقق أنه مني. وعبد الله بن عمر بن حفص العمري المذكور في السند ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث، قال الذهبي في الميزان: صدوق في حفظه شيء، روى عن نافع وجماعة. روى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين: ليس به بأس، يكتب حديثه، وقال الدارمي: قلت لـ ابن معين: كيف حاله في نافع؟ قال: صالح ثقة. قال الشارح: حديث عائشة في الرجل يجد البلل قال عنه في المنتقى بعد أن ذكر هذا الحديث: رواه الخمسة إلا النسائي. وقال في النيل: رجاله رجال الصحيح، إلا عبد الله بن عمر العمري، وقد اختلف فيه، ثم ذكر أقوال الجرح والتعديل فيه، ثم قال: وقد تفرد به المذكور عند من ذكره المصنف من المخرجين له، ولم نجده عن غيره. وهكذا رواه أحمد وابن أبي شيبة من طريقه، فالحديث معلول بعلتين: الأولى: العمري المذكور. والثانية: التفرد وعدم المتابعة، فقصر عن درجة الحسن والصحة، انتهى. وقال الخطابي (في معالم السنن): ظاهر هذا الحديث - أي: حديث عائشة - المذكور في الباب يوجب الاغتسال إذا رأى بلة وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق. وروي هذا القول عن جماعة من التابعين، منهم عطاء والشعبي والنخعي، وقال أحمد بن حنبل: أعجب إلي أن يغتسل. وقال أكثر أهل العلم: لا يجب، قاله النسائي في سننه. قلت: ما مال إليه الجماعة الأول من أن مجرد رؤية البلة موجب للاغتسال هو أوفق بحديث الباب، وبحديث أم سلمة رضي الله عنها الذي أخرجه الشيخان بلفظ: (إذا رأت الماء)، وبحديث خولة بنت حكيم بلفظ: (ليس عليها غسل حتى تنزل). فهذه الأحاديث تدل على اعتبار مجرد وجود المني، سواء ضم إلى ذلك الدفع والشهوة أم لا، وهذا هو الظاهر، وبه قال أبو حنيفة، والله تعالى أعلم. والمهم أنه إذا تحقق أنه مني وأنه ليس بمذي وجب عليه الغسل، فإذا رآه في ثوبه أو في فخذيه وجب عليه الغسل.

أبواب الطهارة [11]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [11] ركب الله تعالى في المرء غريزة شهوة الفرج، وبهذه الغريزة تتعلق جملة من أحكام التكليف، ومنها كيفية تطهير المذي، وإزالة المني، ومنها ما يصنعه الجنب إذا أراد الأكل أو الشرب أو النوم، ومنها ما يعامل به الجنب من اعتبار طهارة بدنه من عدمها، وغير ذلك من الأحكام المهمة.

ما جاء في المني والمذي

ما جاء في المني والمذي

شرح حديث علي في سؤاله النبي عن المذي

شرح حديث علي في سؤاله النبي عن المذي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المني والمذي. حدثنا محمد بن عمرو السواق البلخي حدثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد، ح: وحدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال: من المذي الوضوء ومن المني الغسل). قال: وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: (من المذي الوضوء ومن المني الغسل). وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق]. هذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرجه البخاري ومسلم مختصراً. وفي إسناد الترمذي يزيد بن أبي زياد، وقد عرفت ما فيه من الكلام، وقد صحح الترمذي حديث يزيد هذا في مواضع وحسنه في مواضع كما عرفت في المقدمة، فلعل تصحيحه وتحسينه بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك، وإلا فـ يزيد ليس من رجال الحسن، فكيف الصحيح، ثم إن الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي، وقد قيل: إنه لم يسمع منه، فيكون الحديث منقطعاً، وعلى هذا فالحديث ضعيف، ولكن المعنى صحيح دلت عليه الأحاديث الصحيحة وهو أن من المني الغسل ومن المذي الوضوء. والمني هو أصل الولد، وهو أبيض يخرج بقوة وبلذة بدفق ودفعات، وهو طاهر، ويجب فيه الغسل. وأما المذي فهو ماء لزج أصفر يخرج عند الملاعبة واشتداد الشهوة، وهو يوجب الوضوء فقط، ويوجب -أيضاً- غسل الذكر والأنثنين، وهما الخصيتان، كما جاء في الحديث: (اغسل ذكرك وأنثييك) ولعل الحكمة -والله أعلم- أن يتقلص الخارج، ولا يجب فيه الغسل، وأما من البول فيغسل طرف الذكر، وموضع الخارج فقط. أما المني فإنه يوجب الغسل، وهو طاهر، والمذي نجس، ونجاسته مخففة كبول الصبي الذي لم يأكل الطعام، فيكفي فيه الرش، كما جاء في الحديث: (فانضحه)، فلما كان الأمر بالنضح كانت نجاسته مخففة، وهو يوجب الوضوء. فمعنى الحديث صحيح، لكن سنده ضعيف، ففيه زياد بن أبي زياد ضعيف، وفيه انقطاع بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ويزيد بن أبي زياد الهاشمي يروي عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل وأبي جحيفة، ويروي عنه زائدة بن قدامة وأبو عوانة وابن فضيل، وكان من أئمة الشيعة الكبار. وقال ابن عدي: يكتب حديثه. وكذلك أبو زرعة، وقال الحافظ شمس الدين الذهبي: هو صدوق بطيئ الحفظ، وقال ابن معين: ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه، وقال أبو داود: لا أعلم أحداً ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه، قال ابن القيم: مات سنة سبع وثلاثين ومائة، روى له مسلم مقروناً. والحديث كأنه حسنه الترمذي للشواهد الأخرى، وإلا فهو ضعيف، والمعنى صحيح، وهو أن المني يوجب الغسل والمذي يوجب الوضوء. والترمذي إذا قال في الحديث: (حسن)، وسكت فالغالب أنه يكون ضعيفاً، وإذا قال: (حسن صحيح) فمعناه أنه لا بأس به. وهو يتساهل -رحمه الله- في تقوية بعض الضعفاء، مثل علي بن زيد بن جدعان، ومثله الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، فكلاهما يتساهلان في علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف عند الجمهور، ومع ذلك حسن حديثه الترمذي والشيخ أحمد شاكر، وكذلك عبد الله بن عقيل سيئ الحفظ، ومع ذلك يحسنه الترمذي. وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الأوسي أبو عيسى الكوفي روى عن عمر ومعاذ وبلال وأبي ذر، وأدرك مائة وعشرين من الصحابة الأنصاريين، وروى عنه ابنه عيسى ومجاهد وعمرو بن ميمون أكبر منه والمنهال بن عمرو وخلق. قال عبد الله بن الحارث: ما ظننت أن النساء ولدن مثله، وثقه ابن معين، قال أبو نعيم: مات سنة ثلاث وثمانين. وقيل: إنه غرق في لجين مع محمد بن الأشعث. والحديث حسن من أجل الوجوه والطرق الأخرى. وقد قال أحمد شاكر: وقد أخطأ الشوكاني خطأً شديداً فيما قال؛ فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمع من علي كما صرح به ابن معين فيما نقله في التهذيب. وأيضاً: فإن في رواية أحمد في المسند التي أشرنا إليها فيما مضى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول، وابن أبي ليلى ولد قبل وفاة عمر بست سنين، كما نقله ابن أبي حاتم في المراسيل بإسناده، وعمر قتل سنة ثلاث وعشرين، فيكون ابن أبي ليلى ولد سنة سبع عشرة تقريباً، وعلي قتل سنة أربعين، فكان سن ابن أبي ليلى إذ ذاك نحو ثلاث وعشرين سنة. قال الشوكاني في نيل الأوطار في إسناد الحديث الذي صححه الترمذي يزيد بن أبي زياد، قال علي ويحيى: ضعيف لا يحتج به. وعلي ويحيى هما علي بن المديني ويحيى بن معين. وقال ابن المبارك: ارم به، وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث كل أحاديثه موضوعة وباطلة، وقال البخاري: منكر الحديث ذاهب، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: صدوق، إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان يتلقن ما لقن، فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح. والترمذي قد صحح حديث يزيد المذكور في مواضع هذا أحدها، وحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم)، وحديث: (أن العباس دخل على النبي صلى الله عليه وسلم مغضباً) وقد حسَّن -أيضاً- حديثه (أدخلت العمرة في الحج) فلعل التصحيح والتحسين بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك، وإلا فإن يزيد ليس من رجال الحسن، فكيف بالصحيح؟! ثم إن الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي، وقد قيل فيه: إنه لم يسمع منه. وقد أخطأ الشوكاني خطأ شديداً فيما قال هذا كلام للشيخ أحمد شاكر. قال: إن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمع من علي كما صرح به ابن معين. فيكون على هذا قد سمع منه، ويبقى فيه علة يزيد بن أبي زياد. قال: وأما ما نقله الشوكاني في الطعن في يزيد بن أبي زياد فإن أكثره لم نجده في كتب الرجال، وأظن أنه اشتبه عليه الأمر فنقل كلام بعضهم في يزيد بن زياد، ويقال: ابن أبي زياد القرشي الدمشقي وهو خطأ؛ فإن الذي معنا يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي أبو عبد الله الكوفي ويزيد هذا ضعفه بعضهم من قبل أنه شيعي، ومن قبل أنه اختلط في آخر حياته، والحق أنه ثقة. وعلى كل حال فإنه يكفي أنه من الشيعة وأنه اختلط في آخره، والشيخ أحمد شاكر رحمه الله كان من المتساهلين في هذا مع الترمذي.

حكم المذي إذا أصاب الثوب

حكم المذي إذا أصاب الثوب

شرح حديث سهل بن حنيف في سؤاله عن التطهر من المذي

شرح حديث سهل بن حنيف في سؤاله عن التطهر من المذي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المذي يصيب الثوب. حدثنا هناد حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد -هو ابن السباق - عن أبيه عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: (كنت ألقى من المذي شدة وعناء، فكنت أكثر منه الغسل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته عنه، فقال: إنما يجزئك من ذلك الوضوء. فقلت: يا رسول الله! كيف بما يصيب ثوبي منه؟! قال: يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا. وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب، فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل، وهو قول الشافعي وإسحاق، وقال بعضهم: يجزئه النضح، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح بالماء]. الصواب النضح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكفيك أن ترش) وهو حديث جابر، والحديث هذا أخرجه الشيخان وغيرهما أن علياً رضي الله عنه أصابه شدة من المذي وأنه استحيا من النبي صلى الله عليه وسلم وأمر المقداد فسأله، فقال: (فيه الوضوء). فهو يدل على أن المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، وإذا أصاب الثوب فيكيفه النضح بدون غسل وبدون فرك. وهذا الحديث حسن صحيح، وقد أخرجه أيضاً أبو داود وابن ماجه، وأخرجه الدارمي وأحمد بهذا السند، وأخرجه الشيخان من طريق أخرى عن علي رضي الله عنه.

حكم المني يصيب الثوب

حكم المني يصيب الثوب

شرح حديث عائشة في فرك المني من الثوب

شرح حديث عائشة في فرك المني من الثوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المني يصيب الثوب. حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: (ضاف عائشة ضيف فأمرت له بملحفة صفراء فنام فيها فاحتلم، فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء ثم أرسل بها، فقالت عائشة: لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، وربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، مثل: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا في المني يصيب الثوب: يجزئه الفرك وإن لم يغسل. وهكذا روي عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل رواية الأعمش. وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها، وحديث الأعمش أصح]. وهذا هو الصواب، وهو أن المني طاهر وليس بنجس، والرطب منه يغسل من باب النظافة واليابس يفرك، ولهذا قالت عائشة في الحديث الآخر: (كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً) وفي الحديث الآخر: (كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإني لأرى بقع الماء في ثوبه). فلهذا يغسل الرطب ويفرك اليابس، والغسل من باب النظافة لا لأنه نجس، والمني أصل الإنسان وأصل الولد، وهذا هو الصواب، خلافاً لمن قال بنجاسة المني، فهو طاهر، لكن يغسل من باب النظافة.

ما جاء في غسل المني من الثوب

ما جاء في غسل المني من الثوب

شرح حديث عائشة في غسلها منيا من ثوب رسول الله

شرح حديث عائشة في غسلها منياً من ثوب رسول الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: غسل المني من الثوب. حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية عن عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة: (أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن ابن عباس، وحديث عائشة أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمخالف لحديث الفرك؛ لأنه وإن كان الفرك يجزئ فقد يستحب للرجل أن لا يرى على ثوبه أثراً. قال ابن عباس: المني بمنزلة المخاط، فأمطه عنك ولو بإذخر]. هذا هو الصواب، وهو أن الغسل ليس لأنه نجس، بل من باب الاستحباب ومن باب النظافة، والحديث أخرجه الأئمة الستة.

ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب)

شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل. حدثنا هناد حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء). حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق نحوه. قال أبو عيسى: وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره، وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يتوضأ قبل أن ينام) وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود، وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق]. الأرجح أنه غلط من أبي إسحاق، وهو يخالف الأحاديث الصحيحة، فالمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان عليه جنابة وأراد أن ينام توضأ، وثبت في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أينام أحدنا وهو جنب؟! قال: نعم، إذا توضأ)، فينبغي للجنب أن يفعل أحد أمرين: الأول: أن يغتسل، وإذا أراد أن يؤجل الغسل إلى آخر الليل فليتوضأ وضوءه للصلاة، وكونه ينام بدون وضوء أقل أحواله الكراهة. وأما هذا الحديث: (ولم يمس ماء) فهو رواية أبي إسحاق السبيعي وهو مدلس، ولكن بعض المتأخرين صححه، وبعضهم حمله على الغسل فقال: (ولم يمس ماء)، أي: ولم يمس ماء للغسل. وبعضهم قال: إن هذا حديث مستقل عن الأحاديث الأخرى، والأرجح أنه غلط من أبي إسحاق. وفيه دليل على أن الجنب يجوز له أن ينام قبل أن يغتسل وقبل أن يتوضأ، لكن الحديث فيه مقال، والحديث أخرجه -أيضاً- أبو داود والنسائي. وقد تكلم على هذا الحديث غير واحد من الحفاظ. قال أحمد: ليس بصحيح، وقال أبو داود: هو وهم، وقال يزيد بن هارون: هو خطأ، وقال مهنا عن أحمد بن صالح: لا يحل أن يروى هذا الحديث، وفي علل الأثرم: لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفى. قال ابن مفوز: أجمع المحدثون أنه خطأ من أبي إسحاق، قال الحافظ: وتساهل في نقل الإجماع، فقد صححه البيهقي، وقال: إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه. والعمدة ما ذكره المتقدمون والأئمة أنه خطأ، فما كان معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينام ولا يمس ماء، وتأوله بعضهم فقال: ولم يمس ماء للغسل، ولكن هذا بعيد. قال ابن العربي في العارضة: تفسير غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث الذي رواه أبو إسحاق هاهنا مختصراً اقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه، ونص الحديث الطويل ما رواه ابن غسان: حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو إسحاق قال: أتيت الأسود بن يزيد -وكان لي أخاً وصديقاً- فقلت: يا أبا عمر! حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول وثب - وربما قالت: قام فأفاض عليه الماء، وما قالت: اغتسل -وأنا أعلم ما تريد، وإنما نام جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة). قلت: وهناك حديث كذلك، وهو قوله في البخاري لـ عمر: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم. إذا توضأ). فكيف يقول له: (نعم إذا توضأ) وهو ينام ولا يتوضأ! قال: فهذا يدلك على أن قوله: (فإن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء) أنه يحتمل أحد وجهين: إما أن يريد بالحاجة حاجة الإنسان من البول والغائط فيقضيها ثم يستنجي ولا يمس ماء وينام، فإن وطئ توضأ كما في آخر الحديث، ويحتمل أن يريد بالحاجة حاجة الوطء، وبقوله: (ثم ينام ولا يمس ماء) أي: ماء الاغتسال، ومتى لم يحمل الحديث على أحد هذين الوجهين تناقض أوله وآخره، فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة هي الوطء فنقل الحديث على معنى ما فهم، والله أعلم. وهذا هو الأقرب، وهو أنه وهم. والمقصود أنه إذا توضأ زال الإشكال، وأنه خفف الجنابة، وكونه يغتسل أولى وأفضل، لكن قد تدعو الحاجة إلى أن ينام قبل أن يغتسل.

ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام

ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام

شرح حديث: (أينام أحدنا وهو جنب)

شرح حديث: (أينام أحدنا وهو جنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام. حدثنا محمد بن مثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ). قال: وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة. قال أبو عيسى: حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا أراد الجنب أن ينام توضأ قبل أن ينام]. وهذا هو السنة، والحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأحمد وابن خزيمة. وقوله: (نعم إذا توضأ) أمر لا شك فيه، ولا شك في أن الوضوء متأكد، وترك الوضوء مكروه كراهة شديدة، وقوله: (إذا توضأ) هذا الشرط كأن ظاهره الدلالة على الوجوب. وذهب داود وجماعة إلى الوجوب. وقوله: (نعم، إذا توضأ) المراد به الوضوء الشرعي لا اللغوي؛ لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة). قال الحافظ في الفتح: أي: توضأ وضوءاً كما يتوضأ للصلاة، وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة، وإنما المراد توضأ وضوءاً شرعياً لا لغوياً. انتهى. وقد اختلف العلماء هل هو واجب أو غير واجب؟ فالجمهور قالوا بالثاني، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء). وقد تقدم أن فيه مقالاً لا ينتهض معه للاستدلال، وبحديث طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد ويتوضأ بين كل جماعين، ولا يخفى في أنه ليس فيه على المدعى هنا دليل. وبحديث ابن عباس مرفوعاً: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) وليس فيه -أيضاً- دليل على المدعى كما لا يخفى، وذهب داود وجماعة إلى الأول لورود الأمر بالوضوء، ففي رواية البخاري ومسلم: (ليتوضأ ثم لينم)، وفي رواية لهما: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم). وعلى هذا تبين أن هذا هو الظاهر والصواب، وقول الجمهور بعدم الوجوب، وقوله: (إذا توضأ) ليس بصريح، لكن قوله: (ليتوضأ ثم لينم) أمر صريح، فالصواب القول بالوجوب. قال الشوكاني: يجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما من حديث ابن عمر: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، ويتوضأ إن شاء)، انتهى. وهذا السند الذي فيه (إن شاء) حسنه ابن خزيمة، وهذا السند ليس فيه أمر بالوجوب، والأصل في الأوامر الوجوب، لكن لو ثبت صارف للأمر إلى الاستحباب فيصرف ويحتاج إلى ثبوته. وقوله: (قال داود)، لا شك في أنه قول قوي، والأمر فيه واضح، وهو (ليتوضأ ثم لينم). قال النووي في شرح مسلم: وأما حديث أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم فهو ضعيف، ولو صحح لم يكن مخالفاً. يعني: لحديث ابن عمر المذكور في الباب وما في معناه، بل كان له جوابان: أحدهما: جواب الإمامين الجليلين أبي العباس بن شريح وأبي بكر البيهقي أن المراد لا يمس ماء للغسل. والثاني - وهو عندي حسن- أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلاً لبيان الجواز؛ إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه، انتهى.

ما جاء في مصافحة الجنب

ما جاء في مصافحة الجنب

شرح حديث أبي هريرة في انخناسه من رسول الله لجنابته

شرح حديث أبي هريرة في انخناسه من رسول الله لجنابته قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في مصافحة الجنب. حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب، قال: فانخنست، أي: فانخنست فاغتسلت، ثم جئت فقال: أين كنت؟ أو أين ذهبت؟ قلت: إني كنت جنباً، قال: إن المسلم لا ينجس). قال: وفي الباب عن حذيفة وابن عباس. قال أبو عيسى: وحديث أبي هريرة أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو جنب حديث حسن صحيح، وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب، ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأساً. ومعنى قوله: (فانخنست) يعني: تنحيت عنه]. هذا الحديث أخرجه الشيخان، وهو دليل على أن مصافحة الجنب لا بأس بها، والجنب طاهر عرقه وثيابه وسؤره، والسؤر: بقية الأكل والشرب، فالجنابة حدث وليست نجاسة، وكذلك الحائض طاهرة إلا في خصوص الدم. وفي قوله: (ينجس) قال النووي: يقال بضم الجيم وفتحها لغتان، وفي ماضيه لغتان: نجس ونجس بكسر الجيم وضمها، فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضاً. اهـ. تقول: نجَِسَ يَنْجَسُ، أو نَجُسَ يَنْجُسُ. قال الحافظ: تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر، فقال: إن الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]. وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة، بخلاف المشرك؛ لعدم تحفظه عن النجاسة، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد. والنجاسة في الكفر معنوية، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] أما بدن المشرك فطاهر. وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك لم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب من غسل المسلمة، فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين؛ إذ لا فرق بين النساء والرجال.

استحباب وضوء الجنب إذا أراد النوم

استحباب وضوء الجنب إذا أراد النوم

شرح حديث عمر في نوم المرء وهو جنب

شرح حديث عمر في نوم المرء وهو جنب وأخرج ابن خزيمة في باب استحباب وضوء الجنب إذا أراد النوم قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن عبدة أخبرنا أبو بكر أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ينام ويتوضأ إن شاء). قال الأعظمي المحقق: إسناده صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله: وهو في صحيح مسلم بمعناه، وينظر في قوله: (إن شاء)، قال الأعظمي: هذه الرواية موجودة في مسند ابن حنبل بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، ولفظها: (يتوضأ وينام إن شاء). وذكر ابن خزيمة إسناداً آخر، وهو: أخبرنا أبو طاهر أخبرنا أبو بكر أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي نا سفيان بهذا الإسناد فقال: (إن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا أراد أن ينام فليتوضأ)، وما فيه ذكر (إن شاء). اختار المؤلف أنه يستحب، وهو قول الجمهور.

ما جاء في المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل

ما جاء في المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل

شرح حديث وجوب الغسل على المرأة من رؤية ماء الاحتلام

شرح حديث وجوب الغسل على المرأة من رؤية ماء الاحتلام قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل. حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (جاءت أم سليم ابنة ملحان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثلما يرى الرجل؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء فلتغتسل)]. وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم، وفيه دليل على أن المرأة تحتلم، وأنه يجب عليها الغسل كالرجل. فالنساء شقائق الرجال، لكن بشرط (إذا رأت الماء)، والمراد بالماء المني، فإذا احتلم الإنسان -رجلاً أو امرأة- ورأى المني فإنه يجب عليه الغسل. وقد أنكرت عائشة وأم سلمة هذا، ولعل سبب الإنكار أن الاحتلام قليل في النساء، ولهذا قالت أم سلمة: (وهل تحتلم؟!).

شرح حديث أم سلمة في حكم رؤية المرأة الماء

شرح حديث أم سلمة في حكم رؤية المرأة الماء قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (جاءت أم سليم بنت ملحان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثلما يرى الرجل؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء فلتغتسل، قالت أم سلمة: قلت لها: فضحت النساء يا أم سليم). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول عامة الفقهاء، أن المرأة إذا رأت في المنام مثلما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول سفيان الثوري والشافعي. وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس رضي الله عنهم أجمعين]. والحديث أخرجه الشيخان. قوله: (هذا قول عامة الفقهاء) هذا هو الصواب، وظاهر كلام الترمذي أن فيه خلافاً، لكن كأنه خلاف ضعيف، وكأن هؤلاء الذين خالفوا لم يبلغهم الحديث، أو أنهم تأولوا فخالفوا في الصواب الذي يدل عليه الحديث الصحيح، وهو أن المرأة إذا احتلمت ورأت المني وجب عليها الغسل كالرجل. أما إذا احتلم الإنسان ولم ير شيئاً -أي: لم ير الماء- فلا يجب عليه الغسل؛ لحديث: (إنما الماء من الماء)، وهذا بخلاف الجماع في اليقظة، فإنه إذا جامع ولم ينزل ولم يُمن وجب عليه الغسل، وهذا قد يحصل لبعض الناس ويشتبه عليهم، لا سيما الشباب، فقد يظن أنه إذا جامع ولم ينزل لا يجب عليه الغسل، بل يجب عليه الغسل في الجماع حتى ولو لم ينزل، ويجب عليه الغسل بالإنزال حتى ولو لم يجامع، أي: إذا اشتد عليه المني وأمنى وجب عليه الغسل ولو لم يجامع، وإذا جامع ولم يُمنِ وجب عليه الغسل، أما الاحتلام فإنه إذا احتلم ورأى أنه يجامع المرأة ولم ينزل ولم يجد بللاً في ثيابه ولا في فخذيه فهذا لا يجب عليه الغسل، وأما إذا وجد البلل أو أثر المني فيجب عليه الغسل.

ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل

ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل

شرح حديث استدفاء النبي بعائشة بعد الغسل من الجنابة

شرح حديث استدفاء النبي بعائشة بعد الغسل من الجنابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل. حدثنا هناد قال حدثنا وكيع عن حريث عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ربما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إلي ولم أغتسل). قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة، وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق]. قال الشارح: وقوله: (ثم جاء فاستدفأ بي). أي: طلب الحرارة مني، بأن وضع أعضاءه الشريفة على أعضائي من غير حائل، وجعلني مكان الثوب الذي يستدفأ به ليجد السخونة من بدني، كذا في اللمعات، وفي المرقاة: قال السيد جمال الدين: أي: يطلب مني الحرارة، ومنه قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل:5] أي: ما تستدفئون به، وفيه أن بشرة الجنب طاهرة؛ لأن الاستدفاء إنما يحصل من مس البشرة، كذا قال الطيبي، وفيه بحث انتهى، قال القاري: ولعله أراد الاستدفاء مع الثوب أيضاً، والحديث رواه ابن ماجه، ولفظه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ثم يستدفئ بي قبل أن أغتسل). ولا حرج في الاستدفاء بجسد الجُنب، ولا يوجب ذلك الغسل مرة أخرى، فإن الغسل لا يوجبه إلا الجماع أو الإنزال. وفي هذا الحديث قال أحمد شاكر: قد ضعفه أكثر العلماء، قال البخاري: فيه نظر، وقال مرة أخرى: ليس بالقوي عندهم. والبخاري إذا قال: (فيه نظر)، فمعناه أنه ضعيف؛ لأن البخاري لطيف العبارة رحمه الله، وكلمة (فيه نظر) عند البخاري تساوي كلمة (ضعيف) عند العيني. والحديث فيه كلام من أجل حريث، لكن المعنى صحيح، وهو أن الاستدفاء لا يوجب الغسل، حتى لو لم يصح الحديث.

ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

شرح حديث: (إن الصعيد الطيب طهور المسلم…)

شرح حديث: (إن الصعيد الطيب طهور المسلم…) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء. حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير). وقال محمود في حديثه: (إن الصعيد الطيب وضوء المسلم). وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين. قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر، وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمعه. وهذا حديث حسن، وهو قول عامة الفقهاء، أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء تيمما وصليا، ويروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرى التيمم للجنب وإن لم يجد الماء، ويروى عنه أنه رجع عن قوله فقال: يتيمم إذا لم يجد الماء، وبه يقول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق]. وهذا هو الصواب، وقد حصلت مناظرة في هذا بين عمار وعمر، واشتبه الأمر على عمر وقال: إنه لا يتيمم حتى يجد الماء، فذكّره عمار بالقصة التي حصلت له، وأنه كان معه في سفر فأصابتهما جنابة، فأما عمر فلم يتيمم، وأما عمار فتمرغ كما تمرغ الدابة، ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنما يكفيك أن تقول هكذا)، فنسي عمر رضي الله عنه وقال: اتق الله يا عمار. فقال: إن شئت تركت، قال: نوليك ما توليت. وكذلك حصل لـ ابن مسعود رضي الله عنه مع أبي موسى الأشعري مناظرة في هذا رواها الشيخان، وفيها أن ابن مسعود رضي الله عنه اشتبه عليه الأمر، وأنه قال: إذا لم يجد الماء يجلس حتى يجد الماء، فاشتبه الأمر على عمر وعلى ابن مسعود مع أنهما من علماء الصحابة ومن كبارهم، ومع أن هذا الأمر واضح في الكتاب العزيز في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، وهذا يدل على أن العالم الكبير قد يخفى عليه الأمر مع وضوحه. ولما قيل لـ ابن مسعود في ذلك قال: لو قلنا بهذا إذا أوشك أن يبرد عليهم الماء تيمموا وتركوا الماء. والصواب في هذا أنه إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ولا إشكال في هذا، وإن خفي هذا على بعض كبار الصحابة، فإن الحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والحديث حسن، وقد أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وقال الشوكاني في النيل: ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه أبو حاتم، وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي. قال الحافظ: وغفل ابن القطان وقال: إنه مجهول. وقد اختلفت نسخ الترمذي هاهنا، فوقع في النسخ الموجودة عندنا: (هذا حديث حسن)، وقال المنذري في تلخيص السنن: قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال المجد ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث: رواه أحمد والترمذي وصححه]. وفي هذا الحديث سمى التيمم وضوءاً، واحتج به جمع من المحققين على أن التيمم يقوم مقام الماء، وأنه لا يبطل بخروج الوقت، ولا يبطل إلا بوجود الماء أو وجود ناقض من نواقض الوضوء، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة، وهو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، واختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي وجمع من المحققين، أي أن التيمم لا يبطل بخروج الوقت، وإنما يبطل بوجود الماء أو بوقوع الحدث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وضوءاً، والوضوء طهارة كاملة، وذهب الجمهور إلى أن التيمم يبطل بخروج الوقت، وأنه لا يصلي بالتيمم أكثر من فريضة، وإذا خرج الوقت بطل التيمم، ويتيمم للصلاة الأخرى، ويرون أنه مبيح للصلاة لا رافع للحدث.

أبواب الطهارة [12]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [12] للاستحاضة أحكام شرعية منها أنها تستثفر بثوب وتتوضأ لكل صلاة، ومنها مشروعية اغتسالها لكل صلاتين، وجواز جمعها بين الصلاتين لعذر مرض الاستحاضة، ومنها معرفة أيام الحيض من أيام الاستحاضة، وغير ذلك من الأحكام.

ما جاء في المستحاضة

ما جاء في المستحاضة

شرح حديث: (إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟)

شرح حديث: (إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المستحاضة. حدثنا هناد حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي). قال أبو معاوية في حديثه: (وقال: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت). وفي الباب عن أم سلمة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي؛ أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة]. هذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما، وهذا هو الصواب، وهو أن المستحاضة إذا كانت تعرف عادتها فإنها تجلس عادتها ثم تغتسل وتصلي وتتلجم -أي: تتحفظ- وتتوضأ لكل صلاة، والمستحاضة قد تكون معتادة، وقد تكون مميزة، وقد تكون متحيرة. فالمعتادة هي التي تعرف عادتها، فتجلس عادتها من أول الشهر أو من وسطه، فإذا انتهت العادة والدم مطبق عليها فإنها تتحفظ وتتلجم وتغتسل وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة، وإن كانت نسيت العادة ولها تمييز فإنها تعمل بالتمييز، فإذا رأت الدم ثخيناً منتناً فإنها حائض، وإذا ذهب وجاءت الصفرة أو الكُدّرة أو الحمرة فإنها تصلي. أما المتحيرة التي لا تمييز لها ولا عادة؛ فإنها تتحيض ستة أيام أو سبعة أيام من أول كل شهر، فتجلس من الشهر ستة أيام أو سبعة، وتصلي ثلاثة وعشرين يوماً. قوله: (قال أبو معاوية في حديثه: (وقال: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت)). قال بعضهم: هذا مدرج، وقد رد هذا الحافظ في الفتح عليه، وجزم بعضهم أنه موقوف على عروة، وقد رد الحافظ عليه أيضاً وقال: ولم ينفرد أبو معاوية بذلك؛ فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حماداً تفرد بهذه الزيادة، وأومأ مسلم أيضاً إلى ذلك، وليس كذلك، فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام. اهـ. وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت منه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث، فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤادة أو مقضية؛ لظاهر قوله: (ثم توضئي لكل صلاة)، وبهذا قال الجمهور. وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة، فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة، فعلى قولهم يكون المراد بقوله: (توضئي لكل صلاة) أي: لوقت كل صلاة، ففيه مجاز بالحذف، ويحتاج إلى دليل. وعند المالكية: يستحب لها الوضوء لكل صلاة، ولا يجب إلا بحدث آخر. وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط. قال الحافظ في الفتح: وقال ابن عبد البر: ليس في حديث مالك ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة، وذكر في حديث غيره، فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب السلس. والأحوط أن تتوضأ لكل صلاة، وذكر الحافظ أن حماد بن زيد انفرد بهذه الزيادة؛ ولهذا ما ذكرها مسلم في الحديث، وعلى هذا لا تتوضأ لكل صلاة كما قال الإمام مالك، والجمهور على أنها تتوضأ لكل صلاة، والحافظ يرى أن زيادة ذكر الوضوء لم ينفرد بها حماد بن زيد، بل هو متابع عليها. يقول أحمد شاكر: وهذا التعليل من مسلم والنسائي لهذا الحرف في رواية حماد بن زيد ليس بجيد؛ لأن أبا معاوية تابعه عليه كما ترى عند الترمذي والبخاري، وأيضاً: فقد تابع الليث حماد بن سلمة، ورواه الدارمي من طريق حماد بن سلمة عن هشام، وقال فيه: (فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الماء وتوضئي وصلي). قال هشام: فكان أبي يقول: تغتسل الغسل الأول، ثم ما يكون بعد ذلك فإنها تفطر وتصلي. لأن أبا معاوية يتابع عليه كما ترى عند الترمذي والبخاري، وأيضاً: فقد تابعهما عليه حماد بن سلمة ورواه الدارمي. وعلى هذا تزول علة انفراد حماد بن زيد، فلا تكون شاذة، والأرجح أن تتوضأ لكل صلاة. وقد تابعهم عليه أبو حمزة السكري، وذكر الزيلعي في نصب الراية أن ابن حبان رواه في صحيحه من حديث محمد بن علي بن الحسن بن شقيق سمعت أبي يقول: حدثنا أبو حمزة عن هشام بن عروة. والمستحاضة لها أن تغتسل وأن تجمع الصلاتين؛ لأن الاستحاضة تعتبر من المرض، فهي مريضة، لكن تجمع الصلاتين جمعاً صورياً، فتؤخر الأولى وتقدم الثانية، والواقع أن كل صلاة تكون في وقتها. ومن نزلت الحيضة فوق عادتها بثلاثة أيام وهي متقطعة فالأحوط في مثل هذا أنها تصلي حتى تتحقق في الشهر الثاني والثالث من أنها قد تقدمت العادة.

ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة

ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة

شرح حديث: (تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها)

شرح حديث: (تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة. حدثنا قتيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، وتصوم وتصلي). حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك نحوه بمعناه. قال أبو عيسى: هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان. قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده -جد عدي - ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لـ محمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به. وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها]. قوله: (وسألت محمداً) أي: البخاري؛ لأنه شيخه فهو يسأله. والواجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، فإن اغتسلت لكل صلاة فلا بأس، وإن جمعت جمعاً صورياً جاز لها؛ لأنها مريضة، فإن الاستحاضة نوع من المرض، كما جاء في بعض الأحاديث أنها تؤخر الظهر إلى قريب العصر، وتغتسل لهما غسلاً، وتصلي الظهر ثم العصر بعده، وتؤخر المغرب إلى قريب العشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتصلي المغرب والعشاء، وتغتسل للفجر، وليس بواجب الغسل إلا مرة واحدة عند الطهر من الحيض، ويجب أن تتوضأ لكل صلاة. وأبو اليقظان اسمه عثمان بن عمير بالتصغير، وهو ضعيف جداً، قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، كان شعبة لا يرضاه، وذكر أنه حضره فروى عن شيخ، فقال له شعبة: كم سنك؟ فقال: كذا، فإذا قد مات الشيخ وهو ابن سنتين. وشريك أيضاً ضعيف. قوله: (عن أبي اليقظان). اسمه عثمان بن عمير بالتصغير، ويقال ابن قيس، والصواب أن قيساً جد أبيه، وهو عثمان بن أبي حميد البجلي أبو اليقظان الكوفي الأعمى، ضعيف واختلط، وكان يدلس ويغلو في التشيع، كذا قي التقريب، وقال في الخلاصة: ضعفه أحمد وغيره، وتركه ابن مهدي. قوله: (عن عدي بن ثابت). هو عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي، وهو ثقة، رمي بالتشيع، من رجال الستة. قوله: (عن أبيه). هو ثابت، قال الحافظ في التقريب: ثابت الأنصاري والد عدي، قيل: هو ابن قيس بن الخطيم، هو جد عدي لا أبوه، وقيل: اسم أبيه دينار، وقيل: عمرو بن أخطب، وقيل: عبيد بن عازب، فهو مجهول الحال. وقد أطال الحافظ الكلام في ترجمة ثابت الأنصاري في تهذيب التهذيب، ثم قال: من يشأ الوقوف على ذلك فليرجع إليه. قوله في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها). الأقراء: جمع قُرْء، وهو مشترك بين الحيض والطهر، والمراد به هاهنا: الحيض. قوله: (التي كانت تحيض فيها) أي: قبل الاستحاضة. قوله: (ثم) أي: بعد فراغ زمن حيضها باعتبار العادة. (تغتسل) أي: مرة. قوله: (عند كل صلاة) متعلق بـ (تتوضأ) لا بـ (تغتسل)، وفيه دليل على أن المستحاضة تتوضأ عند كل صلاة، والحديث ضعيف، لكن له شواهد ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ ابن حجر في تخريجهما، ومنها حديث عائشة المذكور في الباب المتقدم، وقد جاء الوضوء في هذا الحديث، لكنه حديث ضعيف. قوله: (هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان، وأخرجه أبو داود وضعفه، وأخرجه ابن ماجة أيضاً. وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده -جد عدي - ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لـ محمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به). قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: وقد قيل: إنه جده أبو أمه عبد الله بن يزيد الخطمي. قال الدارقطني: ولا يصح من هذا كله شيء، وقال أبو نعيم: وقال غير يحيى: اسمه قيس الخطمي. قوله: وقال (أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل أجزأها). فالاغتسال لكل صلاة ليس بواجب على المستحاضة عند أحمد وإسحاق، وهو قول الجمهور، وروي عن بعض الصحابة أنهم قالوا: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، والقول الراجح المعول عليه هو قول الجمهور.

ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

شرح حديث: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة…)

شرح حديث: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة…) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد. حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها قد منعتني الصيام والصلاة؟! قال: أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: فتلجمي، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوباً، قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويتِ عليهما فأنتِ أعلم، فقال: إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيَّضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي، فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة، أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين؛ فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو أعجب الأمرين إلي). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة، إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح: عمران بن طلحة. قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن. وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح. وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره -فإقباله أن يكون أسود وإدباره أن يتغير إلى الصفرة- فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش. وكذلك قال أبو عبيد. وقال الشافعي: المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت في خمسة عشر يوماً أو قبل ذلك فإنها أيام حيض، فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوماً فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوماً، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء، وهو يوم وليلة. قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره، فقال بعض أهل العلم: أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك، وروي عنه خلاف هذا، وقال بعض أهل العلم -منهم عطاء بن أبي رباح -: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً. وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد]. وهذا هو مذهب الحنابلة، وهو أن أقله يوم وليلة، وأكثرة خمسة عشر يوماً، قال شيخ الإسلام: لا حد لأقله ولا لأكثره، وقول الشافعي رحمه الله أنه إذا استمر الدم إلى خمسة عشر يوماً قول وجيه، فإذا استمر الدم معها وتجاوز الخمسة عشر يوماً نصف الدهر فإنها تغتسل وتصلي. يعني أنها قد تحيض إلى خمسة عشر يوماً، وأما إذا تجاوزت خمسة عشر يوماً فهو استحاضة, وهذا الحديث -حديث حمنة - فيه حكم المتحيرة، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: المستحاضات على ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: المعتادة التي تعرف عادتها، فتعرف زمنه وعدده، فتحيض -مثلاً- في كل شهر سبعة أيام، تبدأ من الخامس إلى الثاني عشر، ثم أطبق عليها الدم، فهذه عليها أن تعمل بالعادة، فكلما جاء اليوم الخامس تجلس إلى اليوم الثاني عشر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فدعي الصلاة أيام أقرائك)، فالعادة مقدمة، فإذا كانت تعرف العادة وكان هو زمنها ثم أطبق عليها الدم فإنها تجلس العادة من كل شهر، فإذا استمر الدم وهي تعرف عادتها من قبل فإنها تعمل بالعادة. الحالة الثانية: التي لا تعرف العادة، لكن لها تمييز صالح، فهي تعرف الدم بإقباله وإدباره، فهذه تعمل بالتمييز الصالح، فتجلس إذا جاء الدم منتناً أسود وغليظاً له رائحة؛ لأن هذا دم الحيض، وإذا صار الدم أحمر أو أصفر رقيقاً فهذه استحاضة، لكن لو كانت تعرف العادة فإن العادة مقدمة على التمييز، لكنها إذا نسيت العادة أو لم يكن لها عادة وعندها تمييز فإنها تعمل بالتمييز الصالح، كما في هذه الحالة. الحالة الثالثة: المتحيرة، فإن هذه ليس لها تمييز ولا عادة، أي: لا تعرف العادة ولا تعرف التمييز، فهذه تتحيّض على حسب حالة نسائها، أي: أخواتها وعماتها وخالاتها، فإن كن يحضن سبعة أيام فإنها تجلس سبعة أيام، وإن كن يحضن ستة أيام فإنها تجلس ستة أيام وتصلي بقية الشهر أربعة وعشرين يوماً، أو تجلس سبعة أيام وتصلي ثلاثة وعشرين يوماً، وتبدأ -إذا كانت تعرف الحيض- من بدء الحيض، وإن كانت لا تعرف فإنها تجلس من أول كل شهر هلالي على حسب عادة نسائها. والحديث أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجة والدارقطني والحاكم. قال المنذري في تلخيصه: قال الخطابي: قد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك، وقال أبو بكر البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به. هذا آخر كلامه. وقد أخرجه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال أيضاً: وسألت محمداً -يعني البخاري - عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وقال أحمد: هو حديث حسن صحيح. اه. قال صاحب (سبل السلام) بعد نقل كلام المنذري هذا: فعرفت أن القول بأنه حديث غير صحيح غير صحيح، لقد صححه الأئمة. وعبد الله بن محمد بن عقيل متكلم فيه، وقد تقدم في (باب مفتاح الصلاة الطهور) أن الترمذي قال: سمعت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري - يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، قال محمد: هو مقارب الحديث. وقال الحافظ الذهبي في ترجمته بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين: حديثه في مرتبة الحسن. اه. وعلى هذا يحسن الحديث، وأحمد شاكر ما تكلم عليه، وأظنه متساهلاً، وقد قال معلقاًَ على هذا الحديث: اختلفت أقوالهم في هذا الحديث، فقال أبو داود في السنن: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء. وهذا يخالف ما نقله الترمذي عنه هنا من تصحيحه، ولعله يريد أن في نفسه شيئاً من جهة الفقه والاستنباط والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، وإن كان صحيحاً ثابتاً عنده من جهة الإسناد. وقال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عن حديث رواه ابن عقيل عن إبراهيم بن محمد عن عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش في الحيض فوهّنه ولم يقوّ إسناده. وقال الخطابي في معالم السنن: وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الخبر؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذلك. وقال البيهقي: بلغني عن أبي عيسى الترمذي أنه سمع محمد بن إسماعيل البخاري يقول: حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا، وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح، أما ابن عقيل فقد قدمنا أنه ثقة صحيح الحديث، ولا حجة لمن تكلم فيه. اه. قال الحافظ في التلخيص في حديث: (تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي) لا أصل له بهذا اللفظ، قال الحافظ أبو عبد الله بن منده فيما حكاه ابن دقيق العيد في الإلمام عنه: ذكر بعضهم أن هذا الحديث لا يثبت بوجه من الوجوه. وقال البيهقي في المعرفة: هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا، وقد طلبته كثيراً فلم أجده في شيء من كتب الحديث، أو لم أجد له إسناداً. وقال ابن الجوزي في التحقيق: هذا لهوٌ يذكره أصحابنا ولا أعرفه، وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب: لم أجده بهذا اللفظ إلا في كتب الفقهاء.

ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

شرح حديث: (إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟)

شرح حديث: (إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة. حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: (استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: لا، إنما ذلك عرق، فاغتسلي ثم صلي، فكانت تغتسل لكل صلاة). قال قتيبة: قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي. قال أبو عيسى: ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت: (استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقد قال بعض أهل العلم: المستحاضة تغتسل عند كل صلاة. وروى الأوزاعي عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة]. وبنات جحش الثلاث: زينب أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم حبيبة زوجة عبد الرحمن بن عوف، وحمنة بنت جحش زوجة طلحة بن عبيد الله، كلهن مستحاضات وأم حبيبة بنت جحش كانت تغتسل من نفسها دون أن يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والصحيح استحبابه.

ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة

ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة

شرح حديث: (قد كانت إحدانا تحيض فلا تؤمر بقضاء)

شرح حديث: (قد كانت إحدانا تحيض فلا تؤمر بقضاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة. حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة: أن امرأة سألت عائشة قالت: أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قد كانت إحدانا تحيض فلا تؤمر بقضاء. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن عائشة من غير وجه أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهو قول عامة الفقهاء، لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة]. هذا الحديث أخرجه الشيخان، وفيه بيان أن الحائض لا تقضي الصلاة، وأن الله قد خفف عنها؛ وذلك أن الحيض يتكرر في كل شهر، فمن رحمة الله تعالى أن خفف عنها، بخلاف الصيام؛ فإنه لا يكون إلا في السنة مرة، فلذلك وجب عليها القضاء، وهذا هو الصواب الذي عليه أهل العلم، خلافاً للخوارج الذين من علاماتهم أنهم يرون أن الحائض تقضي الصلاة. فلما جاءت هذه المرأة وسألت عائشة هذا السؤال ظنت عائشة أنها تعترض، ولهذا قالت لها: أحرورية أنت؟ يعني: هل أنت من الخوارج؟! لأن بلدة حروراء هي التي تجمع فيها الخوارج، وهي تقع في العراق، وقد تجمع فيها الخوارج، فنسبوا إليها. وفي رواية: (فقالت عائشة: أحرورية أنت؟ قالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: قد كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة). فدل هذا على أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؛ لأن الحكمة ظاهرة، فالصوم لا يأتي إلا في السنة مرة، والصلاة تتكرر في كل شهر، بل في كل يوم، وهذا من بركة الله سبحانه وتعالى وإحسانه ولطفه بالمرأة.

ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأان القرآن

ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأان القرآن

شرح حديث: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن)

شرح حديث: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأان القرآن. حدثنا علي بن حجر والحسن بن عرفة قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن). قال: وفي الباب عن علي. قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقرأ الجنب ولا الحائض). وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً، إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك، ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير، كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به، وقال: إنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام. وقال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن عياش أصلح من بقية، ولـ بقية أحاديث مناكير عن الثقات. قال أبو عيسى: حدثني بذلك أحمد بن الحسن قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ذلك]. ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل الشام جيدة؛ لأنهم أهل بلده، بخلاف روايته عن أهل الحجاز، فهي ضعيفة. وقول البخاري: (إنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام) أي أن البخاري يرى أن حديث إسماعيل بن عياش الذي هو صحيح وصالح للاحتجاج إنما هو ما يرويه عن أهل الشام، قال في الخلاصة: إسماعيل بن عياش العنسي الحمصي عالم الشام، وثقه أحمد وابن معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام، وضعفوه في الحجازيين، وقال في التقريب: صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم. اه. وقال الذهبي في الميزان في ترجمة إسماعيل بن عياش: قال عبد الله بن أحمد: سئل أبي عن إسماعيل وبقية، فقال: بقية أحب إلي. وقال في ترجمة بقية: قال أحمد: هو أحب إلي من إسماعيل بن عياش. اهـ. وموسى بن عقبة هو الأسدي مولاهم المدني، روى عن أم خالد بنت خالد وعروة وعلقمة بن الوقاص وطائفة، وروى عنه يحيى الأنصاري وابن جريج ومحمد بن خليف، قال مالك: عليكم بمغازي ابن عقبة؛ فإنه ثقة، فهي أصح المغازي، وقال ابن معين: ثقة، في روايته عن نافع شيء، وكان يحيى يضعفه بعض التضعيف، ووثقه أحمد وأبو حاتم، فهو جيد في المغازي. وقال القطان: مات سنة إحدى وأربعين ومائة. والحديث أخرجه ابن ماجة أيضاً من هذا الطريق، وهو حديث ضعيف؛ لأن إسماعيل بن عياش قد وثقه أئمة الحديث في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين، وقد روى هذا الحديث عن موسى بن عقبة، وهو من أهل الحجاز، قال البيهقي في المعرفة: هذا حديث ينفرد به إسماعيل بن عياش، وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها، قاله أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ، وقد روى هذا من غيره وهو ضعيف. انتهى. وقال ابن أبي حاتم في علله: سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش هذا فقال: أخطأ، إنما هو من قول ابن عمر. كذا في نصب الراية. فهذا الحديث ضعيف، والترمذي رحمه الله جزم بأن الحائض والجنب لا يقرأان القرآن، وهذا ما ذهب إليه الجمهور، فالجمهور يرون أن الحائض والجنب لا يقرأان القرآن، أما الجنب فقد جاء في حديث علي: (فأما الجنب فلا ولا آية)، وأما الحائض فهذا الحديث في حقها ضعيف، والمراد النهي عن قراءة القرآن عن ظهر قلب، أما مس المصحف فواضح أنه لا يمس المصحف، وقال آخرون من أهل العلم: إن الحائض ليست كالجنب، ولا تقاس عليه؛ لأمرين: الأمر الأول: أن الجنب صح فيه حديث عن علي، وأما الحائض فلم يصح في شأنها حديث. الأمر الثاني: أن الجنب مدته لا تطول، فهو يستطيع أن يغتسل ويقرأ القرآن، أما الحائض فليس الأمر باختيارها، وليس بيدها ذلك، ومثلها النفساء، فإن النفاس قد يطول إلى أربعين يوماً، وكذلك الحائض قد تكون مدتها أربعة عشر يوماً، وقد تكون حافظة للقرآن، فلا نستطيع أن نمنعها في هذه المدة من قراءة القرآن بغير دليل واضح. فقالوا: لا بأس أن تقرأ الحائض القرآن عن ظهر قلب، وقد تكون مُدرسة أيضاً، وقد تكون طالبة تحتاج إلى قراءة القرآن، لكنها لا تمس المصحف، وإن احتاجت إلى ذلك فيكون من وراء القفازين. والبخاري عقد باباً في صحيحه يدل على أنه قائل بجواز قراءة القرآن للجنب والحائض، فإنه قال: باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وقال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية، ولم ير ابن عباس للقراءة للجنب بأساً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه. وذكر آثاراً أخرى، ثم ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف حضت) الحديث، وفيه قال: (فافعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)]. ومما يفعل الحاج أنه يقرأ القرآن في قلبه. قال الحافظ في الفتح: قال ابن بطال وغيره: إن مراد البخاري الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء، ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك، فكذلك الجنب، لأن حدثها أغلظ من حدثه، ومنع القراءة إن كان لكونها ذكراً لله فلا فرق بينه وبين ما ذكر، وإن كان تعبداً فيحتاج إلى دليل خاص، ولم يصح عن المصنف -يعني البخاري - شيء من الأحاديث الواردة في ذلك، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرها قابل للتأويل، ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره -كـ الطبري وابن المنذر وداود - بعموم حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على أحيانه)؛ لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره، وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف، والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة، وفي جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره، لكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه. واستدل الجمهور على المنع بحديث علي: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شيء، ليس الجنابة) رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان، وضعف بعضهم بعض رواته، والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة، لكن قيل: في الاستدلال به نظر؛ لأنه فعل مجرد، فلا يدل على تحريم ما عداه، وأجاب الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعاً بين الأدلة، وأما حديث ابن عمر مرفوعاً: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) فضعيف من جميع طرقه. اه. وقد ورد في الجنب أحاديث خاصة، والقرآن ذكر خاص، فالمراد ذكر الله على كل أحيانه غير القرآن، فأما الجنب (فلا ولا آية)، وذهب بعض العلماء إلى أن الحائض والجنب يقرأان جميعاً. والقول الوسط -ولعله هو الأقرب والأرجح- أن الجنب لا يقرأ، وأما الحائض والنفساء فإنها تقرأانه عن ظهر قلب.

أبواب الطهارة [13]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [13] كرم الله تعالى في شرعه العظيم المرأة، فشرع في حقها جملة من الأحكام في حال حيضها، وحاصلها أن للرجل أن يخالطها أكلاً وشرباً ومعاشرة في غير الفرج، وحرم الله تعالى على الرجل أن يأتيها في موضع الحيض تكريماً له ولها، وعد فاعل ذلك مرتكباً لكبيرة عظيمة، وكل ذلك من الأحكام الشرعية التي لا ينبغي للأزواج التقصير في علمها.

ما جاء في مباشرة الحائض

ما جاء في مباشرة الحائض

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني)

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في مباشرة الحائض. حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني). قال: وفي الباب عن أم سلمة وميمونة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق]. والحديث رواه البخاري ومسلم رحمهما الله. وقول عائشة (يباشرني): مأخوذ من المباشرة، وهي الملامسة، من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد ترد المباشرة بمعنى الجماع، والمراد هاهنا هو المعنى الأول بالإجماع. واستدل أبو حنيفة ومالك والشافعي بهذا الحديث، وقالوا: تحرم ملامسة الحائض من السرة إلى الركبة، وعند أبي يوسف ومحمد! -وفي وجه لأصحاب الشافعي - أنه يحرم المجامعة فحسب، ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) رواه مسلم من حديث أنس. كذا نقله الطيبي، ولعل قوله صلى الله عليه وسلم لبيان الرخصة، وفعله عزيمة تعليماً للأمة؛ لأنه أحوط، فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ويؤيده ما ورد عن معاذ بن جبل قال: (قلت: يا رسول الله! ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل)، رواه أبو داود وغيره، كذا في المرقاة. وقال الحافظ في الفتح: وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية، ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية، واختاره ابن المنذر، وقال النووي: هو الأرجح دليلاً؛ لحديث أنس في مسلم: (اصنعوا كل شيء إلا الجماع)، وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعاً بين الأدلة. اهـ. وهذا هو الأقرب؛ لحديث أنس عند مسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، وكونه يأمرها أن تتزر لما بين السرة والركبة أحوط وأبعد عن الوقوع في الإثم، وإلا فالممنوع هو الجماع؛ لقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]. قال ابن دقيق العيد: ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار؛ لأنه فعل مجرد. اه. ويدل على الجواز -أيضاً- ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً). وقال العيني في عمدة القاري: النوع الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر. فعند أبي حنيفة حرام، وهو رواية عن أبي يوسف، وهو الوجه الصحيح للشافعية، وهو قول مالك وقول أكثر العلماء، منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة، وعن محمد بن الحسن وأبي يوسف في رواية: يتجنب شعار الدم فقط، وممن ذهب إليه عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود، وهذا أقوى دليلاً؛ لحديث أنس: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار محمول على الاستحباب، وقول محمد هو المنقول عن علي وابن عباس وأبي طلحة رضي الله تعالى عنهم. انتهى كلام العيني.

ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها

ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها

شرح حديث إباحة النبي صلى الله عليه وسلم مؤاكلة الحائض

شرح حديث إباحة النبي صلى الله عليه وسلم مؤاكلة الحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها. حدثنا عباس العنبري ومحمد بن عبد الأعلى قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن معاوية عن عمه عبد الله بن سعد رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مواكلة الحائض فقال: واكلها). قال: وفي الباب عن عائشة وأنس. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن سعد حديث حسن غريب، وهو قول عامة أهل العلم، لم يروا بمواكلة الحائض بأساً، واختلفوا في فضل وضوئها، فرخص في ذلك بعضهم، وكره بعضهم فضل طهورها]. حديث عبد الله بن سعد حديث حسن غريب، أخرجه أحمد، وأخرجه -أيضاً- أبو داود، ورواته كلهم ثقات، وإنما غربه الترمذي لأنه تفرد به العلاء بن الحارث عن حكيم بن حرام، وحكيم بن حرام عن عمه عبد الله بن سعد، قاله الشوكاني. قوله: (باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها) فـ (سؤرها): بقية طعامها وشرابها، والوَضوء -بفتح الواو- هو الماء الذي يتوضأ به، والوُضوء -بالضم- هو الفعل. قوله: (واختلفوا في فضل وضوئها، فرخص في ذلك بعضهم وكره بعضهم طهورها). الراجح هو عدم الكراهة، وحديث عائشة المذكور يدل على أن ريق الحائض طاهر، وعلى طهارة سؤرها من طعام أو شراب، قال الشوكاني: ولا خلاف فيهما فيما أعلم. وهذا هو الصواب، أي أن الحائض سؤرها طاهر وعرقها طاهر وبدنها طاهر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل وزوجاته، وكانت عائشة تتعرق العرق -وهو العظم فيه شيء من اللحم- فتعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه على مكان فمها، وكذلك قدح الشراب، كان يضع فاه مكان فمها عليه الصلاة والسلام، وكان يضاجع نساءه وهن طوامث، فلا حرج في مؤاكلة الحائض ومضاجعتها؛ لأن بدنها طاهر وعرقها طاهر وريقها طاهر وسؤرها طاهر، والنجاسة تكون في دم الحيض، وإذا أصاب الثوب منه شيء فإنه يغسل، وإلا فهي طاهر، وهذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص. قال أحمد شاكر: في هذا الإسناد في الأصول حرام بن معاوية، ويظهر أنه هكذا في رواية الترمذي، وفي نسخة عند الشارح حرام بن حكيم، وهي مقاربة لما في الأصول، وإن كان هذا هو الراجح؛ فإنه حرام بن حكيم بن خالد بن مسعد بن الحكم الأنصاري، وسماه بعض الرواه حرام بن معاوية، وظنهما البخاري شخصين ففصل بينهما، والصحيح أنه هو هو، وقد وثقه العجلي والدارقطني وغيرهما، وضعفه البعض من غير مستند.

ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد

ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد

شرح حديث: (إن حيضتك ليست في يدك)

شرح حديث: (إن حيضتك ليست في يدك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد. حدثنا قتيبة حدثنا عبيدة بن حميد عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد قال: قالت لي عائشة: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: قلت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك). قال: وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً في ذلك، بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئاً من المسجد]. هذا الحديث رواه الشيخان، ولا حرج على الحائض أن تتناول شيئاً من المسجد أو تمر في المسجد، لكنها لا تمكث فيه، بل تمر مروراً، والجنب كذلك يجوز له أن يمر ليأخذ شيئاً من المسجد أو يمر من باب إلى باب، قال الله تعالى: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] فمرور الجنب والحائض في المسجد لا حرج فيه. والحديث أخرجه أحمد ومسلم.

ما جاء في كراهية إتيان الحائض

ما جاء في كراهية إتيان الحائض

شرح حديث (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد)

شرح حديث (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض. حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وبهز بن أسد قالوا: حدثنا حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد). قال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة. وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى حائضاً فليتصدق بدينار)، فلو كان إتيان الحائض كفراً لم يؤمر فيه بالكفارة. وضعف محمد هذا الحديث من قبل إسناده، وأبو تميمة الهجيمي اسمه طريف بن مجالد]. مراده أن الكفر هنا ليس كفراً أكبر، وإنما هو الكفر الأصغر، فقوله: (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد) يعني الكفر الأصغر، بدليل أنه في الحديث الآخر أمر من أتى حائضاً أن يتصدق بدينار أو نصف دينار، فلو كان كافراً لما نفعته الصدقة، فدل هذا على أنه يكفر كفراً أصغر. قوله: (وضعف محمد هذا الحديث) أي أن البخاري ضعف هذا الحديث. والظاهر أنه محمول على التغليظ والتشديد كما قاله الترمذي، وقيل: إن كان المراد الإتيان باستحلال وتصديق، فالكفر محمول على ظاهره، وإن كان بدونهما فهو محمول على كفران النعمة. أي: إذا كان المراد أنه مستحل لذلك وصدق الكاهن في ادعائه علم الغيب يكون ذلك كفراً أكبر، وإلا فهو محمول على كفران النعمة. قال الذهبي في الميزان في ترجمة حكيم الأثرم: قال البخاري: لم يتابع على حديثه. يعني حماد بن سلمة عنه عن أبي تميمة عن أبي هريرة مرفوعاً: (من أتى كاهناً). وقال الحافظ عن حكيم الأثرم البصري: لين، وقال الخزرجي في الخلاصة: ليس به بأس. وأبو تميمة بفتح التاء الفوقانية وكسر الميم، والهجيمي: بضم الهاء وفتح الجيم، مصغرة، هو طريف بن مجالد الهجيمي البصري، ثقة، من الثالثة، مات سنة سبع وتسعين أو قبلها أو بعدها.

ما جاء في كفارة وطء الحائض

ما جاء في كفارة وطء الحائض

شرح حديث كفارة وطء الحائض

شرح حديث كفارة وطء الحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الكفارة في ذلك. حدثنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس (عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يقع على امرأته وهي حائض، قال: يتصدق بنصف دينار). حدثنا الحسين بن حريث قال أخبرنا الفضل بن موسى عن أبي حمزة السكري عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار). قال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً، وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال ابن المبارك: يستغفر ربه ولا كفارة عليه، وقد روي نحو قول ابن المبارك عن بعض التابعين منهم سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، وهو قول عامة علماء الأمصار]. قوله: (عن خصيف) بضم الخاء المعجمة، وفتح الصاد المهملة، مصغراً، وهو ابن عبد الرحمن الجزري، صدوق سيئ الحفظ، خلط بآخره، ورمي بالإرجاء، كذا في التقريب. وقال في الخلاصة: ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال ابن عدي: إذا حدث عنه ثقة فلا بأس به. قوله: (عن مقسم) بكسر الميم وإسكان القاف وفتح السين المهملة، وهو ابن بجرة أو نجدة، ويقال له مقسم مولى ابن عباس؛ للزومه له، وإنما هو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، وقد ضعفه بعضهم بغير حجة، قال أحمد بن صالح المصري: ثقة ثبت لاشك فيه. وقال العجلي: مكي تابعي ثقة. ووثقه -أيضاً- يعقوب بن سفيان والدارقطني وغيرهم. قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (إذا كان دماً أحمراً فدينار، وإن كان دماً أصفراً فنصف دينار)، قال المنذري: هذا الحديث قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه، فروي مرفوعاً وموقوفاً ومرسلاً ومعضلاً. وقال عبد الرحمن بن مهدي: قيل لـ شعبة: إنك كنت ترفعه؟ قال: إني كنت مجنوناً فصححت، وأما الاضطراب في متنه فروي بدينار أو نصف دينار على الشك، وروي: يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار، وروي: إذا كان دماً أحمر فدينار، وإن كان دماً أصفر فنصف دينار، وروي: إن كان الدم عبيقاً فليتصدق بدينار، وإن كان صفرة فنصف دينار. انتهى كلام المنذري. وقال الحافظ في التلخيص: والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير. انتهى. قلت: لا شك أن في إسناد هذا الحديث ومتنه اختلافاً كثيراً، لكن مجرد الاختلاف قليلاً كان أو كثيراً لا يورد الاضطراب القادح في صحة الحديث، بل يشترط له استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجحت رواية من الروايات المختلفة من حيث الصحة قدمت، ولا تعل الرواية الراجحة بالمرجوحة، وهاهنا رواية عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس بلفظ: (فليتصدق بدينار أو بنصف دينار) صحيحة راجحة، فكل رواتها مخرج لهم في الصحيح، إلا مقسماً الراوي عن ابن عباس فانفرد به البخاري، لكن ما أخرج له إلا حديثاً واحداً، وقد صحح هذه الرواية الحاكم وابن دقيق العيد وقال: ما أحسن حديث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس، فقيل: تذهب إليه؟ فقال: نعم. ورواية عبد الحميد هذه لم يخرجها الترمذي وأخرجها أبو داود، قال: حدثنا مسدد أخبرنا يحيى عن شعبة حدثني الحسن عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: (يتصدق بدينار أو نصف دينار)، قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة قال: دينار أو نصف دينار، ولم يرفعه شعبة، فرواية عبد الحميد هذه صحيحة راجحة، وأما باقي الروايات فضعيفة مرجوحة، لا توازي رواية عبد الحميد، فلا تعل رواية عبد الحميد هذه بالروايات الضعيفة. قال الحافظ في التلخيص: قد أمعن ابن قطان القول في تصحيح هذا الحديث، والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه، وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن قطان وقواه في (الإلمام)، وهو الصواب، فكم من حديث قد احتجوا به وفيه من الاختلاف أكثر مما في هذا الحديث، كحديث بئر بضاعة، وحديث القلتين ونحوهما، وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في شرح المهذب والتنقيح والخلاصة أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه، وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم، وتبع في بعض ذلك ابن الصلاح. انتهى كلام الحافظ. وبالجملة فإن رواية عبد الحميد صحيحة، لكن وقع الاختلاف في رفعها ووقفها، فرفعها شعبة مرة، ووقفها مرة، قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر هذه الرواية المرفوعة: صححه الحاكم وابن القطان ورجح غيرهما وقفه، قال الشوكاني في النيل: ويجاب عن دعوى الاختلاف في رفعه ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي رفعوه عن شعبة، وكذلك وهب بن جرير وسعيد بن عامر والنضر بن شميل وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف قال ابن سيد الناس: من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ ممن وقفه، وأما قول شعبة: أسنده لي الحكم مرة ووقفه مرة، فقد أخبر عن المرفوع والموقوف أن كلاً عنده، ثم لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه. وقال أبو بكر الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع لا يؤثر في الحديث ضعفاً، وهو مذهب أهل الأصول؛ لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى، والأخذ بالمرفوع أخذ بالزيادة وهي واجبة القبول. انتهى. قلت: يؤيد ترجيح وقفها قول عبد الرحمن بن مهدي: قيل لـ شعبة: إنك كنت ترفعه؟ قال: إني كنت مجنوناً فصححت وبين البيهقي في روايته أن شعبة رجع عن رفعه، والله تعالى أعلم. وعلى العموم نقول: السند الأول الذي ذكره المؤلف فيه خصيف وشريك، فهي رواية ضعيفة، والسند الثاني فيه عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف، لكن رواية عبد الحميد التي أخرجها أبو داود صحيحه، والاختلاف في وقفه ورفعه لا تضر، فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ، فالموقوف لا يعارض المرفوع، والحديث فيه اختلاف كثير في السند وفي المتن، فمن العلماء من صححه، ومنهم من ضعفه، ومنهم من وصله، ومنهم من رفعه، والصواب أنه صحيح ثابت، فعلى هذا فإن من جامع زوجته وهي حائض فعليه أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار، فهو على الخيار. وعلى هذا فإنه يكون مخيراً بين الدينار وبين نصف الدينار، والدينار أربعة أسباع الجنيه، فإذا كان الجنيه سبعين فيكون عليه أربعين - قيمة الدينار - أو عشرين، على التخيير بينهما، وإذا كان الجنيه سبعمائة، فتكون قيمة الدينار أربعمائة، ونصف الدينار مائتين، فيتصدق بأيهما شاء, وهذا هو الصواب، أن عليه كفارة مع التوبة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من جامع زوجته بعد أن طهرت ثم وجد أثر الدم

حكم من جامع زوجته بعد أن طهرت ثم وجد أثر الدم Q إذا جامع رجل زوجته بعد أن طهرت، وقد سألها فقالت: أنا طاهر، ولكنه وجد أثر الدم في ذكره، فما الحكم، وهل عليه الصدقة؟ A ما دام أنه لم يتعمد ذلك فهو معذور، ولا حرج عليه، لكن إن تصدق احتياطاً فهذا حسن.

الدليل على تحديد مسافة القصر بثمانين كيلو متر

الدليل على تحديد مسافة القصر بثمانين كيلو متر Q تحديد مسافة القصر بثمانين كيلو متراً هل عليه دليل؟ أم أن كل ما أطلق عليه أنه سفر يأخذ أحكام السفر؟ A نعم عليه دليل، وهو حديث: (من سافر مسافة يوم وليلة)، واليوم والليلة مرحلتان، والمرحلة تقارب أربعين كيلو متراً، وهذه المسافة هي التي تقطعها الإبل المحملة خلال يوم وليلة، كما في الحديث: (مسافة يوم وليلة) وفي بعضها: يومين، ولهذا قال الجمهور: إن مسافة القصر يومان قاصدان بالإبل المحملة دبيب الأحمال والأثقال. وقد جاء عن أنس في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر مسيرة ثلاثة فراسخ قصر الصلاة.

حكم التعامل بالأسهم

حكم التعامل بالأسهم Q ما حكم التعامل بالأسهم وأخذ أرباحها؟ A الحكم يختلف باختلاف نوع هذه الأسهم، فإذا كانت أسهم مرابحة ومضاربة، بمعنى أنه يشترى فيها أشياء أو أراضي أو عقارات فلا بأس، وهذا من باب المضاربة، أما إذا كانت دراهم؛ فإن المسألة تحتاج إلى نظر في نوع هذه الأسهم وما يتم التبادل فيه، فإن الدراهم إذا بيعت بالدراهم كانت الزيادة غير جائزة، والمسألة تحتاج إلى تأمل، فيراجع الإفتاء في هذا.

حكم دراسة القوانين الوضعية

حكم دراسة القوانين الوضعية Q ما حكم دراسة القوانين الوضعية؟ وما حكم الشهادة التي يحصل عليها الطالب بعد تخرجه؟ وإذا كان حكم دراستها محرماً، فبماذا تنصحون الطلاب الذين يدرسونها الآن؟ A ننصحهم بدراسة الأحكام الشرعية والدراسة في المعاهد والكليات الشرعية.

المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام (فيصدقون مرة ويكذبون مائة)

المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام (فيصدقون مرة ويكذبون مائة) Q في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيصدقون مرة ويكذبون مائة)، هل المراد الشياطين أم الكهان؟ A المراد الكهان، فإن الكاهن إذا ألقى الشيطان إليه الكلمة في أذنه كذب مائة كذبة.

ما يجزئ عن تحية المسجد

ما يجزئ عن تحية المسجد Q من دخل مسجداً في الليل، وأراد أن يوتر بركعة واحدة، فهل تجزئ عن تحية المسجد؟ A الأقرب أنها لا تجزئ، فيصلي قبلها ركعتين، أي: يوتر بثلاث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، فتحية المسجد أقلها ركعتان.

إلحاق بول الكلب بلعابه

إلحاق بول الكلب بلعابه Q هل يلحق بول الكلب بلعابه حيث يغسل سبع مرات؟ وهل بول الهر ولعابه طاهر؟ A النص ورد في لعاب الكلب بأنه إذا ولغ في الإناء يغسل سبع مرات، والأقرب أن البول مثله لا ينقص عنه. أما الهر فإن سؤره طاهر، أما لعابه وبوله فهما نجسان، لكن جسم الهر نفسه طاهر، فإذا أمسكته بيدك وهو جاف فلا شيء في ذلك؛ لأنه طاهر، أو إذا أكل أو شرب من شيء فلا ينجس؛ لأن سؤره طاهر.

حكم من ارتكب محظورا من محظورات الإحرام ناسيا أو جاهلا

حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً Q ما هو القول الفصل في حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً، في ضوء قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]؟ A الأقرب إلى الصواب أنه معذور إلا في الجماع، فإن الجماع فيه خلاف، فالجمهور على أنه لا يعذر به؛ لأن الصحابة لم يفرقوا بين الجاهل والناسي فيه. والقول الثاني للعلماء أنه يعذر؛ للنصوص التي فيها العذر بالجهل، كما في الآية المذكورة في السؤال. ومن العلماء من فرق بين النسيان والجهل فقال: الناسي لا حيلة له، أما الجاهل فإنه يمكن ألاّ ينسى. والقول بأن الناسي معذور قول قوي.

الرد في الفرائض

الرد في الفرائض Q من يأخذ الباقي بعد أن تأخذ البنت النصف إذا كانت ترث لوحدها؟ A يأخذه أولى رجل ذكر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر)، فإن لم يوجد رد على البنت، فتأخذه فرضاً ورداً.

حكم إحياء المناسبات الوطنية والقبلية

حكم إحياء المناسبات الوطنية والقبلية Q ما حكم إحياء المناسبات الوطنية أو القبلية وما كان من باب العادات والتقاليد، سواء كانت هذه المناسبات مئوية أم سنوية، وما الضابط في المحظور منها؟ A الأصل أن الاحتفالات والأعياد تضبط بضوابط الشرع، فما دل عليه الشرع يفعل، وما زاد عما جاء به الشرع فإنه لا يفعل، هذا هو الأصل.

حكم تحريم الرجل زوجته

حكم تحريم الرجل زوجته Q إذا حرم الرجل زوجته، فهل يقع ذلك طلاقاً؟ A الأصل أن تحريم الزوجة بالخصوص يكون ظهاراً، وإذا قصد ونوى الطلاق فإنه يقع طلاقاً.

أبواب الطهارة [14]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [14] تعم أحكام الشريعة كل أحوال المكلفين، ولا يخرج عن حكمها حال من أحوالهم، فهي التي جاءت بما يتصل بدم الحيض والنفاس من الأحكام، كما جاءت بما يتصل بشهوة الرجل حال إرادته العود في الجماع والدوران على نسائه، كما جاءت بما يتصل بواجد ألم مدافعة الأخبثين حال قصده الصلاة، كما جاءت بما يتصل بطين الشوارع وأقذارها حين تصيب الثياب، وغير ذلك في سائر الأحوال.

باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

شرح حديث: (حتيه ثم أقرصيه بالماء ثم رشيه)

شرح حديث: (حتيه ثم أقرصيه بالماء ثم رشيه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب. حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر: (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه). قال: وفي الباب عن أبي هريرة وأم قيس بنت محصن. قال أبو عيسى: حديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الدم يكون على الثوب فيصلي فيه قبل أن يغسله، قال بعض أهل العلم من التابعين: إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسله وصلى فيه أعاد الصلاة، وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول سفيان وابن المبارك، ولم يوجب بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم عليه الإعادة وإن كان أكثر من قدر الدرهم، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال الشافعي: يجب عليه الغسل وإن كان أقل من قدر الدرهم وشدد في ذلك]. هذا الحديث الذي ذكره المؤلف في هذا الباب فيه دليل على جوب غسل دم الحيض وأنه نجس، وقوله: (حتيه) يعني: حكيه، أي: تحكه بعود أو بغيره حتى تزيل عين النجاسة. وقوله عليه الصلاة والسلام: (ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه) فيه دليل على أن دم الحيض نجس، وهذا بالإجماع، أما غير دم الحيض ففيه خلاف، وقد نقل النووي الإجماع على أن الدم نجس، فأما الدم المسفوح من الذبيحة وقت الذبح فلا إشكال فيه، وأما ما يكون في العروق فهذا معفو عنه في اللحم. فالدم الذي يصيب الشخص إذا كان دم حيض فلا شك في نجاسته، أما إذا كان غير دم الحيض فالأحوط الغسل، والتحديد بدرهم أو بأقل من درهم ليس عليه دليل، ولكن الشيء اليسير يعفى عنه، وهذا يرجع إلى العرف، وما زاد على ذلك يغسل. قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (فقال بعض أهل العلم من التابعين إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسل وصلى فيه أعاد الصلاة) جاء فيه حديث أخرجه الدارقطني في سننه عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم). ، وفي لفظ: (إذا كان في الثوب قدر الدرهم من الدم غسل الثوب، وأعيدت الصلاة)، قال البخاري: حديث باطل، وروح هذا منكر الحديث. وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا شك فيه، لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اخترعه أهل الكوفة، وكان روح بن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وذكره -أيضاً- من حديث نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، وأغلظ في نوح بن أبي مريم، كذا في تخريج الزيعلي. (وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول سفيان وابن المبارك) وهو قول الحنفية. وقال صاحب الهداية: قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة -كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار- جازت الصلاة معه، وإن زاد لم يجز، قال لنا: إن القليل لم يمكن التحرز عنه، فيجعل معفواً، وقدرناه بقدر الدرهم أخذاً عن موضع الاستنجاء. انتهى. قال العيني في شرح البخاري: وأما تقدير أصحابنا القليل بقدر الدرهم فلما ذكره صاحب الأسرار عن علي وابن مسعود أنهما قدرا النجاسة بالدرهم، وكفى بهما حجة في الاقتداء. وروي عن عمر -أيضاً- أنه قدره بظفره، وفي المحيط: وكان ظفره قريباً من كفنا، فدل على أن ما دون الدرهم لا يمنع. انتهى. قلت: لا بد للحنفية أن يثبتوا صحة آثار علي وابن مسعود وعمر رضي الله عنهم المذكورة، وبمجرد ذكر صاحب الأسرار هذه الآثار لا يصح الاستدلال بها، وإني قد فتشت كثيراً لكن لم أقف على أسانيدها ولا على مخرجيها، فالله تعالى أعلم كيف حالها. وأما قول الحنفية: إن ظفر عمر كان قريباً من كفنا، فهذا ادعاء محض لم يثبت بدليل صحيح، نعم ثبت أنه رضي الله عنه كان طويل القامة، قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه (التلقيح) ما لفظه: تسمية الطوال عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وقيس بن سعد وحبيب بن مسلمة وعلي بن عبد الله بن عباس. انتهى، ومن المعلوم أن كون عمر من طوال الصحابة لا يستلزم أن يكون ظفره قريباً من كفنا. وأما تقديرهم أخذاً عن موضع الاستنجاء فيه -أيضاً- كلام لا يخفى على المتأمل). هذا القول يحتاج إلى دليل، وقد ذكرنا أن تقدير اليسير يرجع إلى العرف، فدم الحيض لا شك في نجاسته، ويجب غسل قليله وكثيره.

ما جاء في كم تمكث النفساء

ما جاء في كم تمكث النفساء

شرح حديث: (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله أربعين يوما)

شرح حديث: (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله أربعين يوماً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في كم تمكث النفساء. حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا شجاع بن الوليد أبو بدر عن علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة قالت: (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً، فكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة. واسم أبي سهل: كثير بن زياد قال محمد بن إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل، وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم تطهر. ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوماً]. قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: (قوله: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل إلخ). قال الحافظ في التلخيص: أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم. وأبو سهل وثقه البخاري وابن معين، وضعفه ابن حبان. ومسة مجهولة الحال، قال الدارقطني: لا تقوم بها حجة، وقال ابن القطان: لا يعرف حالها، وأغرب ابن حبان فضعفه في كثير بن زياد ولم يصب. وقال النووي: قول جماعة من مصنفي الفقهاء: إن هذا الحديث ضعيف مردود عليهم، وله شاهد أخرجه ابن ماجه من طريق سلام عن حميد عن أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك) قال: لم يروه عن حميد غير سلام وهو ضعيف، ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن أنس مرفوعاً. وروى الحاكم من حديث الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في نفاسهن أربعين يوماً)، وقال: صحيح إن سلم من أبي هلال. قلت: وقد ضعفه الدارقطني، والحسن عن عثمان بن أبي العاص منقطع، والمشهور عن عثمان موقوف عليه. انتهى ما في التلخيص. وقد ذكر الحافظ حديث الباب في (بلوغ المرام) وقال: صححه الحاكم وأقر تصحيحه ولم ينكر عليه، وقد قال في (التقريب) في ترجمة مسة الأزدية: إنها مقبولة كما عرفت. وقال صاحب (عون المعبود): وأجاب في (البدر المنير) عن القول بجهالة مسة فقال: ولا نسلم جهالة عينها، وجهالة حالها مرتفعة، فإنه روى عنها جماعة: كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن الحسين، ورواه محمد بن عبيد الله العزرمي عن الحسن عن مسة أيضاً، فهؤلاء رووا عنها، وقد أثنى على حديثها البخاري، وصحح الحاكم إسناده، فأقل أحواله أن يكون حسناً، انتهى. هذا الحديث في سنده مسة، ومسة هذه فيها كلام من حيث الجهالة، لكنه قد روى عنها عدد فارتفعت جهالتها، ثم إن الحديث له شواهد، وهو معتمد عند أهل العلم في مكث النفساء أربعين يوماً، فهذا هو المعتمد عند الجماهير، وهو أنها تمكث أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر، أي: إذا انقطع الدم قبل الأربعين فإنه يلزمها أن تغتسل وتصوم وتصلي، ثم إذا عاد الدم في الأربعين فإنها تجلس ولا تعيد صيامها في الأيام التي مضت وقد رأت الطهر، وإذا تمت الأربعين فإنها تغتسل وتصوم وتصلي، وإن جاءها الدم بعد الأربعين فينظر، فإن كان وافق عادتها قبل النفاس؛ فإنها تجلس وقت عادتها، ويكون هذا حيض جاءها، وأما إذا لم يوافق العادة فإنها تغسل الدم، وتصوم وتصلي، هذا هو المعتمد الذي عليه الفتوى، والذي اعتمده بعض أهل العلم. وقال بعض العلماء: إن أكثر مدة النفاس خمسون يوماً. وقال بعضهم: ستون يوماً. والصواب: أن أكثر مدة النفاس أربعون يوماً إذا لم تر الطهر قبل ذلك، وهذا الحديث هو العمدة، أعني حديث أم سلمة الذي فيه مسة، وهي مقبولة الحال، لكن الحديث له شواهد كما قلنا، وقال أحمد شاكر: وقد زعم ابن حزم في (المحلى) أن أكثر النفاس سبعة أيام فقط، وهذا من الغرائب، وقد قاس ذلك على أيام الحيض، وإن لم يعترف بأنه قياس، بل أغرب فزعم أن دم النفاس دم حيض، وهذا الذي قاله لم نجد مثله عن أحد من العلماء. وهذا من أغرب الأقوال؛ فإن دم الحيض ليس سبعة أيام، وإنما غالبه سبعة أيام، لكنه قد يكون عشرة أيام إلى خمسة عشر يوماً.

باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد

باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد

شرح حديث: (كان يطوف على نسائه بغسل واحد)

شرح حديث: (كان يطوف على نسائه بغسل واحد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد. قال: حدثنا بندار محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن معمر عن قتادة عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد). قال: وفي الباب عن أبي رافع. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد)، وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري، أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ. وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس وأبو عروة هو معمر بن راشد وأبو الخطاب: قتادة بن دعامة. قال أبو عيسى: ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن سفيان عن ابن أبي عروة عن أبي الخطاب، وهو خطأ، والصحيح عن أبي عروة]. قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: حديث أنس حديث صحيح أخرجه الجماعة إلا البخاري، كذا في المنتقى. وقال في (النيل): الحديث أخرجه البخاري -أيضاً- من حديث قتادة عن أنس بلفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، قال: قلت: لـ أنس بن مالك: أوكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين) ولم يذكر فيه الغسل. انتهى]. يعني: قوة ثلاثين رجلاً، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فإنه مع قلة الطعام والشراب، ومع انشغاله أعطاه الله هذه القوة، وهي قوة ثلاثين رجلاً. ثم قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري، أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ) في كلام الترمذي هذا شيء، فإن حديث الباب لا يدل على هذا، بل يدل على أن لا بأس أن يعود قبل أن يغتسل، فتفكر، وأما مسألة العود قبل أن يتوضأ فتأتي في الباب الآتي). فهذا الحديث - كما ذكر المؤلف - رواه الجماعة - أصحاب الكتب الستة -: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو دليل على أنه لا بأس بأن يطوف الرجل على نسائه بغسل واحد إذا كان هناك عدد من النساء، ولا يعتبر هذا من الجور، لكن عليه أن يتوضأ بعد كل جماع، ويكره في حقه أن يعود بدون وضوء، وكذلك إذا أراد أن ينام، كما جاء في الصحيح أن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ)، يعني: لا بد من أن يتوضأ، وكذلك إذا أراد أن يأكل أو يشرب، وإذا كان يريد جماع زوجة أخرى فيتأكد الوضوء. أما قول الحسن هذا فليس بشيء، فالصواب أنه لا بد من الوضوء بعد كل جماع، ومعلوم أن الإنسان يضعف بعد الجماع، لكن الأنبياء أعطاهم الله هذه القوة الكبيرة، وسليمان عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيح- دار على تسعين امرأة في ليلة واحدة، فقد ورد أنه قال: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة -وفي لفظ: على سبعين- فتلد كل واحدة غلاماً يجاهد في سبيل الله) فانظر إلى الهمة العالية (فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل - وفي لفظ: - فلم يقل ونسي)، وذلك لحكمة بالغة، (فطاف عليهن فلم تلد إلا واحدة أتت بشق إنسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال (إن شاء الله) لكان دركاً لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعين)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والحديث رواه البخاري ومسلم، فهذه قوة عظيمة، فإنه دار على تسعين امرأة في ليلة واحدة؛ لأن الأنبياء لهم خصائص خصهم الله بها.

باب ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ

باب ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ

شرح حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ)

شرح حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ. حدثنا هناد حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً). قال: وفي الباب عن عمر. قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح، وهو قول عمر بن الخطاب، وقال به غير واحد من أهل العلم، قالوا: إذا جامع الرجل امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ قبل أن يعود، وأبو المتوكل اسمه علي بن داود، وأبو سعيد الخدري اسمه: سعد بن مالك بن سنان]. قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (فليتوضأ بينهما) أي: بين الإتيانين (وضوءاً) أي: كوضوء الصلاة، وحمله بعض أهل العلم على الوضوء اللغوي، وقال: المراد به غسل الفرج، ورد عليه ابن خزيمة بما رواه في هذا الحديث فقال: (فليتوضأ وضوءه للصلاة). واختلف العلماء في الوضوء بينهما، فقال أبو يوسف: لا يستحب، وقال الجمهور يستحب. وقال ابن حبيب المالكي وأهل الظاهر: يجب، واحتجوا بحديث الباب، وقال الجمهور: إن الأمر بالوضوء في هذا الحديث للاستحباب لا للوجوب، واستدلوا على ذلك بما رواه الطحاوي عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ). واستدل ابن خزيمة على أن الأمر فيه بالوضوء للندب بما رواه في هذا الحديث فقال: (فإنه أنشط للعود)، فدل على أن الأمر للإرشاد أو الندب، وحديث الباب حجة على أبي يوسف. والذي أراه أن القول بالوجوب قول قوي، مع أن الجمهور على أنه للاستحباب، لكن نقول بالوجوب لأن الأصل في الأوامر الوجوب.

ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء

ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء

شرح حديث: (إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء)

شرح حديث: (إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء. حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال: (أقيمت الصلاة فأخذ بيد رجل فقدمه، وكان إمام قومه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء). قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح، هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم. وروى وهيب وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن الأرقم، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول أحمد وإسحاق، قالا: لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئاً من الغائط والبول، وقالا: إن دخل في الصلاة فوجد شيئاً من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله، وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يصلي وبه غائط أو بول ما لم يشغله ذلك عن الصلاة]. قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ) كـ زهير بن معاوية وسفيان بن عيينة وحفص بن غياث وغيرهم (عن هشام بن عروة عن أبيه) عن عبد الله بن الأرقم، فلم يزيدوا بين عروة وعبد الله بن الأرقم رجلاً. (وروى وهيب وغيره) كـ أنس بن عياض وشعيب بن إسحاق (عن هشام بن عروة عن رجل عن عبد الله بن الأرقم) فزاد هؤلاء بين عروة وعبد الله بن الأرقم رجلاً. ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب بن موسى. وقال: قوله: (حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح، وأخرج مالك وأبو داود والنسائي نحوه. وعن الصحابي راوي الحديث قال ابن حجر في (الإصابة): عبد الله بن الأرقم بن أبي الأرقم واسمه عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري قال البخاري: عبد يغوث جده، وكان خال النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم يوم الفتح، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ولـ أبي بكر وعمر، وكان على بيت المال أيام عمر، وكان أميراً عنده، حدثت حفصة أنه قال لها: لولا أن ينكر علي قومك لاستخلفت عبد الله بن الأرقم، وقال السائب بن يزيد: ما رأيت أخشى لله منه. وأخرج البغوي من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله سلم استكتب عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث وكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك. وعبد الله بن الأرقم هو شقيق زيد بن الأرقم. قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قال عروة: (فأخذ) أي: عبد الله بن الأرقم، (فقدمه) أي: فقدم الرجل ليؤم القوم، (وكان) أي: عبد الله بن الأرقم، (ووجد أحدكم الخلاء) أي: الحاجة إلى الخلاء. وفي رواية الشافعي: (ووجد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط)، (فليبدأ بالخلاء) وجاز له ترك الجماعة بهذا العذر، وفي رواية مالك: (إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة). قوله: (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة) أما حديث عائشة فأخرجه مسلم عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)). أي: إذا كان يدافع الأخبثين - البول والغائط - فلا صلاة، قيل: لا صلاة كاملة، وقيل: لا صلاة صحيحة. وعلى هذا فإذا صلى وهو يدافع الأخبثين فلا تصح صلاته على أحد الأقوال. والقول الثاني: أنها صحيحة إذا لم تشغله مع الكراهة؛ لما فيه من التشويش، وكذلك إذا كانت حرارة الطعام فيه شديدة، وتتوق نفسه إليه، فلا بد من أن يأكل، وفي هاتين الحالتين هو معذور، فله ترك صلاة الجماعة. قال الشارح: ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن هشام عن عروة قال: خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري فأقام الصلاة ثم قال: صلوا وذهب لحاجته، فلما رجع قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط). فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه متصلة بتصريحه بأن عروة سمعه من عبد الله بن الأرقم، وابن جريج وأيوب ثقتان حافظان، ذكره الزرقاني نقلاً عن ابن عبد البر. إذاً: لا يدخل الشخص الصلاة وهو حاقن أو حاقب أو حاسر، والحاقن: مدافع البول، والحاقب: مدافع الغائط، والحاسر: مدافع الريح.

ما جاء في الوضوء من الموطئ

ما جاء في الوضوء من الموطئ

شرح حديث أم سلمة في تطهير ذيل الثوب

شرح حديث أم سلمة في تطهير ذيل الثوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الوضوء من الموطئ. حدثنا أبو رجاء قتيبة حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لـ عبد الرحمن بن عوف قالت: قلت لـ أم سلمة: (إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده). قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتوضأ من الموطئ. قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم، قالوا: إذا وطئ الرجل على المكان القذر أنه لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطباً فيغسل ما أصابه. قال أبو عيسى: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لـ هود بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهو وهم، وليس لـ عبد الرحمن بن عوف ابن يقال له: هود، وإنما هو عن أم ولد لـ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة، وهذا الصحيح]. يعني أن الرجل إذا كانت رطبة فلا بد من غسلها، أما اليابس فإنه يتسامح فيه، والخف كذلك، إذا كان يابساً فحكمه مثل ذيل المرأة، فإنه يمر على أرض وسخة ثم يرد على أرض طاهرة فيطهر. قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: وحديث الباب أخرجه مالك في الموطأ وأحمد والدارمي وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري، ورواه الشافعي وابن أبي شيبة أيضاً. وفي الباب عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت (قلت: يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قالت: فقال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قلت: بلى. قال: فهذه بهذه). أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري، والمرأة من بني عبد الأشهل هذه صحابية، ذكره ابن الأثير في (أسد الغابة) وقد تقدم أن جهالة اسم الصحابي لا تضر. قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا الحديث مما رواه مالك فصح، وإن كان غيره لم يره صحيحاً، والعلة فيه جهالة (أم ولد) هذه. قال الذهبي في الميزان: حميدة سألت أم سلمة، هي أم ولد لـ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف تفرد عنها محمد بن إبراهيم التيمي. وأما ابن حجر في التهذيب فإنه لم يجزم بأن حميدة هي أم الولد، بل جوز ذلك فقط، قال في التقريب: إنها مقبولة، وهذا هو الراجح، فإن جهالة الحال في مثل هذه التابعية لا يضر، وخصوصاً مع اختيار مالك حديثها وإخراجه في موطئه، وهو أعرف الناس بأهل المدينة وأشدهم احتياطاً في الرواية عنهم. تنبيه: قال علي القارئ في المرقاة - بعد ذكر تأويل الإمام أحمد والإمام مالك - ما لفظه: وما قال أحمد ومالك من التأويل لا يشفي الغليل، ولو حمل أنه من باب طين الشارع وأنه طاهر أو معفو لعموم البلوى لكان له وجه وجيه، لكن لا يلائمه قوله: (أليس بعدها ألخ). فالمخلص ما قاله الخطابي من أن في إسناد الحديثين معاً مقالاً؛ لأن أم ولد إبراهيم وامرأة من بني عبد الأشهل مجهولتان لا يعرف حالهما في الثقة والعدالة، فلا يصح الاستدلال بهما. انتهى. وقال أيضاً: لو ثبت أن المرأة التي من بني عبد الأشهل صحابية لما قيل: إنها مجهولة. وفي الباب عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: (قلت: يا رسول الله) كأن شيخ الإسلام رحمه الله اعتمد هذا الحديث. وحديث أم سلمة (وأن الذيل) أي: ذيل المرأة إذا مرت في أرض وسخة ثم أرض طاهرة طهرت، وكذلك الخف يتسامح فيه، أما الرجل إذا أصابتها نجاسة فلا بد من غسلها. قال الخطابي: كان الشافعي يقول: إنما هو فيما جر على ما كان يابساً لا يعلق بالثوب منه شيء، فأما إذا جر على رطب فلا يطهره إلا بالغسل. وقال أحمد: ليس معناه إذا أصابه بول ثم مر بعده على الأرض أنها تطهره، ولكنه يمر بالمكان فيقذره ثم يمر بمكان أطيب منه فيكون هذا بذاك، ليس على أنه يصيبه منه شيء. وقال مالك فيما روي عنه: إن الأرض يطهر بعضها بعضاً، إنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة، فإن بعضها يطهر بعضاً، فأما النجاسة -مثل البول ونحوه يصيب الثوب أو بعض الجسد- فإن ذلك لا يطهره إلا الغسل، قال: وهذا إجماع الأمة. وقال الزرقاني: وذهب بعض العلماء إلى حمل القذر في الحديث على النجاسة ولو رطبة، وقالوا: يطهر بالأرض اليابسة؛ لأن الذيل للمرأة كالخف والنعل للرجل، ويؤيده ما في ابن ماجه عن أبي هريرة قيل: (يا رسول الله! إنا نريد المسجد فنطأ الطريق النجسة، فقال صلى الله عليه وسلم: الأرض يطهر بعضها بعضاً) لكنه حديث ضعيف كما قاله البيهقي وغيره. وقال الشيخ الأجل ولي الله الدهلوي تحت حديث أم سلمة: إن أصاب الذيل نجاسة الطريق، ثم مر بمكان آخر واختلط به طين الطريق وغبار الأرض وتراب ذلك المكان ويبست النجاسة المتعلقة؛ فيطهر الذيل النجس بالتناثر أو الفرك، وذلك معفو عنه عند الشارع بسبب الحرج والضيق، كما أن غسل العضو والثوب من دم الجراحة معفو عنه عند المالكية، وكما أن النجاسة الرطبة التي أصابت الخف تزول بالدلك، ويطهر الخف عند الحنفية والمالكية بسبب الحرج، وكما أن الماء المستنقع الواقع في الطريق وإن وقع فيه النجاسة معفو عنه عند المالكية بسبب الحرج، وإني لا أجد الفرق بين الثوب الذي أصابه دم الجراحة والثوب الذي أصابه الماء المستنقع وبين الذيل الذي تعلقت به نجاسة رطبة ثم اختلط به غبار الأرض وترابها وطين الطريق فتناثرت به النجاسة أو زالت بالفرك، فإن حكمها واحد، وما قاله البغوي: إن هذا الحديث محمول على النجاسة اليابسة التي أصابت الثوب ثم تناثرت بعد ذلك ففيه نظر؛ لأن النجاسة التي تتعلق بالذيل في المشي في المكان القذر تكون رطبة في غالب الأحوال، وهو معلوم بالقطع في عادة الناس، فإخراج الشيء الذي تحقق وجوده قطعاً أو غالباً عن حالته الأصلية بعيد، وأما طين الشارع يطهره ما بعده ففيه نوع من التوسع في الكلام؛ لأن المقام يقتضي أن يقال: هو معفو عنه أو لا بأس به، لكن عدل عنه بإسناد التطهير إلى شيء لا يصلح أن يكون مطهراً للنجاسة، فعلم أنه معفو عنه، وهذا أبلغ من الأول. انتهى. وعلى كل حال فإنه لو صح الحديث فلا إشكال، ولكن يؤيده الأدلة التي فيها دفع الحرج ودفع المشقة، مثل قوله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] وقوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].

الأسئلة

الأسئلة

حكم من وجد في ثيابه رطوبة بعد قيامه من النوم

حكم من وجد في ثيابه رطوبة بعد قيامه من النوم Q هل على من وجد في ثيابه رطوبة بعد قيامه من النوم أن يغتسل؟ مع العلم أن هذه الرطوبة ليس فيها رائحة مني، ولا أثر لاحتلام في النوم، فهي كالبرودة؟ A إذا تأكد أنه مني أو احتلام فيجب عليه الاغتسال، أما إذا لم يتأكد، وشك في أن يكون مذياً أو غير ذلك؛ فإنه يغسل ما أصابت الرطوبة وما حولها.

حكم نزول القطرة والقطرتين قبل موعد الحيض

حكم نزول القطرة والقطرتين قبل موعد الحيض Q امرأة يأتيها الدم قبل موعد حيضتها بيوم أو يومين، وهو قليل، كنقطة أو نقطتين في اليوم الواحد، فهل تترك الصلاة؟ A لا؛ لأنه لا يعتبر دم حيض ما دام أنه نقطة أو نقطتان فقط.

حكم من تركت الصلاة بعد أن أسقطت جنينا لم يتخلق

حكم من تركت الصلاة بعد أن أسقطت جنيناً لم يتخلق Q امرأة أسقطت قبل أن يتخلق الجنين، ولم تصلِّ بعد السقط، ظانة أنه ليس عليها صلاة، وما حكم فعلها؟ وكيف تقضي الصلاة؟ A عليها أن تقضي الصلاة ما دام أنه لم يتبين خلق الجنين، فلا تعتبر نفساء، فتقضي الصلوات الماضية بأن تسردها سرداً، فإذا قطعتها لمدة تبلغ أكثر من يوم فإنها تصلي بالترتيب: الفجر، فالظهر، فالعصر، فالمغرب، فالعشاء، ثم تصلي اليوم الثاني والثالث، وهكذا في وقت واحد، أو تستريح إذا تعبت، ثم تصلي ما بقي بعد ذلك، وذلك خلال يوم أو يومين أو ثلاثة، على حسب فراغها ووقتها.

أبواب الطهارة [15]

شرح جامع الترمذي_أبواب الطهارة [15] الأحداث القائمة بأحوال المكلفين منها المعنوي ومنها الحسي، ولكل منهما أحكام تخصه، فمما يتعلق بالحدث الاعتباري -أي: الجنابة فما دونها- أحكام مس المصحف، وكذا قراءته في حق الجنب والحائض والنفساء، وكذا رفع الحدث بالتيمم، ومما يتعلق بالحدث الحسي أحكام تطهير الأرض المتنجسة بالبول ونحوه، وتلك أمور لا يليق بالمسلم جهلها لعموم البلوى بها.

ما جاء في التيمم

ما جاء في التيمم

شرح حديث عمار في أمر النبي له بالتيمم للوجه والكفين

شرح حديث عمار في أمر النبي له بالتيمم للوجه والكفين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في التيمم. حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين). قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس. قال أبو عيسى: حديث عمار حديث حسن صحيح، وقد روي عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: علي وعمار وابن عباس وغير واحد من التابعين، منهم: الشعبي وعطاء ومكحول، قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم -منهم: ابن عمر وجابر وإبراهيم والحسن - قالوا: التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي]. الصواب أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، كما دل عليه حديث عمار، وحديث عمار رواه الشيخان، وفيه أن عماراً خرج مع عمر رضي الله عنه فأجنب، قال: فنزعت ثيابي فتمرغت كما تتمرغ الدابة، وأما عمر فإنه توضأ، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره، فقال: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ومسح بها وجهه وكفيه)، وهذا هو الصواب. أما القول الثاني بأن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين فهول قول بعض الصحابة الذين خفيت عليهم السنة فاجتهدوا.

الجمع بين حديث: (التيمم للوجه والكفين) وحديث (تيمننا إلى المناكب والآباط)

الجمع بين حديث: (التيمم للوجه والكفين) وحديث (تيمننا إلى المناكب والآباط) قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روي هذا الوجه عن عمار في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين) من غير وجه. وقد روي عن عمار أنه قال: (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط) فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين، لما روي عنه حديث المناكب والآباط. قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي: حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار: (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الى المناكب والآباط) ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوجه والكفين. والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين)]. يحمل قوله: (تيممنا مع النبي إلى المناكب والآباط) على أنهم فعلوا هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تبلغهم السنة، فلما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم وبين لهم أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين. [ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمه إلى الوجه والكفين. قال: وسمعت أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي الفلاس. قال أبو زرعة: وروى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثاً: حدثنا يحيى بن موسى حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس: أنه سئل عن التيمم؟ فقال: إن الله قال في كتابه حين ذكر الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] وقال في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء:43] وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] فكانت السنة في القطع الكفين، إنما هو الوجه والكفان، يعني التيمم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح]. ضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين لما روي عنه حديث المناكب والآباط، فظن أن حديث المناكب والآباط مخالف لحديث الوجه والكفين ومعارض له، فضعفه للاختلاف والاضطراب. والجواب عن تضعيف بعض أهل العلم لحديث عمار أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين هو أن تيممهم إلى المناكب والآباط لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التيمم للوجه والكفين فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه عماراً، فلا تعارض بين الحديثين. وإسحاق بن إبراهيم هذا هو إسحاق بن راهويه. قوله: (ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم). قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: أي أن عماراً انتهى إلى أن التيمم للوجه والكفين، فكان هو آخر الأمرين: فالأول: ما فهموا من إطلاق اليد في الكتاب في آية التيمم. والثاني: ما انتهوا إليه بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الثاني هو المعتبر والمعمول به، ويدل على جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عماراً رضي الله عنه اجتهد أولاً، ثم لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ترك. وحديث عمار أخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري، وروى الشيخان عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وهذا اللفظ لـ مسلم. وفي رواية للبخاري: (وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه). وهذا الحديث هو الثابت في الصحاح والسنن، لكن طريق سنن الترمذي غير طريق الصحيحين. والتيمم يبدأ فيه بالوجه ثم اليدين، يقول تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء:43] ولابد من الترتيب.

ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا

ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً

شرح حديث: (كان رسول الله يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا)

شرح حديث: (كان رسول الله يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال مالم يكن جنباً. حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث وعقبة بن خالد قالا: حدثنا الأعمش وابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال مالم يكن جنباً). قال أبو عيسى: حديث علي هذا حديث حسن صحيح، وبه قال غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، قالوا: يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء، ولا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر. وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق]. الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وقال المنذري: ذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة. وحكى البخاري عن عمرو بن مرة: كان عبد الله -يعني ابن سلمة - يحدثنا فنعرف وننكر، وكان قد كبر، لا يتابع في حديثه. وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث، وقال: لم يكن أهل الحديث يثبتونه، قال البيهقي: وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي، وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة، هذا آخر كلامه. وذكر الخطابي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كان يوهن حديث علي هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة، انتهى كلام المنذري. والحديث فيه عبد الله بن سلمة -بكسر اللام- المرادي الكوفي يروي عن عمر وعلي ومعاذ وصفوان بن عسال. وعنه: عمرو بن مرة وأبو إسحاق السبيعي وأبو الزبير المكي. قال البخاري: لا يتابع في حديثه. ووثقه العجلي، وأخرج له الأربعة، قال البخاري في خلق أفعال العباد: لا يتابع في حديثه. وفيه عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي المرادي الكوفي الأعمى، وهو ثقة عابد كان لا يدلس، ورمي بالإرجاء. وفيه ابن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو صدوق سيء الحفظ جداً، إذاً: فيه محمد بن أبي ليلى، وفيه عبد الله بن سلمة هذا صدوق وهذا سيئ الحفظ اجتمعا، فيحتاج الحديث إلى متابعة. وننقل هنا كلام أحمد شاكر في المتابعة، قال: وعبد الله بن سلمة هذا قال العجلي: تابعي ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، يعد في الطبقة الأولى من فقهاء الكوفة بعد الصحابة، وقد توبع عبد الله بن سلمة في معنى حديثه هذا عن علي، فارتفعت شبهة الخطأ عن روايته إذا كان سيئ الحفظ في كبره كما قالوا. فقد روى أحمد في المسند: حدثنا عائذ بن حبيب حدثني عامر بن السمط عن أبي الغريف قال: (أُتي علي رضي الله عنه بوضوء فمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: هذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا ولا آية). وهذا إسناد صحيح جيد. عائذ بن حبيب أبو أحمد العبسي شيخ الإمام أحمد ثقة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الأثرم: سمعت أحمد ذكره فأحسن الثناء عليه، وقال: كان شيخاً جليلاً عاقلاً، ورماه ابن معين بالزندقة، ورد عليه أبو زرعة بأنه صدوق في الحديث. وعامر بن السمط -بكسر السين المهملة وإسكان الميم- وثقه يحيى بن سعيد والنسائي وغيرهما. وأبو الغريف -بفتح الغين المعجمة، وكسر الراء وآخره فاء- اسمه عبيد الله بن خليفة الهمداني المرادي، ذكره ابن حبان في الثقات، وكان على شرطة علي، وأقل أحواله أن يكون حسن الحديث تقبل متابعته لغيره. ا. هـ. والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- متساهل في التصحيح والتضعيف، فيصحح لبعض الضعفاء، وقد يقال: إن الطريقين يشد أحدهما الآخر، فيكون الحديث حسناً. وعبيد الله بن خليفة المرادي أبو الغريف الكوفي يروي عن علي وابنه الحسن، وعنه أبو روح وعطية والأعمش، قال أبو حاتم: تكلموا فيه ووثقه ابن حبان. ويدل الحديث على أن الجنب لا يقرأ القرآن، وأما غير الجنب فإنه يقرأ، ويذكر الله في جميع أحواله، وكذلك الجنب يذكر الله بجميع أنواع الذكر إلا القرآن. وهذا هو اختيار سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، أن الحديث لا بأس به وأن الجنب لا يقرأ القرآن؛ لحديث أبي الغريف: (فأما الجنب فلا ولا آية) ولهذا الحديث -حديث عبد الله بن سلمة - عن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً)]. فهذان الحديثان يشد بعضهما بعضاً، أما الحائض والنفساء فاختلف العلماء فيهما، فالجمهور قاسوا الحائض والنفساء على الجنب، وقالوا: إنهما لا تقرآن القرآن قياساً على الجنب، واستدلوا -أيضاً- بحديث ضعيف فيه أن الحائض والنفساء لا تقرآن. والقول الثاني لأهل العلم: أن الحائض والنفساء لا تقاسان على الجنب؛ لأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الجنب مدته قصيرة، ويستطيع أن يغتسل ويقرأ القرآن، بخلاف الحائض والنفساء، فإن مدتهما تطول، فقد تطول مدة النفاس إلى أربعين يوماً فتنسى القرآن إذا كانت حافظة، وقد تكون مدرسة أو طالبة تحتاج إلى قراءة القرآن، فلماذا تمنع هذه المدة الطويلة بغير دليل؟! والقياس على الجنب قياس مع الفارق، والحديث ضعيف، ولهذا ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الحائض والنفساء تقرآن من غير مس المصحف. وإذا قرأ الجنب الآية بنية الذكر لا بنية القراءة (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فنعم، وإن كان بنية قراءة القرآن فلا.

ما جاء في البول يصيب الأرض

ما جاء في البول يصيب الأرض

شرح حديث قصة الأعرابي الذي بال في المسجد

شرح حديث قصة الأعرابي الذي بال في المسجد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في البول يصيب الأرض. حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: (دخل أعرابي المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى، فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد تحجرت واسعاً، فلم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع إليه الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهريقوا عليه سجلاً من ماء أو دلواً من ماء، ثم قال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين). قال سعيد: قال سفيان: وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه نحو هذا. قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وواثلة بن الأسقع. قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، وقد روى يونس هذا الحديث عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة]. وهذا الحديث حديث صحيح، وفيه قصة الأعرابي الذي جاء ودخل المسجد وبال في المسجد، فزجره الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه) فلما قضى بوله دعاه عليه الصلاة والسلام وعلمه أن المساجد إنما بنيت لذكر الله، لا للبول ولا للقذر، وأمر بأن يؤتى بذنوب من ماء ويصب على بوله، وقال: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) إذا كنتم تعملون بالشريعة التي بعث الله بها نبيه عليه الصلاة والسلام فقد بعثه الله سبحانه وتعالى بالتيسير، وكان هذا هو الحكمة؛ لأنهم لو زجروه وقام لألحقوا به مفاسد متعددة تلافاها النبي صلى الله عليه وسلم، منها: الضرر الصحي الذي يحصل له في قطع البول. ومنها: تلويث المسجد، فبدل أن يكون البول في مكان واحد يكون في عدة أمكنة، وهذا يحتاج إلى تتبع مكان البول. ومنها: تلويث جسمه وثوبه. ثم التنفير من الإسلام، فهذه كلها تلافاها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (لا تزرموه)، فلما انتهى دعاه وعلمه برفق وقال: (إن هذه المساجد إنما بنيت لما بنيت له) أي: لم تبن للبول والقذر، وإنما بنيت لذكر الله، فلما رأى الأعرابي أن الصحابة زجروه وأن النبي صلى الله عليه وسلم رفق به قال: (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعاً) أخرجه الجماعة إلا مسلماً، لكن رواية الترمذي فيها تقديم وتأخير، حيث ذكر أن الأعرابي دخل المسجد فصلى ثم دعا بالدعاء: (اللهم ارحمني ومحمداًً)، وقال: (فلم يلبث أن بال في المسجد). وقصة البول صحيحة ثابتة.

أقوال العلماء في كيفية تطهير الأرض المتنجسة

أقوال العلماء في كيفية تطهير الأرض المتنجسة في الحديث دليل على أن النجاسة إذا كانت في الأرض يصب عليها الماء وهو كاف، ولا يحتاج إلى نقلها، إلا إذا كانت النجاسة مثل العذرة والدم فتنقل وتزال، ثم يصب عليها الماء. والعلماء تكلموا في ورود النجاسة على الماء، وورود الماء على النجاسة وقالوا: إذا وردت النجاسة على الماء -كما لو صب بول في إناء فيه ماء- فإنه ينجس، إلا إذا كان أكثر من القلتين، أما إذا ورد الماء على النجاسة -مثل بول الأعرابي- فإنه يطهرها، ولو أقل من قلتين، فهذا ذنوب من ماء لا يبلغ قلتين، ومع ذلك طهر النجاسة، ففرقوا بين ورود النجاسة على الماء وورود الماء على النجاسة. والنجاسة لا يطهرها الشمس والريح، خلافاً لـ أبي حنيفة! فـ أبو حنيفة يقول: تطهرها الشمس والريح، ولو كانت تطهرها الشمس والريح لتركها النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أمر بصب الماء عليها، فدل على أنه لا بد من الماء، وأن الريح والشمس لا يكفيان في تطهير النجاسة، لكن لو نزل المطر من السماء تطهرت؛ لأنها لا تحتاج إلى نية، أو كان ثوب فيه نجاسة ثم نزل عليه المطر فإنه يطهر، بخلاف دفع الزكاة، فلو دفعت الزكاة عن شخص فإنها تجزي حتى ينوي؛ لأنها عبادة، وكذلك الاستنجاء والاستجمار، فإذا استنجيت أو استجمرت ولم تنو كفى ذلك، بخلاف الوضوء، فالوضوء لابد فيه من النية. والبلاط إذا وقع عليه البول فإنه يصب عليه الماء ويكاثر ويكفي ذلك، مادام أن النجاسة ليس لها جرم، أما إذا كان لها جرم -كالعذرة- فإنها تنقل ثم يصب الماء على ما بقي. قال الشوكاني في النيل: استدل به -يعني حديث الباب- على أن تطهير الأرض المتنجسة يكون بالماء لا بالجفاف بالريح والشمس؛ لأنه لو كفى ذلك لما حصل التكليف بطلب الماء، وهو مذهب العترة والشافعي ومالك وزفر. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: هما مطهران؛ لأنهما يحيلان الشيء. قوله: (يحيلان) يعني: يحولان. وقال النووي في شرح مسلم: وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها، ولا يشترط حفرها، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا تطهر إلا بحفرها. وقال الحافظ في الفتح: كذا أطلق النووي وغيره، والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بينما إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب؛ لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها. انتهى كلام الحافظ. قلت: الأمر كما قال الحافظ. وقال العيني في شرح البخاري: قال أصحابنا - يعني الحنفية-: إذا أصابت الأرض نجاسة رطبة فإن كانت الأرض رخوة صب عليها الماء حتى يتسفل فيها، وإذا لم يبق على وجهها شيء من النجاسة وتسفل الماء يحكم بطهارتها ولا يعتبر فيها العدد، وإنما هو على اجتهاده وما هو في غالب ظنه أنها طهرت، ويقوم التسفل في الأرض مقام العصر فيما لا يحتمل العصر، وعلى قياس ظاهر الرواية يصب عليها الماء ثلاث مرات ويتسفل في كل مرة وإن كانت الأرض صلبة، فإن كانت صعوداً يحفر في أسفلها حفيرة ويصب الماء عليها ثلاث مرات ويتسفل إلى الحفيرة ثم يكبس الحفيرة وإن كانت مستوية بحيث لا يزال عنها الماء لا يغسل؛ لعدم الفائدة في الغسل، بل تحفر. وعن أبي حنيفة: لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب انتهى كلام العيني. هذا ليس بصحيح، والصواب أنه يصب عليها الماء، ويكفي ذلك والحمد لله.

الأسئلة

الأسئلة

توجيه الجمع بين لفظ الجلالة والذئب بحرف الواو في حديث (لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه)

توجيه الجمع بين لفظ الجلالة والذئب بحرف الواو في حديث (لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه) Q ما التوجيه الصحيح للجمع بين لفظ الجلالة والذئب بحرف الواو كما في حديث: (لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه)؟ A يحتمل هذا أنه تصرف من بعض الرواة، ويحتمل أن هذا كان أولاً؛ لأنهم في أول الإسلام كانوا يحلفون بآبائهم، وكانوا يقولون: ما شاء الله وشئت، ثم منعوا.

حكم قبول العطية من القريب والإنفاق منها في الحج

حكم قبول العطية من القريب والإنفاق منها في الحج Q نويت الحج ودفعت التكاليف، ولما علم أخي الأكبر بهذا أرسل لي مبلغاً من المال، وأنا لست غنياً ولا فقيراً، فهل آخذه وأقبله، فإن قبلته فهل أنفق من هذا المال في الحج؟ A لا حرج عليك إذا أعطاك مالاً فأخذته وأنفقته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك) فإذا جاءك مال إعانة من أب أو من أخ أو من أمير، وأنت لست مشرفاً فخذه، إلا إذا كان مقابل سكوتك عن حقك أو لتتكلم بالباطل، فلا تأخذ المال.

قراءة سورة الأعراف في صلاة المغرب

قراءة سورة الأعراف في صلاة المغرب Q قراءة سورة الأعراف كاملة في صلاة المغرب وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه وقت ضيق، فما توجيهكم في هذا؟ A القراءة المعتدلة أن يقرأها قبل فوات الوقت، لكن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها مرة لبيان الجواز، ولا ينبغي للإنسان أن يفعل، لكن بعض الأئمة قد يفعل السنة ويؤخر الجماعة، وهذا فيه مشقة على الناس.

حكم التوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين

حكم التوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين Q ورد في مجلة الإصلاح الإماراتية في قسم الفتوى حكم التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالأنبياء والصالحين، ثم ساق الكاتب أدلة على جوازه، فما قولكم؟ A التوسل بالأنبياء والصالحين فيه تفصيل، فإن كان المقصود التوسل بمحبة الأنبياء والإيمان بهم فهذا مشروع، كأن تقول: أتوسل إليك بمحبة نبيك وإيماني به، فهذا جائز، أما التوسل بذواتهم فهذا من البدع، مثل التوسل بذات فلان أو بجاه فلان أو حق فلان، فهذا من البدع، وكون الكاتب يستدل على جواز التوسل بالأنبياء والصالحين مطلقاً بقوله تعالى في سورة الإسراء: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء:57]، ويقول: الوسيلة: القربى، وقيل: الدرجة، وقوله: (أيهم أقرب) معناه: ينظرون أيهم أقرب إلى الله تعالى فيتوسلون به، نقول: لا، فالآية: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء:57]، المراد بالوسيلة فيها: هي التقرب إلى الله بطاعته، فيرجون رحمته ويخافون عذابه. ثم قال الكاتب: كما قال البغوي وغيره في التفسير، وأيضاً لما أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما والنسائي في عمل اليوم والليلة والطبراني والحاكم والبيهقي وصححوه عن عثمان بن حنيف: (أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في، قال عثمان بن حنيف: والله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط) والأدلة في ذلك متظافرة! أقول: هذا الحديث يسمى حديث الضرير، وقد اختلف العلماء: هل هو صحيح أو ضعيف؟! والصواب أنه صحيح، ولكن فيه التوسل بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبدعائه وهو حي، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو وهو يؤمن، ولهذا قال: (اللهم شفع في نبيك) يعني: اقبل دعاءه، فهذا توسل في حياته بدعائه، وهذا ليس فيه إشكال، وليس فيه خلاف، فكونك تتوسل بدعاء حي حاضر يدعو الله لك لا بأس به، لكن التوسل بميت ممنوع، ولهذا كان الصحابة يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستسقون به إذا أجدبوا، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو وهم يؤمنون، فلما مات عليه الصلاة والسلام توسلوا بـ العباس. وكان عمر إذا أجدب قال: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، قم -يا عباس - فادع الله) فلو كانوا يتوسلون بذاته لتوسلوا بذاته وهو في قبره عليه الصلاة والسلام، لكن لما عدلوا عن التوسل به بعد موته إلى العباس دل على أنهم كانوا يتوسلون بدعائه في حياته، فلما مات صار هذا غير ممكن. فالتوسل بالأنبياء والصالحين بذواتهم هذا ممنوع عند أهل السنة والجماعة وهو من البدع، كالتوسل بذات الرسول أو بجاهه أو بحقه، فهذا ممنوع، وهو من البدع، أما التوسل بمحبة الرسول والإيمان به واتباعه فهذا هو أصل الدين وهو جائز. ثم قال الكاتب: ولا فرق في ذلك بين حياتهم ومماتهم، وذلك لأن التوسل في الحقيقة ليس بذواتهم المجردة، وإنما هو بما لهم من منزلة ومكانة وجاه عند الله سبحانه وتعالى، فهو باق في الحياة وبعد الممات. أقول: هذا خطأ، والصواب أن التوسل بهم في حياتهم فقط بدعائهم، أما بعد الموت فلا يتوسل بهم، إلا إذا توسل بالإيمان بالأنبياء ومحبة الصالحين فلا بأس؛ لأن الإيمان بالرسول ومحبة الصالحين هو عملك أنت، أما التوسل بذواتهم فهذا ممنوع، فلا يتوسل بهم إلا في حياتهم بدعائهم، أما بعد الموت فممنوع، ولهذا يتبين أن هذا خطأ على طريقة أهل البدع.

حكم قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة

حكم قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة Q هل قراءة الإمام قراءة للمأموم؟ A ورد في حديث: (من كان له إمام فقراءته له قراءة) لكن الحديث ضعيف، وفي قراءة الفاتحة للمأموم خلاف بين أهل العلم، والجمهور على أنه في الصلاة الجهرية تكفي قراءة الإمام، والقول الآخر لأهل العلم أن الفاتحة مستثناة؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) فتكون الفاتحة مستثناة من قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]، وفي الحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا)؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).

درجة حديث (من زارني وجبت له شفاعتي)

درجة حديث (من زارني وجبت له شفاعتي) Q ما صحة حديث: (من زارني وجبت له شفاعتي)؟ A هذا حديث ضعيف جداً أو موضوع، وليس بصحيح، بل هو حديث باطل، فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إنما تقتضي التوحيد والإيمان، قال أبو هريرة: (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) هذا هو أسعد الناس بشفاعته، أما من زار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأعماله سيئة، أو وهو مشرك أو مصر على المعاصي والبدع فلا تنفعه الزيارة، لكن إذا زاره وهو موحد فلا بأس.

حكم رفض المرء تسمية والده لولده

حكم رفض المرء تسمية والده لولده Q إذا أراد الأب أن يسمي ابن ابنه على اسمه ورفض والده، فهل يكون هذا من عقوق الوالدين؟ A ينبغي أن يوافقه إذا كان اسمه حسناً.

معنى الظن الوارد في النصوص الشرعية

معنى الظن الوارد في النصوص الشرعية Q يقول العلماء: الظن في القرآن اليقين، فهل هذا مختص بما كان في كلام الله فقط، فلا يدخل فيه قول صاحب الجنتين: {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} [الكهف:35]؟ A هذا ليس بصحيح، فالظن أصله الشك، لكن قد يأتي بمعنى اليقين، مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ} [البقرة:46] يعني: تيقنوا، أما الظن بنفسه فهو بمعنى الشك، مثل قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:24] يعني: يشكون.

حكم الاستماع للأبيات الشعرية المصحوبة بالدف

حكم الاستماع للأبيات الشعرية المصحوبة بالدف Q ما حكم الاستماع للسامري، وهو أبيات شعرية مصحوبة بالدف أو الطبل؟ A لا يصلح هذا؛ لأن الطبل خاص بالنساء في الأعراس، فلا ينبغي للرجل أن يسمعه.

الأجر في قتل الوزغ

الأجر في قتل الوزغ Q هل جاء في قتل الوزغ تحديد الأجر؟ A نعم، فقد ورد أن من قتله في الضربة الأولى فله مائة حسنة، والضربة الثانية دون ذلك، قال الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة، ح: وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير، ح: وحدثنا محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل -يعني ابن زكريا -، ح: وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان، كلهم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث خالد عن سهيل إلا جريراً وحده فإن في حديثه: (من قتل وزغاً في أول ضربة كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك). وحدثنا محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل -يعني ابن زكريا - عن سهيل حدثتني أختي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (في أول ضربة سبعين حسنة).

معنى مشير

معنى مشير Q ما معنى مشير؟ A يعني: مستشار، والله ليس له معين ولا مشير يستشيره، فالملوك والأمراء وغيرهم لهم مستشارون يستشيرونهم في بعض الأمور، والله تعالى ليس له مشير ولا معين ولا وزير ولا ظهير؛ لكمال علمه وكمال قوته واقتداره سبحانه وتعالى.

حكم الصلاة بين السواري

حكم الصلاة بين السواري Q ما حكم الصلاة بين سواري المسجد؟ وهل صلاة من صلى بين السواري صحيحة؛ لكثرة حصولها في بعض المساجد؟ A الصلاة بين السواري مكروهة عند أهل العلم، إلا إذا كان هناك حاجة، كأن يمتلئ المسجد فيحتاج الناس إلى الاصطفاف بين السواري، فلا بأس، أما إذا لم يكن هناك حاجة فهي مكروهة؛ لأن السواري تقطع الصف، ولو صلوا بين السواري صحت الصلاة، لكنها مكروهة، فالذي ينبغي أن يكون الصف أمام السارية أو خلف السارية، إلا إذا امتلأ المسجد أو صلوا لحاجة ما فتزول الكراهة.

حكم إطلاق لفظة الطواف على غير الطواف بالبيت

حكم إطلاق لفظة الطواف على غير الطواف بالبيت Q هل يجوز إطلاق كلمة (أطوف) أو (الطواف) على أي شيء؟ A الطواف معناه الدوران، والطواف في المعنى الشرعي الطواف بالبيت الحرام، والطواف بين الصفا والمروة، هذا هو المعنى الشرعي، أما المعنى اللغوي فواسع.

كروية الأرض ودورانها

كروية الأرض ودورانها Q هل الأرض كروية، وهل تدور؟ A الأرض كروية، بمعنى أنها مستديرة الشكل، وقد نقل أبو العباس ابن تيمية أن جميع الأفلاك مستديرة بالكتاب والسنة والإجماع، فالأرض والسماوات كلها كروية، فجميع الأفلاك مستديرة، إلا العرش، فإنه ورد ما يدل على أن له قوائم، كما في حديث: (إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من أفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش)، فثبت أن له قوائم. وقال بعض أهل الكلام: العرش أيضاً مستدير، وهو يعتبر غلافاً لهذا العالم. وعلى كل حال فالعرش هو سقف المخلوقات، سواء قيل: إنه مستدير أو ليس بمستدير، والله تعالى فوق العرش الذي هو سقف المخلوقات، والله تعالى فوق المخلوقات كلها. والأرض ثابتة وقارة، ونقل الإجماع على أن الأرض قارة وثابتة القرطبي في تفسير سورة الرعد، وكذلك ابن القيم، والنصوص تدل على هذا، وفق الله الجميع.

حكم الدعاء أثناء الموعظة

حكم الدعاء أثناء الموعظة Q هل يجوز أن يكون وسط كلمة ملقاة دعاء مرتل، أم الأفضل أن يكون في أول وآخر الكلام؟ A إذا جاءت مناسبة ودعا في أثناء الكلام فإنه لا يكون مرتلاً، ويدعو على صيغة الكلام، ومثال هذا الدعاء أن يقول عند ذكر الجنة: أسأل الله أن يجعلنا من أهلها، وعند ذكر النار يقول: نعوذ بالله من النار، في أثناء الكلام أو في أثناء الخطبة.

حقيقة عصمة الأنبياء

حقيقة عصمة الأنبياء Q هل الأنبياء معصومون عن الخطأ، وكيف نعلل معاتبة الله لنبيه في مواضع من القرآن الكريم؟ A الأنبياء معصومون من الشرك، ومعصومون من الكبائر، ومعصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله، لكن قد يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم خلاف الأولى، وقد تحصل منه الصغائر، كما قال الله لنبيه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس:1 - 4]. وهذا من الأمور السهلة، وقد عاتب الله موسى عندما سئل من أعلم الناس؟ فقال: أنا، والأنبياء قد يجتهدون في بعض الأشياء، ولكن لا يقرون على الخطأ. والمقصود أن النبي معصوم من الشرك، ومعصوم من الكبيرة، ومعصوم من الخطأ فيما يبلغ عن الله، أما ما عدا ذلك قد يقع منه خلاف الأولى.

حكم القول بأن النبي فشل في دعوته في مكة ثلاثة عشر عاما

حكم القول بأن النبي فشل في دعوته في مكة ثلاثة عشر عاماً Q ما حكم من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم فشل في دعوته في مكة المكرمة ثلاثة عشر عاماً؟ A هذا يخشى أن يكون ردة والعياذ بالله، إلا إذا لم يحسن التعبير، ومن تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم يكون مرتداً والعياذ بالله، والرسول عليه الصلاة والسلام هو أنجح الناس في دعوته عليه الصلاة والسلام، فإذا لم ينجح الرسول صلى الله عليه وسلم فمن الذي ينجح في دعوته؟!! فهذا إن كان متعمداً هذا القول فإن في قلبه مرضاً وفي قلبه زيغاً، ويكون ذلك ردة، أما إذا كان لا يحسن الكلام، أو أنه له قصداً آخر، فينظر في شأنه، والمقصود أن هذه الكلمة خطيرة جداً، نعوذ بالله، ونسأل الله السلامة والعافية.

معنى قوله تعالى: (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض)

معنى قوله تعالى: (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) Q ما معنى قوله تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة:26]؟ A يعني: لا يهتدون لمكانهم، فالله تعالى عاقبهم بالتيه في صحراء سيناء بين فلسطين ومصر، فكلما مضوا رجعوا إلى مكانهم لا يهتدون إلى معرفة الطريق، وعاقبهم الله بالتيه؛ لأنهم امتنعوا عن الجهاد والخروج مع موسى، فحرم الله عليهم تحريماً قدرياً دخول بيت المقدس، قال تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة:26] أي: يرجعون إلى مكانهم لا يهتدون إلى البلد، نسأل الله السلامة والعافية.

آدم عليه السلام بين النبوة والرسالة

آدم عليه السلام بين النبوة والرسالة Q هل آدم عليه الصلاة والسلام رسول أم نبي؟ A آدم نبي ورسول إلى بنيه، لكن نوح هو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وكان قبله أنبياء كآدم وشيث، وآدم بعث إلى بنيه ولم يكن هناك شرك، ولم يبعث إلى أحد غير بنيه، وأما نوح فإنه بعث إلى بنيه وغير بنيه، وبعث بعد وقوع الشرك، فلهذا قال ابن عباس في قوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة:213] قال: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ثم وقع الشرك).

الفرق بين النبي والرسول

الفرق بين النبي والرسول Q ما الفرق بين النبي والرسول؟ A هناك خلاف، والأقرب هو ذكره شيخ الإسلام أن الرسول هو الذي يبعثه الله برسالة إلى أمة كافرة فؤمن به بعض الناس ويكذبه بعض الناس، وأما النبي فهو الذي يكلف بالعمل بشريعة سابقة، مثل أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى كداود وسليمان وغيرهم، وكلهم كلفوا بالعمل بالتوراة، وكلهم كانوا يبعثون إلى مؤمنين، فهذا هو الأقرب. إذاً: الرسول هو الذي يبعث إلى أمة كافرة يؤمن به بعضهم ويرد عليه دعوته بعضهم، مثل: إبراهيم وموسى وعيسى وشعيب وهود وصالح ولوط ونبينا محمد عليهم الصلاة والسلام. أما النبي فهو الذي يكلف بالعمل بشريعة سابقة، مثل أنبياء بني إسرئيل الذين جاءوا بعد موسى كداود وسليمان وزكريا ويحيى وغيرهم، فكلهم كلفوا بالعمل بالتوراة.

درجة حديث خروج الناس من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا

درجة حديث خروج الناس من دين الله أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً Q ما صحة الحديث الذي أورده ابن كثير في تفسير سورة النصر، وقد رواه الإمام أحمد: (أن الناس كما دخلوا في دين الله أفواجاً فهم يخرجون من دين الله أفواجاً)؟ A لا أذكر أنه ورد حديث بهذا المعنى، لكن كون الناس يخرجون من دين الله أفواجاً كما دخلوا في دين الله أفواجاً هذا في آخر الزمان بعدما تكثر الفتن، وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يكون خير مال المرء غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)، قال العلماء: إن هذا يكون في آخر الزمان إذا كثرت الفتن ونزع الخير من المدن والقرى، ولم يوجد فيها جمعة ولا جماعة ولا واعظ ولا علم ولا تعليم، وخشي الإنسان على دينه، فيفر من القرى والبلدان إلى الصحاري والفيافي والقفار حتى يسلم له دينه، ويأتي هنا قول الشاعر إذ يقول: عوى الذئب فاستأنست إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير أما إذا كان في المدن خير، وفيها جمعة وجماعة، وفيها تعلم وتعليم؛ فلا ينبغي للإنسان أن يتركها ويسكن في البراري، بل يكون عليه وعيد من تعرب بعد الهجرة وصار أعرابياً؛ لأنه في هذه الحالة لا يسمع الذكر، ولا يسمع خطبة الجمعة، ولا يحضر الجمعة ولا الجماعة، لكن هذا الحديث لا أعرف صحته، بل جاء ما يدل على هذا المعنى في أحاديث آخر الزمان.

حكم الإيثار في القربات

حكم الإيثار في القربات Q ما مدى صحة قول: لا إيثار في القربان؟ A هذا قاله بعض العلماء، فبعض العلماء يرى أن الإيثار يكون في مسائل الدنيا، لكن في مسائل العبادات ليس هناك إيثار، كأن تفضل إنساناً عليك وتقوم من مكانك في الصف الأول ليجلس مكانك، أو تؤثره بشيء من القرب ومن الطاعات، وقال آخرون: لا بأس بالإيثار في العبادات.

حكم الاستياك أثناء الدرس وعند إجابة المؤذن

حكم الاستياك أثناء الدرس وعند إجابة المؤذن Q ما حكم التسوك بالسواك أثناء الدرس، وكذلك أثناء إجابة المؤذن؟ A لا بأس ولا حرج، والممنوع هو التسوك في الصلاة أو في وقت سماع خطبة الجمعة؛ لأن خطبة الجمعة يجب الاستماع لها، ولا يتكلم الإنسان فيها كما لا يتكلم في الصلاة، ولا يرد على من سلم عليه باليد، ولا يجيب من عطس، كالصلاة، لكن عند الأذان لا بأس بينه وبين نفسه أن يؤمن ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا ليس من كلام الناس، والممنوع أن يكلم الناس أثناء الخطبة أو يمس الحصى.

حكم العمل بالروايات المتنوعة في الأذان

حكم العمل بالروايات المتنوعة في الأذان Q ما رأيكم لو عمل بالروايات الواردة في الأذان؟ A الأذان له صيغ، منها أذان أبي محذورة وهو الترجيع، فـ أبو محذورة علمه النبي صلى الله عليه وسلم الترجيع، فيكون تسع عشرة جملة، وهو أن يأتي بالشهادتين سراً ثم يأتي بهما جهراً، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله بينه وبين نفسه، ثم يرفع صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، يرجع بها مرة ثانية، هذا أذان أبي محذورة. وأذان بلال ليس فيه ترجيع، وأذان بلال أفضل؛ لأنه الذي كان يؤذن به بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا عمل بأذان أبي محذورة فلا حرج، والإقامة كذلك لها أنواع، والاستفتاحات أنواع، والتسبيح بعد الصلاة أنواع، فإذا عمل بكل نوع فذلك حسن.

حكم تلحين الأذان

حكم تلحين الأذان Q ما حكم تلحين الأذان؟ A تلحين الأذان مكروه، ففي البخاري في كتاب الأذان أن عمر بن عبد العزيز قال لمؤذن له: أذن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا. قال العلماء: يكره تلحين الأذان وتلحين القراءة، لكن لا ينافي هذا تحسين الصوت بالأذان، لكن التمطيط والتلحين الزائد لا ينبغي؛ فإنه مكروه كراهة تنزيه.

حكم بيع العينة

حكم بيع العينة Q هناك رجل يتعامل بالعينة، وعند نصحه يذكر أن هناك خلافاً بين العلماء في حكمها وأن هناك رأياً عند الشافعية في ذلك، فما قولكم؟ A الواجب على المسلم ألا يتتبع الرخص وأخطاء بعض العلماء، فلو فرضنا أن فيها خلافاً فلا ينبغي للإنسان أن يتتبع الرخص، وإذا تنازع الناس في مسألة فإنه يرجع فيها إلى النصوص، قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:59]. وبيع العينة هو أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها نقداً بثمن أقل، كأن يبيع سيارة لشخص بمائة ألف مؤجلة ثم يشتريها البائع بثمن نقداً بأقل، هذه هي العينة، وهي حرام؛ لأنه كأنه باع مائة ألف بثمانين ألفاً، وجعل السيارة حيلة، وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه منكم حتى تراجعوا دينكم).

حكم تأويل صفة الهرولة بالرحمة والإسراع بالخير

حكم تأويل صفة الهرولة بالرحمة والإسراع بالخير Q هل الهرولة صفة ثابتة لله، وهل هي غير صفة المشي، أرجو الإيضاح؛ لأني سمعت في إحدى الإذاعات من يثبت صفة المشي، ثم أول صفة الهرولة بالرحمة؟ A هذه الصفات التي أضيفت إلى الله عز وجل على لفظ الفعل تبقى على حالها" (من أتاني يمشي أتيته هرولة) فإنه يثبت لله الصفة كما يليق بجلال الله وعظمته، ولكن من أثر صفة الهرولة أن الله تعالى أسرع بالخير من العبد، وأن العبد إذا زاد في العمل زاد الله له في الثواب، وأن الله لا يقطع الثواب من العبد حتى يقطع العمل. والإمام النووي رحمه الله وجماعة يقولون في قوله تعالى في الحديث القدسي: (من أتاني يمشي أتيته هرولة) وحديث: (وإن الله لا يمل حتى تملوا): معناه أن الله لا يقطع الثواب حتى يقطع العبد العمل، هذا هو أثر الصفة، والصواب أن الملل والهرولة وصف يليق بالله ولا يلزم منه النقص؛ لأنه سبحانه لا يشابه المخلوقين في شيء من الصفات، لكن من أثر الصفة أن الله أسرع بالخير من العبد، وأن الله لا يقطع الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل.

حكم رفع المأموم السبابة أثناء قراءة الإمام

حكم رفع المأموم السبابة أثناء قراءة الإمام Q ما حكم رفع السبابة للمأموم أثناء قراءة الإمام في الصلاة الجهرية إذا مر بآيات تدل على توحيد الله وعظمة الله ونحو ذلك وهو قائم يصلي، وهل ينكر على من فعل هذا إن كان الأمر غير مشروع؟ A هذا الفعل يحتاج إلى دليل، ولا أعلم له أصلاً، وتركه أولى، وإنما ينبغي للإنسان أن يخشع بجوارحه ويستمع.

حكم تحية المسجد لمن تكرر خروجه من المسجد

حكم تحية المسجد لمن تكرر خروجه من المسجد Q لو أراد شخص الخروج من المسجد لغرض عارض، فهل يسن له كلما خرج ورجع أن يصلي ركعتين تحية المسجد؟ A قال بعض العلماء: إذا تكرر خروجه من المسجد فإنه في آخر مرة يصلي، ومثل هذا ذكر العلماء الذين يوجبون الإحرام على من دخل مكة، فقالوا: إن الذي يكثر ترداده إلى مكة كالحطاب والحشاش لا يجب عليه الإحرام في كل مرة، لكن في آخر مرة. والصواب أنه لا يجب الإحرام إلا على من أراد الحج والعمرة، كذلك من تكرر خروجه من المسجد لا يصلي كل مرة، لكن في آخر مرة يجلس فيها ويصلي ركعتين.

شمول الدعاء بعد التشهد الأخير للفريضة والنافلة

شمول الدعاء بعد التشهد الأخير للفريضة والنافلة Q هل في التشهد الأخير في صلاة النافلة نأتي بالتعوذ من الأربع مع أدعية أخرى، أم في الفريضة فقط؟ A في الفريضة والنافلة يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) وكذلك الدعوات الأخرى في الفريضة وفي النافلة في آخر التشهد يأتي بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه) أي: تدعو من أمور الدنيا والآخرة بما لم يكن فيه إثم ولا قطيعة رحم.

الفرق بين المعية الخاصة والمعية العامة

الفرق بين المعية الخاصة والمعية العامة Q ما الفرق بين المعية الخاصة والمعية العامة؟ A المعية العامة عامة للمؤمن والكافر، وهي معية اطلاع وإحاطة، وتأتي في سياق المجازاة والمحاسبة، مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]، وقوله سبحانه تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] ثم جاء التهديد: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4]، هذه المعية العامة مقتضاها الإحاطة، وتأتي في سياق المجازاة والمحاسبة والتخويف. أما المعية الخاصة فهي خاصة بالمؤمن، وتأتي في سياق المدح والثناء، كقوله تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] وقوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] وقوله عز وجل: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، وقال الله تعالى لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، فلما أدخل معهما فرعون في الخطاب جاءت المعية العامة: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء:15].

حكمة جعل الغراب من الفواسق الجائز قتلها

حكمة جعل الغراب من الفواسق الجائز قتلها Q جاء في الحديث: (ليس على المحرم في قتل الفواسق في حل أو حرم) وذكر منها الغراب، فهل هو الغراب المعروف لدينا، أم توجد سلالة أخرى من الغربان، وما الحكمة في ذلك؟ A الغراب من الفواسق، وسميت فواسق لأنها خرجت عن طبع غيرها من الحيوانات، فالفأرة تخرب وتجر الفتيلة حتى تحدث الظلام على أهل البيت أو الحريق، والحية معروف أنها تلدغ، والعقرب والكلب العقور كذلك، والغراب لأنه يقطف سنبل الزرع، ولأنه ينقر الجرح الذي في ظهر البعير إذا برئ بمنقاره حتى يدميه، ويعيد الجرح من جديد، وهذا من فسقه، فلذلك أمر بقتله، فهو فاسق في الحل وفي الحرم. أما النملة فليست من الفواسق، فلا تقتل، إلا إذا كانت تؤذي فإنها تقتل، وكل شيء مؤذ يقتل، وغير المؤذي يترك.

حكم تقديم الزكاة لأعوام مع زيادة المال بعد ذلك أو نقصانه

حكم تقديم الزكاة لأعوام مع زيادة المال بعد ذلك أو نقصانه Q إذا قدم المرء الزكاة لأعوام لاحقة ثم زادت أمواله، وكذلك العكس إذا نقص ماله، فكيف يكون الحساب؟ A النبي صلى الله عليه وسلم عجل زكاة سنتين من عمه العباس، فأخذ العلماء من هذا أنه لا بأس بتعجيل الزكاة إذا كان هناك مصلحة بتعجيلها، وإذا زاد المال فإنه يخرج الزيادة، وإذا نقص فله أن يحتسبها من الزكاة في المستقبل أو يجعلها صدقة تطوع.

حكم الإنفاق على طلاب العلم من الزكاة

حكم الإنفاق على طلاب العلم من الزكاة Q هل الإنفاق على العلم وأهله من الجهاد في سبيل الله الذي يصح صرف الزكاة فيه، خاصة إذا كان لم يوجد جهاد بالسنان وإنما هو الجهاد باللسان والقلم؟ A الصواب أن قول الله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] المراد به الجهاد في سبيل الله خاصة، أي: قتال الأعداء، وذلك بأن ينفق المال على المجاهدين وعلى شراء الأسلحة والعتاد، والإنفاق على المجاهدين إذا لم يكن لهم مرتبات من بيت المال وعلى أسرهم خاصة، ولا يدخل في هذا طلاب العلم وإن كان العلم نوعاً من الجهاد، لكن لا ينفق عليهم من الزكاة، إلا إذا كان العلماء أو طلبة العلم الذين ينفق عليهم فقراء، فإنهم يعطون من الزكاة ما ينفقون به على أنفسهم وأهليهم وما يشترون به كتباً، أما إذا لم يكن طالب العلم بحاجة فلا، هذا هو الصواب. وقال آخرون من أهل العلم: قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] عام في شمول الخيرات، لكن هذا قول ضعيف؛ لأننا لو أنفقنا المال في سبل الخيرات كالمساجد والمدارس والمستشفيات وإصلاح الطرق فإن معنى ذلك أنه لا يبقى شيء إلا دخل في هذا، والله تعالى جعل الزكاة في ثمانية أصناف، قال عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] أي: في الجهاد خاصة، في قتال الأعداء وشراء السلاح والإنفاق على المجاهدين الذين لا يصرف لهم مرتبات، وعلى أسرهم وقت الجهاد خاصة، وهذا هو الصواب الذي عليه المحققون.

حكم الكدرة والصفرة قبل الحيض وبعده وأثناءه

حكم الكدرة والصفرة قبل الحيض وبعده وأثناءه Q ما حكم الكدرة والصفرة قبل الحيض وبعده وفي أثنائه؟ A أما بعد الحيض فإنه إذا رأت المرأة الطهر ثم رأت كدرة وصفرة فلا تلتفت إليها وليست من العادة؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) فإذا طهرت المرأة ورأت الطهر ثم رأت كدرة أو صفرة فإنها لا تعتبر حيضاً، وذلك دم فاسد، بل تتطهر وتستثفر وتصلي، أما قبلها فإنها إذا كانت متصلة بالعادة أو في وسط العادة فإن الكدرة والصفرة في زمن العادة تعتبر من الحيض.

حكم زكاة الدين

حكم زكاة الدين Q رجل يبيع سيارات بالتقسيط لأجل، ولكن لا يسدد المشتري في الوقت المحدد، بل يماطل، فهل تجب في هذا المال زكاة؟ A إذا كان الدين على مليء فإنه يزكيه الإنسان إذا حال عليه الحول، أما إذا كان الدين على فقير معسر لا تدري أيأتيك مالك منه أو لا يأتيك، أو مماطل قد ينساك وربما يضيع حقك، فهذا لا تزكيه إلا إذا قبضته، وبعض أهل العلم يرى أنك إذا قبضته فإنك تزكية لسنة، وبعضهم يرى أنه يستقبل به حولاً جديداً.

§1/1